تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي

الزيلعي ، فخر الدين

[مقدمة الكتاب]

[مُقَدِّمَة الْكتاب] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَحَ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ بِنُورِ هِدَايَتِهِ، وَزَيَّنَهَا بِالْإِيمَانِ وَمَا أَلْهَمَهَا مِنْ حِكْمَتِهِ، أَحْمَدُهُ حَمْدَ عَارِفٍ لِعَظَمَتِهِ مُقِرٍّ بِوَحْدَانِيِّتِهِ، وَعَلَى مَنْ خَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ أَفْضَلَ صَلَاتِهِ وَتَحِيَّتِهِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى الْمَخْصُوصِ بِإِظْهَارِ مِلَّتِهِ عَلَى الْمِلَلِ كُلِّهَا وَدَوَامِ شَرِيعَتِهِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَنِهَايَتِهِ، وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ وَجَمِيعِ صَحَابَتِهِ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ بِإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْت هَذَا الْمُخْتَصَرَ الْمُسَمَّى بِكَنْزِ الدَّقَائِقِ أَحْسَنَ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ حَاوِيًا مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْوَاقِعَاتِ مَعَ لَطَافَةِ حَجْمِهِ لِاخْتِصَارِ نَظْمِهِ، أَحْبَبْت أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرْحٌ مُتَوَسِّطٌ يَحُلُّ أَلْفَاظَهُ، وَيُعَلِّلُ أَحْكَامَهُ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ الْفُرُوعِ مُنَاسِبًا لَهُ مُسَمًّى بِتَبْيِينِ الْحَقَائِقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْيِينِ مَا اكْتَنَزَ مِنْ الدَّقَائِقِ وَزِيَادَةِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ اللَّوَاحِقِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ مُعْتَصِمًا بِهِ عَنْ الزَّلَلِ وَالْخَلَلِ فِيمَا أَقُولُ وَأَفْعَلُ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [الْوُضُوء] (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ وَجْهِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهُوَ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) أَيْ الْوَجْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ وَهِيَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَحَدُّ الْوَجْهِ فِي الطُّولِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى آخِرِهِ) نُوقِشَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ وُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ قِصَاصِ شَعْرِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الطُّولِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. (الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي حُكْمِهِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى حَدُّ الْوَجْهَ طُولًا مِنْ قِصَاصِ شَعْرِهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. (الثَّالِثُ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أُذُنٍ شَحْمَةً وَالْعَرْضُ مِنْ الشَّحْمَةِ إلَى الشَّحْمَةِ وَلَيْسَ لِلْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ شَحْمَتَانِ. (الرَّابِعُ) يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِّ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَأُصُولِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ فِيهِ مُقَدَّرًا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعَسُّفٌ وَهُوَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَسَامَحُونَ فِي إطْلَاقِ الْعِبَارَاتِ وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ الْمُنَقَّحَةَ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ مِنْ قِصَاصِ شَعْرِهِ إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ وَمِنْ شَحْمَةِ الْأُذُنِ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِمَا قَدَّرْنَا أَيْضًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَقَطَتْ لِلْحَرَجِ وَعَلَى حَدِّ مَنْ يَقُولُ الْوَجْهُ مَا يُوَاجِهُهُ الْإِنْسَانُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمُوَاجَهَةِ عَيْنِيٌّ وَفِي الْقَافِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا وَقَوْلُهُ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ لَحْيَيْهِ

[سنن الوضوء]

مُبْتَدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ: بِمِرْفَقَيْهِ أَيْ مَعَ مِرْفَقَيْهِ، وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، يُقَالُ: اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِسَرْجِهِ أَيْ مَعَ سَرْجِهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْمَرَافِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا قُلْنَا: نَعَمْ لَا تَدْخُلُ لَكِنَّ الْمُغَيَّا هُنَا إنَّمَا هُوَ الْإِسْقَاطُ، فَتَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَسْقِطُوا مِنْ الْمَنَاكِبِ إلَى الْمَرَافِقِ، إذْ لَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَمْ يَكُنْ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَ الْمَرَافِقِ وَجْهٌ، بَعْدَمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْيَدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ) وَالْكَلَامُ فِيهِمَا كَالْكَلَامِ فِي الْيَدِ، وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبِ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بِتَثْنِيَةِ الْكَعْبِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، وَمِنْ اثْنَيْنِ وَهُوَ جُزْءٌ لَهُ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَقِيلَ إلَى الْكِعَابِ كَالْمَرَافِقِ فَبَطَلَ زَعْمُهُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْمَسْحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الرَّأْسِ، وَلَنَا قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْيَدَيْنِ «، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَمَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ»، وَالْجَرُّ لِلْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ» وَهِيَ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَاجِبُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ، وَهِيَ الْيَدُ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَصَابِعُ، وَهِيَ عَشَرَةٌ فَرُبْعُهَا اثْنَانِ وَنِصْفٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَمُلَ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمَمْسُوحَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا إذْ لَوْ جَازَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّةً تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ (وَلِحْيَتِهِ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللِّحْيَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى الرَّأْسِ أَيْ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ وَرُبْعِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ لِعَدَمِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ أَوْ لِتَعَسُّرِهِ وَجَبَ مَسْحُهُ كَالْجَبِيرَةِ، وَالْمَمْسُوحُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ فَاعْتُبِرَ الرُّبْعُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الرُّبْعِ أَيْ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ وَمَسْحُ لِحْيَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ مَسْحُ كُلِّ اللِّحْيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْهُ غَسْلُ الرُّبْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَسَّرَ غَسْلُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ انْتَقَلَ الْوَاجِبُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ كَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَسْحُ الرَّأْسِ لَمَّا تَعَسَّرَ انْتَقَلَ الْوَظِيفَةُ إلَى الشَّعْرِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ عَنْ الذَّقَنِ فَلَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّتُهُ) أَيْ سُنَّةُ الْوُضُوءِ (غَسْلُ يَدَيْهِ إلَى رُسْغَيْهِ ابْتِدَاءً كَالتَّسْمِيَةِ)، أَمَّا الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا آلَةُ التَّطْهِيرِ فَيُبْدَأُ بِتَنْظِيفِهِمَا وَقَالَ إلَى رُسْغَيْهِ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي التَّنْظِيفِ، وَأَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ، وَقَالَ كَالتَّسْمِيَةِ وَيَعْنِي كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ وَالْيَدِ الزَّائِدَتَيْنِ وَيَغْسِلُ الْأَقْطَعُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى طَرَفَ الْعُضْوِ كَنُونٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا) أَيْ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (قَوْلُهُ إلَى الْمَرَافِقِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ وَهُوَ لُغَةٌ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ) أَيْ لَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ دَلَّ أَنَّهُ ثَنَّى فِي كُلِّ رِجْلٍ (قَوْلُهُ وَمِنْ النَّاسِ) وَهُمْ الرَّوَافِضُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعِنْدَ الرَّوَافِضِ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْغَسْلُ غَيْرُ جَائِزٍ. (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ) أَيْ هُوَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ رُبْعِ رَأْسِهِ) وَالْغَسْلُ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَوْ مَعَ الْوَجْهِ، وَالْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ جِنَازَةً أَوْ نَفْلًا وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُهَا وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلِهَذَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ وَعِنْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلِلْجُنُبِ عِنْدَ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَلِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الِاخْتِلَافِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ) وَجْهُ اعْتِبَارِ الْآلَةِ أَنَّ الْبَاءَ إنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَحَلِّ اقْتَضَتْ اسْتِيعَابَ الْآلَةِ دُونَ الْمَحَلِّ، وَأَكْثَرُ الْآلَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ كُلِّهَا فَيَجِبُ الْمَسْحُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَقْرَبُ مِنْهُ مَسْحُ الرَّأْسِ) قِيَاسُ اللِّحْيَةِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ أَظْهَرُ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ الْبَشَرَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَمَا فِي شَعْرِ الرَّأْسِ بِخِلَافِ الْحَاجِبَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ وَهُوَ أَصَحُّ مَذْهَبِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ) تَقُولُ رَأَيْت وَجْهَهُ دُونَ لِحْيَتِهِ وَلَا يُقَالُ طَالَ وَجْهُهُ دُونَ لِحْيَتِهِ وَلَا يُقَالُ طَالَ وَجْهُهُ وَيُقَالُ طَالَتْ لِحْيَتُهُ انْتَهَى [سُنَن الْوُضُوء] (قَوْلُهُ وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ) ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَى رُسْغَيْهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرُّسْغُ كَالْقُفْلِ مَفْصِلٌ مَا بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ابْتِدَاءً) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدِئًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ السُّنَّةُ نَفْسُ الِابْتِدَاءِ بِفِعْلِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَسْلِ فَفَرْضٌ انْتَهَى

أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ مُطْلَقًا، فَكَذَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ مُطْلَقًا، وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُسْتَيْقِظِ فِي الْحَدِيثِ لَا يُنَافِي غَيْرَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَتْرُكْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ وَكَذَا مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ طَهُورًا لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ»، وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْوُضُوءِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى لَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ غَسْلِ الْبَعْضِ وَسَمَّى لَا يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ، فَيُشْتَرَطُ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ، وَقَدْ فَاتَ وَكُلُّ لُقْمَةٍ مِنْ الْأَكْلِ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ، فَلَمْ يَفُتْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ وَقِيلَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ عِنْدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَا يَكُونُ تَعْظِيمًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَمِّي فِيهِمَا احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ (وَالسِّوَاكِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى الْغَسْلِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَسْتَاكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ»، وَقَدْ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عِنْدَ فَقْدِهِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ يَعْنِي السِّوَاكَ وَالتَّسْمِيَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ) عَدَلَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَى الْغَسْلِ إمَّا اخْتِصَارًا أَوْ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ يُشْعِرُ بِالِاسْتِيعَابِ فَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»، وَالْغَسْلُ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعِنْ بِالْيَدَيْنِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ، أَوْ مَعْنَاهُ فَعَلَهُمَا بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَيَكُونُ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: الِاسْتِنْشَاقُ بِالْيُسْرَى؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَوْضِعُ الْأَذَى كَمَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَقَوْلُهُ وَغَسْلِ فَمِهِ يَجُوزُ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّسْمِيَةِ فَتَكُونُ الْمَضْمَضَةُ مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْوُضُوءِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَأَصَابِعِهِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ وَمَعْنَاهُ لَا يَكُونُ بِدْعَةً، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّهُ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ، وَدَاخِلُهَا لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا لِلْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُسْتَيْقِظِ فِي الْحَدِيثِ) «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ فِي ابْتِدَائِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ» الْحَدِيثَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَفُتْ) وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إنَّهُ يُسَمِّي فِيهِمَا) أَيْ لَا حَالَةَ الِانْكِشَافِ وَلَا فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ انْتَهَى كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسِّوَاكِ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْعَلْكَ لِلْمَرْأَةِ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ لِأَنَّهَا تَخَافُ مِنْ السِّوَاكِ سُقُوطَ سِنِّهَا؛ لِأَنَّ سِنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ سِنِّ الرَّجُلِ وَهُوَ مَا يُنَقِّي الْأَسْنَانَ انْتَهَى فَإِنْ قُلْت مِنْ فَوَائِده أَنَّهُ يَشُدُّ اللِّثَةَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي كَوْنِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ قَدْ تُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْأَسْنَانِ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَزِمْت السِّوَاكَ حَتَّى خَشِيت أَنْ يَدْرَدَ فِي» وَالدَّرَدُ سُقُوطُ الْأَسْنَانِ لَكِنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ لَا تُسْتَحَبُّ لِمَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ أَحْيَانًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت بَلْ الْأَظْهَرُ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُفِيدِ أَنَّ السِّوَاكَ مِنْ سُنَنِ الدِّينِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي فِيهِ كُلُّ الْأَحْوَالِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ وَالسِّوَاكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ عَدَلَ عَنْ الْمَضْمَضَةِ) وَالْمَضْمَضَةُ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ بِالْمَنْخَرَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ يُشْعِرُ بِالِاسْتِيعَابِ) وَإِمَّا تَنْبِيهًا عَلَى حَدَّيْهِمَا انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ بِالْغَرْغَرَةِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ بِالِاسْتِنْثَارِ انْتَهَى. كَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ غَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَا وَاجِبَتَيْنِ إذْ لَمْ يَذْكُرُوا عَنْهُ تَرْكَهُمَا وَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ التَّرْكِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى) أَيْ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَوْضِعُ الْأَذَى كَمَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ يَجُوزُ بِالْجَرِّ) أَيْ وَيَجُوزُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْغَسْلِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ فِي السِّوَاكِ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِالْبَاقِي جَازَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ لَا يَجُوزُ انْتَهَى (قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ) لِعَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فَإِنَّهُمَا سُنَّتَانِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَقَالَ الْكَاكِيُّ فِي جَوَابِهِ إنَّهُمَا فِي الْوَجْهِ وَالْوَجْهُ مَحَلُّ الْفَرْضِ إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) أَيْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا لِلْأَمْرِ الْوَارِدِ) فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّخْلِيلُ وَاجِبًا نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَدَيْنِ وَاحِدٌ وَثَانِيهَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ لِتَارِكِهِ قُلْنَا هَذَا لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْآحَادِ وَلَا الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِهَا وَيَجِبُ بِوُجُوبِهَا فَلَوْ قُلْنَا

الْوَارِدِ بِهِ، وَلِأَنَّ أَثْنَاءَهَا مَحَلٌّ لِلْفَرْضِ بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ عِنْدَهُمَا هَذَا إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى أَثْنَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَتْ مُنْضَمَّةً فَوَاجِبٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ»، ثُمَّ قِيلَ التَّعَدِّي يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَالظُّلْمُ إلَى النُّقْصَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ، فَالْأَوَّلُ فَرْضٌ وَالثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ إكْمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ الثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ، وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّ الثَّلَاثَ تَقَعُ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قِيلَ أُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدُ الْعَدَدِ فِيهِمَا، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الثَّلَاثَ سُنَّةً حَتَّى لَوْ رَأَى الثَّلَاثَ سُنَّةً، ثُمَّ زَادَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَا النُّقْصَانُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِيَّتُهُ) أَيْ وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي التَّيَمُّمِ تَكْفِي فَكَذَا هَاهُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ وَنِيَّةُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا ثُمَّ هِيَ سُنَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعَلِّمْ الْأَعْرَابِيَّ النِّيَّةَ حِينَ عَلَّمَهُ الْوُضُوءَ مَعَ جَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ شُرُوطِهَا بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ فَاقْصِدُوا، وَلِأَنَّهَا فِي التَّيَمُّمِ لِصَيْرُورَةِ التُّرَابِ طَهُورًا لِأَنَّهُ مُلَوَّثِ وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ حِسًّا وَكَذَا شَرْعًا وَحُكْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] فَمَنْ شَرَطَ النِّيَّةَ لِصَيْرُورَتِهِ طَهُورًا فَقَدْ زَادَ فِيهِ، وَهُوَ نَسْخٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً وَأُذُنَيْهِ بِمَائِهِ) أَيْ وَمَسْحُ كُلِّ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْسِ وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَضَعُ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَيَمُدُّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوُجُوبِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَسَاوَى التَّبَعُ الْأَصْلَ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الضَّعْفِ فِي بَيَانِ الْوُصُولِ فِي شَرْحِ الْأُصُولِ وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بَلْ الْوَاجِبُ الْقَوِيُّ أَنَّ الْأَمْرَ الثَّابِتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ ظَاهِرِهِ كَخَبَرِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَخَبَرِ الْفَاتِحَةِ. أَمَّا إذَا وُجِدَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ وَهَاهُنَا عَارَضَ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ تَعْلِيمِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي حُكِيَ فِيهَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ التَّخْلِيلَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا فَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ السُّنَّةِ الَّتِي دُونَ الْوُجُوبِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الدَّلَائِلِ الَّتِي تَدُلُّ ظَوَاهِرُهَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ مُعَارَضٌ بِمَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِهِ إذَا تَأَمَّلْت فِيهَا وَقَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَلِّلُوا» الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى الرَّوَافِضِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ») قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ النَّقْصُ مِنْ الثَّلَاثِ ظُلْمًا كَانَ التَّثْلِيثُ وَاجِبًا لَا سُنَّةً قُلْت: كَوْنُهُ ظُلْمًا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةً لَا بِمُجَرَّدِ النَّقْضِ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ إلَى آخِرِهِ) رَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ زَادَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا النُّقْصَانُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) كَإِعْوَازِ الْمَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ) فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مَثَلًا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ تُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ انْتَهَى يَحْيَى وَوَقْتُهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ انْتَهَى جَوْهَرَةٌ قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ أَيْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ إيقَاعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ لِلطَّهَارَةِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ: إنَّ الْمَاءَ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّسْيَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّيَّةَ سُنَّةٌ لِأَنَّ بِهَا يَصِيرُ الْفِعْلُ قُرْبَةً بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً) وَتَرْكُهُ دَائِمًا إثْمٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّثْلِيثُ فِي الْغَسْلِ سُنَّةٌ وَالتَّثْلِيثُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَةِ بِدْعَةٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ سُنَّةٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ ثُمَّ يُدْخِلُ السَّبَّابَةَ فِي أُذُنِهِ وَيُدِيرُ إبْهَامَيْهِ مِنْ وَرَائِهِمَا انْتَهَى قَالَ فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَإِدْخَالُ الْأَصَابِعِ فِي صِمَاخِ الْأُذُنَيْنِ أَدَبٌ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ انْتَهَى

[مستحبات الوضوء]

الطَّرِيقَةِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ، وَلِأَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ بِالنَّصِّ أَيْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الرَّأْسِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا إذَا مَسَحَهُمَا بِمَاءٍ مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ فَالْأُذُنُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ، وَقَوْلُهُ مَرَّةً مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثًا كَالْمَغْسُولِ، وَلَنَا «أَنَّ عُثْمَانَ حَكَى وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ مَرَّةً» وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْغَسْلِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْمَسْحِ فَلَا يُفِيدُ التَّكْرَارُ فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ وَالتَّيَمُّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِذِكْرِهِ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَأَوْجَبَ غَسْلَ الْوَجْهِ عَقِيبَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَمَنْ أَجَازَ الْبُدَاءَةَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ فَصَلَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ» الْحَدِيثَ وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْفَاءِ قُلْنَا إنَّ الْفَاءَ وَإِنْ اقْتَضَتْ التَّرْتِيبَ لَكِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ بِالْوَاوِ مَعَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدَةِ فَأَفَادَتْ تَرْتِيبَ غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لَا تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالْبَدِيهَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَلِلْقَاتِلِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ إجْمَاعًا. وَلَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ إذَا دَخَلْت السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا وَخُبْزًا وَمَوْزًا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِثُمَّ فَإِنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْبُدَاءَةَ بِالْيَدَيْنِ وَهُوَ يُوجِبُهُ بِالْوَجْهِ، وَالثَّانِي أَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَصَارَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] أَيْ وَصَوَّرْنَاكُمْ، وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] أَيْ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَقْتَ الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَافِرِ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ آمَنَ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثٍ آخَرَ حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» يُوجِبُ التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُرَتَّبًا قُلْنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِابْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَاءُ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ الْعُضْوَ الثَّانِيَ قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ غَيْرِ الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ حَتَّى فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْحُ رَقَبَتِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَيْهَا. وَمِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَتَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَقْتِ وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ) أَيْ يَمُدُّ الْأَصَابِعَ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إلَى الْقَفَا، ثُمَّ يَمْسَحُ الْفَوْدَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ انْتَهَى يَحْيَى السِّيرَامِيُّ (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ) أَيْ وَضْعِ الْكَفَّيْنِ وَمَدِّهِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ التَّكْرَارَ) أَيْ وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ غَسْلٌ فَتُغَيِّرُ وَظِيفَةَ الرَّأْسِ، وَقِيَاسُنَا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَمْسُوحُ عَلَى الْمَغْسُولِ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَمْسُوحِ عَلَى الْمَمْسُوحِ انْتَهَى. ابْنُ فَرْشَتَةَ (قَوْلُهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُلَمَاءِ) لِيَخْرُجَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ (قَوْلُهُ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ» إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ) فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوْ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] أَيْ وَصَوَّرْنَاكُمْ وقَوْله تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] أَيْ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَقْتَ الْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَافِرِ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ آمَنَ بَعْدَهُ كَذَا فِي أَصْلِ نُسْخَةِ الشَّيْخِ يَحْيَى السِّيرَامِيِّ الَّتِي بِخَطِّ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَايَتِيِّ قَالَ السِّيرَامِيُّ لَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي الْمُسَوَّدَةِ الَّتِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ) أَيْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ قَبُولِ الصَّلَاةِ بِدُونِ آدَابِهِ فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْوُضُوءِ دُونَ سُنَنِهِ وَآدَابِهِ انْتَهَى يَحْيَى [مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ رَقَبَتِهِ) أَيْ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بَلَّتِهِمَا وَالْحُلْقُومُ بِدْعَةٌ انْتَهَى كَمَالٌ، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ انْتَهَى [آدَاب الْوُضُوء] (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ فِيهِ بِغَيْرِهِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ بِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْفَجْرِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِثَوَابِهِ وَأَخْلَصَ لِعِبَادَتِهِ انْتَهَى وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أُسَامَةَ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُضُوئِهِ»، وَكَذَلِكَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَفِي شَرْحِهِ لِمُغَلْطَاي قَالَ فِي الطَّبَرِيِّ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ الْوَضُوءَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْمَنْعُ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ لِأَنَّ رَاوِيَ الْمَنْعِ عَنْهُ أَيَقَعُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَثَبَتَ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ النَّضْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْجَوْنِ عَنْهُ وَهُمَا غَيْرُ حُجَّةٍ فِي الدِّينِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أُسَامَةُ تَبَرَّعَ بِالصَّبِّ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدْعِيَ الْإِنْسَانُ

[مكروهات الوضوء]

لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِكَلَامِ النَّاسِ وَيَنْثُرَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ لَطْمٍ وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ وَجَعْلُ الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ عَلَى يَسَارِهِ وَالْكَبِيرِ الَّذِي يَغْتَرِفُ مِنْهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَا تُرِحْنِي رَائِحَةَ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك، وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، وَيَقُولُ بَعْدَ الْفَرَاغِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَشْرَبُ شَيْئًا مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا قِيلَ لَا يَشْرَبُ قَائِمًا إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُنْقِصُ مَاؤُهُ أَيْ مَاءَ وُضُوئِهِ عَنْ مُدٍّ. وَمَكْرُوهَاتُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَالْإِسْرَافُ فِيهِ وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ مِنْهُ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ نَجِسٍ فَدَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ جَمِيعُ النَّوَاقِضِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ كَالدُّودَةِ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ وَتِلْكَ هِيَ النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ فَصَدَقَ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ مِنْ بَيَانِ الْمَخْرَجِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. اعْلَمْ أَنَّ الْمَخْرَجَ عَلَى نَوْعَيْنِ سَبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا السَّبِيلَانِ فَخُرُوجُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُمَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا يَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ الْحَدَثِ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَاهُ وَمَا رَوَيْنَاهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسْتَحَاضَةِ «تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، ثُمَّ خُرُوجُهُ يَكُونُ بِالظُّهُورِ حَتَّى لَا يَنْتَقِضُ بِنُزُولِ الْبَوْلِ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقُلْفَةِ انْتَقَضَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَالْقَصَبَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ حَشَا إحْلِيلَهُ بِقُطْنٍ فَخُرُوجُهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ، وَإِنْ حَشَتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا بِهِ فَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبَّ مِنْ غَيْرِهِ فَيَأْمُرُهُ بِهِ فَيُقَالُ لَهُ نَعَمْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ عِنْدِ التِّرْمِذِيِّ مُحْسِنًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِيضَأَةٍ فَقَالَ اُسْكُبِي فَسَكَبْت» وَالِاسْتِعَانَةُ جَائِزَةٌ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ مِنْ عِنْدِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ «صَبَبْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي الْوُضُوءِ»، وَأَمَّا فِي حَدِيثِ «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَحَدٍ» فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، لَكِنْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا كَانَ يَسْتَعِينُ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَحَدٍ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْجَوَازِ وَالثَّانِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، كَذَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَالْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ أَوْلَى مِنْهَا عَلَى الطَّنَافِسِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ جِهَةِ الْآدَابِ اسْتِقَاءَ مَائِهِ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَمْلَأَ الْإِنَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ اسْتِعْدَادًا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، وَأَنْ لَا يُكَلِّمَ النَّاسَ فِي الْوُضُوءِ انْتَهَى. زَادُ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ ذِكْرِك إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ مَأْثُورَةٌ عَنْ السَّلَفِ، وَلَيْسَتْ بِمَنْقُولَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى [مَكْرُوهَات الْوُضُوء] . (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ التَّجْفِيفُ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ بِالْمِنْدِيلِ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَلَاءِ انْتَهَى كَاكِيٌّ [نَوَاقِض الْوُضُوء] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ) أَشَارَ بِالْخُرُوجِ إلَى أَنَّ الْمَخْرَجَ لَا يَنْقُضُ، وَالْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فِي السَّبِيلَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ النَّوَاقِضُ الْحَقِيقِيَّةُ) احْتِرَازًا عَنْ النَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَتِلْكَ هِيَ النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ) وَعَلَى هَذَا فَإِضَافَتُهُمْ النَّقْضَ إلَى الدُّودَةِ مَجَازٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ) كَالْحَصَاةِ وَالدُّودَةِ وَالْمُعْتَادُ قَدْ لَا يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقُلْفَةِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِلَى الْقُلْفَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا بَوْلٌ وَلَمْ يَظْهَرْ (قَوْلُهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ) وَلَوْ نَفَذَ إلَى طَاقٍ وَلَمْ يَنْفُذْ إلَى الْآخَرِ نَقَضَ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا) فَلَوْ أَخْرَجَتْهُ وَعَلَيْهِ بَلَّةٌ كَانَ حَدَثًا حَالَةَ الْإِخْرَاجِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ فِي الشَّفَتَيْنِ نَقَضَ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْخُرُوجُ لَا الْخَارِجُ النَّجِسُ وَعِبَارَتُهُ فِي الْوَافِي وَيَنْقُضُهُ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَهِيَ كَمَا تَرَى صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْخَارِجُ النَّجِسُ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُسْتَصْفَى عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّافِعِ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ شُرِطَ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ نَاقِضٍ مَا لَمْ تُوصَفْ بِالْخُرُوجِ إذْ لَوْ كَانَ نَفْسُهَا نَاقِضًا لَمَا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ لِشَخْصٍ مَا

فِيمَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْبِسْهُ لَخَرَجَ. وَلَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا يَدَهَا أَوْ شَيْئًا آخَرَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا إذَا أَخْرَجَتْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ النَّجَاسَةَ، وَالرِّيحُ الْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَذَكَرِ الرَّجُلِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَهِيَ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا وَاحِدًا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجِبُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الرِّيحُ مُنْتِنَةً يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْخُنْثَى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْفَرْجُ الْآخَرُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْحَةِ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَسِلْ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا أَيْ غَيْرُ السَّبِيلَيْنِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَلَوْ كَانَ حَدَثًا لَذَكَرَهُ، وَلِأَنَّ تَرْكَ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ نَجَسٌ وَغَسْلَ مَوْضِعٍ لَمْ يُصِبْهُ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ». وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ، أَمَّا مَوْضِعُ الْخُرُوجِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْوَصْفِ فَإِذَا وُصِفَ مَوْضِعٌ مِنْهُ بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ وَصْفُ كُلِّهِ بِذَلِكَ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالصِّدْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِهِ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَإِذَا صَارَ كُلُّهُ نَجِسًا وَجَبَ تَطْهِيرُ كُلِّهِ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي السَّبِيلَيْنِ لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا فَأَلْحَقْنَا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا رَوَاهُ لَا يُنَافِي غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّمْسَ عِنْدَهُ حَدَثٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ الْخُرُوجُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُصُولِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدَةِ مَمْلُوءٌ دَمًا فَبِالظُّهُورِ لَا يَكُونُ خَارِجًا بَلْ بَادِيًا وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الِانْتِقَالِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَكَذَا لَوْ عَلَا عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ لَمْ يَنْقُضْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِلٍ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْتَقِضُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدِيدِ وَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْمَاءِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي غَيْرِ الدَّمِ، هُوَ يَجْعَلُهُ كَالْعَرَقِ وَاللَّبَنِ وَالْمُخَاطِ وَلَنَا أَنَّهُ دَمٌ تَمَّ نُضْجُهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ فَيَصِيرُ صَدِيدًا، ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ قَيْحًا، ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ مَاءً فَإِذَا تَمَّ نُضْجُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ خِلَافَ الْحَسَنِ فِي الْمَاءِ لَا غَيْرُ وَلَوْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ الْأَنْفِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّيقِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الْبُصَاقَ سَائِلٌ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ فَكَذَا مُسَاوِيهِ بِخِلَافِ الْمَغْلُوبِ لِأَنَّهُ سَائِلٌ بِقُوَّةِ الْغَالِبِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ فَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ انْتَقَضَ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ لَا يَنْتَقِضُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ خُبْزًا وَرَأَى أَثَرَ الدَّمِ فِيهِ مِنْ أُصُولِ أَسْنَانِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ إصْبَعَهُ أَوْ طَرَفَ كُمِّهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الصَّدِيدُ إنْ كَانَ بِدُونِ الْوَجَعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَمَعَ الْوَجَعِ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَدُهَا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الدُّبُرِ يَنْقُضُ وُضُوءُهُ وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ إصْبَعَهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْبَلَّةِ السَّائِلَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَذَكَرِ الرَّجُلِ لَا يَنْقُضُ) أَيْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا) لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الدُّبُرِ انْتَهَى هِدَايَةٌ. وَأَثَرُ هَذَا الِاحْتِمَالِ يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُفْضَاةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي دُبُرِهَا لَا فِي قُبُلِهَا انْتَهَى كَاكِيٌّ. وَفِي حُرْمَةِ جِمَاعِهَا عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ إتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ انْتَهَى كَمَالٌ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ إشَارَةً إلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ يَجِبُ) وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ) وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الْفَرْجِ الْمُعْتَادِ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ، وَلَا يُشْتَرَطُ السَّيَلَانُ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ) يَعْنِي سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فَرْجٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ السَّبِيلَيْنِ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ) أَيْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) أَيْ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ) كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ إنَّمَا كَانَ حَدَثًا لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً فَيَكُونُ حَدَثًا يَحْيَى (قَوْلُهُ خِلَافَ الْحَسَنِ فِي الْمَاءِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ جُدَرِيٌّ أَوْ مَجَلَتْ يَدُهُ مُجْتَبَى (قَوْلُهُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ فِي فَصْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَوْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَعَمْ إذَا عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ عَلَامَةٍ تُغَلِّبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ انْتَهَى

لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَكَلَهُ الذُّبَابُ فَازْدَادَ فِي مَكَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَزِيدُ وَيَسِيلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ خَرَجَ بِالْعَصْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْقُضُ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ وَلَوْ مِرَّةً أَوْ عَلَقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً)، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْقَيْءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ خُرُوجُ نَجِسٍ لِمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَهُوَ حَدَثٌ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ قَالَ أَوْ دَسْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، وَلَوْ قَاءَ دَمًا إنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ عَلَقًا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ وَإِنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ احْتَرَقَتْ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا نَقَضَ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمَضْمَضَةِ، وَلَهُ حُكْمُ الدَّاخِلِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مِثْلُ الرِّيقِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مِلْءِ الْفَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَقِيلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بَلْغَمًا) أَيْ الْبَلْغَمُ الصِّرْفُ لَا يَنْقُضُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ دُونَ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْمَعِدَةُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فَصَارَ كَمَا قَاءَ بُصَاقًا، وَلَوْ كَانَ الْبَلْغَمُ مَخْلُوطًا بِالطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ نَقَضَ إجْمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ دَمًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ)؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّهُ بُصَاقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَ الْغَلَبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ) أَيْ السَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَ الْقَيْءِ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْءُ الثَّانِي قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ؛ لِأَنَّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ أَثَرًا فِي جَمِيعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ لَوْ مَرِضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَ عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجْمَعُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا كَالْعُقُودِ أَيْ حَتَّى يَرْتَبِطُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ وَكَالْإِقْرَارِ وَالتِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ يَجْمَعُ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ) قَالَ الْكَمَالُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ النَّقْضُ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ فَصَارَ كَالْفَصْدِ وَقِشْرِ النَّفْطَةِ، فَلِذَا اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ النَّقْضَ وَفِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ، وَكَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعَلُّقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ انْتَهَى. وَفِي النَّوَازِلِ وَفَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ عُصِرَتْ الْقُرْحَةُ فَخَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ وَلَوْ لَمْ يَعْصِرْ لَا يَخْرُجُ لَا يَنْقُضُ، وَلَكِنْ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ الدَّمُ بِعَصْرِهَا انْتَقَضَ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَلَا يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ إنَّ فِيهِمَا بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدَةِ يَخْرُجُ الدَّمُ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُخْرَجُ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) أَيْ فَمَ الْمُتَوَضِّئِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ مِرَّةً) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ صَفْرَاءَ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَقًا) أَيْ دَمًا جَامِدًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ الْمُدَّعَى وَهُوَ كَوْنُ الْقَيْءِ مِلْءَ الْفَمِ حَدَثًا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، أَقُولُ الْمُدَّعَى هَاهُنَا كَوْنُ الْقَيْءِ حَدَثًا، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مِلْءِ الْفَمِ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ سَيَأْتِي انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ أَوْ قَلَسَ) الْمَضْبُوطُ أَوْ رَعَفَ يَحْيَى. (قَوْلُهُ تَمْلَأُ الْفَمَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ نَوْمٍ غَالِبٍ وَقَيْءٍ ذَارِعٍ وَتَقَاطُرِ بَوْلٍ وَدَمٍ سَائِلٍ وَدَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَالْحَدَثِ وَالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ أَوْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ يُعْرَفُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ السَّائِلِ وَالْقَيْءِ وَمِنْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ»، وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ عَفَّانَ وَالْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ) قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ أَقُولُ هَذَا تَعْلِيلُ النَّصِّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَعْلِيلَ يُقَابِلُهُ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ لَانْتَفَى التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَفِي الْأَقَارِيرِ اُعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ لِلْعُرْفِ وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا) يَعْنِي كَالسَّبَبِ (قَوْلُهُ وَكَالْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِقْرَارِ إذَا تَكَرَّرَ فَهُوَ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) حُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْإِمَامِيَّةِ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَانَ

لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّ مَنْ اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» أَيْ اسْتَرْخَتْ غَايَةَ الِاسْتِرْخَاءِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الِاسْتِرْخَاءِ مَوْجُودٌ حَالَةَ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُفِيدُ التَّخْصِيصُ بِحَالَةِ الِاضْطِجَاعِ ثُمَّ النَّائِمُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ مُتَوَرِّكًا وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدَةِ عَنْ الْأَرْضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ زَائِلَةً نَقَضَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِلَةٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَنْقُضُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ يَكُونُ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا»، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ كَانَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِلَّا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرِيضِ إذَا كَانَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا فَنَامَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ وُضُوءَهُ يَنْتَقِضُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالنُّعَاسُ نَوْعَانِ ثَقِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَخَفِيفٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِيهَا، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسْمَعُ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ وَإِلَّا فَهُوَ ثَقِيلٌ وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ جَنْبِهِ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ سُقُوطِهِ أَوْ حَالَةَ سُقُوطِهِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا وَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ بَعْدَ السُّقُوطِ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ نَقَضَ لِوُجُودِ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ بِالسُّقُوطِ لِزَوَالِ الِاسْتِمْسَاكِ حَيْثُ سَقَطَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ تُزَايِلَ مَقْعَدَتُهُ الْأَرْضَ لَمْ يَنْتَقِضْ، وَإِنْ زَايَلَهَا وَهُوَ نَائِمٌ انْتَقَضَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ثُمَّ النَّوْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَإِنَّمَا الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو النَّائِمُ عَنْهُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِغْمَاءٌ وَجُنُونٌ وَسُكْرٌ) فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَكُونُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَيْ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ النَّائِمَ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ بِخِلَافِ مَنْ قَامَ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَلِأَنَّ لِلْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ أَثَرًا فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَتُرِكَ بِالنَّصِّ وَلَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ الْإِغْمَاءُ مَا يَصِيرُ الْعَقْلُ بِهِ مَغْلُوبًا وَالْجُنُونُ مَا يَصِيرُ بِهِ مَسْلُوبًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إذَا نَامَ أَجْلَسَ عِنْدَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ فَإِذَا انْتَبَهَ سَأَلَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ انْتَهَى. وَفِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ نَامَ جَالِسًا وَهُوَ يَتَمَايَلُ فَتَزُولُ مَقْعَدَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَمُجْتَبَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ انْتَهَى وَفِي الْقُنْيَةِ وَنَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِحَدَثٍ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الطَّرَسُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَوْمُ النَّبِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ... لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ حَتْمًا فَاعْلَمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى سُمِعَ لَهُ غَطِيطٌ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» انْتَهَى. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ إنَّمَا لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ أَوْ لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ إنَّ لِلْإِثْبَاتِ وَمَا لِلنَّفْيِ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ مَا عَدَاهُ وَلَا يُقَالُ الْحُكْمُ لَمْ يَنْحَصِرْ هَاهُنَا لِانْتِقَاضِهِ بِغَيْرِ النَّوْمِ قُلْنَا حَصْرُ الْوُضُوءِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّوْمِ فِي النَّوْمِ بِصِفَةِ الِاضْطِجَاعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ عَلَى الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَّكِئِ لِاسْتِوَائِهِمَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ هَكَذَا قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ حَالَةَ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ الْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ وَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ بِوَضْعِ الْجَنْبِ عَلَيْهَا انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ حَيْثُ سَقَطَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ. (فَائِدَةٌ) سُئِلْت عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ (فَأَجَبْت) بِعَدَمِ النَّقْضِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ مَا يَخْرُجُ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَهُ نَقْضُ وُضُوءِ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ بِالنَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ النَّوْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي كَوْنِ نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَيْنَهُ حَدَثٌ بِالسُّنَّةِ الْمَرْوِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ طَاهِرًا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَلَا يُزَالُ الْيَقِينُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَخُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهُ لَيْسَ بِيَقِينٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ عَيْنَهُ حَدَثٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَدَثَ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ عَادَةً فَإِنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ مُسْتَحْكِمٌ فَتَسْتَرْخِي مَفَاصِلُهُ فَيَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَادَةً، وَمَا ثَبَتَ مِنْهُ عَادَةً كَالْمُتَيَقِّنِ بِهِ فَيَثْبُتُ الْحَدَثُ تَقْدِيرًا لِقِيَامِ النَّوْمِ مَقَامَ الْخُرُوجِ انْتَهَى كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجُنُونٌ) وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَنْقُضْ لِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ بَلْ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ مَا بِهِ يَصِيرُ مَسْلُوبًا) فَعَنْ هَذَا صَحَّ الْإِغْمَاءُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ الْجُنُونِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مَا لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ سَرِيِّ الدِّينِ أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى قَيْدِ الشَّرَائِدِ مَا نَصُّهُ وَحَدُّ السُّكْرِ النَّاقِضِ فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ هُوَ حَدُّهُ فِي الْحَدِّ، وَهُوَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالصَّحِيحُ مَا قِيلَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي مِشْيَتِهِ تَحَرُّكٌ فَهَذَا سُكْرٌ يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَكَانَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَالٍ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي

إذَا دَخَلَ فِي مَشْيِهِ اخْتِلَالٌ نَقَضَ، وَلِذَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَسْكَرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَقَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ مِمَّا لَيْسَ بِمُصَلٍّ، وَيَنْصَرِفُ قَوْلُهُ مُصَلٍّ إلَى الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْهُودَةُ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَالِغٍ مِمَّنْ لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ يَنْقُضُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَهْقِهَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَالْكُلُّ نَاقِضٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدَثًا لَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَعْمَى تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَضَحِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ ضَحِكَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ»، وَالْقِيَاسُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ مَرْدُودٌ، وَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ إظْهَارُ الْخُشُوعِ، وَالضِّحْكُ يُنَافِيهِ فَنَاسَبَ الْمُجَازَاةَ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ زَجْرًا لَهُ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ يَبْطُلَانِ بِالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَلَغَ هَذِهِ الْغَايَةَ مِنْ الضِّحْكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رُبَّمَا غَابَ حِسُّهُ فَأَشْبَهَ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ وَالْجُنُونَ. فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِئْرٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّحَابَةِ ضَحِكٌ خُصُوصًا خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَثْبُتُ، قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْ ضَحِكَ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَلَا الْعَشَرَةَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَلَا الْكِبَارَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَلْ لَعَلَّ الضَّاحِكَ كَانَ مِنْ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ كَمَا بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِاللَّهْوِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْبِئْرِ بِئْرٌ حُفِرَتْ لِأَجْلِ الْمَطَرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى بِئْرًا وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِالْقَهْقَهَةِ وَلَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَقِيلَ تَبْطُلُ طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَيُعِيدُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ وَلَوْ قَهْقَهَ نَائِمًا فِي الصَّلَاةِ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَجْلِ أَنَّهُ كَلَامٌ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلِلنَّصِّ إذْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَبْطُلُ الْوُضُوءُ دُونَ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَقِيلَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ دُونَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَبِيحٍ فِي حَقِّهِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَةً، وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ أَنَّهَا كَلَامٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَتْ الْقَهْقَهَةُ بِقَبِيحَةٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، ثُمَّ الْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْوُضُوءِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّخِيرَةِ وَفِي عُرُوضِ هَذَا فِي الصَّلَاةِ نَظَرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ صَارَ فِي أَثْنَائِهَا إلَى حَالَةٍ لَوْ مَشَى فِيهَا لَتَحَرَّكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ فِي مَشْيِهِ اخْتِلَالٌ نَقَضَ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْوُضُوءَ وَقُلْنَا الْقَهْقَهَةُ حَدَثٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْأَخْبَارِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ انْتَهَى كَافِي. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَيْ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بَلْ يَبْطُلُ مَا قَهْقَهَ فِيهِ شَرْحُ الْوِقَايَةِ انْتَهَى هَذَا إذَا قَهْقَهَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، أَمَّا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ الضَّحِكُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَيْسَ كَالضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعْظُمُ الْجِنَايَةُ مِنْهُ بِالضَّحِكِ فِي حَالَةِ الْمُنَاجَاةِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَلَا تَكُونُ مُنَاجَاةً، وَكَذَلِكَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مُنَاجَاةً انْتَهَى مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ جَعَلَهَا حَدَثًا فَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً فَيَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُ التَّيَمُّمَ الْقَهْقَهَةُ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ قَالَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ وَهَلْ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ بِلَا تَجْدِيدِ وُضُوئِهِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا يُبْطِلُهُ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَبْطُلُ الْمُتَضَمَّنُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبْطِلُهُ وَيُعِيدُهُ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَ الْقَهْقَهَةِ لَا أَنَّهَا حَدَثٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ بِخَارِجٍ نَجِسٍ بَلْ هِيَ كَالْبُكَاءِ وَالْكَلَامِ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ) الْمُخْتَارُ أَنَّ كَلَامَ النَّائِمِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْقَهْقَهَةُ إلَى آخِرِهِ) وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ حَدَثًا بِشَرْطِ كَوْنِهَا جِنَايَةً وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَا يَغْلِبُ وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ سَاهِيًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ تُذَكِّرُهُ فَلَا يُعْذَرُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَيَنْقُضُهُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا إذَا كَانَ نَائِمًا فِي صَلَاتِهِ وَقَهْقَهَ فِي نَوْمِهِ لَا يَنْتَقِضُ، وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْمُخْتَارِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أُحْجِيَّةٌ وَضَحِكُ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ سَوَاءٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الضِّحْكَ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُبَاشَرَةُ فَاحِشَةٍ) تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ انْتَهَى قُنْيَةٌ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مُحْدِثٌ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفَنِيَ الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْسِلُ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ وَيُصَلِّي وَعِنْدَهُمَا يَغْسِلُ جَمِيعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هَلْ تُبْطِلُ مَا غَسَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ

مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَيَنْتَشِرَ ذَكَرُهُ لَهَا وَيَضَعَ فَرْجُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُمَاسَّةَ الْفَرْجِ لِلْفَرْجِ، وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ إلَّا بِخُرُوجِ مَذْيٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لَا تَخْلُو عَنْ خُرُوجِ مَذْيٍ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) أَيْ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِخِلَافِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّبُرِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ نَقَضَ الْوُضُوءَ فَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ لَوْ سَقَطَ لَا يَنْقُضُ فَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ قَلِيلًا مِنْ الرُّطُوبَةِ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسُّ ذَكَرٍ) أَيْ مَسُّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ النَّاقِضِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ مِثْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْهُ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَكْثَرُهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ فَصَارَ كَالْمَذْيِ، وَكَمَا فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِاسْتِطْلَاقِ الْمَنِيِّ جُعِلَ كَالْمَنِيِّ، وَلَنَا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَهُ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ هَلْ هُوَ إلَّا مُضْغَةٌ مِنْك أَوْ بَضْعَةٌ مِنْك»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَكَابِرِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْك» وَحَدِيثُ بُسْرَةَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ «وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ وَمِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ قُلْنَا الْإِقَامَةُ لَهَا قَاعِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَعَذَّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّيْءِ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَهُ كَمَا فِي نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أُقِيمَا مَقَامَ الْخَارِجِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ وُجُودَهُ عِنْدَ سَبَبِهِ مَعَ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ فَيُجْعَلُ النَّادِرُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُنَا وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ دُونَ الْمَمْسُوسِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَلَا وُجِدَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْمَاسِّ بَلْ كَانَ الْمَمْسُوسُ أَوْلَى بِالنَّقْضِ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّهْوَةِ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَسُّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ أَوْ مَوْضِعُ الْجَبِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يَنْقُضُ بِلَا دَلِيلٍ نَقْلِيٍّ وَلَا عَقْلِيٍّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسُّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَامْرَأَةٍ) أَيْ وَمَسُّ امْرَأَةٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ النَّاقِضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَلِأَنَّ مَسَّهَا سَبَبُ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَلَنَا حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلِي، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتهمَا» وَعَنْهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ» وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَفَسَّرَ الْآيَةَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ اللَّمْسُ إذَا قُرِنَ بِالْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لَمَسْت الْمَرْأَةَ أَيْ جَامَعْتهَا فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ اللَّمْسِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَعِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ اللَّمْسُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمَسَّ وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47]، وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَاللَّمْسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي اللُّغَةِ حَتَّى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ اللَّمْسُ وَالْمَسُّ بِالْيَدِ وَيُكْنَى بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فِي حَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ لَا وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَيَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ) فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ لَا يُعْتَبَرُ انْتِشَارُ آلَةِ الرَّجُلِ فِي انْتِقَاضِ طَهَارَةِ الْمَرْأَةِ كَاللَّمْسِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ انْتَهَى قُنْيَةٌ وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَالْأَمْرَدِ تَنْقُضُ عِنْدَهُمَا انْتَهَى قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) وَكَذَا إذَا خَرَجَ الْعِرْقُ الْبَدَنِيُّ) لَا يَنْقُضُ انْتَهَى مس

[الغسل]

وُجُودِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَى أَنْ قَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَهُمَا حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِيَكُونَ التُّرَابُ طَهُورًا لِلْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ كَمَا كَانَ الْمَاءُ طَهُورًا لَهُمَا لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى بَيَانِهِمَا فَإِذَا حُمِلَتْ الْآيَةُ عَلَى الْجِمَاعِ كَانَ بَيَانًا مُفِيدًا لِلْحُكْمِ فِيهِمَا مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِلْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِمَاعُ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ. [الْغُسْل] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْضُ الْغُسْلِ غَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَبَدَنِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَى الْغَسْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ أَيْ مِنْ السُّنَّةِ، وَهِيَ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» وَلِهَذَا كَانَتَا سُنَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَيْ فَطَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ يَجِبُ غَسْلُهُ، وَبَاطِنُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ يُمْكِنُ غَسْلُهُ فَإِنَّهُمَا يُغْسَلَانِ عَادَةً وَعِبَادَةً نَفْلًا فِي الْوُضُوءِ وَفَرْضًا فِي الْجَنَابَةِ بِخِلَافِ بَاطِنِ الْعَيْنَيْنِ وَبَاطِنِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْعَمَى فِي الْعَيْنَيْنِ وَالضَّرَرَ فِي الْجُرْحِ، وَلِهَذَا كُفَّ بَصَرُ مَنْ تَكَلَّفَ غَسْلَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَجِبُ غَسْلُ الْوَجْهِ، وَهُوَ مَا تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ بِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ بِدَاخِلِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» وَرُوِيَ «فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ» فَفِي الْفَمِ بَشَرَةٌ وَفِي الْأَنْفِ شَعْرَةٌ وَبَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ هِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَقِي اللَّحْمَ مِنْ الْأَذَى وَمَا رَوَاهُ الْخَصْمُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْخِتَانَ، وَهُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَكَذَا ذَكَرَ الِانْتِقَاصَ بِالْمَاءِ وَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَذَلِكَ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْكِتَابِ اسْمَ الْفَرْضِ عَلَى غَسْلِ الْفَمِ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ لِمَا أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ وَبَدَنِهِ أَيْ وَغَسْلُ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا دَلْكُهُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَرْضُ) أَيْ مَفْرُوضُهُ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ وَأَرَادَ بِهِ الْمَفْعُولَ انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظَافِرِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ وَنَسِيت الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ الِاسْتِنْجَاءُ»، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَمَّارٍ وَذَكَرَ الْخِتَانَ بَدَلَ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، وَذَكَرَ الِانْتِضَاحَ بَدَلَ انْتِقَاصِ الْمَاءِ انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْجُنُبُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَرَى مَجْرَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْإِجْنَابُ كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ وَفِيهِ التَّطَهُّرُ وَالِاطِّهَارُ وَالِاغْتِسَالُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ) مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ إلَخْ) الْمَاءُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْبَوْلُ كَانَ الِانْتِقَاصُ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَى الْمَفْعُولِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ الذَّكَرَ كَانَ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ، وَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْبَوْلُ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ فَطَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ) وَالْبَدَنُ اسْمٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا أَنَّ الْبَاطِنَ سَقَطَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَالْأَنْفُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ) فَشَمَلَهُمَا نَصُّ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ إذْ كَوْنُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهَا الدِّينُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَلَا يُعَارِضُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَالْمُرَادُ أَعْلَى الْوَاجِبَاتِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى الْأَقْوَالِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَبَاطِنُ الْجُرْحِ) وَمَا يَعْسُرُ كَثَقْبِ الْقُرْطِ وَجِلْدَةِ الْأَقْلَفِ الَّتِي لَا تَنْحَسِرُ عَنْهَا الْحَشَفَةُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ انْتَهَى كُنُوزٌ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْعَمَى) أَيْ لِأَنَّهُ شَحْمٌ لَا يَقْبَلُ الْمَاءَ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى آخِرِهِ) كَمَا إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَدَنِهِ) أَيْ جَمِيعِ ظَاهِرِ الْبَدَنِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ الْعَجِينُ فِي الظُّفْرِ فَاغْتَسَلَ لَا يُجْزِي وَفِي الدَّرَنِ يُجْزِي إذْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ هُنَاكَ وَكَذَا الطِّينُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْفُذُ مِنْ هُنَاكَ وَكَذَا الصِّبْغُ وَالْحِنَّاءُ انْتَهَى شَرْحُ وِقَايَةٍ فَيَجِبُ تَحْرِيكُ الْقُرْطِ وَالْخَاتَمِ الضَّيِّقَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قُرْطٌ فَدَخَلَ الْمَاءُ الثَّقْبَ عِنْدَ مُرُورِهِ أَجْزَأَ كَالسُّرَّةِ، وَإِلَّا أَدْخَلَهُ وَيُدْخِلُهُ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِيهِ تَرْكُهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً انْتَهَى كَمَالٌ كَمَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْخِضَابُ إذَا تَجَسَّدَ وَيَبِسَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَقِشْرَةُ الْقُرْحَةِ إذَا ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهَا لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخِضَابِ أَنَّ قِشْرَةَ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ اتِّصَالَ الْخِلْقَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَإِنْ اغْتَسَلَ الْأَقْلَفُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَمْ يَغْسِلْ مَا وَرَاءَ الْجِلْدِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ يُجْزِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَى مَا فِي النَّوَازِلِ مَشَى صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَقَالَ: وَكَذَا الْأَقْلَفُ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْقُلْفَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِإِمْكَانِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِلَا حَرَجٍ انْتَهَى. (قَوْلُهُ لَا دَلْكُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَجِبُ الدَّلْكُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ خُصُوصُ صِيغَةِ اطَّهَّرُوا فَإِنْ تَفْعَلْ لِلْمُبَالَغَةِ، وَذَلِكَ بِالدَّلْكِ وَفِي الْحَقَائِقِ الدَّلْكُ عِنْدَ مَالِكٍ شَرْطٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي الثَّوْبِ شَرْطٌ إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْمُصَفَّى قَالَ الْمَأْمُورُ بِهِ الْفِعْلُ وَهُوَ الْغُسْلُ وَالِاغْتِسَالُ

[سنن الغسل]

لَا يَجِبُ دَلْكُ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ التَّطْهِيرُ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الدَّلْكِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ فِي النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِدْخَالُ الْمَاءِ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ لِلْأَقْلَفِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ دَاخِلَ الْجِلْدَةِ لِلْأَقْلَفِ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَقَصَبَةِ الذَّكَرِ وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْقُلْفَةِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ فَجَعَلُوهُ كَالْخَارِجِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَفِي حَقِّ الْغُسْلِ كَالدَّاخِلِ حَتَّى لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ الْكَرْدَرِيُّ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّتُهُ) أَيْ سُنَّةُ الْغُسْلِ (أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ وَنَجَاسَةً لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى بَدَنِهِ ثَلَاثًا) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلًا فَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَأَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى فَرْجِهِ ثُمَّ دَلَّكَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ أَوْ الْأَرْضَ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا وَغَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» وَلِأَنَّ الْيَدَ آلَةٌ لِلتَّطْهِيرِ فَيُبْدَأُ بِتَنْظِيفِهَا. وَقَوْلُهُ: وَفَرْجَهُ وَنَجَاسَةً لَوْ كَانَتْ أَيْ يَغْسِلُ فَرْجَهُ وَيَغْسِلُ النَّجَاسَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ لِئَلَّا تَشِيعَ النَّجَاسَةُ، وَكَانَ يُغْنِيهِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةً عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجَهُ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ وَالْمَرْأَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَمِ فَيَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَهَلْ يَغْسِلُ الْأَقْلَفُ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى فِي لُزُومِ غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْخِيرَ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ وَوُجُودُ الْمَسْحِ لَا يَظْهَرُ مَعَ وُجُودِ الْغَسْلِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُنْقَضُ ضَفِيرَةٌ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا) قَوْلُهُ لَا تَنْقُضُ إنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَمَعْنَاهُ ضَفِيرَةُ الْمَرْأَةِ وَحُذِفَتْ الْمَرْأَةُ اخْتِصَارًا، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فَمَعْنَاهُ لَا تَنْقُضُ الْمَرْأَةُ ضَفِيرَتَهَا وَفِي تَنْقُضُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَذْكُورَةً لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إذْ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ لَقَالَ إنْ بَلَّتْ، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضُ الضَّفِيرَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُلَبَّدَةً لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَى سَائِرِ جَسَدِك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» وَلِأَنَّ فِي النَّقْضِ عَلَيْهَا حَرَجًا وَفِي الْحَلْقِ مُثْلَةً فَسَقَطَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالدَّلْكِ كَمَا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ قُلْنَا الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الِاطِّهَارُ فَلَوْ شَرَطْنَا الدَّلْكَ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَفِي الثَّوْبِ تَخَلَّلَتْ النَّجَاسَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَصْرِ بَعْدَ الصَّبِّ لِلِاسْتِخْرَاجِ انْتَهَى. وَالدَّلْكُ مِنْ الْمُتِمَّاتِ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جُعِلَ كَالْخَارِجِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَوْلَ إذَا وَصَلَ إلَى الْقُلْفَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فَبِاعْتِبَارِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْجِلْدَةِ لَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَلَا حَرَجَ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ انْتَهَى [سُنَن الْغُسْل] . (قَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْإِفَاضَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى رَأْسِهِ وَعَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا، وَفِي بَعْضِهَا يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَتْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى زَاهِدِيٌّ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ غُسْلًا) الْغُسْلُ بِالضَّمِّ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ كَالْأُكْلِ لِمَا يُؤْكَلُ وَهُوَ الضَّمُّ أَيْضًا مِنْ غَسَلْته وَالْغَسْلُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ غِسْلُهُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَكَانَ يُغْنِيهِ) قِيلَ لَا اسْتِغْنَاءَ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى الْفَرْجِ ثَابِتَةٌ غَالِبًا وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ فَلَا يُلَائِمُ الْفَرْجَ. قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ انْتَهَى يَحْيَى، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ ذَكَرَهُ لِلِاهْتِمَامِ وَاتِّبَاعًا لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ تَطْهِيرُهُ) وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إدْخَالُ الْإِصْبَعِ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتِي زَاهِدِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَجَاسَةً) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلُهُ ثُمَّ يُزِيلُ نَجَاسَةً عَلَى التَّنْكِيرِ كَقَوْلِهِ {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر: 11] لِأَنَّهُ عَسَى يَكُونُ وَعَسَى لَا يَكُونُ وَلِذَلِكَ قَالَ إنْ كَانَتْ وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَتْ، حَكَى الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ عَنْ شَيْخِهِ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ مَعْرِفَةً فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِمَا أَنَّهُ لَا مَعْهُودَ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا ثُمَّ تُعَاوِدَهُ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كَانَتْ يَأْبَاهُ وَلَا يَجُوزُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ الْجِنْسِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَقَلُّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ أَيْضًا انْتَهَى. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَنْقُضُ ضَفِيرَةً إلَى آخِرِهِ) الضَّفْرُ فَتْلُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي الْبَعْضِ، وَالضَّفِيرَةُ الذُّؤَابَةُ انْتَهَى. يَحْيَى هَذَا فَرْعُ قِيَامِ الضَّفِيرَةِ فَلَوْ كَانَتْ ضَفَائِرُهَا مَنْقُوضَةً فَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ) أَيْ وَهُوَ تَأْنِيثُ الْفِعْلِ انْتَهَى

[موجبات الغسل]

بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ الْحَرَجُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ عَلَوِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ، وَقَوْلُهُ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا يَنْفِي وُجُوبَ بَلِّ ذَوَائِبِهَا وَأَثْنَاءِ شَعْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَبِلُّوا الشَّعْرَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ قُلْنَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَلَيْسَ الشَّعْرُ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ نَظَرًا إلَى أُصُولِهِ وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ نَظَرًا إلَى أَطْرَافِهِ فَعَمِلْنَا بِأَصْلِهِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ وَبِطَرَفِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِضَ) أَيْ الْغُسْلُ (عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْغُسْلِ وَسُنَّتِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُوجِبُهُ قَوْلُهُ عِنْدَ مَنِيٍّ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهِ أَمَّا الرَّجُلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي رِوَايَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالشَّهْوَةُ شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَاءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَنْ قَضَى شَهْوَتَهُ يُقَالُ أَجْنَبَ فُلَانٌ إذَا قَضَى شَهْوَتَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ» فَاعْتُبِرَ الْحَذْفُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّهْوَةِ، وَفِي الْغَايَةِ ذَكَرَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُقَيَّدٌ وَحَدِيثَ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَتَيْنِ فَقَدْ تَرَكَ أَصْلَهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَوْ وَرَدَا فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ الْمَحَلُّ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا حَمَلْنَا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قِرَاءَةَ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ وَلِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّوْمُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَتَّى لَا تُحْمَلَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُؤْمِنَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَكَذَا التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إطْعَامٌ وَالْآخَرَ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ وَإِنْ اتَّحَدَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ، وَهُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ» وَرَدَا فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا إذْ لَا تَزَاحُمَ فِي الْأَسْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الشَّهْوَةُ عَمَلًا بِالْمُطْلَقِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ قُلْنَا إنَّمَا شَرَطْنَاهَا بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ» كَمَا نَفَيْنَا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ بِالنَّصِّ مَعَ النَّصِّ الْمُقَيَّدِ بِالسَّوْمِ وَالْمُطْلَقُ عَنْهُ قَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ أَيْ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَحَلِّهِ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْوَةَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ لَا عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالِانْفِصَالِ وَالْخُرُوجِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ وَلَمْ يَخْرُجْ فَإِذَا شُرِطَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ تُشْتَرَطَ فِي الْآخَرِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ فَإِذَا وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ وَجَبَ احْتِيَاطًا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَرَبَطَ ذَكَرَهُ بِخَيْطٍ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَالثَّانِي إذَا أَمْنَى وَاغْتَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَصَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثَانِيًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ) أَيْ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضَفَّرٍ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُضَفَّرٌ فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ (قَوْلُهُ يَنْفِي وُجُوبَ بَلِّ ذَوَائِبِهَا) هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ، وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَلَا بَلُّهَا إذَا ابْتَلَّ أَصْلُهَا. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا بَلُّهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا وَتَعْصِرُهَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَفْتُولَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ الشَّعْرِ كَمَا فِي اللِّحْيَةِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ فِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ فِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ) وَهُوَ الرَّجُلُ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ) أَيْ وَهُوَ الْمَرْأَةُ فَلَا يُخَالِفُ الْخَبَرُ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ مَا هُوَ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. كَافِي [مُوجِبَات الْغُسْل] . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ) قَالَ الْإِمَامُ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَاءٌ دَافِقٌ يَعْنِي ذَا دَفْقٍ وَهُوَ صَبٌّ فِيهِ دَفْعٌ وَعَلَى هَذَا فَكُلٌّ مِنْ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَكَانَ الْمَحَلُّ) أَيْ وَالسَّبَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالِانْفِصَالِ) أَيْ مِنْ الظَّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ) أَيْ مِنْ الذَّكَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ الِانْفِصَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ) إمَّا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِنَظَرٍ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ بِاسْتِمْنَائِهِ بِالْكَفِّ أَوْ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُهُمَا إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ. (قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ) قَالَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَصْفَى وَيَعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ وَيَسْتَحْيِي مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِمْ رِيبَةٌ بِأَنْ طَافَ حَوْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ

بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اغْتَسَلَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ لِلثَّانِي حَتَّى يَخْرُجَ فَإِذَا خَرَجَ وَجَبَ وَقْتَ الْخُرُوجِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَمَا بَالَ أَوْ نَامَ أَوْ مَشَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الْمَنِيِّ الزَّائِلِ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الثَّانِي زَائِلًا عَنْ مَكَانِهِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بَعْدَ سُكُونِ الشَّهْوَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَنِيِّ الَّذِي يَجِدُهُ النَّائِمُ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ إذَا اسْتَيْقَظَ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا وَجَدَ مَنِيًّا عَلَى فِرَاشِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ بَلَلًا إنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمَا أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ غَافِلٌ، وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ وَمَسْأَلَةِ الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَلَمْ يَدْرِ مَتَى وَقَعَتْ وَأَبُو يُوسُفَ وَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُبَاشَرَةِ لِوُجُودِ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ هُوَ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَذْيِ، وَخَالَفَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ وَمُحَمَّدٌ وَافَقَهُ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُبَاشِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْ نَفْسِهِ فَيُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ بَلَلًا فِي إحْلِيلِهِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحِلْمَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرُهُ قَبْلَ النَّوْمِ مُنْتَشِرًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَسُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَمَّنْ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَذْكُرُ احْتِلَامًا وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَقِيلَ لَهُ ذِكْرٌ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ نَزَلَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثَانِيًا فَقَالَ إذَا نَزَلَ الْمَنِيُّ بَعْدَمَا اسْتَيْقَظَ فَالْغُسْلُ يَجِبُ بِالْمَنِيِّ لَا بِالِاحْتِلَامِ السَّابِقِ حَتَّى لَا يُعِيدَ الْفَجْرَ لَكِنْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ الَّذِي زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِشَهْوَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِخِلَافِ الْمَذْيِ إذَا رَآهُ يَخْرُجُ لِأَنَّهُ مَذْيٌ وَلَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَانَ مَنِيًّا فَتَغَيَّرَ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ وَلَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ سَكْرَانَ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ مَذْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ يُحَالُ بِهِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ النَّائِمِ. وَلَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَنِيُّ مِنْهَا إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ إنْ وَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ فِي حَقِّهِ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ جَامَعَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَدَخَلَ الْمَاءُ فَرْجَهَا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ الْحَبَلُ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا جُومِعَتْ وَسَبَقَ الْمَاءُ حَتَّى حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ مَائِهِمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَبِهِ يُؤْخَذُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أُمَّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَعَنْ «خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى تُنْزِلَ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يُنْزِلَ»، وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا رَأَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ.» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَوَارِي حَشَفَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ تَوَارِي الْحَشَفَةِ قَالَ: وَتَوَارِي حَشَفَةٍ وَلَمْ يَقُلْ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ اغْتَسَلَ) أَيْ فَقَدْ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ مَوْقِعَهَا بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْغُسْلُ وَنُزُولُ الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ ثَانٍ كَمَا لَوْ جَامَعَ ثَانِيًا أَوْ تَذَكَّرَ فَأَنْزَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ وَجَبَ الْغُسْلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ دَلِيلُ عَدَمِ انْقِطَاعِ الْمَنِيِّ الْأَوَّلِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ وَدْيٌ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَهْ أَوْ مَذْيٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) أَيْ لِأَنَّهُ عَنْ الِاحْتِلَامِ فَيَكُونُ مَنِيًّا (قَوْلُهُ فَلَا غُسْلَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ آيَةُ كَوْنِهِ عَنْ غَيْرِ الِاحْتِلَامِ فَيَكُونُ مَذْيًا اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وُجِدَ فِي الْفِرَاشِ مَنِيٌّ وَيَقُولُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَقُولُ مِنْ الزَّوْجِ إنْ كَانَ أَبْيَضَ فَمِنْ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَمِنْ الْمَرْأَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا فَمِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَوَّرٍ فَمِنْ الرَّجُلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَأَخَذْنَا بِالثِّقَةِ وَيَضْرِبُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِتَرْكِ الِاغْتِسَالِ إلَّا إذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ الْوُجُوبُ بِالْإِيلَاجِ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَالْمَيِّتَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَأَصْحَابُنَا مَنَعُوهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَنِيُّ) أَيْ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ) الصَّحِيحُ خِلَافُهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا اهـ (قَوْلُهُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا) أَيْ بِلَا دَفْقٍ (قَوْلُهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا) أَيْ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَالْمُتَحَقِّقُ دُخُولُ الْمَنِيِّ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْله فَقَالَتْ) أَيْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي الِاحْتِلَامِ كَالرَّجُلِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِتَذَكُّرِ الْإِنْزَالِ وَاللَّذَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَوَارِي) أَيْ تَغَيُّبِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَيْهِمَا) قَالَ فِي الْوَافِي وَتَوَارِي حَشَفَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ

لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ وَكَذَا فِي الْقُبُلِ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ يَتَحَاذَيَانِ، وَالْحَشَفَةُ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَعَلَى هَذَا يَعُودُ إلَى الْكُلِّ أَيْ إلَى الْمَنِيِّ وَإِلَى التَّوَارِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ إلَى التَّوَارِي لَا غَيْرُ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ بِدُونِ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ»، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ»، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا «قَالَتْ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَقَالَتْ فَعَلْته أَنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا» وَلِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ) أَيْ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ دَمِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَخُرُوجُهُ بِوُصُولِهِ إلَى فَرْجِهَا الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِخَارِجٍ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا أَمَّا الْحَيْضُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ أَيْ يَغْتَسِلْنَ، فَلَوْلَا أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ لَمَا مَنَعَ مِنْ حَقِّهِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْقُرْبَانُ، وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَيْضِ هُوَ الْمُوجِبُ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الِاغْتِسَالِ، وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ السَّبَبِ شَرْطًا لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْحَيْضِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الطَّهَارَةُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تُوجِبُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا تُوجِبُهَا النَّجَاسَةُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ مُنَجِّسٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَيَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْخُرُوجِ فَإِذَا تَنَجَّسَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ تَنَجَّسَ كُلُّهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فَوَجَبَ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَغْتَسِلْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ الدَّمُ مُسْتَمِرٌّ لَا؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَوْلُهُ وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ السَّبَبِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْمُسَبِّبِ مُعَارَضٌ بِسَائِرِ الْأَحْدَاثِ كَالْبَوْلِ مَثَلًا فَإِنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْبَوْلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَرْفَعُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْحَدَثِ يَرْفَعُهَا مَا بَعْدَهَا مِنْ الْحَدَثِ، لَا لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا يُوجِبُهَا وَلِأَنَّ الْحَائِضَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الِانْقِطَاعُ لَمَا حَرُمَ عَلَيْهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ، وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ خُرُوجُ الدَّمِ فَوَجَبَ التَّطْهِيرُ عِنْدَهُ إذْ التَّنَجُّسُ وَوُجُوبُ التَّطْهِيرِ مِنْهُ مُتَلَازِمَانِ، وَأَمَّا النِّفَاسُ فَلِلْإِجْمَاعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا مَذْيٌ وَوَدْيٌ وَاحْتِلَامٌ بِلَا بَلَلٍ) أَمَّا الِاحْتِلَامُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَأَمَّا الْمَذْيُ «فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ إنَّمَا يُجْزِيكَ الْوُضُوءُ مِنْهُ»، وَأَمَّا الْوَدْيُ فَلِلْإِجْمَاعِ وَمَنِيُّ الرَّجُلِ خَاثِرٌ أَبْيَضُ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ فِيهِ لُزُوجَةٌ يَنْكَسِرُ الذَّكَرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، وَالْمَذْيُ رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ يَمْتَدُّ، وَخُرُوجُهُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ مَعَ أَهْلِهِ بِالشَّهْوَةِ، وَيُقَابِلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْقَذْيُ، وَالْوَدْيُ بَوْلٌ غَلِيظٌ فَيُعْتَبَرُ بِرَقِيقِهِ وَقِيلَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَعَرَفَةَ) أَيْ سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ» وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَيُسَنُّ فِيهِ الِاغْتِسَالُ كَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بَلْ يَتَحَاذَيَانِ)؛ لِأَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فَوْقَ رَحِمِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَيْهِمَا) إنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَانَ الْمَعْنَى فَرْضَ الْغُسْلِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِسَبَبِ التَّوَارِي؛ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمَنِيِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَنَّ التَّوَارِيَ فِي دُبُرِهِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ فَخُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ الْمَفْعُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَفْعُولٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِسَبَبِ التَّوَارِي بِخِلَافِ قُبُلِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلٌ لِلْمَنِيِّ فَيُتَصَوَّرُ خُرُوجُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا تَوَارٍ كَمَا يُتَصَوَّرُ بِالتَّوَارِي، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْخُرُوجِ وَالتَّوَارِي سَبَبًا لِوُجُوبِ الْغُسْلِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَعُودُ) أَيْ وُجُوبُ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ «بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ») الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقِيلَ شَفْرَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَقِيلَ فَخِذَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ الْخَطَّابِيِّ الْجَهْدُ مِنْ أَسْمَاءِ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً. اهـ. مَنْبَعٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ جَهَدَهَا) أَيْ بِالْإِيلَاجِ (قَوْلُهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ حَقِّهِ الْوَاجِبِ)؛ لِأَنَّ بِالْمُبَاحَاتِ وَالتَّطَوُّعَاتِ لَا يُمْنَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ حَقَّ نَقْضِ الصَّوْمِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَيْضِ) أَيْ وَهُوَ انْقِطَاعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ إلَخْ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِهِ مَنْ يَقُولُ إنَّ دُرُورَ الدَّمِ هُوَ الْمُوجِبُ يَكُونُ انْقِطَاعُ الدَّمِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الِاغْتِسَالِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ السَّبَبِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْمُسَبِّبِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا النِّفَاسُ فَلِلْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ أَكْمَلَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ كَالطَّاهِرَاتِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا مَذْيٌ) أَيْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَدْيٌ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ ابْنُ حُنَيْفٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ (قَوْلُهُ فَلِلْإِجْمَاعِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَمَنِيُّ الرَّجُلِ خَاثِرٌ) وَالْخَاثِرُ الْغَلِيظُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُقَابِلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْقَذْيُ) يُقَالُ: كُلُّ ذَكَرٍ يَمْذِي وَكُلُّ أُنْثَى تَقْذِي، وَقَذَتْ الشَّاةُ إذَا أَلْقَتْ بَيَاضًا مِنْ رَحِمِهَا انْتَهَى صِحَاحٌ . (قَوْلُهُ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ) أَيْ وَهُوَ مَالِكٌ وَالظَّاهِرِيَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ «مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ») أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَقِيلَ أَيْ بِالرُّخْصَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ هَذِهِ، وَهَذَا أَوْلَى أَيْ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ لَا رُخْصَةٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَوَارَتْ} [ص: 32] أَيْ الشَّمْسُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَنِعْمَتْ بِتَاءٍ مَمْدُودَةٍ وَالْمُدَوَّرَةُ خَطَأٌ، وَكَذَا الْمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ فِيهَا وَهُوَ

لَا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَوَائِحِ بَعْضٍ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِهِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ هَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْيَوْمِ عِنْدَ الْحَسَنِ إظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ عَلَى مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ، وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَخْتَصُّ بِهَا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ لَا يَكُونُ لَهُ فَضْلُ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُ يَكُونُ لَهُ فَضْلُهُ أَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَأَهْلِ الْبَرِّيَّةِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاغْتِسَالُ فِي حَقِّهِمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَفِي الْكَافِي لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَصَلَّى بِهِ الْجُمُعَةَ نَالَ فَضْلَ الْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ، لَا وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ وُجُودَ الِاغْتِسَالِ فِيمَا سُنَّ الِاغْتِسَالُ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَشْتَرِطُ الِاغْتِسَالَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِطَهَارَةِ الِاغْتِسَالِ، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا مُتَطَهِّرًا بِطَهَارَتِهِ فِي سَاعَةٍ مِنْ الْيَوْمِ عِنْدَ الْحَسَنِ لَا أَنْ يُنْشِئَ الْغُسْلَ فِيهِ، وَأَمَّا غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ فَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ»، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَلِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اغْتَسَلَ لِإِهْلَالِهِ.» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَبَ لِلْمَيِّتِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا) أَيْ الْغُسْلُ وَجَبَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ أَمَّا غُسْلُ الْمَيِّتِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ وَذَكَرَ مِنْهَا الْغُسْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَتَأْتِي كَيْفِيَّةُ غُسْلِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَبَهَاءٌ وَنِعْمَةٌ حَاشِيَةُ الْهِدَايَةِ لِلدَّامَغَانِيِّ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ) وَالْمُرَادُ بِالنَّسْخِ نَسْخُ صِفَةِ الْوُجُوبِ دُونَ شَرْعِيَّتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْيَوْمِ) وَنَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْيَوْمِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) قُلْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافُ هَذَا قَالَ الْغُسْلُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ أَمْ لِلْيَوْمِ قَالَ س لِلْيَوْمِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالِاغْتِسَالُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ لِلْيَوْمِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ، وَإِذَا اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَمْ يَكُنْ صَلَاةً بِغُسْلٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ حَتَّى صَلَّى كَانَ صَلَاةً بِغُسْلٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَّى بِذَلِكَ الْغُسْلِ كَانَ صَلَاةً بِغُسْلٍ وَإِنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَا يَكُونُ بِغُسْلٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَشَهِدَ الْجُمُعَةَ قَالَ س لَا يَكُونُ هَذَا كَاَلَّذِي شَهِدَ الْجُمُعَةَ عَلَى غُسْلٍ، وَقَالَ إنْ كَانَ الْغُسْلُ لِلْيَوْمِ فَهُوَ غُسْلٌ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّمَا شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى وُضُوءٍ وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْرَمَ كَانَ إحْرَامُهُ عَلَى وُضُوءٍ اهـ. قُلْت قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ الْفَتَاوَى وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْإِجْمَاعِ يَرُدُّ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْغُسْلِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ يَقْتَضِي إنْشَاءَ الْغُسْلِ فِي الْيَوْمِ وَالصَّلَاةَ بِهِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَشَى إلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا قُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَنْ اغْتَسَلَ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَأَنْصَتَ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا»، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ وَإِذَا أَخَذَ فِي الْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ عِشْرِينَ سَنَةً»، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ دَنَا حَيْثُ يَسْمَعُ خُطْبَةَ الْإِمَامِ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَهُ كَفَّارَةُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَة أَيَّامٍ» اهـ مِنْ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمُجْمَعِ لِلْعَلَّامَةِ زَيْنِ الدِّينِ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ) الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحَسَنِ وُجُودُ طَهَارَةِ الْغُسْلِ فِي الْيَوْمِ لَا إيقَاعُهَا فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَنَالُ فَضْلَ الْغُسْلِ عِنْدَ الْحَسَنِ أَيْضًا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّنَّةُ فِيهِ إنْشَاءَهُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ فِيهَا، وَجَمِيعُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى إنْشَائِهِ فِي الْيَوْمِ إذْ أَلْفَاظُهُ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ» «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَجَبَ لِلْمَيِّتِ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَجَبَ فِعْلُهُ عَلَى الْحَيِّ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِمَنْ أَسْلَمَ) وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي أَسْلَمَ، وَفِعْلُهُ أَيْضًا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ؛ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْحَيِّ إقَامَةُ الْغُسْلِ فِي حَقِّهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ اللَّامُ دُونَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. اهـ. عَيْنِيٌّ

[أقسام الماء]

إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ عِنْدَهَا مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ، وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا نُدِبَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ جُنُبًا نُدِبَ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَثُمَامَةَ بِذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَا» وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ فَصَارَ أَنْوَاعُ الْغُسْلِ أَرْبَعَةً فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَوَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْ الْمَنْدُوبِ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَضَّأُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا»، وَلَوْ قَالَ يَتَطَهَّرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ مَكَانَ قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ كَانَ أَوْلَى حَتَّى يَشْمَلَ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرَهُ، وَلَكِنْ إذَا عُرِفَ الْحُكْمُ فِي الْوُضُوءِ عُرِفَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَكَذَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَا ذَابَ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَلَا تَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ وَهُوَ يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ، وَلَا يُقَالُ قَدْ جُعِلَ مَاءُ الْعَيْنِ قَسِيمًا لِمَاءِ السَّمَاءِ، وَكَذَا الْبَحْرُ جَعَلَهُ قَسِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمِيعُ مَاءُ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا قَسَمَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ عَادَةً، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْكَرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ أَوْ أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) يَعْنِي يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمِيَاهِ. وَإِنْ غَيَّرَ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَاءٍ تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إنْ ظَهَرَ لَوْنُهَا فِي الْكَفِّ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، لَكِنْ يُشْرَبُ وَتُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ لِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِالطَّبْخِ) يَعْنِي مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (أَوْ اعْتَصَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) أَيْ أَوْ بِمَاءٍ اعْتَصَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَجْزَاءً) أَيْ أَوْ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الْأَئِمَّةِ الْبَدِيعُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ غَيْرُ سَدِيدٍ فَإِنَّ سَبَبَ الْغُسْلِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ وَزَمَانَ إرَادَتِهَا مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْكَافِرَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ فَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا ثُمَّ طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَيُفْرَضُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] شَامِلٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ)، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَتُهَا فَيَكُونُ انْعِقَادُ السَّبَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ وَصِفَةُ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ بَقَاءِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إجْمَاعًا. اهـ. [أَقْسَام الْمَاء] [طَهَارَة الْمَاء المتوضأ بِهِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَتَوَضَّأُ) أَيْ مُرِيدُ الصَّلَاةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ آلَةِ التَّطْهِيرِ، وَهِيَ الْمِيَاهُ بِأَقْسَامِهَا اهـ ع (قَوْلُهُ مَكَانَ قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ كَانَ أَوْلَى) أَقُولُ التَّوَضُّؤُ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) أَوْ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ اهـ إنَّمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَالسَّيَلَانِ فَلَوْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ أَوْجَبَ غِلَظَهُ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لَكِنْ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمُطْلَقُ طَاهِرٌ أَيْ فِي نَفْسِهِ طَهُورٌ أَيْ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُقَيَّدُ طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ. اهـ. يَحْيَى، وَكَتَبَ قَوْلَهُ وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَمْ لَا كَالطِّينِ وَالزَّعْفَرَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي مَا يَتَغَيَّرُ بِالطَّبْخِ) كَالْبَاقِلَاءِ وَالْمَرَقِ أَعْنِي بِالتَّغَيُّرِ بِالطَّبْخِ الثَّخَانَةَ وَالْغِلَظَ حَتَّى إذَا طُبِخَ وَلَمْ يَثْخُنْ بَعْدُ وَرِقَّةُ الْمَاءِ فِيهِ بَاقِيَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ ذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَاكِيٌّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِالطَّبْخِ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْظِيفِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْظِيفِ كَمَا إذَا طُبِخَ بِالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَصِيرُ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُ، قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ الْوُضُوءُ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رَائِحَتَهُ قِيلَ مَعْنَاهُ إلَّا مَا غَيَّرَ وَالْمُغَيِّرُ نَجِسٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مُغَيِّرٌ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عِنْدَنَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ حَيْثُ تُرَى فِيهِ النَّجَاسَةُ أَوْ يُوجَدُ طَعْمُهَا أَوْ رِيحُهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ تَدُلُّ عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْجُسْ بِالنَّجَاسَةِ فَالنَّجَاسَةُ بِعَيْنِهَا لَا تَطْهُرُ بِالْمَاءِ إلَّا أَنْ يَتَلَاشَى فَيَسْقُطُ حُكْمُهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَذَا أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اعْتَصَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْأَشْرِبَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الشَّجَرِ كَشَرَابِ الرِّيبَاسِ وَمِنْ الثَّمَرِ كَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ) بِأَنْ تَغَيَّرَ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَا بِاللَّوْنِ اهـ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ أَوْ زَرْدَجِ الْعُصْفُرِ يَجُوزُ إذَا كَانَ رَقِيقًا وَالْمَاءُ غَالِبٌ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْحُمْرَةُ وَصَارَ مُتَمَاسِكًا لَا يَجُوزُ بِهِ التَّوَضُّؤُ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ، وَقَالَ أَيْضًا قَاضِي خَانْ وَلَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ وَلَا بِمَاءِ الصَّابُونِ وَالْحُرْضِ إذَا ذَهَبَتْ رِقَّتُهُ وَصَارَ ثَخِينًا فَإِنْ بَقِيَتْ رِقَّتُهُ وَلَطَافَتُهُ جَازَ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَتُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ حِينَ سَخَّنَتْ الْمَاءَ بِهَا لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ» وَعَنْ

اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لَا يَجُوزُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الصَّابُونِ إذَا كَانَ ثَخِينًا قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ وَكَذَا مَاءُ الْأُشْنَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الطِّينُ غَالِبًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرُحَ الزَّاجُ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَكَذَا الْعَفْصُ إذَا كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا، وَفِيهِ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ بِلَوْنِ الْمَاءِ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْغَلَبَةَ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ وَالْبَاقِلَاءَ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ وَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَهَكَذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ وَتَوْفِيقٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَنَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ زَالَ وَصَارَ مُقَيَّدًا لَمْ يَجُزْ وَالتَّقْيِيدُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ فَكَمَالُ الِامْتِزَاجِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالطَّبْخِ بَعْدَ خَلْطِهِ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَا تُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ الْمَاءَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِعِلَاجٍ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَمْ يَكْمُلْ امْتِزَاجُهُ فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ، وَغَلَبَةُ الْمُمْتَزِجِ تَكُونُ بِالِاخْتِلَاطِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَلَا بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ، ثُمَّ هَذَا الْمُخَالِطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَمَا دَامَ يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْمَاءُ هُوَ الْغَالِبُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْمَاءَ فِي الْوَصْفِ تُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِيهَا فَإِنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي وَصْفَيْنِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ جَامِدًا، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمَرَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ لِتَشْمِيسِهِ وَفِي الْغَايَةِ: وَكُرِهَ بِالْمُشَمَّسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ وَاعْتِبَارُ الْقَصْدِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ الطِّبِّيَّةِ كَانَ اعْتِبَارُ الْقَصْدِ وَعَدَمُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ الْمُرَادُ بِغَلَبَةِ الْأَجْزَاءِ أَنْ يُخْرِجَهُ الطَّاهِرُ عَنْ صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ يَثْخُنَ لَا أَنْ يَكُونَ الْغَلَبَةُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ فَإِنْ غَيَّرَ لَوْنَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَوْنَ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَذَلِكَ مِثْلُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَأَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ بَلْ طَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ فَإِنْ غَلَبَ طَعْمُهُ طَعْمَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ مِثْلُ مَاءِ الْبِطِّيخِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْبِذَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ غَلَبَ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُعْتَصَرِ مِنْ الثَّمَرِ، وَإِلَّا جَازَ كَالْمَاءِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْكَرْمِ بِقَطْعِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ) أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ أَحَدَ الْأَوْصَافِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ. (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ رِطْلَيْنِ وَالْمُسْتَعْمَلُ رِطْلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَبِالْعَكْسِ كَالْمُقَيَّدِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ) ذِكْرُ الْأَحَدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ وَصْفَاهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ بِهِ مُخَالِفٌ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ، وَبَقِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ لِلْمَاءِ وَصَارَ مَغْلُوبًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى تَغْيِيرِ الْوَصْفَيْنِ. اهـ. يَحْيَى. قَالَ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ تُزَالُ بِهِ الْأَحْدَاثُ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءٌ، وَالْمُقَيَّدُ لَا يُزِيلُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي النَّصِّ وَالْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ أَوَّلًا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تَقَيَّدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا نَمْنَعُ مَعَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمَدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ يُقَالُ نَشْرَبُ نَتَوَضَّأُ فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ بِانْتِفَاعِهَا فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ «اغْتَسَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ مِثْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَعْنِي مَاءَ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهَهُ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْمِيَاهِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الْوَادِي وَمَاءُ الْعَيْنِ قُلْنَا إضَافَتُهُ إلَى الْوَادِي وَالْعَيْنِ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ لَا تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَتُفْهَمُ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا الْمَاءُ بِخِلَافِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَلَا يَنْصَرِفُ الْوَهْمُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا صَحَّ نَفْيُ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ فَيُقَالُ فُلَانٌ: لَمْ يَشْرَبْ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ شَرِبَ الْبَاقِلَاءَ وَالْمَرَقَ وَلَوْ كَانَ مَاءً حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُسَمَّى أَبَدًا وَيُكَذَّبُ نَافِيهَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَلَحْمُ السَّمَكِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ

[الماء الذي لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه]

جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ يُخَالِفُهُ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ اعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَا يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِذَا نَظَرْت وَتَأَمَّلْت وَجَدْت مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا، وَوَجَدْت بَعْضَهَا مُصَرَّحًا بِهِ وَبَعْضَهَا مُشَارًا إلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا تَغَيَّرَ بِمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوُهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» قَالَهُ لِمُحْرِمٍ وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، وَعَنْ «أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» الْحَدِيثَ «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ حِينَ أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» فَلَوْلَا أَنَّهُ طَهُورٌ لَمَا أَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَلَمَا «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فِيهِ أَثَرُ الْعَجِينِ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَهُوَ جُنُبٌ وَيُجْتَزَى بِذَلِكَ وَلَا يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ»، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ لِلتَّعْرِيفِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ بِخِلَافِ مَاءِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ تَكُونُ إضَافَتُهُ لِلتَّقْيِيدِ، وَلِهَذَا يُنْفَى اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْ الْأَوَّلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَاءٍ دَائِمٍ فِيهِ نَجَسٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ رَاكِدٍ دَائِمٍ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَعَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا»، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ» الْحَدِيثَ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ فَعَمِلْنَا بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ بَعْضِهَا وَلِأَنَّ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَمْ يَثْبُتْ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْحَدِيثُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَقَدْ تَرَكَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِمَا لِلشَّافِعِيِّ لِضَعْفِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْقِلَّةَ مَجْهُولَةٌ لِتَفَاوُتِ الْقُلَلِ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا يَتَعَبَّدُنَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَجْهُولٍ وَتَقْدِيرُهُ بِمَا قَدَّرَهُ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ الرَّائِي فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَلِأَنَّ الْقِلَّةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ لِرَأْسِ الْجَبَلِ قُلَّةٌ وَلِلْجَرَّةِ قُلَّةٌ وَلِلْحِبِّ قُلَّةٌ وَلِرَأْسِ الْإِنْسَانِ قُلَّةٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ قُلَّةٌ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى أَحَدِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَنَقْلُ الصَّخْرِ مِنْ قُلَلِ الْجِبَالِ ... أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَهُوَ كَالْجَارِي) أَيْ إذَا بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ يَكُونُ كَالْجَارِي حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ كَالْجَارِي بِالْفَاءِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْوَاوُ أَوْلَى لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِالْجَوَابِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ كَالْجَارِي فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى ثُمَّ فِي قَوْلِهِ كَالْجَارِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى وَبَلْخٍ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ يَتَنَجَّسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ حَيْثُ تَكُونُ إضَافَتُهُ لِلتَّقْيِيدِ) وَعَلَامَةُ إضَافَةِ التَّقْيِيدِ قُصُورُ الْمَاهِيَّةِ فِي الْمُضَافِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى الظُّهْرَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُطْلَقَةٌ إضَافَتُهَا إلَى الظُّهْرِ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْجِنَازَةِ لِلتَّقْيِيدِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي بَابِ الْكُسُوفِ كُلُّ مَا كَانَتْ الْمَاهِيَّةُ فِيهِ كَامِلَةً فَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ، وَمَا كَانَتْ مَاهِيَّتُهُ نَاقِصَةً فَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلتَّقْيِيدِ. نَظِيرُ الْأَوَّلِ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْبَحْرِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ، وَنَظِيرُ الثَّانِي مَاءُ الْبَاقِلَاءِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَنْفِي اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ) يَقُولُ مَا شَرِبْت مَاءً، وَإِنْ كَانَ شَرِبَ مَاءَ الْبِطِّيخِ وَنَحْوَهُ وَالْحَقِيقَةُ لَا تُنْفَى. اهـ. [الْمَاء الَّذِي لَا يتنجس بوقوع النَّجَاسَة فِيهِ] . (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَاءُ عَشْرًا) كَالْأَوَانِي وَالْآبَارِ (قَوْلُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَوْلِ») قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَأَمَّا الْبَوْلُ فِيهِ فَمَكْرُوهٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا دَائِمًا أَوْ جَارِيًا وَسَمَّى أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ يَبُولُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَاهِلًا اهـ. (قَوْلُهُ بِئْرُ بُضَاعَةَ) بِئْرٌ قَدِيمَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ تُكْسَرُ وَتُضَمُّ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ) وَاعْتِبَارُ عُمُومِ اللَّفْظِ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَامُّ مَخْصُوصًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَخْصُوصًا فَلَا وَهَاهُنَا مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ يُسَاوِيهِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ اهـ. رَازِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقُلَّةَ مَجْهُولَةٌ) الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ تُحْمَلُ مِنْ الْيُمْنِ تَسَعُ فِيهَا قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا، وَقِيلَ جَرَّةٌ تَسَعُ فِيهَا مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الْحِلْيَةِ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَقِيلَ الْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ مَنٍّ، وَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ ثَلَثُمِائَةِ مَنٍّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ اهـ كَيْ. (قَوْلُهُ يُقَالُ لِرَأْسِ الْجَبَلِ قُلَّةٌ) وَلِقَامَةِ الرَّجُلِ قُلَّةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا بَلَغَ مَاءُ الْوَادِي قَدْرَ الْقَامَتَيْنِ أَوْ رَأْسَ الْجَبَلَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ خَبَثًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَحْرًا أَوْ غَدِيرًا عَظِيمًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَدُ الْعَشَرَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ أَدْنَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ نَوْعُ الْأَعْدَادِ وَقِيلَ عَدَدٌ خَطَرَ فِي الشَّرْعِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى)، وَلَكِنَّا إذَا جَعَلْنَا الْفَاءَ تَفْسِيرِيَّةً يَزُولُ الْإِشْكَالُ اهـ ع. (قَوْلُهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ) أَيْ إلَّا إذَا ظَهَرَ الْأَثَرُ (قَوْلُهُ إنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ يَتَنَجَّسُ) أَيْ فِي الرَّاكِدِ الَّذِي يَبْلُغُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، وَأَمَّا الْجَارِي فَالْأَصَحُّ أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ فِيهِ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَقَدْ فَرَّقَ مَشَايِخُ بُخَارَى وَبَلْخٍ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَقَالُوا فِي الْمَرْئِيَّةِ

ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُفِيدِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقُدُورِيُّ بِقَوْلِهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَتَنَجَّسَ، ثُمَّ الْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الْوُقُوعِ فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَهُ لَا يَتَنَجَّسُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَطْهُرُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالتَّحْرِيكِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِالْمِسَاحَةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْخَفِضَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهُ لِأَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِطَبْعِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّقْدِيرِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْمِسَاحَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَ فِي ثَمَانٍ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْ عَشَرَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالذِّرَاعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ سِتُّ قَبَضَاتٍ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُعْتَبَرُ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ وَاخْتَارَهُ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ وَهِيَ ذِرَاعُ الْمِلْكُ سَبْعَ قَبَضَاتٍ بِإِصْبَعٍ قَائِمَةٍ ثُمَّ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَاءِ تَنَجَّسَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إلَى عَشْرَةِ أَذْرُعٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَنَجُّسَ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَ بِالتَّحْرِيكِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ بِالِاغْتِسَالِ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ بِالتَّوَضُّؤِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ وَلَا وُضُوءٍ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِغَمْسِ الرِّجْلِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَخْلُصَ الْجُزْءُ الْمُسْتَعْمَلُ نَفْسُهُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ إلَّا بِحَرَكَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بِالِاضْطِرَابِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَاءِ عَادَةً، وَقِيلَ يَكْفِي فِيهِ قَدْرُ النَّجَاسَةِ مِنْ الصِّبْغِ فَمَوْضِعٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الصِّبْغُ لَمْ يَتَنَجَّسْ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ التَّكَدُّرُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ يَعْنِي رَأْيَ الْمُبْتَلَى بِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الظَّاهِرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّحَرِّي وَالتَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ مِنْ غَيْرِ تَحَكُّمٍ بِالتَّقْدِيرِ فِيمَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ ثُمَّ، الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ لِأَنَّهُ إذَا انْحَسَرَ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَيَصِيرُ الْمَاءُ فِي مَكَانَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَالصَّحِيحُ إذَا أَخَذَ الْمَاءُ وَجْهَ الْأَرْضِ يَكْفِي وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَقِيلَ بِمِقْدَارِ شِبْرٍ وَقِيلَ بِزِيَادَةٍ عَلَى عَرْضِ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ، وَلَوْ تَنَجَّسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ وَفِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ) الْمَاءُ الْكَثِيرُ الَّذِي إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَتَنَجَّسُ اخْتَلَفُوا فِي بَيَانِهِ فَقِيلَ: يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَلَا يُقَدَّرُ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ إمَّا بِالتَّحْرِيكِ أَوْ الْمِسَاحَةِ أَوْ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْآرَاءِ. اهـ. يَحْيَى الْحَوْضُ الْكَبِيرُ إذَا انْجَمَدَ مَاؤُهُ فَثَقَبَ إنْسَانٌ فِيهِ ثَقْبًا وَتَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمْدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْحَوْضِ الْمُسَقَّفِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْقَصْعَةِ قَالَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ حَوْضٌ كَبِيرٌ تَجَمَّدَ وَثُقِبَ إنْ كَانَ الْمَاءُ تَحْتَ الْجَمْدِ غَيْرَ مُلْتَزِقٍ بِالْجَمْدِ جَازَ فِيهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَزِقًا بِالْجَمْدِ إلَّا أَنَّهُ يَتَحَرَّكُ بِالتَّحْرِيكِ فَإِنْ حُرِّكَ الْمَاءُ عِنْدَ إدْخَالِ كُلِّ عُضْوٍ مَرَّةً جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ مِنْ الثَّقْبِ وَانْبَسَطَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْدِ بِقَدْرِ مَا لَوْ دَفَعَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ لَا يَنْحَسِرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْجَمْدِ جَازَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الثَّقْبِ كَالْمَاءِ فِي الطَّسْتِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْوُضُوءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّقْبُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ حَوْضٌ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَتَنَجَّسَ أَعْلَاهُ، ثُمَّ انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ هُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ يَصِيرُ طَاهِرًا، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النَّجَاسَةَ وَقَعَتْ فِي الْحَالِ كَالْحَوْضِ الْمُنْجَمِدِ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي ثَقْبِهِ، وَثَقْبُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ تَنَجَّسَ مَا كَانَ فِي الثَّقْبِ فَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ وَتَسَفَّلَ يَطْهُرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، ثُمَّ انْبَسَطَ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اهـ. (قَوْلُهُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ) تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِسَاحَةِ بِإِصْبَعٍ اهـ. كَافِي قَالَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الْكُتُبِ فِي تَعْيِينِ الذِّرَاعِ فَجُعِلَ الصَّحِيحُ هُنَا أَيْ فِي الْهِدَايَةِ ذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ، وَهُوَ سَبْعُ مُشْتَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ مُشْتٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْمُجْتَبَى وَجَعَلَ الصَّحِيحَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمَمْسُوحَاتِ وَهُوَ سَبْعُ مُشْتَاتٍ فَوْقَ كُلِّ مُشْتٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ وَالْمِسَاحَةِ اهـ. (قَوْلُهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ، وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ سَبْعًا اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ التَّكَدُّرُ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَاءُ بِحَالٍ لَوْ اغْتَسَلَ فِيهِ تَكَدَّرَ الْجَانِبُ الَّذِي اغْتَسَلَ فِيهِ بِسَبَبِ الِاغْتِسَالِ إنْ وَصَلَتْ الْكُدْرَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَهُوَ مِمَّا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِلْ فَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُصُ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِالِاغْتِرَافِ) أَيْ لَا يَنْكَشِفُ بِالِاغْتِرَافِ حَتَّى لَوْ انْحَسَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَنَجَّسَ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ نَجِسًا فَدَخَلَ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ، وَخَرَجَ مِنْ جَانِبٍ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ

[الماء المستعمل]

الْحَوْضُ الصَّغِيرُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهُ طَهُرَ، وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ حَالَ دُخُولِ الْمَاءِ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِي وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِخُرُوجِ مَا فِيهِ، وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِخُرُوجِ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ الْمَاءُ الْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ عَائِدَةٌ إلَى الْمَاءِ الْجَارِي، أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ طَعْمٌ أَيْ الْأَثَرُ هُوَ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرَّائِحَةُ وَحَدُّ الْجَرَيَانِ بِمَا ذَكَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ إنْ وَضَعَ الْإِنْسَانُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ عَرْضًا لَا يَنْقَطِعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ لَا يَنْحَسِرُ وَجْهُ الْأَرْضِ بِالِاغْتِرَافِ بِكَفَّيْهِ فَهُوَ جَارٍ، وَقِيلَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُهُ أَيْ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُ النَّجَسِ فِيهِ لَا يَتَنَجَّسُ حَتَّى لَوْ بَالَ إنْسَانٌ فِي الْمَاءِ الْجَارِي فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَرَ أَثَرَهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِذَا اعْتَرَضَتْ النَّجَاسَةُ الْمَرْئِيَّةُ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي إنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى نِصْفِهَا أَوْ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ لَهُ الدِّمَاءُ السَّائِلَةُ فَمَا لَا دَمَ بِهِ مَسْفُوحًا لَا يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَتَنَجَّسُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَقَوْلُهُ وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ يَشْمَلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَ الْمَاءِ ثُمَّ يُلْقَى فِيهِ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهَّرٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَارِيَ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ وَخَرَجَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَالْمَاءُ الْجَارِي طَاهِرٌ إلَّا أَنْ تَسْتَبِينَ فِيهِ النَّجَاسَةُ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهُ طَهُرَ) وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ حَوْضُ الْحَمَّامِ إذَا تَنَجَّسَ وَدَخَلَ فِيهِ الْمَاءُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا خَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً يَطْهُرُ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَوْضٌ فِيهِ عَصِيرٌ وَقَعَ فِيهِ الْبَوْلُ إنْ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَاءً لَا يَفْسُدُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَصِيرًا، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ يَفْسُدُ فَكَذَا فِي كُلِّ مَا لَوْ كَانَ مَاءً يَفْسُدُ فَإِذَا كَانَ عَصِيرًا يَفْسُدُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ سَمِعْت مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرْت قُلْت: لَا أُقْبَلُ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ فَخَرَجْت إلَى بَعْضِ السَّوَادِ فَنَزَلْت بِهَا فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي يَا أَبَا يُوسُفَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ فَانْكَسَرَتْ جِرَارٌ مِنْ خَمْرٍ وَالرَّجُلُ مِنْ تَحْتِ الْجَرْيَةِ، قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا دَرَيْت أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْت لِلْغُلَامِ شُدَّ فَلَيْسَ نَصْلُحُ فِي بَلَدٍ إلَّا فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمَّا وَصَلْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ لِي أَيْنَ كُنْت فَأَخْبَرْته الْخَبَرَ قَالَ فَضَحِكَ وَقَالَ مَا دَرَيْت مَا تُجِيبُهُ قُلْت: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت مَا أُجِيبُهُ فَقَالَ إنْ وَجَدْت رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْك ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ الْمَكِّيُّ فِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ مَنَاقِبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَتَكَرَّرُ أَنْ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ، وَسَالَ مِنْ يَدِهِ إلَى النَّهْرِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ ثَانِيًا لَا يَكُونُ الْمَاءُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَوْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرَ أَثَرَهُ) أَيْ لِأَنَّ فِي الْمَاءِ الْجَارِي تَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَكَانِ وُقُوعِهَا، وَلَا يُعْرَفُ وُجُودُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ وَفِي الْمُحِيطِ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْجَارِي إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ كَالْبَوْلِ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَالْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ كَبِيرًا لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ أَسْفَلِ الْجَانِبِ الَّذِي فِيهِ الْجِيفَةُ، وَيَتَوَضَّأُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنْ لَاقَاهَا أَكْثَرُ الْمَاءِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ عُمُوقِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَضَتْ النَّجَاسَةُ الْمَرْئِيَّةُ) كَالْكَلْبِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْهَا) وَعَلَى هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا كَانَتْ الْعَذِرَاتُ عِنْدَ الْمِيزَابِ أَوْ فِي السَّطْحِ أَوْ فِي الطُّرُقَاتِ كَيْ، قَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ لَا يُفْسِدُهُ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُفْسِدُهُ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ يَبْقَى طَاهِرًا وَطَهُورًا، وَقَوْلُهُ لَا يُنَجِّسُهُ يُفِيدُ طَهَارَتَهُ لَا طَهُورِيَّتَهُ كَالتُّرَابِ طَاهِرٌ وَلَيْسَ بِطَهُورٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَيْ . (قَوْلُهُ وَالزُّنْبُورُ) بِضَمِّ الزَّايِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ دَمُ الْحَلَمَةِ وَالْوَزَغَةِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ وَالْمَاءَ، وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبُرْغُوثِ لَا يُفْسِدُ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَالضِّفْدَعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ حَتَّى حَلَّ الْمُذْكَى لِانْعِدَامِ الدَّمِ وَلَا دَمَ فِيهَا (قَوْلُهُ يَشْمَلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ) كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ قَالَ الْمُسْتَصْفَى وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَتَقْدِيرُ الدَّلِيلِ أَنَّ الْحَرَارَةَ مِنْ خَاصَّةِ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا دَمٌ لَكَانَ لَهَا حَرَارَةٌ؛ لِأَنَّ طَبِيعَتَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا حَرَارَةٌ لَأَنْطَفَتْ أَيْ لَمَاتَتْ بِدَوَامِ السُّكُونِ فِي الْمَاءِ لِلْمُضَادَّةِ بَيْنَ الطَّبِيعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَالدَّمَ حَارٌّ رَطْبٌ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) كَالذُّبَابِ وَالْعَقْرَبِ [الْمَاء الْمُسْتَعْمَل] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ)، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَتَقَطَّعْ

وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهِ وَسَبَبِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّنَ الثَّلَاثَ، فَقَوْلُهُ: طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ بَيَانٌ لِصِفَتِهِ، وَقَوْلُهُ: لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ بَيَانٌ لِسَبَبِهِ، وَقَوْلُهُ: إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان بَيَانٌ لِوَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَلَامٌ. أَمَّا صِفَتُهُ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأَثْبَتُوا فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرُوا وَجْهَ التَّنْجِيسِ أَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَ بِهِ مَعْنًى مَانِعٌ لِلصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَقَالَ مَشَايِخُ؛ الْعِرَاقِ إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَوَجْهُهُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ، وَلَكِنْ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ أَوْ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ فَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَمَالِ الزَّكَاةِ لَمَّا أُقِيمَتْ بِهِ الْقُرْبَةُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى الْهَاشِمِيِّ وَالْغَنِيِّ، وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ أَوْ إزَالَةُ الْحَدَثِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْحَدَثِ أَوْ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ التَّعْلِيلُ لِمُحَمَّدٍ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدَةٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ يَدْخُلُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَمَنْ شَرَطَ نِيَّةَ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ حَيْثُ قَالَ الْمَاءُ بِحَالِهِ وَالرَّجُلُ طَاهِرٌ إذْ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ تُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ لَتَغَيَّرَ الْمَاءُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِلضَّرُورَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الَّتِي طَهُرَتْ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا تَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ دَمَهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا دَمَ فِي السَّمَكِ إنَّمَا هُوَ مَاءٌ آخَرُ، وَالضِّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ سَائِلٌ أَفْسَدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ دُونَ الْبَرِّيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَلَا يَحْرُمُ وَيُعْجَنُ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ طَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي لِمُحَمَّدٍ إنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُزَالُ بِالْقُرْبَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» وَقَالَا إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ الْأَعْضَاءَ، وَقَدْ حَلَّ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ تَحَوَّلَ ذَلِكَ الْمَانِعُ إلَى الْمَاءِ وَصَارَ نَظِيرَ تَحَوُّلِ الْآثَامِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِلتَّبَرُّدِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا لِعَدَمِ فَضْلِ الْقُرْبَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. كَاكِيٌّ. قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِنْ غَسَلَ رَأْسَ إنْسَانٍ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ بِالْمَاءِ كَانَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ إذَا وُجِدَ مَعَ الْبَدَنِ ضُمَّ إلَى الْبَدَنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فَكَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ غُسَالَتُهُ مُسْتَعْمَلَةً قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْبَدَنِ لَا يَبْقَى طَهُورًا، وَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَتِهِ وَفِي السَّبَبِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَاءُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، أَمَّا السَّبَبُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلطَّهَارَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِسُقُوطِ الْفَرْضِ إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، أَوْ قَصَدَ التَّبَرُّدَ أَوْ إخْرَاجَ الدَّلْوِ مِنْ الْبِئْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَبَعْدَ الزَّوَالِ عَنْ الْعُضْوِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ كَانَ فِي الْهَوَى بَعُدَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَأَمْسَكَ إنْسَانٌ يَدَهُ تَحْتَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَهُمَا بِذَلِكَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَا الْمُحْدِثُ إذَا غَسَلَ عُضْوًا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْمَكَانِ غَسَلَ بِهِ عُضْوًا آخَرَ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحْرِيكِ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَجَاسَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا هُوَ نَجِسٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ فَأَصَابَهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَالْفَاحِشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفْحِشُهُ النَّاظِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ رُبْعَ الثَّوْبِ فَهُوَ كَبِيرٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ فَهُوَ كَبِيرٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ رُبْعَ الْكُمِّ وَرُبْعَ الذَّيْلِ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الثَّوْبِ. الْمَرْأَةُ إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا ثُمَّ غَسَلَتْ الشَّعْرَ الَّذِي وَصَلَتْ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ غَسَلَتْ شَعْرَ الرَّأْسِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ إنَاءً صَغِيرًا وَلَا يُمْكِنُهُ صَبُّ

وَرَدَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي اغْتِسَالِهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَفْسَدَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ يَكْثُرُ، وَالْجَنَابَةُ تَكْثُرُ أَيْضًا فَلَوْ اغْتَسَلُوا لِإِخْرَاجِ الدَّلْوِ كُلَّمَا وَقَعَ يُحْرَجُونَ وَلَوْ تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَلَوْ غَسَلَ الطَّاهِرُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ غَيْرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَالْفَخِذِ وَالْجَنْبِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ قِيلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَرْضًا أَوْ إنَاءً أَوْ كَفَّ الْمُتَوَضِّئِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالُوا لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ فِي كَفِّهِ مِنْ الْبَلَّةِ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَقِيَ مِنْ بَدَنِهِ لَمْعَةٌ مِنْ عُضْوٍ فَأَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ فَغَسَلَ بِهِ اللَّمْعَةَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ فِيهَا وَمِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي الْجَنَابَةِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْعِبَهَا بِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي مَوْضِعٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْبَلَّةِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي رِوَايَةٍ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَعَلَى الصَّحِيحِ إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَمَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَغْسُولِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى بِمَا جَرَى عَلَى الْعُضْوِ لَا بِالْبَلَّةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْكَفِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) أَيْ إذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّجُلُ وَالْمَاءُ نَجِسَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا بِحَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَاهِرٌ فَالْجِيمُ عَلَامَةُ نَجَاسَتِهِمَا وَالْحَاءُ عَلَامَةُ بَقَائِهِمَا عَلَى حَالِهِمَا وَالطَّاءُ عَلَامَةُ طَهَارَتِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ وَكَذَا الْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَكَذَا الْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَاءَ نَجِسٌ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالرَّجُلُ نَجِسٌ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَأَيُّ نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا جُزْءُ مَا تُضَافُ إلَيْهِ وَقَدْ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَتَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَفِي الْفِيلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: طَهُرَ يُفِيدُ طَهَارَةَ بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا الْوُضُوءُ مِنْهُ عِنْدَهُ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ كُلُّ إهَابٍ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ جِلْدٍ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ مِثْلُ جِلْدِ الْحَيَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْفَأْرَةِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَاللَّحْمِ وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَاءِ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْكَبِيرِ فَيُضْطَرُّ إلَى الْإِدْخَالِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَوْ اغْتَسَلُوا لِإِخْرَاجِ الدَّلْوِ كُلَّمَا وَقَعَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ مُحَمَّدٌ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا بِمَنْ يَطْلُبُ دَلْوَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُكَلِّفُوهُ بِالِاغْتِسَالِ أَوَّلًا اهـ (قَوْلُهُ بِمَا جَرَى عَلَى الْعُضْوِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْكَفِّ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بَلْ الْمُسْتَعْمَلُ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْ الْكَفِّ وَجَرَى عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي أُرِيدَ غَسْلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) كَلَامٌ إضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ جحط فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ تَقْدِيرُهُ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ تُضْبَطُ فِيهَا بِحُرُوفِ جحط اهـ ع (قَوْلُهُ لِطَلَبِ الدَّلْوِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ انْغَمَسَ لِلِاغْتِسَالِ يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْجُنُبِ الَّذِي لَيْسَ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَاءُ) أَيْ طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ) أَيْ الَّتِي يَصِيرُ الْمَاءُ بِهَا مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ) أَيْ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ) أَيْ لِلْقِيَاسِ وَقَالَ الْكَافِي أَيْ أَسْهَلُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ وَبَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا ضَرُورَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُلُّ إهَابٍ) اسْمٌ لِلْجِلْدِ الْغَيْرِ الْمَدْبُوغِ وَالْمُرَادُ إهَابُ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ إهَابَ الْمُذْكَاةِ طَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الدِّبَاغَةِ. اهـ. يَحْيَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَبَدَّلَ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي بَابِ الْأَسْآرِ: فَإِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا بِالْمُجَاوَرَةِ لَجَازَ بَيْعُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ، ثُمَّ الدِّبَاغُ أَثَّرَ فِيهِ وَطُهْرَهُ كَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ اهـ. (قَوْلُهُ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ») الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ وَهِيَ الدِّبَاغَةُ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ)، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكِيَّةً أَوْ مَيْتَةً. اهـ. رَازِيٌّ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَنْتَفِعُوا بِالْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَلِلشَّافِعِيِّ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُ رَازِيٌّ فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَلَا يَطْهُرَانِ بِالدِّبَاغِ قُلْنَا جِلْدُ الْخِنْزِيرِ لَا يَنْدَبِغُ فَلَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ شَعْرَهُ غَلِيظٌ يَنْبُتُ مِنْ لَحْمِهِ وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخَمْرِ، وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ إنْ احْتَمَلَ الدِّبَاغَ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ دَبْغُهُ وَسَلْخُهُ وَابْتِذَالُهُ احْتِرَامًا لَهُ كَشَعْرِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِي الْفِيلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسُ الْعَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا الْوُضُوءُ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ جُعِلَ قُرْبَةً اهـ

مُحَمَّدٍ لَوْ أَصْلَحَ مَصَارِينَ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ أَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ وَأَصْلَحَهَا طَهُرَتْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ كَاللَّحْمِ ثُمَّ كُلُّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ، وَاَلَّذِي يَمْنَعُ النَّتْنَ عَلَى نَوْعَيْنِ حَقِيقِيٌّ كَالْقَرَظِ وَالشَّثِّ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِ وَحُكْمِيٌّ كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ لَمْ يَطْهُرْ وَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ وَالدِّمَاءِ مِنْ الدِّبَاغِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِهَا وَلَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ كَمَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] رَاجِعٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْخِنْزِيرِ لِقُرْبِهِ، فَإِنْ قِيلَ عَوْدُ الضَّمِيرِ كَمَا يَكُونُ إلَى الْأَقْرَبِ يَكُونُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالْمُضَافُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّسْبَةِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ كَمَا يُقَالُ لَقِيت ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْته قُلْنَا لَا يَمْتَنِعُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ الْأَصْلَانِ فَصَرْفُهُ إلَى مَا هُوَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَوْلَى إذْ اللَّحْمُ مَوْجُودٌ فِي الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِحُرْمَتِهِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ مَعَ الْخِنْزِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا دُبِغَ طَهُرَ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَالْمَيْتَةِ وَعَظْمُهُمَا طَاهِرَانِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا» «وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْطٌ مِنْ عَاجٍ»، وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَاوَلَ شَعْرَهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا نَجِسَانِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا حَتَّى لَا يَتَأَلَّمُ الْحَيَوَانُ بِقَطْعِهِمَا فَلَا يُحِلُّهُمَا الْمَوْتُ وَأَرَادَ بِالْمَيْتَةِ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ نَجِسُ الْعَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي شَعْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ حَلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْأَسَاكِفَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِهِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَبَيْضُهَا وَعَصَبُهَا وَإِفْحَتُهَا الصُّلْبَةُ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُشْرَبُ اللَّبَنُ لِأَنَّهُ فِي وِعَاءِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا الْبَيْضُ إنْ كَانَ مَائِعًا لَا يَأْكُلُهُ وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ إنْ كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ لَمْ تَفْسُدْ فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْمَثَانَةُ) بِالْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّثُّ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ شَجَرٌ يُدْبَغُ بِوَرَقِهِ، وَهُوَ كَوَرَقِ الْخِلَافِ وَالشَّبُّ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ صِبَاغٌ لَا دِبَاغٌ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْعَفْصُ) أَيْ يَطْهُرُ الْجِلْدُ وَلَا تَعُودُ نَجَاسَتُهُ أَبَدًا. اهـ. وِقَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ لَمْ يَطْهُرْ) أَيْ لَمْ يَزُلْ نَتْنُهُ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: سَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالتَّشْمِيسِ إذَا عَمِلَتْ الشَّمْسُ بِهِ عَمَلَ الدِّبَاغِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) إنَّمَا يَطْهُرُ الْجِلْدُ بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَتْ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الْأَهْلِ فَذَكَاةُ الْمَجُوسِيِّ لَا يَطْهُرُ بِهَا الْجِلْدُ بَلْ بِالدَّبْغِ؛ لِأَنَّهَا إمَاتَةٌ قَالَهُ الْكَمَالُ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ اهـ. وَفِي الْأَسْرَارِ عَنْ مَشَايِخِنَا لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ بِالذَّكَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِلْكَرَامَةِ فِيمَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ تَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ لَكِنْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ مُمَاسَّةَ اللَّحْمِ الْجِلْدَ فَلَا يَنْجُسُ، وَبِهِ أَخَذَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالنَّاطِفِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَاضِي خَانْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ بِدَلِيلِ أَنَّ جِلْدَهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَالْجِلْدُ مُتَّصِلٌ بِاللَّحْمِ، وَبِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْكَرَابِيسِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: مَجُوسِيٌّ ذَبَحَ حِمَارًا قِيلَ لَا يَطْهُرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالشَّمْسِ يَطْهُرُ إذَا يَبِسَ ثُمَّ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ صَارَ بِالشَّمْسِ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَفْسُدْ كَانَ دِبَاغًا اهـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَلَوْ أَصَابَهَا مَاءٌ أَوْ شَيْءٌ مَائِعٌ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَعُودُ نَجِسًا وَبَعْدَ الْحُكْمِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي قِيلَ إذَا طُحِنَ سِنُّ الْآدَمِيِّ مَعَ الْحِنْطَةِ لَمْ تُؤْكَلْ فَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ لَا لِنَجَاسَتِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَيْتَةُ مَا فَارَقَهُ الرُّوحُ بِلَا ذَكَاةٍ وَلَا رُوحَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ التَّحْرِيمِ اهـ كَاكِيٌّ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] اهـ ع (قَوْلُهُ إذَا دُبِغَ طَهِرَ) قِيلَ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ لِئَلَّا يُسْتَعْمَلَ كَرَامَةً لَهُ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ)، قَالَ الرَّازِيّ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الدِّبَاغَ فَطَاهِرٌ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ سَلْخُهُ وَدَبْغُهُ وَابْتِذَالُهُ احْتِرَامًا لَهُ انْتَهَى. فَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْإِهَابَيْنِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُمَا فَلَيْسَ فِيهِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا فَكَيْفَ فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَاشْتَغَلَ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ أَقُولُ الْمَفْهُومُ فِي الرِّوَايَاتِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا فَيُفْهَمُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ) ذَائِبًا كَانَ أَوْ جَامِدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْفَحَتُهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَوْ تَشْدِيدِهَا شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ أَصْفَرُ يُعْصَرُ فِي صُوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ وَلَا تَكُونُ إلَّا لِذِي كَرِشٍ، وَقِيلَ مِنْ نَفْسِ الْكَرِشِ إلَّا أَنَّهُ يُسَمَّى إنْفَحَةً مَا دَامَ رَضِيعًا، وَإِنْ رَعَى الْعُشْبَ سُمِّيَ كَرِشًا، وَيُقَالُ الْمِنْفَحَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ أَيْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ جَامِدًا يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالصَّحِيحُ فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ جَوَازُ الصَّلَاةِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ.

[ماء البئر إذا وقعت فيه نجاسة]

حَالٍ وَمِنْ الذَّكِيَّةِ طَاهِرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجِسٍ) أَسْنَدَ الْفِعْلَ إلَى الْبِئْرِ وَالْمُرَادُ مَاؤُهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَقَوْلِهِمْ جَرَى الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَأَكَلَ الْقِدْرَ، وَالْمُرَادُ مَا حَلَّ فِيهَا وَأَطْلَقَ النَّزْحَ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، فَأَيُّ نَجِسٍ وَقَعَ فِيهَا يُوجِبُ نَزْحَهَا وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ، إمَّا أَنْ يُوجِبَ نَزْحَ الْجَمِيعِ أَوْ عِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْحَلَمَةِ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُنْزَحُ مِنْ ذَنَبِ الْفَأْرَةِ الْمُنْقَطِعِ الْمُشَمَّعِ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا جَاءَ فِيهِ التَّقْدِيرُ ثُمَّ مَسَائِلُ الْبِئْرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ الْأَقْيِسَةَ فِيهَا مُتَعَارِضَةٌ فَفِي قِيَاسٍ يَجِبُ أَنْ لَا تَطْهُرَ أَبَدًا، وَهُوَ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ حِجَارَتِهَا وَحِيطَانِهَا وَفِي قِيَاسٍ آخَرَ يَجِبُ أَنْ لَا تُنَجَّسَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ اتَّفَقَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهَا فَلَا تَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا كَحَوْضِ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَنْصَبُّ فِيهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَيُغْتَرَفُ مِنْ أَسْفَلِهِ لَا يَتَنَجَّسُ بِإِدْخَالِ الْيَدِ النَّجِسَةِ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ، وَهُوَ فِي الْمَقَادِيرِ كَالْخَبَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ وَخُرْءِ حَمَّامٍ وَعُصْفُورٍ) أَيْ لَا يَجِبُ النَّزْحُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا، أَمَّا الْبَعْرُ فَلِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْآبَارَ فِي الْفَلَوَاتِ لَيْسَ لَهَا رُؤْسٌ حَاجِزَةٌ وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهِ الرِّيحُ فِيهَا فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَلِيلُ الْمَاءَ لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُتَكَسِّرِ وَالْبَعْرِ وَالْخِثْيِ وَالرَّوْثِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ، وَبَعْضُهُمْ يُفَرَّقُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ آبَارِ الْمِصْرِ وَالْفَلَوَاتِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَقِيلَ الثَّلَاثُ كَثِيرٌ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ بَعْرَتَيْ إبِلٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تَفْسُدُ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ إنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا تُفْسِدُهُ حَتَّى تَفْحُشَ وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِفَاحِشٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ، وَالْقَلِيلَ مَا يَسْتَقِلُّهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَقِيلَ الْكَثِيرُ مَا يُغَطِّي وَجْهَ الْمَاءِ كُلِّهِ، وَقِيلَ مَا لَا يَخْلُو فِيهِ كُلُّ دَلْوٍ عَنْ بَعْرَةٍ، وَالشَّاةُ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ إنْ رَمَى مِنْ سَاعَتِهِ لَا يُنَجَّسُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْإِنَاءِ لَا يُعْفَى «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي فَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَأَمَّا خُرْءُ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ إلَى الْفَسَادِ وَلِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَاهِرٌ لِمَا رُوِيَ مِنْ قِصَّةِ «الْعُرَنِيِّينَ أَنَّهُمْ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَاء الْبِئْر إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة] قَوْلُهُ وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ اهـ ع (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يُوجِبَ) أَيْ الْوُقُوعُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْحَلَمَةِ) الْحَلَمَةُ الْقُرَادُ الضَّخْمُ الْغَلِيظُ اهـ (قَوْلُهُ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ) نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ أَنَّهُ يُنْزَحُ فِي وَلَدِ الْفَأْرَةِ وَالْحَلَمَةِ عِشْرُونَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَحَوْضِ الْحَمَّامِ) فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الْحَمَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَفِي يَدِهِ قَذَرٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي بَيَانِ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مُرَادُهُ حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنْ الْأُنْبُوبِ إلَى حَوْضِ الْحَمَّامِ، وَالنَّاسُ يَغْتَرِفُونَ غَرْفًا مُتَدَارِكًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ أُلْحِقَ بِالْمَاءِ الْجَارِي عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلضَّرُورَةِ اهـ قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ عَقِبَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْجُمْلَةُ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ حَوْضُ الْحَمَّامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، قِيلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَالْغَرْفُ مُتَدَارَكٌ فَهُوَ كَالْجَارِي، وَتَفْسِيرُ الْغَرْفِ الْمُتَدَارَكِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ، وَعَزَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا ذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ إلَى أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ مَا قَالَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: مَاءُ حَوْضِ الْحَمَّامِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يُعْلَمْ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ النَّزْحُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِيهَا) وَلَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي جُبٍّ أُهْرِيقَ الْمَاءُ كُلُّهُ، كَذَا نَقَلَهُ الْكَاكِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْكَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا خُرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ فَلَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ أَيْضًا فَاعْلَمْهُ إلَّا الدَّجَاجَةَ وَالْبَطَّ وَالْإِوَزَّ، وَخُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ لَا يَنْجُسُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَنَجَّسُ وَعَلَى هَذَا حَالُ الثَّوْبِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ شُمُولِ الضَّرُورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ رَمَى) أَيْ قَبْلَ التَّفَتُّتِ لَا يَنْجُسُ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ . (قَوْلُهُ وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) أَيْ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَاهِرٌ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ») الْحَدِيثَ. الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مَكَان مِنْ وَفِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ لَحْنٌ اهـ فَالْبَوْلُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ وَبَوْلَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَالْعَامُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْلَى مِنْ الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ مَتْنَهُ أَقْوَى فَصَارَ كَعَامِّ الْكِتَابِ، وَالْخَاصُّ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ الْأَلْبَانُ دُونَ الْأَبْوَالِ وَالْحَدِيثُ حِكَايَةُ حَالٍ فَمَتَى دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ حُجَّةً وَغَيْرَ حُجَّةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَرَفَ شِفَاءَهُمْ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ الْحَرَامُ مَدْفَعًا لِلْهَلَاكِ إلَّا أَنْ يَحِلَّ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّهُ عَلِمَ مَوْتَهُمْ مُرْتَدِّينَ وَحَيًّا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ الْكَافِرِ فِي نَجِسٍ، وَالْحَدِيثُ مُخْتَصٌّ بِنَا لِمَكَانِ الْخِطَابِ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ وَالْمُبِيحَ إذَا وَرَدَا جُعِلَ

فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ الْبَعْرَ، ثُمَّ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ تَنَجَّسَ الْبِئْرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ طَهُورٌ مَا لَمْ يَغْلِبْ فَإِنْ غَلَبَ حَتَّى فَحَشَ فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالْمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا مَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا) أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَالْقَيْءِ الْقَلِيلِ وَالدَّمِ إذَا لَمْ يَسِلْ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ دَمٌ وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ نَجِسًا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ النَّجِسُ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ فَمَا لَا يَكُونُ سَائِلًا لَا يَكُونُ نَجِسًا كَدَمِ الْبَعُوضِ وَالدِّمَاءِ الَّتِي تَبْقَى فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّبْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُشْرَبُ أَصْلًا) أَيْ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُشْرَبُ أَصْلًا لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَالتَّدَاوِي بِالطَّاهِرِ الْحَرَامِ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لَا يَجُوزُ فَمَا ظَنُّك بِالنَّجِسِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي لِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي وَلِغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الطَّاهِرِ لَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَدُّ إشْكَالًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَسَطًا بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ) أَيْ يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا إذَا مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ وَنَحْوُهَا وَقَوْلُهُ وَعِشْرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبِئْرِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَاهُ تُنْزَحُ الْبِئْرُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا وَأَرْبَعُونَ وَكُلُّهُ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَزْحَ الْبِئْرِ وَعِشْرِينَ دَلْوًا وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تُنْزَحَ الْبِئْرُ إذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا، ثُمَّ ذَلِكَ النَّجِسُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ عِشْرِينَ، وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ. وَلَيْسَ نَزْحُ الْبِئْرِ مُغَايِرًا لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُعْطَفَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَقْسِيمٌ لِذَلِكَ النَّزْحِ الْمُبْهَمِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أَيْضًا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ وَبِالْمَعْطُوفِ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَزْحَ الْجَمِيعِ أَيْضًا، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْجَمِيعَ لَمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا لِكَوْنِهِ تَكْرَارًا مَحْضًا وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَوْلُهُ بِنَحْوِ فَأْرَةٍ أَيْ بِمَوْتِ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ عِشْرُونَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يُنْزَحُ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ دَلْوًا وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا، وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا فَأْرَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَرْبَعَ كَفَارَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْخَمْسَ كَالدَّجَاجَةِ إلَى تِسْعٍ وَالْعَشْرَ كَالشَّاةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي الْفَأْرَتَيْنِ إذَا كَانَتَا كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ وَفِي الْهِرَّتَيْنِ يُنْزَحُ مَاؤُهَا كُلُّهُ. وَلَوْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ مَجْرُوحَةً نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ لِأَجْلِ الدَّمِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالنَّزْحِ قَبْلَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ مِنْهَا فِي بِئْرٍ طَاهِرَةٍ نُزِحَ الْمَصْبُوبُ وَقَدْرُ مَا بَقِيَ بَعْدَ تِلْكَ الدَّلْوِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَرَّمُ أَحْيَانًا مُبِيحًا لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ وَلِأَنَّ فِيهِ مُثْلَةً وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَافِي فَقَدْ أَبَاحَ الْبَوْلَ كَمَا أَبَاحَ اللَّبَنَ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَبَاحَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» كَافِي (قَوْلُهُ «فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ») ثُمَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْقَبْرِ مَعَ اسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ هُوَ أَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَالطَّهَارَةُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الصَّلَاةِ، وَالِاسْتِنْزَاهُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْمَرْءُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ أَوَّلَ مَا يُعَذَّبُ بِتَرْكِهَا فِي أَوَّلِ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ) قَيَّدَ بِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا لَا نَتْنَ فِيهِ، فَإِنَّ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ تُحِيلُهُ إلَى فَسَادٍ وَهُوَ نَجِسٌ كَالدَّمِ وَالْغَائِطِ وَنَوْعٌ لَا تُحِيلُهُ إلَيْهِ كَالْبَيْضَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبَ حَتَّى فَحَشَ) هَذِهِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ فَاحِشَةٌ، قَالَ قَاضِي خَانْ وَزَرْقُ سِبَاعِ الطَّيْرِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ إذَا فَحُشَ وَيُفْسِدُ مَاءَ الْأَوَانِي وَلَا يُفْسِدُ مَاءَ الْبِئْرِ (قَوْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ حُكْمًا إذْ لَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ الطَّهَارَةُ فَيَكُونُ طَاهِرًا حُكْمًا. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ نَجِسٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلسَّيَلَانِ فِي النَّجَاسَةِ، فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ نَجِسًا فَغَيْرُ السَّائِلِ يَكُونُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا لِلتَّدَاوِي) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَابِتَةٌ فَلَا يُعْرِضُ عَنْهَا إلَّا بِتَيَقُّنِ الشِّفَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ تَيَقُّنُ شِفَاءِ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ شِفَاءُ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ لِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي لَبَنِ الْأَتَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعِشْرُونَ دَلْوًا إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ سَامٌّ أَبْرَصُ فَمَاتَ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَلَوْ كَانَ الدَّلْوُ مُتَخَرِّقًا يَطْهُرُ إذَا بَقِيَ فِيهِ أَكْثَرُ مَائِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبِئْرِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ نُزِحَ مَا فِيهَا فَإِذَا جَاءَ الْمَاءُ بَعْدَهُ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِنَحْوِ فَأْرَةٍ) وَالصَّعْوَةُ وَالْعُصْفُورُ بِمَنْزِلَةِ الْفَأْرَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجُثَّةِ. اهـ. قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَقْسِيمٌ لِذَلِكَ النَّزْحِ الْمُبْهَمِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ إشْكَالَ الشَّارِحِ قُلْت هَذَا كُلُّهُ تَعَسُّفٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ عِشْرُونَ دَلْوًا عِنْدَ وُقُوعِ نَحْوِ فَأْرَةٍ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَبَيَّنَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْحُكْمَ نَزْحُ كُلِّ الْمَاءِ وَفِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ نَزْحُ الْبَعْضِ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ اهـ أَيْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْبِئْرُ وَالْمَاءُ الْمَنْزُوحُ بِعِشْرِينَ دَلْوًا لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ، أَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ نَزْحَ مَاءِ الْبِئْرِ كَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْآيَةِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ) لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّجَاسَةِ وَمَعَ بَقَائِهَا لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ تِلْكَ الدَّلْوِ) قَالَ

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُنْزَحُ قَدْرُ الْبَاقِي بَعْدَ الْمَصْبُوبِ لَا غَيْرُ مِثَالُهُ لَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْعَاشِرَ نَزَحَ أَحَدَ عَشَرَ دَلْوًا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ الْعَشَرَةُ الَّتِي بَقِيَتْ وَالدَّلْوُ الْمَصْبُوبُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَأْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُنْزَحُ عَشْرُ دِلَاءٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ صَبَّ مَاءَ بِئْرٍ نَجِسَةٍ فِي بِئْرٍ أُخْرَى وَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْضًا يَنْظُرُ بَيْنَ الْمَصْبُوبِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ فِيهَا أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ أَغْنَى عَنْ الْأَقَلِّ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَنَزْحُ إحْدَاهُمَا يَكْفِي مِثَالُهُ بِئْرَانِ مَاتَتْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَأْرَةٌ فَنَزَحَ مِنْ إحْدَاهُمَا عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا وَصَبَّ فِي الْأُخْرَى يُنْزَحُ عِشْرُونَ وَلَوْ صُبَّ دَلْوٌ وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ وَلَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ ثَالِثَةٍ فَصُبَّ فِيهَا مِنْ إحْدَى الْبِئْرَيْنِ عِشْرُونَ وَمِنْ الْأُخْرَى عَشْرَةٌ يُنْزَحُ ثَلَاثُونَ، وَلَوْ صُبَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ نُزِحَ أَرْبَعُونَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ الْمَصْبُوبُ ثُمَّ الْوَاجِبُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. قَوْلُهُ وَسَطًا الْوَسَطُ هِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا وَقِيلَ عَشْرَةُ أَرْطَالٍ وَقِيلَ الْكَبِيرُ مَا زَادَ عَلَى الصَّاعِ وَالصَّغِيرُ مَا دُونَ الصَّاعِ وَالْوَسَطُ الصَّاعُ وَلَوْ نَزَحَ بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارَ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِتَوَاتُرِ الدِّلَاءِ يَصِيرُ كَالْمَاءِ الْجَارِي قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ وَهُوَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْوَاجِبِ وَاعْتِبَارُ مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ، وَلِهَذَا لَوْ نَزَحَهَا فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ دَلْوَيْنِ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعُونَ بِنَحْوِ حَمَامَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الدَّجَاجَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَالْحَمَامَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُهَا فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا ثُمَّ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ وَالْبَكَرَةُ وَنَوَاحِي الْبِئْرِ وَيَدُ الْمُسْتَقِي رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ فَتَكُونُ طَهَارَتُهَا بِطَهَارَتِهَا نَفْيًا لِلْحَرَجِ كَعُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْيَدِ النَّجِسَةِ فِي الثَّالِثَةِ. وَيَدُ الْمُسْتَنْجِي تَطْهُرُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ وَكَدَنِّ الْخَمْرِ يَطْهُرُ تَبَعًا إذَا صَارَتْ خَلًّا، وَقِيلَ لَا تَطْهُرُ الدَّلْوُ فِي حَقِّ بِئْرٍ أُخْرَى كَدَمِ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّلْوِ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ بِالْمَاءِ، وَالْبِئْرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْهُرُ بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَتَقَاطَرُ لِلضَّرُورَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ الدَّلْوُ الْأَخِيرُ عَنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا رَجُلٌ، ثُمَّ عَادَ الدَّلْوُ فَعِنْدَهُمَا الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ قَبْلَ الْعَوْدِ نَجِسٌ وَعِنْدَهُ طَاهِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ وَانْتِفَاخِ حَيَوَانٍ أَوْ تَفَسُّخِهِ) أَيْ يَجِبُ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِتَفَسُّخِ الْحَيَوَانِ أَوْ انْتِفَاخِهِ فَلِانْتِشَارِ الْبَلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ وَأَمَّا بِنَحْوِ الشَّاةِ فَلِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ فَمَاتَ فِيهَا فَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَأُخْرِجَ وَأَمَرَا بِهَا أَنْ تُنْزَحَ قَالَ فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْهُمْ مِنْ الرُّكْنِ فَأَمَرَا بِهَا فَسُدَّتْ بِالْقُبَاطِيِّ وَالْمَطَارِفِ حَتَّى نَزَحُوهَا فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا، ثُمَّ مَا كَانَ فَوْقَ الْفَأْرَةِ دُونَ الْحَمَامَةِ يَلْحَقُ بِالْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ فَوْقَ الدَّجَاجَةِ دُونَ الشَّاةِ يَلْحَقُ بِالدَّجَاجَةِ، هَذَا فِيمَا إذَا مَاتَ الْحَيَوَانُ فِيهَا فَأَمَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسَ الْعَيْنِ وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّاهِدِيُّ فَحُكْمُ الْمَصْبُوبِ فِيهِ حُكْمُ مَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) وَعَلَى هَذَا لَوْ صَبَّ الدَّلْوَ الْأَخِيرَ فِي أُخْرَى طَاهِرَةٍ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ فَقَطْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَبَعْضُهُمْ وَفَّقَ فَقَالَ عَشَرَةٌ سِوَى الْمَصْبُوبِ وَإِحْدَى عَشْرَةَ مَعَ الْمَصْبُوبِ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ فَأْرَةٌ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ فَوَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ كَأَنَّ الْفَأْرَةَ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْجُبِّ وَتَفَسَّخَتْ ثُمَّ صُبَّ قَطْرَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ كَأَنَّ الْفَأْرَةَ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ وَتَفَسَّخَتْ. (فَرْعٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِلْدُ الْإِنْسَانِ إذَا وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ قِشْرُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلُ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ شُقُوقِ الرِّجْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا تَفْسُدُ وَمِقْدَارُ الظُّفْرِ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ وَقَعَ الظُّفْرُ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ جِلْدُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَحْمُهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ مِقْدَارَ الظُّفْرِ يُفْسِدُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَا يُفْسِدُهُ. اهـ. . الْفَأْرَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا إنْ لَمْ تَتَفَسَّخْ وَأُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا جَازَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ جُزْءٌ مِنْهَا فِيهَا، وَإِنْ تَفَسَّخَ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا جُزْءٌ مِنْهَا. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي الْأَنْجَاسِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ مِقْدَارُ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ) وَهُوَ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْهَا قَدْ أُخْرِجَ مَعَ قِلَّةِ مَا يَعُودُ إلَيْهَا مِنْ الْقَطْرِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَقْطَعُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِتَوَاتُرٍ) وَلَا تَوَاتُرَ فِي دَلْوٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ كُلَّ يَوْمٍ دَلْوَيْنِ جَازَ) أَيْ وَلَا تَوَاتُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا) فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ مَسَائِلَ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْآدَمِيِّ وَقَدْ قِيسَ مَا عَادَلَهَا بِهَا قُلْنَا بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلُ صَارَ كَاَلَّذِي ثَبَتَ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي يَأْبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهَا إذَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ الَّتِي عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ التَّفْرِيعِ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْخَبَّازِيَّةِ وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ هَذَا إلْحَاقٌ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بِالْقِيَاسِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّلْوِ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ بِالْمَاءِ) بِدَلِيلِ أَنَّ التَّقَاطُرَ فِيهِ جُعِلَ عَفْوًا، وَلَوْلَا الِاتِّصَالُ لَأَفْسَدَ مَاءَ الْبِئْرِ لِوُقُوعِ النَّجِسِ فَصَارَ بَقَاءُ الِاتِّصَالِ حُكْمًا كَبَقَاءِ الِاتِّصَالِ حَقِيقَةً. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُلُّهُ بِنَحْوِ شَاةٍ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ عَادَ نَجِسُهُ، وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ سَدَّادٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَكَذَا لَوْ غَاضَ الْمَاءُ بِقَدْرِ عِشْرِينَ طَهُرَ الْبَاقِي. اهـ. كَاكِيٌّ، وَقَدْ نَقَلْت هَذَا الْفَرْعَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ

يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يُدْخِلْ فَاهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَنَجَّسْ الْمَاءُ. وَإِنْ أَدْخَلَ فَاهُ فِي الْمَاءِ فَمُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ فَإِنْ كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ فَيُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فَالْمَاءُ مَشْكُوكٌ فَيُنْزَحُ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهَا، وَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ، وَفِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ أَوَّلًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا وَإِجَارَةً وَبَيْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِائَتَانِ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا) أَيْ إذَا وَجَبَ نَزْحُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يُمْكِنْ فَرَاغُهَا لِكَوْنِهَا مَعِينًا نُزِحَ مِائَتَا دَلْوٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ؛ لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ لِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ فِيهَا فَإِذَا امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا. وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحُ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ الْعَشْرَ فَهُوَ مِائَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ إذَا نَقَصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ عَشَرَةٍ مِنْ أَعْلَى الْمَاءِ أَنْ يَنْقُصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ مِثْلِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَقُدْوَتُهُ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَبَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَلَبَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ فِي الْغَلَبَةِ الْعَجْزُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا غَيْرُهُ، وَقِيلَ يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ فَإِذَا قَدَّرَاهُ بِشَيْءٍ وَجَبَ نَزْحُ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ جُهِلَ وَقْتُ وُقُوعِهَا) أَيْ نَجَّسَ الْبِئْرَ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ لَا يُدْرَى وَقْتُ وُقُوعِهَا وَهِيَ مُنْتَفِخَةٌ وَعَادَةُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَدِّرُوهُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ حَيْثُ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً فَقَدْ تَمَّ الْآخَرُ، وَقَوْلُهُ نَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا مُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْتَفِخْ نَجِسُهَا مُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْحَالِ أَوْ أَلْقَاهَا الرِّيحُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَرَ تَنَجُّسَهَا أَوْ أَلْقَاهَا طَيْرٌ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى حِدَأَةً وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْبُسْتَانِ فِي مِنْقَارِهَا جِيفَةٌ فَطَرَحْتهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي الْبِئْرِ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلشَّكِّ فِي الْإِسْنَادِ فَصَارَ كَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ وُقُوعَ الْحَيَوَانِ الدَّمَوِيِّ فِي الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِئْرِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَوْهُومِ كَالْمَجْرُوحِ إذَا لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحَالُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ حَتَّى يَجِبَ مُوجِبُهُ إذْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا) كَسُكَّانِ الْبُيُوتِ وَالسِّنَّوْرِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الطَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَسْتَنْجِ وَالْحَائِضِ وَالْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ كُلُّهُ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَكَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ أَوْ لَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ إلَى آخِرِهِ) إنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي حَذْفِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مُؤَنَّثٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا ذُكِّرَ الْمَعْدُودُ أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكَّرْ فَيُذَكَّرُ مَعَ الْمُذَكَّرِ كَمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بَعْضُ النُّحَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشَى عَلَى مَا مَشَتْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْأَيَّامِ، قُلْت قَدْ قَالَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ: الْفَصِيحُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّاءِ لِلْمُذَكَّرِ وَعَدَمِهَا لِلْمُؤَنَّثِ كَمَا لَوْ ذُكِّرَ الْمَعْدُودُ فَتَقُولُ صُمْت خَمْسَةً تُرِيدُ أَيَّامًا وَسِرْت خَمْسًا تُرِيدُ لَيَالِيَ اهـ وَقَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ قُلْت: لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي، وَكَذَا ذِكْرُ اللَّيَالِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَجِسُهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ) وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ حَيْثُ قَالَ دَجَاجَةٌ بِهَا انْتِفَاخٌ وُجِدَتْ فِي الْبِئْرِ ... فَهِيَ مُذْ ثَلَاثٍ فَسَدَتْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى قَوْلُهُ فَهِيَ مُذْ ثَلَاثٍ أَيْ ثَلَاثِ لَيَالٍ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْأَيَّامُ لَقَالَ مُذْ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّ اللَّيَالِيَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا أَنَّ الْأَيَّامَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وقَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْعِلْمِ) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ وَالتَّفَسُّخِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ) أَيْ وَهُوَ الْوُقُوعُ. اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ الْمَوْهُومِ) أَيْ وَهُوَ الْمَوْتُ بِغَيْرِ الْوُقُوعِ، وَقَدَّرْنَا الْمَوْتَ بِلَا انْتِفَاخٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذْ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ بِهَا لِتَفَاوُتِهَا، وَالْمَوْتُ مَعَ الِانْتِفَاخِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَأَدْنَى حَدِّ التَّقَادُمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ تَفَسَّخَ ظَاهِرًا كَذَا فِي الْكَافِي

هِيَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعِيدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فِي الْيَابِسِ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الطَّرِيِّ قِيلَ قَالَهُ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ إنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا لِلشَّكِّ فِيمَا قَبْلَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ فِيهِ، وَقِيلَ فِي الْبَوْلِ يُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ مَا بَالَ وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رَعَفَ، وَلَوْ فَتَقَ جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى دَخَلَتْ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَقْبٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مُنْذُ يَوْمِ وَضَعَ الْقُطْنَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَقْبٌ يُعِيدُهَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ سَبَبًا لِمَوْتِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ زَمَانَ وُقُوعِهَا سَابِقٌ عَلَى زَمَانِ وُجُودِهَا، فَقَدَّرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْمُنْتَفِخِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِخُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَالِبًا وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي غَيْرِ الْمُنْتَفِخِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ إذَا مَاتَ يَنْزِلُ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ، ثُمَّ يَطْفُو فَلَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ مُضِيِّ زَمَانٍ وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا سَاعَاتٌ لَا تَنْضَبِطُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ ثُمَّ الْأَسْآرُ عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ طَاهِرٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ وَنَجِسٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُ كُلِّ نَوْعٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَرَقُ الْحِمَارِ مَشْكُوكًا فِيهِ كَسُؤْرِهِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا» وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنْ الْعَرَقِ عَادَةً وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا رَكِبَهُ. (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِبَ اللَّبَنَ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ فَقَالَ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ» وَلِأَنَّ لُعَابَهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا مِثْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِمَا بَيَّنَّا، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كُنْت أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي فَيَشْرَبُ» فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ سُؤْرُ الْجُنُبِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ قِيلَ لَهُ لَمْ يُرْفَعْ الْحَدَثُ لِلضَّرُورَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يُرْفَعُ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلْحَرَجِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ تَنَجَّسَ سُؤْرُهُ فَإِنْ بَلَعَ رِيقَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ فَمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَائِعَ غَيْرُ الْمَاءِ يَطْهُرُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ صَبٍّ عِنْدَهُ، وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ فَطَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ وَحُرْمَتُهُ لِحُرْمَتِهِ لِكَوْنِهِ آلَةَ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ كَالْآدَمِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ لَبَنَهُ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَلَحْمِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ سُؤْرُ مَا لَا يُؤْكَلُ كَبَوْلِهِ وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا سُؤْرُهُ طَاهِرٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا سُؤْرُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ لَحْمٍ مَأْكُولٍ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَيَلْحَقُ بِهِ سُؤْرُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَجِسٌ قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ إلَى آخِرِهِ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُشْعِرًا بِحَذْفِهِ، وَقَدْ وُجِدَ هُنَا مَا يُشْعِرُ بِحَذْفِهِ وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْرِ السُّؤْرِ وَلَوْ جُرَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَجْرُورِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هِيَ عَلَى الْخِلَافِ) وَلَئِنْ سُلَّمَ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ الثَّوْبُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ فَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَرَآهَا فِيمَا مَضَى وَالْبِئْرُ غَائِبٌ عَنْ بَصَرِهِ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رَعَفَ) وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ فِي الدَّمِ لَا يُعِيدُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُصِيبُهُ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ يَلْبَسُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فَهُوَ كَالدَّمِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى زَمَانِ وُجُودِهَا) أَيْ زَمَانِ الْعِلْمِ بِوُجُودِهَا اهـ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْوُقُوعَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُقُوعَ سَابِقٌ عَلَى زَمَانِ الْعِلْمِ، وَلَوْ سَلَّمَ فَسَبَبُ الْمَوْتِ الْمُكْثُ بَعْدَ الْوُقُوعِ، فَكَانَ الْمَوْتُ بَعْدَ الْمُكْثِ لَا مِنْ ابْتِدَاءِ الْوُقُوعِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ كَيْفَ يَسْتَنِدُ الْمَوْتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبِئْرَ بَعِيدَةٌ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوعُ قَبْلَ زَمَانِ الْعِلْمِ، فَيَعْمَلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ احْتِيَاطًا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْمُكْثِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ بِكَثِيرٍ فَيُعْتَبَرُ الِاحْتِمَالُ احْتِيَاطًا، وَأَمَّا تَقْدِيرُ مُدَّةِ السَّبْقِ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ فَلِمَا ذَكَرَ. اهـ. يَحْيَى . (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَسْآرُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ طَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ «فَقَالَ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ») يَجُوزُ نَصْبُهُمَا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْطِ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ، وَرَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَائِيَّةِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْأَيْمَنُ أَحَقُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ أَوْ غَلِيظَةٌ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ غَلِيظَةٌ وَعَنْ س أَنَّ سُؤْرَ كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ) أَيْ مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ اهـ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ مَعْمُولٌ لِلِابْتِدَاءِ، وَالْآدَمِيُّ مَعْمُولٌ لِسُؤْرٍ فَهُمَا مَعْمُولَانِ لِعَامِلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهِمَا اهـ أَيْ لَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ الْخَبَرُ عَنْ الْمُضَافِ خَبَرًا لَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُضَافِ فِيهِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إذْ الْعَامِلُ فِي الْمُضَافِ هُوَ الِابْتِدَاءُ وَفِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُضَافُ فَيُرْفَعُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ وَيُقَدَّرُ فِيهِ الْمُضَافُ فَلَا يَلْزَمُ الْفَسَادُ وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ) كَتَبَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْوَدَّتِهِ هُنَا حَاشِيَةٌ نَصُّهَا إذَا جُرَّ الْكَلْبُ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَجْرُورِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ ثُمَّ إذَا رُفِعَ نَجِسٌ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْخَبَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ اهـ مَا وُجِدَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَتُرِكَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى إعْرَابِهِ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ نَحْوُ قَوْلِهِمْ: مَا كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةٌ وَلَا بَيْضَاءَ شَحْمَةٌ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ، ثُمَّ نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْكَلْبِ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ طَاهِرٌ يُشْرَبُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا تَعَبُّدًا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَالْأَمْرُ بِالْإِرَاقَةِ دَلِيلُ التَّنَجُّسِ، وَأَقْوَى مِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طُهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا» فَهَذَا يُفِيدُ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ الطُّهُورَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ فَيَسْتَدْعِي سَابِقَةَ التَّنَجُّسِ أَوْ الْحَدَثِ، وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِهِ مَعْقُولًا وَتَعَبُّدًا كَانَ جَعْلُهُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى أَوْلَى لِنُدْرَةِ التَّعَبُّدِ وَكَثْرَةِ التَّعَقُّلِ، ثُمَّ عِنْدَنَا يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ السَّبْعِ لِمَا رَوَيْنَا فَيَكُونُ التَّعَبُّدُ فِي الْعَدَدِ عِنْدَهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ خُرُوجًا عَنْ الْأَصْلِ. وَلَنَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَهُوَ الرَّاوِي لِاشْتِرَاطِ السَّبْعِ، وَعِنْدَنَا إذَا عَمِلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَى أَوْ أَفْتَى لَا تَبْقَى رِوَايَتُهُ حُجَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَيَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ بِخِلَافِهِ إذْ تَسْقُطُ بِهِ عَدَالَتُهُ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ، وَيَأْمُرُ بِقَتْلِهَا قَلْعًا لَهُمْ عَنْ مُخَالَطَتِهَا، ثُمَّ تُرِكَ وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْمُرُ بِكَسْرِ الْأَوَانِي حِينَ كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْخَمْرِ قَلْعًا لَهُمْ عَنْهَا وَحَسْمًا لِمَادَّتِهَا ثُمَّ نَهَى عَنْ كَسْرِ الْأَوَانِي أَوْ تُحْمَلُ السَّبْعُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّهُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» فَخَيَّرَهُ وَلَوْ كَانَ السَّبْعُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ، ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ الْعَدَدَ تَعَبُّدًا فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ وَعَدَّاهُ إلَى الْبَوْلِ وَإِلَى رُطُوبَةٍ أُخْرَى مِنْ الْكَلْبِ وَإِلَى الْخِنْزِيرِ. وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ تَعَبُّدًا لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَقَدَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِالثَّلَاثِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَأَمَّا نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْخِنْزِيرِ فَلِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَأَمَّا سُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ وَلَحْمُهُ حَرَامٌ نَجِسٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَاهِرٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قِيلَ لَهُ أَيُتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْهُ الْحُمُرُ فَقَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفَضَلَتْهُ السِّبَاعُ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ»، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ فِي الْغُدْرَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرِدُهَا السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ وَالْحُمُرُ وَعَنْ الطَّهَارَةِ بِهَا، فَقَالَ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا غَيَرَ طَهُورٍ» وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» لِأَنَّهُ قَالَهُ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرِدُهَا السِّبَاعُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُؤْرُ السِّبَاعِ نَجِسًا لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِهِ بِالْقُلَّتَيْنِ فَائِدَةٌ عَلَى زَعْمِهِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ حُجَّةٌ عِنْدَهُ فَنُلْزِمُهُ بِمَا يَعْتَقِدُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ إشْكَالًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ، ثُمَّ يَقُولُونَ إذَا ذُكِّيَ طَهُرَ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لِأَجْلِ رُطُوبَةِ الدَّمِ وَقَدْ خَرَجَ بِالذَّكَاةِ فَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ نَجِسٌ نَجَاسَةَ عَيْنِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كَانُوا يَعْنُونَ بِهِ لِأَجْلِ مُجَاوَرَةِ الدَّمِ فَالْمَأْكُولُ كَذَلِكَ يُجَاوِرُهُ الدَّمُ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي السُّؤْرِ؟ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَيَتَنَجَّسُ بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمُذَكَّى فِي حَقِّ الْأَكْلِ، وَالْحُرْمَةُ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَكَمْ مِنْ طَاهِرٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ إلَّا جِلْدُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهِ لَا لِكَرَامَةِ آيَةِ النَّجَاسَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ تَنَجُّسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ الْمُضَافِ) هَذَا شَرْطٌ فِي الْغَالِبِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ طَاهِرٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ سُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَكُلِّ سَبُعٍ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ طَاهِرٌ لِكَوْنِهِ حَيًّا، وَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ اهـ. (قَوْلُهُ وُلُوغُهُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْوُلُوغُ بِضَمِّ الْوَاوِ إذَا شَرِبَ قَلِيلًا، وَإِذَا كَثُرَ فَهُوَ بِفَتْحِهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ») جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْعَدَدِ) أَيْ لَا فِي نَفْسِ الْغَسْلِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ السَّبْعُ) الَّذِي فِي مُسَوَّدَةِ الشَّارِحِ التَّسْبِيعُ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى زَعْمِهِ) إنَّمَا قَالَ عَلَى زَعْمِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَمْ مِنْ طَاهِرٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) أَيْ كَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهِ لَا لِكَرَامَتِهِ) أَقُولُ مُجَرَّدُ حُرْمَةِ اللَّحْمِ لَا لِلْكَرَامَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّجَاسَةَ كَمَا فِي الضِّفْدَعِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ حُرْمَةَ الْأَكْلِ تَثْبُتُ لِفَسَادِ الْغِذَاءِ كَالذُّبَابِ وَالتُّرَابِ وَالْخُنْفُسَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْغِذَاءِ، أَوْ لِلْخَبَثِ طَبْعًا كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ مِمَّا يَسْتَخْبِثُهُ النَّاسُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلِلنَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْخِنْزِيرِ وَلِلِاحْتِرَامِ كَمَا فِي الْآدَمِيِّ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ إلَّا النَّجَاسَةَ، أَمَّا الِاحْتِرَامُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فَسَادُ الْغِذَاءِ فَلِأَنَّهُ غِذَاءٌ قَوِيٌّ، وَأَمَّا الْخَبَثُ الطَّبِيعِيُّ فَلِأَنَّهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ كَانَتْ مَأْكُولَةً فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّجَاسَةُ. اهـ. يَحْيَى

الْجِلْدِ بِاللَّحْمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ، وَاللَّحْمُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ وَهَذَا بِخِلَافِ لَحْمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ حَيْثُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهَا طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَةِ لَحْمِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْهِرَّةُ وَالدَّجَاجَةُ الْمُخْلَاةُ وَسِبَاعُ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنُ الْبُيُوتِ مَكْرُوهٌ) أَيْ سُؤْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَكْرُوهٌ وَإِعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ أَجْوَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ هَذَا أَمَّا كَرَاهِيَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لَهُ لَا لِبَيَانِ الصُّوَرِ، ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ كَرَاهَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إلَى التَّحْرِيمِ أَقْرَبُ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَرَاهَةِ لَازِمٌ غَيْرُ عَارِضٍ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ كَرَاهِيَتُهُ لِأَجْلِ أَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّنَزُّهِ وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْأَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهَا «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» فَجَعَلَهَا كَالطَّوَّافِينَ عَلَيْنَا وَهُمْ الْمَمَالِيكُ أَيْ كَمَا سَقَطَ الِاسْتِئْذَانُ فِي حَقِّ مَنْ مَلَّكْته أَيْمَانَنَا بِعِلَّةِ الطَّوْفِ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ فِي حَقِّ الْهِرَّةِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ تَلْحَسَ الْهِرَّةُ كَفَّ إنْسَانٍ ثُمَّ يُصَلِّيَ قَبْلَ غَسْلِهَا أَوْ يَأْكُلَ مِنْ بَقِيَّةِ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ لِقِيَامِ رِيقِهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ أَكَلَتْ فَأْرَةٌ فَشَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا الْمَاءَ تَنَجَّسَ كَشَارِبِ الْخَمْرِ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ عَلَى فَوْرِهِ وَلَوْ مَكَثَتْ سَاعَةً ثُمَّ شَرِبَتْ لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِغَسْلِهَا فَاهَا بِلُعَابِهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَبُو يُوسُفَ قِيلَ مَعَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الصَّبِّ، وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَقِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ كَرَاهِيَةُ السُّؤْرِ أَنْ لَوْ انْحَصَرَتْ أَحْكَامُ السَّبُعِ فِيهَا قُلْنَا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسِّبَاعِ ثَلَاثَةٌ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَكَرَاهِيَتُهُ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَحُرْمَةِ اللَّحْمِ فَنَجَاسَةُ السُّؤْرِ لَا تُرَادُ إجْمَاعًا لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ»، وَحُرْمَةُ اللَّحْمِ لَا تُرَادُ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَثَبَتَتْ الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ الدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ فَلِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهِيَ تَصِلُ مِنْقَارَهَا إلَى رِجْلَيْهَا وَيَلْحَقُ بِهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ سُؤْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِنَجَاسَةِ السُّؤْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ إذَا ذُبِحَ شَيْءٌ مِنْ السِّبَاعِ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَنَحْوِهِ يَطْهُرُ جِلْدُهُ وَلَا يَطْهُرُ حَتَّى لَوْ صَلَّى الرَّجُلُ وَمَعَهُ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ وَقَعَ لَحْمُهُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ وَنَجَاسَةُ سُؤْرِهِ دَلِيلُ نَجَاسَةِ لَحْمِهِ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَطْهُرُ حَتَّى كَانَتْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَلَوْ كَانَتْ بَازِيًا مَذْبُوحًا أَوْ غَيْرَ الْبَازِي مِنْ الطُّيُورِ أَوْ الْفَأْرَةَ أَوْ الْحَيَّةَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ لَحْمِهَا؛ لِأَنَّ سُؤْرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ لَحْمِهِ إذَا كَانَ مَذْبُوحًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَحْمُهُ نَجِسًا اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ فَتَاوَاهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا بَيْعُ جِلْدِهِ إنْ كَانَ مَيْتَةً، وَإِنْ كَانَ مَذْبُوحًا فَبَاعَ لَحْمَهُ أَوْ جِلْدَهُ جَازَ لِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِأَنْ يُؤْكَلَ سِنَّوْرًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِهِ وَلَا بَيْعُ شَعْرِهِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مَذْبُوحًا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ السِّبَاعِ وَالْكَلْبِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَذْبُوحًا أَوْ ذَاكَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ اهـ وَثُمَّ قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَيْ إذَا ذُكِّيَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي جَمِيعِ الْمُتُونِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا هُوَ الصَّحِيحُ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ التَّصْحِيحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ. اهـ. فَانْظُرْهُ سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَنَّ لُحُومَ السِّبَاعِ تَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهَا فَرَاجِعْهُ اهـ . (قَوْلُهُ أَمَّا كَرَاهِيَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْغِي الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّوَضُّؤَ لَا يُنَافِي كَرَاهِيَةَ التَّنَزُّهِ لِأَنَّهُ لِلتَّشْرِيعِ أَوْ كَانَ عِنْدَ عَدَمِ مَاءٍ آخَرَ أَوْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ لَحْمِهَا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ») سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّلْبِيَةِ أَنَّ إنَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ وَإِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً اهـ رُوِيَ بِالْوَاوِ وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْهِرَّةِ بِذُكُورِ الْخَدَمِ وَإِنَاثِهِمْ أَيْ الْمَمَالِيكِ وَالْجَوَارِي، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ الطَّوَّافِينَ وَهِيَ صِيغَةُ الْعُقَلَاءِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا فِعْلُ الْعُقَلَاءِ وَهُوَ الطَّوَافُ، وَرُوِيَ بِأَوْ أَيْضًا وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ لِقِيَامِ رِيقِهَا بِذَلِكَ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَإِذَا ثَبَتَ كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا يُكْرَهُ أَكْلُ مَا تَتَنَاوَلُهُ الْهِرَّةُ مِنْ الثَّرِيدِ وَمَا سَقَطَ مِنْهَا مِنْ قِطَعِ الْخُبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا لَا يُصَلِّي فِيهِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ لُعَابِهَا اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَوْ قَاءَ صَبِيٌّ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ مَصَّهَا مِرَارًا أَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ أَوْ عُضْوَهُ نَجَاسَةٌ فَلَحِسَهَا بِلِسَانِهِ حَتَّى زَالَ أَثَرُهَا يَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ الدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً لَمْ يُكْرَهْ، وَهِيَ أَنْ تُحْبَسَ فِي بَيْتٍ وَتُعْلَفَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتِشُ نَجَاسَةَ نَفْسِهَا عَادَةً وَلَا تَجِدُ غَيْرَهَا فَنَأْمَنُ عَنْ تَفْتِيشِ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ أَنْ يُجْعَلَ لَهَا بَيْتٌ فَيَكُونُ رَأْسُهَا وَعَلَفُهَا وَمَاؤُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا

سِبَاعِ الطَّيْرِ فَقَدْ قِيلَ هُوَ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا حَرَامٌ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا، وَهُوَ رَطْبٌ بِلُعَابِهَا وَلِأَنَّ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ ضَرُورَةً وَعُمُومَ بَلْوَى فَإِنَّهَا تَنْقُضُ مِنْ عُلُوٍّ وَهَوَاءٍ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا لَا سِيَّمَا فِي الْبَرَارِي فَأَشْبَهَتْ الْحَيَّةَ وَنَحْوَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْهَا عَلَى الْجِيَفِ فَسُؤْرُهُ نَجِسٌ، وَمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْمُذَكَّى لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ، وَأَمَّا سُؤْرُ سَوَاكِنِ الْبَيْتِ فَلِلضَّرُورَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ طَوْفَهَا أَلْزَمُ وَهُوَ الْعِلَّةُ فِي الْبَابِ لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي الْهِرَّةِ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ.» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مَشْكُوكٌ) أَيْ سُؤْرُهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ أَمَّا الْحِمَارُ فَلِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَمَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَالَ إنَّهُ رِجْسٌ» وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «قَالَ لِأَبْجَرَ بْنِ غَالِبٍ حِينَ قَالَ لَهُ لَيْسَ لِي إلَّا حَمِيرَاتٌ كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكِ» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ كُلُّ مَا يَعْتَلِفُ الْقَتَّ وَالتِّبْنَ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إنَّهُ رِجْسٌ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلْبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَيُشْبِهُ الْهِرَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ فَتَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ فِيهِ فَوَقَعَ الشَّكُّ ثُمَّ قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلْبَ مِنْ وَجْهٍ وَالْهِرَّةَ مِنْ وَجْهٍ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْهِرَّةَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَيَكُونُ طَهُورًا بِاعْتِبَارِهِ، وَيُفَارِقُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَا يَصْعَدُ الْغُرَفَ فَكَانَ الْبَلْوَى فِيهِ دُونَهَا فِي الْهِرَّةِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا بِاعْتِبَارِهِ فَأَوْجَبَ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ وَقِيلَ الشَّكُّ فِي الطَّهَارَةِ وَالطَّهُورِيَّةِ جَمِيعًا، وَأَمَّا الْبَغْلُ فَهُوَ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ هَكَذَا. قَالُوا فِيهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ، وَفِي الْغَايَةِ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا فِيهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي لُعَابِهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةٍ طَاهِرٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً وَفِي رِوَايَةٍ مُغَلَّظَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ لُعَابَهُمَا وَعَرَقَهُمَا وَلَبَنَ الْأَتَانِ طَاهِرٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهِمَا لِلشَّكِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فَلَا يُنَجِّسُ مَا هُوَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الثَّابِتَ بِيَقِينٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفْتِشُ نَجَاسَةَ نَفْسِهَا فَهِيَ وَالْمُخْلَاةُ سَوَاءٌ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ إنَّ طَوَافَهَا أَلْزَمُ) أَيْ مِنْ طَوَافِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ تَدْخُلُ مَا لَا تَقْدِرُ الْهِرَّةُ دُخُولَهُ اهـ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مَشْكُوكٌ إلَى آخِرِهِ) وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ يُنْكِرُ هَذَا الْقَوْلَ، وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مَشْكُوكًا وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ يَحْتَاطُ فِيهِ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَسُمِّيَ مُشْكِلًا لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَتِهِ وَعَدَمِ طَهَارَتِهِ لَا أَنْ يَعْنِيَ بِكَوْنِهِ مُشْكِلًا الْجَهْلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. اهـ. كَاكِيٌّ فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ الدَّلِيلَيْنِ تَعَارَضَا فِي فَصْلِ الْحِمَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» مَعَ قَوْلِهِ «أَكْفِئُوا الْقُدُورَ» كَذَلِكَ فِي الْهِرَّةِ تَعَارَضَ دَلِيلَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، وَقَوْلُهُ الْهِرَّةُ سَبُعٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ مَشْكُوكًا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ قُلْنَا فِي فَصْلِ الْهِرَّةِ: النَّجَاسَةُ ثَبَتَتْ بِمُقْتَضَى النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» فَإِذَا كَانَ سَبُعًا يَكُونُ نَجِسًا أَمَّا الطَّهَارَةُ ثَبَتَتْ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَبِإِرْدَافِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ، وَالصَّرِيحُ لَا يُعَارِضُ الْمُقْتَضَى أَمَّا فِي فَصْلِ الْحِمَارِ كِلَا الطَّرَفَيْنِ مُقْتَضٍ وَهُوَ قَوْلُهُ «أَكْفِئُوا الْقُدُورَ» يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ وَقَوْلُهُ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» يَقْتَضِي الطَّهَارَةَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِالشَّكِّ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْكَرَاهَةِ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الشَّكُّ بَلْ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» قُلْنَا التَّرْجِيحُ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْجَمْعِ وَهُنَا الْجَمْعُ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَتَوَضَّأَ فَإِذَا كَانَ الْجَمْعُ مُمْكِنًا فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُفْسِدُهُ، وَإِنْ أَصَابَ الْبَدَنَ أَوْ الثَّوْبَ لَا يُفْسِدُهُ. اهـ. قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. اهـ. كَافِي وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ عَلَى الرَّمَكَةِ) هِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْبَرَاذِينِ (قَوْلُهُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَإِذَا كَانَتْ أُمُّهُ بَقَرَةً يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْأَتَانِ طَاهِرٌ) وَهَذَا فِي الْعَرَقِ بِحُكْمِ الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ صَحِيحٌ أَمَّا فِي اللَّبَنِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ بِنَجَاسَةِ لَبَنِهِ أَوْ تَسْوِيَةِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ بِذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ جَانِبَ الطَّهَارَةِ أَحَدٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِ سُؤْرِهِ وَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ سُؤْرِهِ بِعَرَقِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَاعْتِبَارُهُ بِلَبَنِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَجُعِلَ لَبَنُهُ نَجِسًا كَمَا تَرَى وَفِي الْمُحِيطِ لَبَنُهُ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ، وَاعْتَبَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ فِيهِ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ عَيْنِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي طَهَارَتِهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَبَنَهُ نَجِسٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَقِيلَ سُؤْرُ الْفَحْلِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَشُمُّ الْبَوْلَ فَيَنْجُسُ فَمُهُ، وَسُؤْرُ الْأَتَانِ مُشْكِلٌ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْهُومٌ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

إنْ فَقَدَ مَاءً) أَيْ يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهِمَا وَيَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّيَمُّمِ مَعَهُ لِيَرْتَفِعَ الْحَدَثُ بِيَقِينٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيًّا قَدَّمَ صَحَّ) أَيْ بِأَيِّ الطَّاهِرَيْنِ بَدَأَ جَازَ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الْبُدَاءَةُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ وَاجِبِ الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ طَهُورًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّيَمُّمِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَهُورًا فَالْمُطَهِّرُ هُوَ التَّيَمُّمُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَوُجُودُ هَذَا الْمَاءِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُطَهَّرِ مِنْهُمَا عَيْنًا وَلَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَضَى فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا يُعِيدُهَا لِاحْتِمَالِ الْبُطْلَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ بَلْ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى نُوحٌ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ أَسْئِلَتِهِمْ فَسُئِلَ مَرَّةً إنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا فَقَالَ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَمَرَّةً إنْ كَانَتْ الْحَلَاوَةُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَمَرَّةً إذَا لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا الْغَالِبُ فَقَالَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّقْلِ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا، وَحَدِيثُ لَيْلَةِ الْجِنِّ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِهِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَلِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. بَيَانُ الِاضْطِرَابِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَشَنَّعَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ، وَيَمْنَعُهُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْأَثَرُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَلِهَذَا نَفَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ اسْمَ الْمَاءِ وَلَمْ يَجُزْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَصَارَ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ كَانَ مَنْسُوخًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ أَمَعَك مَاءٌ فَقُلْت لَا إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ فِي إدَاوَةٍ فَقَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَتَوَضَّأَ بِهِ» وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ كَوْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْلَةَ الْجِنِّ فَيَكُونُ الْإِثْبَاتُ أَوْلَى مِنْ النَّفْيِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ فَارَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ خِطَابِ الْجِنِّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي أُمِرْت أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ لِيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ مِنْكُمْ وَلَا يَقُمْ مَعِي مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ فَقُمْت مَعَهُ حَتَّى إذَا بَرَزْنَا خَطَّ حَوْلِي خِطَّةً ثُمَّ قَالَ لِي لَا تَخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك إنْ خَرَجْت مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَك إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى فَثَبَتُّ قَائِمًا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ قَالَ مَالِي أَرَاك قَائِمًا قُلْت مَا قَعَدْت خَشْيَةَ أَنْ أَخْرُجَ مِنْهَا فَسَأَلَنِي عَنْ الْمَاءِ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرٍ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ «وَهُوَ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ لِلِاسْتِنْجَاءِ فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِجْسٌ»، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَدَعْوَاهُمْ النَّسْخَ فَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ بِهِ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ بِيَقِينٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قُلْنَا هُوَ مَاءٌ شَرْعًا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَاءٌ طَهُورٌ» أَيْ شَرْعًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا، وَلَوْ وَجَدَ نَبِيذَ التَّمْرِ وَالْمَاءَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَالتُّرَابَ يَتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ لَا غَيْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالتَّيَمُّمِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْغَايَةِ وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالسُّؤْرِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَيًّا قَدَّمَ صَحَّ) وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَهْرَقَ سُؤْرَ الْحِمَارِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ كَانَ طَهُورًا. اهـ. فَتَاوَى خَانْ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْمَاءِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْخِلَافِ وَلِمُرَاعَاةِ وُجُودِ صُورَةِ الْمَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ) وَفِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ أَنْ لَا يَخْلُوَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِالسُّؤْرِ، وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ لِأَنَّهُ جَمَعَهُمَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ قِيلَ هَذَا الطَّرِيقُ يَسْتَلْزِمُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَيَجِبُ الْجَمْعُ فِي أَدَاءً وَاحِدٍ قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا أَدَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِيَقِينٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ فَلَا لِانْتِفَاءِ الِاسْتِخْفَافِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالشَّرْعِ مِنْ وَجْهٍ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السُّؤْرِ وَالتُّرَابِ مُطَهِّرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكُفْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى حَنَفِيٌّ بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يُكْفَرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ، وَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ يَتَيَمَّمُ) قَالَ قَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ) كَلَامُ الْمَاتِنِ فِيهِ إبْهَامٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ اهـ قُلْت وَقَدْ قَالَ فِي الْوَافِي فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ تَيَمَّمَ فَقَطْ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَا سِوَى نَبِيذِ التَّمْرِ خِلَافًا لِلْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَجَرَى غَيْرُهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ) كَذَا فِي مُسْوَدَّةِ الشَّارِحِ

[باب التيمم]

سُؤْرَ الْحِمَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَاءً مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى النَّبِيذِ مَعَ وُجُودِهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ كَالتَّيَمُّمِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَالْجَنَابَةُ حَدَثٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ، وَالضَّرُورَةُ فِي الْجَنَابَةِ دُونَهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي النَّبِيذِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ الْمَاءُ الَّذِي أُلْقِيَ فِيهِ تُمَيْرَاتٌ فَصَارَ حُلْوًا وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، وَهُوَ رَقِيقٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ حُلْوًا كَانَ أَوْ مُرًّا أَوْ مُسْكِرًا قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ الْمَطْبُوخُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، وَفِيهِ بُعْدٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَإِنْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ فَمَا دَامَ حُلْوًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ اشْتَدَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ شُرْبُهُ عِنْدَهُ وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ بَعْدَمَا خُلِطَ بِهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَعْنَى الْمُنْزَلِ مِنْ السَّمَاءِ إذْ النَّارُ قَدْ غَيَّرَتْهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذْ النَّارُ قَدْ غَيَّرَتْهُ حُلْوًا كَانَ أَوْ مُشْتَدًّا كَمَطْبُوخِ الْبَاقِلَاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ بِالطَّبْخِ كَمُلَ امْتِزَاجُهُ وَكَمَالُ الِامْتِزَاجِ يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (بَابُ التَّيَمُّمِ) التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] أَيْ لَا تَقْصِدُوا، وَقَالَ الشَّاعِرُ فَلَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْت أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيَّهُمَا يَلِينِي وَفِي الشَّرْعِ هُوَ عَلَى مَا قَالُوا اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْجُزْءُ عَلَى الْأَعْضَاءِ حَتَّى يَجُوزُ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَتَيَمَّمُ لِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءٍ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ خَوْفِ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَقْدِ آلَةٍ) أَيْ يَتَيَمَّمُ الشَّخْصُ لِهَذِهِ الْأَعْذَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ فَلَمْ تَقْدِرُوا وَبِهَذِهِ الْأَعْذَارِ تَنْتَفِي الْقُدْرَةُ أَمَّا لِبُعْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ حَتَّى لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِهِ أَيْضًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ كَالتَّيَمُّمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْكِرًا) فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ التَّوَضُّؤَ بِالْمُسْكِرِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، (قَوْلُهُ وَفِيهِ بُعْدٌ) لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ) لَيْسَتْ فِي مُسْوَدَّةِ الشَّارِحِ [بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ ثَلَّثَ بِهِ تَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ قَدَّمَ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ، ثُمَّ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ ثُمَّ بِالْخَلَفِ لِأَنَّهُ أَبَدًا يَلِي الْأَصْلَ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْغُسْلِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّيَمُّمِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَقُولُ ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ ثُمَّ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْدَرُ، ثُمَّ بِالْآلَةِ الَّتِي هُمَا يَحْصُلَانِ بِهَا وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، ثُمَّ بِالْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُخَالِطَهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ، ثُمَّ بِالْخَلَفِ وَهُوَ بَابُ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ رُخْصَةً لَنَا، وَالرُّخْصَةُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ حَيْثُ اكْتَفَى بِالصَّعِيدِ الَّذِي هُوَ مُلَوِّثٌ وَفِي مَحَلِّهِ حَيْثُ اكْتَفَى بِشَطْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَثُبُوتُ التَّيَمُّمِ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَنُزُولُ الْآيَةِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ اهـ وَفِي الْجَلَّابِيِّ شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ النِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُ الْكَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَالِارْتِدَادُ لَا يُنَافِيهِ وَصِفَةُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَسُنَنُهُ أَرْبَعَةٌ: التَّسْمِيَةُ فِي ابْتِدَائِهِ، وَأَنْ يُقْبِلَ بِيَدَيْهِ وَيُدْبِرَ حَالَ الضَّرْبِ وَيَنْفُضُهُمَا بَعْدَهُ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ بِالْيَدِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيَدِ الْيُسْرَى. اهـ. مُجْتَبَى قَوْلُهُ: وَنُزُولُ الْآيَةِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَرُوِيَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي غَزَاةِ ذَاتِ الْمُرَيْسِيعِ فَنَزَلَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَسَقَطَ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءِ فَلَمَّا ارْتَحَلُوا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ بِرَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهَا، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُهُمَا فَعَدِمَ النَّاسُ الْمَاءَ وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَالَ لَهَا حَبَسْت الْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ أَسِيد بْنُ حُضَيْرٍ يَرْحَمُك اللَّهُ يَا عَائِشَةُ مَا نَزَلَ بِك أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا وَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرَجًا». اهـ. أَقْطَعُ (قَوْلُهُ وَفِي الشَّرْعِ إلَى آخِرِهِ) قَالُوا الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطْهِيرِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْيَدَيْنِ عَنْ الصَّعِيدِ لِلطَّاهِرِ وَالْقَصْدُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لِمَرَضٍ) مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ تَطْوِيلَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بِالتَّحَرُّكِ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] الْآيَةَ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَقْدِ آلَةٍ) الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا. اهـ. يَحْيَى

مِيلًا فَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِالذَّهَابِ إلَى الْمَاءِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَقَوْلُهُ لِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءٍ يَنْفِي اشْتِرَاطَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا لُحُوقُ الْحَرَجِ وَبِبُعْدِهِ مِيلًا عَنْ مَاءٍ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ وَيَنْفِي أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي التَّقْدِيرِ وَقِيلَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْمَاءُ أَمَامَهُ يُقَدَّرُ بِمِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مِيلٍ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْإِيَابِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِيلَيْنِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِعَدَمِ سَمَاعِ الصَّوْتِ. وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ الْمِيلُ وَهُوَ ثُلُثُ فَرْسَخٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا وَعَرْضُ كُلِّ إصْبَعٍ سِتُّ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَالْبَرِيدُ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَلَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْفَوْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ خَافَ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ أَوْ طُولَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بِالتَّحَرُّكِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَجَدَ مَنْ يُوَجِّهُهُ أَوْ عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ الْحَجِّ وَوَجَدَ مَنْ يُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنْ وَجَدَ بِغَيْرِ أَجْرٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَبِأَجْرٍ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَعِنْدَهُمَا إنْ وَجَدَ بِرُبْعٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتَيَمَّمُ فِي الْمِصْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ، وَكَذَا الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِخِلَافِ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا الْبَرْدُ فَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ أَوْ الْمَرَضِ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ، وَوُجُودُ مَا يُسْتَدْفَأُ بِهِ وَعَدَمُهُ نَادِرٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ وَالْغَرِيبِ وَالنَّادِرُ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَخَوْفِ السَّبُعِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ فَيَتَيَمَّمُ بِالنَّصِّ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ أَوْ الْخَارِجِ مِنْ الْمِصْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ كَسَائِرِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّيَمُّمِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بَرْدٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَأَمَّا خَوْفُ السَّبُعِ أَوْ الْعَدُوِّ فَلِلْعَجْزِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَنْفِيَ أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْإِفْطَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ السَّوَادِ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ لِلِاحْتِشَاشِ أَوْ لِطَلَبِ الدَّابَّةِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقُرْبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِهِ الْمُسَافِرُ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ عَلَى قَدْرِ مِيلَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا خَرَجَ الْمُقِيمُ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ مِنْ السَّوَادِ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ لِلِاحْتِشَاشِ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إذَا كَانَ هَذَا فِي الْمُقِيمِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُسَافِرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ) هَذَا الْقِيلُ عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ أَمَامَهُ) وَإِنْ كَانَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفَهُ فَمُقَدَّرٌ بِمِيلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ وَهُوَ يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ لَا يَتَيَمَّمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْفَوْتِ خِلَافًا لِزُفَرَ) قَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِلَّا فَيَتَيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا قُلْنَا خَوْفَ فَوْتِ الْوَقْتِ بِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ أَخَّرَهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ طُولُهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) كَالْجُدَرِيِّ وَنَحْوِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ بِالتَّحَرُّكِ) كَالْمُشْتَكِي مِنْ الْعِرْقِ الْبَدَنِيِّ وَالْمَبْطُونِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ فِيمَا قُلْنَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَعَهُ قَوْمٌ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الْقِيَامِ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ زِيَادَةَ الْوَجَعِ فِي قِيَامِهِ وَلَا يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ الْحَرَجِ فِي الْوُضُوءِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ)؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ شَامِلٌ لَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْمِصْرِ يَتَيَمَّمُ كَمَا لَوْ عَدِمَ فِي السَّفَرِ ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّافِعِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ تَيَمَّمَ. قَوْلُهُ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَادِمِ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ التَّيَمُّمُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ مَا لَمْ يَقْصِدْ مُدَّةَ السَّفَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بَرْدٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ) وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْأَسْرَارِ صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) وَهُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً. اهـ.؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْمُسَامَحَةُ بِمَا يَكْفِي الْوُضُوءَ مِنْ الْمَاءِ السَّاخِنِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَأَمَّا خَوْفُ السَّبُعِ أَوْ الْعَدُوِّ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ مُنِعَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ يَتَيَمَّمُ وَيُومِئُ وَيُعِيدُ، وَكَذَا مَنْ مُنِعَ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ بِتَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الْمَاءِ لِصٌّ أَوْ ظَالِمٌ يُؤْذِيهِ أَوْ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ يَتَيَمَّمُ اهـ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: جَازَ أَنْ تَجِبَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخَائِفِ مِنْ الْعَدُوِّ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ وَفِي تَجْنِيسِ الْمُصَنِّفِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ عَنْهُ بِوَعِيدٍ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ

حَقِيقَةً، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ مِثْلُهُ كَخَوْفِ الْحَيَّةِ أَوْ النَّارِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ، وَالْمَشْغُولُ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ ثَمَنُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلزَّادِ يَتَيَمَّمُ مَعَهُ، وَكَذَا الْمَاءُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَجِينِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاِتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ وَعَطَشُ رَفِيقِهِ كَعَطَشِهِ، وَكَذَا عَطَشُ دَوَابِّهِ وَكَلْبِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَخَافَهُ لِلْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَأَمَّا لِفَقْدِ الْآلَةِ فَلِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ دَلْوًا يَسْتَقِي بِهِ فَوُجُودُ الْبِئْرِ وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُسْتَوْعِبًا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) فَقَوْلُهُ مُسْتَوْعِبًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا مُسْتَوْعِبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَتَيَمَّمُ فَيَكُونُ حَالًا مُنْتَظِرَةً، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ثُمَّ الِاسْتِيعَابُ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى يُحَرِّكَ الرَّجُلُ خَاتَمَهُ وَالْمَرْأَةُ سِوَارَهَا أَوْ يَنْزِعَانِهِمَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَمْسَحُ يَدَيْهِ إلَى الرُّسْغَيْنِ وَلَنَا حَدِيثُ عَمَّارٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ»، وَذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ فِي صَدْرِ الْآيَةِ، وَأَسْقَطَ مِنْهَا عُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِيهِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ وَظِيفَةِ الْوَجْهِ شَيْءٌ فَكَذَا الْيَدَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِضَرْبَتَيْنِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَتَيَمَّمَ أَيْ يَتَيَمَّمُ بِضَرْبَتَيْنِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ يُقْبِلُ بِهِمَا وَيُدْبِرُ ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا وَيَنْفُضُهُمَا وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَمْسَحُ الْوَتَرَةَ الَّتِي بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَذَلِكَ وَيَمْسَحُ بِهِمَا ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْخُفَّيْنِ وَيَجِبُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهُمَا غُبَارٌ، وَلَا يَجِبُ فِي الصَّحِيحِ مَسْحُ بَاطِنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ يَكْفِي، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَمْسَحُ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِكَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ، وَيُمِرُّ بَاطِنَ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ قَالُوا وَهُوَ أَحْوَطُ. وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَيْ يَكْفِيهِ ضَرْبَتَانِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك هَكَذَا» الْحَدِيثَ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مُلْحَقَتَانِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِطَاهِرٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَيَمَّمَ أَيْ يَتَيَمَّمُ بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ وَالْحَجَرِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالنُّورَةِ وَالْجِصِّ وَالرَّمْلِ وَالْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَش وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْمَرْجَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ كَالْمَحْبُوسِ إذَا صَلَّى بِالتُّرَابِ فِي السِّجْنِ فَإِذَا خَرَجَ يُعِيدُ فَكَذَا هَذَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ مُتَيَمِّمٌ مَرَّ عَلَى الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ إلَى أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي الْمَسْحِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْمِرْفَقَانِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ إنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الِاسْتِيعَابُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ دَخَلَتْ عَلَى الْمَحَلِّ قُلْنَا زِدْنَا عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ»، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ خَلَفًا عَنْ الْوُضُوءِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيفِ، وَكُلُّ تَنْصِيفٍ يَدُلُّ عَلَى إبْقَاءِ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَوْلُهُ عَلَى مَا كَانَ أَيْ مِنْ الِاسْتِيعَابِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِضَرْبَتَيْنِ) اخْتَارَ لَفْظَ الضَّرْبِ وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ جَائِزًا لِمَا أَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِلَفْظِ الضَّرْبِ. اهـ. مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ بِضَرْبَتَيْنِ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَتَيَمَّمَ) وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمُسْتَوْعِبًا اهـ ع (قَوْلُهُ يُقْبِلُ بِهِمَا) أَيْ يُحَرِّكُهُمَا بَعْدَ الضَّرْبِ أَمَامًا وَخَلْفًا مُبَالَغَةً فِي إيصَالِ التُّرَابِ إلَى أَثْنَاءِ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ أَوْلَى مِنْ الْوَضْعِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَيَنْفُضُ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ) ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَنْفُضُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ نَفْضَةً وَاحِدَةً وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْفُضُهُمَا فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْضَتَيْنِ، وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَنَاثَرُ مَا الْتَصَقَ مِنْ التُّرَابِ عَنْ كَفِّهِ بِنَفْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْضَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَنَاثَرُ بِنَفْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى نَفْضَتَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَلْطِيخُ التُّرَابِ عَلَى عُضْوِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّفْضِ تَنَاثُرُ التُّرَابِ صِيَانَةً عَنْ التَّلْوِيثِ الَّذِي يُشْبِهُ الْمُثْلَةَ. اهـ. مَنْبَعٌ. (قَوْلُهُ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْك) هَكَذَا فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ أَنْ تَفْعَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِطَاهِرٍ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِطَاهِرٍ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ صِفَةً لِضَرْبَتَيْنِ أَيْ بِضَرْبَتَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ بِطَاهِرٍ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَنَا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَفِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْعُضْوِ اهـ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَلَوْ تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ أَوْ لَبِنَةٍ أَوْ أَرْضٍ جَازَ كَبَقِيَّةِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ وَالنُّورَةُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ هَمْزَةُ وَاوِ النُّورَةِ خَطَأٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي النَّتَائِجِ النُّورَةُ طِلَاءٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَخْلَاطٍ يُزَالُ بِهِ الشَّعْرُ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَهَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا نُورَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَغَرَةُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الْمَغَرَةُ الطِّينُ الْأَحْمَرُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّسْكِينُ تَخْفِيفٌ اهـ إذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ تَيَمَّمَ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ

طَاهِرًا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّعِيدِ وَالْأَرْضِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ بِالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَذُوبُ، وَلَوْ كَانَ مَائِيًّا لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا لَا يَجُوزُ بِالْمَاءِ الْمُتَجَمِّدِ وَيَجُوزُ بِالْآجُرِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ الْخَزَفُ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طِينٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ كَالزُّجَاجِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ وَشَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ يَجُوزُ بِالْكِيزَانِ وَالْحُبَابِ وَيَجُوزُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مَا دَامَتْ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ يُصْنَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَبَعْدَ السَّبْكِ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ وَيَصِيرُ رَمَادًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ وَيَذُوبُ بِالنَّارِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَيْ يَجُوزُ بِجِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَالنَّقْعُ الْغُبَارُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَقْعٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِمَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جِنْسِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] أَيْ حَجَرًا أَمْلَسَ وَلَا تَعَلُّقَ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَيِّبًا} [البقرة: 168] عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التُّرَابَ الْمَنْبِتِ؛ لِأَنَّ الطَّيِّبَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهِ الْمَنْبِتُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَلَالُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاهِرُ وَهُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا إذْ الْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَكَذَا الْأَرْضُ فِي الْحَدِيثِ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَمَا تَنَاوَلَ فِي حَقِّ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الَّذِي جُعِلَ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جُعِلَ طَهُورًا قَوْلُهُ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ أَيْ يَجُوزُ بِالنَّقْعِ بِلَا عَجْزٍ عَنْ الصَّعِيدِ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْغُبَارُ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ، وَلَوْ أَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ فَإِنْ مَسَحَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التُّرَابِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ لَهُ رِوَايَتَانِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَيُعِيدُ، وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نَاوِيًا) أَيْ يَتَيَمَّمُ نَاوِيًا وَهُوَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَتَيَمَّمُ وَكَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِثْلُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِهَا وَفِي التَّيَمُّمِ لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْغَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا الْتَزَقَ بِيَدَيْهِ وَهُوَ كَفَضْلِ مَا فِي الْإِنَاءِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي أُخْرَى) وَفِي قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَذُوبُ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ بِالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ اهـ وَلَا يَجُوزُ بِاللُّؤْلُؤِ الْمَدْقُوقِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالزِّئْبَقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَكَذَا بِالرَّمَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ) وَكَذَا الزَّبَادِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَطْلِيَّةً بِالدِّهَانِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ) أَيْ كَالشَّجَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ) أَيْ كَالْحَدِيدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ) ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَرْضٍ نَزَّةٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِيَدِهِ شَيْءٌ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ صَعِيدًا جُرُزًا) فَسَّرَ الصَّعِيدَ بِالْجُرُزِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَالْجُرُزُ أَرْضٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّ النَّبَاتَ لَيْسَ مِنْ الصَّعِيدِ، وَمَا يَذُوبُ بِالنَّارِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يَحْتَرِقُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الصَّعِيدِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَقْعٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْغُبَارِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] أَيْ مِنْ التُّرَابِ وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَأَفَادَتْ الْآيَةُ وُجُوبَ الْمَسْحِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَصِقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ إلَى الْحَدَثِ الْمَذْكُورِ أَوْ تُحْمَلُ مِنْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَمَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ الْتِصَاقَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْوُضُوءِ شَرْطٌ فَكَذَا فِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُلَطِّخُ الثَّوْبَ بِالطِّينِ، وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْجَفَافِ إذَا كَانَ فِي طِينٍ رَدِغَةٍ هُوَ قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ الرَّطْبِ إذَا لَمْ يَعْلَقْ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ دَقَّ الْحَجَرُ أَوْ الْآجُرُّ جَازَ أَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ أَرَادَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُرِيدَ (قَوْلُهُ الْمَنْبَتُ) أَيْ وَهُوَ التُّرَابُ الْخَالِصُ عَنْ الرَّمْلِ اهـ. (قَوْلُهُ يُرَادُ بِهِ الْمَنْبَتُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} [الأعراف: 58] (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَلَالُ) قَالَ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاهِرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ تَعَالَى {حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ». اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَرْضُ فِي الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُهُ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَهُوَ شَرْطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ إلَى آخِرِهِ) الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ تَرْتِيبُ التَّيَمُّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَهِيَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَقَدْ انْتَفَى فِيهَا الْقَيْدَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهَا نِيَّةٌ لِلصَّلَاةِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ) احْتِرَازٌ عَنْ التَّيَمُّمِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَكِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِلْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا السَّلَامُ أَوْ رَدُّهُ أَوْ الْإِسْلَامُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ الْوُضُوءِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَمِنْ الْمُشْكِلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مِمَّا لَيْسَ

الصَّلَاةِ تَقُومُ مَقَامَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شُرِعَتْ لِلصَّلَاةِ وَشُرِطَتْ لِإِبَاحَتِهَا فَكَانَ نِيَّتُهَا نِيَّةَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ جَازَ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُمَا يَقَعُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَمَيَّزُ بِالنِّيَّةِ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِيَقَعَ طَهَارَةٌ فَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الظُّهْرَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ يُرِيدُ بِهِ التَّيَمُّمَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ، وَلَوْ قَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ إلَّا إذَا أَصَابَهُ التُّرَابُ أَوْ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ أَيْضًا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ وَلَا نِيَّةَ لِلْكَافِرِ فَيَلْغُو تَيَمُّمُهُ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَتُعْتَبَرُ لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالْقَصْدُ هُوَ النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَهِيَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ وُجِدَ وَلِأَنَّ التُّرَابَ مُلَوِّثٌ وَمُغَبِّرٌ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُطَهِّرًا لِضَرُورَةِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَاسْتَغْنَى فِي وُقُوعِهِ طَهَارَةً عَنْ النِّيَّةِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي وُقُوعِهِ قُرْبَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا نَوَى بِهِ الْإِسْلَامَ صَحَّ وَيُصَلِّي بِهِ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ رَأْسُ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ فَصَحَّ تَيَمُّمُهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. قُلْنَا: إنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً إذَا قُصِدَ بِهِ عِبَادَةٌ لَا صِحَّةَ لَهَا بِدُونِهَا، وَالْإِسْلَامُ لَهُ صِحَّةٌ بِدُونِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَصِيرُ مُتَيَمِّمًا بِنِيَّتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُ الْمُسْلِمِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَنْقُضُهُ رِدَّةٌ) أَيْ وَلَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ رِدَّةٌ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ زُفَرَ يَقْتَضِي أَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى فِيهِ وُجُوبَ النِّيَّةِ كَمَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَى جَوَازَهَا وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا فَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِيهِ كَالْوُضُوءِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَدَوَامُ النِّيَّةِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِإِنْشَاءِ النِّيَّةِ وَالْعِبَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ نَاقِضُ الْوُضُوءِ وَقُدْرَةُ مَاءٍ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ بَلْ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ نَاقِضُ الْوُضُوءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِ طَهُورُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لِنَفْسِهِ وَلَا هُوَ مِنْ جِنْسِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَيَقَعُ طَهُورًا اهـ فَإِنْ قُلْت ذَكَرْت أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ لَا تُصَحِّحُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ» عَلَى مَا أَسْلَفْته فِي الْأَوَّلِ فَالْجَوَابُ إنْ قَصَدَ رَدَّ السَّلَامِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَوَى عِنْدَ فِعْلِ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمَ لَهُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ نَوَى مَا يَصِحُّ مَعَهُ التَّيَمُّمُ، ثُمَّ يَرُدُّ السَّلَامَ إذَا صَارَ طَاهِرًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ) وَيَكْفِي لِلْحَدَثَيْنِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ فِي الْمُخْتَارِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَنَابَةِ. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَرِوَايَةِ الْحَسَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ) قُلْنَا بَلْ الْأَصْلُ أَنَّ الَخَلَفَ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ لَكِنْ قَدْ يُفَارِقُهُ لِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، وَسُنَّ التَّكَرُّرُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ لَهُ صِحَّةٌ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ صَحَّ عِنْدَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا لَا يُصَحِّحَانِ مِنْهُ تَيَمُّمًا أَصْلًا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النِّيَّةِ مِنْهُ فَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّيَّةَ تُصَيِّرُ الْفِعْلَ مُنْتَهِضًا سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَلَا فِعْلَ يَقَعُ مِنْ الْكَافِرِ كَذَلِكَ حَالَ الْكُفْرِ، وَلِذَا صَحَّحُوا وُضُوءَهُ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا افْتَقَرَ إلَيْهَا عِنْدَهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيهِ) بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَوْ تَيَمَّمَ لَا يَصِحُّ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَالتَّقْصِيرِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ فِعْلِهِ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عِنْدَهُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. اهـ. كَاكِيٌّ أَوْ نَقُولُ عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْكَافِرِ عِنْدَهُ لَا لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ طَهُورَ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّيَمُّمُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» الْحَدِيثَ. وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ بِالِاتِّفَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ مُنَافٍ لِطَهُورِيَّتِهِ وَبِالِارْتِدَادِ ارْتَفَعَتْ طَهُورِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ) بِأَنْ كَانَ الزَّوْجَانِ رَضِيعَيْنِ، وَقَدْ زَوَّجَ كُلًّا مِنْهُمَا أَبَوَاهُمَا ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ أَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ، وَقَدْ مَكَّنَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ حَيْثُ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ فِيهِمَا بَعْدَ الثُّبُوتِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ فِيهِمَا ابْتِدَاءً، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مُنَافِيَةٍ بِحُكْمٍ يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالرِّدِّيَّةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا فَثَبَتَ أَنْ يُفْسِدَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ ابْتِدَاءً قُلْنَا ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ» الْحَدِيثَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِإِنْشَاءِ النِّيَّةِ) أَيْ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ بِهِ طَهُورُ الْحَدَثِ السَّابِقِ) التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَنَا لَكِنْ رَفْعًا مُمْتَدًّا إلَى وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ عَادَ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ مَوْجُودًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَعْذَارِ، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ عِنْدَنَا، وَيُصَلِّي فَرْضًا وَاحِدًا أَوْ النَّوَافِلَ تَبَعًا لَهُ عِنْدَهُ

الْقُدْرَةَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ إذْ لَيْسَتْ بِخُرُوجِ نَجِسٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلَكِنْ انْتَهَتْ طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ عِنْدَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ طَهُورًا إلَّا إلَى وُجُودِ الْمَاءِ فَإِذَا وَجَدَهُ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهَا فَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَنْقُضُ تَيَمُّمَهُ إذْ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ الْكَافِيَ وَغَيْرَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِإِزَالَةِ بَعْضِ النَّجَاسَةِ أَوْ ثَوْبًا يَسْتُرُ بَعْضَ عَوْرَتِهِ وَكَمَا يَجْمَعُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ بَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلصَّلَاةِ وَمَا لَا يُبِيحُهَا فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفِدْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَبَثًا وَتَضْيِيعًا لِلْمَاءِ فِي مَوْضِعِ عِزَّتِهِ، وَتَضْيِيعُ الْمَالِ حَرَامٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ مَا يَكْفِي خَمْسَةَ مَسَاكِينَ أَوْ بَعْضَ رَقَبَةٍ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِطْعَامِ وَلَا بِعِتْقِ بَعْضِ الْعَبْدِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَقَعُ تَطَوُّعًا فَيُثَابُ عَلَيْهِ. وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا فِي الْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ بِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ ثُمَّ قَالَ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فَكَانَ تَقْدِيرُهُ مَاءً يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا الْقَطْرَةُ وَالْقَطْرَتَانِ وَقَوْلُهُ فَتَعُمُّ الْكَافِيَ وَغَيْرَهُ قُلْنَا لَوْ تَنَاوَلَ غَيْرَ الْكَافِي لَمَا جَازَ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْمَاءِ الْكَافِي، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجِزْ التَّيَمُّمَ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَلَى زَعْمِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَصَارَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَاعْتِبَارُهُ بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَجَزَّأُ وَالْحَدَثُ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِأَنَّ قَلِيلَهَا عَفْوٌ بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ نَرَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ إذَا وَجَدَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» أُمِرْنَا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ مُطْلَقًا فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ، وَلِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُجْعَلْ طَهُورًا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيَبْطُلُ بِوُجُودِهِ وَلِأَنَّهُ قُدِّرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ فَرَآهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا وَكَذَا لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَأْتِي مَعَ أَخَوَاتِهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَهِيَ تَمْنَعُ التَّيَمُّمَ وَتَرْفَعُهُ) أَيْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ تَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَتَرْفَعُهُ بَعْدَمَا تَيَمَّمَ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ وَهَذَا تَكْرَارٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ لَمَّا عَدَّ الْأَعْذَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَمَّا قَالَ وَقُدْرَةُ مَاءٍ عُلِمَ أَنَّهُ تَرْفَعُهُ الْقُدْرَةُ وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءً فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ ثَانِيًا، وَلَا يَلِيقُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ. قَالَ (وَرَاجِي الْمَاءِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ Q؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ ضَرُورِيَّةٌ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. اهـ. يَحْيَى وَلَوْ أَنَّ مُتَوَضِّئًا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخَرَجَ لِيَتَوَضَّأَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ قَبْلَ الِانْصِرَافِ إلَى مَكَانِهِ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَلَوْ انْصَرَفَ إلَى مَكَانِهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ اسْتِحْسَانًا. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ) أَيْ يَتَجَزَّأُ وَقَلِيلُهَا عَفْوٌ كَمَا يَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَتَرْفَعُهُ) لَا الْوُجُودُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ هُوَ الْوُجُودُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَهِيَ تُمْنَعُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ الْمَانِعُ الْوُجُودُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ النَّاقِضَ قُدْرَةُ الْمَاءِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا تَكُونُ مَانِعَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ فَهِيَ تُمْنَعُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ مُتَوَهِّمٍ أَنَّ الْوُجُودَ هُوَ الْمَانِعُ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهَذَا تَكْرَارٌ مَحْضٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِحَاصِلِ مَا ذَكَرَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مُخْتَصَرَةٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّكْرَارِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ دَأْبُ الْمُحَقِّقِينَ فِي تَقْدِيرَاتِهِمْ يَحْيَى (قَوْلُهُ لَمَّا عَدَّ الْأَعْذَارَ) أَيْ الْمُبِيحَةَ لِلتَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلِيقُ) أَيْ التَّكْرَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَاجِي الْمَاءِ) وَالْمُرَادُ بِالرَّجَاءِ غَلَبَةُ الظَّنِّ أَيْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ، وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ يَرْجُوهُ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَجِدَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ، وَصَارَ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقَّقِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينِ مِثْلِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ مَعَ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينِ مِثْلِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ فِي الْعُمْرَانَاتِ وَفِي الْفَلَاةِ إذَا أُخْبِرَ بِقُرْبِ الْمَاءِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الطَّلَبِ اعْتِبَارًا لِغَالِبِ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ خِلَافُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ جَازَ التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ عَلَى تَيَقُّنٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ غَالِبُ ظَنِّهِ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَلَكِنْ يَخَافُ الْفَوْتَ لَا يَتَيَمَّمُ اهـ

أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيُؤَدِّيَهَا بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ) أَيْ صَحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبْلَهُ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّيَمُّمَ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ، وَلَنَا أَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا يَجْرِي الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْوَقْتِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْوُضُوءِ فَجَازَ قَبْلَ الْوَقْتِ كَالْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَشْغَلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الْفَرِيضَةِ أَوْ السُّنَنِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ النُّصُوصَ تَنْفِيهِ وَلَا نَصَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا يَجُوزُ وُضُوءُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ بَلْ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَلَئِنْ سُلِّمَ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ فَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ قَدْ وُجِدَ مَا يُنَافِيهَا وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ رَافِعٌ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْحَدَثُ أَوْ وُجُودُ الْمَاءِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَصَارَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ وَبَدَلُ مِثْلِهِ عَنْ الْغُسْلِ بَلْ التَّيَمُّمُ أَقْوَى فَإِنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَجَعَلَ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ طَهُورًا وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ. قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَقِيبَ الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الْجَوَازُ عَقِيبَهُ وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ قَبْلَهُ كَمَا فِي حَقِّ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ قَالَ (وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ وَصَحَّ التَّيَمُّمُ لِفَرْضَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي بِهِ فَرْضًا وَاحِدًا، وَيُصَلِّي النَّوَافِلَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ» الْحَدِيثَ فَقَدْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وُضُوءًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ مُطْلَقًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْوُضُوءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَالطَّهُورُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلطَّهَارَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ ظَنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهَا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَلَا يُنْكِرُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّيَمُّمُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَلَمَّا بَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ تَرَكَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] نَزَلَتْ فِي التَّيَمُّمِ. قَالَ (وَخَوْفَ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ فَصَارَ الْمَاءُ مَعْدُومًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَجَأَتْك جِنَازَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمْ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى جِدَارٍ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّلَامَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ الْفَوْتِ جَائِزٌ إذْ تَيَمُّمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَجْلِ خَوْفِ فَوْتِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ التَّرَاخِي لَا يَكُونُ رَدًّا لَهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهِ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَفِي أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِالْحِجَارَةِ السُّودِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرُوهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ كَمُلَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ حَتَّى لَوْ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لَهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ) قَالَ فِي الْوَافِي نُدِبَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِرَاجِي الْمَاءَ (قَوْلُهُ عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ، وَلَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ فِي الْوَقْتِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَمَنْ أَثْبَتَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ بِالْقِيَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَجَبَ التَّيَمُّمُ عَقِيبَ الْمَجِيءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ فَصَاعِدًا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) أَيْ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ لِلضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. اهـ. قَوْلُهُ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ اهـ غَايَةٌ . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَخَوْفَ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْمِصْرِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ) أَيْ وَلِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. اهـ. نِهَايَةٌ

يُوجَدْ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ الْوُضُوءُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. قَالَ (أَوْ عِيدٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْإِمَامُ فِي الْعِيدِ لَا يَتَيَمَّمُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي بِحَيْثُ يُدْرِكُ بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِنَاءً) أَيْ وَلَوْ كَانَ يَبْنِي بِنَاءً جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، ثُمَّ يُحْدِثُ الْمُقْتَدِي أَوْ الْإِمَامُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْبِنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ شَرَعَ بِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ إذْ اللَّاحِقُ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ فَتَفْسُدُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ خَوْفَ الْفَوَاتِ بَاقٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيهِ مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ فَتَفُوتُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَتَفُوتُ إلَى بَدَلٍ قِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَقَالَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ. وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي بَعِيدًا مِنْ الْمِصْرِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِمَا يُصَلُّونَ فِي الْمِصْرِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَالُوا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ الْبَعْضَ مَعَهُ يُتِمُّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْفَسَادِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَخَافُ الزَّوَالَ فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا قَالَ: (لَا فَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) وَإِعْرَابُ فَوْتٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى عِيدٍ أَيْ إذَا خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ لَهَا، أَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ إلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بَلْ يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى بَدَلٍ وَالْفَوَاتُ إلَى بَدَلٍ كَلَا فَوَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَنَسِيَ الْمَاءَ وَاوُ الْحَالِ وَصَاحِبُ الْحَالِ هُوَ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي صَلَّى أَيْ وَلَمْ يُعِدْ إنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ نَاسِيًا الْمَاءَ وَفِي رَحْلِهِ حَالٌ مِنْ الْمَاءِ أَيْ نَسِيَ الْمَاءَ كَائِنًا فِي رَحْلِهِ أَوْ مُسْتَقِرًّا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعِيدُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَفْنَ يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْكَشْفَ فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْكَشْفِ وَخَطَأِ الظَّنِّ وَلِأَبِي يُوسُفَ مَدْرَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُنْسَى لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ النَّفْسِ فَلَا يُعْذَرُ وَالْمَدْرَكُ الثَّانِي لَهُ أَنَّ الرَّحْلَ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ فَصَارَ كَالْعُمْرَانِ فَكَانَ الطَّلَبُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عُرْيَانًا وَفِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ قَدْ نَسِيَهُ أَوْ صَلَّى مَعَ النَّجَاسَةِ وَفِي رَحْلِهِ مَا يُزِيلُهَا بِهِ، أَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيَاسِ نَاسِيًا لِلنَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ؛ لِأَنَّ رَحْلَهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَكْوَةٍ مُعَلَّقَةٍ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ قِرْبَةٍ عَلَى ظَهْرِهِ قَدْ نَسِيَهُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْمَاءِ حَقِيقَةً إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ بِدُونِ الْعِلْمِ فَصَارَ كَفَاقِدِ الدَّلْوِ وَالْغَالِبُ النِّسْيَانُ فِي السَّفَرِ لِكَثْرَةِ الِاشْتِغَالِ وَالتَّعَبِ وَالْخَوْفِ وَكَذَا الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ فِي الرَّحْلِ النَّفَادُ فِيهِ غَالِبٌ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَانِ وَلَيْسَ الرَّحْلُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى ظَهْرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ عُرْيَانًا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ، وَهُنَا فَرْضُ الْوُضُوءِ فَاتَ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِعُذْرٍ وَالْفَائِتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ يُحْدِثُ) أَيْ يَسْبِقُهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمِنَ مِنْ الْفَوَاتِ) لِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ فَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَلَا يُمْكِنُهُ الْإِدْرَاكُ وَكَذَا لَوْ شَرَعَ بِالْوُضُوءِ، وَيَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ وَيَرْجُو إدْرَاكَ الْإِمَامِ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَمْ يَتَيَمَّمْ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَرْجُ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَعْتَرِيهِ مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ) كَالْكَلَامِ لِأَنَّ الزِّحَامَ مُقْتَضٍ لَهُ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَرُدَّ السَّلَامَ أَوْ يُهَنِّئُهُ بِالْعِيدِ فَيُجِيبُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَكَانَ خَوْفُ الْفَوْتِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ فِي زَمَانِهِ بَعِيدًا) فَكَانَ خَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمًا فَأَفْتَى عَلَى وَفْقِ زَمَانِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يُصَلُّونَ فِي الْمِصْرِ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ خَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْإِبَاحَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ) قِيلَ النَّوْمُ يُنَافِي الْعِلْمَ كَالنِّسْيَانِ فَيُنَافِي الْقُدْرَةَ فَلَوْ مَرَّ الْمُتَيَمِّمُ النَّائِمُ عَلَى الْمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّوْمَ لَحِقَهُ مَا يُزِيلُهُ حَالَةَ الْمُرُورِ عَلَى الْمَاءِ، وَهُوَ كَوْنُهُ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ فَتَتَبَاشَرُ الْقَافِلَةُ بِرُؤْيَتِهِ وَيَتَصَايَحُوا فَيَنْتَبِهُ النَّائِمُ، وَلَمْ يَلْحَقْ النَّاسِي مَا يُزِيلُهُ وَالسَّفَرُ مُنْفَرِدًا نَادِرٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ النَّائِمُ جَالِسًا لِئَلَّا يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمَدْرَكُ الثَّانِي) حَاصِلُ الْمَدْرَكِ الثَّانِي أَنَّ الرَّحْلَ مَحَلُّ الْمَاءِ، وَالرَّحْلُ فِي يَدِهِ فَمَحَلُّ الْمَاءِ فِي يَدِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، أَشَارَ إلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ الرَّحْلُ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ وَإِلَى الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَهُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ أَوْ قِرْبَةٍ عَلَى ظَهْرِهِ قَدْ نَسِيَهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْغَالِبُ) جَوَابٌ عَنْ الْمَدْرَكِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ) جَوَابٌ عَنْ الْمَدْرَكِ الثَّانِي بِمَنْعِ مُقَدِّمَتَيْهِ

بِبَدَلٍ كَلَا فَائِتٍ. وَأَمَّا حُكْمُ الْحَاكِمِ بِالْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَلِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنْقُلْ الْحُكْمَ إلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِيَاسِ إذَا عَلِمَ بِالنَّصِّ عِنْدَ عَالِمٍ آخَرَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ بَعُدَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ وُجِدَ عَلَى عَدَمِهِ دَلِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَفَاوِزِ عَدَمُهُ بِخِلَافِ النَّصِّ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى عَدَمِهِ، وَمَسْأَلَةُ الرَّقَبَةِ قِيلَ هِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إعْتَاقِهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ بِأَنْ يَقُولَ مَمْلُوكُهُ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَيَكُونُ قَادِرًا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِهِ فَثَبَتَ الْعَجْزُ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الرَّقَبَةِ الْمِلْكُ، وَقَدْ وُجِدَ وَفِي الْمَاءِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِي الْمَاءِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَا لِلْحُرِّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبُولِ فِي الرَّقَبَةِ إذَا مَلَكَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَرْضِ، وَإِنَّ عِدَمَ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مُعَلَّقًا عَلَى دَابَّةٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ سَائِقًا لَهَا أَوْ رَاكِبًا فَإِنْ كَانَ رَاكِبًا وَكَانَ الْمَاءُ فِي مُؤَخَّرِ الرَّحْلِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُقَدَّمِهِ يُعِيدُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَفِي السَّائِقِ الْحُكْمُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ مُؤَخَّرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يُعْذَرُ فَيُعِيدُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ فِي مُقَدَّمِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ قَائِدًا جَازَ لَهُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَا يُعَايِنُهُ فَيُعْذَرُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي الْإِعَادَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَطْلُبُهُ غَلْوَةً إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَيَطْلُبُ الْمَاءَ إلَى غَلْوَةٍ، وَالْغَلْوَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ إنْ ظَنَّ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُوجِبُ الْعَمَلَ كَالْيَقِينِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَطْلُبَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] فَهَذَا يَقْتَضِي الطَّلَبَ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ إلَّا لِمَنْ طَلَبَ وَلَمْ يُصِبْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ لِي رُطَبًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعِنَبًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الرُّطَبِ، وَلَنَا أَنَّ الْوُجُودَ لَا يَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] وقَوْله تَعَالَى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا طَلَبُ الْجِدَارِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلِأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْمَرِيضِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَالْمَاءُ عِنْدَهُ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَطْلُبَهُ، وَالْآيَةُ مُفَسَّرَةٌ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصَّوْمِ بِغَيْرِ طَلَبٍ بَلْ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهَا بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ لَيْسَتْ بِنَظِيرَةٍ لَهَا بَلْ هِيَ نَظِيرَةُ مَنْ لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَلَا يَلْزَمُنَا التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ حَيْثُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ جِهَتُهَا؛ لِأَنَّ جِهَتَهَا مَوْجُودَةٌ بِيَقِينٍ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَعْيِينُهَا وَلِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ فِي الْأَسْفَارِ وَفِي الْمَفَاوِزِ مَعَ التَّيَقُّنِ بِعَدَمِ الْمَاءِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ، ثُمَّ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ دُونَ الْمِيلِ مَاءً طَلَبَهُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ وَكَذَا إنْ وَجَدَ أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَسْأَلْهُ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَطْلُبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ) أَيْ يَطْلُبُ الْمَاءَ مِنْ رَفِيقِهِ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ فَكَانَ الْغَالِبُ الْإِعْطَاءَ حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يُجْزِيهِ، وَفِيهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُعْطِيهِ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَسَأَلَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَأَعْطَاهُ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَعْطَاهُ بَعْدَ الْمَنْعِ لَمْ يُعِدْ. قَوْلُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ تَيَمَّمَ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَثْبُتُ الْعَجْزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَاهُ، وَعَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ) أَيْ فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَقَلَ الْحُكْمَ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عِنْدَ النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَاءِ الْقُدْرَةُ دُونَ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ يَحْصُلُ بِالْإِبَاحَةِ، وَلَا ذُلَّ فِي قَبُولِهَا وَلِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً فَلَا ذُلَّ، وَجَوَازُ التَّكْفِيرِ بِالْمِلْكِ وَفِي قَبُولِهِ ذُلٌّ وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ ثَمَنَ الْمَاءِ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَبْذُولٍ فَيَلْحَقُهُ الذُّلُّ بِقَبُولِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْمَالُ اهـ يَحْيَى . (قَوْلُهُ وَالْغَلْوَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةِ سَهْمٍ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ هِيَ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ، أَمَّا فِي الْعُمْرَانِ يَجِبُ الطَّلَبُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَقْتَضِي سَابِقَةَ الطَّلَبِ) يُقَالُ فُلَانٌ: وَجَدَ مَالَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ سَابِقَةَ الطَّلَبِ إلَى آخِرِهِ الطَّلَبُ لِتَبْيِينِ الْحَالِ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فَبَقِيَ الْوُجُودُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَلْزِمُ سَابِقَةَ الطَّلَبِ. اهـ. يَحْيَى. (فَرْعٌ) يُبْتَلَى الْحَاجُّ بِحَمْلِ مَاءِ زَمْزَمَ لِلْهَدِيَّةِ وَيُرَصِّصُ رَأْسَ الْقُمْقُمَةِ فَمَا لَمْ يَخِفَّ الْعَطَشُ وَنَحْوُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يَسْتَوْدِعَهُ مِنْهُ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى مَعَ غَيْرِهِ مَاءً يَبِيعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الرُّجُوعَ تَمَلُّكٌ بِسَبَبٍ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ شَرْعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَاءُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَاءِ الْجُبِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ لَا عَدَمُ الْوُجُودِ اهـ (قَوْلُهُ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ غَالِبُ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقَّقِ لَوَجَبَ التَّأْخِيرُ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ قُلْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ وَلِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ ثَمَّ رَأَى أَنَّهُ سَيَصِيرُ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهُنَا غَلَبَةُ ظَنِّهِ أَنَّهُ بِقُرْبِ الْمَاءِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ

[الجمع بين التيمم والغسل]

لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَمُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ إيَّاهُ، وَمُرَادُهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْمَنْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَهُ ثَمَنُهُ لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يَلْزَمُهُ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَهُوَ ضِعْفُ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَدَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءً يُسَاوِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ لَا يَتَيَمَّمُ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَيَمَّمَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنُهُ تَيَمَّمَ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَكْثَرَهُ مَجْرُوحًا تَيَمَّمَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ يَغْسِلُ) أَيْ إذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْرُوحِ يَغْسِلُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِأَحَدِهِمَا لَا بِهِمَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا لِمَكَانِ الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ جَرِيحًا وَالنِّصْفُ صَحِيحًا لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَ الصَّحِيحِ وَمَسْحَ الْجَرِيحِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ فَكَانَ أَوْلَى، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جِرَاحَةٌ يُخْشَى إمْسَاسُ الْمَاءِ وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهُ التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ) أَيْ صَحَّ الْمَسْحُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَفِيضَةِ، حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى وَرَدَتْ فِيهِ آثَارٌ أَضْوَأُ مِنْ الشَّمْسِ حَتَّى قَالَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَقِيلَ: عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُكَفَّرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْآحَادِ عِنْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَوَازُ الْمَسْحِ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ أَيْضًا عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ إلَى الْكَعْبَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ إجْمَاعًا، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ وَلَوْ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ حَيْثُ يَقُولُ لَا يَسْأَلُهُ؛ لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ ذُلًّا، وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ، وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ مَبْذُولٌ عَادَةً وَلَيْسَ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَذَلَّةٌ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ [الْجَمْع بَيْن التَّيَمُّم وَالْغُسْل] (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ بِالْفِقْهِ وَالْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ، وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا، وَالْآخَرُونَ قَالُوا إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. كَمَالٌ إنَّمَا أَخَّرَهُ وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ فِيهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى التَّيَمُّمِ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالتَّيَمُّمِ بِالْكِتَابِ فَيَكُونُ أَقْوَى اهـ. ع [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: صَحَّ الْمَسْحُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمَسْحَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ) يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْآيَةُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَيْهِمَا لَوْ كَانَا غَايَةً لِلْفِعْلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْمَحَلِّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَسْحُ إلَى الْكَعْبَيْنِ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ مَنْ رَآهُ، ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَفْظُ كَانَ مَأْجُورًا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَسْحَ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الرُّخْصَةِ وَهُوَ لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ فِيهِ مَشْرُوعَةً كَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ لِلْمُسَافِرِ وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّابِعِ مَا دَامَ الْمُكَلَّفُ لَابِسَ الْخُفِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ نَزْعَهُ، فَإِذَا نَزَعَهُ سَقَطَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ فَيَغْسِلُ وَإِنَّمَا يُثَابُ بِتَكَلُّفِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزِ وَقَوْلُ الرُّسْتُغْفَنِيِّ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْسَحَ إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الرَّوَافِضَ لَا يَرَوْنَهُ وَإِمَّا لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ مَدْفُوعٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الثَّانِي عَلَى مَا عَلِمْت وَعَدَمُ تَأَتِّي الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعٍ يُعْلِمُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ لَا يَتَّهِمُونَهُ لِعِلْمِهِمْ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ أَوْ جَهْلِهِمْ وُجُودَ مَذْهَبِ الرَّوَافِضِ فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ الْجَوَابِ بَلْ إنْ كَانَ مَحَلَّ تُهْمَةٍ هَذَا، وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَمَنَعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ وَخَطَّأَهُمْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهِ فِي الْأُصُولِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءٌ بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ لِغَسْلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ اهـ وَمَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ

مَا رَأَى جَوَازَ الْمَسْحِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي الْكَافِي فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ، إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ، قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغُسْلِ وَإِذَا نُزِعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً. (قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءُ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَلَوْلَا أَنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغُسْلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ، وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ، وَدَلِيلُهَا أَنْ يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ وَهِيَ غَيْرُ مُبَاحَةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ كَالْعَفْوِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهِيَ نَوْعَانِ: إحْدَاهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْأُخْرَى مَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَخَفُّ مِنْ الْآخَرِ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ وَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَقِيقَةِ مَا يُرَخَّصُ فِيهِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ كَفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَأَمَّا الْمَجَازُ فَنَوْعَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَتَمُّ وَهُوَ مَا وُضِعَ عَنَّا مِنْ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمَجَازِ مَا سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ بِخُرُوجِ السَّبَبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ فِي حَقِّهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ كَقَصْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَسُقُوطِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ فِي السِّلْمِ وَسُقُوطِ غَسْلِ الرِّجْلِ مَعَ الْخُفِّ وَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ وَفِي جَعْلِهِمْ مَسْحَ الْخُفِّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَظَرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَاسِحُ امْرَأَةً لِاتِّحَادِ الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ الْوَارِدَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّخْصِيصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا جُنُبًا) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمَسْحُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ»؛ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْحَرَجِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَلَا حَرَجَ فِي الْجَنَابَةِ لِعَدَمِ التَّكْرَارِ وَصُورَةُ مَا يَكُونُ جُنُبًا أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، ثُمَّ يَجْنُبُ وَهُوَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ. وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحِلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخْذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ انْتَهَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ) فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزِ أَيْ الْأَشَقِّ بِالْإِتْمَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَيْضًا) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْعَزِيمَةَ وَهُوَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الرَّازِيّ الطَّهْرَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الدَّقَائِقِ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْعَزِيمَةِ عَدَمُ لُزُومِهَا لَا عَدَمُ جَوَازِهَا وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِي الْخُفِّ لِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) أَيْ وَهِيَ مَا لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ: إحْدَاهُمَا) أَيْ وَهُوَ مَا بَقِيَ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: وَتَنَاوَلَ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَقِيقَةِ) وَهُوَ مَا بَقِيَ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ دُونَ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مَا لَمْ تَكُنْ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً أَصْلًا لَا فِي مَحَلِّ الرُّخْصَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا بَقِيَ الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيَّاعُ الْعَسَلِ وَصَفْوَانُ هَذَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ أَوْ الْوُضُوءِ الْمُقَارِنِ هُوَ أَوْ اللُّبْسِ لِلْحَدَثِ بَعْدَ الْوَقْتِ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْقَدَمِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ حَالَ ذَلِكَ الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ بِالْقَدَمَيْنِ لَا يَمْسَحُ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ رَافِعًا لِمَا بِالْقَدَمِ لَجَازَ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْعَ عَلَى التَّيَمُّمِ بِكَوْنِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَاَلَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا كُنَّا سَفَرًا) جَمْعُ مُسَافِرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ) أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَيَمَّمَ) الْحَاصِلُ أَنَّ خُفَّ الْمُسَافِرِ لَوْ مَنَعَ مِنْ حُلُولِ الْجَنَابَةِ بِقَدَمَيْهِ لَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ الْجَنَابَةِ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَحَلَّ الْجَنَابَةِ بِقَدَمَيْهِ، ثُمَّ زَالَتْ بِالتَّيَمُّمِ لَكِنَّ زَوَالَهَا بِهِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِكَوْنِ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ ضَرُورِيَّةً وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ فَكَأَنَّهُ لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَاللُّبْسُ بَعْدَهُ لَا يُبِيحُ الْمَسْحَ إذَا تَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ

الْقَدَمَيْنِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا فَإِذَا نَزَعَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَثَ يَمْنَعُهُ الْخُفُّ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الْقَدَمَيْنِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَلَوْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ عَادَ جُنُبًا فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ لَا غَيْرَ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّهُ جُنُبٌ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَادَ جُنُبًا لِوُجُودِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ إلَّا قَدْرُ مَا يَكْفِي الْوُضُوءَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَقْتَ الْحَدَثِ)؛ لِأَنَّ الْخُفَّ شُرِعَ مَانِعًا فَلَا بُدَّ مِنْ اللُّبْسِ مَعَ الطَّهَارَةِ، وَإِلَّا كَانَ رَافِعًا قَوْلُهُ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ احْتِرَازٌ عَنْ وُضُوءٍ غَيْرِ مُسْبَغٍ بِأَنْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَحْدَثَ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ أَوْ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ وُضُوءٍ نَاقِصٍ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَقْصُهُ كَوُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا إذَا لَبِسُوا الْخُفَّ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَكَالْمُتَيَمِّمِ إذَا لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْسَحُونَ لِعَدَمِ اللُّبْسِ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَكَذَا بِوُجُودِ الْمَاءِ فَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْخُفُّ رَافِعًا وَيُحْتَرَزُ أَيْضًا مِنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ وُضُوءٌ نَاقِصٌ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي رِوَايَةٍ وَيَجُوزُ فِي أُخْرَى كَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَقَوْلُهُ وَقْتَ الْحَدَثِ أَيْ تَامٌّ وَقْتَ الْحَدَثِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّمَامُ وَقْتَ اللُّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّمَامِ عِنْدَ الْحَدَثِ، وَكَذَا لَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ مُحْدِثًا وَخَاضَ الْمَاءُ حَتَّى دَخَلَ الْمَاءُ وَانْغَسَلَتْ رِجْلَاهُ وَأَتَمَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ، ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَقْتَ الْحَدَثِ زِيَادَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يُطْلَقُ عَلَى ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ وَعَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ وُجِدَ لُبْسُهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللُّبْسُ ابْتِدَاءً أَوْ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا، ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَوَضَّأَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ هَذَا الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ حَيْثُ كَانَ لُبْسُهُ عَلَى طَهَارَةِ الْوُضُوءِ وَهِيَ كَامِلَةٌ هَكَذَا يُفْهَمُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ) إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ كَمَالِهَا عَدَمُ الرَّفْعِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ إصَابَةِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوَظِيفَةِ حِسًّا فَيَمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا اللُّبْسُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ إلَى آخِرِهِ) سَالَ دَمُهَا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ أَوْ وَقْتَ الْوُضُوءِ دُونَهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهَا لَا تَمْسَحُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا لَوْ كَانَ الدَّمُ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ فَيَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ هَذَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ أَمَّا فِي الْوَقْتِ لَوْ سَبَقَهَا الْحَدَثُ تَمْسَحُ فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِقَاضِي خَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ نُقِلَتْ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَاشِيَةً عَلَى شَرْحِ الْكَنْزِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ نَصُّهَا مُسْتَحَاضَةٌ أَوْ مَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ تَوَضَّأَ وَالدَّمُ سَائِلٌ أَوْ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ قَبْلَ اللُّبْسِ أَوْ بَعْدَ لُبْسِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ لُبْسِ الْآخَرِ لَهُ الْمَسْحُ مَا دَامَ الْوَقْتُ إنْ أَحْدَثَ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يُحْدِثْ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ وَلَوْ تَوَضَّأَ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ وَلَبِسَ الْخُفَّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ سَوَاءٌ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ بِغَيْرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إنْ كَانَ مُقِيمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَعِنْدَ زُفَرَ يَمْسَحُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ كَامِلَةٌ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي الْأَوَّلِ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَعَلَى هَذَا قَدْ أَبْهَمَ الشَّارِحُ اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الطَّهَارَةِ) أَيْ الْكَامِلَةِ قَبْلَ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ رَافِعًا) أَيْ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَسْحِ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَوُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ) أَيْ إذَا لَبِسَتْ الْخُفَّ عَلَى السَّيَلَانِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وُضُوءَهُ نَاقِصٌ) لِأَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ بَدَلٌ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ كَانَ هَذَا بَدَلَ الْبَدَلِ وَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ الْمَسْحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَسُؤْرِ الْحِمَارِ) إذَا تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ فَأَحْدَثَ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا وَوَجَدَ سُؤْرَ الْحِمَارِ جَازَ لَهُ التَّوَضُّؤُ بِهِ وَالتَّيَمُّمُ وَيَمْسَحُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَمَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ لِلدَّوَامِ فِيمَا يُسْتَدَامُ حُكْمَ الْبَقَاءِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] سُمِّيَ دَوَامُ الْقُعُودِ قُعُودًا اهـ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ فِي حَالَةِ الدَّوَامِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الِابْتِدَاءُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ الِابْتِدَاءُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُوَافِقَةً لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ: عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ) بِأَنْ لَبِسَ الْخُفَّ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ الْحِمَارِ أَوْ الْبَغْلِ فَتَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَقْرِنَهُ بِالتَّيَمُّمِ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ سُؤْرِ الْحِمَارِ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ لَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَثَرٌ فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ مَعَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ النَّبِيذِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَ

[مدة المسح على الخفين]

فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ حَتَّى يَنْزِعَ الْأُولَى، ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِيهِ كَمَا كَانَتْ. قُلْنَا: هَذَا اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ ثُمَّ لُبْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ لَيْسَ فِيهِ حِكْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدْخَلْتهمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» أَيْ أَدْخَلْت كُلَّ وَاحِدَةٍ الْخُفَّ وَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا أَنَّهُمَا اقْتَرَنَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْإِدْخَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَادَةً وَهَذَا كَمَا يُقَالُ دَخَلْنَا الْبَلَدَ وَنَحْنُ رُكْبَانٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ رَاكِبًا عِنْدَ دُخُولِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ رُكْبَانًا عِنْدَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا اقْتِرَانِهِمْ فِي الدُّخُولِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا) هَذَا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الْمَسْحِ أَيْ صَحَّ الْمَسْحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَى آخِرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِ مُدَّةِ الْمَسْحِ أَيْ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا فَيُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ وَإِنَّمَا هُوَ طَهَارَةُ الْغُسْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَلَى ظَاهِرِهِمَا) بَيَانٌ لِمَحِلِّ الْمَسْحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ مَسْحُ بَاطِنِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ سَاقَيْهِ أَوْ جَوَانِبِهِ أَوْ كَعْبِهِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ لَكِنْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَرَّةً) أَيْ يَمْسَحُ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ بِخِلَافِ الْغَسْلِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) بَيَانٌ لِمِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَ مَاءً جَدِيدًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَخَذَ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا جَازَ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءٌ أَوْ مَطَرٌ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ مُبْتَلًّا بِالطَّلِّ أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ قَدْرَ الْوَاجِبِ قِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ يَجْذِبُهُ الْهَوَاءُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَصَابِعَ لَا يَجْزِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَصَابِعُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْمَسْحِ وَأَكْثَرُهَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الرِّجْلِ كَمَا فِي الْخَرْقِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ قَدْرَ الْآلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ الْمَمْسُوحِ فَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِبَيَانِ الْآلَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَإِذَا مَسَحَ بِهَا فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُمَا جَمِيعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبْدَأُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) هَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَجَدَ مَاءً مُطْلَقًا نَزَعَ خُفَّيْهِ وَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ حَتَّى أَحْدَثَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَيَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَيَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ إنْ كَانَ طَهُورًا فَالتَّيَمُّمُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ هُوَ التُّرَابُ فَالْقَدَمُ لَا حَظَّ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ اهـ. وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ بَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَسْحِ فَلَبِسَ عَلَى الصَّحِيحَةِ وَالْمَقْطُوعَةِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْزِعَ الْأُولَى) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ غَسْلِهِمَا، ثُمَّ خَاضَ مَاءً عَظِيمًا فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى رِجْلَيْهِ وَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالٍ مُقَدَّرٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَادَةً) أَيْ فِي لُبْسِ الْخِفَافِ. [مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا) فَإِذَا كَمُلَتْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَهَا حَتَّى يَنْزِعَ وَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ إلَّا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَدَخَلَ آخَرُ وَجَبَ النَّزْعُ إنْ كَانَ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ عَلَى السَّيَلَانِ، وَإِلَّا يَسْتَكْمِلُ الْمُدَّةَ كَغَيْرِهِ. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) أَيْ لَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ) أَيْ إلَى مِثْلِ وَقْتِ ذَلِكَ الْحَدَثِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا) أَيْ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ؛ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ تَيْسِيرًا لِتَعَذُّرِ النَّزْعِ وَالْحَاجَةِ إلَى النَّزْعِ عِنْدَ الْحَدَثِ. اهـ. . [مَحِلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: عَلَى ظَاهِرِهِمَا) وَيَتَعَلَّقُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بِالْمَحْذُوفِ أَيْ يَمْسَحُ. اهـ. ع وَقَالَ الرَّازِيّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحَّ اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْمَسْحِ) أَيْ مِنْ أَعْلَاهُ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ ظَاهِرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: خُطُوطًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُخَطَّطًا وَفِي الْمُجْتَبَى إظْهَارُ الْخُطُوطِ فِي الْمَسْحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ كَاكِيٌّ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ إذْ الْخُطُوطُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا مَسَحَ مَرَّةً. اهـ. مُسْتَصْفَى. [كَيْفِيَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ. اهـ. ع وَقَالَ الرَّازِيّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ صَحَّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءٌ جَدِيدٌ أَجَازَ) أَيْ إنْ مَسَحَ كُلَّ مَرَّةٍ غَيْرَ مَا مَسَحَ قَبْلَ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ الْوُقَايَةِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمَسْحَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ (وَبِظَهْرِ الْكَفِّ) يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا وَلَوْ مَسَحَ بِظَهْرِ الْكَفِّ جَازَ لَكِنَّ السُّنَّةَ بِبَاطِنِهَا شَرْحِ وِقَايَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الطَّلُّ الْمَطَرُ الْخَفِيفُ وَيُقَالُ أَضْعَفُ الْمَطَرِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الرِّجْلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ يَقَعُ عَلَيْهِ وَهِيَ أَكْثَرُ الْمَمْسُوحِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ كَمَا فِي الْخَرْقِ. اهـ. مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) إذْ الْمَسْحُ فِعْلٌ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْمَحِلِّ فَتُعْتَبَرُ الْآلَاتُ. اهـ. مِعْرَاجٌ وَصَاحِبُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ يَمْسَحُ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ يَبْدَأُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) لَمَّا بَيَّنَ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ لِبَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَقَالَ يَبْدَأُ إلَى آخِرِهِ

نُقِلَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلُ الْغَسْلِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ وَهَذَا بَيَانُ السُّنَّةِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَرْقُ الْكَبِيرُ يَمْنَعُهُ) أَيْ يَمْنَعُ الْمَسْحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ مَعَهُ فَصَارَ كَاللِّفَافَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا) أَيْ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُعْتَبَرُ أَصَابِعُ الْيَدِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَصْغَرُ إذَا انْكَشَفَ مَوْضِعٌ غَيْرُ مَوْضِعِ الْأَصَابِعِ، وَأَمَّا إذَا انْكَشَفَ الْأَصَابِعُ نَفْسُهَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْكَشِفَ الثَّلَاثُ أَيَّتُهَا كَانَتْ وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَصْغَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ انْكَشَفَتْ الْإِبْهَامُ مَعَ جَارَتِهَا وَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصْغَرِهَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فَإِنْ كَانَ مَعَ جَارَتَيْهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَفِي مَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ الْخَرْقُ بِأَصَابِعَ غَيْرِهِ وَقِيلَ بِأَصَابِعَ نَفْسِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً وَالْخَرْقُ الْمَانِعُ هُوَ الْمُنْفَرِجُ الَّذِي يَرَى مَا تَحْتَهُ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ يَكُونُ مُنْضَمًّا لَكِنْ يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ وَيَظْهَرُ الْقَدَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْوَضْعِ بِأَنْ كَانَ الْخَرْقُ عَرْضًا وَإِنْ كَانَ طُولًا يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثُ أَصَابِعَ فَأَكْثَرُ وَلَكِنْ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ وَلَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ لِصَلَابَتِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ وَلَوْ انْكَشَفَتْ الظِّهَارَةُ وَفِي دَاخِلِهَا بِطَانَةٌ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ مَخْرُوزَةٍ بِالْخُفِّ لَا يَمْنَعُ وَالْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِلُبْسِهِ وَالْخَرْقُ فِي الْكَعْبِ وَمَا تَحْتَهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ. وَقِيلَ لَوْ كَانَ الْخَرْقُ فَوْقَ الْقَدَمِ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَكْثَرَ الْقَدَمِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا فَكَذَا الْقَدَمُ كَذَا فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْمَعُ فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) أَيْ وَيَجْمَعُ الْخُرُوقَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ لَا فِي خُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ عُضْوَانِ حَقِيقَةً فَعُمِلَ بِهَا أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ الْبَلَّةِ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَجُعِلَتَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ عَلَى إحْدَاهُمَا وَغَسْلِ الْأُخْرَى احْتِرَازًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَدَلِهِ فِيمَا هُوَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فَيَتَنَاوَلُ رِجْلًا وَاحِدَةً وَلَكِنْ لَمَّا جُعِلَتَا فِي الْحُكْمِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ تَنَاوَلَهُمَا الْأَمْرُ فَوَجَبَ غَسْلُهُمَا، ثُمَّ الْخَرْقُ الَّذِي يُجْمَعُ أَقَلُّهُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمِسَلَّةُ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ إلْحَاقًا لَهُ بِمَوَاضِعِ الْخَرْزِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَالِانْكِشَافِ) أَيْ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ حَيْثُ يُجْمَعُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي خُفَّيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِخِلَافِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِسْكِينٌ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْسَحُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ إيمَاءً إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا. اهـ. مُجْتَبَى وَلَوْ بَدَأَ مِنْ قَبْلِ السَّاقِ جَازَ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ. اهـ. مِسْكِينٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَرْقُ الْكَبِيرُ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْضًا. اهـ. ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ أَصْغَرُهَا) وَمَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَفِي الْأَجْنَاسِ فِي اعْتِبَارِهَا مَضْمُومَةً أَوْ مُنْفَرِجَةً اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ مَضْمُومَةً لَا مُنْفَرِجَةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ: أَصْغَرُهَا بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ الْأَصَابِعِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ أَصْغَرُهَا وَالنَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي. اهـ. ع قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ الْخَرْقُ فِي ظَاهِرِ الْخُفِّ أَوْ فِي بَاطِنِهِ أَوْ فِي نَاحِيَةِ الْعَقِبِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ يَعْنِي إذَا كَانَ الْخَرْقُ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ فَذَلِكَ يَمْنَعُ جَوَازَ الْمَسْحِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَكْشُوفُ مِنْ قِبَلِ الْعَقِبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَسْتُورِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ يَمْسَحُ حَتَّى يَبْدُوَ أَكْثَرُ نِصْفِ الْعَقِبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ شَرْحُ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ مِسْكِينٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ) حَتَّى يَجِبَ بِقَطْعِهَا الدِّيَةُ. اهـ. ع وَلَوْ كَانَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ خَرْقٌ فِي مُقَدَّمِ الْخُفِّ قَدْرُ أُصْبُعٍ وَفِي مُؤَخَّرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي جَانِبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْأَسْفَلِ مِنْ السَّاقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُمِعَ يَصِيرُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ. اهـ. فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ لِأَنَّ مَنْعَ الْخَرْقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَشْيِ وَهُوَ بِالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ بِالْيَدِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَلَوْ بَدَا ثَلَاثَةٌ مِنْ أَنَامِلِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْنَعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْنَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ يَبْدُو قَدْرُ ثَلَاثِ أَنَامِلَ وَأَسَافِلُهَا مَسْتُورَةٌ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَمْنَعُ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَمْنَعُ حَتَّى يَبْدُوَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيَجْمَعُ فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا دَاعِي إلَى جَمْعِهَا وَهُوَ اعْتِبَارُهَا كَأَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِمَنْعِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْخُفِّ بِامْتِنَاعِهِ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِذَاتِ الِانْكِشَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْكِشَافٌ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْغُسْلُ فِي الْخَرْقِ الصَّغِيرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ عِنْدَ تَعَرُّفِهَا صَغِيرَةً كَمِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ وَالْفُولَةِ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا مَعَ ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ غُسْلُهُمَا)، وَإِلَّا جُعِلَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلَا كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْخُرُوقِ وَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّضْيِيقُ بِإِيجَابِ الِاحْتِيَاطِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: الْمِسَلَّةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ الْإِبْرَةُ الْعَظِيمَةُ

[نواقض المسح على الخفين]

فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَشَيْءٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ بَطْنِهَا وَشَيْءٍ مِنْ فَخْذِهَا وَشَيْءٍ مِنْ سَاقِهَا حَيْثُ يُجْمَعُ لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُفِّ وَبَيْنَهُمَا أَنَّ الْخَرْقَ فِي الْخُفِّ إنَّمَا يَمْنَعُ لِكَوْنِهِ مَانِعًا لِتَتَابُعِ الْمَشْيِ فِيهِ بِهِ وَالْخَرْقُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخَرِ وَالنَّجَاسَةُ تَمْنَعُ الْجَوَازَ لِكَوْنِهِ حَامِلًا لَهَا أَوْ مُجَاوِرًا وَهُوَ حَامِلٌ لِلْكُلِّ أَوْ مُجَاوِرٌ لَهُ، وَكَذَا الِانْكِشَافُ إنَّمَا يَمْنَعُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ وَهُوَ يُوجَدُ فِي الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فِي الْحُكْمِ وَلِهَذَا يَجُوزُ نَقْلُ الْبِلَّةِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ فِي الْجَنَابَةِ فَجَعَلْنَاهُ عُضْوًا وَاحِدًا فِي حَقِّ النَّجَاسَةِ وَالِانْكِشَافِ احْتِيَاطًا وَهَذَا بِخِلَافِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً فَلَا يُنَاسِبُ التَّضْيِيقَ، ثُمَّ كَيْفِيَّةُ جَمْعِ الْخُرُوقِ فِي الْخُفِّ ظَاهِرٌ وَكَيْفِيَّةُ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ وَالنَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَيْنِ يَأْتِي فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ)؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ فَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ أَصْلِهِ كَالتَّيَمُّمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُزِعَ خُفٌّ)؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَسْرِي إلَى الْقَدَمَيْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْحِ فَارَقَ مَكَانَهُ فَكَأَنَّ قَدَمَهُ قَدْ ظَهَرَتْ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَاقَ الْخُفِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَسْحُ خُفٍّ لَا سَاقَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكَعْبُ مَسْتُورًا، وَكَذَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّزْعِ بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْعَقِبُ أَوْ أَكْثَرُهَا إلَى السَّاقِ بَطَلَ الْمَسْحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْقَدَمِ بَطَلَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ فِي الْخُفِّ مِنْ الْقَدَمِ قَدْرُ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لَا يُنْتَقَضُ، وَإِلَّا انْتَقَضَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَمْكَنَ الْمَشْيُ بِهِ لَا يُنْتَقَضُ، وَإِلَّا انْتَقَضَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) أَيْ وَيَنْقُضُهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى التَّوْقِيتِ اعْلَمْ أَنَّ نَزْعَ الْخُفِّ وَمُضِيَّ الْمُدَّةِ غَيْرُ نَاقِضٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا النَّاقِضُ الْحَدَثُ السَّابِقُ لَكِنَّ الْحَدَثَ يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَأُضِيفَ النَّقْضُ إلَيْهِمَا وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا دُخُولُ أَحَدِ خُفَّيْهِ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ رِجْلَهُ تَصِيرُ بِذَلِكَ مَغْسُولَةً وَيَجِبُ غَسْلُ رِجْلِهِ الْأُخْرَى لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنْ لَمْ يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ) أَيْ يَنْقُضُهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى رِجْلِهِ الْعَطَبَ بِالنَّزْعِ وَإِنْ خَافَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ؛ وَالْمُحِيطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ وَقَدْ قَالُوا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ) أَيْ إنْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ رُبْعَ عُضْوٍ يَمْنَعُ. [نَوَاقِض الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَنَزْعُ خُفٍّ) ذَكَرَ لَفْظَ الْوَاحِدِ وَلَمْ يَقُلْ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ لِيُفِيدَ أَنَّ نَزْعَ أَحَدِهِمَا نَاقِضٌ فَإِنَّهُ إذَا نَزَعَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ غَسْلُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ فَوَجَبَ غَسْلُ الْأُخْرَى إذْ لَا جَمْعَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ. اهـ. ش وِقَايَةٍ وَاعْلَمْ بِأَنَّ خَلْعَ الْخُفَّيْنِ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الَّتِي لَبِسَ بِهَا الْخُفَّيْنِ لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَائِمَةٌ وَخَلْعُ الْخُفَّيْنِ لَيْسَ بِحَدَثٍ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ. (قَوْلُهُ: يَسْرِي إلَى الْقَدَمَيْنِ) فَكَأَنَّهُ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ غَسْلُهُمَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرِهَا) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ قَاصِدًا إخْرَاجَ الرِّجْلِ بَطَلَ الْمَسْحُ حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ إعَادَتُهَا فَأَعَادَهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَعْرَجَ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ عَقِبُهُ عَنْ مَوْضِعِ عَقِبِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَا يَمْسَحُ وَإِلَى مَا دُونَهُ يَمْسَحُ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا يَرْتَفِعُ الْعَقِبُ بِرَفْعِ الرِّجْلِ إلَى السَّاقِ وَيَعُودُ بِوَضْعِهَا فَلَا يَمْسَحُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا انْتَقَضَ) فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ مَحَلَّ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَا وَرَاءَهُ كَلَا خُرُوجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَمْكَنَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ هُوَ مَرْمَى نَظَرِ الْكُلِّ فَمَنْ نَقَضَ بِخُرُوجِ الْعَقِبِ عِنْدَهُ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَعَ حُلُولِ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ لَا يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَعُودُ إلَى مَحِلِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ وَمَنْ قَالَ الْأَكْثَرُ فَلِظَنِّهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَنُوطٌ بِهِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ يَكُونُ الْبَاقِي قَدْرَ الْفَرْضِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تَبْتَنِي عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ يُقْلِقُ عَنْ مُدَاوَمَةِ الْمَشْيِ دَوْسًا عَلَى السَّاقِ نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ لَمْ يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ مَضَتْ وَهُوَ يَخَافُ الْبَرْدَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِالنَّزْعِ يَسْتَوْعِبُهُ بِالْمَسْحِ كَالْجَبَائِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَلَا حَظَّ لِلرِّجْلَيْنِ مِنْ التَّيَمُّمِ فَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا بِلَا تَيَمُّمٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَنْعَ الْخُفِّ بِهَذِهِ فَيَسْرِي الْحَدَثُ بَعْدَهَا إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ الْحَدَثِ فَكَمَا يَقْطَعُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ يَقْطَعُ عِنْدَ عَدَمِهِ لِيَتَيَمَّمَ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ لِيَلْزَم رَفْوُ الْأَصْلِ بِالْخَلْفِ بَلْ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِحَدَثِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِهِمَا ارْتَفَعَ كَمَنْ غَسَلَ ابْتِدَاءً الْأَعْضَاءَ إلَّا رِجْلَيْهِ وَفَنِيَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ، وَإِلَّا لَكَانَ جَمْعُ الْأَصْلِ وَالْخَلْفِ ثَابِتًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ بَلْ لِلْحَدَثِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يُتِمَّ الْكُلَّ وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يُصِبْ الرِّجْلَ حَدَثًا لَكِنَّهَا يُصِيبُهَا حُكْمُ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْمَاءِ مَانِعًا السِّرَايَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا غَايَةً لِمَنْعِهِ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِعُ إذَا تَمَّتْ إذَا لَمْ يَخَفْ إذْهَابَهُمَا مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنْ خَافَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ خَوْفَ الْبَرْدِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهَا فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ لَكِنْ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَنْ هَذَا نَقَلَ بَعْضُ

مَنْ قَالَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُمَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ بَعْدَ النَّزْعِ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ هُوَ الَّذِي حَلَّ بِقَدَمَيْهِ وَقَدْ غَسَلَ بَعْدَهُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ وَبَقِيَتْ الْقَدَمَانِ فَقَطْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُهُمَا وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ الْمُوَالَاةُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُضُوءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُرُوجُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ نَزْعٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ وَفِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخُرُوجَ كَالنَّزْعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَسَحَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ ثَلَاثًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ سَافَرَ بَعْدَمَا مَسَحَ يُتِمُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عِبَادَةٌ فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالسَّفَرِ كَالصَّوْمِ إذَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ سَافَرَ لَا يُفْطِرُ وَكَالصَّلَاةِ إذَا شَرَعَ فِيهَا فِي سَفِينَةٍ فِي الْإِقَامَةِ، ثُمَّ سَارَتْ فَصَارَ مُسَافِرًا فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِاجْتِمَاعِ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَتَغْلِيبِ حُكْمِ الْحَضَرِ عَلَى السَّفَرِ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا»؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرُّخْصَةِ التَّخْفِيفُ عَنْ الْمُسَافِرِينَ وَهُوَ بِزِيَادَةِ الْمُدَّةِ وَفِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ سَافَرَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْمَسْحِ؛ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ سَرَى إلَى الْقَدَمِ وَالسَّفَرُ لَا يَرْفَعُهُ وَقَوْلُهُ كَالصَّوْمِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الصَّوْمُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا يَفْسُدُ كُلُّهُ بِفَسَادِ جُزْءٍ مِنْهُ وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَأَمَّا الْمَسَحَاتُ فِي الْمُدَّةِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ الْكُلُّ بِفَسَادِ مَسْحَةٍ وَاحِدَةِ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ صَوْمُ الشَّهْرِ لِانْفِصَالِ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ كُلِّ يَوْمٍ عَنْ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَقَامَ مُسَافِرٌ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَزَعَ، وَإِلَّا يُتِمُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً)؛ لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عَلَى الْمُوقِ) أَيْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُوقِ وَهُوَ الْجُرْمُوقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الرُّخْصَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشَايِخُ تَأْوِيلَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَسْحُ جَبِيرَةٍ لَا كَمَسْحِ الْخُفِّ فَعَلَى هَذَا يَسْتَوْعِبُ الْخُفَّ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى أَوْ أَكْثَرُهُ وَهُوَ غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُؤَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا كَانَ مُسَمَّى الْجَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَى سَاتِرٍ لَيْسَ تَحْتَهُ مَحَلُّ وَجَعٍ بَلْ عُضْوٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْ كَشْفِهِ حُدُوثَ الْمَرَضِ لِلْبَرْدِ وَيَسْتَلْزِمُ بُطْلَانُ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ اسْوِدَادِهِ وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ تَرْكِهِ رَأْسًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ إعْطَاؤُهُمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ مَسَحَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَجْهٌ يَتَحَوَّلُ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ السَّفَرِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ لَوْ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَوَجْهٌ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ لَوْ سَافَرَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ، وَوَجْهٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ مَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْحَدَثِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ. اهـ. كَيْ. (قَوْلُهُ: مَسَحَ ثَلَاثًا) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ لَا مِنْ وَقْتِ السَّفَرِ. (قَوْلُهُ: وَتَغْلِيبُ حُكْمِ الْحَضَرِ عَلَى السَّفَرِ) وَإِنَّمَا غَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ لِكَوْنِهِ عَزِيمَةً وَحُكْمُ السَّفَرِ رُخْصَةٌ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ فِي عِبَادَةٍ غَلَبَتْ الْعَزِيمَةُ احْتِيَاطًا فَعَلَى هَذَا الْمُسَافِرُ فِي السَّفِينَةِ إذَا دَخَلَتْ الْعُمْرَانَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: التَّسْوِيَةُ) أَيْ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالصَّوْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَهَذَا لَيْسَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاحِدَ وَالصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَاعْتِبَارُ الْإِقَامَةِ فِي أَوَّلِهِ لَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ وَاعْتِبَارُ السَّفَرِ فِي آخِرِهِ يُبِيحُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْإِقَامَةِ احْتِيَاطًا أَمَّا الْوَقْتُ فَمِمَّا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِمَا وُجِدَ وَهُوَ السَّفَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ تَتَغَيَّرُ الْمُدَّةُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى حُكْمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ سَرَيَانِ الْحَدَثِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ أَيْضًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ تَدَافَعَتَا فَغَلَبَتْ الْإِقَامَةُ السَّفَرَ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَا هُنَا لَمَّا اقْتَصَرَتْ الْإِقَامَةُ وُجِدَ السَّفَرُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْمُعَارَضَةُ وَالتَّدَافُعُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَزَعَ) لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ يَمْسَحُ وَهُوَ مُقِيمٌ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ عَلَى الْمُوقِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ الْمُوقُ خُفٌّ قَصِيرٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجُرْمُوقُ) حَاصِلُ الْكَلَامِ هُنَا أَنَّ الْجُرْمُوقَ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلَا يَرْفَعُهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَلَوْ لَبِسَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَلَّ الْحَدَثُ بِالْجُرْمُوقِ فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَاسِعًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْخُفِّ وَمَسَحَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْحَدَثِ فِيهِ. اهـ. يَحْيَى قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي قَوْلِهِ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْجُرْمُوقَ لَوْ كَانَ تَبَعًا لِلْخُفِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْطِلَ الْمَسْحَ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِنَزْعِ أَحَدِ طَاقَيْ خُفِّ وَلَوْ كَانَ تَبَعًا لِلرِّجْلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بِنَزْعِهِ فَقَالَ أَنَّهُ تَبَعٌ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ لَوْ لَبِسَهُ مُنْفَرِدًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِذَا لَبِسَهُ عَلَى الْخُفِّ عَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ وَأَثْبَتْنَا الْحُكْمَ بِحَسَبِ الدَّلَائِلِ فَقُلْنَا بِالتَّبَعِيَّةِ عِنْدَ قِيَامِ الْمَمْسُوحِ فَإِذَا زَالَ الْمَمْسُوحُ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ فَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِمَا تَحْتَهُ بِخِلَافِ ذِي طَاقَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّاقَيْنِ مُتَّصِلٌ بِالْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَصِيرَانِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ كَالشَّعْرِ مَعَ بَشَرَةِ الرَّأْسِ فَكَانَ الْمَسْحُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَسْحًا عَلَى مَا تَحْتَهُ حُكْمًا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ

[المسح على الجورب]

؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ وَلَنَا حَدِيثُ بِلَالٍ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ»؛ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا إذْ لَا يُلْبَسُ بِدُونِ الْخُفِّ عَادَةً، وَكَذَا تَبَعٌ لَهُ غَرَضًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ لُبْسِهِ صِيَانَةُ الْخُفِّ عَنْ الْخَرْقِ وَالْقَذَرِ فَكَانَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ. وَقَوْلُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، ثُمَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَنْ لَا يُحْدِثَ قَبْلَ لُبْسِهِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ حَتَّى لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ لُبْسِ الْجُرْمُوقِ، ثُمَّ لَبِسَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ لَبِسَهُ قَبْلَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، ثُمَّ نَزَعَهُمَا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ مَسْحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ لِانْفِصَالِهِمَا عَنْ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ لَوْ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ قَشَّرَ جِلْدَ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ حَيْثُ لَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِلِاتِّصَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْمَسْحِ وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَ جُرْمُوقَيْهِ بَطَلَ مَسْحُهُمَا فَيُعِيدُ مَسْحَ الْخُفِّ وَالْجُرْمُوقِ الْبَاقِي. وَقَالَ زُفَرُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَنْزُوعِ جُرْمُوقَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَاقٍ فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَنَا أَنَّ طَهَارَةَ الرِّجْلَيْنِ لَا تَتَجَزَّأُ إذْ هُمَا وَظِيفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْسِلَ إحْدَاهُمَا وَيَمْسَحَ الْأُخْرَى فَإِذَا انْتَقَضَ فِي إحْدَاهُمَا انْتَقَضَ فِي الْأُخْرَى ضَرُورَةَ عَدَمِ التجزي، ثُمَّ قِيلَ يَنْزِعُ الْجُرْمُوقَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ نَزْعَ أَحَدِهِمَا كَنَزْعِهِمَا لِعَدَمِ التجزي فَصَارَ كَنَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْآخَرِ وَلَا يَنْزِعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْق الْخُفِّ الْوَاحِدِ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُفِّ الْآخَرِ فَكَذَا إذَا نَزَعَ أَحَدَهُمَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسٍ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَاللِّفَافَةِ إلَّا أَنْ تَنْفُذَ الْبِلَّةُ إلَى الْخُفِّ قَدْرَ الْوَاجِبِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوْرَبُ الْمُجَلَّدُ وَالْمُنَعَّلُ وَالثَّخِينُ) أَيْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إذَا كَانَ مُنَعَّلًا أَوْ مُجَلَّدًا أَوْ ثَخِينًا، أَمَّا إذَا كَانَ مُجَلَّدًا أَوْ مُنَعَّلًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَالرُّخْصَةُ لِأَجْلِهِ فَصَارَ كَالْخُفِّ وَالْمُجَلَّدُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْمُنَعَّلُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ وَقِيلَ يَكُونُ إلَى الْكَعْبِ، وَأَمَّا الثَّخِينُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُهُمَا وَحْدَهُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَأَنْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَعَدَلَ عَنْهُ فِي الْخُفِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ الْجَوْرَبُ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ» وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعُوَّادِهِ فَعَلْت مَا كُنْت أَنْهَى النَّاسَ عَنْهُ فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ قَالَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ وَقُفَّازَيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْخُفِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْخُفِّ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةِ الْقُرْحَةِ) (وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا) وَلَيْسَ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلِهَذَا لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ فِي إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَيَغْسِلُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ مَسَحَ عَلَيْهَا وَغَسَلَ الْأُخْرَى وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ أَلَا تَرَى إلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَهُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ فِي إحْدَى يَدَيْهِ» فَثَبَتَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا أَصْلٌ لَا بَدَلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَا يَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْغَسْلُ لَا يَتَوَقَّتُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْمَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا عَنْ الْخُفِّ مَعْنَى وَالْجُرْمُوقُ قَبْلَ النَّزْعِ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الرِّجْلِ فَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى الْعَدَمِ فَصَارَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ بَدَلًا عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْمَسْحِ) وَكَذَا لَوْ كَانَ الْخُفُّ شَعَرِيًّا فَمَسَحَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ، ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَسْحِ. اهـ. نِهَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي وَجْهِ قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ وَبَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ابْتِدَاءً بِأَنْ كَانَ عَلَى أَحَدِ الْخُفَّيْنِ جُرْمُوقٌ دُونَ الْآخَرِ فَكَذَا بَقَاءٌ وَإِذَا بَقِيَ الْمَسْحُ فِي الْجُرْمُوقِ وَالْخُفِّ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ) أَيْ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ) أَعْنِي اللَّذَيْنِ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الْحَدَثِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْحَدَثِ كَمَالٌ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمُكَعَّبِ السَّاتِرِ لِلْكَعْبِ اتِّفَاقًا وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُقَدِّمَتُهُ مَشْقُوقَةً إذَا كَانَتْ مَشْدُودَةً أَوْ مَزْرُورَةً؛ لِأَنَّهَا كَالْمَخْرُوزَةِ. اهـ. [الْمَسْح عَلَى الْجَوْرَب] (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ) مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَكَمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ. اهـ. . [الْمَسْح عَلَى الجبيرة] (قَوْلُهُ: كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا) أَيْ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا وَلِهَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى عِصَابَةٍ فَسَقَطَتْ فَأَخَذَ أُخْرَى لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ الْأَحْسَنُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَلِهَذَا أَيْضًا لَوْ مَسَحَ عَلَى خِرْقَةِ رِجْلِهِ الْمَجْرُوحَةِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَةَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَةَ مَغْسُولَةٌ حُكْمًا وَلَا تَجْتَمِعُ الْوَظِيفَتَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ يَجُوزُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ الْمَجْرُوحَةِ صَارَتْ كَالذَّاهِبَةِ هَذَا إذَا لَبِسَ

مَعَ الْغَسْلِ) أَيْ يَجْمَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ وَإِنْ شَدَّهَا بِلَا وُضُوءٍ) أَيْ وَإِنْ شَدَّ الْجَبِيرَةَ بِلَا وُضُوءٍ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَجًا؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا سَقَطَ وَانْتَقَلَ إلَى الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كُسِرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى يَجُوزَ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قَالَا بِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِ الْمَسْحِ فِيمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْجَوَازِ فِيمَنْ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْقُرْحَةِ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهَا وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ وَفِي الْمَكْسُورِ يَجِبُ الْمَسْحُ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُحِيطِ إذَا زَادَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ إنْ كَانَ حَلُّ الْخِرْقَةِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا يَضُرُّ بِالْجِرَاحَةِ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ الْحَلُّ وَالْمَسْحُ لَا يَضُرُّ بِالْجُرْحِ لَا يَجْزِيهِ مَسْحُ الْخِرْقَةِ بَلْ يَغْسِلُ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْخِرْقَةِ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ وَلَا يَضُرُّهُ الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ حَوَالَيْهَا وَتَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ كَانَ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ أَوْ لَا) هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا كَالْجَبِيرَةِ وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَهَا مَوْضِعٌ صَحِيحٌ أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْعِصَابَةَ لَا تُعْصَبُ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي عَلَى مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ فَحَسْبُ بَلْ يَدْخُلُ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ تَحْتَ الْعِصَابَةِ وَسَوَّى بَيْنَ الْجِرَاحَةِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ الْكَيِّ وَالْكَسْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ وَقَوْلُهُ وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ انْتَقَلَ إلَيْهَا، وَكَذَا الْجَبِيرَةُ يَمْسَحُ عَلَى كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْأَكْثَرِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً أَوْ عِلْكًا فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ وَشُقُوقُ أَعْضَائِهِ يَمُرُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا تَرَكَهُ وَغَسَلَ مَا حَوْلَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) أَيْ إنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ الْمَسْحُ لِزَوَالِ الْعُذْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُفَّ عَلَى الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرُ فَإِنْ لَبِسَ عَلَى الْجَرِيحَةِ أَيْضًا بَعْدَمَا مَسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَغَسْلِ مَا تَحْتَهَا اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ؟ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْأَكْثَرِ جَازَ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ لَا يَجُوزُ وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ الِاسْتِيعَابَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخُفِّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ قَالَ كُسِرَتْ) صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْ؛ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ اهـ. الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «انْكَسَرَ أَحَدُ زَنْدَيْ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَلَا يَصِحُّ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ: يَوْمَ أُحُدٍ) فِي الْمُغْرِبِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَالزَّنْدَانِ عَظْمَا السَّاعِدِ. (قَوْلُهُ: فَأَمَرَنِي) وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ) أَيْ بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَسْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَكَذَا بَدَلُهُ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِهِ لِلِاسْتِحْبَابِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ) لِأَنَّ غَسْلَ هَذَا الْعُضْوِ كَانَ وَاجِبًا، ثُمَّ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ بَدَلُهُ كَالتَّيَمُّمِ إذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ وَلَا قَرِينَةَ لِلِاسْتِحْبَابِ فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ. اهـ. يَحْيَى قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَقَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا لَمْ يَشْتَهِرْ شُهْرَةً نَقِيضُهُ عَنْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعْنَى مَا قِيلَ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَبَعْضُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ هَذَا الْقَدْرُ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الرَّأْسِ صَحِيحٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْقُرْحَةِ يَضُرُّهُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ) لِأَنَّ الْغَسْلَ يَضُرُّ الْجِرَاحَةَ دُونَ الْكَسْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَكْسُورِ يَجِبُ) وَكَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْمَسْحِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَكْسُورِ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ) قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ لَوْ كَانَ الْمَسْحُ يَضُرُّ بِالْمَاسِحِ سَقَطَ بِالِاتِّفَاقِ لِلْحَرَجِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ سَقَطَ لِلْعُذْرِ وَالْمَسْحُ أَوْلَى وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْغَسْلُ سَقَطَ إلَى خَلْفٍ بِخِلَافِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهَا وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا) وَإِنْ لَمْ يَضُرَّاهُ غَسْلُ مَا حَوْلَهَا وَمَسْحُهَا نَفْسِهَا وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ لَا الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ مَا حَوْلَهَا تَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ. اهـ. كَمَالٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحَلِّ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى رَبْطِهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْأَكْثَرِ كَافٍ) قَالَ فِي الْكَافِي وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا فِي الصَّحِيحِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إفْسَادِ الْجِرَاحَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا وَاجِبٌ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَصِحَّ فَيَسْتَقْبِلُهَا كَافِي وَفِي الْمُجْتَبَى

[باب الحيض]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لِلْمَسْحِ، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ يُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ لَا يُشْتَرَطُ شَدُّهَا عَلَى وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. ثَالِثُهَا أَنَّ الْجَبِيرَةَ إذَا سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يُنْتَقَضُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. رَابِعُهَا: إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْأُخْرَى. خَامِسُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَسْتَوِي فِيهَا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ بِخِلَافِ الْخُفِّ. سَادِسُهَا: أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَجِبُ اسْتِيعَابُهَا فِي الْمَسْحِ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى) (النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْغَسْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْعَتَّابِيِّ يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَعَلَهُ كَالتَّيَمُّمِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَالْوُضُوءِ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ فَصَارَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْجَبِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْحَيْضِ) الْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السَّيَلَانِ يُقَالُ حَاضَ السَّيْلُ وَالْوَادِي وَحَاضَتْ الْأَرْنَبُ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ مِنْهَا الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ (هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ وَصِغَرٍ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ رَحِمُ امْرَأَةٍ عَنْ الرُّعَافِ وَالدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَدَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهَا دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ سَلِيمَةٍ عَنْ دَاءٍ عَنْ دَمِ النِّفَاسِ فَإِنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَصِغَرٍ عَنْ دَمٍ تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ، فَإِنَّ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ بِدَمِ رَحِمٍ ظَاهِرًا فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَقِيلَ سَيَلَانُ دَمٍ مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَصِيرُ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً بِابْتِدَائِهِ قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، ثُمَّ الدِّمَاءُ ثَلَاثَةٌ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ وَنِفَاسٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُذْكَرْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا بَرِئَ مَوْضِعُ الْجَبَائِرِ وَلَمْ تَسْقُطْ مَا حُكْمُهُ وَفِي شَرْحِ الصِّلَاتِ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْهَا فَبَدَّلَهَا بِأُخْرَى فَالْأَحْسَنُ إعَادَةُ الْمَسْحِ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَثْلِيثُ مَسْحِ الْجَبَائِرِ بَلْ يَكْفِي مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) سَابِعُهَا إذَا مَسَحَهَا، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا أُخْرَى أَوْ عِصَابَةً جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ ثَامِنُهَا مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ فِي الرِّجْلَيْنِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ مَسَحَ عَلَيْهِمَا تَاسِعُهَا إذَا دَخَلَ الْمَاءُ تَحْتَ الْجَبَائِرِ أَوْ الْعِصَابَةِ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ عَاشِرُهَا أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَيُسَنُّ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَعْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّأْسِ حَادِيَ عَشَرَهَا إذَا زَالَتْ الْعِصَابَةُ الْفَوْقَانِيَّةُ الَّتِي مَسَحَ عَلَيْهَا وَاسْتَغْنَى عَنْهَا لَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. ثَانِيَ عَشَرَهَا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ أَوْ الرِّجْلِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اعْلَمْ أَنَّ الزَّاهِدَيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ عَشْرَ مَسَائِلَ يُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ فِيهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَكِنَّهُ فَاتَهُ مَسْأَلَتَانِ وَهُمَا الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمَسَائِلُ اثْنَيْ عَشَرَ وَهَا أَنَا قَدْ سُقْت لَك الْمَسَائِلَ الَّتِي زَادَهَا الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الْجَبَائِرِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) وَجْهُ النَّظَرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: كَالْوُضُوءِ) وَالْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ. [بَابُ الْحَيْضِ] (بَابُ الْحَيْضِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: هُوَ دَمٌ) هَذَا التَّعْرِيفُ عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى الْفَضْلِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ يَنْفُضُهُ) أَيْ يَسْكُبُهُ وَيَدْفَعُهُ. اهـ. ع قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَخُرُوجُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ إلَى ظَاهِرِهِ لَا يَثْبُتُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالِاسْتِحَاضَةُ إلَّا بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ كَذَلِكَ، فَأَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَإِنَّهُمَا يَثْبُتَانِ إذَا أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ لَهُمَا أَعْنِي الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَقْتًا مَعْلُومًا فَيَحْصُلُ بِهِمَا الْمَعْرِفَةُ بِالْإِحْسَاسِ وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِحَاضَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا يُعْلَمُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ لِيُعْلَمَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّ فُلَانَةَ تَدْعُو بِالْمِصْبَاحِ لَيْلًا فَتَنْتَظِرُ إلَيْهَا قَالَتْ عَائِشَةُ «كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ إلَّا بِالْمَسِّ» وَالْمَسُّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَالْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: سَلِيمَةٍ) عَنْ دَمِ الْجُرْحِ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ دُمَّلٍ فِي الرَّحِمِ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ)؛ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا رَحِمٍ وَأَيْضًا يَتَكَرَّرُ إخْرَاجُ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّ السَّلِيمَةَ مِنْ الدَّاءِ تُخْرِجُهُ كَمَا يُخْرِجُهُ الْأَوَّلُ وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكِ وَلَا تَكَرُّرِ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الْقُبُلُ أَيْ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ. اهـ. مِسْكِينٌ. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا اهـ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الدِّمَاءُ ثَلَاثَةٌ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَقَدْ جَعَلَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَالدَّمُ الضَّائِعُ قَالُوا: وَالدَّمُ الضَّائِعُ مَا تَرَاهُ

[مدة الحيض]

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) أَيْ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ»، ثُمَّ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِي وَهُوَ لَيْلَتَانِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ لَيَالٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِ الْأَقَلِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْأَكْثَرِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَقْدِيرِ الْأَقَلِّ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ بِسَاعَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا نَقَصَ) مِنْ ذَلِكَ (أَوْ زَادَ اسْتِحَاضَةٌ) لِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ فَإِذَا جَاوَزَتْ الْعَشَرَةَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ»؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ. وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ خِرْقَةٌ أَوْ قُطْنَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ تُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا لِتَعْرِفَ هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ أَمْ لَا وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الْجَصَّةُ شَبَّهَتْ الرُّطُوبَةَ الصَّافِيَةَ بَعْدَ الْحَيْضِ بِالْجَصِّ، ثُمَّ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ تَخْرُجَ الْخِرْقَةُ أَوْ الْقُطْنَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَلَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَلْوَانِ، وَقِيلَ الْقَصَّةُ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ يَخْرُجُ مِنْ قُبُلِ النِّسَاءِ فِي آخِرِ أَيَّامِهِنَّ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى طُهْرِهِنَّ، وَقِيلَ: هُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْكُدْرَةُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ لَا تَكُونُ حَيْضًا وَفِي آخِرِهِ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكُدْرَةِ عَنْ الصَّافِي وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَثَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَتَخْرُجُ الْكُدْرَةُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا وَجَمِيعُ أَلْوَانِ الدَّمِ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَالْخُضْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَفِي الْمُفِيدِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ فَقَالَ لَعَلَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا اسْتِبْعَادًا لَهَا قُلْنَا هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ وَلَعَلَّهَا أَكَلَتْ نَوْعًا مِنْ الْبُقُولِ، وَالتُّرْبِيَّةُ وَيُقَالُ لَهَا التُّرَابِيَّةُ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ وَهِيَ مَا يَكُونُ لَوْنُهَا عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ وَالتُّرَابِيَّةُ حَيْضٌ وَهِيَ الشَّيْءُ الْخَفِيُّ الْيَسِيرُ مِنْ الرُّطُوبَةِ تَظْهَرُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَلَا تَعْدُو مَحِلَّهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا فَرْجَانِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ فَالدَّاخِلُ بِمَنْزِلَةِ الدُّبُرِ وَالْخَارِجُ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْهُ كَانَ حَدَثًا وَحَيْضًا وَنِفَاسًا وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْخَارِجِ لِوُجُودِ الظُّهُورِ وَإِنْ وَضَعَتْهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَابْتَلَّ مِنْهُ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ وَقْتِ الْبُلُوغِ وَإِنَّمَا سَمَّوْهُ ضَائِعًا لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الِاسْتِحَاضَةِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ يُفْسِدُ دَمَ الْحَيْضِ بِالتَّشَوُّتِ وَهَذَا الدَّمُ لَا يُفْسِدُهُ حَتَّى أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ إذَا رَأَتْ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَعَقِيبَهَا بَعْدَ تَمَامِ التِّسْعِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَطَهُرَتْ طُهْرًا صَحِيحًا كَانَتْ الثَّمَانِيَةُ عَادَةً لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لَفَسَدَ بِهَا الثَّمَانِيَةُ. قَالَ مَوْلَانَا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَلَا فِقْهَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ جَعَلُوا الِاسْتِحَاضَةَ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يُفْسِدُ دَمَ الْحَيْضِ وَيُفِيدُ أَحْكَامَهَا إذَا صَادَفَتْهُ الْأَهْلُ فِي وَقْتِهَا وَقِسْمٌ لَا يُفْسِدُهُ وَلَا يُفِيدُ أَحْكَامَهَا كَدَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ اهـ قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ - أَيْ الدَّمُ - الَّذِي رَأَتْهُ قَبْلَ التِّسْعَةِ وَقَوْلُهُ: لَفَسَدَ بِهَا الثَّمَانِيَةُ يَعْنِي لِثُبُوتِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إذَا قَذَفَ شَيْئًا أَحْمَرَ يُشْبِهُ الدَّمَ. اهـ. غَايَةٌ. [مُدَّة الْحَيْض] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) وَفِي الْمُجْتَبَى ذِكْرُ الْأَيَّامِ يَسْتَتْبِعُ اللَّيَالِي كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ حَلَفَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يُكَلِّمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُقَرِّرُهُ قِصَّةُ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ) فَالْكَثْرَةُ بِالثُّلُثَيْنِ وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ) أَيْ وَعَشَرَةٌ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ) فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ حَتَّى تَرَيْنَ كَالْقَصَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالدُّرْجَةُ) قَالَ الشُّمُنِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْقُطْنُ وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ حُقٌّ تَضَعُ الْمَرْأَةُ فِيهِ طِيبًا وَنَحْوَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: خِرْقَةٌ) هَذَا إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْكُرْسُفِ لَا لِلدُّرْجَةِ، وَأَمَّا الدُّرْجَةُ فَهِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْكُرْسُفُ فَتَفَطَّنَ. اهـ. كَاتِبُهُ. (قَوْلُهُ: هُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الْحَيْضِ) ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَيَاضِ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ فَلَوْ رَأَتْهُ أَبْيَضَ خَالِصًا إلَّا أَنَّهُ إذَا يَبِسَ اصْفَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ أَوْ أَصْفَرَ وَلَوْ يَبِسَ ابْيَضَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصُّفْرَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: فَتَخْرُجُ الْكُدْرَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ الصَّافِي) وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ الصَّافِي لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ إجْمَاعًا. اهـ. كَافِي وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي اللَّيْلِ وَنَامَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ نَظَرَتْ فِيهِ فَرَأَتْ الْبَيَاضَ الْخَالِصَ تَقْضِي الْعِشَاءَ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ فَوَجَدَتْ الْبِلَّةَ عَلَيْهِ تُجْعَلُ حَائِضًا بَعْدَ الصُّبْحِ فَتَقْضِي الْعِشَاءَ إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْ أَخْذًا بِالْيَقِينِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ لَعَلَّهَا) الْقَائِلُ هُوَ نَصْرُ بْنُ سَلَّامٍ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ. (قَوْلُهُ: هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ) وَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. قَارِئٌ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالتُّرَبِيَّةُ) مَنْسُوبٌ إلَى التُّرَبِ بِمَعْنَى التُّرَابِ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ) أَيْ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ اهـ

إنْ كَانَ عَالِيًا عَلَى خَرْقِ الْفَرْجِ أَوْ مُحَاذِيًا لَهُ فَهُوَ حَدَثٌ وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَإِنْ كَانَ مُتَسَفِّلًا فَلَا حَتَّى تَنْفُذَ الْبِلَّةُ إلَى الْخَارِجِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ وَإِنْ سَقَطَ الْكُرْسُفُ فَهُوَ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَحَدَثٌ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) أَيْ الْحَيْضُ يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقْضِيهِ دُونَهَا) أَيْ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ سَأَلْت عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْت مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْت لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَكْرَارُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا وَاحِدًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ عَادَةً فِي الشَّهْرِ إلَّا مَرَّةً فَلَا حَرَجَ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْحَيْضِ لِطُولِهِ فَيَلْحَقُهَا الْحَرَجُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُخُولَ مَسْجِدٍ وَالطَّوَافَ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ تَمْنَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ دُونَ اللُّبْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، ثُمَّ قَالَ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ إذْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اللُّبْثُ فِيهِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ كَالْحَائِضِ لِعِلَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجِسٌ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ إمَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ قَالَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ مَعْنَى الْآيَةِ وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ أَيْ مُسَافِرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِعَابِرِي السَّبِيلِ الْمُسَافِرُونَ إذَا لَمْ يَجِدُوا الْمَاءَ يَتَيَمَّمُونَ وَيُصَلُّونَ بِهِ، وَقَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ قُلْنَا هَذَا مَجَازٌ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا لَا عِنْدَ اللَّبْسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ جَاءَنِي زَيْدٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ غُلَامَ زَيْدٍ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ لَا مَوَاضِعُهَا إذْ لَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ فِي الصَّحْرَاءِ إجْمَاعًا عَلِمُوا مَا يَقُولُونَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَقَوْلُهُ وَلَا جُنُبًا عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا فَكَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَغْتَسِلُوا كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ قُلْنَا عُبُورُ السَّبِيلِ هُوَ السَّفَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَفِي الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِهِ عُبُورَ سَبِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهُوَ حَدَثٌ) أَيْ لِظُهُورِ الْبِلَّةِ وَعَلَى هَذَا إذَا حَشَى الرَّجُلُ إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْقُطْنَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَإِنْ نَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِيًا) أَيْ خَارِجًا عَنْهُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ: ثَمَانِيَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ فَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَا إلَى قَضَاءٍ وَتَرْكُ الصَّوْمِ إلَى قَضَاءٍ وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَحُرْمَةُ الطَّوَافِ وَحُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحُرْمَةُ جِمَاعِهَا وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَأَمَّا الْمُخْتَصَّةُ فَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ لَا يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْحَيْضِ كَمَا يَجُوزُ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَنَابَةِ مَوْجُودٌ فَيَجُوزُ الصَّوْمُ وَفِي الْحَيْضِ الْكَفُّ عَنْهَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَا يُوجَدُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْجِمَاعِ فِيهِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: أَحَرُورِيَّةٌ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ يَرَوْنَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَائِضِ عَلَى خِلَافِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَقِيلَ كَانَ سُؤَالُهَا سُؤَالَ تَعَنُّتٍ اهـ مَنْسُوبَةٌ إلَى حَرُورَا قَرْيَةٍ بِالْكُوفَةِ بِهَا أَوَّلُ اجْتِمَاعِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ تَعَمَّقُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ فَمَنْ تَعَمَّقَ فِي السُّؤَالِ نُسِبَ إلَيْهِمْ وَكَأَنَّهُ خَارِجِيٌّ فَيُنْسَبُ إلَى قَرْيَتِهِمْ (قَوْلُهُ: بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. اهـ. مَنْبَعٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُخُولُ مَسْجِدٍ وَالطَّوَافُ) فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَرَامًا فَالطَّوَافُ أَوْلَى فَمَا الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ قُلْت لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ الطَّوَافُ أَوْلَى اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَجْنَبَ قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَتَيَمَّمَ وَقِيلَ يُبَاحُ. اهـ. اخْتِيَارٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يُنْزِلَ لَهُمْ رُخْصَةً فَخَرَجَ إلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» اهـ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ وَيُقَالُ فُلَيْتٌ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ إسْنَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ بِهِ) كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ غَيْرَ مُغْتَسِلِينَ حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ

فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَقِيلَ إلَّا بِمَعْنَى وَلَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] أَيْ وَلَا خَطَأً وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا الطَّوَافَ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةٌ هَكَذَا عَلَّلُوا فِيهِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مَسْجِدٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الطَّوَافُ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَابِرُ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي الطَّوَافِ لَا لِدُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُرْبَانَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) أَيْ وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ قُرْبَانَ زَوْجِهَا مَا تَحْتَ إزَارِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَتَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَالْمَحِيضُ هُوَ مَوْضِعُ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ إلَّا الْجِمَاعَ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ «شُدِّي عَلَيْك إزَارَك» إذْ لَوْ كَانَ الْمَمْنُوعُ مَوْضِعَ الدَّمِ لَا غَيْرَ لَمْ يَكُنْ لِشَدِّ الْإِزَارِ مَعْنًى فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الدَّمُ أَسْوَدَ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ وَكُلُّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ وَيُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا مَا بُدِّلَ مِنْهَا هَذَا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ، وَأَمَّا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ نَحْوَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] أَوْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] أَوْ عَلَّمَ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشَبَهِهِ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسَّهُ إلَّا بِغِلَافِهِ) أَيْ مَسُّ الْقُرْآنِ يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرٌ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنَعَ الْحَدَثُ الْمَسَّ أَيْ مَسَّ الْقُرْآنِ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ) (وَمَنَعَهُمَا الْجَنَابَةُ وَالنِّفَاسُ) أَيْ مَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَسِّ الْجَنَابَةُ وَالنِّفَاسُ لِمَا بَيَّنَّا وَالنِّفَاسُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْحَيْضِ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ دُونَ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مَسُّ الْجِلْدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَيُكْرَهُ مَسُّ الدِّرْهَمِ وَاللَّوْحِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَمَا عَلَّلَ بِهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّهَا إنَّمَا تَمْتَنِعُ لِلْحَاجَةِ إلَى الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ فَضَعِيفٌ فَإِنَّهَا وَإِنْ طَافَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ مَعَ جَوَازِهِ لِلطَّاهِرِ لِمَا أَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ». اهـ. . (قَوْلُهُ: مَا تَحْتَ إزَارِهَا) أَيْ وَهُوَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ) أَيْ لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. مِعْرَاجٌ وَلَوْ وَطِئَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى التَّوْبَةِ. اهـ. مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا) هُوَ الصَّحِيحُ قَالَهُ الْكَاكِيُّ مُعَزِّيًا إلَى التَّجْنِيسِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ) ذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدُ أَنَّهُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا قَالَ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ» فَكَمَا لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ الْآيَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ بِهَا الصَّلَاةُ كَذَا لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقَالُوا إذَا حَاضَتْ الْمُعَلِّمَةُ تُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ نِصْفَ آيَةٍ نِصْفَ آيَةٍ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْعُيُونِ لَوْ قَرَأَ الْجُنُبَ الْفَاتِحَةَ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْكَاكِيُّ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ، قَالَ الْهِنْدَاوِيُّ لَا أُفْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ «أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.» وَلَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً» وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِي النَّوْمِ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ حَلَّتْ الْفَمَ فَلَوْ شَرِبَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا فَيَصِيرُ شَارِبًا الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنَعَ الْحَدَثُ الْمَسَّ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الَّذِي يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ تَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ بِقَلَمٍ أَوْ سِكِّينٍ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَسُّهَا بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمَسُّهُ بِيَدِهِ وَقَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ هَلْ يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِمِنْدِيلٍ هُوَ لَابِسُهُ عَلَى عُنُقِهِ قُلْت لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَنْقُولًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ

كَانَ فِيهِمَا كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُهُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَيُكْرَهُ لَهُمْ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا بَأْسَ بِمَسِّهَا بِالْكُمِّ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِالثِّيَابِ الَّتِي يَلْبَسُونَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَثِيَابُهُ حَائِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهُوَ لَابِسُهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ وَكَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا دَفْعَ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ إلَى الصِّبْيَانِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِمْ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَيُرَخَّصُ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِهِ أَفْضَلُ وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُفْرَشُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَكَذَا عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ لِمَا يُخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِهَا فِي الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِتَصَرُّمٍ لِأَكْثَرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِتَخْفِيفِ الطَّاءِ جَعَلَ الطُّهْرَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا؛ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا لِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ انْقَطَعَ الدَّمُ أَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَقَلِّهِ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ) أَيْ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا تُوطَأُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ إلَّا إذَا أَحْدَثَتْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ وَذَلِكَ بِالِاغْتِسَالِ لِجَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِهِ أَوْ مُضِيِّ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهَا وَهُمَا مِنْ أَحْكَامِهِنَّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ فِي الْحَالَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ كَبَدَنِهِ دُونَ الثَّانِي قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بِطَرَفِهَا نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ إنْ كَانَ أَلْقَاهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِمَسِّهَا بِالْكُمِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ بِكُمِّهِ أَوْ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّ ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ بَدَنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَقَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَلَوْ فَرَشَ نَعْلَيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَابِسًا صَارَ كَبَعْضِ جَسَدِهِ وَلِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنَّهُمْ يَفْرِشُونَ مَكَاعِبَهُمْ وَيَقُومُونَ عَلَى الْمَكَاعِبِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ أَخَذَ الْمُصْحَفَ بِكُمِّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ فِي الْمُحِيطِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ لِلْحَائِضِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ بِالْكُمِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ أَوْ جَوْرَبَانِ) أَمَّا لَوْ فَرَشَ نَعْلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ كَاكِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَجِسَةً فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ عَلَى نَعْلَيْهِ جَازَ أَمَّا إذَا كَانَ النَّعْلُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ طَاهِرًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ مِنْهُ نَجِسًا فَكَذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ ذِي طَاقَيْنِ أَسْفَلُهُ نَجَسٌ وَقَامَ عَلَى الطَّاهِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْمَسِّ بِالثِّيَابِ الَّتِي هُمْ لَابِسُوهَا. (قَوْلُهُ: إلَى الصِّبْيَانِ) أَيْ لِأَنَّ الدَّافِعَ مُكَلَّفٌ بِعَدَمِ الدَّفْعِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُلْبِسَ الصَّبِيَّ الْحَرِيرَ وَأَنْ لَا يَسْقِيَهُ الْخَمْرَ وَأَنْ لَا يُوَجِّهَهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ النَّهْيُ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ اهـ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَا يَقْرَأُ جَهْرًا عِنْدَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْأَعْمَالِ وَمِنْ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يُقْرَأَ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ اللَّغْوِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْقُرْآنُ. (قَوْلُهُ: وَالْحَمَّامِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ النَّجَاسَاتِ. اهـ. قَاضِيخَانْ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِتَصَرُّمٍ) أَيْ انْقِطَاعٍ. (قَوْلُهُ: فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا) وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كَاَلَّتِي صَارَتْ جُنُبًا وَالْحُكْمُ فِيهَا هَكَذَا. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتٌ إلَى آخِرِهِ) فَإِذَا انْقَطَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ قَبْلَ الْغُسْلِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ الْوَقْتُ الَّذِي يَلِي الْمُهْمَلَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَكْتُوبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ) أَيْ وَزُفَرُ وَالثَّلَاثَةُ. اهـ. ع قَالَ فِي الْمَنْبَعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُجْتَبَى مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ دَمًا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ كَمَا رَأَتْهُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ مَا لَمْ يَسْتَمِرَّ دَمُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَيَقَّنَةٌ وَالْحَيْضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِ دَمِهَا فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ أَذًى وَقَدْ رَأَتْهُ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِتَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ كَصَاحِبَةِ الْعَادَةِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِنَفْسِ رُؤْيَةِ الدَّمِ مَعَ تَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَكَذَا هَذَا اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ

{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَغْتَسِلْنَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَهَذَا يَقْتَضِي قِيَامَ الْحَيْضِ بِهِنَّ فَصَارَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَطْءَ الْحَائِضِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَائِضٍ؛ وَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا صَارَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ لِحِلِّ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ دَلَالَةً؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ بِلَا اغْتِسَالٍ وَلَا تَيَمُّمٍ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ النَّظِيفِ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَطْءُ أَوْلَى وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا تَلَى؛ لِأَنَّهَا قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَهَذَا يَقْتَضِي انْقِطَاعَ الدَّمِ لَا غَيْرُ، فَتَكُونُ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ مَحْمُولَةً عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَوْلُهُ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ وَهُوَ مَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِاغْتِسَالِ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ فَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي ذِمَّتِهَا مَا لَمْ تُدْرِكْ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَوْ طَهُرَتْ قُبَيْلَ الصُّبْحِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَكَأَنَّهَا أَصْبَحَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا وَالنَّصْرَانِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَاصِلُهُ إمَّا أَنْ يَنْقَطِعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ دُونَهَا لِتَمَامِ الْعَادَةِ أَوْ دُونَهَا فَفِي الْأَوَّلِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَفِي الثَّالِثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا، وَفِي الثَّانِي إنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَعْنِي خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا حَلَّ، وَإِلَّا لَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ انْقِطَاعُ النِّفَاسِ إنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فِيهَا فَانْقَطَعَ دُونَهَا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا بِالشَّرْطِ أَوْ لِتَمَامِهَا حَلَّ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ حَلَّ مُطْلَقًا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ يَطْهُرْنَ وَيَطَّهَّرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَمُؤَدَّى الْأَوَّلِ انْتِهَاءُ الْحُرْمَةِ الْعَارِضَةِ عَلَى الْحِلِّ بِالِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا وَإِذَا انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ عَلَى الْحِلِّ حَلَّتْ بِالضَّرُورَةِ وَمُؤَدَّى الثَّانِيَةِ عَدَمُ انْتِهَائِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ فَحَمَلْنَا الْأُولَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ فِي تَوْقِيفِ قُرْبَانِهَا فِي الِانْقِطَاعِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْغُسْلِ إنْزَالَهَا حَائِضًا حُكْمًا وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ إنْزَالَهُ إيَّاهَا طَاهِرَةً قَطْعًا بِخِلَافِ تَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ بَلْ يَجُوزُ الْحَيْضُ بَعْدَهُ وَلِذَا لَوْ زَادَتْ وَلَمْ تُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا نُحَقِّقُهُ بَقِيَ أَنَّ مُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَرَفْعُ الْحُرْمَةِ قَبْلَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ خُصَّ مِنْهَا صُورَةُ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَجَازَ أَنْ يُخَصَّ ثَانِيًا بِالْمَعْنَى وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِ قَدْرِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنْ تَطْهُرَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَغْلَطُ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي التَّجْنِيسِ مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ، ثُمَّ وَجَدَتْ الْمَاءَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ. أَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ احْتِيَاطًا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْعِدَّةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَتَجَنَّبُهَا احْتِيَاطًا اهـ. وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَادَةِ أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ وَإِنْ زَادَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ إلَى الْعَادَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْت مَا عِنْدِي مِنْ التَّرَدُّدِ فِي الِانْقِطَاعِ بِدُونِ الْقِصَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ زَمَانَ الِاغْتِسَالِ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَشَايِخُنَا زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا وَلَكِنْ مَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ عَقِيبَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةِ عَشْرَةَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّفَقِ فَهُوَ طُهْرٌ تَامٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ قِيلَ: إنَّ خَلْفَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ ابْنَهُ مِنْ بَلْخٍ إلَى بَغْدَادَ لِلتَّعَلُّمِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ مَا تَعَلَّمْت قَالَ تَعَلَّمْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَضَعْت سَفَرَك. اهـ. وَلِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالِاغْتِسَالِ فَالْحَيْضُ ثَابِتٌ فِي زَمَنِ الِاشْتِغَالِ بِالِاغْتِسَالِ بِخِلَافِ

[الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]

يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ قُبَيْلَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِإِسْلَامِهَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَلَوْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ لِلِاحْتِيَاطِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْمُدَّةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ) مَعْنَاهُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَالدَّمَانِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ يَكُونُ حَيْضًا وَلَوْ خَرَجَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ عَنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا مَثَلًا لَا يَكُونُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ الْأَخِيرَ لَمْ يُوجَدْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلَا يُبْتَدَأُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا النِّفَاسُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَفْصِلْ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْحَيْضَ يُبْتَدَأُ بِالطُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بِدُونِ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الِاشْتِغَالُ بِالِاغْتِسَالِ وَقْتَ الطُّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ لَوْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهَا لَوْ أَدْرَكَتْ بَعْدَ الطَّهَارَةِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَزَمَنُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ الطَّهَارَةِ بِالِاغْتِسَالِ إلَّا قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا فِي النَّائِمِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَطَهُرَتْ حُكْمًا لِأَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ، ثُمَّ انْتِهَاءُ النَّهْيِ عَنْ الْقُرْبَانِ وَإِنْ كَانَ بِالِاغْتِسَالِ بِالنَّصِّ لَكِنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا يَكُونُ غَايَةً؛ لِأَنَّهُ حَلَّ لَهَا بِهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ عَلَى جَانِبِ الِاسْتِمْرَارِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ دَلَالَةً، كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ. اهـ. مِعْرَاجٌ. فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فِي الْقِرَاءَتَيْنِ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ فِي الْحَالَيْنِ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ انْقَطَعَ فِيمَا دُونَ الْعَادَةِ وَلَكِنْ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَاغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا الْوَقْتُ كُرِهَ قُرْبَانُهَا وَالتَّزَوُّجُ لَهَا بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى تَأْتِيَ عَادَتُهَا وَتَغْتَسِلَ أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ عَلَى رَأْسِ عَادَتِهَا أَخَّرَتْ الِاغْتِسَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَأْخِيرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَفِيمَا دُونَ عَادَتِهَا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ فِي حَقِّهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْفُرُوعِ اهـ. (قَوْلُهُ: زَائِدَةٌ) أَيْ عَلَى الِانْقِطَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ دُونَ عَادَتِهَا) فَفِي جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَبُطْلَانِ الرَّجْعَةِ كَأَنَّهَا طَهُرَتْ وَفِي حَقِّ قُرْبَانِ الزَّوْجِ وَالتَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ كَأَنَّهَا لَمْ تَطْهُرْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا الْمَعْرُوفَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَحَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. [الطُّهْرِ الْمُتَخَلَّل بَيْن الدَّمَيْنِ فِي مُدَّة الْحَيْض] . اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنِفَاسُ) يَعْنِي الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَلَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ كَالْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ الطُّهْرُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَتُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَكَذَا النِّفَاسُ وَقَالَا إذَا كَانَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالثَّانِي حَيْضًا إنْ أَمْكَنَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي صُورَتُهُ رَأَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعُونَ نِفَاسٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الدَّمُ الْأَوَّلُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالطُّهْرُ) الْمُتَخَلِّلُ إلَى آخِرِهِ قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ الطُّهْرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَوْعِبًا لِلْمُدَّةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ إذَا كَانَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَهُوَ حَيْضٌ مِثَالُ الْمُسْتَوْعِبِ مَا إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا قَبْلَ الْعَادَةِ، ثُمَّ عَشَرَةً طُهْرًا، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَمِثَالُ غَيْرِ الْمُسْتَوْعِبِ مَا إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فِي الْعَادَةِ، ثُمَّ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا الِابْتِدَاءَ بِالطُّهْرِ وَالْخَتْمَ بِهِ إذَا كَانَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ جَائِزٌ اهـ. وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَ عَشَرَتِهَا سَاعَةً دَمًا وَطَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ عَشَرَتِهَا، ثُمَّ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ مِنْ عَشَرَتِهَا دَمًا، ثُمَّ رَأَتْ الْعَاشِرَ مِنْ أَيَّامِهَا طُهْرًا، ثُمَّ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا بَعْدَهَا فَأَيَّامُهَا الْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ س وَعِنْدَ م ثَمَانِيَةٌ مِنْ عَشَرَتِهَا الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ تَرَ قَبْلَ أَيَّامِهَا دَمًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ لَيْسَ بِحَيْضٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ بَعْدَهُ دَمًا وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَرَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ حَتَّى جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ حَيْضٌ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَيْضُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ عَادَتِهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ، وَلَوْ رَأَتْ أَوَّلَ خَمْسَتِهَا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا وَاسْتَمَرَّ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعَادَتُهَا حَيْضٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا وَانْتِهَاءَهَا حَصَلَ بِالدَّمِ وَلَوْ رَأَتْ مِنْ أَوَّلِ خَمْسَتِهَا ثَلَاثَةً دَمًا وَطَهُرَتْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعَادَتُهَا حَيْضٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الثَّلَاثَةُ مِنْ عَادَتِهَا حَيْضٌ لَا الْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَمُ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ، وَكَذَا النِّفَاسُ مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ) أَيْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ) أَيْ لَا مَذْهَبُهُ بَلْ مَذْهَبُهُ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَمْ يَفْصِلْ) فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عِنْدَهُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَسْهَلُ) لِعَدَمِ التَّفَاصِيلِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ اهـ

وَيُخْتَمُ بِهِ بِشَرْطِ إحَاطَةِ الدَّمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ لَا يُبْتَدَأُ بِالطُّهْرِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَمٌ لَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ كَمَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهِ الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا هِيَ الْعَشَرَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَفْصِلُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الدَّمِ لَا حُكْمَ لَهُ فَكَذَا الطُّهْرُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا وَكَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ فَصْلٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الطُّهْرَ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ دُونَ الثَّانِي. وَمِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمَ بِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي هَلْ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطُّهْرِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَصِيرَ الْكُلُّ حَيْضًا أَوْ لَا يَتَعَدَّى؟ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يَتَعَدَّى وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ لَا يَتَعَدَّى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِثَالُهُ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْعَشَرَةَ طُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَعَلَى الثَّانِي السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَفْصِلُ) بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ وَقْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ) بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ حَيْضٌ) مِثَالُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا اهـ وَالْأَصْلُ عِنْدَ زُفَرَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ، وَإِلَّا أَوْجَبَ الْفَصْلَ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ انْتَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُفْصَلُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا فَصَلَ، ثُمَّ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يُجْعَلُ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ أَمْكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَفْصِلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا. أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ فَفَصَلَ وَلَيْسَ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَأَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلَمْ يَرَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَسَنِ فَكَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا، ثُمَّ سَاعَةً دَمًا فَذَلِكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا حَيْضًا بَلْ الْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَهِيَ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ مُتَقَدِّمَةً كَانَتْ أَوْ مُتَأَخِّرَةً وَالْيَوْمُ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ رَأَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَدَدَ الطُّهْرِ مِثْلُ الدَّمَيْنِ وَكِلَا الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ فَلَمْ يَفْصِلْ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَفْصِلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَيَّامُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخَرِ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَالطُّهْرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ فَاصِلٌ فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ عِنْدَهُمَا وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ اهـ مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ) لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ فَالْحِيضَان سِتَّةٌ فَيَكُونُ الطُّهْرُ أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ مَجْمُوعَ الدَّمَيْنِ وَالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا عَشَرَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَجْمُوعُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَكُنْ مِثَالُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَالْعَشَرَةُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَيْضٌ، وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ اعْتَبَرَ كَوْنَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ دَمًا حُكْمًا فَالطُّهْرُ الثَّانِي أَقَلُّ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَلَا يَفْصِلُ فَالْكُلُّ دَمٌ وَأَبُو سَهْلٍ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ فَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ مِثْلُ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَالْكُلُّ دَمٌ وَالطُّهْرُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَيَفْصِلُ فَلَا يَكُونُ دَمًا حُكْمًا وَكُلٌّ مِنْ الدَّمَيْنِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الطُّهْرَيْنِ مُعْتَبَرًا بِأَنْ كَانَ ثَلَاثَةً أَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا سَهْلٍ إنَّمَا يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ إذَا كَانَ مُعْتَبَرًا فَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ) تَارَةً يَذْكُرُ بِالْغَزَالِيِّ وَتَارَةً بِالْفَرْضِيِّ وَتَارَةً بِالزَّجَّاجِيِّ اهـ طَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يُمَيِّزْ أَحَدَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ يُمَيِّزْ يُعْتَبَرُ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ سِتَّةٌ فَالطُّهْرُ غَالِبٌ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا بِخِلَافِ السِّتَّةِ فَإِنَّ الطُّهْرَ فِيهَا مِثْلُ الدَّمِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ اهـ

دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ لِمَا قُلْنَا. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ دَمَيْنِ إذَا نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَفْصِلْ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَلَ كَيْفَمَا كَانَ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الدَّمُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ حَيْضًا وَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَانِبَانِ فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ لِسَبْقِهِ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ. {فُرُوعُ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ} امْرَأَةٌ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا عَشَرَةً أَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَرْبَعَةُ مِنْ آخِرِهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ خَتْمُ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ وَتَعَذَّرَ جَعْلُ مَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي حَيْضًا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِيهِ لِلطُّهْرِ فَطَرَحْنَا الدَّمَ الْأَوَّلَ وَالطُّهْرَ الْأَوَّلَ يَبْقَى بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَالطُّهْرُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَجَعَلْنَا الْأَرْبَعَةَ حَيْضًا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَعِنْدَ زُفَرَ الثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ ثَلَاثَةً فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُخْتَصَرِ كَذَلِكَ لِخُرُوجِ الدَّمِ الثَّانِي عَنْ الْعَشَرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرً يَوْمًا، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَصَارَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَقَدْ لَا يُرَى الْحَيْضُ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ) أَيْ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ فَيُقَدَّرُ طُهْرُهَا، وَذَلِكَ كَالْمُبْتَدَأَةِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَكَصَاحِبَةِ الْعَادَةِ إذَا اسْتَمَرَّ دَمُهَا وَقَدْ نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّهَا تَتَحَرَّى وَتَمْضِي عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ وَهِيَ الْمُحَيَّرَةُ وَتُسَمَّى الْمُضَلَّلَةُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطُّهْرِ أَوْ الْحَيْضِ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَصَلَ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ) وَهَذَا الْإِمْكَانُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ إنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا فَصَلَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ وَقَوْلُهُ: فُرُوعٌ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ أَيْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَقَعُ) وَفِي نُسْخَةٍ يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ) فَيُلْغِي طُهْرَ يَوْمَيْنِ فَالْبَاقِي ثَمَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَجَدَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةٌ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) يَعْنِي أَقَلَّ الطُّهْرِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهُ حَيْضًا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ حَتَّى لَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ حَيْضٌ وَلَوْ انْتَقَصَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ دُونَ الثَّانِيَةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ صَحَابِيٍّ وَذَا سَهْوٌ مِنْهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ حَيْضَتَانِ وَطُهْرَانِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ سُؤَالًا وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ رَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً، ثُمَّ طُهْرًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً أَلَيْسَ قَدْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ طُهْرًا آخَرَ كَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّهْرُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ وَحُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَتْ إنِّي حِضْت فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ مَاذَا تَقُولُ فَقَالَ إنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً مِنْ بِطَانَتِهَا مِمَّنْ يُرْضَى بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ قُبِلَ مِنْهَا فَقَالَ عَلِيٌّ قالون وَهِيَ بِالرُّومِيَّةِ حَسَنٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ شُرَيْحٌ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ النَّفْيِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] أَيْ لَا يَدْخُلُونَهَا رَأْسًا. (قَوْلُهُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ) قَالَ فِيهَا وَفِيهِ كَلَامٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ) أَيْ لُزُومِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ مُقَدَّرٌ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ نُقْصَانُ طُهْرِ غَيْرِ الْحَامِلِ عَنْ طُهْرِ الْحَامِلِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَانْتَقَصَ عَنْ هَذَا بِشَيْءٍ وَهُوَ السَّاعَةُ صُورَتُهُ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَإِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً اهـ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ لَوْ قُدِّرَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا دُونَ الْيَوْمِ سَاعَاتٌ لَا تُضْبَطُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ) صُورَتُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ امْرَأَةٌ رَأَتْ دَمًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً مَثَلًا، ثُمَّ رَأَتْ طُهْرًا مُمْتَدًّا، ثُمَّ رَأَتْ دَمًا مُسْتَمِرًّا هَلْ يُقَدَّرُ لَهَا أَكْثَرُ الطُّهْرِ قَالُوا يُقَدَّرُ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ لِلْمُتَحَيِّرَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ) فِي الْمَبْسُوطِ حَتَّى ضَلَّتْ أَيَّامَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا) فَإِنْ عَرَفَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعِنْدَ أَبِي عِصْمَةَ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا بِمَا رَأَتْ وَهِيَ السِّتَّةُ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا كَذَا بِخَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الطُّهْرِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ

تَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ وَهَلْ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْهُمْ أَبُو عِصْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالتَّوْقِيفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِهَذَا لَمْ يُقَدَّرْ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ وَتَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عَادَةً فَنَقَصْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ سَاعَةً فَإِذَا طَلُقَتْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ بِشَهْرٍ وَإِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ بُخَارَى. (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ حَيْضِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَاهَا وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ الْعَوْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الشَّهْرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا بِسَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّهْرَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا، وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ يُقَدَّرُ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْغَالِبِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَبَقِيَ الطُّهْرُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا هَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَمْ يُقَدِّرُوا الطُّهْرَ بِشَيْءٍ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ تَجْتَنِبُ أَبَدًا مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّهِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَالْوِتْرَ وَتَقْرَأُ فِيهِمَا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَا تَزِيدُ وَقِيلَ تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ؛ لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ وَإِنْ حَجَّتْ تَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَتَطُوفُ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي رَمَضَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَشَرَةً فِي أَوَّلِهِ وَخَمْسَةً فِي آخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَا يُتَصَوَّرُ حَيْضُهَا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهَا حَاضَتْ فِي الْقَضَاءِ عَشَرَةً فَيَسْلَمُ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ بِيَقِينٍ وَإِنْ عَلِمَتْ دَوْرَ حَيْضِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَلَمْ تَعْرِفْ عَدَدَهُ وَلَا ابْتِدَاءَهُ وَلَا انْتِهَاءَهُ أَوْ عَلِمَتْ الِابْتِدَاءَ دُونَ الِانْتِهَاءِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: تَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ) فَتَصُومُ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ أَبُو عِصْمَةَ) سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ) بِمُعْجَمَةٍ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً) فِي شَرْحِ الْوُقَايَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ) وَمُدَّةُ الْحَمْلِ مُدَّةُ الطُّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ) فَيُعْتَبَرُ شَهْرٌ بِلَا حَيْضٍ، ثُمَّ شَهْرٌ آخَرُ كَذَلِكَ لِتَثَبُّتِ الْعَادَةِ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا أَكْثَرُ الطُّهْرِ فَلَا غَايَةَ لَهُ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَهُرَتْ سِنِينَ كَثِيرَةً فَإِنَّهَا تَعْمَلُ مَا تَعْمَلُ الطَّاهِرَاتُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي بَنَاتِ آدَمَ أَصْلٌ وَالْحَيْضُ عَارِضٌ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهَا الْعَارِضُ يَجِبُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ طَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِمْرَارِ كَمْ هُوَ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو حَازِمٍ الْقَاضِي: إنَّ الطُّهْرَ وَإِنْ طَالَ يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ خَمْسَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ تَبْنِي الِاسْتِمْرَارَ عَلَيْهِ فَتَقْعُدُ خَمْسَةً وَتُصَلِّي سِتَّةً، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بُخَارَى إنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ وَإِذَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ تُرَدُّ أَيَّامُهَا إلَى الشَّهْرِ فَتَقْعُدُ مَا كَانَتْ رَأَتْ فِيهِ مِنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَتُصَلِّي بَقِيَّةَ الشَّهْرِ هَكَذَا دَأْبُهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ الَّذِي يَصْلُحُ لِنَصْبِ الْعَادَةِ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ تُرَدُّ أَيَّامُهَا إلَى الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرُهُ شَهْرٌ وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ تُرَدُّ أَيَّامُهَا إلَى الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ تُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ) أَيْ أَكْثَرُ الطُّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ) أَيْ وَالسُّنَنَ الْمَشْهُورَةَ وَلَا تُصَلِّي شَيْئًا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تُعِيدُهُ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَافَتْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُهَا عَشَرَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضَعْفِهَا) مِثَالُ الْإِضْلَالِ فِي الضَّعْفِ امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ فِي السِّتَّةِ الَّتِي فِي آخِرِ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسِيَتْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي أَوَّلِ السِّتَّةِ أَوْ آخِرِهَا وَمِثَالُ الْأَكْثَرِ مِنْ الضَّعْفِ امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسِيَتْ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ وَمِثَالُ الْأَقَلِّ امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا ثَلَاثَةٌ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسِيَتْ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا فَالْمَرْأَةُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ الَّتِي ضَلَّتْ فِيهَا أَوْ آخِرِهَا وَتَتَيَقَّنُ بِهِ فِي بَعْضِهَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهَا تَتَيَقَّنُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْخَمْسَةِ أَنَّهُ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ حَالَهَا فِيهِمَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَفِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ حَالَهَا فِيهِمَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِمَا قُلْنَا. اهـ. يَحْيَى وَدَمُ

أَوْ أَقَلَّ مِنْ الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) (فَمَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَتُصَلِّي فِي غَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا اسْتِحَاضَةٌ؛ وَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِأَنَّ عَادَتَهَا حَيْضٌ وَمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ اسْتِحَاضَةٌ وَشَكَكْنَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَأَلْحَقْنَاهُ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُجَانِسُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى إذْ الْأَصْلُ الْجَرْيُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، ثُمَّ قِيلَ إذَا مَضَتْ عَادَتُهَا تُصَلِّي وَتَصُومُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ فَيَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَقِيلَ تَتْرُكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الصِّحَّةُ وَدَمُ الْحَيْضِ دَمُ صِحَّةٍ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ عِلَّةٍ وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ ابْتِدَاءً قِيلَ لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ بِالنُّقْصَانِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ تَتْرُكُ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ الْعَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ مُبْتَدَأَةً بِأَنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً أَوْ مَعَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَنِفَاسُهَا أَكْثَرُ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ فَلَا يُحْكَمُ بِالْعَارِضِ إلَّا بِيَقِينٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٍ أَوْ جُرْحٌ لَا يَرْقَأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ ييي «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَتُرِكَ لِلضَّرُورَةِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ يُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْ لِوَقْتِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِوَقْتِ دُلُوكِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا» أَيْ لِوَقْتِهَا، وَكَذَا الصَّلَاةُ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ» أَيْ وَقْتُهَا فَكَانَ الْأَخْذُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُحْتَمَلٌ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُحْكَمِ؛ وَلِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فِي حَقِّ النَّفْلِ إجْمَاعًا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ تَقْدِيرٌ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ مَعْنًى إذْ الْوَقْتُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ لِكَوْنِهِ مَحِلَّهُ وَلَهُ شَغْلُ كُلِّهِ بِالْأَدَاءِ عَزِيمَةً وَشَغْلُ الْبَعْضِ رُخْصَةً فَكَأَنَّهُ شَغَلَ كُلَّهُ بِهِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ تَقْدِيرًا بِالصَّلَاةِ مَعْنًى وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَتَفَاوَتُ وَالْأَدَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْأَدَاءَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ فِي آخِرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِحَاضَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ كَرُعَافٍ يَعْنِي حُكْمُهُ كَحُكْمِ رُعَافٍ دَائِمٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ كَامِلٍ لَا يَمْنَعُ صَوْمًا وَصَلَاةً وَوَطْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» فَيَثْبُتُ حُكْمُ الصَّلَاةِ بِهِ عِبَادَةً وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ دَلَالَةً إذْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ دَمَ الرَّحِمِ يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ وَدَمَ الْعِرْقِ لَا يَمْنَعُ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الدَّمُ الصَّلَاةَ عُلِمَ أَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ الْآخَرَانِ دَلَالَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) يُنْظَرُ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَتْرُكُ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ رَأَتْ مَرَّةً سَبْعًا وَمَرَّةً سِتًّا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَخَذَتْ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ وَفِي حِلِّ التَّزْوِيجِ وَالْوَطْءِ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا اهـ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً فِي شَهْرٍ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَانَ الْخَمْسَةُ حَيْضًا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ الْعَشَرَةُ حَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ كَانَ الْخَمْسَةُ حَيْضًا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ سِتَّةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي رَدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عِنْدَهُمَا وَإِلَى السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ رَأَتْهُ سِتَّةً فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ رَدَّتْ إلَى السِّتَّةِ وَبَطَلَ عَادَةُ الْخَمْسَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ اسْتِطْلَاقُ) أَيْ جَرَيَانُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ مَنْذُورَةً وَقَالَ مَالِكٌ لِكُلِّ نَفْلٍ أَيْضًا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ الْفَوَاطِمِ الصَّحَابِيَّاتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إحْدَى الْمُسْتَحَاضَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو حُبَيْشٍ اسْمُهُ قَيْسٌ فَتَارَةً يَقُولُونَ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَتَارَةً يَقُولُونَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَبَعْضُهُمْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ هَكَذَا نَسَبَاهَا وَقَالَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَغَلَّطَهُمَا صَاحِبُ الْغَايَةِ وَقَالَ غَلَطًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي قَوْلِهِمَا فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ذَكَرَاهَا فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ إنَّمَا الْمُسْتَحَاضَةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ حُبَيْشٍ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْغَلَطِ وَالصَّوَابُ مَعَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ) أَيْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّيْت. (قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ إيَّاهُ دُونَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا فِعْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ) وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ قَدْ يَكُونُ مُوَسْوِسًا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مَرَّاتٍ فَفِي الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةً بَعْدَهَا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ فِعْلُ فَرِيضَةٍ أُخْرَى عَمَلًا بِبَقَائِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِعْلُ النَّافِلَةِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ إذْ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ مِنْ شَرْطِهِمَا الطَّهَارَةُ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَاقِيَةً. اهـ. غَايَةٌ

فِي وَسَطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُطَوِّلُ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِالْمَعْلُومِ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَلُّونَ بِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ يُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِهِ إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا وَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ فَقَطْ) أَيْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ زُفَرُ يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْطُلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِزُفَرَ إنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ شَرْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْأَدَاءِ حَقِيقَةً؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَ إشْغَالَ الْوَقْتِ كُلِّهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ؛ وَلِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْحَاجَةِ وَخُرُوجَهُ دَلِيلُ زَوَالِهَا فَإِضَافَةُ الِانْتِقَاضِ إلَى دَلِيلِ زَوَالِ الْحَاجَةِ أَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى دَلِيلِ ثُبُوتِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ زُفَرَ مُسْتَقِيمٌ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِهِ بِالدُّخُولِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ بِالْخُرُوجِ أَيْضًا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا تَوَضَّئُوا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِهِ الظُّهْرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَالثَّانِي إذَا تَوَضَّئُوا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُمْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُنْتَقَضُ وَلَوْ تَوَضَّئُوا لِصَلَاةِ الْعِيدِ قِيلَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا بِهِ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا لِصَلَاةِ الضُّحَى وَلَوْ تَوَضَّئُوا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِلْعَصْرِ يُصَلُّونَ بِهِ الْعَصْرَ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُمْ لِلْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ كَطَهَارَتِهِمْ لِلظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ وَقَعَتْ لِلظُّهْرِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الظُّهْرِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا بِهَا صَلَاةَ الظُّهْرِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ خُرُوجِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَشَايِخَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَضَافُوا انْتِقَاضَ الطَّهَارَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولِهِ لِيَسْهُلَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ فِي الِانْتِقَاضِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عِنْدَهُ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا عُرِفَ نَصًّا فِي الْحَدَثِ الطَّارِئِ لَا فِي الْحَدَثِ السَّابِقِ وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْحَدَثِ وَلَا يَرْفَعُ مَا بَعْدَهُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ رَافِعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ وَقْتُ فَرْضٍ إلَّا وَذَلِكَ الْحَدَثُ يُوجَدُ فِيهِ). وَهَذَا حَدُّ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا أَيْ وَحُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ يَثْبُتُ إذَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إلَّا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ وَلَكِنَّ هَذَا شَرْطُ بَقَاءِ الِاسْتِحَاضَةِ بَعْدَمَا ثَبَتَ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، وَأَمَّا شَرْطُ ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً فَأَنْ يَسْتَوْعِبَ اسْتِمْرَارَ الْعُذْرِ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَامِلًا كَالِانْقِطَاعِ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْوَقْتَ كُلَّهُ وَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ إنَّمَا يَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ فَقَطْ) قَالَ الرَّازِيّ أَيْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ إذْ الْوَقْتُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ نَجَسًا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْحَدَثِ يَظْهَرُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أُضِيفَ إلَيْهِ مَجَازًا أَيْ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَدَثًا قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى مَعْذُورٍ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ شَرَعَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ مِنْ وَجْهٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَاقْتِصَارٌ مَنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالطَّهَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا فِي الْوَقْتِ فَعَمِلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ طُهُورًا فِي حَقِّ الْمَسْحِ كَمَا سَيَأْتِي وَاقْتِصَارًا فِي حَقِّ الْقَضَاءِ اهـ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَاهُنَا كَلَامًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَائِنَا الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَقَطْ لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ إنَّمَا يُوجِبَانِ الطَّهَارَةَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ الطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ قَبْلَهُ فَتُعَادُ بَعْدَ دُخُولِهِ لَا؛ لِأَنَّهَا تُنْتَقَضُ بِالدُّخُولِ وَزُفَرُ إنَّمَا لَمْ يُوجِبْ الطَّهَارَةَ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِدُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ وَقْتِ الْفَجْرِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ قَضَى الْفَجْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ قَضَاهُ مَعَ سُنَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَضَاهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِلَا سُنَّتِهِ فَإِيجَابُ زُفَرَ الطَّهَارَةَ بَعْدَ دُخُولِ الظُّهْرِ لَا قَبْلَهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْفَجْرِ لَيْسَ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُنْتَقَضُ بِالْخُرُوجِ عِنْدَهُ بَلْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا بِدُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّ الِانْتِقَاضَ عِنْدَهُ أَيْضًا بِالْخُرُوجِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: أُقِيم مَقَامَ الْأَدَاءِ) لِكَوْنِهِ مَحِلَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ انْتِفَاءِ الْحَاجَةِ بِالْخُرُوجِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَاقِضًا أَيْضًا عِنْدَهُ كَمَا يُنْتَقَضُ بِالدُّخُولِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ) وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي جَعَلَ خُرُوجَهُ أَوْ دُخُولَهُ نَاقِضًا لِلطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ الْفَرْضِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ. (قَوْلُهُ: يُصَلُّونَ بِهِ الْعَصْرَ فِي رِوَايَةٍ) فِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَجْعَلْهُ رِوَايَتَيْنِ بَلْ قَالَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ) خِلَافًا لِزُفَرَ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْحَدَثِ الطَّارِئِ) أَيْ الْعَارِضِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَا السَّابِقِ عَلَيْهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لِمَا عُرِفَ) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالطَّهَارَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ ظَهَرَ بَعْدَ الْخُرُوجِ وَالطَّهَارَةُ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ فَلَا تَرْفَعُهُ

صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ. وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى المرغينانية وَالْوَاقِعَاتِ وَالْحَاوِي وَجَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ وَالْمَنَافِعِ وَالْحَوَاشِي فَهَذِهِ عَامَّةُ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَرَاهُ، فَكَانَ هُوَ الْأَظْهَرُ حَتَّى لَوْ سَالَ دَمُهَا فِي بَعْضِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَ دَمُهَا فِيهِ أَعَادَتْ تِلْكَ الصَّلَاةَ لِعَدَمِ الِاسْتِيعَابِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى خَرَجَ لَا تُعِيدُهَا لِوُجُودِ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ. وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي جَانِبِ الِانْقِطَاعِ أَنَّ الْوُضُوءَ لَوْ كَانَ عَلَى السَّيَلَانِ وَالصَّلَاةَ عَلَى الِانْقِطَاعِ أَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهَا إنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ التَّامِّ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهَا الْإِعَادَةُ لِوُجُودِ الِانْقِطَاعِ التَّامِّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا صَلَّتْ صَلَاةَ الْمَعْذُورِينَ وَلَا عُذْرَ، ثَمَّ إنَّمَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ سَائِلٌ أَوْ سَالَ بَعْدَ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَائِلًا عِنْدَ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَسِلْ بَعْدَهُ فَلَا حَتَّى إذَا تَوَضَّأَتْ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ عَلَى وُضُوئِهَا لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَسِلْ أَوْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ السَّيَلَانُ بَعْدَهُ حَتَّى يُنْتَقَضَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَفِيهِ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ تُعِيدَ الْوُضُوءَ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ انْقِطَاعٌ نَاقِصٌ فَلَا يَمْنَعُ اتِّصَالَ الدَّمِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فَكَانَ كَالْمُسْتَمِرِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ وَاقِعٌ لِلسَّيَلَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ إذَا سَالَ فِي الْوَقْتِ وَالْوُضُوءُ الْوَاقِعُ لِلسَّيَلَانِ يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَجَوَابُهُ أَنَّ وُضُوءَهَا وُضُوءُ الطَّاهِرَاتِ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدَهُ حَدَثٌ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ مِثْلَ وُضُوءِ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ وَلَا يَرْفَعُ مَا بَعْدَهُ فَتَعَذَّرَ لِلْحَرَجِ فِي حَقِّ الْحَدَثِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْوُضُوءِ وَهِيَ إنَّمَا تُخَالِفُ الطَّاهِرَاتِ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً مَعْدُومًا حُكْمًا لِلْعُذْرِ وَفِيمَا قَالَهُ عِيسَى يَلْزَمُ جَعْلُ الْحَدَثِ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا وَهُوَ عَكْسُ الْمَشْرُوعِ وَلَوْ جَدَّدَتْ الْوُضُوءَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ انْتَقَضَ طَهَارَتُهَا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَتْ بَعْدَ السَّيَلَانِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ عِيسَى لَا يُنْتَقَضُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الثَّانِي، ثُمَّ إذَا أَصَابَ ثَوْبَ صَاحِبِ الْعُذْرِ نَجَسٌ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ مَرَّةً أُخْرَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَغْسِلْهُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا بِأَنْ كَانَ يُصِيبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَجْزَأَهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا وَقِيلَ إذَا أَصَابَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَغْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَفِي الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَقُولُ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فِي وَقْتِ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ) عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْكَافِي لَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ عَدَمُ خُلُوِّ كُلِّ جُزْءٍ عَنْ الْحَدَثِ بَلْ يُكْتَفَى بِعَدَمِ خُلُوِّ الْجُزْءِ الَّذِي يَسَعُهُ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ عَنْ الْحَدَثِ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الِاسْتِيعَابِ قَالَ قَارِئٌ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ خَطَّهُ نُقِلَتْ وَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي أَيْسَرُ لِأَنَّ الْعُذْرَ بِهِ مُتَحَقِّقٌ اهـ قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهَا إذْ قَلَّمَا يَسْتَمِرُّ كَمَالُ وَقْتٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ لَحْظَةً فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيٍ مُحَقَّقٍ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ وَقْتًا كَامِلًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ اهـ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَتَى قَدَرَ الْمَعْذُورُ عَلَى رَدِّ السَّيَلَانِ بِرِبَاطٍ أَوْ حَشْوٍ أَوْ كَانَ لَوْ جَلَسَ لَا يَسِيلُ وَلَوْ قَامَ سَالَ وَجَبَ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِرَدِّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ عُذْرٍ بِخِلَافِ الْحَائِضِ إذَا مَنَعَتْ الدُّرُورَ فَإِنَّهَا حَائِضٌ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا بِالْإِيمَاءِ إنْ سَالَ بِالْمَيَلَانِ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ لَهَا وُجُودٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ بِحَالِ حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى لَا يَسِيلُ وَجَبَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَمَا لَا تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ إلَّا ضَرُورَةً لَا تَجُوزُ مُسْتَلْقِيًا إلَّا لَهَا فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَ الْأَدَاءُ مَعَ الْحَدَثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ الْأَرْكَانِ وَلَوْ كَانَتْ بِهِ دَمَامِلُ أَوْ جُدَرِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَبَعْضُهَا سَائِلٌ، ثُمَّ سَالَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ سَائِلًا انْتَقَضَ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ فَصَارَ كَالْمَنْخِرَيْنِ،. وَمَسْأَلَةُ الْمَنْخِرَيْنِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ مَا إذَا سَالَ أَحَدُ مَنْخِرَيْهِ فَتَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِهِ وَصَلَّى، ثُمَّ سَالَ الْآخَرُ فِي الْوَقْتِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَوَاشِي) لِلْخَبَّازِيِّ لَمْ يَعْزُهُ فِي الْغَايَةِ لِغَيْرِ الذَّخِيرَةِ وَالْمَرغِينَانيَّةِ فَلَعَلَّهُ هُنَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَهُوَ اسْتِظْهَارُهُ بِبَقِيَّةِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ) فَلَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ مَعَ الْحَدَثِ اهـ يَحْيَى. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ) أَيْ الدَّمُ الْمُقَارِنُ لِلْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ لَمَّا اسْتَمَرَّ إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ الثَّانِي كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ الدَّمَ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ فِي جَانِبِ السَّيَلَانِ كَقَوْلِهِمْ فِي جَانِبِ الِانْقِطَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ إلَى آخِرِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُضُوءَهَا لِلسَّيَلَانِ بَلْ لِلطَّهَارَةِ كَوُضُوءِ سَائِرِ الطِّهَارَات وَإِنَّمَا لَمْ تَحْتَجْ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ لَوْ سَالَ الدَّمُ بَعْدَهُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، وَإِذَا كَانَ وُضُوءُهَا لِلطَّهَارَةِ لَمْ تُعِدْ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَكْسُ الْمَشْرُوعِ) قِيلَ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْمُؤْتَمِّ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، أَقُولُ مَنَاطُ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْعُذْرِ الْمُقْتَضِي لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ هُنَا فِي عَدَمِ إيجَابِ الْوُضُوءِ يَجْعَلُ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً فِي الْوَقْتِ كَلَا مَوْجُودٍ لَا فِي إيجَابِهِ يَجْعَلُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ كَالْمَوْجُودِ كَمَا أَنَّ التَّخْفِيفَ هُنَاكَ يَجْعَلُ غَيْرَ الْمَوْجُودِ كَالْمَوْجُودِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ) أَيْ فَيُنْتَقَضُ بِالدَّمِ السَّائِلِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَتْ بَعْدَ السَّيَلَانِ) فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِالسَّيَلَانِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ حَاجَةٍ. اهـ. .

[النفاس]

صَلَاةٍ مَرَّةً كَالْوُضُوءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَالنَّجَاسَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا يُعْفَى فَأُلْحِقَ الْكَثِيرُ بِالْقَلِيلِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنِّفَاسُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفَّسَ الرَّحِمُ بِالْوَلَدِ أَوْ مِنْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ أَوْ بِمَعْنَى الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ نَفْسٌ، وَكَذَا الدَّمُ يُسَمَّى نَفْسًا قَالَ الشَّاعِرُ تَسِيلُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ تَسِيلُ أَيْ دِمَاؤُنَا وَمِنْهُ قَوْلُ النَّخَعِيّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ إذَا مَاتَ فِيهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرُوا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ النِّفَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الدَّمُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَيْضِ وَفِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمُ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حَيْضٌ اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ بِأَنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَالنِّفَاسُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهِيَ حَامِلٌ بِالثَّانِي فَلَوْلَا أَنَّهَا تَحِيضُ لَمَا صَارَتْ نُفَسَاءَ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمُ رَحِمٍ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وُجُودَ الْحَيْضِ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَبَلِ حَيْثُ جَعَلَ الْحَيْضَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ وَمَا حَلَّتْ إلَّا لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَوْ جَازَ اجْتِمَاعُهُمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْحَيْضِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الْحَبَلِ وَلَمْ تَكُنْ حَلَالًا بِوُجُودِهِ احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْأَبْضَاعِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ رَفَعَ الْحَيْضَ عَنْ الْحُبْلَى وَجَعَلَ الدَّمَ رِزْقًا لِلْوَلَدِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ؛ وَلِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْحَبَلِ كَذَا الْعَادَةُ وَفِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَنْفَتِحُ فَمُهُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَتَنَفَّسَ بِالدَّمِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَإِنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ يَكُونُ نِفَاسًا، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَقَطَّعَ فِيهَا وَخَرَجَ أَكْثَرُهُ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَخُرُوجُ أَكْثَرِهِ كَخُرُوجِ كُلِّهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَكُونُ نِفَاسًا؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُمَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا قَالَا فِي التَّوْأَمَيْنِ وَفِي الْمُفِيدِ النِّفَاسُ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ أَقَلِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِخُرُوجِ أَكْثَرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدٌ) وَذَلِكَ مِثْلَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ فَتَكُونُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَيَحْنَثُ بِهِ لَوْ كَانَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِالْوِلَادَةِ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ سُرَّتِهَا لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ إلَّا إذَا سَالَ الدَّمُ مِنْ فَرْجِهَا لَكِنْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَيَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) أَيْ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَمَارَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ دَلِيلٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ النِّفَاس] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنِّفَاسُ دَمٌ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرُدَّ مَالًا تَكُونُ نُفَسَاءَ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يَعْقُبُ الْوَلَدَ) ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فَيُقَالُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا نُفَسَاءَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: النَّخَعِيّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُنَجِّسُ) وَفِي الصِّحَاحِ جَعَلَهُ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ الدَّمُ مَنْفُوسٌ فَتَسْمِيَتُهُ بِالنِّفَاسِ تَسْمِيَةٌ لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَدَمُ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَلَوْ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ: وَلَا حَائِضٍ) أَيْ وَلَا حَائِلِ كَذَا فِي مُسْوَدَّةِ الْمُصَنِّفِ اهـ قَالَ فِي مَشَارِعِ الشَّارِعِ وَمَا تَرَاهُ الْحَامِلُ لَا يَكُونُ حَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَا مَا تَرَاهُ حَالَ الطَّلْقِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَمَا خَرَجَ وَقْتَ خُرُوجِ الْوَلَدِ دَمُ نِفَاسٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْوَلَدِ أَوْ الرِّجْلُ وَأَكْثَرُ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ دَمَ نِفَاسٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَجُعِلَ الدَّمُ رِزْقًا لِلْوَلَدِ) يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ فَمُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ سُرَّتِهِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا ذَكَرَهُ) أَيْ الشَّافِعِيُّ. (قَوْلُهُ: بِخُرُوجِ الْوَلَدِ) جَعَلْنَا دَمَ الْحَامِلِ اسْتِحَاضَةً قَبْلَ انْفِتَاحِ فَمِ الرَّحِمِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَبَعْدَهُ لَيْسَ بِاسْتِحَاضَةٍ بَلْ نِفَاسٍ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَقَلُّهُ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ نُفَسَاءَ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ تَصِيرُ عَاصِيَةً، ثُمَّ كَيْفَ تُصَلِّي قَالُوا يُؤْتَى بِقِدْرٍ فَتَجْعَلُ الْقِدْرَ تَحْتَهَا وَتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتُصَلِّي كَيْ لَا تُؤْذِي وَلَدَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ مَا تَرَاهُ حَالَةَ الْوِلَادَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ اسْتِحَاضَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدًا) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُسَمَّى وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ وَلَا يُعْتَقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مُسْتَبِينٌ أَمْ لَا بِأَنْ أُسْقِطَتْ فِي الْمَخْرَجِ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ وَصَاحِبَةُ عَادَةٍ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ عَشَرَةً وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ فَنَقُولُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ هِيَ نُفَسَاءُ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبِنْ لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ وَيَكُونُ عَشَرَةٌ عَقِيبَ الْإِسْقَاطِ حَيْضًا إذَا وَافَقَ عَادَتَهَا أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ فَتَتْرُكُ هِيَ الصَّلَاةَ عَقِيبَ الْإِسْقَاطِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِالشَّكِّ، ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَمَامِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ طُهْرُهَا عِشْرِينَ وَحَيْضُهَا عَشَرَةً وَذَلِكَ دَأْبُهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ كَيْ لَا تَسْتَبِينَ الْخِلْقَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّةُ النُّطْفَةِ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّةُ الْعَلَقَةِ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّةُ الْمُضْغَةِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ) فَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا بِأَنْ امْتَدَّ جُعِلَ إيَّاهُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ) أَيْ إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَيَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ) أَيْ وَتَصِيرُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ بِالدَّمِ السَّائِلِ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ.

[مدة النفاس]

أَنَّهُ مِنْهُ وَدَمُ الرَّحِمِ يَمْتَدُّ عَادَةً فَجَعَلَ الِامْتِدَادَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تُرِدْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ النَّفْسِ نِفَاسٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْوَلَدِ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَقَلَّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دُونَهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا بَلْ مُرَادُهُ إذَا وَقَعَتْ حَاجَةٌ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ نَصَبَ لَهَا دُونَ ذَلِكَ أَدَّى إلَى نَقْصِ الْعَادَةِ عِنْدَ عَوْدِ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فِيهِ لَا يَفْصِلُ طَالَ الطُّهْرُ أَوْ قَصُرَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ إلَّا سَاعَتَيْنِ طُهْرًا، ثُمَّ سَاعَةً دَمًا كَانَ الْأَرْبَعُونَ كُلُّهُ نِفَاسًا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَكُونُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالثَّانِي حَيْضًا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا كَانَ اسْتِحَاضَةً وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةً بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ قَدَّرَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا لِقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ بِهِ اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَنَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» وَقَالَتْ أَيْضًا «كَانَتْ النِّسَاءُ يَجْلِسْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ بِالسِّتِّينَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ قُلْنَا مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ الشَّهْرَيْنِ نِفَاسٌ بَلْ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي إسْقَاطِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَنْهَا وَتَحْرِيمِ وَطْئِهَا عَلَى الزَّوْجِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ إلَّا حِكَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نِفَاسٌ حُجَّةٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ نَفْسُهُ بَلْ مَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا مِنْ وِلَادَةِ الْجَارِيَةِ وَمِنْ الْغُلَامِ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَعَنْهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ أَيْ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ اسْتِحَاضَةٌ لِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْمَقَادِيرِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ الْمُبْتَدَأَةِ، وَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ دَمُهَا مِنْ الرَّحِمِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا، وَكَذَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ النِّفَاسِ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نِفَاسَيْنِ بِلَا طُهْرٍ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَ لِتَمَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْأَوَّلِ وَجَبَ نِفَاسٌ آخَرُ لِلْوَلَدِ الثَّانِي وَلَهُمَا أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَصَارَ كَالدَّمِ الْخَارِجِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجَدُ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مُدَّة النِّفَاس] قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ) أَيْ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَخْلُو ظَاهِرًا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْمُبْتَغَى وَبِوِلَادَتِهَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَزِمَهَا الْغُسْلُ فَقَدْ جَعَلَ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَعَلَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي حَقِّ الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) بَيَانُهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ الْأَقَلُّ بِمُدَّةٍ فَيُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ عُرْفًا وَهُوَ سَاعَةٌ وَالْبَاقِي لِثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ. . اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ يَسْتَوِي مَا إذَا كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالطُّهْرِ فَلَا؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى ذَلِكَ وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ عَادَتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَطَهُرَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ تَمَامَ عَادَتِهَا فَصَلَّتْ وَصَامَتْ، ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ ذُكِرَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَجْزِيهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَقِيمُ فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ كَمَا يَرَى خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ فَيُمْكِنُ جَعْلُ الثَّلَاثِينَ نِفَاسًا لَهَا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ خَتْمُهَا بِالطُّهْرِ وَمُحَمَّدٌ لَا يَرَى خَتْمَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ بِالطُّهْرِ فَنِفَاسُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَهُ عِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ

[باب الأنجاس]

وَانْفِتَاحُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّفَاسَيْنِ مُتَوَالِيَانِ بَلْ النِّفَاسُ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ، ثُمَّ شَرْطُ التَّوْأَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى لَا يُمْكِنَ عُلُوقُ الثَّانِي مِنْ وَطْءٍ حَادِثٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَلِكَ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَمْلًا وَاحِدًا. (بَابُ الْأَنْجَاسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَطْهُرُ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ بِالْمَاءِ وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَسِ وَالثَّانِي فِيمَا يَطْهُرُ بِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ فَطَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ وَمَا نُقِلَ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ لَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ اللُّغَةِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» «وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ بَلْ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَا غَيْرُ، وَلَنَا الْعُمُومَاتُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّضْحِ وَالصَّبِّ الْمُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَذْيِ «تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَك» وَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الْغُسْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْفِتَاحُ الرَّحِمِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنْ يُجْعَلَ حَمْلًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الثَّالِثَ مِنْ عُلُوقِ الثَّانِي وَهُوَ مِنْ عُلُوقِ الْأَوَّلِ. اهـ. يَحْيَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَنْجَاسِ] جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا لِكُلِّ مُسْتَقْذَرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَابُ الْأَنْجَاسِ الْحَقِيقِيَّةِ تَعْيِينًا لِلْمُرَادِ لَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحُكْمِيِّ كَانَ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْحَقِيقِيُّ يَحْيَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمَائِعٍ) أَيْ مَائِعٍ طَاهِرٍ اهـ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَاجِبٌ) أَيْ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ وَبِمَا إذَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ مَا هُوَ أَشَدُّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهَا إلَّا بِإِبْدَاءِ عَوْرَتِهِ لِلنَّاسِ يُصَلِّي مَعَهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ فَلَوْ أَبْدَاهَا لِلْإِزَالَةِ فَسَقَ إذْ مَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَحْظُورَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ أَهْوَنَهُمَا أَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَقَطْ إنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ لَا الْحَدَثِ لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ لَا؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ وَلَا لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى الْأَخَفِّ حَتَّى يُرَدَّ إشْكَالًا كَمَا قَالَهُ حَمَّادٌ حَتَّى أَوْجَبَ صَرْفَهُ إلَى الْحَدَثِ وَقَوْلُنَا لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ هُوَ لِيَقَعَ تَيَمُّمُهُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ صَرْفِهِ إلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ إلَيْهَا فَكَانَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْحَدَثِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِزَالَةِ لِخَفَاءِ خُصُوصِ الْمَحِلِّ الْمُصَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَنَجُّسِ الثَّوْبِ قِيلَ الْوَاجِبُ غَسْلُ طَرَفٍ مِنْهُ فَإِنْ غَسَلَهُ بِتَحَرٍّ أَوْ بِلَا تَحَرٍّ طَهُرَ وَذِكْرُ الْوَجْهِ يُبَيِّنُ أَنْ لَا أَثَرَ لِلتَّحَرِّي وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي قِيَامِ النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْسُولِ مَحِلَّهَا فَلَا يُقْضَى بِالنَّجَاسَةِ بِالشَّكِّ كَذَا أَوْرَدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ وَسَمِعْت الشَّيْخَ الْإِمَامَ تَاجَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ وَيَقِيسُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هِيَ إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا وَفِيهِمْ ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِيَقِينٍ فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي لِلشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، كَذَا هُنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّعْلِيلِ فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفٍ آخَرَ يَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الثَّوْبُ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَدْرِي مَكَانَهَا يُغْسَلُ كُلُّهُ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ وَذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ عِنْدِي فَإِنْ غُسِلَ طَرَفٌ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْيَقِينِ بِنَجَاسَتِهِ قَبْلُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْإِزَالَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ قِيَامِ النَّجَاسَةِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْمُتَيَقَّنَ قَبْلَهُ وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ وَالرِّجْلِ الْمَخْرَجَ هُوَ مَكَانُ النَّجَاسَةِ وَالْمَعْصُومُ الدَّمُ يُوجِبُ أَلْبَتَّةَ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةَ دَمِ الْبَاقِينَ وَمِنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ مَشْكُوكًا فِيهِ ارْتِفَاعُ الْيَقِينِ عَنْ تَنَجُّسِهِ وَمَعْصُومِيَّتُهُ، وَإِذَا صَارَ مَشْكُوكًا فِي نَجَاسَتِهِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ مَعْنَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِتَصَوُّرِ ثُبُوتِ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ الْيَقِينُ فَمِنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ الْيَقِينِ السَّابِقِ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَقَتْلُ الْبَاقِي وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: ثُمَّ اغْسِلِيهِ) وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطْهِيرِ الْعَصِيرُ وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَتُّ الْقَشْرُ بِالْيَدِ أَوْ الْعُودِ وَالْقَرْصُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ اهـ وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُتِّيهِ أَمْرٌ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ لِكَوْنِهِ نَجِسًا فَيُلْحَقُ كُلُّ نَجِسٍ بِهِ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: «وَنَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ») أَيْ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ اهـ

اتِّفَاقًا؛ وَلِأَنَّ النَّضْحَ كَثْرَةُ الصَّبِّ وَمِنْهُ النَّاضِحُ لِلْجَمَلِ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ بِهِ الْمَاءُ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ أَنَّ بَوْلَ الْجَارِيَةِ أَثْخَنُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ضَعِيفٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ثَخِينِ النَّجَاسَةِ وَرَقِيقِهَا فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا بِالْغُسْلِ وَهَذَا الْمُدَّعَى بِنَفْسِهِ تَحَكُّمٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَمَدُ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَالْبَلْوَى بِهِ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ غَسْلُ ثِيَابِ النِّسَاءِ مِنْ بَوْلِهَا لِكَوْنِ الِابْتِلَاءِ بِهِ أَشَدَّ فِي حَقِّهِنَّ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِحَمْلِهَا وَمُشَارَكَةِ الرِّجَالِ فِي حَمْلِ الصَّبِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَبَيَّنُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَلَقَدْ أَنْصَفَ فِيمَا قَالَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا يَطْهُرُ بِهِ النَّجَسُ فَبِكُلِّ مَائِعٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِهِ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَالْمُتَنَجِّسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلنَّصِّ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْمَاءِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَفِي الْمَاءِ ضَرُورَةٌ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفُرِهَا أَيْ حَكَّتْهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الطَّهَارَةَ كَالْمَاءِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْلَعُ لَهَا؛ وَلِأَنَّا نُشَاهِدُ وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَائِعَ يُزِيلُ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ بِهِ وَالنَّجَاسَةُ مُتَنَاهِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُتَنَاهِيَةٍ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاؤُهَا بَقِيَ الْمَحِلُّ طَاهِرًا لِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّنَجُّسِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَاءِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ»؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إجْمَاعًا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ تَطْهِيرَ الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ يَجِبُ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ فَلَا يَزُولُ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَالْحَدَثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الدُّهْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَكَذَا الدِّبْسُ وَاللَّبَنُ وَالْعَصِيرُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ غَسَلَ الدَّمَ مِنْ الثَّوْبِ بِدُهْنٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ حَتَّى ذَهَبَ أَثَرُهُ جَازَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجَسٍ ذِي جِرْمٍ) أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ بِالدَّلْكِ إذَا تَنَجَّسَ بِنَجَسٍ ذِي جِرْمٍ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْجَفَافُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ رَأَى بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ»؛ وَلِأَنَّ الْبَلْوَى الْعَامَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْجَفَافِ إذْ يَلْحَقُهُمْ بِذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُ زَوَالُ الرَّائِحَةِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْجَفَافِ إذْ الْمَسْحُ يُكْثِرُهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ؛ وَزُفَرُ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ رُطُوبَتَهَا تَتَدَاخَلُ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ رُطُوبَتُهَا دُونَ جِرْمِهَا وَكَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا فِي الْمَاءِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَشَى وَرِجْلُهُ مُبْتَلَّةٌ عَلَى أَرْضٍ أَوْ لِبْدٍ نَجِسٍ جَافٍّ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ وَظَهَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي رِجْلِهِ يَتَنَجَّسُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت يَجِبُ حَمْلُ الرُّطُوبَةِ عَلَى الْبَلَلِ لَا النَّدَاوَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا إذَا لَفَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ الرَّطْبَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ الْجَافِّ فَظَهَرَتْ فِيهِ نَدْوَةٌ وَلَمْ يَصِرْ بِحَيْثُ يَقْطُرُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا عُصِرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجِسِ الرَّطْبِ فَتَنَدَّى وَلَيْسَ بِحَيْثُ يَقْطُرُ إذَا عُصِرَ الْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بَلُّ الثَّوْبِ وَعَصْرُهُ بِنَبْعِ رُءُوسٍ صِغَارٍ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ لِيَتَّصِل بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تَقِرُّ فِي مَوَاضِعِ نَبْعِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حَلَّ الثَّوْبُ وَيَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُخَالِطِ فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْأَمْرِ لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: لِلنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْدَفِعُ بِالْمَاءِ اهـ قُلْنَا إنَّمَا الْمَاءُ طَهُورٌ بِالنَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُزِيلُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَثَرُهُ لَا أَنَّهُ مُبَدِّلٌ حُكْمَ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ وَغَيْرُ الْمَاءِ يُشَاكِلُهُ فِي الْإِزَالَةِ أَوْ أَقْوَى إذْ الْخَلُّ أَقْلَعَ لِلنَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْبَوْلَ وَالدُّسُومَةَ فَأُلْحِقَ حِينَئِذٍ بِهِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِالْمَاءِ) لِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْبَدَنِ نَظِيرَ الْحَدَثِ إذْ فِي نَظِيرِهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ. اهـ. رَازِيٌّ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ وَالْمَاءُ أَدْخَلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ وَعَنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ تُفَرَّعُ طَهَارَةُ الثَّدْيِ إذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ ثُمَّ رَضِعَهُ حَتَّى زَالَ أَثَرُ الْقَيْءِ، وَكَذَا إذَا لَحِسَ أُصْبُعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ بِهَا حَتَّى يَذْهَبَ الْأَثَرُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا، ثُمَّ تَرَدَّدَ رِيقُهُ فِي فِيهِ مِرَارًا طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّى صَحَّتْ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ كَمَا قَالَ قَاضِيخَانْ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنٍ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ يَطْهُرُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا عَلَى بَدَنِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الدُّهْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَمَّا قَيَّدَ الْمَائِعَ بِالْمُزِيلِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُزِيلِ بِقَوْلِهِ لَا الدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُزِيلٍ لِتَلَوُّثِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجِسٍ ذِي جِرْمٍ) وَالْخُفُّ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْبَدَن أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ الْمُتَنَجِّسُ وَالنَّعْلُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْبَاءُ فِي بِالدَّلْكِ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَطْهُرُ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِنَجِسٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنْ الْخُفِّ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَنَجِّسًا بِنَجِسٍ ذِي جِرْمٍ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: جِرْمٌ) أَيْ جُثَّةٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَيْ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخُفُّ بَعْدَ جَفَافِ نَجَاسَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: إذْ الْمَسْحُ يُكْثِرُهُ) أَيْ قَبْلَ الْجَفَافِ اهـ

فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَكَالنَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ الَّتِي لَا جِرْمَ لَهَا بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ حَتَّى اكْتَفَى بِهِ فِي الثَّوْبِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ صَلْبٌ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ جِرْمِ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تَتَدَاخَلُهُ رُطُوبَتُهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ أَوْ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَسْحِ إلَّا قَلِيلٌ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ فَصَارَ كَالسَّيْفِ وَالْحَدِيدِ الصَّقِيلِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَخَلْخِلَانِ فَيَتَدَاخَلُهُمَا أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ وَبِخِلَافِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ لِينَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَمَا بِهِ مِنْ الْعَرَقِ يَمْنَعُ مِنْ الْجَفَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِرْمٌ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَتَشَرَّبُ فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقِيلَ: إذَا مَشَى عَلَى الرَّمْلِ أَوْ التُّرَابِ فَالْتَصَقَ بِالْخُفِّ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمْلًا أَوْ رَمَادًا فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجِرْمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ جِرْمٌ وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِجِرْمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَنِيِّ آدَمِيٍّ يَابِسٍ بِالْفَرْكِ، وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ إذَا تَنَجَّسَ الْخُفُّ أَوْ الثَّوْبُ بِمَنِيٍّ وَيَبِسَ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَابِسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَنِيُّ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «قَالَتْ كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي» وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَمَا اكْتَفَى بِالْفَرْكِ فِيهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحِيهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ»؛ وَلِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ الْبَشَرِ فَصَارَ كَالطِّينِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كُنْت أَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ وَعَدَّ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ إنْ رَأَيْته فَاغْسِلْهُ، وَإِلَّا فَاغْسِلْ الثَّوْبَ كُلَّهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ؛ وَلِأَنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ بِالنُّضْجِ مِنْ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْوِقَاعُ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ يُخْرِجُ دَمًا أَحْمَرَ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْسِلِيهِ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ يَابِسًا»؛ وَلِأَنَّهُ لَزِجٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ أَجْزَاؤُهُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ أَوْ يَقِلُّ وَالْقَلِيلُ مَعْفُوٌّ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْإِمَاطَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَلِيلًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْغَسْلِ وَتَشْبِيهُهُ بِالْمُخَاطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْظَرِ فِي الْبَشَاعَةِ لَا فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ» مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آكَدُ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ مِنْ خَبَرِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَتَشَبَّثَ بِثِيَابِهِ وَتُشْغِلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ هَيَّأْت لَهُ الطَّعَامَ وَهُوَ يَأْكُلُ أَيْ يَأْكُلُ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ مِنْ النَّجَسِ، ثُمَّ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الطَّاهِرُ كَاللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّمِ وَهُوَ أَصْلُهُ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يُخْلَقُ مِنْهُمَا الْبَشَرُ وَإِنْ كَانَا نَجِسَيْنِ. ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا لَوْ خَرَجَ الْمَذْيُ أَوَّلًا، ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يُمْذِي، ثُمَّ يُمْنِي وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْسِ ذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عِنْدِي أَنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ وَلَمْ يَنْتَشِرْ عَلَى رَأْسِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ الذَّكَرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَمُرُورُ الْمَنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَشَرَ عَلَى رَأْسِ الْإِحْلِيلِ حَيْثُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي خَارِجَ الْإِحْلِيلِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ حَتَّى لَوْ بَالَ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْبَوْلُ ثُقْبَ الْإِحْلِيلِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَنِيُّ شَيْئًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَى الْبِطَانَةِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِالدَّلْكِ بِلَا غَسْلٍ اهـ. (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ) أَيْ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا خُفًّا كَانَ أَوْ ثَوْبًا أَيْ بِالْغَسْلِ لَا بِالدَّلْكِ قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الدَّلْكَ حِينَئِذٍ يَزِيدُهُ انْتِشَارًا أَوْ تَلَوُّثًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ أَعْنِي اعْتَبَرَهُ مُسْتَهْلِكًا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَرْكِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتَطْهِيرُ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ رَخْوَةً بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ صَلْبَةً قَالُوا يُصَبُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ تُنَشَّفُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَإِنْ صَبَّ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى تَصَرَّفَتْ النَّجَاسَةُ وَلَمْ يَبْقَ رِيحُهَا وَلَا لَوْنُهَا وَتُرِكَتْ حَتَّى جَفَّتْ طَهُرَتْ اهـ

الْمَنِيُّ غَلِيظًا فَجَفَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَأَسْفَلُهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ الْبِلَّةُ دُونَ الْجِرْمِ، ثُمَّ إذَا فُرِكَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا وَفِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ بِالْفَرْكِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ عَادَ نَجِسًا عِنْدَهُ وَلَا يَعُودُ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَخَوَاتٌ مِنْهَا أَنَّ الْخُفَّ إذَا أَصَابَهُ نَجَسٌ وَدَلَّكَهُ، ثُمَّ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَمِنْهَا الْأَرْضُ إذَا أَصَابَهَا نَجَاسَةٌ وَذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهَا الْمَاءُ وَمِنْهَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ بِالشَّمْسِ أَوْ التَّتْرِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الدَّبَّاغِ الْحُكْمِيِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَمِنْهَا الْبِئْرُ إذَا وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ، ثُمَّ عَادَ فَكُلُّهَا تُحْكَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ الْمَنِيُّ إذَا أَصَابَ الْبَدَنَ لَا يَجْزِي فِيهِ الْفَرْكُ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِرُطُوبَةِ الْبَدَنِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي حَقِّهِ أَشَدُّ وَعَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَحْوُ السَّيْفِ بِالْمَسْحِ) أَيْ نَحْوُ السَّيْفِ مِنْ الْحَدِيدِ الصَّقِيلِ كَالْمِرْآةِ وَالسِّكِّينِ إذَا تَنَجَّسَ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ لِمَا صَحَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ، ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُفْسِدُهَا فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَلَا بَيْنَ مَا لَهُ جِرْمٌ وَمَا لَا جِرْمَ لَهُ، ثُمَّ قِيلَ يَطْهُرُ حَقِيقَةً فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ قَطَعَ بِهِ الْبِطِّيخَ أَوْ اللَّحْمَ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَقِيلَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ وَلَا يَطْهُرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَقِيلًا حَتَّى لَوْ كَانَ خَشِنًا أَوْ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ) أَيْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ مِنْ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالطَّعْمِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دُونَ التَّيَمُّمِ، أَمَّا طَهَارَتُهَا بِالْيُبْسِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ كُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا أَبِيت فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالْجَفَافِ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ مِنْ طَبْعِهَا أَنْ تُحِيلَ الْأَشْيَاءَ وَتُنْقِلَهَا إلَى طَبْعِهَا فَتَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ فَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْأَرْضِ فِيهِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ ثَبَتَا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّيَانِ بِمَسْحِ الْأُذُنِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْحَطِيمِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأُذُنِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَقِلُّ بِالْجَفَافِ وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ يَمْنَعُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْبِئْرُ إذَا وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ، ثُمَّ عَادَ فَكُلُّهَا تُحْكَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرُهُ كَوْنُ الظَّاهِرِ النَّجَاسَةَ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا اخْتَارَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْكُلِّ إذْ لَا صُنْعَ فِيهَا أَصْلًا لِيَكُونَ تَطْهِيرًا؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ شَرْعًا بِالْجَفَافِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ مَعْنَى الزَّكَاةِ فِي الْآثَارِ وَمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ الطَّاهِرَ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجُسَ عَلَى مَا قَالُوهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ عَلَى رِوَايَةٍ وَالْجَوَازُ بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا لِطَهَارَتِهِ فَعَنْهُ أَخَذُوا كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَقِيقٌ) أَيْ فَيُلْحَقُ بِنَجَسٍ لَا جِرْمَ لَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ مَعَهَا) وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ عَلَى ظُفُرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ يَعْنِي الْمَدْهُونَةَ وَالْخَشَبَ الْخَرَّاطِيِّ وَالْبُورِيَّا الْقَصَب. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْأَرْض بِالْيُبْسِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ أَوْ الرِّيحِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَذَهَابِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْيُبْسِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: دُونَ التَّيَمُّمِ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ اخْتَصَّ لِلْإِزَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا وَالزَّكَاةُ الطَّهَارَةُ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الطُّهُورِيَّةَ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ دُونَ الطُّهُورِيَّةِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَزَبًا) رَجُلٌ عَزَبٌ بِالتَّحْرِيكِ لَا زَوْجَ لَهُ. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) فَلَوْلَا اعْتِبَارُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ كَانَ ذَلِكَ تَبْقِيَةً لَهَا بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ صِغَرِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مَنْ يَتَخَلَّفُ لِلصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ وَكَوْنِ ذَلِكَ يَكُونُ فِي بِقَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفِيدُ تَكَرُّرَ الْكَائِنِ مِنْهَا وَلِأَنَّ تَبْقِيَتَهَا نَجِسَةً يُنَافِي الْأَمْرَ بِتَطْهِيرِهَا فَوَجَبَ كَوْنُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِخِلَافِ «أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِهْرَاقِ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ»؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَارًا وَالصَّلَاةُ فِيهِ تَتَتَابَعُ نَهَارًا، وَقَدْ لَا يَجِفُّ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهَا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ مُدَّةِ اللَّيْلِ أَوْ لِأَنَّ الْوَقْتَ إذْ ذَاكَ قَدْ آنَ أَوَانُهُ إذْ ذَاكَ أَكْمَلُ الطَّهَارَتَيْنِ لِلتَّيَسُّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ صَبَّ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَجُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَلَوْ كَبَسَهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابِ هُوَ الْقَطْعُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا دُونَ الطَّهَارَةِ الْقَطْعِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا قَطْعًا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ إقَامَةَ التَّكَالِيفِ تُبْتَنَى عَلَى الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَطَّلِعُ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ مَثَلًا الْمُصَلِّي يُكَلَّفُ بِالْوُضُوءِ بِمَا هُوَ طَاهِرٌ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَكِّيًّا. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ طَاهِرًا لَا أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ بِالْكِتَابِ مَقْطُوعًا بِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا ظَنًّا، وَكَذَا فِي إخْوَتِهِ بِتَوَجُّهِ هَذَا النَّظَرِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. .

التَّيَمُّمِ دُونَ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نُقْطَةً مِنْ الدَّمِ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ مَنَعَتْ مِنْ التَّطَهُّرِ بِهِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الصَّعِيدِ وَطَهُورِيَّتُهُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الْمَكَانِ لَا غَيْرُ وَبِالْخَبَرِ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ دُونَ الطَّهُورِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَفَا قَدْرَ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ كَكَثِيرِهَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ بِتَطْهِيرِهَا لَمْ تَفْصِلْ إلَّا أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ خَارِجٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ كَالذُّبَابِ يَقَعُ عَلَى النَّجَسِ، ثُمَّ عَلَى الثِّيَابِ، وَكَذَا مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ خَارِجٌ عَنْهَا لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ إجْمَاعًا فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ مُقَدَّرٌ بِهِ قَالَ النَّخَعِيّ اسْتَقْبَحُوا ذِكْرَ الْمَقْعَدَةِ فِي مَحَافِلِهِمْ فَكَنَّوْهَا بِالدِّرْهَمِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْمُقْعَدَةَ وَغَيْرَهَا فَيُعْفَى لِلْحَرَجِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الدِّرْهَمِ فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَوَفَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِذِكْرِ الْعَرْضِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ وَبِذِكْرِ الْوَزْنِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَجْسَدَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ يُعْتَبَرُ بِدِرْهَمٍ زَمَانُهُ وَقَدْ قَالُوا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ دُهْنٌ نَجِسٌ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ ازْدَادَ حَتَّى صَارَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَصَلَّى فِيهِ فَالْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَرْغِينَانِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ وَالْفَرَسِ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ) أَيْ عُفِيَ مَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَلِلرُّبْعِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي الْأَحْكَامِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِ فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ وَقِيلَ رُبْعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ) وَالْمُرَادُ بِالدَّمِ غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ إذَا قُطِعَ فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجِسًا، وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَقَدْ جَاوَرَ الدَّمَ وَالشَّيْءُ يَنْجُسُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْبَاقِي أَنَّهُ مَعْفُوٌّ فِي الْأَكْلِ لَا الثَّوْبِ وَغَيْرُ دَمِ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ الشَّهِيدِ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَعَيْنُ الْمِسْكِ قَالُوا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَوْنِهِ دَمًا وَلَمْ أَرَ لَهُ تَعْلِيلًا وَذَاكَرْت بَعْضَ الْإِخْوَانِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ فِي الزَّبَادِ فَقُلْت لَهُ يُقَالُ أَنَّهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَقَالَ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ إلَى صَلَاحٍ كَالظَّبْيَةِ يَخْرُجُ عَنْ النَّجَاسَةِ كَالْمِسْكِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيِ) وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا شَيْخُهُ السِّيرَامِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ لِذِي ظِلْفٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَخْثَاءَ وَخَثِيٍّ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]. (قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهَيْهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ فِيهِمَا مُتَّحِدَةً ثَمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَّامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هَذَا وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الدِّرْهَمِ الَّذِي تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ مَشَى عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَتَعَدَّدَتْ النَّجَاسَةُ وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ فَإِنَّ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ فَاصِلًا فَاعْتُبِرَ كُلُّ جَانِبٍ فِي نَفْسِهِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَنَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ حَيْثُ لَوْ ضُمَّ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْآخَرِ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ هَلْ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ مَنَعَ أَوْ ذَا طَاقٍ وَاحِدٍ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكُلَّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. . (فَرْعٌ) يَحْفَظُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَنْ انْتَهَى إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهُوَ يَخْشَى أَنَّهُ إنْ غَسَلَهُ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَغْسِلُهُ لِأَنَّ غَسْلَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ وَمَتَى دَخَلَ الْجَمَاعَةَ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ. اهـ. . وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَا نَصُّهُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ لِأَنَّ قَطْعَ الصَّلَاةِ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ) أَيْ أَيُّ ثَوْبٍ كَانَ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرَسُ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ شَامِلًا اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَابِ. اهـ. فَتْحٌ

النَّجَاسَةُ كَالذَّيْلِ وَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَعَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ وَمِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَدَمَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَحُدَّ لِذَلِكَ حَدًّا، وَقَالَ: إنَّ الْفَاحِشَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْغَلِيظَةُ مَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ بِنَصٍّ لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُهُ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَعَارُضُ نَصَّيْنِ. وَالْخَفِيفَةُ مَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَكَانَ الْأَخْذُ بِالنَّجَاسَةِ أَوْلَى لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ مِثْلَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَخَبَرِ الْعُرَنِيِّينَ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ فَخَفَّ حُكْمُهُ لِلتَّعَارُضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الرَّوْثِ وَالْخِثْي وَالْبَعْرِ وَنَحْوِهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُغَلَّظَةٌ؛ لِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ «أَنَّهُ أَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ وَعِنْدَهُمَا مُخَفَّفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّوْثَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ حِينَ كَانَ بِالرَّيِّ مَعَ الْخَلِيفَةِ فَرَأَى الطُّرُقَ وَالْخَانَاتِ مَمْلُوءَةً بِهَا وَلِلنَّاسِ فِيهَا بَلْوَى عَظِيمَةٌ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى؛ لِأَنَّ مَمْشَى النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَاحِدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ إلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَصَابَهُ عَذِرَةٌ حَتَّى قَالَ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَفِي الرَّوْثِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلْكِ عِنْدَهُ لِمَا قُلْنَا. وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِكَرَامَتِهِ كَلَحْمِ الْآدَمِيِّ فَصَارَ مُخَفَّفًا؛ لِأَنَّهُ بَوْلُ بَهَائِمَ طَاهِرَةِ اللَّحْمِ فَيَكُونُ التَّعَارُضُ فِيهِ مَوْجُودًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَأْكُولٌ فَيَكُونُ بَوْلُهُ مُخَفَّفًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً، وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّخْفِيفِ أَيْضًا فَحَصَلَ لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَلِمُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مُغَلَّظَةٌ وَجْهُ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ نَتِنٌ وَخَبَثٌ رَائِحَةً وَلَا يُنَحَّى شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ عَنْ الْمَسَاجِدِ فَعِلْمنَا أَنَّ خَرْءَ جَمِيعِ الطُّيُورِ طَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ) وَالْأَوْجَهُ إنْكَالُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى إنْ اسْتَفْحَشَهُ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ: اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعْدِيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قِيلَ أَنَّ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ عِنْدَهُ كَبَوْلِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ تُعْتَبَرُ إذَا تَحَقَّقَتْ لِلنَّصِّ النَّافِي لِلْحَرَجِ وَهُوَ لَيْسَ مُعَارَضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَالْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي الِانْتِضَاحِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ لَا فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَغْلَبِيَّةِ عُسْرِ الِانْفِكَاكِ وَذَلِكَ إنْ تَحَقَّقَ فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فَكَمَا قُلْنَا وَقَدْ رَتَّبْنَا مُقْتَضَاهُ إذْ قَدْ أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ اهـ. {فَرْعٌ} قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةُ وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ رَأَى عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ اشْتَغَلَ بِغَسْلٍ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مُفِيدٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى كَلَامِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَار لَا يُفِيدُ قَالُوا وَمَشَايِخُنَا قَاسُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ فِيهِ لَوْنُ الدَّمِ فَهُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَهُمَا طَاهِرٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَاءُ فَمِ الْمَيِّتِ قِيلَ: إنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَهُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَلْغَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ حَالَةَ النَّوْمِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَيْفَمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ) نَصُّ جَوَازِ أَكْلِهِ وَنَصُّ النَّهْيِ عَنْهُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) الْوَاقِعُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَحَصَّلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ خَفِيفٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ غَلِيظٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ غَلِيظٌ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. فَتْحٌ

حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَوَجْهُ التَّغْلِيظِ أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ إصَابَتُهُ وَقَدْ غَيَّرَهُ طَبْعُ الْحَيَوَانِ إلَى خَبَثٍ وَنَتِنٍ فَصَارَ كَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا مَرَّ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَوَجْهُ التَّخْفِيفِ عُمُومُ الْبَلْوَى وَالضَّرُورَةِ وَهِيَ تُوجِبُ التَّخْفِيفَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَيْ عُفِيَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَدَمُ السَّمَكِ إلَى آخِرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ دَمَ السَّمَكِ وَلُعَابَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْفُوًّا وَالْعَفْوُ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحِشٌ يَكُونُ نَجِسًا مُغَلَّظًا وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالتَّغْلِيظِ مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَلِهَذَا اكْتَفَى مُحَمَّدٌ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ أَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ بِهَا فَلَا يَكُونُ دَمًا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْأَسْآرِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ الْمُنْتَضِحُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَمَعْفُوٌّ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ حَقِيقَةً قُلْنَا: لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَقَوْلُهُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحِلِّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ إذَا عَصَرَهُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ لَمْ تُغْسَلْ قَطُّ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا مَا يَشُقُّ) أَيْ إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا بَيِّنًا فَإِنَّ مَنْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءَ نَجِسٍ لَا يَزُولُ لَوْنُهُ بِالْغَسْلِ وَفِي قَطْعِهِمَا حَرَجٌ ظَاهِرٌ لَا يَلِيقُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَتَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ لِإِزَالَتِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الْمُعَدَّةَ لِقَطْعِ النَّجَاسَةِ الْمَاءُ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ فَلَا يُكَلَّفُ بِالْمُعَالَجَةِ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَالْعَصْرِ كُلَّ مَرَّةٍ) أَيْ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهُ غَالِبًا وَلِهَذَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ فِيهِ بَلْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ غَيْرِهِمَا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَخَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَدَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَقُلْنَا بِخِفَّتِهِ لِذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَمَّا لَوْ انْتَضَحَ مِثْلُ رُءُوسٍ الْمِسَلَّةِ يَمْنَعُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْجَانِبِ الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتَبِرُ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا أَصَابَهُ مَا يَكْثُرُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْحِمَارُ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُحَرَّرْ إذْ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَا تَصَوَّرَ لَنَا سُؤْرٌ مَشْكُوكٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ خَالَطَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ طَاهِرٌ لَمْ يُغَيِّرْ لَهُ وَصْفًا فَمِنْ أَيْنَ يَجِيءُ الشَّكُّ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) أَيْ وَأَثَرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحِلِّ بِمُجَاوَرَةِ الْعَيْنِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّهُ مَأْمُورٌ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ وَلِذَا كَانَ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَكَانَ حُكْمُهُ الْوُجُوبَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ) أَيْ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِالنِّيلِ أَوْ الْعُصْفُرِ النَّجِسِ فَغَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ وَلَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَإِنْ لَحِسَهُ بِلِسَانِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَلْقَى بُزَاقَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَهُرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الطِّفْلُ إذَا قَاءَ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ امْتَصَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ») أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ إذَا طَهُرْت فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ. (قَوْلُهُ: بِحِنَّاءَ نَجِسٍ) فَغُسِلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ وَقِيلَ يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ قَالَ فَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدُّهْنِ يَنْجُسُ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَعْلُوَا الدُّهْنُ فَيَرْفَعُهُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ كَالْحُكْمِيِّ قُلْنَا: الْحُكْمِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالشَّرْعِ وَهُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِزَوَالِهِ مَرَّةً، وَأَمَّا الْحَقِيقِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالْحَقِيقَةِ فَيُعْرَفُ زَوَالُهُ بِالْحَقِيقَةِ وَهَذَا بِتَكْرَارِ الْغُسْلِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ وَيَعْتَبِرُ قُوَّةَ كُلِّ عَاصِرٍ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ، ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ

[الاستنجاء]

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» الْحَدِيثَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَتْ لَهُ عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِزَوَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ غَالِبًا إلَّا بِالتَّكْرَارِ وَالْعَصْرِ فَشَرَطَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ حَتَّى لَوْ جَرَى الْمَاءُ عَلَى ثَوْبٍ نَجَسٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَصْرٌ وَالْمُعْتَبَرُ ظَنُّ الْغَاسِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ظَنُّ الْمُسْتَعْمِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِتَثْلِيثِ الْجَفَافِ فِيمَا لَا يَنْعَصِرُ) أَيْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبِالتَّجْفِيفِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيمَا لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ كَالْخَزَفِ وَالْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ وَالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ بِالنَّجَسِ؛ لِأَنَّ لِلتَّخْفِيفِ أَثَرًا فِي اسْتِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ وَتَفْسِيرُ التَّخْفِيفِ أَنْ يُخَلِّيَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّقَاطُرُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْيُبْسُ وَعَلَى هَذَا السِّكِّينُ الْمُمَوَّهَةُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ وَاللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِهِ وَالْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ بِالنَّجَسِ حَتَّى انْتَفَخَتْ تَطْهِيرُهُ بِأَنْ تَمُوهَ السِّكِّينُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُطْبَخَ الْحِنْطَةُ وَاللَّحْمُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَبْرُدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْهُرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَبَدًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَصِيرُ وَكُلُّ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ وَالْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ عِنْدَنَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَيْتَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَمْلَحَةِ فَاسْتَحَلَّتْ حَتَّى صَارَتْ مِلْحًا وَالْعَذِرَةِ إذَا صَارَتْ تُرَابًا أَوْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ وَصَارَتْ رَمَادًا فَهِيَ نَظِيرُ الْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا لِلِاسْتِحَالَةِ وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ رَأْسَ الشَّاةِ لَوْ أُحْرِقَ حَتَّى زَالَ الدَّمُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَكَذَا الْبِلَّةُ النَّجِسَةُ فِي التَّنُّورِ تَزُولُ بِالْإِحْرَاقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَحْوِ حَجَرٍ مُنَقٍّ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ دُونَهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الثَّوْبُ النَّجِسُ إذَا غُسِلَ ثَلَاثًا وَعُصِرَ مَرَّةً لَا يَطْهُرُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ غُسِلَ ثَلَاثًا وَعُصِرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَقَاطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ فَأَصَابَتْ شَيْئًا إنْ عَصَرَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَبَالَغَ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ عَصَرَهُ لَا يَسِيلُ مِنْهُ الْمَاءُ فَالْكُلُّ طَاهِرٌ، وَإِلَّا فَمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ نَجِسٌ وَمَا أَصَابَ مِنْ شَيْءٍ أَفْسَدَهُ اهـ. {فَرْعٌ} الْوِعَاءُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَمْرُ هَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ يُنْظَرُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْخَمْرُ إذَا أَصَابَتْ الْحِنْطَةَ فَغَسَلَهَا وَطَحَنَهَا وَخَبَزَهَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهَا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ طَعْمٌ وَلَا رَائِحَةٌ وَإِنْ يُوجَدُ مِنْهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِذَا انْتَفَخَتْ مِنْهُ الْحِنْطَةُ فَلَا تَطْهُرُ أَبَدًا إلَّا إذَا جَعَلَهَا فِي خَلٍّ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ، وَلَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي دُهْنٍ أَوْ وَقَعَ فِيهِ فَأْرَةٌ فَغَسَلَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْ غَسْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْآجُرُّ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآجُرُّ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَتَشَرَّبَتْ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْآجُرُّ قَدِيمًا مُسْتَعْمَلًا يَكْفِيهِ الْغَسْلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُجَفَّفُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ مَرَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا السِّكِّينُ الْمُمَوَّهَةُ بِالْمَاءِ النَّجَسِ) قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ مَوَّهَ الْحَدِيدَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُمَوِّهُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَطْهُرُ السِّكِّينُ إذَا مُوِّهَ بِمَاءٍ نَجِسٍ لَا تَجُوزُ مَعَهُ الصَّلَاةُ يَعْنِي إذَا كَانَ فَوْقَ الدِّرْهَمِ وَيَجُوزُ قَطْعُ الْبِطِّيخِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ ذَلِكَ الْمَاءِ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا بِالنَّارِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ يُبَاحُ قَطْعُ الْبِطِّيخِ بِالسِّكِّينِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ بِوَاسِطَةِ قَطْعِهِ بِهِ لِتَكُونَ إضَاعَةَ الْمَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ السِّكِّينِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ مَا شَرِبَهُ مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِطِّيخِ بِمُجَرَّدِ قَطْعِهِ بِهِ. اهـ. ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَطْهُرُ، وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي رَمَادِ السِّرْقِينِ وَالْخَشَبَةِ النَّجِسَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَذِرَةُ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْعَذِرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ تَطْهُرُ كَالْحِمَارِ الْمَيِّتِ إذَا وَقَعَ فِي مَمْلَحَةٍ وَصَارَ مِلْحًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا غُسِلَتْ خَابِيَةَ الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَطْهُرُ إذَا لَمْ تَبْقَ رَائِحَةُ الْخَمْرِ وَإِنْ بَقِيَتْ لَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي الْخَمْرِ، ثُمَّ صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ فَأْرَةٌ وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ وَمَاتَتْ إنْ أُخْرِجَتْ، ثُمَّ تَخَلَّلَتْ صَارَتْ طَاهِرَةً وَإِنْ تَخَلَّلَتْ وَهِيَ فِيهِ إنَّهُ نَجِسٌ الْخَزَفُ الْجَدِيدُ إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَطْهُرُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا يَطْهُرُ وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ الْخَمْرِ يُجْعَلُ فِيهِ الْخَلُّ حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فَيَطْهُرُ. (قَوْلُهُ: يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ الْحَرْقُ كَالْغَسْلِ. اهـ. وَلِوَالِجِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صُبَّ الْخَمْرُ فِي قِدْرٍ فِيهِ لَحْمٌ قَبْلَ الْغَلَيَانِ يَطْهُرُ اللَّحْمُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَلَيَانِ لَا يَطْهُرُ وَقِيلَ يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَتَجْفِيفُهُ بِالتَّبَرُّدِ وَالْخُبْزُ الَّذِي عُجِنَ بِالْخَمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ. [الِاسْتِنْجَاء] (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَسُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَحْوِ حَجَرٍ مُنَقٍّ) وَهُوَ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ أَوْ غَسْلُهُ وَالنَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السِّينُ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ النَّجْوِ لِيُزِيلَهُ. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ إزَالَةُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُزَالِ بِهِ حُرْمَةٌ أَوْ قِيمَةٌ كُرِهَ كَقِرْطَاسٍ وَخِرْقَةٍ وَقُطْنَةٍ وَخَلٍّ قِيلَ يُوَرِّثُ ذَلِكَ الْفَقْرَ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ وَالِاسْتِطَابَةُ عِبَارَاتٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ فَسَمَّى الْكَرْخِيُّ إزَالَةَ ذَلِكَ اسْتِجْمَارًا وَهُوَ طَلَبُ الْجَمْرَةِ وَهِيَ الْحَجَرُ الصَّغِيرُ وَالطَّحَاوِيُّ سَمَّاهَا اسْتِطَابَةً وَهِيَ طَلَبُ الطِّيبِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَالْقُدُورِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ سَمَّاهَا اسْتِنْجَاءً وَهُوَ إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ يَسْتَتِرُ بِنَجْوَةٍ أَوْ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتهَا إذَا قَطَعْتهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ) وَلِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. اهـ. كَمَالٌ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالْمَاءِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِغَيْرِ الْمَاءِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَاءَ آلَةُ التَّطْهِيرِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْمُطَهِّرِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَقْعَدَةَ لَا يَجِبُ تَطْهِيرُهَا إذْ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ بِالْمَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَقَوْلُهُ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَرَادَ بِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَا تَتَقَوَّمُ كَالْمَدَرِ وَالتُّرَابِ وَالْعُودِ وَالْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَالْجِلْدِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَقَوْلُهُ مُنَقٍّ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً؛ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يَكُونُ دُونَهُ سُنَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُعْتَادًا أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْخَارِجِ يَطْهُرُ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهِ وَصِفَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ أَنْ يَجْلِسَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَسَارِهِ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُقْبِلُ بِالثَّانِي وَيُدْبِرُ بِالثَّالِثِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا فِي الصَّيْفِ وَفِي الشِّتَاءِ يُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي وَيُقْبِلُ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ مُتَدَلِّيَتَانِ فِي الصَّيْفِ فَيَخَافُ مِنْ التَّلْوِيثِ وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ فِي الشِّتَاءِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّجَاسَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي حَقِّ الْعَرَقِ حَتَّى إذَا أَصَابَهُ الْعَرَقُ مِنْ الْمَقْعَدَةِ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ قَعَدَ فِي مَاءِ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ) أَيْ لَيْسَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ التَّثْلِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَاوَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَجَرَيْنِ وَرَوْثَةً فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ إنَّهُ رِجْسٌ» وَلَوْ كَانَ التَّثْلِيثُ وَاجِبًا لَنَاوَلَهُ ثَالِثًا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ الْإِنْقَاءُ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ بِالثَّلَاثِ بَعْدَ حُصُولِهِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ النَّقَاءُ بِالثَّلَاثِ يُزَادُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَأَنْقَى جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَعَلَّ ذِكْرَ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِيثِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ وَالْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ النَّقَاءُ بِهَا غَالِبًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَحَمْلُهُمْ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجٌ» عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْوِتْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ النَّقَاءُ بِالثَّلَاثِ فَالزِّيَادَةُ بِدْعَةٌ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَوَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا وَعَلَى جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِهَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ حَتَّى يَجُوزَ الِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ حَقِيقَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَحَبُّ) أَيْ غَسْلُ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُقْلِعُ النَّجَاسَةَ وَالْحَجَرُ يُخَفِّفُهَا فَكَانَ أَوْلَى وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] قِيلَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَهْلَ قُبَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغَائِطِ فَقَالُوا نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ، ثُمَّ نُتْبِعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ»، ثُمَّ قِيلَ هُوَ أَدَبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى وَقِيلَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَثْلِطُونَ ثَلْطًا وَفِي الْأَوَّلِ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثِ أَحْجَارٍ») قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالَ أَوْ أَقَلَّ سُنَّةً وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ أَدَبٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِنَحْوِ حَجَرٍ) أَرَادَ بِهِ الْأَشْيَاءَ الطَّاهِرَةَ. اهـ. بَاكِيرٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيَجُوزُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَوَاهِرِ الطَّاهِرَةِ إذْ الْمَقْصُودُ إزَالَةُ النَّجْوِ فَمَا صَلَحَ لِذَلِكَ جَازَ بِهِ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمُحْدِثُ إذَا اسْتَنْجَى فَأَصَابَ الْمَاءُ ذَيْلَهُ أَوْ كُمَّهُ إنْ أَصَابَ الْمَاءُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّالِثَ يَتَنَجَّسُ نَجَاسَةً غَلِيظَةً وَإِنْ أَصَابَهُ الْمَاءُ الرَّابِعُ يَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمِلِ. (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تَتَقَوَّمُ) فَلَا يَسْتَنْجِي بِنَحْوِ الْيَاقُوتِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْحِجَارَةِ وَنَحْوِهِ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ الْغَايَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ قَوْلُهُ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ) الْإِدْبَارُ الذَّهَابُ إلَى جَانِبِ الدُّبُرِ وَالْإِقْبَالُ ضِدُّهُ شَرْحُ وِقَايَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُقْبِلُ بِالثَّانِي) أَيْ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ أَبْلَغُ فِي التَّنْقِيَةِ اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُنْتَقَى مَنْ لَمْ يُدْخِلْ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ فَلَيْسَ بِتَنْظِيفٍ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَقِيلَ إنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ مُتَدَلِّيَتَانِ) فَلَا يُقْبِلُ احْتِرَازًا عَنْ تَلْوِيثِهِمَا، ثُمَّ يُقْبِلُ، ثُمَّ يُدْبِرُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ وَفِي الشِّتَاءِ غَيْرُ مُدَلَّاةٍ فَيُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ أَبْلَغُ فِي التَّنْقِيَةِ، ثُمَّ يُدْبِرُ، ثُمَّ يُقْبِلُ لِلْمُبَالَغَةِ. اهـ. بَاكِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَحَبُّ) إنْ أَمْكَنَهُ بِلَا كَشْفِ عَوْرَةٍ، وَإِلَّا يُتْرَكُ حَتَّى لَا يَصِيرَ فَاسِقًا. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ إذَا وَجَدَ مَكَانًا يَسْتَتِرُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ لَيْسَ فِيهِ سُتْرَةٌ لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ قَالُوا يَفْسُقُ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْمُصَلِّينَ فِي الْمِيضَأَةِ فَضْلًا عَنْ شَاطِئِ النِّيلِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَثْلَطُونَ ثَلْطًا) فَتَتَلَوَّثُ الْمَقْعَدَةُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ اهـ سَرُوجِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَيَسْتَنْجِي بِبَطْنِ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَيَحْتَرِزُ عَنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَيُنَشِّفُ الْمَحِلَّ إنْ كَانَ صَائِمًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ كَيْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَهُ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ مَوْضِعَ الْمِحْقَنَةِ وَقَلَّمَا يَكُونُ اهـ

[الاستنجاء بالعظم والروث]

وَصِفَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بَعْدَمَا اسْتَرْخَى كُلَّ الِاسْتِرْخَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا وَيُصَعِّدُ أُصْبُعَهُ الْوُسْطَى عَلَى سَائِرِ الْأَصَابِعِ قَلِيلًا فِي ابْتِدَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ يُصَعِّدُ بِنْصِرَهُ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ يُصَعِّدُ خِنْصَرَهُ، ثُمَّ سِبَابَتَهُ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ بِيَقِينٍ أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ وَيُبَالِغُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَلَا يُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ مَرْئِيَّةٌ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا زَوَالُ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِ بِالثَّلَاثِ وَقِيلَ بِالسَّبْعِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ فِي الْإِحْلِيلِ بِالثَّلَاثِ وَفِي الْمَقْعَدَةِ بِالْخَمْسِ وَقِيلَ بِالتِّسْعِ وَقِيلَ بِالْعَشْرِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْمَشْيِ أَوْ بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ النَّوْمِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَلَوْ خَرَجَ دُبُرُهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَغَسَلَهُ لَا يَقُومُ حَتَّى يُنَشِّفَهُ بِخِرْقَةٍ قَبْلَ رَدِّهِ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ وَقِيلَ تَسْتَنْجِي بِرُءُوسِ أَصَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى تَطْهِيرِ فَرْجِهَا الْخَارِجِ وَقِيلَ يَكْفِيهَا غَسْلُهُ بِرَاحَتِهَا وَقِيلَ بِعَرْضِ أَصَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا أَدْخَلَتْ الْأَصَابِعَ يُخْشَى عَلَيْهَا أَنْ تَجْنُبَ بِسَبَبِ مَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ اللَّذَّةِ وَالْعَذْرَاءُ لَا تَسْتَنْجِي بِأَصَابِعِهَا خَوْفًا مِنْ زَوَالِ الْعُذْرَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ إنْ جَاوَزَ النَّجَسُ الْمَخْرَجَ) أَيْ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ إذَا جَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ الْمَخْرَجَ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مِنْ النَّجَاسَةِ إنَّمَا اكْتَفَى فِيهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْمُجَاوِزِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ وَكَانَ جُنُبًا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لِوُجُوبِ غَسْلِ الْمَقْعَدَةِ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْتَبَر الْقَدْرُ الْمَانِعُ وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ مَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمُجَاوِزُ عَنْ الْمَخْرَجِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَمَعَ الَّذِي فِي الْمَخْرَجِ يَزِيدُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ لِلْعِبْرَةِ وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَلَا يُضَمُّ إلَى مَا فِي جَسَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْمُجَاوِزِ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ مَعَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى إذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ عِنْدَهُ وَوَجَبَ غَسْلُهُ، وَكَذَا يُضَمُّ مَا فِي الْمَخْرَجِ إلَى مَا فِي جَسَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ عِنْدَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَخْرَجَ كَالْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ أَصْلًا وَعِنْدَهُ كَالْخَارِجِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ كَبِيرَةً وَكَانَ فِيهَا نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ تَتَجَاوَزْ مِنْ الْمَخْرَجِ فَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَجْزِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَجْحَارِ وَعَنْ ابْنِ شُجَاعٍ يَجْزِيهِ وَمِثْلُهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِمَا وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْخَارِجِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ) أَيْ لَا يَسْتَنْجِي بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَيَمِينِهِ وَقَالَ فِي الْعَظْمِ لَا تَسْتَنْجُوا بِهِ فَإِنَّهُ طَعَامُ إخْوَانِكُمْ» يَعْنِي الْجِنَّ فَطَعَامُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَنْجَى بِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالطَّعَامِ إضَاعَةَ الْمَالِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ الْعَظْمُ وَالرَّجِيعُ وَالرَّوْثُ وَالطَّعَامُ وَاللَّحْمُ وَالزُّجَاجُ وَالْوَرَقُ وَالْخَزَفُ وَوَرَقُ الشَّجَرِ وَالشَّعْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (كِتَابُ الصَّلَاةِ) الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الْعَالِيَةِ الدُّعَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَإِنَّمَا عَدَّى بِعَلَى بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْأَعْشَى تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَحَلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي ... نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ الْمَعْهُودَةِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ مَعَ بَقَاءِ مَعْنَى اللُّغَةِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لَا نَقْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى يُنَشِّفَهُ بِخِرْقَةٍ قَبْلَ رَدِّهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَسَى يَدْخُلُ الْمَاءُ جَوْفَهُ الْمُسْتَنْجِي لَا يَتَنَفَّسُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا كَانَ صَائِمًا لِهَذَا. اهـ. وَلِوَالِجِيٍّ (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي صِفَةِ الِاسْتِنْجَاءِ. (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقِيلَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهَيْنِ فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَفِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَاجِبٌ وَفِيمَا دُونَهُ سُنَّةٌ وَفِيمَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَخْرَجَ وَالْإِحْلِيلَ يُسْتَحَبُّ وَفِي الْبَعْرِ أَدَبٌ وَفِي الرِّيحِ بِدْعَةٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَسْتَنْجِي بِالْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ الْفَقْرَ بِالْحَدِيثِ وَمَقْطُوعُ الْيُسْرَى يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ إنْ قَدَرَ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ يَمْسَحُ ذِرَاعَيْهِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَيُصَلِّي وَلَا يَمَسُّ فَرْجَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مَقْعَدَتُهُ صَغِيرَةً. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. اهـ. . [الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ والروث] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ)؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. وَلِوَالِجِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ. اهـ. . [كِتَابُ الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ: الْعَالِيَةِ) أَيْ الْمَشْهُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأَعْشَى) وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَبِيدٌ بَدَلُ الْأَعْشَى قَالَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ هَذَا رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ وَقَدْ قَرُبَ مُرْتَحَلُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ رَاحِلَتُهُ وَهِيَ مَرْكَبُهُ الَّتِي يَضَعُ عَلَيْهَا رَحْلَهُ وَيَرْكَبُهُ فَدَعَتْ ابْنَتُهُ لَهُ وَالْمُضْطَجَعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ الِاضْطِجَاعِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا دَعَتْ لَهُ عِنْدَ حُضُورِ وَفَاتِهِ بِالْعَافِيَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ قَرُبْت مُرْتَحَلًا الِارْتِحَالُ إلَى الْقَبْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: صَلَّيْت) أَيْ دَعَوْت لِأَبِيك اهـ. (قَوْلُهُ: فَاغْتَمِضِي) أَيْ أَغْمِضِي عَيْنَك لِأَجْلِ النَّوْمِ.

[مواقيت الصلاة]

عَلَى مَا قَالُوا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ لِوُجُودِهَا بِدُونِهِ فِي الْأُمِّيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا أَوْ كَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك» وَسُمِّيَ الْفَجْرُ الثَّانِي صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَنْ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ يُضِيءُ، ثُمَّ يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ النُّورُ وَيَعْقُبُهُ الظَّلَامُ فَكَأَنَّهُ كَاذِبٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ إنَّمَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» أَيْ الْمُنْتَشِرُ فِيهِ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الصُّبْحُ الصَّادِقُ وَآخِرَهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالظُّهْرُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ سِوَى الْفَيْءِ) أَمَّا أَوَّلُهُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِزَوَالِهَا وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَقَالَا آخِرَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ وَالتُّحْفَةِ والإسبيجابي وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمِثْلَيْنِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَجَعَلَ الْمُهْمَلَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَحَدِهِمْ عَنْهُ لَا تَنْفِي رِوَايَةَ غَيْرِهِ عَنْهُ لَهُمَا إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ الظُّهْرُ بَاقِيًا لَمَا صَلَّى فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ بِمَعْنَاهُ وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مِثْلَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ إلَى الْغُرُوبِ فَلَمْ تَكُنْ النَّصَارَى أَكْثَرَ عَمَلًا عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ أَطْوَلَ وَلَا يُقَالُ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ وَمِنْ وَقْتِ الْمِثْلِ إلَى الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ فَقَدْ وُجِدَ كَثْرَةُ الْعَمَلِ لِطُولِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ الْيَسِيرُ مِنْ الْوَقْتِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْحِسَابُ وَمُرَادُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَفَاوُتٌ يَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَمَا رَوَيَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ مَوَاقِيت الصَّلَاة] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ الصُّبْحِ الصَّادِقِ) ابْتَدَأَ بِبَيَانِ وَقْتِ الْفَجْرِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِبَيَانِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ أَمَّ فِيهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ وَقْتُ مَا اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُتَنَفِّلِ لِلْمُفْتَرِضِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالُوا: إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ مُتَنَفِّلًا مُعَلِّمًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفْتَرِضٌ قُلْنَا هَذِهِ دَعْوَى فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُتَنَفِّلًا أَوْ مُفْتَرِضًا أَمَّا كَوْنُهُ مُعَلِّمًا فَبَيِّنٌ وَإِنْ قَالُوا لَا تَكْلِيفَ عَلَى مَلَكِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قُلْنَا هَذَا لَا يُعْلَمُ عَقْلًا وَإِنَّمَا عُلِمَ بِالشَّرْعِ وَجِبْرِيلُ مَأْمُورٌ بِالْإِمَامَةِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُؤْمَرْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ بِذَلِكَ فَكَمَا خُصَّ بِالْإِمَامَةِ جَازَ أَنْ يُخَصَّ بِالْفَرِيضَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا) وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُهُ بِذَنَبِ السَّرْحَانِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا طُولُهُ وَالثَّانِي أَنَّ ضَوْءَهُ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ كَمَا أَنَّ الذِّئْبَ يَكْثُرُ شَعْرُ ذَنَبِهِ فِي أَعْلَاهُ لَا فِي أَسْفَلِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَقْتًا لِتِلْكَ الْفَرِيضَةِ قُلْنَا وُجِدَ الْبَيَانُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَإِنْ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَآخِرَهُ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَفِيهِ بَيَانٌ فِي حَقِّهِمَا؛ وَلِأَنَّ إمَامَةَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ لِنَفْيِ مَا وَرَاءَ وَقْتِ الْإِمَامَةِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَالْوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالْوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ احْتِجَاجِهِمَا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ أَوْ نَقُولُ هَذَا بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ إذْ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِمَّا يَتَعَسَّرُ عَلَى النَّائِمِينَ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَهُمَا مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا». اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالظُّهْرِ) أَيْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْفَجْرِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِثْلَيْهِ) وَانْتِصَابُهُ بِالْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إلَى فَاعِلِهِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ) أَيْ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ كَوْنِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) فَيْحُ جَهَنَّمَ شِدَّةُ حَرِّهَا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَشَدُّ الْحَرِّ فِي دِيَارِهِمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ) يَعْنِي إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ) إنَّمَا كَانَ مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ قِيرَاطَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَنُ إقَامَةِ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ) أَيْ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ

صَلَّى بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلَا يُقَالُ بِتَدَاخُلِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِيهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَتَدَاخَلُ وَقْتَا صَلَاةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى»، ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ مَا دَامَ الْقُرْصُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزُلْ فَإِنْ انْحَطَّ يَسِيرًا فَقَدْ زَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقُومُ الرَّجُلُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ يَسَارِهِ فَهُوَ الزَّوَالُ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْخَبَّازِيُّ وَهُوَ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَمَا دَامَ ظِلُّ الْعُودِ عَلَى النُّقْصَانِ فَهِيَ عَلَى الصُّعُودِ لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ فَإِذَا وَقَفَ وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَمْ يَزِدْ فَهُوَ قِيَامُ الظَّهِيرَةِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَطَّ عَلَى رَأْسِ مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ خَطًّا فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ إلَى الْعُودِ فِي الزَّوَالِ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْعُودِ مِثْلَيْ الْعُودِ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ لَا مِنْ مَوْضِعِ غَرْزِ الْعُودِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ قَالَ فَيْءُ الزَّوَالِ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَوْلُهُ سِوَى الْفَيْءِ أَيْ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْإِضَافَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصْرُ مِنْهُ إلَى الْغُرُوبِ) أَيْ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ وَقْتِ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبُ مِنْهُ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ) أَيْ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِهِ فِي الْجَدِيدِ بِمُضِيِّ قَدْرِ وَضُوءِ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ وَلَا يُعَارِضُهُ إمَامَةُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ بَدَأَ بِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الْفَرَاغِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَاغُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَيَكُونُ قَوْلُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك إشَارَةً إلَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِلَى انْتِهَائِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِهِمْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي يَوْمَيْنِ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا السَّائِلَ، ثُمَّ قَالَ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ مَنْسُوخًا بِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَقَدِّمٌ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ احْتِرَازًا عَنْ الْكَرَاهِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَنَسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَائِشَةَ وَرِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ اللُّغَوِيَّانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَفَاهَمُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْخَلِيلِ وَالْفَرَّاءِ وَالْأَزْهَرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً إلَى آخِرِهِ) هَذَا التَّفْسِيرُ عَزَاهُ فِي الْغَايَةِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ قَالَ الرَّازِيّ وَالزَّوَالُ ظُهُورُ زِيَادَةِ الظِّلِّ لِكُلِّ شَخْصٍ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ ظِلًّا وَقْتَ الزَّوَالِ إلَّا بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَإِنَّ الشَّمْسَ فِيهَا تَأْخُذُ الْحِيطَانَ الْأَرْبَعَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ الْفَيْءِ بِالظِّلِّ. (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ أَيْ رَجَعَ وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْعَصْرُ) ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَالشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ الأخلاطي فِي شَرْحِ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ كَشْفِ الْمُغَطَّى فِيهَا سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا وَسُمِّيَتْ الْعَصْرُ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اهـ سَرُوجِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَوْ كَانَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مُمْتَدًّا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَأَمَّ جِبْرِيلُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي آخِرِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَيَانًا لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَمَّا صَلَّى بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فَلَا يَتَمَسَّكُ بِهِ قُلْنَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قَوْلٌ فَيَقْدَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَطْ أَيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي الْيَوْمَيْنِ كَانَ وَاحِدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اتِّحَادُ آخِرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: الشَّفَقُ هُوَ الْبَيَاضُ) أَيْ الْبَاقِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الْحُمْرَةِ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ) وَبِهِ قَالَ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الْفَرَّاءُ تَقُولُ الْعَرَبُ عَلَى فُلَانٍ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ»؛ وَلِأَنَّ الشَّفَقَ مِنْ الرِّقَّةِ وَمِنْهُ شَفَقَةُ الْقَلْبِ وَهِيَ رِقَّتُهُ وَيُقَالُ ثَوْبٌ شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا وَهُوَ بِالْبَيَاضِ أَلْيَقُ؛ لِأَنَّهُ أَرَقُّ مِنْ الْحُمْرَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» إذْ النُّورُ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيَاضِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْعِشَاءَ تَقَعُ بِمَحْضِ اللَّيْلِ فَلَا تَدْخُلُ مَا دَامَ الْبَيَاضُ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَثَرِ النَّهَارِ وَلِهَذَا يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْبَيَاضِ الْمُعْتَرِضِ مِنْ الْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَا تَخْرُجُ الْمَغْرِبُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَا تَدْخُلُ الْعِشَاءُ بِالشَّكِّ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ رَاعَيْت الْبَيَاضَ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْلَةً فَمَا ذَهَبَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَاضِ الْجَوِّ وَذَلِكَ يَغِيبُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَأَمَّا بَيَاضُ الشَّفَقِ وَهُوَ رَقِيقُ الْحُمْرَةِ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا إلَّا قَلِيلًا قَدْرَ مَا يَتَأَخَّرُ طُلُوعُ الْحُمْرَةِ عَنْ الْبَيَاضِ فِي الْفَجْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ مِنْهُ إلَى الصُّبْحِ) أَيْ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَدْخُلُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الشَّفَقِ، وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَمَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ الْوِتْرُ عَلَى الْعِشَاءِ لِأَجْلِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ وَقْتَ الْوِتْرِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْعِشَاءَ وَصَلَّى الْوِتْرَ جَازَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَصَارَا كَفَرْضَيْنِ اجْتَمَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْقَضَاءَيْنِ أَوْ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةُ الْعِشَاءِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهَا فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْعِشَاءِ لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهَا لَا لِلتَّرْتِيبِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا أَوْ صَلَّاهُمَا وَظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوِتْرُ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ حَتَّى لَا تَجُوزَ صَلَاةُ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا) أَيْ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِيهِ كَمَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ بُرْهَانَ الدِّينِ الْكَبِيرَ أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُونِ السَّبَبِ لَا يُعْقَلُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ يَكُونُ أَدَاءَ ضَرُورَةٍ وَهُوَ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَخْرُجُ) أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَثَرِ النَّهَارِ. (قَوْلُهُ: فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ إلَى آخِرِهِ) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَأَخَّرَ وَقْتَ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ) الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ». اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُذْكَرُ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ بُلْغَارَ لَا يَجِدُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَقْتَ الْعِشَاءِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنَّ الشَّمْسَ كَمَا تَغْرُبُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ يَظْهَرُ الْفَجْرُ مِنْ الْمَشْرِقِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَرُدَّتْ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ بُلْغَارَ عَلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ فَأَفْتَى بِقَضَاءِ الْعِشَاءِ ثَمَّ وَرَدَتْ بِخُوَارِزْمَ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ سَيْفِ السُّنَّةِ الْبَقَّالِيِّ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَبَلَغَ جَوَابُهُ الْحَلْوَانِيَّ فَأَرْسَلَ مَنْ يَسْأَلُهُ فِي عَامَّتِهِ بِجَامِعِ خُوَارِزْمَ مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَسْقَطَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَاحِدَةً هَلْ يَكْفُرُ فَأَحَسَّ بِهِ الشَّيْخُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ قُطِعَ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ رِجْلَاهُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ كَمْ فَرَائِضُ وُضُوئِهِ؟ قَالَ: ثَلَاثٌ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرَّابِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ الْخَامِسَةُ فَبَلَغَ الْحَلْوَانِيُّ جَوَابُهُ فَاسْتَحْسَنَهُ وَوَافَقَهُ فِيهِ. اهـ. مُجْتَبَى قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَرْتَابُ مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ سَبَبِهِ الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمُعَرَّفَاتِ لِلشَّيْءِ فَانْتِفَاءُ الْوَقْتِ انْتِفَاءٌ لِلْمُعَرَّفِ وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءً لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ الصَّلَاةَ خَمْسًا بَعْدَمَا أُمِرُوا أَوَّلًا بِخَمْسِينَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْخَمْسِ شَرْعًا عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ قُطْرٍ وَقُطْرٍ وَمَا رُوِيَ «ذَكَرَ الدَّجَّالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا كَسَنَةٍ وَيَوْمٍ كَشَهْرٍ وَيَوْمٍ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا أَقْدِرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ أَوْجَبَ فِيهِ ثَلَثَمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَقِسْ عَلَيْهِ فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ» وَمَنْ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْعِشَاءِ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ الْوِتْرُ اهـ. (قَوْلُهُ: يَكُونُ أَدَاءَ ضَرُورَةٍ) أَيْ لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ اهـ

[الأوقات التي يستحب فيها الصلاة]

إذْ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا أَيْ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْعَائِدَ عَلَى مَنْ وَهُوَ لَا يَسُوغُ حَذْفُهُ فِي مِثْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْ مَوْصُولَةً أَوْ شَرْطِيَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً فَلِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ أَوْ مَا بَعْدَهَا صِلَتُهَا وَلَمْ يَجِبَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرُ مَتَى كَانَ جُمْلَةً لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَنْصُوبًا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتُنَا أَيْ يَحْمَدُهُ أَوْ كَانَ مَجْرُورًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ وَقَطْعِهِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمْ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى فَلَا يَسُوغُ حَذْفُهُ لَا يُقَالُ زَيْدٌ مَرَرْت وَهَذَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَرْطِيَّةً فَلِأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ أَوْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا بُدَّ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا لَهُ مِنْ ضَمِيرٍ عَائِدٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ وَغُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُهُ وَلَا يَجُوزُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ وَلَا غُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُ فَكَذَا هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ يُسْفِرُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَقِيلَ يُؤَخِّرُهَا جِدًّا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ فَلَا يُتْرَكُ الْمُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَوَسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ»، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي دَاوُد بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي بِنَا الْفَجْرَ وَنَحْنُ نَتَرَاءَى الشَّمْسَ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ قَدْ طَلَعَتْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِسْفَارِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ وَتَوْسِيعَ الْحَالِ عَلَى النَّائِمِ وَالضَّعِيفِ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلَسِ فِيهِ غَلَسُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصَابِيحُ وَقْتَ الصُّبْحِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَصَابِيحُ لَعُرِفَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَالْغَلَسُ فِي الْأَبْنِيَةِ يَسْتَمِرُّ إلَى وَقْتِ الْإِسْفَارِ جِدًّا يُقَالُ هَذَا بَيْتٌ غَلَسٌ بِالنَّهَارِ فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَلَفَّعَتْ بِمُرُوطِهَا لَا تُعْرَفُ فِي النَّهَارِ فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِنَّ وَبَقَاءُ الْغَلَسِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ غَلَسُ الْمَسْجِدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ غَلَسِ الْمَسْجِدِ لَوَقَعَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَمَا رَوَيْنَاهُ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إعْلَامًا لِلْجَوَازِ فَلَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ زَكَرِيَّا وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] أَيْ الْفَضْلَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْيَقُ هُنَا مِنْ مَعْنَى التَّجَاوُزِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يُبَاحُ وَفِي الْفَضْلِ رِضْوَانٌ فَلَا تَنَافِي وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى بَيَانِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَظُهُورِهِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ مَعَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَعْظَمَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَتَّبَ الْأَجْرَ عَلَى الصَّلَاةِ لَا عَلَى النِّيَّةِ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ أَفْضَلَ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَجْرُورِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْهُ) أَيْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ. [الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ صَيْفًا أَوْ شِتَاءً. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا) أَيْ وَيُعِيدَ الْوُضُوءَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّهُ (قَوْلُهُ: مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ) تَلَفَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالثَّوْبِ تَسَتَّرَتْ بِهِ وَالْمِرْطُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانٌ» إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ مِنْ عَفْوِهِ وَسَبَبُ الْأَحَبِّ أَفْضَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَفْوُ اللَّهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّضْوَانُ لِلْمُحِبِّينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ إلَى آخِرِهِ») وَالْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ اهـ رَازِيٌّ وَأَسْفَرَ الْفَجْرُ أَضَاءَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ اُدْخُلُوا صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ. (قَوْلُهُ: إلَّا صَلَاتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) الْمَغْرِبُ وَالْفَجْرُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ فِعْلُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ وَلَا حَالَ طُلُوعِهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ الْمُعْتَادُ تَأْخِيرَ الصُّبْحِ وَأَنَّهُ عَجَّلَ بِهَا يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْغَلَسُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ إلَّا يَوْمًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ وَآخِرُ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ) قَدْ يُقَالُ زِيَادَةُ الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. اهـ. .

اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَوَازِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ لِتَعْظِيمِ أَجْرِهِ لَا لِتَجْوِيزِ صَلَاتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَظُهْرُ الصَّيْفِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْإِبْرَادِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَنْ يَكُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي بِلَادٍ حَارَّةٍ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ وَأَنْ يَقْصِدَهَا النَّاسُ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِلَّا فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ خَبَّابُ أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَكَوْنَا لَهُ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا أَيْ فَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» لَمْ يَفْصِلْ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ نَسْخَهُ وَهُوَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ حَرَّ الرَّمْضَاءِ لَا يَزُولُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ بَلْ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْذُرْهُمْ أَوْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ لَمْ يَشْكُنَا بِمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُحْوِجْنَا إلَى الشَّكْوَى بَلْ أَمَرَنَا بِالْإِبْرَادِ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَصْرُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ أَنَسٍ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا وَنُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا قَالَ نَعَمْ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قُطِعَتْ، ثُمَّ طَبَخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مِثْلَهُ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَوْسِعَةً لِوَقْتِ النَّوَافِلِ فَيَكُونُ فِيهِ تَكْثِيرُهَا فَيُنْدَبُ وَفِي التَّعْجِيلِ قَطْعُهَا لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ وَغَيْرَهُ قَالَ أَدْنَى الْعَوَالِي مِيلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ وَيَأْتِي الْعَوَالِي وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَقُلْ قَالَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِعُذْرٍ أَوْ لِيُعْلِمَ أَنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّغْيِيرِ قِيلَ هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى الْحِيطَانِ وَقِيلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ الشَّمْسُ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ، وَقِيلَ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ رُمْحٍ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَدُونَهُ قَدْ تَغَيَّرَتْ وَقِيلَ يُوضَعُ طَسْتٌ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَإِنْ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ عَلَى جَوَانِبِهِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَقِيلَ إنْ كَانَ يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَى الْقُرْصِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ، وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ أَنْ يَصِيرَ الْقُرْصُ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ إلَى الثُّلُثِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أُعْلِمُ النَّاسَ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ «صَلَاةُ الْعِشَاءِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ لِثَالِثَةٍ»؛ وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا تَعْرِيضَهَا لِلْفَوَاتِ فَيُكْرَهُ وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَامَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الْعِشَاءَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَنَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي». وَجْهُ مَا ذَكَرُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ تَأْخِيرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ) أَيْ يُقِيمَ إذْ الْإِقَامَةُ تُسَمَّى أَذَانًا. (قَوْلُهُ: فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ اُدْخُلُوا صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي سَاعَةِ الْبَرْدِ اهـ. . (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ) وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ. اهـ. هِدَايَةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ اهـ. قَوْلُهُ: وَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ مَكْرُوهٌ أَيْ دُونَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَرَاهَةُ لِلشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تُحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ) أَيْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا فَلَا يَتَحَيَّرُ فِيهِ الْبَصَرُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُغْرِبِ. (قَوْلُهُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذْنَا بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ اعْتِبَارُ تَغَيُّرِ الْقُرْصِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الضَّوْءِ يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: مُسْتَحَبٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ إلَى الثُّلُثِ مُسْتَحَبًّا فِي الشِّتَاءِ وَإِلَى مَا قَبْلَهُ فِي الصَّيْفِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ فِيهِ اهـ

هُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قَوْلُ عَائِشَةَ «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وَرَدَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ وَلَوْ أَوْرَدْنَاهَا لَطَالَ الْكِتَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ كَانَ يُصَلِّيهَا حِينَ يَسْقُطُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ فِي تَأْخِيرِهَا تَعْرِيضُهَا لِلْفَوَاتِ قُلْنَا الْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَمِنَ الْفَوَاتَ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْعِشَاءُ وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا» وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى سَهَرٍ يَفُوتُ بِهِ الصُّبْحُ أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي كَلَامِهِ لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي خَتْمُ الْيَقَظَةِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَادَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ وَحِكَايَةُ الصَّالِحِينَ وَمُذَاكَرَةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ وَعَنْ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَسْمَرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا كَرِهَ النَّوْمَ قَبْلَهَا لِمَنْ خَشَى عَلَيْهِ فَوْتَ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ وَكَّلَ لِنَفْسِهِ مَنْ يُوقِظُهُ فِي وَقْتِهَا فَمُبَاحٌ لَهُ النَّوْمُ، ثُمَّ قِيلَ تَأْخِيرُهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ وَإِلَى مَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَقِيلَ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ فِي الصَّيْفِ لِقِصَرِ اللَّيَالِي فَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ النَّوْمُ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوِتْرُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ) أَيْ نُدِبَ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ إذَا كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَنْتَبِهُ لِيُصَلِّيَ لِيَكُونَ الْوِتْرُ خَتْمًا لِقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِانْتِبَاهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ؛ فَقَالَ أَخَذْت بِالْوُثْقَى، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ، قَالَ أَخَذْت بِالْقُوَّةِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ حَذِرٌ هَذَا وَلِعُمَرَ قَوِيٌّ هَذَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَمَا نَدْرِي أَمَا ذَهَبَ مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ» وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي الشِّتَاءِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعَصْرِ، وَكَذَا أَخَّرَ تَعْجِيلَ الْمَغْرِبِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ صِنْفًا وَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ صِنْفًا فَقَدَّمَ مَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ شَرَعَ فِيمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَغْرِبِ) أَيْ نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَأَنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاشْتِبَاكُهَا كَثْرَتُهَا وَلِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَصَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ وَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إلَى تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: قَطْعَ السَّمَرِ) السَّمَرُ الْمُسَامَرَةُ وَهُوَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ وَقَدْ سَمَرَ يَسْمُرُ فَهُوَ سَامِرٌ. اهـ. مَجْمَعٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ) أَيْ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَمَا ذَهَبَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا مَوْصُولَةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ: نُدِبَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَيَأْتِي وَتَأْخِيرُهَا لِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ وَهِيَ خِلَافِيَّةٌ وَسَنَذْكُرُهَا فِي النَّوَافِلِ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا وَمَا رَوَى الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى بَدَا نَجْمٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ هُوَ مَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّجْمِ، وَفِي الْمُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ فِي السَّفَرِ وَلِلْمَائِدَةِ أَوْ كَانَ يَوْمَ غَيْمٍ وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَخَّرَهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَلَا يَبْعُدُ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ عِشَاءِ الْأَخِيرَةِ فِعْلًا) بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْجَمْعِ وَقْتًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.

[الأوقات التي يكره فيها الصلاة]

مَا بَيَّنَّا وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ امْتِدَادِ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِيهَا عَيْنٌ يَوْمِ غَيْمٍ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِهَا عَيْنٌ يَوْمَ غَيْنٍ وَهِيَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ احْتِمَالَ وُقُوعِهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَفِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَخَّرُ غَيْرُهُ فِيهِ) أَيْ يُؤَخَّرُ غَيْرُ مَا فِي أَوَّلِهِ عَيْنٌ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَهِيَ الْفَجْرُ وَالظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ لَا كَرَاهِيَةَ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ وَالْمَغْرِبُ يُخَافُ وُقُوعُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِشِدَّةِ الِالْتِبَاسِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ فِي الْكُلِّ يَوْمَ الْغَيْمِ؛ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَرَدُّدًا بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَفِي التَّعْجِيلِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَنْ نَقْبُرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ إذْ الدَّفْنُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَالْمُرَادُ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَا تَلَاهَا قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ. وَأَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا جَازَ أَدَاؤُهَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا لِيُؤَدِّيَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا حَضَرَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ حَضَرَتْ فِيهَا جَازَتْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِالْحُضُورِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَالتَّأْخِيرُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُؤَخَّرْنَ وَذَكَرَ مِنْهَا الْجِنَازَةَ» وَقَوْلُهُ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُ عَصْرَ يَوْمِهِ وَلَا يُكْرَهُ الْأَدَاءُ فِي وَقْتِ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَرَدُّدًا بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ) أَيْ بِالْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ. [الْأَوْقَات الَّتِي يَكْرَه فِيهَا الصَّلَاة] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ) أَيْ الْمُكَلَّفُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَتَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَغَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ أَوْ هُوَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِمَا عُرِفَ مِنْ النَّهْيِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْمَصْرُوفِ مِنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا أَفَادَ التَّحْرِيمَ فَالتَّحْرِيمُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهِ بِرُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ مَنَعَتْ أَنْ يَصِحَّ فِيهِ مَا تَسَبَّبَ عَنْ وَقْتٍ لَا نَقْصَ فِيهِ لَا لِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ بَلْ لِعَدَمِ تَأَدِّي مَا وَجَبَ كَامِلًا نَاقِصًا، فَلِذَا قَالَ عَقِيبَ تَرْجَمَتِهِ بِالْكَرَاهَةِ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَى آخِرِهِ، لَكِنْ إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَالصَّلَاةُ عَامٌّ لَمْ يَصْدُقْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ شُرُوعُهُ حَتَّى وَجَبَ قَضَاؤُهُ إذَا قَطَعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَيَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِالشَّرْعِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْحِلِّ كَانَ أَعَمَّ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ خُصُوصُ مَا هُوَ حُكْمُ الْقَضَاءِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْإِفَادَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الثَّانِي وَلِذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضِيفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْحِلِّ فِي جِنْسِ الصَّلَاةِ دُونَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي بَعْضِهَا بِخُصُوصِهِ. وَالْمُفِيدُ لَهَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ أَفَادَ كَوْنَ الْمَنْعِ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْوَقْتِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ فِعْلَ الْأَرْكَانِ فِيهِ التَّشَبُّهُ بِعِبَادَةِ الْكُفَّارِ وَهَذَا الْمَعْنَى بِنُقْصَانِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ فِيهِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ الْوَقْتُ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا فَخَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ لَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةٌ تَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبَاتِ لَا يُدْخِلُ النَّقْصَ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ الْمُقَوَّمَةُ لِلْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَرْكَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى آخِرِهِ) رِوَايَةُ مُسْلِمٍ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لُغَةً عَرَبِيَّةً لِحَذْفِ التَّاءِ فِي ثَلَاثِ وَلَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ أَوْقَاتٍ لَقَالَ ثَلَاثَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحِينَ تَضِيفُ) أَيْ تَمِيلُ مِنْهُ سُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا لِإِمَالَتِهِ إلَيْك اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) أَيْ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا. اهـ. نِهَايَةٌ عَنْ التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) فَقَدْ ذُكِرَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُقَارِنَ لِلْأَدَاءِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَآخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقْتٌ نَاقِصٌ إذْ هُوَ وَقْتُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ فَوَجَبَ نَاقِصًا فَإِذَا أَدَّاهُ أَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِالْغُرُوبِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الْفَجْرِ كُلُّ وَقْتِهِ وَقْتٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا تُعْبَدُ قَبْلَ الطُّلُوعِ فَوَجَبَ كَامِلًا فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِالطُّلُوعِ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا وَجَبَتْ فَإِنْ قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» قُلْنَا: لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمِ التَّعَارُضِ وَالْقِيَاسُ رَجَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحَدِيثَ النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ فِيهَا إذْ لَا مُعَارِضَ اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ

كَمَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَالْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ وَهَذَا كَالْقَضَاءِ لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَفْوِيتُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ قَضَاءُ عَصْرِ أَمْسِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ السَّبَبُ نَاقِصًا فَإِذَا قَضَاهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ قُلْنَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْوَقْتِ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَجَمِيعُهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ نَاقِصًا، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي لِاسْتِحَالَةِ إضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ قُلْنَا قَالَ الْبَزْدَوِيُّ لَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْوَقْتُ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ بِسَبَبِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ فَيَرْتَفِعُ النُّقْصَانُ وَثَبَتَتْ كَامِلَةً إذْ الْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا نَقْصَ فِيهَا بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَاهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا فِيهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ مَكْرُوهٌ مِثْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ، ثُمَّ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ حَيْثُ يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ لَهَا، ثُمَّ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي وَقْتِ الْقِرَاءَةِ جَازَتْ فَكَذَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ إلَّا لِصِيَانَةِ مَا مَضَى، وَالصِّيَانَةُ تَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ فِي مِثْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ كَامِلٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ حَتَّى يُضَافَ الْوُجُوبُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِيهِ كَالْمُضِيِّ فِي وَقْتِ الشُّرُوعِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ جَازَ لَهُ الْأَدَاءُ فِيهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فِي الصَّلَاةِ وَمَضَى فِيهَا جَازَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا وَجَبَ نَاقِصًا فَأَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا كُلَّ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ بِمَكَّةَ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَسَةَ «فَأَقْصِرْ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ فَتَعُمُّ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي ضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَلَا يُعَارِضُ الصِّحَاحَ الْمَشَاهِيرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ) (لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْلٍ لَهُ سَبَبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَمُسْلِمٌ وَالنَّهْي لِمَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَبَعْضُهُ نَاقِصٌ فِي الْعَصْرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ نَاقِصًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مِثْلِهِ قُلْنَا السَّبَبُ كَامِلٌ مِنْ وَجْهٍ نَاقِصٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ فَلَا يَتَأَدَّى فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْغَنِيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَوْ قَضَى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوَقَعَ آخِرُهُ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ كَانَ جَائِزًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْوَقْتَ الْكَامِلَ أَكْثَرُ مِنْ النَّاقِصِ فَكَانَ الْكُلُّ كَامِلًا تَغْلِيبًا. اهـ. جَامِعُ الْأَسْرَارِ. (قَوْلُهُ كَمَا وَجَبَتْ) كَالْمَنْذُورَةِ فِيهِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالتِّلَاوَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ) أَيْ إذْ لَا دَخْلَ لِلْوَقْتِ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِيمَا يَكُونُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا لَا ضَرُورِيًّا وَيَكُونُ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَامِلٍ وَالشُّرُوعُ سَبَبٌ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلِذَا كَانَ دُونَ النَّذْرِ فَلَا فَرْقَ فِي النَّفْلِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَقَضَائِهِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ يَجُوزُ فِيهِ الْأَدَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَقَوْلُهُمْ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يُؤَدَّى نَاقِصًا فِي غَيْرِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَيَحْتَمِلُ فِيهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ فِي النَّفْلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا صِيَانَةُ عَمَلِهِ مِنْ الْبُطْلَانِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِإِكْمَالِهَا وَإِذَا أَتَى بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الصِّيَانَةُ وَلَوْ نَاقِصًا خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ كَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو) كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ التَّطَوُّعِ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَجْدَةِ السَّهْوِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجُوزُ اهـ

فِي غَيْرِ الْوَقْتِ وَهُوَ جَعْلُ الْوَقْتِ كَالْمَشْغُولِ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ حُكْمًا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فَرْضٍ آخَرَ مِثْلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ فِيهِ فَرْضَ الْوَقْتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ لِعَيْنِهِ لَمَنَعَ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأَوْقَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَا مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ «مَا صَلَّيَا الْفَجْرَ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَمْرِ وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ كَالْمَنْذُورِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ مُلْحَقٌ بِالنَّفْلِ حَتَّى لَا يُصَلِّيَهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا فِي حَقِّ الْوَقْتِ أَوْ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِغَيْرِهَا وَهُوَ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ وَخَتْمِ الطَّوَافِ وَإِيفَاءِ النَّذْرِ فَلَا يَكُونُ كَالْوَاجِبِ لِعَيْنِهِ فِي الْقُوَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ الْفَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَلَا لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَتْ حَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا تُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِصِيغَةِ النَّهْيِ وَلَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ طَلَعَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَلَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ كَانَ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَوْ صَلَّى الْقَضَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّنَفُّلِ فِيهِ لِحَقِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمَشْغُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهَا حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ) أَيْ مُنِعَ مِنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرَاهُمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْهَا» قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ لِيُعْرَفَ أَنَّ وَقْتَ الْكَرَاهِيَةِ قَدْ خَرَجَ بِالْغُرُوبِ وَلِهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ بَعْدَهُمْ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ النَّخَعِيّ هِيَ بِدْعَةٌ وَإِذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ ضَعْفِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَمَا ظَنُّك بِفِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتِ الْخُطْبَةِ) أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَطْلَقَ الْخُطْبَةَ لِيَدْخُلَ فِيهَا جَمِيعُ الْخُطَبِ كَخُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: كَالْمَشْغُولِ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ) أَيْ كَالْوَقْتِ الَّذِي شُغِلَ فِيهِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ وَمَا ثَبَتَ لِحَقِّ الْفَرْضِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِيقَةِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَغْلَ الْوَقْتِ بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ الْحَقِيقِيِّ فَيَظْهَرُ الشَّغْلُ فِي حَقِّ النَّفْلِ فَيَمْنَعُهُ دُونَ الْفَرْضِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الْوُجُوبِ لِعَيْنِهِ بِمَعْنَى ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِالسَّمَاعِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَمَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ الْمَنْذُورُ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَأَقُولُ سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ وَمَا شَرَعَ فِيهَا، ثُمَّ أَفْسَدَهَا مُلْحَقَتَانِ بِالْفَرَائِضِ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْإِلْحَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِمَا لَمَّا كَانَ ضَعِيفًا لِلْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشَّرْحِ نَظَرْنَا إلَى ضَعْفِهِ فَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَنَظَرْنَا إلَى ثُبُوتِهِ فَقُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَاكَ أَوْ نَقُولُ فِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنَّهُ نَفْلٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَوَاجِبٌ لِغَيْرِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ هُنَا وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي قُلْنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ هُنَاكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْكِسُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ارْتِفَاعَ الْكَرَاهَةِ هُنَا وَثُبُوتَ الْجَوَازِ هُنَاكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاحْتِيَاطُ هَذَا غَايَةُ مَا يُقَالُ فِي دَفْعِ التَّنَاقُضِ وَهُوَ يُعَدُّ مَحَلَّ نَظَرٍ فِي قَضَاءِ النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْجَوَازِ هُوَ الْوُجُوبُ الْمُطْلَقُ وَالْوُجُوبُ الثَّابِتُ بِالشُّرُوعِ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ثَبَتَ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَا يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِتْيَانِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةِ بَيَانِ النَّازِلِ إذَا رَكِبَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ جِهَةَ الْوُجُوبِ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَحْكِي حِكَايَتَهُ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ قَضَاءَ مَا شَرَعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي مِثْلِهِ نَقْضًا عَلَى كَوْنِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتٍ نَاقِصٍ يَجِبُ بَعْدَ خُرُوجِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَأَجَابَ بِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ فَيُعْفَى فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَبَابُ لُزُومِ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَلُزُومُ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِفْسَادِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ صَوْنِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ فَلَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الصَّوْنِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ اشْتِرَاطِ كَمَالِ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ وَلِإِكْمَالِ الْقَضَاءِ فِي الْمَآلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الصِّيَانَةُ لِإِكْمَالِهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ أَدَاءِ الْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ إلْحَاقًا لَهُمَا بِالْوَاجِبِ بِعَيْنِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَوْ يُحْمَلُ نَفْيُ الْجَوَازِ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ مَجَازًا كَمَا فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ مُرَادَهُ الْكَرَاهَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوَافِلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي شُرُوحِهِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا تَجُوزُ النَّوَافِلُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُرَادُ هُوَ الْكَرَاهَةُ. اهـ. مُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِيهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا) أَيْ لِأَنَّهُ وَقْتٌ نَاقِصٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَمَّا النَّفَلُ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الصَّفْحَةِ الْمُقَابِلَةِ لِهَذِهِ. اهـ.

وَالْخُطَبِ الَّتِي فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي الدَّاخِلُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَخْطُبُ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَلَنَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي فَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَالتَّنَفُّلُ يُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ فَيَحْرُمُ فَلَا يُعَارِضُهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ وَهُوَ يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» فَمَا ظَنُّك بِالنَّفْلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ وَقْتَ مَا صَلَّى بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْسَكَ عَنْهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّمَ مَعَهُ حِينَ أَمَرَهُ بِهَا وَالْأَمْرُ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ يُنَافِي الْخُطْبَةَ فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ يُشْهِرَهُ لِيُرَى حَالُهُ مِنْ الْفَاقَةِ وَالْبَذَاذَةِ لِيُعْتَبَرَ بِهِ أَوْ لِيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَأَمْهَلَهُ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ الْمَقْطُوعُ بِهِ بِالْمُحْتَمِلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ) يَعْنِي مَنَعَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِسَبَبِ الْعُذْرِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي وَقْتٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِعْلًا بِأَنْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا بِأَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ جَمْعٌ فِي حَقِّ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا فِي الْوَقْتِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِعُذْرٍ عَنْ الْجَمْعِ فِي عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لِحَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ. وَيَقُولُ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا عَجَّلَ السَّيْرَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُقَدِّمُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُقَدِّمُ الْعِشَاءَ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ وَلَنَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً»؛ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْأُولَى وَتَدْخُلُ الثَّانِيَةُ تَفْرِيطٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُسَافِرَ وَالْمُقِيمَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْرِيطِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ الْجَمْعِ إنْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ، وَكَذَا فَعَلَ بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» فَيَصِيرُ جَامِعًا فِعْلًا لَا وَقْتًا وَيُحْمَلُ تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ بَعْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرَّاوِي ظَنَّ ذَلِكَ. وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنْ «إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ عَصْرَ أَمْسٍ» أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رَوَى ابْنُ جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرِهِ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَلَمَّا أَبْطَأَ قُلْت الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَمَضَى حَتَّى إذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ) الْبَذَاذَةُ التَّوَاضُعُ فِي اللُّبْسِ وَعَدَمُ الزِّينَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: مِثْلَ مَا صَنَعْت وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ أَصْرَحُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالِانْتِظَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: تُحْرَجَ أُمَّتُهُ) أَيْ تَقَعُ فِي الْحَرَجِ.

[باب الأذان]

الْعِشَاءَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ هَكَذَا» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا وَقَالَ نَافِعٌ؛ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ إنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الصَّلَاةَ قَالَ سِرْ حَتَّى إذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْت» وَهَذَا أَصْرَحُ مِنْ الْأَوَّلِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَلْفَاظٌ فِي وَقْتِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي وَقْتِ جَمْعِهِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ فِيهِ وَهْمٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْهَا رِوَايَةُ ابْنِ جَابِرٍ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا وَقَدْ رَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هُوَ غَرِيبٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ مَوْضُوعٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ كَانَ كَثِيرًا مَا يَصِلُ الْحَدِيثَ بِكَلَامِهِ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْجَمْعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحَدِيثُهَا الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ التَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» قِيلَ لَهُ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ قَالَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ وَعَنْهُ «أَنَّهُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ الْجَمْعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكُلُّ جَوَابٍ لَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ كُلِّ مَا يَرْوِيهِ فِي الْجَمْعِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبَرِّ أَنْكَرَ تَأْوِيلَنَا فَقَالَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ الثَّانِي لَكَانَ ذَلِكَ ضِيقًا وَأَكْثَرَ حَرَجًا مِنْ إتْيَانِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْسَعُ وَمُرَاعَاتُهُ أَمْكَنُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ الْوَقْتَيْنِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ إذَا كَانَ يَأْتِي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِهِ أَوَّلَهُ بِمَا أَوَّلْنَاهُ وَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ أَوَّلَهُ بِمَا أَنْكَرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَقُلْنَا إذَا كَانَ الْمُقِيمُ يَتَرَخَّصُ بِالتَّأْخِيرِ فَالْمُسَافِرُ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ خَرَجَ مِنْهُ عَنْ سَهْوٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَرَجِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَإِنَّمَا نَقُولُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ إنْ شَاءَ رُخْصَةً فَانْتَفَى الْحَرَجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْأَذَانِ) الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اهْتَمَّ لِلصَّلَاةِ كَيْف يُعْلِمُونَ بِهَا فَذُكِرَ لَهُ رَايَةٌ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْأَذَانِ] (بَابُ الْأَذَانِ) (قَوْلُهُ: الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ) هَذَا فِي اللُّغَةِ وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ ع وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَبِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَأَنْ يَكُونَ جَهِيرَ الصَّوْتِ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ وَالْمُوَاظِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الَّذِي لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخَلِيفِيِّ لَأَذِنْت لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذِنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَخْبَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْأَذَانُ أَفْضَلُ اهـ. وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ اهـ فَإِنْ قُلْت هَلْ أَذَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ» وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ وَخَرَّجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَذَا فِي شَرْحِ مُغَلْطَاي قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ فَالْوَاجِبُ الْإِجَابَةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَفَاءِ مَنْ بَالَ قَائِمًا وَمَنْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَلَمْ يُجِبْ وَمَنْ سَمِعَ ذِكْرِي وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» وَالْإِجَابَةُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» فَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَكَانَهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّ إعَادَةَ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لَا يُعِيدُهُ السَّامِعُ لِمَا قُلْنَا وَلَكِنَّهُ يَقُولُ صَدَقْت وَبَرَرْت أَوْ مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ السَّامِعُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ سِوَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ وَيَشْتَغِلَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِجَابَةِ كَذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى

فَذُكِرَ لَهُ الشَّبُّورُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَذُكِرَ لَهُ النَّارُ فَقَالَ هُوَ لِلْمَجُوسِ فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأُرِيَ الْأَذَانَ فَغَدَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بِلَالٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُنَّ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ الْأَذَانُ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ لَضَرَبْته وَحَبَسْته عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِ الْفُرُوضِ وَقِيلَ لَا يَدُلُّ قَوْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ. فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ تَرَكُوا سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَقِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ السُّنَّةُ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ كَيْفَ يُصَلِّي وَذَكَرَ لَهُ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لَهُ، وَلَوْ كَانَا فَرْضًا لَذَكَرَهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْأَمْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالسُّنَّةُ تَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِلَا تَرْجِيعٍ وَلَحْنٍ) أَمَّا كَوْنُهُ بِلَا تَرْجِيعٍ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ التَّرْجِيعُ لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ. وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيعٍ وَأَذَانُ بِلَالٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَضَرًا وَسَفَرًا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيعٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَلْقِينُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ كَانَ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ هُوَ تَرْجِيعًا، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي يَوْمِ أَسْلَمَ أَخْفَى كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ارْجِعْ فَمُدَّ بِهَا صَوْتَك؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَسَائِرِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ، وَأَمَّا اللَّحْنُ الْمُرَادُ بِهِ التَّطْرِيبُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنٌ يُطْرِبُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ» وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَنَا أَبْغَضُك فِي اللَّهِ إنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك أَيْ تُطْرِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَذُكِرَ لَهُ الشَّبُّورُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ شَيْءٌ يُنْفَخُ فِيهِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأُرِيَ الْأَذَانَ إلَى آخِرِهِ) وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي ثُبُوتِ الْأَذَانِ بِالرُّؤْيَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهَا الرُّؤْيَا حَقٌّ» وَالرُّؤْيَا الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَقِيقَتِهَا مُلْحَقَةٌ بِالْوَحْيِ وَقَدْ تَأَيَّدَتْ رُؤْيَا ابْنِ زَيْدٍ بِرُؤْيَا مَنْ تَنْطِقُ السَّكِينَةُ عَلَى لِسَانِهِ وَهُوَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ السُّهَيْلِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ الْحِكْمَةَ فِي ثُبُوتِهِ بِالرُّؤْيَا دُونَ الْوَحْيِ أَنَّ تَعْظِيمَ الْإِنْسَانِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ أَعْظَمُ وَأَقْرَبُ إلَى الْقَبُولِ فَإِظْهَارُهُ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَقِظَةِ؛ لِأَنَّهُ وَحْيٌ وَالْوَحْيُ مُخْتَصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنَامِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ الْأَذَانَ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَبِهَذِهِ الرُّؤْيَا تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَاهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ: إنَّهُ ثَبَتَ بِأَذَانِ الْمَلَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْحِجَابِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَقِيلَ بِتَأْذِينِ جِبْرِيلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ بِمَكَّةَ فَكَيْفَ تَأَخَّرَ وَكَيْفَ اهْتَمُّوا لِتَعْيِينِ الْعَلَامَةِ وَاخْتَلَفَ آرَاؤُهُمْ فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْمَلَكِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْبَشَرِ فَتَأَخَّرَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ وَحْيًا أَوْ رُؤْيَا صَادِقَةً مُلْحَقَةً بِالْوَحْيِ. هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ نِظَامِ الدِّينِ يَحْيَى السِّيرَامِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبْت مِنْ خَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ أَقُولُ ثُبُوتُ الْأَذَانِ وَهُوَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ بِالرُّؤْيَا فِيهِ فَوَائِدُ الدَّلَالَةِ، عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا خَيَالٌ بَاطِلٌ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَظُهُورُ ثُبُوتِهِ مَنَامًا كَمَا ظَهَرَتْ يَقِظَةً وَتَعْظِيمُ شَأْنِ الدِّينِ رُئِيَ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَيْثُ ثَبَتَ بِهَا مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَمَعَالِمِ الدِّينِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا لَهُ) أَيْ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: تَثْبُتُ بِالْمُوَاظَبَةِ) أَيْ لَا بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيعٍ) التَّرْجِيعُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ خَفَضَ بِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَحْنٍ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ بِلَا تَرْجِيعٍ وَلَحْنٍ يُقَالُ لَحَنَ فِي الْقِرَاءَةِ طَرِبَ وَتَرَنَّمَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَلْحَانِ الْأَغَانِي فَلَا يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْ حُرُوفِهِ وَلَا يَزِيدُ فِي أَثْنَائِهِ حَرْفًا، وَكَذَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ كَيْفِيَّاتِ الْحُرُوفِ كَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْمَدَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِلَا تَغْيِيرٍ فَإِنَّهُ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ) فَإِنْ قِيلَ أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَوَّلِ شَرْعِ الْأَذَانِ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا قِيلَ لَهُ أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَبِلَالٌ يُؤَذِّنُ مَعَهُ وَبِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا تَرْجِيعٍ فَقَدْ أَقَرَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ أَذَانُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؛ وَلِأَنَّ مَا يَخْفِضُ بِهِ صَوْتَهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةُ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ فَإِنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ أَخْلَصَ فِي إيمَانِهِ مِنْ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ حَيَاءٌ مِنْ قَوْمِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: ارْجِعْ فَمُدَّ بِهَا صَوْتَك) وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَكَرِهَهُ وَمَنَعَهُ فَقِيلَ لَهُ لِمَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ مَا اسْمُك قَالَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ أَيُعْجِبُك أَنْ يُقَالَ لَك يَا مُوحَامَدُ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ هَذَا فِي الْأَذَانِ فَفِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْلَى اهـ فَتْحٌ

[كيفية الأذان والإقامة]

الْكِتَابِ الْخَطَأَ فِي الْإِعْرَابِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، وَكَذَا لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ فِي حَالِ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْفَرَائِضِ عَنْ التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالْمَنْذُورِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالضُّحَى وَالْأَفْزَاعِ وَالْوِتْرِ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْعِشَاءِ لَا يَقَعُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحٍ أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «بِلَالًا جَاءَ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَعْدَ الْأَذَانِ فَقَالَ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَتْ لَهُ إنَّ الرَّسُولَ نَائِمٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك»؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزِيدُ بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِمَا وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهَا فُرَادَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أُمِرَ بِأَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَلَنَا مَا اُشْتُهِرَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ أَقَامَ كَذَلِكَ وَقَالَ أَبُو مَحْذُورَةَ «عَلَّمَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» وَإِنَّمَا قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ النَّخَعِيّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَقَصَ الْإِقَامَةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ أَبُو الْفَرْجِ كَانَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَثْنًى مَثْنًى فَلَمَّا قَامَ بَنُو أُمَيَّةَ أَفْرَدُوا الْإِقَامَةَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مِثْلَ الْأَذَانِ حَتَّى كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ فَجَعَلُوهَا وَاحِدَةً لِلسُّرْعَةِ إذَا خَرَجُوا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ كَانَ بِلَالٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُ مَثْنًى وَيُقِيمُ مَثْنًى بِتَوَاتُرِ الْآثَارِ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فُرَادَى لَأَفْرَدَ، قَوْلُهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا وَمَا سُمِّيَتْ الْإِقَامَةُ إلَّا لِأَجْلِهَا تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ وَلَا حُجَّةَ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا رَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَمْرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ غَيْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ بِلَالًا امْتَثَلَ لِأَمْرِهِ أَيْضًا بَلْ نَقَلَ إلَيْنَا مُخَالَفَتَهُ فِعْلًا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَاتِرَ عَنْهُ. [كَيْفِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ (وَيَحْدُرُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بِلَالُ إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ فِي أَذَانِك وَإِذَا أَقَمْت فَأَحْدِرْ وَاجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ» وَالتَّرَسُّلُ التَّمَهُّلُ يُقَالُ عَلَى رِسْلِك وَجَاءَ فُلَانٌ عَلَى رِسْلِهِ وَالْحَدْرُ الْإِسْرَاعُ يُقَالُ حَدَرَ فِي قِرَاءَتِهِ وَحَدُّهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَتِي الْأَذَانِ بِسَكْتَةٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ شَيْئَانِ يُجْزَمَانِ كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَعْنِي عَلَى الْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةً وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَقْبَلُ بِهِمَا الْقِبْلَةُ)؛ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمَلَكُ النَّازِلُ أَذَّنَ وَأَقَامَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُشْتَمِلَانِ عَلَى الثَّنَاءِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الذَّاكِرِينَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَيُكْرَهُ لِتَرْكِهِ الْمُتَوَارَثَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّلَامِ فِيهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْأَذَانُ سُنَّةٌ قُلْنَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالتَّأْخِيرِ لِعُذْرِ الْأَذَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ؛ وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ فِيهِ وَلَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ وَحْدَهُ لَا يُحَوِّلُ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) لَعَلَّهُ التَّلْحِينُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ «قَرَأَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا» اهـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّطْرِيبِ فِي الْأَذَانِ وَهُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَغَيَّرَ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِلَحْنٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كُرِهَ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَذْكَارِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَا بَأْسَ بِهِ بِإِدْخَالِ مَدٍّ وَنَحْوِهِ اهـ. وَفِيهِ قَبِيلَ فَصْلِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ بِالْأَلْحَانِ إنْ غَيَّرَ الْكَلِمَةَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا عُرِفَ فَإِنْ كَانَ فِي حَرْفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَهِيَ الْيَاءُ وَالْأَلِفُ وَالْوَاوُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى إلَّا إذَا فَحُشَ وَإِنْ قَرَأَ بِالْأَلْحَانِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَرِهُوا ذَلِكَ وَكَرِهُوا الِاسْتِمَاعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْفَسَقَةِ بِمَا يَفْعَلُونَهُ فِي فِسْقِهِمْ، وَكَذَا التَّرْجِيعُ بِالْأَذَانِ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ اهـ فَقَوْلُهُ: وَكَذَا التَّرْجِيعُ بِالْأَذَانِ مُرَادُهُ بِهِ التَّلْحِينُ وَالتَّطْرِيبُ وَفِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى التَّرْجِيعُ بِالْقِرَاءَةِ هَلْ يُكْرَهُ كَأَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِالْأَلْحَانِ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى يُكْرَهُ هَذَا النَّوْعُ فِي الْأَذَانِ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ التَّرْجِيعَ هُوَ التَّلْحِينُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَحْدُرُ فِيهَا) هُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا بِلَالُ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ «وَإِذَا أَقَمْت فَأَحْدِرْ» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَسْرِعْ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ فَيَثْبُتُ الْوَقْفُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ الْمُتَوَارَثَ) أَيْ الْمَعْهُودَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّلَامِ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا أَمَامَهُ) أَيْ لَا يَأْتِي بِهِمَا أَمَامَهُ اهـ

[التأذين للفائتة]

لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ فَلَا يُتْرَكُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحُ فِي الشِّمَالِ، وَقِيلَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَالْفَلَاحُ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ الصَّوْمَعَةُ مُتَّسِعَةً فَيَسْتَدِيرُ وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْهَا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَا يَسْتَدِيرُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَذَانِ بِلَالٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْعَلُ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ إصْبَعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ إذْ لَيْسَ هُوَ فِي أَذَانِ صَاحِبِ الرُّؤْيَا وَلَمْ يُشْرَعْ لِأَصْلِ الْإِعْلَامِ بَلْ لِلْمُبَالَغَةِ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ وَبَيَّنَ الْحِكْمَةَ بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَإِنْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ وَوَضَعَهَا عَلَى أُذُنَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُثَوِّبُ) وَمَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبَلْخِيّ وَأَبُو يُوسُفَ عَنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِ أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي الْفَجْرِ بَعْدَ الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَالْعَوْدِ إلَى الْإِعْلَامِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَتَثْوِيبُ كُلِّ بِلَادٍ عَلَى مَا تَعَارَفَ أَهْلُهَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْفَجْرِ، ثُمَّ يَقْعُدَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يُثَوِّبَ، ثُمَّ يَقْعُدَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُقِيمَ وَهُوَ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً وَكُرِهَ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَقِّ أُمَرَاءِ زَمَانِهِ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا مِثْلَهُمْ فَلَا يُخَصُّونَ بِشَيْءٍ وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك نَفَسًا يَفْرُغُ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ وُضُوئِهِ مَهْلًا وَالْمُتَعَشِّي مِنْ عَشَائِهِ»؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبَ السَّامِعُونَ بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا لِيَحْصُلَ بِهِ الْمَقْصُودُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَ الْفَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً وَفِي الظُّهْرِ قَدْرَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَفِي الْعَصْرِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا عِشْرِينَ آيَةً وَالْعِشَاءِ كَالظُّهْرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ إنْ شَاءَ» وَفِي الْمَغْرِبِ لَا يَجْلِسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً؛ لِأَنَّ الْوَصْلَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْصُلُ الْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ لِوُجُودِهَا بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَيَجْلِسُ كَمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَكَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيَكْتَفِي بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ فِيهَا مُتَّحِدٌ، وَكَذَا النَّغْمَةُ فِيهَا مُتَّحِدَةٌ وَفِي مَسْأَلَتِنَا كِلَاهُمَا مُخْتَلِفٌ وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَتَرَسَّلَ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ فِي الْإِقَامَةِ وَمِقْدَارُ السَّكْتَةِ عِنْدَهُ قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ قَدْرُ مَا يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ وَعِنْدَهُمَا يَجْلِسُ مِقْدَارَ الْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ فَرْضٍ كَانَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً يُؤَذَّنُ لَهُ وَيُقَامُ سَوَاءٌ أَدَّاهُ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَكْرُوهٌ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الْأُولَى الْفَوَائِتُ) يَعْنِي، وَكَذَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى مِنْهَا وَيُقِيمُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا نَرْوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَذَانِ (لِلْبَاقِي) أَيْ فِيمَا عَدَا الْأُولَى إنْ شَاءَ أَذَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ) حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً عِنْدَ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا وَفِي الْبُسْتَانِ لَا يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ إلَّا لِإِنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ، ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْأَذَانُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ سَائِرَ الْجَوَانِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ) أَيْ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ بِأَنْ كَانَتْ صَوْمَعَتُهُ صَغِيرَةً. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَحَسَنٌ) أَيْ الْأَذَانُ حَسَنٌ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُوصَفَ تَرْكُهُ بِالْحَسَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: أَصَابِعُهُ الْأَرْبَعُ) أَيْ الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ مِنْ كُلِّ يَدٍ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ دُنْيَاهُمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ) هُوَ مِنْ التَّغْلِيبِ إذْ الْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَصْلَ) أَيْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. [التأذين للفائتة] (قَوْلُهُ: إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ، وَإِلَّا مَا تُؤَدِّيهِ النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيهِ بِجَمَاعَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ الْإِفْرَادِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِمَا رُوِيَ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ اهـ

[أذان الجنب والمرأة والمحدث والسكران]

وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَغَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ»؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأُولَى تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْبَاقِي بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إنَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا خِلَافَ فِيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَ وَقْتٍ وَيُعَادُ فِيهِ) أَيْ يُعَادُ فِي الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ»؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَأَهَّبُوا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْإِمَامِ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ قَالَ اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانُ فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُنَادِيَ إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» وَلَيْسَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَاهُ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفِعْلِ بِلَالٍ وَنَهَاهُ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ وَفِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَالثَّانِي - أَنَّ أَذَانَهُ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ وَلِهَذَا عَتَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَكَى وَقَالَ لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَصْعَدُ هَذَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ. وَالثَّالِثُ - قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ «بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْعَامِّ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ قُلْنَا هَذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانًا وَإِنَّمَا كَانَ تَذْكِيرًا وَتَسْحِيرًا كَالْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي رَمَضَانَ وَإِنْكَارُ السَّلَفِ عَلَى مَنْ أَذَّنَ بِلَيْلٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك وَسَمِعَ عَلْقَمَةُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ نَائِمًا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَأَمْثَالُهُ كَثِيرَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَهُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ يُؤَدِّي إلَى الْتِبَاسِ أَذَانِ الْفَجْرِ بِأَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِلَى وُقُوعِ أَذَانِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَهَذَا مُحَالٌ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَسَادُهُ وَهَذِهِ التَّوْقِيتَاتُ الَّتِي وَقَّتُوهَا مِنْ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَجَمِيعِ اللَّيْلِ مُخْتَرَعَةٌ لَمْ تُرْوَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ الْمُحْدِثِ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ) أَمَّا أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ»؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ فَيُكْرَهَانِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَيُعَادَانِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يُعَادَانِ فِي أُخْرَى وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ دُونَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ دُونَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْمُحْدِثِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ إقَامَتُهُ وَفِي كَرَاهِيَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ رِوَايَتَانِ كَإِقَامَتِهِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَابَةِ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ) أَيْ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ مَالَ إلَى إيقَاعِ الْقَضَاءِ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ فَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى كَوْنِ الْأَذَانِ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ فَيَكْتَفِي بِالْإِقَامَةِ قِيلَ إذَا كَانَ الرِّفْقُ مُتَعَيِّنًا فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا كَقَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ وَالرِّفْقُ هُنَا مُتَعَيَّنٌ فِي مُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَتَخَيَّرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْفَرَائِضِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ) أَيْ مِنْ التَّخْيِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ فِيهَا) أَيْ فِي أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ بِلَا تَخْيِيرٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا حَجَّ مَعَ الرَّشِيدِ رَأَى وُقُوفَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا رَجَعَ فَأَفْتَى بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَرَجَعَ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إحْدَاهُمَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ تَقْدِيرُهُ الصَّاعَ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَالثَّالِثَةُ أَذَانُ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي رَوَّادٍ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ ابْنُ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ) أَيْ قَدْ أَذَّنَ فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ. اهـ. رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ شَيْئًا». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَا يَنْزِلُ هَذَا) أَيْ بِلَالٌ (قَوْلُهُ: وَيَصْعَدُ هَذَا) أَيْ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ (قَوْلُهُ: فَيُصِيبُهُ أَحَدُهُمَا) وَهُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُخْطِئُهُ الْآخَرُ) وَهُوَ بِلَالٌ لِمَا لَمْ يُبْصِرْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْكَارِ السَّلَفِ. اهـ. . [أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران] (قَوْلُهُ: إلَّا مُتَوَضِّئٌ) فَالْإِقَامَةُ أَوْلَى لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعِدْ) أَيْ الْأَذَانَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ اهـ

مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَشَبَهًا بِغَيْرِهَا فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَأَمَّا أَذَانُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ حِينَ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِنَّ فَيَكُونُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ انْتِسَاخِ جَمَاعَتِهِنَّ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشْهِرَ نَفْسَهُ وَيُؤَذِّنَ عَلَى الْمَكَانِ الْعَالِي وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِهَذَا «جَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» وَيُعَادُ أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا لِوُقُوعِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ فَلِأَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ أَذَّنَ قَائِمًا؛ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ أَبْلَغُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْأَذَانِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِفِسْقِهِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَيْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا»؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا يُسْقِطُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسَافِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَحْضُرَ الْمُتَفَرِّقُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي الْمِصْرِ إذَا وُجِدَا فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُقِيمَ قَدْ وَجَدَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّبُوا مُؤَذِّنًا صَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَا لَهُمَا لَا لِلنِّسَاءِ) أَيْ نُدِبَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِي بَيْتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ لَا لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَعَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَرَاهِيَتُهُمَا لَهُنَّ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبِيدِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ التَّكْبِيرُ عَقِيبَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِهَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ قُلْنَا لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّبَهِ قُلْنَا يُكْرَهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ الشَّبَهُ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَفِي الْجَنَابَةِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَيَلْغُو الْعَمَلُ بِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَشُبِّهَا بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ (قَوْلُهُ: فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (قَوْلُهُ: وَيُعَادُ أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ أَذَانِ أَرْبَعَةٍ الْجُنُبُ وَالْمَرْأَةُ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْأَذَانَ أَصْلًا فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَاكِبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَنْزِلَ لِلْإِقَامَةِ اهـ، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ أَذَانَ الرَّجُلِ أَفْضَلُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ سُقُوطُ الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِي الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي بِأَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ نَقْلًا مِنْ الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا أَيْ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا تَسْقُطُ لَوَازِمُهَا الشَّرْعِيَّةُ أَعْنِي دُعَاءَهُمْ فَالتَّرْكُ لِلْكُلِّ حِينَئِذٍ تَرْكٌ لِلْجَمَاعَةِ صُورَةً وَتَشَبُّهًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَتَرْكُ الْمَجْمُوعِ لَوَازِمُهَا إنْ كَانَتْ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَارِكِهِمَا فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ) الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى آخِرِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَقَالَ يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُمْ؛ وَلِأَنَّ مُؤَذِّنَ الْحَيِّ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَصَّبُوهُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ كَأَذَانِ الْكُلِّ وَإِقَامَتِهِمْ وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ

[باب شروط الصلاة]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ) أَيْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ (طَهَارَةُ بَدَنِهِ مِنْ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «اغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَحَلُّ زِينَتِكُمْ وَالْمُرَادُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ فِي الْأَوَّلِ وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» أَيْ الْبَالِغَةِ، وَالثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ مَعْنًى وَشَرَطَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ سَتْرَ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى فَرْجَهُ مِنْ زِيقِهِ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَلْتَصِقْ بِصَدْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ وَسَتَرَ بِهَا يَجُوزُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ السِّتْرِ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَجُوزُ وَعَامَّتُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا السَّتْرَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا. وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحْلُولَ الْجَيْبِ فَنَظَرَ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَهُ لَكِنْ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ إنْسَانٌ مِنْ تَحْتِهِ رَأَى عَوْرَتَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَاشِفٍ لِلْعَوْرَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاةُ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا تُشْبِهُ فِعْلَ أَهْلِ الْجَفَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَوْرَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ» وَيُرْوَى مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ، وَكَلِمَةُ إلَى نَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ حَدَثٍ) أَيْ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ اهـ ع قِيلَ: إنَّمَا قَدَّمَ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَيْسَ بِعَفْوٍ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ النَّجَسِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ تَنَجَّسَ وَالْجُنُبُ أَوْ الْمُحْدِثُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يَنْجُسُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ (فَرْعٌ) النَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا سَوَاءٌ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةٍ فِي الْفَرْضِ وَثَلَاثَةٍ فِي السُّنَّةِ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَتَرْكُ الْقِيَامِ فِيهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَوَازُهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ وَجَوَازُهَا بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَرَاهَةُ فِعْلِهَا فِي جَمَاعَةٍ وَأَنْ لَا يُؤَذِّنَ لَهَا وَأَنْ يَقْعُدَ فِي تَشَهُّدِهَا كَيْفَ شَاءَ كَالْمَرِيضِ لَا يُسَنُّ لَهُ قُعُودٌ دُونَ قُعُودٍ اهـ صَلَاةٌ جَلَّابِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَخَبَثٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ مُغَلَّظَةً كَانَتْ أَوْ مُخَفَّفَةً اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَكَانُهُ) فَهَلْ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَكَانِ الْمَيِّتِ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يُنْظَرُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى الْهَامِشِ. (مَسْأَلَةٌ) صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَعَلَى جَانِبِهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ وَقِيَامُهُ عَلَى الطَّاهِرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ صَغِيرًا كَانَ الْبِسَاطُ أَوْ كَبِيرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْبِسَاطُ كَبِيرًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ هُوَ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَحَدَ طَرَفَيْهِ لَا يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ الْآخَرُ فَهُوَ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ الطَّرَفُ الْآخَرُ فَهُوَ صَغِيرٌ وَاسْتَدَلُّوا بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ قَالَ إنْ كَانَ ثَوْبٌ طَوِيلٌ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ وَتَوَشَّحَ بِطَرَفِهِ الطَّاهِرِ وَصَلَّى وَطَرَفُهُ النَّجَسُ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الطَّرَفُ النَّجَسُ الْمُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ يَتَحَرَّكُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَجَعَلُوا حُكْمَ الْبِسَاطِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. طح. (قَوْلُهُ: إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ) أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ عَيْنِ الزِّينَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَأُرِيدَ مَحَلُّهَا وَهُوَ الثَّوْبُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِي) أَيْ فَإِنَّ السِّتْرَ لَا يَجِبُ لِعَيْنِ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ سِتْرَهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ وَلَمْ يَسْتُرْ عَوْرَتَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ وَرَدَتْ فِي الطَّوَافِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَهَا هُنَا اللَّفْظُ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فَيُمْنَعُ الْقَصْرُ عَلَى مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي سَبَبٍ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا سِوَاهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَإِنْ عَمَّ اللَّفْظُ وَهَا هُنَا تَنَاوَلَتْ الطَّوَافَ الَّذِي وَرَدَتْ لِأَجْلِهِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ لَا الِافْتِرَاضِ حَتَّى لَوْ طَافَ عُرْيَانًا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ قُلْنَا الْأَمْرُ يُحْمَلُ عَلَى الِافْتِرَاضِ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ السِّتْرِ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَلَا دَلِيلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ فَرْضًا. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِجْمَاعُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَمْنُوعَةٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: الْبَالِغَةُ) هُوَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ إذْ الْحَيْضُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْبُلُوغِ أَوْ ذَكَرَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ بِهِ اللَّازِمَ فَإِنَّ كُلَّ حَائِضٍ بَالِغَةٌ وَلَا يَنْعَكِسُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَيْ وَتَجُوزُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ نَجَاسَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ) أَيْ إزَارٌ وَرِدَاءٌ (قَوْلُهُ: أَهْلُ الْجَفَاءِ) أَيْ الْغِلْظَةُ وَالْمُرَادُ الْعَوَامُّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى نَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ الْعَانَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي الْإِبْدَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الِاتِّزَارِ وَفِي الْمَنْعِ عَنْ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ نَوْعُ حَرَجٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ التَّعَامُلُ بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى) أَيْ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ لَمْ يُعْرَفْ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَلِمَةٌ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِ حَدِيثِ الرُّكْبَةِ مِمَّا يُحْتَجُّ وَلَهُ طَرِيقَانِ مَعْنَوِيَّانِ وَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ قَدْ تَدْخُلُ وَقَدْ تَخْرُجُ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ فَحَكَمْنَا بِدُخُولِهَا احْتِيَاطًا وَأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَاجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَا مُمَيِّزَ وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَجْهُ كَوْنِ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ الِاحْتِيَاطِ. اهـ. كَمَالٌ

أَوْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالرُّكْبَةَ مِنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَالْمُرَادُ مَحَلُّ زِينَتِهِنَّ وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَاسْتَثْنَى فِي الْمُخْتَصَرِ الْأَعْضَاءَ الثَّلَاثَةَ لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهَا؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُحْرِمَةَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ» وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ مِنْ الْعَوْرَةِ لَمَا حَرُمَ سَتْرُهُمَا بِالْمِخْيَطِ وَفِي الْقَدَمِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ) يَعْنِي جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكُلِّ كَمَا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ حَلَالًا فِي أَوَانِهِ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ قَبْلَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَمْنَعُ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ وَلَا يُمْنَعُ فِي أُخْرَى لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الشَّعْرُ وَالْبَطْنُ وَالْفَخِذُ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ) يَعْنِي رُبْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُضْوٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْ الرَّأْسِ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا عَلَى الرَّأْسِ لَا مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْهُ وَالْغَلِيظَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقَدْ سَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبْعِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ فِي الْغَلِيظَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ اعْتِبَارًا بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا غِلَظٌ؛ لِأَنَّ تَغْلِيظَهُ يُؤَدِّي إلَى تَخْفِيفِهِ أَوْ إلَى الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ مَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ كَشْفَ جَمِيعِ الْغَلِيظَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يَمْنَعُ وَرُبْعُ الْخَفِيفَةِ يَمْنَعُ فَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ. وَالِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، حَتَّى لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ كُلُّهَا وَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّرٌ بِمَا لَا يُؤَدِّي فِيهِ الرُّكْنَ وَإِنْ أَحْرَمَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهَا، وَكَذَا مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الدِّيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُضَمُّ الذَّكَرُ إلَى الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِيلَادُ وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّبُرِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ كُلِّ أَلْيَةٍ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالدُّبُرُ ثَالِثُهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ثَالِثُهُمَا وَالرُّكْبَةُ تُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا فِي رِوَايَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ فَيَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً فَهِيَ تَبَعٌ لِصَدْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْكَسِرَةً فَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ») هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْكَمَالُ وَعُقْبَةُ هَذَا هُوَ الْيَشْكُرِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَفِي الدِّرَايَةِ، وَاعْتُرِضَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكَفِّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لُغَةً يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَلِهَذَا يُقَالُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا يَتَنَاوَلُ ظَهْرَهُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَمَنْ تَأَمَّلَ قَوْلَ الْقَائِلِ الْكَفُّ يَتَنَاوَلُ ظَاهِرُهُ أَغْنَاهُ عَنْ تَوْجِيهِ الدَّفْعِ إذْ إضَافَةُ الظَّاهِرِ إلَى مُسَمَّى الْكَفِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي الْغِنَى ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَ بِعَوْرَتَيْنِ إلَى الرُّسْغِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ الْكَفِّ عَوْرَةٌ بَاطِنُهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ ذِرَاعَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَاكِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي الذِّرَاعِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَوْرَةٌ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَيْسَ عَوْرَةً وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَحِلُّ النَّظَرِ مَنُوطٌ بِعَدَمِ خَشْيَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَوْرَةِ وَلِذَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَوَجْهُ الْأَمْرَدِ إذَا شَكَّ فِي الشَّهْوَةِ وَلَا عَوْرَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْآيَةِ مَا ظَهَرَ) أَيْ فَالْقَدَمُ لَيْسَ مَوْضِعَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَادَةً وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] يَعْنِي قَرْعَ الْخَلْخَالِ قَالَ فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: بِالْمِخْيَطِ) لَيْسَ لَهُ مَعْنًى اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرُ السَّاقِ (قَوْلُهُ: لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ) لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ هُوَ الْقَلِيلُ وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِقَلِيلٍ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَلَا يَكُونُ عَفْوًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ) أَيْ لِأَنَّ النِّصْفَ لَيْسَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُضْوٌ كَامِلٌ أَيْ وَلِهَذَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَهَا وَلَمْ يَنْبُتْ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ جَعَلَ الشَّعْرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ لِلتَّغْلِيبِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْآدَمِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا اُسْتُرْسِلَ) أَيْ وَهُوَ مَا نَزَلَ تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَى الرَّأْسِ فَتَابِعٌ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْبَعْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ سَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ وَكَشْفُ رُبْعِ سَاقِهَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: مَا لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ) وَهُوَ الدُّبُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرُهَا لَا يَمْنَعُ) وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ قِيلَ إنَّ الْغَلِيظَةَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مَعَ مَا حَوْلَهُمَا فَيَجُوزُ كَوْنُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ. اهـ. فَتْحٌ وَالِانْكِشَافُ الْقَلِيلُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ وَإِنْ كَشَفَهَا بِفِعْلِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرُّكْبَةُ تُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا) أَيْ فَكَشْفُ رُبْعِهَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ) أَيْ فَخِذُ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ وَسَاقُهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَالرُّكْبَةُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَبَعًا لِلْفَخِذِ دُونَ السَّاقِ فَجُعِلَتْ عَوْرَةً تَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ) أَيْ فَتُجْعَلُ الرُّكْبَةُ مِنْ الْفَخِذِ لَا مِنْ السَّاقِ

أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَأُذُنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ بِانْفِرَادِهَا وَإِنْ انْكَشَفَتْ الْعَوْرَةُ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ تَجْمَعُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ امْرَأَةً صَلَّتْ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَرْجِهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَخِذِهَا وَلَوْ جُمِعَ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا مَنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الطِّيبُ الْمُتَفَرِّقُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَالنَّجَاسَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَدْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْقَلِيلَ يَمْنَعُ وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ الْمُنْكَشِفِ بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ مَثَلًا وَنِصْفُ ثُمُنِ الْأُذُنِ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ وَأَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ وَمِثْلُهُ نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَمَةُ كَالرَّجُلِ) يَعْنِي فِي الْعَوْرَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْقِ عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؛ وَلِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَاجَةِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَاعْتُبِرَ حَالُهَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا عَوْرَةٌ)؛ لِأَنَّ لَهُمَا مَزِيَّةً كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلِهَذَا لَوْ جَعَلَ امْرَأَتَهُ كَظَهْرِ أُمِّهِ الْأَمَةِ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا وَالظِّهَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ فَإِذَا حَرُمَ عَلَى الِابْنِ فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ وَيَدْخُلَ فِي هَذَا الْجَوَابِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُجُودِ الرِّقِّ وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي صَلَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَا أَحْدَثَتْ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ أَوْ بَعْدَهُ تَقَنَّعَتْ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ مِنْ سَاعَتِهَا وَبَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا وَإِنْ أَدَّتْ رُكْنًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا كَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا فِي صَلَاتِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ لَزِمَهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَالْعُرْيَانُ لَزِمَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَيَسْتَقْبِلُ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ فِيهَا مَاءً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ طَاهِرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ يَلِي الْأَوَّلَ فِي الْفَضْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَتْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأُذُنُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ كَذَا فِي الْقَنِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمْعٌ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ إلَخْ) أَيْ أَقَلُّ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي انْكَشَفَ أَبْعَاضُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَقُولُ إنْ اُعْتُبِرَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْ الْمُنْكَشِفِ لَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ وَهُوَ الْمُرَادُ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ فَيَبْطُلُ احْتِيَاطًا. اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَتْ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ الْعِتْقُ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ وَعِنْدَنَا فِي التَّعْلِيقَاتِ الْمَحْضَةِ يُقْتَصَرُ الْعِتْقُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا يَتَقَدَّمُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ صَلَاتُهَا وَتُعْتَقُ بَعْدَ وُجُودِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةُ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: أَنْ يَعْتَبِرَ بِالْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَجْزَاءِ الْعَوْرَاتِ الْمُنْكَشِفَةِ لَا بِأَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا فَلَوْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ قَدْرَ رُبْعِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيَانُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بَيَانُ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى ذَلِكَ الْمَحْذُورِ اهـ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثَمَنِ الْفَخِذِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْقَنِيَّةِ نَقْلًا مِنْ الرِّوَايَاتِ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا فِي صَلَاتِهَا وَمِنْ فَخِذِهَا شَيْءٌ وَمِنْ سَاقِهَا شَيْءٌ وَمِنْ ظَهْرِهَا شَيْءٌ وَمِنْ بَطْنِهَا فَلَوْ جُمِعَ يَكُونُ قَدْرَ رُبْعِ شَعْرِهَا أَوْ رُبْعِ فَخِذِهَا أَوْ رُبْعِ سَاقِهَا لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا نَصٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ وَالنَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالِاتِّسَاعِ بَلْ بِالْقَدْرِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَكْشُوفَ مِنْ الْكُلِّ لَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ تُسْعُهَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ اهـ قَوْلُهُ: كُلُّهَا عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَوْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ رُبْعَهُ فَيُمْنَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ) وَهُوَ جَمِيعُ الْفَخِذِ وَالْأُذُنِ اهـ (قَوْلُهُ: نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ اهـ: (قَوْلُهُ: يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ) وَهِيَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِانْكِشَافِ رُبْعِ الْجَمِيعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَا دَفَارِ) أَيْ يَا مُنْتِنَةِ (قَوْلُهُ: مَهْنَتُهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ مِنْ مَهَنَ الْقَوْمُ خَدَمَهُمْ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُمَا مَزِيَّةً) أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فِي الِاشْتِهَاءِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَسْعَاةُ) الْمُسْتَسْعَاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ حُرَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: تَقَنَّعَتْ) هُوَ جَوَابٌ وَقَوْلُهُ: بِعَمَلٍ رَفِيقٍ أَيْ بِأَنْ تَقَنَّعَتْ بِيَدِهَا الْوَاحِدَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا حَرِيرًا لَا يُصَلِّي عُرْيَانًا بَلْ يُصَلِّي فِيهِ إلَّا عِنْدَ أَحْمَدَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى عُرْيَانًا إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ عُرْيَانَ مَعَهُ ثَوْبُ دِيبَاجٍ وَثَوْبُ كِرْبَاسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ فِي الدِّيبَاجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجَسًا. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى مَعَ الثَّوْبِ النَّجَسِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْجِلْدِ أَغْلَظُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَزُولُ بِالْغُسْلِ ثَلَاثًا بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ اهـ

الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُؤَمِّيًا بِهِمَا إمَّا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ هَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَجِدُ ثَوْبًا فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ كَانَ الْإِيمَاءُ جَائِزًا حَالَةَ الْقِيَامِ لَمَا اسْتَقَامَ هَذَا الْكَلَامُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّطَهُّرِ سَقَطَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خِطَابُ السَّتْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الطَّاهِرِ فِي حَقِّهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السَّتْرُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ سَقَطَ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكُ فُرُوضٍ وَهُوَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَفِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَرْكُ فَرْضٍ وَاحِدٍ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ فَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَمْنَعُهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا قَائِمًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَقَدْ أَتَى بِبَدَلِهَا وَهُوَ الْإِيمَاءُ فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لَهَا لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْأَصْلِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِبَلِيَّتَيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ مِثَالُهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ، ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ. وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ وَلَوْ كَانَ دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبْعِ وَدَمُ الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا دَمًا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبْعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبْعِ صَلَّى فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً وَلَوْ كَانَ رُبْعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرًا وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي هُوَ رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا قَدْرُ مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا وَرُبْعَ رَأْسِهَا فَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عُدِمَ ثَوْبًا صَلَّى قَاعِدًا مُؤَمِّيًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْكَسَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَخَرَجُوا عُرَاةً فَكَانُوا يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إيمَاءً بِرُؤْسِهِمْ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ تَابَعَهُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِبَلِيَّتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّ صَوَابَهُ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ بَلِيَّتَيْنِ أَوْ ابْتَلَى بِإِحْدَى بَلِيَّتَيْنِ غَيْرِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ مَنْ ابْتَلَى بِهِمَا لَا يَسْلَمُ مِنْهُمَا فَكَيْفَ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ قَامَ أَوْ قَعَدَ سَلِسَ بَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَلْقَى لَمْ يَسْلُسْ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا مَعَ الْبَوْلِ وَإِنْ اسْتَوَى الْكُلُّ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ لَكِنْ فِيمَا قُلْنَا إحْرَازُ الْأَرْكَانِ وَلِهَذَا يُصَلِّي الْعُرْيَانُ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَجُوزُ مُسْتَلْقِيًا وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الِاسْتِلْقَاءِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَا تُعْتَبَرُ مَعَ الْحَدَثِ فَكَانَ هَذَا أَيْسَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ. اهـ. غَايَةٌ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ: فِي الْفَصْلَيْنِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ صَلَّى مَنْ بِهِ جُرْحٌ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ صَلَّى الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا بِلَا قِرَاءَةٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ نَقَلَ عَنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ كَانَ بِهِ وَجَعُ السِّنِّ بِحَيْثُ لَا يُطِيقُهُ إلَّا بِإِمْسَاكِ الْمَاءِ أَوْ الدَّوَاءِ فِي فَمِهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَقْتَدِي بِإِمَامٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيُعْذَرُ. اهـ. يَحْيَى وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الْفَرْعُ فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ عُدِمَ ثَوْبًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ نَفْسَهُ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْكَلَأِ وَالنَّبَاتِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ لَوْ وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ قَاعِدًا مُؤَمِّيًا إلَى آخِرِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا قُعُودًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً جَازَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَامَ الْإِمَامُ وَسَطَهُمْ وَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ لِإِحْرَازِ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مُكْتَسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَيَتَقَدَّمَهُمْ الْإِمَامُ الْمُكْتَسِي وَتَكُونُ الْعُرَاةُ صَفًّا وَاحِدًا إنْ أَمْكَنَ وَصَلَاةُ الْعُرَاةِ فُرَادَى أَفْضَلُ كَالنِّسَاءِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْوَجْهُ الثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ عَارِيَّة الثَّوْبِ تَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا كَإِبَاحَةِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي لُزُومِ شِرَاءِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ

آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ فِي النَّفْلِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ دُونَ السَّتْرِ، وَكَذَا السَّتْرُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ يَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ أَقْوَى وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ فِي الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ ذَكَرَهُ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَيَحْتَاجُ هُنَا إلَى ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: نِيَّةِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا. وَنِيَّةِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَنِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقِيلَ إنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ لَا يُشْتَرَطُ وَفِي الصَّحْرَاءِ يُشْتَرَطُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِلَا فَاصِلٍ) يَعْنِي بِلَا فَاصِلٍ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْفَاصِلُ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ مِثْلُ الْوُضُوءِ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَضُرُّهُ حَتَّى لَوْ نَوَى، ثُمَّ تَوَضَّأَ أَوْ مَشَى إلَى الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ لِعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَا يَعْتَدُّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّكْبِيرِ إلَّا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً وَفِي الصَّوْمِ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ، وَكَذَا الزَّكَاةُ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ وُجِدَتْ عِنْدَ الْإِفْرَازِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرَةٍ، وَأَمَّا التَّلَفُّظُ بِهَا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ يَحْسُنُ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي أَوْقَاتِهَا يُغْنِي عَنْ التَّعْيِينِ وَبِهِ صَارَتْ سُنَّةً لَا بِالتَّعْيِينِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ كَالْعَصْرِ مَثَلًا)؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ؛ وَلِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مَخْلَصٌ لِمَنْ يَشُكُّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالْخَطَأُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَضُرُّهُ حَتَّى لَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا وَالظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ يُصَلِّي الْعُرَاةُ وُحْدَانًا مُتَبَاعِدِينَ فَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ تَوَسَّطَهُمْ الْإِمَامُ وَيُرْسِلُ كُلُّ وَاحِدٍ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ فَخِذَيْهِ يُومِئُ إيمَاءً وَإِنْ أَوْمَأَ الْقَاعِدُ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ الْقَاعِدُ جَازَا هـ سَيِّدٌ. (قَوْلُهُ: نِيَّةُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) فِي جُمَلِ النَّوَازِلِ لَكِنْ لَا يَقُولُ نَوَيْت؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا إنْ لَمْ يَنْوِ وَيَقَعُ إخْبَارًا عَنْ الْمُحَقِّقِ إنْ كَانَ نَوَى مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَكِنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ لَك كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا وَرَدَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقِطٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرَعَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَأَتَمَّهَا عَلَى ظَنِّ الْمَكْتُوبَةِ فَهِيَ تَطَوُّعٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَبَّرَ حِينَ شَكَّ يَنْوِي التَّطَوُّعَ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْمَكْتُوبَةَ فِي الثَّانِي حَيْثُ يَصِيرُ خَارِجًا إلَى مَا نَوَى ثَانِيًا لَقَرَانِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ الْكَرْخِيِّ تَجُوزُ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مَا دَامَ فِي الثَّنَاءِ وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَقِيلَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَهُوَ وَقْتُ انْفِجَارِ الصُّبْحِ فَلَوْ شُرِطَتْ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ شُرُوعِهَا وَقْتُ انْتِبَاهٍ وَيَقَظَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ نِيَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْوِيُّهُ مَعْلُومًا عِنْدَهُ لَا أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا بِلِسَانِهِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَفْسِيرَ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِشَرْطٍ) أَيْ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ إنَّهُ لَا يَكْفِيهِ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ كَوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَتَحْقِيقُ الْوَجْهِ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى السُّنِّيَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظِبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِذَا أَوْقَعَ الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ وَصْفٌ ثَبَتَ بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةً بِمَا لِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لَا أَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَدْ حَصَلَتْ مُقَاوَلَةٌ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ أَشْيَاخِ حَلَبَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَنْوِي بِهَا آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أَرَهُ بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ إذَا ظَهَرَتْ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَاسْتُفْتِيَ بَعْضُ أَشْيَاخِ مِصْرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فَقُلْت هَذِهِ الْفَتْوَى تَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ السُّنَّةِ فِي النِّيَّةِ وَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ بِنَاءٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّلَاةِ بِوَصْفٍ فَإِذَا انْتَفَى الْوَصْفُ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَقِيَ نِيَّةُ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَبِهَا يَتَأَدَّى السُّنَّةُ، ثُمَّ رَاجَعْت الْمُفْتِيَ الْمِصْرِيَّ وَذَكَرْت لَهُ هَذَا فَرَجَعَ دُونَ تَوَقُّفٍ هَذَا الْأَمْر الْجَائِزُ فَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَإِنَّهُ يَنْوِي فِي السُّنَّةِ الصَّلَاةَ مُتَابَعَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى تَقْيِيدُ وُقُوعِهَا مِنْ السُّنَّةِ إذَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ) أَيْ وَهُوَ الْعَصْرُ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ اهـ

وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَنْوِ ظُهْرَ الْوَقْتِ وَلَا ظُهْرَ الْيَوْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ فِي الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ عَارِضٌ فَكَانَ الْمَشْرُوعُ فِيهِ أَوْلَى وَتَعْيِينُ قَضَاءِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَالنَّذْرُ وَالْوِتْرُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْوِي فِيهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الظُّهْرَ أَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ لَا غَيْرُ قِيلَ: لَا يُجْزِيهِ لِتَنَوُّعِ الْمُؤَدَّى وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَيَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَلْ عَيَّنَ صَلَاتَهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقُولَ: اقْتَدَيْت بِمَنْ هُوَ إمَامِي أَوْ بِهَذَا الْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ مَعَ هَذَا الْإِمَامِ جَازَ وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَزَيْدٌ هُوَ أَمْ عَمْرٌو جَازَ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو جَازَ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ)؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ نَحْوَهُ وَجِهَتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا بِيَقِينٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَائِلٌ مِنْ جِدَارٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ وَصَلَّى وَبَانَ خَطَؤُهُ يُعِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ عَرَفَ الْقِبْلَةَ فِيهِ بِيَقِينٍ بِالنَّصِّ كَالْمَدِينَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهِ إصَابَةُ جِهَتِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ الْفَرْضُ إصَابَةُ عَيْنِهَا فِي حَقِّ الْغَائِبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي النَّصِّ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ لِحُرْمَةِ الْبُقْعَةِ وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ لَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ) فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى التَّغْيِيرُ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُ قَضَاءِ مَا شَرَعَ فِيهِ) أَيْ وَشَرْطُ تَعْيِينٍ وَفِي نُسْخَةٍ وَيُعَيِّنُ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ) إلَّا فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ قِيلَ: تُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ يَنْوِي صَلَاتَهُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا الظُّهْرُ أَوْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَهُ أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَالْعِلْمُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُغْنِي فِي حَقِّ التَّبَعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْتَدِي عِلْمٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ الْحَدَثِ لَوْ شَرَعَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَنَوُّعِ الْمُؤَدِّي) أَيْ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ (قَوْلُهُ: بَلْ عَيَّنَ صَلَاتَهُ) كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ وَقَامَ مَقَامَ نِيَّتَيْنِ وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْكَرْمَانِيُّ وَالْجَلَّابِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَيْ وَالْخُلَاصَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا خَلَفَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ اهـ وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِفَرْضِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالشَّيْخِ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَلِلْمَكِّيِّ فَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الِاسْتِقْبَالِ اهـ ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إصَابَةُ عَيْنِهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ خَطٌّ مُسْتَقِيمٌ مِنْهُ وَقَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا إذْ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حَتَّى لَوْ رَفَعَ الْبِنَاءَ وَصَلَّى إلَى هَوَائِهِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْبِنَاءِ وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ بِأَنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ خَطٌّ مُسْتَقِيمٌ مِنْهُ وَقَعَ عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْهَا إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: إصَابَةُ عَيْنِهَا أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى شَطْرِ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ وَفِي النَّظْمِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةُ مَنْ بِالْمَسْجِدِ. وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ وَمَكَّةُ قِبْلَةُ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْعَالَمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا يُشِيرُ إلَى مَنْ كَانَ بِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ فَالشَّرْطُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمُعَايَنَتِهَا فَالشَّرْطُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ، وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الْعَالَمِ اهـ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكِ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ وَمَا أَقْرَبَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ الِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى الظَّنِّيِّ مَعَ إمْكَانِ ظَنِّيٍّ أَقْوَى مِنْهُ فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْيَقِينَ مَعَ إمْكَانِهِ لِلظَّنِّ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ) أَيْ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَائِلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْفَرْضُ إصَابَةُ عَيْنِهَا) أَيْ نِيَّةً لَا تَوَجُّهًا وَسَيَأْتِي اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ لَا يَكْفُرُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ اهـ

هُوَ الْجِهَةَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى يَقِينٍ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ الْعَيْنُ وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى اجْتِهَادٍ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَيْتُ قِبْلَةُ مَنْ يُصَلِّي فِي مَكَّةَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْبَطْحَاءِ وَمَكَّةَ قِبْلَةُ أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْآفَاقِيِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْرِقُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْمَغْرِبُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبُ قِبْلَةُ أَهْلِ الشِّمَالِ وَالشِّمَالُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْجَنُوبِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ، أَوْ نِيَّةُ الْجِهَةِ تَكْفِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ النِّيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ يَرَاهُ إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ وَلَوْ خَافَ أَنْ يَرَاهُ الْعَدُوُّ إنْ قَعَدَ صَلَّى مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ، وَكَذَا الْهَارِبُ مِنْ الْعَدُوِّ رَاكِبًا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَخَافُ الْغَرَقَ إذَا انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ كَانَ فِي طِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ عَلَى الدَّابَّةِ وَاقِفَةً إذَا قَدَرَ، وَإِلَّا فَسَائِرَةً وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نَزَلَ وَأَوْمَأَ قَائِمًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً مُبْتَلَّةً لَا يَغِيبُ وَجْهُهُ فِي الطِّينِ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِبْلَةُ الْمُتَحَرِّي جِهَةُ قَصْدِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ. إقَامَةً لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ عَالِمٍ بِالْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ فَوْقَ التَّحَرِّي لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالتَّحَرِّي مُلْزِمٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يُصَارُ إلَى الْأَدْنَى مَعَ إمْكَانِ الْأَعْلَى وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُ إذَا اسْتَدْبَرَهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى الْفَرْضَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى يَقِينٍ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْجِهَةِ يَقِينًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى اجْتِهَادٍ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ يَقِينًا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةَ الْعَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ) وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْجِهَةِ فَيَسْتَحِيلُ الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ فَابْتَلَانَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ لَا أَنَّ الْعِبَادَةَ لَهَا حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلْكَعْبَةِ يَكْفُرُ فَلَمَّا اعْتَرَاهُ الْخَوْفُ تَحَقَّقَ الْعُذْرُ فَأَشْبَهَ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ فِي تَحَقُّقِ الْعُذْرِ فَيَتَوَجَّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِلِابْتِلَاءِ فَيَتَحَقَّقُ الْمَقْصُودُ بِالتَّوَجُّهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ جِهَةَ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَجِهَتِهَا وَجِهَةِ التَّحَرِّي وَأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَالْكُلُّ فِي حَالَةِ الْأَمْنِ إلَّا الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ حَالَةُ الْخَوْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا اهـ (قَوْلُهُ: يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ فَيُصَلِّي حَيْثُمَا كَانَ وَجْهُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ) لَيْسَ فِي مُسَوَّدَةِ الشَّارِحِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى إلَى آخِرِهِ) لَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ اهـ زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي سَفَرِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى حِيَالِهِ) أَيْ قِبَالَتِهِ اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أَيْ قِبْلَتُهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَارْتَضَى بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَفِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَيْ فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَعِيدٍ السَّمَّانِ وَهُوَ مُضَعَّفٌ فِي الْحَدِيثِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ إلَى آخِرِهِ) فِي التَّقْيِيدِ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ أَعْمَى صَلَّى رَكْعَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَسَوَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَاقْتَدَى بِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْمُقْتَدِي قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْأَعْمَى مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَمَّا إذَا وَجَدَ وَلَمْ يَسْأَلْهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أُنَاسٌ فَلَمْ يَسْأَلْهُمْ حَتَّى تَحَرَّى وَصَلَّى إلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا تَحَرِّيهِ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَمْ يَعْلَمُوا أَيْضًا جِهَةَ الْقِبْلَةِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي السُّؤَالِ فَتَرْكُ السُّؤَالِ لَمْ يُغَيِّرْ الْحُكْمَ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ نَظَرٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا يُعِيدُ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَا فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ سَأَلَهُمْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الصَّلَاةِ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ السُّؤَالُ. اهـ. طح (قَوْلُهُ: مُلْزِمًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي خَبَرِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ. اهـ. غَايَةٌ

دَخَلَ أَوْ صَامَ قَبْلَ أَوَانِهِ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادٍ فِي قَضِيَّةٍ، ثُمَّ وَجَدَ نَصًّا بِخِلَافِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْصَى غَايَةَ الِاسْتِقْصَاءِ لَعَلِمَ حَقِيقَتَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْقَاضِي بِالنَّصِّ كَانَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَكَذَا الْجَهْلُ بِالنَّجَسِ وَالْوَقْتِ لِإِمْكَانِهِ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْأَلَ مِمَّنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ عِلْمَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِ الْعَلَامَاتِ مِنْ النُّجُومِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا زَالَتْ بِالْغَيْمِ عَمَّ الْعَجْزُ الْجَمِيعَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ لِعَجْزِهِ وَالذِّمِّيُّ لَوْ أَسْلَمَ يَلْزَمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْعِلْمِ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ كَانَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَأَلَ غَيْرَهُ وَأَخْبَرَهُ لَأَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ مِثْلِ اجْتِهَادِهِ لَا عَنْ يَقِينٍ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ عَرَفَ بَعْدَمَا صَلَّى إنَّمَا يَعْرِفُ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوبِ وَالْخَوْفِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يُعِيدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ) أَيْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ (اسْتَدَارَ) لِأَنَّ تَبَدُّلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النُّسَخِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى الشَّامِ فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ إذْ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْقُرْآنِ فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ وَعَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ. ثُمَّ مَسَائِلُ جِنْسِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَشُكَّ وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَظْهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَوْ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ ظَاهِرِ حَالِ الْمُسْلِمِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ إلَيْهَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ يَرْتَفِعُ بِالدَّلِيلِ إذْ مَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ فَوْقَ مَا ثَبَتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِتَرْكِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ يَسْتَقْبِلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ حَالَتَهُ قَوِيَتْ بِالْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً وَالْمُومِئِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، فَهَلْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ هُنَا قُلْنَا الْأَصْلُ إنَّ مَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحَوَّلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى جِهَتِهَا وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَطَهَارَةُ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ لَا تَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحَوُّلِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ. اهـ. سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهَ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي) فَتَعَيَّنَتْ قِبْلَةً لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ مَنْزِلَةَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَالْمِحْرَابِ حَالَ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ التَّحَرِّي شَرْطًا نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا لِأَصْلِ الْقِبْلَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَخْطَأَ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَاكَ هُوَ الصَّلَاةُ بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ أَمَرَهُ بِإِصَابَتِهِ بِالتَّحَرِّي فَإِذَا لَمْ يُصِبْ انْعَدَمَ الشَّرْطُ فَلَمْ تَجُزْ. أَمَّا هُنَا فَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَقِبْلَتُهُ هَذِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ اسْتَقْبَلَهَا فَهُوَ الْفَرْقُ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ التَّحَرِّي وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِبْلَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُصَلِّي وَقَدْ قِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يُخَيَّرُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ إلَى آخِرِهِ) بِخِلَافِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَيُعِيدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلِمَ بِالْخَطَأِ اسْتَدَارَ) أَيْ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ فَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ تَحَرِّيهِ إلَى ثَوْبٍ آخَرَ وَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ جَازَتْ دُونَ الثَّانِي. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ) أَيْ وَهُوَ لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ؛ لِأَنَّ أَثَرَ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي (قَوْلُهُ: فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ إلَى آخِرِهِ) وَتَحَوُّلُ الْقِبْلَةِ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَجَبٍ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ فِي شَعْبَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ تَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى جَوَازِ نَسْخِ) وَعَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ بِالِاجْتِهَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ) إذْ لَوْ ثَبَتَ قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ النَّاسِخِ لَاسْتَأْنَفُوا صَلَاتَهُمْ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ التَّحَرِّي بَعْدَمَا شَكَّ إنْ أَصَابَ أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَازَتْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ) أَيْ وَهُوَ التَّحَرِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ) أَيْ أَنَّ التَّحَرِّيَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ إلَّا لِتَحْصِيلِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ لِمَا قُلْنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَقْبِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ اهـ

[باب صفة الصلاة]

وَالسُّجُودِ وَإِنْ تَحَرَّى وَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا تُجْزِيهِ أَصَابَ أَوْ لَمْ يُصِبْ أَمَّا إذَا لَمْ يُصِبْ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا أَصَابَ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي أَدَّى إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ قَائِمَةً مَقَامَ الْكَعْبَةِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجَسٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَحَرِّيهِ فَلَا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً وَإِنْ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَحَرَّى قَوْمٌ جِهَاتٍ وَجَهِلُوا حَالَ إمَامِهِمْ يُجْزِيهِمْ) أَيْ تَحَرَّى جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَصَلَّى إمَامُهُمْ إلَى جِهَةٍ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ إلَى جِهَةٍ وَلَا يَدْرُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ يُجْزِيهِمْ إذَا كَانُوا خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَهِيَ جِهَةُ التَّحَرِّي وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَا تُمْنَعُ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ حَالَ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَتَهُ الْأُولَى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَلَوْ قَامَ اللَّاحِقُ لِلْقَضَاءِ فَعَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ) أَيْ فَرْضُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ رُكْنُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ كَالْقِرَاءَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَهِيَ آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَلَوْلَا أَنَّهَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَجَازَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى الذِّكْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ وَمُقْتَضَى الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» فَأَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَى الصَّلَاةِ وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ وَمَا رَوَاهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ لَيْسَ بِرُكْنٍ إجْمَاعًا أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَسَتَرَهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ شَرَعَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ تَحَرِّيهِ كَذَا هَذَا. اهـ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَا هُوَ التَّوَضُّؤُ بِالطَّاهِرِ حَقِيقَةً وَقَدْ وُجِدَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَمَا إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَا تَمْنَعُ) أَيْ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَ اللَّاحِقُ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْفَرْعُ كَتَبَهُ عَلَى هَامِشِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الْخَطَأِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ اللَّاحِقَ وَهُوَ النَّائِمُ يُصَلِّي مِثْلَ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ خَلَفَهُ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِثْلَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ لَكَانَ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَ إمَامٍ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ إمَامِهِ عَلَى الْخَطَأِ. اهـ. . [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الْأَرْكَانُ غَالِبًا وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ اسْتِطْرَادًا كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الصِّفَةَ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ فِي ذَاتِهَا لِكَوْنِهَا أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِالْمُصَلِّي. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ إلَى آخِرِهِ) التَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا نَقْلٌ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَأُلْحِقَ بِهِ تَاءُ النَّقْلِ تَنْبِيهًا عَلَى النَّقْلِ كَتَاءِ الْحَقِيقَةِ وَتُسَمَّى تَاءُ الِاسْمِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلتَّكْبِيرَةِ وَقَدْ كَانَ مَصْدَرًا فَفِيهِ تَحْقِيقٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى اسْمِيَّتِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: فَرْضُ الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْفَرَائِضُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ) أَيْ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ التَّكْبِيرَاتِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ هَذَا لِلْفَرِيضَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ النَّصِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إذْ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنَّ جَوَازَهُ لِنُكْتَةٍ بَلَاغِيَةٍ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَجْعَلْ التَّحْرِيمَةَ نَفْسَ الصَّلَاةِ بَلْ جُزْأَهَا، وَالْجُزْءُ لَيْسَ عَيْنَ الْكُلِّ فَلَا يَلْزَمُ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْعَطْفُ يَقْتَضِي خُرُوجَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عَنْ الْمَعْطُوفِ وَبِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ عَطْفُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَلَا الْعَكْسُ وَخُرُوجُ الْمُضَافِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِالْعَكْسِ وَلِذَا اسْتَدَلَّ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِعَطْفِ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَبِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْهُ لَكِنْ يَرِدُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا جَازَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْفُرُوعُ اهـ

التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُور الزَّوَالِ مَثَلًا، ثُمَّ ظَهَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَاسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا جَازَ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ صَلَاةٍ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى مَمْنُوعٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ النَّفَلَ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى إجْمَاعًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَأَدَاءُ فَرْضٍ بِتَحْرِيمَةِ فَرْضٍ آخَرَ يَجُوزُ عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى الظَّاهِرِ لَعَارَضَهُمْ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ صَلَاةٍ أُخْرَى إجْمَاعًا فَكَذَا التَّحْرِيمَةُ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) وَهُوَ فَرْضٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ السُّجُودِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ» إذَا هُوَ أَحْدَثَ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ إذَا فَعَلْت هَذَا أَوْ قُلْت هَذَا فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُك إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِهِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْفَرْضُ إلَّا بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ وَلَا يُقَالُ: إنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إذَا قُلْت هَذَا وَلَمْ تَقْعُدْ أَوْ قَعَدْت وَلَمْ تَقُلْ فَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ لَوْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِ حَالِ الْقُعُودِ لَا تُعْتَبَرُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا قُلْت هَذَا وَأَنْتَ قَاعِدٌ أَوْ قَعَدْت وَلَمْ تَقُلْ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ أَخَذَهُ مِنْ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لِمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عِنْدَ صَدْرِ الْإِسْلَامِ) أَيْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِهِ اهـ (قَوْلُهُ: لَعَارَضَهُمْ بِالنِّيَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ نَقْضٌ إجْمَالِيٌّ يَرُدُّ عَلَى دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لَا مُعَارَضَةٌ وَقَدْ يُقَالُ أَرَادَ بِهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ مُطِيعِينَ وَلَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَيَجِبُ فِيهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ النَّصِّ اهـ رَازِيٌّ وَقِيلَ سَاكِتِينَ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَقِيلَ خَاشِعِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرْضِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الْفَرَائِضِ كَانَ مَخْصُوصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَكَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِهَا فَتَجِبُ فِيهَا. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي قَدْرِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَعْدَةِ قِيلَ قَدْرُ مَا يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْرُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِقِرَاءَتِهِ وَأَقَلُّ مَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يَنْشَأُ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ غَيْرُهُ يَكُونُ آكَدَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ مِمَّا لَمْ يُعْهَدْ بَلْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ فَإِذَا كَانَ شَرْعِيَّةُ الْقَعْدَةِ لِلذِّكْرِ أَوْ السَّلَامِ كَانَتْ دُونَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهَا الْخُرُوجُ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَلَوْ شَرَعَ الْمُقْتَدِي فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَفَرَغَ عَنْهُ قَبْلَ إمَامِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ وَذَهَبَ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ عَقْدُهُ الْإِمَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ يُتِمُّ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَجْزَأَهُ. اهـ. مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) إلَى قَوْلِهِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) قِيلَ إنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِرُكْنٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعَلِمَ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ وُضِعَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَلَيْسَ الْقُعُودُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا عِنْدَهُ كَذَا فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَلَدَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهُمَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إذَا بَلَغُوا عَشْرًا وَلَا تُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ» وَلَوْ احْتَلَمَ الصَّبِيُّ بِاللَّيْلِ، ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَضَى صَلَاةَ الْعِشَاءِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ بِالِاحْتِلَامِ وَقَدْ انْتَبَهَ وَالْوَقْتُ قَائِمٌ فَيَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا قُلْت إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّ غَايَةَ الْإِدْرَاجِ هُنَا أَنْ تَصِيرَ مَوْقُوفَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قِيلَ هَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَصُّ الْكِتَابِ مُجْمَلٌ فَيُلْحَقُ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا قِيلَ فَيَلْحَقُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَيَانًا فَيَكُونُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا (وَأُجِيبَ) بِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ الْفَضِيلَةَ فَلَا يَصْلُحُ بَيَانًا وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مُحْكَمٌ فَنَصُّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: أَوْ قَعَدَتْ وَلَمْ تَقُلْ إلَى آخِرِهِ) فَصَارَ التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ لَا فِي الْفِعْلِ إذْ الْفِعْلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» وَقَالَ مَالِكٌ قِرَاءَتُهُمَا رُكْنٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَ مَالِكٍ فِي السُّورَةِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ وَاجِبٌ وَخَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنًا لَعَلَّمَهُ إيَّاهَا لِجَهْلِهِ بِالْأَحْكَامِ وَحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ «لَا صَلَاةَ» مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَهِيَ خِدَاجٌ» لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بِدُونِهَا بَلْ عَلَى النَّقْصِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) لِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَيَيْنِ قِرَاءَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ التَّخْيِيرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) أَيْ مُكَرَّرٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ رَكَعَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ) وَهَلْ وُجُوبُ الضَّمِّ فِي الْفَرْضِ فَقَطْ أَمْ فِيهِ وَغَيْرُهُ فَاَلَّذِي كَانَ يُفِيدُهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الضَّمِّ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقَاتِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالْفَرْضِ وَقَدْ وَقَفْت فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ قَالَ فِيهَا فِي بَابِ السُّنَنِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بِوَجْهِهَا تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُدْرِكُهَا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ جَائِزٌ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ فَتَرْكُ سُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى وَعَنْ الْقَاضِي الزرنجري لَوْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي السُّنَّةَ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَسُنَّةَ الْقِرَاءَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ. اهـ. وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ عَبْدُ الرَّحِيمِ عَمَّنْ نَسِيَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ التَّطَوُّعِ هَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَالَ يَلْزَمُهُ قِيلَ لَهُ فَلَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا قَالَ يُكْرَهُ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ السُّورَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ لَمْ يُؤْمَرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةٍ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ هَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَصُّ الْكِتَابِ مُجْمَلٌ فَيَلْحَقُ بِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بَيَانًا قِيلَ فَيَلْحَقُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» بَيَانًا فَتَكُونُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ فَلَا يَصِحُّ بَيَانًا وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ مُحْكَمٌ فَنَصُّ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَخَطَّأَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَى آخِرِهِ) لَمْ يُخَطِّئْ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَلْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ إلَى الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ فِيمَا عَلِمْته وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّخْطِئَةُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) الْمَشْرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا أَنْوَاعُ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ وَمَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ وَمَا يَتَعَدَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ مَنْبَعٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ نَامَ خَلْفَهُ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ عَادَ مِنْ وُضُوئِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ، ثُمَّ يُتَابِعُ إمَامَهُ لِمَا نَذْكُرُ وَلَوْ تَابَعَ إمَامَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَضَى بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَاءِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبَقِيَ قَائِمًا وَأَمْكَنَهُ أَدَاءُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَأَدَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأُولَى، ثُمَّ قَضَى الْأُولَى بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ سُجُودًا فِي الرُّكُوعِ وَقَضَاهُ أَوْ سَجْدَةً فِي السَّجْدَةِ وَقَضَاهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الَّذِي هُوَ فِيهِمَا وَلَوْ اعْتَدَّ بِهِمَا وَلَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَدَّ بِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ قَبْلَهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَلَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ كَمَا إذَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّجُودِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَلَنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ بِحَرْفِ الْفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْقِيبِ بِلَا فَصْلٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِقَضَاءِ الْفَائِتِ وَالْأَمْرُ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْمَسْبُوقُ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ لَا بِمَا سَبَقَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَقَدْ أَخَّرَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ بِحَرْفِ الْوَاوِ وَأَنَّهُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَ يَقَعُ مَأْمُورًا بِهِ فَصَارَ مُعْتَدًّا بِهِ إلَّا أَنَّ الْمَسْبُوقَ صَارَ مَخْصُوصًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَنَّ لَكُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ سُنَّةً حَسَنَةً فَاسْتَنُّوا بِهَا». وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِظَاهِرِهِ وَبِضَرُورَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَإِسْقَاطُ التَّرْتِيبِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ إسْقَاطٌ فِيمَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا ضَرُورَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ بِالسَّجْدَةِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الرُّكُوعِ. اهـ. بَدَائِعُ

[سنن الصلاة]

حَتَّى لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَضَاهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ جَازَ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَمَا جَازَ، وَكَذَا مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا، وَأَمَّا مَا شُرِعَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ فِي رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَالتَّرْتِيبُ فِيهِ فَرْضٌ حَتَّى لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً أَوْ نَحْوَهَا بَطَلَ الْقُعُودُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ تَحَرُّزًا عَنْ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا مِنْ جِنْسِهِ لِضَرُورَةِ اتِّحَادِهِ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِفْرَادُ بِالشَّرْعِيَّةِ دَلِيلُ تَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَأَدْنَاهُ مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ وَهَذَا تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ وَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ سُنَّةً وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ رُكْنٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ «صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ إلَى أَنْ قَالَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَيَسْتَرْخِيَ» الْحَدِيثُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أُمِرْنَا بِالرُّكُوعِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ لُغَةً وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى مِنْهُمَا وَفِي آخِرِ مَا رَوَاهُ سَمَّاهُ صَلَاةٌ فَقَالَ لَهُ «إذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك وَإِذَا انْتَقَصْت مِنْهَا شَيْئًا انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك وَلَمْ تَذْهَبْ كُلُّهَا» وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّسْمِيعَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّشَهُّدُ وَلَفْظُ السَّلَامِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَذْكَارِ كَالتَّعَوُّذِ وَالثَّنَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَذْكَارَ تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ يُقَالُ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَصَارَتْ مِنْ خَصَائِصِهَا بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ حَيْثُ تُضَافُ إلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ فَلَا يَجِبُ الْجَابِرُ بِتَرْكِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يَجْهَرُ وَيُسِرُّ) وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُمَا سُنَّتَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِرَاءَةُ فَصَارَا كَالْقَوْمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَشْرُ أَصَابِعِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ» وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجَ كُلَّ التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا مَنْشُورَةً. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَطَلَ الْقُعُودُ) فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: جُزْءًا أَوْ كُلًّا) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَعَلَّقَ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمُتَّحِدِ كُلُّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ جُزْؤُهَا وَهُوَ الرَّكْعَةُ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّحِدَ لَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ فَاتَ فَاتَ أَصْلًا فَيَفُوتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جُزْءِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَ أَحَدُ فِعْلَيْهِ بَقِيَ الْفِعْلُ الْآخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَفُتْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ كَمَا لَوْ أَتَى بِإِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا قَالَ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ أَحَدَ فِعْلِي الْمُتَكَرِّرِ لَوْ فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ الْتَحَقَ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةً بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ فَاتَ بِفَوَاتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ صُورَةً وَمَعْنًى. اهـ. يَحْيَى. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ أَعَادَ يَكُونُ الْفَرْضُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ لُزُومَ الْإِعَادَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى أَنَّ الْفَرْضَ أَيُّهُمَا. اهـ. كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَبِجَعْلِهِ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يُحْتَسَبُ الْكَامِلُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ. اهـ. مِنْهُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ الطُّمَأْنِينَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فَرْضٌ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ) اسْمُهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: سَمَّاهُ صَلَاةً) وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ أَوْ يُقَالُ وَصْفُهَا بِالنَّقْصِ وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ فَعُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا لِلْفَسَادِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك) مِنْ زَائِدَةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأُولَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ إلَى آخِرِهِ) لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا وَهَذَا إذَا كَانَ إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. اهـ. رَازِيٌّ. [سُنَن الصَّلَاة] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسُنَنُهَا إلَى آخِرِهِ) هِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِلتَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَتُعَيَّنُ لَفْظَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. كُنُوزٌ.

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ وَلِهَذَا سُنَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ سِرًّا) لِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ سِرًّا رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضَعُ عَلَى الصَّدْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَضَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ»؛ وَلِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى الصَّدْرِ أَقْرَبُ إلَى الْخُضُوعِ مِنْ الْوَضْعِ عَلَى الْعَوْرَةِ وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ كَمَا بَيْنَ يَدِي الْمُلُوكِ وَوَضْعُهَا عَلَى الْعَوْرَةِ لَا يَضُرُّ فَوْقَ الثِّيَابِ فَكَذَا بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا عَلَى صَدْرِهَا وَإِنْ كَانَ عَوْرَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَإِعْرَابُ الرَّفْعِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى التَّكْبِيرِ وَلَا يَجُوزُ خَفْضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْهُ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِقَالُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ بِأَنْ يَنْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) أَيْ تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ أَوْ الْفَضِيلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَسٍ «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلَوْ قَالَ (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ) كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا الرَّفْعُ نَفْسُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ فَرْضُ وَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِقَالُ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ بِأَنْ سَجَدَ عَلَى الْوِسَادَةِ، ثُمَّ تُنْزَعُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ ثَانِيًا وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الرَّفْعَ حَتَّى يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْجُلُوسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) يَعْنِي وَضْعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ حَالَةَ السُّجُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِ وَضْعِهِمَا، وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِرَاشُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبُ الْيُمْنَى) يَعْنِي فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ) أَيْ الْقَوْمَةُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُمَا سُنَّتَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ) أَيْ لِيَعْلَمَ الْأَعْمَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا سُنَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ) أَيْ لِيَعْلَمَ الْأَصَمُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ سِرًّا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّسْمِيَةُ) سَيَأْتِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: سِرًّا) وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ تُسَرُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ سِرًّا أَوْ يُسِرُّهَا الْمُصَلِّي سِرًّا. اهـ. ع. قَوْلُهُ: وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى آخِرِهِ لَمْ يُجِبْ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: بِالتَّسْمِيعِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ لَفْظُ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَلْزَمُ عَلَى وَجْهِ الرَّفْعِ تَكْرَارُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَالْقَوْمَةُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ الْقَوْمَةِ الْقَوْمَةُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. اهـ. بَاكِيرٌ. (قَوْلُهُ: إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ) ظَاهِرُهُ وَهُوَ الْوُجُوبُ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ» إلَى آخِرِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» أَيْ أَعْضَاءٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَسَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ وَإِنْ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى عِظَامٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْجَلَّابِيِّ مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَفَعَ أَحَدَ قَدَمَيْهِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ وَذَكَرَ الْكَرَاهَةَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ تَرْكِ وَضْعِ الرِّجْلَيْنِ وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ لَمْ يَضَعْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ جَازَ. اهـ. كَاكِيٌّ مَعَ حَذْفٍ قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا افْتِرَاضُ وَضْعِ الْقَدَمِ فَلِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَيَكْفِيهِ وَضْعُ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ) أَيْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ. اهـ. ع. (قَوْلُهُ: وَهُمَا سُنَّتَانِ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ وَلِمَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَا يُوجِبُ السَّهْوَ قَالَ الْمُصَلِّي إذَا رَكَعَ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى خَرَّ سَاهِيًا سَاجِدًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فَرَائِضُ عَلَى الْفَرَائِضِ الْعَمَلِيَّةِ وَهِيَ الْوَاجِبَةُ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْفَرْضِيَّةِ. اهـ.

[آداب الصلاة]

وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ) يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَا تَجِبُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْكُ الْأَمْرِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ فَرَائِضَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَكَذَا لَمْ يُرْوَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أَوْجَبَهَا فَقَدْ خَالَفَ الْآثَارَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ يُقْتَدَى بِهِ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بَلْ يَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَدْ وَفَّيْنَا بِمُوجِبِ الْأَمْرِ بِقَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَا يَجِبُ ثَانِيًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إذْ لَوْ وَجَبَ لَمَا تَفَرَّغَ لِعِبَادَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآدَابُهَا) أَيْ آدَابُ الصَّلَاةِ (نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَفِي حَالَةِ الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَتِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَعِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَقَعَ بَصَرُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) أَيْ إمْسَاكُ فَمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ سَدُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ بِيَدِهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ إلَى التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَهُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيَامُ حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ حَاضِرًا لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِمْ وَيَقِفَ مَكَانَهُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى يَقُومُونَ إذَا اخْتَلَطَ بِهِمْ وَقِيلَ يَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ دَخَلَ مِنْ قُدَّامَ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَقُومُونَ حِينَ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى وَيُحْرِمُونَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ قُلْنَا هَذَا إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ قَبْلَهُ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي إخْبَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ إلَى قَوْلِهِ تَكْرَارًا) لَيْسَ هُوَ ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الَّتِي لَيْسَتْ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ قُلْت وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَالْمُرَادُ بِالْقَوْمَةِ حَقِيقَتُهَا وَبِالرَّفْعِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ لَا حَقِيقَةُ الْقِيَامِ وَبِمَا ذَكَرْنَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَدَعْوَى التَّكْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا إلَى آخِرِهِ) تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ) أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَكَرْت عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَدْ جَفَانِي». اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ السَّوْقِ التَّقَابُلُ بَيْنَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَوْلِ بِالْمَرَّةِ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَرَّةٌ مُرَادُ قَائِلِهِ الِافْتِرَاضُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مُسْتَنِدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي أَنَّهُ لَا إكْفَارَ بِجَحْدٍ مُقْتَضَاهُ بَلْ التَّفْسِيقُ بَلْ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ إذَا ذَكَرُوا قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَ فِي الْفِقْهِ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ أَصَحَّ وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بَعْدَ النَّقْلِ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ التَّقَابُلِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُوجِبُ الْأَمْرِ الْقَاطِعِ الِافْتِرَاضُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقُلْنَا بِهِ. اهـ. وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَخْلُ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَوْ وَجَبَتْ كُلَّمَا ذُكِرَ لَا نَجِدُ فَرَاغًا عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِنَا وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرَاغَ يُوجَدُ بِالتَّدَاخُلِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ هَذَا الْجَوَابَ بِأَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّهُ وَفِي قَوْلِهِ جَفَانِي دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيُجِيبُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنْ نَقُولَ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوجِبِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الذِّكْرُ الْمَسْمُوعُ فِي غَيْرِ ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. [آدَاب الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: وَآدَابُهَا) هِيَ سِتَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَقَطْ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِي التَّشَهُّدِ إلَى مَسْجِدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَّا عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْبَرْدِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ وَحَصَلَتْ مِنْهُ حُرُوفٌ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ. اهـ. ع قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمُبْتَغَى. اهـ.

[فصل الشروع في الصلاة وبيان إحرامها وأحوالها]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشُرُوعُ الْإِمَامِ مُذْ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ لَهُمَا أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيَشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْمُنَاجَاةِ وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا الْمُتَابَعَةُ فِي الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَفْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ وَلَا الْمُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَقَالَ الصَّفَّارُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ سُنَّةُ التَّكْبِيرِ فَيُقَارِنُهُ كَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ وَبِرُؤْسِ الْأَصَابِعِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادُ لَهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَنَسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ»؛ وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ وَهُوَ بِمَا قُلْنَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ وَائِلًا قَالَ: ثُمَّ أَتَيْته مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ فِيهَا إلَى مَنَاكِبِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرِ الْبَرْدِ وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَسْنُونِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا زَادَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ يَدَهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالتَّهْلِيلِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) أَيْ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ عَاجِزًا عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِتَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الِافْتِتَاحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ بِالتَّكْبِيرِ وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَيَشْرَعُ) أَيْ الْمُصَلِّي وَهُوَ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا كُلُّهُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَبَقِيَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ. اهـ. [فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان إحرامها وأحوالها] (فَصْلٌ) أَيْ فِي بَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيَانِ إحْرَامِهَا وَأَحْوَالِهَا. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِذَا أَرَادَ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كَبَّرَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ أُمِّيًّا لَا يُحْسِنُ شَيْئًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: حُجَّةً عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَطَائِفَةٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ حَتَّى لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ جَاءَ إلَى الْإِمَامِ فَحَنَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَرَكَةٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَرْفَعَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ رَفْعُ الْيَدِ فِي الْعُرْفِ يُفِيدُ الْإِنْكَارَ وَالنَّفْيَ فَالْمُصَلِّي بِفِعْلِهِ يَنْفِي الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِ يُثْبِتُهُ لَهُ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَيَمَسُّ طَرَفَ إبْهَامَيْهِ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ بِأَصَابِعِهِ فَوْقَ أُذُنَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ الْبَقَّالِيِّ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي التَّكْبِيرِ إلَى مَنْكِبَيْهَا حِذَاءَ ثَدْيَيْهَا قِيلَ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ فَكَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ كَفَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عِوَضَ اللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِالتَّهْلِيلِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ خداي بذرك بِمَعْنَى اللَّهُ أَكْبَرُ، وَكَذَا سَائِرُ لُغَاتِ الْعَجَمِ مِثْلُ السُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ) أَيْ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) أَيْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْجَلَالَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَيْسَ بِلَازِمٍ

إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالتَّعْلِيلُ لِلتَّعْدِيَةِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ زِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تُزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَيَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَفْعَلَ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ إيَّاهُ فِي الصِّفَةِ وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ لَا يُمْكِنُ فَكَانَ بِمَعْنَى فَعِيلٍ إذْ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى فَعِيلٍ قَالَ الشَّاعِرُ إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ أَيْ عَزِيزٌ طَوِيلٌ وَقَالَ تَعَالَى {لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى} [الليل: 15] أَيْ الشَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل: 17] أَيْ التَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] أَيْ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ شَارِعًا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ لِلْعَرَبِيَّةِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ فَعَظِّمْ وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ التَّعْظِيمُ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْمُعَيَّنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِعَيْنِهِ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَلَوْ آمَنَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ إجْمَاعًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَكَذَا التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ يَجُوزُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ الِافْتِتَاحُ بِهِ نَحْوَ اللَّهُ إلَهٌ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا كَانَ خَبَرًا لَمْ يَجُزْ نَحْوَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ أَوْ الْكَبِيرُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ قَالَ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا وَبِالرَّحِيمِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ. وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهُمَّ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَمِنَّا بِخَيْرٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فَيَكُونُ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَجَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]. وَالْمُرَادُ نَظْمُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذَا النَّظْمِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} [الأعلى: 18] {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَصُحُفُ مُوسَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْآنًا وَمَا تَلَيَاهُ لَا يَنْفِي كَوْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ لَوْ قَالَ كَبِيرٌ أَوْ الْكِبَارُ جَازَ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ زِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تَزِيدُ إلَّا تَأْكِيدًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَ) أَيْ أَفْعَلُ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً) أَيْ وَالتَّعَبُّدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ " أَكْبَرُ " بَلْ الْوَاجِبُ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كَبَّرَ مُتَعَجِّبًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لَمْ يَجُزْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) ثُمَّ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ أَوْ الْعَزِيزُ كَانَ مُسْلِمًا فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فَفِي فُرُوعِهِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ) أَيْ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ آخَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ خَبَرًا) أَيْ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ التَّعْظِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّ صِحَّةَ الشُّرُوعِ بِالِاسْمِ وَحْدَهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَاعْتُبِرَ الِاسْمُ مَعَ الصِّفَةِ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْخَبَرِ وَالتَّعْظِيمُ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَظْهَرُ فِي حَائِضٍ طَهُرَتْ وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ فَقَطْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ قَافًا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي أُخْرَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ) لِأَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] إلَى قَوْلِهِ {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ لَفَسَدَ مَعْنَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ الْعَذَابِ مَعَ قَوْلِهِمْ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ مُتَنَاقِضٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ سَلَّامٍ إنَّمَا سُمِّيَتْ اللُّغَةُ سُرْيَانِيَّةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ عَلَّمَهُ سِرًّا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْطَقَهُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ إنَّمَا نَطَقَ إبْرَاهِيمُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَارًّا مِنْ نُمْرُودَ وَقَدْ كَانَ نُمْرُودُ قَالَ لِلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ خَلْفَهُ إذَا رَأَيْتُمْ فَتًى يَتَكَلَّمُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَرُدُّوهُ فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ اسْتَنْطَقُوهُ فَحَوَّلَ اللَّهُ لِسَانَهُ عِبْرَانِيًّا وَذَلِكَ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَسُمِّيَتْ لِذَلِكَ عِبْرَانِيَّةً أَوَّلُ ش بُخَارِيٌّ لِلْعَيْنِيِّ

غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ هُوَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِعْجَازُ وَقَعَ بِهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً رُخْصَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَالَةِ الْإِعْجَازِ وَقَدْ جَاءَ التَّخْفِيفُ فِي حَقِّ التِّلَاوَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَكَذَا هُنَا. وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) أَيْ لَا يَكُونُ شَارِعًا بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ مُسْتَفْتِحًا) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرٌ حَتَّى يَضَعَ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ حَتَّى لَا يَضَعَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ قِيلَ يَضَعُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ وَضْعَهَا عَلَى الْمِفْصَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رُسْغِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْذِ الْوَضْعُ وَلَا يَنْعَكِسُ. وَقَوْلُهُ مُسْتَفْتِحًا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ أَيْ يَضَعُ قَائِلًا سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَضُمُّ إلَيْهِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ؛ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالُوا يَقُولُ حِينَ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَا ثَنَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ حَالِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَا يَشْتَغِلُ بِإِخْبَارِ حَالِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت أَوْ سَجَدْت وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَوَّذَ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ الْبَرْدَعِيِّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ») أَيْ لُغَاتٍ (قَوْلُهُ: جَازَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الشُّرُوعُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الْقِرَاءَةُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا بَدَّلَ لَفْظًا عَرَبِيًّا بِلَفْظٍ عَجَمِيٍّ يُمَاثِلُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءً عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ التَّحْمِيدُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمِفْصَلِ) أَيْ مِفْصَلِ الْأَصَابِعِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: مُسْتَفْتِحًا إلَى آخِرِهِ) الْمُقْتَدِي هَلْ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَحْفَظُ فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنِّي أُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا أَثْنَى وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ النَّضْرِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُثْنِي وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ، وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي وَعَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ يَأْتِي. اهـ. صَفَوِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ فَمِنْ الْكَاتِبِ وَهُوَ الصَّوَابُ لَا مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يَرْوِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ) أَيْ التَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُؤْتِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ وَلِذَا لَمْ يُؤْتَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُك فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَشَاهِيرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَعَوَّذَ سِرًّا) وَانْتِصَابُ سِرًّا عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَعَوَّذَ تَعَوُّذًا سِرًّا. اهـ. ع

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَمَا تَقُولُ إذَا دَخَلْت عَلَى السُّلْطَانِ فَتَأَهَّبْ أَيْ إذَا أَرَدْت الدُّخُولَ عَلَيْهِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَوَّذُ، وَكَذَا لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ يَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِيمَا رُوِيَ الْقِرَاءَةُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَالْقِرَاءَةُ تُسَمَّى صَلَاةً كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» أَيْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَإِنَّمَا يُسِرُّ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَقَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ هُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا فَيَكُونُ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ لَا لِلْقِرَاءَةِ فَيَتَعَوَّذُ عِنْدَهُ كُلُّ مَنْ يُثْنِي كَالْمُقْتَدِي وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ مَنْ يَقْرَأُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَلَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ حَمْزَةَ مِنْ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَّاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَمَّى سِرًّا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ يَجْهَرُونَ بِهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجْهَرُ بِهَا» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الْإِنْصَافِ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانًا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا كَانَ يَجْهَرُ أَحْيَانًا بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ تَعْلِيمًا وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الطُّرُقُ عَنْهُمْ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا فِي الْأُولَى فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فَجَعَلَهَا كَالتَّعَوُّذِ وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَلَا يَأْتِي بِهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْفَاءُ بَيْنَ الْجَهْرَيْنِ وَهُوَ شَنِيعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا فِي النَّمْلِ فَإِنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَطْعِ وَذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِثْلُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ إلَى آخِرِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ. يَحْيَى وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى عَنْ أَنَسٍ الْآتِيَةِ فِي دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ كَمَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ سَبْقِ الْيَرَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ مَرَّتَيْنِ إذَا افْتَتَحَ وَإِذَا قَرَأَ فِيمَا يَقْضِي ذِكْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ طَلَبُ الْإِعَاذَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمَزِيدُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ الثُّلَاثِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْأُولَى فِي رِوَايَةٍ إلَى آخِرِهِ) هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَمَنْ قَالَ مَرَّةً فَقَدْ غَلِطَ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهَا فَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَالْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. اهـ. وَرَأَيْت حَاشِيَةً بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ نَصُّهَا وَغَلِطَ الْمُغَلِّطُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ قُرْآنٌ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ ذِكْرٌ غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ، وَأَمَّا النَّصُّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ فَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِهِ) مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا وَبَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَوْلُهُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَتْ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ. اهـ.

قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا بَلْ هِيَ آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «إنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً مِنْ غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَابْتَدَأَ الْقِسْمَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَوْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ مِنْهَا لَابْتَدَأَ بِهَا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ «كَيْفَ تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْرِ أَيْ كَانَ يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالْبَسْمَلَةِ وَتَرْكُ الْجَهْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكِتَابَتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا وَلِهَذَا طَوَّلُوا بَاءَهَا لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ كُتَّابَ الْمَصَاحِفِ كُلَّهُمْ عَدُّوا آيَاتِ السُّوَرِ فَأَخْرَجُوهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَا الْقُرَّاءُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَجَازَتْ الصَّلَاةُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ آيَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا لِاشْتِبَاهِ الْآثَارِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِهَا آيَةً لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَمَّا الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ فَوَاجِبَتَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ وَثَلَاثُ آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا وَهَذَا لِبَيَانِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا لِبَيَانِ الْفَرْضِ وَالْمُسْتَحَبِّ فَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَأْتِي الْإِمَامُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ؛ وَلِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ السَّامِعِ لَا الدَّاعِي وَآخِرُ الْفَاتِحَةِ دُعَاءٌ فَلَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ. وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رَوَيْنَاهُ وَقَوْلُهُمْ سُنَّةُ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ السَّامِعِ لَا الدَّاعِي غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا زِيَادَةُ الدُّعَاءِ وَالدَّاعِي أَوْلَى بِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رَوَوْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا وَقَوْلُهُ سِرًّا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْهَرُ بِهَا عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْرَأُ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلٍ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ آمِينَ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَسَمْت الصَّلَاةَ) أَيْ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ: يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسُورَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ سُئِلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ أَمْ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِتَمَامِهَا قَالَ إنْ كَانَ آخِرَ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا فَالْقِرَاءَةُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ السُّورَةُ أَكْثَرَ آيَةٍ فَقِرَاءَتُهَا أَفْضَلُ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آخِرَ سُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَاجِبَتَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ) أَيْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَا بِإِعَادَةِ الْفَاتِحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ السُّورَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ لَا يُؤْمَرُ. اهـ. وَقَدْ نَقَلْت هَذِهِ الْعِبَارَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) وَفِي الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤَمِّنُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الدِّرَايَةِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَارِئِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ) أَيْ فِي الْإِخْلَاصِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ) وَحَمَلُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمِنَ» عَلَى بُلُوغِ مَوْضِعِ التَّأْمِينِ. اهـ. غَايَةٌ

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْفِي الْإِمَامُ أَرْبَعًا: التَّعَوُّذَ وَالْبَسْمَلَةَ وَآمِينَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيُرْوَى مِثْلُ قَوْلِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ يَقُولُ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ خَمْسَةٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ، وَكُلُّهُمْ بَعْدَ التَّأْمِينِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا عَقِيبَ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْإِيهَامِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبْ فِي الْمَصَاحِفِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَهُوَ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ حَتَّى لَوْ قَالَ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ، قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فِيهَا لُغَةً بِالتَّشْدِيدِ مِنْهُمْ الْوَاحِدِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ: آمِنُ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ الْيَاءِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ أَمِنَ بِالْقَصْرِ وَحَذْفِ الْيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَمَّنَ بِالْقَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ» أَيْ لَا يَمُدُّ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَقُولُ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَيُرْوَى خَذْمٌ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ أَيْ سَرِيعٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَدَّ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ وَهِيَ هَمْزَةُ اللَّهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ يَكْفُرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي هَمْزَةِ أَكْبَرَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ فِي بَاءِ أَكْبَرَ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ لُغَةً؛ وَلِأَنَّ أَكِبَارَ جَمْعُ كِبْرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ مِنْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ نَشَأَتْ مِنْ الْإِشْبَاعِ وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ اللَّهِ فَحَسَنٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَكَعَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالصَّحَابَةِ مِنْ التَّطْبِيقِ وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ إحْدَى كَفَّيْهِ إلَى الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيْ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَنُهِينَا وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ وَآمَنُ مِنْ السُّقُوطِ وَلَا إلَى ضَمِّ الْأَصَابِعِ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ أَيْ الِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قُوَّتَهَا تَزْدَادُ بِالضَّمِّ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَتَكَلَّفُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَمَا رُوِيَ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَسَطَ ظَهْرَهُ وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ «إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ لَمَا تَحَوَّلَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ» أَيْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَخْفِضْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي الرُّكُوعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أُنْزِلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى قَالُوا بِارْتِدَادِ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ مُخْتَارُ الْفُقَهَاءِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَالْقَصْرُ) أَيْ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ اللُّغَةِ. اهـ. عِ أَيْ وَمُخْتَارُ الْأُدَبَاءِ أَيْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ) أَيْ دُعَاءَنَا (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك؛ لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُصَلِّي إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ آمِّينَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَقُولُ آمِينَ بِغَيْرِ مَدٍّ وَلَا تَشْدِيدٍ أَوْ آمِينَ بِالْمَدِّ دُونَ التَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ يَا أَمِينُ اسْتَجِبْ لَنَا إلَّا أَنَّهُ أُسْقِطَتْ يَاءُ النِّدَاءِ وَأُدْخِلَتْ الْمَدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ آمَنَ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ الْيَاءِ) يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الأحقاف: 17]. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ». اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْخَاءِ وَالذَّالِ) أَيْ الْمُعْجَمَةُ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ) وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ كُفْرٌ وَلَا فَسَادٌ قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ) أَيْ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ أَدْخَلَ الْمَدَّ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ فِي لَفْظِ " أَكْبَرُ " عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ حَيْثُ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْآذَانِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَوْسَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: نَشَأَتْ مِنْ الْإِشْبَاعِ) أَيْ إشْبَاعِ فَتْحَةِ الْبَاءِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَيْ نَاصِبًا سَاقَيْهِ وَحَنْيِهِمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُهُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَةَ الْقِيَامِ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ) أَيْ وَلِيَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً إلَى الْقِبْلَةِ فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ) أَيْ لَا التَّفْرِيجُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) أَيْ وَهُوَ نِصْفُهُ الْمُؤَخَّرُ اهـ ع وَالْعَجُزُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَجِيزَةُ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْعَجِيزَةُ تُسْتَعَارُ لِلرَّجُلِ. اهـ. غَايَةٌ.

نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ التَّسْبِيحَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ يَتْرُكَهُ كُلَّهُ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ لَهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ الثَّلَاثِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّ ثَلَاثًا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ عَلَى وِتْرٍ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ مِنْهُ وَلَا يَأْتِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَلَك خَشَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَفِي السُّجُودِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ عِنْدَنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي فَصْلِ الْوَاجِبَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ الْإِمَامَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْتِي الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بِالذِّكْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا يَفْعَلُ وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ» حَيْثُ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ مَعَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَقَدْ عَدَّ مِنْهَا التَّحْمِيدَ فَقَدْ عُرِفَ التَّحْمِيدُ أَيْضًا مِنْ خَارِجٍ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ قُلْنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ أَبُو مُطِيعٍ) هُوَ الْبَلْخِيّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ الثَّلَاثَ فَرْضٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ) أَيْ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ وَتَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ. اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ سَمِعَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ خَفْقَ النِّعَالِ هَلْ يَنْتَظِرُ أَمْ لَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ مِقْدَارَ التَّسْبِيحَةِ وَالتَّسْبِيحَتَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُطَوِّلُ التَّسْبِيحَاتِ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعَدَدِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنْ كَانَ الْجَائِي غَنِيًّا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَرَفَ الْجَائِيَ لَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذْ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ. اهـ. وَقِيلَ إنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي خَاصَّةً وَلَا يُرِيدُ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ أَوَّلَ رُكُوعِهِ لِلَّهِ وَآخِرُهُ لِلْجَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ أَمْرًا عَظِيمًا وَلَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلْقَوْمِ وَإِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَإِنْ أَطَالَهُ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَمَا شُرِعَ فِيهِ وَيُدْرِكُ الْجَائِي الرَّكْعَةَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ لِيُدْرِكَ الْقَوْمُ الرَّكْعَةَ. اهـ. غَايَةٌ، ثُمَّ قَالَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي يُتِمُّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فَقَدْ قِيلَ يُتَابِعُهُ وَقِيلَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ وَقَامَ أَوْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يُتِمُّ تَشَهُّدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَسْبُوقُ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَفْرُغْ هُوَ قِيلَ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ وَقِيلَ لَا يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ هُنَا مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْمُتَابَعَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرٍ وَاحِدٍ فَلَوْ قَطَعَهُ تَبْطُلُ بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَسْبِيحَةٍ ذِكْرٌ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي نَفْسِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ يَحْمَدُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ وَالسَّمَاعُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ فُلَانٍ إذَا قَبِلَ وَيُقَالُ مَا سَمِعَ كَلَامَهُ أَيْ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَإِنْ سَمِعَهُ حَقِيقَةً وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِك مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ أَيْ لَا يُسْتَجَابُ وَفِي الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ الْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْكِنَايَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَاءُ لِلْكِنَايَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) تَتِمَّتُهُ «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ) قَالَ فِي الْأَسْرَارِ إنَّهُ غَرِيبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ) أَيْ بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ

بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحُثُّ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ الْقَوْمِ لَهُ عَلَى الْحَثِّ بَلْ يَشْتَغِلُونَ بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ اللَّائِقَ لِلْمُحَرِّضِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِجَابَةِ طَاعَةً دُونَ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ أَيْ اكْتَفَى الْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ هُوَ مَعَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَقَعَ الثَّانِي فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّسْمِيعِ عِنْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ فَيَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ، ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ لِعَدَمِ مَنْ يَمْتَثِلُ بِهِ خَلْفَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي لَفْظِ التَّحْمِيدِ فَقَالَ فِي بَعْضِهَا يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ الثَّنَاءِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَبَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْوَاوِ قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ كَبَّرَ) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَضَعُ وَجْهَهُ إذَا سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجَدَ فَجَعَلَ كَفَّيْهِ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ» قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَعَلَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْهُبُوطِ بِعَكْسِ النُّهُوضِ حَتَّى قَالُوا: إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ حَافِيًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا فَلَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ أَوَّلًا فَيَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَيْ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَقَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَلَا يُصِيبُ أَنْفَهُ الْأَرْضَ فَقَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ الْأَرْضَ» وَهِيَ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ دُونَ الْجَوَازِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ وَكُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا يَقْتَضِي كَرَاهِيَةَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَيْضًا فَقَالَ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْأَنْفَ وَحْدَهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِي عِنْدَهُ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِوَضْعِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ) أَيْ كَمَا قُلْنَا فِي جَوَابِ الْمُؤَذِّنِ فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَيَاهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُرْوَ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْلِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفَضْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ) أَيْ فَبِكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ) أَيْ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرَيْنِ كَانَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى السُّجُودِ فَلَهُ ذِكْرٌ وَهُوَ التَّكْبِيرُ فَالذِّكْرُ الثَّانِي يَقَعُ لِمُجَرَّدِ اعْتِدَالِ الْقِيَامِ لَا لِلِانْتِقَالِ وَالذِّكْرُ لَمْ يُسَنَّ إلَّا لِلِانْتِقَالِ وَلِذَا لَمْ يُسَنَّ ذِكْرٌ فِي حَالَةِ الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَأَمَّا الْمُقْتَدِي لَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَغَايَةٌ وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَشْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ إلَى آخِرِهِ) تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ نَعَمْ وَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ) أَيْ عَلَى مَحْذُوفٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْقِيَامِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبُوَيْرِيِّ لَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ جَازَ السُّجُودُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَى الْمَقْدُورِ مِنْهُمَا وَأَوْمَأَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِهِمَا عُذْرٌ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ. اهـ. غَايَةٌ

كَرَاهِيَةٍ وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا حَتَّى حَكَى السِّغْنَاقِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ تَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ بِإِجْمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْخِلَافَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» وَلَوْ كَانَ الْأَنْفُ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ لَذَكَرَهُ فَصَارَ كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفُفَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «الْجَبْهَةُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ» هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلسُّجُودِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْجَبْهَةِ بِخِلَافِ الذَّقَنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلسُّجُودِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى الذَّقَنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَبْهَةِ وَعَلَى الْأَنْفِ يَلْزَمُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا سُئِلَ نُصَيْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ فَقَالَ إنْ وَضَعَ أَكْثَرَ جَبْهَتِهِ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ إنْ وَصَلَ قَدْرَ الْأَنْفِ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ كَامِلٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ كُرِهَ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَكِّنْ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ» وَلِحَدِيثِ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا وَلَنَا حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ؛ وَلِأَنَّهُ حَائِلٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ السُّجُودِ فَيَجُوزُ كَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَمَا رَوَاهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ يُوجَدُ مَعَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ مُمَاسَّةُ الْأَرْضِ بِهَا إجْمَاعًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا حَنِثَ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ حَائِلًا بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِعُذْرٍ يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْإِيمَاءَ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى أَوْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنْ بَسَطَ كُمَّهُ لِيَتَّقِيَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ يُكْرَهُ لِلتَّكَبُّرِ وَعَنْ ثِيَابِهِ لَا لِعَدَمِهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُلْقِي حَجْمَهُ لَا يَجُوزُ كَالْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ وَالثَّلْجِ وَالتِّبْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ)، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَضْعُ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ لَا مَا لَانَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا أَكْفُفَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرَ الْجَبْهَةَ أَشَارَ إلَى الْأَنْفِ إلَى أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِذَا كَانَ أَعْضَاءُ السُّجُودِ سَبْعَةً، وَإِلَّا كَانَتْ ثَمَانِيَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ كَامِلٌ) أَيْ وَقَدْرُهُ مِنْ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِعُضْوٍ كَامِلٍ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ. اهـ. وَمَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ فِي عَلَامَةِ الْمِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ أَصْلُ التَّعْظِيمِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَلْ نِهَايَتُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِعْلٌ وُضِعَ لِلتَّعْظِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَ مِنْ وَضْعِ الرَّجُلِ الْجَبْهَةَ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَاكِسًا لِغَيْرِهِ عَدَّهُ تَعْظِيمًا أَيْ تَعْظِيمٌ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَتَفْسِيرُ وُجِدَ أَنَّ الْحَجْمَ مَا قَالُوا أَنَّهُ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ كَأَنْ عَدِمَ الْخِلَافَ فِيهِ لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى جُزْءِ الرُّكْبَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الرُّكْبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ) وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سُجُودُ الثَّانِي عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. مُجْتَبَى (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى التُّرَابِ إلَى آخِرِهِ). (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِإِزَالَةِ شُبْهَةِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ مَسَحَ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَقَبْلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَوَّثُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَلَا يُفِيدُهُ وَإِنْ مَسَحَ لِكُلِّ مَرَّةٍ يَكْثُرُ الْعَمَلُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُلْقِي حَجْمَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَالطَّنْفَسَةِ إنْ وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ، وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ الْحَجْمَ أَوْ عَلَى الْعَجَلَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ لَا عَلَى الدَّخَنِ وَالْأُرْزِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَوْ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنْتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ زَادَ. اهـ.

وَالدُّخْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَبْدَى ضَبْعَيْهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ» أَيْ بَيَاضُهُمَا وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ ازْدِحَامٌ لَا يُجَافِي حَتَّى لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ازْدِحَامٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى إنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ»، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ: تَرْفَعُ يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا، وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا، وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا، وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ، وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ، وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) أَيْ مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَلَسَ مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رُكُوعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ»، ثُمَّ الْجِلْسَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا وَالْقَوْمَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَكَذَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، قَالَ يَعْقُوبُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يَسْكُتُ فَقَدْ أَحْسَنَ الْجَوَابَ حَيْثُ لَمْ يُنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا مِنْ قُوَّةِ احْتِرَازِهِ، وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِإِيثَارِ التَّحْمِيدِ فِيهِ وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمَّى بِهِ رَافِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ لِبْدٌ إنْ لَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ كَانَ مَغْسُولًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ. اهـ. قَوْلُهُ: كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِ حَجْمِ الْأَرْضِ حَالَ السُّجُودِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْعَجَلَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْفَرِيضَةِ لَا النَّافِلَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ مَا يُفْصِحُ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَبْعَيْهِ) وَالضَّبُعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَضُدُ وَبِضَمِّهَا الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ الْمَعْرُوفُ وَالسَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَفِي الْمُحِيطِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته قَالَ فِي الْمَنَافِع الضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ) أَيْ ابْنُ بُحَيْنَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ» إلَى آخِرِهِ) فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا سَجَدَ جَخَّ» بِجِيمٍ، ثُمَّ خَاءٍ مَشْدُودَةٍ وَيُرْوَى جَخَّى بِالْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا مِنْ جَنْبَيْهِ وَرَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ الْأَرْضِ. اهـ. نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْأُنْثَى مِنْ صِغَارِ الْغَنَمِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا يَضَعُهُ أُمُّهُ، ثُمَّ يَصِيرُ بَهْمَةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْبَهِيمَةُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: «حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ») رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ بُهَيْمَةٌ وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ) أَيْ تَضُمُّ نَفْسَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ) فِي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ تَبْلُغُ (قَوْلُهُ: مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ) أَيْ كَانَ لُبْثُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي إلَّا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ فَإِنَّ اللُّبْثَ فِيهِمَا لَا يَقْرُبُ اللُّبْثَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ بَلْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ وَلَمَّا كَانَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَرِيبَيْنِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَانَا مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى الِاطْمِئْنَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ شَيْءٌ تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ سُنَّةً. اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْجِلْسَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْقَوْمَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِيهَا سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَلِيلًا، ثُمَّ سَجَدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا. اهـ. وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ. اهـ. .

جَازَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَصَحَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ وَسَجَدَ مُطْمَئِنًّا) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ لِلنُّهُوضِ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ) أَيْ كَبَّرَ لِلنُّهُوضِ وَنَهَضَ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا نَهَضَ اعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ» وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ فَقَالَ إنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَشُرِعَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْقِيَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الِانْتِقَالَاتِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ؛ وَلِأَنَّهَا جِلْسَةُ اسْتِرَاحَةٍ وَفِي الصَّلَاةِ شُغْلٌ عَنْ الرَّاحَةِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ فَلَا يَخْتَلِفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَوَّذُ)؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ وَقَرَأَ، ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا، ثُمَّ قَرَأَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فقعس صمعج) أَيْ إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: وَهِيَ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَالْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمَرُوتَيْنِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ. فَالْفَاءُ فِيهِ عَلَامَةٌ لِلِافْتِتَاحِ وَالْقَافُ لِلْقُنُوتِ وَالْعَيْنُ لِلْعِيدِ وَالسِّينُ لِلِاسْتِلَامِ وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ وَالْعَيْنُ لِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِسَبَبِ الْكِبَرِ) فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «قَدْ بَدَّنْتُ أَيْ كَبُرْت فَلَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ» اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الرَّوْضَةِ قَالَ إذَا كَانَ شَيْخًا أَوْ رَجُلًا بَدِينًا لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِهِ عَلَى الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ) أَيْ مُبْتَدِئًا بِالْيَمِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَلِّي اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَرْفَعُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَالْجَمْرَتَيْنِ) وَالْمُرَادُ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ وَفِي الَّتِي فِي الْحَجِّ بَاطِنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ إلَى الْحَجَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ) وَجَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ شَيْئًا وَاحِدًا نَظَرًا إلَى السَّعْيِ. اهـ. مُسْتَصْفًى فَوَائِدُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا إذَا أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُهُ الْإِمَامُ فِي آخِرِ رَكَعَاتِهِ فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِنْ رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ وَيَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ وَبَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ رُكُوعُهُ وَالثَّالِثَةُ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيُلْتَحَقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ. (تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامُ فِيهِ وَفِيمَا لَا يُتَابِعُهُ). إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ، وَإِلَّا تَابَعَ وَفِي نَظْمِ الزندويستي خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ الْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ السَّهْوِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ. وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا أَوْ زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ لَا مِنْ الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ خَامِسَةٍ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا. اهـ. سَنَذْكُرُ مَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي بَابِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَخَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ س خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي إذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ

الْمُزْدَلِفَةُ وَالْجِيمُ لِلْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْفَعُ فِي الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يُكَبِّرُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ»؛ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شَمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ؛ وَعُمَرَ فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ خَدَمْت ابْنَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا رَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالرَّاوِي إذَا فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رَوَى تُتْرَكُ رِوَايَتُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ» وَيُرْوَى «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» مَكَانَ قَوْلِهِ تُرْفَعُ وَحُكِيَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ مَا بَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ» فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودَ» فَقَالَ عَجَبًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنِي بِحَدِيثِ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَرَجَّحَ بِعُلُوِّ إسْنَادِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ لَقُلْت عَلْقَمَةُ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ فَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ بِفِقْهِ رُوَاتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ يُمْنَاهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُعُودَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ نُمَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا فِي الصَّلَاةِ وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا إصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ وَقَدْ حَنَاهَا شَيْئًا وَهُوَ يَدْعُو» وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ «وَضَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى» وَذَكَرَ فِيهِ التَّحْلِيقَ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يَعْقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ يَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ. 1 - (فَرْعٌ) صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَمُنْفَرِدًا لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ صَلَاةِ دِينِنَا وَوُجُودُ اللَّازِمِ الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ الْمُعَيَّنَ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي كَوْنِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ نَظَرٌ. اهـ. وَوَجْهُ النَّظَرِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً كَمَ. اهـ. هُوَ مُشَاهَدٌ وَعَلَّلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَرَاهَةَ وُقُوفِ الْإِمَامِ بِطَاقِ الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهَا شَبِيهَةً بِصُنْعِهِمْ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِمَامِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ فِي دِينِهِمْ. اهـ. (أَقُولُ) يُمْكِنُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ دِينِنَا الْجَمَاعَةُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ كَوْنِهَا بِقِيَامٍ، ثُمَّ رُكُوعٍ، ثُمَّ سُجُودٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَيُرْشِدُ إلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ مَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْكَافِرِ مَا نَصُّهُ كَافِرٌ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُصَلُّونَ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى هَيْئَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ) قَالَ الْإِمَامُ وَشُمْسٌ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ شُمُوسٍ وَهُوَ النُّفُورُ مِنْ الدَّوَابِّ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ لِسَغَبِهِ وَحِدَّتِهِ (قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ الشِّينِ؛ لِأَنَّ مَا زِيَادَتُهُ مَدَّةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يُجْمَعُ كَذَلِكَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَمْثِلَةٍ فِي الْأَسْمَاءِ، وَكَذَا فِي الصِّفَاتِ الْأَسْمَاءُ نَحْوُ قَذَالٍ وَجِرَابٍ وَغُرَابٍ وَرَغِيفٍ وَعَمُودٍ وَالصِّفَاتُ نَحْوَ صَنَّاعٍ وَكَنَّازٍ وَشُجَاعٍ وَنَذِيرٍ وَصَبُورٍ وَالْجَمِيعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَذُبَّ فِي جَمْعِ ذُبَابٍ نَادِرٌ وَإِنَّمَا الْجَمْعُ عَلَى فُعْلٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ نَحْوَ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى حُمْرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) دَخَلَ فِي هَذَا الْقُنُوتُ وَالْعِيدُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى إلَى آخِرِهِ) وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» وَلَا شَكَّ بِأَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً أَيْ فَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَضَعَ الْكَفَّ، ثُمَّ قَبَضَ الْأَصَابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ

الْخِنْصَرَ وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُشِيرُ وَنَحْنُ نَصْنَعُ بِصُنْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا إشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ حَسَنٌ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ تَتَوَرَّكُ) أَيْ الْمَرْأَةُ تَتَوَرَّكُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى وَهُوَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنْ قَالَا: " السَّلَامُ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَزِيَادَةُ أَشْهَدُ فِي «قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ وَزِيَادَةِ أَشْهَدُ فِي قَوْلِهِ «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ قَالَ «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ «وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ كَمَا تَرَاهُ وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ مَعَ ضَعْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَشَرَطَ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهِيَ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ أَخَذَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى نَقْلِ تَشَهُّدِهِ وَصِحَّتِهِ حَتَّى قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ مَا يُرْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نَتَعَلَّمُ التَّشَهُّدَ كَمَا نَتَعَلَّمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَنَتَ فِي الصُّبْحِ وَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي صَحَّ النَّقْلُ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْمَشْيَخَةِ فِي حَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْ يُشِيرُ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَيْفَ يُشِيرُ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ وَيُشِيرُ بِهَا هَكَذَا رَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَكَذَا يُشِيرُ وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِشَارَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَعْقِدُ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ وَلَا يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْأَصَابِعِ لِلْحِسَابِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدَيْنِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَدٌ أَحَدٌ». اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَمَّا كَثُرَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا فِي كَوْنِ الْإِشَارَةِ سُنَّةً، وَكَذَا عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ كَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحِيَّاتُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَجَمِيعُ الْجَمِيعِ لِلَّهِ قَالَ الْفَرَّاءُ التَّحِيَّةُ الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ يُقَالُ حَيَّاك اللَّهُ أَيْ أَبْقَاك حَيًّا دَائِمًا وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى نُقِلَ هَذَا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَذَلِكَ مِثْلُ التَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ، وَقَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك تَسْلِيمًا وَسَلَامًا، ثُمَّ رُفِعَ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ بِالِابْتِدَاءِ وَفِي الْمَنَافِعِ يَعْنِي ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ كُلُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا قَالَ وَفَاوَضْت فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي الْمَنَافِعِ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلَوَيْنِ وَالطَّيِّبَاتُ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57]. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبَدْرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ عُبُودِيَّتَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إظْهَارًا بِأَنَّا لَا نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالنَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

مُتَّبِعٌ هَوًى مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ مَجَازًا فَعُذْرُهُ عُذْرُ الْمُقَلِّدِ وَرَجَّحُوا مَذْهَبَهُمْ بِتَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدَثٌ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَعْلِيمِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْفِقْهِ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْعَبَادِلَةُ صِغَارُ الصَّحَابَةِ وَأَحْدَاثُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ سِنِّهِ تَقَدُّمُ تَعْلِيمِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ بَعْدَ الصِّغَارِ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّرْجِيحُ بِصِغَرِ السِّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِيهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ لِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَالثَّانِي - أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالثَّالِثُ - تَعْلِيمُ الصِّدِّيقِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَالرَّابِعُ - حَدِيثُهُ لَيْسَ فِيهِ اضْطِرَابٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْخَامِسُ - أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالنَّقْلِ عَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ. وَالسَّادِسُ - فِيهِ وَاوُ الْعَطْفِ فِي مَقَامَيْنِ فَيَكُونُ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِفَائِدَتِهِ لِكَوْنِهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ كَمَا فِي الْقَسَمِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ كَانَتْ أَيْمَانًا ثَلَاثًا حَتَّى إذَا حَنِثَ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَلَوْ كَانَتْ بِلَا وَاوٍ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَالسَّابِعُ - أَنَّ السَّلَامَ مُعَرَّفٌ فِي مَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ وَمُنَكَّرٌ فِي الْآخَرِ. وَالثَّامِنُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ. وَالتَّاسِعُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِكَفِّ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَعَلَّمَهُ» فَفِيهِ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ فِي أَمْرِ التَّشَهُّدِ وَاسْتِثْبَاتٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ. وَالْعَاشِرُ - تَشْدِيدُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْوَاوَ وَالْأَلِفَ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ كُنَّا نَحْفَظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّشَهُّدَ كَمَا نَحْفَظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ) لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَقَرَأَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَشْمَلُ الْمَغْرِبَ إذْ لَا أَخِيرَتَيْنِ لَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى كَالْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَتَعَقَّبُهُ التَّسْلِيمُ يَتَوَرَّكُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَتَوَرَّكُ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ ثَانٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْإِقْعَاءِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: فَإِذَا جَلَسْت فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَأَحْفَظَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَقَعَدَ عَلَيْهَا وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ حَلْقَةَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو بِالْأُخْرَى» وَيُرْوَى بِالْمُسَبِّحَةِ وَيُرْوَى بِالسَّبَّابَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ وَائِلٍ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ يَدْعُو دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» أَحْيَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) فِي قَوْلِهِ لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فَسَّرَهُ كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالُوا: إنَّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فَفِيهِ زِيَادَةُ اسْتِحْبَابٍ وَحَثٌّ وَتَأْكِيدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَنْوِي بِالْفَاتِحَةِ الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ لَا الْقِرَاءَةَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْوِي الدُّعَاءَ وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَتْ اقْرَأْ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) أَيْ فَضِيلَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى السُّكُوتِ لَا وُجُوبُهَا. اهـ. قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى تَصْحِيحَ الشَّارِحِ قُلْت الصَّحِيحُ هُوَ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا فِي الْأَرْبَعِ وَذَلِكَ فِيمَنْ سَبَقَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا الْمَسْبُوقُ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَالْمَسْبُوقُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَرَأَ فِيهِمَا أُلْحِقَتْ قِرَاءَتُهُ هَذِهِ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا سَبَقَ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَرْضٌ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَالسَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ» إلَى آخِرِهِ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقُعُودِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ التَّقْدِيرُ لُغَةً أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَنَا وَعَلَى تَجِيءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا تَجِيءُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا التَّشَهُّدِ فَكَانَ مَتْرُوكًا عِنْدَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَعَلَّهُ قَالَهُ اجْتِهَادًا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضٌ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ السُّنَنِ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَدِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَوْقِيرًا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ) أَيْ دَعَا لِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إبْرَاهِيمَ قِيلَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ إذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَتِهِ وَكَشَفَ لَهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ أَبْقَى الدَّعْوَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْمَزِيَّةَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا الْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَهُوَ كَمَا اخْتَارُوا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] أَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الصِّيَامِ لَا عَيْنُهُ وَلَا وَقْتُهُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: سُؤَالُ التَّسْوِيَةِ مَعَ إبْرَاهِيمَ فِيهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا الرَّابِعُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَقْطُوعًا عَنْ التَّشْبِيهِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُشَبَّهَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ وَمُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ آلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَإِذَا تَقَابَلَتْ الْجُمْلَةُ بِالْجُمْلَةِ وَتَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِآلِ الرَّسُولِ مَا لِآلِ إبْرَاهِيمَ الَّذِينَ هُمْ أَنْبِيَاءٌ فَمَا تَوَفَّرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ حَاصِلًا لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ لَكِنْ زَادَ فِي الْغَايَةِ خَمْسَةَ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى فَلْتُرَاجَعْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ لِمَ خُصَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِذِكْرِنَا فِي الصَّلَاةِ؟ فَقِيلَ: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أُمَّتِهِ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ فَأُمِرْنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُجَازَاةً عَلَى إحْسَانِهِ. وَالثَّانِي - أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَلَسَ مَعَ أَهْلِهِ فَبَكَى إبْرَاهِيمُ وَدَعَا وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شُيُوخِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ آمِينَ، ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ كُهُولِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: آمِينَ، ثُمَّ دَعَا إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شَبَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ دَعَتْ سَارَةُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ نِسْوَانِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ دَعَتْ هَاجَرُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْمَوَالِي وَالْمُوَالَيَاتِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ فَلَمَّا سَبَقَ مِنْهُمْ السَّلَامُ أُمِرْنَا بِذِكْرِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ. اهـ. مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي آخِرِهَا. اهـ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَجَّلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَمَا شَاءَ» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ) أَيْ الْمُصَلِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ) وَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقَالُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الصَّحَابِيَّ لَا يُقَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ يُقَالُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْأَثَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَهَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَقَالَ مَعْنَى وَارْحَمْ مُحَمَّدًا رَاجِعٌ إلَى أُمَّتِهِ إمَّا بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِعْطَافِ بِوَاسِطَةٍ كَشَخْصٍ جَنَى وَأَبُوهُ شَيْخٌ يُقَالُ لِلْمُعَاقِبِ ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالرَّحْمَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الِابْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ نَبِيٍّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَلَى إثْرِ ذِكْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالسُّنَّةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِمَا. اهـ. غَايَةٌ

وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَدَعَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أَيْ فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ قَارَبْت الْفَرَاغَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ لَا يَدْعُو بِكَلَامِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا جَازَ خَارِجَهَا مِنْ الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي دَرَاهِمَ وَجَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَخَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعَلَى قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَدْعُو فِي صَلَاتِي حَتَّى بِشَعِيرِ حِمَارِي وَمِلْحِ بَيْتِي وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِيهَا؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مُحَرَّمٌ وَمَا ذَكَرَهُ مُبِيحٌ وَالْمُحَرَّمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا قَوْلٌ وَمَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ تَأَوَّلَهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدُّعَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ لِآدَمِيٍّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي كَلَامِ النَّاسِ الْمُخَاطَبَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ قَرَأْت الْفَاتِحَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خِطَابًا لِآدَمِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يُخَاطِبُهُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ وَقِيلَ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَعْنَاهُ لَا يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلِعَمِّي وَخَالِي، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَفُوَمًا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ نَاوِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ اهـ. (فَرْعٌ) الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزِّيَادَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُؤَخَّرٌ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ قَعْدَةٌ أُولَى فِي حَقِّهِ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْعُو بِدَعَوَاتِ الْقُرْآنِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَدْعُو بِذَلِكَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْكُتُ وَعَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَقَالَا لَا مَعْنَى لِلسُّكُوتِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا اسْتِمَاعٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَرِّرَ التَّشَهُّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا الْقِيَامُ فَإِنَّ الْمُقْتَدِيَ يَسْكُتُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمَاعٍ وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخَزَاخَزِيُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا فِي التَّشَهُّدِ تَأْخِيرَ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَا يُعَجِّلُ بِالْقِيَامِ وَيَنْظُرُ هَلْ يَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بِقَضَاءِ مَا نَسِيَهُ فَإِذَا تَيَقَّنَ فَرَاغُهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَفِيهِ حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لِزُفَرَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا هُذَيْلٍ مَتَى يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً فَقَالَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ أَخْطَأْت، ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ تَيَقُّنِهِ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ زُفَرُ أَحْسَنْت أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ قَالَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ يَمْكُثُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى تَطَوُّعِهِ إنْ كَانَ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ وَيَسْتَنِدُ إلَى الْمِحْرَابِ إنْ كَانَ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ يُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ فَخَافَ أَنْ تُفْسِدُ الْمَارَّةُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ فَقَامَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ. قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورِ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ يَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَلَامُهُمْ) كَقَوْلِك أَعْطِنِي مَالًا وَأَطْعِمْنِي وَاقْضِ دَيْنِي وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ إلَى آخِرِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سُجُودِهِ أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَسَقَطَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ قُلْت مَا أَجْهَلَهُ بِالْفِقْهِ وَنَقَلَهُ وَمَا أَقَلَّ وَرَعَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُوجَدَ مَا يَدْعُو بِهِ فِي الْقُرْآنِ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَهُ وَبِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي يَحْفَظُهَا الْمُبْتَدِئُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي أَمْرِي وَأَكْرِمْنِي اللَّهُمَّ أَنْعِمْ عَلَيَّ اللَّهُمَّ عَافَنِي مِنْ النَّارِ وَسَدِّدْنِي

الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا) وَهَذَا الْكَلَامُ شَامِلٌ لِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ: أَمَّا السَّلَامُ فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» الْحَدِيثُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَمَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ. وَقَدْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ أَيْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي التَّحْرِيمَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَإِذَا أَتَى بِهِ مُقَارِنًا فَقَدْ أَتَى بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ صَلَاتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْمُؤْتَمِّينَ بِالتَّكْبِيرِ فِي زَمَانٍ يُكَبِّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا»؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً كَالْحِينِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ فَكَبِّرُوا فِي زَمَانٍ فِيهِ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْقِرَانِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فِي زَمَانِ الْقِرَاءَةِ لَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِنَاءً إلَى آخِرِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ وَهِيَ بِالْقِرَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ أَنْ لَوْ كَانَ شُرُوعُ الْمُقْتَدِي سَابِقًا عَلَى شُرُوعِ الْإِمَامِ فَإِذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ لَا تَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعْدُومَةً وَقْتَ وُجُودِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ مُقَارِنًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ. وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ فِي الْجَوَازِ بَلْ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ احْتِمَالَ وُقُوعِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَكَانَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ احْتِمَالِ السَّبْقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ فِي عَدَمِ السَّبْقِ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَتَرْكٌ لِلْعِبَادَةِ وَخُرُوجٌ مِنْهَا فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا» وَلِعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ». وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّسَاءِ وَتَأَخُّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQارْفَعْنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَارْزُقْنِي الْحَجَّ إلَى بَيْتِك وَجِهَادًا فِي سَبِيلِك وَاشْغَلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَاجْعَلْنَا عَابِدِينَ شَاكِرِينَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ إلَى آخِرِهِ) رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ». اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي السَّلَامِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُؤَدَّاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَلَاتِهِ وَحُضُورِهِ إيَّاهَا لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا النَّوَافِلَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَغَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ بِلَا اشْتِبَاهٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَلَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِهَا بِهِ فَكَمِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ مَعَهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ فِي أَحَادِيثِ التَّسْلِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً ضَعْفًا إذْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَرْوِي مَنَاكِيرَ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ

النِّسَاءِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَحْسَنُ فَلَعَلَّهَا خُفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ السَّلَامَ عَنْ يَسَارِهِ وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي بِكُلِّ تَسْلِيمَةٍ مَنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَهُمْ شَرِكَةٌ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْهُمْ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَاضِرًا وَقَالُوا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَلِكَرَاهِيَتِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَاضِرُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ خِطَابًا لِلْغَائِبَيْنِ وَقِيلَ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّحْرِيمَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ، أَمَّا فِي سَلَامِ التَّحْلِيلِ فَيَخُصُّ الْحَاضِرِينَ لِأَجْلِ الْخِطَابِ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُحَاذِيهِ نَوَاهُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا أَيْ نَوَى الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِي الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِيهِمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِحِذَائِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْوِيهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ تَرْجِيحًا لِلْأَيْمَنِ وَلِلسَّبْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِمَامُ يَنْوِي الْقَوْمَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) وَقِيلَ: لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ وَقِيلَ: يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اُخْتُلِفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، ثُمَّ قَدَّمَ الْقَوْمَ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِعَكْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا وَيُرْوَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ وَشَرَحَهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَهَرَ بِقِرَاءَةِ الْفَجْرِ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ تَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. اهـ. نَقَلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ إلَى آخِرِهِ) وَلِأَنَّ فِي أَحَادِيثِنَا زِيَادَةً صَحِيحَةً وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي لِلزِّيَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي) لِأَنَّ السَّلَامَ قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى وَلِهَذَا خَفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ) وَالْإِشَارَةُ فَوْقَ النِّيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْحَاوِي لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ السَّلَامُ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقِيلَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهِمَا حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَهُ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا نَصُّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى كَقَوْلِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَاوِي نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ، ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ) فَفِي بَعْضِهَا مَا كَانَ وَهْمًا الْكَاتِبَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلْقِيهِ إلَى الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَآخَرُ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُبَلِّغُهُ إلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ سِتُّونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ. اهـ. وَأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَنَا قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلِهِمْ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ) وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآدَمِيِّ الْعَقْلَ وَالشَّهْوَةَ وَفِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الشَّهْوَةِ وَفِي الْبَهَائِمِ الشَّهْوَةَ دُونَهُ فَمَنْ سَلَّطَ مِنَّا عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِمُوجِبِ شَهْوَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَإِنْ سَلَّطَ شَهْوَتَهُ عَلَى عَقْلِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ لَا عَقْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] فَكَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُتَّقِي أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَشَرْحُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ

الْإِمَامُ (وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ وَلَوْ قَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ)؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ، وَكَذَا يَجْهَرُ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا لِلتَّوَارُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) أَيْ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجْهَرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَالْمُنْفَرِدُ أَوْلَى، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يُخَافِتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ إنْ جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَجْهَرُ جَهْرُ الْإِمَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ يَجْهَرُ فِيهَا يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ كَمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ؛ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْإِخْفَاءَ فِيهِ حَتْمًا بِخِلَافِ مَا اخْتَارُوهُ وَقَوْلُهُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ يَعْنِي بِهِ الْمُنْفَرِدَ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا جَهَرَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ وَلَوْ كَانَ إمَامًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْ الْعِشَاءِ) (قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لَا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْأُضْحِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) وَلَوْ قَضَاءً فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ إذَا قُضِيَتْ فِي النَّهَارِ بِجَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا وَصَلَاةُ النَّهَارِ إذَا قُضِيَتْ فِي اللَّيْلِ بِجَمَاعَةٍ يُخَافِتُ فِيهَا. اهـ. مُسْتَوْفَى ش بَزْدَوِيٌّ وَالثَّانِي فِي قَاضِي خَانْ إنْ أَمَّ لَيْلًا فِي صَلَاةِ النَّهَارِ يُخَافِتُ وَلَا يَجْهَرُ وَإِنْ جَهَرَ سَاهِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي السَّهْوِ وَلَوْ أَمَّ فِي التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ فَخَافَتَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا فِي صَلَاةٍ تُؤَدَّى عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ يُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْخَفِيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ (قَوْلُهُ: حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَلَوْ جَهَرَ يَكُونُ مُسِيئًا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ قَالَ الْمُنْفَرِدُ يُخَافِتُ لَا مَحَالَةَ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي هَذَا الدَّفْعِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا يُنْكَرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السَّهْوِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي مَعْنَى التَّكْمِيلِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِلْمَتْرُوكَاتِ مِنْ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ كَمَّلَتْ الْفَرَائِضَ مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِمَا دَخَلَهَا مِنْ النَّقْصِ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ بِتَرْكِ سُنَنِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَتَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا فَهَذَا تَكْمِيلٌ لِنَقْصِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَدَدِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْهِنْدُوَانِيُّ) بِكَسْرِ الْهَاءِ قَلْعَةٌ بِبَلْخٍ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ) أَيْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَهُ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ وَفِي النِّصَابِ سُئِلَ الْفَضْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ يُسْمِعُ قِرَاءَتَهُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ قَالَ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَالْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ بِجَمَاعَةٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَهُوَ جَهْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَضَاءِ الْفَجْرِ وَكَالْوِتْرِ يُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالدَّلِيلُ شَرْعِيَّةُ مَالِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالسُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَمْ يُوجَدْ الدَّلِيلُ فَلَا يَقْضِي كَمَا إذَا فَاتَ تَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَتَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْأُضْحِيَّةُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ أَيَّامِهَا. اهـ. غَايَةٌ

بِهَا وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا أَدَاءً فَجَازَ أَنْ يَقَعَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ؛ لِأَنَّهُ أُمْكِنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَأَهَا وَقَوْلُهُ جَهْرًا؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَفِي الْأَصْلِ ذَكَرَ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي الْفَاتِحَةِ قَاضٍ فِي السُّورَةِ فَتُرَاعَى صِفَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَتَخْلُو الْأُخْرَتَانِ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا الْتَحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَذَا هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِالسُّورَةِ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ حَقِيقَةً وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَهِيَ أَسْبَقُ أَيْضًا وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِلسُّورَةِ بِخِلَافِ السُّورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ السُّورَةَ وَاجِبَةٌ وَالْفَاتِحَةَ فِيهِمَا نَفْلٌ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِمَا بَيَّنَّا كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى، ثُمَّ يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْأُولَيَيْنِ فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَقَلُّ تَغْيِيرًا. وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَاتِحَةَ وَيَقْرَأَ السُّورَةَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَبِتَرْكِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا تَنْقَلِبُ وَاجِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِتَقَعَ السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْفَرْضِ بَعْدَ التَّمَامِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ وَقَعَتْ فَرْضًا وَالْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ نَقْضَ الْفَرْضِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ جَائِزٌ وَالْفَاتِحَةُ إذَا قُرِئَتْ تَصِيرُ فَرْضًا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا عُرْفًا بِدُونِهِ فَأَشْبَهَ مَا دُونَ الْآيَةِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي مِثْلِهِ. اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ قَضَاءِ السُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ أَوْ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَنَصٌّ فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ كَالْوُجُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ وَعَكْسُهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِمَا. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْوَاجِبُ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ إذَا تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْضِيَهَا) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِلَفْظَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَبَّةِ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا وَجْهُ الْأَحَبِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي يُقَوِّي عَدَمَ الْوُجُوبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ: وَجَهَرَ مُحْتَمَلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ لِمَا عُرِفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ وَهَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَيُرَاعِي صِفَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ أَخَذَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْغَايَةِ وَقَدْ أَسْقَطَ مِنْ الْبَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ جَمْعًا شَيْئًا لَا يَتَّضِحُ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ وَهُوَ لَا يَكُونُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. قُلْت وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ قُوبِلَتْ عَلَى نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهَا قَوْلَهُ وَلَا يَكُونُ وَقَدْ أَثْبَتَهَا عَلَى الْهَامِشِ وَكَتَبْت عَلَيْهَا صَحَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ) أَيْ اللَّتَانِ اقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السُّورَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيُخَافِتُ بِالسُّورَةِ تَبَعًا لِلْفَاتِحَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا) وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَجْهَرُ بِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَالْفَاتِحَةُ فِيهِمَا نَفْلٌ) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) أَيْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فِي رَكْعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى) لِأَنَّ النَّفَلَ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي رَكْعَتَيْنِ تَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى حَتَّى لَا يَتَنَفَّلَ بِالثَّلَاثِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ. اهـ. .

الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَةً مِثْلُ مُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ق " وَ " ن " اُخْتُلِفَ فِيهَا وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ قَرَأَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ»؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقَامَةٍ وَقَرَأَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ أَلْيَقَ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ اُسْتُحِبَّ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ إلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا وَالْحَقُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ، ثُمَّ نَظَرَ لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ: نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ إلَى آخِرِهِ أَيْ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إلَى آخِرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلُ ص إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَالْمَقْرُوءُ وَهُوَ الِاسْمُ صَارَ كَلِمَةً فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ. اهـ. (فَرْعٌ) الْقِرَاءَةُ أَنْوَاعٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهَةٌ فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً لَا يَشُوبُهَا قَصْدُ خِطَابِ أَحَدٍ وَلَا جَوَابُهُ وَلَا قَصْدُ التَّلْقِينِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا يَجْرِي فِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا وَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَالْمَسْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى قِرَاءَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا. اهـ. مِنْ الدِّرَايَةِ بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ وَجْهُ الْقَيْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ وَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ وَمَعْنَى قَسَّمَ السُّنَّةَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ بِإِسْنَادِهِ وَبِمَعْنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. اهـ. وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّ فِي الدِّرَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ» آيَةً. اهـ. فَتْحٌ

التَّأْخِيرُ فَيُخْشَى بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقَّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ بِخِلَافِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا مَدِيدَةٌ وَسُمِّيَ الْمُفَصَّلُ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ، ثُمَّ آخِرَ الْمُفَصَّلِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحُجُرَاتِ وَهُوَ السَّبْعُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْجَاثِيَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الْحَضَرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَمُرَادُهُ أَنْ يُوَزِّعَ الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ لَا أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ، ثُمَّ قِيلَ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَالْأَرْبَعُونَ أَقَلُّ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ فَقِيلَ إنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ إلَى مِائَةٍ وَبِالْكَسَالَى إلَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ إلَى السِّتِّينَ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا فَفِي الشِّتَاءِ يَقْرَأُ مِائَةً وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ. وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ الْآيَاتِ وَقِصَرِهَا فَيَقْرَأُ أَرْبَعِينَ إذَا كَانَتْ طِوَالًا كَسُورَةِ الْمُلْكِ وَيَقْرَأُ خَمْسِينَ إذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِصَارًا كَسُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَالرَّحْمَنِ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى قِلَّةِ الْأَشْغَالِ وَكَثْرَتِهَا وَقِيلَ يَعْتَبِرُ حَالَ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ يَقْرَأُ مِائَةً وَإِلَّا فَأَرْبَعِينَ وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» وَنَحْوِهَا وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَلَمْ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا وَفِي الظُّهْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مَعَهَا وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ «يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالطَّارِقِ» وَنَحْوِهِمَا مِنْ السُّوَرِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ» وَهُمَا سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَوَصْفِهَا فَيَسْتَوِيَانِ فِي مِقْدَارِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُطِيلُ الْأُولَى إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتَا فِي وَقْتِ الِاشْتِغَالِ لَكِنْ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ يَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ فَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ. وَمَا رَوَاهُ مِنْ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى إطَالَتِهَا بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ إلَى آخِرِهِ) وَالْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ) قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ مَاشٍ فِي الْعَصْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْعِشَاءِ إذْ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَا تَقَعُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مُبَاحٌ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ النَّوْمِ فَبِالتَّأْخِيرِ وَالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ التَّغْيِيرُ وَالتَّقْلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ إلَى آخِرِهِ) السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ لُغَتَانِ وَتَرْكُ هَمْزِهَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ) أَيْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَلَّابِيُّ بَدَلُ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ إلَى آخِرِهِ) وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى. اهـ. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا فِي الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ وَفِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهَا أَسْهَلُ كَذَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْقَنِيَّةِ الْقِرَاءَةُ الْمَسْنُونَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الرَّاوِي وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا فِي قَدْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مَثَلًا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ تُعَدُّ إطَالَةً لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ. اهـ. فَتْحٌ

قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ التَّطْوِيلُ يُعْتَبَرُ بِالْآيِ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً وَإِنْ كَانَتْ الْآيَاتُ مُتَفَاوِتَةً مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَالْقِصَرُ يُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الْأُولَى، ثُمَّ يُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ قَامَ وَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَقِّتَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ أَلَمْ السَّجْدَةُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا وَاجِبًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا أَوْ رَأَى قِرَاءَةَ غَيْرِهِمَا مَكْرُوهًا أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِأَجْلِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ قَرَءُوا خَلْفَهُ لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا»؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى «{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَتْ» وَقَالَ أَحْمَدُ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَالَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ؛ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقُرْآنِ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تُجْزِي صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَعَنْ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِمَاعِ إجْمَاعًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالِاسْتِمَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قَالُوا يَتْبَعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ قُلْنَا يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ فِيمَا إذَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْغَايَةِ) كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَمَاعَةً وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ يُكْرَهُ وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ وَبَعْضَهَا فِي الثَّانِيَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ وَمِنْ آخِرِهَا وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً أَوْ آيَةً فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا فَقَالَ ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ وَهُوَ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً، ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا سُورَةً قَبْلَهَا فِي النَّظْمِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ) أَيْ وَالثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصِّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِي لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَلِذَا قَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ إلَى آخِرِهِ) وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ طَبْعًا وَالْعِبَادَةُ مَتَى صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِهَذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) أَيْ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَنْصِتُوا إلَى آخِرِهِ) فَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَالَةِ الْخَطِّيَّةِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا «سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَقَالَ مَا لِي أُنَازَعُ فِي الْقُرْآنِ» وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ» وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ.

[باب الإمامة والحدث في الصلاة]

يَسْكُتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ إجْمَاعًا وَحَدِيثُ عُبَادَةَ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ. وَقَوْلُهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَقَعَ عَنْهُمَا فَيُجْزِيهِ وَلِهَذَا يُجْزِيهِ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْقِرَاءَةِ، وَكَذَا الْإِمَامُ نَفْسُهُ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَهَا وَآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ» مَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَطْوِيلًا عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ يُنْصِتُ وَيَسْتَمِعُ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَا لَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُ وَيُشَمِّتُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ إذْ الْمَجْلِسُ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ خَطَبَ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ فِيهَا وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ وَأَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُنْصِتُوا إذَا خَطَبَ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالنَّائِي كَالْقَرِيبِ) أَيْ النَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ كَالْقَرِيبِ مِنْهُ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِمَاعِ لَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِنْصَاتِ فَصَارَ كَالْمُؤْتَمِّ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ؛ وَلِأَنَّ صَوْتَهُ قَدْ يَبْلُغُ مَنْ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ فَيُشْغِلُهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ حَتَّى اُسْتُدِلَّ بِمُلَازَمَتِهَا عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنَّهَا فَرِيضَةٌ، ثُمَّ مِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لَهُمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» فَتَارِكُ السُّنَّةِ لَا يُحَرَّقُ عَلَيْهِ بَيْتُهُ فَدَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ) مِثْلَ آيَاتِ الْجَنَّةِ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت فَاعِلُ قَرَأَ هُوَ الْإِمَامُ وَفَاعِلُ خَطَبَ هُوَ الْخَطِيبُ وَهُوَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ غَيْرُ إمَامٍ فَيَكُونُ هَذَا الْعَطْفُ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ فَافْهَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْهِيبُ) أَيْ التَّخْوِيفُ مِثْلُ آيَاتِ النَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِنْصَاتُ فَرْضٌ بِالنَّصِّ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ لَكِنْ قِيلَ: إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ بِاللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ وَهَذَا صَرِيحُ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. اهـ. فَتْحٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ إلَى آخِرِهِ) أَفَادَ وُجُوبَ السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى وَرُوِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتُهُ وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالنَّائِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا لَا الْكَلَامَ الْمُبَاحَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي حَالِهَا؛ وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَمِعْ فَقَدْ تُشَوِّشُ هَمْهَمَتُهُ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ اهـ. [بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] (بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْفَرْضِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقِيلَ: إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ اثْنَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ»؛ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ بِهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ اهـ

[الأحق بالإمامة]

عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَهَذَا يُفِيدُ الْجَوَازَ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ مَعَ الْقِيَامِ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَلْ كَانَتْ تَسْقُطُ عَنْهُمْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ لَا نَفْيُ الْجَوَازِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِلْآبِقِ وَالْمَرْأَةِ النَّاشِزَةِ»، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّي بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ؛ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] يَقْتَضِي الْجَوَازَ مُطْلَقًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَفِي الْمُفِيدِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَإِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ لَوْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِيُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَحَسَنٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي أَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَنْ يَتْبَعَ الْجَمَاعَاتِ وَإِنْ دَخَلَهُ صَلَّى فِيهِ وَتَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِالْأَعْذَارِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَالزَّمِنِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالْمَفْلُوجِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالطِّينِ وَالْمَطَرِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) يَعْنِي الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَقْرَأُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِرَاءَةِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا»؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا وَالْحَاجَةَ إلَى الْفِقْهِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءٌ فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ لِلْقُرْآنِ مِنْهُ مِثْلُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا فَتَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا أَوْلَى إذَا عَلِمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِإِقَامَةِ رُكْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ أَيْضًا وَالْفِقْهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَقْرَأَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَفِظَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَّا وَنَعْلَمُ أَمْرَهَا وَنَهْيَهَا وَزَجْرَهَا وَحَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَالرَّجُلُ الْيَوْمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْكَامِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ إلَى آخِرِهِ) قُلْت وَلَوْ نَقَلَ الْحَدِيثَ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِدُونِ الْجَمَاعَةِ لِمَا مَرَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَثِمُوا وَوَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالسِّلَاحِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَايَةَ التَّأْكِيدِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ اهـ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا سَوَاءٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ سَمَّاهَا سُنَّةً، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالْوَاجِبِ فَقَالَ الْجَمَاعَةُ لَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ التَّأْخِيرُ عَنْهَا إلَّا بِعُذْرٍ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» اهـ. وَالنَّعْلُ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ يَبْرُقُ حَصَاهَا وَلَا تُنْبِتُ شَيْئًا. اهـ. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ. [الْأَحَقّ بِالْإِمَامَةِ] (قَوْلُهُ يَعْنِي الْأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ) الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْفِقْهُ وَعِلْمُ الشَّرِيعَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ سَلَّمَا) أَيْ إسْلَامًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ الْأَقْرَأُ فِيهِمْ هُوَ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَالْأَحْكَامِ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرَّاءِ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْجَوَازِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَالْحَدِيثُ بِصِيغَتِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمَامَةِ الثَّانِي عِنْدَ وُجُودِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ إخْبَارٍ وَهُوَ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالشَّرْطِ قُلْنَا صِيغَةُ الْإِخْبَارِ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّةِ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ صِيغَةَ

شَيْئًا؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ بِحِفْظِهِ عَلَى عِلْمِهِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَتَفَقَّهُوا قُدِّمَ الْأَعْلَمُ نَصًّا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَعْلَمُهُمْ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَقْرَأُ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَوْرَعُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ»؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ أَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً وَلَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ فَأَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْأَسَنُّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِصَاحِبٍ لَهُ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقْدِيمَ بِالْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْأَكْبَرَ سِنًّا يَكُونُ أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً وَأَعْظَمَهُمْ بَيْنَهُمْ حُرْمَةً وَرَغْبَةً وَالنَّاسُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِيهِ أَكْثَرَ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ أَوْفَرُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَالْأَعْرَابِيِّ) وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَالْفَاسِقِ) لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إهَانَتُهُ شَرْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُبْتَدِعِ) أَيْ صَاحِبِ الْهَوَى قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى وَبِدْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ وَالْجَهْمِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، حَاصِلُهُ إنْ كَانَ هَوَى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَ لَا يُوَازِيه غَيْرُهُ فِي الْفَضِيلَةِ فِي مَسْجِدِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ «اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَا أَعْمَيَيْنِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِخْبَارِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِوُجُودِ الْجَوَازِ بِدُونِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ الْأَقْرَأُ فِي الْحَدِيثِ الْأَعْلَمُ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الْأَعْلَمِ فِي الْحَدِيثِ وَيَئُولُ تَقْدِيرُهُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ السُّنَّةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا فَكَانَ الْأَعْلَمُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَعْلَمِ الْأَوَّلِ. اهـ. دِرَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ الصَّلَاةِ مُتَبَحِّرًا فِيهَا غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَبَحِّرِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ثُمَّ الْأَوْرَعُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: ثُمَّ الْوَرَعُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي تَرْتِيبِ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَمِ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَلَكِنْ أَصْحَابُنَا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ جَعَلُوا مَكَانَ الْهِجْرَةِ الْوَرَعَ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مُنْقَطِعَةٌ فِي زَمَانِنَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ» فَجَعَلُوا الْهِجْرَةَ عَنْ الْمَعَاصِي مَكَانَ تِلْكَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ هِجْرَتَهُمْ لِتَعَلُّمِ الْأَحْكَامِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَزْدَادُ الْوَرَعُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِلَاكُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ» وَفِي الْحَدِيثِ «الْجِهَادُ جِهَادَانِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَك وَهَوَاك وَالْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ إحْدَاهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْأُخْرَى وَهُوَ أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، ثُمَّ الْأَسَنُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةٍ وَمُدَاوَمَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الثَّوْرِيُّ الْمُرَادُ بِالسِّنِّ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا إلَى آخِرِهِ) وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حَسَنَ الْوَجْهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا رَوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ) فَلَوْ اجْتَمَعَ الْمُعْتَقُ وَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ وَاسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أُولَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُبْتَدِعِ إلَى آخِرِهِ) الْبِدْعَةُ هِيَ الْحَدَثُ فِي الدِّينِ فَإِنْ اخْتَصَّ بِالِاعْتِقَادِ فَهَوَى اهـ مُوضِحٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» إلَى آخِرِهِ) تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» فَأَعَلَّهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَنْ سَمَّى الْإِرْسَالَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ حُجَّةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا وَرَوَاهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَعَلَّهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْعُقَيْلِيِّ كُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَبِذَلِكَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ. كَمَالٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ: إمَامَةُ الْمُقِيمِ لِلْمُسَافِرِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ هُمَا سَوَاءٌ اهـ. وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْجَوَاهِرِ يُرَجَّحُ بِالْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخَلِيفِيَّةِ وَالْمَكَانِيَّةِ وَكَمَالُ الصُّورَةِ كَالشَّرَفِ فِي النَّسَبِ وَالسِّنِّ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ حَسَنُ اللِّبَاسِ وَقِيلَ وَبِصَبَاحَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخَلْقِ وَبِمِلْكِ رَقَبَةِ الْمَكَانِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي هَذِهِ الْخِصَالِ يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ أَحْرَزَ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يُحْرِزُ ثَوَابَ الْمُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ اهـ. يُرِيدُ بِالْمُبْتَدَعِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَا بَأْسَ بِتَفْصِيلِهِ الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ وَالْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَّابِيَّةَ وَالْمُشَبِّهَةَ وَجُمْلَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ حَتَّى لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ

بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَالْفَاجِرُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ قَالَ (وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) أَيْ كُرِهَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذْ أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلِيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ»، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَمَاعَةُ النِّسَاءِ) أَيْ كُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا»؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَيْضًا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ فَصِرْنَ كَالْعُرَاةِ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِنَّ الْجَمَاعَةُ أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لَهُنَّ الْأَذَانُ وَهُوَ دُعَاءٌ إلَى الْجَمَاعَةِ وَلَوْلَا كَرَاهِيَةُ جَمَاعَتِهِنَّ لَشُرِعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ إذَا تَأَمَّلْت، وَلَا يُصَلِّي خَلْفَ مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَى يَدٌ وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقَ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ وَفِي الرَّوَافِضِ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمُبْتَدَعٌ وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَافِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْهُ فَمُبْتَدَعٌ اهـ مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ. قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ مَنْ يُنَاظِرُ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ فَنَهَاهُ فَقَالَ رَأَيْتُك تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي فَقَالَ كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤْسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ وَتُرِيدُونَ زِلَّةَ صَاحِبِكُمْ وَمَنْ أَرَادَ زِلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسُهُ كُفْرٌ فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَمُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنْ جَزْمُهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَمْعُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يَفْعَلَ وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ النَّقْصَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَشْهُورِ بِآكِلِ الرِّبَا وَيَجُوزُ بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا فِي بَابِ الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ) لِأَنَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ: يَعْنِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَكُونُ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» أَمَّا لَا يَنَالُ ثَوَابَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ التَّقِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ فِي غَايَةِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا صَبْرًا وَمَاتَ فِي حَبْسِهِ خَمْسُونَ أَلْفًا مِنْ الرِّجَالِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْ النِّسَاءِ سِوَى مَنْ قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ وَزُحُوفِهِ وَكَانَ حَبْسُهُ يُقَالُ لَهُ الْجَائِرُ بِغَيْرِ سَقْفٍ صَيْفًا وَشِتَاءً وَيُسْقَوْنَ الْمَاءَ بِالرَّمَادِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا جِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا) الْمَخْدَعُ الْخِزَانَةُ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمَخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ وَتَثْلِيثُ الْمِيمِ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمِنْهُ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَيْ مَصْدَرٌ لَا وَصْفٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ بِالْإِسْكَانِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَفِي الْفَصِيحِ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ وَاحْتَجَمْت وَسَطَ رَأْسِي بِالْفَتْحِ وَمِنْهُ يَشُدُّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الْقِلَادَةِ وَالصَّفِّ وَالسُّبْحَةِ فَهُوَ

كَالْعُرَاةِ)؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَلِكَ حِينَ كَانَ جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً، ثُمَّ نُسِخَ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْبُرُوزِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا كَانَ صَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَتَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَفِي تَقْدِيمِ إمَامَتِهِنَّ زِيَادَةُ الْبُرُوزِ فَيُكْرَهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً فَإِذَا صَلَّيْنَ فُرَادَى تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَهُنَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ وَلَنَا حَدِيثُ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ خَلْفَهُ فِي رِوَايَةٍ وَيُكْرَهُ فِي أُخْرَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَازَتْ، وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مُسِيءٌ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ قَوْلَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ إلَى الْأَخِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إلَى الْفِعْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا كَالْبَالِغِ حَتَّى يَقِفَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ) أَيْ يَقِفُ الِاثْنَانِ خَلْفَهُ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَوَقَفَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «قُمْت عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَفِعْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْإِبَاحَةِ وَمَا رَوَيْنَاهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ وَامْرَأَةٌ يَقُومُ الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصُفُّ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرَّهَا آخِرُهَا وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرَّهَا أَوَّلُهَا»؛ وَلِأَنَّ فِي الْمُحَاذَاةِ مَفْسَدَةً فَيُؤَخِّرْنَ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسَطِ فَإِنْ وَقَفَ فِي مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ مَيْسَرَتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ لَمْ تُنْصَبْ إلَّا فِي الْوَسَطِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ لِمَقَامِ الْإِمَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحَدٍ بِلَا حَائِلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُنْضَمًّا لَا يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كَالْعُرَاةِ) أَيْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ الِانْفِرَادِ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ الْإِمَامِ وَسَطَهُنَّ، وَأَمَّا الْعُرَاةُ فَيُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَا كَذَلِكَ النِّسَاءُ بَلْ يُصَلِّينَ قَائِمَاتٍ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ وَسُجُودُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا فَعَلَهُ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَمَّا قَدِمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِيَلِيَنِي إلَى آخِرِهِ) قِيلَ اسْتَدَلَّا لَهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ، ثُمَّ الصِّبْيَانِ، ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ، ثُمَّ أَدْنَى الصَّفَّ وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ» الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. فَتْحٌ وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ) أَيْ أَفْضَلَ صُفُوفِ الرِّجَالِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ اهـ فَنِيَّةٌ فِي الْجَنَائِزِ (قَوْلُهُ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ) أَيْ وَتَغْيِيرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فَيَكُونُ تَحْذِيرًا مِنْ وُقُوعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّنَافُرِ وَعَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَاذَتْهُ) أَيْ الْمُصَلِّي أُنْثَى اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مُشْتَهَاةٌ) أَيْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالِ كَوْنِهِمَا فِي صَلَاةٍ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فِي مَكَان) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا اهـ وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفُهُ صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِلَا حَائِلٍ) أَيْ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ تَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِهِمَا لَكَانَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمَا إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي الْمَعْلُولِ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ

فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَتَرْكُ مَكَانِهَا فِي الصَّفِّ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ كَالصَّبِيِّ إذَا حَاذَى الرَّجُلَ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ بِتَأْخِيرِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَإِذَا تَرَكَ التَّأْخِيرَ فَقَدْ تَرَكَ مَكَانَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمُقْتَدِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ وَكَسَائِرِ الْمُنْهَيَاتِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَأْمُورَةٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ وَلِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ، وَمُحَاذَاتُهَا الرَّجُلَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مِنْ الْفَرَائِضِ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ لِخُلُوِّهِ عَمَّا يُوجِبُ التَّشْوِيشَ، وَلَئِنْ وُجِدَ فَهُوَ نَادِرٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمَرْأَةِ وُجِدَ الدَّاعِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَوِيَ السَّبَبُ فَافْتَرَقَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَرْأَةِ إجْمَاعًا لِعِلَّةِ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ لَا لِدُنُوِّ حَالِ صَلَاتِهَا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَلَا لِتَغَايُرِ الْفَرْضِ وَلَا لِعَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا كَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَنْ يُحَاذِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ إذْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِيهِمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ قَدْ وُجِدَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ. وَنَقُولُ: إنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، فَجَازَ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ إلَى آخِرِهِ قَدْ تَضْمَنُ شُرُوطًا مُجْمَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا وَتَفْسِيرُ كُلِّ شَرْطٍ عَلَى حِيَالِهِ فَتَقُولُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُحَاذِيَةُ مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا بِتَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى صَلُحَتْ كَمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَقِيلَ: بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ نَظَرًا إلَى بِنَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا وَلِهَذَا تَبْلُغُ فِي التِّسْعِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّنَّ الَّتِي ذُكِرَتْ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً لِلْإِطْلَاقِ وَلَا تَفْسُدُ بِالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهَا وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْأَصْلِ، وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ يَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ تَحْرِيمَةَ أَنْ يَكُونَا بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ أَدَاءً أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالْمُدْرِكُ بِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَكَان وَاحِدٍ يُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ إنَّمَا تُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ فَرُبَّمَا تُشَوِّشُ الْأَمْرَ عَلَى الْمُصَلِّي فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَسَادِ صَلَاةِ الرَّجُلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حَكَى عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ صُورَةً فِي الْمُحَاذَاةِ تَفْسُدُ فِيهَا صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبَيَانُهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا شَرَعَ الرَّجُلُ نَاوِيًا إمَامَةَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً حِينَ شَرَعَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ فَقَامَتْ بِحِذَائِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّأْخِيرُ لَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْض الْمُقَامِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا لَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّأْخِيرُ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ فَقَدْ تَرَكَتْ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا قَالَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَفْسُدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ الْمُحَاذَاةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْمُفْسِدَةَ هِيَ أَنْ تُحَاذِيَ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عُضْوًا مِنْ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى ظُلَّةٍ وَحَاذَتْ رَجُلًا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ حَاذَى قَدَمَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ السِّنَّ الَّتِي ذَكَرْت إلَى آخِرِهِ) أَيْ السِّنَّ مِنْ الْفَمِ مُؤَنَّثَةٌ وَالسِّنُّ إذَا عَنَيْت بِهِ الْعُمْرَ مُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْفَرْضَيْنِ وَبِاقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعَةِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَبِالْمُفْتَرِضِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا فَلَوْ اقْتَدَتْ نَاوِيَةً لِلْعَصْرِ بِمُصَلَّى الظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ نَفْلًا فَحَاذَتْهُ فَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ تَفْسُدُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا وَقِيلَ رِوَايَةُ بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا تَرَدُّدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ) أَيْ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا) أَيْ حَالَ الْمُحَاذَاةِ اهـ

تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَتِهِ، وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا وَاللَّاحِقُ بِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَفَاتَهُ مِنْ الْآخَرِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ الْحَدَثِ، وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ فِيمَا يَقْضِيه عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمَةِ فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَيَبْقَى حُكْمُ تِلْكَ الشَّرِكَةِ مَا لَمْ تَنْتَهِ الْأَفْعَالُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِلْأَفْعَالِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ تَبْقَى الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا فَصَارَ اللَّاحِقُ فِيمَا يَقْضِي كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ وَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَا بَانِيَيْنِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ فِيمَا يَقْضِيَانِ وَلِهَذَا يَقْرَآنِ وَيَلْزَمُهُمَا السُّجُودُ بِسَهْوِهِمَا وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا بَلْ يَتَحَوَّلَانِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْنِيَانِ وَتَنْقَلِبُ صَلَاتُهُمَا أَرْبَعًا بِدُخُولِ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيه إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّانِيَةُ لَوْ كَبَّرَ نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ صَلَاتِهِ وَقَطْعِهَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا وَقَاطِعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّالِثَةُ لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ، وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِ غَيْرِهِ. وَالرَّابِعَةُ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيه حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُمَا لَاحِقَانِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَغِلَانِ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا فَانْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً وَإِنْ وُجِدَتْ تَحْرِيمَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ يَنْظُرُ فَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا تَقْدِيرًا لِكَوْنِهِمَا لَاحِقَيْنِ فِيهِمَا وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ يَرْفَعُ الْمُحَاذَاةَ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ فَقُدِّرَ أَدْنَاهُ بِهِ وَغِلَظُهُ مِثْلُ غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانِ قَدْرِ قَامَةِ الرَّجُلِ وَالْآخَرُ أَسْفَلُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَوْ إمَامَةَ النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ إمَامَتِهَا قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ وَاعْتَبَرَهُ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَلَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ كَالْمُقْتَدِي لِمَا لَزِمَهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَأَكْثَرُهُمْ مَنَعُوا الْحُكْمَ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِيهِمَا ضَرُورَةً فَإِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَحْدَهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِجَنْبِ الرِّجَالِ لِكَثْرَةِ الِازْدِحَامِ فِيهِمَا فَلَا يُفْضِي إلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُقْتَدِيَ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْتِزَامُهُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاللَّاحِقُ مَنْ يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَى آخِرِهِ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ اللَّاحِقِ الْمَسْبُوقِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا) أَيْ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يَلْحَقُ صَلَاتَهُ تَغْيِيرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَذَا هُوَ فَكَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهَا بِفَرَاغِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْجَامِعِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ اللَّاحِقِ وَالْمَسْبُوقِ بِمَسَائِلَ مِنْهَا إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالتَّحَرِّي وَخَلْفُهُ لَاحِقٌ وَمَسْبُوقٌ فَعَلِمَا بِالْقِبْلَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ حُكْمًا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَى حَالِهِ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ بِمَا عِنْدَهُ فَقَدْ خَالَفَ إمَامَهُ وَهُوَ خَلَفَهُ حُكْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ فِي الذَّهَابِ أَوْ الْعَوْدِ اهـ ش تَلْخِيصٌ (قَوْلُهُ لَا بِحَقِيقَتِهَا) أَيْ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مِنْ لَا يَشْتَرِطُ أَدَاءَ رُكْنٍ بِالْمُحَاذَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَدَيَا) أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَشَرَطَ فِي الْيَنَابِيعِ شَرْطًا سَادِسًا فَقَالَ: إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَقْتَدِيَا بِهِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُمَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَيْثُ انْفَرَدَا فِي بَعْضِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الشَّرِكَةُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَوَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَصَلَاتُهَا مَعَ الْقَوْمِ لِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ سَاقَ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَا إلَى آخِرِهِ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا لَحِقَ فِيهِ، ثُمَّ مَا سَبَقَ بِهِ وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ وَعِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا فَبِاعْتِبَارِهِ يَفْسُدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ إلَى آخِرِهِ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزٍ قَوْلُهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَكْثَرُهُمْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْسِرْ اهـ. (قَوْلُهُ مَنَعُوا الْحُكْمَ) أَيْ وَهُوَ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِلَا نِيَّةٍ اهـ

الْإِمَامِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَكَانَ تَبَعًا لَهُ وَالْتِزَامُهُ الْتِزَامًا لَهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالْأَوَّلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنْ لَمْ تُحَاذِ أَحَدًا تَمَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ حَتَّى حَاذَتْ رَجُلًا أَوْ وَقَفَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَصَحَّتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُحَاذِيَةِ ابْتِدَاءً أَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذِهِ مُحْتَمَلٌ وَفِي تِلْكَ لَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النِّسَاءِ لِصِحَّةِ نِيَّتِهِنَّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَلَوْ نَوَى النِّسَاءُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَحَاذَتْهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ كَبَّرَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفِهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ فَصَارَ كَالْمَدْفُوعِ إلَى صَفِّ النِّسَاءِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا مُحَاذِيَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ وَقَفَتْ مِقْدَارَ رُكْنٍ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ رُكْنٍ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُ إلَّا مِقْدَارُ الرُّكْنِ وَالشَّرْطُ السَّابِعُ وَهُوَ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ لَا يُفْسِدُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ إلَّا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ. وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ أَنْ يُقَالَ: إنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي رُكْنٍ مِنْ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ أَفْسَدَتْ صَلَاتَهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا وَكَانَتْ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهَا وَآخَرُ خَلْفَهَا وَلَا تُفْسِدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَكُونُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالْمَرْأَتَانِ يُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِمَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِمَا وَصَلَاةَ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا بِحِذَائِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ بِجَمْعٍ تَامٍّ فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ فَلَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَفْسَدْنَ صَلَاةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ وَفِي رِوَايَةٍ الثَّلَاثُ كَالصَّفِّ حَتَّى تَفْسُدَ صَلَاةُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ كَامِلٌ فَيَصِرْنَ كَالصَّفِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَثْنَى كَالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُهُمَا كَمَا يَتَقَدَّمُ الثَّلَاثُ وَعَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ كَالِاثْنَيْنِ حَتَّى لَا يُفْسِدْنَ إلَّا صَلَاةَ خَمْسَةٍ وَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ فِي الصَّفِّ التَّامِّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ نِسَاءٍ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُنَّ صُفُوفٌ مِنْ الرِّجَالِ فَسَدَتْ صَلَاةُ تِلْكَ الصُّفُوفِ كُلِّهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ الْحَائِلِ فِي حَقِّ بَاقِي الصُّفُوفِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الشَّوَابُّ وَالْعَجَائِزُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي زَمَانِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُكْرَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ وَالْجُمُعَةُ كَالْعِيدَيْنِ لِإِمْكَانِ الِاعْتِزَالِ وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ فَصَارَ كَالْعِيدَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ) أَيْ إذَا اقْتَدَتْ بِالْإِمَامِ مُحَاذِيَةً لَهُ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا رَجُلٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّ اقْتِدَاءَهَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَسَادُ عَلَى مَنْ بِجَنْبِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي النِّيَّةَ مِمَّنْ بِجَنْبِهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ إلَّا أَنَّهُ مَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَلْتَزِمُهُ عَلَى الْتِزَامِ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ مِنْ جِهَتِهَا بِالْمَشْيِ وَالْمُحَاذَاةِ فَتَحْتَاجُ إلَى الِالْتِزَامِ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً لَازِمٌ أَيْ وَاقِعٌ وَفِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ وَلَيْسَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْشِيَ فَتَحَاذَى وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَمْ تُشْتَرَطْ نِيَّةُ الْإِمَامِ هَذَا فِي صَلَاةٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا، وَأَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا فَالتَّقَدُّمُ عَلَيْهِ وَمُحَاذَاتُهَا إيَّاهُ يُورِثُ الْكَرَاهَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَخَلَفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ صَلَاتِهَا فِي كُلِّ صَفٍّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي آخَرِ بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ. (فَرْعٌ) امْرَأَةٌ وَقَفَتْ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ وَقَدْ نَوَى إمَامَةَ النِّسَاءِ وَاسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ جِهَةً أُخْرَى لَا تَفْسُدُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ: مُحَاذَاةٌ مُشْتَهَاةٌ مَنْوِيَّةُ الْإِمَامِ فِي رُكْنِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ مَعَ اتِّحَادِ مَكَان وَجِهَةٍ دُونَ حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَثِيرًا مَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى اهـ زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ الْجَمَاعَاتِ الْجُمَعُ وَالْأَعْيَادُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَمَجَالِسُ الْوَعْظِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ وَقَصْدُهُمْ الشَّهَوَاتِ وَتَحْصِيلَ الدُّنْيَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَا يُقَالُ عَجُوزَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْعَوَامُّ تَقُولُهُ (قَوْلُهُ لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ اهـ

وَلَهُ أَنَّ فَرَطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مِنْ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا. وَالنِّسَاءُ أَحْدَثْنَ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ وَلِبْسَ الْحَلْيِ وَلِهَذَا مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ كَغَلْقِ الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِمَا نُبَيِّنُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالصَّبِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَدَّمَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُفْتَرِضُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَمَّا إمَامَةُ عَمْرٍو فَلَيْسَ بِمَسْمُوعٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا قَدَّمُوهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ أَحْفَظَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ يُتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ حِينَ كَانَتْ تَمُرُّ بِهِمْ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدْ قَالَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ وَكُنْت إذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأَفْعَالِهِمْ حُجَّةً وَاسْتَدَلُّوا بِفِعْلِ صَبِيٍّ مِثْلِ هَذَا حَالُهُ وَفِي النَّوَافِلِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ فَجَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِهِ كَالظَّانِّ وَهُوَ الَّذِي يَشْرَعُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بِخِلَافِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، فَكَذَا هَذَا. وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ بِخِلَافِ الظَّانِّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ عَدَمًا وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَاهِرٌ بِمَعْذُورٍ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ يُصَلُّونَ مَعَ الْحَدَثِ حَقِيقَةً لَكِنْ جَعَلَ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا فِي حَقِّهِمْ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ الْحَرْفُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَفْرَطَ فِي الْأَمْرِ إذَا جَاوَزَ فِيهِ الْحَدَّ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْفَرَطُ بِالتَّسْكِينِ يُقَالُ إيَّاكَ وَالْفَرَطُ فِي الْأَمْرِ وَالشَّبَقُ شِدَّةُ الْغِلْمَةِ مِنْ شَبِقَ الْفَحْلُ بِالْكَسْرِ إذَا اشْتَدَّتْ غِلْمَتُهُ أَيْ شَهْوَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ وَالْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَوَاتِ الرَّمَقِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ)، سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْجَرْمِيِّ إمَامُ قَوْمِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. (قَوْلُهُ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ صَبِيٌّ يَؤُمُّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي التَّرَاوِيحِ. اهـ. جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ نَفْلُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الظَّانِّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) إذْ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا فَسَدَ الْمَظْنُونُ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِهِ بِنُسُكٍ مَظْنُونٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ حَتَّى إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا نُسُكَ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا لِلْفِعْلِ وَالصَّدَقَةِ الْمَظْنُونِ وُجُوبُهَا فَإِنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْفَقِيرِ وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِالْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامٍ وَإِنْ عَرَضَتْ ضَرُورَةٌ تُوجِبُ رَفْضَهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ أَوْ دَمٍ، ثُمَّ قَضَاءِ أَصْلِهِ مَنْ أُحْصِرَ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا مِنْ الْخُرُوجِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ ثُمَّ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الدَّفْعَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ يُوجِبُ أَمْرَيْنِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَثُبُوتُ الثَّوَابِ فَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَطْلُبُ بِهِ ثَوَابَهُ وَقَدْ حَصَلَ وَثَبَتَ الْمِلْكُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِخِلَافِ مَنْ دَفَعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ يَظُنُّهُ وَلَا دَيْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا قَبُولُ مَا هُوَ مِنْهَا لِلْفَرْضِ إجْمَاعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَتَمَامِ الرَّكْعَةِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَمْ تَلْزَمْ لُزُومُهَا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا مُسْقِطًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ) أَيْ عَارِضُ ظَنِّ الْإِمَامِ عَدَمًا فِي حَقِّ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فَجَعَلَ كَأَنَّ الضَّمَانَ غَيْرُ سَاقِطٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَبَقِيَ اقْتِدَاءُ ضَامِنٍ بِضَامِنٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ عَرَضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الصِّبَا؛ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ فَلَمْ يُجْعَلْ مَعْدُومًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ) أَيْ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ ع (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا) مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الزَّاهِدِيِّ وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةُ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ اهـ وَفِي الضَّالَّةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِمِثْلِهِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَالْمُقْتَدِي بِهَا ذَكَرٌ وَقَالَ فِي الْوَبَرِيِّ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ قَالَ الْحَدَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ اهـ

الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ)؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أُمِّيٍّ بِأَخْرَسَ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُكْتَسٍ بِعَارٍ وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتْرُكُ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ» وَهُوَ يُوجِبُ الْمُوَافَقَةَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَأَوْصَافِهَا وَفِي الْأَفْعَالِ وَصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لَمْ تُوجَدْ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ. وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَوْ النَّفَلَ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَمَا شُرِعَ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَعَ الْمُنَافِي بَلْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَافِلَةً وَمَعَ قَوْمِهِ فَرِيضَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مُعَاذُ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك»، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ الْفَرْضَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّافِلَةَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ تَارِكًا لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَارِئُ إذَا اقْتَدَى بِأُمِّيٍّ قِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَفِي رِوَايَةٍ عَدَمُ الشُّرُوعِ أَصَحُّ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ يَكُونُ أُمِّيًّا حَتَّى يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَعَلَى هَذَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا. اهـ. كَاكِيٌّ. وَقَالَ فِي الْغَايَةِ فَالْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ اهـ قَالَ الْأَكْمَلُ وَمَنْ أَحْسَنَ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ التَّنْزِيلِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أُمِّيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَتِمُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِقْدَارِ اهـ. وَلَوْ اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بِالْقَارِئِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً فِي وَسْطِ الصَّلَاةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ بِقِرَاءَةٍ وَقَالَ غَيْرُهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى حَالُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا وَالْمُقْتَدِي قَارِئًا أَوْ أَخْرَسَ وَالْمُقْتَدِي أُمِّيًّا حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَزِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ لَا يَصِيرُ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ يَصِيرُ شَارِعًا. وَفِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَكَذَا إذَا شَرَعَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْجِهَةِ يُوجِبُ فَسَادَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. دِرَايَةٌ وَهَذَا الْفَرْعُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا اهـ قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا اُنْظُرْ إلَى مَا كُتِبَ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا مِنْ مُصْحَفٍ مَفْسَدَةٌ مَنْقُولًا عَنْ أَبِي الْبَقَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ حَالِهِمَا إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِقُوَّةِ الْحَالِ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَقِّلٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْبَعْضِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذُكِرَ إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامُ الْحَدَثَ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، وَكَذَا الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَقَالُوا صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ» انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَى آخِرِهِ) الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَدْ رَدَّ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَقَالَ قَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ مِنْ قَوْلِ عَمْرٍو أَوْ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ وَاجْتِهَادٍ لَا يَجْزِمُ اهـ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَضَعَّفَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَالَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُيَيْنَةَ اهـ

وَفَضِيلَةِ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْمِهِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» النَّهْيُ عَنْ الِانْفِرَادِ لَا أَنْ يُوَافِقَ الْإِمَامَ فِي صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِينَ صَلَّيَا الْفَرْضَ فِي رِحَالِهِمَا «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مُطْلَقَ النَّفْلِ لَمَّا صَحَّ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمُفْتَرِضٍ آخَرَ) أَيْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ وَآخَرُ صِفَةٌ لِفَرْضٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَرْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمُفْتَرِضٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ آخَرَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالِاتِّحَادِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَامِنٌ أَيْ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْتِزَامِهِ فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ وَلَوْ أَفْسَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّطَوُّعَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَضَائِهِ لَا يَجُوزُ لِلِاخْتِلَافِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقْتَدِيًا بِالْآخَرِ فَأَفْسَدَاهُ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ كَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا عَارِضٌ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ فَبَقِيَتْ نَفْلًا. وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ لِقُوَّةِ النَّذْرِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَلَوْ اقْتَدَى مُقَلِّدُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوِتْرِ بِمُقَلِّدِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ أَمْ لَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إذَا بَطَلَ يَنْقَلِبُ نَفْلًا كَشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ إذَا بَطَلَتْ تَنْقَلِبُ عَنَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَطَلَتْ جِهَةُ الْفَرْضِيَّةِ يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ فَسَدَتْ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ كَالطَّاهِرِ خَلْفَ الْمَعْذُورِ لَا يَكُونُ شَارِعًا وَإِنْ كَانَ لِلِاخْتِلَافِ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَارِعًا فِيهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَالظَّانِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ لَا يُفْسِدُ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ فَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ»؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا تَتَقَدَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءٌ إلَى آخِرِهِ) لَعَلَّ لَا زَائِدَةٌ اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ إلَى آخِرِهِ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَى هَذَا فَلَفْظَةُ لَا مِنْ قَوْلِهِ إذْ لَا يَجُوزُ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ اهـ وَفِي مُسَوَّدَةِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ لَا ثَابِتَةٌ وَلَفْظَةُ إلَّا سَاقِطَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهَا عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ وَمُفْتَرِضٍ مُتَنَفِّلًا وَلَا نَعْكِسُ اهـ. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَاضِي بِالْقَاضِي إذَا فَاتَهُمَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَالْأَدَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْغَايَةِ قَالَ قَبِيلُ الْكَلَامِ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ وَلَوْ نَسِيَ رَجُلٌ الظُّهْرَ وَآخَرُ الْعَصْرَ فَأَمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَاتَتْهُمَا مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ حَتَّى فَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَتُنْتَقَصُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَعَلَى الْمَوْجُودِ صَحِيحٌ فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ انْعَقَدَتْ تَحْرِيمَةُ الْقَوْمِ لِصَلَاةٍ مَوْصُوفَةٍ بِوَصْفِ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ اتَّصَفَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَجَبَتَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَكَانَ بِنَاءً عَلَى الْمَوْجُودِ اهـ. (قَوْلُهُ بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ نَذَرْت أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَذَرَهُمَا فُلَانٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهِمَا اهـ. زَادَ الْفَقِيرُ (قَوْلُهُ بِمُقَلَّدِ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي نَظِيرُهُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُفْسِدُ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَصْلُهُ فَرْعٌ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ وَمَنَعَهُ زُفَرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ) وَالْمُحْدِثُ الْمُتَيَمِّمُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْجُنُبِ الْمُتَيَمِّمِ. اهـ. كُنُوزُ الْفِقْهِ لِلْمَرْعَشِيِّ

بِقَدْرِ الْحَاجَةِ عِنْدَنَا وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التُّرَابَ خُلْفٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بَدَلٌ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَإِنْ جُعِلَ فِي حَقِّهَا مَعْدُومًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمَاسِحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ وَبِأَحْدَبَ) أَمَّا اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْقَائِمِ أَقْوَى مِنْ حَالِ الْقَاعِدِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ. وَلَهُمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَمُسْلِمٌ. وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إمَامًا وَلِهَذَا جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْنَى قَوْلِهَا وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ؛ فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ مُبَلِّغًا حِينَئِذٍ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إمَامَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ حُدْبَهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ اسْتِوَاءُ نِصْفِهِ الْأَسْفَلَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ لِوُجُودِ اسْتِوَاءِ نِصْفِهِ الْأَعْلَى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عِوَجٌ فَقَامَ عَلَى بَعْضِهَا يَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُومِئٍ بِمِثْلِهِ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَقْصُودٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَكَانَ الْقَاعِدُ أَقْوَى حَالًا وَقِيلَ يَجُوزُ. وَالْمُخْتَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. قَوْلُهُ «فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ الظُّهْرَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي إنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ الظُّهْرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ (قَوْلُهُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) هُمَا عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ اهـ. (قَوْلُهُ يَسْمَعُ النَّاسُ تَكْبِيرَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي الدِّرَايَةِ وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. أَقُولُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي زَمَانِنَا بَلْ أَصْلُ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مُدَّةِ هَمْزَةِ اللَّهِ أَوْ أَكْبَرِ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَإِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بِسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا يَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الثَّانِي لِإِظْهَارِهَا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَا مُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرَكُونِي أَفْسَدَ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ وَهُنَا مَعْلُومٌ إنْ قَصَدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ وَلَوْ قَالَ أُعْجِبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ وَلَا أَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ كَمَا لَا أَرَى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلُ حَاجَةٍ مِنْ مِلْكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ بِتَحْرِيرِ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّرْتِيبِ وَالرُّجُوعِ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ النُّونِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ الرُّكُوعَ يُشِيرُ بِرَأْسِهِ لِلرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَمَّا هُوَ أَعْلَى اهـ (قَوْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ فَتَاوَى الْقَاضِي إذْ فِيهَا وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ اهـ فَأَطْلَقَ كَمَا تَرَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي نُسَخٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عَوَجٌ) الْعَوَجُ بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْأَجْسَادِ خِلَافُ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ تَعَبٍ يُقَالُ عَوِجَ الْعُودُ وَنَحْوُهُ فَهُوَ أَعْوَجُ وَالْأُنْثَى عَوْجَاءُ مِنْ بَابِ أَحْمَرُ وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي الدِّينِ عِوَجٌ وَفِي الْأَمْرِ عِوَجٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَائِمًا لَا يَجُوزُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَقْوَى وَالْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِهِ دُونَ الْمُضْطَجِعِ فَتَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ كَذَا عَلَّلَ فِي الْغَايَةِ

الْأَوَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ)؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى إذْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْضِ وَزِيَادَةِ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُفْتَرِضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي نَفْلًا فِي حَقِّهِ كَمَا هِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعِيدُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْجُنُبُ وَاَلَّذِي فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ، ثُمَّ لِيَغْتَسِل هُوَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَوْمَ بِالْإِعَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِ الْإِمَامِ فَتَعَذَّرَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَأَعَادَ بِهِمْ»؛ وَلِأَنَّ صَلَاتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَكَمَا إذَا بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُمِّيٌّ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا الْمُحْدِثُ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَا مُعْتَبَرًا بِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِطْلَاعِ فِي الشُّرُوطِ وَمَا رَوَاهُ وَضَعَّفَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْجُرُف فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ احْتَلَمَتْ وَمَا شَعَرَتْ وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلَتْ قَالَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَهُ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) أَيْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَالْعَارِي إذَا أَمَّ قَوْمًا لَابِسِينَ وَعُرَاةً، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ إذَا أَمُّوا تَبْطُلْ صَلَاةُ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ لَا غَيْرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْقَارِئِ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ بِقِرَاءَةٍ فَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَقْرَأُ وَمِمَّنْ لَا يَقْرَأُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْذَارِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ فَتَرْكُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ سِتْرُ الْإِمَامِ سِتْرًا لِلْقَوْمِ حَتَّى لَا تَكُونَ عَوْرَتُهُمْ مَسْتُورَةً بِسِتْرِ عَوْرَةِ الْإِمَامِ، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلَا يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْإِمَامِ مَوْجُودًا فِي حَقِّهِمْ فَافْتَرَقَا، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ عِنْدَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ الْقَارِئُ وَلَمْ يَنْوِ الْأُمِّيُّ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ كَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُهُ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ: لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمَوَاهِبَ وَالْمُغَايِرَةُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ثَابِتَةٌ وَجَوَابُهُمَا مَا قُلْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ذَرٍّ كَيْفَ بِك يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا كَانَ أُمَرَاءُ سَوْءٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَلِّ فِي بَيْتِك، ثُمَّ اجْعَلْ صَلَاتَك مَعَهُمْ سُبْحَةً». اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعِيدُ) أَيْ وَفِي الْجُمُعَةِ يُعِيدُ عِنْدَهُمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِيهِمَا نَقْلًا عَنْ أَبِي الْفَرَجِ لَا يُعْرَفَانِ اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى أَمَّهُمْ زَمَانًا، ثُمَّ قَالَ إنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَصَلَّيْت مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ. اهـ. فَتْحٌ. (فَرْعٌ) نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ جُمَلِ النَّوَازِلِ شَكَّ فِي إتْمَامِ وُضُوءِ إمَامِهِ جَازَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْإِتْمَامُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْجُرْفِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالسُّكُونِ لِلتَّخْفِيفِ مَا جَرَفَتْهُ السُّيُولُ وَأَكَلَتْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَبِالْمُخَفَّفِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى فَرْسَخٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ قَادِرٌ عَلَى التَّكْبِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَى آخِرِهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَدِي بِهِ مُتَنَفِّلًا الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ إفْسَادٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ هَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى

يَظْهَرُ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَمَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافَ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأُمِّيَّ أَضْعَفُ حَالًا وَأَنْقَصُ صَلَاةً مِنْ الْقَارِئِ فَلَا يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْقَادِرُ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ قَادِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْجُمُعَةَ وَالْحَجَّ عَلَى الضَّرِيرِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا يَمْشِي مَعَهُ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ قَادِرًا فِي مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُلْنَا: إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْقَارِئِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ) أَيْ الْمُصَلِّي (تَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيُ وَالِانْحِرَافُ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثَ الْعَمْدَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَيُقَدِّمْ مِنْ لَمْ يَسْبِقْ بِشَيْءٍ»؛ وَلِأَنَّ الْبَلْوَى فِيمَا سَبَقَ فَلَا تُلْحِقُ بِهِ مَا يَتَعَمَّدُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَقِيلَ: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤْتَمُّ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْمُنْفَرِدُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَقِيلَ مَنْزِلُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ مَشْيٌ بِلَا حَاجَةٍ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ وَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا بَلْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ صَحِيحٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ: لَا يَصِحُّ أَصْلًا هَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ) أَيْ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ) كَتَبَ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَرْجَمَةً وَهِيَ قَوْلُهُ بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْهَا ضَمَّهُ إلَى بَابِ الْإِمَامَةِ فَقَالَ بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ مَشَى الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ إلَى آخِرِهِ) عَنْ الْعَلَّامَةِ فَخْرِ الدِّينِ الْمَايَمُرْغِيِّ الْبِنَاءُ فِي الْأَحْدَاثِ الْخَارِجَةِ مِنْ بَدَنِهِ مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ بِلَا قَصْدِهِ لِلْحَدَثِ أَوْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ تَوَقُّفٍ أَوْ فِعْلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ مِمَّا لَهُ بُدٌّ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَاءَ إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْيَبْنِ أَمْرٌ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ الْإِبَاحَةُ فَيَثْبُتُ شَرْعِيَّةُ الْبِنَاءِ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ لِلْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَلْيَبْنِ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا قُلْنَا لَا يَضُرُّنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ يَكُونُ الْمُدَّعِي أَثْبَتَ لَكِنَّ الْبِنَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ) الْحَدِيثُ الثَّانِي قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِيهِ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ» وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُهُ الْمَسْبُوقُ إذْ لَا صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ الْوُضُوءِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْجَوَابُ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ) أَيْ فَيَتَخَيَّرُ اهـ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِلِ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ) أَيْ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ لَوْ حَمَلَ الْإِنَاءَ بَعْدَ الْوُضُوءِ إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ الْبِنَاءُ وَلَوْ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَبْنِي ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي) وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ فِي حَالِ نَوْمِهِ، ثُمَّ انْتَبَهَ وَذَهَبَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ كَالْعَدَمِ اغَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ) الَّذِي فِي مُسَوَّدَةِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُؤَدِّ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ مُشِيرًا إلَيْهِ وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَفِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْفَمِ وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى أَنْفِهِ اهـ وَفِي الْغَايَةِ لِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَسَجْدَةٍ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَفِي اثْنَتَيْنِ بِإِصْبَعَيْنِ وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَلِسَانُهُ وَفِي السَّهْوِ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ بِتَحْوِيلِ رَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا قَالَ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا بَلْ يَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ اهـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَأَخَّرُ مَحْدُودٌ بِإِثْمٍ يَنْصَرِفُ اهـ. (قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ إلَى آخِرِهِ) قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ فَلِذَا كَانَ

تَفْسُدُ وَآيِبًا لَا وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ الْفَسَادُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ وَفِي الثَّانِي مَعَ الْمَشْيِ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَا يَبْنِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ يُرِيدُ بِهِ إتْمَامَ سُجُودِهِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ لَا تَفْسُدُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ سَمَاوِيًّا حَتَّى لَوْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ أَوْ عَضَّةُ زُنْبُورٍ فَسَالَ مِنْهَا دَمٌ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ مَعَ نُدْرَتِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ طُوبَةٌ مِنْ سَطْحٍ أَوْ سَفَرْجَلَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ تَعَثَّرَ بِشَيْءٍ مَوْضُوعٍ فِي الْمَسْجِدِ فَأَدْمَاهُ قِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ الْعِبَادِ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنَحَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ بِقُوَّتِهِ. وَقِيلَ يَبْنِي وَقِيلَ لَا يَبْنِي وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْكُرْسُفُ بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَبِتَحْرِيكِهَا بَنَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْنِي وَإِنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَغَسَلَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ مِنْهُ بَنَى وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خَارِجٍ لَا يَبْنِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ هَذَا غَسْلٌ لِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ ابْتِدَاءً وَفِي الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلْوُضُوءِ وَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ وَمِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ لَا يَبْنِي وَإِنْ كَانَتَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا لِلْوُضُوءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ وَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً وَإِنْ زَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا) أَيْ إنْ كَانَ إمَامًا لِمَا رَوَيْنَا وَصُورَةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَتَأَخَّرَ مُحْدَوْدِبًا وَاضِعًا يَدَهُ فِي أَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ فَيَنْقَطِعُ عَنْهُ الظُّنُونُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ أَيْبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ وَإِنْ قِيلَ تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (فُرُوعٌ) مِنْ الْغَايَةِ وَلَوْ جَاوَزَ الْمَاءَ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ يَبْنِي وَلَوْ اسْتَقَى مَاءً لِوُضُوئِهِ أَوْ خَرَزَ دَلْوَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبِنَاءِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ يَسْتَقِي مِنْ الْبِئْرِ وَيَبْنِي قَالَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ لَا يَبْنِي وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَبْنِي وَلَمْ يُحْكَ خِلَافًا وَرَوَى أَبُو سَلِيمَانِ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِقَاءَ مِنْ الْبِئْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا أَوْ الْبِئْرُ قَرِيبَةً تَحْتَاجُ إلَى النَّزَحِ يَخْتَارُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مُؤْنَةً وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِالتَّعَاطِي أَوْ نَسِيَ ثَوْبَهُ فِي مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَرَجَعَ وَأَخَذَهُ لَا يَبْنِي وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ فَرَجَعَ وَمَسَحَ يَجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَالْمُجْتَبَى نَزْحُ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لَا يُفْسِدُ وَلَوْ كَانَ الدَّلْوُ مُتَخَرِّقًا فَحِرْزُهُ تَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى. اهـ. غَايَةٌ أَيْ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعَ نَدْرَتِهِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالضَّمِّ لُغَةً. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ) أَيْ لِأَنَّ الْوَضْعَ وَالْإِنْبَاتَ مِنْ صُنْعِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ اهـ فَتْحٌ قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ فِي الْحَدِيثِ تَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ، ثُمَّ نُقِلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يَسْتَنْجِي مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ إنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا إلَى آخِرِهِ) أَوْ كَشَفَتْ رَأْسَهَا لِلْمَسْحِ. اهـ. فَتْحٌ بِالْمَعْنَى قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنْ أَمْكَنَهَا الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهَا بِأَنْ يُمْكِنَهَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي الْكُمَّيْنِ وَمَسْحُ رَأْسِهَا مَعَ الْخِمَارِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ رَقِيقًا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَكَشَفَتْهَا لَا تَبْنِي وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا جُبَّةٌ وَخِمَارٌ ثَخِينٌ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ جَازَ كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ النَّجَاسَةِ الْمُخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْغَسْلَ فِي الْكُمَّيْنِ حَرَجًا اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ كَشْفِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ بَعْدَمَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَتَأَخَّرَ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى مَقَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ الْإِمَامُ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَا مَعًا فَأَيُّهُمَا اقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ فَهُوَ الْإِمَامُ وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ فَصَلَاةُ الْأَكْثَرِ مَعَ إمَامِهِمْ جَائِزَةٌ وَصَلَاةُ الْأَقَلِّينَ مَعَ إمَامِهِمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا اهـ. وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَلْآنَ وَصُفُوفٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ جَمِيعًا بِالْإِمَامِ فَخَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ وَاحِدًا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ اهـ ش الطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ إمَامًا) أَيْ إنْ كَانَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ إمَامًا. اهـ. (قَوْلُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ) أَيْ آخِذًا بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ مُشِيرًا إلَيْهِ اهـ

وَيُقَدِّمُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه وَلَا يَسْتَخْلِفُ بِالْكَلَامِ بَلْ بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ وَفِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ هَذَا الْحَدَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صُفُوفٌ مُتَّصِلَةٌ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُمْ بِنَفْسِ الِانْحِرَافِ لَكِنْ فِي الْمَسْجِدِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ خَارِجَهُ. وَلِهَذَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَا لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ اسْتَخْلَفَ فِي الْحَدَثِ كَمَا يَسْتَخْلِفُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا إذَا حَضَرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بَلْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ فِيمَا يَغْلِبُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ نِسْيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بَعِيدٌ فَصَارَ كَالْجَنَابَةِ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدَثِ لَوْ وُجِدَ مَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَلِهَذَا لَوْ تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَاعْتَرَاهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَحُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ. أَمَّا إذَا قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بَلْ يَرْكَعُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ، وَكَذَا إذَا نَسِيَ الْقُرْآنَ وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الْقَارِئِ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَظُنُّ الْحَدَثَ أَوْ جُنَّ أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) وَقَوْلُهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه) أَيْ لِقُرْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى»؛ لِأَنَّهُ إذَا نَابَهُ نَائِبَةٌ اسْتَخْلَفَ مِنْهُمْ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ كَانَ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ لِيَصِيرَ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ كَغَيْرِهِ فَيَتْرُكَ الِاسْتِخْلَافِ لِمَا أَنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ فَلَأَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ كَانَ أَوْلَى وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخَرِ الصُّفُوفِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صِفَةٍ وَمَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَسْتَخْلِفُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَ جَامِعِ الْمَنْصُورِ وَجَامِعِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. اهـ. غَايَةٌ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ يَنْتَظِرُونَ وَرَجَعَ إلَى مَكَانِهِ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ أَجُزْأَهُمْ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ سَبَقَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَفِي الِاسْتِخْلَافِ خِلَافٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) الْحَصَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَصِرَ مِثْل لَبِسَ فَهُوَ حَصَرٌ وَمِنْهُ إمَامُ حَصَرٍ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْرَأَ وَضَمُّ الْحَاءِ فِيهِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصِرَ عَنْهُ. اهـ. نِهَايَةٌ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصِرَ عَلَى فَعِلَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ مَنَعَ وَحَبَسَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ وَبِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ مِنْ شَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ بُرْهَانِ الدِّينِ الخريفغني - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِمَا صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ أَيْضًا فِي كُتِبَ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْكَارُ الْمُطَرِّزِيُّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي مَكْسُورِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولٌ مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ لَا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ فَافْهَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ) أَيْ أَثْبَتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَجْزِ فِي الْحَدَثِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا عَنْ فَاقِدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ أَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجْرِ وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ النِّسْيَانُ هُنَاكَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ. اهـ. . (قَوْلُهُ يَظُنُّ) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ جُنَّ) يُقَالُ جُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَلَا يُقَالُ جَنَّهُ اللَّهُ بَلْ أَجَنَّهُ اللَّهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيَاسُهُ مُجَنٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ هَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا لَوْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَارِجًا عَنْهَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ قِيلَ الْخُرُوجُ بِفِعْلِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوجَدْ قُلْنَا وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا صَارَ مُحْدِثًا بِهَا لَا بُدَّ مِنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ بَعْدَ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْمُكْثَ إذًا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ وَهُوَ صُنِعَ كَيْفَمَا كَانَ فَحِينَئِذٍ وُجِدَ الصُّنْعُ إمَّا مِنْ حَيْثُ الِاضْطِرَابُ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثُ اهـ

مَعْنَاهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ مِنْهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا أَلْحَقْنَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَظَنَّ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ قَدْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً أَوْ كَانَ فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ. وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَالْجِنَازَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْأَةُ إذَا نَزَلَتْ مِنْ مُصَلَّاهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلِهَذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاء لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ سُتْرَةٌ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ أَتَى فَسَدَتْ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالرُّكُوعِ الرُّكْنَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ قَامَ الْخَلِيفَةُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ نَفْسَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيَكُونُ مُفْسِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحَدَثِ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِلْعُذْرِ وَلَا عُذْرَ هُنَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَحَدُّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقِيلَ مِقْدَارُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ احْتَلَمَ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَادِرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي مَكَانِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ وَفِي الِاحْتِلَامِ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَيَتَوَضَّأُ لِيَأْتِيَ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَمَّدْهُ أَوْ تَكَلَّمْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) أَيْ تَعَمَّدْ الْحَدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ الْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِعَادَتِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ قُلْنَا وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كُنْيَةَ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السُّجُودِ يَرْفَعُ السَّلَامَ دُونَ الْقَعْدَةِ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ، ثُمَّ الْقَوْمُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَهْقَهَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ قَهْقَهُوا حَيْثُ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا بَطَلَ وُضُوءُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَعْنَاهُ يُظَنُّ الْحَدَثُ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ ظَنَّ الْمُخَاطَ رُعَافًا مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ كَالْأَهْلِ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا افْتَرَقُوا فِي الْآثَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ لَظَنَّ فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِنْ كَانَ لَوْ كَأَنْ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَنْ يُعْتَبَرَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ) أَيْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ إلَى آخِرِهِ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَالْعَوْدِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ إلَى آخِرِهِ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ إلَى آخِرِهِ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ بِاَلْاِثْنَا عَشْرِيَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ. اهـ. غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هُنَاكَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْتَقَضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُنْتَقَضْ التَّيَمُّمُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ حَالَ قِيَامِ الْخُلْفِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِقَاضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ هَذَا الْمَحَلِّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ

(وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً) أَيْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ رَآهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لَا تَبْطُلُ وَلَوْ قَدَرَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ بَطَلَتْ فَدَارَ الْحُكْمُ عَلَى الْقُدْرَةِ لَا غَيْرُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ فَرَأَى الْمُؤْتَمُّ الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءً لَشَمِلَ الْكُلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ لَا حَظَّ لَهُمَا مِنْ التَّيَمُّمِ وَقِيلَ تَبْطُلُ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَسْرِي إلَى الْقَدَمِ فَيَتَيَمَّمُ إذَا بَقِيَ لَمْعَةٌ مِنْ عُضْوِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَوَضَّأُ. وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَبْنِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثٍ سَبَقَهُ لِلْحَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَ مَاءً فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانُوا وَاسِعَيْنِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمُعَالَجَةِ فِي النَّزْعِ وَإِنْ كَانَ النَّزْعُ بِفِعْلٍ عَنِيفٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِفِعْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً) أَيْ تَذَكَّرَ أَوْ حَفِظَهَا بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ يَقْرَأُ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِالتَّعَلُّمِ، أَمَّا لَوْ تَعَلَّمَ حَقِيقَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ صَنْعَةٍ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ قَاطِعٌ وَقَوْلُهُ سُورَةٌ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْآيَةُ تَكْفِي وَهَذَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا بِحَيْثُ تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ قَارِئٍ فَقَدْ قِيلَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ فَقَدْ تَكَامَلَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَبِنَاءُ الْكَامِلِ عَلَى الْكَامِلِ جَائِزٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءٌ لَشَمِلَ الْكُلَّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى مَاءً فَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. اهـ. رَازِيٌّ وَسَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لَهُ لَا تَبْطُلُ) قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَدْ قَالُوا إذَا انْتَقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ فِي أَعْضَائِهِ لَمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ فَكَذَا هَذَا اهـ. قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا بِلَا تَيَمُّمٍ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَتَتِمَّةُ كَلَامِهِ نَقَلْته فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَانْظُرْهُ إنْ أَرَدْته اهـ، وَكَذَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ مَنِيعٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ) أَيْ أَوْ أَحَدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً إلَى آخِرِهِ) اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بِقَارِئٍ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً إلَى آخِرِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَالَ الْأُمِّيُّ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ فِي الْقِيَاسِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ الْتَزَمَ أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ قَامَ لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي فَلَا تَكُونُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةً لَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الْقِرَاءَةَ ضِمْنًا لِلِاقْتِدَاءِ وَهُوَ مُقْتَدٍ فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ لَا فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَنَى كَانَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ كَانَ مُؤَدِّيًا كُلَّهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ. اهـ. بَدَائِعُ وَفِي الْبَدَائِعِ أُمِّيٌّ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تَعَلَّمَ سُورَةً فَقَرَأَهَا فِيمَا بَقِيَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ مِثْلُ الْأَخْرَسِ يَزُولُ خَرَسُهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ فَصَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِقِرَاءَةٍ، ثُمَّ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَصَارَ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ لَا تَفْسُدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَفْسُدُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا تَفْسُدُ فِي الثَّانِي اسْتِحْسَانًا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَارِئَ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَجْزَأَهُ فَإِذَا كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَعَجْزُهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ تَرَكَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِذَا تَعَلَّمَ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَضُرُّ عَجْزُهُ عَنْهَا فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَا يَضُرُّ تَرْكُهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ فِي الْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْأَدَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَأَمَرَ بِالِاسْتِقْبَالِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا فِي الثَّانِي لَأَدَّى كُلَّ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَكَانَ الْبِنَاءُ أَوْلَى لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الْبَعْضَ بِقِرَاءَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَنْهَا فِي كُلِّ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا فَاتَ الشَّرْطُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ صَلَاةً؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْأُمِّيِّ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقِرَاءَةِ بَلْ انْعَقَدَتْ لِأَفْعَالِ صَلَاتِهِ، فَإِذَا قَدَرَ صَارَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا تَحْرِيمَةٍ كَأَدَاءِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالصَّلَاةُ لَا تُوجَدُ بِدُونِ أَرْكَانِهَا فَفَسَدَتْ وَلِأَنَّ الْأَسَاسَ الضَّعِيفَ لَا يَحْتَمِلُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَيْهِ. وَالصَّلَاةُ بِقِرَاءَةٍ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهَا عَلَى الضَّعِيفِ كَالْعَارِي إذَا وَجَدَ ثَوْبًا وَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَإِذَا كَانَ قَارِئًا فِي الِابْتِدَاءِ فَقَدْ عَقَدَ تَحْرِيمَتَهُ لِأَدَاءِ كُلِّ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ

وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ وَجَدَ عَارٍ ثَوْبًا) أَيْ ثَوْبًا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَتْ فِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَكِنْ رُبْعُهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرٌ وَهُوَ سَاتِرٌ لِلْعَوْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ قَدْرٌ مُومِئٌ) أَيْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً) أَيْ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَعْدُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَائِتَةً عَلَى الْإِمَامِ فَتَذَّكَّرهَا الْمُؤْتَمُّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ وَحْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي حَقِّ الْقَارِئِ لَا بِالِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ حَتَّى جَازَ اسْتِخْلَافُ الْقَارِئِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يُؤَثِّرُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ رُخْصَةً. وَلِهَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ فَكَذَا هُنَا لَا حَاجَةَ إلَى إمَامٍ لَا تَصْلُحُ صَلَاتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ بُرْءٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعَ وَقْتًا كَامِلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَقَّبَهَا اثْنَا عَشْرِيَّةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُرَكَّبِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ عَدَدَهَا اثْنَا عَشْرَةَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا مَسَائِلُ فَمِنْهَا إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالثَّوْبِ النَّجِسِ فَوَجَدَ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْقَضَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْأَوْقَاتُ الْمَكْرُوهَةُ مِنْ الزَّوَالِ وَتَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ أَوْ طُلُوعِهَا، وَمِنْهَا الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَأَعْتَقَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تَسْتُرْ عَوْرَتَهَا مِنْ سَاعَتِهَا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إذَا عَرَضَ لَهُ وَاحِدَةً مِنْهَا بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ لَوْ كَانَ إمَامًا. وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَعَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَمَّا لَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْن أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) أَيْ بَعْدَمَا أَحْدَثَ اهـ ع (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ) أَيْ فِي كِتَابِ كَشْفِ الْغَوَامِضِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ اهـ عِ (قَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ إلَى آخِرِهِ) قِيلَ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْخِلَافُ وَدُخُولُ الْعَصْرِ عِنْدَهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ مِثْلَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتًا مُهْمَلًا فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ عِنْدَهُمْ وَتَمَّتْ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بَاطِلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا تَرَى وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ بِكَوْنِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: هَذِهِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ كَقَوْلِهِمَا يَعْنِي حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ وَفِي الْمَنَافِعِ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَعِنْدَهُ إذَا صَارَ مِثْلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ تَخْصِيصُ الْجُمُعَةِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الظُّهْرِ كَذَلِكَ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الظُّهْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) يَعْنِي أَوَّلًا لِذَلِكَ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) أَيْ بِأَنْ تَوَضَّأَتْ مُسْتَحَاضَةٌ مَعَ السَّيَلَانِ وَشُرِعَتْ فِي الظُّهْرِ وَقَعَدَتْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَانْقَطَعَ الدَّمُ وَدَامَ الِانْقِطَاعُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ تُعِيدُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ ع (قَوْلُهُ إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعُ وَقْتًا كَامِلًا) أَيْ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَوُقُوعُ الِانْقِطَاعِ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ انْقِطَاعٌ مُؤَثِّرٌ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقْضِيهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمَرْكَبِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَمَّى بِهِ فَيُنْسَبُ إلَى صَدْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِمَا فَلَمَّا سَجَدَ سَجْدَةً تَعَلَّمَ سُورَةً تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَيَصِيرُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَوْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ قِرَاءَةَ تَشَهُّدٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ سَاهِيًا فَيُجْعَلُ كَالْعَدَمِ أَمَّا لَوْ سَلَّمَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ سُورَةً وَعَلَيْهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ

[الاستخلاف في الصلاة]

الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لَهُمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا مِثْلَهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» يَعْنِي مِنْ قُرْبٍ مِنْ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ وَقْفٍ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ». وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيُّ لَمَّا رَأَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَقَالَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا بِفِعْلِهِ، فَقَالَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَهُوَ السَّلَامُ وَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا قَالَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ لَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِكَوْنِهِ أَقْدَرُ عَلَى الْإِتْمَامِ وَأَعْلَمُ بِحَالِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ وَيَسْتَخْلِفُ مُدْرِكًا عِنْدَ إتْمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا لِعَجْزِهِ عَنْ إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا مُتَابَعَتَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِاسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْمُسْتَخْلِفِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ أَيْ قَدَّمَ الْمُقِيمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قُدِّمَ مُسَافِرٌ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، ثُمَّ يُصَلِّي كُلُّ مُقِيمٍ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلْمُتَابَعَةِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ الْمُدْرِكِينَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مَسْبُوقًا فَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَتَابَعُوهُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ وَاللَّاحِقِينَ دُونَ الْمُدْرِكِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ) أَيْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَتَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ) أَيْ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَيُحْمَلُ اعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا بِصُنْعِهِ لَا أَنَّهَا بِغَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّأْسِيسِ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. دِرَايَةٌ. [الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيُقَدَّمُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ». اهـ. نِهَايَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِمَنْزِلَةِ الرَّعَايَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، كَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ فَاشْتِغَالُهُ بِاسْتِخْلَافِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً تَفْسُدُ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَدَّمَ أُمِّيًّا أَوْ عَارِيًّا. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا إلَى الْقَضَاءِ فَيَقْضُوا وُحْدَانًا وَيَسْجُدُونَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ. اهـ. شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ، قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةً عَجَزَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ إذْ الْخُلْفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ أَوَّلًا الْإِقَامَةَ قَبْلَ اسْتِخْلَافِهِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ الْإِقَامَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ. اهـ. فَتْحٌ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ قَامَ أَيْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُسْتَخْلَفُ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ حَاشِيَةٌ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ

وَلَوْ قَدَّمَ لَاحِقًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ لِلْحَالِ إلَّا بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلًا بِمَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَلَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ مُدْرِكًا فَإِنْ تَقَدَّمَ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُتَابِعُوهُ حَتَّى يَفْرُغَ مَا عَلَيْهِ فَيَقَعَ الْأَدَاءُ مُرَتَّبًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَازَ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي الْمَسْبُوقُ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ فَإِذَا قَامَ يَقْضِي فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَفْسُدُ بِالْمُنَافِي صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ) أَيْ لَوْ أَتَمَّ الْمَسْبُوقُ الْمُسْتَخْلَفُ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَأَتَى بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ ضَحِكٍ وَكَلَامٍ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاةِ الْقَوْمِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ وُجِدَ فِي حَقِّهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَفِي حَقِّهِمْ بَعْدَ تَمَامِ أَرْكَانِهَا. وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ هُوَ مِثْلُ حَالِهِ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ فَرَغَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ تَفْسُدْ وَقِيلَ: لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ قَصْدًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ لَدَى اخْتِتَامِهِ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) أَيْ كَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْدِثْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا لَكِنْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَهْقَهَةُ حِينَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا بِكَلَامِهِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَتِهِ أَيْضًا. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَدَثُ الْعَمْدُ لَهُمَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَهُ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ الْعَمْدَ مُفْسِدَانِ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيَانِهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيُفْسِدَانِ مِثْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُورِ غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُدْرِكَ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ وَمَنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» فَصَارَ مِنْ وَاجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجْزِيه، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبُدَاءَةِ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا تَرْكَ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَ افْتِرَاضُهُ لَكَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ وَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ وَلَا يَثْبُتُ نَسْخٌ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ يُسَاوِي دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا لَفَسَدَتْ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ مِنْ السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ خِلَافَ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ بَلْ لِلْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ أَوْ لِلِانْفِرَادِ عِنْدَ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ) أَيْ فَقَدْ قَدَّمَ آخِرَهَا عَلَى أَوَّلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ أَيْضًا اهـ ع (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ إنْ فَرَغَ) أَيْ مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الثَّانِي مَعَ الْقَوْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ كَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ) أَيْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ إلَى آخِرِهِ) وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَذَكَّرَ الْخَلِيفَةُ فَائِتَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالْقَوْمِ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَمَا خَرَجَ تَذَكَّرَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خَاصَّةً أَوْ قَبْلَ خُرُوجِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ) أَيْ عِنْدَنَا وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ قَوْلَانِ وَأَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَلَامِهِ) قَالَ الرَّازِيّ يَعْنِي إذَا قَهْقَهَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ، وَأَمَّا لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَالْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَاطِعَانِ الصَّلَاةَ لَا مُفْسِدَانِ فَإِذَا صَادَفَا جُزْءًا لَمْ يُفْسِدَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ لَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي أَوَانِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ كَمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِالْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ. اهـ. قُنْيَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِق رِوَايَتَانِ وَقَبْلَ التَّشَهُّدِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَبَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ وَالْخُرُوجِ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِفَسَادِ صَلَاتِهِ فَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيَفْسُدَانِ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ اللَّاحِقُ وَالْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ) أَيْ مُتَمِّمٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمَ) أَيْ وَهُوَ أَمْرٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى كَانَ مُفْسِدًا أَيْ خِلَالَ الصَّلَاةِ وَيُفَارِقُهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّلَامَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ الْكَلَامِ

فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُسَلِّمُوا وَلَوْ قَهْقَهُوا بَعْدَمَا سَلَّمَ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ وَلَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ لَمْ يُسَلِّمُوا وَلَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِهِ وَبِحَدَثِهِ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَتِهِ يَخْرُجُونَ، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ انْفِرَادُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَكَّدْ انْفِرَادِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ لَمْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَأَعَادَهُمَا) أَمَّا الْوُضُوءُ وَالْبِنَاءُ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا إعَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ تَمَّ قَبْلَ الِانْتِقَالِ لَكِنَّ الْجِلْسَةَ وَالْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْمَامُ بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْمُدَاوَمَةِ فِيمَا لَهُ امْتِدَادُ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ وَلِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ امْتِدَادٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَكَعَ وَسَجَدَ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ رَاكِبُهَا بِالِاسْتِدَامَةِ عَلَى اللُّبْسِ أَوْ عَلَى الرُّكُوبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ذَكَرَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا سَجْدَةً فَسَجَدَهَا لَمْ يُعِدْهُمَا) يَعْنِي لَوْ ذَكَرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً فَانْحَطَّ مِنْ رُكُوعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ أَوْ ذَكَرَهَا وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسه مِنْ السُّجُودِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الَّذِي كَانَ فِيهِ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَاجِبَاتِ وَقَدْ حَصَلَ الِانْتِقَالُ مَعَ الطَّهَارَةِ وَالْأَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَأَظْهَرْنَا شُبْهَةَ الْإِنْهَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لِمَكَانِ الِافْتِقَارِ إلَى الْبِنَاءِ وَأَظْهَرْنَا شُبْهَةَ الْقَطْعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْبِنَاءِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ يُوَضِّحُهُ) أَيْ الْفَرْقُ. اهـ. (وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ قَهْقَهَ لَمْ يُسَلِّمُوا) أَيْ بَلْ يَقُومُونَ وَيَذْهَبُونَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُمْ بِالْقَهْقَهَةِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ وَلَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا لَا يُتِمُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَاجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ اهـ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ إلَى آخِرِهِ) بِأَنْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِلْقَضَاءِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ أَنْ لَا يَقُومَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ الْإِمَامُ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِرَكْعَةٍ أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ فَإِنَّ قِيَامَهُ وَقِرَاءَتَهُ إلَى أَنْ يَقْعُدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَغْوٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَالْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْهُمَا فَرْضٌ وَفِي رَكْعَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَمَا تَشَهَّدَ الْإِمَامُ قِيَامٌ وَإِنْ قَلَّ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ اهـ. وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ قِيَامٌ بَعْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا إذَا أَقَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَاهُ أَجُزْأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّ قِيَامَهُ حَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِهِ انْتِظَارَ سَلَامِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الْقِيَامَ عَنْ السَّلَامِ وَلَوْ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سُجُودَ سَهْوٍ فَسَجَدَ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَبْطُلُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ لَا يَعُودُ لِاسْتِحْكَامِ الِانْفِرَادِ وَلَوْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاقْتِدَائِهِ بَعْدَ الِانْفِرَادِ وَلَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ عَادَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ مَعَهُ أَيْضًا، ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ لَمْ يُعِدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَوْدُ الْإِمَامِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِرَفْضِ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَتَرْتَفِضُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنْ تَابَعَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَرِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ الْفَسَادُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَدَمُهُ وَلَوْ ذَكَرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صَلَاتِيَّةً تَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ وَإِنْ سَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ تَابَعَ الْإِمَامَ أَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ اهـ. قَوْلُهُ: لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قِيَامٌ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَامُ بَعْدَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا إذَا قَامَ بَعْدَمَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَضَى أَجْزَأَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ) أَيْ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بَعْدَ سُجُودِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ، وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ) أَيْ وَلَوْ تَابَعَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. دِرَايَةٌ بِمَعْنَاهَا. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَسُجُودِهِ بِالْوَاوِ وَكَتَبَ حَاشِيَةً بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ وَنَصُّهَا وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسُجُودِهِ بِمَعْنَى أَوْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] أَيْ أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَكَعَ وَسَجَدَ ابْتِدَاءً) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الرُّكُوعِ. اهـ. عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً) أَيْ أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ اهـ اك وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ) بَقِيَ أَنَّ

[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]

أَنْ يُعِيدَ لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعَيَّنَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ لِلْإِمَامَةِ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا وَصَارَ الْإِمَامُ مُؤْتَمًّا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَمِرُّ عَلَى إمَامَتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُتَابِعُ الَّذِي خَلْفَهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا هُوَ تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَوْلُهُ وَتَعَيَّنَ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ يَشْمَلُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَمِنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ فِي الْقَضَاءِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ كَمَا يَحْتَاجُ مِنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ إلَيْهَا، ثُمَّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ قَصْدًا وَلَا تَبْطُلُ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ انْتَقَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ وَلَوْ تَعَيَّنَ هُنَا لَزِمَ الْفَسَادُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، ثُمَّ إذَا تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَالْمُقْتَدِي إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِخُلُوِّ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْحَدَثِ وَالْمُقْتَدِي يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِذَلِكَ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ فَبِالْإِجْمَاعِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُسْتَخْلَفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ أَوْ الْقَوْمِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هُوَ بِالتَّقَدُّمِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا فَالْإِمَامُ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَوْمُ أَنْ يَأْتَمُّوا بِالْآخَرِ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَلَوْ قَدَّمَ كُلُّ طَائِفَةٍ رَجُلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ فَالسَّابِقُ إلَى مَكَانِ الْإِمَامِ يَتَعَيَّنُ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَاقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا فَصَلَاةُ الَّذِي ائْتَمَّ بِهِ الْأَكْثَرُ صَحِيحَةً وَصَلَاةُ الْأَقَلِّ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامُ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا طَالَ وَيُعْرَفُ الطُّولُ بِالْعُرْفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ نَاسِيًا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ» وَلَوْ كَانَ كَلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِفَاءَ الِافْتِرَاضِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الْوُجُوبُ هُوَ الثَّابِتُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ. فَأَشَارَ فِي الْكَافِي إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ وَلَئِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ بِالنِّسْيَانِ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْعِبَارَةِ أَعْنِي تَعْلِيلَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِانْتِفَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُتَكَرِّرِ بَلْ تَعْلِيلُهُ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِالنِّسْيَانِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ مَرْتَبَةٌ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ مُرَتَّبًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَحْسُوبًا لَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى مَحَلِّهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ) أَيْ فَحَيْثُ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَوْ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ اهـ اك. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَلَمْ تَنْتَقِلْ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُقْتَدِي مُقْتَدِيًا بِلَا إمَامٍ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَبَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَخْلَفُ) لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. . [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ شَرَعَ فِي الْعَوَارِضِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ وَقَدَّمَ السَّمَاوِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَقُ فِي الْعَارِضِيَّةِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى دَفْعِهَا لَا يُقَالُ النِّسْيَانُ مِنْ قَبِيلِ السَّمَاوِيَّةِ فَكَيْفَ عَدَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ النَّاسِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَبِيلِ الْمُكْتَسَبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ عَدَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَ كَلَامِ النَّاسِي وَالْعَامِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا الْفَسَادُ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الصَّلَاةِ وَالْكَرَاهَةُ إلَى وَصْفِهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى السَّلَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُوجَدُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا اهـ. وقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ

النَّاسِي مُفْسِدًا لَأَعَادَ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَكَذَا الْكَلَامُ الْقَلِيلُ وَلَنَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ مُبَاشَرَةَ مَا لَا يَصْلُحُ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّ أَصْلَهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٍ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ طَبْعًا فَعُفِيَ مَا لَمْ يُكْثِرْ وَيَدْخُلْ فِي حَدِّ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَبْعِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلَا يُعْفَى وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ لِكَوْنِهَا عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ تُخَالِفُ الْعَادَةَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكْثُرُ النِّسْيَانُ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ ذَاتُ الْخَطَأِ وَأُخْتَاهُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ فِي الدُّنْيَا وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ وَالثَّانِي فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ الْعَزِيمَةِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَقَدْ أُرِيدَ حُكْمُ الْآخِرَةِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مُقْتَضًى إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَيْضًا لَا عُمُومَ لَهُ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمْدًا كَلَامًا كَثِيرًا فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت قَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ قَالَ بَلْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَصْدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَأَوْمَئُوا» إي نَعَمْ وَعِنْدَهُ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ مُفْسِدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا. وَكَذَا كَلَامُ الْعَامِدِ وَإِنْ قَلَّ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِهِ تَبْطُلُ إذَا تَعَمَّدَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا وَجْهَ لِدَعْوَى النَّسْخِ فِيهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَرَاوِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ قُلْنَا: الْآيَةُ نَاسِخَةٌ مَدَنِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إجْمَاعًا فَمِنْ أَيْنَ لِلْخَطَّابِيِّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْآيَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَئِنْ صَحَّ تَقَدُّمُ الْآيَةِ عَلَى إسْلَامِهِ لَا يَلْزَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى بِنَا أَيْ صَلَّى بِأَصْحَابِنَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا نَقَلَهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي عَامِ خَيْبَرَ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ وَلَمْ يَصْحَبْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْخَطَّابِيِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِي كُلِّ فَصْلٍ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالٍ مَعَ تَحَقُّقِنَا نَسْخَ الْكَلَامِ بِالْآيَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَمَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّ صُحْبَةَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ. وَإِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي رَوَى النَّسْخَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّأَسُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَا يَحِلُّ مَكَانٌ لَا يَصْلُحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ إلَخْ) رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ) وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ طُولٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ) يُرْوَى بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَبِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ وَهَذَا شُرِحَ فِي التَّشَهُّدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَّا السَّلَامَ سَاهِيًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ إذْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ، ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بَلْ الْمُرَادُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ أَكْمَلُ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا سَاهِيًا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ اهـ. (قَوْلُهُ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ لَكِنْ غَلَّطُوا الزُّهْرِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا عَاشَ ذُو الْيَدَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا: الَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي عَامِ خَيْبَرَ) أَيْ سَنَةَ سَبْعٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْأَنِينُ) وَهُوَ الصَّوْتُ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ آهْ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّأَوُّهُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَوَّاهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ وَجَعٍ) أَيْ فِي بَدَنِهِ اهـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ مُصِيبَةٌ) أَصَابَتْهُ فِي النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ اهـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ نَارٍ اهـ ع؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ أَفْصَحَ بِهِ تَفْسُدُ فَكَذَا هَذَا وَفِي الثَّانِي كَأَنَّهُ قَالَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. اهـ. رَازِيٌّ. وَلَوْ مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَوْ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ أَوْ بِآيَةِ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَوَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ إذَا كَانَ وَحْدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالْجَزَعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعِينُونِي فَإِنِّي مُتَوَجِّعٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ أَوْ الدُّعَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَنِينَ وَالتَّأَوُّهَ وَالْبُكَاءَ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ مَعْرِفَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ وَكِبْرِيَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالرَّغْبَةِ فَيَكُونُ كَالتَّقْدِيسِ وَالدُّعَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ أَوْ عَلَى حَرْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَالْآخَرُ أَصْلِيٌّ لَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا. وَحُرُوفُ الزِّيَادَةِ عَشْرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُك أَمَانٌ وَتَسْهِيلٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالْبُكَاءُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إذَا حَصَلَ مِنْهُ حَرْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَكَذَا الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَالْعُطَاسِ وَالْجَشَّا إذَا حَصَلَ بِهِمَا حُرُوفٌ، وَلَوْ تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ صَوْتِهِ وَتَحْسِينِهِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَتَنَحْنَحَ الْمُقْتَدِي لِيَهْتَدِيَ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ وَلَوْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا تَبْطُلُ، وَإِلَّا فَلَا وَالْمَسْمُوعُ مَا لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ نَحْوُ أُفٍّ وَتُفٍّ وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ بِخِلَافِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ. وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ فِي النَّفْخِ الْمَسْمُوعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَعَلَى هَذَا إذَا نَفَرَ طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَوَابُ عَاطِسٍ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِنَفْسِهِ أَوْ قَالَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، ثُمَّ شُرِطَ فِي الْأَصْلِ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ فَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَمَلِ وَالْفَرْقُ قَدْ تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَشْمَلُ فَتْحَ الْمُقْتَدِي عَلَى الْمُقْتَدَى وَعَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي وَعَلَى الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَتْحَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ كَانَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ دُونَ الْفَتْحِ. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ مَا مَالُك فَقَالَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيلَ إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ عَلَيْهِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا مَثَلٌ إلَّا وَقَفَ وَتَفَكَّرَ» وَالْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَكَانَ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ عَلَى الْقَوْمِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي خُشُوعِهِ وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) أَيْ وَهُوَ الْقِدْرُ وَبِأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَحْصُلُ الْحُرُوفُ لِمَنْ يَصْغَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّنَحْنُحِ بِلَا عُذْرٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِاجْتِمَاعِ الْبُزَاقِ فِي حَلْقِهِ اهـ. وَكَذَا التَّثَاؤُبُ إذَا ظَهَرَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا) أَيْ وَمَدْفُوعَ الطَّبْعِ اهـ (قَوْلُهُ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ) وَلَا يُكْرَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إلَى آخِرِهِ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى قَالَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَبِهَذَا لَا تَفْسُدُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَهُمَا مُتَمَسِّكَانِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ كَانَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفَتْحٍ الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَفَتْحٍ الصِّغَارُ ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا فَتَحَ عَلَى الْمُصَلِّي رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَأَخَذَ الْمُصَلِّي بِفَتْحِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ تَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَمَامَهُ كِتَابٌ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ يُسَمَّى يَحْيَى فَقَالَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَابْنُهُ خَارِجَهَا فَقَالَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَعْلِيمَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَأَرَادَ جَوَابَ السَّائِلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ قُرْآنًا أَوْ ثَنَاءً لَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ، كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَسَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ إلَخْ) وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَفَتَاوَاهُ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ اسْتَفْتَحَ بَعْدَمَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَفَتَحَ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا فَكَانَ فِيهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ إلَى آخِرِهِ)

وَكَذَا صَلَاةُ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَطْعَمَك الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْفَتْحَ مُرَخَّصٌ فِيهِ وَالْقِرَاءَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ فَيَكُونُ التَّلْقِينُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ يَدَيْهِ بِصِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَفْسُدُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَأَرَادَ بِهِ خِطَابَهُ يَكُونُ كَلَامًا مُفْسِدًا لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَأَرَادَ بِهِ الْخِطَابَ، وَلِهَذَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ الْفَاتِحَةَ عَلَى نِيَّةِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى نِيَّةِ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّ الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قُدُومِهِ فَتَفْسُدُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَيْضًا لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّلَامُ وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّ بِالْإِشَارَةِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا عَلَى جَابِرٍ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ صُهَيْبٍ «سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيَّ بِالْإِشَارَةِ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَهْيًا لَهُ عَنْ السَّلَامِ أَوْ كَانَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ يُشِيرُ فَظَنَّهُ رَدًّا، وَلَوْ أَشَارَ يُرِيدُ بِهِ رَدَّ السَّلَامِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي فَصْلِ مَا يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ. وَلَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْقِيلُ اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَوُجُودِ التَّعْلِيمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا اسْتَطْعَمَك إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ خَلْفَ إمَامِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا إذَا أَرَادَ الْفَتْحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ نَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ التِّلَاوَةُ فِي ضِمْنِهَا الْفَتْحُ مَمْنُوعَةً بَلْ الْمَمْنُوعَةُ التِّلَاوَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ) وَتَفْسِيرُ الْإِلْجَاءِ أَنْ يُرَدِّدَ الْآيَةَ أَوْ يَقِفَ سَاكِتًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ) أَيْ بِأَصْلِهِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ) أَيْ بِإِرَادَتِهِ غَيْرَ الثَّنَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُفِيدِ أَنَّ فِي الِاسْتِرْجَاعِ وَفِي {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَشَارَ إلَى آخِرِهِ) بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ بِرَأْسِهِ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا بَأْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُجِيبَ الْمُتَكَلِّمُ بِرَأْسِهِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ مَعَ الْمُصَلِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]. اهـ. زَاهِدِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ) أَيْ وَالذَّاكِرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ) أَيْ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ اسْمَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ تَفْسُدُ، وَإِلَّا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَرَى عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ دَعَا أَوْ سَبَّحَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ سَمِعَ الْمُصَلِّي قَوْلَهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ قِيلَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَفْسُدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَذَابِ فَقَالَ الْمُقْتَدِي صَدَقَ اللَّهُ لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْمَرِيضُ يَقُولُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالِانْحِطَاطِ بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ عَوَّدَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْحُمَّى وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ وَلَوْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ، تَفْسُدُ. ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا تَفْسُدُ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ آيَةَ الرَّحْمَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّحْمَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطْوِيلِ وَالتَّثْقِيلِ عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالتَّخْفِيفِ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا بَأْسَ لِلْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَمَا مَرَّ بِآيَةِ الرَّحْمَةِ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ أَوْ آيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ» وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَمَّنَ بِدُعَاءِ رَجُلٍ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَفْسُدُ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ قَرَأَ ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ لَا تَفْسُدُ اهـ

فَأَجَابَ وَأَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ) أَيْ يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فَافْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ تَكْبِيرَةً جَدِيدَةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ وَهُوَ التَّطَوُّعُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ وَكَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ فِي الْعَصْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ فَيَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ ضَرُورَةً. وَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ فَافْتَتَحَ الْفَرْضَ أَوْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَافْتَتَحَ الظُّهْرَ أَوْ بِالْعَكْسِ يَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) يَعْنِي لَا يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهُ رَكْعَةً بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ إلَّا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي إمَامَةَ النِّسَاءِ أَوْ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ يَنْوِي الِانْفِرَادَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ شَارِعًا فِيمَا كَبَّرَ لَهُ وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ لِلتَّغَايُرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ يَتَطَرَّفَانِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي نَوَى الشُّرُوعَ فِيهَا هِيَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تُخَالِفْهَا فِي شَيْءٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنْ خَالَفْتهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيُسْتَأْنَفُ نَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَبْطُلُ بِهِ وَيَنْعَقِدُ ثَانِيًا وَإِنْ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ بَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْمُغَايِرَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ بَطَلَ مَا مَضَى وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) يَعْنِي تَفْسُدُ الصَّلَاةُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُكْرَهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَائِبًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِفِعْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَوَضْعَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرَفْعَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَتَقْلِيبَ أَوْرَاقِهِ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ وَفَهْمَهُ عَمَلُ كَثِيرٍ وَيَقْطَعُ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَلَقَّنُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُفْسِدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ فَهِيَ هِيَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا هُوَ بِحَاصِلٍ فَإِنْ قِيلَ الْإِمَامُ إذَا تَحَرَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، ثُمَّ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَنَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَيُحْرِمُ بَقِيَ فِي الْأُولَى وَإِنْ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ نَوَى الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأُولَى وَالْإِقْبَالَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِارْتِفَاضِ الْأُولَى وَانْتِقَاضِهَا أَمَّا هَاهُنَا فَلَمْ يَنْوِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأُولَى فَبَقِيَ فِيهَا كَمَا كَانَ إذْ لَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى فَافْتَرَقَا. اهـ. فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِتَكْبِيرَةٍ جَدِيدَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تَفْسُدُ اهـ وَلَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ نَوَى أَنَّهَا الْعَصْرُ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً نَوَى أَنَّهَا الْعِشَاءُ فَصَلَاتُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ) لِأَنَّ صَاحِبَ التَّرْتِيبِ إذَا انْتَقَلَ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ لَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى الْعَصْرِ بَلْ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ لَا يَنْعَقِدُ عَصْرًا قَبْلَ أَدَاءِ الظُّهْرِ فِي حَقِّهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ) أَوْ بِالنِّسْيَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ ظَرْفٌ لِشَيْئَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ وَقَوْلُهُ لَا الظُّهْرِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ لَا افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ فَافْهَمْ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي لَا يُفْسِدُ) أَيْ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الرَّكْعَةِ فَمَا دُونَهَا وَمَا فَوْقَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ، أَمَّا إذَا نَوَى بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ الظُّهْرَ انْتَقَضَ ظُهْرُهُ وَلَا يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْأُولَى انْتَقَضَتْ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى آخِرِهِ) أَوْ جَدَّدَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ. اهـ. فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّانِي بِمِائَةِ دِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَبْطُلُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُغَايِرَةِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ الثَّانِي إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ اهـ بَاكِيرٌ وَغَايَةٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ) لِأَنَّهُ نَوَى اتِّحَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ لَغْوٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ) أَيْ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّكَلُّمُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنْ الْعِبَادَةِ قِيلَ وَمَا حَظُّهَا قَالَ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ إلَى آخِرِهِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَلَا يُظَنُّ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَرْضَى بِالْمَكْرُوهِ وَتُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً مَكْرُوهَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ إلَى آخِرِهِ) مَأْخَذَانِ لِلْأَصْحَابِ فِي الْبُطْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ) وَجَعَلَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَذَا التَّعْلِيلَ أَصَحَّ. اهـ. كَاكِيٌّ

لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحْمُولِ وَالْمَوْضُوعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَأَثَرُ ذَكْوَانَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ غَائِبًا وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ مِنْ مَكْتُوبٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ قَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا إذَا قَرَأَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِنْ الْمُصْحَفِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) لِأَنَّهُمَا مُنَافِيَانِ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةٍ تُخَالِفُ الْعَادَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ لُزُومِ الطَّهَارَةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْخُشُوعِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالِانْتِقَالَاتِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ مَعَ تَرْكِ النُّطْقِ الَّذِي هُوَ كَالنَّفْسِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَيَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَلَا يُعْذَرُ فَصَارَ كَالْحَدَثِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهُ لَا تُخَالِفُ الْعَادَةَ وَزَمَنُهُ طَوِيلٌ فَيَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيُعْذَرُ، ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ وَمُرَادُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَثِمَ) أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا النَّظَرُ إلَى الْمَكْتُوبِ وَفَهْمُهُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَفْهِمِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ غَيْرَ قُرْآنٍ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَيْهِ وَفَهِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا كَذَلِكَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّوْمُ فَصَارَ كَالرِّيقِ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَتَفْسُدُ بِهِ صَلَاتُهُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُهُ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ، وَأَمَّا الْمُرُورُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ إلَى آخِرِهِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ مَا يَتَعَلَّمُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ حَيٍّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ حَيٍّ بِجَامِعٍ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ فَإِنْ فَعَلَ الْخَارِجَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا التَّلَقُّنُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَكْمَلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يُقْرَأُ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ قِرَاءَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ عِنْدَهُ فِي الْإِفْسَادِ وَعِنْدَهُمَا فِي عَدَمِهِ سَوَاءٌ فَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالُوا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ هَذِهِ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْأَكْلُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ فَسَادُ الصَّوْمِ قَلِيلًا كَانَ الْمَأْكُولُ كَسِمْسِمَةٍ أَوْ كَثِيرًا، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ) أَيْ مَكْتُوبٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ هُوَ قُرْآنٌ وَفَهِمَهُ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ نَصًّا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ إذْ الْفَسَادُ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) أَيْ وَلِهَذَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ لَا يَضَعَ الْمُعَلِّمُ الْجُزْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مَكْتُوبًا فِيهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ وَيُفْهَمُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ قِيلَ تَحْنِيثُ مُحَمَّدٍ فِي الْيَمِينِ عَلَى قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ بِمُجَرَّدِ الْفَهْمِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ مُشْكِلٌ مَعَ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْغَرَضَ وَالْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى سِرِّهِ وَبِالْفَهْمِ لِكِتَابِهِ فَاتَ الْغَرَضُ لَكِنْ بِفَوَاتِ الْغَرَضِ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ فِيهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِعَشْرَةٍ لَا شَكَّ أَنَّ غَرَضَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ الثَّوْبُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَاتَ غَرَضُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ لَفْظِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت لَهَا شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ لَا يَحْنَثُ وَمِنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَهُوَ الْفَلْسُ كَأَنْ أَمْنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ النَّفِيسِ وَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ وَالسِّيَاقُ وَمَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْفَهْمُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ كِتَابِهِ سَبَبٌ لِفَهْمِ مَا فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ دَارِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ دَارَهَا يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارَ الْآخَرِ كِنَايَةً عَنْ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبَ الِاجْتِمَاعِ كَذَا هَاهُنَا عِنْدَهُ اهـ قِيلَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قِرَاءَتِهِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمَ مَا فِيهِ عِنْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ إذَا فَهِمَهُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ» وَفِي الْكَاتِي عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَفْسُدُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَحْمَدُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنْ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»، وَأَمَّا إثْمُ الْمَارِّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَسْتَتِرَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ». وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا وَغِلَظُهَا غِلَظَ الْأُصْبُعِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» حِينَ سَأَلَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ أَبُو ذَرٍّ وَقُلْنَا أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ هَذَا الْحَدِيث وَحِينَ بَلَغَهَا قَالَتْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ فَإِذَا سَجَدَ خَنَسْت رِجْلَيَّ وَإِذَا قَامَ مَدَدْتهَا» وَحَدِيثُ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ كَمَا سَيَجِيءُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ زُرْت النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى حِمَارٍ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ يَرْبَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ». اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيَّ الْمُصَلِّي آثِمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطَةِ يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَصَرَّحَ الْعِجْلِيّ بِتَحْرِيمِهِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابُنَا نَصُّوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ والمرغيناني. اهـ. (قَوْلُهُ «وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) أَيْ مَعَهُ شَيْطَانٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَأَحْمَدُ وَقِيلَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَقِيلَ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَوْ الدَّوَابِّ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ») وَفِي مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيّ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْجَامِعِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَفِي الْكَافِي أَوْ رَجُلٌ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ الْمُرُورُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقِيلَ بِخَمْسَةِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَقِيلَ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ نَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي السَّلَامِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ لَوْ صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ بَصَرُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ شَيْخُ شَيْخِي مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ والتمرتاشي أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَيُحَاذِي أَعْضَاؤُهُ أَعْضَاءَ الْمَارِّ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ. اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ سُجُودِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ النِّيَّةِ دُونَ مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَعَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّتْرَةَ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ، وَقَائِدَتُهَا قَبْضُ الْخَوَاطِرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ الْبَصَرِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَلِّي مُجْتَمَعًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَمَحْضِ عُبُودِيَّتِهِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَةِ وَمَنْعِ الْعَدْوِ وَالْإِسْرَاعِ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَتَقْلِيبِ أَوْرَاقِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ هَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ كَانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ. قُلْت قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَحَكَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي النَّافِلَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ إمَّا فِي النَّافِلَةِ وَإِمَّا مَنْسُوخًا قَالَ وَرَوَى أَشْهَبُ؛ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَحُمِلَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ قَالَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أُمَامَةَ كَانَ عَلَيْهَا أَثِيَابٌ طَاهِرَةٌ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَ مِنْهَا مَا يَحْدُثُ مِنْ الصِّبْيَانِ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ رَءُوفًا رَحِيمًا بِالْأَطْفَالِ حَتَّى إذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ خَفَّفَ فِي صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ خَلْفَهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِذَا فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدِهَا مِثْلَ هَذَا تَكُونُ مُسِيئَةً؛ لِأَنَّهَا شَغَلَتْ نَفْسَهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ صَلَاتِهَا وَفِيهِ تَرْكُ سُنَّةِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ سُنَّةً فِيهَا. اهـ. سَرُوجِيٌّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا فَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا»، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَلِبَيَانِهِ الشَّرْعَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُوجِبِ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ

إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ» لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمَدًا» أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْغَرَزُ لِصَلَابَةِ الْأَرْضِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْآخَرِينَ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِيهَا لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا لَا عَرْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِالْأَبْطَحِ إلَى عَنَزَةَ رُكِّزَتْ لَهُ» وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ وَيَدْرَأُ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ». وَالدَّرْءُ مُبَاحٌ وَرُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِالْمُعَالَجَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُغْلِظَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَقِيلَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الدَّرْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهِ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هُنَّ أَغْلَبُ» وَلَمْ يُسَبِّحْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ السُّتْرَةُ أَقَلَّ مِنْ ذِرَاعٍ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ وَضَعَ قَبَاءَهُ أَوْ خُفَّيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَارْتَفَعَ قَدْرَ ذِرَاعٍ كَانَ سُتْرَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ النَّهْرُ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ كَالطَّرِيقِ، وَكَذَا الْحَوْضُ الْكَبِيرُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا) أَيْ لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ هَلْ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا فَالْمَنْعُ هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الْمَبْسُوطِ حَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَخُطُّ وَالْخَطُّ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا نَأْخُذُ بِالْخَطِّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِلْقَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً، وَكَذَا الدَّابَّةُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَتَصِيرُ هِيَ سُتْرَةٌ فَيَمُرُّ وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّي. اهـ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ لَوْ كَانَ الْمَارُّ اثْنَيْنِ يَقُومُ الْوَاحِدُ أَمَامَهُ وَيَمُرُّ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ هَكَذَا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ: الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرُورَ مَكْرُوهٌ وَالْمَارَّ أَثِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هَذَا إذَا كَانَ مَنْدُوحَةً عَنْ الْمُرُورِ، وَإِلَّا يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ فَالْحَالُ أَرْبَعٌ يَأْثَمَانِ لَا يَأْثَمَانِ يَأْثَمُ الْمَارُّ وَحْدَهُ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ اهـ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ وَرَائِهَا الثَّالِثَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً أَوْ يَقِفَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجِدُ الْمَارُّ بُدًّا مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَدْ جَمَعَ هَذِهِ الْحَالَاتِ الْأَرْبَعَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَأْتَمُّ الْمُصَلِّي إنْ تَعَرَّضَ وَالْمَارُّ وَلَهُ مَنْدُوحَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ فَالْمَانِعُ يَقُولُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْشُرُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَالُوا الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا الْخَطُّ بِالْعَرْضِ مِثْل الْهِلَالُ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ غَيْرَ مَرَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَى عَنَزَةٍ) بِالتَّنْوِينِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ وَهِيَ شِبْهُ الْعُكَّازَةِ وَهِيَ عَصًا ذَاتُ زَجٍّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالزَّجُّ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ وَفِي الْكَاتِي لَوْ أُرِيدَ عَنَزَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعِلْمِيَّةِ فَيَجُوزُ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْل الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ. اهـ. كَمَالٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَكَذَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا». اهـ. فَتْحٌ وَيَمُرُّونَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْعَاقِلِ اعْتِبَارًا لِلرَّاكِبِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَتَغْلِيبًا عَلَيْهِمَا. اهـ. شُمُنِّيٌّ (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هُنَّ أُغْلَبُ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ) أَيْ الرَّجُلُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ قَيَّدْنَا بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ بَلْ بِالتَّصْفِيقِ؛ لِأَنَّ فِي صَوْتِهَا فِتْنَةً، وَكَيْفِيَّةُ تَصْفِيقِهَا أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ الْيُسْرَى اهـ

بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ مَرَّةً إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ عِلَاجٌ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ) أَيْ عَبَثُ الْمُصَلِّي بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَالْهَاءُ فِيهِمَا وَفِيمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْكَلِمَاتِ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الْعَبَثُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِلسُّجُودِ مَرَّةً) أَيْ كُرِهَ قَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِعَدَمِ إمْكَانِ السُّجُودِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ إنْ كُنْت فَاعِلًا فَوَاحِدَةً مَعْنَاهُ لَا تَمْسَحُ وَإِنْ مَسَحْت فَلَا تَزِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك»، وَكَذَا يُكْرَهُ تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَّجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ أَصَابِعِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّخَصُّرُ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمُسِنُّونَ. وَالتَّخَصُّرُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ فِعْلُ الْيَهُودِ فِي صَلَاتِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ لَا أَنَّ لَهُمْ رَاحَةً فِيهَا وَقِيلَ هُوَ التَّوَكُّؤُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ». اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ يَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ دَفَعَهُ بِيَدِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْأَخْذِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ مَشْيٌ وَلَا عِلَاجٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ الْعَبَثُ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَوْ كَانَ لِنَفْعٍ كَسَلْتِ الْعَرَقِ عَنْ وَجْهِهِ وَالتُّرَابِ فَلَيْسَ بِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَصَالِحِهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَتَعَمَّمَ، وَكَذَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلْيَسْتَقْبِلْ بِهَا الْقِبْلَةَ وَفِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اللِّبْسُ فِي الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مُسْتَحَبٌّ وَجَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَحَبُّ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَالْجَائِزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَوْ قَمِيصٍ ضَيِّقٍ لِوُجُودِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَصْلِ الزِّينَةِ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ أَوْ إزَارٍ لَا غَيْرُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ إزَارٌ وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا وَعِنْدَهُ قَمِيصٌ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لِبْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ لَا يَتَوَشَّحُ بِهِ وَالْأُخْرَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ» أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا») الْحَدِيثَ، قَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلًا قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هَذَا مِنْ مُنْكَرَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ) هَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ فَاءٍ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فَذَرْ أَيْضًا مَا نَصُّهُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَا فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ»، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ أَصَحُّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. اهـ. غَايَةٌ وَمَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكُ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِالْحَصَى وَغَيْرِهِ. اهـ. وَقَدْ أُخْرِجَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ». اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَرْقَعَةُ وَالتَّشْبِيكُ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَتَكُونُ فِيهِ إجْمَاعًا وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْوَضْعُ أَوْ الْأَخْذُ الْمَسْنُونُ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْفَرْقَعَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَلْقِينُ الشَّيْطَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ اهـ. وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِعَلِيٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي». اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّخَصُّرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا فَإِنَّ إبْلِيسَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ مُتَخَصِّرًا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ التَّخَصُّرِ أَخْرَجُوهُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا» وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ» اهـ

عَلَى الْعَصَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِخْصَرَةِ وَهِيَ السَّوْطُ وَالْعَصَا وَنَحْوُهُمَا وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ أُنَيْسٌ وَقَدْ أَعْطَاهُ عَصًا تَخَصَّرَ بِهَا فَإِنَّ الْمُتَخَصِّرِينَ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَحُدُودِهَا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِالْتِفَاتُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ»، ثُمَّ الِالْتِفَاتُ ثَلَاثَةٌ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ وَمُبَاحٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمَوْقِ عَيْنَيْهِ وَمُبْطِلٌ وَهُوَ أَنْ يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفُنَّ أَبْصَارَهُمْ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِقْعَاءُ) لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ «نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» وَالْإِقْعَاءُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرِدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالِالْتِفَاتِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ») فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرَائِضِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ «وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ) الْمُؤْقُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ وَالْمَأَقُ مُقَدِّمُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْتَحِلُ مِنْ قِبَلِ مُؤْقِهِ مَرَّةً وَمِنْ قِبَلِ مَأْقِهِ أُخْرَى» قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْفَنِّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْمُؤَخَّرِ، وَكَذَا الْمَأَقِي اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةُ وَاوًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُحَوَّلَ صَدْرُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَرْعٌ: الْمُصَلِّي إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ حَوَّلَ وَجْهَهُ دُونَ صَدْرِهِ لَا تَفْسُدُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَفِي الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ يُفْسِدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَصْلُهُ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْنِي مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْنِي. اهـ (قَوْلُهُ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ شَدَّادٍ فِي أَحْكَامِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «نَهَانِي خَلِيلِي» إلَى آخِرِهِ) قَدْ عَابَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَهُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِيلِي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَّخِذْهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخَلْقِ خَلِيلًا وَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ قَائِلُهُ لِظَنِّهِ أَنَّ خَلِيلًا بِمَعْنَى مُخَالِلٍ مِنْ الْمُخَالَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ خَلِيلًا مِثْلُ حَبِيبٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ شَيْءٌ إذْ قَدْ يَجِبُ الْكَارِهُ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الضُّحَى. اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ الْإِقْعَاءِ وَالِافْتِرَاشِ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ تَعْنِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَعُقْبَةُ الشَّيْطَانِ الْإِقْعَاءُ» اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ إنَّهُ بِالْإِشَارَةِ مَكْرُوهٌ وَبِالْمُصَافَحَةِ مُفْسِدٌ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْآخَرُ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَذْكُورَ هُنَا قُلْت أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَلَنَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهِمُ أَوْ تُفَقِّهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ إِسْحَاقَ وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنْ أَبَا غَطَفَانَ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ وَيُقَالُ ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيِّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَمَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ لَا يُقْبَلُ وَابْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ لِلْخَصْمِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ «مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً وَقَالَ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ رَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً بِأُصْبُعِهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعِدَّةُ أَحَادِيثَ تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِشَارَةِ، وَلَنَا أَنْ لَا نَقُولَ بِهِ فَإِنَّ مَا فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ بِرَأْسِهِ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ

قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرَبُّعُ بِلَا عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالَك وَرَأْسِي فَقَالَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» وَالْعَقْصُ هُوَ جَمْعُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَشَدُّهُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَا يَنْحَلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفُّ ثَوْبِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَدْلُهُ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ وَلِأَنَّ فِيهَا تَشَبُّهًا بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَيُكْرَهُ وَمِنْ السَّدْلِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ وَيُكْرَهُ الصَّمَّاءُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهَا وَهُوَ أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبِهِ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ وَلَا يَرْفَعُ جَانِبًا يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْهُ سَمَّى بِهِ لِعَدَمِ مَنْفَذٍ يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَيْهِ كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، وَقِيلَ أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ وَقَالَ هِشَامٌ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ الِاضْطِبَاعِ فَأَرَانِي الصَّمَّاءَ فَقُلْت هَذِهِ الصَّمَّاءُ فَقَالَ إنَّمَا تَكُونُ الصَّمَّاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك إزَارٌ وَهُوَ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ أَنْ يُكَوِّرَ عِمَامَتَهُ وَيَتْرُكَ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا وَقِيلَ أَنْ يَنْتَقِبَ بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ إمَّا لِلْحَرِّ أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّثَاؤُبُ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ وَالِامْتِلَاءِ فَإِنْ غَلَبَهُ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ غَلَبَهُ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَاءَ هَاءَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ» وَفِي رَاوِيَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ» وَيُكْرَهُ التَّمَطِّي فَإِنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَفِيهِ نَوْعُ عَبَثٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ وَإِنْ شَغَلَهُ قَطَعَهَا، وَكَذَا الرِّيحُ وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا صَلَاةَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَنَفْيِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ تَفُوتُهُ يُصَلِّي لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةِ أَوْ بِكُمِّهِ. وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يَكْثُرْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفْعًا لِلْخِلَافِ. فَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ الشَّتِّ وَالشُّغْلِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَيَّدٌ عَنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَلِذَا مَنَعَ وَفَعَلَهُ هُوَ وَلَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَانِعُ اهـ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ أَمَّا فِعْلُهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ التَّرَبُّعُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِذَا كُرِهَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ «فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ»، وَكَذَا جُلُوسُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَرَبِّعًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ. قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلِهَذَا مِثْلُهُ بِاَلَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِرَجُلٍ رَآهُ يَسْجُدُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ شَعْرُهُ أَرْسِلْهُ يَسْجُدُ مَعَك. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) أَيْ وَهُوَ رَفْعُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ السُّجُودِ كَمَا يَفْعَلُهُ تُرْكُ هَذَا الزَّمَانِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ أَطْرَافَهُ اتِّقَاءَ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ. اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَدْلُهُ إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْفَارَابِيِّ السَّدْلُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِهَا وَقَالَ هُوَ مِنْ بَابِ طَلَبَ طَلَبًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى آخِرِهِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الدِّرَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَرَاهَةِ السَّدْلِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ) يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَعْطِفْ بَعْضُهُ. اهـ. جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا) تَشْبِيهًا بِالشُّطَّارِ أَهْلَ الْفَسَادِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْفَرَّاءُ اللِّثَامُ مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ وَاللِّقَامُ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْنَبَةِ. اهـ. مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَيُكْرَهُ لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ؛ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَوْ صَلَّى وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ أَوْ هَيْئَةٍ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالتَّثَاؤُبُ) هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الثَّوْبَاءَ وَهِيَ مَهْمُوزَةٌ فَتْرَةٌ مِنْ ثَقْلَةِ النُّعَاسِ يَفْتَحُ فَاهُ وَمِنْهُ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُغَطِّ فَاهُ وَتَثَاوُبٌ غَلَطٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالتَّثَاؤُبُ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. . اهـ. زَرْكَشِيٌّ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِشَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ» آلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ) ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتُكْرَهُ فِي قَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ فَإِنْ غَسَلَ فِي الْحَمَّامِ مَكَانًا

غَيْرُ مُفْسِدٍ اتِّفَاقًا وَالْكَثِيرَ مُفْسِدٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً كَثِيرٌ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَالتَّعْمِيمِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ وَشَدِّ السَّرَاوِيلِ وَالرَّمْيِ عَنْ الْقَوْسِ وَمَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدَيْنِ كَنَزْعِ الْقَمِيصِ وَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلِبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا وَنَزْعِ اللِّجَامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الثَّلَاثَ الْمُتَوَالِيَاتِ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ حَتَّى لَوْ رَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ أَوْ رَمَى ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ أَوْ نَتَفَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْوَلَاءِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَصَلَ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَثُرَ وَعَلَى هَذَا قَتْلُ الْقُمَّلِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ وَالْقَلِيلُ بِخِلَافِهِ وَالرَّابِعُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ الْمُصَلِّي فَإِنْ اسْتَكْثَرَهُ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ اسْتَقَلَّهُ كَانَ قَلِيلًا وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ إلَى دَأْبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مِنْ دَأْبِهِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ فِي جِنْسٍ مِثْلَ هَذَا بِشَيْءٍ بَلْ يُفَوِّضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ نَاظِرٌ مِنْ بَعِيدٍ إنْ كَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ شَكَّ فَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ وَهُوَ الْمِحْرَابُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِمًا خَارِجَ الْمِحْرَابِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ تَخْصِيصُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ وَحْدَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقِدَمُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ مَكْشُوفًا بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْجَوَانِبِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ وَعَكْسُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ» يَعْنِي أَسْفَلَ مِنْهُ وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَؤُمَّنَّ فِي مَقَامٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَرْفَعُونَ مَقَامَ إمَامِهِمْ فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِهِمْ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ أَعْلَى مِنْ الْإِمَامِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُكْرَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ فَكَانَ تَشْبِيهًا بِهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْإِمَامِ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَلَّى فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا مَوْضِعُ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ وَيُكْرَهُ أَيْضًا فِي الْمَقْبَرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ لَا نَجَاسَةَ فِيهِ وَلَا قَبْرَ فِيهِ اهـ زَادَ الْفَقِيرُ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ صَلَّى وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنْ يُخِلُّ بِهَا كَدِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ الرُّكْنِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّكْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الرُّكْنُ وَإِنْ كَانَ فِي فِيهِ سَكْرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي كَفِّهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ الْأَخْذِ بِالرَّكْبِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الرَّاحَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ يُكْرَهُ لِمَنْعِهِ عَنْ تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ التَّحْدِيدِ هُوَ هَذَا حَيْثُ حُكِمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ. اهـ. وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ لِحْيَتَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ لِبَيَانِهِ الشَّرْعَ بِالْفِعْلِ أَنْ هَذَا غَيْرُ مُوجِبٍ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا نَصًّا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ) إلَّا لِعُذْرٍ كَكَثْرَةِ الْقَوْمِ. اهـ زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّاقِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا عَلَى عُرْفٍ فِي دِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَبْنِيَةِ فِيهَا مِنْ الْآجُرِّ فَيَتَّخِذُونَ طَاقَاتٍ فِي الْمَحَارِيبِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ الطَّاقَ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَكِنْ أَرَادُوا بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَيْ الصَّلَاةَ. وَلَمَّا لَمْ يَتَعَوَّدْ الصَّلَاةَ فِي الطَّاقِ حَسُنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِك الْمَسْجِدُ بَيْتُ اللَّهِ يُفِيدُ غَيْرَ مَا يُفِيدُ قَوْلُك هَذَا مَسْجِدِي أَيْ مَوْضِعُ صَلَاتِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ وَالثَّانِي يُجَامِعُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَمُرَادُهُ فِي الْكِتَابِ هَذَا الثَّانِي وَإِنَّمَا كَشَفْت لَك عَنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَجْعَلْ الطَّاقَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ قَسَّمَ وَفَصَّلَ فَعَابُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّا ذَكَرَ مِنْ الصَّوَابِ فَقَعَدُوا تَحْتَ الْمَعَابِ. اهـ. نِهَايَةُ الْكِفَايَةِ لِدِرَايَةِ الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقَدَمُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْقَدَمِ طَهَارَتُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دُونَ طَهَارَةِ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ اقْتَدَى بِرَجُلٍ وَقَدَمُهُ بِعَقِبِ قَدَمِ الْإِمَامِ وَرَأْسُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ لِطُولِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ بِوَضْعِ قَدَمِهِ دُونَ جَسَدِهِ وَلَوْ كَانَ قَدَمَا الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَجَسَدُهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ. اهـ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الطَّاقِ عَمُودَانِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ فُرْجَةٌ يَطَّلِعُ مِنْهَا مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَمِنْ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ) أَيْ قَامَةُ الرَّجُلِ الْوَسَطِ. اهـ بِأَكْبَرَ قَالَ الرَّازِيّ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةُ رَجُلٍ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ

مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِامْتِيَازُ وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْكَرَاهَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةً) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا فَيُكْرَهُ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ عَلَى يَسَارِهِ، ثُمَّ خَلْفَهُ وَفِي الْغَايَةِ إنْ كَانَ التِّمْثَالُ فِي مُؤَخَّرِ الظَّهْرِ وَالْقِبْلَةِ لَا يُكْرَه؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا لَمْ يُعْبَدْ مِثْلُهَا لَا يُكْرَهُ رُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ ذُبَابَتَانِ وَخَاتَمَ دَانْيَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبْوَةُ وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ يَلْحَسَانِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّةَ الرَّأْسِ بِخَيْطٍ يَخِيطُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلرَّأْسِ أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمَغْرَةٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ يَنْحِتُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَيْطِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ وَلَا بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) أَيْ أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ صُورَةُ النَّخْلِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ عَادَةً وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تِمْثَالِ الْأَشْجَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا عَلَى مَا يَلِيه مِمَّا هُوَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُدُّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَّ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَمَا رَوَيَاهُ ضَعِيفٌ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَحِينَ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِيهَا وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ بِأَنْ، يُنْظَرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ التَّسْبِيحِ مُمْكِنَةٌ أَيْضًا بِأَنْ يَحْفَظَ بِقَلْبِهِ وَيَضُمَّ الْأَنَامِلَ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْعَدُّ بِالْأَصَابِعِ وَبِسُبْحَةٍ يُمْسِكُهَا بِيَدِهِ دُونَ الْغَمْزِ بِهَا وَالْحِفْظُ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَرَائِضِ وَيَجُوزُ فِي النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي النَّوَافِلِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبَ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالتَّقْصِيرِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُدَّ ذُنُوبَك لِتَسْتَغْفِرَ مِنْهَا وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: لَا يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» وَلِأَنَّ فِي قَتْلِهِمَا دَفْعَ الشُّغْلِ وَإِزَالَةَ الْأَذَى فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ وَتَسْوِيَةَ الْحَصَى لِلسُّجُودِ وَمَسْحَ الْعَرَقِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تُقْتَلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهَا بِفِعْلٍ يَسِيرٍ كَالْعَقْرَبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْمَشْيِ فَمُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ كَالْمَشْيِ فِي الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ أَذَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيّ وَمَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ، وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا» إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِهِمْ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ وَعَدَمُ دُخُولِهِمْ لِزَجْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَنْ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَأَجَازَ سُلَيْمَانُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّصَاوِيرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] وَالتَّمَاثِيلُ صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ كَانَتْ تُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ نُحَاسٍ وَرُخَامٍ لِيَرَاهَا النَّاسَ، فَيَعْبُدُوا نَحْوَ عِبَادَتِهِمْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالتَّمَاثِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ التِّمْثَالَ أَعَمُّ، مِنْ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ مَشَارِقَ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ ذُبَابَتَانِ) الْمَذْكُورَةُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّ الذُّبَابَتَيْنِ كَانَتَا عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ وَخَاتَمُ دَانْيَالَ كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ إلَى آخِرِهِ) وَسَبَبُ تَصْوِيرِ دَانْيَالَ ذَلِكَ عَلَى خَاتَمِهِ هُوَ أَنْ بُخْتَ نَصَّرَ لَمَّا أَخَذَ بِتَتَبُّعِ الصَّبِيَّانِ، وَيَقْتُلُهُمْ وَوُلِدَ دَانْيَالَ، أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَنْجُوَ فَقَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبْوَة تُرْضِعُهُ وَهُمَا يَلْحَسَانِهِ فَلَمَّا كَبِرَ صَوَّرَ ذَلِكَ فِي خَاتَمِهِ حَتَّى لَا يَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ اهـ مُغْرِبٌ فِي دنل وَوُجِدَ هَذَا الْخَاتَمُ فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى إلَى تَنُّورٍ أَوْ كَانُونٍ فِيهِ نَارٌ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا وَإِلَى قِنْدِيلٍ أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ لَا لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ) وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ لَنَا اهـ ع (قَوْلُهُ «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ» إلَى آخِرِهِ) الطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَالْأَسْوَدُ الْعَظِيمُ مِنْ الْحَيَّاتِ وَهُوَ أَخْبَثُهَا وَفِيهِ سَوَادٌ كَأَنَّهُ شَبَهُ، الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِطُفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ الذَّنَبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

[فصل استقبال القبلة بالفرج في الخلاء واستدبارها]

وَالْإِعْذَارُ فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا وَلَكِنَّ الْإِنْذَارَ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَتْلُ الْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ دَفْنِهَا وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْنَهَا تَحْتَ الْحَصَى رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرِهَهُمَا أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ مِنْهَا الْأَذَى وَكَانَ عُمَرُ وَأَنَسٌ يَقْتُلَانِ الْقَمْلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّلَاةُ إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) وَمِنْ النَّاسُ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ إلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ أَوْ نَائِمِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ أَمَرَ عِكْرِمَةَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُصَلِّيَ» وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ قَالَ لِي وَلِّ ظَهْرَك وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِحَيْثُ يُشَوِّشُونَ عَلَى الْمُصَلِّي وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِي صَلَاتِهِ وَفِي النَّائِمِ إذَا كَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ صَوْتٌ فَيَضْحَكُ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ يَخْجَلُ النَّائِمُ إذَا انْتَبَهَ فَإِذَا أَمِنَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهَا، أَلَا تَرَى إلَى مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ نَائِمَةً بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي»، وَكَذَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ يَتَذَاكَرُونَ الْعِلْمَ وَالْمَوَاعِظَ وَبَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَاهُمْ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيْفُ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ السَّيْفَ آلَةُ الْحَرْبِ وَفِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فَلَا يَلِيقُ تَقْدِيمُهُ فِي حَالِ الِابْتِهَالِ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ فَيُكْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَبِاعْتِبَارِهَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ تَعْظِيمُهُ وَقَدْ أُمِرْنَا بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْضُوعًا وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا بَلْ مُفْسِدٌ وَكَلَامُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِرَاءَةِ فَلَا يَكُونُ تَشَبُّهًا بِهِمْ وَفِي السَّيْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] وَإِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ أَمْكَنَ لِأَخْذِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَقَدْ «كَانَتْ الْعَنَزَةُ تُرْكَزُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي إلَيْهَا». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَإِنَّمَا تَعَبَّدَهَا الْمَجُوسُ إذَا كَانَتْ فِي الْكَانُونِ وَفِيهَا الْجَمْرُ أَوْ فِي التَّنُّورِ فَلَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ اسْتِهَانَةٌ بِالصُّورَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا فَيُكْرَهُ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ مُعَظَّمٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَعْظِيمٍ لِلصُّورَةِ بِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْبِسَاطِ فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى السِّتْرِ؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا. (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْبِلَادِ لِأَنَّ قِبْلَتَهُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَفِي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ التَّعْظِيمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَقَيْت يَوْمًا عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ»؛ وَلِأَنَّ فَرْجَهُ غَيْرُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقْبِلِ؛ لِأَنَّ فَرْجَهُ مُوَازٍ لَهَا وَمَا يَنْحَطُّ مِنْهُ يَنْحَطُّ إلَيْهَا وَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ إذْ الْفِعْلُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْإِعْذَارُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الصَّحْرَاءِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَجِّهَ وَلَدَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِيَبُولَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ غَفَلَ وَقَعَدَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي الْخَلَاءِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ وَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ وَيُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يُقَدِّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ» أَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ أَيْضًا. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ وَالطَّارِئُ رَفَعَهُ قَالَ «نَهَى أَنْ يَتَحَدَّثَ الرَّجُلَانِ وَبَيْنَهُمَا أَحَدٌ يُصَلِّي» ذَكَرَهُ فِي الْمَرَاسِيلِ اهـ. . [فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا] (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَقَيْت يَوْمًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ رَقَيْته أَرْقِيه مِنْ بَابِ رَمَى رُقِيَا عَوَّذْته بِاَللَّهِ وَالِاسْمُ الرُّقْيَا عَلَى فُعْلَى وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ وَالْجَمْعُ رُقَى مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدَى وَرَقِيت فِي السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى مِنْ بَابِ تَعِبَ رُقِيًّا عَلَى فُعُولٍ. اهـ. (قَوْلُهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ مُسْتَدْبِرًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ اهـ

[باب الوتر والنوافل]

رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَلَا يَتَنَحْنَحَ وَلَا يَبْزُقَ وَلَا يَمْتَخِطَ وَيَسْكُتَ إذَا عَطَسَ وَيَقُولَ إذَا خَرَجَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَبْقَى مَا يَنْفَعُنِي، وَيُكْرَهُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى الْمُصْحَفِ وَإِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْغَلْقِ فِي زَمَانِنَا فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً لِمَتَاعِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَا قُلْنَا فِي مَنْعِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقِيلَ إذَا تَقَارَبَ الْوَقْتَانِ لَا يُغْلَقُ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُغْلَقُ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَمِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الظُّهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَطْءُ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بِمِنْ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا يَحْنَثُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْرُمُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَلِأَنَّ تَطْهِيرَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ مِنْ النَّارِ» فَإِذَا كُرِهَ التَّنَخُّمُ فِيهِ مَعَ طَهَارَتِهِ فَالْبَوْلُ أَحْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ إلَّا لِلنِّسَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ كَالْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ مَكَانًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ بِهِمَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ» الْحَدِيثُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ حِين مَرَّ بِهِ رَسُولُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ لِتَزْيِينِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَاكِينُ أَحْوَجُ مِنْ الْأَسَاطِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ وَقَدْ زُخْرِفَتْ الْكَعْبَةُ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسُتِرَتْ بِأَلْوَانِ الدِّيبَاجِ تَعْظِيمًا لَهَا وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي الْمِحْرَابِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ التَّزْيِينِ أَوْ عَلَى التَّزْيِينِ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ» هَذَا إذَا فَعَلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضِيعَ مَالَ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْبَيَاضَ فَوْقَ السَّوَادِ لِلْبَقَاءِ ضَمِنَ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَلَى هَذَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ الْمَصَاحِفِ وَاِتِّخَاذَ الشَّدِّ لَهَا كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ فَأَشْبَهَ غَلْقَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوِتْرُ وَاجِبٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ إلَى آخِرِهِ) هِيَ بِالْوَاوِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشُّرَّاحِ بِأَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ مَنْدُوبٌ لَأَنْ يَتَّخِذَ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ السُّنَنَ وَالنَّوَافِلَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْوَاهُ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دَارِهِ مَسْجِدًا مَا نَصُّهُ: مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَمَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ أَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمُجَسَّدُ احْتِيَاطًا. اهـ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ يُجَنَّبُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ الْجَوَابُ فِيهِ يَجْرِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ إلَى آخِرِهِ) إلَّا إذَا خَافَ طَمَعَ الظَّلَمَةِ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ. اهـ. كُنُوزٌ. [بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ] (قَوْلُهُ بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ وَرَوَى نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ سُنَّةٌ طَرِيقَةً أَوْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ وَبِقَوْلِهِ فَرْضُ لُزُومِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْعَمَلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هُوَ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ «قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَهَذَا يَنْفِي الْفَرْضِيَّةَ وَالْوُجُوبَ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْوِتْرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ». وَالْفَرْضُ لَا يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَفِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوُسْطَى لَا تَتَحَقَّقُ فِي الشَّفْعِ وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ إذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ وِتْرًا فَتَكُونُ الْوُسْطَى بَيْنَ شَفْعَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخَرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَمْرُ وَكَلِمَةُ عَلَى وَحَقٌّ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ لِكَوْنِهِ مَحْصُورًا وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَهُ ثَلَاثًا قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ وَثَّقَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيَقْضِهِ إذَا ذَكَرَهُ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ آثَارُ الْوُجُوبِ حَيْثُ يُقْضَى وَلَا يُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِ نِيَّةِ الْوِتْرِ بِخِلَافِ التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ وَلَوْ كَانَ سُنَّةً تَبَعًا لِلْعِشَاءِ لَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ كَمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ سُنَّتِهَا تَبَعًا لَهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَادَكُمْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] وَقَدْ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] يَجُوزُ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ فَتَكُونُ وُسْطَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الرَّاحِلَةِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَصْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْوِتْرَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ جَوَازَ هَذَا الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، ثُمَّ يَقُولُونَ فِي حَقِّ إلْزَامِ خَصْمِهِمْ إنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا جَازَ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ بَيَانِ أَوْقَاتِهَا وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا وَالْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَالْقَاصِرِ فِيهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ دُونَ الْفَرَائِضِ وَفَوْقَ النَّوَافِلِ وَهِيَ صَلَاةُ الْوِتْرِ وَدَلَالَةُ أَنَّهَا قَصَدَتْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ إيرَادَ النَّوَافِلِ بَعْدَهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا هُوَ حَقُّهُ. اهـ. نِهَايَةٌ وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّفَلُ لِلْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا وُضِعَ الْجِهَادُ لَهُ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةً وَسُمِّيَتْ صَلَاةُ النَّفْلِ نَفْلًا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ) أَيْ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ عِنْدَهُمَا أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ جَمِيعِ السُّنَنِ حَتَّى لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَا عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَتُقْضَى، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. اخْتِيَارٌ. (قَوْلُهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] إشَارَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى نَفْيِ الْفَرِيضَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ إلَى آخِرِهِ) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَيَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ الْمُطْلَقَةِ وَلِهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً» إلَى آخِرِهِ) فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ وُجُوبَ الْوِتْرِ كَانَ بَعْدَ سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ زَادَكُمْ فَأَضَافَ إلَى اللَّهِ لَا إلَى نَفْسِهِ وَالسُّنَنُ تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ نِهَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ عَلَى الشَّيْءِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ زَادَ فِي ثَمَنِهِ إذَا وَهَبَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَلَا يُقَالُ زَادَ عَلَى الْهِبَةِ إذَا بَاعَ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فَكَذَا الزِّيَادَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ فَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَزِيَادَةُ التَّعْرِيفِ زِيَادَةُ وَصْفٍ لَا أَصْلٌ وَهُوَ الْوُجُوبُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَدَائِهَا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ إلَى آخِره) وَقَدْ ادَّعَى النَّوَوِيُّ أَنَّ جَوَازَ فِعْلِ هَذَا الْوَاجِبِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى تَوَقُّفٌ فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يُنْقَلْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ

لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ أَوْ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَلَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُعَرَّى عَنْ شُبْهَةٍ وَهُوَ يُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَيَكْتَفِي بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ لِقُصُورِ دَلِيلِهِ فَتُرَاعَى جِهَةُ النَّفْلِيَّةِ فِيهِ احْتِيَاطًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِثَلَاثٍ وَإِنْ شَاءَ بِخَمْسٍ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمَةٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ» وَعَنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» فَلَوْ كَانَ يَفْصِلُ لَقَالَتْ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ وَاحِدَةً وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَعَنْهُ مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ وَحَكَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْوِتْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تُوَتِّرُوا بِثَلَاثٍ أَوْتَرُوا بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ» الْحَدِيثَ. وَالْإِيتَارُ بِالثَّلَاثِ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي آخِرِهَا» وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ أَمْرِ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمُسْتَقِرَّةَ لَا يُخَيَّرُ فِي أَعْدَادِ رَكَعَاتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَكَذَا «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْحَسَنِ حِينَ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ يَعْنِي غَيْرَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى آخِرِهِ اللَّهُمَّ أَهْدِنَا إلَى آخِرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) لِمَا رَوَيْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا»، وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ» أَخْرَجَاهُ فَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ يَجْعَلُ أَوَّلًا فِعْلَهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ الْخَصَائِصِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ هُنَا دَلِيلًا لِلْجَوَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ وَمَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إلَى آخِرِهِ) النَّسَائِيّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَحَدِيثُ النَّسَائِيّ أَصَحُّ إسْنَادًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثِ يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِتِسْعِ سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَنَتَ فِي ثَالِثَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَبَدًا بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ) أَيْ رَافِعًا يَدَيْهِ اهـ ع وَهَذِهِ التَّكْبِيرَةُ وَاجِبَةٌ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا فَيَأْتِي بِدُعَاءٍ يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ مَحْمُولٌ عَلَى أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ) أَيْ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِي الْقِرَاءَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَكَذَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ إلَى آخِرِهِ) وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُعَيَّنَةً عَلَى الدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ بِقَوْلِهِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالتَّعْيِينُ عَلَى الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ لَوْ قَرَأَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَحْيَانًا يَكُونُ حَسَنًا وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ) (فَرْعٌ) إنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ صَاحِبُ النَّافِعِ فِي مَجْمُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ فِي الْفَجْرِ وَيَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَى الدُّعَاءِ قَالَ لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ مُحَارِبًا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَقْنُتْ فِي الصَّلَوَاتِ قُلْت رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ وَرَوَى

قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتُوا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدْعَةٌ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُو عَلَى قَوْمٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاتِبًا لَهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] فَتَرَكَ» وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الثِّقَاتِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ) أَيْ يَتْبَعُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْوِتْرِ فِي قُنُوتِهِ وَيُخْفِي هُوَ وَالْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَقِيلَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْنُتُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُؤْتَمِّ كَمَا لَا يَقْرَأُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفَجْرِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِيَقِينِ فَصَارَ كَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَهُ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ رَفْعُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ صَوْتَهُمَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْفَجْرِ) أَيْ لَا يُتَابِعُ الْمُؤْتَمُّ الْإِمَامَ الْقَانِتَ فِي الْفَجْرِ فِي الْقُنُوتِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَامِسَةِ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا، ثُمَّ قِيلَ يَسْكُتُ وَاقِفًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي بِدَلِيلِ مُشَارَكَتِهِ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِأَنْ كَانَ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ وَلَا يَكُونُ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يَقْطَعُ وِتْرَهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ يَجُوزُ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إذَا صَحَّتْ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ عَلَى زَعْمِ الْمُقْتَدِي وَقِيلَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَامَ الْمُقْتَدِي وَأَتَمَّ الْوِتْرَ وَحْدَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيَّةِ فِي الْوِتْرِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَلَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى زَعْمِ الْإِمَامِ كَمَسِّ الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَرَى بُطْلَانَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي تَبَعًا لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّنَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حَنْبَلٍ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتِ فَقُلْت مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِيهَا فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَقُلْت أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت أَبِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيِّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَا يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالْغَدَاةِ إذَا كَانَ يَسْتَنْصِرُ وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ وَعَنْ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رَسُولَك وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ بَأْسَك الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجْهَرُ الْإِمَامُ) أَيْ دُونَ الْمُقْتَدِي اهـ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ». اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَفِي نَوَادِرِ إلَى آخِرِهِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ إلَى آخِرِهِ) لَا كَمَا قِيلَ إنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ) أَيْ انْحِرَافًا فَاحِشًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمَغَارِبَ كَانَ فَاحِشًا. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِالسَّلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ إلَى آخِرِهِ) وَرَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي فَصْلِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ إلَّا إذَا رَآهُ احْتَجَمَ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ فَالْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ فَإِنْ شَهِدَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَسَّ امْرَأَةً، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ الْوُضُوءِ قَالَ مَشَايِخُنَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَةِ التَّحَرِّي بِمَنْعِ الِاقْتِدَاءِ. اهـ. قُنْيَةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ) عِبَارَةُ بَاكِيرٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ اهـ. (فَرْعٌ) إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ فَائِتَةٌ حَدِيثَةٌ فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَنَسِيَ الْفَائِتَةَ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً حَدِيثَةً فَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ. اهـ. وَلْوَالَجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ. اهـ. .

وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ فَيَكُونُ سُنَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعًا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مِنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا عَنْ السُّنَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، ثُمَّ سُنَّةُ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَدَعْهُمَا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَقِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا التَّرَاوِيحَ وَقِيلَ: إنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ كُلَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَجْمَعَ لِلْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ فَهُوَ أَفْضَلُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَلَا يَعْتَدُّونَهَا مِنْ السُّنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعِشَاءُ وَبَعْدَهُ) أَيْ نَدَبَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الْعِشَاءَ كَالظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَقِيلَ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا وَقِيلَ الْأَرْبَعُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرَّكْعَتَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]». قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا) أَيْ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَقَدْ جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى ثَمَانٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي خَمْسًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَبْعًا وَتِسْعًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي خَمْسًا رَكْعَتَانِ مِنْهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي السَّبْعِ أَرْبَعٌ قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي التِّسْعِ سِتٌّ قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي إحْدَى عَشْرَةَ ثَمَانٍ قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ قِيلَ تَأْوِيلُهُ ثَمَانٍ مِنْهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَثَلَاثٌ وِتْرٌ وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ) أَيْ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا مَثْنَى مَثْنَى لِحَدِيثِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ. وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ» وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةٍ وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَخْرُجُ وَحَدِيثُ الْبَارِقِيِّ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَاهُ شَفْعٌ لَا وِتْرٌ؛ وَلِأَنَّ رَاوِيَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالرَّاوِي إذَا فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ لَا تَلْزَمُ رِوَايَتُهُ حُجَّةً، وَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى فِيهِ جِهَةُ التَّخْفِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَالَ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». اهـ. زَاهِدِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْلِ جَيْشُ الْعَدُوِّ. اهـ. كَاكِيٌّ فِي إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ) حَتَّى لَوْ أَنْكَرَهَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ) ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْعِشَاءِ. اهـ. قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَسَنُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَالنَّوَافِلِ اهـ كَمَا فِي وَعَزَى فِي الْغَايَةِ لِلْحَلْوَانِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا التَّرَاوِيحَ)؛ لِأَنَّ فِي التَّرَاوِيحِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَدَبَ الْأَرْبَعَ) أَيْ اسْتَحَبَّ اهـ ع. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ) قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا رُبَاعُ) أَيْ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْوَصْفِ وَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةٍ كَثَلَاثٍ مَعْدُولٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثْنَى مَثْنَى مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ عَلَى كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَسَمَّاهُ مَثْنَى لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشَهُّدِ اهـ

تَيْسِيرًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولُ الْقِيَامِ أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامُ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكْثُرُ بِطُولِ الْقِيَامِ وَبِكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكْثُرُ التَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَكَانَ اجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ اجْتِمَاعِ رُكْنٍ وَسُنَّةٍ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُ عَنْ التَّحِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» وَصَلَاةُ الضُّحَى مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَصَاعِدًا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) لِمَا لَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْفَرْضِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا غَيْرَ مُتَعَيِّنَتَيْنِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ أَوْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا لَا غَيْرُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ فَرْضٌ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ». وَقَالَ مَالِكٌ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَقَالَ زُفَرَ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ فِي السَّفَرِ وَفِي صِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرِهَا فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا وَفِيهِ أَثَرُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً وَالصَّلَاةُ فِيمَا رُوِيَ مَذْكُورَةٌ صَرِيحًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ مِنْهَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ عَادَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ قَدْرَهَا وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ قَعْدَةٍ مِنْهُ وَيَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فَسَادُ الشَّفْعِ الثَّانِي فِي فَسَادِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْقُعُودِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَصَارَ كُلُّ شَفْعٍ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا حَيْثُ قَالَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا السِّتُّ وَالثَّمَانِي فِي الصَّحِيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَطُولُ الْقِيَامِ أَحَبُّ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ طُولُ الْقِيَامِ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ قُلْت ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ السُّجُودَ أَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِيَامَ وَسِيلَةٌ لِأَجْلِ الْخُرُورِ لِلسُّجُودِ مِنْ الْقِيَامِ حَتَّى قَالُوا إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ يَسْقُطُ الْقِيَامُ فَيَقْعُدُ وَيُومِئُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إذْ السُّجُودُ غَايَةُ إظْهَارِ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ وَلَوْ قَامَ أَوْ رَكَعَ لَا يَكْفُرُ وَكَيْفَ يَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ بِالْأَشَقِّ كَمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فَالرُّكُوعُ الطَّوِيلُ أَشَقُّ مِنْ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ. اهـ. غَايَةٌ. وَأَمَّا كَوْنُ تَطْوِيلِ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا رَجَّحَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ وَهُمَا الْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. اهـ. غَايَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ الْقُرْآنِ يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَاةِ فَكَثْرَةُ السُّجُودِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ، وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ. اهـ. غَايَةٌ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَكَثْرَتِهِمَا، ثُمَّ إطَالَةُ السُّجُودِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَطْوِيلُ السُّجُودِ وَتَكْثِيرُ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَوْمٌ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِيهِمَا. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ أَصْلًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِوُرُودِ الْأَمْرِ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَوْلُهُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ إلَى آخِرِهِ أَيْ وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الْأَفْعَالِ كَلَا وَالْقَادِرُ عَلَى الْأَقْوَالِ لَا يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا لَا يُؤْتَى بِهَا فِي الصَّلَاةِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا) لَفْظَةً إنَّمَا لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ هَذَا إذَا نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ فَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. نِهَايَةٌ وَمِثْلُهُ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ اهـ قَوْلُهُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ وَقَدْ جَعَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ غَيْرَ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ اهـ

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَعْدَةَ صَارَتْ فَرْضًا لَغَيْرهَا وَهُوَ الْخَتْمُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فِي الْفَرَائِضِ إلَّا فِي آخِرِهَا فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوَانَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى قُرْبَةٌ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِلُزُومِ الْمُضِيِّ فِيهِ فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ عَلَى مَا يَأْتِي تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ أَيْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ كَانَ الشُّرُوعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَصُومَ فَيَصِيرَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِهِ فَيَجِبُ إبْطَالُهُ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الصَّلَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ قَبْلَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَوْ يُصَلِّيَ فِيهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهِيَةَ فِي الِالْتِزَامِ قَوْلًا فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَلْزَمُهُ بِهِ فَفَسَادُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّانِي لِعَدَمِ شُرُوعِهِ فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ وَلَوْ قَعَدَ فِي الْأَوَّلِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ وَالثَّانِي لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ قَارَنَتْ سَبَبَ الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى اعْتِبَارًا بِالنَّذْرِ فَإِنْ مِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ وَنَوَى الْأَرْبَعَ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالسَّبَبِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ مَا شَرَعَ فِيهِ وَمَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِ الشَّفْعَيْنِ بِالْآخِرِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الشُّرُوعُ وَلَمْ يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَا لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ فَلَمْ تَقْتَرِنْ النِّيَّةُ بِالسَّبَبِ وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَهِيَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْإِيجَابِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّذْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ النَّذْرُ فَاقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ مُؤَثِّرٌ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ بِهِ، وَكَذَا الْخَلْوَةُ لَا تَصِحُّ مَا لَمْ يَفْرُغْ الْأَرْبَعَ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ دُخُولِهَا لَا يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كَالظُّهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَقْضِيه وَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقْضِيه، وَأَمَّا إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، ثُمَّ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَقْضِيه، وَأَمَّا إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَقْضِيه وَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْكُلِّ نَظَرًا إلَيْهِ وَبِالنَّظَرِ إلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجِبُ فَتَجِبُ احْتِيَاطًا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ) أَيْ الْأَرْبَعَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ اهـ ع (قَوْلُهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقُعُودِ وَكُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ إلَى آخِرِهِ اهـ قَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ خِلَافًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا تَرَى إذْ لَا وَجْهَ لَهُ وَسَاقَ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ وَوَجْهُ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ فِيمَنْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ يَنْوِي أَرْبَعًا، ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْأَزْهَرِيِّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ يَنْوِي عَدَدًا يَلْزَمُهُ بِالِافْتِتَاحِ ذَلِكَ الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَرَوَى غَسَّانُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ مَا تَنَاوَلَهُ وَإِنْ كَثُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ أَيْ إذَا صَلَّى إلَى آخِرِهِ وَهُوَ تَصَرُّفٌ مِنْ النُّسَّاخِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ شَامِلٌ لِخَمْسِ مَسَائِلَ. اهـ

عِنْدَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَرْبَعًا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى أَرْبَعًا إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَرَأَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ بِدَلِيلِ وُجُودِ الصَّلَاةِ بِدُونِهَا فِي الْجُمْلَةِ كَصَلَاةِ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُقْتَدِي وَلِهَذَا مِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ دُونَ الْأَفْعَالِ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تَلْزَمُهُ لَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَفِي إحْدَاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِهَا فِي حَقِّ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَبِبَقَائِهَا فِي حَقِّ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي احْتِيَاطًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأَرْبَعِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ فَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَقْضِي الْكُلَّ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِصِحَّةِ الْأُولَيَيْنِ وَفَسَادِ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُف يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِيهِ لَكِنْ لَمَّا قَرَأَ فِيهِمَا صَحَّتَا وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ. وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ مُحَمَّدٌ عَنْهَا وَاعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي الْأُولَيَيْنِ فِيهِمَا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا وَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ الشَّفْعُ الثَّانِي قَضَاءً عَنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَقَرَأَ فِيهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْكُلَّ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ قَضَاءً عَنْ الْبَعْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا» وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَيَكُونُ بَيَانًا لِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ كُلِّهَا وَقِيلَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْفَرِيضَةَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا مِثْلَهَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ نَهْيٌ عَنْ إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ بِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِ الْوَسْوَسَةِ عَلَى الْقَلْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) يَشْمَلُ أَرْبَعَ صُوَرٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ) يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ. اهـ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا)؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَصْلُحْ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا) أَيْ لِعَدَمِ بُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِمَا فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ اهـ ع. (قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَعَ قُدْرَةِ الْقِيَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ بِمَعْنَى مُبْتَدِئًا وَبَانِيًا وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ وَحَالَةِ الْبِنَاءِ اهـ ع وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا فِي النَّذْرِ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. كُنُوزٌ (قَوْلُهُ «وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِي النَّافِلَةِ أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِ اهـ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا»، ثُمَّ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حُدِّثْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ صَلَاةِ الْقَائِمِ فَأَتَيْته فَوَجَدْته يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ لَسْت كَأَحَدِكُمْ». هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ صَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابَةَ مِثْلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا، ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَضْلًا، وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَجُوزُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ نَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ «فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ») قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا. اهـ. غَايَةٌ

وَالْمُرَادُ بِهِ النَّفَلُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» وَالْفَرْضُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» الْحَدِيثَ، فَتَعَيَّنَ النَّفَلُ مُرَادًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَتْرُكَهُ أَصْلًا وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي فِي آخِرِ عُمْرِهِ مُحْتَبِيًا» وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا فَلِأَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِي النَّفْلِ فَجَازَ تَرْكُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ النَّذْرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالتَّحْرِيمَةِ صِيَانَةُ مَا مَضَى فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا يُصَحِّحُ التَّحْرِيمَةَ وَتَحْرِيمَةُ التَّطَوُّعِ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ إذْ هُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فِيهِ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ فَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ فِي الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي النَّذْرِ بِاسْمِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا وَفِي الشُّرُوعِ وَجَبَ بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ الْقِيَامَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ مُومِيًا إلَى أَيْ جِهَةِ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) أَيْ وَيَتَنَفَّلُ رَاكِبًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ» لَكِنْ يَخْفِضُ السُّجُودَ مِنْ الرُّكُوعِ وَيُومِئُ إيمَاءً وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ) أَيْ إذْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ تُسَاوِي صَلَاةُ الْقَاعِدِ صَلَاةَ الْقَائِمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ») رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فِي غَيْرِ حَالَةِ التَّشَهُّدِ إلَخْ) أَمَّا فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَيَقْعُدُ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ قَائِمًا حَيْثُ لَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ قِيَامٌ حَيْثُ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُومِئِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ احْتَبَى وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ إلَى آخِرِهِ وَوَجْهُ التَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَحَالَةِ التَّشَهُّدِ. اهـ. غَايَةٌ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْقِيَامُ سَقَطَتْ هَيْئَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ) دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ يَشْرَعَ قَائِمًا وَصَلَّى بَعْضَهَا، ثُمَّ كَمَّلَهَا قَاعِدًا اهـ ع وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا وَأَتَمَّهُ قَاعِدًا بِعُذْرٍ جَازَ وَكَذَا بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَهُ وَلَوْ تَوَكَّأَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا وَفِي الْأَصْلِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى رَاكِبًا لَمْ يُجْزِهِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ إذْ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْكَامِلَةِ وَالصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ نَاقِصَةٌ وَهَذَا دَلِيلٌ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِ الْإِيمَاءِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ السَّمَاعِ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُ رَاكِبًا فَيَلْزَمُهُ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ سَبَبُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ أَيْضًا النَّذْرَ وَقَدْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ كَالتِّلَاوَةِ قُلْت النَّذْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَأَدَّاهُ فِيهَا لَا يُجْزِيه كَقَضَاءِ الْعَصْرِ عِنْدَ الْغُرُوبِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَدْ مَنَعَ فِي النَّوَادِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى جَنْبِهِ قُلْت وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَلَا يَتَنَفَّلُ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ ذَكَرَهُمَا فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ» الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ قَالَ إنَّ التَّحْرِيمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ لِلْقُعُودِ لَا تَكُونُ مُنْعَقِدَةً لِلْقِيَامِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ عِنْدَهُ فَلَا يُتِمُّهَا قَائِمًا لَمْ يُخَالِفْ فِي الْجَوَازِ هُنَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمُتَطَوِّعِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْقُعُودِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِلْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَازَ لَهُ شَرْعًا تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَمَا انْعَقَدَتْ إلَّا لِلْمَقْدُورِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ إلَى آخِرِهِ) إذَا نَصَّ عَلَى صِفَةِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنُصَّ فَهُوَ كَالنَّفْلِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْكُنُوزِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ النَّافِلَةُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ) أَيْ فَيَنْزِلُونَ كُلَّهُمْ إذَا جَاءَ الْوَقْتُ. اهـ. غَايَةٌ

فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا الْوَاجِبَاتُ مِنْ الْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالسَّجْدَةِ الَّتِي تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ. وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَنَوَافِلُ حَتَّى تَجُوزَ عَلَى الدَّابَّةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازَ فِي الْمِصْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ فَقِيلَ إذَا خَرَجَ قَدْرَ فَرْسَخَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا خَرَجَ قَدْرَ الْمِيلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى الرُّكُوبِ أَغْلَبُ وَلَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى السَّرْجِ أَوْ الرِّكَابَيْنِ تَمْنَعُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى الرِّكَابَيْنِ لَا تَمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ تَمْنَعُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ فَإِنْ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا تَسِيرُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السَّرِيرِ، وَكَذَا لَوْ رَكَّزَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ خَشَبَةً حَتَّى بَقِيَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَنَى بِنُزُولِهِ لَا بِعَكْسِهِ) أَيْ إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا، ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي وَلَا يَبْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نُزُولِهِ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ يَغِيبُ وَجْهُهُ فِيهَا لَا يَجِدُ مَكَانًا جَافًّا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جُمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ رُكُوبُهَا إلَّا بِعَنَاءٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ فَلَا يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الرُّكُوبِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ فَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ قُلْت الْأَرْكَانُ تَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِ الِاسْتِقْبَالِ وَلِهَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْبَدَلِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْأَدَاءُ. اهـ. غَايَةٌ. قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَيْ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً لَا سَائِرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ) الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ فِي الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الصِّيَانَةِ وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَمَا شَرَعَ أَيْ عَلَى الْأَرْضِ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ لَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ قِيلَ يُتِمُّهَا قَاعِدًا عَلَى الدَّابَّةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ وَقِيلَ يُتِمُّهَا بِالنُّزُولِ عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ لِلْعَالِمِ أَنْ يَتْرُكَ سَائِرَ السُّنَنِ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ دُونَ سُنَّةِ الْفَجْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَدَاؤُهَا قَاعِدًا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا قَاعِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ يَدُلَّانِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ صَاحِب الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ اهـ وَفِي الْهَارُونِيَّاتِ قَالَ مَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمِصْرِ وَجَوَّزَهَا أَبُو يُوسُفَ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مُحْتَسِبُ بَغْدَادَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يُصَلِّي فِي بَغْدَادَ عَلَى دَابَّتِهِ فِي أَزِقَّتِهَا يُومِئُ إيمَاءً وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى حِمَارٍ فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ يُومِئُ إيمَاءً» وَفِي الْمَبْسُوطِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ حِمَارًا فِي الْمَدِينَةِ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَكَانَ يُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ» فَلَمْ يَرْفَعْ أَبُو حَنِيفَةَ رَأْسَهُ قِيلَ إنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ لِلْحَدِيثِ وَقِيلَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فَتَرَكَهُ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ لِكَثْرَةِ اللَّغَطِ وَالشَّغَبِ فِي الْمِصْرِ فَرُبَّمَا اُبْتُلِيَ بِالْغَلَطِ فِي قِرَاءَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ. وَذَكَرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُتَدَارِكًا أَوْ ضَرَبَهَا بِخَشَبَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ النَّخْسِ إذَا لَمْ تَسِرْ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَنْسَاقُ بِنَفْسِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَهَيَّبَهَا بِهِ وَنَخَسَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ وَكَيْفَمَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى السَّيْرِ فَأَمَّا لِعُذْرِ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ سَائِرَةً؛ لِأَنَّ السَّيْرَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ وَلَمْ تُوجَدْ وَلَوْ اسْتَطَاعَ النُّزُولَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَنْزِلُ وَيُومِئُ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ يَنْزِلُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْمٌ يُصِيبُهُمْ الْمَطَرُ فَيَكْثُرُ الْمَطَرُ إنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَنْزِلُوا أَوْمَئُوا عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ خَلَفٌ، وَالْمَصِيرُ إلَى الْخَلَفِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ جَائِزٌ وَإِنْ أَوْمَئُوا وَالدَّوَابُّ تَسِيرُ لَمْ يُجْزِهِمْ إنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى إيقَافِ الدَّابَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا جَازَ وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى النُّزُولِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الِانْحِرَافِ إلَى الْقِبْلَةِ أَجْزَأَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. اهـ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْخَائِفُ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ النُّزُولِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَرْكَانُ أَقْوَى مِنْ الشَّرَائِطِ فَإِذَا سَقَطَتْ فَشَرْطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي) أَيْ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ يَسِيرٌ اهـ ع

بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا، ثُمَّ رَكِبَ وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِوَاسِطَةِ النُّزُولِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِيمَاءِ رُخْصَةً أَوْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَزِيمَةً، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَآخِرَهَا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً اسْتَقْبَلَ لِأَنَّ قَبْلَ أَدَاءِ الرَّكْعَةِ مُجَرَّدَ تَحْرِيمَةٍ، وَهِيَ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ لِلضَّعِيفِ كَانَ شَرْطًا لِلْقَوِيِّ كَالطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَدْ تَأَكَّدَ فِعْلُ الضَّعِيفِ فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ الْقَوِيَّ كَمَا فِي الِاقْتِدَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ اسْتَقْبَلَ وَالنَّازِلَ إذَا رَكِبَ يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا كَانَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا نَزَلَ لَزِمَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَإِذَا افْتَتَحَ نَازِلًا صَارَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِذَا رَكِبَ صَارَتْ بِالْإِيمَاءِ وَهُوَ أَضْعَفُ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ فِي رَمَضَانَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّةً وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ بِقَدْرِهَا) أَيْ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِقَدْرِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلَامُ فِي التَّرَاوِيحِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهَا وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالثَّانِي فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهَا وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَعِنْدَ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَنَا مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِثْلَهُ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ فُرَادَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ فِي وَقْتِهَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ إنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا مَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِشَاءَ صَلَّوْهَا بِلَا طَهَارَةٍ دُونَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ أَعَادُوا التَّرَاوِيحَ مَعَ الْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَصَارَ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا، ثُمَّ رَكِبَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَعَنْ زُفَرَ يَبْنِي أَيْضًا اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ تَرْوِيحَتَيْنِ إمَامٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَعَمَلُ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي إمَامٌ وَاحِدٌ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَلَوْ فَعَلَ لَا يُحْتَسَبُ الثَّانِي مِنْ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِمْ نَافِلَةً وَصَلَاتُهُمْ سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ أَقْوَى فَلَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مَحْسُوبٌ وَلَا بَأْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ سُنَّ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَتْمِ إلَخْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِجَمَاعَةٍ أَيْ يُسَنُّ بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا اهـ ع (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ إلَخْ) هُوَ تَغْلِيبٌ إذَا لَمْ يَرِدْ كُلُّهُمْ بَلْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيًّا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْقِيَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا. اهـ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا بَلْ أَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّاهَا لَيْلَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ تَرَكَ وَقَالَ أَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ» لَكِنَّ الصَّحَابَةَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا فَكَانَتْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ النَّافِلَةَ قِيلَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلتَّرَاوِيحِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِعَمَلِ السَّلَفِ وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى بِمَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ قِيلَ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ فَكَانَ نِيَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَغْوًا وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِمُصَلِّي الْأَرْبَعِ قَبْلَهُ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) أَيْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي التَّقْدِيرِ بِعِشْرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُوَافِقَ الْفَرَائِضَ الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ كَالْوِتْرِ فَإِنَّهَا عِشْرُونَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) الظَّرْفُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ دُونَ الْوِتْرِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَتَّى أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتْبَعُ إمَامَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَتْرُكَ السُّنَّةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِعْلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ مُسْتَحَبًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدْرِيَّةِ أَنَّ نَفْسَ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ وَأَدَاؤُهَا بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبٌّ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّوْا التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوهَا ثَانِيًا يُصَلُّونَ

وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَلْيُصَلِّهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ». وَجْهُ الظَّاهِرِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا بِالْجَمَاعَةِ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلِهَذَا يُرْوَى التَّخَلُّفُ عَنْ بَعْضِهِمْ كَابْنِ عُمَرَ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَنَفْسُ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. وَالْخَامِسُ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ تَخْفِيفًا لِأَنَّ النَّوَافِلَ تُبْنَى عَلَى التَّخْفِيفِ فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا فِيهَا ثَلَاثُ خَتْمٍ وَلِأَنَّ كُلَّ عُشْرٍ مَخْصُوصٍ بِفَضِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَنَّهُ «شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنْ النَّارِ» وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي الشَّهْرِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ فَإِذَا قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرًا يَحْصُلُ الْخَتْمُ وَلَا يَتْرُكُ الْخَتْمَ مَرَّةً لِكَسَلِ الْقَوْمِ بِخِلَافِ الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَخْتِمُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاوِيحَ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً وَقِيلَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا يَشَاءُ. وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ وَقَوْلُهُ وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَشْمَلُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً حَيْثُ عَطَفَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلتَّوَارُثِ عَنْ السَّلَفِ وَلِأَنَّ اسْمَ التَّرَاوِيحِ يُنْبِئُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ. وَيَجُوزُ التَّرَاوِيحُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ. اهـ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا تُقْضَى فَكَذَا هَذِهِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ الْمَسْجِدَ تَرْغِيبُ النَّاسِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا) أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هُنَا إشْكَالًا فَقَالَ كَيْفَ يَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمِنَ مِنْ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ؟. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ زِيَادَةُ الْأَوْقَاتِ وَنُقْصَانِهَا لَا زِيَادَةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَنُقْصَانِهَا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ» (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ وَقَالَ الشَّهِيدُ هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْخَتْمِ وَهُوَ سُنَّةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَقِيلَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ آيَتَانِ مُتَوَسِّطَتَانِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ آيَتَانِ قُلْت وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا، وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ فَهَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا. اهـ. زَاهِدِي (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ إلَى آخِرِهِ). قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ مِنْ الرَّغْبَةِ وَالْكَسَلِ فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لَا يُوجِبُ تَنْفِيرَ الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي التَّرْوِيحَاتِ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ فِيهَا مَرَّةً إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةً. اهـ. فَتْحٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٍ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ آيَةً أَلْفٌ وَعْدٌ وَأَلْفٌ وَعِيدٌ وَأَلْفٌ أَمْرٌ وَأَلْفٌ نَهْيٌ وَأَلْفٌ قَصَصٌ وَأَلْفٌ خَبَرٌ وَخَمْسُمِائَةٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمِائَةٌ دُعَاءٌ وَتَسْبِيحٌ وَسِتَّةُ وَسِتُّونَ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ) حَيْثُ يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالثَّنَاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ صَلَّى تَرْوِيحَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِ عُلَمَائِنَا أَنَّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ بِتَرْكِ التَّسْلِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ إنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمَةِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا هَذَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ

[باب إدراك الفريضة]

ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاسْتِرَاحَةِ، ثُمَّ هُمْ مُخَيَّرُونَ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا سَبَّحُوا وَإِنْ شَاءُوا قَرَءُوا الْقُرْآنَ وَإِنْ شَاءُوا صَلُّوا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى وَإِنْ شَاءُوا قَعَدُوا سَاكِتِينَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوتَرُ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ وَقَالَ الْآخَرُونَ أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ مُنْفَرِدًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ فَأُقِيمَ يُتِمُّ شَفْعًا) أَيْ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً بِأَنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ أَيْ دَخَلَ فِيهَا الْإِمَامُ يَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْتَدِي) إحْرَازُ الْفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا بِمَحِلِّ الرَّفْضِ، وَالْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ وَلَوْ أُقِيمَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا هَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ كَامِلًا، وَكَمَالُهُ بِالْقَعْدَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْكَامِلُ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُوتَرُ بِجَمَاعَةٍ إلَى آخِرِهِ) يُوتَرُ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُوتِرُ الْإِمَامُ اهـ ع (قَوْلُهُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي عَمَلًا، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي الْوِتْرِ خَارِجَ رَمَضَانَ جَائِزٌ وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ وَيَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُوتِرَ بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهَةٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا فِيهِ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَيْسَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا قَدَحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَأَدَاؤُهَا فِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيٍّ يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ اهـ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَفْلٌ أَيْ الْوِتْرُ اهـ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهَةٌ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَصَلَاةُ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ مَكْرُوهٌ مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا الصَّحَابَةُ. اهـ. . [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ فَرْضَهَا وَوَاجِبَهَا وَنَفْلَهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ اهـ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ أَيْ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْإِقَامَةِ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لَا إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرَّجُلُ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا بَطَلَتْ صِفَةُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَ أَصْلُ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُؤَدَّى مَصُونًا عَنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَهُ قِيلَ فِي جَوَابِهِ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمُضِيِّ فِيهَا كَمَا إذَا قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ وَهُوَ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ وَهَا هُنَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِ نَفْسِهِ بِالْمُضِيِّ فِيهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إبْطَالَ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِإِطْلَاقٍ مِنْ الشَّرْعِ وَإِبْطَالَ صِفَتِهَا هُنَاكَ لَيْسَ بِإِطْلَاقٍ مِنْ جِهَتِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَفِلَ نَفْلًا هَاهُنَا وَصَارَ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا أَيْسَرَ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ حَيْثُ يُبْطِلُ جِهَةَ كَوْنِهِ كَفَّارَةً لَا أَصْلَ الصَّوْمِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ أَيْ وَلِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ إلَى آخِرِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ وَبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْطَعُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بِمَحِلِّ الرَّفْضِ وَالْقَطْعِ لِلْإِكْمَالِ) أَيْ يَعْنِي هُوَ تَفْوِيتُ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لِتَحْصِيلِهِ بِوَجْهٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ، وَإِذَا كَانَ الْقَطْعُ، ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ جَائِزًا لِحُطَامِ الدُّنْيَا إذَا فَارَ قَدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. . اهـ. فَتْحٌ. وَلِهَذَا لَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَسَجَدَ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ إمَامَهُ وَيَرْفُضَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَلَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ بَعْدَمَا قَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ لَا يُتَابَعُ إمَامُهُ حَتَّى لَوْ تَابَعَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ الْقِيَامَ وَيَعُودَ إلَى الْقُعُودِ وَيُسَلِّمَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ فَعَلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ لَهُ وِلَايَةَ الرَّفْضِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ قُرْبَةً فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ مَا أَمْكَنَ بِالنَّصِّ وَاسْتِئْنَافُ الْفَرْضِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ

فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ وَلَوْ كَانَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ قِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي النَّوَافِلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى ثَلَاثًا يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) أَيْ لَوْ صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أُقِيمَتْ يُتِمُّ الظُّهْرَ مُنْفَرِدًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ إحْرَازًا لِلْفَضْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُتِمُّهَا قَاعِدًا لِتَنْقَلِبَ صَلَاتُهُ نَفْلًا، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ ثَوَابِ النَّفْلِ وَثَوَابِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْصُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بُعْدٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا وَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ إلَى الْقُعُودِ لِيُسَلِّمَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَام وَلَا يُسَلِّمُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَقِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ وَلَيْسَ بِتَحَلُّلِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَوْدَ حَتْمٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ صَلَاةِ مُعْتَدٍ بِهَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا قَاعِدًا، ثُمَّ إذَا قَعَدَ قِيلَ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قُعُودَ خَتْمٍ وَقِيلَ يَكْفِيه التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ الْقِيَامُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقِيلَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَوْلُهُ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَرْضِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحُكْمُ الْعِشَاءِ كَالظُّهْرِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَذَا الْعَصْرُ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَتَمَّهَا وَحْدَهُ لَا يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَأُقِيمَ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ لِإِتْيَانِهِ بِالْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا يَقْطَعُ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ وَإِذَا قَيَّدَهَا بِهَا لَمْ يَقْطَعْهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا أَتَمَّهَا لَمْ يَشْرَعْ مَعَ الْإِمَامِ لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْوِتْرِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ مُخَالَفَةِ إمَامِهِ فَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْمَغْرِبِ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ أَخَفُّ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَسْلُبُ قُدْرَةَ صَوْنِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ الْإِبْطَالُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ نَعَمْ غَايَةُ الْأَكْمَلِيَّةِ فِي أَنْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مَعَ الْإِمَامِ وَيُعَارِضُهُ حُرْمَةُ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ إتْمَامِ رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا إلَى وَصْفٍ أَكْمَلَ فَصَارَ كَالنَّفْلِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ فَحَضَرَتْ جِنَازَةٌ خَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا تَفُوتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعًا وَقَطْعُ النَّفْلِ مُعْقِبٌ لِلْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ لَوْ اخْتَارَ تَفْوِيتَهَا كَانَ لَا إلَى خَلَفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْرَازُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُخَالَفَةُ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ) أَيْ بَلْ يُتِمُّ شَفْعًا، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْفَرْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ) أَيْ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ والإسبيجابي وَالْبَقَّالِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ حُسَامِ الدِّينِ الشَّهِيدِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لَفْظُ مُحَمَّدٍ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا فَحَمَلَ بَعْضُهُمْ لَفْظَ الْفَرَاغِ عَلَى الْقَطْعِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْإِتْمَامِ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ فِي قَضَائِهَا بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَرَوَى الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ قَالَ كُنْت أُفْتِي زَمَانًا أَنَّهُ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ فَإِذَا أَتَمَّهَا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ مَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ نَافِلَةً وَيَنْوِي النَّفَلَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُعَادُ الصَّلَوَاتُ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا الْمَغْرِبَ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ وَلَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَهَلْ يُعِيدُهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ أَوْ إكْمَالِ الْفَضِيلَةِ أَوْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ اهـ قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ أَيْ وَهُوَ الْقَطْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَقْطَعُهَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَدَمَ قَطْعِ الْأُولَى قَبْلَ السُّجُودِ وَضَمِّ ثَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ ضَمَّهَا هُنَا مُفَوِّتٌ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ الْفَرْضِ بِجَمَاعَةٍ فَيَفُوتُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُصْلَحَتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ) أَيْ بِقَلْبِهِ فَإِذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَبْطُلُ صَلَاةُ نَفْسِهِ ضِمْنًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْفَعْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى الْقُعُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لِلتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ تَسْلِيمَتَيْنِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَحَلُّلٌ مِنْ الْقُرْبَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ التَّنَفُّلُ بِالْجَمَاعَةِ خَارِجَ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ قُلْنَا ذَاكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ، وَالْقَوْمُ يُؤَدُّونَ النَّفَلَ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ، وَالْقَوْمُ النَّفَلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رَوَيْنَا. اهـ. . (قَوْلُهُ أَوْ الْأَكْثَرُ) وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَذَلِكَ حَرَامٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِتَأْخِيرِ فَرْضِ الْمَغْرِبِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْوِتْرِ) أَيْ وَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ إذْ التَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ حَرَامٌ قَالَهُ قَاضِي خَانْ قُلْت الْوِتْرُ ثَلَاثٌ وَهُوَ نَفْلٌ عِنْدَهُمَا وَذَلِكَ مَشْرُوعٌ فَكَيْفَ يَكُونُ مِثْلُهُ حَرَامًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مُخَالَفَةَ إمَامِهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهِيَ حَرَامٌ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ أَخَفُّ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ إلَخْ) لِأَنَّهَا مُخَالَفَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَيَصِيرُ كَالْمُقِيمِ إذَا اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ يَصِحُّ وَكَالْمَسْبُوقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَرْقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى عَرْضِيَّةِ أَنْ تَصِيرَ أَرْبَعًا فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا تَكُونُ مُخَالَفَةً

وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَقَضَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ بِهَا وَعَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَام وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ خُرُوجُهُ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» وَقَالُوا إذَا كَانَ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَتِهِ بِأَنْ كَانَ مُؤَذِّنًا أَوَإِمَامًا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ تَتَفَرَّقُ الْجَمَاعَةُ بِغَيْبَتِهِ يَخْرُجُ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ صُورَةً تَكْمِيلٌ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى، وَفِي النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَلَّى لَا) أَيْ وَإِنْ صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ثَانِيًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ شُرِعَ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا وَرُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا تَزْعُمُ الْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَيَخْرُجُ، وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ خَافَ فَوَاتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ ائْتَمَّ وَتَرَكَهَا) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ وَالْوَعِيدَ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ إحْدَاهُمَا لَا يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ كَإِدْرَاكِ الْجَمِيعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَيُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ يُصَلِّيهَا فِي الشَّتْوِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّتْوِيِّ صَلَّاهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعَانِ صَلَّاهَا خَلْفَ الصُّفُوفِ عِنْدَ سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ وَيَبْعُدُ عَنْ الصُّفُوفِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ لِيَنْفِيَ التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ عُرِفَ جَوَازُهُ بِالْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ قِيلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَمَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا. اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُتَابَعَةَ عَلَى الِانْفِرَادِ فَإِذَا اقْتَدَى فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى لَوْ سَهَا الْإِمَامُ عَنْ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ وَصَلَّى الرَّابِعَةَ وَصَلَّى الْمُقْتَدِي مَعَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) وَوَجْهُهُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَلَمْ يُكْرَهْ لِمَجِيئِهِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ فِي الثَّالِثَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إلَى آخِرِهِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلرَّكْعَتَيْنِ إذْ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ صَلَاةً لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ وَقَالَ فِيهِ نَوْعُ تَغْيِيرٍ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ إنَّمَا وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يَسْجُدُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ الرُّكُوعِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَكَمَنْ أَدْرَكَهُ فِي الْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ فِيهَا وَهِيَ قَبْلَ الْأَرْكَانِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَدْخُلُ فَإِنْ دَخَلَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ سَبْط ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ إلَى آخِرِهِ) وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الْخُرُوجِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى حَاجَةٍ لِعَزْمِ أَنْ يَعُودَ فَيُدْرِكَ اهـ زَادُ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ وَالْعِشَاءُ إنْ شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا إلَى آخِرِهِ) أَمَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ) أَيْ مِنْ فَضِيلَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْضَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْفَرَائِضِ وَالسُّنَّةُ مُكَمِّلَةٌ خَارِجِيَّةٌ عَنْهَا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ) أَيْ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامِ مِنْ قَوْلِ أَبِي مَسْعُودٍ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ هَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» الْحَدِيثَ، فَارْجِعْ إلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) التَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ»؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةَ لِلْجَمَاعَةِ وَالِانْتِبَاذَ عَنْهُمْ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِد مَكَانٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبِهِ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَتَى بِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إحْرَازُ الْفَضِيلَتَيْنِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ شَرَعَ مَعَهُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ إلَّا تَبَعًا) أَيْ لَمْ تُقْضَ سُنَّةُ الْفَجْرِ إلَّا تَبَعًا لِلْفَرْضِ إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَقَضَاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» فَيَبْقَى مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَرَاهِيَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ السُّنَنِ فَلَا تُقْضَى وَحْدَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ) أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الْأَرْبَعَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا فَاتَ مَحَلُّهَا صَارَتْ نَفْلًا مُبْتَدَأً فَيَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَيْ لَا يَفُوتَ مَحَلُّهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ سُنَّةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَبْدَأُ بِهَا، أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَهُ» أَطْلَقْت عَلَيْهِ اسْمَ الْقَضَاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُقَامُ مَقَامَ الْفَائِتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ) أَيْ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بَلْ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَجْهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ يُطِعْهُمَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ مِنْ الشُّرُوعِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ الْإِفْسَادِ فَإِنْ قِيلَ لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى قُلْنَا إبْطَالُ الْعَمَلِ قَصْدًا مَنْهِيٌّ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّفْعَ الثَّانِيَ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا نَصُّهُ قِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ التَّنْظِيرِ نَظَرٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ هُنَا وَجَبَتَا عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَازَ أَدَاؤُهُمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظِيرِ فَإِنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ فَيَجِبُ الْمَنْذُورُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ. اهـ (قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ قَضَائِهَا بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ قَضَاؤُهَا بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا هُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ تَبَعِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا مَعْنَى لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَالْفَضْلِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ؛ لِأَنَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ وَقَالَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى يَكُونُ نَفْلًا مُبْتَدَأً أَوْ سُنَّةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) لَا يُسَاعِدُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَاهَا مَعَ الصُّبْحِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ يَسْتَدِلُّ لَهُ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ السُّنَنِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي قَاضِي خَانْ وَبَقِيَّةُ السُّنَنِ إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَحْدَهَا لَا تُقْضَى وَإِنْ فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ لَا تُقْضَى عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تُقْضَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَفِي الْمُحِيطِ وَبَقِيَّةُ السُّنَنِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا تُقْضَى وَحْدَهَا وَلَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ سِوَى الْفَجْرِ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا لَا تُقْضَى سَوَاءٌ فَاتَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْفَرِيضَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ. اهـ. وَفِي الْكَافِي وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فَرْضُ وَقْتٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ وَقِيلَ يَقْضِيهَا تَبَعًا أَيْضًا وَلَا يَقْضِيهَا مَقْصُودًا إجْمَاعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا تَفُوتُ الرَّكْعَتَانِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعَلَ قَوْلَهُمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُمَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُقْضَى اتِّفَاقٌ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ هَلْ تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا مُبْتَدَأً حَكَوْا الْخِلَافَ فِي أَنَّهَا تُقْضَى أَوَّلًا فَلَوْ كَانَا يَقُولَانِ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ إنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَجَعَلُوهَا خِلَافِيَّةً فِي أَصْلِ الْقَضَاءِ فَاَلَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا وَقَضَى أَوَّلًا يَعْنِي أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَقَعُ سُنَّةً كَمَا هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا تَقَعُ سُنَّةً وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي بَابِ التَّرَاوِيحِ إذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِلَا جَمَاعَةٍ قِيلَ نَعَمْ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ رَمَضَانُ وَقِيلَ لَا تُقْضَى. قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرِيضَةٍ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ كَانَ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَا يَكُونُ تَرَاوِيحَ اهـ دَلَّ أَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ جَعْلِهِ قَضَاءً يَقَعُ تَرَاوِيحَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ

(وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ جَمَاعَةً بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ) لِأَنَّهُ فَاتَهُ الْأَكْثَرُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ انْفَرَدَ عَنْهُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَفَاتَهُ رَكْعَةٌ فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا سُبِقَ بِهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّ اللَّاحِقَ أَيْضًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) أَيْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ يَحْنَثُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرْضِ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا يَتَطَوَّعُ وَهَذَا الْكَلَامُ مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَفْصِيلِ فَنَقُولُ إنَّ التَّطَوُّعَ عَلَى وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيه بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَطْعًا وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيه مُنْفَرِدًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا وَهُوَ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً بِدُونِ الْمُوَاظَبَةِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي وَبَعْدَهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرْضِ وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهَا لَمْ يُفَرِّقْ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا إذَا خَافَ الْفَوْتَ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مِنْ التَّطَوُّعِ يَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَائِمًا فَرَكَعَ وَلَمْ يَرْكَعْ الْمُؤْتَمُّ مَعَهُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ـــــــــــــــــــــــــــــ Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا فَاتَتْ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَضَائِهَا كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ فَائِدَةَ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَأَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ صَلَّى رَكَعَاتٍ بِدُونِهِ وَالْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَدْرَكْت الظُّهْرَ حَنِثَ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ اهـ ع. (قَوْلُهُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُ يَقُولُ إذَا لَمْ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُطِيعُنِي فِي تَرْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ إلَى آخِرِهِ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرَائِضِ صَاحَبَ النَّافِعِ وَالْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ قَالَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا لَوْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ لَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ قَالَ السُّرُوجِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَلَا نَقْصَ فِيهَا وَقَدْ وَاظَبَ عَلَى هَذِهِ السُّنَنَ فَنَحْنُ نَأْتِي بِهَا تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنَى الْجُبْرَانِ فَإِنْ حَصَلَ بِهَا الْجُبْرَانُ أَيْضًا هُوَ مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ وَقَدْ أَكَّدَ بَعْضَ السُّنَنِ وَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمَعْنَى الْجُبْرَانِ لَاسْتَوَتْ السُّنَنُ كُلُّهَا إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْفَرَائِضِ بِأَوْلَى بِدُخُولِ النَّقْصِ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ لِمَنْ يُخَفِّفُ فِي صَلَاتِهِ وَيُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى جَابِرَةً لِمَا أُدْخِلَ فِيهَا مِنْ النَّقْصِ بَلْ الْجُبْرَانُ بِسُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا سَهْوًا لَا عَمْدًا وَقِيلَ النَّوَافِلُ جَوَابِرٌ لِمَا فَاتَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ. اهـ. غَايَةٌ فِي بَابِ النَّوَافِلِ قَوْلُهُ لِمَا فَاتَ الْعَبْدَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ كَمُلَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْغَابَةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ لِنُقْصَانِ صَلَاتِهِ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا) يَعْنِي بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ) يَعْنِي سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوَّلًا اهـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ عِنْدَهُ هُوَ لَاحِقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ. اهـ. قَوْلُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَيْ إذْ الْوَاجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» إلَى آخِرِهِ) يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا». اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُدْرِكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْبِيرَتَيْنِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَلَوْ نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ الرُّكُوعَ لَا الِافْتِتَاحَ جَازَ وَلَغَتْ نِيَّتُهُ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَمَالِكٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ وَيَرْكَعَ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَلْتَحِقَ بِالصَّفِّ كَيْ لَا

[باب قضاء الفوائت]

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَدْرَكْت الْإِمَامَ رَاكِعًا فَرَكَعْت مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكْت الرَّكْعَةَ وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ فَقَدْ فَاتَتْك تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَهَذَا الْأَثَرُ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ لِلْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ فَإِنَّهُ شَارَكَهُ فِي الْقِيَامِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ لَمْ يَقِفْ حَتَّى انْحَطَّ لِلرُّكُوعِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَكَعَ مُقْتَدٍ) أَيْ قَبْلَ الْإِمَامِ (فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ يُعْتَدُّ بِهِ فَكَذَا مَا يَبْنِيه عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ فَيَقَعُ مَوْقِعَهُ كَمَا لَوْ شَارَكَهُ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرِ بِأَنْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ مُبْتَدِئًا لِلْقَدْرِ الَّذِي شَارَكَهُ فِيهِ لَا بَانِيًا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ وَلَا الْمُتَابَعَةُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا لَا يُجْزِيه؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَلَوْ أَطَالَ الْإِمَامُ السُّجُودَ فَرَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيًا فَسَجَدَ مَعَهُ إنْ نَوَى الْأُولَى أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَكُونُ عَنْ الْأُولَى، وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ لِرُجْحَانِ الْمُتَابَعَةِ وَتَلْغُو نِيَّتُهُ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ شَارَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا جَازَتْ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) الْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْأَدَاء، وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]» أَيْ لِذِكْرِ صَلَاتِي فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ إلَيْهَا ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ أَصْلِ الْوَاجِبِ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَسُقُوطَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَضِيلَةُ الْوَقْتِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفُوتَهُ الرُّكُوعُ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لِكَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ عَلِمَ بِالنَّهْيِ وَمَشَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعِنْدَنَا لَوْ مَشَى ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَبْطُلُ، وَإِلَّا يُكْرَهُ فَمَنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَعُدْ لَا تُؤَخِّرْ الْمَجِيءَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنْ اخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ قَالَ مَعْنَاهُ لَا تَعُدْ إلَى مِثْلِ هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ التَّكْبِيرُ قَبْلَ الِاتِّصَالِ بِالصَّفِّ وَالْمَشْيِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالثَّنَاءِ لَا يَفُوتُهُ الرُّكُوعُ يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفُوتُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يُثْنِي؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالثَّنَاءُ يَفُوتُ أَصْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَفُوتُهُ فَسُنَّةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا تَفُوتُهُ وَفَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَضِيلَةِ الثَّنَاءِ. وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيُثْنِي، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْإِمَامَ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) أَيْ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَحَرَامٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ رَكَعَ مَعَهُ وَرَفَعَ قَبْلَهُ إلَى آخِرِهِ) حَيْثُ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ كَذَا هَذَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بَانِيًا) وَهَذَا مَنْعٌ لِقَوْلِهِ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى فَاسِدٍ بَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ وَمَا قَبْلَهُ لَغْوٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْأُولَى أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ) وَإِنْ أَطَالَ الْمُؤْتَمُّ سُجُودَهُ فَسَجَدَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَظَنَّ الْإِمَامُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ ثَانِيًا يَكُونُ عَنْ الثَّانِيَةِ وَإِنْ نَوَى الْأُولَى لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُصَادِفْ مَحَلَّهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الْإِمَامِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ النِّيَّةُ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِ فَإِنَّهَا ثَانِيَةٌ فِي حَقِّهِ فَصَحَّتْ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ أَوَانِهِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ) فَكَذَا فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ. اهـ. . [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) قَالَ فِي الْمَنَافِعِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْأَدَاءِ فَشَرَعَ فِي الْقَضَاءِ قُلْت يَبْقَى عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ) أَيْ لِلْفَائِتَةِ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَوْ لِعُذْرٍ غَيْرِ النِّسْيَانِ أَوْ عَامِدًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ

[الترتيب في الصلاة]

وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا تَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ وَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ عِبَادَةً؛ وَلِهَذَا لَا يَقْضِي رَمْيَ الْجِمَارِ بَعْدَ أَيَّامِهِ، وَكَذَا الْجُمُعَةَ وَصَلَاةَ الْعِيدَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ)، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا، وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ وَقَدْ رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا» دَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَقٌّ إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ الَّتِي يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ وَكَوْنُهُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِغَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِتَبَعٍ لِشَيْءٍ، وَمَعَ هَذَا هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ تَقَدُّمَ الظُّهْرِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَصْرِ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ فَكَذَا هَاهُنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْقُطُ) أَيْ التَّرْتِيبُ (بِضِيقِ الْوَقْتِ وَالنِّسْيَانِ وَصَيْرُورَتِهَا سِتًّا) أَيْ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ أَمَّا سُقُوطُهُ بِضِيقِ الْوَقْتِ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ لِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتَ لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَوُقِّتَ لِلْفَائِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْكِتَابُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْغَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْخَبَرِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَفْسِيرُ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعِشَاءِ مَثَلًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِقَضَائِهِ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ بَعْدَهُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِيهِ صَلَّى الْفَجْرَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَى الْعِشَاءَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ. وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ قَدْ ضَاقَ فَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَلَ الْفَجْرُ فَإِذَا بَطَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَعَةٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ فَقَطْ فَإِنْ أَعَادَ الْفَجْرَ فَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ يَسَعُهُمَا صَلَّاهُمَا وَإِلَّا أَعَادَ الْفَجْرَ وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِشَاءِ وَلَمْ يُعِدْ الْفَجْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنُ حَبِيبٍ لَا تُقْضَى الْمُتَعَمَّدَةُ فِي التَّرْكِ؛ لِأَنَّ تَارِكَهَا مُرْتَدٌّ. اهـ. غَايَةٌ. [التَّرْتِيب فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ) أَيْ وَاجِبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ الثَّلَاثَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ أَوْ الْخَمْسَةُ أَوْ السِّتَّةُ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْجَهْلُ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَا يُسْقِطُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. وَفِي الْبِدَايَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ كَالنَّاسِي رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ اهـ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَمْ يَعْقِدْ عِنْدَ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ صَلَوَاتٍ أَرْبَعٍ فَسَادَهَا فَالْجَاهِلُ كَالنَّاسِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ بُطْلَانُ أَصْلِ الصَّلَاةِ حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُضِيِّ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِلَّا لَمَا خَالَفَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ) يَعْنِي يَصِحُّ لَا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَكُونُ آثِمًا بِتَفْوِيتِ الْفَرْضِ بِهَا وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا إلَى آخِرِهِ) قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ النَّهْيِ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِجْمَاعُ لَا نَهْيُ الشَّارِعِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْفَائِتَةِ، وَهُوَ كَوْنُ الِاشْتِغَالِ بِهَا يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ، وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ أَمَّا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَلَا مَعْصِيَةَ فِي ذَاتِهَا اهـ فَتْحٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ قَابِلًا لِلْفَائِتَةِ، وَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِيهَا؛ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ فَرْضِ الْوَقْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا يُنْهَى عَنْ الْبُدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ يُنْهَى عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَعِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ النَّهْيُ عَنْ الْبُدَاءَةِ بِفَرْضِ الْوَقْتِ لِمَعْنًى فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُنْهَى عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالنَّهْيُ مَتَى كَانَ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ فَإِنْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ نَاسٍ لِلظُّهْرِ فَصَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَاحْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ تَذَكُّرَ الظُّهْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَمْنَعُ افْتِتَاحَ الْعَصْرِ فَلَا يَمْنَعُ الْمُضِيَّ فِيهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَكَذَا يُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) أَيْ وَفَرْضُهُ مَا يَلِي الطُّلُوعَ وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ. اهـ. زَاهِدِيٌّ. {فَرْعٌ} افْتَتَحَ الْعَصْرَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ لَمْ يُجْزِ عَنْ الْعَصْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ فَقَهْقَهَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ عَنْ التَّطَوُّعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلصَّلَاةِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا أُفْسِدَتْ صَارَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَهُمَا بِفَسَادِ الْجِهَةِ لَا يَفْسُدُ أَصْلُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا اعْتَرَضَ مُنَافِيًا لِأَصْلِ الصَّلَاةِ وَتَذَكُّرُ الظُّهْرِ لَا يُنَافِي أَصْلَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَدَاءَ الْعَصْرِ فَيَفْسُدُ الْعَصْرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الْعِشَاءِ جَازَ فَجْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ كَانَ ضَيِّقًا ثُمَّ ضِيقُ الْوَقْتِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ جَازَتْ صَلَاتُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَتْ جَائِزَةً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ فِيهَا بَعْدُ، وَالْوَقْتُ لَا يَسَعُ فِيهِ الْمَتْرُوكَاتِ كُلَّهَا مَعَ الْوَقْتِيَّةِ لَكِنْ يَسَعُ فِيهِ بَعْضَهَا مَعَهَا لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَا لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعَصْرِ لِأَصْلِ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ: الْعِبْرَةُ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الظُّهْرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ يَقَعُ الْعَصْرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمَا فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ جَوَازِ الظُّهْرِ فِيهِ. وَلَوْ دَخَلَ فِي الْعَصْرِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لَمْ يَجُزْ الْعَصْرُ إلَّا إذَا قَطَعَ وَاسْتَقْبَلَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ جَائِزًا فَكَذَا لَا يُمْنَعُ الْبَقَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، وَالشَّمْسُ حَمْرَاءُ وَغَرَبَتْ، وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا. طَعَنَ عِيسَى فِيهِ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتٌ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً، وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ حِينَ شَرَعَ فِيهَا كَانَ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لَمَا أُمِرَ بِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعَصْرَ اسْتِحْسَانًا وَيَجْزِيهِ وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِالنِّسْيَانِ فَلِلتَّعَذُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْفَائِتَةِ مَعَ النِّسْيَانِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَصِيرُ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ وَمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَكُونُ وَقْتًا لَهَا فَلَا اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهَا لَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ) أَيْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَطَعَ وَاسْتَقْبَلَ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ مَعَ تَرْكِ الظُّهْرِ فَيَقْطَعُ، ثُمَّ يَفْتَتِحُهَا ثَانِيًا، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ افْتَتَحَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلتَّرْتِيبِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاخْتِتَامِهَا وَهُوَ النِّسْيَانُ وَضِيقُ الْوَقْتِ اهـ. قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قَدْ زَالَ، وَهُوَ ضِيقُ الْوَقْتِ فَعَادَ التَّرْتِيبُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْضِي فِيهَا، ثُمَّ يَقْضِي الظُّهْرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا يَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِي عُمُرِهِ مَا لَمْ يَقْضِهَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهَا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفَوَائِتِ تَكُونُ عَنْ كَثْرَةِ تَفْرِيطٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْفِيفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةِ سِتَّةٌ فَجَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إلَّا بِمُضِيِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَى أَجَلٍ دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَ الشَّهْرِ كَثِيرٌ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ قُلْت الْفَوَائِتُ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ حَتَّى سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِأَجْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا أَيْضًا حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ شَهْرٍ فَصَلَّى ثَلَاثِينَ فَجْرًا، ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثِينَ ظُهْرًا هَكَذَا إلَى آخِرِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فَجْرَ الْيَوْمِ الثَّانِي حَصَلَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُ الْعَوَامُّ أَنَّهُ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الْفَوَائِتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ الْفَوَائِتَ لَمَّا كَثُرَتْ أُسْقِطَ التَّرْتِيبُ عَنْ أَغْيَارِهَا؛ فَلَأَنْ يَسْقُطَ فِي نَفْسِهَا كَانَ أَوْلَى، وَشَبَّهَهُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الْكُرْدِيُّ بِالضَّرْبِ لِمَا أَثَّرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ إيلَامًا فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي مَوْضِعِ الضَّرْبِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا) أَيْ مَعَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْحَاجَاتِ. اهـ. فَتْحٌ وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ الْكَثْرَةَ الْمُسْقِطَةَ صَيْرُورَةُ الْفَوَائِتِ خَمْسًا فِي رَاوِيَةِ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ دُخُولُ وَقْتِ السَّادِسَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ صَيْرُورَتُهَا سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا. وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الْفَوَائِتِ فِي بَابِ الْكَثْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْكَثْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْكَثْرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ أَوْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْوِتْرِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَقَّتَةَ اهـ.

وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الدُّخُولَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلِّلَةُ مُذْ فَاتَهُ سِتَّةً، وَإِنْ أَدَّى مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا، وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ} عَنْ أَبِي نَصْرٍ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَوَاتِ عُمُرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فَاتَهُ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ نُقْصَانٍ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ لِكَرَاهَةٍ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَفْعَلُ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ التَّرْجُمَانِيُّ: الْقَضَاءُ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ قِيلَ يَنْوِي أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ الْأَوَّلَ صَارَ الظُّهْرُ الثَّانِي أَوَّلَ ظُهْرٍ مَتْرُوكٍ فِي ذِمَّتِهِ وَقِيلَ يَنْوِي آخِرَ ظُهْرٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى الْآخِرَ صَارَ الَّذِي قَبْلَهُ آخِرًا، وَلَوْ نَوَى الْفَائِتَةَ وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ إلَى آخِرِهِ) احْتَجَّ بِأَنَّ كَثْرَةَ الشَّيْءِ هُوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَقْصَاهُ وَأَقْصَى الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ فَشُبِّهَ بِالصَّوْمِ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْجُنُونَ الْكَثِيرَ مُفْسِدٌ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ)؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ لَا تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مِنْهَا تَصِيرُ مُكَرَّرَةً، وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِنَّ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْضِي الْمَتْرُوكَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السَّادِسَةَ جَائِزَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى صَلَّى السَّابِعَةَ فَالسَّابِعَةُ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا صَلَّى السَّابِعَةَ تَعُودُ الْمُؤَدَّيَاتُ الْخَمْسُ إلَى الْجَوَازِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَحْدَهَا اسْتِحْسَانًا وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَخَمْسًا بَعْدَهَا قِيَاسًا وَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى السَّادِسَةَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَوَائِتِ فَالسَّادِسَةُ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ صَلَّى السَّابِعَةَ تَنْقَلِبُ السَّادِسَةُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْخَمْسِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَنْقَلِبُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ السِّتِّ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةً، ثُمَّ صَلَّى شَهْرًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْفَائِتَةِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ، وَخَمْسٌ بَعْدَهَا إلَّا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يُعِيدُ الْفَائِتَةَ وَجَمِيعَ مَا صَلَّى بَعْدَهَا مِنْ صَلَاةِ الشَّهْرِ اهـ مِنْ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْخَمْسِ، وَهُوَ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ فِيهِ شِيمَةُ الِاتِّحَادِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِيَّةُ فَشَرَطَ الدُّخُولَ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ لِتَثْبُتَ الْكَثْرَةُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ التَّكْرَارَ ثَمَّ لَزَادَتْ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُؤَكَّدِ إذَا لَا يَدْخُلُ وَقْتُ وَظِيفَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا اهـ. سَيِّدٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ تَبْلَعَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ مُذْ فَاتَهُ سِتَّةً إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَخَلَّلَةُ سِتَّةً مُذْ فَاتَتْهُ الْفَائِتَةُ، وَإِنْ أَدِّي مَا بَعْدَهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ الْفَوَائِتُ سِتًّا، وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ يَعْنِي بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ وَعَلَى الثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا. وَمِثْلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُصَفَّى فِي وَجْهِ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا إذَا تَرَكَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ دُونَ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا قَالَ لِلْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ يَزِيدُ عَلَى سِتٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ بِنَفْسِهَا سِتًّا يَعْنِي فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي الزَّائِدِ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ اقْتَصَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ عَلَى نَقْلِ الْخِلَافِ فِيهِمَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَلِمَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَادَةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ كَوْنُ الْمُتَخَلَّلَاتِ سِتَّ فَوَائِتَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَثْبُتُ الصِّحَّةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فَائِتًا سِوَى الْمَتْرُوكَةِ إذْ ذَاكَ، وَالْمُسْقَطُ هُوَ سِتُّ فَوَائِتَ لَا مُجَرَّدُ أَوْقَاتٍ لَا فَوَائِتَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ السُّقُوطُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلْزَامُ الِاشْتِغَالِ بِأَدَائِهَا إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ فَمُجَرَّدُ الْأَوْقَاتِ بِلَا فَوَائِتَ لَا أَثَرَ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِهِ فَإِنْ قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ، وَهِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَأُقِيمَ أَدَاؤُهَا مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُ لِصِحَّةِ الْخَمْسِ يَقْطَعُ بِثُبُوتِ الصِّحَّةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَدَّاهَا أَوْ لَا. وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِالْخَطَأِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي الثَّلَاثِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الثِّنْتَيْنِ ابْتِدَاءً كَمَا نُحَقِّقُهُ بِذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ بِشُعَبِهَا وَبِهِ يَتَبَيَّنُ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ صَيَّرْنَا إلَيْهَا إحْرَازًا لِفَائِدَتِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِيهَا إلْحَاقُ نَاسِي التَّرْتِيبَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْفَائِتَتَيْنِ بِنَاسِي الْفَائِتَةِ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ وَهُوَ أَلْحَقَهُ بِنَاسِي التَّعْيِينِ وَهُوَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ لَمْ يَدْرِ مَا هِيَ وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِجَامِعِ تَحَقُّقِ طَرِيقٍ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ سُلُوكُهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَرِّحُ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ فَيَجِبُ الطَّرِيقُ الَّتِي تَعَيَّنَهَا كَمَا قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ صُورَةُ قَضَاءِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ، ثُمَّ الظُّهْرَ فَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَوَّلًا هُوَ

مِنْ يَوْمٍ، وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا أُولَى فَعَلَى الْأَوَّلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَةَ بَيْنَ الْفَوَائِتِ كَثِيرَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ بِنَفْسِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا فَيُصَلِّي سَبْعَ صَلَوَاتٍ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ كَمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ ثُمَّ قَضَى الْفَجْرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ يَجُوزُ الْعَصْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ الْعَصْرِ، وَهُوَ ظَنّ مُعْتَبَرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُعِدْ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ) أَيْ لَمْ يُعِدْ التَّرْتِيبَ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ بِقَضَاءِ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ قَدْ تَلَاشَى فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: يَعُودُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ الْكَثْرَةُ وَقَدْ زَالَتْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظُّهْرَ. فَالظُّهْرُ الْأَخِيرَةُ تَقَعُ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْعَصْرَ فَالظُّهْرُ الْأَوَّلُ يَقَعُ نَفْلًا وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَصْرِ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ ثَلَاثًا ظُهْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَعَصْرٌ مِنْ يَوْمٍ وَمَغْرِبٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي تَرْتِيبَهَا وَلَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ، ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ سَبْعَ صَلَوَاتٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كَوْنَهَا أُولَى أَوْ أَخِيرَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً تَجِيءُ تِسْعًا الثَّابِتُ فِي الْخَارِجِ سِتٌّ لِلتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَوَسُّطَ الظُّهْرِ يَصْدُقُ فِي الْخَارِجِ أَمَّا مَعَ تَقَدُّمِ الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ فَلَا يَكُونُ كُلٌّ قِسْمًا بِرَأْسِهِ، وَكَذَا هُمَا فَخَرَجَ بِوَاسِطَةِ كُلٍّ وَاحِدَةٌ يَبْقَى الثَّابِتُ الظُّهْرُ، ثُمَّ الْعَصْرُ، ثُمَّ الْمَغْرِبُ أَوْ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ، ثُمَّ الْعَصْرُ فَهَذَانِ قِسْمَا تَقَدُّمِ الظُّهْرِ وَلِتَقَدُّمِ الْعَصْرِ مِثْلُهُمَا وَلِلْمَغْرِبِ كَذَلِكَ فَإِنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ مَعَ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي تِلْكَ السَّبْعَ، ثُمَّ يُصَلَّى الرَّابِعَةَ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ السَّبْعَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَالْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشَرَةَ فَلَوْ كَانَتْ خَمْسًا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ بِأَنْ تَرَكَ الْفَجْرَ أَيْضًا يُصَلِّي إحْدَى وَثَلَاثِينَ صَلَاةً تِلْكَ الْخَمْسَ عَشَرَةَ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ، ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ أَعْنِي الْفَجْرَ، ثُمَّ يُعِيدُ تِلْكَ الْخَمْسَ عَشَرَةَ فَالضَّابِطُ أَنَّ الْمَتْرُوكَةَ. وَإِنْ كَانَتَا ثِنْتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، ثُمَّ يُعِيدُ أَوَّلَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً صَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً صَلَّى قَضَاءً الثَّلَاثَ كَمَا قُلْنَا، ثُمَّ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءِ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً فَعَلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي الْخَامِسَةَ، ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي أَرْبَعٍ وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا لِكَثْرَةِ سُؤَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَأَنَّهُ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِكَسَلِهِمْ وَإِلَّا فَدَلِيلُهُمَا لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى دَلِيلِهِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا وَرَاءَ الصَّلَاتَيْنِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ فَلَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِ الْكُلِّ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا إيجَابُ سَبْعِ صَلَوَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ اهـ. فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ خِلَافَ هَؤُلَاءِ فِيمَا وَرَاءَ الثِّنْتَيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيجَابِ سَبْعٍ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ مَعْنًى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا يُوجِبُ سَبْعَ صَلَوَاتٍ فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِسَبْعٍ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوا إلَّا تَحَقُّقَ فَوَاتِ سِتٍّ وَالْأَوَّلُونَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ مَوْجُودٌ فِي إيجَابِ سَبْعٍ فَظَهَرَ بِهَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا كَمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قَوْلُهُ خَمْسُ وَقْتِيَّاتٍ أَيْ بِالْمُؤَدَّاةِ الْأُوَلِ اهـ وَقَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ السَّادِسَةِ اهـ وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً أَيْ لَا مَبْنًى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَوْقَاتٌ مُتَخَلَّلَةٌ لَا فَوَائِتَ فِيهَا اهـ مِنْهُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ وَقَوْلُهُ وَهَذَا أَيْ، وَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى نَاسِي التَّعْيِينِ اهـ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَعَادَ مَا يَلْزَمُهُ فِي قَضَاءٍ إلَى آخِرِهِ أَيْ وَهُوَ سَبْعُ صَلَوَاتٍ اهـ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُ مَا يَلْزَمُهُ فِي أَرْبَعٍ هَذَا وَإِنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ مِنْ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ مَا هُوَ نَفْلٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِيَقِينٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فَوَجَبَ لِوُجُوبِهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ صَحَّتْ النِّيَّةُ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ؟ (أُجِيبُ) بِإِنَّمَا صَحَّتْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي ذِمَّتِهِ فَصَحَّتْ لِذَلِكَ لِظَنِّهِ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مُعَيَّنَةٌ فَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَإِنَّهَا تَجْزِيهِ مَعَ شَكِّهِ لِاسْتِنَادِ نِيَّتِهِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ خَبَرُ كَأَنَّهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ تَخْفِيفًا اهـ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ) أَيْ فَيُصَلِّي أَيَّ صَلَاةٍ شَاءَ مِنْ الثَّلَاثِ اهـ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي سَبْعَ صَلَوَاتٍ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي إلَى آخِرِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّكَاسُلُ لَوْ أُفْتِيَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرَّا حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ زَاجِرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ) أَيْ وَأَنْ لَا تَصِيرَ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَفْصٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ جَارٍ حَتَّى سَالَ فَعَادَ قَلِيلًا لَمْ يَعُدْ نَجَسًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ إلَى آخِرِهِ) فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا، ثُمَّ قَضَاهَا إلَّا صَلَاةً، ثُمَّ قَضَى الْوَقْتِيَّةَ ذَاكِرًا لَهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ اهـ ع

يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ) لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَوْدِ التَّرْتِيبِ بَعْدَ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ سَقَطَ لَجَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا وَلَا يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَمَا فَسَدَتْ الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً، وَلَوْ وِتْرًا فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا) حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ مَا لَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا، وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ، وَانْقَلَبَ نَفْلًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْوِتْرُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَفْلٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا صَلَّى الْفَرْضَ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْطُلُ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ مَا حُكِمَ بِفَسَادِهِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ لَا يَصِحُّ إذَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيهِ كَمَنْ افْتَتَحَ الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ ثُمَّ ضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ يُحْكَمْ بِجَوَازِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ عِلَّةُ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ ثَبَتَ الْإِذْنُ دَلَالَةً فِي حَقِّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَا فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا صَارَ مُعَلَّمًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثَبَتَ الْحِلُّ فِيمَا بَعْدَهَا لَا فِيهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْفَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ مَتَى أَدَّى صَلَاةً مِنْ الْوَقْتِيَّاتِ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مَتْرُوكَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ خَمْسًا، ثُمَّ لَا يَزَالُ هَكَذَا فَلَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ فِي مَعْنَى النَّاسِي قَالُوا هَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّ صَلَاةَ يَوْمِهِ جَائِزَةٌ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالشَّهِيدُ فِي عُدَّةِ الْمُفْتِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَالَ أَدَائِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى وَقْتِيَّةً أَوَّلًا فَقَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَلَمْ تَجُزْ وَصَارَتْ مِنْ الْفَوَائِتِ فَصَارَتْ سِتًّا فَإِذَا قَضَى فَائِتَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْفَوَائِتُ خَمْسًا فَلَمْ يَزَلْ كَذَا أَمَّا إذَا قَدَّمَ الْفَوَائِتَ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّاتُ إلَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَعَادَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْوَقْتُ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَائِتَةَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا اهـ وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ الشَّارِحِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا) أَيْ حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرَّاوِيَةِ لَمَا فَسَدَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا وَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ الْخَمْسَ وَوَاحِدَةٌ تُفْسِدُ الْخَمْسَ فَالْمُصَحِّحَةُ هِيَ السَّادِسَةُ وَالْمُفْسِدَةُ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ تُقْضَى قَبْلَ السَّادِسَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وِتْرًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ، وَلَوْ وِتْرًا اهـ. {فَرْعٌ} وَفِي الْحَاوِي لَا يَدْرِي كَمِيَّةَ الْفَوَائِتِ يَعْمَلُ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ يَقْضِي حَتَّى يَسْتَيْقِنَ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَقْضِي احْتِيَاطًا فَقِيلَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَقِيلَ لَا يَقْرَأُ، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هِيَ يَقْضِي الْخَمْسَ احْتِيَاطًا وَفِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا هِيَ يَتَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ أَعَادَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ رَكْعَتَانِ يَنْوِي بِهِمَا الْفَجْرَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَرْبَعًا يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَثَلَاثًا بِنِيَّةِ الْمَغْرِبِ وَقَالَ زُفَرُ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ يُصَلِّي أَرْبَعًا يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَمَّنْ نَسِيَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا مِنْ أَيَّةِ صَلَاةٍ قَالَ يُعِيدُ الْخَمْسَ قُلْت فَإِنْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعِيدُ صَلَاةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرَّازِيِّ وَالنَّسَفِيِّ مَعَ الثَّوْرِيِّ وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ رُكْنًا مِنْ صَلَاةٍ لَا يَدْرِي أَيَّتُهَا يَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ شَرْطٌ وَأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِجَهْلِهِ بِهَا فَيَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَبِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ. وَلَوْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتًّا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعًا مِنْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَمَانِيًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ قَضَى صَلَوَاتِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَعْيِينِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا صَارَتْ سِتًّا عَادَتْ الْمَفْعُولَاتُ صَحِيحَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْفَائِتَةِ. وَالْفَرْضُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا طَرِيقَ إلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَيْنًا إلَّا بِقَضَاءِ جَمِيعِ صَلَوَاتِ الْأَيَّامِ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا النَّظَرِ اهـ

[باب سجود السهو]

فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالْكَثْرَةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي السُّقُوطِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَلَا يَبْقَى الْمَانِعُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ بَقِيَ النِّصَابُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ صَارَ فَرْضًا، وَإِنْ نَقَصَ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النُّقْصَانِ صَارَ نَفْلًا. وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ يَتَوَقَّفُ وَكَذَا ظُهْرَ الْجُمُعَةِ إذَا صَلَّاهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ يَتَوَقَّفُ، وَكَذَا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ إذَا انْقَطَعَ عُذْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ لَوْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ جَازَتْ وَكَذَا صَوْمُهَا إنْ صَامَتْ، وَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْهَا نُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الْعَادَةِ فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ أَوْ صَامَتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ، وَإِنْ عَادَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّ ضِيقَ الْوَقْتِ لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا قُدِّمْت الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْ الْفَوَائِتِ لَا تَجُوزُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ) أَيْ، وَإِنْ تَكَرَّرَ تَرْكُ الْوَاجِبِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلِ فِي صِفَتِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَصَارَ كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ يَجْبُرُ النُّقْصَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ سُنَّةٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْعَوْدَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَعْدَةَ وَقَالُوا لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَفَعَهُ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصُّلْبِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا رَفَعَهُمَا وَإِنَّمَا لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ لِكَوْنِهَا رُكْنًا وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ. اهـ. فَتْحٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَنِي مَا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْجُمُعَةِ فَقَهْقَهَ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ رَجُلٌ صَحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ هَكَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَقِيَ نَفْلًا إجْمَاعًا فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ مَظْنُونَةً كَذَا قَالَهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرْتِيبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَثْبُتُ حِينَئِذٍ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَقْطَعُ بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ ظَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ إلَخْ) فَإِنْ أَفَاضَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْمُزْدَلِفَةَ وَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى إلَى الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ جَازَ الْمَغْرِبُ اهـ كَاكِيٌّ [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] (قَوْلُهُ سُجُودُ السَّهْوِ) إضَافَةُ السُّجُودِ إلَى السَّهْوِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا اجْتَمَعَ نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَدَاخَلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَحْظُورَاتِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَتَكَرَّرُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّهْوِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ بِعِلَّةِ السَّهْوِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُوجِبُ عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مِثْلَ زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ وَسَرَقَ صَفْوَانُ فَقُطِعَ، وَإِذَا كَانَ السَّهْوُ هُوَ الْعِلَّةُ انْدَرَجَتْ أَفْرَادُهُ تَحْتَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لِكُلِّ سَهْوٍ صَلَاةٌ سَجْدَتَانِ فَعَمَّ أَفْرَادَ سَهْوِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا وَقَامَ وَهُوَ سَهْوٌ آخَرُ»، وَغَيْرَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ مَعْنَاهُ يَكْفِي لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجْدَتَا السَّهْوِ يَجْزِيَانِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ نَافِعٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ فَالْجَرْحُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا يُسْمَعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ السَّهْوِ كَقَوْلِهِمْ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا إلَى آخِرِهِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَلَا يَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْقَعْدَةُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ الصَّلَاةِ

التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ رُكْنٌ فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا وَلِأَنَّ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَإِذَا عَادَ إلَى السُّجُودِ عَادَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَيَرْفَعُهَا بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَهَا فَلَا يَرْفَعُهَا وَقِيلَ: إنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تَرْفَعُ الْفَرْضَ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالثَّانِي فِي مَحَلِّهِ، وَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْمَذْهَبَيْنِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِمَا وَالتَّرْجِيحُ لِمَا قُلْنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَامَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَيُقَدَّمُ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ. وَالثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ السُّجُودِ قَالَ فِي الْكِتَابِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ أَيْ يَأْتِي بِهِمَا بَعْدَ السُّجُودِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّسْلِيمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْمَعْهُودِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّحِيَّةِ دُونَ التَّحْلِيلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ. وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُمَا آخِرُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَقِيلَ: يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ كُلُّ قَعْدَةٍ فِي آخِرِهَا سَلَامٌ فَفِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَأْتِي بِهِمَا فِي الْقَعْدَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا فَيُوَافِقُ مَوْضُوعَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ بَعْدَ مَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السَّهْوَ وَانْصَرَفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَإِذَا انْصَرَفَ بَعْدَ السُّجُودِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي مَكَانِهِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَعْدَهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِرَفْضِ الْقَعْدَةِ بِالْعَوْدِ إلَى السَّجْدَةِ وَجَازَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ حَصَلَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَهَا فَلَا يَرْفَعُهَا إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْحَوَاشِي إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. اهـ. غَايَةٌ. (فَرْعٌ) شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَطَالَ بِأَنْ كَانَ مِقْدَارَ مَا يُؤَدَّى فِيهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ لَمْ يُطِلْ لَا يَسْجُدُ، وَكَذَا إنْ كَانَ تَفَكُّرُهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلسَّهْوِ سَهْوٌ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا سَهْوَ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَلَوْ شَكَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ يَتَحَرَّى وَلَا يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ لُخِّصَ مِنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ) أَيْ لِيَكُونَ جَبْرًا لِكُلِّ سَهْوٍ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يُسَلِّمْ فَتَوَهُّمُ السَّهْوِ ثَابِتٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَشَغَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِهَذَا النَّقْصِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ تَكَرَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصًا لَازِمًا غَيْرَ مَجْبُورٍ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ لِهَذَا الْمُجَوَّزِ، وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجِبُ إعَادَتُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ أَيْ، وَهُوَ السَّلَامُ اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّسْلِيمِ) أَيْ التَّسْلِيمِ الَّذِي قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَفِي الْيَنَابِيعِ التَّسْلِيمَتَانِ أَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ) أَيْ وَأَبِي الْيُسْرِ وَالْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذَا لَمْ يُجِزْ مَالِكٌ الشِّمَالَ حَتَّى يَتْرُكَ السَّلَامَ عَلَيْهِ، وَنَسَبَ أَبُو الْيُسْرِ الْقَائِلُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ إلَى الْبِدْعَةِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَاهُ بِإِشَارَةِ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَتَقَصَّيْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْبِدْعَةِ وَإِنَّمَا الْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ اهـ. (فَائِدَةٌ) شَرَعَ فِي الظُّهْرِ، ثُمَّ تَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ فَصَلَّى عَلَى ذَلِكَ الْوَهْمِ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا شَرْطُ بَقَائِهَا كَأَصْلِ النِّيَّةِ فَلَمْ يُوجَدْ تَغْيِيرُ فَرْضٍ، وَلَا تَرْكُ وَاجِبٍ، وَإِنْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ تَفَكُّرًا شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. بَدَائِعُ. وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ، ثُمَّ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَإِعَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَبَّرَ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ بِزِيَادَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ أَخَّرَ رُكْنًا، وَهُوَ الرُّكُوعُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَكَّ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ حَتَّى اسْتَيْقَنَ وَبَيْنَ مَا إذَا شَكَّ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ فِي حَقِّ وُجُوبِ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ، وَهُوَ السَّلَامُ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ مَا سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَيْقَنَ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ وَانْعَدَمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَنْقِيصُهَا بِتَفْوِيتِ وَاجِبٍ مِنْهَا فَاسْتَحَالَ إيجَابُ الْجَابِرِ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ فَعَادَ إلَى الْوُضُوءِ، ثُمَّ شَكَّ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى الصَّلَاةِ فَتَفَكَّرَ، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا إذَا طَالَ تَفَكُّرُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَدٍّ لَهَا. اهـ. بَدَائِعُ وَقَالُوا: لَوْ افْتَتَحَ فَشَكَّ أَنَّهُ هَلْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَبَّرَ إنْ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ أَوْ فِي الْعَصْرِ أَوْ سَهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَجِبُ، وَإِنْ شَكَّ فِي

يُصَلِّي فِي الْأُولَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي فِي الْأَخِيرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مِنْهَا عِنْدَهُمَا فَكَانَتْ الْأُولَى هِيَ الْقَعْدَةُ لِلْخَتْمِ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيَدْعُو لِيَكُونَ خُرُوجُهُ مِنْهَا بَعْدَ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْآدَابِ قَالَ فِي الْمُفِيدِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا فَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ إلَى قَعْدَةِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا هِيَ الْأَخِيرَةُ وَالرَّابِعُ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَغْيِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَكْرَارِهِ أَوْ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شَرَعَ مُكَرَّرًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَيْ يَجِبُ سَجْدَتَانِ بِسَبَبِ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالتَّغْيِيرِ تَرْكَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَصَارَ تَرْكُ الْوَاجِبِ شَامِلًا لِلْكُلِّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: وَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَرَّرَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا، وَهُوَ السُّورَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَهَا بَعْدَ السُّورَةِ أَوْ كَرَّرَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا وَتَرَكَ السُّورَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً قَصِيرَةً؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ، وَلَوْ أَخَّرَ الْفَاتِحَةَ عَنْ السُّورَةِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقَوْمَةِ أَوْ الْقُعُودِ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ. وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الذِّكْرِ وَمِنْهَا التَّشَهُّدُ فَإِذَا تَرَكَهُ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ بَعْضَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَبَعْدَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِذَا تَشَهَّدَ فِيهِ فَقَدْ أَخَّرَ الْوَاجِبَ وَقَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ، وَلَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا إذَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ رُكْنًا، وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ كَرَّرَهُ فِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمِنْهَا الْقُنُوتُ فَإِذَا تَرَكَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. وَتَرْكُهُ يَتَحَقَّقُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَهَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ، وَلَوْ انْصَرَفَ لِسَبْقِ حَدَثٍ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ عَلِمَ وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَتِهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فِي الرُّكُوعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ أَوْ فِي قِيَامِهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ مَوَاضِعُ الثَّنَاءِ اهـ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْقَعْدَةِ إنَّمَا يَجِبُ السَّهْوُ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّشَهُّدِ أَمَّا إذَا فَرَغَ فَلَا يَجِبُ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَحَلُّ الثَّنَاءِ أَيْ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا فَإِنَّ فِيهِ السَّهْوَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ إلَى آخِرِهِ)، وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ زَادَ عَلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي أَمَالِي الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لَهُمَا أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَوَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ وَلَا يُعْقَلُ تَمَكُّنُ النُّقْصَانِ فِي الصَّلَاةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ بِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ، وَهُوَ الْقِيَامُ إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ حَصَلَ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا تَأْخِيرٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَلَوْ تَلَا سَجْدَةً فَنَسِيَ أَنْ يَسْجُدَهَا، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا وَيَسْجُدَ بِهَا لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ زَادَ حَرْفًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مُقَدَّمًا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ وَلَمْ يُصَحِّحْ مِنْ الْأَقْوَالِ شَيْئًا لَكِنْ تَقْدِيمُهُ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى غَيْرِهِ يُرْشِدُ إلَى أَنَّهُ أَصَحُّ. وَهَكَذَا قَدَّمَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَهُنَاكَ عِبَارَتُهُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ زَادَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَرْفًا يَجِبُ السَّهْوُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَالَ مَعَهُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ آخَرُونَ إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ الصَّفَّارِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي هَذَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَسْتَقْبِحُ إذْ أُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت قَدْ: أَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا فَكَذَا بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَى آخِرِهِ)، وَكَذَا قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ إذَا سَهَا عَنْهَا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ سَاهِيًا قَرَأَهَا وَسَلَّمَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي السَّلَامِ مِنْ بَابِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ السَّهْوِ، وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. اهـ. بَدَائِعُ

فَفِي عَوْدِهِ إلَى الْقِيَامِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْقُنُوتِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرَةِ الْعِيدِ وَمِنْهَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَإِذَا تَرَكَهَا أَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ تَبَعًا لِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُلْحَقَةً بِهَا وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ فَإِذَا تَرَكَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ، وَإِنْ تَرَكَهَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا يَجِبُ، وَمِنْهَا الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ حَتَّى لَوْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ بِهِ السَّهْوُ مِنْهُمَا فَقِيلَ إنْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ يَنْظُرُ فَإِنْ خَافَتَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِنْ خَافَتَ فِي أَقَلِّهَا فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى فَيُعْتَبَرُ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَهْرِ فِيمَا يُخَافِتُ أَقْبَحُ مِنْ الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يَجْهَرُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالْمَنْسُوخِ فَغُلِّظَ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ الْمُخَافَتَةِ كَالْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَكَذَا الْمُنْفَرِد يَتَخَيَّرُ فِيمَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ مِنْ الْجَهْرِ فَأَوْجَبْنَا السُّجُودَ فِي الْجَهْرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةَ فِي الْمُخَافَتَةِ وَفِي الْفَاتِحَةِ أَكْثَرَهَا؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ؛ وَلِهَذَا شُرِعَتْ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ فَأُعْطِيَ لَهَا حُكْمُ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقَةً وَالْجَهْرُ بِالثَّنَاءِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ وَبِالتِّلَاوَةِ يُوجِبُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الْفَصْلَيْنِ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَعَنْ الْكَثِيرِ يُمْكِنُ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فَفِي عَوْدِهِ إلَى الْقُنُوتِ رِوَايَتَانِ إلَى آخِرِهِ) أَحَدُهُمَا يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَالْأَوَّلُ الْأَوْجَهُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ، ثُمَّ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى رِوَايَةَ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ وَجَعَلَهَا ظَاهِرَ الرَّاوِيَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَابِ الْقُنُوتِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْقُنُوتِ إذَا فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ فَيَقُولُ إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَعُودُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقُنُوتُ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْقُرْآنِ فَيَعُودُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ كَذَا هَذَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ يَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا فَيَتَكَامَلُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ عَلَى التَّعْيِينِ وَاجِبَةٌ فَيُنْتَقَضُ الرُّكُوعُ بِتَرْكِهَا فَكَانَ نَقْضُ الرُّكُوعِ لِلْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَالْأَحْسَنِ وَكَانَ مَشْرُوعًا. وَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَيْسَ مِمَّا يَتَكَامَلُ بِهِ الرُّكُوعُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالرُّكُوعُ يُعْتَبَرُ بِدُونِهِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْضُ لِلتَّكْمِيلِ لِكَمَالِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ نَقَضَ كَانَ النَّقْضُ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْفَرْضِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَا يَقْنُتُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ إذَا تَذَكَّرَهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ حَيْثُ يُكَبِّرُ فِيهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْقِيَامِ الْمَحْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَأَمَّا الْقُنُوتُ فَلَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحَلِّ الثَّنَاءِ غَيْرِ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ أَنَّهُ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَقَضَ رُكُوعُهُ عَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَتَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ قَضَاهَا فِي الرُّكُوعِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ إذَا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ حَيْثُ يَسْقُطُ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ)، وَكَذَا إذَا سَهَا عَنْهَا أَوْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ تَغْيِيرُ فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ وَلَا يَتَعَلَّقُ السَّهْوُ بِتَرْكِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَكُلُّ ذِكْرٍ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ عَلَامَةً لِغَيْرِهِ فَتَرْكُهُ لَا يُلْزِمُ السَّهْوَ وَمَا هُوَ مَقْصُودٌ وَهُوَ أَنْ لَا يُجْعَلَ عَلَامَةً لِغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ) وَفِي الْمُفِيدِ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ شَيْءٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لَا يَجِبُ) وَأَوْجَبَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ السَّهْوَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ إلَى آخِرِهِ) فِي الْمُنْتَقَى وَغَرِيبِ الرَّاوِيَةِ فِي النَّفْلِ يَجْهَرُ فَإِنْ خَافَتْ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ فِي الْفَصْلَيْنِ إلَخْ)، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ الْقَاضِي التَّمِيمِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ بِالْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ قُلْنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ الْجَهْرِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي يُخَافِتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لَا يُخَيِّرُ الْمُنْفَرِدُ بَيْنَ الْجَهْرِيَّةِ وَالْمُخَافَتَةِ بَلْ يُخَافِتُ اهـ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُخْفِي فِيمَا يُخْفِي الْإِمَامُ وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهَا اهـ

لِأَنَّهُمَا مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ الْأُولَى حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. وَكَذَا تَأْخِير الرُّكْنِ يُوجِبُ السَّهْوَ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَكَذَا تَكْرَارُهُ كَرُكُوعَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ اخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَالْقَوْمَةِ وَالْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَهْوِ إمَامِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ بِسَهْوِ إمَامِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ» وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ بِاقْتِدَائِهِ بِالْإِمَامِ الْمُقِيمِ أَوْ نَوَى إمَامُهُ الْإِقَامَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَمَا سَهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ الْإِمَامِ تَبَعًا لَهُ، وَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةَ السَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَقْضِي الْأُولَى، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهُمَا لَا يَقْضِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَا يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا تَبَعًا لَهُ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا وَسُجُودُ السَّهْوِ يُؤَدَّى فِي حُرْمَتِهَا؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِسَهْوِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ بِسَهْوِ نَفْسِهِ يَعْنِي الْمُقْتَدِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ التَّبَعُ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَسَهَا بَعْدَ مَا قَامَ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ يَنْظُرُ فَإِنْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِسَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ عَادَ)؛ لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ ثُمَّ، قِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِيَامِ أَخَّرَ وَاجِبًا وَجَبَ وَصْلُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَقِيلَ: لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَكْمَلُ وَأَمَّا كَوْنُ وُجُوبِ الْمُخَافَتَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَيَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا أُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُنْفَرِدِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي صُورَةٍ تُؤَدَّى عَلَى الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ لَمْ يُؤَدِّ كَذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِسَهْوِ إمَامِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَيْ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَاجِبًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِتَرْكِ إمَامِهِ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ يَتْرُكُهَا الْمُقْتَدِي أَيْضًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ) حَتَّى قَالُوا لَوْ تَرَكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا مَعَهُ بَعْدَ مَا تَشَهَّدَ كَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ فَيَتَشَهَّدَ وَيَلْحَقُهُ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ هُنَا فَرْضٌ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَقْضِي هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ ضَمِنَ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِإِحْرَازِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إذَا خَافَ فَوْتَهَا، وَهُنَا لَا يَقْضِي التَّشَهُّدَ بَعْدَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ كَاَلَّذِي نَامَ خَلْفَ إمَامِهِ، ثُمَّ انْتَبَهَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَقْتَ السَّهْوِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ اللَّاحِقُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ مَعَ إمَامِهِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ لَيْسَ بِآخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ آخِرُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ فِي حَقِّهِ آخِرًا تَحْقِيقًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَلَوْ تَابَعَ الْمَسْبُوقُ إمَامَهُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ انْفِرَادُهُ وَفِي الْفَتَاوَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَسْبُوقُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَهْوٌ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَلِمَ فَسَدَتْ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاللَّاحِقُ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيَأْتِي بِهِمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَتَى بِهِ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ مَا إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ لِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَالْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، عُلِمَ بِهَا أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا تُعَدُّ مُخَالَفَةً وَفِي النِّهَايَةِ جَوَابُهُ أَنَّ هَاهُنَا يَصِيرُ مُخَالِفًا وَهُنَاكَ لَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ سَجَدَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْجُدَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا فَفِي الْأَوَّلِ مُخَالَفَةٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَفِي الثَّانِي مَعْنًى لَا صُورَةً؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فِي صَلَاةٍ أَدَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ هَاهُنَا فَصَارَ كَأَنَّهُ سَجَدَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ فَكَانَتْ مُخَالَفَةً مَعْنًى بِخِلَافِ تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَقَّقَانِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَعَلَّقَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا تَكُونُ مُخَالَفَةً صُورَةً وَلَا مَعْنًى. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا سَلَّمَ سَاهِيًا أَمَّا إذَا سَلَّمَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ سَلَامَ الْعَمْدِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي الثَّانِيَةِ اِ هـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) أَيْ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُحِيطِ فِي الظُّهْرِ؛ وَلِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِي التَّطَوُّعِ فَرْضٌ فَكَانَتْ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا. اهـ. كَاكِيٌّ

يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَامِ وَمَعْنَى الْقُرْبِ إلَى الْقُعُودِ أَنْ يَرْفَعَ أَلْيَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَرُكْبَتَاهُ عَلَيْهَا وَقِيلَ: مَا لَمْ يَنْتَصِبْ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ، وَإِنْ انْتَصَبَ فَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى وَقِيلَ: يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ)؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْقُعُودِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِأَجْلِ مَا هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ) أَيْ عَنْ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ (عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْكِمْ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَفِي الْقُعُودِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِرَفْضِ مَا أَتَى بِهِ إذْ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ فَرْضًا، وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَ فَرْضُهُ بِرَفْعِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْخَامِسَةَ قَدْ انْعَقَدَتْ وَاسْتَحْكَمَ دُخُولُهُ فِي النَّفْلِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ مِنْ الْفَرْضِ وَقَوْلُهُ بِرَفْعِهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يَنْتَقِضُ الرُّكْنُ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إذَا بَنَى، وَلَوْ تَمَّ بِالْوَضْعِ لَمَا انْتَقَضَ بِالْحَدَثِ، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِي السُّجُودِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَمَّ بِنَفْسِ الْوَضْعِ لَمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ سَبَقَ بِهِ الْمُؤْتَمُّ إمَامَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُ لَا يَبْنِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَارَتْ نَفْلًا) أَيْ انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقَلِبُ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ إذَا بَطَلَتْ لَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ تَبْطُلُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالثَّانِي - أَنَّ تَرْكَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ لَا يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النَّوَافِلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً)؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالْوِتْرِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ ثُمَّ قِيلَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ، وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ إنْسَانٌ يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَسُقُوطُهُ عَنْ الْإِمَامِ لِلظَّنِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ الْإِمَامُ إلَى الْقُعُودِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَقُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ قَامَ يَظُنُّهَا الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَادَ وَسَلَّمَ)؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهَا مَشَايِخُ بُخَارَى وَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا يَعُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِيَامِ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ الْكَفَرَةِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ مَعْنَاهُ أَصْلًا عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْجِنَايَةُ هُنَا بِالرَّفْضِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْقِيَامِ لِلسُّجُودِ رَفْضًا لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا قَدْرَ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى رَكَعَ صَحَّتْ هَذَا وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا يَحِلُّ فَاعْرِفْ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ لَكِنْ يُقَالُ الْمُتَحَقَّقُ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحَّحِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ إلَى آخِرِهِ) يَشْمَلُ قَعْدَةَ الصُّبْحِ اهـ ع (قَوْلُهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي فَرِيضَةً. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ)؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ) أَيْ سَجْدَةِ الْخَامِسَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُتِمُّ السَّجْدَةَ بِالرَّفْعِ وَالرَّفْعُ وُجِدَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يُعْتَبَرُ فَبَطَلَتْ السَّجْدَةُ فِي نَفْسِهَا فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَسْجُدْ، وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. كَاكِيٌّ. وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ بَطَلَتْ وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا فَأُخْبِرَ بِجَوَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ وَزِهْ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، وَهُوَ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ قِيلَ قَالَهُ لِغَيْظٍ لَحِقَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ مَا بَلَغَهُ مِنْ عَيْبِهِ قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ إنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَإِنْ صَارَ مَأْوَى الْكِلَابِ وَالدَّوَابِّ. اهـ. فَتْحٌ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يَبْنِي أَيْ عَلَى الْفَرْضِ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحَدَثِ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ فَرْضِهِ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَأْتِيَ فَيَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ حَصَلَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَكُونُ مُكَمِّلًا لِلسَّجْدَةِ لِيَفْسُدَ الْفَرْضُ بِهِ وَهُوَ أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِمَا سَنَذْكُرُ فِي تَتِمَّةٍ يَعْقِدُهَا فِي السَّجَدَاتِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَبْنِي) أَيْ وَيَنْقَلِبُ فَرْضُهُ نَفْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ)، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ وَاجِبًا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَصْلِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَاللُّزُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا بِالِالْتِزَامِ أَوْ إلْزَامِ الرَّبِّ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَشُرُوعُهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بَلْ يَقْصِدُ الْإِسْقَاطَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَقَطَ أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ فِي الْخَامِسَةِ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ) عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ اهـ كَذَا فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ اهـ

وَالتَّسْلِيمُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَعُودُ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَإِنْ سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ تَمَّ فَرْضَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا إصَابَةَ لَفْظِ السَّلَامِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً) لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ لَهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِيهِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مَقْصُودَةٍ قَالُوا وَفِي الْعَصْرِ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا وَقِيلَ: يَضُمُّ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ. وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَتَنَاوَلُ الْمَقْصُودَ فَلَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْفَجْرِ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَيَّدَهَا بِالسَّجْدَةِ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا رَابِعَةً لِكَرَاهِيَةِ التَّنَفُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالتَّسْلِيمُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ سَلَّمَ قَائِمًا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، ثُمَّ إذَا عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَامِدًا قَالَ النَّاطِفِيُّ يُعِيدُ، ثُمَّ قِيلَ الْقَوْمُ يَتْبَعُونَهُ فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ اتَّبَعُوهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَمَّتْ بِالْقَعْدَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيّ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اتِّبَاعَ فِي الْبِدْعَةِ لَكِنْ يَنْتَظِرُونَهُ قُعُودًا فَإِنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ اتَّبَعُوهُ بِالسَّلَامِ فَإِنْ قَيَّدَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ والتمرتاشي. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ اهـ قَوْلُهُ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ أَيْ بَلْ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ اهـ وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَامَ أَيْ إلَى الْخَامِسَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ، وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَرْفُضُهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَضَمَّ إلَيْهَا سَادِسَةً إلَى آخِرِهِ) هَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمُّ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَنُوبَانِ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَلَا تَنُوبُ عَنْ الْكَامِلَةِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَضُمُّ إلَيْهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ (قَوْلُهُ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي الْعَصْرِ أَعْنِي صَلَّاهَا خَمْسًا بَعْدَ مَا قَعَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ فِي الْفَجْرِ سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَالُوا: لَا يَضُمُّ سَادِسَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا، وَكَذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا، ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا اهـ. (فَرْعٌ) تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَضَاهَا وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِيهَا وَيَقْضِي مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بَعْدَ الْمَتْرُوكِ حَصَلَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مُرَتَّبَةً كَمَا لَوْ قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ قُلْنَا: الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ وُجِدْت الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تَتَقَيَّدُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا الثَّانِيَةُ تَكْرَارٌ فَكَانَ أَدَاءُ الثَّانِيَةِ مُعْتَبَرًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ الْمَتْرُوكُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَحَلُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِتَقْيِيدِ الرَّكْعَةِ، وَالرَّكْعَةُ بِدُونِ الرُّكُوعِ لَا تَتَحَقَّقُ، وَكَذَا لَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَضَاهُمَا وَيَبْدَأُ بِالْأُولَى مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ تَرَكَهَا مِنْ الْأُولَى وَالْأُخْرَى صُلْبِيَّةً تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ يُرَتِّبُ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ يَبْدَأُ بِالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى قُلْنَا: الْقَضَاءُ مُعْتَبَرٌ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً، وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ خَرَّ لَهَا مِنْ رُكُوعِهِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ فَسَجَدَ لَهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِيَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ وَهُوَ التَّرْتِيبُ، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُمَا أَجْزَأَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَالْتُحِقَتْ السَّجْدَةُ بِمَحَلِّهَا فَبَطَلَ مَا أَدَّى مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ وَعِنْدَنَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛ وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْمَسْبُوقُ بِمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ وَلَئِنْ كَانَ فَرْضًا فَقَدْ سَقَطَ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ إعَادَةَ الرُّكُوعِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْقَوْمَةَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرْضٌ اهـ. وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ بِأَنْ قَرَأَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا الرُّكُوعُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْكَعْ لَا يَعْتَدَّ بِالسُّجُودِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ إذْ مَحَلُّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَلَا يَكُونُ هَذَا السُّجُودُ قَضَاءً عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رُكُوعَهُ مُعْتَبَرٌ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ إلَّا أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يُقَيِّدَ بِسَجْدَةٍ فَقِيَامُهُ وَقِرَاءَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ، وَسُجُودُهُ بَعْدُ فِي مَحَلِّهِ، وَكَذَا إذَا قَرَأَ أَوْ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ صَلَّى رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ رُكُوعَانِ وَسُجُودُهُ بَعْدَهُ فَيُلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا وَيَلْغُو الْآخَرُ فَفِي بَابِ الْحَدَثِ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ اعْتَبَرَ الثَّانِيَ، وَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ فَمُدْرِكُهَا مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَسَجَدَ قَائِمًا صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً. وَكَذَا إنْ رَكَعَ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ يَسْجُدْ، ثُمَّ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ وَسَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ زِيَادَةَ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ كَزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ وَهِيَ سَجْدَةُ الشُّكْرِ، وَعِنْدَهُمَا السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ إلَّا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ صَلَاةً كَامِلَةً فَانْعَقَدَ نَفْلًا فَصَارَ مُنْتَقِلًا إلَيْهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْفَرْضِ ضَرُورَةٌ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَدَائِعِ.

بَعْدَهَا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ بَطَلَ بِتَرْكِ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فِي الرَّابِعَةِ وَقَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَيْثُ يَضُمُّ إلَيْهَا سَادِسَةً؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ الْعَصْرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ، وَهُوَ النُّقْصَانُ الْمُتَمَكِّنُ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَجِبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السَّلَامُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْفَرْضِ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَوَصْفِهَا وَبِالِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقَطَعَ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ وَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ فِي حَقِّ الْجَبْرِ كَمَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ فَصَارَتْ الصَّلَاةُ وَاحِدَةً كَمَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ سَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَكِنْ كُلُّهَا فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: الْأَصَحُّ أَنْ يُجْعَلَ سُجُودُ السَّهْوِ جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْإِحْرَامِ فَيَنْجَبِرُ بِهِ النَّقْصُ الْمُتَمَكِّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَالصَّلَاةُ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعِنْدَهُمَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ اسْتَحْكَمَ خُرُوجَهُ عَنْ الْفَرْضِ فَصَارَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُقْتَدَى لَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ، وَهُوَ الظَّنُّ فَلَا يَتَعَدَّاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْمُقْتَدِي سِتُّ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَمَّا انْقَلَبَتْ نَفْلًا صَارَتْ التَّحْرِيمَةُ كَأَنَّهَا عُقِدَتْ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ ابْتِدَاءً وَهُنَا لَمَّا قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ تَمَّ فَرْضُهُ فَصَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ بِالْقِيَامِ لَهُ فَصَارَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِانْفِصَالِهِ عَمَّا قَبْلَهُ فَيَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ لَكِنْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُؤْتَمِّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اللُّزُومِ فِي الصَّبِيِّ أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الظَّانِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي شَفْعِ التَّطَوُّعِ) (لَمْ يَبْنِ شَفْعًا آخَرَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَى لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ لَبَطَلَ جَمِيعُ صَلَاتِهِ وَمَعَ هَذَا لَوْ بَنَى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَقَعَ وَفِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ وَقِيلَ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ مَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ سَجَدَ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ لَوْ سَلَّمَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَا يَصِحُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلِأَنَّ عِنْدَهُمَا سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَبْرُ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يُحَلِّلُ هَذَا لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السُّجُودِ وَلَا يَظْهَرُ الْمَنْعُ عَنْ عَمَلِهِ دُونَ السُّجُودِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى السُّجُودِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ بَلْ يَتَوَقَّفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حِينِ سَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حِينِ سَلَّمَ وَتَنْقَطِعُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي عَوْدِ التَّحْرِيمَةِ ثَانِيًا بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ تَعُودُ التَّحْرِيمَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ إذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَتِهَا وَلَمْ تُوجَدْ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَلْ يَتْرُكُهُ وَيَقُومُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ) أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ مَسْأَلَةِ الظَّانِّ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَهَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْتَقَضُ وَعِنْدَهُمَا لَا اهـ (قَوْلُهُ وَتَغَيَّرَ الْفَرْضُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَوَّلُ رُبَاعِيَّةً وَيَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ. اهـ.

[باب صلاة المريض]

سَجَدَ لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ إذَا كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ سَلَّمَ لِلْقَطْعِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّسْلِيمِ قَطْعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ تُغَيِّرُ الْمَشْرُوعَ فَتَلْغُو كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ سِتًّا أَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالصُّلْبِيَّةُ يُؤْتَى بِهَا فِي حَقِيقَتِهَا وَقَدْ بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَأْنَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَوَّلَ، فَقِيلَ أَوَّلَ مَا عُرِضَ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ السَّهْوَ لَمْ يَكُنْ عَادَةً لَا أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ قَطُّ، وَقِيلَ أَوَّلَ سَهْوٍ وَقَعَ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَلَمْ يَكُنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ، ثُمَّ الِاسْتِقْبَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى، وَذَلِكَ بِالسَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ مِمَّا يُنَافِي الصَّلَاةَ، وَالسَّلَامُ قَاعِدًا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مُحَلِّلًا شَرْعًا وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ يَلْغُو؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى) أَيْ إنْ كَثُرَ شَكُّهُ تَحَرَّى وَأَخَذَ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» وَالتَّحَرِّي طَلَبُ الْأَحْرَى وَلِأَنَّهُ يُحْرَجُ بِالْإِعَادَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُوَسْوِسًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَتَعَيَّنَ التَّحَرِّي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ»؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِعَادَةِ حَرَجًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ انْعَدَمَ التَّرْجِيحُ بِالرَّأْيِ فَتَعَيَّنَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَيَقْعُدَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ كَيْ لَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ، مِثَالُهُ لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَيُتِمُّ بِالْقُعُودِ ثُمَّ زَادَ رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا، وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) أَيْ أَتَمَّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّ السَّلَامَ سَاهِيًا لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ، وَعَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جُمُعَةٌ أَوْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ أَوْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ حَيْثُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَامِدًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ إلَخْ) أَيْ فِي مَجْلِسِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ تُفِيدُ أَنَّ الِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ السُّجُودِ اهـ اك. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ، وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى، وَهُوَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ الشَّكِّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ، وَإِنْ وَقَعَ أَخَذَ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَوْضِعُ جُلُوسٍ مِثَالُهُ شَكَّ فِي الظُّهْرِ، وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ يُتِمُّ الرَّكْعَةَ وَيَقْعُدُ، ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي بِأُخْرَى وَيَقْعُدُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ كَأَنْ شَكَّ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ يَمْسَحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَعِنْدَ الْمُصَلِّي أَنَّهُ أَتَمَّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إخْبَارِهِ وَإِنْ شَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعِيدُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ لَا يُعْتَبَرُ شَكُّهُ وَيَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عَدْلَيْنِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ فَقَالُوا ثَلَاثًا وَقَالَ أَرْبَعًا إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمْ وَإِلَّا أَخَذَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَخَذَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ، وَلَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ بِالتَّمَامِ وَآخَرُ بِالنُّقْصَانِ وَشَكَّ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ، لَا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى مُسْتَيْقِنِ النُّقْصَانَ أَمَّا لَوْ اسْتَيْقَنَ وَاحِدٌ بِالنُّقْصَانِ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَحَدٌ بِالتَّمَامِ بَلْ هُمْ وَاقِفُونَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَعَادُوهَا احْتِيَاطًا لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ هُنَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا وَهَذِهِ الْإِعَادَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَى اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ كَثُرَ شَكُّهُ تَحَرَّى إلَخْ) وَأَمَّا الشَّكُّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يُؤَدِّي ثَانِيًا؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الرُّكْنِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَزِيَادَةَ الرَّكْعَةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ التَّحَرِّي فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَحْوَطَ. اهـ. مُحِيطُ أَبِي الْقَاسِمِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ إلَخْ) وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ لَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهَذَا عَلَى مَا إذَا وَقَعَ لَهُ غَيْرُ مَرَّةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا فَافْهَمْ. اهـ. عَيْنِيٌّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ)، وَكَذَا إذَا خَافَ إبْطَاءَ الْبُرْءِ بِالْقِيَامِ أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ أَوْ كَانَ يَجِدُ لِلْقِيَامِ أَلَمًا شَدِيدًا يُصَلِّي قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِك» وَلِأَنَّ فِي الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَجًا بَيِّنًا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ مُتَّكِئًا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا مُتَّكِئًا وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى خَادِمٍ لَهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَتَّكِئُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا قُدْرَتُهُ عَلَى الْوُضُوءِ بِغَيْرِهِ كَقُدْرَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّكْبِيرِ قَائِمًا أَوْ عَلَى التَّكْبِيرِ وَبَعْضِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ وَيَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقْعُدُ إذَا عَجَزَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُومِيًا إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ يُصَلِّي مُومِيًا، وَهُوَ قَاعِدٌ إنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ تَجِبُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ فَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ) أَيْ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ؛ وَإِلَّا فَأَوْمِ بِرَأْسِك» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ رَفَعَ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ (وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ) لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ وَقِيلَ: هُوَ سُجُودٌ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ بِحَالٍ لَوْ سَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) ذَكَرَهَا عَقِيبَ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ وُقُوعًا وَأَعَمُّ مَوْقِعًا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ فَقَدَّمَهُ لِشِدَّةِ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ السَّهْوَ تَقْصِيرٌ وَلَهُ جَبْرٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَأَتْبَعَهُ صَلَاةَ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَعَ قُصُورٍ شُرِعَتْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَدَقِّ الْقَصَّارِ أَوْ إلَى مَحَلِّهِ وَأَنَّهُ سَائِغٌ كَقَوْلِهِمْ: جُرْحُ زَيْدٍ لَا يَنْدَمِلُ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الصَّلَاةُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْمَرِيضِ فَالْمَرِيضُ فَاعِلُهَا وَمُوجِدُهَا أَمَّا قَوْلُهُمْ جُرْحُ زَيْدٍ لَا يَنْدَمِلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ زَيْدًا مَجْرُوحٌ فَلَا يَكُونُ نَظِيرُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلَمًا شَدِيدًا إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ لَحِقَهُ نَوْعُ مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الْقِيَامِ بِسَبَبِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا إلَى آخِرِهِ» اهـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَسَبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ النَّسَائِيّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُؤْمَرُ أَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ فَإِنْ عَجَزَ قَعَدَ حَتَّى لَوْ قَدَرَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ يَقْدِرَ لِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ دُونَ تَمَامِهَا لَزِمَهُ الْقِيَامُ فِيمَا يَقْدِرُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي التَّكْبِيرِ وَفِي قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ خِفْت أَنْ لَا تُجْزِيَهُ صَلَاتُهُ وَيَقْعُدُ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَقَوْلُهُ خِفْت أَنْ لَا تُجْزِيَهُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا يُرْوَى عَنْ أَصْحَابِنَا خِلَافُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ» إلَى آخِرِهِ) تَمَامُهُ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ النَّوَوِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى كَيْفِيَّةُ الِانْحِنَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُشْتَبَهٌ عَلَيَّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي بَعْضُ الِانْحِنَاء أَمْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَظَفِرْت عَلَى الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شَيْئًا، ثُمَّ لِلسُّجُودِ جَازَ، وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وِسَادَةً فَأَلْصَقَ جَبْهَتَهُ فَإِنْ وَجَدَ أَدْنَى الِانْحِنَاء جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَتْ الْوِسَادَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ عَلَيْهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ فَعَلَتْ هَكَذَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ عُذْرٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَى الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ اهـ (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ فِي جَبْهَتِهِ جُرْحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهَا لَا يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ» إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْت وَإِلَّا فَأَوْمِ إيمَاءً وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِكَ» قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعَطَاءٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ اهـ. وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثِقَةٌ وَرُوِيَ نَحْوُهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْأَصْلِ يُكْرَهُ لِلْمُومِي أَنْ يَرْفَعَ عُودًا أَوْ وِسَادَةً يَسْجُدُ عَلَيْهَا وَفِي الْيَنَابِيعِ يَكُونُ مُسِيئًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ سُجُودٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يُعَدُّ هَذَا سُجُودًا أَوْ إيمَاءً قِيلَ: هُوَ إيمَاءٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِالْإِيمَاءِ لَا بِوَضْعِ الرَّأْسِ. اهـ.

عَلَيْهِ الصَّحِيحُ تَجُوزُ جَازَ لِلْمَرِيضِ عَلَى أَنَّهُ سُجُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِلصَّحِيحِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ فَهُوَ إيمَاءٌ فَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا)، وَإِنْ لَمْ يَخْفِضْ رَأْسَهُ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْإِيمَاءِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ مُسْتَوِيًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُضْطَجِعًا عَلَى الْمُخْتَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ عَلَى جَنْبِهِ) وَالِاسْتِلْقَاءُ أَنْ يُلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ وَيُجْعَلَ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِخَدَّةٌ لِيَرْتَفِعَ فَيَصِيرُ شِبْهَ الْقَاعِدِ وَيَصِيرُ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا إلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ» وَلِأَنَّ إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قِبْلَةٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَإِشَارَةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى الْجَنْبِ إلَى جَانِبِ قَدَمَيْهِ وَبِهِ لَا تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِقِبْلَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُومِي عَلَى الْجَنْبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى جَنْبِك» أَيْ سَاقِطًا؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّقُوطَ يُقَالُ بَقِيَ فُلَانٌ شَهْرًا عَلَى جَنْبِهِ إذَا طَالَ مَرَضُهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا؛ وَلِأَنَّ الْمَرَضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَ فَقَعَدَ أَوْ قَامَ كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْجَنْبِ وَقِيلَ: كَانَ عِمْرَانُ يَمْنَعُهُ مَرَضُهُ مِنْ الِاسْتِلْقَاءِ؛ وَلِذَلِكَ أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجَنْبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا أُخِّرَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ (وَلَمْ يُومِئْ بِعَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَحَاجِبَيْهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُومِئُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَنَحْنُ نَقُولُ: نَصْبُ الْأَبْدَالِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَلَمْ يُمْكِنْ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الصَّلَاةِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أُخِّرَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَلِيلًا دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ كَثِيرًا وَكَانَ مُفِيقًا يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ إذَا كَثُرَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ فِي الْأَصَحِّ فَجَعَلَهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ ذَكَرَهُ مُسْتَشْهِدًا بِهِ (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ) لَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَجْزَ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجَعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ، وَإِنْ قُلْت فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «يُومِئُ إيمَاءً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ». اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يُصَلِّي الْمَرِيضُ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مَعَ أَنَّ دَأْبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ غَرِيبٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُومِئُ عَلَى الْجَنْبِ) أَيْ الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ كَالْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ يَذْكُرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّقُوطُ إلَخْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَى آخِرِهِ) يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِعَيْنِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ لِوُجُودِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَصَلَاحِيَّةِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ وُسْعُ مِثْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بِحَاجِبَيْهِ وَقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِطَرَفِهِ» وَيُعِيدُ إذَا صَحَّ فِي قَوْلِ الْكُلِّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَإِذَا صَحَّ أَعَادَ وَفِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ عَنْ الْحَسَنِ يُومِئُ بِقَلْبِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَيُعِيدُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْحَاوِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِيمَاءَ بِالْقَلْبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَسْت أَحْفَظُ قَوْلَهُ فِي الْإِيمَاءِ بِالْعَيْنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ اهـ وَفِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَلَا يُومِئُ بِقَلْبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) وَلَئِنْ قَالَ يَتَأَدَّى بِالْقَلْبِ فَرْضُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ النِّيَّةُ قُلْنَا هِيَ شَرْطٌ وَالسَّجْدَةُ رُكْنٌ فَلَا يَنْقَاسَانِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ)، وَكَذَا قَالَ فِي الْمَنَافِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْقُطُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إلَخْ) وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ» أَيْ عُذْرِ السُّقُوطِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ لِوُجُودِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَصَلَاحِيَّةِ الذِّمَّةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ فَقَالَ هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ» أَيْ عُذْرِ التَّأْخِيرِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ) وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَيْت فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ

أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ آخَرَ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامُ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَجِبُ بِدُونِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ يُوجَدُ فِي الرُّكُوعِ وَنِهَايَتُهُ تُوجَدُ فِي السُّجُودِ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ وَالْقِيَامُ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ فَصَارَ تَبَعًا لَهُ فَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ؛ وَلِهَذَا شُرِعَ السُّجُودُ بِدُونِ الْقِيَامِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يُشْرَعْ الْقِيَامُ بِدُونِ السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ قَاعِدًا وَبَيْنَ الْإِيمَاءِ قَائِمًا، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا إلَّا أَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ لِكَوْنِ رَأْسِهِ فِيهِ أَخْفَضَ وَأَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَقْصُود وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَرِضَ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) مَعْنَاهُ صَحِيحٌ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَائِمًا فَحَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُومِيًا قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضِ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَبَعْضِهَا بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكُلَّ بِالْإِيمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى) أَيْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَصَحَّ بَنَى، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَ مُومِيًا لَا) أَيْ لَوْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ مُومِيًا فَصَحَّ حَتَّى قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَبْنِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لِلرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَلَوْ كَانَ يُومِئُ مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ أَوْمَأَ قَاعِدًا) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا تَطَوُّعًا أَوْ فَرِيضَةً بِعُذْرٍ كَيْفَ يَقْعُدُ؟ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ إجْمَاعًا أَمَّا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَعَدَ كَذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ، وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ مُحْتَبِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ الرُّكْنُ لِلتَّخْفِيفِ فَالتَّخْفِيفُ فِي هَيْئَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْإِقْعَاءُ الْمَكْرُوهُ وَمَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَبِي وَعَنْهُ يَتَرَبَّعُ، وَفِي الْمُفِيدِ عَنْهُ يَتَرَبَّعُ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِذَا رَكَعَ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَفْتَرِشُ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّخْيِيرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ الْإِيمَاءُ بَعْضُ السُّجُودِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ وَلَا خَلَفٍ عَنْهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَوَاشِي وَخَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَالْإِيمَاءُ بِالسُّجُودِ لَيْسَ مِنْ السُّجُودِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ السُّجُودِ لَوَجَبَ اسْتِيفَاءُ الْقِرَاءَةِ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ رُكْنُ الدِّينِ الصَّيَّادِيُّ أَنَّ بِكْرًا لَوْ حَشَتْ فَرْجَهَا تَذْهَبُ عُذْرَتُهَا، وَإِنْ لَمْ تَحْشُ يَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ تُصَلِّي مَعَ الدَّمِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ عُذْرَتِهَا ذَهَابُ جُزْءٍ مِنْهَا رَجُلٌ بِهِ وَجَعُ السِّنِّ إنْ أَمْسَكَ فِي فَمِهِ مَاءً بَارِدًا أَوْ دَوَاءً بَيْنَ أَسْنَانِهِ يَسْكُنُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ يَقْتَدِي بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَكَذَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَوْ كَبَّرَ يَسِيلُ جُرْحُهُ يَشْرَعُ فِيهَا بِغَيْرِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَكَذَا مَنْ يَلْحَنُ فِي قِرَاءَتِهِ لَحْنًا مُفْسِدًا يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ كَالْأُمِّيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْرَعُ الْقِيَامُ بِدُونِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) لَا يُقَالُ يَرِدُ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْ ثَمَّةَ سُقُوطُ الْقِيَامِ بِسَبَبِ سُقُوطِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ دُعَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا يَجُوزُ، وَلَوْ أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ قَائِمًا لَا يَجُوزُ قُلْت، وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ كَمَا لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ جَالِسًا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاهُنَا أَقْوَالًا لَا يَجُوزُ الْإِيمَاءُ بِهِمَا إلَّا قَائِمًا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ يَجُوزُ الْإِيمَاءُ بِهِمَا قَائِمًا إنْ شَاءَ أَوْ قَاعِدًا إنْ شَاءَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ يُومِئُ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا بِالسُّجُودِ جَالِسًا لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا) أَيْ اعْتِبَارًا لِأَصْلِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ) أَيْ صَارَ بِنَاءُ الْمَرِيضِ عَلَى أَوَّلِ صَلَاتِهِ كَالِاقْتِدَاءِ أَيْ يَجُوزُ هَذَا كَمَا يَجُوزُ ذَاكَ إذْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَاعِدِ بِالْقَائِمِ وَالْمُومِئِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ إلَى آخِرِهِ) قُلْنَا لَا بَلْ لِلْمَقْدُورِ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَزِمَا فَإِذَا صَارَ الْمَقْدُورُ الْإِيمَاءَ لَزِمَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ)؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) الذَّاكِرُ لِخِلَافِ زُفَرَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا هَذَا الشَّارِحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُومِئٌ بِمِثْلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا) أَيْ إنْ تَعِبَ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ إنْ أَعْيَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ إلَّا إذَا عَجَزَ لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةٌ فِي الْأَدَبِ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيَجُوزُ الِاتِّكَاءُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ؛ وَلِهَذَا إذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَّكِئًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَكَذَا لَا يُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّ الِاتِّكَاءَ يُكْرَهُ وَالْقُعُودَ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِتْكَاءُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ التَّطَوُّعَ مُتَّكِئًا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ قَاعِدًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ دَوَرَانُ الرَّأْسِ، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ لَكِنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا إذَا كَانَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَهُوَ كَالسَّائِرِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرُ فَهُوَ كَالْوَاقِفِ وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْبُوطَةٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَى، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقْضِي إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَخْ) مَعْنَاهُ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَحْرِيمَةٍ فَلَا يَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ اهـ مِنْ خَطّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِهَا كَمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاقْتِدَاءُ ثَمَّةَ جَازَ الْبِنَاءُ هُنَا وَمَا لَا فَلَا، وَفِي الْحَوَاشِي لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الرَّاكِبِ عَلَى الْإِيمَاءِ إذَا نَزَلَ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا تَقْدِيرًا بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الْمُومِئِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُمَا فَيَكُونُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعْدُومَيْنِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ مُحَالٌ. اهـ. غَايَةٌ. {فُرُوعٌ} مِنْ الدِّرَايَةِ عَبْدٌ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُوَضِّئَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْمَرِيضَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَضِّئَهَا. مَرِيضٌ إنْ صَامَ فِي رَمَضَانَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا يُصَلِّي قَاعِدًا. مَرِيضٌ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُبْسَطُ تَحْتَهُ شَيْءٌ إلَّا وَيَتَنَجَّسُ مِنْ سَاعَتِهِ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَلَكِنْ يَزْدَادُ مَرَضُهُ وَيَلْحَقُهُ بِالتَّحْوِيلِ مَشَقَّةٌ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أَعْيَا)، وَفِي الصِّحَاحِ الْإِعْيَاءُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ أَعْيَا الرَّجُلُ فِي الْمَشْيِ إذَا تَعِبَ وَأَعْيَاهُ اللَّهُ كِلَاهُمَا بِالْأَلِفِ وَالْمُرَادُ هُنَا اللَّازِمُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قِيَامٌ فِيهِ قُصُورٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إلَى آخِره)، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْخُرُوجَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ قِيلَ لَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ فَوْتِ الرُّكْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران: 191] الْآيَةَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ أَيْ قِيَامًا أَيْ إنْ قَدَرُوا وَقُعُودًا إنْ عَجَزُوا عَنْهُ، وَعَلَى جَنُوبِهِمْ إنْ عَجَزُوا عَنْ الْقُعُودِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «صَلِّ قَائِمًا» الْحَدِيثَ. اهـ. دِرَايَةٌ، وَفِي الْغَايَةِ، وَلَوْ كَانَ يُطِيقُ الْقِيَامَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ وَلَا يُطِيقُهُ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي وَحْدَهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لِعَجْزٍ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ قَاعِدًا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ اهـ فَهَذَا مُشْكَلٌ عَلَى تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ) أَيْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي الصَّحِيحِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوعٌ ابْتِدَاءً) إذْ «صَلَاةُ الْقَاعِدَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) أَيْ وَيَدُورُ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ لِلتَّعَذُّرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ رَجُلٌ مِنْ السَّفِينَةِ بِإِمَامٍ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَا مَقْرُونَتَيْنِ مَرْبُوطَتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى مَنْ عَلَى الْبَرِّ بِإِمَامٍ فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاؤُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ طَائِفَةٌ مِنْ النَّهْرِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي فِيهَا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ فِيهَا فَرْضٌ بِالنَّصِّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَهَذَا قَادِرٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا حَتَّى أَنَّ الرَّاكِبَ يَسِيرُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فَأَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ فِيهَا بِالْإِيمَاءِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا فَلَا يُعْذَرُ وَالْإِيمَاءُ شُرِعَ عِنْدَ الْعَجْزِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى الشَّطِّ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جُنَّ إلَخْ قَضَى، وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) أَيْ

[باب سجود التلاوة]

عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِ وَلِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا قَصُرَتْ لَا يُحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ فَيَجِبُ كَالنَّائِمِ، وَإِذَا طَالَتْ يُحْرَجُ فَيَسْقُطُ كَالْحَائِضِ وَالْجُنُونُ كَالْأَغْمَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ الْكَثْرَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ سِتَّ صَلَوَاتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَفَاقَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ اسْتَوْعَبَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ إذَا أَفَاقَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ بِاسْتِيعَابِ سِتَّةِ أَوْقَاتٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا إذَا دَامَ الْإِغْمَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفِقْ فِي الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقُ قَلِيلًا، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ، ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ؛ وَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَكَذَا إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ أَوْ الدَّوَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عُرِفَ بِالْأَثَرِ إذَا حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَصَارَ كَالْمَرَضِ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ ضَعْفِ قَلْبِهِ، وَهُوَ مَرَض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا وَقَالَ بِشْرٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْذَرُ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْمَنَافِعِ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَنْوَاعٌ: مُمْتَدٌّ جِدًّا كَالصِّبَا يَمْنَعُ، قَاصِرٌ جِدًّا كَالنَّوْمِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَإِنْ امْتَدَّ أُلْحِقَ بِالْمُمْتَدِّ جِدًّا حَتَّى سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ قَصُرَ أُلْحِقَ بِالنَّوْمِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. اهـ. غَايَةٌ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْكُنُوزِ مُعْتَقَلُ اللِّسَانِ كَالْأَخْرَسِ فَإِنْ انْطَلَقَ لِسَانُهُ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ زَادَ عَلَى الدَّوْرَةِ سَاعَةً سَقَطَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إلَى آخِرِهِ) تَخْرِيجًا عَلَى مَا مَرَّ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَالَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِمَا فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ بِالْفَرْقِ إلَّا أَنَّهُمَا مُجِيبَانِ هُنَا بِالتَّمَسُّكِ بِالْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. قَوْلُهُ فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُطَالَبٌ إلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي كِلَا الْبَابَيْنِ وَاتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرَّاوِيَةِ وَالصَّحِيحَ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا فَلَا احْتِيَاجَ إلَى طَلَبِ الْفَرْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ إلَى آخِرِهِ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَتَكَلَّمُ فِي جُنُونِهِ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُ إفَاقَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ) قُلْت يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْبَنْجِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذُكِرَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءُ سِتَّ صَلَوَاتٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْإِغْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِغْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهَا بَعْدَهَا قُلْت لَعَلَّهُ ذَكَرَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِغْمَاءِ بَيْنَ السَّمَاوِيِّ الْمَحْضِ وَبَيْنَ مَا حَصَلَ سَبَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حَالِ الْمُطَالَعَةِ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ هَذَا صَاحِبَ الْمَنْبَعِ قَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ: وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ إنَّمَا يَجِيءُ لِضَعْفِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرَضِ. اهـ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَلَا يَتْلُو بِمَعْنَى قَرَأَ وَتَلَا بِمَعْنَى تَبِعَ مَصْدَرُهُ تُلُوٌّ. اهـ. عَيْنِيٌّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مِنْ حَقِّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقْرَنَ بِبَابِ سُجُودِ السَّهْوِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَالتَّتِمَّةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهَا بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَانُ السَّجْدَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ بَيَانَ صَلَاةِ الْمَرِيضِ بَعْدَ السَّهْوِ لِمَا قُلْنَا إنَّهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ أَلْحَقَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلْحَاقٌ بِبَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ سُقُوطَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ رُخْصَةً لِلْحَرَجِ، وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَثْبُتُ التَّدَاخُلُ رُخْصَةً لِلْحَرَجِ أَيْضًا اهـ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَأَقْوَى وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِسَبَبِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ حَادِثٌ بِهِ وَقَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ حُدُوثَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي إذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَوُجُوبُهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ وَصِّ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ إمَامًا أَوْ سَمِعَ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ أَوْ مُؤْتَمًّا لَا بِتِلَاوَتِهِ) أَمَّا الْوُجُوبُ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْجُدْهَا وَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا مَعَك»، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَسَجَدَ، وَلَنَا أَنَّ آيَاتِ السَّجْدَةِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَمْرٌ صَرِيحٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ ذِكْرُ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَاجِبٌ وَقِسْمٌ فِيهِ ذِكْرُ اسْتِنْكَافِ الْكُفَّارِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ وَاجِبَةٌ؛ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يَسْجُدْ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلْحَالِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إذْ هِيَ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً أَيْ بِتِلَاوَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً وَهِيَ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَالْأُولَى مِنْ الْحَجِّ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وأَلَمْ تَنْزِيلُ وَص وَحم السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] كَذَلِكَ كُتِبَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ مِنْهَا أُولَى الْحَجِّ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ السَّجْدَةِ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لَا يَقْرَأْهُمَا» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فِي الْحَجِّ هِيَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ وَقِرَانُهَا بِالرُّكُوعِ يُؤَيِّدُ مَا رُوِيَ عَنْهُمَا وَمَا رَوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ، ذَكَرَ ضَعْفَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ بِإِحْدَاهُمَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَبِالْأُخْرَى سَجْدَةُ الصَّلَاةِ وَذَمُّ تَارِكِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خُصُوصًا عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِهَا وَخَصَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ص أَيْضًا بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهَا مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ حَتَّى لَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ لَا يَسْجُدُهَا عِنْدَهُ لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي ص وَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي ص وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ شُكْرًا أَيْ لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكٌ لَا سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُذْ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ النَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» وَلَنَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ فِي النَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ فِيهَا فَقُلْتُ مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ «سَجَدْت بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أَزَالَ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي انْشَقَّتْ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]» وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مُتَأَخِّرٌ فِي سَابِعِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ نَافٍ فَلَا يُعَارِضُ الْمُثْبِتَ وَحَدِيثُ زَيْدٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَوْ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْجُدْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَسْجُدْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ كَالْإِمَامِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً بِالِاحْتِمَالِ فَلَا يُعَارِضُ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ. قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ إمَامًا أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلَا، وَلَوْ كَانَ التَّالِي إمَامًا قَوْلُهُ أَوْ سَمِعَ، وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا الْحَجُّ حُدُوثُهُ بِفِعْلِ الْحَاجِّ وَوُجُوبُهُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ حُدُوثُهُمَا بِالشَّرْعِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْت التِّلَاوَةُ سَبَبٌ فِي حَقِّ التَّالِي وَالسَّمَاعُ سَبَبٌ فِي حَقِّ السَّامِعِ فَلِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ بَابٌ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ فِي حَقِّ السَّامِعِ بَلْ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ التِّلَاوَةُ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْض مَشَايِخِنَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ سَبَبٌ فِي حَقِّهِ لَكِنْ إنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ أَصْلًا فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ إذَا لَمْ تُوجَدْ لَا يُوجَدُ السَّمَاعُ اهـ قَالَ الْوَبَرِيُّ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ التِّلَاوَةُ لِلسَّجْدَةِ وَسَمَاعُهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ يَجِبُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِتِلَاوَتِهَا فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الظَّرْفِ أَيْ يَجِبُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً اهـ ع قَالَ فِي الْكُنُوزِ وَمَنْ قَرَأَ آيَاتِ السُّجُودِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَهَمَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَاجِبٌ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90]. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ أَيْ لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ. اهـ. غَايَةٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ عَزَائِمُ السُّجُودِ أَرْبَعَةٌ الم تَنْزِيلُ، وحم، وَالنَّجْمُ، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ) أَيْ «وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي انْشَقَّتْ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا» وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ الْقَاصِدَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ قَصَدَ بِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَجْعُولٌ لِلْحُكْمِ. اهـ. فَتْحٌ

فَصْلٍ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] ذَمَّ السَّامِعِينَ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مُؤْتَمًّا أَيْ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مُؤْتَمًّا، وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةَ إمَامِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَإِنْ قَرَأَ سِرًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ الْقِرَاءَةِ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَهَا، وَقَوْلُهُ لَا بِتِلَاوَتِهِ أَيْ لَا يَجِبُ بِتِلَاوَةِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِصَلَاةِ إمَامِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَيَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَلَا مَانِعَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ التِّلَاوَةِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَلَيْسَ هُوَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ تَحَمَّلَ عَنْ الْمُقْتَدِي فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فَلَا حُكْمَ لِقِرَاءَتِهِ كَسَهْوِهِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا فَتُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُمَا غَيْرَ أَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِقِرَاءَتِهَا، وَلَا بِسَمَاعِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ رُكْنُ الصَّلَاةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لَهَا وَبِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا تِلَاوَةُ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَكُونُ صَلَاتِيَّةً ضَرُورَةً وَالصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ تَلَاهَا الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعُوهَا مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَسْجُدُونَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ مُسْتَنِدٌ إلَى التِّلَاوَةِ وَهِيَ خَارِجَ الصَّلَاةِ. ، وَلَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ لِلْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا تَجِبُ وَتَتَأَدَّى فِيهِ ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكُفْرٍ أَوْ لِصِغَرٍ أَوْ لِجُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ تَجِبُ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَكَذَا لَا تَجِبُ بِقِرَاءَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ طُوطِيٍّ لَا تَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِهِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ السَّمَاعُ وَلَا يَسْجُدُهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا أَعَادَهَا) أَيْ أَعَادَ السَّجْدَةَ لَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذِهِ التِّلَاوَةِ مُؤَخَّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَى قَلْبِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ التِّلَاوَةِ) أَيْ إنْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ وَتَابَعَهُ التَّالِي الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ التِّلَاوَةِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي وَيُتَابِعُهُ السَّامِعُ وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّالِي الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا» وَلِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيُصَفُّ الْقَوْمُ خَلْفَهُ فَيَسْجُدُونَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ) فَخَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْقِرَاءَةِ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلَيْسَا بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا) أَيْ حَتَّى لَا تَنْفُذَ قِرَاءَةُ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا؛ وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهُمَا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ. اهـ. كَافِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَثَرُ الْحَجْرِ عَدَمُ اعْتِبَارِ فِعْلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِهِ وَأَثَرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَرْكُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ فَالْمَحْجُورُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفُذُ فِعْلُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ شَاءَ أَوْ أَبَى كَمَا لَوْ فَعَلَهُ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِيَّتِهِ، وَالْمَأْمُومُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ حَتَّى تُعَدَّ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَصَارَتْ قِرَاءَةً لَهُ كَتَصَرُّفِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فَكَأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قِرَاءَتُهُ فَكَانَتْ كَعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَإِنَّهُمَا مَنْهِيَّانِ فَكَانَتْ مَمْنُوعَةً لَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا بِعَدَمِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي السِّرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْسِنُ قِرَاءَةَ الْمُؤْتَمِّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَلْ مُجَوِّزًا لَهُ التَّرْكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي اسْتِحْسَانَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ. وَالْحَقُّ عَنْهُ خِلَافُهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَا وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْوُجُوبِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا بِتِلَاوَتِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بِتِلَاوَتِهَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ بِسَمَاعِهَا مِنْ غَيْرِ حَائِضٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ السَّبَبِ لِلصَّلَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهَا وَالسَّجْدَةُ جُزْءُ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ بَلْ نَظَرًا إلَى ذَاتِهَا اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً فَلَا فَرْقَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِسَبَبِهَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ بِسَبَبِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ بِالتِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ سُجُودٌ وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ مِنْهُمْ إذَا كَانَ أَهْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ فَلَا يَعْدُوهُمْ) إذْ عِلَّةُ الْحَجْرِ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ وُجِدَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَتَثْبُتُ تِلْكَ الْعِلَّةُ، وَهُوَ الْحَجْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَلَا) أَيْ مَنْ يَكُونُ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي حُكْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ سَمَاعُ تِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ، وَصِحَّةُ التِّلَاوَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمَنْبَعِ، وَفِي الْوَبَرِيِّ سَبَبُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ: التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا، ثُمَّ التِّلَاوَةُ تُوجِبُ التِّلَاوَةَ عَلَى التَّالِي بِشَرْطَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا جُنُونًا مُمْتَدًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَقِيبَ طُهْرٍ دُونَ الْعَشَرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَالتَّالِي إذَا كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ مَجْنُونًا قَاصِرًا بِأَنْ كَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ بِأَقَلَّ لَزِمَتْهُ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا وَالصَّبِيُّ يُؤْمَرُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَلَتْهَا الْمَرْأَةُ فِي صَلَاتِهَا فَحَاضَتْ قَبْلَ السُّجُودِ سَقَطَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ التَّالِي مُؤْتَمًّا. اهـ.

سَبَبًا إلَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلَاهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ سَجَدَ مَعَهُ وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ تَحْرِيمَتُهُ بِذَلِكَ وَقِيلَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا صَارَ رَافِضًا لَهَا كَمَنْ صَلَّى النَّفَلَ فِي خِلَالِ الْفَرْضِ وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُعِيدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّجْدَةَ الْوَاحِدَةَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُ كَسَجْدَةِ الشُّكْرِ فَيَتَحَقَّقُ الِانْتِقَالُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ سَمِعَ مِنْ إمَامٍ فَأَتَمَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ سَجَدَ مَعَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا سَجَدَهَا مَعَهُ تَبَعًا لَهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ مَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَا يَسْجُدُهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَهَذَا إذَا أَدْرَكَهُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لِلسَّجْدَةِ بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَهَا فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ فَلَا تُقْضَى خَارِجَهَا فَصَارَ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ حَيْثُ لَا يَقْنُتُ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَيْثُ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ رَاكِعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَلَا فَاتَ مَحَلُّهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا لِلسَّجْدَةِ وَلَا تَصِيرُ هِيَ صَلَاتِيَّةً فَيُؤَدِّيهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا وَلَكِنْ تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً فَلَا يُؤَدِّيهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِالْإِمَامِ (سَجَدَهَا) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ الصَّلَاتِيَّةُ خَارِجَهَا) أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَلِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالُهَا لَا تَتَأَدَّى خَارِجَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَلَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ وَأَعَادَهَا فِيهَا) أَيْ أَعَادَ تِلَاوَتَهَا فِي الصَّلَاةِ (سَجَدَ أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ أَقْوَى فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَسْجُدْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ حَتَّى دَخَلَ فِيهَا فَتَلَاهَا فَسَجَدَ لَهَا أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاتِيَّةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٌ، وَالصَّلَاتِيَّةُ أَقْوَى فَصَارَتْ الْأُولَى تَبَعًا لَهَا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَسْجُدُ لِلْأُولَى إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ قَدْ تَبَدَّلَ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَبَدَّلَ بِعَمَلٍ آخَرَ؛ وَلِهَذَا لَوْ سَجَدَ لِلْأُولَى، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبَقِ فَاسْتَوَيَا فَلَا تَسْتَتْبِعُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَبِمِثْلِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا أَكْمَلَ فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ لَا لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ كَالسُّنَنِ لِلْفَرَائِضِ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَلَاهَا فِي صَلَاةٍ بَعْدَ مَا سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ تَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَا تَكْفِيهِ وَفِي الْوَبَرِيِّ لَوْ سَمِعَ الْمُصَلِّي آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ تَلَاهَا أَجْزَأَتْهُ وَاحِدَةٌ عَنْ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا سَقَطَ الْكُلُّ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ الَّتِي سَمِعَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ لَا فِي مَجْلِسَيْنِ) أَيْ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الصَّلَاتِيَّةُ كَمَا تُجْزِئُ مَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُجْعَلُ كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَدَاخَلُ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى السُّجُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ مَا أَمْكَنَ وَإِمْكَانُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَغَيْرِهِ وَالْقَارِئُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّكْرَارِ لِلْحِفْظِ وَالتَّعْلِيمِ وَالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ تُجْعَلَ التِّلَاوَاتُ كُلُّهَا كَتِلَاوَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا سَبَبًا وَالْبَاقِي تَبَعًا لَهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ إذْ السَّبَبُ مَتَى تَحَقَّقَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ حُكْمِهِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِهَا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ أَلْيَقُ فِي الْعُقُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَهُوَ يَنْزَجِرُ بِوَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَهَا إلَى آخِرِهِ)، وَإِنْ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَسَجَدَ ثُمَّ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي مَكَانِهِ فَقَرَأَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَجَدَ أَوَّلًا حَتَّى شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَكَانِهِ فَقَرَأَهَا فَسَجَدَ لَهُمَا جَمِيعًا أَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الَّتِي تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ تَلَاهَا، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى فَرَغَ سَقَطَتْ إحْدَاهُمَا وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى. اهـ. تَتَارْخَانْ

[مواضع سجود التلاوة]

فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ تَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ، ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ الْمَجْلِسُ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ، وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ كَبِيرًا يَخْتَلِفُ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ وَفِي الدَّوْسِ وَتَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالسَّجِّ فِي نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ تَتَكَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ لِلْأَمَاكِنِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّحَادِ الْمَكَانِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ مَا قَرَأَهَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعَوْدِ لَا تَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا وَلَا تَقْطَعُ الْكَلِمَةُ وَلَا الْكَلِمَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، وَالْكَثِيرُ قَاطِعٌ، وَلَوْ تَلَاهَا فَسَجَدَ ثُمَّ أَطَالَ الْجُلُوسَ أَوْ الْقِرَاءَةَ فَأَعَادَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي تَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ عَلَى مَا قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَيْفِيَّتُهُ) أَيْ وَكَيْفِيَّةُ السُّجُودِ (أَنْ يَسْجُدَ بِشَرَائِطِ الصَّلَاةِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ بِلَا رَفْعِ يَدٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ) أَيْ بِلَا تَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ تَكْبِيرَةٌ عِنْدَ الْوَضْعِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ الرَّفْعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ دُونَ الِانْتِهَاءِ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ فِي الِابْتِدَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الِانْتِهَاءِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكَبِّرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلِانْتِقَالِ فَيَأْتِي بِهِ فِيهِمَا اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَقَوْلُهُ بِلَا رَفْعِ يَدٍ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ فِي السَّجْدَةِ يَعْنِي لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ» وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْلِيلِ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، ثُمَّ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّ الْخُرُورَ فِيهِ أَكْمَلُ فَكَانَ أَوْلَى وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا وَيُوهِمُ الْفِرَارَ مِنْ لُزُومِ السَّجْدَةِ وَهِجْرَانَ بَعْضِ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ مُبَادِرٌ إلَيْهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لِدَفْعِ وَهْمِ التَّفْضِيلِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَهُوَ أَحَبُّ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ أَعَمَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَا كَذَلِكَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَاسْتَحْسَنُوا إخْفَاءَهَا شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ وَقِيلَ: إنْ وَقَعَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ جَهَرَ بِهَا لِيَكُونَ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ. [مواضع سُجُود التِّلَاوَة] وَمَوْضِعُ السُّجُودِ فِي حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] وَفِي النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] وَشَذَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] وَقِيلَ: عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَلا يَسْجُدُوا} [النمل: 25] بِالتَّخْفِيفِ وَفِي ص عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29] وَفِي الِانْشِقَاقِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِي آخِرِ السُّورَةِ. ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ السَّجْدَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ قَرَأَ {وَاسْجُدْ} [العلق: 19] وَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ {وَاقْتَرَبَ} [الأنبياء: 97] تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ قَرَأَهَا فِي زَوَايَا الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْتِ وَالدَّارِ وَقِيلَ فِي الدَّارِ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً كَبَيْتِ السُّلْطَانِ فَتَلَا فِي دَارٍ مِنْهَا، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا تَلَا فِي دَارٍ، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْحُجَّةِ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَتَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ كَثِيرًا فَأَعَادَ التِّلَاوَةَ يَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ الَّذِي عَقَدَهُ آخِرَهَا فِيمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - رَجُلٌ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غُصْنٍ آخَرَ فَأَعَادَهَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ بِدُونِ نُزُولٍ مِنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالنُّزُولِ مِنْ الْأَوَّلِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ غَيْرُ مُتَّحِدٍ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ مِرَارًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ يَسُوقُ الدَّابَّةَ خَلْفَهُ وَجَبَ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى سَائِقِ الدَّابَّةِ بِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ. اهـ. [كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة] (بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ). وَهُوَ مُفَاعِلٌ مِنْ سَافَرَ بِمَعْنَى سَفَرَ؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ. اهـ. عَيْنِيٌّ السَّفَرُ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ إلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَلِكَ اهـ كَمَالٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ قَدْرُهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَقِيقَةَ السَّيْرِ فِيهَا حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَصَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) قَوْلُهُ وَسَطًا صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ السَّيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ، تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا وَلَا أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ كَلَامُهُ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ أَحَدَهَا - بَيَانُ مَوْضِعٍ يُبْتَدَأُ فِيهِ بِالْقَصَرِ وَالثَّانِيَ - بَيَانُ اشْتِرَاطِ قَصْرِ السَّفَرِ، وَالثَّالِثَ - بَيَانُ قَدْرِ مَسَافَتِهِ وَالرَّابِعَ - تَحَتُّمُ الْقَصْرِ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ الْمُجَاوَزَةُ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ جَاوَزَ عُمْرَانَ الْمِصْرِ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أَبْنِيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِرُبَضِ الْمِصْرِ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ اشْتِرَاطِ قَصْدِ السَّفَرِ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ مُقَدَّرَةٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ وَإِلَّا لَا يَتَرَخَّصُ أَبَدًا، وَلَوْ طَافَ الدُّنْيَا جَمِيعَهَا بِأَنْ كَانَ طَالِبَ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ يَعْنِي إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُسَافِرُ قَصَرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ بَيَانُ مَسَافَةِ السَّفَرِ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ مَسَافَةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَحْكَامُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ، وَهُوَ سَيْرُ الْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»، وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ شُرِعَ لَهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ، وَالْمُسَافِرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي جَانِبِ الْمُقِيمِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَدَّرَ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ لِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ فَاقْتَضَى تَقْدِيرُهُ بِهِ ضَرُورَةً وَإِلَّا لَخَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَى آخِرِهِ) فِي الْيَنَابِيعِ الْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ فِي الْكِتَابِ النُّهُرُ دُونَ اللَّيَالِيِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ إلَى آخِرِهِ) تَفْصِيلٌ لِلسَّيْرِ الْمُتَّصَفِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالتَّقْدِيرُ سَيْرًا مُتَّصَفًا بِكَوْنِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَاصِلًا أَوْ وَاقِعًا فِي بَحْرٍ أَوْ فِي بَرٍّ أَوْ فِي جَبَلٍ اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِيَخْرُجَ عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ وَقَيَّدَ بِالرُّبَاعِيِّ لِيَخْرُجَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ. اهـ. دِرَايَةٌ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] الْآيَةَ وَقَدْ انْتَسَخَ التَّعْلِيقُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ عَامًّا وَبِعُمُومِهِ أَخَذَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ فَلَمْ يُقَدِّرُوهُ بِمُدَّةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الضَّرْبِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ وَلَيْسَ فِي التَّرْكِيبِ مَا ذَكَرَهُ بَلْ قَوْلُهُ سَيْرًا هُوَ مَفْعُولُ قَوْلِهِ مُرِيدًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا السَّيْرَ مُتَّصِفٌ بِشَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ وَسَطًا وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَلَكِنَّهُ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ السَّيْرِ مُطْلَقًا لَا يُرَخَّصُ لَهُ بَلْ حِينَ أَرَادَ السَّيْرَ الْوَسَطَ الْمُقَدَّرَ بِثَلَاثَةٍ فَحِينَئِذٍ انْتِصَابُ سَيْرًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَانْتِصَابُ وَسَطًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ سَيْرًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَفْعُولًا لِقَوْلِهِ مُرِيدًا فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مُرِيدًا بِسَيْرٍ وَسَطٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ فِيهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَشَى حَتَّى بَلَغَ الْمَقْصِدَ وَقْتَ الزَّوَالِ هَلْ يَصِيرُ مُسَافِرًا بِهَذَا أَوْ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَصْدِ مَسَافَةٍ إلَى آخِرِهِ)، وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَصْدِ مَعَ السَّيْرِ لَا السَّيْرِ الْمُجَرَّدِ وَالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ، وَالْإِقَامَةُ ضِدُّ السَّفَرِ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِ دَاعِيَةٌ إلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ أَمَّا السَّفَرُ فَإِنْشَاءُ فِعْلٍ فَلَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَلَى هَذَا قَالُوا أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَكَذَا الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا، وَلَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَعَلِمَ بِهِ أَهْلُ دَارِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ أَوْ عَلِمُوا وَلَمْ يَخْشَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ عَلَى إقَامَتِهِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْرِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ فَيَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْرِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِسَيْرٍ مُتَوَسِّطٍ) أَيْ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ الَّتِي تَتَخَلَّلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ) الْمُرَادُ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ سَيْرُ الْقَافِلَةِ اهـ. وَإِنَّ أَعْجَلَ السَّيْرَ سَيْرُ الْبَرِيدِ وَأَبْطَأَهُ سَيْرُ الْعَجَلَةِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى آخِرِهِ)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَبْلُغَ مَقْصِدَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَوْ قَدَرَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَسْحِ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ

بَعْضُ الْمُسَافِرِينَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّيْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرْحَلَةٌ خُصُوصًا فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقِيلَ: إنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْفَرَاسِخِ فَقُدِّرَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَقِيلَ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةَ السَّفَرِ فِي الْمَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّ وَإِنْ أَسْرَعَ فِي السَّيْرِ وَسَارَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ يَنْظُرَ كَمْ تَسِيرُ السَّفِينَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً مُعْتَدِلَةً فَيُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ الْمُقَدَّرُ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَعِنْدَنَا فَرْضُ الْمُسَافِرِ فِي الرَّبَاعِيَةِ رَكْعَتَانِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ اعْتِبَارًا بِالصَّوْمِ وَلَنَا حَدِيثُ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «صَحِبْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّفَرِ رَوَى الْقَصْرَ فَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ أَرْبَعًا لَمَا تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الدَّوَامِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَشَقَّ وَالْعَزِيمَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَ فِي حَقِّهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِأَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَا يُقْضَى، وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُهَا فَصَاعِدًا لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ حَتَّى بَلَغَ الْمَرْحَلَةَ فَنَزَلَ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَشَى إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ فِي الثَّالِثِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ الْحَدِيثُ إلَى حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُقْضَى مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لِتَعَذُّرِ مُوَاصَلَةِ السَّيْرِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِهِ شَرَعَا حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَرْعًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةً وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ هَذَا الْقَوْلِ وَاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ وَإِنْ صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى هَذَا يَقُولُ: لَا يَقْصُرُ هَذَا الْمُسَافِرُ وَأَنَا لَا أَقُولُ بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ بَلْ إنَّهُ لَا مَخْلَصَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ إلَّا بِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِأَحَدِ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ سَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ لَوْ سَارَ مُسْتَعْجِلًا كَالْبَرِيدِ فِي يَوْمٍ قَصَرَ فِيهِ وَأَفْطَرَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَهُوَ قَطْعُ مُسَافِرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ كَذَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَا، وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِمَنْعِ قَصْرِ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ. وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ أَعْنِي لِلتَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَجْعُولَةُ مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ الْمُقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَسْحِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَنَّ بِالْأَكْثَرِ يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَرْعُ، وَهُوَ مَا إذَا وَصَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى الْمَقْصِدِ فَلَوْ صَحَّ تَفْرِيعُهُمْ جَوَازَ التَّرَخُّصِ مَعَ سَيْرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ إذَا قَطَعَ فِيهِ قَدْرَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ يَبْطُلُ الدَّلِيلُ وَلَا دَلِيلَ غَيْرُهُ فِي تَقْدِيرِهِمْ أَدْنَى مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَبْطُلُ أَصْلُ الْحُكْمِ أَعْنِي تَقْدِيرَهُمْ أَدْنَى السَّفَرِ يَتَرَخَّصُ بِثَلَاثَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ يَحْكِي خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَيَنْقُلُ اخْتِلَافَ عِبَارَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةً عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ، وَهَذَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ «عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَإِعْلَالُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ مَدْفُوعٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَهَذَا آيَةُ النَّافِلَةِ) يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ فَرْضًا إلَّا كَوْنَهُ مَطْلُوبًا أَلْبَتَّةَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا عَلَى الْخِلَافِ الِاصْطِلَاحِيِّ فَإِثْبَاتُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَتَرْكِهِ رُخْصَةٌ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَيْسَ حَقِيقَةً إلَّا نَفْيُ الِافْتِرَاضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْفَرْضِ فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّرَخُّصِ مَعَ قِيَامِ الِافْتِرَاضِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ إلْزَامِ بَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ الَّتِي عُهِدَتْ لَازِمَةً فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَطْعِيٌّ فِي الْإِسْقَاطِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْضِ مَا بَقِيَ. اهـ. فَتْحٌ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ إلَى آخِرِهِ مُشْكَلٌ بِالزَّائِدِ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا، وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ مَعَ أَنَّهُ يَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا بِالزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْفَرْضِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَبِصَوْمِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَا يُعَاقَبُ، وَلَوْ فَعَلَهُ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا مِنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ عَلَى الْحَجِّ لَوْ تَرَكَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَتَمَّ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ صَحَّ) أَيْ أَتَمَّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَعَدَ فِي الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّ فَرْضُهُ وَالْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ فَرْضُهُ لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَأَمَّا إذَا نَوَاهَا بَعْدَ مَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ صَحَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا بِالنِّيَّةِ فَانْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَتَرْكُ الْقَعْدَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ غَيْرُ مُفْسِدٍ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ). وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَصِحُّ فَرْضُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مُقِيمًا وَالثَّانِيَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا إلَى آخِرِهِ مَعْنَاهُ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ قَصَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مِصْرِهِ فَيَدْخُلُهُ أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالُوا: إنَّمَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ الْمِصْرِ لِلْإِتْمَامِ إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيُتِمُّ بِمُجَرَّدِ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ السَّفَرَ قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ يَنْفِي صِحَّةَ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهَا هَذَا إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ بَلْ تَصِحُّ، وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ وَقَدَّرَ الْإِقَامَةَ بِنِصْفِ شَهْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا قَدِمْت بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْمِلْ صَلَاتَك، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصِرْهَا وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ الرَّأْيُ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ مُطْلَقِ اللُّبْثِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْهُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُسَافِرًا أَبَدًا فَقَدَّرْنَاهَا بِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ كَمَا قَدَّرْنَا الْحَيْضَ وَالسَّفَرَ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعَاقَبُ، وَلَوْ أَتَى بِمِثْلِهِ يُثَابُ وَيَقَعُ فَرْضًا قُلْنَا الزَّائِدُ عَلَى آيَتَيْنِ وَثَلَاثٍ إنَّمَا يَقَعُ فَرْضًا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَأْمُورِ لِحُصُولِ الِامْتِثَالِ بِهِ وَلَكِنْ لَوْ أَتَى بِالزِّيَادَةِ يَقَعُ فَرْضًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْأَمْرِ وَيَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الْأَمْرِ إيَّاهَا عَلَى مَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي الْأُصُولِ فَالْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمَا وُجِدَ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ يَكُونُ فَرْضًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالظُّهْرِ غَيْرُ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِالرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِرَكْعَةٍ لَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا صَلَاةٌ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ، ثُمَّ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الرَّكْعَتَانِ لِلْفَرْضِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْقَ الْأَرْبَعُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا أَمَّا الصَّوْمُ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَالْمَأْمُورُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ شَيْءٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ بِالْإِفْطَارِ فَلَا يُعَاقَبُ بِالتَّرْكِ. وَلَوْ أَتَى بِهِ يَقَعُ فَرْضًا وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنَّمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ فَأَمَّا إذَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فَقَدْ حَدَثَتْ لَهُ الِاسْتِطَاعَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ الِاسْتِطَاعَةُ بِالْبَدَنِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ فَيَقَعُ مَا أَدَّى فَرْضًا كَمَا لَوْ صَارَ غَنِيًّا كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ، وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ، وَفِي الْمُحِيطِ اُخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ وَلَا قَصْرَ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ تَخْفِيفًا، وَهُوَ فِي الْفَرَائِضِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فَقِيلَ: التَّرْكُ أَفْضَلُ تَرَخُّصًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُهَا وَقِيلَ الْفِعْلُ أَفْضَلُ تَقَرُّبًا وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ حَالَ النُّزُولِ الْفِعْلُ أَفْضَلُ وَحَالَ السَّيْرِ التَّرْكُ أَفْضَلُ وَقِيلَ: يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ لِقُوَّتِهَا وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا بَأْس بِتَرْكِ السُّنَنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ أَفْضَلُ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ حَالَ السَّيْرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُهُ الْمُكْثُ لِأَدَائِهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ لَوْ افْتَتَحَهَا الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَعَادَ حَتَّى يَفْتَتِحَهَا بِنِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ الرَّازِيّ، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَقَدْ خَالَفَ فَرْضَهُ كَنِيَّةِ الْفَجْرِ أَرْبَعًا، وَلَوْ نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَوَاهَا أَرْبَعًا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ فَهِيَ مُلْغَاةٌ كَمَنْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ، ثُمَّ نَوَى الْعَصْرَ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ إلَخْ إذْ السَّلَامُ وَاجِبٌ وَلِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي النَّفْلِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّ فَرْضُهُ) أَيْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْخِلَافُ مَذْكُورٌ فِي الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَيَنْوِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَنِيَّتُهُ الْإِقَامَةُ بِالْقَرْيَةِ وَالْبَلَدِ مُتَحَقِّقَةٌ حَالَ سَفَرِهِ إلَيْهَا قَبْلَ دُخُولِهَا لَكِنْ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ إلَخْ) حَتَّى إنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِطْرَهُ فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ السَّفَرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاحْتِمَالِهِ النَّقْضَ إذَا لَمْ يَسْتَحْكِمْ إذْ لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالَ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ. اهـ. فَتْحٌ أَيْ احْتَاجَ مَنْ قَالَ: الْعِلَّةُ اسْتِكْمَالُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَى الْجَوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ إلَخْ) قَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فَقَدَّرْنَاهَا لِمُدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ فَهَذَا قَوْلٌ قِيَاسٌ أَصْلُهُ مُدَّةُ السَّفَرِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُهَا مُوجِبَةَ مَا كَانَ سَاقِطًا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ وَهِيَ الْفَرْعُ فَاعْتُبِرَتْ كَمِّيَّتُهَا بِهَا، وَهُوَ الْحُكْمُ وَإِصْلَاحُهُ بِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْخَبَرِ وَجَدْنَاهُ عَلَى وَفْقِ صُورَةِ قِيَاسٍ ظَاهِرٍ فَرَجَّحْنَا بِهِ الْمَرْوِيَّ عَنْ

مُسْقِطَتَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِمَكَّةَ وَمِنًى) أَيْ لَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَمِنًى حَيْثُ لَا يُتِمُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ إذْ لَوْ جَازَتْ فِي مَكَانَيْنِ لَجَازَتْ فِي أَمَاكِنَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ السَّفَرَ لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمُسَافِرِ فِي الْمَرَاحِلِ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَكْثَرَ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي اللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ تُضَافُ إلَى مَبِيتِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ فِي حَارَةِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ فِي الْأَسْوَاقِ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ بِأَنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَوْطِنٍ وَاحِدٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ) أَيْ قَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَهُ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِدُونِ عَزِيمَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَإِنْ حَاصَرُوا مِصْرًا أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ مَعْنَاهُ قَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَلَوْ حَاصَرُوا مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِهِمْ أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ وَالْجَزِيرَةِ وَالسَّفِينَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ ظَاهِرًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرَدُّدِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَنْ دَخَلَ بَلْدَةً لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَنَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى حَاجَتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ يَخْرُجُ مِنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) يَعْنِي حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِمَكَّةَ وَمِنًى إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَالًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ لَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا فِي مَوَاضِعَ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَخْلُو عَنْهُ السَّفَرُ فَلَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُ الرُّخْصَةِ حِينَئِذٍ فَلَوْ نَوَى الْمَبِيتَ فِي أَحَدِهِمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُقِيمًا بِالْمَبِيتِ فِي أَحَدِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا دَخَلَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ مَكَّةَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ دَخَلَ قَبْلَ أَيَّامِ الْعَشْرِ لَكِنْ بَقِيَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا يَصِحُّ قِيلَ: كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا فَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ فَلَمَّا رَجَعْت إلَى مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ فَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا تَصِيرُ مُسَافِرًا فَقُلْت فِي نَفْسِي أَخْطَأْت فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَنْفَعْنِي مَا جَمَعْت مِنْ الْأَخْبَارِ فَدَخَلْت مَسْجِدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ إلَخْ)؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَقَامَ بِأَذَرْبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمِنًا وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي دَارِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَالْأَسِيرُ إذَا انْفَلَتَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَتَوَطَّنَ فِي غَارٍ أَوْ سَرَبٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ إلَخْ) أَمَّا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ لِلْإِقَامَةِ بِلَا خِلَافٍ اهـ ع (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ)؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ مُوَطَّنُونَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ هُزِمُوا قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ أَمْرٌ مُجَوَّزٌ لَمْ يُقِيمُوا، وَهَذَا مَعْنَى قِيَامِ التَّرَدُّدِ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمْ تُقْطَعْ النِّيَّةُ عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ قَطْعِ النِّيَّةِ مِنْ قَطْعِ الْقَصْدِ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَدَدِ إلَى الْعَدُوِّ وَوُجُودِ مَكِيدَةٍ مِنْ الْقَلِيلِ يُهْزَمُ بِهَا الْكَثِيرُ قَائِمٌ، وَذَلِكَ بِمَنْعِ قَطْعِ الْقَصْدِ؛ وَلِهَذَا يُضَعَّفُ تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ الصِّحَّةَ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ لَا إنْ كَانُوا فِي الْأَخْبِيَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ بُيُوتِ الْمَدَرِ لَيْسَ عَلَى ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ بَلْ مَعَ النِّيَّةِ وَلَمْ تُقْطَعْ. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ الصِّحَّةُ أَيْ صِحَّةُ النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَفَازَةِ) أَيْ فَصَارَ الْمِصْرُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْفَتْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَسْكَرِ كَالْمَفَازَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ قَبْلَ الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَصِحُّ بِنِيَّتِهِمْ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَفِي مُحَاصَرَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) أَيْ كَالْأَعْرَابِ وَالْأَتْرَاكِ وَالرِّعَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَالْأَخْبِيَةُ جَمْعُ خِبَاءٍ، وَهُوَ بَيْتُ الشَّعْرِ اهـ ع (قَوْلُهُ يَعْنِي حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ إلَخْ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَعَلَّلَ فِيهِ بِوَجْهَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ إلَخْ) وَالسَّفَرَ عَارِضٌ فَحَمْلُهُمْ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ النِّيَّةِ إلَى مَكَان إلَيْهِ مُدَّةُ السَّفَرِ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ ذَلِكَ قَطُّ بَلْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى فَكَانُوا مُقِيمِينَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي التُّحْفَةِ الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ وَالتَّرَاكِمَةُ وَالرِّعَاءُ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي بُيُوتِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ مُقِيمُونَ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُمْ الْمَفَاوِزُ عَادَةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ

فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى بِخِلَافِ الْعَسْكَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَأَتَمَّ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى أَرْبَعٍ كَمَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْأَرْبَعِ لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ؛ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَصْدًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَلْتَزِمْ قَصْدًا وَإِنَّمَا قَصَدَ إسْقَاطَ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ حُكْمًا لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ صَحَّ فِيهِمَا) أَيْ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ جَازَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ أَمَّا جَوَازُهُ فِي الْوَقْتِ فَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِمَكَّةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ فَقَالَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ كُلُّ مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُقِيمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ جَائِزٌ وَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُ أَقْوَى مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَمَّا إذَا ارْتَحَلُوا عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ فِي الصَّيْفِ وَقَصَدُوا مَوْضِعًا آخَرَ لِلْإِقَامَةِ فِي الشِّتَاءِ وَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُسَافِرِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى ذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ الْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ وَحَالُهُ فِي السَّفِينَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَفِينَتُهُ لَيْسَتْ بِوَطَنٍ لَهُ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ، وَفِي الْمُحِيطِ صَاحِبُ السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ وَطَنِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى) يَعْنِي هُمْ لَا يَقْصِدُونَ سَفَرًا بَلْ الِانْتِقَالَ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْمَقَامُ فِي الْمَفَاوِزِ فَكَانَتْ فِي حَقِّهِمْ كَالْقُرَى فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى. اهـ. فَتْحٌ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بَلْ هُوَ مُسَافِرٌ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي مَرْعًى أَوْ جَزِيرَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ صَحَّ وَأَتَمَّ) أَيْ سَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ كُلِّهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَدْرَكَ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ الْمُغَيَّرِ بِالسَّبَبِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: انْعِقَادُ الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لِلتَّغَيُّرِ مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ وَصِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى تَغَيُّرِ فَرْضِهِ، إذْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ التَّغَيُّرُ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَصِحَّتُهُ عَلَى التَّغَيُّرِ، وَهُوَ دَوْرٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ لَا دَوْرُ تَرَتُّبٍ فَإِنْ ثَبَتَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّغَيُّرِ مَعًا إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُلَاحَظَةِ يَكُونُ ثُبُوتُ التَّغَيُّرِ لِتَصْحِيحِ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَلَا مَانِعَ إلَّا عَدَمُ التَّغَيُّرِ، وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِفَرْضِ ثُبُوتِ التَّغَيُّرِ بِمَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ فَلْيَكُنْ طَلَبُ الشَّرْعِ تَصْحِيحَ الِاقْتِدَاءِ سَبَبًا لَهُ أَيْضًا فَيَثْبُتُ عِنْدَ الِاقْتِدَاءِ فَتَثْبُتُ الصِّحَّةُ مَعَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْسَدَهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِفْسَادُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ زَالَتْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ، وَلَوْ أَمَّ مُسَافِرٌ مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ تَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ قَامَ فَذَهَبَ، ثُمَّ نَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَرْبَعًا لِوُجُودِ الْمُغَيَّرِ فِي مَحَلِّهِ وَصَلَاةُ مَنْ تَكَلَّمَ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي وَقْتٍ لَوْ تَكَلَّمَ إمَامُهُ لَمْ تَفْسُدْ فَكَذَا صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ نِيَّتِهِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا ثُمَّ تَكَلَّمَ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لِلتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ زَالَتْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَعْدَهُ لَا) قَالَ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ هَذَا فِي صَلَاةٍ تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ أَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ كَالْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا خَرَجَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ خَرَجَ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَلَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اقْتَدَى صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا لِلتَّبَعِيَّةِ كَالْمُقِيمِ وَصَلَاةُ الْمُقِيمِ لَا تَصِيرُ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَوْ نَامَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَانْتَبَهَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَعْنِي يُتِمُّ أَرْبَعًا. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فَلَا يَفْسُدُ وَالْحَرْفُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي وَقْتٍ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِضِيقِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَغَابَتْ الشَّمْسُ أَتَمَّهَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ أَتَمَّهَا وَقَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَيْ قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ قَصْدًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْقِضَاءِ السَّبَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ تَبَعًا بِالِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ) أَيْ الْأُولَى إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ فَرْضُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ اسْمَ النَّفْلِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالتَّرْكِ. اهـ. فَتْحٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقَعْدَةِ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْآخِرِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَفْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ انْتَقَلَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ إلَى الْأُولَيَيْنِ فَتَبْقَى الْأُخْرَيَانِ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ امْتَنَعَ لِأَجْلِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ

صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُونَ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ لَا السَّفَرِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَهُوَ مَوْلِدُ الْإِنْسَانِ أَوْ الْبَلْدَةِ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا وَوَطَنُ إقَامَةٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا وَوَطَنُ سُكْنَى وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْوِي أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْوَطَنَ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَائِدَتَهُ مِنْ قَرِيبٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لَا بِمَا دُونَهُ وَقَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ أَيْ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا عَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مُسَافِرًا حَيْثُ قَالَ «فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» هَذَا إذَا انْتَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَهْلِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ بِأَهْلِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْدَثَ أَهْلًا بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَلَا يَبْطُلُ وَطَنُهُ الْأَوَّلُ وَيُتِمُّ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ لَا السَّفَرِ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ لَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْأَصْلِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ أَيْ يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ أَيْ وَيَبْطُلُ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَبِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْأَوْطَانِ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِيهَا إذَا أَدْخَلَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ قَبْلَ أَنْ تَبْطُلَ وَتُتَصَوَّرُ تِلْكَ الْفَائِدَةِ فِي وَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْرِيمَةَ الْمُسَافِرِ أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَتَحْرِيمَةَ الْمُقِيمِ مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ اهـ مِنْ خَطِّهِ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ انْتَقَلَتْ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَجِبُ جَعْلُهُ فِيهِمَا. اهـ. . (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَقْرَءُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمْ إذَا سَهَوْا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى) أَيْ فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَاحِقًا كَانَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَكَانَ مُقْتَدِيًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ حَقِيقَةً فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُقْتَدٍ وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ إذْ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَدَارَتْ قِرَاءَتُهُ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ الِامْتِنَاعِ وَالْمَنْدُوبَ جَائِزُ التَّرْكِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا أَثِمَ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةً نَافِلَةً فَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضًا فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ إلَى آخِرِهِ) وَيُسَمَّى وَطَنُ الْقَرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا) أَيْ وَمَنْ قَصْدُهُ التَّعَيُّشُ بِهِ لَا الِارْتِحَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِهِ) وَيُسَمَّى وَطَنُ الْإِقَامَةِ وَطَنًا مُسْتَعَارًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَاعِدًا) أَيْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ)، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ لَا يَبْطُلُ بِالْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ وَالثَّانِي وَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَالثَّالِثُ، وَهُوَ وَطَنُ السُّكْنَى يَبْطُلُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فَوْقَهُ وَبِالسَّفَرِ اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْوَطَنُ وَطَنَانِ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ وَوَطَنٌ مُسْتَعَارٌ وَلَمْ يَعْتَبِرْ وَطَنَ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بَلْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ الْبَعْضُ فَإِنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى مُعْتَبَرٌ فَقَالَ: لَوْ خَرَجَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ وَلَهُ بِالْقَادِسِيَّةِ ثَقَلٌ يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ الْقَادِسِيَّةَ وَطَنُ السُّكْنَى فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِهَا مُدَّةً أَوْ لَمْ يَعْزِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكُوفَةِ دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ انْتَقَضَ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ بِالْحِيرَةِ وَطَنُ السُّكْنَى فَالْتَحَقَ بِمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَادِسِيَّةِ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْحِيرَةِ وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَمْلِ الثَّقَلِ وَيَرْتَحِلُ إلَى الشَّامِ وَلَا يَمُرُّ بِالْكُوفَةِ يُتِمُّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ السُّكْنَى الَّذِي بِالْقَادِسِيَّةِ قَدْ انْتَقَضَ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا عَلَى قَصْدِ الْحِيرَةِ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ لِلسُّكْنَى بَاقٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا فَبَقِيَ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ فَلِذَا يُتِمُّ بِالْقَادِسِيَّةِ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهَا فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ مَا قُلْنَا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ فَالسَّفَرُ ضِدٌّ لِلْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ فَلِمَ لَمْ يُبْطِلْهُ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ أَيْ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْرُجُ مَعَ أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزَوَاتِ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ وَطَنُهُ بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ لَمْ يُجَدِّدْ نِيَّتَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ» اهـ

مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ السَّفَرِ لِثُبُوتِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ إجْمَاعًا وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ (وَفَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ أَيْ فَائِتَةُ السَّفَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَالَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الصِّحَّةِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا أَوْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الْمَرَضِ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَإِذَا قَدَرَ أَتَى بِهِمَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ آخَرُ الْوَقْتِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ الرَّكْعَتَيْنِ آخِرُ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ آخِرُ الْوَقْتِ مُسَافِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوْ نَفِسَتْ فِيهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَاصِي كَغَيْرِهِ) أَيْ فِي التَّرَخُّصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْكَمَالُ فِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي أُخْرَى إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا بِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ وَالتَّخَرُّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَغْدَادِيٌّ وَكُوفِيٌّ خَرَجَا مِنْ وَطَنِهِمَا يُرِيدَانِ قَصْرَ ابْنِ هُبَيْرَةَ لِيُقِيمَا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَيْنَ كُوفَةَ وَبَغْدَادَ خَمْسُ مَرَاحِلَ وَالْقَصْرُ مُنْتَصَفُ ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَاهُ خَرَجَا مِنْهُ إلَى الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا بِهَا ثُمَّ يَرْجِعَا إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ إلَى الْكُوفَةِ وَبِهَا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُمَا مِنْ وَطَنِهِمَا إلَى الْقَصْرِ لَيْسَ سَفَرًا، وَكَذَا مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ فَبَقِيَا مُقِيمَيْنِ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ يَقْصُرَانِ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَصَدَا الْمُرُورَ عَلَى الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بَغْدَادَ وَلَيْسَ بِهَا وَطَنٌ أَمَّا الْكُوفِيُّ فَلِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ نَقَضَ وَطَنَ الْقَصْرِ. وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الزِّيَادَاتِ يَقْصُرُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ وَطَنَ الْبَغْدَادِيِّ بِالْقَصْرِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُضُهَا وَقِيَامُ وَطَنِهِ بِالْقَصْرِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ السَّفَرِ، وَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ لَا يَكُونُ بَعْدَ تَقْدِيمِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ الْمُقِيمِ لَغْوٌ، وَلَمْ يُوجَدْ تَقْدِيمُ السَّفَرِ فَلَمْ يَصِحَّ وَطَنُهُ بِالْقَصْرِ فَصَارَ مُسَافِرًا إلَى بَغْدَادَ اهـ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ تُبَيِّنُ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَمِثَالُهُ فِي دِيَارِنَا قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بُلْبَيْسَ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّالِحِيَّةِ فَلَمَّا دَخَلَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَيَمُرَّ بِبُلْبَيْسَ فَعَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ السَّفَرِ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَقْصُرُ إلَى الْقَاهِرَةِ وَعَلَى الْأُخْرَى يُتِمُّ. اهـ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ كُلُّ الْوَقْتِ لَا الْأَخِيرُ قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ فِي تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ وَلَا اعْتِبَارَ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ سَافَرَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ أَقَامَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الْإِضَافَةُ إلَى كُلِّهِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ مُضَافًا إلَى كُلِّهِ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ عَلَى أَنَّ مُخْتَارَ الْبَعْضِ عَدَمُ الْإِضَافَةِ إلَى كُلِّهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ مَذْهَبَ الْبَعْضِ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ تَقَرُّرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَصِفَةُ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ حَالَ تَقَرُّرِهِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا اعْتِبَارُ كُلِّ الْوَقْتِ إذَا خَرَجَ فِي حَقِّهِ فَلِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْمَشْرُوعَاتِ أَنْ تُطْلَبَ الْعِبَادَاتُ كَامِلَةً وَإِنَّمَا تُحْمَلُ نَقْصُهَا لِعُرُوضِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْجُزْءِ النَّاقِصِ مَعَ تَوَجُّهِ طَلَبِهَا إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا قَبْلَهُ وَبِخُرُوجِهِ عَنْ غَيْرِ إدْرَاكٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعَارِضُ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا سَافَرَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ السَّفَرِ يَقْضِي صَلَاةَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَعِنْدَنَا نَنْتَقِلُ إلَى الَّذِي يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ مُقِيمٌ أَرْبَعًا، ثُمَّ سَافَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَصَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ فَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ صَلَاةُ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَهُوَ مُقِيمٌ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتِهِمَا، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فَرَجَعَ أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُطِيعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَخْفِيفًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ وَالرُّخْصَةُ تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ لَا بِالْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الْمُجَاوِرَةَ لَا تَنْفِي الْأَحْكَامَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ دُونَ التَّبَعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْجُنْدِيِّ) هَذَا تَفْسِيرُ التَّبَعِ أَيْ الْمَرْأَةُ تَبَعٌ لِلزَّوْجِ وَالْعَبْدُ تَبَعٌ لِلْمَوْلَى وَالْجُنْدِيُّ تَبَعٌ لِلْأَمِيرِ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا تَكُونُ تَبَعًا لِلزَّوْجِ إذَا وَفَّاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوفِ فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السَّفَرِ بِهَا، وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُ وَالْجُنْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَمِيرِ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ وَمِنْ الْأَتْبَاعِ الْأَجِيرُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالتِّلْمِيذُ مَعَ أُسْتَاذِهِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى السَّفَرِ وَالْأَسِيرُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّابِعُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ الْإِقَامَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى يَعْلَمَ كَمَا فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) صُورَتُهُ مَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَوْ التَّمَرُّدِ عَلَى الْمَوْلَى بِأَنْ أَبَقَ الْعَبْدُ أَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ) أَيْ نُصُوصِ الرُّخْصَةِ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا» وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ تَعْلِيقَ الْقَصْرِ عَلَى مُسَمَّى السَّفَرِ فَوَجَبَ إعْمَالُ إطْلَاقِهَا إلَّا بِمُقَيَّدٍ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، ثُمَّ نَصُّ الْكِتَابِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَكَأَنَّ زِيَادَةَ قَيْدِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ تَجْرِي مَجْرَى النَّسْخِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ) كَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ دُونَ التَّبَعِ إلَخْ) أَمَّا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا يَصِيرُ تَبَعًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ عَامَ حَجِّهِ مَعَ الرَّشِيدِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْهُمْ نَحْنُ أَفْقَهُ بِهَذَا مِنْك فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت فَقِيهًا مَا تَكَلَّمْت فِي الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ أَنَّهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ عَبَثًا لِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُقِيمًا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ كَذِبًا عِنْدَهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الِاقْتِدَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ صَلَّى بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ فَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ حِينَ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ أَوْ مُقِيمِينَ فَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَوْلُهُ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ صَلَاةِ الْقَوْمِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِمَا أَنَّهُ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ سَلَّمُوا لِسَلَامِهِ. وَإِنْ كَانُوا مُقِيمِينَ قَامُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةُ إعْلَامٍ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا أَمْرًا وَاجِبًا، وَكَانَ مُسْتَحَبًّا وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرْ أَخْبَرَ بَعْدَ السَّلَامِ. اهـ. وَلَوْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ رُفِضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْكَمْ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ بِوَاسِطَةِ التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِمَا فَإِذَا انْفَرَدَ فَسَدَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَ مَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُنْفَرِدًا فَلَوْ رَفَضَ فَتَابَعَ فَسَدَتْ لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَالْأَسِيرُ إلَخْ)، وَفِي حُكْمِ الْأَسِيرِ مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ الْمَوْلَى لِيُؤْتَى بِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْغَرِيمُ إذْ أَلْزَمَهُ غَرِيمُهُ أَوْ حَبَسَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَمَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالنِّيَّةُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْحَابِسِ. اهـ. فَتْحٌ. وَفِي الدِّرَايَةِ وَالْغَرِيمُ الْمُفْلِسُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ مُسْلِمٌ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَسِيرَةُ الْعَدُوِّ مُدَّةَ سَفَرٍ يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَسْأَلُهُ فَإِنْ سَأَلَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسَافِرًا يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْعَبْدُ يَسْأَلُ سَيِّدَهُ وَالْأَعْمَى إنْ كَانَ لَهُ قَائِدٌ فِي السَّفَرِ فَإِذَا كَانَ أَجِيرًا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْأَعْمَى، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ مِنْ الْمَتْبُوعِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَمَّ سَيِّدَهُ فِي السَّفَرِ فَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ حَالَ سَفَرٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَمَّ مَعَ السَّيِّدِ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ

[باب صلاة الجمعة]

وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ يُتِمُّ وَقِيلَ يَقْصُرُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فِي الْخِدْمَةِ يَقْصُرُ فِي نَوْبَةِ الْمُسَافِرِ وَيُتِمُّ فِي نَوْبَةِ الْمُقِيمِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ فِي بَلَدٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا وَقِيلَ: يَصِيرُ مُقِيمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ الْمِصْرُ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَدَاؤُهَا فِي الْمَفَازَةِ وَلَا فِي الْقُرَى لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ) أَيْ الْمِصْرُ (كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ)، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُمْ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَا يَسَعُهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَلْخِيّ وَعَنْهُ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ كُلُّ مُحْتَرَفٍ وَيُوجَدُ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَايِشِهِمْ وَفِيهِ فَقِيهٌ مُفْتٍ وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْلُغُ سُكَّانُهُ عَشْرَةَ آلَافٍ وَقِيلَ: يُوجَدُ فِيهِ عَشْرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ بِحَالٍ لَوْ قَصَدَهُمْ عَدُوٌّ يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ فِيهِ كُلِّ مُحْتَرَفٍ بِحِرْفَتِهِ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِحِرْفَةٍ أُخْرَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ كُلُّ مَوْضِعٍ مَصَّرَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ مِصْرٌ حَتَّى لَوْ بَعَثَ إلَى قَرْيَةٍ نَائِبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ يَصِيرُ مِصْرًا فَإِذَا عَزَلَهُ يُلْتَحَقُ بِالْقُرَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِ الْقُرَى إذَا كَانَ لَهَا أَبْنِيَةٌ مُجْتَمِعَةٌ وَفِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ عُقَلَاءُ مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَا قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ. قَالَ قُلْت كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ حُذَيْفَةُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى جُمُعَةٌ وَإِنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِثْلَ الْمَدَائِنِ وَلِأَنَّ لِلْمَدِينَةِ قُرًى كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ لَأَمَرَهُمْ بِهَا وَلَنُقِلَ إلَيْنَا نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِيمَا رَوَى مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلِأَنَّ جُوَاثَا اسْمٌ لِحِصْنٍ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ هِيَ مَدِينَةٌ وَالْمَدِينَةُ تُسَمَّى قَرْيَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وَهِيَ مَكَّةُ وَالطَّائِفُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْجُمُعَةُ وَكَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى يَوْمٌ فَلْنَجْعَلْ لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي حَقِّ عَبْدِهِ لَا فِي حَقِّ الْقَوْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُقَدِّمُ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَاحِدًا مِنْ الْمُسَافِرِينَ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ هُوَ وَالسَّيِّدُ فَيُتِمُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعًا. وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُقِيمِينَ وَمُسَافِرِينَ فَأَحْدَثَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا لَا يَنْقَلِبُ فَرْضُ الْقَوْمِ أَرْبَعًا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِمَاذَا يُعْلَمُ الْعَبْدُ قِيلَ يَنْصِبُ الْمَوْلَى أُصْبُعَهُ أَوَّلًا وَيُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ، ثُمَّ يَنْصِبُ الْأَرْبَعَةَ وَيُشِيرُ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ الْمَتْبُوعِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ) أَيْ فَيَقْضُونَ مَا صَلَّوْا قَصْرًا قَبْلَ عِلْمِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قِيلَ يُتِمُّ) أَيْ تَرْجِيحًا لِلْإِقَامَةِ احْتِيَاطًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقْصُرُ) أَيْ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كَوْنِهِ مُقِيمًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِالتَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا. اهـ. قُنْيَةٌ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ تَنَصَّفَتْ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَصَلَاةَ الْجُمُعَةِ تَنَصَّفَتْ بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ اهـ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهِ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْعَرُوبَةُ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَةً كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَتُسَمَّى يَوْمَ الْمَزِيدِ أَيْضًا لِتَزَايُدِ الْخَيْرَاتِ فِيهِ أَوْ لِتَزَايُدِ الثَّوَابِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْعِيدُ أَيْضًا كَمَا جَاءَ فِي عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَضَمُّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٍ وَجُمُعَاتٍ مِثْلَ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ إلَخْ) يَحْرُسُ النَّاسَ وَيَمْنَعُ الْمُفْسِدِينَ وَيُقَوِّي أَحْكَامَ الشَّرْعِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ إلَخْ) فَيَرْجُمُ الْمُحْصَنَ الزَّانِيَ وَيَجْلِدُ غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَيَقْطَعُ السَّارِقَ وَيَحُدُّ الْقَاذِفَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ وَيَحْكُمُ بِالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ وَنَحْوِهَا اهـ ع (قَوْلُهُ جُمِّعَتْ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ صُلِّيَتْ قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ اهـ (قَوْلُهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ إلَخْ) هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حَاشِيَةِ مُسَوَّدَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْمٌ لِحِصْنٍ) أَيْ فَهِيَ مِصْرٌ إذْ لَا يَخْلُو الْحِصْنُ عَنْ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ وَعَالِمٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَكَّةُ وَالطَّائِفُ) وَلَا شَكَّ أَنَّ مَكَّةَ مِصْرٌ. اهـ. فَتْحٌ

يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنُصَلِّي فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ فَصَلَّى بِهِمْ وَذَكَّرَهُمْ وَسَمَّوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ مُصَلَّاهُ) أَيْ مُصَلَّى الْمِصْرِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِصْرِ يَعْنِي شَرْطُ أَدَائِهَا الْمِصْرُ أَوْ مُصَلَّاهُ وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَقِّ حَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِحَوَائِجِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ الْأَفْنِيَةِ فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهَا بِمِيلٍ وَبَعْضُهُمْ بِمِيلَيْنِ وَقِيلَ بِفَرْسَخَيْنِ وَقِيلَ: بِغَلْوَةٍ وَقِيلَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْمُصَلَّى مَزَارِعُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنًى مِصْرٌ لَا عَرَفَاتٌ) حَتَّى تَجُوزُ الْجُمُعَةُ فِي مِنًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ أَمِيرَ الْحِجَازِ أَوْ الْخَلِيفَةُ لَا أَمِيرَ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي أُمُورَ الْحَجِّ لَا غَيْرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرَى حَتَّى لَا يُعِيدَ بِهَا، وَلَهُمَا أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْحَجِّ بِخِلَافِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ وَبِمِنًى أَبْنِيَةٌ وَدُورٌ وَسِكَكٌ وَقَوْلُهُمْ تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِيهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مِصْرًا بَعْدَهَا وَقِيلَ: تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَ الْفِنَاءَ بِفَرْسَخَيْنِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ تُؤَدَّى الْجُمُعَةُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فَإِنْ أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ «إنَّ الْأَنْصَارَ قَالُوا إنْ لِلْيَهُودِ يَوْمًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا نَجْعَلُ لَنَا يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ وَنُصَلِّي فَقَالُوا: يَوْمَ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ: وَيَوْمَ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ فَسَمُّوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ» اهـ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَيُسَمَّى يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْإِعْرَابِ وَهُوَ التَّحْسِينُ لِتَزَيُّنِ النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 37] أَيْ مُتَحَسِّنَاتٍ لِبُعُولَتِهِنَّ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِغَلْوَةٍ إلَخْ) وَقِيلَ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ إذَا صَاحَ فِي الْمِصْرِ أَوْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ فَمُنْتَهَى صَوْتِهِ فِنَاءُ الْمِصْرِ اهـ ع قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا وَفِنَاءُ الْمِصْرِ مَا أُعِدَّ لِحَوَائِجِ الْمِصْرِ مِنْ رَكْضِ الْخَيْلِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنًى مِصْرٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِمِنًى فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ فَصَارَتْ كَرَبْضِ الْمِصْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَوْضِعٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَامِعًا وَأَسْوَاقًا مُرَتَّبَةً وَسُلْطَانًا يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَصَارَتْ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا جُمُعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ كَعَرَفَةَ اهـ قُلْت وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنًى مِصْرٌ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فَلَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدَمُ التَّعَيُّدِ) أَيْ عَدَمُ إقَامَتِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا فَضَاءٌ) أَيْ وَلَيْسَتْ مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ فَرَاسِخَ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ) أَيْ وَتَوَابِعِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَرَمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْسَخَيْنِ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَقُولُ تَبِعَهُ فِي هَذَا الْبَدْرُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَمِنًى مَوْضِعٌ عَنْ مَكَّةَ فَرْسَخٌ قَوْلُهُ الْعَيْنِيُّ أَيْ وَالْكَمَالُ أَيْضًا. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْرِ: وَلَا تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ يَعْقُوبَ تَجُوزُ بِمَوْضِعَيْنِ مِنْهُ فَقَطْ، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبِيرٌ فَاصِلٌ وَجَوَّزَهَا مُحَمَّدٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي الْكَنْزِ وَزَادَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَثِيرَةً وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ أَتَى بِهَا مِنْ عِنْدِهِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الرِّوَايَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ قَالَ فِي مَوَاضِعَ أَرَادَ ثَلَاثَةً وَكُلُّ مَنْ قَالَ مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ أَرَادَ ثَلَاثَةً فَقَطْ بَيَانُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَوْضِعَيْنِ دُونَ ثَلَاثَةٍ إذَا كَانَ الْمِصْرُ لَهُ جَانِبَانِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ الْمَسِيرُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ مِصْرًا لَهُ جَانِبَانِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ مِصْرَيْنِ كَبَغْدَادَ وَبَيَانُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ وَالْمَوْضِعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِأَكْثَرَ ثَلَاثَةٌ، وَقَطَعَ الْقُدُورِيُّ الِاحْتِمَالَاتِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَا تَجُوزُ فِيمَا زَادَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالصَّلَاةِ فِي طَرَفَيْ الْمِصْرِ وَوَسَطِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَالَ إنَّ الْمِصْرَ إذَا عَظُمَ وَبَعُدَ أَطْرَافُهُ شَقَّ عَلَى أَهْلِهِ الْمَسِيرُ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ آخَرَ فَجَوَّزَهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَجَازَهُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَأَطْلَقَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي الصَّحِيحِ فَاخْتَارَ الطَّحْطَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ مُحَمَّدٍ اهـ

تَحْرِيمَةً وَقِيلَ: فَرَاغًا وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فِي بَغْدَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِتَكُونَ كَمِصْرَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُصَلَّى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُشْتَرَطُ لَهَا السُّلْطَانُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ حِينَ كَانَ عُثْمَانُ مَحْصُورًا وَلِأَنَّهَا فَرْضٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا السُّلْطَانُ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا بِهَا وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ» الْحَدِيثَ وَشَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَرْبَعٌ إلَى السُّلْطَانِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْجُمُعَةَ وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَفِي أَدَائِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ فَيَلِيهَا السُّلْطَانُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ عُثْمَانَ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا وَقْتَ الظُّهْرِ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ أَبُو سُهَيْلٍ «إنَّا كُنَّا نَرْجِعُ مِنْ الْجُمُعَةِ فَنُقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى» وَلِأَنَّهَا عِيدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عِيدَانِ» فَتَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَنَا الْمَشَاهِيرُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الزَّوَالِ»، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَارَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِلَّا لَمَا أَخَّرُوهَا إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ إخْبَارٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالرَّوَاحَ كَانَا حِينَ الزَّوَالِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ قَبْلَهُ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ مَعْنَاهُ لَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ طَوِيلٌ بِحَيْثُ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ قَصِيرَةً فَلَا يَظْهَرُ الظِّلُّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ وَمَعْنَى حَدِيثِ سَهْلٍ وَأَبِي سُهَيْلٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْقَيْلُولَةَ وَالْغَدَاءَ إلَى مَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ التَّبْكِيرِ إلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ) أَيْ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ الظُّهْرَ عَلَيْهَا لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ الْخُطْبَةُ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ شُرُوطِ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّهَا بِدُونِهَا فَكَانَتْ شَرْطًا إذْ الْأَصْلُ هُوَ الظُّهْرُ وَسُقُوطُهُ بِالْجُمُعَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلَوْ حَصَلَتْ فِي الْمَسْجِدَيْنِ مَعًا كَانَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا فَاسِدَةً وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الْجُمُعَةَ مَعًا إنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ صَلَّوْا الظُّهْرَ أَرْبَعًا هَكَذَا ذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ هُنَا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَجَائِزٌ إجْمَاعًا. اهـ. وَفِيهِ وَلَوْ نَزَلَ بِأَهْلِ مِصْرٍ نَازِلَةٌ وَخَرَجُوا مِنْ الْمِصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ إنْ كَانُوا فِي فِنَاءِ الْمِصْرِ صَحَّ، وَإِنْ كَانُوا بَعِيدًا لَا وَكَذَا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَالسُّلْطَانُ إلَخْ) قَالَ فِي الْعُيُونِ وَالِي مِصْرٍ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَبْلُغْ مَوْتُهُ الْخَلِيفَةَ حَتَّى مَضَتْ بِهِ الْجُمَعُ فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبُ شُرْطَةٍ أَوْ الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِمْ أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى أَنْ يُقَدِّمُوا رَجُلًا مِنْ غَيْرِ أَمْرِ خَلِيفَةِ الْمَيِّتِ أَوْ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَاضٍ وَلَا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ بِأَنْ كَانَ الْكُلُّ هُوَ الْمَيِّتُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْصُورٌ لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَجُوزُ خَلْفَ الْمُتَغَلِّبِ الَّذِي هُوَ لَا مَنْشُورَ لَهُ مِنْ السُّلْطَانِ إذَا كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةُ الْأُمَرَاءِ اهـ (قَوْلُهُ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُجْعَلْ إلَى السُّلْطَانِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَفْوِيتِهَا عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَسْبِقُ إلَى إقَامَتِهَا لِغَرَضٍ مَعَ نَفَرٍ يَسِيرٍ فَيُفَوِّتُهَا عَلَى الْبَاقِينَ فَجُعِلَتْ إلَى السُّلْطَانِ لِيُسَوِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا تَفُوتَ بَعْضَهُمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَقْتُ الظُّهْرِ إلَخْ) وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ وَقْتَ الْعَصْرِ. اهـ. أَقْطَعُ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اهـ ع. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا إلَخْ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالسَّعْيُ لَا يَجِبُ إلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِاسْتِمَاعِهَا وَنَهَى عَنْ التَّشَاغُلِ عَنْهَا، وَهَذَا صِفَةُ الْوَاجِبِ. اهـ. أَقْطَعُ (قَوْلُهُ مِنْ شُرُوطِ أَدَائِهَا) أَيْ حَتَّى لَوْ صَلَّوْا بِلَا خُطْبَةٍ أَوْ خَطَبُوا قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ. اهـ. عَيْنِيٌّ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ مَا صَلَّى لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْعِيدِ لَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ، ثُمَّ صَلَّى يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّا نَعْتَبِرُ التَّغْيِيرَ بِالتَّرْكِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِي الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا لَوْ غَيَّرَ مَوْضِعَهَا، وَلَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِي الْعِيدِ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا غَيَّرَ مَوْضِعَهَا اهـ

[شرائط أدائها]

وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُسَنُّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا وَبِطَهَارَةِ قَائِمًا) بِهَا وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَوْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِ قَائِمٍ جَازَتْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ التَّوَارُثِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا إذَا كَانَ جُنُبًا كَأَذَانِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا دُخُولُ الْوَقْتِ فَلِذَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةِ الْمَكَانِ وَالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَعِنْدَنَا لَا تَقُومُ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي الصَّلَاةَ لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْكَلَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَرَائِطُ الصَّلَاةِ وَرُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ خَطَبُوا خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَالْمُغِيرَةُ وَأُبَيُّ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَجُلُوسُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لِلِاسْتِرَاحَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَارْتُجَّ عَلَيْهِ فَنَزَلَ وَصَلَّى بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً، وَأَقَلُّهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ يُثْنِي بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا، وَلَئِنْ سَلِمَ فَهُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ وَقَعَ لِأَجْلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ عَلَى الْأَدْنَى كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَمَاعَةُ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُمْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَخْ) فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ شُرِعَتْ الْخُطْبَةُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ وَالشُّرُوطُ تَكُونُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ إلَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الشَّفْعُ الثَّانِي فَكَمَا لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الشَّفْعِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَكَذَا الْخُطْبَةُ. اهـ. ذَخِيرَةٌ، وَفِيهَا وَلَوْ خَطَبَ فِي الْوَقْتِ وَالْقَوْمُ غُيَّبٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذِهِ إقَامَةٌ عُرِفَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا فَيُرَاعَى لِإِقَامَتِهَا جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مَا خَطَبُوا إلَّا عِنْدَ الْجَمْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ إلَخْ) فَإِنْ خَطَبَ وَحْدَهُ أَوْ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ لَا يَجُوزُ. اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُسَنُّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ إلَخْ) وَمِقْدَارُهَا أَنْ يَسْتَقِرَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ إلَخْ) قَالَ أَبُو نَصْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ اهـ (فَرْعٌ) خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ نَظَرَ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ شَهِدَ بَعْضَهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ فَلَوْ أَمَرَ هَذَا الْمَأْمُورُ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ بَعْضَهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ إلَّا أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَمَرَ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ أَمَرَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَأْمُرُوا غَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَقَعَ فَاسِدًا. اهـ. ش الطَّحَاوِيُّ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْجُمُعَةِ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ اهـ. (فَائِدَةٌ) مِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ، وَالْقَوْمُ يَسْتَقْبِلُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ وَهَلْ يُسَلِّمُ الْخَطِيبُ عَلَيْهِمْ فَعِنْدَنَا لَا يُسَلِّمُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى الْمِنْبَرِ وَدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلَيْهِمْ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ أَنْ لَا يُطَوِّلَهَا؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِتَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ». اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ كَانَ لِلِاسْتِرَاحَةِ إلَخْ) ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ فِي الْجُمُعَةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً فَلَمَّا ثَقُلَ جَعَلَهَا خُطْبَتَيْنِ». اهـ. . (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَهْلِيلَةٌ) أَيْ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) أَيْ قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ فَارْتُجَّ عَلَيْهِ) أَيْ فَقَالَ إنَّكُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَرْتَادَانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ مِنْ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. اهـ. أَقْطَعُ، وَفِي الْحَقَائِقِ لَوْ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَانَ هَذَا خُطْبَةً تَجُوزُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَقَالَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَكُونَ كَلَامًا يُسَمَّى خُطْبَةً فِي الْعَادَةِ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ حَتَّى إذَا أَجَابَ عَاطِسًا لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الزَّرَنْجَرِيُّ: أَقَلُّ مَا يُسَمَّى خُطْبَةً عَلَى قَوْلِهِمَا مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. . [شَرَائِط أَدَائِهَا] (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ) حَتَّى لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْجُمُعَةِ وَحْدَهُ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ كَذَا ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ سَبْقِ الْحَدَثِ فَلْيُنْظَرْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ الْفَقِيهُ فِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ إلَخْ وَمَا يَمْنَعُهُ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ

الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ (سِوَى الْإِمَامِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ، وَهِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَلُّهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَحْرَارٌ مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً إلَّا ظَعْنَ حَاجَةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا وَفِي أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ جُمُعَةً وَأَضْحَى وَفِطْرًا» وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَحْدِيدِ الْمِصْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ لِكَوْنِهِ جَمْعًا تَسْمِيَةً، وَمَعْنًى وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَكَذَا الْإِمَامُ فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَذَاكِرًا وَالسَّاعِينَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اسْعَوْا جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ وَمَعَ الْمُنَادَى ثَلَاثَةٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْهُمْ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَرُدُّهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] أَيْ قَائِمًا تَخْطُبُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا عُقِدَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ ثُمَّ نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ السُّجُودِ لَا تَبْطُلُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْوَقْتِ وَالطَّهَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ بَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لِوُجُودِ الِانْعِقَادِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَكِنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَتِمُّ الشُّرُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ إذْ لَيْسَ لِمَا دُونَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَسْجُدْ وَلَا يَتِمُّ الِانْعِقَادُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ وَحْدَهُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ابْتِدَاءً بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ نَفَرُوا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا بَطَلَتْ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الشُّرُوعِ كَافِيًا لَمَا بَطَلَتْ وَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخُرَسَاءُ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ؛ وَلِهَذَا صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فِيهَا فَإِنَّ الْأُمِّيَّ وَالْأَخْرَسَ يَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ قَوْمًا مِثْلَهُ بَعْدَ مَا خَطَبَ غَيْرُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُحْرِمُوا حَتَّى قَرَأَ وَرَكَعَ فَأَحْرَمُوا بَعْدَ مَا رَكَعَ فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَيَكْتَفِي بِالِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ بَانِيًا عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ مِنْ شَرْطِ أَدَائِهَا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا حَتَّى لَوْ غَلَقَ بَابَ قَصْرِهِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَتَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ، وَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ وَهِيَ فِي غَيْرُ الْمُصَلَّى شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْأَوْصَافُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُصَلِّي وَقَدْ بَقِيَ لَهُ مِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ أَيْضًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ)؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لِأَجْلِهِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَاَلَّذِي لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمُخْتَفِي مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ كَالْمُقْعَدِ وَالْمَفْلُوجِ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْأَعْمَى، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَلَاءٍ الْحَامِيِّ مَعَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاقِيهِ خَالٍ فَقَامَ رَجُلٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَزِيقَ الْبَابِ وَاصْطَفَّ النَّاسُ عِنْدَهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ فَاَلَّذِي عِنْدَ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الْبَابِ حُكْمًا وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ بَكْرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أُصُولِهِ ظَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّرَهُ بِالْوَصَايَا وَالْمَوَارِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ تَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَتْ خَالَعَنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ، وَفِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ يَلْزَمُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً وَلَا يَشْتَرِي عَبِيدًا أَوْ لَا يُكَلِّمُ رِجَالًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى أَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الْإِمَامَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا كَالثَّلَاثَةِ. اهـ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ وَمَعَ الْمُنَادِي ثَلَاثَةٌ)، وَكَذَا مَعَ الذَّاكِرِ يَصِيرُونَ أَرْبَعَةً. اهـ. . (قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ إلَخْ)، وَلَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ وَخَلْفَهُ قَوْمٌ فَلَمْ يَفْتَتِحُوا، وَنَفَرُوا وَبَقِيَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ جَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ فَوَقَفُوا خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ نَفَرَ الْأَوَّلُونَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهِيَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ النِّدَاءَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالنِّدَاءُ لِلْإِشْهَارِ، وَكَذَا تُسَمَّى جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْجَمَاعَاتُ كُلُّهَا مَأْذُونِينَ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ. اهـ. بَدَائِعُ

[شرائط وجوبها]

وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ لِيَحْفَظَ دَابَّةَ مَوْلَاهُ وَأَمْكَنَهُ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ وَالْأَجِيرِ؛ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ فَلَا يَكُونُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّهُمْ أَهْلُ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ تَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمْ الْجُمُعَةَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا كُرِهَ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْأَصْلُ إذْ هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا دُونَ الظُّهْرِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الظُّهْرُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَالتَّكْلِيفُ يَعْتَمِدُ الْوُسْعَ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَقْضِي بِنِيَّةِ الظُّهْرِ، وَهَذَا آيَةُ الْفَرْضِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ فَيَكُونُ بِتَرْكِهِ مُسِيئًا فَيُكْرَهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ الْجُمُعَةُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَالثَّانِي لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَيُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ زُفَرَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِضِيقِ الْوَقْتِ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ سَعَى إلَيْهَا بَطَلَ) أَيْ فَإِنْ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ بَطَلَ ظُهْرُهُ هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا بَعْدُ وَأَقَامَهَا الْإِمَامُ بَعْدَ السَّعْيِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا أَوْ كَانَ سَعْيُهُ مُقَارِنًا لِفَرَاغِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ وَقْتَ الِانْفِصَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَلَا يَبْطُلُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلُ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يُتِمَّهَا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ مَا شَرَعَ فِيهَا لَا يَبْطُلُ الظُّهْرُ، لَهُمَا أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَيَبْطُلُ بِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِهَا فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْجَامِعِ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَطَلَ ظُهْرُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ يَلْتَحِقُ بِالصَّحِيحِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ فِي أَدَاءِ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ وَمُعَارَضَتَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ هُنَاكَ فَلَا يُفْضِي إلَى التَّقْلِيلِ، وَلَا إلَى الْمُعَارَضَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَدْرَكَهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَتَمَّ جُمُعَةً) وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ جُمُعَةً وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا أَتَمَّ ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ ظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا مَحَالَةَ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ لَا صَلَاةٌ أُخْرَى وَلِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَلَا وَجْهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ شَرَائِط وُجُوبهَا] قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ الْجُمُعَةَ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْجَامِعِ أَوْ فِي الْمُصَلَّى هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ مَوْلَاهُ فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي أَدَائِهَا. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ إلَخْ) أَيْ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ الْجُمُعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) يَصِيرُ مُدْرِكًا لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. بَدَائِعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي رُكُوعِهَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا أَتَمَّهَا ظُهْرًا إلَخْ) وَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَعَادَ إلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِوُقُوعِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِانْعِدَامِ الْمُشَارَكَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي أَرْبَعًا وَلَا تَكُونُ الْأَرْبَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ظُهْرًا مَحْضًا حَتَّى قَالَ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا وَعَنْهُ فِي افْتِرَاضِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ فَرْضٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُعَلَّى عَنْهُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَكَأَنَّ مُحَمَّدًا سَلَكَ طَرِيقَةَ الِاحْتِيَاطِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ فَأَوْجَبَ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ جُمُعَةً كَانَ الْفَرْضَ أَوْ ظُهْرًا وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْأَرْبَعُ ظُهْرٌ مَحْضٌ. اهـ. بَدَائِعُ قَوْلُهُ «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ إلَخْ وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ». اهـ. .

[باب صلاة العيدين]

لِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَلَا تُبْنَى إحْدَاهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأُخْرَى؛ وَلِهَذَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ (فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَاخْتَلَفَا فِي جُلُوسِهِ إذَا سَكَتَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُبَاحُ لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُبَاحُ لَهُ، لَهُمَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْتَدُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَالنَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَبِّحَ وَيُهَلِّلَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي رِوَايَةٍ وَالْأَحْوَطُ الْإِنْصَاتُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا هُوَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّنَّةِ قَبْلَهَا، وَمِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْجُمُعَةِ يَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا أَحَدٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا) أَيْ بِشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ) أَيْ وَلَا يُشَمِّتُوا الْعَاطِسَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَاطِسَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مَاذَا يَصْنَعُ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ وَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى بِلِسَانِهِ. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَا فِي جُلُوسِهِ إذَا سَكَتَ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هُنَا فَصْلٌ آخَرُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ نَحْوَ، إنْ رَأَى مُنْكَرًا مِنْ إنْسَانٍ فَنَهَاهُ بِيَدِهِ أَوْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ هَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ وَسَوَّى بَيْنَ الْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ وَبَيْنَ التَّكَلُّمِ بِاللِّسَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَخْطُبُ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ». اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَالنَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ إلَخْ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْإِمَامِ لَا يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ فَاخْتَارَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ السُّكُوتَ وَاخْتَارَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ النَّائِي عَنْ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بَلْ يَسْكُتُ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتُ مَقْصُودٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِمَاعِ قَدَرَ عَلَى الْإِنْصَاتِ. اهـ. وَالصَّلَاةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ وَتَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَامَّةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا يَتَطَرَّقُ الْعَامَّةُ إلَى الدُّخُولِ اهـ وَتَكَلَّمُوا فِي الدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ أَمْ التَّبَاعُدِ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ الدُّنُوَّ مِنْ الْإِمَامِ أَفْضَلُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ التَّبَاعُدَ أَفْضَلُ كَيْ لَا يَسْمَعَ مَدْحَ الظَّلَمَةِ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ بَعْدَهُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لَهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ أَدَائِهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ يَتَحَقَّقُ مَبْدَأُ الْفِنَاءِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِغَلْوَةٍ فِي الْمُخْتَارِ أَوْ لِبُيُوتِ مِصْرِهِ وَقِيلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَالْفِنَاءُ مُلْتَحِقٌ بِالْمِصْرِ شَرْعًا حَتَّى جَازَتْ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُفَارَقَةِ لِلْبُيُوتِ بَلْ إذَا جَاوَزَ الْفِنَاءَ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْحِقَ بِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِهِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ لَا مُطْلَقًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ الْجُمُعَةَ فِيهِ إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ، وَفِي قَاضِي خَانْ فَصَّلَ فِي الْفِنَاءِ فَقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ غَلْوَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِ الْمِصْرِ هَذَا وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةً أَوْ قُرًى مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا، وَفِي الْفَتَاوَى أَيْضًا إنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ صَدَقَ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَفِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَلَوْ ادَّعَيْنَا أَنَّ بُيُوتَ تِلْكَ الْقُرَى دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى بُيُوتِ الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ. اهـ. . (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)

[مندوبات عيد الفطر]

(سِوَى الْخُطْبَةِ) نَصٌّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ وَلَا يُتْرَكُ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى السُّنِّيَّةِ وَوَجْهُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ قَوْلِهِ فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ «قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةُ الْعِيدِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] فِي تَأْوِيلٍ وَقَدْ وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَهِيَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَكَذَا لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْأَوَّلُ سَنَةٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ فِي الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ) أَيْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَلَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا حُلْوًا لِمَا رَوَيْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَغْتَسِلُ وَيَسْتَاكُ وَيَتَطَيَّبُ)؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ كَالْجُمُعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ فِي الْعِيدَيْنِ بُرْدَ حِبَرٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ نُؤَدِّيَهَا قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهُوَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فَيُقَدِّمُ لِلْفَقِيرِ لِيَأْكُلَ قَبْلَهَا فَيَتَفَرَّغُ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى غَيْرَ مُكَبِّرٍ وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَهَا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ لَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة: 185] قَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ التَّكْبِيرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَمَبْنَاهَا عَلَى الْإِشْهَارِ وَالْإِظْهَارِ دُونَ الْإِخْفَاءِ فَصَارَ كَالْأَضْحَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] الْآيَةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ إلَّا مَا خَصَّهُ الشَّرْعُ كَيَوْمِ الْأَضْحَى وَرُوِيَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسَ يُكَبِّرُونَ فَقَالَ لِقَائِدِهِ: أَكَبَّرَ الْإِمَامُ؟ قَالَ لَا قَالَ: أَفَجُنَّ النَّاسُ أَدْرَكْنَا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ أَحَدٌ يُكَبِّرُ قَبْلَ الْإِمَامِ» وَسُئِلَ النَّخَعِيّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْحَاكَةِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ وَقَوْلِهِ وَمُتَنَفِّلٍ أَيْ غَيْرِ مُتَنَفِّلٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُوسَى الضَّرِيرُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. أَقْطَعُ [مَنْدُوبَات عِيد الْفِطْر] (قَوْلُهُ بُرْدَ حِبْرٍ) الْحِبْرُ الْوَشْيُ مِنْ التَّحْبِيرِ بِمَعْنَى التَّحْسِينِ اهـ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. حَانُوتِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى الْهَامِشِ لَعَلَّهُ فَهِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ) قَالَ الْأَقْطَعُ، وَهَذَا خِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اهـ، ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ التَّكْبِيرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى ذَاهِبًا لَا جَائِيًا إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمَا التَّكْبِيرُ فِيهِ جَهْرًا، ثُمَّ إذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ ذَاهِبًا هَلْ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا وَصَلَ إلَى الْمُصَلَّى أَوْ يُكَبِّرُ إلَى حِينِ يَشْرَعُ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ رِوَايَتَانِ هَذَا وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ جُبَيْرٍ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَالْحَكَمِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَمَّادٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، ثُمَّ مَا أَوَّلُ وَقْتِ التَّكْبِيرِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سَلَمَةَ وَعُرْوَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ابْتِدَاؤُهُ عِنْدَ الْغُدُوِّ إلَى الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهَا وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - قَالَ الْكَمَالُ الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْفِطْرِ لَا فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَعِنْدَهُمَا يَجْهَرُ بِهِ كَالْأَضْحَى وَعِنْدَهُ لَا يَجْهَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ تُخَالِفُ الْأَمْرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَبِي جَعْفَرٍ هَذَا الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ وَأَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ الْهِنْدُوَانِيُّ إذْ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَنْ الْفَقِيه أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَمِعْت أَنَّ مَشَايِخَنَا كَانُوا يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ يُوسُفَ كَانَ يُفْتِي بِالتَّكْبِيرِ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَعِنْدِي: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ وَبِهِ نَأْخُذُ هَذَا فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يُكَبِّرُوا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ قَالَ نَعَمْ اهـ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ

[وقت صلاة العيد وكيفيتها]

اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ وَالِابْتِكَارُ مَاشِيًا بَعْدَ مَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا) وَالْمُرَادُ بِالِارْتِفَاعِ أَنْ تَبْيَضَّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقْتُهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا، وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُصَلِّي الْعِيدَ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ وَحِينَ شَهِدَ الْوَفْدُ فِي الْيَوْمِ الْمُكَمِّلِ لِلثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ»، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا لَمَا أَخَّرَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُثْنِيًا قَبْلَ الزَّوَائِدِ) أَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا الثَّنَاءُ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ التَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ ثَلَاثٌ فِي الْأُولَى وَثَلَاثٌ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثِنْتَا عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً يَعْنِي مَعَ الْأُصُولِ فَالزَّوَائِدُ مِنْهَا خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَلَكِنْ حَمَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ كُلُّهُ عَلَى الزَّوَائِدِ فَصَارَتْ الْجُمْلَةُ عِنْدَهُ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُصُولِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَظَهَرَ عَمَلُ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ بَنِيهِ الْخُلَفَاءَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِذَلِكَ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ» صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَنَا مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ «أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حِينَ سُئِلَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ قَالَ كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا كَتَكْبِيرِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ» وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَحْوَطَ وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ وَإِنَّمَا قَالَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ تُضَمُّ إلَيْهَا، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يُضَمُّ إلَيْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فَتَجِبُ كَوُجُوبِهَا فَيَكُونُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ فَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ وَقَدْ رَفَعَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَيْضًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ الثَّنَاءِ وَالثَّنَاءُ حَيْثُ شُرِعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى شُرِعَ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِرَاءَةِ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ) وَنَصَّ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَيْضًا. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ (قَوْلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا) يَعْنِي فِي الْبَيْتِ وَالْمُصَلَّى اهـ بِخَطِّ الشَّارِحِ خَاصَّةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ وَالِابْتِكَارُ إلَخْ) التَّبْكِيرُ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالِابْتِكَارُ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى اهـ بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبَ مِنْهَا إلَى الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّ مَكَانَ الْقُرْبَةِ يَشْهَدُ فَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلشُّهُودِ. اهـ. رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] قَالَ أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ كَذَا، وَكَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا، وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. اهـ. [وَقْت صَلَاة الْعِيد وكيفيتها] (قَوْلُهُ سَبْعًا فِي الْأُولَى إلَخْ) قَالَ الْأَقْطَعُ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ وَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالتَّكْبِيرِ وَرَوَى مُعَلَّى عَنْهُ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَبِأَيِّ الْأَخْبَارِ أَخَذَ فَحَسَنٌ. اهـ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي الْعِيدِ الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ. (فَرْعٌ) لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُكَبِّرُ وَقَدْ انْتَقَضَ رُكُوعُهُ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي حَيْثُ أُمِرَ الْإِمَامُ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ وَلَمْ نَأْمُرْهُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ حَيْثُ أُمِرَ الْمُقْتَدِي بِالتَّكْبِيرِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّكْبِيرَاتِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ الْمَحْضُ وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَا حَالَةَ الرُّكُوعِ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَبَقِيَ مَحَلُّهَا الْقِيَامُ الْمَحْضُ فَأُمِرَ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ ارْتِفَاضُ الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَعُودُ وَيَرْكَعُ وَيَقْرَأُ وَيَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ كَذَا هُنَا وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالْفَرَاغِ عَنْهَا وَالرُّكْنُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالِانْتِقَالُ عَنْهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ فَبَقِيَ عَلَى مَا تَمَّتْ هَذَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَنْ الْقِرَاءَةِ أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ عَنْهَا بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ دُونَ السُّورَةِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ أَوَانِهَا فَيَتْرُكُهَا وَيَأْتِي بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَحَلًّا لَهُ، ثُمَّ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَتَى تُرِكَ قَبْلَ تَمَامِهِ يَرْتَفِضُ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ فَوُجُودُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْجُزْءِ الَّذِي بِهِ تَمَامُهُ فِي الْحُكْمِ وَنَظِيرُهُ مَنْ ذَكَرَ سَجْدَةً فِي الرُّكُوعِ خَرَّ لَهَا وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ) لَيْسَ مِنْ الْأَصْلِ بَلْ هُوَ حَاشِيَةٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ

الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ شُرِعَ مُؤَخَّرًا كَالْقُنُوتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ» وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَبِالْمُوَالَاةِ تُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ» بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَخْطُبُ لَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ وَفِي الْعِيدِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فَبِتَغْيِيرِهَا أَوْلَى وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُعَلِّمُ) النَّاسَ (فِيهَا أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ)؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تُقْضَ إنْ فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَقْضِيهَا مَنْ فَاتَتْهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِصِفَةِ كَوْنِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِالْمُنْفَرِدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْغَدِ فَقَطْ) أَيْ تُؤَخَّرُ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَى الْغَدِ إذَا مَنَعَهُمْ مِنْ إقَامَتِهَا عُذْرٌ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ الْهِلَالُ وَشَهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَظَهَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا تُؤَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى الْغَدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَهَا إلَى الْغَدِ» وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا إلَى مَا بَعْدَهُ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَحْكَامُ الْأَضْحَى) أَيْ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا مِنْ الشُّرُوطِ وَالْمَنْدُوبَاتُ هِيَ أَحْكَامُ يَوْمِ الْأَضْحَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدَادِ مَا يُوَافِقُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فَتَرَكَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَّ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِلْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَكِنْ هُنَا يُؤَخِّرُ الْأَكْلَ عَنْهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ» وَقِيلَ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُضَحِّي لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ لَا أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا، ثُمَّ قِيلَ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا)؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعَلِّمُ الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) فِي الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ صَلَاةُ الْأَضْحَى وَلَا تُؤَخَّرُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى، ثُمَّ الْعُذْرُ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهِيَةِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ وَقَدْ أَسَاءُوا وَفِي الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا تَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ)، وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوُقُوفَ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ إلَخْ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَرْفَعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ قَائِمَةٍ مَقَامَ غَيْرِهَا فَتُرْفَعُ الْيَدُ عِنْدَهَا كَالتَّكْبِيرِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَكْبِيرٌ مَسْنُونٌ فَصَارَ كَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ. اهـ. أَقْطَعُ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَرْفَعُ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرَاتِ يَقْضِيهَا، ثُمَّ يَرْكَعُ الْأَنْفَعُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْمَنَافِعِ، وَكَذَا رِعَايَةُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ دُونَ غَيْرِهَا. اهـ. تَتَارْخَانْ (قَوْلُهُ وَبِالْمُوَالَاةِ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ نَائِيًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي فِي دَفْعِ الِاشْتِبَاهِ عَنْهُمْ هَذَا الْقَدْرُ فَصَلَ بِأَكْثَرَ أَوْ كَانَ يَكْفِي لِذَلِكَ أَقَلُّ سَكْتٍ أَقَلَّ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ عِنْدَنَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْعِيدِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]» وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً فِي الْعِيدَيْنِ فَقَطْ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ إلَخْ) وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ يُكَبِّرُ الْقَوْمُ مَعَهُ وَإِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي النَّاسُ فِي أَنْفُسِهِمْ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَسُنَّةِ الْإِنْصَاتِ. اهـ. تَتَارْخَانْ (قَوْلُهُ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ إلَخْ) لَوْ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي الْعِيدَيْنِ بِأَنْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الزَّوَالِ يَنْظُرُ فِي بَابِ الْهَدْيِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَ يَوْمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُصَلِّهَا الْإِمَامُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى بِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّاهَا فِي الْغَدِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْغَدِ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّاهَا بَعْدَ غَدٍ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِخُرُوجِ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْعِيدِ لَكِنَّ التَّارِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُسِيءٌ اهـ. فَقَوْلُهُ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْعِيدِ فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ تَقَعُ أَدَاءً لَا قَضَاءً لَكِنْ قَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةَ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً فَرَاجِعْهُ اهـ ك

[تكبير التشريق وقته وعدده وشروطه]

بِالْمَكَانِ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً دُونَهُ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ وَفِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَرَجَ لِلدُّعَاءِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ لَا لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ. [تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده وَشُرُوطه] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ بَعْدَ فَجْرِ عَرَفَةَ إلَى ثَمَانِ مَرَّةً اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِهِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ) وَالْكَلَامُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلُ - فِي صِفَتِهِ وَالثَّانِي - فِي وَقْتِهِ وَالثَّالِثُ - فِي عَدَدِهِ وَمَاهِيَّتِهِ وَالرَّابِعُ - فِي شُرُوطِهِ فَأَمَّا صِفَتُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَلِأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ فَصَارَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَسُنَّ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّنَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمَرْضِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيمَا بَعْدُ وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا وَجَبَ بِالِاقْتِدَاءِ. وَأَمَّا وَقْتُهُ فَأَوَّلُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا وَآخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذْ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى احْتِيَاطًا. وَأَمَّا عَدَدُهُ وَمَاهِيَّتُهُ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ بِشَرْطِ إقَامَةٍ وَمِصْرٍ وَمَكْتُوبَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْقُرَى وَالنَّافِلَةِ وَالْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ شُرُوطَهُ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْخُطْبَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ فِي الْجُمُعَةِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَدَاؤُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِأَنْ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يَفُتْ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ كَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَأَمَّا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَضَاهَا فِيهَا لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ، وَكَذَا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ قَابِلٍ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا فَلَا تُقْضَى كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالِاقْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) يَعْنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ تُخَافِتُ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةٌ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ بَعْدَ مَا قَضَى مَا فَاتَهُ لِمَا نُبَيِّنُ مِنْ الْمَعْنَى ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ يُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي أَثَرِ الصَّلَاةِ لَا فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ دُونَ حَالَةِ التَّكْبِيرِ، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِنْ شُرُوطِهِ) هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. اهـ. . (قَوْلُهُ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ إلَخْ) الَّذِي يُؤَدَّى عَقِيبَ الصَّلَاةِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ فَسَجْدَتَا السَّهْوِ تُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا سَهْوٍ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا فِي تَحْرِيمِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي تَحْرِيمَتِهَا وَتُؤَدَّى عِنْدَ الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ فَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَسَهَا سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ لَبَّى فَإِنْ لَبَّى أَوَّلًا سَقَطَ التَّكْبِيرُ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالْكَلَامُ يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَسُجُودَ السَّهْوِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ التَّكْبِيرَ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمِنْ حَيْثُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ فَكُلُّ مَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَكُلُّ مَا لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَا يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ فَإِذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ ضَحِكَ فَقَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّكْبِيرِ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ سَاهٍ عَنْهُ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَقْطَعُ الْبِنَاءَ وَتُسْقِطُ التَّكْبِيرَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا اقْتَدَى بِهِ فِي التَّكْبِيرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْإِمَامِ بِالْكَلَامِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ خَلْفَهُ يَرَى رَأْيَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكَبِّرُ، وَإِنْ تَرَكَ إمَامُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَابَعَهُ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِمَا سُبِقَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ مِمَّا يُضَادُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ تَكْبِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَابَعَهُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ. اهـ. وَكَذَا إذَا تَابَعَ فِي التَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ كَلَامٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ إذَا كَانُوا مُحْرِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يُؤْتَى بِهَا لَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا بِنَاءً عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِنِدَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْإِمَامِ تَكْبِيرٌ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّلْبِيَةُ فَأَوَّلًا يَبْدَأُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ وَيَخْتَصُّ بِهَا ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ اهـ

[باب الكسوف]

الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُهُ فِيهِ وَلَا يُؤَخِّرُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَيَنْتَظِرُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ حَتَّى يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَقْطَعُ الْبِنَاءَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ تَوَضَّأَ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ (بَابُ الْكُسُوفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالنَّفْلِ إمَامُ الْجُمُعَةِ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَالنَّفْلِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ لَهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ، وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ»، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ قَبِيصَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَنْتَظِرُ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ فَمَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهُ الْقَوْمُ لِبَقَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ خَرَجَ أَوْ أَتَى بِمَا يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ وَذَلِكَ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ كَبَّرُوا؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَرَى التَّكْبِيرَ عَقِيبَ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ كَبَّرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ بَلْ فِي إثْرِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ إنْ أَتَى بِهِ وَإِلَّا انْفَرَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا يُؤَدَّى فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ يَتْرُكُهُ الْمُقْتَدِي. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ يُكَبِّرُ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ؛ لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَقْطَعُ الْبِنَاءَ فَلَا يُسْقِطُ التَّكْبِيرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ إلَخْ)، وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ اهـ. [بَابُ الْكُسُوفِ] [كَيْفِيَّة صَلَاة الْكُسُوف] (قَوْلُهُ: بَابٌ الْكُسُوفُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُصَلِّي نَافِلَةً فِي جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ إنْ شَاءُوا صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّخْيِيرُ يَكُونُ فِي النَّوَافِلِ لَا فِي الْوَاجِبَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَا إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ أَوْ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبِّرُوهُ وَسَبِّحُوهُ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَقُومُوا وَصَلُّوا» وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ. اهـ. وَتَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ إيَّاهَا نَافِلَةً لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ وَكُلُّ وَاجِبٍ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ لَا تَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ قَدْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ مُتَشَارِكَةٌ فِي عَوَارِضَ هِيَ الشَّرْعِيَّةُ نَهَارًا بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ آكَدُ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى قُوَيْلَةٍ وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَظَهَرَ وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا وَيُقَالُ كَسَفَ اللَّهُ الشَّمْسَ يَتَعَدَّى وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ لَا يَتَعَدَّى وَسَبَبُهَا الْكُسُوفُ. اهـ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ، وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. اهـ كَمَالٌ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَتُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ إلَّا أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمَّا كَانَتْ أَقْوَى مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا وَلِهَذَا قِيلَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاجِبَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ بَلْ قَالُوا سُنَّةٌ. اهـ. قَوْلُهُ: وَلَا تُصَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَيْ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ وَالْقُنْيَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَفِيهِمَا الْعِبَارَةُ لِلتُّحْفَةِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ النَّهْيِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا أَسْبَابٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً يُكْرَهُ أَيْضًا كَالْوِتْرِ. اهـ. وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا لَهُ سَبَبٌ لَا يُكْرَهُ فِيهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاجِبَةٌ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي: وَصِفَتُهَا أَنَّهَا سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِلْأَمْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ: وَصِفَتُهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ وُجُوبَهَا لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» قَالَ: وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُقَامُ عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ فَكَانَ شِعَارًا لِلدِّينِ حَالَ الْفَزَعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ دَفْعُ الْأَمْرِ الْمَخُوفِ فَهِيَ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ إلَيْنَا دُنْيَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ ثُمَّ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْزَاعُ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْهَلَاكِ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، وَلَا يُعَاقَبُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فَيُفْتَرَضُ التَّوْبَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَكَانَتْ فَرْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالنَّفْلِ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، وَلَا خُطْبَةٍ وَيُنَادَى الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا. اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: إمَامُ الْجُمُعَةِ) فِي مُصَلَّى الْعِيدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَتُؤَدَّى فِي الْمَكَانِ الْمُعَدِّ

فَقَالَ إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ»، وَقَدْ رَوَى الرَّكْعَتَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَأَبُو بَكْرَةَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَلِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ وَمُوَافَقَتِهِ الْأُصُولَ الْمَعْهُودَةَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَذْهَبَهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ حِينَ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ وَالرَّاوِي إذَا كَانَ مَذْهَبُهُ خِلَافَ مَا رَوَى لَا يَبْقَى فِيمَا رَوَى حُجَّةٌ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ، وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَخَمْسَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَسِتَّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ»، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ فَكُلُّ جَوَابٍ لَهُ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الرُّكُوعَيْنِ فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا عَمَّا زَادَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٍ. وَتَأْوِيلُ مَا زَادَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَوَّلَ الرُّكُوعَ فِيهَا فَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَمَلَّ بَعْضُ الْقَوْمِ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ أَوْ ظَنُّوا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ أَوْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ عَلَى عَادَةِ الرُّكُوعِ الْمُعْتَادِ فَوَجَدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعًا فَرَكَعُوا ثُمَّ فَعَلُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَكَذَلِكَ فَفَعَلَ مَنْ خَلْفَهُمْ كَذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا، وَقَعَ فِي ظَنِّهِ، وَمِثْلُ هَذَا الِاشْتِبَاهِ قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ إلَّا مَرَّةً فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ ثَابِتًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ لِلِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ لِيَخْتَبِرَ حَالَ الشَّمْسِ هَلْ انْجَلَتْ أَمْ لَا» فَظَنَّهُ بَعْضُهُمْ رُكُوعًا فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَهُ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (بِلَا جَهْرٍ) أَيْ بِلَا جَهْرٍ بِالْقِرَاءَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْهَرُ فِيهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا»، وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» «وَحَكَى سَمُرَةُ صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَطُولَ قِيَامِهِ، وَقَالَ لَمْ نَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا سَمِعْت لَهُ حَرْفًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَهَرَ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ لِيُعَلِّمَ أَنَّ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «فَحَزَرْت قِرَاءَتَهُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَوْ جَهَرَ سَمِعَتْ، وَمَا حَزَرَتْ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخُطْبَةٍ) أَيْ بِلَا خُطْبَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْصَرَفَ، وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» الْحَدِيثَ. ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْخُطْبَةِ»، وَلَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ» وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَصَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ أَجْزَأَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا مَرَّ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ «كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا» إلَخْ) أَيْ، وَهِيَ الصُّبْحُ فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحَيْنِ. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ صَلَّى ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ إلَخْ) الَّذِي، وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَقِّق قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا وَلِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَخَمْسَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَسِتَّ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ وَثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَةٍ». اهـ. وَقَدْ كَانَ فِي نُسْخَتِي كَذَلِكَ لَكِنِّي أَصْلَحْتهَا عَلَى مَا هُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّمْسِ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ»، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ. اهـ. وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» قَالَ أَبُو عُمَرَ سَمَاعُ قَتَادَةَ مِنْ عَطَاءٍ عِنْدَهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى يَنْجَلِيَ كُسُوفُهَا». اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْهَرُ فِيهَا إلَى آخِرِهِ)، وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ إلَى آخِرِهِ)، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْكُسُوفَ يَكُونُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَكَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عَاشِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. اهـ. ذَخَائِرُ الْعُقْبَى فِي مَنَاقِبِ ذَوِي الْقُرْبَى

[باب الاستسقاء]

بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَكَانَتْ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ»، وَهَذَا يُفِيدُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَهُوَ السُّنَّةُ ثُمَّ هُوَ فِي الدُّعَاءِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ شَاءَ قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيُؤَخِّرُ الدُّعَاءَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ إنْ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، وَقَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ إلَى آخِرِهِ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ حَيْثُ يُصَلَّى فِيهِ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَسَفَ فِي عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِرَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ النَّاسَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ مَا نَامُوا لَا يُمْكِنُ، وَهُوَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ أَيْضًا فَلَا يُشْرَعُ بَلْ يَتَضَرَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ بِالنَّهَارِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ، وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَهُ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عِبَارَاتُهُمْ فِيهَا فَقَالَ الْقُدُورِيُّ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَسَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ هَلْ فِيهِ صَلَاةٌ أَوْ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ خُطْبَةٌ فَقَالَ أَمَّا صَلَاةٌ بِجَمَاعَةٍ فَلَا، وَلَكِنْ فِيهِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَهَا سُنَّةً مُسْتَحَبَّةً، وَلَكِنْ إنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا لَا تَكُونُ بِدْعَةً، وَلَا يُكْرَهُ فَكَأَنَّهُ يَرَى إبَاحَتَهَا فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَذَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهَا مُطْلَقًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا يَسْتَسْقِي فَجَعَلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» الْحَدِيثَ. فَقَدْ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَلِّ لَهُ وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُصَلِّ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَالسُّنَّةُ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لَهُ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِرْسَالِ السَّمَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا قَلْبُ رِدَاءٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا» إلَى آخِرِهِ) هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ» يَعْنِي الْكُسُوفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا». اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ غَائِبًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الصَّلَاةُ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ حَسَنَةٌ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ». (فَائِدَةٌ) الضَّرْبُ عَلَى الْكَاسَاتِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ فَيَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِعُمُومِ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ. اهـ. شَرْحُ الْعُمْدَةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. اهـ. [بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ] قَالَ الْعَيْنِيُّ الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا بِضَمِّ السِّينِ، وَهُوَ الْمَطَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَوْلَهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَفِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ زَيْدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: «وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ») إلَى هُنَا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ «جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ». اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ إلَى آخِرِهِ) سُمِّيَتْ دَارُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ دَارُ مَرْوَانَ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) هُمَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَاةٌ. اهـ. ع قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا تَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْ أَوَانِهِ فَعَلَهُ أَيْضًا لَوْ مَلَحَتْ الْمِيَاهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ غَارَتْ. اهـ

[باب الخوف]

أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ، وَهَذَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ لِمُحَمَّدٍ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْقَوْمَ فَعَلُوهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُوَافَقَةً لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَخَلْعِ النِّعَالِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا أَوْ لِيَكُونَ الرِّدَاءُ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ أَوْ عَرَفَ بِالْوَحْيِ تَغَيُّرَ الْحَالِ عِنْدَ تَغْيِيرِهِ الرِّدَاءَ، وَكَيْفِيَّةُ الْقَلْبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْجُبَّةِ جَعَلَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَا يَخْطُبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ، وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَخْطُبُ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَيَسْتَقْبِلُ بِالدُّعَاءِ الْقِبْلَةَ قَائِمًا وَالنَّاسُ قَاعِدُونَ مُسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحُضُورُ ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا تَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14]؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْدَائِهِ وَالدُّعَاءُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلِقَةٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَاضَوْنَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، وَعِبَادُ اللَّهِ الرُّكَّعُ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا». (بَابُ الْخَوْفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ) بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ أَذَاهُمْ (وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً لَوْ) كَانَ الْإِمَامُ (مُسَافِرًا) أَوْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ (وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا، وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ وَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْعَدُوِّ (وَجَاءَتْ الْأُولَى، وَأَتَمُّوا) بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا ثُمَّ الْأُخْرَى) أَيْ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّحْوِيلِ كَانَ تَفَاؤُلًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ قَالَ «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ»، وَفِي الْمُطَوَّلَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِكَيْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إلَى الْخِصْبِ»، وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ. اهـ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّحْوِيلِ قِيلَ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَقِيلَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ «أَنَّهُ كَانَ يُحَوِّلُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ». اهـ. ابْنُ الْمُلَقِّنِ شَرْحُ عُمْدَةٍ (قَوْلُهُ: لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدُّعَاءُ فَلَا يَقْطَعُهَا بِالْجِلْسَةِ. اهـ كَافِي. [بَابُ الْخَوْفِ] [كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف] (بَابُ الْخَوْفِ). قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَارِضِ خَوْفٍ، وَقُدِّمَ الِاسْتِسْقَاءُ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ ثَمَّ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اشْتَدَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَ الْقَوْمُ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا الْفَجْرَ بِالْجَمَاعَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ اشْتِدَادُ الْخَوْفِ كَمَا تَرَى ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ نَزَلُوا أَرْضًا مَخُوفًا يَخَافُونَ مِنْ الْعَدُوِّ، وَلَا يَرَوْنَهُ فَصَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اشْتِدَادُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ فَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ عَدُوًّا صَلَّوْهَا فَإِنْ تَبَيَّنَ كَمَا ظَنُّوا جَازَتْ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ تَجُزْ إلَّا إنْ ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ مِنْ نَوْبَتِهَا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَتَجَاوَزَ الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ شَرَعُوا بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ وَالِانْصِرَافُ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَلَوْ شَرَعُوا فِي صَلَاتِهِمْ ثُمَّ حَضَرَ جَازَ الِانْحِرَافُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الْفُرُوعُ سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمُحِيطُ وَالْمَبْسُوطُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ إلَى آخِرِهِ تَبِعَ فِيهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخَصِ بِنَفْسِ السَّفَرِ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَيْ وَسَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ إذَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ الِانْصِرَافُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102]، وَقُلْنَا السَّجْدَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ السَّجْدَتَانِ كَذَا قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: سَجْدَتَيْنِ تَأْكِيدٌ، وَإِلَّا قَوْلُهُ رَكْعَةً كَافٍ إذْ الرَّكْعَةُ تَتِمُّ بِسَجْدَةٍ فَرُفِعَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَهَذَا حَسَنٌ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ) مُشَاةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْكَبُوا دَوَابَّهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا

(وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ)؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَقَفَ حَتَّى تُتِمَّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ صَلَاتَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا قَامُوا لِقَضَاءِ مَا سُبِقُوا انْتَظَرَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِحَدِيثِ سَهْلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ»، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُمْ صَفَّيْنِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ فَيُحْرِمُونَ كُلُّهُمْ مَعَهُ وَيَرْكَعُونَ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وقَوْله تَعَالَى {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، شَرَطَ لِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكُونَ هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِي، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَهُ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّاهَا عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا وَجَوَازُهَا خَلْفَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا، كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ هُوَ بِطَائِفَةٍ وَيَأْمُرَ مَنْ يُصَلِّي بِالْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً)؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَلِهَذَا شُرِعَ الْقُعُودُ عَقِيبَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَتْ الطَّائِفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ) أَيْ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ إنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ رُكْبَانًا حَتَّى إذَا رَكِبُوا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ مِنْهُ بُدٌّ فَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا، وَالْمَشْيُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَكُونُ عَفْوًا. انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا صَفَّيْنِ فَيَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَمِيعًا وَكُلُّهُمْ مُسْتَعِدُّونَ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا جَمِيعًا، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَالصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَالْأَوَّلُ يَحْرُسُونَهُمْ ثُمَّ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَالْآخَرُ يَحْرُسُونَهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ صَلَّوْا هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا تَجُوزُ لَهُمْ الصَّلَاةُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هَكَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} [النساء: 102] إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: 102]، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمْ كُلُّهُمْ لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ. انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا إلَى آخِرِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَإِنْ قَالَ قَدْ وُجِدَ التَّخْصِيصُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ فَقَالَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] قُلْنَا الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَلَا يَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا كُنْت أَنْتَ فِيهِمْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك فِي الْإِمَامَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103]. انْتَهَى مُصَفَّى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ تَشَهَّدَ بِهِمْ وَيَنْصَرِفُونَ ثُمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ، وَلَا يُسَلِّمُونَ مَعَهُ بَلْ يَرُوحُونَ مَقَامَهُمْ فَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَشَهَّدُوا فِيمَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا أَدْرَكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ وَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالْأُولَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، وَهَذِهِ ثَانِيَتُهُ فَالْقَعْدَةُ فِي الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُقْضَى أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَهَذَا التَّشَهُّدُ فَرْضٌ عَلَيْهِ. انْتَهَى طَحَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّشَهُّدُ أَيْ الْقُعُودُ

الْأُولَى أَوْلَى بِهَا لِلسَّبْقِ وَلِكَوْنِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ الْأُولَى فِي الْحُكْمِ. وَلَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِإِدْرَاكِهِمْ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ انْصَرَفُوا فِي أَوَانِ رُجُوعِهِمْ فَتَبْطُلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ فِي أَوَانِ الْعَوْدِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ فِي أَوَانِ الِانْصِرَافِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ وَالْأَوَّلُ مُعْرِضٌ فَلَا يُعْذَرُ إلَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الِانْصِرَافُ فِي أَوَانِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ الِانْصِرَافَ ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ أَوَانِ عَوْدِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ انْصِرَافِهِ مَا لَمْ يَجِئْ أَوَانُ عَوْدِهِ، وَلَوْ جَعَلَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَرْبَعَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى، وَلَوْ جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرَفُوا إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ فَصَلَّى الثَّالِثَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَمَا بَعْدَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ أَوَانُ انْصِرَافِهِمْ، وَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَاتَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ، وَلَا تَجُوزُ بِجَمَاعَةٍ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ جَوَّزَ لَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ لِأَجْلِ إحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ مَدْخَلٌ فِي إثْبَاتِ الرُّخَصِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا تَجُوزُ رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ فَكَذَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا مَاشِيًا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَالْغَرِيقِ السَّابِحِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ السَّبْحَ عَمَلٌ كَثِيرٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ تَجُزْ بِلَا حُضُورِ عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوا أَنَّهُ عَدُوٌّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ أَعَادُوهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا إذَا بَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ شَرَعُوا فِيهَا، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ ثُمَّ ذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ شَرَعُوا فِيهَا ثُمَّ حَضَرَ الْعَدُوُّ جَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِانْصِرَافِهِمْ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا أَوَّلًا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ، وَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى إلَخْ) لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِي الْمَغْرِبِ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا وَصَلَّى بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تُقْسَمُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى فَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بِالِانْصِرَافِ؛ لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ عِدَادِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا بَعْدَمَا صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدَ فَقَدْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ ثُمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لَمَّا عَادُوا وَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الثَّالِثَةِ لَمْ تَعُدْ صَلَاتُهُمْ إلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يُجَدِّدُوا التَّكْبِيرَةَ فِيهَا فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصَارُوا الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا انْصَرَفُوا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إلَى الْعَدُوِّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ، وَعَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إذَا عَادُوا أَنْ يَقْضُوا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُوا، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إذَا عَادُوا يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَوَقْتُ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَبْلَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأُولَى وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ وَالرَّابِعَةُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ أَيْضًا فَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ فِيهَا وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ فَإِذَا عَادَتْ الرَّابِعَةُ يَقْضُونَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ الْأُولَيَانِ بِقِرَاءَةٍ وَالثَّالِثَةُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَإِنْ شَاءُوا قَرَءُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَيَتَشَهَّدُونَ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. اهـ طَحَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ إلَخْ) بِأَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يُهَاجِمُونَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: صَلَّوْا رُكْبَانًا إلَخْ) وَيَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرُ فِي الصِّفَاتِ، وَهُوَ الْإِيمَاءُ لَا الْقَصْرُ فِي أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْخَوْفِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ وَالْخَوْفُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً رُكْبَانًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ إذَا صَلَّوْا بِإِيمَاءٍ وَزَالَ الْخَوْفُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَالْخَوْفُ مِنْ الْعَدُوِّ وَالسَّبُعِ سَوَاءٌ. اهـ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ) أَيْ فَإِنْ انْحَرَفُوا فِي غَيْرِ أَوَانِ انْحِرَافِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. اهـ. .

[باب الجنائز]

(بَابُ الْجَنَائِزِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ وُجِّهَ وَجْهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَعَلَامَاتُ احْتِضَارِهِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجُ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَتَتَدَلَّى جِلْدَتُهَا، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالُوا تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَك، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ الْفِطْرَةَ»، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ فَيُوضَعُ كَمَا يُوضَعُ فِيهِ، وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ، وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا: لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَسْهَلُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ عَقِيبَ الْمَوْتِ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ. وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُقِّنَ الشَّهَادَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَتَعَرَّضُ فِيهِ الشَّيْطَانُ لِإِفْسَادِ اعْتِقَادِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُذَكِّرٍ، وَمُنَبِّهٍ عَلَى التَّوْحِيدِ. وَكَيْفِيَّةُ التَّلْقِينِ أَنْ تُذْكَرَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا، وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ، وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَا يُنْهَى عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الْجَنَائِزِ] قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ يَجْنِزُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا سَتَرَ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ آخِرَ الْعَوَارِضِ ذَكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ آخِرًا لِلْمُنَاسَبَةِ. اهـ. أَوْ نَقُولُ الصَّلَاةُ صَلَاتَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَلَمَّا بَيَّنَ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ نَقُولُ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صَلَاةٍ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا. اهـ. وَالْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بِالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ حَتَّى قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: إنَّ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا صِفَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ وَرُكْنٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ. أَمَّا صِفَتُهَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَبَبُهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَرُكْنُهَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فِيمَا هُوَ شَرْطُ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَزِيدُ هَذِهِ بِأُمُورٍ تُذْكَرُ هُنَا، وَسُنَّتُهَا كَوْنُهُ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ ثِيَابُهُ فِي الشَّهِيدِ وَكَوْنُ هَذَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَسَاهُلٌ وَآدَابُهَا كَغَيْرِهَا وَالْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَتَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ إلَى الْقِبْلَةِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَكَرِهَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَجَّهْ إلَى الْقِبْلَةِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ أَلَسْت مُسْلِمًا وَلِلْجُمْهُورِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ وَشَيْخُهُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ إلَخْ. اهـ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلْتَ عَلَى الْمَرِيضِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَك فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلْبُخَارِيِّ وَيُخْرَجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ» إلَخْ) «ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ، وَقَدْ فَعَلْتَ» قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ. اهـ أَبُو الْبَقَاءِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ إلَخْ) هُوَ مِثْلُ لَفْظِ الْقَتِيلِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ فِي حَالِ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا إلَخْ) وَنُسِبَ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ: إنْ كَانَ التَّلْقِينُ لَا يَنْفَعُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا فَيَجُوزُ. اهـ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ قَالَ صَاحِبُ الْغِيَاثِ سَمِعْت أُسْتَاذِي قَاضِي خَانْ يَحْكِي عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ لَقَّنَ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ دَفْنِهِ، وَأَوْصَانِي بِتَلْقِينِهِ فَلَقَّنْتُهُ بَعْدَ مَا دُفِنَ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَقَائِقِ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ قَاضِي خَانْ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَحْسُنُ التَّلْقِينُ وَالتَّسْمِيعُ، قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الصَّفَّارُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ تَلْقِينَ الْمَيِّتِ مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ تُعَادُ إلَيْهِ رُوحُهُ، وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ قُلْت وَلَفْظُ التَّسْمِيعِ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةُ لَا يُفِيدُ التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ. اهـ مَا قَالَهُ فِي الْحَقَائِقِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ إلَخْ) بِفَتْحِ اللَّامِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ، وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمُدَّتْ أَطْرَافُهُ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ أَوْ مُدْيَةٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحَدِيدِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ

التَّوَارُثُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْسِينَهُ إذْ لَوْ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ لَبَقِيَ فَظِيعَ الْمَنْظَرِ، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ دُخُولِ الْهَوَامِّ فِي جَوْفِهِ وَالْمَاءِ عِنْدَ غُسْلِهِ وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) لِئَلَّا تُغَيِّرَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ وَلِيَنْضُبَ عَنْهُ الْمَاءُ عِنْدَ غُسْلِهِ، وَفِي التَّجْمِيرِ تَعْظِيمُهُ، وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَإِنَّمَا يُوتَرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ»، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ يُشِيرُ إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ، وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْغُسْلِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ إخْفَاءً لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدَةٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ)؛ لِأَنَّ سَتْرَهَا وَاجِبٌ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا حَرَامٌ كَعَوْرَةِ الْحَيِّ، وَيُسْتَرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَطْنُهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَلَا يُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ مُصْحَفٌ، وَأَسْرَعُوا فِي جِهَازِهِ، وَإِعْلَامِ جِيرَانِهِ، وَأَصْدِقَائِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَحَلَّاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْلَامَ النَّاسِ فَيُؤَدُّونَ حَقَّهُ، وَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلْمُصَلِّينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ. (قَوْلُهُ: وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ إلَخْ) قِيلَ طُولًا إلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ عَرْضًا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ كَيْفَ تَيَسَّرَ قَوْلُهُ: طُولًا إلَى الْقِبْلَةِ أَيْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ كَالْمُحْتَضَرِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ خُرَاسَانَ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَقِيلَ عَرْضًا أَيْ كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ التَّخْتِ أَنَّهُ يُوضَعُ إلَى الْقِبْلَةِ طُولًا أَوْ عَرْضًا فَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ طُولًا كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِي مَرَضِهِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ. اهـ. وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهَا انْقَطَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ وَلِهَذَا حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا فَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فِي سَفَرٍ بَيْنَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ عُلِّمَتْ الْغُسْلَ وَيُخَلُّونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا فَتُغَسِّلُهَا وَتُكَفِّنُهَا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عُلِّمَ الْغُسْلَ وَالتَّكْفِينَ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَإِلَّا فَلَا تُغَسَّلُ بَلْ تُيَمَّمُ فَإِنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ لَهَا مَحْرَمًا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ فَبِخِرْقَةٍ عَلَى كَفَّيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَيُعْرِضُ عَنْ ذِرَاعَيْهَا ثُمَّ تُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا، وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ امْرَأَتُهُ فَإِنَّهَا تُغَسِّلُهُ وَتُكَفِّنُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ النِّسَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ نُظِرَ إنْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ كَافِرٌ عُلِّمَ غُسْلَهُ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَيُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ ثُمَّ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عُلِّمَتْ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَتُغَسِّلُهُ وَتُكَفِّنُهُ وَتُصَلِّي عَلَيْهِ النِّسَاءُ الْبَالِغَاتُ وَيَدْفِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَبِيَّةٌ فَإِنَّهُنَّ يُيَمِّمْنَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُيَمِّمَةُ مَحْرَمًا لَهُ تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ فَإِنَّهَا تُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ وَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنَّهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ الْمَيِّتَةُ لَمْ يَبْلُغَا حَدَّ الشَّهْوَةِ فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ غَسَّلَهُمَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ. اهـ. طَحَاوِيٌّ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ صَغِيرًا غُسِّلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْغَاسِلُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَإِنْ كَانَ بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يُغَسَّلُ لِلتَّعَذُّرِ بَلْ يُيَمَّمُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُيَمِّمُ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَبِخِرْقَةٍ وَيُعْرِضُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ اهـ. وَالسُّنَّةُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلَ رَجُلٌ وَالْمَرْأَةَ امْرَأَة، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ إلَّا زَوْجَهَا الَّذِي مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا مَاتَ غَسَّلَتْهُ أَسْمَاءُ زَوْجَتُهُ فَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا لَا تُغَسِّلُهُ، وَلَوْ مَاتَ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ فَعَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِعْلًا لَوْ فَعَلَتْهُ حَالَ حَيَاتِهِ بَانَتْ بِهِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِشَهْوَةٍ بَطَلَ حَقُّهَا فِي الْغُسْلِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ فَمَا دَامَتْ هَذِهِ تَعْتَدُّ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِامْرَأَتِهِ فَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تُغَسِّلَهُ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تَرِثُ مِنْهُ وَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ أُخْتِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ قَدْ زَالَ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ مَجُوسِيَّةٌ فَمَاتَ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَوْ أَسْلَمَتْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ، وَقَالَ زُفَرُ: كَانَ لَهَا الْغُسْلُ عِنْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِرِدَّةٍ أَوْ لَمْسٍ لِأَبِي الزَّوْجِ أَوْ ابْنِهِ بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غُسْلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ زَالَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ. اهـ طَحَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُدَارَ بِالْمِجْمَرَةِ) وَالْمِجْمَرَة بِكَسْرِ الْأَوَّلِ هِيَ الْمِبْخَرَةُ وَالْمِدْخَنَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْمِجْمَرُ بِحَذْفِ الْهَاءِ مَا يُبَخَّرُ بِهِ مِنْ عُودٍ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ لُغَةٌ أَيْضًا فِي الْمِجْمَرَةِ. اهـ مِصْبَاحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا) قَالَ الْكَمَالُ أَوْ سَبْعًا. اهـ. وَكَذَا فِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِئَلَّا تُغَيِّرَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْبَقَاءِ ثُمَّ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِمَاذَا وَجَبَ؟. فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: سَبَبُ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ فَإِنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ حَالَ الْحَيَاةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ وَغَلَبَةِ وُجُودِ الْحَدَثِ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى إنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لَمَّا لَمْ يَكْثُرْ وُجُودُهُ كَالْحَدَثِ لَمْ يَكْتَفِ فِيهِ إلَّا بِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَا حَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَوَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنَّ الْآدَمِيَّ بِالْمَوْتِ لَا يُنَجَّسُ بِتَشَرُّبِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِي أَجْزَائِهِ كَرَامَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا

يُشَدُّ الْإِزَارُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجُرِّدَ) لِيُمْكِنَهُمْ التَّنْظِيفُ قَالُوا يُجَرَّدُ كَمَا مَاتَ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَحْمِي فَيُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ قُلْنَا ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي ثِيَابِهِ فَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي رِوَايَةٍ غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ تَجْرِيدُ مَوْتَاهُمْ كَافَّةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَيُنَجِّسُ الْمَيِّتَ وَيَشِيعُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا بَلَلٌ طَيِّبٌ، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا، وَمَيِّتًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَوُضِّئَ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ)؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْهُ فَيُتْرَكَانِ وَيُخَالِفُ الْجُنُبَ فِيهِمَا، وَفِي غَسْلِ الْيَدِ فَإِنَّ الْجُنُبَ يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ، وَالْمَيِّتُ يُبْدَأُ بِغَسْلِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ هُوَ الْغَاسِلُ لِنَفْسِهِ فَيَبْدَأُ بِتَنْظِيفِ الْيَدِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ، وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ كَالْجُنُبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ رَأْسِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْسَحُ كَمَا أَنَّ الْجُنُبَ يَمْسَحُ فِي الصَّحِيحِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ بِسِدْرٍ أَوْ حُرْضٍ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ، وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُغَسَّلَ ابْنَتُهُ وَالْمُحْرِمُ الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِلَّا فَالْقَرَاحِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سِدْرٌ، وَلَا حُرْضٌ فَلْيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْقَرَاحُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْخَالِصُ الْمَغْلِيُّ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَوْتِ، الْآدَمِيُّ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَبْلَ الْغُسْلِ تَنَجَّسَ الْبِئْرُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجَّسْ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُنَجَّسْ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ وَجَبَ غُسْلُهُ لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ سَابِقَةِ الْحَدَثِ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: إنَّ بِالْمَوْتِ يُنَجَّسُ الْآدَمِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا تُنَجَّسُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ كَالشَّاةِ يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ وَيَجِبُ نَزْحُ مَا فِي الْبِئْرِ كُلِّهِ وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَصَلَّى مَعَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ قَبْلَ غُسْلِهِ يُكْرَهُ وَبَعْدَهُ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا، وَلَا يُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ كَمَا لَوْ قَرَأَهَا الْمُحْدِثُ، وَكَذَا لَا يَمْسَحُ رَأْسَ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ لِلْحَدَثِ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ الْمَسْحُ كَمَا فِي الْجُنُبِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِثُبُوتِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ عِلَّتِهَا، وَهِيَ احْتِبَاسُ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ، وَقَوْلٌ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ لِلْغُسْلِ أَثَرًا فِي إزَالَتِهَا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إزَالَتِهِ نَجَاسَةَ الْمَوْتِ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ فِي الثُّبُوتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفِي الزَّوَالِ بِالْغُسْلِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مَنْعُ ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ مَعَ قِيَامِ عِلَّتِهَا وَلَمْ نَجِدْ نَجَاسَةً لَا تَعْمَلُ فِي التَّنْجِيسِ فِي الْآدَمِيِّ فِي حَالَةِ كَرَامَةٍ لَهُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يُسَجَّى بِثَوْبٍ وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَنَجُّسِهِ بِالْمَوْتِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ مِنْ التَّوْفِيقِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَوْلُهُ: لِمَاذَا وَجَبَ؟. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ وَكَذَا الْوَاجِبُ هُوَ الْغُسْلُ مَرَّةً وَالتَّكْرَارُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى لَوْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ غَمَسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي مَاءٍ جَارٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنْ وَجَبَ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَإِنْ وَجَبَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُنْتَشِرَةِ فِيهِ كَرَامَةً لَهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ فَالْحُكْمُ بِالزَّوَالِ بِالْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَقْرَبُ إلَى مُعْتَبَرِ الْكَرَامَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِعْلُ الْغُسْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ فَأُخْرِجَ إنْ كَانَ الْمُخْرِجُ حَوَّلَهُ كَمَا يُحَوَّلُ الشَّيْءُ فِي الْمَاءِ لِقَصْدِ التَّطْهِيرِ وَسَقَطَ التَّطْهِيرُ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْتَفَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُسْتَرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي النِّهَايَةِ بِحَدِيثِ عَلِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا. اهـ. وَمَا صَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ أَبِي نَصْرٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَمَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ») هَكَذَا فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ «وَلَا تَنْظُرْ» بِالْوَاوِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ». اهـ. وَمُرَادُهُ بِصَاحِبِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُد. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يُيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. اهـ. وَفِي التَّتِمَّةِ الْخُنْثَى كَيْفَ يُغَسَّلُ قِيلَ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ فَيُغَسَّلُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يُيَمَّمُ، وَلَا يُغَسَّلُ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ أَوْ كَانَ مُرَاهِقًا. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَرَاءَ الثَّوْبِ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ وَيَكُونُ مَوْضِعُ غُسْلِهِ مُظْلِمًا، وَقِيلَ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ فَيُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُيَمَّمُ. اهـ. قَوْلُهُ: غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضٌ أَيْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالدَّفْنِ وَالصَّلَاةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ) مِنْ الْإِغْلَاءِ لَا مِنْ الْغَلْيِ وَالْغَلَيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ حُرُضٌ) هُوَ أَشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ. اهـ فَتْحٌ

الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ تَحْصُلُ بِهِ وَالسَّخِينُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَغُسِلَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُغْسَلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ)؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ يُبْدَأُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَشَيْءٍ مِنْ الْكَافُورِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ أُجْلِسَ مُسْنَدًا إلَيْهِ، وَمُسِحَ بَطْنُهُ رَفِيقًا) لِيَسِيلَ مَا بَقِيَ فِي الْمَخْرَجِ، وَلَا تَبْتَلُّ أَكْفَانُهُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا خَرَجَ مِنْهُ غَسَلَهُ) تَنْظِيفًا لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إنْجَائِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْجِيهِ مِثْلَ مَا كَانَ يَسْتَنْجِي فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَلَا يَمَسَّ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ يَلُفُّ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَطْهُرَ الْمَوْضِعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُنَجَّى؛ لِأَنَّ الْمُسْكَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَوْ نُجِّيَ رُبَّمَا يَزْدَادُ الِاسْتِرْخَاءُ فَتَخْرُجُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى فَيُكْتَفَى بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَمْ يُعَدْ غُسْلُهُ)؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ نَصًّا، وَقَدْ حَصَلَ، وَلَا وُضُوءُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَادُ وُضُوءُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ، وَلَنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثًا فَالْمَوْتُ فَوْقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِكَوْنِهِ يَنْفِي التَّمْيِيزَ فَوْقَ الْإِغْمَاءِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْمَوْتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُشِّفَ بِثَوْبٍ) كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَجُعِلَ الْحَنُوطُ)، وَهُوَ الطِّيبُ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِذَلِكَ وَاسْتَعْمَلَهُ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ، وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ، وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَقَدَمَيْهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْقُطْنُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَنْ تُحْشَى بِهِ مَخَارِقُهُ كَالدُّبُرِ وَالْقُبُلِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْفَمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (، وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلِحْيَتُهُ، وَلَا يُقَصُّ ظُفُرُهُ وَشَعْرُهُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلزِّينَةِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَلِكَ فَقَالَتْ عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ، وَقَوْلُهُ وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ شَعْرِ جَسَدِهِ أَوْ يُقَالُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ: وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ رَأْسِهِ، وَلَا شَعْرُ لِحْيَتِهِ فَعَلَى هَذَا يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكَفَنُهُ سُنَّةً) أَيْ كَفَنُ الرَّجُلِ لِلسُّنَّةِ (إزَارٌ، وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ) فَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَهُوَ بِلَا دَخَارِيصَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي قَمِيصِ الْحَيِّ لِيَتَّسِعَ أَسْفَلُهُ لِلْمَشْيِ وَلَا جَيْبٍ، وَلَا كُمَّيْنِ، وَلَا تُكَفُّ أَطْرَافُهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ قُطِعَ جَيْبُهُ وَكُمَّيْهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللِّفَافَةِ وَالْإِزَارِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ، وَلَا قَمِيصٌ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ فَكُفِّنَ فِيهِ»، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي قَمِيصِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وَالْعَمَلُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رَوَاهُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ أَنَّ مَا رَوَاهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَالْحَالُ أَكْشَفُ عَلَى الرِّجَالِ لِحُضُورِهِمْ دُونَ النِّسَاءِ لِبُعْدِهِنَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكِفَايَةً) أَيْ، وَكَفَنُهُ كِفَايَةً (إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ»؛ وَلِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ حَالَ حَيَاتِهِ عَادَةً فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَقِيلَ قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَرُورَةٌ مَا يُوجَدُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى دُونِ مَا ذَكَرْنَا كَمَا رُوِيَ «أَنَّ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا نَمِرَةٌ فَكَانَتْ إذَا وُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ تَبْدُو رِجْلَاهُ، وَإِذَا وُضِعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْخِرِ»، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِالْخِطْمِيِّ) هُوَ مُشَدَّدُ الْيَاءِ غِسْلٌ مَعْرُوفٌ وَكَسْرُ الْخَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَتْحِ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ، وَلَا يُكَبُّ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِهِ لِيُغْسَلَ ظَهْرُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُسْنَدًا) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغَاسِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَعَلَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ، وَعَرَفَ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْحَنُوطُ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَاجِدِهِ) جَمْعُ مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَوْضِعُ السُّجُودِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَلَا يُسَرَّحُ إلَخْ) أَيْ، وَلَا يُخْتَنُ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. كُنُوزٌ (قَوْلُهُ: وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِحْيَتَهُ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ لِحْيَتَهُ تُسَرَّحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ لَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى لِحْيَتِهِ لِكَوْنِهَا مَخْصُوصَةً بِاسْمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ إلَخْ) التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خِيَارِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِفَافَةٌ) فَالسَّاقِطُ الْقَمِيصُ وَالضَّابِطُ الْقَافُ مَعَ الْقَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا نَمِرَةٌ) النَّمِرَةُ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ سُودٌ وَبِيضٌ. اهـ. مُغْرِبٌ

[فصل السلطان أحق بصلاة الجنازة]

وَحْدَهَا لَا يَكْفِي خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُفَّ مِنْ يَسَارِهِ ثُمَّ مِنْ يَمِينِهِ) أَيْ لُفَّ الْكَفَنُ مِنْ يَسَارِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَمِينِهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِزَارُ فَوْقَهَا ثُمَّ يُوضَعُ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ مُقَمَّصًا ثُمَّ يُعْطَفُ عَلَيْهِ الْإِزَارُ وَحْدَهُ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ ثُمَّ مِنْ قِبَلِ الْيَمِينِ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَعُقِدَ) أَيْ الْكَفَنُ (إنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَنُهَا) أَيْ كَفَنُ الْمَرْأَةِ (سُنَّةً دِرْعٌ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا) لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَلْنَ ابْنَتَهُ خَمْسَ أَثْوَابٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكِفَايَةً) أَيْ كَفَنُهَا كِفَايَةً إزَارٌ وَلِفَافَةٌ (وَخِمَارٌ)؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ حَالَ حَيَاتِهَا وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَمَا دُونَ ذَلِكَ كَفَنُ الضَّرُورَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُلْبَسُ الدِّرْعَ أَوَّلًا ثُمَّ يُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَهُ تَحْتَ اللِّفَافَةِ) ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ، وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ بِالْفَخِذَيْنِ وَقْتَ الْمَشْيِ، وَمَا دُونَ الثَّالِثَةِ كَفَنُ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْأَكْفَانِ الْبِيضُ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ الْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ وَالْإِبْرَيْسَمُ، وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ. وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّكْفِينِ كَالْبَالِغِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ، وَأَدْنَى مَا يُكَفَّنُ بِهِ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَالصَّبِيَّةُ ثَوْبَانِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْكَفَنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْكَفَنُ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ عَلَيْهِ الْكَفَنُ، وَهُوَ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ إلَى قَدْرِ السَّنَةِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا الزَّوْجَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الْوُصْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ أَوَّلًا وِتْرًا) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا الْمَيِّتُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوا وِتْرًا»، وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَجَمِيعُ مَا يُجَمَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَعِنْدَ غُسْلِهِ، وَعِنْدَ تَكْفِينِهِ، وَلَا يُجَمَّرُ خَلْفَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ»، وَكَذَا يُكْرَهُ فِي الْقَبْرِ (فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى إنْ حَضَرَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَإِمَامُ الْمِصْرِ، وَهُوَ سُلْطَانُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَلِيفَةِ وَبَعْدَهُ الْقَاضِي وَبَعْدَهُ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ وَبَعْدَهُ خَلِيفَةُ الْوَالِي وَبَعْدَهُ خَلِيفَةُ الْقَاضِي وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ إمَامُ الْحَيِّ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا فَالْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ أَوْلَى بِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى بِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوِلَايَةِ كَالْإِنْكَاحِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ لَوْلَا السُّنَّةُ لَمَا قَدَّمْتُكَ، وَكَانَ سَعِيدٌ وَالِيًا فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي اللُّبَابِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ، وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: دِرْعٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ قَمِيصٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ مَا تَلْبَسُهُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَيْ هُوَ مَا جَيْبُهُ إلَى الصَّدْرِ، وَالْقَمِيصُ مَا شِقُّهُ إلَى الْمَنْكِبِ، وَلَمْ أَجِدْهُ أَنَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَيُسْدَلُ شَعْرُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا، وَلَا يُجْعَلُ ضَفِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَفْرَ الشَّعْرِ، وَإِسْدَالَهُ خَلْفَ الظَّهْرِ لِلزِّينَةِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ حَالَةُ الْحَسْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَيْسَمُ إلَخْ) وَجَازَ تَكْفِينُهَا فِي الْحَرِيرِ لَا تَكْفِينُهُ. اهـ. مُنْيَةٌ. [فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاةِ الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ: فَصْلٌ: السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَوْتَى ثَابِتَةٌ بِمَفْهُومِ الْكِتَابِ وَبِالتَّوَارُثِ مِنْ الْعَهْدِ الْأَوَّلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] فَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِ يُشْعِرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُوَافِقِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ صَلَّتْ عَلَى آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَالَتْ لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ وَإِذَا ثَبَتَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إمَامٍ فَلِذَلِكَ قَالَ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ فَالصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ، وَأَوْلَاهُمْ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ وَالسُّلْطَانُ يُقَدَّمُ بِعَارِضِ الْإِمَامَةِ وَالسَّلْطَنَةِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ فَقَالَ إنْ حَضَرَ فَإِنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءً بِهِ، وَفِيهِ فَسَادُ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي فَيُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ إمَامِ الْحَيِّ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا إمَامُ الْحَيِّ فَتَقْدِيمُهُ عَلَى طَرِيقِ الْأَفْضَلِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ. وَبَيَانُ أَنَّ الْحَقَّ إلَى الْأَوْلِيَاءِ مَا قَالَ فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ، وَمَا قَالَ أَيْضًا فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ بِدُونِ السُّلْطَانِ فِي نُسْخَةٍ أَعَادَ الْوَلِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَيْنِ أَنَّ الْحَقَّ إلَى الْأَوْلِيَاءِ حَيْثُ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ الْإِعَادَةُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ السُّلْطَانُ بِعَارِضٍ وَلِهَذَا قَالَ إنْ حَضَرَ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ حَضَرَ السُّلْطَانُ وَصَلَّى الْوَلِيُّ يُعِيدُ السُّلْطَانُ، وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ وَصَلَّى الْوَلِيُّ لَيْسَ لِأَحَدٍ الْإِعَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى بِهَا إلَخْ)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: كَالْإِنْكَاحِ إلَخْ) فَيَكُونُ الْوَلِيُّ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بَعْدَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الِافْتِرَاضِ وَكَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَافٍ، وَقِيلَ فِي مُسْنَدِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِحَمْلِهَا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. قَوْلُهُ: فِي مُسْنَدِ الْأَوَّلِ أَيْ الْفَرْضِيَّةِ. اهـ.

[شرط الصلاة على الميت]

صَاحِبِكُمْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ الْبَعْضِ فَتَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَكَذَا تَكْفِينُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَكَذَا غُسْلُهُ وَدَفْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرْطُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (إسْلَامُ الْمَيِّتِ وَطَهَارَتُهُ) أَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، وَهُمْ الْكَفَرَةُ؛ وَلِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ لِلْمَيِّتِ إكْرَامًا لَهُ وَطَلَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، وَالْكَافِرُ لَا تَنْفَعُهُ الشَّفَاعَةُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِكْرَامَ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَلِأَنَّ الْمَيِّتَ لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ وَضْعُهُ أَمَامَ الْقَوْمِ حَتَّى لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَوْ وَضَعُوهُ خَلْفَهُمْ وَالْإِمَامُ تُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ أَيْضًا بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مَا دَامَ الْغُسْلُ مُمْكِنًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِالنَّبْشِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمُؤْتَمِّ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ ثُمَّ دُفِنَ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِفَسَادِ الْأُولَى، وَقِيلَ تَنْقَلِبُ الْأُولَى صَحِيحَةً عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَلَا تُعَادُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ الْقَاضِي إنْ حَضَرَ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ)؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلَيْسَ تَقْدِيمُهُ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْوَلِيُّ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَالْوِلَايَةُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ كَيْ لَا يَكُونَ ازْدِرَاءٌ بِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ فِيهَا كَتَرْتِيبِهِمْ فِي التَّعْصِيبِ وَالْإِنْكَاحِ لَكِنْ إذَا اجْتَمَعَ أَبُو الْمَيِّتِ وَابْنُهُ كَانَ الْأَبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الِابْنِ، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَضِيلَةُ، وَالْأَبُ أَفْضَلُ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ، وَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَلَهُ وَلِيٌّ حُرٌّ فَالْمَوْلَى أَوْلَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلِيٌّ فَالزَّوْجُ أَوْلَى ثُمَّ الْجِيرَانُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ أَوْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا تَكْفِينُهُ) أَيْ وَكُلُّ مَا يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِصِحَّةِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالنِّيَّةُ تُعْتَبَرُ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا. اهـ بَدَائِعُ. [شَرْط الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت] (قَوْلُهُ: وَطَهَارَتُهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ. وَسُئِلَ قَاضِي خَانْ عَنْ طَهَارَةِ مَكَانِ الْمَيِّتِ هَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ قَالَ: إنْ كَانَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنَازَةٍ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ مَكَانِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَدٍّ، وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ وَسُئِلَ عَمَّنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ هَلْ يَكْفُرُ قَالَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ. اهـ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا وَضْعُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي فَلِهَذَا الْقَيْدِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ، وَلَا حَاضِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا مَوْضُوعٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُصَلِّي. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ أَخْطَئُوا بِالرَّأْسِ وَوَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِ الرِّجْلَيْنِ وَصَلَّوْا عَلَيْهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا إنَّمَا الْحَاصِلُ تَغْيِيرُ صِفَةِ الْوَضْعِ، وَذَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءُوا لِتَغْيِيرِهِمْ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ فَيُغَسَّلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامُ الْحَيِّ حَاضِرًا فَالْوِلَايَةُ بَعْدُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ الْحَيِّ إنَّمَا الْوِلَايَةُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِأَقْرَبِ أَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. اهـ. وَإِمَامُ الْحَيِّ إمَامُ مَسْجِدِ حَارَتِهِ. اهـ. ع قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَفِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ جَائِزَةٌ وَيُؤْمَرُ فُلَانٌ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتُ أَحَدًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَرِيبِ لِرِضَاهُ بِهِ. اهـ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُرْشِدُ إلَيْهِ. اهـ. يَعْنِي بِالتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُهُ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْقَرِيبِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ، وَلَهُ أَبٌ فَالْوِلَايَةُ لِابْنِهِ، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ الْجَدَّ تَعْظِيمًا. وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ابْنُهُ أَوْ عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لَهُ لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ مَوْلَاهُ احْتِرَامًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَخْ) فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبُو الْمَعْتُوهَةِ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا مِنْ ابْنِهَا، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ) كَمَا فِي أَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَسَنُّهُمْ أَوْلَى. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسَنُّ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلصَّغِيرِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرُّتْبَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا الْأَسَنَّ بِالسُّنَّةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ «لِيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُكُمَا»، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَبَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: سَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا ابْنٌ فَإِنْ كَانَ فَالزَّوْجُ أَوْلَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ، وَهُوَ يُقَدِّمُ أَبَاهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ جَازَ تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ الْأَجْنَبِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةُ. اهـ جَوْهَرَةٌ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ إلَخْ) أَيْ إلَى حَالِهِمْ لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا حُضُورَ الدَّفْنِ، وَلَهُمْ

[كيفية صلاة الجنازة]

بِالْأَذَانِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَذَّنُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ أَيْ الْإِعْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ يُتَبَارَكُ بِهَا، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعَوْنَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقَّ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَمْ يُصَلِّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَمَا صَلَّى الْوَلِيُّ، وَكَذَا بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ وَبَعْدَ كُلِّ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَهْلُهُ»، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى بِالْأُولَى، وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَتَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ لِأَنَّ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَأْكُلُهَا التُّرَابُ، وَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) إقَامَةً لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ بَعْدَ الْأُولَى وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوَانِعُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ انْصِرَافَهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي إنْ فَرَغُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَمْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهُوا إلَى الْقَبْرِ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فَقَدْ يَتَحَرَّجُونَ وَالْإِذْنُ مُطْلَقٌ لِلِانْصِرَافِ لَا مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ الدَّفْنِ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى هُوَ الْإِذْنُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ. اهـ. أَيْ وَكَوْنُ تَرْكِ مَدْخُولِهِ أَوْلَى عُرِفَ فِي مَوَاضِعَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِيَقْضُوا حَقَّهُ إلَخْ) وَلِيَنْتَفِعَ الْمَيِّتُ بِكَثْرَتِهِمْ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ فِيهِ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٍ بَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: أَعَادَ الْوَلِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا كَانَ الْغَيْرُ غَيْرَ مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي وَنَائِبِهِ لَمْ يَعِدْ. اهـ. وَقَدْ عَزَى فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَالْوَلِيُّ خَلْفَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ إنْ تَابَعَهُ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ إنْ كَانَ الْمُصَلِّي سُلْطَانًا أَوْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَاضِيَ أَوْ الْوَالِيَ عَلَى الْبَلْدَةِ أَوْ إمَامَ الْحَيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْأَوْلَى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ فَلَهُ الْإِعَادَةُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لَا تُعَادُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ. اهـ. وَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا بِمَكَانٍ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْأَبْعَدِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ بِكِتَابَةٍ فَإِنَّ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَدْ سَقَطَتْ لِمَا أَنَّ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى حُضُورِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَالْوِلَايَةُ تَسْقُطُ مَعَ ضَرَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَائِمَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَعَ مَرَضِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ التَّقْدِيمِ، وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ وَالصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ فِي التَّقْدِيمِ. اهـ بَدَائِعُ. وَفِيهَا وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُ الْمَوْلَى وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْقَطَعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَا صَلَّى الْوَلِيُّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ إمَامًا فِيهَا أَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ أَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَاقْتَدَى بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْوَلِيِّ أَيْضًا مِنْ الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى مِنْ الْوَلِيِّ أَوْلَى مِنْهُ إذْ الْفَرْضُ، وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ تَأَدَّى بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْ مَنْعِ التَّنَفُّلِ، وَأَعَادَ إنْ عَدِمَ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي حَقِّ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ أَمَّا مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَتَبْقَى الْمَشْرُوعِيَّةُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) هَذَا إذَا أُهِيلَ التُّرَابُ سَوَاءٌ كَانَ غُسِّلَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى، وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ أَهَالُوا عَلَيْهِ لَا يُخْرَجُ، وَهَلْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ قِيلَ لَا وَالْكَرْخِيُّ نَعَمْ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ الشَّرْطِ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ فَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ وَدُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَجُوزُ بِلَا طَهَارَةٍ أَصْلًا، وَإِلَى الثَّانِي تَجُوزُ بِلَا عَجْزٍ فَقُلْنَا تَجُوزُ بِدُونِهَا حَالَةَ الْعَجْزِ لَا الْقُدْرَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) لِأَنَّ بَعْدَ التَّفَسُّخِ يَتَشَقَّقُ الْبَدَنُ وَيَتَفَرَّقُ وَالصَّلَاةُ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْبَدَنِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَكَانِ) إذْ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ بِالْإِبْلَاءِ وَمِنْهُ لَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ لَا يُصَلُّونَ إلَى الثَّلَاثِ. اهـ فَتْحٌ. [كَيْفِيَّة صَلَاة الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ: أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ إلَخْ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَخْ قَالُوا لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهَا بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ، وَلَمْ تَثْبُتْ الْقِرَاءَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أُبَيًّا كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ كَمَا يُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ

وَدُعَاءٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا، وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَلِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ سِوَى التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامَ، وَيُخَافِتُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي التَّكْبِيرِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اخْتَارُوا الرَّفْعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ» وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُضْطَرِبَةٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَرْفَعُ إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَلَئِنْ صَحَّتْ فَلَا تُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَلَوْ كَبَّرَ) الْإِمَامُ (خَمْسًا لَمْ يُتْبَعْ)؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ (وَلَا لِمَجْنُونٍ)؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ (وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ لِيُكَبِّرَ مَعَهُ لَا مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ) أَيْ يَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ حَتَّى يُكَبِّرَ مَعَهُ، وَلَا يَنْتَظِرُ الَّذِي كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ، وَصُورَتُهُ إذَا أَتَى رَجُلٌ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَيُكَبِّرُ، وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْبُوقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ فَصَارَ كَمَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْأَوْلَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ) يُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَلَا يَكُونُ رُكْنًا قَالَهُ الْكَمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يُجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِشَيْءِ مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالْإِخْفَاءُ فِي الذِّكْرِ أَوْلَى، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجْهَرُونَ كُلَّ الْجَهْرِ وَلَا يُسِرُّونَ كُلَّ السِّرِّ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ)، وَفِي أُخْرَى يُسَلِّمُ كَمَا يُكَبِّرُ الْخَامِسَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا إنَّمَا الْخَطَأُ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا لَا يُتَابِعُهُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا مِنْ الْمُبَلِّغِ فَيُتَابِعُهُ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. قَوْلُهُ: وَفِي أُخْرَى أَيْ رِوَايَةٍ أُخْرَى. اهـ. وَقَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَيْ كَرَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا حَضَرَ الرَّجُلُ، وَقَدْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِلِافْتِتَاحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَصِرْ مَسْبُوقًا بِشَيْءٍ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ، وَلَا يُكَبِّرُ لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ يُتَابِعُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ الرَّجُلُ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلِافْتِتَاحِ لَا يُكَبِّرُ هُوَ بَلْ يَمْكُثُ حَتَّى يُكَبِّرَ الثَّانِيَةَ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَيَكُونُ هَذَا التَّكْبِيرُ تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ، وَيَصِيرُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا بَقِيَ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَأْتِي بِمَا سُبِقَ كَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ مَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَيُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَتَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَعَلَ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ ثَلَاثًا لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ، وَهِيَ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ. وَإِذَا جَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعِ يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، وَهَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْمَنُ رَفْعَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ، وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَقَالَ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَتَى بِهَا مُتَتَابِعَةً بِلَا دُعَاءٍ مَا دَامَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَكْتَافِ أَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي. اهـ.، وَفِي الْحَقَائِقِ فَإِنْ سُبِقَ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ بِلَا أَذْكَارٍ قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ قَالُوا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ إلَخْ) لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَرْبَعٌ كَأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ. اهـ. فَتْحٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لَكَانَ قَاضِيًا لِمَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ إلَخْ) فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَأَلَهُمْ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ فَيَقْضِي مَا سُبِقَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ

مُقَارِنًا لَهُ إلَّا بِحَرَجٍ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ، وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ لَهُمَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِدُعَاءٍ تَرْتَفِعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِلَا حُضُورِ مَيِّتٍ، وَلَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْأَعْنَاقِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تَتَبَاعَدَ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا غَالِبٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَامَ حِيَالَ صَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّدْرَ مَحَلُّ الْإِيمَانِ، وَمَعْدِنُ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ وَقَعَتْ لِأَجْلِ إيمَانِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ صَدْرِهِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا؛ لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ هُوَ السُّنَّةُ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا» قُلْنَا الْوَسَطُ هُوَ الصَّدْرُ فَإِنَّ فَوْقَهُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَتَحْتَهُ بَطْنَهُ وَرِجْلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي مِثْلِهِ قَدْ يُشْتَبَهُ لِتَقَارُبِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ إلَيْهِ بَعِيدًا، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَلَمْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا) يَعْنِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ، وَكَذَا لَمْ يُصَلُّوا قَاعِدِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَجِبُ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ السُّجُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ احْتِيَاطًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ عَلَى مَيِّتٍ، وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ عَلَى الْمُخْتَارِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا فِي مَسْجِدٍ) أَيْ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ فِي رِوَايَةٍ، وَكَرَاهِيَةُ التَّنْزِيهِ فِي أُخْرَى أَمَّا الَّذِي بُنِيَ لِأَجْلِ صَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَعَدَ فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَلِيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ». وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مُعَاذٍ نَظَرًا فِي بَابِ الْأَذَانِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَضَعَّفَ سَنَدَهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «كَانَ الرَّجُلُ إذَا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ فَسَاقَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الدَّاخِلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا»، وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ، وَلَا يَضُرُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا كَفَى الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا يَقْضِيَ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْكَافِي إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعْنَيَانِ مَعْنَى الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَمَعْنَى الِافْتِتَاحِ يَتَرَجَّحُ فِيهَا وَلِذَا خُصَّتْ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ)؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ وَحْدَهُ لِمَا قُلْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ)، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الْأُولَى يُكَبِّرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَهُمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ بِحُضُورِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِظَارِهِ صَيْرُورَتُهُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ فَيُكَبِّرُهَا بَعْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْتَظِرُهُ بَلْ يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ حَضَرَ، وَلَوْ كَبَّرَ كَمَا حَضَرَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ وَالْأَرْكَانُ فِيهَا التَّكْبِيرَاتُ وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الرُّكُوبِ كَمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الْقِيَامِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِهَا إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَيُرَاعَى فِيهَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَبِهَذَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْخَلَلِ فِي شَرَائِطِهَا فَكَذَا فِي الرُّكْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَهَمُّ مِنْ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ قُعُودًا وَرُكْبَانًا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالْمَيِّتِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لِتَعْظِيمِهِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ إهَانَتُهُ كَالْبَاغِي وَالْكَافِرِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ مَا شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا مَا أَجْزَأَهُمْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ إلَخْ)، وَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ طَاهِرٍ أَوْ حَصَلَ قِيَامُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ أَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَدَنِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ، وَأَمَّا إذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ أَجْزَأَهُمْ جَمِيعًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ) قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً إذْ الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَلَا قُرِنَ الْفِعْلُ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلْبُ الْأَجْرِ وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلثَّوَابِ فَسَلْبُ الثَّوَابِ مَعَ فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الثَّوَابَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَالصَّحِيحُ

الْجِنَازَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِيهَا وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ»، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهَا إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ صَلَّى عَلَيْهَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا مَا فَعَلْنَا فَقِيلَ لَهَا نَعَمْ فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةِ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نُجَنِّبَ الْمَسَاجِدَ الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِزَوَالِ مَسْكَنِهِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ لَنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَدْ عَابُوا عَلَيْهِنَّ فَلَوْلَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهُمْ لَمَا عَابُوا عَلَيْهِنَّ، وَقَوْلُهَا هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ، وَلَوْلَا الْكَرَاهِيَةُ لَجَرَتْ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْضَاءِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مُعْتَكِفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِلْعُذْرِ» فَعَلِمَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا وُضِعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ، وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِأَجْلِ التَّلْوِيثِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ لَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ) وَالِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُسَمَّى وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَرِثَ وَيُورَثَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَهَلَّ السِّقْطُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ» وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُزْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَرِثْ وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِهِ وَتَسْمِيَتِهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُسَمَّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى صَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَسْبِيِّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا صَارَ تَبَعًا لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» الْحَدِيثَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا)؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا فَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ هُوَ) أَيْ أَوْ يُسْلِمُ هُوَ يَعْنِي الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ لَمْ يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ لِلدَّارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ تَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي تَقْدِيمِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ أَوْ السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ فَقَالَ فِي الْغَايَةِ: التَّبَعِيَّةُ عَلَى مَرَاتِبَ أَقْوَاهَا تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الدَّارُ ثُمَّ الْيَدُ، وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رَتَّبَ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَهَذَا يَجُوزُ إدْخَالَ الْمَيِّتِ فِيهِ، وَحَاجَةُ النَّاسِ مَاسَّةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَسْجِدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ الصُّفُوفُ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ إلَخْ)، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفَاتِ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ بِالْمَسْجِدِ إلَّا عَنْ عُذْرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُهَا فِيهَا قَصْدًا إلَّا بِعُذْرٍ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ إلَخْ) فِي الْخُلَاصَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُصَنِّفُ. اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ لِكَرَامَةِ بَنِي آدَمَ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَفَى فِي نَفْيِهِ كَوْنُهُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ جُزْءٍ مِنْ الْحَيِّ مِنْ وَجْهٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا فَأَعْمَلْنَا الشَّبَهَيْنِ فَقُلْنَا يُغَسَّلُ عَمَلًا بِالْأَوَّلِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالثَّانِي وَرَجَّحْنَا خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ. اهـ. كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ، وَقِيلَ لَا يُغَسَّلُ بَلْ يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيُحْشَرُ هَذَا السِّقْطُ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ يُحْشَرُ، وَإِلَّا فَلَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ يُحْشَرُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَا. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَيْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أَخْذِ

فِي كِتَابِ السِّيَرِ: الدِّينُ يَثْبُتُ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَأَقْوَى التَّبَعِيَّةِ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِهِ ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْيَدِ تُعْتَبَرُ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّقِيطَ الْمَوْجُودَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا قِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ الْوَاجِدُ، وَقِيلَ الْأَنْفَعُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا هَلَكَ أَبُوهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ، وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ» الْحَدِيثُ لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ، وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ وَاللَّحْدِ وَيُلْقَى، وَلَا يُوضَعُ. وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَهُ أَبٌ كَافِرٌ هَلْ يُمَكَّنُ أَنْ يُجَهِّزَهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ قَالَ تُعَلِّمُ النِّسَاءُ الْكَافِرَ فَيُغَسِّلُهُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) يَعْنِي وَقْتَ الْحَمْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْمِلُهَا رَجُلَانِ يَضَعُ السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حُمِلَتْ كَذَلِكَ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا تَبِعَ أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِقَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ لْيَتَطَوَّعْ بَعْدُ أَوْ فَلْيَذْرِ أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْحَامِلِينَ وَصِيَانَةً عَنْ السُّقُوطِ وَالِانْقِلَابِ، وَزِيَادَةَ الْإِكْرَامِ لِلْمَيِّتِ، وَالْإِسْرَاعَ بِهِ، وَتَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِحَمْلِ الْمَتَاعِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ يُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ بِلَا خَبَبٍ وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرِعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ»، وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنَازَةٌ تَمْخَضُ مَخْضَ الزِّقِّ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ»، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سَأَلْنَا نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ»، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرَعَ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِهَا) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِ الْجِنَازَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ قَبْلَ وَضْعِهَا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ»؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ، وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ حَضَرُوا إكْرَامًا، وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ الْوَضْعِ ازْدِرَاءٌ بِهِ هَذَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يَمْشِي مَعَ الْجِنَازَةِ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا مَرَّتْ بِهِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا يَقُومُ لَهَا، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ لَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ»، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» فَصَارَ مَا رَوَوْهُ مَنْسُوخًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَشْيٍ قُدَّامَهَا) أَيْ بِلَا مَشْيٍ قُدَّامَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَشْيُ قُدَّامَهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»؛ وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ فِي الْعَادَةِ، وَلَنَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ، وَعَدَّ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ»، وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَمَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ» الْحَدِيثَ. وَالِاتِّبَاعُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي خَلْفَهَا، وَقَالَ إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَهْلَانِ يُسَهِّلَانِ عَلَى النَّاسِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَشَى خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَسَأَلَهُ نَافِعٌ كَيْفَ الْمَشْيُ فِي الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا أَمْ أَمَامَهَا؟. فَقَالَ أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا، وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» وَبِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ، وَإِلَّا فَفِي النَّارِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ إلَخْ)، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ. اهـ كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ إلَخْ) أَطْلَقَ الْوَلِيَّ يَعْنِي الْقَرِيبَ فَيَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامَ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - بِارْتِدَادِهِ فَإِنْ كَانَ يُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ إلَخْ)، وَفِي الذَّهَابِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ فَإِذَا انْتَهَوْا لِلْمُصَلَّى فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا رَأْسُهُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ عَلَى يَسَارِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ) أَيْ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ الْخَبَبَ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَشَى قُدَّامَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَيَجُوزُ أَمَامُهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ، وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَيُكْرَهُ لِمُشَيِّعِهَا

عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا فَضِيلَةً، وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالْفِعْلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا مَشَى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَهَا، وَهُوَ الرَّاوِي لِمَشْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَامَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَمْكَنُ لِلْمُعَاوَنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَوْ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ فَكَانَ أَوْلَى. وَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُمْ إنَّ الشَّفِيعَ يَتَقَدَّمُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُمْ يَتَأَخَّرُونَ عِنْدَهَا؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَادَةً إذَا خِيفَ عَلَيْهِ بَطْشُ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ الشَّفِيعُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ هُنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَضَعْ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا ثُمَّ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَسَارِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا)، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْحَامِلِينَ إذَا تَنَاوَبُوا فِي حَمْلِهَا يَبْتَدِئُ الْحَامِلُ مِنْ الْيَمِينِ الْمُقَدَّمِ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ يَمِينُ الْحَامِلِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ وَالْمُقَدَّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كُفِّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ) وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِهِ قِيلَ نِصْفُ الْقَامَةِ، وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادُوا فَحَسَنٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُلْحَدُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا»، وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ وَاِتِّخَاذِ التَّابُوتِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ وَيُفْرَشُ فِيهِ التُّرَابُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ»، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، وَأَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ»؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ فَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ فِي إدْخَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُخِذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُسَلَّ سَلًّا، وَلَئِنْ صَحَّ السَّلُّ لَمْ يُعَارِضْ مَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَمَا رَوَيْنَاهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُلَّ لِأَجْلِ ضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِخَوْفِ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا وَضَعَ مَيِّتًا فِي قَبْرِهِ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسَمُرَةَ، وَقَدْ مَاتَ لَهُ ابْنٌ أَطْلِقْ عُقَدَ رَأْسِهِ، وَعُقَدَ رِجْلَيْهِ»؛ وَلِأَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الِانْتِشَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ وَالْقَصَبُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنَ» وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ، وَالْمُهَاجِرُونَ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ الْقَصَبَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ)؛ لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ، وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى؛ وَلِأَنَّ بِالْآجُرِّ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا، وَلِهَذَا يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ بِالنَّارِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَمَحَلُّ الْمِحَنِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ فِيهِ الْإِجْمَارُ، وَلَا غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ) أَيْ يُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ اللَّبِنُ عَلَيْهِ لَا قَبْرُ الرَّجُلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ ثَوْبًا فَجَذَبَهُ، وَقَالَ إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا لِلنِّسَاءِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ، وَمَبْنَى حَالِ الرِّجَالِ عَلَى الْكَشْفِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُهَالُ التُّرَابُ) سَتْرًا لَهُ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31] وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى عَلَيْهِ التُّرَابَ مِنْ قِبَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ. اهـ. وَعَلَى مُشَيِّعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الصُّمَاتُ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَضَعْ مُقَدَّمَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ عَلَى يَمِينِك هُوَ حِكَايَةُ خِطَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمُرَادُ بِمُقَدَّمِ الْجِنَازَةِ يَمِينُهَا وَيَمِينُ الْجِنَازَةِ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ هُوَ يَسَارُ السَّرِيرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنْ تَضَعَ يَسَارَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِك ثُمَّ يَسَارَهُ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَسَارِك ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُؤَخَّرَ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً) أَيْ فَيَخَافُ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ إلَخْ) بَلْ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْأَرْضِينَ مِنْ الرِّمَالِ يَسْكُنُهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الشَّقُّ أَيْضًا بَلْ يُوضَعُ الْمَيِّتُ، وَيُهَالُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ، قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ، وَيُحْمَلُ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ فَيَكُونُ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالسَّلُّ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ بِجَذْبٍ وَأُرِيدَ هُنَا إخْرَاجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْجِنَازَةِ إلَى الْقَبْرِ. اهـ فِي الْبَدَائِعِ. وَصُورَةُ السَّلِّ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيُجْعَلُ رِجْلَا الْمَيِّتِ إلَى الْقَبْرِ طُولًا ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجْلَيْهِ وَيُدْخَلُ رِجْلَاهُ فِي الْقَبْرِ وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا وَيُدْخَلُ رَأْسُهُ الْقَبْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الطُّنُّ بِالضَّمِّ حُزْمَةُ الْقَصَبِ وَالْقَصَبَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْحُزْمَةِ طُنَّةٌ. اهـ. فَرْعٌ: قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: الْمَرْأَةُ إذَا مَاتَتْ، وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ جِيرَانِهَا يَلِي دَفْنَهَا، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهَا فَوْقَ الثَّوْبِ يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ. اهـ. فَرْعٌ آخَرُ: لَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَهُ أَوْ شَفْعٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ هِيَ الْوِتْرُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فصل تعزية أهل الميت]

رَأْسِهِ ثَلَاثًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ، وَلَا يُرَبَّعُ، وَلَا يُجَصَّصُ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: رَأَيْت قُبُورَ شُهَدَاءِ أُحُدٍ مُسَنَّمَةً، وَسَنَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ قَبْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُسَنَّمُ قَدْرَ الشِّبْرِ، وَقِيلَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حِفْظًا لِتُرَابِهِ عَنْ الِانْدِرَاسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَيَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ أَوْ يَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يُوطَأَ عَلَيْهِ أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ أَوْ يُصَلَّى إلَيْهِ أَوْ يُصَلَّى بَيْنَ الْقُبُورِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُوطَأَ عَلَيْهِ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» «وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ». وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ لِيَكُونَ عَلَامَةً لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَعَ حَجَرًا عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الْجُلُوسَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ) يَعْنِي لَا يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ بَعْدَ مَا أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) فَيُخْرَجَ لِحَقِّ صَاحِبِهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ سَوَّاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهِ زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَلَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ قِيلَ لَمْ يُنْبَشْ بَلْ يُحْفَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَتَاعِ وَيُخْرَجُ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِنَبْشِهِ وَإِخْرَاجِهِ. وَلَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ فِيهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَوْ سُوِّيَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ، وَلَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ نُزِعَ اللَّبِنُ، وَرُوعِيَ السُّنَّةُ، وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) وَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الصَّبْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» وَيَقُولُ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ»، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْقِرُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ وَقِيلَ فِي الرَّابِعِ إنَّهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ أَبُو رَافِعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّفْعَ سُنَّةٌ؛ وَلِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْقَبْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمَيِّتِ. اهـ بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُعَلَّمُ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ إلَخْ)، وَهَلْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ مَكْرُوهَةٌ؟. تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُكْرَهُ. اهـ. وَمَشَايِخُنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ مَاتَ فَأَجْلَسَ وَارِثُهُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا أَوْصَى بِهِ. اهـ. ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْكَرَاهِيَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ يَأْخُذُهَا شَفِيعٌ) وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ إذْ لَا عُذْرَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا إلَخْ) فَإِنَّ حَقَّهُ فِي ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَقِيَ فِي الْقَبْرِ مَتَاعٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَسْقُطَ فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ لِأَحَدٍ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَقَدْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِهِ أَمَّا إذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَتَسْوِيَةِ اللَّبِنِ فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إلَى الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا الْمِقْدَارَ، وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ سَلَمَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْهَا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيكَ إلَيَّ مَا نَقَلْتُكَ، وَلَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مِتَّ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا إثْمَ لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَيْهَا قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَيْ لِنَبْشِهِ. اهـ. [فَصَلِّ تعزية أَهْل الْمَيِّت] (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ)، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنْ يُعَزَّى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُتْرَكُ لِئَلَّا يَتَجَدَّدَ الْحُزْنُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) أَيْ صَبَّرَك. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا») الْحَدِيثَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ

[باب الشهيد]

(بَابٌ الشَّهِيدُ) سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ (مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ، وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ)، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَكُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ طَاهِرٍ قُتِلَ ظُلْمًا، وَلَمْ يَرْتَثَّ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَقَوْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَتَلُوهُ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ أَوْ رَمَوْهُ مِنْ السُّورِ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ رَمَوْا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوا سُفُنَهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَمَاتَ بِهِ مُسْلِمٌ كَانَ شَهِيدًا لِمَا قُلْنَاهُ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ. وَإِنْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي النَّارِ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إجْمَاعًا قَوْلُهُ وَبِهِ أَثَرٌ أَيْ أَثَرٌ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ كَالْجُرْحِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ وَجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِقِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ عَادَةً إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ وَيَبُولُ الْجَبَانُ دَمًا وَصَاحِبُ الْبَاسُورِ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ دُبُرِهِ، وَقَدْ يَمُوتُ الْجَبَانُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فَزَعًا، وَكَوْنُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِقَتْلِهِ بِلَا إصَابَةٍ فَلَمْ يَقَعْ مَقَامَ الْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ فَإِنْ ارْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ، وَكَانَ صَافِيًا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ رُعَافٌ خَرَجَ مِنْ جَانِبِ الْفَمِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ جَامِدًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ احْتَرَقَتْ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ أَيْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ وَيُلِحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ فَإِنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ. اهـ كَمَالٌ. [بَابٌ الشَّهِيدُ] الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَمَّا كَانَ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ يَلِيقُ إيرَادُ بَابِ الشَّهِيدِ بَعْدَ الْجَنَائِزِ أَوْ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الشَّهِيدِ إلَى الْمَيِّتِ كَنِسْبَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] فَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمَيِّتِ الْمُطْلَقِ عَقَّبَهُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيِّتِ الْمُقَيَّدِ أَيْضًا كَذَا فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَ الشَّهِيدَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُخَالِفُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَوْتَى فِي حَقِّ التَّكْفِينِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالسِّلَاحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ، وَلَا يُغَسَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ) أَيْ تَشْهَدُ مَوْتَهُ فَهُوَ مَشْهُودٌ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ) أَوْ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا إلَخْ)، وَلَوْ قُتِلَ بِشَيْءٍ لَا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ كَمَا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ أَوْ سَقَطَ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ. اهـ طَحَاوِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ظُلْمًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ قَتِيلُ الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ قُلْنَا مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا، وَهُمْ قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَالْجُرْحِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ جَرَحَهُ جَرْحًا وَالِاسْمُ الْجُرْحُ بِالضَّمِّ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْجُرْحِ أَوْ رَضٍّ ظَاهِرٍ. اهـ. كَمَالٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا غُسِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا يُغْسَلُ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُرْتَقِيَ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ حِينَئِذٍ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا يَصْعَدُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَكُونُ صَافِيًا أَلْبَتَّةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إلَخْ) وَكَانَ مُرْتَقِيًا مِنْ الْجَوْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ شَخْصًا) يَعْنِي أَوْ قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُ ذَلِكَ الشَّخْصِ ابْنُ الْقَاتِلِ. اهـ. كَذَلِكَ بِخَطِّ الشَّارِحِ حَانُوتِيٌّ (فَرْعٌ)، وَإِذَا قُتِلَ فِي قِتَالٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ. الثَّانِي فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ. الثَّالِثُ فِي الْقِتَالِ مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ مِنْ هَذَا بَعْدَ أَنْ قُتِلَ بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْعَدُوِّ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَارٍ أَوْ قُتِلَ مِنْ وَطْءِ دَوَابِّهِمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَجِبُ فِيهِ مَالٌ فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ») قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ». اهـ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الْبَائِعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْجَنَّةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وَالْبَاءُ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَتَكُونُ الْجَنَّةُ ثَمَنًا، وَقَدْ عُرِفَ

آخَرَ وَوَارِثُهُ ابْنُهُ يَكُونُ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ»؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ، وَهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ تَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ كَسْبِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ التَّرْغِيبُ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، عِنْدَ اللَّهِ، وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ مَعَ حَمْزَةَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ تِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى أَعْرَابِيًّا نَصِيبَهُ، وَقَالَ قَسَمْتُهُ لَك فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنْ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ فَأَمُوتَ، وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ أُتِيَ بِالرَّجُلِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ وَكُفِّنَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَتْ إكْرَامًا لَهُ، وَالطَّاهِرُ مِنْ الذَّنْبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ نَافٍ، وَمَا رَوَيْنَاهُ مُثْبِتٌ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ يُوَافِقُ الْأُصُولَ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ فَالْأَخْذُ بِمَا يُوَافِقُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مَشْغُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ أَبُوهُ، وَعَمُّهُ وَخَالُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُدَبِّرَ كَيْفَ يَحْمِلُهُمْ إلَيْهَا ثُمَّ سَمِعَ مُنَادِي، رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى فِي مُصَارِعِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا حِينَ صَلَّى عَلَيْهِمْ فَرَوَى عَلَى مَا عِنْدَهُ، وَفِي ظَنِّهِ، وَمَنْ لَمْ يَغِبْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ لِطَلَبِ الْمَاءِ» وَرَوَى بِلَالٌ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِيهِ»، وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَغِبْ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِمْ لَنَبَّهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَعِلَّةِ سُقُوطِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَعِلَّةِ سُقُوطِهِ «؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى غَيْرِ قَتْلَى أُحُدٍ» مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ، وَهُمْ مُسْتَغْنَوْنَ، عَنْهَا فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ لَهُ، وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ الدُّعَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَأَعْلَى دَرَجَةً وَيُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ، وَهُوَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ قَطُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ قُلْنَا تِلْكَ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ حَيَاةَ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هِيَ حَيَاةُ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَتِلْكَ لَا تَمْنَعُ مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمَوْتَى عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَتَعْتَدُّ نِسَاؤُهُمْ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمْ، وَمُدَبَّرُوهُمْ وَتَحِلُّ دُيُونُهُمْ الْمُؤَجَّلَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمْ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ الْكَفَنِ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) يَعْنِي يُزَادُ عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ إذَا كَانَتْ دُونَ كَفَنِ السُّنَّةِ، وَيُنْقَصُ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ مُرَاعَاةً لِلسُّنَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا أَوْ صَبِيًّا)، وَكَذَا إنْ قُتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا، وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَهُوَ نَفْسُهُ لَمَّا قُتِلَ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الدُّيُونُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ «السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» ثُمَّ الْمَبِيعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَنْ عَقْلٍ وَتَمْيِيزٍ فَلِهَذَا يُغْسَلُ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَإِذَا اُرْتُثَّ يَسْقُطُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالشَّفَاعَةُ وَالتَّكْرِيمُ تُسْتَفَادُ إرَادَتُهَا مِنْ إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَنَقُولُ إذَا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ تَكْرِيمًا فَلَأَنْ يُوجِبَهَا عَلَى الشَّهِيدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْكَرَامَةَ أَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّبِيِّ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ هَذَا وَلَوْ اخْتَلَطَ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلَى الْكُفَّارِ أَوْ مَوْتَاهُمْ بِمَوْتَاهُمْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَنْوِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ فِيهَا بِالدُّعَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ») قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْكَلْمُ الْجِرَاحَةُ وَالْجَمْعُ كُلُومٌ. اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ لِمَا، رَوَيْنَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ»: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ غَسْلِ الدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَزْعِ الثِّيَابِ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ». اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا) قَالَ فِي الْكَافِي، وَلَهُ أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْلِمَ طَاهِرٌ، وَإِنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةُ نَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ بِسَبَبِ احْتِبَاسِ الدِّمَاءِ السَّيَالَةِ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دِمَاءٌ سَائِلَةٌ وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الِاحْتِبَاسِ فَلَا تَثْبُتُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ غَيْرَ رَافِعَةٍ نَجَاسَةً ثَابِتَةً وَحَاجَتُنَا إلَى الرَّفْعِ لِقِيَامِ الْجَنَابَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّهَادَةِ كَالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ إجْمَاعًا حَتَّى يُغْسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ

مَجْنُونًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يُغَسَّلُ لِعُمُومِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ التَّكْلِيفِ وَالثَّانِي لَمْ يَجِبْ لِلشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِتَطَهُّرِهِ عَنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهَرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صَحَائِفِ الْفِضَّةِ». وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «فَذَهَبْنَا وَنَظَرْنَا إلَيْهِ فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ»، وَأَوْلَادُهُ يُسَمَّوْنَ أَوْلَادَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّهِمْ لِوُقُوعِهِ طُهْرَةً، وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ بِهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ إذَا اُسْتُشْهِدَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَكَذَا قَبْلَهُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الصَّحِيحِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِي الْجُنُبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَوْصَى)؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَيُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ يُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخَيْلُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهَا فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً غُسِّلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا، وَلَيْلَةً غُسِّلَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يُغَسَّلُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِحَيَاتِهِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَوْصَى يَتَنَاوَلُ الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَبِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْوَصِيَّةِ، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَفِي أُمُورِ الدُّنْيَا يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمُحَمَّدٌ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا، وَمِنْ الِارْتِثَاثِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَقِيلَ بِكَلِمَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُنْقِصُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَيُغَسَّلُ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ فِي الْمِصْرِ، وَعُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصَ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ شُرِعَ لِتَشَفِّي الْأَوْلِيَاءِ، وَلَيْسَ بِعِوَضٍ لِعَدَمِ عَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا عِوَضٌ عَنْهُ وَلِهَذَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهَا إلَيْهِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ فَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ وَجْهٍ بِإِخْلَافِ بَدَلِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ دَلِيلُ خِفَّةِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ دَلِيلُ نِهَايَةِ الظُّلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالشُّبْهَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ)؛ لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَيُغَسَّلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا لِبَغْيٍ، وَقَطْعِ طَرِيقٍ) أَيْ لَا مِنْ قُتِلَ لِأَجْلِ بَغْيٍ بِأَنْ كَانَ مَعَ الْبُغَاةِ، وَلَا مَنْ قُتِلَ لِأَجْلِ قَطْعِ طَرِيقِ فَإِنَّهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا أَيْضًا إهَانَةً لَهُمَا، وَقِيلَ يُغَسَّلَانِ، وَلَا يُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَنَابَةُ كَانَتْ مَانِعَةً لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ إدْخَالَهُ، وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ إدْخَالَهُ فِي الْقَبْرِ لِلْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى. وَأَمَّا الْحَدَثُ فَلَا حُكْمَ لَهُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْعَرْضِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ قُتِلَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا غَسَّلُوا إذْ غُسْلُهُمْ لِلتَّعْلِيمِ كَمَا فِي آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ قِيلَ الْوَاجِبُ غُسْلُ الْآدَمِيِّينَ لَا غُسْلُ الْمَلَائِكَةِ قُلْنَا الْوَاجِبُ هُوَ الْغُسْلُ فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ مَنْ كَانَ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ غُسْلَ الْجُنُبِ وَجَبَ وَجَبَ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّا مُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا أُمِرُوا فِي الْبَعْضِ إظْهَارًا لِلْفَضِيلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ إلَخْ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِوُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ، وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَيَسْقُطُ الْغُسْلُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهُرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ) أَيْ، وَهُوَ سُقُوطُ الْغُسْلِ فَإِنَّ سَقُوطَهُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الْمَظْلُومِيَّةِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَظْلُومِيَّتَهُ أَشَدُّ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - خُصُومَةُ الْبَهِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ إلَى آخِرِهِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ إذْ لَا يَجِبُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِالْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْجُنُبِ إذْ قَدْ صَارَ أَصْلًا مُعَلَّلًا بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ، وَهُوَ مَنْ صَارَ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ: لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَحُكْمُ الشَّهَادَةِ أَنْ لَا يُغَسَّلَ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ خَلِقًا فِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ إلَى آخِرِهِ)

[باب الصلاة في الكعبة]

عَلَيْهِمَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّهِيدِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا فِي حَالَةِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَأَمَّا إذَا قُتِلَا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَتْلُ الْبَاغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلسِّيَاسَةِ أَوْ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْعَامَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَصَارَ كَمَنْ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِالْحَدِّ، وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ فَقِيلَ لَهُ أَكُفَّارٌ هُمْ فَقَالَ أَخِوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ، وَهِيَ الْبَغْيُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّهُ قُتِلَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ كَالْحَرْبِيِّ فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ كَالْمَصْلُوبِ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ يَقْتُلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَحُكْمُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ حُكْمُ الْبُغَاةِ، وَمَنْ قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابٌ: الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (صَحَّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا، وَفَوْقَهَا) أَيْ صَحَّ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَنَفْلُهَا فِي الْكَعْبَةِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ لِحَدِيثِ بِلَالٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ وقَوْله تَعَالَى» {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَطْهِيرِ الْمَكَانِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ لَا اسْتِيعَابُهُ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا أَوْ فَوْقَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُحَوَّلُ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكَعْبَةِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ، وَلَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي، وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ، وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى جَوَانِبِ الْإِمَامِ تَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى وَجْهِهِ لَا) أَيْ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا) أَيْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ (صَحَّ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ (مِنْ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ. وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنُ هَذَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْقَيْدُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا صُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ حَرْبِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ وَقَتَلَهُمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَقَدْ تَرَكُوا الْبَغْيَ وَمَشَايِخُنَا جَعَلُوا حُكْمَ الْمَقْتُولِينَ بِالْعَصَبِيَّةِ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى قَالُوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: غِيلَةً) وَالْغِيلَةُ بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ يُقَالُ قَتَلَهُ غِيلَةً، وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ. اهـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. . [بَابٌ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إيرَادِ هَذَا الْبَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ مَأْمَنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَالْقَبْرُ مَأْمَنٌ لِقَالَبِ الْمَيِّتِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ مُسْتَقْبِلٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُسْتَدْبِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ مَيِّتٌ عِنْدَ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرِ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً لَهُ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَكُونُ مُفْسِدًا فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الَّتِي لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهَا لَمْ تَصِرْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ فَاسْتِدْبَارُهَا لَا يَكُونُ مُفْسِدًا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ وَرَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّائِي عَنْ الْكَعْبَةِ إذَا صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى رَكْعَةً إلَيْهَا هَكَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي تَحَرَّى إلَيْهَا مَا صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ بِيَقِينٍ بَلْ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَمَتَى تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَارَتْ قِبْلَتَهُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى بِالِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَى الْقِبْلَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ فَهُوَ الْفَرْقُ. اهـ [كِتَابُ الزَّكَاةِ] وَتُسَمَّى صَدَقَةً أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ؛ لِأَنَّ دَافِعَهَا مُصَدِّقٌ بِوُجُوبِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ) قَالَ الْكَمَالُ، وَفِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الزَّكَاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى النَّمَاءِ يُقَالُ زَكَا زَكَاءً فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا نَفْسُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ نَفْسُ فِعْلِ الْإِيتَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَمُنَاسَبَةُ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ إذْ يَحْصُلُ بِهِ النَّمَاءُ بِالْخَلَفِ مِنْهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَالطَّهَارَةُ لِلنَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْبُخْلِ وَالْمُخَالَفَةِ وَلِلْمَالِ بِإِخْرَاجِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ ثُمَّ هِيَ فَرِيضَةٌ مَحْكَمَةٌ وَسَبَبُهَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ أَعْنِي النِّصَابَ النَّامِيَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلِذَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ الْإِعْلَانُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُه

قَالَ (كِتَابُ الزَّكَاةِ) الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ زَكَا الْمَالُ إذَا زَادَ وَزَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ، وَعَنْ الطَّهَارَةِ أَيْضًا، وَمِنْهُ {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلَّهِ تَعَالَى) هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَقَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَيْ الزَّكَاةُ تَمْلِيكُ الْمَالِ وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا مُلِّكَتْ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَانْفَصَلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَلَا تَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[شروط وجوبها]

لَوْ كَفَلَ يَتِيمًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ كَسَاهُ تُجْزِيهِ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ مَعَ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الدَّفْعِ إلَى فُرُوعِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا، وَإِلَى أُصُولِهِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَمِنْ دَفْعِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ، وَمِنْ دَفْعِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَمِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ وَحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا) أَيْ شَرْطُ لُزُومِ الزَّكَاةِ عِلْمًا، وَعَمَلًا، وَأَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ شُرُوطُهَا أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَا بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ»؛ وَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْغَرَامَاتِ الْمَالِيَّةِ فَصَارَتْ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لِكَوْنِهَا أَحَدَ أَرْكَانِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»، وَعَدَّ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبِينَ فِي الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا سَائِرُ أَرْكَانِهِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عِبَادَةً لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُؤَنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةَ، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْغَيْرِ، وَلَا يَلْزَمُنَا الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ نِيَّتَهُ، وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ نِيَّةَ الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ أَنَّهَا مِنْ الزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُمَا نَاقِصٌ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ بِتَقْدِيرِ الْكُلِّ التَّرَاخِي، وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ زَمَانِ أَدَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ وَكَذَا إنْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ فِي الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَسَاهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْخَلْخَالِيِّ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْيَتِيمِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَيْهِ وَيَأْخُذَهَا الْيَتِيمُ بِيَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَالِكُ. اهـ. ع [شُرُوط وُجُوبهَا] (قَوْلُهُ: وَمِلْكُ نِصَابٍ) أَيْ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ تَمْلِيكًا، وَالتَّمْلِيكُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ عِنْدَنَا. اهـ. بَدَائِعُ وَيُنْتَقَضُ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا ثَبَتَتْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ اسْمٌ أَعَمُّ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ: الدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالْإِجْمَاعُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ قُلْت السُّنَّةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً لَا سِيَّمَا فَرْضًا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَالزَّكَاةُ جَاحِدُهَا يَكْفُرُ، وَالسُّنَّةُ الْوَارِدَةُ فِيهِ أَخْبَارُ آحَادٍ صِحَاحٍ وَبِهَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ دُونَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَالْمَشْهُورُ آحَادٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ تَوَاتَرَ نَقْلَهُ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ وَالْعَقْلُ لَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُولِ الْمَقَايِيسَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضِيَّةُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ «أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» قُلْت لَا يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ الثَّانِي أَنَّ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ قَدْ يُقَالُ بِالرَّغَائِبِ إذَا فَعَلَهَا الْإِنْسَانُ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِلُحُوقِ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ بِتَرْكِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَا بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ)، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِمَا وَيُطْلَبُ الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ بِالْأَدَاءِ وَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْوَلِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ إخْرَاجُهَا لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا بَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِمَا، وَعِبَارَةُ الْحَنَابِلَةِ: الْوُجُوبُ عَلَيْهِمَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ، وَلَا تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ، وَفِيهِ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ابْتَغُوا» إلَى آخِرِهِ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مَدَارُهَا عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحَدُهَا فِيهِ الْمُثَنَّيْ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَفِي الثَّانِي مَنْدَلٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرٍو وَفِي الثَّالِثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرٍو أَمَّا الْمُثَنَّى فَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَأَمَّا مَنْدَلٌ كَانَ يَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَيُسْنِدُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ ضَعِيفًا، وَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ سِبْطِ أَبِي الْفَرَجِ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى إلَى آخِرِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مَالِ بِالْأَفْرَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ») بِالتَّاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ:، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ إلَى آخِرِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. اهـ.

فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ بَلْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ فَكَيْفَ يَنْمُو مَالُهُمَا، وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي، وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ، وَلَا يَلْزَمُنَا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَلِهَذَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ، وَهُمَا أَهْلٌ لَهَا، وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ فِيهِ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَفِي الْأَرْضِ الْوَقْفِ، وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْأَبِ عَنْ أَوْلَادِهِ، وَلَا يَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ، وَكَذَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُنْظَرُ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ جُنُونُهُ حَوْلًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ التَّكْلِيفِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ جُنُونُهُ أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا إذْ هِيَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا لَا تَجِبُ مَعَهُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ إذْ الرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ لِيُمَلِّكَ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مِلْكُ النِّصَابِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَوْلِيًّا أَيْ تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ الْفَضْلِ لَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] أَيْ الْفَضْلَ، وَالنُّمُوُّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَوْلِ غَالِبًا أَمَّا الْمَوَاشِي فَظَاهِرٌ، وَكَذَا أَمْوَالُ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْحَوْلُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ النُّمُوُّ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ، وَعَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا فَلِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَكْلَ إلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَالنَّفَقَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الزَّكَاةِ قُلْت هَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ زَكَاةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْرَفَ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ حَقِيقَةً. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ أَهْلًا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَلِهَذَا مُنِعَ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْهِدَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ، وَإِنْ جُنَّ بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهَا فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا تَجِبُ زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيِّ، وَفِي الْيَنَابِيعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِسْلَامُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الْإِسْلَامُ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَتْ كَمَا فِي الْمَوْتِ فَلَوْ بَقِيَ عَلَى ارْتِدَادِهِ سِنِينَ فَبَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِتِلْكَ السِّنِينَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ وَكَذَا بِالْمَوْتِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَتَسْقُطُ بِهَا كَالصَّلَاةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالنَّظَرُ التَّاسِعُ فِي مُسْقِطَاتِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْهَا رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْهَا الرِّدَّةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ لِمَا يُبْتَذَلُ مِنْ الثِّيَابِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَكَذَا الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ وَالْجِمَالُ يُؤَجِّرُهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا) أَيْ وَلِغَيْرِ أَهْلِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَكَذَا طَعَامُ أَهْلِهِ وَمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ مِنْ الْأَوَانِي إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ والبلخش وَالزُّمُرُّدُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْفُصُوصِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَكَذَا آلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ كَقُدُورِ الصَّبَّاغِينَ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِينَ وَظُرُوفِ الْأَمْتِعَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى جَوَالِقَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يُؤَجِّرُهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ نَخَّاسًا اشْتَرَى دَوَابَّ يَبِيعُهَا أَوْ غَيْرَهَا فَاشْتَرَى لَهَا جِلَالًا وَمَقَاوِدَ وَنَحْوَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَعَهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَبِيعَهَا آخِرًا فَلَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالُوا فِي نَخَّاسِ الدَّوَابِّ إذَا اشْتَرَى الْمَقَاوِدَ وَالْجِلَالَ وَالْبَرَاذِعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُبَاعُ مَعَ الدَّوَابِّ عَادَةً يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا تُبَاعُ، وَلَكِنْ تُمْسَكُ وَتُحْفَظُ بِهَا الدَّوَابُّ فَهِيَ مِنْ آلَاتِ الصُّنَّاعِ فَلَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ إذَا لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ عِنْدَ شِرَائِهَا. اهـ.

مَعَ الْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِلْعُمُومَاتِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالُهُ فَيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِالْمَالِ الْمُسْتَقْرَضِ مَا لَمْ يَقْضِهِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ حَيْثُ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَا الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِدُونِهِمَا، وَفِيمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ تَزْكِيَةُ مَالٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا بِأَنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ يُسَاوِي أَلْفًا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَاعَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ مَثَلًا فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَكَاةُ أَلْفٍ، وَالْمَالُ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ فُسِخَتْ الْبِيَاعَاتِ بِعَيْبٍ رَجَعَ إلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ. وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَدَيْنَ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَهْلِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهِيَ تُسَاوِي نِصَابًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْكُتُبِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْحِفْظِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ سَاوَتْ نِصَابًا فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ نُسَخٌ تُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ نُسْخَتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ فَإِنَّ النُّسْخَتَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْأُخْرَى وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُمْ يُحْرَمُونَ بِهَا أَخْذَ الزَّكَاةِ إذْ الْحِرْمَانُ تَعَلَّقَ بِمِلْكِ قَدْرِ نِصَابٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ ثُمَّ الْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْكُتُبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْحِفْظِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَكُونُ نِصَابًا وَحَلَّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِقْهًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا أَوْ أَدَبًا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمُصْحَفُ عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبٌ إنْ كَانَتْ كُتُبَ النُّجُومِ وَالْأَدَبِ وَالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ يُعْتَبَرُ. وَأَمَّا كُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْمُصْحَفُ الْوَاحِدُ فَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ وَكَذَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ بِالْآرَاءِ بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ إلَى آخِرِهِ) وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) أَيْ دُونَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ لَهُمْ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَمَهْرِ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. اهـ. بَاكِيرٌ أَيْضًا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ بَعْدَ الْقَضَاءِ إذْ نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا فِي الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ حَتَّى تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَتَصِيرُ دِينًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) أَيْ وَالْحَجُّ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ أَمَّا النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَدَيْنُ الْحَجِّ فَلِأَنَّهَا يُفْتَى بِهَا، وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ فَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ دَيْنُ النَّذْرِ لَا يُمْنَعُ وَمَتَى اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ بَطَلَ النَّذْرُ فِيهِ. بَيَانُهُ: لَهُ مِائَتَانِ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا سَقَطَ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَيَتَصَدَّقُ لِلنَّذْرِ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ اللَّهِ فَلَا تَبْطُلُ بِتَعْيِينِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ بِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْذُورِ الذِّمَّةُ فَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ فَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا عَنْ النَّذْرِ. اهـ. وَكَذَا أَيْضًا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْأَضْحَى لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَنَفَقَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ، وَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مُتَيَقِّنًا لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الصَّدَقَةَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ إلَى آخِرِهِ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَمْ يُزَكِّهِ فِيهِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ خَمْسَةً مِنْهَا مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْفَاضِلُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي عَنْ الدَّيْنِ نِصَابًا كَامِلًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ

وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَمِنْ جِهَةِ نُوَّابِهِ فِي الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ فَوَّضَهَا إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا لِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا مِنْهُ لِأَرْبَابِهَا. وَقِيلَ لِأَبِي يُوسُفَ مَا حُجَّتُك عَلَى زُفَرَ؟. فَقَالَ مَا حُجَّتِي عَلَى رَجُلٍ يُوجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا ثَمَانُونَ حَوْلًا، وَلَوْ طَرَأَ الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَهَلَاكِ النِّصَابِ كُلِّهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ كَنُقْصَانِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ أَوْ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ حَيْثُ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي مَالِهِ دُونَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصِيلَ وَالْكَفِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِهِ أَمَّا الْغَاصِبَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ بَلْ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا لِفَرَاغِهِ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نُصُبٌ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى أَيْسَرِهَا قَضَاءً. مِثَالُهُ: إذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، وَعُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ وَسَوَائِمُ مِنْ الْإِبِلِ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ الْجَمِيعَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ صُرِفَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوَّلًا إذْ الْقَضَاءُ مِنْهُمَا أَيْسَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ الْمَصْلَحَةُ بِعَيْنِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُمَا لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا جَبْرًا، وَكَذَا لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا، وَهُمَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمَا الدَّيْنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ صُرِفَ إلَى الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا عُرْضَةٌ لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا لِلنَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالْقِنْيَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرُوضٌ أَوْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهَا صُرِفَ إلَى السَّوَائِمِ فَإِنْ كَانَتْ السَّوَائِمُ أَجْنَاسًا صُرِفَ إلَى أَقَلِّهَا زَكَاةً نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ يُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ، وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ. وَقَوْلُهُ: نَامٍ، وَلَوْ تَقْدِيرًا أَيْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ نَامِيًا حَقِيقَةً بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَبِالتِّجَارَاتِ أَوْ تَقْدِيرًا بِأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بَلْ هَلَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا بَاعَ نِصَابَ السَّائِمَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ مِثْلِهَا أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ لَا يُرِيدُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْبَدَلِ إلَّا لِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِبْدَالَ السَّائِمَةِ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا اسْتِهْلَاكٌ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّائِمَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي) أَيْ لَهُ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَيُطَالِبَهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ الْإِمْلَاءِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَ رِوَايَةٍ عَنْهُ مَرَّضَهَا. اهـ. (مَسْأَلَةٌ) لَهُ مَالَانِ أَحَدُهُمَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْآخَرُ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّا لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الَّذِي لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. اهـ. شَرْحٌ طَحَاوِيٍّ (قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ) أَيْ السَّوَائِمِ، وَقَوْلُهُ وَمِنْ جِهَةِ نُوَّابِهِ فِي الْبَاطِنَةِ أَيْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ إلَى آخِرِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةَ يُوجِبُ حَقَّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لِلْإِمَامِ، وَعَلَى هَذَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ وَظَهَرَ تَغَيُّرُ النَّاسِ كَرِهَ أَنْ تُفَتِّشَ السُّعَاةُ عَلَى النَّاسِ مَسْتُورَ أَمْوَالِهِمْ فَفَوَّضَ الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ نِيَابَةً عَنْهُ»، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الْإِمَامِ أَصْلًا وَلِذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَنُقْصَانِ النِّصَابِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى إذَا سَقَطَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ، وَقَالَ زُفَرُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ إلَخْ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ عَلَى رَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلِلْأَصِيلِ أَلْفٌ وَالْكَفِيلُ أَلْفٌ فَحَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا أَتْلَفَهُ حَيْثُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي أَلْفِهِ دُونَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إنْ ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِهِ بِخِلَافِ غَاصِبِهِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا فَارَقَ الْغَصْبُ الْكَفَالَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ إذَا أَدَّى كَالْغَاصِبِ لِأَنَّ فِي الْغَصْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا بَلْ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يَبْرَأُ الْآخَرُ أَمَّا فِي الْكَفَالَةِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا مَعًا فَكَانَ كُلٌّ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ السَّوَائِمُ أَجْنَاسًا إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ ثُمَّ إلَى الْبَقَرِ إنْ كَانَ التَّبِيعُ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصَابَيْنِ شَاةٌ وَسَطٌ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ إلَى آخِرِهِ)، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْمُصَدِّقُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ لَهُ عِجَافًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَفِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَسَطٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِي الْغَنَمِ أَقَلَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ) إذْ لَوْ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الْإِبِلِ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْغَنَمِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لِانْتِقَاصِ النِّصَابِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ مَوَانِعِ الزَّكَاةِ وُجُوبُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَدِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ. اهـ.

السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَالِ الضِّمَارِ كَالْآبِقِ وَالْمَفْقُودِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَالِ السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ وَالْمَدْفُونِ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً الْوَدِيعَةِ إذَا نَسِيَ الْمُودَعَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ صَارَتْ لَهُ بَعْدَ سِنِينَ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ مِنْ مَعَارِفِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَاضِي إذَا تَذَكَّرَ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ نَامٍ، وَفَوَاتُ الْيَدِ لَا يُخِلُّ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ» مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعِيرٌ ضَامِرٌ إذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِهُزَالِهِ أَوْ مِنْ الْإِضْمَارِ، وَهُوَ الْإِخْفَاءُ وَالتَّغَيُّبُ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي، وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ وَابْنُ السَّبِيلِ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ تَجِبُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ لَا تُقْبَلُ وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ مُفْلِسًا بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِيهِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ النَّمَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَالتَّقْدِيرِيَّ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قِسْمَيْنِ إلَى خِلْقِيٍّ، وَفِعْلِيٍّ فَالْخِلْقِيُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ وَالْفِعْلِيُّ مَا يَكُونُ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَالدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَكُونُ نِصَابًا مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا فَلَمَّا قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي جَحَدَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَضَى زَمَانٌ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ جَحَدَ إلَى أَنْ عُدِّلُوا؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاحِدًا وَيَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَجْحُودِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ أَوْ كَانَ شُهُودُهُ غَائِبِينَ فَحَضَرُوا بَعْدَ سِنِينَ أَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَمَا نَسُوا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَفَازَةِ قَدْ تَقَدَّمَ. اهـ. وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ: نِصَابٌ أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. غَايَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ الضِّمَارِ الْمَالُ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَوْ ظَنَّ مَالَهُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ يَجِبُ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) فِي الْمُحِيطِ، وَعِدَّةِ الْمُفْتِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ، وَقَبَضَتْهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةً فَرَدَّ الْمَوْلَى نِكَاحَهَا فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَلْفِ عَلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ يَدِهِ، وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهَا كَرَجُلٍ حَلَقَ لِحْيَةَ إنْسَانٍ، وَأَخَذَ دِيَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ ثُمَّ نَبَتَتْ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، وَلَا عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَلْفًا وَحَالَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَسَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَكِنْ اسْتِحْقَاقُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ كَالدَّيْنِ اللَّاحِقِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَمَا يَتَعَيَّنُ يُسْقِطُهَا فَالْهِبَةُ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَالَ فِي الْجَامِعِ وَالْمُحِيطِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ، وَقَبَضَتْهُ وَحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا زَكَّتْ الْأَلْفَ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ بَلْ الْوَاجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لَحِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ الضِّمَارِ) فِعَالٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مُفْعِلٍ، وَفِي الصِّحَاحِ الضِّمَارُ مَا لَا يُرْجَى مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَعْدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَخْ) إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَقْلِ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِ أَنَّ الثَّانِيَ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا إذَا فَدَى بِالدِّيَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ لَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْقِصَاصِ لَا عِوَضُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ) كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُفَسَّقُ إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَلَوْ كَانَ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ عَلَانِيَةً لَا زَكَاةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ) فَفِي الْمُجَاثَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْخُصُومَةِ ذُلٌّ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَهُوَ نِصَابٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُمْ فِي النَّقْدَيْنِ خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتَّوَسُّلِ بِهِمَا إلَى تَحْصِيلِ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَاسَّةٌ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ، وَهَذِهِ غَيْرُ نَفْسِ النَّقْدَيْنِ، وَفِي أَحَدِهِمَا عَلَى التَّغَالُبِ مَا لَا يَخْفَى فَخُلِقَ النَّقْدَانِ لِغَرَضِ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِمَا مَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ خَلْقِ الرَّغْبَةِ فِيهِمَا فَكَانَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ مَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَرْضُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ) وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ

[شرط صحة أداء الزكاة]

بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْخِدْمَةِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَيَتِمُّ بِهَا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَا مُفْطِرًا، وَلَا عَلُوفَةً، وَلَا مُسْلِمًا، وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِالنِّيَّةِ وَيَكُونُ مُقِيمًا وَصَائِمًا، وَكَافِرًا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَيَتِمُّ بِهَا، وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لَهَا لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ مِنْهُ. وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ إذَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ التِّجَارَةِ أَمْ لَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشَرْطُ أَدَائِهَا نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مَا وَجَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الِاقْتِرَانُ بِالْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَيُحْرَجُ بِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِعْلٌ مِنْهُ فَجَازَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَلَمْ يَعْزِلْ شَيْئًا وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ حَيْثُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِفِعْلٍ مَا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَدْ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ مُجْزِئًا عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ بِنَفْسِهِ قُرْبَةٌ كَيْفَمَا كَانَ. وَالْإِمْسَاكُ لَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ فَافْتَرَقَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إيقَاعُهُ قُرْبَةً، وَقَدْ حَصَلَ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ دُونَ الْإِمْسَاكِ، وَلَوْ دَفَعَ جَمِيعَ النِّصَابِ إلَى الْفَقِيرِ يَنْوِي بِهِ عَنْ النَّذْرِ أَوْ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الصَّوْمِ إذَا نَوَى فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَبْدٍ يُرِيدُ بِهِ التِّجَارَةَ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبِيعَهُ) أَيْ فَيَكُونَ لِلتِّجَارَةِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَنْوِي لِلتِّجَارَةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْعَرْضِ وَمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ إذَا اشْتَرَى بِتِلْكَ الْعُرُوضِ عُرُوضًا أُخَرَ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَعْمَلْ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ عَمَلَ التِّجَارَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ التِّجَارَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَتْ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ فَيَصِيرُ الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ لِوُجُودِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ مَعَ التِّجَارَةِ. اهـ. بَدَائِعُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ وَرِثَ أَعْيَانًا وَنَوَى التِّجَارَةَ فِيهَا عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَا يُعْمَلْ بِنِيَّتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهِيَ عَلَى مَا وَرِثَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَخْ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ قَوْلُهُ: كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْقَلْبِ فَقَالَ عَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ تِجَارَةً. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَمَلُّكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِكَسْبِهِ، وَالتِّجَارَةُ لَيْسَتْ إلَّا الِاكْتِسَابَ، وَفِيهِ احْتِيَاطٌ لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ، وَأَصْلُهُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ رَجُلًا لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَاسْتَقْرَضَ حِنْطَةً لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَتَمَّ حَوْلُ الدَّرَاهِمِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَفِي الْحِنْطَةِ فَقَوْلُهُ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ صَحِيحَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ لِمَا عُرِفَ وَنِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ فِي الْعَوَارِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ أَيْ كَانَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ عِنْدَ الْقَرْضِ. اهـ. غَايَةٌ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ أَوْ عَرَضِ التِّجَارَةِ بِعَيْنِهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثَّانِي حَتَّى تَقْبِضَهَا وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالدِّيَةِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَكَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي الْحَاوِي الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمَهْرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ، وَفِي الْجَامِعِ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ نِصَابٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نِصَابٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالٍ بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. اهـ. غَايَةٌ. [شَرْط صِحَّة أَدَاء الزَّكَاة] (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ) أَيْ إلَّا زَكَاةَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ إلَخْ)، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ إنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا فَأَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَلَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ فِيهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ دَفْعُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ كَالْأَبِ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ جَازَ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الصَّغِيرِ لِوُجُودِ نِيَّةِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي الْإِعْطَاءِ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ) أَيْ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ حَيْثُ يَتَأَدَّى بِهَا الْفَرْضُ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَالصَّوْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اُحْتُمِلَ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرْضِ كَالصَّلَاةِ قُلْنَا دَلَالَةُ الْحَالِ مُعَيِّنَةٌ إذْ الْعَاقِلُ لَا يَتَنَفَّلُ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَالْحَاجِّ إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَرْضٌ، وَلَا نَفْلٌ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِدَلَالَةِ حَالِهِ. (قُلْت) وَمِثْلُهُ إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ قَبْضِهِ يُجْعَلُ عَنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَتَّى يَبْرَأَ

[باب صدقة السوائم]

التَّطَوُّعَ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ، وَإِنْ صَامَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَقْضِي النَّذْرَ، وَلَوْ وَهَبَ بَعْضَ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذْ الْوَاجِبُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحِلًّا لِلْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَيُعْذَرُ، وَالدَّفْعُ بِصُنْعِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ سَقَطَ زَكَاتُهُ عَنْهُ نَوَى بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَلَاكِ فَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ سَقَطَ زَكَاةُ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا، وَزَكَاةُ الْبَاقِي لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَلَوْ نَوَى بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَاقِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَكَانَ الْبَاقِي خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ السَّاقِطُ عَنْهُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَنِيٍّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا يُجْعَلُ هِبَةً؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ وَالْهِبَةَ تَطَوُّعٌ وَكَذَا إذَا، وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا الْمُعَيَّنَ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يُجْعَلُ عَنْ الطَّلَاقِ الْوَاجِبِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا هِبَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَيَرِدُ عَلَى تَعْلِيلِهِ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ تَطَوُّعًا، وَلَا تُجْعَلُ عَنْ الْفَرْضِ فَقَدْ تَنَفَّلَ الْعَاقِلُ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْفَرْضِ كَالسُّنَنِ وَيُمْكِنُ أَدَاءُ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ مَعَ إحْرَازِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا فَلَوْ صُرِفَ إلَى النَّفْلِ يَفُوتُ الْفَرْضُ إلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ، وَهِبَةِ الْمَبِيعِ، وَهِبَةِ الصَّدَاقِ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ وَالْمَبِيعِ وَالصَّدَاقِ مُتَعَيِّنَةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْوَاجِبُ فِيهَا التَّمْلِيكُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ جَعَلَهَا عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ إمَّا لِتَفَاوُتِ الذِّمَمِ أَوْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ قَبْضِ الدَّيْنِ الْبَاقِي، وَلَوْ جَعَلَ الْخَمْسَةَ عَنْ الْمِائَتَيْنِ لِلَّذِي عَلَيْهِ الْمِائَتَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى تَجُوزُ لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الذِّمَمِ، وَعَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ لَا تَجُوزُ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ فَإِذَا قَبَضَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ. اهـ. فِي الْإِيضَاحِ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَانْتَفَى الْأَضْعَفُ، وَهُوَ النَّفَلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَغَتْ نِيَّتُهُ فَلَا تَقَعُ عَنْ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُهَا عَنْهُمَا لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي الرَّوْضَةِ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَاهُ عَنْ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَتَصَدَّقُ تَطَوُّعًا فَلَمْ يَتَصَدَّقْ الْمَأْمُورُ حَتَّى نَوَى الْآمِرُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ الْمَأْمُورُ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ قَبْلَ دَفْعِهِ، وَلَوْ خَلَطَ الْوَكِيلُ دَرَاهِمَ الْمُزَكِّينَ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ زَكَاتِهِمْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ وَضَعَهَا عَلَى كَفِّ فَقِيرٍ فَانْتَهَبُوهَا جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَلَوْ سَقَطَتْ وَرَفَعَهَا فَقِيرٌ وَرَضِيَ بِهَا جَازَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَغَنَمٌ فَأَدَّى شَاةً لَا يَنْوِي أَحَدَهُمَا صَرَفَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَوْ نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا فَهَلَكَتْ لَمْ يُجْزِ عَنْ الْأُخْرَى بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ أَحْبَبْت لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ) أَيْ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ هَلَاكٌ. اهـ. فَتْحٌ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَا يَضْمَنُ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ، وَهِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ امْتِنَاعًا مِنْ الْوُجُوبِ لَا اسْتِهْلَاكًا لِلْوَاجِبِ كَاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ الْعَيْنَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِيَوْمٍ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالَ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْعَيْنَ مِنْ الْغَنِيِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ قَابِضًا حُكْمًا كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَزْوِيجِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ دَفَعَ لِمُحْتَرَمٍ زَكَاةَ مَالِهِ، وَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ، وَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ لَا يُجْزِيهِ، وَقَالَ يُوسُفُ التَّرْجُمَانِيُّ يُجْزِيهِ إذَا تَأَوَّلَ الْقَرْضَ بِالزَّكَاةِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الدَّافِعِ لَا لِعِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ بِمَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ ظُلْمًا، وَقَدْ نَوَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ مِسْكِينًا دِرْهَمًا وَنَوَاهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ. اهـ. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. اهـ. قُنْيَةٌ. [بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ]

(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] أَيْ الزَّكَاةُ وَالسَّوَائِمُ جَمْعُ سَائِمَةٍ يُقَالُ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ سَوْمًا أَيْ رَعَتْ، وَأَسَامَهَا صَاحِبُهَا وَالْمُرَادُ الَّتِي تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَإِنْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ أَسَامَهَا لِلْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا فَلَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى حَوْلِ الْآخَرِ. وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالسَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا كَانَتْ مُفْتَتَحَةً بِهَا؛ وَلِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَهَمَّ ثُمَّ قَدَّمَ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ) أَيْ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يُشْتَرَطُ الرَّعْيُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ كَالنِّصَابِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَكْثَرِ، وَفِي بَعْضِهَا إنْ عَلَفَهَا بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ أَنَّ مُؤْنَةَ عَلَفِهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُ النِّصَابِ سَائِمَةً، وَلَنَا أَنَّ اسْمَ السَّائِمَةِ لَا يَزُولُ بِالْعَلَفِ الْيَسِيرِ فَلَا يَمْنَعُ دُخُولَهَا فِي الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَلَفِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ الْمَرْعَى فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْعَلَفِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْيَسِيرُ مِنْهُ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُ النِّصَابِ مَعْلُوفًا؛ لِأَنَّ النِّصَابَ بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ عِلَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي جَمِيعِهِ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ فَيُكْتَفَى بِأَكْثَرِهِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَفِيمَا إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ مَعَ الشَّكِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِيمَا دُونَهُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) عَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَاشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ شَاذٌّ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْهُ حَتَّى قَالَ الثَّوْرِيُّ: هَذَا غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ رِجَالِ عَلِيٍّ أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ مُوَالَاةً بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ، وَلَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خِلَافُ أُصُولِ الزَّكَاةِ. وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضًا عَادَةً أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى وَيُسَمَّى وَجَعُ الْوِلَادَةِ مَخَاضًا أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] وَبِنْتُ اللَّبُونِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ سَمَّيْت بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَلِدُ أُخْرَى وَتَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ غَالِبًا وَالْحِقَّةُ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا حُقَّ لَهَا الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ أَوْ الضِّرَابُ وَالْجَذَعَةُ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا يَعْرِفُهُ أَرْبَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ) سُمِّيَتْ بِهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ الْعَبْدِ فِي الْعُبُودِيَّةِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ) أَيْ أَوْ التَّسْمِينِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ إلَى آخِرِهِ) الرِّعْيُ بِالْكَسْرِ الْكَلَأُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَالْمَرْعَى الرِّعْيُ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قَيْدُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ، وَإِلَّا فَيَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ) أَيْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا إلَى آخِرِهِ) أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ. اهـ. ع وَالْإِبِلُ اسْمُ جَمْعٍ كَالْغَنَمِ لَا وَاحِدَ لَهُمَا مِنْ لَفْظِهِمَا، وَهُمَا مُؤَنَّثَانِ وَلِهَذَا يُقَالُ فِي تَصْغِيرِهِمَا أُبَيْلَةٌ وَغُنَيْمَةٌ وَكَأَنَّ الْغَنَمَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذْ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ كَالْقَرْنِ وَالنَّابِ لِلثَّوْرِ وَالْبَعِيرِ. اهـ. دِرَايَةٌ قَوْلُهُ: غُنَيْمَةٌ أَيْ كَمَا يُقَالُ دُوَيْرَةٍ وَنُوَيْرَةُ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ تَخْفِيفًا، وَهُوَ فِعْلٌ وَمِثْلُهُ بِلِزٌ فِي الصِّفَاتِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْقَصِيرَةُ الْعَظِيمَةُ الْحَسَنَةُ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا وَذَكَرَ الْمَيْدَانِيُّ أَرْبَعَةً وَزَادَ عَلَيْهِمَا إطْلًا، وَهُوَ الْخَاصِرَةُ، وَإِبْدًا لِلْوَحْشِيَّةِ أَيْ وَالْوَلُودِ، وَهِيَ الَّتِي تَلِدُ كُلَّ عَامٍ قَالَ فِي الْمُمْتِعِ، وَفِيمَا زَعَمَ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَأْتِ فِعْلٌ إلَّا إبِلٌ وَبِلْزٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ فِيهِ بِلِزٌّ بِالتَّشْدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَخْفِيفًا وَلَا حُجَّةَ فِي إطْلٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا فِي الشِّعْرِ نَحْوُ قَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ لَهُ إطْلَا ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُتْبِعَتْ فِيهِ الطَّاءُ الْهَمْزَةَ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي الْمُمْتِعِ وَجَاءَ وَتَدٌ لُغَةً فِي الْوَتَدِ وَحِبِرٌ الْقَلَحُ عَلَى الْأَسْنَانِ، وَإِبِطٌ وَجَلْح وَحَلَبَ، وَهِيَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. اهـ. غَايَةٌ وَلَفْظُهَا مُؤَنَّثٌ تَقُولُ إبِلٌ سَائِمَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي سِتٍّ، وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى آخِرِهِ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ الْوَقَصَ يَتْلُو الْوَاجِبَ وَالْوُجُوبُ يَتْلُو الْوَقَصَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْيَنَابِيعِ بِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ وَبِنْتُ لَبُونٍ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ إلَى آخِرِهَا، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا يُطْلَبُ مِنْهَا إلَّا بِضَرْبٍ مُكَلِّفٍ وَحَبْسٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِك جَذَعْت الدَّابَّةَ إذَا حَبَسْتهَا مِنْ غَيْرِ عَلَفٍ. اهـ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْمُعْتَبَرُ فِي سِنِّ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ عَفْوٌ قُلْت يَعْنِي لِإِيجَابِ الشَّاةِ الْوَسَطِ، وَإِلَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ

الْإِبِلِ، وَهِيَ أَكْبَرُ سِنٍّ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَفْوُ بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ مِنْ خَمْسٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْهَا إلَى وُجُوبِ بِنْتِ لَبُونٍ عَشَرَةٌ، وَمِنْهَا إلَى حِقَّةٍ تِسْعَةٌ، وَمِنْهَا إلَى جَذَعَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَمِنْهَا إلَى بِنْتَيْ لَبُونٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْضًا، وَمِنْهَا إلَى حِقَّتَيْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْضًا، وَمِنْهَا إلَى وَاجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ الشَّاةُ بَعْدَ الِاسْتِئْنَافِ عَلَى مَا يُذْكَرُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ)، وَمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ تُسْتَأْنَفُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا مَعَ الْمِائَةِ الْأُولَى وَالْعِشْرِينَ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ إذَا زَادَتْ خَمْسَةً يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَالْعَفْوُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ مِائَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ مِائَةً وَسِتًّا وَثَمَانِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ مَعَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ الْإِبِلِ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ فَإِذَا تَمَّ خَمْسِينَ، وَهُوَ مِائَتَانِ مَعَ الْأَوَّلِ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ دَائِمًا كَمَا اُسْتُؤْنِفَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَالْعَفْوُ فِيهَا بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَبَتْ الْحِقَّةُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا فِي الْأَوَّلِ إلَى وَاجِبٍ آخَرَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَهُنَا ثَمَانِيَةٌ فِي كُلِّ دَوْرٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ثُمَّ يَدُورُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حَقَّةٌ كَمَا يَدُورُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَطًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا دُونَ الْوَسَطِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ، وَفِي سِتِّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ ابْنُ لَبُونٍ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَوَاءٌ كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ مُخْتَلِطَاتٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ لَا يُجْزِي فِي الْإِبِلِ إلَّا الْإِنَاثُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يُجْزِي الذُّكُورُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِي الْمَنَافِعِ اُعْتُبِرَ فِي الْإِبِلِ الْإِنَاثُ وَالصِّغَارُ دُونَ الذُّكُورِ كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ، وَهَذِهِ الْأَسْنَانُ صِغَارٌ حَتَّى لَا تُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ فَجُعِلَتْ الْأُنُوثَةُ كَالْجَابِرِ لِلصِّغَرِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَكْبَرُ سِنٍّ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ) وَبَعْدَهَا ثَنِيٌّ وَسُدُسٌ وَبَازِلٌ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى آخِرِهِ) أَيْ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ. اهـ. هَذَا هُوَ الِاسْتِئْنَافُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى آخِرِهِ)، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ. اهـ غَايَةٌ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْكِتَابُ بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ كَيْفَ يَصِحُّ فِيمَا بَلَغَ النِّصَابُ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ بِهَذَا الْحِسَابُ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ فَيَصِحُّ فِي الْمِائَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَأْخِيرِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى أَنْ كَانَتْ الْإِبِلُ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ. اهـ. كَاكِيٌّ. قَوْلُهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ أَيْ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى آخِرِهِ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الِاسْتِئْنَافُ لَيْسَ إيجَابَ بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَا إيجَابَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ لِانْعِدَامِ وُجُودِ نِصَابِهِمَا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ) الذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشَرَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ مِنْ اثْنَيْنِ إلَى التِّسْعَةِ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ خَمْسِينَ وَهُوَ مِائَتَانِ مَعَ الْأَوَّلِ تُسْتَأْنَفُ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ آتٍ فِي بَابِ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ مِنْ خَمْسَةٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالثَّانِي مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَالثَّالِثُ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى مِائَتَيْنِ فَالِاسْتِئْنَافُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ كَالِاسْتِئْنَافِ الْأَخِيرِ لَا كَالِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ، وَلَا كَالِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي فَإِنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ شَاةٌ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّةٌ وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةُ شِيَاهٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، وَالِاسْتِئْنَافُ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ كَالِاسْتِئْنَافِ الثَّالِثِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا اُسْتُؤْنِفَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ حِينَئِذٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتَّةُ حِقَاقٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَهَكَذَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

[باب صدقة البقر]

الْبَقَرِ عَلَى الثَّلَاثِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَاتِ لَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَدَدِ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، وَمَا دُونَ بِنْتِ لَبُونٍ، وَهُوَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالشَّاةُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَنَا «كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَكَانَ فِيهِ إذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرَائِضِ الْإِبِلِ فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهِ الْغَنَمُ فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثُ ابْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ صَحِيحٌ، وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَهُمَا أَفْقَهُ الصَّحَابَةِ وَعَلِيٌّ كَانَ عَامِلًا فَكَانَ أَعْلَمَ بِحَالِ الزَّكَاةِ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ قَدْ عَمِلْنَا بِمُوجَبِهِ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا فِي أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَفِي خَمْسِينَ حِقَّةً فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَرْبَعِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَالْوَاجِبُ فِي الْخَمْسِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ هَذَا الْحَدِيثُ لِنَفْيِ الْوَاجِبِ عَمَّا دُونَهُ فَنُوجِبُهُ بِمَا رَوَيْنَا وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ فِيمَا رَوَاهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. أَلَا تَرَى مَا يَرْوِيهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ قَالَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا فَكَانَ فِيهَا فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا كَثُرَتْ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَبِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقَالُ كَثُرَتْ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا بَلْ يَنُصُّ عَلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَاهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ كَانَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْوَاجِبِ يَكُونُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ وَثُلُثٍ بِنْتُ لَبُونٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَا لَا يَكُونُ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْوَاجِبِ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَاجِبُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ)؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِبِلِ يَتَنَاوَلُهُمَا فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ ضَرُورَةً وَالْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْفَالِجِ، وَالْفَالِجُ هُوَ الْجَمَلُ الضَّخْمُ ذُو السَّنَامَيْنِ يُحْمَلُ مِنْ السِّنْدِ لِلْفَحْلَةِ، وَالْبُخْتِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأَنَاسِيِّ عَرَبٌ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ أَوْ الْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي نِسْبَتِهِمْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إلَى عَرَبَةَ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهِيَ مِنْ تِهَامَةِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَشَأَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ] (بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ) قَدَّمَ الْبَقَرَ عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ الضَّخَامَةُ حَتَّى شَمَلَهَا اسْمُ الْبَدَنَةِ سُمِّيَتْ بَقَرًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقَرُ جِنْسٌ، وَالْوَاحِدَةُ بَقَرَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ ذُو سَنَةٍ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ ذُو سَنَتَيْنِ أَوْ مُسِنَّةٌ)، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالتَّبِيعُ مَا طَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَالْمُسِنُّ مَا طَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَادَّعَوْا فِيهِ الْإِجْمَاعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَمْسِينَ، وَقَالَ قَوْمٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَتِسْعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةٌ اعْتَبَرُوهُ بِالْإِبِلِ، وَقَالُوا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا) أَيْ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ فَعَمِلَ بِهَا. اهـ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ) نَقَلَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ فِي الْفَتْحِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّارِحِ وَرَأَيْت بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصُّهَا: وَهَذِهِ الْحَوَالَةُ مِنْ شَارِحِ الْكَنْزِ غَيْرُ رَائِجَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَاجِبُ) أَيْ كَالْمَعْلُوفَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (بَابٌ: صَدَقَةُ الْبَقَرِ). (قَوْلُهُ: وَالْوَاحِدَةُ بَقَرَةٌ إلَى آخِرِهِ) وَالْهَاءُ لِلْإِفْرَادِ. اهـ. غَايَةٌ وَالْبَيْقُورُ الْبَقَرُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ زَائِدَتَانِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْبَقَرَةَ بَاقُورَةً وَالْبَاقِرُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهِ كَالْجَامِلِ لِجَمَاعَةِ الْجِمَالِ، وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ الْبَقَرُ جِنْسٌ وَاحِدَتُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَقَرَةُ الْأُنْثَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَائِمَةً غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى آخِرِهِ) فَإِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ بَقَرَةً عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلًا فَفِيهَا بَقَرَةٌ، وَفِي الْمِائَةِ بَقَرَتَانِ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ، وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: اعْتَبَرُوهُ بِالْإِبِلِ) أَيْ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُجْزِيهِ عَنْ سَبْعَةٍ. اهـ. غَايَةٌ

بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً». قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ) أَيْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ يَجِبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ التَّبِيعِ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثَا عُشْرِ تَبِيعٍ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ عُشْرُ تَبِيعٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنًّا أَوْ مُسِنَّةً فَقَالُوا الْأَوْقَاصُ فَقَالَ مَا أَمَرَنِي فِيهَا بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ عَنْ الْأَوْقَاصِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»، وَفَسَّرُوهَا بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ وَاجِبَيْنِ وَقَصٌ؛ لِأَنَّ تَوَالِيَ الْوَاجِبَاتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهَا لَا سِيَّمَا فِيمَا يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ فِي الْمَوَاشِي وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْأَوْقَاصَ مِنْ الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ كَمَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ فَكَذَا هُنَا. وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَنَصْبُ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الصِّغَارُ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا وَبِهِ نَقُولُ فَلَا يَلْزَمُهُ حُجَّةٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ فَإِنْ قِيلَ فِيمَا قُلْت أَيْضًا خِلَافُ الْقِيَاسِ، وَهُوَ إيجَابُ الْكُسُورِ فِيمَ يَتَرَجَّحُ مَذْهَبُهُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا قُلْنَا إيجَابُ الْكُسُورِ أَهْوَنُ مِنْ نَصْبِ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ التَّقْدِيرِ، وَإِخْلَاءَ الْمَالِ عَنْ الْوَاجِبِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] ظَاهِرٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالرَّأْيِ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعِبَادَاتِ الْإِيجَابُ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْوَقَصِ، وَهُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ إذْ هِيَ تِسْعَةٌ تِسْعَةٌ فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَفِيهَا تَبِيعَانِ) أَيْ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ (وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ فَالْفَرْضُ يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ) أَيْ يَجِبُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فَيَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ) أَيْ أَوْ مُسِنٍّ (قَوْلُهُ: أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ التَّبِيعِ) أَيْ أَوْ تَبِيعَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عُشْرُ تَبِيعٍ)، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا، وَلَا خِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ، وَلَا بَعْدَ السِّتِّينَ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ. اهـ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لَمَّا بَعَثَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَبَقِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ رَدَّهُ بِأَنَّ بَقِيَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَسْعُودِيُّ. اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ مَا نَصُّهُ أَسَدُ بْنُ عُمَرَ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْ وَالْبَزَّارُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ عَنْ الْأَوْقَاصِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ») قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ الْوَقَصُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَاشِيَةِ قُلْت وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَصَنَّفَ ابْنُ بَرِّيٍّ جُزْءًا فِي تَخْطِئَةِ الْفُقَهَاءِ، وَلَحْنِهِمْ فِي إسْكَانِ الْقَافِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَالشَّنَقُ مِثْلُهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الشَّنَقُ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْوَقَصُ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُقَالُ، وَقَسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا، وَقِيلَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَالَ سَنَدٌ الْجُمْهُورُ عَلَى تَسْكِينِ الْقَافِ، وَقِيلَ تُفْتَحُ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ أَوْقَاصٌ كَجَبَلٍ، وَأَجْبَالٍ وَجَمَلٍ، وَأَجْمَالٍ، وَلَوْ كَانَ سَاكِنًا لَجُمِعَ عَلَى أَفْعُلٍ نَحْوُ فَلْسٍ، وَأَفْلُسٍ وَكَلْبٍ وَأَكْلُبٍ. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الذَّخِيرَةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا حَوْلٌ وَأَحْوَالٌ، وَهَوْلٌ وَأَهْوَالٌ (قُلْت) بَابُ ثَوْبٍ وَحَوْلٍ وَهُوَ الْمُعْتَلُّ الْعَيْنِ بِالْوَاوِ قِيَاسُهُ أَنْ يُجْمَعَ كَذَلِكَ فَلَا نَقْضَ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنِ يَعِيشَ وَشَرْحُ الْمُفَصَّلِ نَحْوُ فَرْخٍ، وَأَفْرَاخٍ، وَزَنْدٍ وَأَزْنَادٍ وَرَأْدٍ وَأَرْآدٍ، وَأَنْفٍ وَآنَافٍ وَالرَّأْدُ أَصْلُ اللَّحْيَيْنِ وَالزَّنْدُ الْعُودُ الَّذِي يُقْدَحُ بِهِ النَّارُ، وَهُوَ الْأَعْلَى وَالزَّنْدَةُ السُّفْلَى فِيهَا ثُقْبٌ وَهِيَ الْأُنْثَى وَجَمَعُوا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى أَفْعَالٍ؛ لِأَنَّ الرَّأْدَ فِي مَعْنَى الذَّقَنِ وَالزَّنْدُ فِي مَعْنَى الْعُودِ، وَفَرْخٌ فِي مَعْنَى طَيْرٍ أَوْ وَلَدٍ فَحُمِلَتْ عَلَى الْمَعْنَى فِي الْجَمْعِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْأَلِفِ فَقَالُوا أَرْآدٌ كَمَا قَالُوا أَبْوَابٌ وَالنُّونُ فِي زَنْدٍ وَأَنْفٍ سَاكِنَةٌ فَهِيَ غُنَّةٌ فَجَرَتْ بِغُنَّتِهَا مَجْرَى الْمُتَحَرِّكَةِ، وَالرَّاءُ فِي فَرْخٍ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ فَجَرَى تَكْرِيرُهُ مَجْرَى الْحَرَكَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْجَمْعِ وَنَقَضَ النُّورِيُّ بِأَوْطَابٍ، وَأَوْعَادٍ وَأَوْغَادٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَئِنْ ثَبَتَ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْوَقَصِ (قَوْلُهُ: الصِّغَارُ) أَيْ، وَهُوَ الْعَجَاجِيلُ. اهـ. دِرَايَةٌ وَالْمُرَادُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ. اهـ. غَايَةٌ بِالْمَعْنَى أَوْ الْمُرَادُ مِنْهَا إنْ أُرِيدَ الْعَفْوُ قِلَّةُ الْعَدَدِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْوَقَصَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ

[فصل في الغنم]

وَبِالْعَكْسِ ضَرُورَةً، وَإِنْ اُحْتُمِلَ تَقْدِيرُهُمَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا إنْ شَاءَ أَدَّى ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَتْبِعَةً؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ)؛ لِأَنَّهُ بَقَرٌ حَقِيقَةً إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُهُمَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِاسْمِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَامُوسِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا فَاشْتَرَى جَامُوسًا يَحْنَثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا، وَأَنْوَاعُ الْبَقَرِ ثَلَاثَةٌ الْعِرَابُ وَالْجَامُوسُ والدريانية، وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ وَالْبَقَرُ يَشْمَلُ الْكُلَّ فَيَكُونُ حُكْمُهَا وَاحِدًا فِي قَدْرِ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَغْلِبْهَا إنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ أَعْلَى الْأَدْنَى، وَأَدْنَى الْأَعْلَى، وَعَلَى هَذَا الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ. وَقَوْلُهُ: وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ. (فَصْلٌ) فِي الْغَنَمِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُتُبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْمَعْزُ كَالضَّأْنِ)؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ وَالْغَنَمِ، وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا لَا الْجَذَعُ) وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا، وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ: مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعُ»؛ وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةُ فَكَذَا الزَّكَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ) وَالْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مُلْحَقٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ حَتَّى لَوْ آلَفَ لَا يَلْتَحِقُ بِالْأَهْلِيِّ حُكْمًا بِدَلِيلِ حِلِّ أَكْلِهِ فَكَذَا الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ، وَفِي الْمُغْنِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَالسَّوْمُ وَالنِّصَابُ حَوْلًا كَامِلًا شَرْطٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ السَّوْمُ وَمِلْكُ النِّصَابِ حَوْلًا كَامِلًا وَمَتَى يَجْتَمِعُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ ثَلَاثُونَ كَالسَّائِمَةِ وَاسْمُ الْبَقَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ شَرْعًا بِلَا كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، وَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَصَارَ كَالظِّبَاءِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ الظَّبْيَةَ تُسَمَّى عَنْزًا، وَلَا تُسَمَّى بَقَرُ الْوَحْشِ بَقَرًا بِغَيْرِ إضَافَةٍ وَيَجِبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد، وَعِنْدَنَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَهْلِيَّةً يَجِبُ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْشِيَّةً لَا يَجِبُ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ قَاسُوا عَلَى الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ غَنَمَ مَكَّةَ مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ وَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَأَلْزَمَنَا النَّوَوِيُّ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْإِلْزَامَانِ بَاطِلَانِ، وَفِي الْمُحَلَّى قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي إنَاثِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ؛ لِأَنَّهَا فَرْدَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِبِلُ. اهـ. [فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ] (فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى آخِرِهِ) إذْ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْزُ) أَيْ وَهُوَ اسْمٌ لِذَاتِ الشَّعْرِ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: كَالضَّأْنِ) أَيْ، وَهُوَ اسْمٌ لِذَاتِ الصُّوفِ. اهـ. بَاكِيرٌ وَالضَّأْنُ مَهْمُوزٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِالْإِسْكَانِ كَنَظَائِرِهِ يَعْنِي كَرَأْسٍ وَبَأْسٍ (قُلْت) تَخْفِيفُهُ لَيْسَ بِالْإِسْكَانِ بَلْ بِإِبْدَالِهَا أَلِفًا كَمَا فِي رَأْسٍ فَأُبْدِلَتْ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا لَمَّا كَانَتْ سَاكِنَةً، وَإِسْكَانُ الْأَلِفِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا سَاكِنَةً قَالَ وَهُوَ جَمْعُ ضَائِنٍ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا ضَأَنٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَحَارِسٍ وَحَرَسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى ضَئِينٍ كَغَازٍ وَغَزِيٍّ. (قُلْت) الرَّكْبُ وَالْحَرَسُ وَالْغُزَّى كُلٌّ مِنْهَا لَيْسَ بِجَمْعٍ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ هُوَ اسْمُ جَمْعٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ، وَلَعَلَّ صِنَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ قَالَ وَالْمَعْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَإِسْكَانِهَا اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدُ مَاعِزٌ. (قُلْت) هُمَا اسْمُ جَمْعٍ كَرَكْبٍ وَحَلْقٍ، وَالْمَعِيزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْأُمْعُوزُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الْمَعْزِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُجْزِيهِ الْجَذَعُ إلَى آخِرِهِ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا)، وَفِي الْمَعْزِ لَا يُجْزِي إلَّا الثَّنِيُّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعِ») غَرِيبٌ بِلَفْظِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ «جَاءَنِي رَجُلَانِ مُرْتَدِفَانِ فَقَالَا إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنَا إلَيْك لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِك قُلْتُ: وَمَا هِيَ قَالَا شَاةٌ قَالَ فَعَمِدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا فَقَالَا هَذِهِ شَاةٌ شَافِعٌ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ قَالَا عَنَاقًا جَذَعًا أَوْ ثَنِيَّةً فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا فَتَنَاوَلَاهَا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ السَّخْلَ فَقَالُوا تَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلَا تَأْخُذُهَا، وَلَا تُؤْخَذْ الْأَكُولَةُ وَلَا الرُّبَى، وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ، وَتُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ وَالثَّنِيَّةُ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ

[زكاة الخيل]

وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ، وَمِنْ الْمَعْزِ لَا يُلَقِّحُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا، وَمَرْفُوعًا: «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا» وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجَذَعَ لَا يَجُوزُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْجَذَعَةُ، وَهِيَ الْأُنْثَى وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا إذَا كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ ذُكُورًا يَجِبُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَاسْمُ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ الْغَنَمِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَقَرِ دُونَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى فِيهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَالْحِقَّةُ وَالْجَذَعَةُ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْإِبِلِ يَتَفَاوَتَانِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يَقُومُ الذَّكَرُ مَقَامَ الْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ إنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ مِنْهُ قُلْت إنَّ رِعَايَةَ مَنْفَعَتِهِ فِي النِّصَابِ تَخْفِيفًا فِي حَقِّ الْمُلَّاكِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِمْ جَبْرٌ إلَّا فِيمَا يَأْخُذُهُ الْفَقِيرُ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ سَدَّ الْخَلَّةِ لَا النَّسْلَ مِنْهُ. قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَنَمِ وَخِيَارُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَغَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيَّيْنِ نَأْخُذُ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَا قَوْلُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْجِيحُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَذَعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي تَعْيِينِ الثَّنِيِّ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْزِ لَا يُلَقِّحُ) حَتَّى يَصِيرَ ثَنِيًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ». اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَمْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ» عَلَى الْإِبِلِ بَعِيدٌ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إذْ الذَّكَرُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ الْجَذَعَةَ مِنْ الْإِبِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لَا يَتَفَاوَتَانِ) أَيْ مِنْ الْغَنَمِ. اهـ. (فُرُوعٌ) شَاةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَ آخِرِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شَاةً فَعَلَى الَّذِي تَمَّ نِصَابُهُ شَاةٌ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التِّسْعَةَ وَالثَّلَاثِينَ وَنِصْفَيْنِ مِنْ شَاتَيْنِ فَلَمْ يُكْمِلْ الْأَرْبَعِينَ، وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَ الثَّمَانِينَ شَائِعًا بِدَلِيلِ أَنَّ شَرِيكَهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا تَجِبُ فَبِتَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ لَا يَنْقُصُ مِلْكُهُ، وَلَا يَعْدَمُ صِفَةُ الْغِنَى فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَانُونَ شَاةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَمَانِينَ رَجُلًا كُلُّ شَاةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ ثَمَانُونَ بَقَرَةً بَيْنَ ثَمَانِينَ نَفَرًا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَقَرَةٍ وَلِأَحَدِهِمْ ثَمَانُونَ نِصْفًا أَوْ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَ وَاحِدٍ وَبَيْنَ عَشَرَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَعِيرٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ نَصِيبِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الَّذِي تَمَّ نِصَابُهُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا قَوْلٌ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ، وَفِي النَّوَادِرِ ثَمَانُونَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ ثُلُثَاهَا وَالْآخَرُ لَهُ ثُلُثُهَا فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً لِزَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثَيْنِ دَفَعَ ثُلُثَ شَاةٍ مِنْ مِلْكِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِائَةً وَعِشْرِينَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخِرِ ثُلُثُهَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ فَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ فِي شَاتَيْنِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَثُلُثٌ فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً كَامِلًا لِأَجَلِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَقَدْ أَخَذَ ثُلُثًا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ لِأَجْلِ زَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ»، وَفِي الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْكَثِيرِ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِثُلُثِ شَاةٍ ثُمَّ إذَا حَالَ حَوْلٌ آخَرُ يَجِبُ شَاةٌ فِي مَالِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ لِنَقْصِ مَالِهِ عَنْ النِّصَابِ فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً مِنْ عَرَضِ الْمَالِكَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْكَثِيرِ بِثُلُثِ شَاةٍ فَهُوَ مَعْنَى التَّرَاجُعِ بِالسَّوِيَّةِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ «بِالسَّوِيَّةِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا بِالزِّيَادَةِ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ بَلْ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ شَاةً بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَلِلْآخِرِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا ثَلَاثَ شِيَاهٍ رَجَعَ صَاحِبُ الْمِائَةِ عَلَى الْآخَرِ بِخُمُسِ شَاةٍ، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ رَجُلٌ لَهُ عِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فِي جَبَلٍ، وَعِشْرُونَ فِي السَّوَادِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَدِّقِينَ زَكَاةَ مَا فِي عَمَلِهِ، وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ. [زَكَاة الخيل] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ) وَالْخَيْلُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ ذُكُورِهَا، وَإِنَاثِهَا كَالرَّكْبِ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَوَاحِدُهَا فَرَسٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يَذْكُرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُصَغَّرُ بِغَيْرِ تَاءٍ، وَهُوَ شَاذٌّ وَمَعَهَا ثَمَانِي كَلِمَاتٍ فِي بَيْتٍ مَوْزُونٍ وَهُوَ ذَوْدٌ وَقَوْسٌ وَحَرْبٌ دِرْعُهَا فَرَسٌ ... نَابٌ كَذَا نَصَفٌ عِرْسٌ ضُحًا غَرَبُ وَفِي الْقِدْرِ وَجْهَانِ وَالْأَجْوَدُ قَدِيرٌ، وَفِي الصِّحَاحِ الْخَيْلُ الْفُرْسَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64] وَالْخَيْلُ أَيْضًا الْخُيُولُ فَيَكُونُ الثَّانِي جَمْعَ اسْمِ الْجَمْعِ كَالْقَوْمِ وَالْأَقْوَامِ وَالْخَيَّالَةُ أَصْحَابُ الْخَيْلِ، وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ «يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي» أَيْ يَا فُرْسَانَ خَيْلِ اللَّهِ ارْكَبِي بِحَذْفِ الْمُضَافِ قُلْت لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ بَيْنَ الْفُرْسَانِ وَالْخُيُولِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ارْكَبِي. اهـ. غَايَةٌ

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: إذَا كَانَتْ ذُكُورًا، وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا، وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ وَالنُّخَّةِ»، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي الْخَيْلِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا»، وَهُوَ الزَّكَاةُ. وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ «سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ بَعْدَ الْخَيْلِ فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ» فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ عَنْ الْحَمِيرِ، وَالتَّخْيِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ، وَمَرْوَانُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَقَالَ مَرْوَانُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا تَقُولُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي، وَإِنَّمَا خَيَّرَ عُمَرُ أَرْبَابَهَا بَيْنَ الدِّينَارِ وَبَيْنَ رُبْعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْفَرَسِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارٍ وَتَفَاوُتُهَا قَلِيلٌ ثُمَّ شُرِطَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنْ تَكُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالتَّنَاسُلِ يَحْصُلُ بِهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ إنَاثًا مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ ذُكُورًا مُنْفَرِدَاتٍ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ)، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي قَوْلُهُ: وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَى الْعَامِلِ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى حِمَايَةِ السُّلْطَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ) وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ) حَكَاهُ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ وَالنُّخَّةُ الرَّقِيقُ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: النُّخَّةُ بِالضَّمِّ الْبَقَرُ الْعَامِلُ وَالْكُسْعَةُ مَضْمُومَةُ الْكَافِ، وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الرَّقِيقُ وَالْآخَرُ الْحَمِيرُ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَسْعِ، وَهُوَ الدَّفْعُ وَكَذَا فِي النُّخَّةِ إنَّهَا الْعَوَامِلُ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مِنْ الرَّقِيقِ، وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ لِلْفَرَّاءِ أَنَّ النُّخَّةَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ دِينَارًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ النُّخَّةُ الْحَمِيرُ، وَقِيلَ كُلُّ دَابَّةٍ اُسْتُعْمِلَتْ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَرَقِيقٍ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ، وَقِيلَ صِغَارُ الْغَنَمِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ النَّخَّةُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الرَّقِيقُ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ، وَفِي الْإِمَامِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ وَالنُّخَّةِ» قَالَ بَقِيَّةُ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْبِغَالُ وَالنُّخَّةُ الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: «فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ») أَيْ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ الْجَامِعَةِ الْفَاذَّةِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا، وَفِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الْخَيْلُ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْخَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ صَحِيحٌ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَرْوَانُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ، وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي زَمَنِهِ فَشَاوَرَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي إلَى آخِرِهِ) فَأَمَّا مَا حِيزَ لِطَلَبِ نَسْلِهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ فَقَالَ كَمْ فَقَالَ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ قِيلَ هَذَا فِي خَيْلِ الْعَرَبِ كَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرَسٍ كَانَ قِيمَتُهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالدِّينَارُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا الْآنَ تَتَفَاوَتُ قِيمَتُهَا فَتُقَوَّمُ. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَحَدِيثُهُمْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى خَيْلِ الرُّكُوبِ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا تَجِبُ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ الْمَعْطُوفَ لَا يَكُونُ سَائِمَةً فَكَذَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ حَدِيثُ عَلِيٍّ قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ الرَّقِيقَ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَائِمَةً فَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا حَدِيثُ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ فَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو مُعَاذٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ قُلْت وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ أَيْضًا، وَقِيلَ أَحَادِيثُ بَقِيَّةَ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فَكُنْ مِنْهَا عَلَى تَقِيَّةٍ وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا سَائِمَةٌ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَجْهُهُ أَنَّ الْآثَارَ جَعَلَتْ هَذَا نَظِيرَ سَائِرِ أَنْوَاعِ السَّوَائِمِ فَإِنَّ بِسَبَبِ السَّوْمِ تَخِفُّ الْمُؤْنَةُ وَبِهِ يَصِيرُ الْمَالُ مَالَ الزَّكَاةِ فَكَذَا فِي الْخَيْلِ. اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَيْلُ إنْ كَانَتْ تُعْلَفُ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ

فِي الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ، وَلَا يَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ ذُكُورِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُنْفَرِدَاتِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا يَزْدَادُ بِالسِّمَنِ وَزِيَادَةُ السِّمَنِ إذْ هُوَ مَأْكُولٌ دُونَ لَحْمِ الْخَيْلِ فَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَتُهَا، وَكَذَا لَا تُعْتَبَرُ زِيَادَتُهَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَلَى أَصْلِهِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِصَابٌ أَمْ لَا قِيلَ يُشْتَرَطُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ فَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ اثْنَتَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاشِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا فِي (الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]» وَالْمَقَادِيرُ لَا تَثْبُتُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَتَنَاسَلُ فَلَا نَمَاءَ، وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمِيرِ الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ غَالِبًا دُونَ التَّنَاسُلِ، وَإِنَّمَا تُسَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْعَلَفِ تَخْفِيفًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا فِي (الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ) أَيْ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَزُفَرُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقُلْت لَهُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ حَمَلًا فَقَالَ فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْت رُبَّمَا تَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ جَمِيعِهَا فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقُلْت أَوَ يُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا إذًا لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَعُدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِ حَيْثُ أَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقَاوِيلِهِ مُجْتَهِدٌ، وَلَمْ يَضِعْ مِنْ أَقَاوِيلِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ لَوْ قَالَ قَوْلًا رَابِعًا لَأَخَذْت بِهِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَدَّ هَذَا، وَقَالَ إنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ مُحَالٌ فَمَا ظَنُّك بِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ فَيُقَالُ إنَّهُ امْتَحَنَ أَبَا يُوسُفَ هَلْ يَهْتَدِي إلَى طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ يَهْتَدِي إلَيْهِ قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ وَتَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا إجْمَاعًا، وَإِذَا كَانَتْ تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَهِيَ ذُكُورٌ، وَإِنَاثٌ تَجِبُ عِنْدَهُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِمَا، وَقَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِمَا. انْتَهَى. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ) أَيْ التَّنَاسُلِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا السَّوَائِمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا زِيَادَةُ الْمَالِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: قِيلَ يُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ) أَيْ كَالْإِبِلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِهِ) عَزَا هَذَا الْقَوْلَ فِي الْغَايَةِ إلَى أَحْمَدَ الْعِيَاضِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا) فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ. اهـ. مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَقِيرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْفَاذَّةُ) الْفَاذَّةُ الْمُنْفَرِدَةُ الْقَلِيلَةُ فِي بَابِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَتَنَاسَلُ) أَيْ لَيْسَ لَهَا دَرٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمِيرِ الْحَمْلُ إلَخْ) أَيْ وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْكُسْعَةِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكِبَارِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَجَاجِيلِ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْعِجْلُ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْر وَجَمْعُهُ عِجَلَةٌ (قُلْت) مِثْلُ قِرْدٍ وَقِرَدَةٍ، وَعُجُولٌ كَقُرُودٍ وَالْعُجُولُ مِثْلُ عِجْلٍ، وَالْجَمْعُ عَجَاجِيلٌ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ والإسبيجابي وَخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ وَالْمَنَافِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ: وَالْعَجَاجِيلُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعُجُولَ مَعَ أَنَّ الْعِجْلَ وَالْعُجُولَ أَخَفُّ عَلَى اللِّسَانِ وَأَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْعُجُولِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ حَمَلٍ، وَنَظِيرُ الْمَكْسُورِ خَرَبٌ وَخِرْبَانٌ. اهـ. سَرُوجِيٌّ قَوْلُهُ: جَمْعُ حَمَلٍ بِالتَّحْرِيكِ وَلَدُ الشَّاةِ وَالْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدِ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفَصَلَتْ الْأُمُّ رَضِيعَهَا فَصْلًا أَيْضًا فَطَمَتْهُ وَالِاسْمُ الْفِصَالُ بِالْكَسْرِ وَهَذَا زَمَانُ فِصَالِهِ كَمَا يُقَالُ زَمَانُ فِطَامِهِ وَمِنْهُ الْفَصِيلُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْصَلُ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ، وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ إلَخْ) مِنْ الْجَذَعِ وَالثَّنِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَزُفَرُ) أَيْ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْمُغْنِي فِي الصَّحِيحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ. اهـ. غَايَةٌ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ) وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَبُو سُلَيْمَانَ. انْتَهَى. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَتَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ) فَإِنَّهَا مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِدُونِ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَصِيرُ الْحَمَلُ شَاةً وَالْفَصِيلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَالْعُجُولُ تَبِيعًا وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا. اهـ بَاكِيرٌ

صُورَتُهَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَوَاشِي فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْكِبَارُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا وَبَقِيَتْ الصِّغَارُ فَهَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِحِصَّتِهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَوْ مَلَكَ الصِّغَارَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَلَيْسَ فِيهَا كِبَارٌ فَهَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ فِيهَا أَمْ لَا فَالصُّوَرُ كُلُّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ وَمَالِكٍ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَيَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ كَمَا فِي الْأَيْمَانِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْإِبِلَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْفَصِيلِ وَلِهَذَا يُعَدُّ مَعَ الْكِبَارِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَلَوْلَا أَنَّهَا نِصَابٌ وَاحِدٌ لَمَا كَمُلَ بِهَا. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ لَأَضْرَرْنَا بِأَرْبَابِهَا، وَلَوْ لَمْ نُوجِبْ أَصْلًا لَأَضْرَرْنَا بِالْفُقَرَاءِ فَأَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا كَمَا فِي الْمَهَازِيلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ وَصْفٌ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ فَوَاتَ الْوُجُوبِ كَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الصِّغَارَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْوُجُوبِ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ قَلِيلًا فِي كَثِيرٍ، وَهُوَ أَسْنَانٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكِبَارَ فِيهَا أَدَّى إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ إيجَابُ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى جَمِيعِهَا «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ»، وَهِيَ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَالِ فَمَا ظَنُّك بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ، وَهِيَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا أَدَّى إلَى التَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا، وَقَدْ نَهَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَخْذِ الصِّغَارِ فَقَالَ عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ، وَلَوْ رَاحَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا بِكَفَّيْهِ أَوْ عَلَى كَتِفِهِ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّمْثِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ رُوِيَ عِقَالًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ. وَهُوَ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا كِبَارٌ صَارَتْ الصِّغَارُ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ لَا فِي جَوَازِ الْأَخْذِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَفِي الْمَهَازِيلِ أَمْكَنَ إيجَابُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ الْأَسْنَانُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤْخَذُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَوَاشِي) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ النُّوقِ أَوْ ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ. اهـ كَاكِيٌّ وَإِنَّمَا صَوَّرْنَا نِصَابَ النُّوقِ، وَلَمْ نُصَوِّرْ خَمْسَةً؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَوْجَبَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي أَقَلِّ مِنْهَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَهَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأُمَّهَاتُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ، وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ قَدْ غَلَبَتْ الْأُمَّهَاتُ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأُمَّاتُ فِي الْبَهَائِمِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يَعِيشَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالصُّوَرُ كُلُّهَا عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ) فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْعَقِدُ وَفِي قَوْلِ الْبَاقِينَ يَنْعَقِدُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِأَكْلِ الْفَصِيلِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا إلَخْ)، وَفِي الْأَسْرَارِ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا إلَخْ) الْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ. اهـ. غَايَةٌ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ)، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي عَهْدِي أَيْ فِي كِتَابِي أَنْ لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ اللَّبَنِ شَيْئًا». اهـ. كَاكِيٌّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي النَّسَائِيّ «لَا آخُذُ رَاضِعَ لَبَنٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «نُهِينَا عَنْ الْأَخْذِ مِنْ رَاضِعٍ». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى جَمِيعِهَا إلَخْ) خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَكُونُ هَذَا إخْرَاجَ كُلِّ الْمَالِ مَعْنًى، وَهُوَ مَعْلُومُ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّ إضَافَةَ اسْمِ زَكَاةِ الْمَالِ يَأْبَى كَوْنَهُ إخْرَاجَ الْكُلِّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَرَائِمِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ يَلْزَمُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لُزُومَ إخْرَاجِ الْكُلِّ مَعْنًى مُنْتَفٍ لَكِنْ ثُبُوتُ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا عَنْ ذَاكَ؟. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي صُورَةِ وُجُودِ مُسِنَّةٍ مَعَ الْحُمْلَانِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَعْنِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَرُورِيَّةِ الِانْتِفَاءَيْنِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَفِي الْإِيضَاحِ وَجَامِعِ الْكَرْدَرِيِّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الصِّغَارِ كِبَارٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنٌّ يَجِبُ وَيُؤْخَذُ الْمُسِنُّ، وَكَذَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكِبَارِ يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ. اهـ. زَادَ فِي الْكَافِي بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ: قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعُجُولِ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ مِنْهُمَا فِي هَذَا الْعَدَدِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالصِّغَارُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. اهـ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ عُدُولِ الشَّارِحِ عَمَّا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ فَاعْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ لَا فِي جَوَازِ الْأَخْذِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثُّنْيَانِ هَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْوَاجِبِ مِنْ الْكِبَارِ مَوْجُودًا فِيهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ بَيَانُهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا يَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَصِيلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ دُفِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَتْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا كَانَ هَلَاكُهَا كَهَلَاكِ الْكُلِّ وَالْحُكْمُ لَا يَبْقَى فِي التَّبَعِ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي الصِّغَارِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ الْحَمَلِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّغَارُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ فَضْلَ الْكَبِيرِ كَانَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُسِنَّةِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَيَكُونُ هَذَا نُقْصَانًا لِلنِّصَابِ. وَلَوْ هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ يُؤْخَذُ

الصِّغَارِ بِقَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكِبَارِ عَدَدًا مِنْ جِنْسِهِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ مِنْ الشِّيَاهِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ خُمُسَا فَصِيلٍ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ؛ لِأَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصِيلًا فَيَجِبُ فِيمَا دُونَهُ بِحِسَابِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ الشَّاةِ، وَمِنْ خُمُسِ الْفَصِيلِ، وَفِي الْعَشْرِ مِنْ الشَّاتَيْنِ وَمِنْ خُمُسَيْ الْفَصِيلِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ إلَى عِشْرِينَ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفُصْلَانِ وَمِنْ الشَّاةِ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ شَاتَيْنِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ أَرْبَعِ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهَا يُجْزِئُهُ عَنْ الشَّاةِ فِي الْكِبَارِ فَكَذَا فِي الصِّغَارِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْخَمْسِ بَيْنَ شَاةٍ وَبَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَفِي الْعَشَرَةِ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَبَيْنَ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ بَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْهَا وَبَيْنَ ثَلَاثِ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ، وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعًا مِنْهَا، وَفِي خَمْسً وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا فِي (الْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ)، وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ لِلْعُمُومَاتِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ الْإِبِلِ الْإِبِلَ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً» مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ»؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ فِي السَّبَبِ، وَفِيهِ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِالْعَلَفِ وَالِاسْتِعْمَالِ بَلْ يَزْدَادُ الِانْتِفَاعُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَزْدَادُ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الشُّكْرِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ، وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النُّخَّةِ صَدَقَةٌ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ النُّخَّةُ الْإِبِلُ الْعَوَامِلُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْبَقَرُ الْعَوَامِلُ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُ النَّمَاءِ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَوْ الِاعْتِدَادُ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعَوَامِلِ وَتَكْثُرُ الْمُؤْنَةُ فِي الْعَلُوفَةِ فَلَمْ يُوجَدْ النَّمَاءُ مَعْنًى، وَقَوْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي السَّبَبِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا لَمْ نَحْمِلْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَإِنَّمَا نَفَيْنَا الزَّكَاةَ عَنْ الْعَلُوفَةِ وَالْعَوَامِلِ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ النُّصُوصِ. وَقَوْلُهُ: يَزْدَادُ الِانْتِفَاعُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا زِيَادَةُ الِانْتِفَاعِ تَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَنَحْوِهَا؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِزِيَادَةِ الِانْتِفَاعِ بَلْ بِزِيَادَةِ الْعَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّمَاءَ يَزْدَادُ بِالْعَلَفِ بَلْ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَلَا يَظْهَرُ النَّمَاءُ مَعْنًى وَالشَّارِعُ لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي وَلِهَذَا شُرِطَ الْحَوْلُ لِتَحَقُّقِ النَّمَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَلَفَ يُنَافِي الْإِسَامَةَ؛ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ، وَلَا يُنَافِي التِّجَارَةَ وَبِاعْتِبَارِ الْإِسَامَةِ تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ وَالْعَلَفُ لَا يُنَافِيهَا فَافْتَرَقَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَبِيدَهُ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِقْدَارَ الْعَلَفِ الَّذِي يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا فِي (الْعَفْوِ) أَيْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي النِّصَابِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: تَجِبُ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ إلَى التِّسْعِ» أَخْبَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْطُهَا، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ الْمُسِنَّةِ جُعِلَ هَلَاكُ الْمُسِنَّةِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ أَوْ لَمْ يُجْعَلْ قِيَامُهَا كَقِيَامِ الْكُلِّ وَالْفَرْقَ يُطْلَبُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكِبَارِ عَدَدًا مِنْ جِنْسِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ، وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فِي الْعَلُوفَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا يُعْلَفُ مِنْ الْغَنَمِ وَغَيْرِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الْعُلُوفَةُ بِالضَّمِّ فَجَمْعُ عَلَفٍ يُقَالُ عَلَفْتُ الدَّابَّةَ، وَلَا يُقَالُ أَعْلَفْتُهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفَةٌ. اهـ. بَاكِيرٌ، وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْمَعْلُوفَةِ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْعَوَامِلُ) هِيَ الْمُعَدَّاتُ لِلْأَعْمَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ إلَخْ) وَقَتَادَةُ وَمَكْحُولٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ) أَيْ، وَعَادَةُ الْأَنْعَامِ السَّوْمُ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. اهـ. قَوْلُهُ: «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ أَيْ الَّتِي يُثَارُ بِهَا الْأَرْضُ أَيْ تُحْرَثُ». اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ النَّمَاءِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَلَوْ انْعَدَمَ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ امْتَنَعَ فِيهَا قُلْت النَّمَاءُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ، وَلَمْ تَنْحَصِرْ زِيَادَةُ ثَمَنِهَا فِي السِّمَنِ الْحَادِثِ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ فَصْلٍ إلَى فَصْلٍ أَوْ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْوِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ النَّمَاءُ فِيهَا مُنْحَصِرٌ بِالسِّمَنِ فَثَبَتَ أَنَّ عَلَفَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ نَمَائِهَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ) أَيْ دُونَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ وَزَكَاةِ التِّجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ) لَيْسَ فِي مُسْوَدَّةِ الشَّارِحِ.

الْكُلِّ، وَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَكُلُّهُ نِعْمَةٌ وَيَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى؛ وَلِأَنَّ النِّصَابَ مِنْهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَإِذَا وَجَدَ أَكْثَرَ مِنْهُ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَالسَّفَرِ وَالْحَيْضِ، وَكُلِّ مَا كَانَ مُقَدَّرًا شَرْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَفْوًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ عَشْرًا» ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصَابِ تُسَمَّى فِي الشَّرْعِ عَفْوًا وَالْعَفْوُ مَا يَخْلُو عَنْ الْوُجُوبِ، وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ، وَعَفْوٌ فَهَلَكَ قَدْرُ الْعَفْوِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَتِسْعٍ مِنْ الْإِبِلِ مَثَلًا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ تَسْقُطُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا ثَمَانُونَ سَقَطَ عِنْدَهُمَا ثُلُثَا شَاةٍ وَبَقِيَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ فِيهِمَا فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ مَا هَلَكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ، وَقَدْ بَقِيَ النِّصَابُ؛ وَلِأَنَّ النِّصَابَ أَصْلٌ، وَالْعَفْوُ تَبَعٌ فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ أَوَّلًا إلَى التَّبَعِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا هَلَكَ يُصْرَفُ أَوَّلًا إلَى الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نُصُبٌ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى عَلَى النِّصَابِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعَفْوِ وَأَبُو يُوسُفَ يَصْرِفُهُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا. مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى عِشْرِينَ فَقَطْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَسَقَطَ النِّصْفُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَسْقُطُ سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَيْهَا أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النُّصُبِ الْبَاقِيَةِ شَائِعًا وَمُحَمَّدٌ سَوَّى بَيْعَ الْعَفْوِ وَالنُّصُبِ وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ صَرَفَ الْهَالِكَ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ، وَفِي جَعْلِهِ شَائِعًا فِي النُّصُبِ صِيَانَةَ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ فِي صَرْفِهِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ سَبَبٌ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ وَالْبَاقِي تَبَعٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَقَدَّمَ زَكَاةَ نُصُبٍ جَازَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ لَمَا جَازَ كَمَا لَوْ قَدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا فَإِذَا كَانَ تَبَعًا يُصْرَفُ إلَيْهِ الْهَلَاكُ كَمَا فِي الْعَفْوِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَ) لَا (الْهَالِكِ بَعْدَ الْوُجُوبِ) أَيْ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ هَلَكَ بَعْدَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِذَا وَجَدَ أَكْثَرَ مِنْهُ تَعَلَّقَ بِالْكُلِّ إلَخْ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَكَذَا قَالَ إذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقَالَ فِي الْغَنَمِ إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَنُصُّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ الْمَرْوِيِّ فِي أَبِي دَاوُد. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَنِصَابِ السَّرِقَةِ إلَخْ) كَمَا لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِحَقٍّ فَقَضَى بِهِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ شَهَادَةَ الْكُلِّ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الثَّالِثِ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ رَجَعُوا ضَمِنُوا. اهـ. كَافِي وَكَذَا الشَّهَادَةُ، وَقَتْلُ الْوَاحِدِ جَمَاعَةً وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالنَّجَاسَةُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِهِمَا فِي الثُّبُوتِ أَنَّهُ ثَبَتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَإِنَّمَا نَسَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابَيْهِمَا فَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ؛ وَلِأَنَّ جَعْلَ الْهَالِكِ غَيْرَ النِّصَابِ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْكُلِّ فَيُجْعَلُ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُلِّ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَعَيُّنِ بَعْضِهَا لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُسَمَّى عَفْوًا فِي الشَّرْعِ يَتَضَاءَلُ عَنْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصَابِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَى النُّصُبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ)، وَإِنْ هَلَكَ خَمْسٌ فَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ خُمُسُ شَاةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ تَبَعٌ إلَخْ) إذْ النِّصَابُ بِاسْمِهِ وَحُكْمِهِ يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَالْعَفْوُ بِذَلِكَ لَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَيُجْعَلُ مَا زَادَ عَلَى الْأَوَّلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ أَصْلًا. اهـ كَافِي (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ) أَيْ بَعْدَ الْحَوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى عِشْرِينَ فَقَطْ) أَيْ جَعْلًا لِلْهَالِكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَيْهَا) وَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِقَدْرِ الْبَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مَالٍ هَلَكَ بَعْدَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ) سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَكَذَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ وَالْوَارِثُ بِأَدَائِهَا، وَكَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرٍ أَوْ نَذْرٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَفَقَةٌ أَوْ خَرَاجٌ أَوْ جِزْيَةٌ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ قَائِمًا لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى إلَّا بِالْخِيَارِ إمَّا مُبَاشَرَةً أَوْ إنَابَةً فَإِنْ أَوْصَى بِهَا فَقَدْ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الثُّلُثِ حِينَئِذٍ، وَإِذَا لَمْ يُوصِ فَلَمْ يَنُبْ غَيْرُهُ مَنَابَهُ فَلَوْ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ جَبْرًا لَكَانَ الْوَارِثُ نَائِبًا جَبْرًا، وَالْجَبْرُ يُنَافِي الْعِبَادَةَ إذْ الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يَأْتِي بِهِ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهَا جَبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَدَائِهِ، وَلَوْ أَخَذَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَوَجْهُ عَدَمِ سُقُوطِ الْعُشْرِ بِالْمَوْتِ أَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَكَمَا نَبَتَ نَبَتَ مُشْتَرَكًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] أَضَافَ الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا، وَإِذَا نَبَتَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. اهـ. بَدَائِعُ

هَلَكَ بَعْضُهُ سَقَطَتْ عَنْهُ بِحِسَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا تَسْقُطُ زَكَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ فَلَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ بِالْأَدَاءِ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ تَفْرِيطًا بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ السَّائِمَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِيهَا إلَى الْإِمَامِ فَلَا يَكُونُ تَفْرِيطًا مَا لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى لَوْ طَلَب، وَمَنَعَهُ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ مَحَلٌّ لِلزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: 19] الْآيَةَ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِ الْمَحِلِّ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا مَاتَ، وَكَاَلَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ ذِمَّتُهُ لَا الْمَالُ، وَلَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ فَمَنَعَهُ حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَأَبِي سَهْلٍ الزَّجَّاجِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِهَذَا الْمَنْعِ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا، وَلَا يَدًا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ يَضْمَنُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ، وَمَنْعُهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْوَدِيعَةِ قُلْنَا فِي الْوَدِيعَةِ مَنْعُهَا عَنْ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ وَالسَّاعِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَافْتَرَقَا، وَلَا يَلْزَمُنَا الِاسْتِهْلَاكُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي فِيهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ وَجَبَ سِنٌّ) أَيْ ذَاتُ سِنٍّ (وَلَمْ يُوجَدْ دَفَعَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ الْفَضْلَ أَوْ دُونَهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ السِّنِّ الْوَاجِبِ لِجَوَازِ دَفْعِ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى أَوْ لِجَوَازِ دَفْعِ الْقِيمَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ الْوَاجِبِ جَازَ وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: بَعْدَ الْوُجُوبِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ وُجِدَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِيمَا إذَا تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الصَّرْفِ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا لَا يَتَحَقَّقُ أَبَدًا، وَالتَّمَكُّنُ شَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ، وَالْهَلَاكُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ مَحَلٌّ لِلزَّكَاةِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ حَتَّى أَسْقَطْتُمْ الزَّكَاةَ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَتَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ الْوَطْءَ كَجَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَجَابَ الْإِمَامُ رُكْنُ الدِّينِ فِي الْمُنْتَخَبِ بِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَمْلُوكٌ لَهُ يَدًا حَقِيقَةً وَلِلْمَوْلَى رَقَبَةً حَقِيقَةً بِخِلَافِ جَارِيَةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْفُقَرَاءِ يَدًا، وَلَا رَقَبَةً قَبْلَ الدَّفْعِ. (قُلْت) لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى رَقَبَةً كَمَا زَعَمَ لَفَسَدَ نِكَاحُ الْمَوْلَى فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَةَ مَوْلَاهُ إذْ مِلْكُهُ رَقَبَةَ زَوْجَتِهِ يَمْنَعُ نِكَاحَهُ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَإِنَّمَا لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ دُونَ حَقِيقَتِهِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا مَاتَ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَقُّ بِمَوْتِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ) أَيْ فِي السَّائِمَةِ وَالْعُشُورِ فَإِنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِيهَا لِلْإِمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ إلَخْ)، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنْ لِلْمَالِكِ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ ثُمَّ الْقِيمَةُ شَائِعَةٌ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ، وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا فَالْحَبْسُ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْفَضْلَ أَوْ دُونَهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ) مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ غَلَاءً وَرُخْصًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَعْطَى إمَّا بِنْتَ لَبُونٍ، وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ قُلْنَا هَذَا كَانَ قِيمَةُ التَّفَاوُتِ فِي زَمَانِهِمْ وَابْنُ اللَّبُونِ يَعْدِلُ بِنْتَ الْمَخَاضِ إذْ ذَاكَ جَعْلًا لِزِيَادَةِ السِّنِّ مُقَابِلًا لِزِيَادَةِ الْأُنُوثَةِ فَإِذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ، وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْإِيجَابِ مَعْنًى بِأَنْ يَكُونَ الشَّاتَانِ أَوْ الْعِشْرُونَ الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُصَدِّقِ تُسَاوِي الَّذِي يُعْطِيهِ خُصُوصًا إذَا فَرَضْنَا الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَهَازِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ الشَّاتَيْنِ يُسَاوِيَانِ بِنْتَ لَبُونٍ مَهْزُولَةٍ جِدًّا فَإِعْطَاؤُهَا فِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ اسْتِرْدَادِ شَاتَيْنِ إخْلَاءٌ مَعْنًى أَوْ الْإِجْحَافُ بِرَبِّ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الدَّافِعُ لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُمَا وَهُوَ تَعَيُّنُ الْجَابِرِ. اهـ. فَتْحٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ يُعَيِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِيَارُ إلَى الْمَالِكِ إلَّا فِي دَفْعِ الْأَعْلَى فَإِنَّ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيَطْلُبَ عَيْنَ الْوَاجِبِ أَوْ قِيمَتَهُ. اهـ. كَافِي بِاخْتِصَارٍ، وَأَطْلَقَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ إذْ الْخِيَارُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْخِيَارُ إلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ قَوْلِهِمْ يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِ الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ بَيْعَ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَدِّقِ وَمَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى التَّرَاضِي لَا الْجَبْرِ، وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْأَعْلَى إذْ مَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ مُطْلَقًا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَعْطِهِ مَا شِئْت أَعْلَى أَوْ أَدْنَى فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْأَعْلَى لَمْ يُجْعَلْ الْخِيَارُ إلَيْهِ فِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لَوْ طَلَبَ السَّاعِي مِنْهُ الْأَعْلَى فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ يُعْطِيَ الْأَدْنَى. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَعْلَى دَاخِلًا فِي النَّصِّ، وَالْجُودَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ، وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ لَا يَجُوزُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُودَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ لِجِنْسِهَا فَلَا تَقُومُ الْجُودَةُ مَقَامَ الْقَفِيزِ الْخَامِسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الثَّوْبِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا بِقَيْدِ الْوَسَطِ وَكَانَ الْأَعْلَى وَغَيْرُهُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ

لِرَبِّ الْمَالِ وَيُجْبَرُ السَّاعِي عَلَى الْقَبُولِ إلَّا إذَا دَفَعَ أَعْلَى مِنْهَا وَطَلَبَ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْضَ الْعَيْنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ عَيْبِ التَّشْقِيصِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ قَدْ يَكُونُ يُسَاوِي قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ، وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعُشْرُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ لَبُونٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِمَحَلٍّ فَلَا تَتَأَدَّى بِغَيْرِهَا كَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ»، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ، وَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ دَفَعَهَا وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا»، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْقِيمَةِ فِيهَا إذْ لَيْسَ فِي الْقِيمَةِ إلَّا إقَامَةُ شَيْءٍ مَقَامَ شَيْءٍ وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ. ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّحْرِيرِ، وَقَدْ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ وَبِهِ تَحْصُلُ الْقُرْبَةُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَالْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِي جَازَ الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي. اهـ. (فُرُوعٌ) عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً فَهَلَكَ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصَابِ وَاحِدَةً، وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي مِنْ الْمُعَجَّلِ قَدْرَ تَبِيعٍ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ وَيُعْطِيَهُ مِمَّا عِنْدَهُ تَبِيعًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ التَّبِيعِ مِنْ الْمُسِنَّةِ صَارَ زَكَاةً حَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُسْتَرَدُّ، وَمِثْلُهُ فِي تَعْجِيلِ بِنْتِ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إذَا نَقَصَ الْبَاقِي وَاحِدَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي قَدْرَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا، وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا وَيُطَالِبُ بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ فِي إمْسَاكِ الْبَعْضِ ضَرَرًا لِلتَّشْقِيصِ بِالشَّرِكَةِ، وَقِيَاسُ هَذَا فِي الْبَقَرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ إذْ لَا شَرِكَةَ بَعْدَ دَفْعِ قِيمَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْمُعَجَّلَ أَمْسَكَ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ التَّبِيعِ وَالْأَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَدَّ الْبَاقِيَ، وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَ الْأَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ فَحَقُّ السَّاعِي بِتَبِيعَيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُ الْمُسِنَّةِ بَلْ يُكْمِلُ الْفَضْلَ لِلسَّاعِي بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ فَإِذَا هِيَ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمُسِنَّةَ وَيَأْخُذُ تَبِيعًا؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْغَلَطِ يُعْدِمُ الرِّضَا أَمَّا هُنَاكَ فَدَفَعَ عَنْ رِضًا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً، وَلَمْ يَظْهَرْ إذْ الِاحْتِمَالُ لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَظْهَرْ الْغَلَطُ حَتَّى يُصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا كَرْهًا عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا عَمِلَ لِغَيْرِهِ فَضَمَانُ خَطَئِهِ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْعَمَلُ لَهُ فَإِنْ وُجِدَ الْفَقِيرُ ضَمَّنَهُ مَا زَادَ عَلَى التَّبِيعِ. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ بَيْتُ مَالِ الْفُقَرَاءِ كَالْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَضَمَانُهُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ السَّاعِي تَعَمَّدَ الْأَخْذَ فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، هَذَا، وَلَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَدْرُ أَرْبَعٍ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةً وَيُرَدَّ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْجِيلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْكُلُّ زَكَاةً لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَجَّلَ يُجْعَلُ زَكَاةً مَقْصُودًا عَلَى الْحَالِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ فَسَيَأْتِي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ السَّاعِي) أَيْ حَتَّى يُجْعَلَ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قَدْرَ الْوَاجِبِ إلَخْ) كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْخِيَارُ إلَى الْمُصَدِّقِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بَعْضَ الْعَيْنِ نَحْوُ مَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ حَقَّةً فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْجَذَعَةِ فَلَهُ حَقُّ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ. اهـ كَاكِيٌّ. (فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْعَ الْكَلْبِ عَنْ الشَّاةِ، وَقَصَدَ بِهِ الشُّنْعَةَ، وَهَذَا يَكُونُ شَنِيعًا فَإِنَّ أَهْلَ الصَّيْدِ، وَأَصْحَابَ الْمَاشِيَةِ يَبْذُلُونَ الشَّاةَ وَالْأَمْوَالَ النَّفِيسَةَ لِتَحْصِيلِ الْكَلْبِ السَّلُوقِيِّ لِلصَّيْدِ وَكَلْبِ الْحِرَاسَةِ لِلْمَاشِيَةِ، وَهُوَ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَمَالِكٌ يُبِيحُ أَكْلَهُ، وَالسَّاعِي إذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ الصَّدَقَاتُ مِنْ الْغَنَمِ يَحْتَاجُ إلَى حِرَاسَتِهَا مِنْ الذِّئْبِ بِذَلِكَ فَلَا شُنْعَةَ فِي أَخْذِهِ لِحِفْظِ مَا عِنْدَهُ مِنْ السَّائِمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ) فَهُوَ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْضَ الْعَيْنِ إلَخْ) نَحْوُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بِنْتَ لَبُونٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ حِقَّةٍ عَنْهُ أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ حِقَّةً فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ جَذَعَةٍ فَلَهُ حَقُّ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ) أَيْ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِعِدْلِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ إلَخْ) هَذَا نَصٌّ عَلَى وُجُوبِ دَفْعِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْإِبِلِ إلَّا بِالْقِيمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ الْيَمَنِ إلَخْ) فِي خُطْبَةٍ بِالْيَمَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ) أَيْ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الزَّكَاةِ وَيَجْعَلُهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَلِهَذَا الْمَذْهَبِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لِكَثْرَةِ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: خَمِيصٍ) وَقَعَ بِالصَّادِ وَالصَّوَابُ بِالسِّينِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَأَهْلُ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةٍ الْفَقِيرِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَيِّ مَالٍ كَانَ وَالتَّقْيِيدُ بِالشَّاةِ وَنَحْوِهَا لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِلتَّعْيِينِ كَالْجِزْيَةِ بِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا الْإِرَاقَةُ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، وَهَذَا مَعْقُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ عِنْدَهُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، وَلَوْ كَانَ تَعَبُّدًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُؤْخَذُ الْوَسَطُ) أَيْ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ وَسَطُ سِنٍّ وَجَبَ حَتَّى لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ مَثَلًا لَا يُؤْخَذُ خِيَارُ بِنْتِ لَبُونٍ مِنْ مَالِهِ، وَلَا أَرْدَأُ بِنْتِ لَبُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِنْتُ لَبُونٍ وَسَطٌ، وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْإِسْنَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَمَ الشِّيَاهَ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ جِيَادٌ وَثُلُثٌ أَوْسَاطٌ وَثُلُثٌ شِرَارٌ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ «لَا تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الْمَخَاضَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِنْسِ نِصَابٍ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَى ذَلِكَ النِّصَابِ وَزَكَّاهُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُضَمُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَكَذَا فِي حَقِّ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَثَمَنِ السَّوَائِمِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ السَّائِمَةَ بَعْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللُّغَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْخَمِيسُ وَالْخَمُوسُ ثَوْبٌ طُولُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ كِسَاءٌ قَيْسُهُ خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ إنَّمَا قِيلَ لَهُ خَمِيسٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَ بِعَمَلِهِ مِلْكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ خَمِيسٌ فَنُسِبَ إلَيْهِ وَاللَّبِيسُ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ، وَقِيلَ الْمَلْبُوسُ الْخَلَقُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِيهِ خَمِيسٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ قَالَ النَّوَوِيُّ إذَا كَانَ تَعْلِيقُهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَمْ يَخْفَ فِعْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى الصَّحَابَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْفَ فِعْلُهُ أَيْ مُعَاذٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ بِأَخْذِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَنَحْوِهَا وَبِأَخْذِ شَاةٍ عَنْ الْإِبِلِ وَفِي الْغَنَمِ وَبِأَخْذِ تَبِيعٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ الْمَوَاشِي لَا يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِمْ إلَّا مِنْهَا لَا أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِمْ، وَقَدْ جَوَّزَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَخْذَ بَعِيرٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَأَخْذَ تَبِيعَيْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ مَكَانَ الْمُسِنَّةِ وَأَخْذَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَنْ الْحِقَّةِ، وَالْجَذَعَةِ عَنْ الْحِقَّةِ وَالْحِقَّتَيْنِ عَنْ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْنَى فَهَذَا هُوَ عَيْنُ أَخْذِ الْقِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْجِزْيَةِ) فَإِنَّهُ إنْ أَدَّى الثِّيَابَ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ جَازَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كِفَايَةً لِلْمُقَاتِلَةِ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِكِفَايَتِهِمْ فَتَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ. اهـ كَافِي. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ» إلَخْ) الَّذِي فِي الْغَايَةِ إيَّاكَ بِالْإِفْرَادِ. اهـ. لَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ إيَّاكُمْ وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ إيَّاكَ وَالْخِطَابُ لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. اق، وَفِي مُسْلِمٍ «فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ». اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ) ذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي الْمُنْتَقَى الْوَسَطُ أَعْلَى الْأَدْوَنِ، وَأَدْوَنَ الْأَعْلَى، وَقِيلَ إذَا كَانَ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْنِ، وَعِشْرُونَ مِنْ الْمَعْزِ يَأْخُذُ الْأَوْسَطَ، وَمَعْرِفَتُهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ فَيَأْخُذُ شَاةً تُسَاوِي نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَثَلًا الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَالْوَسَطُ مِنْ الضَّأْنِ عِشْرِينَ فَيُؤْخَذُ شَاةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: «لَا تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ» إلَخْ) وَالْأَكُولَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الشَّاةُ السَّمِينَةُ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْأَكْلِ وَالرُّبَّى بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ مَقْصُورَةً هِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا قَالُوا وَجَمْعُهَا رُبَابٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفِي الْمُغْرِبِ الرُّبَّى الْحَدِيثَةُ النِّتَاجِ مِنْ الشَّاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الَّتِي مَعَهَا، وَلَدُهَا وَالْجَمْعُ رُبَابٌ بِالضَّمِّ وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ الَّتِي حَانَ وِلَادَتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ خَلِفَةٌ وَالْمَخَاضُ الطَّلْقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23]، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمَخَاضُ وَهُوَ وَجَعُ الْوِلَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ إلَخْ)، وَفِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ اسْتَفَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَفِي الْيَنَابِيعِ الْمَسْأَلَةُ ذَاتُ صُوَرٍ مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ نَاقَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ قُرْبِ الْحَوْلِ إحْدَى عَشَرَةَ مِنْهَا ثُمَّ تَمَّ حَوْلُ الْأُمَّاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ بَقَرَةً فَوَلَدَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَتَمَّ حَوْلُهَا تَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَمِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْأُمَّاتِ يَجِبُ فِيهَا شَاتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ عِنْدَنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إذَا كَانَ نِصَابٌ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَمَلَكَ نِصَابًا آخَرَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهَا ثُمَّ حَالَ حَوْلُ النِّصَابِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ زَكَاةُ النِّصَابَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ لَا تُضَمُّ إلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، وَكَذَا لَا تُضَمُّ السَّائِمَةُ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَا يُضَمَّانِ إلَى السَّائِمَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَثَمَنِ السَّوَائِمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ فَأَدَّى زَكَاتَهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِأَلْفٍ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْأَلْفِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ لَا يُضَمُّ الثَّمَنُ إلَى الْأَلْفِ الَّذِي تَمَّ حَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ وَنَوَى التِّجَارَةَ فِيهِ لَا يُضَمُّ الْعَبْدُ، وَلَا ثَمَنُهُ، وَلَوْ نَوَى الْخِدْمَةَ فِي الْعَبْدِ ثُمَّ بَاعَهُ يُضَمُّ الثَّمَنُ إلَى الْأَلْفِ هَكَذَا فِي التَّحْرِيرِ، وَفِي الْوَجِيزِ لَوْ نَوَى فِي الْعَبْدِ الْخِدْمَةَ ثُمَّ بَاعَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَجْهُ الضَّمِّ أَنَّ بِنِيَّةِ الْخِدْمَةِ فِيهِ صَارَ بِحَالٍ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَطُّ، وَكَأَنَّهُ مَالٌ آخَرُ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، وَلَا زَكَاةُ أَصْلِهِ، وَلَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ بَاعَهُ يَضُمُّ ثَمَنَهُ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهَا عَلُوفَةً أَوْ أَسَامَهَا يَضُمُّ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ أَصْلٍ، وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ، وَإِبِلٌ فَبَاعَ الْغَنَمَ بِإِبِلٍ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْإِبِلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لَا يَضُمُّ الْإِبِلَ الَّتِي كَانَتْ هِيَ ثَمَنَ الْغَنَمِ

مَا أَدَّى زَكَاتَهَا حَيْثُ لَا يَضُمُّ ثَمَنَهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْأَرْبَاحِ وَالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ بِأَصْلٍ فَكَذَا فِي شَرَائِطِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تُؤَدُّونَ فِيهِ زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَجِيءَ رَأْسُ الشَّهْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْحَادِثِ عِنْدَ مَجِيءِ رَأْسِ السَّنَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ ضَمُّهُ فِي حَقِّ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً مَثَلًا فَاسْتَفَادَ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَضُمُّ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمُسِنَّةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحَوْلِ؛ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمُجَانَسَةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضُمُّ الْجِنْسَ إلَى الْجِنْسِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ بِعِلَّةِ الْمُجَانَسَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ رِبْحًا، وَلَا وَلَدًا فَكَذَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَتَعَسَّرُ تَمْيِيزُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْغَلَّةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَغِلُّونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُحْرَجُونَ بِهِ حَرَجًا عَظِيمًا، وَمَا شُرِطَ الْحَوْلُ إلَّا لِلتَّيْسِيرِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ. وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَئِنْ ثَبَتَ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ إمَّا أَصَالَةً أَوْ تَبَعًا كَمَا قَالَ هُوَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي فِي السِّمَنِ بِخِلَافِ ثَمَنِ السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضُمَّ يُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ أَخَذَ الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ وَالزَّكَاةَ بُغَاةٌ لَمْ تُؤْخَذْ أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ إنْ كُنْت لَا تَحْمِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْإِبِلِ الْأُولَى عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ فَهِيَ كَالدَّرَاهِمِ فِي الْخِلَافِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ عِلَّةَ الضَّمِّ الْجِنْسِيَّةُ عِنْدَنَا، وَقَدْ وُجِدَتْ فَيَثْبُتُ الْمَعْلُولُ، وَهُوَ الضَّمُّ عَمَلًا بِالْعِلَّةِ كَمَا إذَا جَعَلَهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا وَصَارَ كَثَمَنِ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ وَثَمَنِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ بَعْدَ أَدَاءِ عُشْرِهَا وَثَمَنِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ بَعْدَ أَدَاءِ خَرَاجِهَا وَثَمَنِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَدَاءِ فِطْرَتِهِ، وَلَهُ أَنَّ ثَمَنَهَا قَامَ مَقَامَ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهَا، وَقَدْ أَدَّى زَكَاتَهَا فِي الْحَوْلِ فَلَوْ ضَمَّهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ النِّصَابِ، وَأَدَّى زَكَاتَهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا زَكَاةَ مَالٍ وَاحِدٍ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ثَنْيَ فِي الصَّدَقَةِ» بِخِلَافِ ثَمَنِ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ حَقِيقَةً لَا الْخَرَاجُ فَاخْتَلَفَ السَّبَبُ وَبِخِلَافِ ثَمَنِ الْأَرْضِ الَّتِي أُخِذَ عُشْرُ الْخَرَاجِ مِنْهَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ الْمَالُ لَا الْأَرْضُ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ حُكْمًا وَبِخِلَافِ ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي أُدِّيَتْ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ ذِمَّةُ الْمَوْلَى لَا الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا تَسْقُطُ فَاخْتَلَفَ السَّبَبُ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْمَالِيَّةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَنْ الْإِجْزَاءِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ، وَمَنْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَالضَّمُّ لَا يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ؛ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يُفَارِقُ الزَّكَاةَ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْمِلْكُ وَلَا الْمَالِكُ حَتَّى وَجَبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضٍ وَالْمُكَاتَبِ مَعَ انْتِفَاءِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَانْتِفَاءِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. قُلْت فِي ضَمِّ ثَمَنِ الْعَبْدِ بَعْدَ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُوجِبُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ، وَعَلَّلُوا بِالثَّنْيِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ لَا يُبَالَى بِالثَّنْيِ كَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ فَالْحَاصِلُ إنْ نَظَرْنَا إلَى اخْتِلَافِ السَّبَبِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِمْ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَإِنْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُمَّ ثَمَنَهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفِطْرَةِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الضَّمَّ فِي الْبَدَلِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ فَهُوَ أَنْزَلُ دَرَجَةً، وَالْعَيْنُ مُتَّحِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ فَكَانَ كَالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخْتَلِفٌ مَعَ اخْتِلَافِ سَبَبِ وُجُوبِهَا. اهـ. قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابَانِ نَقْدَانِ فَمَا لَمْ يُؤَدِّ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الثَّنَى كَثَمَنِ إبِلٍ أُدِّيَ زَكَاتُهَا وَنِصَابٌ آخَرُ ثُمَّ وُهِبَ لَهُ أَلْفٌ ضُمَّتْ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا مِنْ حِينِ الْهِبَةِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ رَبِحَ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَلَدَ أَحَدُهُمَا ضُمَّ إلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالذَّاتِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْحَالِ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ عِلَّةُ الضَّمِّ عِنْدَكُمْ الْجِنْسِيَّةُ دُونَ التَّوَالُدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِيهَا الْقُرْبُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفُقَرَاءِ كَمَا قُلْتُمْ فِي غَيْرِهَا قَدْ بَيَّنَّا قُوَّةَ الِاتِّصَالِ فِيهَا وَالْجِنْسِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا أَيْضًا فَالتَّوَالُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً صَلُحَ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْمَالَيْنِ لَوْ كَانَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَهُمَا؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ نِصْفِ الْجَارِيَةِ فِي نِصْفِ السَّنَةِ وَالنِّصْفِ الْآخَرِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا مُحَالٌ فَإِذَا ثَبَتَ بَعْدَ هَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ثَبَتَ فِي الْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً، وَالضَّمُّ مُسْتَحِقٌّ فِيهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالِانْفِصَالِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُضَمُّ ثَمَنُهَا إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ بِمَعْنَاهُ وَقِيلَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَأَسْنَدَ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الدِّرَايَةِ إلَى التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا لَكِنَّهُ ذَكَرَ بَدَلَ قَوْلِهِ «رَأْسَ الشَّهْرِ» «رَأْسَ السَّنَةِ»، وَمَا فِي الشَّرْح مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى مَا فِي الْكِتَابَيْنِ وَاحِدٌ فَاعْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً مَثَلًا فَاسْتَفَادَ عَشَرَةً) أَيْ بِالْوِلَادَةِ أَوْ الرِّبْحِ حَتَّى تَصِيرَ الْمَسْأَلَةُ اتِّفَاقِيَّةً بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا) كَذَا فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَكَتَبَ تَحْتَ ذَلِكَ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْأَرْبَاحِ وَالْأَوْلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَقَوْلُهُ «لَا ثِنًى فِي الصَّدَقَةِ» مَكْسُورَةٌ مَقْصُورٌ أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ وَالزَّكَاةَ بُغَاةٌ إلَخْ) الْبُغَاةُ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ بِحَيْثُ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْعَادِلِ وَمَالَهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَدَانُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا مَنْ أَذْنَبَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ وَحَلَّ قَتْلُهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: 23]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْجِبَايَةُ إلَخْ) الْجِبَايَةُ هِيَ الْأَخْذُ، وَالْجَمْعُ مِنْ جَبَى الْخَرَاجَ جِبَايَةً جَمَعَهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالْحِمَايَةِ) أَيْ بِالْحِفْظِ. اهـ. كَاكِيٌّ

فَلَا تَجْبِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرَّ هُوَ بِهِمْ فَعَشَّرُوهُ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا إذَا مَرَّ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ عَلَيْهِمْ لَا مِنْ الْإِمَامِ، وَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ وَاشْتِرَاطُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ سِنِينَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ ثَانِيًا نُفْتِيهِمْ بِأَنْ يُعِيدُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا ظَاهِرًا، وَقِيلَ لَا نُفْتِيهِمْ بِإِعَادَةِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَهُ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ أَجْزَأَتْهُ الصَّدَقَاتُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ حُوسِبُوا بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبَعَاتِ يَكُونُونَ فُقَرَاءَ، وَأَمَّا مُلُوكُ زَمَانِنَا فَهَلْ تَسْقُطُ هَذِهِ الْحُقُوقُ بِأَخْذِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَسْقُطُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعُوهَا فِي أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُمْ فَكَانَ الْوَبَالُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَسْقُطُ الْخَرَاجُ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّدَقَاتُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُغَاةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: لَا يَسْقُطُ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ يَسْقُطُ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُغَاةِ، وَعَلَى هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ فِي جِبَايَاتِ الظَّلَمَةِ وَالْمُصَادَرَاتِ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ جَازَ عَمَّا نَوَى. وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَقَامَ فِيهَا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ لِعَدَمِ الْحِمَايَةِ وَنُفْتِيهِ بِأَدَائِهَا إنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِهَا، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَهُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ أَوْ لِنُصُبٍ صَحَّ)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي بِكَوْنِهِ حَوْلِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ خَرَاجَ رُءُوسِهِمْ لَمْ يُؤَاخِذْهُمْ الْإِمَامُ بِمَا مَضَى لِعَجْزِهِ عَنْ حِمَايَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً) أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ. اهـ. فَتْحٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ) أَيْ الْمَظَالِمِ جَمْعُ تَبِعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَسْقُطُ) أَيْ إذَا نَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ مِنْ الصَّدَقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ، وَنَسَبَ مَا قَالَهُ لِلْإِسْكَافِ عَكْسُ مَا ذُكِرَ هُنَا. اهـ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَخْذُ الصَّدَقَةِ جَائِزٌ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَالِي خُرَاسَانَ وَحُكِيَ أَنَّ أَمِيرَ بَلْخٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ يَمِينَهُ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي مَا عَلَيْك مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَالِكَ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. اهـ. غَايَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ جَازَ عَمَّا نَوَى) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَافِي قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ هَذَا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَمَّا لَوْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ فَنَوَى هُوَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ وِلَايَةُ أَخْذِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَصِلْ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ظَاهِرًا وَلَا إلَى نَائِبِهِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْبَاغِي أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَصْرِفَهُ إلَى الشَّهَوَاتِ، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ظَاهِرًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَجَّلَ ذُو نَصَّابٍ) تَنْصِيصٌ عَلَى شَرْطِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ مَلَكَ أَقَلَّ فَعَجَّلَ خَمْسَةً عَنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ جَازَ مَا عَجَّلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تَبْقَ الدَّرَاهِمُ، وَأَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَحَالَ الْحَوْلُ، وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّهُ إنْ كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَقَعَتْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ أَخَذَهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ، وَهُوَ فِي فَصْلِ السَّاعِي خِلَافُ الصَّحِيحِ بَلْ الصَّحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي وُقُوعُهَا زَكَاةً فَلَا يَسْتَرِدُّهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ إلَّا يَوْمًا فَعَجَّلَ مِنْ زَكَاتِهَا ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَا بَقِيَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَدَّقَ بِشَاةٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَتَمَّ الْحَوْلُ لَا تَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ أَمَّا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ إلَى الْمُصَدِّقِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَالشَّاةُ فِي يَدِ الْمُصَدِّقِ جَازَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمُصَدِّقِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَبَسْطُهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ إذَا عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ فَأَمَّا إنْ حَالَ الْحَوْلُ، وَعِنْدَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ أَوْ اسْتَفَادَ خَمْسَةً أُخْرَى فَحَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ أَوْ اُنْتُقِصَ مِنْ الْبَاقِي دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ. (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ). إذَا لَمْ تَزِدْ، وَلَمْ تَنْقُصْ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ وَيَأْخُذَ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّاعِي؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ إلَى السَّاعِي، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَهِيَ فِي مَعْنَى الضِّمَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ يَدَ السَّاعِي فِي الْمَقْبُوضِ يَدُ الْمَالِكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَقِيَامُهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَجَّلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً فَتَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ فَاعْتَبَرْنَا أَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ احْتِيَاطًا؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الْوُجُوبِ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ. بَيَانُهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ الزَّكَاةَ بَقِيَتْ الْخَمْسَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِ إيجَابِ الزَّكَاةِ، وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ بَقِيَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَيَبْطُلُ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا زَكَاةً مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَمَا دَامَ احْتِمَالُ الْوُجُوبِ قَائِمًا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ كَمَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ فِي بَيْعٍ شَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِرْدَادُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ ضِمَارًا؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِفَرْضٍ لَيْسَ ضِمَارًا فَجَعَلَهَا ضِمَارًا فَيَبْطُلُ الْفَرْضِيَّةُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ السَّاعِي اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَنْفَقَهَا

فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَى الْحَوْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَى أَصْلِ النِّصَابِ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ إسْقَاطٌ لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَلَا إسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَصَارَ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ إلَّا لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ عَامَيْنِ»؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَالْمَالُ أَصْلٌ وَالنَّمَاءُ وَصْفٌ لَهُ فَجَازَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَفْسِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ وَجَبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ كَقِيَامِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي عِمَالَةً؛ لِأَنَّ الْعِمَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِلْوَاجِبِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ الْعِمَالَةِ، وَمَا قَبَضَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا يُقَالُ مَا فِي ذِمَّةِ السَّاعِي دَيْنٌ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ السَّاعِي أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى السَّاعِي فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ فَلَا يُفِيدُ الطَّلَبُ مِنْهُ ثُمَّ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ مَأْمُورٌ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَوْ صَرَفَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ يَصِيرُ مِلْكًا وَيَنْقُصُ بِهِ النِّصَابُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَهَا بَعْدَهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا كَمَا لَوْ ضَاعَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ نَفْسِهِ فَوَجَدَهَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِزَكَاةِ هَذِهِ السَّنَةَ، وَلَمْ تَصِرْ قُلْت لِأَنَّ بِالضَّيَاعِ صَارَ ضِمَارًا فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى دَفَعَهَا السَّاعِي لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ قَبْلَ هَذَا عِنْدَهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ، وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إذَا أَدَّى بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَا، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إنْ عَلِمَهُ. (الْفَصْلُ الثَّانِي). إذَا اسْتَفَادَ خَمْسَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ يَصِيرُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً فِي كُلِّ الْوُجُوهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هُنَا كَوْنُ الدَّيْنِ زَكَاةً عَنْ الْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ تِلْكَ الْخَمْسَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ السَّاعِي أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْكَسْرِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا ظَهَرَ خُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَهَذَا التَّعْجِيلُ إنَّمَا يَخُصُّهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَمَّا لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ فَجَعَلَهَا كُلَّهَا صَحَّ، وَلَا يَسْتَرِدُّهَا قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا فِي غَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا زَكَاةً بِأَنْ يَسْتَفِيدَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ فَلَوْ اسْتَفَادَهَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ هَذِهِ الْمِائَتَيْنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ. (الْفَصْلُ الثَّالِثُ). إذَا انْتَقَصَ عَمَّا فِي يَدِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيَسْتَرِدُّ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَكَلَهَا قَرْضًا أَوْ بِجِهَةِ الْعِمَالَةِ ضَمِنَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ نَفْسِهِ، وَهُوَ فَقِيرٌ لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمْنَا إلَّا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِالنُّقْصَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ، وَلَوْ كَانَ نَهَاهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ. (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ السَّاعِيَ إذَا أَخَذَ الْخَمْسَةَ عِمَالَةً ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ فِي يَدِ الْمَالِكِ تَقَعُ الْخَمْسَةُ زَكَاةً بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِسَبَبِ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ لَا عِمَالَةَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ ذَكَرَ فِي مِثْلِهِ مِنْ السَّائِمَةِ خِلَافَهُ بَعْدَ قَرِيبٍ، وَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَتَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَمَّ الْحَوْلُ، وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا تَقَعُ تَطَوُّعًا، وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ بَاعَهَا السَّاعِي لِلْفُقَرَاءِ إنْ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ نِصَابَ السَّائِمَةِ نَقَصَ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَا يَكْمُلُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي صَارَتْ زَكَاةً كَمَا قَدَّمْنَا؛ لِأَنَّ قِيَامَهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَ السَّاعِي أَخَذَهَا مِنْ عِمَالَتِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ عِمَالَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَالْمُعَجَّلُ قَائِمٌ فِي يَدِ السَّاعِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَيَسْتَرِدُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ الْعِمَالَةِ زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ. فَإِنْ كَانَ السَّاعِي بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَإِنْ قُلْت لِمَ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ، وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا، وَمَهْمَا تَصَدَّقَ السَّاعِي مِمَّا عَجَّلَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ سَائِمَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بَلْ إمَّا أَنْ تَقَعَ نَفْلًا إنْ لَمْ يَكْمُلْ أَوْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ عَنْ نُصُبٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا أَوْ فَرْضًا أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ اُنْتُقِصَ النِّصَابُ ضَمِنَ عَلِمَ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ عَلِمَ بِالِانْتِقَاصِ فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَقَبْلَهُ لَا. انْتَهَى. فَتْحُ الْقَدِيرِ. مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُفِيدِ عَجَّلَ زَكَاتَهُ إلَى فَقِيرٍ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَمَاتَ الْفَقِيرُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَيْسَرَ تَقَعُ زَكَاةً عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا، وَقَعَتْ قُرْبَةً فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُفِيدِ وَالتَّحْرِيرِ وَزِيَادَاتِ الصَّابِيِّ الزَّكَاةُ تَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ قُلْت: إذَا كُنَّا جَعَلْنَا الْحَوْلَ كَالشَّرْطِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْنِدَ الْوُجُوبَ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَقْتَصِرُ بِلَا خِلَافٍ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي وَالْحَوْلُ أُقِيمَ مَقَامَ النَّمَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْغَالِبُ فِيهَا تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ وَيُقَوِّي هَذَا مَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي زِيَادَاتِهِ إنَّ الْمُعَجَّلَ يَقَعُ زَكَاةً مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ إذَا اسْتَفَادَ مِمَّا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الْمُعَجَّلَ فِي يَدِ السَّاعِي فِي الْقِيَاسِ يُسْتَشْهَدُ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى آخَرِ الْحَوْلِ. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ذُو نِصَابٍ مَا نَصُّهُ لِسِنِينَ، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ فَعَجَّلَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ) بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ هُوَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ حَوْلَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ) أَيْ النِّصَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ» إلَخْ)، وَهُوَ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ». اهـ. كَاكِيٌّ، وَقَالَ

[باب زكاة المال]

وُجُودِ أَصْلِهِ كَالتَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ السِّرَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يُوجَدْ ثُمَّ الْمُقَدَّمُ يَقَعُ زَكَاةً إذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِ السَّاعِي يَسْتَرِدُّهَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ حَتَّى يُكْمِلَ النِّصَابَ بِمَا فِي يَدِهِ وَيَدُ الْفَقِيرِ أَيْضًا حَتَّى تَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ فَيَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَا يَضْمَنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ لِنُصُبٍ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَيُقَدِّمُ لِنُصُبٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَوْلَهَا قَدْ انْعَقَدَ وَلِهَذَا يُضَمُّ إلَى النِّصَابِ فَيُزَكَّى بِحَوْلِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ كُلُّ نِصَابٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ وَنَحْنُ نَقُولُ النِّصَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا بَعْدَهُ تَابِعٌ لَهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الضَّمِّ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ). أَرَادَ بِالْمَالِ غَيْرَ السَّوَائِمِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ السَّائِمَةِ لِأَنَّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِرُبُعِ الْعُشْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا رُبُعُ الْعُشْرِ) أَيْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصْفُ دِينَارٍ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرَّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ كَانَتْ فِي أَيَّامِهِمْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي أَقَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْغَايَةِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ (قَوْلُهُ: فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا إلَخْ) وَلِذَا إنْ بَاعَهُ السَّاعِي لِنَفْسِهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى الْفَقِيرِ يَقَعُ نَفْلًا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَالزِّيَادَاتِ، وَفِيهِ لَوْ بَاعَهُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ النِّصَابُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ) أَيْ فِي السَّبَبِيَّةِ. اهـ. (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا وَقْتَ التَّعْجِيلِ ثُمَّ هَلَكَ جَمِيعُ الْمَالِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْمَالِ حَبَّةٌ مَثَلًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَاتَمٌ، وَلَا سِكِّينٌ مُفَضَّضٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَا شَيْءَ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ بَطَلَ الْحَوْلُ فَصَارَ مَا عَجَّلَ تَطَوُّعًا ثُمَّ اسْتَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ الْمَالِ نِصَابًا كَامِلًا فَحَالَ الْحَوْلُ وَوَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ فَمَا عَجَّلَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْءٌ يَسِيرٌ ثُمَّ اسْتَفَادَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ نِصَابًا كَامِلًا فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ صَحَّ التَّعْجِيلُ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ زَكَاةُ السَّنَةِ. اهـ. طَحَاوِيٌّ. (فَرْعٌ آخَرُ) لَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ الْمُعَجَّلَ إلَى فَقِيرٍ فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَسْتَرِدُّهُ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كَانَ غِنَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ لَنَا الصَّدَقَةُ لَاقَتْ كَفَّ الْفَقِيرِ فَلَا يُعْتَبَرُ غِنَاهُ الْحَادِثُ كَمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَدَثَ ذَلِكَ. اهـ. بَدَائِعُ. [بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ] (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ) (قَوْلُهُ أَرَادَ بِالْمَالِ غَيْرَ السَّوَائِمِ) أَيْ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَيِّنٌ فِيمَا مَضَى. اهـ. ع (قَوْلُهُ يَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْقِيمَةُ بَلْ الْوَزْنُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَقْطَعِ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالذَّهَبُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَكَانَ الدِّينَارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَوَّمًا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مَصْكُوكَةً أَوْ لَا وَكَذَا عَشَرَةُ الْمَهْرِ وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مَصْكُوكًا مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ لُزُومَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقَوُّمِ وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَوَّمَ بِالْمَصْكُوكِ وَكَذَا نِصَابُ السَّرِقَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ حَبَّةٌ فِي مِيزَانٍ وَكَانَتْ تَامَّةً فِي مِيزَانٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِلشَّكِّ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ لَا تَجِبُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ تَجِبُ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبَالَغَ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَوْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ تَجِبُ وَعَنْهُ لَا تَمْنَعُ الْحَبَّةُ وَالْحَبَّتَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَعَنْهُ قِيرَاطَانِ وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَمُلَتْ الْمِائَتَانِ فِي الْعَدَدِ وَنَقَصَتْ فِي الْوَزْنِ لَا تَجِبُ وَإِنْ قَلَّ النَّقْصُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي الرِّقَةِ) الرِّقَةُ: بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُغْرِبِ الْفِضَّةُ تَتَنَاوَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ وَالرِّقَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَضْرُوبِ وَأَصْلُهَا وَرِقٌ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْهُمْ أَنَّ الرِّقَةَ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ قُلْت قَدْ ذَكَرَ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْوَرِقَ اسْمٌ لَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَهُوَ أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسٍ ذُو صَدَقَةٍ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ «لَيْسَ دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ» الْحَدِيثُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُ أَوَاقٍ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ وَمِنْ الرُّوَاة مَنْ يَمُدَّ هَمْزَةَ الْجَمْعِ فَيَقُولُ آوَاقٍ وَهُوَ خَطَأٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأُوقِيَّةُ كَانَتْ إلَخْ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَجَمْعُهَا أَوَاقِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَأَنْكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنْ يُقَالَ وَقِيَّةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَحَكَى اللَّحْيَانِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ وُقِيَّةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى وَقَايَا كَرَكِيَّةٍ وَرَكَايَا. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْأُوقِيَّةُ أَفَعُولَةٌ فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ زَائِدَةً وَهِيَ مِنْ الْوِقَايَةِ لِأَنَّهَا تَقِي صَاحِبَهَا الْحَاجَةَ وَقِيلَ هِيَ فِعْلِيَّةٌ فَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ الْأَوْقِ وَهُوَ الثِّقَلُ

مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا صَدَقَةٌ وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» وَلِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ وَلَيْسَ بِنَامٍ اهـ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مُسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْهُمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ». قَالَ النَّوَوِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْت صَنَعْتهنَّ أَتَزَيَّنُ لَك بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْت لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّي زَكَاتَهُ فَزَكِّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةَ يَتَنَاوَلُ الْحُلِيَّ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالرَّأْيِ وَكَذَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَتَنَاوَلُهُمَا وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ وَلَيْسَ بِنَامٍ لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا حَقِيقَةُ النَّمَاءِ وَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُمَا بِالِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مُعَدَّيْنِ لِلنَّفَقَةِ أَوْ كَانَا حُلِيَّ الرَّجُلِ أَوْ حُلِيَّ الْمَرْأَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ لَمَا وَجَبَتْ وَلِأَنَّهُمَا خُلِقَا أَثْمَانًا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ وَلَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ مِنْ اللَّآلِئِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفُصُوصِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِلِابْتِذَالِ فَلَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) أَيْ فِي كُلِّ خُمُسٍ نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْوَرِقِ فَيَجِبُ فِيهِ دِرْهَمٌ وَمِنْ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَيَجِبُ فِيهَا قِيرَاطَانِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَا مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَكَانَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي الرَّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَاشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِتَحَقُّقِ الْغِنَى وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَلْزَمُ التَّشْقِيصُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ «إذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةٌ وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَذْكُرْ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ إلَّا الْأَوَّلَ قَالَ وَهَمْزَتُهَا زَائِدَةٌ وَيُشَدَّدُ الْجَمْعُ وَيُخَفَّفُ مِثْلُ أَثَفْيَةً وَأَثَافِيُّ وَأَثَافٍ وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ وَقِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَلَهُ تَخْفِيفَانِ فَتْحُ الْوَاوِ وَكَسْرُهَا مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ قِيَاسٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ وَقِيلَ لِلدَّرَاهِمِ خَاصَّةً اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَهُوَ اسْمٌ لِلْفِضَّةِ أَيْ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ») ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسْكَتَانِ) أَيْ سِوَارَانِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ تِبْرًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التِّبْرُ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حُلِيًّا) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا أَوْ لَا حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَضُمَّ الْخَاتَمَ مِنْ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَكُلُّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٌ) وَالْفَتَخَاتُ الْخَوَاتِمُ الْكِبَارُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ) وَفِي الصِّحَاحِ حُلِيٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد) أَيْ بِاللَّفْظِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فَبِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَفْظُهُ «إذَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ». اهـ. (قَوْلُهُ تَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْهُمَا بِمَا لَمْ يَثْبُتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إلَخْ) إنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ) أَيْ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي كُلِّ خُمُسٍ بِحِسَابِهِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَضَى عَلَيْهَا عَامَانِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَثُمُنٌ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِائَتَانِ إلَّا ثُمُنُ دِرْهَمٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعِنْدَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْكُسُورِ فَيَبْقَى السَّالِمُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةٌ أُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَيْ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَوَاهُ عَنْهُمَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ التَّشْقِيصُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ إلَّا أَنَّا فِي السَّوَائِمِ اعْتَبَرْنَا النِّصَابَ بَعْدَ النِّصَابِ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ التَّشْقِيصِ لِمَا يَدْخُلُ مِنْ إيجَابِهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي إيجَابِ الْكُسُورِ ذَلِكَ) بَيَانُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي حَبَّةٍ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَبَّةٍ وَهَذَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْبَقَرِ عِنْدَهُ لِسُهُولَةِ حِسَابِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمَا خَمْسَةٌ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ

وَقَوْلُ عَلِيٍّ لَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَكَذَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالرَّقَّةِ النِّصَابَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَبَرُ وَزْنُهُمَا أَدَاءً وَوُجُوبًا) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدَّى قَدْرَ الْوَاجِبِ وَزْنًا وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَكَذَا فِي حَقِّ الْوُجُوبِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ وَزْنُهُمَا نِصَابًا وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي الْأَدَاءِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ جِيَادٌ جَازَ عِنْدَهُمَا وَيُكْرَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ لِأَنَّ زُفَرَ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْأَنْفَعَ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْوَزْنَ وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ إنْ أَدَّى مِنْ الْعَيْنِ يُؤَدِّي رُبُعَ عُشْرِهِ وَهُوَ خَمْسَةٌ قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَإِنْ أَدَّى خَمْسَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ جَازَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِزُفَرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَالِيَّةِ كَمَا إذَا أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا رِبًا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ وَكَذَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنَّهُ احْتَاطَ لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ فَاعْتَبَرَ الْأَنْفَعَ وَهُمَا يَقُولَانِ الْجَوْدَةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا وَقَوْلُهُ لَا رِبًا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ قُلْنَا عَامَلَنَا اللَّهُ مُعَامَلَةَ الْمُكَاتَبِينَ حَتَّى اسْتَقْرَضَ مِنَّا بَلْ مُعَامَلَةَ الْأَحْرَارِ حَتَّى أَجَازَ تَصَرُّفَاتِنَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُقَالُ فِيهِ تَضْيِيعُ الْجَوْدَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا بَاعَا الْمَصُوغَ بِوَزْنِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَكَالْمَرِيضِ إذَا أَوْصَى بِمَصُوغٍ وَزْنُهُ قَدْرُ ثُلُثِ مَالِهِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ تَصَرُّفُهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ وَالْمَرِيضُ مَحْجُورٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ تَضْيِيعُ الْجَوْدَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ لَا يَجِبُ فِيهَا لِمَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا الذَّهَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) أَيْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَالْمِثْقَالُ وَهُوَ الدِّينَارُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَبَعْضُهَا كَانَ عِشْرِينَ قِيرَاطًا مِثْلُ الدِّينَارِ وَبَعْضُهَا كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّينَارِ وَبَعْضُهَا عَشَرَةُ قَرَارِيطَ نِصْفُ الدِّينَارِ فَالْأَوَّلُ وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ الْعَشَرَةِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَوَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَأَخَذَ عُمَرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مُتَسَاوِيَةً فَخَرَجَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَبَقِيَ الْعَمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدِرْهَمٍ وَزَكَاةُ ثَلَاثَةِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ وَلِأَنَّهُ أَوَفْقُ لِقَيْدِ الزَّكَوَاتِ لِأَنَّهَا تَدُورُ بِعَفْوٍ وَنِصَابٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَدَّى شَاةً سَمِينَةً عَنْ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ تُعَدُّ قِيمَتُهَا بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ جَازَ لِأَنَّ الْحَيَوَانُ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا وَالْجَوْدَةُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا مُتَقَوِّمَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ بِشَاتَيْنِ فَبِقَدْرِ الْوَسَطِ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَبِقَدْرِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عَنْ شَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنْ أَدَّى مِنْ النِّصَابِ رُبُعَ عُشْرِهِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ بِكَمَالِهِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ يُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ وَلَوْ أَدَّى مَكَانَ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّقْوِيمِ بِقَدْرِهِ وَعَلَيْهِ التَّكْمِيلُ لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ فَكَانَتْ الْجَوْدَةُ فِيهَا مُتَقَوِّمَةً وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى ثَوْبًا جَيِّدًا عَنْ ثَوْبَيْنِ رَدِيئِينَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيُرَاعَى فِيهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ حَتَّى إذَا أَدَّى أَنْقَصَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ) أَيْ بِأَنْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ أَيْ مَا يُسَاوِي سَبْعَةً وَنِصْفًا وَفِي الْقُدُورِيِّ إنْ زَكَّى مِنْ عَيْنِ الْإِبْرِيقِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ وَيَكُونُ الْفَقِيرُ شَرِيكُهُ فِيهِ بِرُبُعِ الْعُشْرِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهِ عَدَلَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ كَالْغَصْبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ مُعَامَلَةُ الْمُكَاتَبِينَ) أَيْ وَأَثْبَتَ لَنَا يَدًا وَالرِّبَا يَجْرِي بَيْنَ الْمَوْلَى وَمُكَاتَبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ مُعَامَلَةُ الْأَحْرَارِ) تَبِعَ الشَّارِحُ صَاحِبَ الْغَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهُ عَامَلَنَا مُعَامَلَةَ الْمُكَاتَبِينَ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَامَلَنَا مُعَامَلَةَ الْأَحْرَارِ حَتَّى صَحِيحُ اقْتِرَاضِنَا وَتَبَرُّعَاتِنَا وَإِعْتَاقِنَا وَالْمُكَاتَبُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَ الْأَوَّلِ فِيمَا عَلِمْت اهـ قَوْلُهُ وَإِعْتَاقُنَا أَيْ وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا الْحَجَّ وَالزَّكَاةَ وَأَثْبَتَ لَنَا شَهَادَةً وَجَوَّزَ لَنَا التَّزَوُّجَ بِالْأَرْبَعِ مِنْ النِّسَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ لَا يَجِبُ) أَيْ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا يُرَاعِي حَقَّ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَكَمَالَ النِّصَابِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الذَّهَبُ) قَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَلْيُرَاجَعْ أَوَّلَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرْجُ كُلِّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا إلَخْ) لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا وَثُلُثُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا إلَخْ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضُهَا اثْنَا عَشَرَ قِيرَاطًا وَبَعْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَبَعْضُهَا خَمْسَةً وَعِشْرُونَ وَكَانَ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ

عَلَيْهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الدِّيَاتِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَبَّةً وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ دِرْهَمِ الزَّكَاةِ فَالنِّصَابُ مِنْهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَحَبَّتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَالِبُ الْوَرِقِ وَرِقٌ لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةَ فَهُوَ فِضَّةٌ وَلَا يَكُونُ عَكْسُهُ فِضَّةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْغِشَّ وَإِنَّمَا هُوَ عُرُوضٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَجَعَلْنَا الْغَلَبَةَ فَاصِلَةً وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْفِضَّةَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْغِشَّ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِلتِّجَارَةِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ فِضَّتُهُ تَتَخَلَّصُ تُعْتَبَرُ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا وَحْدَهَا أَوْ بِالضَّمِّ إلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ عَيْنَ الْفِضَّةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَلَا الْقِيمَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ لَمْ تَتَخَلَّصْ مِنْهُ فِضَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفِضَّةَ قَدْ هَلَكَتْ فِيهِ إذْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا لَا حَالًا وَلَا مَآلًا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْغِشِّ وَهُوَ عُرُوضٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَصَارَتْ كَالثِّيَابِ الْمُمَوَّهَةِ بِمَاءِ الذَّهَبِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِضَّةِ الْمَغْلُوبَةِ وَبَيْنَ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ حَتَّى اعْتَبَرْتُمْ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ وَأَجْرَيْتُمْ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْهُ وَلَمْ تَعْتَبِرُوا الْغِشَّ الْمَغْلُوبَ بَلْ جَعَلْتُمْ كُلَّهُ فِضَّةً قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ قَائِمَةٌ فِي كَثِيرِ الْغِشِّ حَقِيقَةً حَالًا بِاللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَالًا وَلَا يَخْلُصُ مَآلًا بَلْ يَحْتَرِقُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْرَفُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ سَوَاءً ذَكَرَ أَبُو النَّصْرِ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الْغِطْرِيفِيَّةِ وَالْعَادِلِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَدَدًا لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهِمَا غَالِبٌ فَصَارَا فُلُوسًا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَا الْوَزْنِ وَالذَّهَبُ الْمَخْلُوطُ بِالْفِضَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ نِصَابَ الذَّهَبِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الذَّهَبِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْفِضَّةُ نِصَابَ الْفِضَّةِ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ الْفِضَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ غَالِبَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً فَهُوَ كُلُّهُ ذَهَبٌ لِأَنَّهُ أَعَزُّ وَأَغْلَى قِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ نِصَابَ وَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ) يَعْنِي فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ يَجِبُ رُبُعُ الْعُشْرِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ نِصَابًا وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْأَنْفَعُ أَيُّهُمَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا رُبُعُ الْعُشْرِ وَاعْتِبَارُ الْأَنْفَعِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَاهُ يَقُومُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا إنْ كَانَ يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَبْلُغَ بِالْآخَرِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُعَامَلَتِهِمْ فَشَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ خُذُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَأَخَذُوا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثَهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَجَعَلَهُ دِرْهَمًا فَجَاءَتْ الْعَشَرَةُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَذَلِكَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ اهـ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ (قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مِنْ دَرَاهِمَ مَصْرِفِيَّةٍ نَظَرٌ عَلَى مَا اعْتَبَرُوهُ فِي دِرْهَمِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ الشَّعِيرَ فَدِرْهَمُ الزَّكَاةِ سَبْعُونَ شَعِيرَةً إذْ كَانَ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ الْمِثْقَالُ مِائَةُ شَعِيرَةٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ إذَنْ أَصْغَرُ لَا أَكْبَرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَبَّةِ أَنَّهُ شَعِيرَتَانِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهَا فِي تَعْرِيفِ السَّجَاوَنْدِيِّ الطَّوِيلُ فَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ إذْ الْوَاقِعُ أَنَّ دِرْهَمَ مِصْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ شَعِيرَةً لِأَنَّ كُلَّ رُبُعٍ مِنْهُ مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعِ خَرَانِيبَ وَالْخُرْنُوبَةُ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِ قَمْحَاتٍ وَسَطٍ. اهـ. (قَوْله لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَخْلُو إلَخْ) لِأَجْلِ الِانْطِبَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْغِشُّ إلَخْ) لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهَا مَغْمُورٌ وَيُسْتَهْلَكُ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْجِيَادِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ قَالَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا كُلُّهَا الْفِضَّةُ وَمَا يَغْلِبُ فِضَّتُهُ عَلَى غِشِّهِ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ مُطْلَقًا وَالشَّرْعُ أَوْجَبَ بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشُّ وَالْفِضَّةُ فِيهَا مَغْلُوبَةٌ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ يُمْسِكُهَا لِلتِّجَارَةِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الَّتِي الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ بَدَائِعُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِجَةً وَلَا مُعَدَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً. اهـ. (قَوْلُهُ لَا حَالًا) أَيْ بِاللَّوْنِ (قَوْلُهُ وَلَا مَآلًا) أَيْ بِالْإِذَابَةِ اهـ (قَوْلُهُ ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ) أَيْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا هُوَ الْأَقْطَعُ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ فِيهَا دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ حَكَى لِي هَذَا مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ تَجِبُ فِي الْكُلِّ الزَّكَاةُ فَفِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَأَنَّهَا كُلُّهَا فِضَّةٌ أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَقَوْلُ النَّفْي مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ لِذَلِكَ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَخْلُصَ وَعِنْدَهُ مَا يَضُمُّهُ إلَيْهِ فَيَخُصُّهُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَانِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ فَحِكَايَةُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لَيْسَ بِوَاقِعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ إلَخْ) الْعَرُوضُ جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ حُطَامُ الدُّنْيَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ وَفِي الصِّحَاحِ وَالْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَتَاعُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضُ سِوَى الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَرُوضُ الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا فَعَلَى هَذَا جَعَلَهَا هُنَا جَمْعَ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ النَّقْدِ وَالْحَيَوَانَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ غَيْرُ النَّقْدِ وَالْحَيَوَانَاتِ مَمْنُوعٌ بَلْ فِي بَيَانِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ الْمَنُوبَةَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ أَوْ لَا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَالصَّوَابُ اعْتِبَارُهَا هُنَا جَمْعُ عَرْضِ بِالسُّكُونِ عَلَى تَفْسِيرِ الصِّحَاحِ فَيَخْرُجُ

لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَى إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ النُّقُودِ يُقَوِّمُهَا بِالْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَيَقُومُ بِالْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ يُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ وَيُقَوَّمُ بِالْمَضْرُوبَةِ وَقَوْلُهُ فِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ لَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ وَنَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِيهَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ وَزَرَعَهَا أَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهُ وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْخَرَاجِيَّةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الزَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ الْعُشْرُ وَالْأَعْيَانُ الَّتِي تَشْتَرِيهَا الْأُجَرَاءُ لِيَعْمَلُوا بِهَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصِّبْغِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي حُكْمِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَا تُجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَذَا حَطَبُ الْخَبَّازِ وَالدُّهْنُ لِلدَّبَّاغِ بِخِلَافِ السِّمْسِمِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ الْخَبَّازُ لِيَجْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْخُبْزِ فَإِنَّهُ عَيْنٌ بَاقِيَةٍ يَبِيعُهُ مَعَ الْخُبْزِ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُقْصَانُ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ إنْ كَمُلَ فِي طَرَفَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْقِطُهَا لِأَنَّ حَوَلَانَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ كَامِلًا شَرْطُ الْوُجُوبِ بِالنَّصِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي السَّائِمَةِ مِثْلَ قَوْلِ زُفَرَ وَفِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ خَاصَّةً لِأَنَّ النِّصَابَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ تَقْوِيمُهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بِاعْتِبَارِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فَيَعْسُرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ رَغْبَتِهِمْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَفِي آخِرِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا فِي النِّصَابِ بِالنَّصِّ وَلَنَا أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى النِّصَابِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي النِّصَابِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِمَا وَيَسْقُطُ الْكَمَالُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لِلْحَرَجِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَبْقَى الْمَالُ حَوْلًا عَلَى حَالِهِ وَنَظِيرُهُ الْيَمِينُ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمِلْكُ حَالَةَ الِانْعِقَادِ وَحَالَةَ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لِيَضُمَّ الْمُسْتَفَادَ إلَيْهِ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ يُبْطِلُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِدُونِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَخَمَّرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَالْخَلُّ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُسْتَأْنَفُ الْحَوْلُ لِلْخَلِّ وَبَطَلَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَلَوْ اشْتَرَى شِيَاهًا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَمَاتَتْ كُلُّهَا وَدُبِغَ جِلْدُهَا وَصَارَ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ بَلْ يُزَكِّيهَا إذَا تَمَّ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا تَخَمَّرَتْ هَلَكَتْ كُلُّهَا وَصَارَتْ غَيْرَ مَالٍ فَانْقَطَعَ الْحَوْلُ ثُمَّ بِالتَّخَلُّلِ صَارَ مَالًا مُسْتَحْدَثًا غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالشِّيَاهُ إذَا مَاتَتْ لَمْ يَهْلَكْ كُلُّ الْمَالِ لِأَنَّ شَعْرَهَا وَصُوفَهَا وَقَرْنَهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَوْلُ لِبَقَاءِ الْبَعْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الثَّمَنَيْنِ وَالذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ قِيمَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّقُودُ فَقَطْ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِيَّاهُ عَنَى فِي النِّهَايَةِ بِقَوْلِهِ هَذَا فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الْحَيَوَانِ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا إلَخْ) رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعَنْهُ التَّخْيِيرُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ اهـ (قَوْلُهُ بِمَا اشْتَرَى) أَيْ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يُقَوِّمُهَا بِالْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ) كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ) رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ) أَيْ اعْتِبَارًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِ الْعِبَادِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ) أَيْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ إلَخْ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْأَجِيرُ هُوَ بِإِزَاءِ عَمَلِهِ لَا بِإِزَاءِ تِلْكَ الْأَعْيَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ إلَخْ) أَيْ وَالْقَلْي وَالْعَفْصِ. اهـ. غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَاكِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَشَى فِي الدِّرَايَةِ عَلَى أَنَّ الْعَفْصَ وَالدُّهْنَ لِدَبْغِ الْجِلْدِ مَنْ قَبِيلِ مَالَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَأَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَعَزَى ذَلِكَ إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَكَذَا حَطْبُ الْخَبَّازِ) أَيْ وَالْمِلْحُ لِلْخُبْزِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالدُّهْنُ لِلدَّبَّاغِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لِلنَّفَقَةِ لِأَنَّهَا صُفْرٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ كَمَّلَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَمَّلَ الشَّيْءَ كُمُولًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَالِاسْمُ الْكَمَالُ وَكَمَّلَ مِنْ أَبْوَابِ قَرَّبَ وَضَرَبَ وَتَعِبَ لُغَاتٌ لَكِنَّ بَابَ تَعِبَ أَرْدَؤُهَا كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ دِرْهَمٌ أَوْ فَلَسٌ مِنْهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَوْلِ حَتَّى تَمَّ عَلَى نِصَابِ زَكَاةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِيَضُمَّ الْمُسْتَفَادَ إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ خَاتَمُ فِضَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ يُبْطِلُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ) أَيْ وَجَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً كَهَلَاكِ الْكُلِّ لِوُرُودِ الْمُغَيِّرِ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ النُّقْصَانِ فِي الذَّاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَوْلُ لِبَقَاءِ الْبَعْضِ) إلَّا أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اشْتَرَى عَصِيرًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَخَمَّرَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلِمَا مَضَتْ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا صَارَ خَلًّا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَمَّتْ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ عَادَ لِلتِّجَارَةِ كَمَا

أَيْ تُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ لِأَنَّ الْكُلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْأَعْدَادِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً بِالْمُشَاهَدَةِ وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَجْرِيَ الرِّبَا بَيْنَهُمَا فَصَارَا كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِخِلَافِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ حَيْثُ تُضَمُّ إلَيْهِمَا لِأَنَّ زَكَاتَهَا زَكَاةُ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْعُرُوضِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَأَمَّا وُجُوبُهَا فِي النَّقْدَيْنِ فَبِاعْتِبَارِ عَيْنِهِمَا لَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِدَلَالَةِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُضَمَّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَالسُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِمَا بِوُجُودِهِمَا فِي مِلْكِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ جِهَةُ إمْسَاكِهِ لِمَاذَا يُمْسِكُهَا لِكَوْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ. وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَّفِقُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَنَحْوِهِمَا وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ نِصَابَ أَحَدِهِمَا يَكْمُلُ بِمَا يَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ الْآخَرِ وَهُوَ عُرُوضُ التِّجَارَةِ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَيُضَمُّ إلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ وَهَذَا خُلْفٌ وَإِنَّمَا لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا صُورَةً وَاسْتِدْلَالُهُ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ اُعْتُبِرَتْ لِلضَّمِّ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِغَيْرِهِ فَقَطْ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُضَمُّ بِالْأَجْزَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ وَفِي الْغَايَةِ نَصَّ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ لَا يَنْقَطِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَصِيرِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَقِيلَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَصِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا اهـ قَوْلُهُ لَا يَنْقَطِعُ أَيْ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَنَا. اهـ. كَاكِيٌّ 1 - (فَرْعٌ) فِي الْمُجْتَبَى الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَقَالَ زُفَرُ يَقْطَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَضُمُّ قِيمَةَ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْأَعْدَادِ) أَيْ فَالثَّمَنَانِ لِلتِّجَارَةِ وَضْعًا وَالْعُرُوضُ جَعْلًا. اهـ. بُكَيْر (قَوْلُهُ بِدَلَالَةِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ) أَيْ فَإِنَّ النِّصَابَ لَا يَكْمُلُ بِالْقِيمَةِ بَلْ يَكْمُلُ بِالْوَزْنِ كَثُرَتْ الْقِيمَةُ أَوْ قَلَّتْ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ بُكَيْر) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُنَا عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَاقَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضُمَّ الذَّهَبَ إلَخْ) ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرُهُمَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ اهـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَحُكْمُ مِثْلُ هَذَا الرَّفْعُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ فَهِيَ حُجَّةٌ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي نَفَقَاتِ الْمَبْتُوتَةِ مَا يُوَافِقُهُ وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ الْكَافِي فِي شَرْحِ الْمَنَارِ إذَا قَالَ الرَّاوِي مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُحْمَلُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا اهـ (قَوْلُهُ لِمَاذَا يَمْسِكُهُمَا) أَيْ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى إلَخْ) فَكَذَا يُكْمِلُ نِصَابَ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ وَإِذَا جَازَ تَكْمِيلُ نِصَابِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ بِالضَّمِّ إلَى الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ بِالْقِيمَةِ فَإِلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا صُورَةً) أَيْ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا إلَّا أَحَدُ وَصْفَيْ الرِّبَا وَهُوَ الْوَزْنُ فَكَانَتْ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَيَثْبُتُ شُبْهَةَ الْفَضْلِ وَهُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَيُرَدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا سُؤَالٌ فَإِنَّهُ لَا يَرَى ضَمَّ ثَمَنِ السَّوَائِمِ الَّتِي زُكِّيَتْ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَيَكْتَفِي بِحَوْلِهَا لِأَجْلِ الثَّنْي فِي الصَّدَقَةِ وَأَوْجَبَ ضَمَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ الَّذِي أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَنْ عَبْدِ الْخِدْمَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَمِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ عَبْدًا قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ كَيْفَ يُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ وَاَلَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لَأَخَذْنَا عَنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ صَدَقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ صَدَقَةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ ضَمِّ ثَمَنِهِ فَإِنَّ الْأَخْذَ مِنْ بَدَلِهِ وَصَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ عَيْنِهِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّبَبِ وَفِي ثَمَنِ الْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ الْبَدَلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ لِاتِّحَادِ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَالسَّبَبِ فَافْتَرَقَا. اهـ. (قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا) أَيْ وَمَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ يَضُمُّ بِالْأَجْزَاءِ) وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ ذَكَرَهَا فِي الْمُفِيدِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ مَا نَصُّهُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْيَنَابِيعِ وَالتُّحْفَةِ وَالْغُنْيَةِ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ تُسَاوِي مِائَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَعِنْدَهُ تَجِبُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ نِصَابًا تَامًّا فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ عُشْرِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهِمَا دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَرُبُعُ دِينَارٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَجِبُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَشَرَةِ أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْيَنَابِيعِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا قُوِّمَتْ بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ نِصَابًا مِنْ الذَّهَبِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَ الضَّمُّ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْأَجْزَاءِ وَكَذَا فِي التُّحْفَةِ وَالْغُنْيَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَغَيْرُهُ

[باب العاشر]

حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَعَكْسُهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا تَجِبُ عِنْدَهُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَالْمِائَةُ تَبْلُغُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ ضَرُورَةً لَهُمَا أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي عَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْوَزْنُ بِدَلَالَةِ حَالِ الِانْفِرَادِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَهُ أَنَّ الضَّمَّ لِلْمُجَانَسَةِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا صَارَا جِنْسًا وَاحِدًا فِي كَوْنِهِمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ فَيُضَمَّانِ بِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ فِضَّةٌ وَعُرُوضٌ أَوْ ذَهَبٌ وَعُرُوضٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَيَضُمُّ قِيمَتَهُ إلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقَوِّمُ الْعُرُوضَ بِهِ وَيَضُمُّ قِيمَتَهُ إلَيْهِمَا بِالْأَجْزَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (بَابُ الْعَاشِرِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ) مَأْخُوذٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّمَا يَنْصِبُهُ لِيُؤَمِّن التُّجَّارَ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ فَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ فِي الْفَيَافِي فَصَارَتْ ظَاهِرَةً وَالْأَخْذُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْحِمَايَةِ فَيُشْرَعُ. وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَاشِرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا كَمَا يَفْعَلُهُ الظَّلَمَةُ الْيَوْمَ وَأَمَّا أَخْذُ الصَّدَقَاتِ فَإِلَى الْإِمَامِ كَذَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفَوَّضَ عُثْمَانُ إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إذَا لَمْ يَمُرَّ بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ أَتَسْتَعْمِلُنِي عَلَى الْمَكْسِ مِنْ عَمَلِك فَقَالَ أَفَلَا تَرْضَى أَنْ أُقَلِّدَك مَا قَلَّدَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ نِصَابٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَمِنْ الْآخَرِ رُبُعٌ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَمِنْ الْآخَرِ ثُمُنٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَخْ) أَيْ لِكَمَالِ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لِأَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَ نِصَابِ الدَّرَاهِمِ وَرُبُعَ نِصَابِ الدَّنَانِيرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا تَجِبُ عِنْدَهُ) مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ أَيْ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا وَأَمَّا فِي نِصَابِ الذَّهَبِ فَوَاجِبَةٌ عِنْدَهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ) (قُلْت) لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَالْمِائَةُ تَبْلُغُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا يُؤَدِّي فَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ الْمِائَةِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَمِنْ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ رُبُعَ مِثْقَالٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُعَادَلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُومُ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ فَتُؤَدَّى الزَّكَاةُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى نُصُوصِ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْوَزْنُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْجَوَابِ عَمَّا اُسْتُدِلَّا بِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَصُوغِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا هُوَ الْقَدْرُ فَقَطْ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِمَا إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا قُوبِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَعِنْدَ الضَّمِّ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ بِالْمُجَانَسَةِ وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ انْفِرَادِ الْمَصُوغِ حَتَّى لَوْ وَجَبَ تَقْوِيمُهُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ قَوْمٌ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَظَهَرَتْ قِيمَةُ الصِّيغَةِ وَالْجَوْدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيغَةَ سَاقَطَتَا الِاعْتِبَارَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ إلَخْ) وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ لِلنَّقْشِ وَالصِّيَاغَةِ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَنْ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. [بَابُ الْعَاشِرِ] (بَابُ الْعَاشِرِ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلَهُ فِي الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بَابُ مَا يُؤْخَذُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَذَلِكَ يَكُونُ زَكَاةً كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهَا كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ الْعِبَادَةُ قَدَّمَهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الْخُمُسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ) تَغْلِيبٌ لِاسْمِ الْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ عَشَّرْت الْقَوْمَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَمِنْهُ الْعَاشِرُ وَالْعَشَّارُ وَأُعَشِّرُهُمْ بِالْكَسْرِ عَشْرًا بِالْفَتْحِ إذَا صِرْت عَاشِرَهُمْ وَعَاشِرُ الْعَشَرَةِ أَحَدُهُمْ وَعَاشِرُ التِّسْعَةِ إذَا صَيَّرَ التِّسْعَةَ عَشْرَةً بِنَفْسِهِ فَمِنْ الْأَوَّلِ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ بِالْإِضَافَةِ لَا غَيْرُ وَمِنْ الثَّانِي ثَالِثُ اثْنَيْنِ إنْ شِئْت أَضَفْت وَإِنْ شِئْت نَصَبْت وَأَعْمَلْت ثَالِثًا وَتَسْمِيَةِ آخِذِ رُبُعِ الْعُشْرِ عَاشِرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُشْرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَعْشُرُهُمْ) هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ عُشْرًا بِضَمِّ الْعَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَمَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْت أَنَا أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَحَلَفَ صُدِّقَ إلَّا فِي السَّوَائِمِ فِي دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ) أَيْ مَنْ قَالَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَتِمَّ عَلَى مَالِي الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْت أَنَا بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَحَلَفَ صُدِّقَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَانِعَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْحَوْلَ وَالْفَرَاغَ مِنْ الدَّيْنِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ بِدَعْوَاهُ إيَّاهُمَا مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبِدَعْوَاهُ الْأَدَاءَ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ مُدَّعٍ لِوَضْعِ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا فَيُصَدَّقُ إذْ قَوْلُ الْأَمِينِ مَقْبُولٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ ثَانِيًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَلَا يَمِينَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَهُ مُكَذِّبٌ فَيَحْلِفُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَتَقْدِيرُهُ أَدَّيْت أَنَا إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ أَوْ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي السَّوَائِمِ فِي دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا زَكَاتَهُ فِي الْمِصْرِ وَيُصَدَّقُ فِي بَاقِي الصُّوَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَدَّقُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيَجُوزُ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ كَمَا فِي الْجِزْيَةِ وَالدَّيْنِ لِلصَّغِيرِ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَدِينُ فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَهُ ثَانِيًا بِخِلَافِ دَفْعِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ لِلْمُوَكِّلِ حَقُّ الْأَخْذِ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ أُجْبِرَ عَلَى إحَالَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُصَدَّقُ أَيْ لَا يُجْتَزَأُ بِمَا أَدَّاهُ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِأَدَائِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ هُوَ الزَّكَاةَ وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا إذَا أَدَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَالْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِثْلُ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أَدَّيْت زَكَاتَهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهَا بِالْإِخْرَاجِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهَا لِلْإِمَامِ وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ أَدَّيْتهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُخْتَصَرِ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً وَشَرْطُهُ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ فَكَانَ مِنْ عَلَامَةِ صِدْقِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ مَا هُوَ لِي وَإِنَّمَا هُوَ وَدِيعَةٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ أَوْ أَنَا أَجِيرٌ فِيهِ أَوْ أَنَا مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَمَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ) أُرِيدَ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ إذْ هُوَ الْمَانِعُ وَقَوْلُهُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْمَالِ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لِأَنَّ مُرُورَ الْحَوْلِ عَلَى الْمُسْتَفَادِ لَيْسَ بِشَرْطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ كَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ قَوْلَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ فَحِينَئِذٍ يُصَدِّقُهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ كَلَامُ صَاحِبِ الْحَوَاشِي (قُلْت) فَإِنْ أَخْبَرَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ النِّصَابِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ زَكَاةً حَتَّى يَشْتَرِطَ شَرَائِطَ الزَّكَاةِ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ فِي الْعِبَادَاتِ) أَيْ كَمَنْ قَالَ صُمْت وَصَلَّيْت صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى إلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَسْقُطْ أَخْذُ حَقِّ الْعَاشِرِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَإِنْ حَلَفَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ) أَيْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذْ مِنْ الْإِبِلِ الْإِبِلَ». اهـ. كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُمْكِنُ أَنْ يَضْمَنَ مَنْعَ كَوْنِهِ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحَقِّ بَلْ الْمُسْتَحَقُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ مُسْتَحِقُّ الْأَخْذِ وَالْفَقِيرُ مُسْتَحِقُّ التَّمَلُّكِ وَالِانْتِفَاعِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هُنَاكَ مُسْتَحَقَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبْرُ الْحَقِّ الَّذِي فَوَّتَهُ لَيْسَ إلَّا بِإِعَادَةِ الدَّفْعِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَفْعِهِ) أَيْ دَفْعِ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُوَكِّلِ اهـ وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِخِلَافِ دَفْعِ الْوَكِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِأَدَائِهِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا لَا يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا. اهـ. غَايَةٌ وَفِي جَامِعِ أَبِي الْيُسْرِ وَلَوْ أَجَازَ الْإِمَامُ إعْطَاءَهُ لَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُعْطِيَ الْفَقِيرَ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَى آخِرِهِ) وَقِيلَ الزَّكَاةُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَالْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاسَةِ هُنَا كَوْنُ الْأَخْذِ لِيَنْزَجِرَ عَنْ ارْتِكَابِ تَفْوِيتِ حَقِّ الْإِمَامِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُ الزَّكَاةِ فِي صُورَةِ الْمُرُورِ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيَدْفَعُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي السَّابِقِ وَوُجِدَ فِي اللَّاحِقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَدَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِجَامِعِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْأَدَاءِ بِفِعْلِ الثَّانِي مَعَ امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْمُخْتَصَرِ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ الْخَطِّ مِنْ الْعَاشِرِ الْآخَرِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا. (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَافِي وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَسَى لَا تَبْقَى وَقَدْ لَا يَأْخُذُهَا صَاحِبُ السَّائِمَةِ غَفْلَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ) أَيْ وَقَدْ يُزَوِّرُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ إلَخْ) ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَشْتَرِطُ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ الْيَمِينُ مَعَهَا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. هِدَايَةٌ

فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ) لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ وَفِي الْجِزْيَةِ لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ أَدَّيْتهَا أَنَا لِأَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا بِمَصَارِفَ لِهَذَا الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ جَوَارٍ فَقَالَ هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ يُوجِبُ نَقْصًا فِي الْمِلْكِ وَمِلْكُ الْحَرْبِيِّ نَاقِصٌ وَإِنْ قَالَ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَالْأَخْذُ مِنْهُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا حَوْلًا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ وَضْعِ جِزْيَةٍ وَإِنْ قَالَ لَيْسَ هَذَا الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ مَا دَخَلَ إلَّا بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ وَلَا ضِعْفِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُهَا وَإِنْ ادَّعَى بِضَاعَةً أَوْ نَحْوَهَا فَلَا حُرْمَةَ لِصَاحِبِهَا وَلَا أَمَانَ وَإِنَّمَا الْأَمَانُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ غِلْمَانٌ فَقَالَ هُمْ أَوْلَادِي صَحَّ وَلَزِمَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَثْبُتُ تَبَعًا لِلنَّسَبِ فَتَثْبُتُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ انْعَدَمَتْ الْمَالِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هُمْ مُدَبَّرُونَ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ) أَيْ مِنْ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَوْنِهِ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ) فَإِنَّ تَضْعِيفَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ وَإِلَّا كَانَ تَبْدِيلًا لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ أَيْ دَاعٍ إلَى اعْتِبَارِهِ تَضْعِيفًا لَا ابْتِدَاءَ وَظِيفَةٍ عِنْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَبَنُو تَغْلِبَ رُوعِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَكَذَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ وَهُوَ أَنَّهُ أَحْوَجَ إلَى الْحِمَايَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ وَاخْتِيرَ مِثْلَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّ بَاقِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَالْحَرْبِيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْمُسْلِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ وَلَهُ جَائِزَةٌ كَشَهَادَةٍ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَمْ يُوجِبْ اعْتِبَارَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ فَلَوْ اقْتَضَى هَذَا الْمَعْنَى اعْتِبَارَهُ تَضْعِيفَ عَيْنِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ لَزِمَ مُرَاعَاتُهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ أَدَّيْتهَا إلَى عَاشِرٍ غَيْرِك أَوْ دَفْعَتُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. (قُلْت) قَوْلُ أَصْحَابِنَا مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْمُسْلِمُ يُصَدَّقُ فِيهِ الذِّمِّيُّ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا قَالَ الذِّمِّيّ دَفَعَتْهَا إلَى الْمَسَاكِين كَمَا ذَكَره شَارِح الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ مَسَاكِين أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا مَصَارِف مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ قَالُوا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُذْ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَمَّهَا زَكَاة فَأَخَذَهُ عُمَرُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الزَّكَاة لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلِهَذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يُوَضِّعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ دَفَعْتهَا إلَى الْمَسَاكِينَ بِنَفْسِي وَالْمَسَاكِينُ لَيْسُوا مِنْ مَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ وَالذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ أَبْعَدُ إذْ لَيْسَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شُبْهَةُ الزَّكَاةِ بَلْ هُوَ مَالٌ يُؤْخَذُ بِحِمَايَةِ الْإِمَامِ اهـ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ لَيْسَ بِجِزْيَةٍ قَالَ قِوَامُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ رُءُوسِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ غَيْرَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّ عُمَرَ صَالَحَهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ مُضَاعَفَةً مَكَانَ الْجِزْيَةِ فَإِذَا أَخَذَ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ اهـ وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ أَيْ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لَا أَنَّهُ يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ إلَخْ) وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ هَؤُلَاءِ بَنِيَّ وَمِثْلُهُمْ لَا يُولَدُونَ لَهُ يُعْتَقُونَ وَيُعْشَرُونَ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِثْلُهُمْ يُولَدُونَ لَهُ لَا يُعْشَرُونَ لِثُبُوتِ نَسَبِهِمْ مِنْهُ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ إلَّا فِي الْجَوَارِي قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يُلْتَفَتُ أَوْ وَلَا يُتْرَكُ الْأَخْذُ مِنْهُ لَا وَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لَوْ صُدِّقَ بِأَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ زَكَاةً لِيَكُفَّ عَنْهُ لِعَدَمِ الْحَوْلِ وَوُجُودِ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا) أَيْ حَتَّى لَوْ أَقَامَ فِي دَارِنَا حَوْلًا يَصِيرُ ذِمِّيًّا اهـ (قَوْله بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ هُمْ مُدَبَّرُونَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْت أَعْتَقْتهمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ عِتْقَهُ فِيهَا لَا يَصِحُّ كَتَدْبِيرِهِ لِأَنَّهُ قَارَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ إذْ يُعْتِقُهُ بِلِسَانِهِ وَيَسْتَرِقُّهُ بِيَدِهِ فَلَمْ يَقَعْ عِتْقُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ

الصُّوَرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخَذَ مِنَّا رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفَهُ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ بِشَرْطِ نِصَابٍ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُهُ وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ ضِعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ الْعُشْرُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَكَاةً هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَكَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ لِلْحِمَايَةِ وَهُوَ يَحْمِي مَالَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ أَيْضًا فَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ فَيُقَدِّرُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الذِّمِّيِّ بِضِعْفِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَيُضَعِّفُ ذَلِكَ مِنْ الْحَرْبِيِّ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ إلَيْهَا لِأَنَّ طَمَعَ اللُّصُوصِ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ أَكْثَرُ وَكَذَا حَاجَةُ الْحَرْبِيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ لِمَا أَنَّ طَمَعَهُمْ فِي مَالِهِ أَكْثَرُ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ. وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ نِصَابٍ أَيْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ مَالُهُ نِصَابًا أَمَّا مِنْ الذِّمِّيِّ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ الزَّكَاةِ فَصَارَ شَرْطُهُ شَرْطَ الزَّكَاةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ لِحَاجَتِهِ إلَى مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَمَا دُونَ النِّصَابِ قَلِيلٌ فَالْأَخْذُ مِنْ مِثْلِهِ يَكُونُ غَدْرًا وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزُلْ عَفْوًا وَهُوَ لِلنَّفَقَةِ عَادَةً فَأَخْذُهُمْ مِنَّا مِنْ مِثْلِهِ ظُلْمٌ وَخِيَانَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّا مَتَى عَرَفْنَا مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِثْلَهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ الْعُشْرَ لِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ نَأْخُذُ مِنْهُمْ الْجَمِيعَ إلَّا قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمَكَارِمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ نِصَابٍ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُثَنِّ فِي حَوْلٍ بِلَا عَوْدٍ) أَيْ إذَا أَخَذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَرَّةً لَا يَأْخُذُ مِنْهُ ثَانِيًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِحِفْظِهِ وَلَوْ أَخَذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَسْتَأْصِلُهُ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْضِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ تَثْبُتُ بِالْأَمَانِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ مَا دَامَ فِي دَارِنَا وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ الْأَمَانُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا حَوْلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ إلَّا بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَأَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَمَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمَانَ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَقَدْ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ فِي حَوْلٍ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا وَهِيَ لَا تَجِبُ فِي الْحَوْلِ مَرَّتَيْنِ وَيُرْوَى أَنَّ حَرْبِيًّا نَصْرَانِيًّا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ عُمَرَ بِفَرَسٍ لِيَبِيعَهُ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ بَيْعُهُ فَرَجَعَ وَمَرَّ عَلَيْهِ عَائِدًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَطَلَبَ مِنْهُ الْعُشْرَ فَقَالَ إنْ أَدَّيْت عُشْرَهُ كُلَّمَا مَرَرْت بِك لَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَك الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى عُمَرَ فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَدَّيْته إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَقَدْ وُجِدَتْ الْحِمَايَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأَخْذِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ الْأَمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ الْمُجَازَاةُ بِالتَّاءِ الْمُدَوَّرَةِ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ لَا جَمْعُ مُؤَنَّثٍ ثُمَّ أَنَّ عُمَرَ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى حِينَ نَصَبَ الْعَشَّارَ حَيْثُ قِيلَ لَهُ كَمْ يَأْخُذْ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْحَرْبِيُّ فَقَالَ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا قَالَ الْعُشْرُ قَالَ خُذْ مِنْهُمْ الْعُشْرَ وَلَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ أَنَّ أَخَذْنَا بِمُقَابَلَةِ أَخْذِهِمْ فَإِنَّ أَخْذَهُمْ ظُلْمٌ وَأَخْذُنَا حَقٌّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا عَامَلْنَاهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَا كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ وَاتِّصَالِ التِّجَارَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ وَاجِبٌ لِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ الْكِتَابُ وَيَتْبَعُهُ شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا وَالسُّنَّةُ وَيَتْبَعُهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالْإِجْمَاعُ وَيَتْبَعُهُ عَمَلُ النَّاسِ وَالْقِيَاسُ وَيَتْبَعُهُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ اهـ دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ مَرَّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمَا ثُمَّ مَرَّا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ وَالْمُسْقِطُ لَمْ يُوجَدْ اهـ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ) أَيْ عَجَزْتُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ) أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ الْجَمِيعِ غَدْرٌ. اهـ. هِدَايَةٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَدُّهُ عَلَيْهِ) وَقِيلَ نَأْخُذُ الْكُلَّ مُجَازَاةً زَجْرًا لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ مَعَنَا قُلْنَا ذَلِكَ بَعْدَ إعْطَائِهِ الْأَمَانَ غَدْرٌ وَلَا نَتَخَلَّقُ نَحْنُ بِهِ لِتَخَلُّقِهِمْ بِهِ بَلْ نُهِينَا عَنْهُ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلُوا الدَّاخِلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إعْطَاءِ الْأَمَانِ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا) أَيْ وَثَالِثًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِهِ) أَيْ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ وَاتِّصَالِهِمَا كَمَا فِي جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَرَك الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى عُمَرَ) أَيْ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. غَايَةٌ

يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ فَوَقَفَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفِيُّ مَا وَرَاءَك فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَعَادَ عُمَرُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَظَنَّ النَّصْرَانِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى ظِلَامَتِهِ فَعَزَمَ عَلَى أَدَاءِ الْعُشْرِ ثَانِيًا وَرَجَعَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْعَاشِرِ وَجَدَ كِتَابَ عُمَرَ قَدْ سَبَقَ وَفِيهِ أَنَّك إذَا أَخَذْت مِنْهُ مَرَّةً فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى قَالَ النَّصْرَانِيّ إنْ دِينًا يَكُونُ الْعَدْلُ فِيهِ هَكَذَا لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَأَسْلَمَ. وَلَوْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِعَاشِرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْعَاشِرُ حَتَّى خَرَجَ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَعْشُرْهُ لِمَا مَضَى لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بِالرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعُشِّرَ الْخَمْرُ لَا الْخِنْزِيرُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ بِهِمَا عَلَى الْعَاشِرِ عَشَرَ الْخَمْرَ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ الْخِنْزِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا قِيمَةَ لَهُمَا وَقَالَ زُفَرُ يَعْشُرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَرَّ بِهِمَا جَمِيعًا عُشِّرَا وَإِنْ مَرَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ عُشِّرَ الْخَمْرُ دُونَ الْخِنْزِيرِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ ثَبَتَ تَبَعًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِعُمَّالِهِ فِي خُمُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْحِمَايَةِ وَالْمُسْلِمُ يَحْمِي خَمْرَ نَفْسِهِ لِلتَّخْلِيلِ وَلَا يَحْمِي خِنْزِيرَهُ بَلْ يُسَيِّبُهُ فَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهِيَ بِعَرْضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ مَالًا فَتُعْشَرُ هِيَ دُونَ الْخِنْزِيرِ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَفِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حَيَوَانٍ فَأَتَى بِالْقِيمَةِ تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَصِيرٍ فَأَتَى بِالْقِيمَةِ لَا تُجْبَرُ فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ قِيمَةِ الْخَمْرِ كَأَخْذِ عَيْنِهَا وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ قِيمَةَ الْخَمْرِ تُعْرَفُ بِقَوْلِ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا وَقَالَ فِي الْكَافِي تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَجُلُودُ الْمَيِّتَةِ كَالْخَمْرِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ الْكَرْخِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِي بَيْتِهِ) أَيْ لَا يُعْشِرُ الْعَاشِرُ مَا فِي بَيْتِ الْمَارِّ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا الْخِنْزِيرُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ حِمَايَةٍ وَلِهَذَا لَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ أَيْضًا لِيَأْخُذَ الْعَاشِرُ مِمَّا فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ مَرَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهُ مِائَةً أُخْرَى فِي الْبَيْتِ لَمْ يَأْخُذْ الْعَاشِرُ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا لِقِلَّتِهَا وَلَا مِمَّا فِي بَيْتِهِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبِضَاعَةَ) أَيْ لَا يُعْشَرُ مِنْ الْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَمَالَ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ لَا يُعْشَرُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا يَعْشُرُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ حَتَّى جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ) أَيْ فَقَالَ عُمَرُ أَتَاك الْغَوْثُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لَمْ يَعْشِرْهُ لِمَا مَضَى) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ لَمَّا دَخَلَ دَارِهِ انْتَهَى أَمَانُهُ وَعَادَ حَرْبِيًّا مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعُشْرُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَنَا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ مَرَّ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ نَهَيْنَاهُ عَنْ تَعْشِيرِهِمَا قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا قَيَّدَ بِالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِالْخَمْرِ اتِّفَاقًا مِنْ الْفَوَائِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا) إنَّمَا فُسِّرَ بِهَذَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَسْرُوقٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَأْخُذُهُ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ يَعْشِرُهُمَا) وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ زُفَرَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قُلْت يَعْنِي عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَبَعًا لِلْخَمْرِ) أَيْ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ مَالِيَّةً لِأَنَّهَا قَبْلَ التَّخَمُّرِ مَالٌ وَبَعْدَهُ بِتَقْدِيرِ التَّخَلُّلِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْخِنْزِيرُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَمَعَهُ خَمْرٌ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى لَا الْخِنْزِيرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ غَصْبَ خِنْزِيرٍ ذِمِّيٍّ فَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ حِمَايَةً عَلَى الْغَيْرِ أُجِيبَ بِتَخْصِيصِ الْإِطْلَاقِ أَيْ يَحْمِيه عَلَى غَيْرِهِ لِغَرَضٍ يَسْتَوْفِيه فَخَرَجَ حِمَايَةُ الْقَاضِي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا) أَيْ لَمَّا كَانَتْ عَصِيرًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ بِعَرَضِيَّةٍ أَنْ تَصِيرَ مَالًا) أَيْ مُقَوِّمًا بِالتَّخْلِيلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ) اسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْأُولَى مَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ثَانِيهَا لَوْ أَتْلَفَ مُسْلِمٌ خِنْزِيرَ ذِمِّيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ثَالِثُهَا لَوْ أَخَذَ ذِمِّيٌّ قِيمَةَ خِنْزِيرِهِ مِنْ ذِمِّيٍّ وَقَضَى بِهَا دَيْنًا لِمُسْلِمٍ عَلَيْهِ طَابَ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ أُجِيبُ عَنْ الْأَخِيرِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ شَرْعًا وَمَلَكَ الْمُسْلِمُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ قَبْضُهُ عَنْ الدَّيْنِ وَعَمَّا قَبِلَهُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِسُقُوطِ الْمَالِيَّةِ فِي الْعَيْنِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لَا إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ الْمَنْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ لَا عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ كَدَفْعِ عَيْنِهَا وَهُوَ تَبْعِيدٌ وَإِزَالَةٌ فَهُوَ كَتَسْيِيبِ الْخِنْزِيرِ وَالِانْتِفَاعِ بِالسِّرْقِينِ بِاسْتِهْلَاكِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهَا كَانَتْ مَالًا فِي الِابْتِدَاءِ وَتَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ بِالدَّبْغِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِضَاعَتُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْإِيضَاحِ يُشْتَرَطُ لِلْأَخْذِ حُضُورُ الْمَالِكِ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَلَوْ مَرَّ مَالِكٌ بِلَا مَالٍ لَا يُؤْخَذُ وَلَوْ مَرَّ مَالٌ بِلَا مَالِكٍ لَمْ يُؤْخَذْ أَيْضًا اهـ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَصْلِ وَلَوْ مَرَّ رَجُلٌ بِمَالٍ مَعَهُ مُضَارَبَةً أَوْ مَرَّ الْأَجِيرُ بِمَالِ أُسْتَاذِهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وَهَذَا مِثْلُ صَاحِبِ الْبِضَاعَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ) أَيْ وَرَبُّ الْمَالِ كَالْأَجْنَبِيِّ. اهـ. غَايَةٌ

[باب الركاز]

بَيْعُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ عَزْلُهُ بَعْدَمَا صَارَ عُرُوضًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَعْشُرُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَصَارَ كَالْأَجِيرِ وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ قَدْ رَبِحَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَشَرَ نَصِيبَهُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْشُرُهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْعِمَالَةِ وَعِنْدَنَا يَمْلِكُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَسْبَ الْمَأْذُونِ) أَيْ لَا يُعْشَرُ كَسْبُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا مَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَلَا نَائِبٍ عَنْ الْمَوْلَى فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْشُرُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَدْرِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ أَمْ لَا وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّهُ لَا يَعْشُرُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تَكَلَّفَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَتَقَيَّدَ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ إذَا قَيَّدَ الْمَوْلَى بِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رُجُوعُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ رُجُوعًا فِيهِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا بَعْدَ ذِكْرِ الْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَكَانَ هَذَا حَاصِلُ الْجَوَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ مَوْلَاهُ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَالَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلشُّغْلِ عِنْدَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَنَّى إنْ عَشَرَ الْخَوَارِجُ) أَيْ إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْخَوَارِجِ وَهُمْ الْبُغَاةُ فَعَشَرُوهُ ثُمَّ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْعَدْلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ بِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبُوا عَلَى بِلَادٍ فَأَخَذُوا الزَّكَاةَ وَغَيْرَهَا حَيْثُ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ ثَانِيًا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الرِّكَازِ] (بَابُ الرِّكَازِ) وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ خِلْقَةً أَوْ بِدَفْنِ الْعِبَادِ وَالْمَعْدِنُ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ فِيهَا خِلْقَةً وَالْكَنْزُ اسْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَعْدَمَا صَارَ) أَيْ رَأْسُ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا نَائِبَ عَنْهُ) أَيْ وَالزَّكَاةُ تَسْتَدْعِي نِيَّةَ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَالْمَالِكِ فِي التَّصَرُّفِ الاسترباحي لَا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ كَامِلٌ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تَكَلَّفَ فِي الْفَرْقِ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى) أَيْ بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا وَمَا زَادَ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحِجْرِ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَخْفَى عَدَمُ تَأْثِيرِ هَذَا الْفَرْقِ فَإِنَّ مَنَاطَ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ حِينَئِذٍ وَمُجَرَّدُ دُخُولِهِ فِي الْحِمَايَةِ لَا يُوجِبُ الْأَخْذَ إلَّا مَعَ وُجُودِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَا أَثَرَ لِمَا ذُكِرَ فِي الْفَرْقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَأْذُونِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ فَضَاعَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ ذَلِكَ مِنْهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ كَانَ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي قَالَ فِيهِمَا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ أَوْ لِلشَّغْلِ اهـ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي هَذَا الشَّرْحِ إذْ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَفِي الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ لَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَوْلَاهُ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لِهَذَا الْمَالِ وَقْتَ الْمُرُورِ وَعِنْدَهُمَا شُغْلُ الدَّيْنِ مَانِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ لَمْ يَحُطَّ بِكَسْبِهِ عُشْرَ الْفَاضِلِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا بَلَغَ النِّصَابَ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُ الْمَوْلَى فَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ الْمُسْلِمُ وَالْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ أَخَذَ رُبُعَ الْعُشْرِ وَبِالْعَكْسِ أَخَذَ نِصْفَ الْعُشْرِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الرِّكَازِ) أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ الْعَاشِرِ لِمَا أَنَّ الْعُشْرَ أَكْثَرُ وُجُودًا مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعَادِنِ وَكَانَ بَيَانُهُ أَحْوَجَ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ أَوْ لِأَنَّ الْعُشْرَ أَقَلَّ مِنْ الْخُمُسِ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكَثِيرِ ذَاتًا فَقُدِّمَ بَيَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْدِنُ إلَى آخِرِهِ) الْمَعْدِنُ مِنْ الْعَدْنِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَمِنْهُ يُقَالُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ وَمِنْهُ جَنَّاتٌ عَدْنٍ وَمَرْكَزُ كُلُّ شَيْءٍ مَعْدِنُهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَأَصْلُ الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلْقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَ الِانْتِقَالُ مِنْ اللَّفْظِ إلَيْهِ انْتِقَالًا بِلَا قَرِينَةٍ وَالْكَنْزُ لِلْمُثْبَتِ فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ بِفِعْلِ الْإِنْسَانِ وَالرِّكَازُ يَعُمُّهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ الرِّكْزِ مُرَادًا بِهِ الْمَرْكُوزَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ رَاكِزِهِ الْخَالِقَ أَوْ الْمَخْلُوقَ فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ أَوْ مُتَوَاطِئًا إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ الْمُتَوَاطِئُ مُتَعَيَّنًا. اهـ. كَمَالٌ

لِمَدْفُونِ الْعِبَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خُمِسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ وَنَحْوِ حَدِيدٍ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) يَعْنِي إذَا وُجِدَ مَعْدِنُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّقْدِ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ وَكَذَا إذَا وُجِدَ فِي الصَّحْرَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةٍ وَاشْتِرَاطُهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَرْضِ أَوْ احْتِرَازًا عَنْ دَارِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِلتَّنْمِيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ نَمَاءٌ فَأَشْبَهَ الزَّرْعَ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَا يُقَالُ الرِّكَازُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْدِنِ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْخُمُسَ فِيهِ لَا فِي الْمَعْدِنِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْدِنُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي وُجُوبَ الْخُمُسِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ جُبَارٌ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ بِاسْمٍ شَامِلٍ لَهُمَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ وَفِي الْإِمَامِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَفِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ» وَالسُّيُوبُ عُرُوقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ وَلِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَحَوَتْهَا أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً وَفِي الْغَنَائِمِ الْخُمُسُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ خُمِسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ إلَى آخِرِهِ) هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَمْلُوكَةِ أَمَّا حُكْمُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ لَا دَارُهُ أَوْ أَرْضُهُ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلُهُ فِي النُّقَايَةِ خُمِسَ مَعْدِنُ ذَهَبٍ وَنَحْوُهُ وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ إنْ لَمْ تُمْلَكْ الْأَرْضُ وَإِلَّا فَلِمَالِكِهَا وَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ وَفِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ اهـ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَثَانِيهَا جَامِدٌ لَا يَذُوبُ كَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ لَا شَيْءَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَثَالِثُهَا مَائِعٌ لَا يَتَجَمَّدُ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَا يَجِبُ الْخُمُسُ إلَّا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ. اهـ. فَتْحٌ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْحَاشِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي آخَرِ الْبَابِ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ فَلِأَنَّهُ مَائِعٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ فَصَارَ كَالْمَاءِ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي الْحَجَرِ» وَلِلْقِيَاسِ عَلَى التُّرَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْفِ بِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهِ كَوُجُوبِهَا فِي غَيْرِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْخُمُسُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ خَمَسْت الْقَوْمَ أَخْمُسُهُمْ بِالضَّمِّ إذَا أَخَذْت مِنْهُمْ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ وَخَمَّسْتُهُمْ أَخْمِسُهُمْ بِالْكَسْرِ إذَا كُنْت خَامِسَهُمْ أَوْ كَمَّلْتهمْ بِنَفْسِك خَمْسَةً اهـ. (قَوْلُهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) أَيْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ) وَقَالُوا كَمْ مِنْ حَوْلٍ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ وَضَعْفُ هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي مَضَتْ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ تُحْسَبُ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّ النُّصُوصَ خَالِيَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُنَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَالسَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْعَجْمَاءُ الْبَهِيمَةُ تَنْفَلِتُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا سُمِّيَتْ بِهَا لِعَدَمِ نُطْقِهَا وَالْجُبَارُ الْهَدَرُ يَعْنِي أَنَّ جِنَايَتَهَا هَدَرٌ لَا غَرَامَةَ فِيهَا وَالْبِئْرُ جُبَارٌ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ لِلْمَارَّةِ فَيَسْقُطُ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ بِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ حَفْرُهَا مِنْ الْعُمْرَانِ وَالثَّانِي يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَتَنْهَارُ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَعْدِنُ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْفِرُ فِيهِ فَيَنْهَارُ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْغَنِيمَةِ عَلَى هَذَا الْمَالِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَقَدْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَ غَنِيمَةً كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ أَعْنِي الْأَرْضَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرِّكَازُ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَكَانَ إيجَابًا فِيهِمَا وَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمَعْدِنِ بِسَبَبِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّهُ جُبَارٌ أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَعْدِنِ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فِيمَنْ ضَمِنَ الرِّكَازَ لِيَخْتَلِفَ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ إذَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ إهْلَاكَهُ أَوْ الْهَلَاكَ بِهِ لِلْأَجِيرِ الْحَافِرِ لَهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ لَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ نَفْسُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كَمِّيَّتِهِ لَا فِي أَصْلِهِ وَكَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْبِئْرِ وَالْعَجْمَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْمَعْدِنِ بِخُصُوصِهِ حُكْمًا فَنَصَّ عَلَى خُصُوصِ اسْمِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمًا آخَرَ مَعَ غَيْرِهِ فَعَبَّرَ بِالِاسْمِ الَّذِي يَعُمُّهُمَا لِيَثْبُتَ فِيهِمَا فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ أَعْنِي وُجُوبَ الْخُمُسِ بِمَا سُمِّيَ رِكَازًا فَمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَجَبَ فِيهِ وَلَوْ فُرِضَ مَجَازًا فِي الْمَعْدِنِ وَجَبَ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ تَعْمِيمُهُ لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ انْدِرَاجِهِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ عَدَمِ مَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَتِهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ فَهُوَ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فِي الْإِمَامِ مُضَعَّفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَفِي الْإِمَامِ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ» وَالسُّيُوبُ عُرُوقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَا يَصِحُّ جَعَلَهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمُرَادِ بِالرِّكَازِ كَمَا ظَنُّوا فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَصَّ الذَّهَبَ وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ لَا يَخُصُّهُ فَإِنَّمَا نَبَّهَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ مِثْلَهُ فِي أَنَّهُ جَامِدٌ يَنْطَبِعُ وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْ

لَكَانَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمِينَ قُلْنَا لِلْوَاجِدِ يَدٌ حَقِيقَةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَيَدُ الْغَانِمِينَ حُكْمِيَّةٌ لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ فَقَطْ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ وَاعْتُبِرَتْ الْحُكْمِيَّةُ فِي حَقِّ الْخُمُسِ وَاعْتِبَارُهُ بِالزَّرْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَجِبُ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ بَقِيَ عِنْدَ صَاحِبِهِ سِنِينَ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهِمَا كُلَّمَا حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ فَافْتَرَقَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا دَارِهِ وَأَرْضِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ فِيمَا وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَجِبُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ وَالْمَعْدِنُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يُخَالِفُ الْكُلَّ بِخِلَافِ الْكَنْزِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَفِيمَا إذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يَجِبُ كَمَا ذُكِرَ هُنَا لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ مِنْهَا خُمُسٌ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَجِبُ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَا مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهَا الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ نَخْلَةٌ تَطْرَحُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَكْرَارًا مِنْ الثِّمَارِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَنْزٌ) أَيْ وَخُمِسَ كَنْزٌ فَيَكُونُ الْخُمُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ خُمِسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ قَالَ (وَبَاقِيَةٌ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ الْكَنْزِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ هَذِهِ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ هَذَا إذَا وُجِدَ فِي بُقْعَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلْوَاجِدِ فِي الْمَمْلُوكَةِ أَيْضًا أَمَّا وُجُوبُ الْخُمُسِ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّكْزِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ وَإِنْ كَانَ الْمُثْبَتُ مُخْتَلِفًا وَأَمَّا الْبَاقِي فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ دَفِينِ الْكُفَّارِ وَقَدْ وَقَعَ أَصْلُهُ فِي يَدِ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنَّهُمْ هَلَكُوا قَبْلَ تَمَامِ الْإِحْرَازِ مِنْهُمْ فَصَارَ الْمُسْتَخْرِجُ أَوَّلَ مُحْرِزٍ لَهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ كَمَا إذَا وَجَدَهُ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ حَيْثُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَلَهُمَا أَنَّ يَدَ الْمُخْتَطِّ لَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ وَهُوَ مَالٌ مُبَاحٌ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا مَلَّكَهُ صَارَتْ فِي يَدِهِ بِمَا فِي بَاطِنِهَا وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ فَيَمْلِكُ بِهَا مَا فِي بَاطِنِهَا ثُمَّ بِالْبَيْعِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ لَفْظَ الرِّكَازِ بَلْ السُّيُوبِ فَإِذَا كَانَتْ السُّيُوبُ تَخُصُّ النَّقْدَيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَصِّصٍ لِلْعَامِّ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا لِلْوَاجِدِ يَدٌ حَقِيقَةً إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّهُمْ لَمَّا ثَبَتَتْ أَيْدِيهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ حَقِيقَةً ثَبَتَتْ عَلَى بَاطِنِهَا حُكْمًا فَصَارَ مَا فِي بَاطِنِهَا غَنِيمَةً حُكْمًا لَا حَقِيقَةً اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ) أَيْ مُسْلِمًا كَانَ الْوَاجِدُ أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ لِاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ فَكُلُّ مَنْ سَمَّيْنَاهُ لَهُ حَقٌّ فِيهَا سَهْمًا أَوْ رَضْخًا بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْمِنُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِنَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَمَّا الْحَرْبِيُّ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا وَطَلَبَ الْمَعْدِنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ وَجَدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكُلُّ وَلَوْ طَلَبَ بِإِذْنِهِ يُخْمَسُ أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ الذِّمِّيُّ يُخْمَسُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْبَاقِي لَهُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلَهُ رَضْخٌ فِي الْغَنِيمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَجِبُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْكَمَالُ اسْتَدَلَّ لَهُمَا بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعَمَّ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَهُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا مُؤْنَةَ فِي أَرْضِ الدَّارِ فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْهَا وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالدَّارِ وَصِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إبْدَاءِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَكَوْنِ الدَّارِ خُصَّتْ مِنْ حُكْمَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً مِنْ كُلِّ حُكْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي كُلِّ حُكْمٍ عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا قَدْ يَمْنَعُ كَوْنَ الْمَعْدِنِ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهِ مَعَ خِلْقَتِهَا لَا يُوجِبُ الْجُزْئِيَّةَ وَعَلَى حَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ مِنْ حُكْمِ الْأَرْضِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا التَّأْوِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَعْدِنُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يُخَالِفُ الْكُلَّ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ لَجَازَ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ قُلْنَا أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا بِخِلَافِ الْكَنْزِ لَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَنْزِ) أَيْ فَإِنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهَا عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ) أَوْ لِوَرَثَتِهِ أَوْ وَرَثَةِ وَرَثَتِهِ إنْ عُرِفُوا وَإِلَّا يُعْطَ أَقْصَى مَالِكٍ لِلْأَرْضِ أَوْ وَرَثَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُخْتَطُّ لَهُ وَلَا وَرَثَتُهُ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَكَرَ السُّرُوجِيُّ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِلْمُتَأَمِّلِ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ) أَيْ الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ مِنْهُ لِلْوَاجِدِ اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ) أَيْ كَالْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ وَقَوْلُهُ لِلْوَاجِدِ أَيْ اتِّفَاقًا غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلْوَاجِدِ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ. اهـ. غَايَةٌ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الثَّلَاثَةُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ) أَيْ فَلَا يَمْلِكُهُ مُشْتَرِي الْأَرْضِ كَاللُّؤْلُؤَةِ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ يَمْلِكُهَا الصَّائِدُ لِسَبْقِ يَدِ الْمَخْصُوصِ إلَى السَّمَكَةِ حَالَ إبَاحَتِهَا ثُمَّ لَا يَمْلِكُهَا مُشْتَرِي السَّمَكَةِ لِانْتِفَاءِ الْإِبَاحَةِ هَذَا وَمَا ذُكِرَ فِي السَّمَكَةِ مِنْ الْإِطْلَاقِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمَثْقُوبَةِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَطْنِهَا عَنْبَرٌ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا تَأْكُلُهُ وَكُلُّ مَا تَأْكُلُهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الدُّرَّةُ فِي صَدَفَةٍ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي قُلْنَا هَذَا الْكَلَامُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَعَ دَعْوَى أَنَّهَا تَأْكُلُ الدُّرَّةَ غَيْرَ الْمَثْقُوبَةِ كَأَكْلِهَا الْعَنْبَرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ نَعَمْ قَدْ يُتَّفَقُ أَنَّهَا تَبْتَلِعُهَا مَرَّةً بِخِلَافِ الْعَنْبَرِ لِأَنَّهُ حَشِيشٌ وَالصَّدَفُ دَسَمٌ وَمِنْ شَأْنِهَا أَكْلُ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ

فِيهَا بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ كَانَ نَقْشُهُ صَنَمًا أَوْ اسْمَ مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَحُكْمُهَا مَعْرُوفٌ وَإِنْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ عَلَيْهِمْ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَالْمَتَاعُ مِنْ السِّلَاحِ وَالْآلَاتِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَالْفُصُوصِ وَالْقُمَاشِ فِي هَذَا كَالْكَنْزِ حَتَّى يُخْمَسَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِلْكُفَّارِ فَحَوَتْهُ أَيْدِينَا قَهْرًا فَصَارَتْ غَنِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزِئْبَقٌ) أَيْ وَخُمِسَ زِئْبَقٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ فِيهِ الْخُمُسُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَكُنْت أَقُولُ فِيهِ الْخُمُسُ فَلَمْ أَزَلْ أُنَاظِرُهُ حَتَّى قَالَ فِيهِ الْخُمُسُ ثُمَّ رَأَيْت أَنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنْبُعُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَائِعٌ يَنْبُعُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْقِيرَ وَالنِّفْطَ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حَجَرٌ يُطْبَخُ فَيَسِيلُ الزِّئْبَقُ مِنْهُ فَأَشْبَهَ الرَّصَاصَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا رِكَازَ دَارِ حَرْبٍ) أَيْ لَا يُخْمَسُ رِكَازٌ وَجَدَهُ مُسْتَأْمِنٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ هُوَ الْمَأْخُوذُ جَهْرًا وَقَهْرًا وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ غَيْرِ مُجَاهِرٍ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَدْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالْكَنْزِ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الرِّكَازِ لِيَدْخُلَ النَّوْعَانِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَيْرُوزَجُ) أَيْ لَا يُخْمَسُ فَيْرُوزَجُ وَهُوَ حَجَرٌ مُضِيءٌ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» وَكَذَا لَا يَجِبُ فِي الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَجَمِيعِ الْجَوَاهِرِ وَالْفُصُوصِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِيهَا مَعْدِنَ فِضَّةٍ أَضْعَافَ الثَّمَنِ فَهَذَا رِبًا مُحَقَّقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَحُكْمُهَا مَعْرُوفٌ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا ثُمَّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَعَلَى غَيْرِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا أَبَدًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ) أَيْ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَاهِلِيُّ أَصْلٌ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الشَّرْعِ أَوْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَكْنِزَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الْآيَةَ وَكَانَ الْكَنْزُ مَخْصُوصًا بِالْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَ الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ وَالْحَقُّ مَنْعُ هَذَا الظَّاهِرِ بَلْ دَفِينُهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُوجَدُ بِدِيَارِنَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَزَئْبِقٌ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ بِالْهَمْزَةِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالزَّئْبِقُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقَدْ عُرِّبَ بِالْهَمْزَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ إلَى آخِرِهِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الزِّئْبَقِ الَّذِي أُصِيبَ فِي مَعْدِنِهِ لِأَنَّ الزِّئْبَقَ الْمَوْجُودُ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ يُخْمَسُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ فَلَمْ أَزَلْ أُنَاظِرُهُ) وَأَقُولُ هُوَ كَالرَّصَاصِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْقِيرَ وَالنِّفْطَ) فَيَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ الْمِيَاهِ وَلَا خُمُسَ فِي الْهَارِبَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ يَنْطَبِعُ مَعَ غَيْرِهِ) أَيْ فَكَانَ كَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ مَا لَمْ يُخَالِطُهَا شَيْءٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ) وَلَوْ دَخَلَ الْمُتَلَصِّصُ دَارَهُمْ فَأَخَذَ شَيْئًا لَا يُخْمَسُ لِانْتِفَاءِ مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ غَلَبَةً وَقَهْرًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ غَايَةُ مَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْخُمُسِ فِي مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ فَانْتِفَاءُ مُسَمَّى الْغَنِيمَةِ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْخُمُسِ إلَّا بِالْإِسْنَادِ إلَى الْأَصْلِ وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ فَإِنَّ مَا أَصَابَهُ لَيْسَ غَنِيمَةً وَلَا رِكَازًا وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُهُ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنًا أَوْ كَنْزًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ) وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا مَلَكَهُ وَلَمْ يُطْلَبْ بِهِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ وَيُكْرَهُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ فُرُوعٌ جَمَّةٌ يُنْظَرُ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ) أَيْ أَرْضٍ لَا مَالِك لَهَا كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُفِيدُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَدْرِ) يَعْنِي أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّحَرُّزُ مِنْ الْغَدْرِ فَقَطْ وَبِأَخْذِ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَمْ يَغْدِرْ بِأَحَدٍ بِخِلَافِهِ مِنْ الْمَمْلُوكَةِ نَعَمْ لَهُمْ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا فِي صَحْرَاءِ دَارِهِمْ وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ دَارَ أَحْكَامٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا الْحَقِيقَةُ بِخِلَافِ دَارِنَا فَلِذَا لَا يُعْطَى الْمُسْتَأْمِنُ مِنْهُمْ مَا وَجَدَهُ فِي صَحْرَائِنَا. اهـ. فَتْحٌ. 1 - (فُرُوعٌ) وَمَنْ يَحْفِرُ مَعْدِنًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ يُخْرِجُ الْخُمُسَ وَبَاقِيهِ لَهُ وَإِنْ حَفَرَ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَجَاءَ آخَرُ فَحَفَرَ وَوَصَلَ إلَى الْمَعْدِنِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ الْوَاجِدُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْحَفْرِ فَوَجَدَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ لِلْوَاجِدِ وَمَنْ تَقَبَّلَ مِنْ السُّلْطَانِ مَعْدِنًا فَاسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ وَاسْتَخْرَجُوا الْمَعْدِنَ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِلْمُتَقَبِّلِ وَإِنْ عَمِلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُتَقَبِّلِ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ دُونَ الْمُتَقَبِّلِ وَلَوْ بَاعَ الرِّكَازَ فَالْخُمُسُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَاجِدِ الْبَائِعِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَدِرَايَةٌ 1 - وَفِي الدِّرَايَةِ مَصْرِفُ خُمُسِ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الْغَنِيمَةِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنُ الْوَكِيلِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُصْرَفُ إلَى حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَذَوِي الْمَرَضِ وَكَتَبَةِ الْأُمَرَاءِ وَدَوَابِّ الْبُرُدِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ وَقَاسَهُ عَلَى الزَّرْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ») هُوَ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ» مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ الْأَوَّلُ بِعُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ وَالثَّانِي بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ

[باب العشر]

الْحِجَارَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَصَارَتْ كَالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ مَعْدِنِهَا وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ كَنْزًا وَهُوَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَنْزِ لَا الْمَالِيَّةُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُؤْلُؤٌ وَعَنْبَرٌ) أَيْ لَا يُخْمَسُ لُؤْلُؤٌ وَلَا عَنْبَرٌ وَكَذَا جَمِيعُ الْحِلْيَةِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ الْبَحْرِ حَتَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَحْوِيهِ يَدُ الْمُلُوكِ كَالْمَعْدِنِ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَلَهُمَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَنْبَرِ لَا خُمُسَ فِيهِ وَلِأَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَهْرُ أَحَدٍ فَانْعَدَمَتْ الْيَدُ وَهِيَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْغَنِيمَةِ فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً بِدُونِهَا وَلِأَنَّ الْعَنْبَرَ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ وَقِيلَ إنَّهُ شَجَرٌ وَالُؤْلُؤٌ مَطَرُ رَبِيعٍ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا وَقِيلَ يُخْلَقُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ وَلَا شَيْءٍ فِي الْجَمِيعِ لِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِغَنِيمَةٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ كَانَ فِيمَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ نَقُول لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ بِكَوْنِهِ فِي السَّاحِلِ عِنْدَهُمْ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا أُخِذَ مِنْ الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ دَسَرَهُ الْبَحْرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ حَاصِلُ مَا يُوجَدُ تَحْتَ الْأَرْضِ نَوْعَيْنِ مَعْدِنٌ وَكَنْزٌ وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْكَنْزِ بَلْ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِأَنَّهُ دَفِينُ الْكُفَّارِ فَحَوَتْهُ أَيْدِينَا قَهْرًا فَصَارَ غَنِيمَةً وَفِيهَا يُشْتَرَطُ الْمَالِيَّةُ لَا غَيْرُ وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ يَذُوبُ بِالنَّارِ وَيَنْطَبِعُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَوْعٌ لَا يَذُوبُ وَلَا يَنْطَبِعُ كَالْكُحْلِ وَسَائِرِ الْحِجَارَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَنَوْعٌ يَكُونُ مَائِعًا كَالْقِيرِ وَالنِّفْطِ وَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ فَالْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (بَابُ الْعُشْرِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ فِي عَسَلِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَمَسْقِيِّ سَمَاءٍ وَسَيْحٍ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَبَقَاءٍ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) أَيْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي عَسَلٍ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ سَوَاءٌ سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ نِصَابٌ وَلَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَبْقَى حَتَّى يَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ إلَّا الْحَطَبِ وَالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَا لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلُؤْلُؤٌ) اللُّؤْلُؤُ بِهَمْزَتَيْنِ وَبِوَاوَيْنِ وَالثَّانِيَةُ بِالْوَاوِ وَالْأَوَّلُ بِالْهَمْزِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَرْبَعُ لُغَاتٍ قُلْت لَا يُقَالُ لِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ لُغَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ) أَيْ وَلَيْسَ فِي أَخْثَاءِ الدَّوَابِّ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ) أَيْ فِي الْبَرِّ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّهُ شَجَرٌ) أَيْ وَلَيْسَ فِي الْأَشْجَارِ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاللُّؤْلُؤُ مَطَرٌ إلَى آخِرِهِ) فَعَلَى هَذَا أَصْلُهُ مَاءٌ وَلَا شَيْءَ فِي الْمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُخْلَقُ فِيهِ) أَيْ وَأَنَّ الصَّدَفَ حَيَوَانٌ يُخْلَقُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ شَيْءٌ وَنَظِيرُهُ ظَبْيُ الْمِسْكِ يُوجَدُ فِي الْبَرِّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الْعُشْرِ] ِ يَجُوزُ فِيهِ الْإِضَافَةُ وَتَرْكُهَا اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَمَسْقِيِّ سَمَاءٍ وَسَيْحٍ) وَفِي الصِّحَاحِ سَاحَ الْمَاءُ يَسِيحُ سَيْحًا إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) ظَاهِرُهُ كَوْنُ سِوَى مَا اسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي الْوُجُوبِ وَسَيَنُصُّ عَلَى إخْرَاجِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُمْكِنُ إدْرَاجُهُمَا فِي مُسَمَّى الْحَشِيشِ عَلَى مَا فِيهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ إخْرَاجِ الطُّرَفَاءِ وَالدُّلْبِ وَشَجَرِ الْقُطْنِ وَالْبَاذِنْجَانِ فَيُدْرَجُ فِي الْحَطَبِ لَكِنْ بَقِيَ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالْإِهْلِيلَجِ وَالْكُنْدُرِ وَلَا يَجِبُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَشْجَارِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ وَلَا فِيمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ كَالنَّخْلِ وَالْأَشْجَارِ لِأَنَّهَا كَالْأَرْضِ وَلِهَذَا تَسْتَتْبِعُهَا الْأَرْضُ فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي كُلِّ بَذْرٍ لَا يُطْلَبُ بِالزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِ هَذِهِ مِمَّا لَا يَرِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ أَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ) وَجُمِعَتْ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ لَغَلَبَتْهَا اسْمًا إذْ الْحَمْرَاءُ لَا تُجْمَعُ عَلَى حَمْرَاوَاتٍ وَلَكِنْ تُجْمَعُ عَلَى حُمْرٍ وَحُمْرَانَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَزُفَرَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَاهُ فِي الْإِمَامِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي الْخَضْرَاوَاتِ يُؤَدِّيهَا الْمَالِكُ إلَى الْفَقِيرِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا السُّلْطَانُ هَكَذَا فِي الْأَسْرَارِ لِلْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) وَهِيَ مَا يَبْقَى سَنَةً بِلَا عِلَاجٍ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْعِنَبِ فِي بِلَادِهِمْ وَالْبِطِّيخِ الصَّيْفِيِّ فِي دِيَارِنَا وَعِلَاجُهُ الْحَاجَةُ إلَى تَقْلِيبِهِ وَتَعْلِيقِ الْعِنَبِ. اهـ. فَتْحٌ وَذُكِرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ التِّينَ الَّذِي يَبِسَ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَلَا عُشْرَ فِي التُّفَّاحِ وَالْخَوْخِ الَّذِي يُشَقُّ وَيَيْبَسُ إذْ الْغَالِبُ خِلَافُهُ فَاعْتُبِرَ الْغَالِبُ فِيهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَجِبُ فِي بِزْرِ الْقُنَّبِ دُونَ عِيدَانِهِ وَيَجِبُ فِي الْكَمُّونُ وَالْكَرَاوْيَا وَالْخَرْدَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْحُبُوبِ. اهـ. غَايَةٌ

إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ حَتَّى يَصْرِفَ مَصَارِفَهَا وَلَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى كَالزَّكَاةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُسْلِمٍ كُلُّ ذَلِكَ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ مُؤْنَةً لَهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَالْخَرَاجِ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ فِيهِ يُنْبِئُ عَنْهَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَالِكُ فِيهِ حَتَّى تَجِبَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْمُكَاتَبِ فَكَيْفَ تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَهُوَ الْغِنَى وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ غَيْرُ مَنْفِيَّةٍ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدْ يُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى فَيَجِبُ الْعُشْرُ كَالْخَرَاجِ وَمَا رَوَيَاهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِأَنَّ أَبَا عِيسَى قَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ الْعَيْنِ فِي الْبَرَارِيِّ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيهِ. أَمَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ لَا يُقْصَدُ بِهَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ غَالِبًا بَلْ تُنْفَى عَنْهَا حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّ بِهَا أَرْضَهُ وَجَبَ فِيهَا الْعُشْرُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَذَلِكَ مِثْلُ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ وَكُلُّ حُبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَكَذَا لَا عُشْرَ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالْوَسْقُ إلَى آخِرِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ وَالنَّوَوِيُّ وَسُكُونِ السِّينِ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ إذَا بَلَغَ نِصَابًا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمِلْكُ دُونَ الْمَالِكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ حَتَّى يَبْلُغَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِهِ) وَكُلُّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَكَوْنُ الْوَسْقِ سِتِّينَ صَاعًا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لِحَدِيثِ الْأَوْسَاقِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ عَثْرِيًّا) الْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيُرْوَى سُكُونُهَا هُوَ مَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْعَذْيَ وَأَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ الْعَثَرِيُّ الشَّجَرُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ فِي مَوْضِعٍ فَيَجْرِي إلَيْهِ كَالسَّاقِيَةِ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْقَلَعِيُّ بَلْ قَوْلٌ قَلِيلٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْعَثَرِيُّ مِنْ النَّخْلِ مَا سُقِيَ سَيْحًا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْعَثَرِيَّ مَخْصُوصٌ بِمَا سُقِيَ مِنْ مَاءِ السَّيْلِ. اهـ. غَايَةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا) أَيْ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِيمَا أَخْرَجَتْ اسْمُ الْعُشْرِ لَا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ) أَيْ كَالرَّيَاحِينِ وَالْأَوْرَادِ وَالْبُقُولِ وَالْخِيَارِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ) أَيْ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا فِي حَقِّ الْعُشْرِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ السَّبَبِ فَإِذَا أَخْرَجَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَوْ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا لَكَانَ إخْلَاءً لِلسَّبَبِ عَنْ الْحُكْمِ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَامِّ السَّابِقِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ الْجَعْلِ وَالْمُفِيدُ لِسَبَبِيَّتِهَا كَذَلِكَ هُوَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ أَفَادَ أَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا لَا مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ هَذَا مُسْتَقِلًّا بَلْ هُوَ فَرْعُ الْعَامِّ الْمُفِيدِ سَبَبِيَّتُهَا مُطْلَقًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ أَجَازَهُ بَعْدَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرِ هَكَذَا حُكِيَ مَذْهَبُهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْمَنْظُومَةِ خَصَّ خِلَافَهُ بِثَمَرِ الْأَشْجَارِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ السَّبَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ نُمُوَّ الْأَشْجَارِ يُثْبِتُ نَمَاءَ الْأَرْضِ تَحْقِيقًا فَيَثْبُتُ السَّبَبُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَمَاءُ الْأَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ مِثْلُ السَّعَفِ إلَى آخِرِهِ) السَّعَفُ وَرَقُ جَرِيدِ النَّخْلِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ وَالْمَرَاوِحُ وَعَنْ اللَّيْثِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ لَهُ السَّعَفُ إذْ يَبِسَ وَإِذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَهِيَ الشَّطْبَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالتِّبْنُ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي التِّبْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِزِرَاعَةِ الْحَبِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَهُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ كَانَ الْعُشْرُ فِيهِ قَبْلَ الِانْعِقَادِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْحَبِّ عِنْدَ الِانْعِقَادِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي التِّبْنِ إذَا يَبِسَ فِيهِ الْعُشْرُ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا يَسْتَنْبِتُ فِي الْأَرْضِ وَيُقْصَدُ بِالِاسْتِغْلَالِ كَقَوَائِمِ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فَإِنَّ صَاحِبَ التُّحْفَةِ قَالَ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٍ اهـ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ فِي الْمَنِّ إذَا سَقَطَ عَلَى الشَّوْكِ الْأَخْضَرِ فِي أَرْضِهِ قِيلَ لَا يَجِبُ فِيهِ عُشْرٌ وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ سَقَطَ عَلَى الْأَشْجَارِ لَا يَجِبُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

لِلْأَرْضِ كَالنَّخْلِ وَالْأَشْجَارِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ إذَا كَانَ مِمَّا يَبْقَى كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَا يُمْكِنُ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ رَدَدْنَاهُ إلَى النَّقْدَيْنِ وَاعْتِبَارُ الْأَدْنَى لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَسْقِ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ نَوْعٍ بِأَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَالْعَسَلُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عِنْدَهُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدْرُهُ بِعَشْرٍ قِرَبٍ لِأَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ التَّقْدِيرُ بِعَشْرَةِ أَرْطَالٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرْقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرُ» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ وَالْأَنْوَارَ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ وَلَا عُشْرَ فِيهَا. وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الْعَسَلِ وَالثِّمَارِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ السَّبَبَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَلَمْ تُوجَدْ قُلْنَا الْمَقْصُودُ الْخَارِجُ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي قَصَبِ السُّكْرِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عِنْدَهُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَةَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السُّكْرِ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ كَالزَّعْفَرَانِ ثُمَّ وَقْتُ وُجُوبِ الْعُشْرِ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْتُ تَصْفِيَتِهِ وَحُصُولِهِ فِي الْحَظِيرَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنِصْفُهُ فِي مَسْقِيِّ غَرَبٍ وَدَالِيَةٍ) أَيْ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ أَوْ دَالِيَةٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَجِبُ وَجَازَ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَكْثُرُ فِيهِ وَتَقِلُّ فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ وَالْعُلُوفَةِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إنْ سَقَى نِصْفَهَا بِكُلْفَةٍ وَنِصْفَهَا بِغَيْرِ كُلْفَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ فَيُؤْخَذُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَظِيفَتَيْنِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ وَعَفْوِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ) أَيْ كُلٌّ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ) أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ) أَيْ كَالرَّدِيءِ وَالْجَيِّدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ إذَا أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ أَنْوَارِ الثِّمَارِ وَلَا شَيْءَ فِي الثِّمَارِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ ثِمَارِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلِفِ صَوَابُهُ شَبَابَةَ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فِهْرٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كُلُّ فَرَقٍ إلَخْ) الْفَرَقُ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يُسَكِّنُونَهَا وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ إنَّهُ لَمْ يَرَ تَقْدِيرَهُ لِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا عِنْدَهُ مِنْ أُصُولِ اللُّغَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي قَصَبِ السُّكَّرِ الْعُشْرُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْد أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ مَعْزِيًّا إلَيْهِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بَلْ إذَا بَلَغَ قِيمَةَ نَفْسِ الْخَارِجِ مِنْ الْقَصَبِ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوَسَّقُ كَانَ ذَلِكَ نِصَابُ الْقَصَبِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ يُرِيدُ إذَا بَلَغَ الْقَصَبُ قَدْرًا يَخْرُجُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ سُكَّرٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِلَّا فَالسُّكَّرُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَالُ الزَّكَاةِ إلَّا إذَا أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتَهُ نِصَابًا وَإِذَنْ فَالصَّوَابُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يَبْلُغَ الْقَصَبُ الْخَارِجُ خَمْسَةَ مَقَادِيرَ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ الْقَصَبُ لِنَفْسِهِ كَخَمْسَةِ أَطْنَانٍ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ) وَعِنْدَهُمَا فِيهِ وَفِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْإِمَامُ يَجِبُ عَلَيْهِ عُشْرُ مَا أَكَلَ أَوْ أَطْعَمَ وَمُحَمَّدٌ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ مَا بَقِيَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا فِي التَّالِفِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَلَا يَعْتَبِرُ الزَّاهِدَ بَلْ يَعْتَبِرُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ مِنْ الْمُتْلِفِ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عُشْرُهُ وَعُشْرُ مَا بَقِيَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَنِصْفُهُ فِي مَسْقِيِّ غَرْبٍ إلَخْ) الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْكَبِيرُ وَالدَّالِيَةُ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْقَى بِهَا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجِبُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَنَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ اهـ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةِ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ نَظَرًا لِلْمَالِكِ كَالسَّائِمَةِ. اهـ. (قُلْت) وَهَذَا النَّقْلُ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَكَأَنَّهُ

قِيَاسُ هَذَا عَلَى السَّائِمَةِ يُوجِبُ الْأَقَلَّ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَشَكَكْنَا فِي الْأَكْثَرِ فَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بِالشَّكِّ كَمَا قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهُ إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُرْفَعُ الْمُؤَنُ) أَيْ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ لَا تُحْتَسَبُ أُجْرَةُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْمُؤَنِ مِنْ الْخَارِجِ فَتُسَلَّمُ لَهُ بِلَا عُشْرٍ ثُمَّ يُعْشَرُ الْبَاقِي لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَنِ كَالسَّالِمِ لَهُ بِعِوَضٍ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكْمٌ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا إذْ لَوْ رُفِعَتْ الْمُؤْنَةُ لَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمُؤْنَةِ لَا فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ رَفْعِهَا لِأَنَّ الْبَاقِيَ حَاصِلٌ بِلَا عِوَضٍ فِيهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضِعْفُهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) أَيْ وَيَجِبُ ضِعْفُ الْعُشْرِ وَهُوَ الْخُمُسُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِبَنِي تَغْلِبَ وَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَمَّا وُجُوبُ الضِّعْفِ عَلَيْهِ فَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ عِنْدَهُ وَأَمَّا بَقَاءُ التَّضْعِيفِ بَعْدَمَا أَسْلَمَ هُوَ أَوْ بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَلِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةً فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ وَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ وَإِلَى الذِّمِّيِّ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ كَالْخَرَاجِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّضْعِيفَ خَرَاجٌ وَالْمُسْلِمَ أَهْلٌ لَهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ أَهْلٌ لِلتَّضْعِيفِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ تَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ وَهُوَ الْكُفْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كُلِّهَا مِنْ السَّوَائِمِ وَالنَّقْدِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ سَقَطَ التَّضْعِيفُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ ذِمِّيٌّ آخَرُ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ حَيْثُ يَبْقَى مُضَاعَفًا عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّضْعِيفِ بَاقٍ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّضْعِيفَ خَرَاجٌ وَالْخَرَاجُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ التَّضْعِيفِ فِي السَّوَائِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَوْظِيفَ فِيهَا وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِجَعْلِ السَّوَائِمِ عُلُوفَةً وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ لِلْخِدْمَةِ وَبَيْعُهَا لِذِمِّيٍّ غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ فَكَذَا لَا تَتَغَيَّرُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْمُسْلِمِ وَاخْتَلَفَتْ نُسَخُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ فِي بَيَانِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ إنْ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّضْعِيفُ الْحَادِثُ عِنْدَهُ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَغَيَّرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَاجٌ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرَ تَغْلِبِيٍّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا التَّغْلِبِيُّ وَهَذَا أَهْوَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَافِرَ أَهْلٌ لِلتَّضْعِيفِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّدَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ يُضَعِّفُ عَلَيْهِ وَكَذَا بَنُو تَغْلِبَ يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ فَلَا تَنَافِيَ ثُمَّ هُوَ خَرَاجٌ حَقِيقَةً فَيُوضَعُ مَوْضِعَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا كَانَتْ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَبَدَّلُ عِنْدَهُ كَالْخَرَاجِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ فِي رِوَايَةِ قُرَيْشِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْهُ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَمَّا لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَصْرِفُهُ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَلَا يَسْقُطُ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَ بِصَدَقَةٍ بَلْ هُوَ خَرَاجٌ فَيُصْرَفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ) أَيْ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ. اهـ. هِدَايَةٌ قَوْلُهُ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ أَيْ أَوْ نِصْفُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ) يَعْنِي لَا يُقَالُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي قَدْرِ الْخَارِجِ الَّذِي بِمُقَابَلَةِ الْمُؤْنَةِ بَلْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْكُلِّ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ مُؤْنَةُ حَمْلِ الْعُشْرِ عَلَى السُّلْطَانِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَنِ كَالسَّالِمِ إلَخْ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ سَلِمَ لَهُ قَدْرُ مَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَطَابَ لَهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ) أَيْ دَائِمًا فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إلَى نِصْفِهِ إلَّا لِلْمُؤْنَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ رَفْعِ قَدْرِ الْمُؤْنَةِ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ دَائِمًا الْعُشْرَ لَكِنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَفَاوَتَ شَرْعًا مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُهُ لِسَبَبِ الْمُؤْنَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ شَرْعًا عَدَمَ عُشْرِ بَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُسَاوِي لِلْمُؤْنَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَفِي الصِّحَاحِ تَغْلِبُ أَبُو قَبِيلَةٍ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا تَغْلِبِيٌّ بِفَتْحِ اللَّامِ اسْتِيحَاشًا لِتَوَالِي الْكَسْرَتَيْنِ مَعَ يَاءَيْ النَّسَبِ وَرُبَّمَا قَالُوهُ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ فِيهِ حَرْفَيْنِ غَيْرَ مَكْسُورَيْنِ وَفَارَقَ النِّسْبَةَ إلَى نَمِرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ) أَيْ فَإِنَّ أَرْضَ الْخَرَاجِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ) فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَهُوَ تَضْعِيفٌ عَلَى كَافِرٍ غَيْرِ تَغْلِبِيٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا) أَيْ بِأَنْ وَرِثَهَا مِنْ آبَائِهِ أَوْ تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي مِنْ تَغْلِبِيٍّ إلَى تَغْلِبِيٍّ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّضْعِيفُ الْحَادِثُ إلَخْ) بِأَنْ اشْتَرَاهَا التَّغْلِبِيُّ مِنْ مُسْلِمٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَخَرَاجٍ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا إلَخْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْخَرَاجُ لَا يَتَبَدَّلُ وَالْعُشْرُ يَتَبَدَّلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَبَدَّلَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَتَبَدَّلَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ فِي رِوَايَةِ قُرَيْشِ بْنِ إسْمَاعِيلَ) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ

مَصَارِفَهُ، كَمَالٍ يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ وَكَالْمَأْخُوذِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا وَلَا وَجْهَ لِلتَّضْعِيفِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهَا بَقَاءً كَالرِّقِّ ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ لِوُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي الْكِتَابِ وَشَرَطَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ وَلَوْ اشْتَرَى تَغْلِبِيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ يُضَاعَفُ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ وَضَعَّفَهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعُشْرٌ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ بِشُفْعَةٍ أَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ لِلْفَسَادِ) أَيْ يَجِبُ عُشْرٌ وَاحِدٌ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الذِّمِّيِّ مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ الْمُسْلِمِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ وَقِيلَ لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ لِأَنَّ كَوْنَهَا خَرَاجِيَّةً عَيْبٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ جَعَلَ مُسْلِمٌ دَارِهِ بُسْتَانًا فَمُؤْنَتُهُ تَدُورُ مَعَ مَائِهِ) فَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ فَهُوَ عُشْرِيٌّ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ خَرَاجِيٌّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْخَرَاجِ لَكِنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ الْخَرَاجِيِّ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْمُو إلَّا بِالْمَاءِ فَصَارَتْ تَبَعًا لَهُ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهِ كَأَنَّهُ مَلَكَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ خَرَاجٍ عَلَى الْمُسْلِمِ وَجَعَلُوهُ نَقْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ بَلْ نَقُولُ كَانَ فِي الْمَاءِ وَظِيفَةٌ قَدِيمَةٌ فَلَزِمَتْهُ بِالسَّقْيِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فِيهِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِهِ قَالُوا يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْعُشْرَانِ وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعُشْرٌ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ وَضْعِ الْخَرَاجِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ) أَيْ بَعْدَمَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى نَوَادِرِ زَكَاةِ الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا فِي النَّوَادِرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ بِالرَّدِّ بِالْقَضَاءِ لِلْمَانِعِ فَمَنْعُهُ بِأَنَّهُ مَانِعٌ مُرْتَفِعٌ بِالرَّدِّ وَهَذَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ لِلْعَيْبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَعَلَ مُسْلِمٌ دَارِهِ بُسْتَانًا إلَى آخِرِهِ) الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ تَحَوَّطَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَفِيهَا أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ خَرَاجِيٌّ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ كَانَتْ تُسْقَى بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا أُخْرَى فَالْعُشْرُ أَحَقُّ بِالْمُسْلِمِ اهـ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً فِي الْأَصْلِ سَقَطَ عُشْرُهَا بِاخْتِطَاطِهَا دَارًا. اهـ. فَتْحٌ وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجِيَّةً سَقَطَ خَرَاجُهَا بِالِاخْتِطَاطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِيمَا إذَا اتَّخَذَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بُسْتَانًا أَوْ رَضَخَتْ لَهُ أَرْضٌ أَوْ أَحْيَاهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهَا الْعُشْرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا سَقَى دَارِهِ الَّتِي جَعَلَهَا بُسْتَانًا بِمَاءِ الْخَرَاجِ حَيْثُ يَجِبُ الْخَرَاجُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِمَا عُشْرَانِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ اهـ وَقَدْ قَرَّرَ هُوَ ثُبُوتَ الْوَظِيفَةِ فِي الْمَاءِ وَهُوَ حَقٌّ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَدْفَعُ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ بِمَا أَوْرَدَهُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ فِي جَعْلِهَا خَرَاجِيَّةً إذَا سُقِيَتْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا ظَنَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ حُسَامُ الدِّينِ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَأَيَّدَ عَدَمَ امْتِنَاعِهِ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ أَنَّ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً جَائِزٌ وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا صِغَارَ فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِي إنَّمَا الصَّغَارُ فِي خَرَاجِ الْجَمَاجِمِ بَلْ إنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَا تَقَرَّرَ فِيهِ الْخَرَاجُ بِوَظِيفَتِهِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَاءُ فَإِنَّ فِيهِ وَظِيفَةَ الْخَرَاجِ فَإِذَا سُقِيَ بِهِ انْتَقَلَ هُوَ بِوَظِيفَتِهِ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَرَاجِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقَاتِلَةَ هُمْ الَّذِينَ حَمَوْا هَذَا الْمَاءَ فَثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ وَحَقُّهُمْ هُوَ الْخَرَاجُ فَإِذَا سَقَى بِهِ مُسْلِمٌ أَخَذَ مِنْهُ حَقَّهُمْ كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِمْ فِي الْأَرْضِ أَعْنِي خَرَاجَهَا لِحِمَايَتِهِمْ إيَّاهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي أَبْوَابِ السِّيَرِ مِنْ الزِّيَادَاتِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ وَحَمَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ سَبَبَ ابْتِدَائِهِ بِذَلِكَ لِيَخْرُجَ هَذَا الْوَضْعُ وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْهُ اهـ قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي مَاءِ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مَاءَ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْكَفَرَةُ كَانَتْ لَهُمْ يَدٌ عَلَيْهَا ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَقَرَّرْنَا يَدَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا كَأَرَاضِيِهِمْ وَأَمَّا مَاءُ الْعُشْرِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّ الْآبَارَ وَالْعُيُونَ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ وَحَوَيْنَاهَا قَهْرًا خَرَاجِيَّةٌ صَرَّحُوا بِذَلِكَ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَعَلَّلُوا الْعُشْرِيَّةَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً وَلَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا فِي الْبِحَارِ وَالْأَمْطَارِ ثُمَّ قَالُوا فِي مَائِهِمَا لَوْ سَقَى كَافِرٌ بِهِمَا أَرْضَهُ يَكُونُ فِيهَا الْخَرَاجُ بَلْ الْبِحَارُ أَيْضًا خَرَاجِيَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَاءُ الْمَطَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ إذَا سَقَى بِهِ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ الَّتِي كَانَتْ حِينَ كَانَتْ الْأَرْضُ دَارَ حَرْبٍ خَرَاجِيَّةً لَا يَنْفِي الْعُشْرَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَبِئْرٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ احْتَفَرَتْهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الْأَرْضِ دَارَ إسْلَامٍ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ التَّعْمِيمُ فَإِنَّ مَا تَرَاهُ مِنْهَا الْآنَ إمَّا

[باب المصرف]

قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ ثُمَّ الْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرِيُّ مَا عَدَا ذَلِكَ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدُ أَحَدٍ أَمْ لَا وَهَكَذَا ذَكَرُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ لَهُ مَاءً حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْأَنْهُرَ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ حَوَتْهَا أَيْدِينَا قَهْرًا كَأَرَاضِيِهِمْ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْعُشْرِ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي أَرْضٍ لِكَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ عُشْرِيَّةً لَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارُهُ حُرٌّ) أَيْ دَارُ الذِّمِّيِّ حُرَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَنْمَى وَوُجُوبُ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَى هَذَا الْمَقَابِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ) أَيْ لَا يَجِبُ فِي دَارِ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَمَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ إذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُمَا عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ حَرِيمُهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ أَيْضًا وَالْقِيرُ الزِّفْتُ وَيُقَالُ الْقَارُ وَالنِّفْطُ دُهْنٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الْمَصْرِفِ) أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ الْمَصْرِفُ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ لِمَا تَلَوْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ إذْ الْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِكُلٍّ وَجْهٌ فَوَجْهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] فَأَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ السَّفِينَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْلُومُ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ أَمَّا ثُبُوتُ مَعْلُومِيَّةِ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ فَمُتَعَذِّرٌ إذْ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ قَدْ دُثِّرَ وَسَفَّتْهُ الرِّيَاحُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَقْوَالِ الْعَوَامّ غَيْرُ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى ثَبْتٍ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ الْمُمْكِنَيْنِ وَيَكُونُ ظُهُورُ الْقِسْمَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَقْيِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ تَسْبِقْ فِيهِ وَظِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ إذَا بَاعَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ نَصْرَانِيٍّ اهـ (قَوْلُهُ كَمَاءِ السَّمَاءِ) أَيْ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ) أَيْ نَهْرِ التُّرْكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ نَهْرِ تِرْمِذَ. اهـ. فَتْحٌ وَدِجْلَةَ هِيَ نَهْرُ بَغْدَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُرَاتَ) هُوَ نَهْرُ الْكُوفَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدٌ إلَى آخِرِهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَعَمْ فَإِنَّ السُّفُنَ يُشَدُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ جِسْرًا يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْقَنْطَرَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا النِّيلُ خَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ بِاِتِّخَاذِ قَنْطَرَةِ السُّفُنِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ) وَالنِّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَسْتَأْمِنَ أَنْزَالَ الْأَرْضِ) جَمْعُ نُزْلٍ بِسُكُونِ الزَّايِ وَضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الرِّيعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْمِلْحِ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْمَاءِ وَالْجَمَدِ. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الْمَصْرِفِ] (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ إنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَقَوْلِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ بَعْدُ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ) أَيْ كَانْتِهَاءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ بِانْدِفَاعِ الْعَدُوِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٌ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ دُرَيْدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَالْقُتَبِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَثَعْلَبٍ نَقَلْته مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَقَالَ السَّفَاقِسِيُّ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ جَمِيعًا اهـ غَايَةٌ وَقَوْلُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرَ نِصَابٍ غَيْرِ تَامٍّ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الزَّكَاةِ بَلْ تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ التَّعَوُّذِ مِنْ الْفَقْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ

وَتَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ» وَلِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُمْ بِالذِّكْرِ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ بِمَعْنَى الْمَفْقُورِ وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفِقَارِ فَكَانَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ قَالَ الشَّاعِرُ هَلْ لَك مِنْ أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ ... تُغِيثُ مِسْكِينًا كَثِيرًا عَسْكَرُهْ عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وَبَصَرُهْ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالتُّرَابِ مِنْ الْجُوعِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] خَصَّهُمْ بِصَرْفِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ وَلَا فَاقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظَةُ الْمِسْكِينِ مِنْ سَكَنَ مُبَالَغَةٌ كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ مِنْ الْجُوعِ فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ وَقَالَ تَعَالَى فِي الْفُقَرَاءِ {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] وَلَوْلَا أَنَّ لَهُمْ حَالًا جَمِيلًا لَمَا حَسِبَهُمْ أَغْنِيَاءَ وَقَالَ الشَّاعِرُ أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ سَمَّاهُ فَقِيرًا مَعَ أَنَّ لَهُ حَلُوبَةً وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا تَلَا لِأَنَّ السَّفِينَةَ مَا كَانَتْ لَهُمْ وَإِنَّمَا كَانُوا فِيهَا أُجَرَاءَ وَقِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ مِسْكِينٌ أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَقْهُورِينَ بِقَهْرِ الْمَلِكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61] وَقَوْلُهُمْ الْفَقِيرُ بِمَعْنَى الْمَفْقُورِ وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفِقَارِ مَمْنُوعٌ فَإِنْ الْأَخْفَشَ قَالَ الْفَقِيرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقَرْت لَهُ فِقْرَةً مِنْ مَالِي أَيْ أَعْطَيْته فَيَكُونُ الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ الْمَالِ لَا تُغْنِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا أَنْشَدَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ بَلْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ عَشْرُ شِيَاهٍ لَكَانَتْ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَدْيُونُ وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ هَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ لِمَا تَلَوْنَا فَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيَهُ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَنَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِمَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لَوْ حَمَلُوا الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شَبْهَ الصَّدَقَةِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَلَا تَحِلُّ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى الْإِمَامِ وَلَا إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ كِفَايَتَهُمَا فِي الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَهُوَ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّدَقَاتِ وَفِي الرِّقَابِ الْمُكَاتَبُونَ أَيْ يُعَانُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ يُعْتَقُ مِنْهَا الرَّقَبَةُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَكَيْفَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ إلَى آخِرِهِ) وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَقْرَ الْمُتَعَوَّذَ مِنْهُ لَيْسَ إلَّا فَقْرَ النَّفْسِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ الْعَفَافَ وَالْغِنَى وَالْمُرَادُ بِهِ غِنَى النَّفْسِ لَا كَثْرَةُ الدُّنْيَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ) أَيْ بِهِمْ وَذَلِكَ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ حَاجَتِهِمْ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الرِّقَابِ مَعَ أَنَّ حَالَهُمْ أَحْسَنُ ظَاهِرًا وَأَخَّرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حَيْثُ أَضَافَ إلَيْهِمْ بِلَفْظَةِ فِي فَدَلَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِاعْتِبَارٍ آخَرَ غَيْرَ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ وَالِاعْتِبَارَاتُ الْمُنَاسِبَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ خُصُوصًا مِنْ عَلَّامِ الْغُيُوبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالتُّرَابِ إلَى آخِرِهِ) أَوْ أَنَّهُ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَى آخِرِهِ) بِمَحَلِّ الْإِثْبَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَيُعْطَى مُرَادٌ مَعَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ نَفَى الْمَسْكَنَةَ عَمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْمَسْأَلَةِ وَأَثْبَتَهَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَا يَسْأَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مُبَالَغَةٍ فِي الْمَسْكَنَةِ وَكَذَا صَرَّحَ الْمَشَايِخُ فِي غَرَضِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْكَنَةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ غَيْرِهِ هِيَ الْمَسْكَنَةُ الْمُبَالَغُ فِيهَا لَا مُطْلَقُ الْمَسْكَنَةِ وَحِينَئِذٍ لَكِنْ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ) يُقَالُ لَيْسَ لَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ أَيْ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانُوا فِيهَا أُجَرَاءَ) أَيْ أَوْ عَارِيَّةٌ مَعَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ) الْمُرَادُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ وَمُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ قَالَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ) أَيْ كِفَايَتَهُمْ بِالْوَسَطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالثُّمُنِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى كُلِّ الْأَصْنَافِ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السَّاقِطَ سَهْمُ الْكَفَّارَةِ مِنْهُمْ لَا الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُتَأَلَّفِينَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أَغْنِيَاءَ كَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْمُتَأَلَّفِينَ الْأَغْنِيَاءَ مَنَعْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ دَاخِلُونَ فِي صِنْفِ الْفُقَرَاءِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ أَجْرِ مِثْلِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّمُنِ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَمُلْتَقَى الْبِحَارِ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ اهـ. (قَوْلُهُ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِأَجْلِ الْفَقِيرِ فَكَأَنَّهُ يَأْخُذُ الْفَقِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ حَوَائِجِ الْفَقِيرِ كَذَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. كَاكِيٌّ

وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَا وَاحِدًا قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنٌ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الْمُتَعَفِّفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الزَّكَاةِ التَّمْلِيكُ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْقِنِّ فَتَعَيَّنَ الْمُكَاتَبُ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْرُوفَةً إلَى مَوْلَاهُ أَوْ إلَى نَفْسِ الْعَبْدِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا الثَّانِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يُتْلِفُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ وَالدَّفْعُ إلَى عَبْدٍ لِلْغَنِيِّ كَالدَّفْعِ إلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا فِي يَدِهِ. وَالْغَارِمُ مِنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الْغَرَامَةِ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ هُمْ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ» قُلْنَا الطَّاعَاتُ كُلُّهَا سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْغُزَاةُ وَلَا يُصْرَفُ إلَى غَنِيِّهِمْ لِمَا يُذْكَرُ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِزِيَادَةِ حَاجَتِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَالِانْقِطَاعُ وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلُزُومِهِ الطَّرِيقَ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ظَاهِرًا ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى أَوْ الْمُكَاتَبِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا حَتَّى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِي عَلَيْهِ قَالَ اجْمَعُوهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَهُ ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ إنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَوْهُ فِي الرِّقَابِ وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا فِي الرِّقَابِ هُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ أَوَلَيْسَا سَوَاءً قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذَا مَعْنَى وَفِي الرِّقَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا إلَى آخِرِهِ) وَمَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ زَكَاةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ) فَهُوَ غَنِيٌّ فِي الظَّاهِرِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ) مِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ وَالتَّجْرِيدِ والمرغيناني والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَامَّةِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ كَشَفْت عَنْ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ مُصَنَّفًا فَكَيْفَ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ فِي مَعْرِفَةِ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَفِي الْوَبَرِيِّ هُمْ الْحُجَّاجُ وَالْغُزَاةُ الْمُنْقَطِعُونَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْغَازِي غَيْرُ الْغَنِيِّ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الْغَازِي دُونَ الْحَاجِّ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمِثْلُهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهَؤُلَاءِ نَقَلُوا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْته ثُمَّ وَجَدْت فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَا يُوَافِقُ نَقْلَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَبِيلُ اللَّهِ فُقَرَاءُ الْغَرَاةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحَاجُّ أَيْضًا حَكَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ وَفِي الْغَزْنَوِيِّ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ. اهـ. غَايَةٌ. وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَقِيلَ سَبِيلُ اللَّهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ قُلْت هَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ وَمَنْ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا لِغَيْبَتِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَوْ لِإِعْسَارِهِ أَوْ لِتَأْجِيلِهِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ فِيهِ وَقَوْلُ الْعَتَّابِيِّ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَيْسَ نَفْيُ الشَّيْءِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَوْ عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ لِرُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ ابْنُ السَّبِيلِ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي مَعِيشَتِهِ وَزَادٌ يَكْفِيهِ إلَى وَطَنِهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

عَجَزَ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُمْ كَانُوا أَصْنَافًا ثَلَاثَةً صِنْفٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَأَلَّفُهُمْ لِيُسْلِمُوا وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَصِنْفٌ كَانُوا أَسْلَمُوا وَفِي إسْلَامِهِمْ ضَعْفٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَقْرِيرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْبَنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ وَكَانَ يُعْطِيهِمْ كَثِيرًا حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ وَالْأَقْرَعَ وَعُيَيْنَةَ وَعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ ثُمَّ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ جَاءَ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَطْلُبَانِ أَرْضًا فَكَتَبَ لَهُمَا بِهَا فَجَاءَ عُمَرُ فَمَزَّقَ الْكِتَابَ. وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ فَانْصَرَفَا إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَا أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ) أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا جَمِيعَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيْ صِنْفٍ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ إلَّا الْعَامِلُ وَكَذَا قَالَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَخُمُسِ الرِّكَازِ لَهُ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ قَالَ «أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] وَقَدْ تَنَاوَلَ جِنْسَ الصَّدَقَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ إيتَاءَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ خَيْرٌ لَنَا وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ نَصِيبَهُمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الصَّدَقَاتِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ أَنَّ اللَّامَ تَكُونُ لِلْعَاقِبَةِ يُقَالُ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ وَقَالَ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ. وَكَذَا عَاقِبَةُ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا إلَى آخِرِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ إلَى الْكُفَّارِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ) وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَعَ) أَيْ ابْنَ حَابِسٍ الْمُجَاشِعِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعُيَيْنَةَ) أَيْ ابْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ) أَيْ مَعَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِثَارَةِ النَّائِرَةَ وَارْتِدَادِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْلَا اتِّفَاقُ عَقَائِدِهِمْ عَلَى حَقِّيَّتِهِ وَأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ لَبَادَرُوا لِإِنْكَارِهِ نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَوْ أَفَادَ تَقَيُّدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ انْتِهَاؤُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِ عَطَاءٍ أَعْطَاهُمُوهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ تَعْلِيلِهِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا انْتَهَتْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَسَائِلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ لِثُبُوتِ اسْتِغْنَائِهِ فِي بَقَائِهِ عَنْهَا شَرْعًا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِ مَحَلٍّ يَقَعُ فِيهِ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بَلْ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي قَوْلِنَا حُكْمٌ مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمُؤَلَّفَةِ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَسْخَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةُ حُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ) أَيْ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّازِمِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ وَتَكْرِيرُ فِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَضْلُ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إعَادَةَ الْعَامِلِ تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ قُوَّةٍ وَتَأْكِيدٍ كَقَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو اهـ (فَائِدَةٌ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ إلْحَافًا وَيَأْكُلُ إسْرَافًا يُؤْجَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] أَيْ فَالْإِخْفَاءُ خَيْرٌ لَكُمْ قَالُوا الْمُرَادُ صَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ وَالْجَهْرُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ

مِلْكُهُمْ وَتَكُونُ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَصْلُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْمِلْكِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ وَجَعْلُهَا لِلتَّمْلِيكِ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ وَلَا يُعْرَفُ مَالِكٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي الشَّرْعِ وَكَذَا الْمَالُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ حَتَّى جَازَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَمَا جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً لَهُ لِلتِّجَارَةِ لِمُشَارَكَتِهِ الْفُقَرَاءَ فِيهَا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِيهِ لَامٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى التَّمْلِيكِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَيَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] حَتَّى حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْوَاحِدَةُ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ كَابْنِ السَّبِيلِ وَاشْتِرَاطُ الْجَمْعِ فِيهِ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُوَ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَالْمَذْكُورُ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهَذَا خُلْفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّقْيِيدُ زِيَادَةٌ وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا جَازَ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاذٍ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ لِأَنَّهُ نُسِخَ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مِنْ عُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَكَذَا أُصُولُ الْمُزَكِّي كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكَذَا فُرُوعُهُ وَزَوْجَتُهُ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ التَّخْصِيصُ بِمِثْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ غَيْرُهَا) أَيْ صَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى الذِّمِّيِّ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِجَوَازِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيُّ خَارِجٌ بِالنَّصِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى بِالزَّكَاةِ الْمَسْجِدُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَا يُبْنَى بِهَا الْقَنَاطِرُ وَالسِّقَايَاتُ وَإِصْلَاحُ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَكْفِينُ مَيِّتٍ وَقَضَاءُ دَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ بِهَا مَيِّتٌ وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ أَمَّا التَّكْفِينُ فَظَاهِرٌ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِتَكْفِينِهِ ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ السِّبَاعُ وَأَكَلَتْهُ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ بِهِ لَا لِوَارِثَةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْحَيِّ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَدْيُونِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ أَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِهَا دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى إذَا كَانَ الْمُزَكِّي مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِالْيَسَارِ كَانَ إخْفَاؤُهُ أَفْضَلَ وَالْمُتَطَوِّعُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ كَانَ إظْهَارُهُ أَفْضَلَ. اهـ. مَدَارِكٌ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ مَالِكٍ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِعُمُومِهِ اهـ غَايَةٌ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلِاخْتِصَاصِ قُلْنَا اللَّامُ فِي الْآيَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ يَعْنِي أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِالزَّكَاةِ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ كَقَوْلِك الْخِلَافَةُ لِقُرَيْشٍ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَيْ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُمْ فَتَكُونُ اللَّامُ لِبَيَانِ مَحَلِّ صَرْفِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ وَكَذَا الْعُشْرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 9] إلَى آخِرِهِ) بِالْإِجْمَاعِ ضَمِيرُ أَغْنِيَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَا ضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَأَلَّا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ فَزِدْنَا هَذَا الْوَصْفَ بِهِ كَمَا زِدْنَا صِفَةَ التَّتَابُعِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ هِدَايَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَالذِّمِّيُّ يَتَقَوَّى بِهِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَافِي قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ اهـ وَرَوَاهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَرَوَاهُ أَيْضًا الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272]. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ) أَيْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ إلَى ذِمِّيٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ) أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا صَدَقَةً وَحَقِيقَةُ تَمْلِيكِ الْمَالِ مِنْ الْفَقِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَحَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَيَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ مَيِّتٌ بِأَمْرِهِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْلُومٌ إرَادَةُ قَيْدِ فَقْرِ الْمَدْيُونِ فَظَاهِرُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِرَاءُ قِنٍّ يُعْتَقُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ فَيُعْتَقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ يَأْمُرَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَيَحْصُلَ لِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجُهَا وَعَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أُصُولِهِ وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْا وَلَا إلَى فُرُوعِهِ وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ اتِّصَالًا فِي الْمَنَافِعِ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِانْتِفَاعِ بَيْنَهُمْ عَادَةً وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِكَوْنِهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَبِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهَا وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ وَكَذَا جَمِيعُ الصَّدَقَاتِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ خُمُسِ الرِّكَازِ حَيْثُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْفَقْرُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَفِيمَا إذَا دَفَعَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَمَرْت الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ». وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يُسْتَغْنَى بِمَالِهَا وَهِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ شَيْءٌ فَمَا ظَنُّك بِالْمَرْأَةِ فَتَكُونُ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهَا وَحَدِيثُ زَيْنَبَ كَانَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ وَالْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَلَدِ وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ كُلُّهُ وَهِيَ تَصَدَّقَتْ بِالْكُلِّ فَدَلَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَطَوُّعًا وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا «قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيِّ لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى إلَى تَخْصِيصِ الْحَيِّ فِي حُكْمِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَإِطْلَاقِهِ فِي الْمَيِّتِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا لِلْمَدْيُونِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ الدَّائِنِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ وَقَوْلُهُمْ الْمَيِّتُ يَبْقَى مِلْكُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَازِهِ وَنَحْوِهِ حَاصِلُهُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ حَالَ الْأَهْلِيَّةِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ حُدُوثِ مِلْكِهِ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَعَمَّا قُلْنَا يُشْكِلُ اسْتِرْدَادَ الْمُزَكَّى عِنْدَ التَّصَادُقِ إذَا وَقَعَ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبْضُ النَّائِبِ أَعْنِي الْفَقِيرَ وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتَهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ إذَا عَجَّلَ لَهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الِاسْتِرْدَادَ هُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ لِلسَّاعِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَتَاوَى وَلَوْ جَاءَ الْفَقِيرُ إلَى الْمَالِكِ بِدَرَاهِمَ سَتُّوقَةٍ لِيَرُدَّهَا فَقَالَ الْمَالِكُ رُدَّ الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَلَا زَكَاةَ عَلَيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْفَقِيرِ فَيَكُونَ هِبَةً مُبْتَدَأً مِنْ الْفَقِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ فَهُنَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا) أَيْ وَلَا أَوْلَادُ بِنْتِهِ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالنُّذُورُ) أَيْ وَجَزَاءُ قَتْلِ الصَّيْدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) فَصَارَ الْأَصْلُ فِي الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الدَّافِعِ ذَكَرُوا مَعْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ مَعَ قَبْضٍ مُعْتَبَرٍ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ دَفَعَ لِلصَّغِيرِ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَإِنْ دَفَعَهَا الصَّبِيُّ إلَى أَبِيهِ قَالُوا كَمَا لَوْ وَضَعَ زَكَاتَهُ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ الْفَقِيرُ وَقَبَضَهَا لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقْبِضَهَا لَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَعُولُونَهُ أَوْ الْمُلْتَقِطُ يَقْبِضُ لِلَّقِيطِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا أَوْ يَعْقِلُ الْقَبْضَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْمِي وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ يَجُوزُ وَلَوْ وَضَعَ الزَّكَاةَ عَلَى يَدِهِ فَانْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ جَازَ وَكَذَا إنْ سَقَطَ مَالُهُ مِنْ يَدِهِ فَرَفَعَهُ فَقِيرٌ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْمَالُ قَائِمٌ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ مُجْزِئٌ. اهـ. فَتْحٌ. (فَائِدَةٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطِي لِمُبَانَتِهِ فِي الْعِدَّةِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَلَا يُعْطِي الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ وَلَا الْمَخْلُوقَ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ الرَّقِيقَةِ كَذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَمَنْ زَنَى بِمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَدَفَعَ الزَّوْجُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى هَذَا الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ وَالزَّانِي لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى وَلَدِ الْمَزْنِيَّةِ وَلِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ مَعْرُوفٌ يَجُوزُ لِأَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ مِنْ النَّاكِحِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي دَفْعُ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْوَلَدِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمِيعُ الْقَرَابَاتِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَنْوِي الزَّكَاةَ جَازَ عَنْ

وَلَيْسَ لِزَوْجِي وَلَا لِوَلَدِي شَيْءٌ فَشَغَلُونِي فَلَا أَتَصَدَّقُ فَهَلْ لِي فِيهِمْ أَجْرٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» رَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ عَنْ رَيْطَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَيْطَةُ هَذِهِ هِيَ زَيْنَبُ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّدَقَةُ مِنْ فَضْلِ صَنْعَتِهَا لَا تَكُونُ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا أُعْتِقَ بَعْضُهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْتِقَ مَالِكُ الْكُلِّ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ أَوْ يُعْتِقَهُ شَرِيكُهُ فَيَسْتَسْعِيَهُ السَّاكِتُ فَيَكُونَ مُكَاتَبًا لَهُ أَمَّا إذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ بِسَبَبِ مِلْكِ نِصَابٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِمِلْكِ نِصَابٍ لِأَنَّ الْغِنَى عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ الْأُولَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ حِرْمَانَ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقُوتِ يَوْمِهِ وَمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا الْفَقِيرُ الْقَوِيُّ الْمُكْتَسِبُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيِّ الْغُزَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا وَالْغَارِمُ وَرَجُلٌ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا إلَى الْغَنِيِّ» وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ قَسِيمَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِقَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] بَعْدَ ذِكْرِهِمَا فَكَانَ غَيْرُهُمَا ضَرُورَةً وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ أَوْ نَقُولُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا مَا دَامَ مُقِيمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْغَزْوِ يَحْتَاجُ إلَى عِدَّةٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِيهِ مَا فِي يَدِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى هَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَبْدُهُ وَطِفْلُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةِ وَإِنْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا يَنْوِي الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَاءُ وَاجِبٍ فِي وَاجِبٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَحْتَسِبْهَا بِالنَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْكَمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَيْطَةُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي كِتَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الرَّيْطَةُ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَمْ تَكُنْ لِفْقَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ مُتَضَامَّتَيْنِ وَقِيلَ كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ رَيْطَةٌ وَبِهَا سُمِّيَتْ رَيْطَةُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا رَيْطَةُ فَهِيَ بِنْتُ سُفْيَانَ لَهَا صُحْبَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ قَالَ الْكَمَالُ مِنْ فُرُوعِهَا قَوْمٌ دَفَعُوا الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَجْمَعُهَا لِفَقِيرٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الْآخِذِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ جَمَعَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ قَالُوا كُلُّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا فِي يَدِ الْجَابِي مِائَتَيْنِ جَازَتْ زَكَاتُهُ وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مِائَتَيْنِ تَفَضُّلٌ بَعْدَ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ الْكُلُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْفَقِيرِ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ يَمْلِكُهُ وَفِي الثَّانِي وَكِيلُ الدَّافِعِينَ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِلْكُهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَعْطَى فَقِيرًا أَلْفًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَوَزْنُهَا مِائَةُ مِائَةٍ وَقَبْضُهَا كَذَلِكَ يَجْزِيهِ كُلُّ الْأَلْفِ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ وَدَفْعُ كُلِّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَاسْتَدْعَى بِهَا مِائَةَ مِائَةٍ كُلَّمَا حَضَرَتْ مِائَةٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا مِائَتَانِ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ يُسَاوِي نِصَابًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ نِصَابًا وَقِيلَ إنْ كَانَ بِطَعَامِ شَهْرٍ يُسَاوِي نِصَابًا جَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِ إلَّا إنْ زَادَ وَلَوْ كَانَ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ جَازَ الصَّرْفُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الزَّارِعِ مَا زَادَ عَلَى ثَوْرَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ. قَوْلُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ يَعْنِي سَوَاءً كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ سَوَائِمَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَكِنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ مُشْكِلٌ اهـ (فَرْعٌ) لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ مِقْدَارَ الْكِفَايَةِ وَفِي الْحَاوِي دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ لِحُصُولِ الْغِنَى لِلْوَاحِدِ دُونَ الْجَمَاعَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ. وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْفَقِيرِ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى الْجَاهِلِ وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الدَّفْعُ إلَى مَدْيُونٍ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالدَّفْعُ إلَى الْوَاحِدِ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ نِصَابًا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ) أَيْ عَلَى مَالِكِهِ وَهُوَ النَّامِي خِلْقَةً أَوْ إعْدَادًا وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَحُرْمَةُ وَضْعِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ اهـ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ) وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَظَاهِرِهِ. اهـ.

أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا وَلَدُهُ الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ هَاشِمِيٌّ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَطْلَقَ الْهَاشِمِيُّ هُنَا وَفَسَّرَهُمْ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ بَنُو أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ كَرَامَةٌ لَهُمْ اسْتَحَقُّوهَا بِنَصْرِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَبُو لَهَبٍ آذَى النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَالَغَ فِي أَذِيَّتِهِ فَاسْتَحَقَّ الْإِهَانَةَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِينَ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ لَا يَحِلُّ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِيهِمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا فَقَالَ لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَكَذَا الْوَقْفُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ سَمُّوا فِي الْوَقْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوا لَا يَجُوزُ فَجَعَلَهُمْ عَلَى مِثَالِ الْغَنِيِّ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى الْهَاشِمِيِّ فِي زَمَانِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْهَاشِمِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ) أَيْ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ اهـ غَايَةٌ بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ بِالنَّصِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ) إلَى قَوْلِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا وُجُوبُ كِفَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْعُشْرِ فِيمَنْ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ اهـ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ) وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ غَنِيَّةٌ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَخْ) إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ بِنْتِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا هَذِهِ الْأَعْذَارُ وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجْزِيهِ لِأَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ لِمَا يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى الْغَنِيِّ فَالصَّرْفُ لَهَا كَالصَّرْفِ إلَى ابْنِ الْغَنِيِّ وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْبَابَهَا النَّفَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى نَفْسِ الْغَنِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ إلَخْ) السِّرُّ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا دَفْعُ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا ثَانِيهَا أَنَّهَا طَهُورٌ لِلْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ الذُّنُوبِ فَلَا يَلِيقُ بِذِي الشَّرَفِ الْعَظِيمِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِكَوْنِهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَنْبٍ أَوْ نَقِيصَةٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ فَلَا يَلِيقُ أَيْضًا بِهِ أَخْذُهَا وَهَذَا أَقْوَاهَا رَابِعُهَا أَنَّ يَدَ الْمُعْطِي أَعْلَى فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدًا وَلِهَذَا أَبَاحَ لَهُ الْغَنَائِمَ مِنْ الْأَنْفَالِ وَخُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ الْفَيْءِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالسَّيْفِ قَهْرًا. اهـ. ابْنُ دِحْيَةَ (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَافَّةً اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَدْخُلْنَ فِي آلِهِ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ) وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا اسْمُهُ أَسْلَمُ وَاسْمُ ابْنِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ) عَلَيْهِ مَشْي الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ حَيْثُ قَالَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ النَّفْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَخْ) قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْحُرْمَةُ لِلْعِوَضِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ فَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَةُ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي النَّتْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ

(وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ خَطَأَهُ قَدْ ظَهَرَ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْت فَأَخَذْتهَا فَأَتَيْته بِهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت فَخَاصَمْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَك مَا نَوَيْت يَا يَزِيدُ وَلَك مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ. وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَفِي قَوْلِهِ دَفَعَ بِتَحَرٍّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ وَأَخْطَأَ لَا يُجْزِئُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَهُوَ جَائِزٌ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ وَهُوَ شَاكٌّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَيْهِ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَجْزِيهِ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِبْلَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ. وَالْفَرْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ) أَيْ ذِمِّيٌّ. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ جَوَازُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دِيَارِنَا وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذْ التَّصَدُّقُ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ لَهُ وَفِي التُّحْفَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ. (تَتِمَّةٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ لِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ تَنْتَظِمُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ وَالْوَاجِبَةَ فَجَرَوْا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَةِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ صَدَقَةِ الْأَوْقَاتِ لَهُمْ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ النَّافِلَةُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّفَلُ لِلْغَنِيِّ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ اهـ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ خِلَافٌ فَقَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِي النَّفْلِ مُتَبَرِّعٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ. وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ وَكَأَنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وُجُوبُ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ صَدَقَةً وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ فَوُجُوبُ الْأَدَاءِ هُوَ نَفْسُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلْنَتَكَلَّمْ فِي النَّافِلَةِ ثُمَّ يُعْطَى مِثْلُ حُكْمِهِ لِلْوَقْفِ فَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضٌ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ اهـ فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ حُرْمَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِمْ النَّافِلَةُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَعَ الْأَدَبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ تَكْرِمَةً لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَيْك لَحْمُ بَرِيرَةَ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى اعْتَبَرَهُ هَدِيَّةً فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةً نَافِلَةً وَأَيْضًا لَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُخَصُّ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَ إخْرَاجِ شَيْءٍ بِسَمْعِيٍّ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَتِمُّ فِي الْقِيَاسِ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ اهـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْفَتْحِ فَلْيَنْظُرْ ثَمَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ أَيْ وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ وَهَلْ يَطِيبُ لِلْقَابِضِ إذَا ظَهَرَ الْحَالُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَطِيبَ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَقِيلَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ لِيُعِيدَ الْأَدَاءَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَيْ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ. اهـ. دِرَايَةٌ وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَأَعْطَاهُمْ الْوَصِيُّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ ضَامِنٌ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّوَسُّعُ وَالْوَصِيَّةُ حَقُّ الْعِبَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَ وَلَا يَأْثَمُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ) أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلَا يَخْتَصُّ عُمُومُهَا عِنْدَنَا بِالشَّرْطِيَّةِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّة ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَاسْتَفْصَلَ فَلِمَا عَمَّا وَأَطْلَقَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا) قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ وَأَلْحَقَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ مَعْنًى اهـ فَتْحٌ

لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا تَكُونُ صَلَاةً وَلَا طَاعَةً وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ يَعْنِي الْكُفْرَ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا فَإِذَا أَصَابَ صَحَّ وَنَابَ عَنْ الْوَاجِبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ مُمْكِنٌ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْغَنِيِّ مُتَعَذِّرٌ فَيُعْذَرُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَعَسِّرٌ وَلَوْ كُلِّفَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ لَحُرِجَ وَهُوَ مَدْفُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا) أَيْ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ عَبْدُ الدَّافِعِ أَوْ مُكَاتَبَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا بِأَنْ يُعْطِيَ لِوَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ لِأَنَّ الْغِنَى حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى الْغَنِيِّ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي الْفَقْرَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُتِمُّ التَّمْلِيكَ وَحَالَةُ التَّمْلِيكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَقِيرٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغَنِيُّ عَنْ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لَهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يَسْبِقُهُ لَا مَا يَلْحَقُهُ وَلَوْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لَمَا صَحَّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا بِالْإِيقَاعِ تَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً وَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ جَاوَرَ الْمُفْسِدَ فَصَارَ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ قَالُوا إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَزِيَادَةً دُونَ مِائَتَيْنِ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطَى قَدْرَ مَا لَوْ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ نُدِبَ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَالسُّؤَالُ ذُلٌّ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ الْمُسْلِمِ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) أَيْ كُرِهَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَلِغَيْرِ كَوْنِهِمْ أَحْوَجَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ إلَيْهَا أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يُكْرَهُ فَأَمَّا كَرَاهِيَةُ النَّقْلِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ كَرَاهِيَةِ نَقْلِهَا إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلِقَوْلِ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الْقَرِيبِ أَوْ زِيَادَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ نَقَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَكَانِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى يُفَرَّقُ فِي مَوْضِعِ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ يُعْتَبَرُ مَكَانُهُ لَا مَكَانُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَبِيدِهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَحَلُّهَا الْمَالُ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِمْ وَقَالُوا الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَتِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ جَمْرَ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ قَالَ فِي الْغَايَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ تُحَرِّمُ سُؤَالَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ) أَيْ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا قُوَّةُ مَرْتَبَةِ الرُّكْنِ عَلَى الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ جَوَازَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ وَغَيْرِهِ فَاتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْفَقْرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفِي عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَاتَ التَّمْلِيكُ وَهُوَ الرُّكْنُ فَلِذَلِكَ جَازَ الْأَدَاءُ فِي الْأُولَى مَعَ ظُهُورِ الْغِنَى عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ كَذَا قِيلَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ 1 - (فُرُوعٌ) مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَاقِعَاتِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفَعْ زَكَاتِي إلَى مَنْ شِئْت أَوْ أَعْطِهَا مَنْ شِئْت فَدَفَعَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت جَازَ وَضْعُهَا فِي نَفْسِهِ وَقَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَكَّلَ بِدَفْعِ زَكَاتِهِ فَدَفَعَهَا لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّغِيرِ أَوْ زَوْجَتِهِ يَجُوزُ وَلَا يُمْسِكُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الصُّغْرَى أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى إنْسَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ جَازَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِهِ مَنْ شِئْت لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْجَامِعِ لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَاطِلٌ بِمَسْأَلَةِ الْوَضْعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَوْصَى إلَيْهِ بِثُلُثِهِ يَضَعُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ فَجَعَلَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ جَازَ كَالْمُوصِي وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ فِي وَلَدِ الْمُوصِي كَالْمُوصِي فَإِنْ وَضَعَهُ فِي بَعْضِ وَلَدِ الْمُوصِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَيُرَدُّ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِانْتِهَائِهِ بِهِ وَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُوصِي وَفِي الْجَامِعِ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَضْعِ وَبَيْنَ الدَّفْعِ وَالصَّرْفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّفْعَ وَالصَّرْفَ لِلتَّمْلِيكِ كَالْإِعْطَاءِ وَالْإِيتَاءِ وَالْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ الْوَضْعُ لِلتَّمْلِيكِ فَافْتَرَقَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالذُّرَةُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ) وَيَجِبُ كَوْنُ

[باب صدقة الفطر]

وَيَجُوزُ مَعَهَا سُؤَالُ الْجُبَّةِ وَالْكِسَاءِ وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأُوقِيَّةِ وَالْخَمْسِينَ سُؤَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ حُرْمَةُ السُّؤَالِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَرُوِيَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ أُوقِيَّةً وَعَلَى مَنْ يَكُونُ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) وَهُوَ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ النُّفُوسِ وَالْخِلْقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَجِبُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ ذِي نِصَابٍ فَضَلَ عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَمَسْكَنِهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ وَالْإِسْلَامَ لِتَقَعَ قُرْبَةً وَمِلْكَ النِّصَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ عَلَى مَا مَرَّ فِي حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ نَامِيًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَنْ نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) يَعْنِي يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْمَلِهِ كَوْنُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجَ أَوْ ذَلِكَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ إعْطَاءِ فُقَرَائِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا بِالزَّكَاةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ الصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ تَرْتِيبِ الْوُجُودِ وَأَوْرَدَهَا صَاحِبُ الْكِتَابِ هُنَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الصَّدَقَةِ وَرَجَّحَهَا لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ شَرْطًا وَحَقُّ هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْعُشْرِ لِمَا أَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهَذِهِ عِبَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ إلَّا أَنَّ الْعُشْرَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَهِيَ ثَبَتَتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ الْعُشْرَ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرِ يَوْمُهُ كَيَوْمِ النَّحْرِ لِمَا أَنَّ الْفِطْرَ اللُّغَوِيَّ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الَّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا تُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ كَالصَّدَاقِ يُظْهِرُ صِدْقَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ وَإِضَافَةُ الصَّدَقَةِ إلَى الْفِطْرِ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ كَمَا فِي حُجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَجَازٌ لِمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ كَمَا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ كَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ لِيَصِيرَ مُحَرِّضًا لَهُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَمَّا مَعْرِفَتُهَا فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ. قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قِيلَ لَفْظَةٌ إسْلَامِيَّةٌ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا مَا عُرِفَتْ إلَّا فِي الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هُوَ اسْمُهَا عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَيُقَالُ لَهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ رَمَضَانَ وَزَكَاةُ الصَّوْمِ اهـ. وَأَمَّا مَعْرِفَتُهَا شَرْعًا فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُعْطَى مِنْ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصِّلَاتِ وَالْعِبَادَةِ تَرَحُّمًا مُقَدَّرًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى صِلَةً تَكَرُّمًا لَا تَرَحُّمًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْله تَجِبُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِعْلٌ وَفَاعِلُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَذْكِيرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْبَابِ فَيَجِبُ التَّأْنِيثُ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ نِصْفُ صَاعٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ يُؤَدِّي وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحُ النَّافِعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ صِفَتَيْنِ لِلْعَبْدِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا رَاجِعَيْنِ إلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ الصَّغِيرُ إلَى الْحُرِّ وَالْكَبِيرُ إلَى الْعَبْدِ فَيَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ أَوْلَى وَلَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ لَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» إلَخْ) ذَكَرَ فِي مَجَازَاتِ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَجَازٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إذَا كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ غِنًى وَالظُّهْرُ هَاهُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ فَكَانَ الْمَالُ لِلْغَنِيِّ بِمَنْزِلَةِ الظَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ اعْتِمَادُهُ وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُهُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ ظَهْرُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَلْتَجِئُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى أَيْ صَادِرَةً عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَالظَّهْرُ فِيهِ مُقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ فَظَهْرُ الْغَيْبِ اهـ كَشْفٌ كَبِيرٌ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ

وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ فَقِيرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَهُمَا يَقُولَانِ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْغَيْرِ فَصَارَتْ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَلِهَذَا لَا يَتَحَمَّلُهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَدُهُ الْمَجْنُونُ الْكَبِيرُ وَقَوْلُهُ وَعَبِيدُهُ لِلْخِدْمَةِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ عَبِيدِهِ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمْ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ وَعَبِيدُ عَبِيدٍ تَجِبُ عَنْ الْعَبِيدِ لِمَا قُلْنَا وَلَا تَجِبُ عَنْ عَبِيدِ الْعَبِيدِ إنْ كَانُوا لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانُوا لِلْخِدْمَةِ تَجِبُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبِيدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا تَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى هَلْ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَمْ لَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامُ الْعَبْدِ كَالزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَنْ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهَا وَلَا يُمَوِّنُهَا إلَّا لِضَرُورَةِ انْتِظَامِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا (وَلَدُهُ الْكَبِيرُ) لِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُ وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً وَلَا يُؤَدِّي عَنْ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَنَوَافِلِهِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي مَعْنَى نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا (مُكَاتَبِهِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَ) لَا (عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لَهُمَا) أَيْ لَا تَجِبُ عَنْ عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْعَبِيدِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النَّصِيبَ لَا يَجْتَمِعُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَتِمَّ الرَّقَبَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا عَنْ الْأُمِّ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ الْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ تَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ وَلَدًا لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا وَالْمُؤْنَةَ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ لِأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلتَّجَزُّؤِ كَالْمُؤْنَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ أَوْ مَأْسُورٌ أَوْ مَغْصُوبٌ مَجْحُودٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِمْ وَمِنْ الْمَرْهُونِ تَجِبُ فِي الْمَشْهُورِ إنْ فَضَلَ بَعْدَ الدَّيْنِ قَدْرَ النِّصَابِ وَكَذَا بِسَبَبِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي حَيْثُ تَجِبُ عَنْهُمَا كَيْفَمَا كَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ وَالْجَانِي وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَوْلَى، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَقَّفُ لَوْ مَبِيعًا بِخِيَارِ) أَيْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ صَدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مُقْتَصِرًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَتَعْلِيقَاتُهُ الْمَجْزُومَةُ لَهَا حُكْمُ الصِّحَّةِ وَرَوَاهُ مَرَّةً مُسْنَدًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ تَجِبُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَهُمَا) وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى بَلَغَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ) أَيْ تَجِبُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ غَنِيًّا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ نَحْوُ الْأَدْوِيَةِ) أَيْ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً) أَيْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا الْإِعَادَةُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا مُكَاتَبُهُ إلَخْ) وَفِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَقْوَالٌ سِتَّةٌ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَعَلَّهُ أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَقِ كُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ تُنْظَرُ فِي الْغَايَةِ السُّرُوجِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الرَّقِيقِ جَبْرًا وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِوَاحِدٍ مَا يُسَمَّى رَأْسًا وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْقِسْمَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى الْمِلْكِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ عَنْ وِلَايَةٍ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَلِذَا تَجِبُ عَنْ الْوَلَدِ وَلَا مِلْكَ وَلَا تَجِبُ عَنْ الْآبِقِ مَعَ الْمِلْكِ فِيهِ وَلَوْ سَلَّمَ فَجَوَازُ الْقِسْمَةِ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً لِثُبُوتِهَا وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَهَا وَقَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ رَأْسٌ كَامِلٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ رَأْسٌ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ لِأَنَّ الْمُفَادَ بِالنَّصِّ مِنْ قَوْلِهِ تَمُونُونَ عَلَيْكُمْ مُؤْنَتَهُ وَلَيْسَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُؤْنَتُهُ بَلْ بَعْضُهَا وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ إيَّاهُ وَلَا سَبَبَ إلَّا هَذَا فَعِنْدَ انْتِفَائِهِ يَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنَّ الْعَدَمَ يُؤَثِّرُ شَيْئًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدْ مَثَلًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ عَبْدَيْنِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخَامِسِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَحَكَى الزَّعْفَرَانِيُّ والإسبيجابي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا الصَّدَقَةُ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا أَوْ مَيِّتًا فَعَلَى الْآخَرِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ إلَخْ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ مِنْ الْإِبَاقِ أَوْ رُدَّ الْمَغْصُوبُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ مَا مَضَى. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْفِطْرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْمُوصَى لَهُ وَقَبْلَ رَدِّهِ اهـ غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْعَبْدِ

فِطْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ فَعَلَى الْبَائِعِ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَالزَّوَالُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ حُكْمِ عَلَيْهِ كَالْمُقِيمِ إذَا سَافَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ أَنْشَأَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ وَالْوِلَايَةَ مَوْقُوفَانِ فِيهِ فَكَذَا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فُسِخَ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَكُونُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَصُورَتُهُ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَعِنْدَنَا يُضَمُّ إلَى نِصَابِ مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَتُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَتَأَكُّدِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَبَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَصَدَقَتُهُ عَلَيْهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ وَلَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَبْضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ (أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الزَّبِيبُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعِيرِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ صَاعٌ وَلَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذَكَرَ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي خُطْبَتِهِ «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» الْحَدِيثَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ فَقَالَ إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ» وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» وَهُوَ مُرْسَلُ سَعِيدٍ وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْخَصْمِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ». وَقَالَ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يُجْزِئُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَرَّعُونَ بِالزِّيَادَةِ وَكَلَامُنَا فِي الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ جَابِرٌ «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُسْتَعَارُ الْوَدِيعَةُ وَالْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ وَلَوْ بِيعَ الْعَبْدُ بَيْعًا فَاسِدًا فَمَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَهُوَ مَقْبُوضُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِأَحَدٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ كَالْمُعَارِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ تَجِبُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْخِدْمَةِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَجِبُ عَلَى مَالِك الْخِدْمَةِ اهـ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَرَقِيقُ الْأَحْبَاسِ وَرَقِيقُ الْقُوَّامِ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى زَمْزَمَ وَرَقِيقُ الْفَيْءِ وَرَقِيقُ الْغَنِيمَةِ وَالسَّبْيِ وَالْأَسْرَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا فِطْرَةَ فِيهِمْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ لِمُعَيَّنٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى تَأْوِيلِ التَّصَدُّقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ) فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فِي الْحَالِ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا مَوْقُوفَةً مَاتَ الْمَمْلُوكُ جَوْعًا فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْمِلْكَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا) أَيْ وَقْتَ الْوُجُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ نِصْفُ (قَوْلُهُ أَوْ زَبِيبٌ) أَلْحَقَهُ شَيْخُنَا وَلَيْسَ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ) وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِصَاعٍ كَمَا سَتَقِفُ عَنْ قَرِيبٍ وَرَفَعَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِزَّةِ الزَّبِيبِ فِي زَمَانِهِ كَالْحِنْطَةِ لَا يَقْوَى لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَى قَدْرٍ فِيهِ لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ فِيهِ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نُخْرِجُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ رِوَايَةٌ فِيمَا عَلِمْت قَالُوا وَالطَّعَامُ هُوَ الْبُرُّ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الشَّعِيرِ مَعَهُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) وَالْأَقِطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ جُبْنُ اللَّبَنِ بَعْدَ إخْرَاجِ زُبْدِهِ وَقِيلَ جُبْنٌ يُتَّخَذُ مِنْ لَبَنٍ حَامِضٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذَكَرَ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ) رَوَاهُ مَالِكٌ

أَسْمَاءَ كَانَتْ لَنَا فَرَسٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَبَحْنَاهَا وَأَكَلْنَاهَا كُلُّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ عِلْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يُقَارِبُ التَّمْرَ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ وَلَهُ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ وَلِأَنَّهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَلَا يَرْمِي مِنْ الْبُرِّ النُّخَالَةَ وَلَا مِنْ الزَّبِيبِ الْحَبَّ إلَّا الْمُتَرَفِّهُونَ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ يُرْمَى مِنْهُمَا النَّوَى وَالنُّخَالَةُ وَبِهِ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ دَقِيقَ الْبُرِّ وَسَوِيقَهُ كَالْبُرِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا مِنْ الشَّعِيرِ وَحُكْمُهُمَا أَنَّهُمَا كَالشَّعِيرِ حَتَّى يَجِبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّاعُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا لِضَعْفِ الْآثَارِ فِيهِمَا لِعَدَمِ الِاشْتِهَارِ حَتَّى إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً تَتَأَدَّى بِالْقَدْرِ وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ. وَعَلَى هَذَا فِي الزَّبِيبِ أَيْضًا يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ قِيمَةُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَبْلُغُ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَالْخُبْزُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُون مَنَوَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مِنْ دَقِيقِهِ نِصْفُ صَاعٍ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ خُبْزِهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ فَصَارَ كَالذُّرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْأَثَرُ بِخِلَافِ الدَّقِيقِ وَالزَّبِيبِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) أَيْ الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَخَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ أَصْغَرُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا حَجَّ سَأَلَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَنْ الصَّاعِ فَقَالُوا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُ صَاعُهُ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ) وَالِاسْتِحْلَاءُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ) فِي الْمَعْنَى. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْله وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعِيَ فِيهِمَا) أَيْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانَتْ) أَيْ الْحِنْطَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ صَحِيحَةً) أَيْ غَيْرَ مَطْحُونَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ تَتَأَدَّى بِالْقَدْرِ وَإِلَّا فَبِالْقِيمَةِ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ قِيمَتُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ حَتَّى لَوْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْأَحْوَطُ فِي الزَّبِيبِ الْقِيمَةُ لِعَدَمِ شُهْرَةِ النَّصِّ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَالْخُبْزُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ) فَإِنَّ فِي الْغَالِبِ كَوْنُ نِصْفِ صَاعٍ دَقِيقٍ لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مَا هُوَ دَقِيقُهُ بَلْ يَزِيدُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ نَقْصُهُ كَمَا يَتَّفِقُ فِي أَيَّامِ الْبِدَارِ كَانَ الْوَاجِبُ مَا قُلْنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الْأَثَرُ) أَيْ وَهُوَ مَوْزُونٌ غَيْرُ مَكِيلٍ وَالْكَيْلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ بِالنَّصِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالذُّرَةِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَأَصْلُهُ ذَرْوٌ أَوْ ذَرْيٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ اهـ (قَوْلُهُ بِالْبَغْدَادِيِّ) فِي الْهِدَايَةِ بِالْعِرَاقِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) أَيْ بِالْبَغْدَادِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَالرِّطْلُ زِنَةُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَهُوَ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ فَمَا وَسِعَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةً وَثُلُثًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ كَذَا قَالُوا وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا إذَا تَأَمَّلَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ يَسْتَوِي فِيهِمَا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَعْنِي أَنَّ الصَّاعَ مِنْهُمَا يَكُونُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَالثَّمَانِيَةُ الْأَرْطَالُ مِنْهُمَا صَاعٌ وَمَا سِوَاهُمَا قَدْ يَكُونُ الْوَزْنُ أَقَلَّ مِنْ الْكَيْلِ كَالْمِلْحِ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ كَالشَّعِيرِ فَإِذَا كَانَ الْمِكْيَالُ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْعَدَسِ وَالْمَاشِّ فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يُكَالُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ. اهـ. غَايَةٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مَا نَصُّهُ الصَّاعُ كَيْلٌ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فَقْدٍ وَثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَجِّ وَهُوَ الْمَاشُّ أَوْ مِنْ الْعَدَسِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِمَا لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَبَّاتِهِمَا عِظَمًا وَصِغَرًا وَتَخَلْخُلًا وَاكْتِنَازًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا كَثِيرٌ غَايَةُ الْكَثْرَةِ وَإِنِّي قَدْ وَزَنْت الْمَاشَّ وَالْحِنْطَةَ الْجَيِّدَةَ الْمُكْتَنَزَةَ وَالشَّعِيرَ وَجَعَلْتهَا فِي الْمِكْيَالِ فَالْمَاشُّ أَثْقَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةُ مِنْ الشَّعِيرِ فَالْمِكْيَالُ الَّذِي يُمْلَأُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْمَجِّ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ الْمُكْتَنَزَةِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُقَدَّرَ الصَّاعُ بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ بِالْحِنْطَةِ الْمُكْتَنَزَةِ فَكَمَا يُجْعَلُ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْحِنْطَةِ يُمْلَأُ بِهَا وَإِنْ كَانَ يُمْلَأُ بِأَقَلَّ مِنْ تِلْكَ إذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ الْمُتَخَلْخِلَةُ لَكِنْ إنْ قُدِّرَ بِالْمَجِّ يَكُونُ أَصْغَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَحْوَطَ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا وَلَعَلَّ تَقْدِيرَ الصَّاعِ بِثَمَانِيَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ وَثُلُثٍ مِنْ الْمَاشِّ وَالْعَدَسِ لِمَا كَانَ فِيهِ مَا فِيهِ أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَبَرِّيًا عَنْهُ بِلَفْظِ كَذَا قَالُوا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ) وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي قَدْرِ صَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَمَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ أَصْغَرُ فَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ وَمُدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ» اهـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَفِي تَرْكِهِ إنْكَارَ كَوْنِهِ أَصْغَرَ الصِّيعَانِ بَيَانٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ كَوْنِ السُّكُونِ حُجَّةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ حَتَّى يَلْزَمَ رَدُّهُ إنْ كَانَ خَطَأً كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَسَاقَهُ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

أَنَّهُ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ آخَرُ أَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهُ صَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مَذْهَبِهِ. وَلَنَا مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَنَّهُ صَاعٌ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَجَّاجِيِّ وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَشْهُورٌ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ أَصْغَرُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحَجَّاجِيِّ وَالْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقُومُ بِهِمْ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِمْ مَجْهُولِينَ نَقَلُوا عَنْ مَجْهُولِينَ مِثْلَهُمْ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الصَّاعِ. وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ صَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَلْ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ إسْتَارًا فَإِذَا قَابَلَتْ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ تَجِدُهُمَا سَوَاءً فَوَقَعَ الْوَهْمُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَذَكَرَهُ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ ثُمَّ يَعْتَبِرُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَزْنِ فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّاعِ بِأَنَّهُ كَمْ رِطْلٌ هُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَزْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ بِهِ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكَيْلِ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَأَعْجَلُ بِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صُبْحَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَصُبْحَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِتَجِب فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِانْفِصَالِ الصَّوْمِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ وَهَذَا لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ لِرَمَضَانَ لَا لِشَوَّالٍ وَيَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَتُهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شَوَّالٍ فَمَنْ وُلِدَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ مَلَكَ فِيهَا نِصَابًا لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَمْلِكْ فِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ يَتَعَلَّقُ بِفِطْرٍ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِطْرَةً لِأَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِطْرٌ بَعْدَ صَوْمٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا يُقَالُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ تَقْدِيرُهُ لَيْلَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ الْيَوْمُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ فِي الْغَايَةِ مَرَّةً بِتَعْرِيفِ مُدٍّ وَمَرَّةً بِتَنْكِيرِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ» هَكَذَا وَقَعَ مُفَسَّرًا عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِي ثَلَاثَةِ طُرُقٍ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَكَانَ يَمُنُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَجَّاجِيًّا أَيْضًا. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ) أَيْ وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَضْعِيفِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِ النَّقْلِ عَنْ مَجْهُولِينَ مِنْ النَّظَرِ بَلْ الْأَقْرَبُ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ خِلَافَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ ضَعْفِ أَصْلِ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ رَوَاهَا ثِقَةٌ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَمُشَافَهَتَهُ إيَّاهُمْ مِمَّا يُوجِبُ شُهْرَةَ رُجُوعِهِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَعُمَّهُ مُحَمَّدٌ فَهُوَ عَلَى بَاطِنِهِ اهـ. قَوْلُهُ مِنْ النَّظَرِ لِأَبِي يُوسُفَ عُرِفَ بِوُجُوهِ الِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ طَرِيقَ الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَنْ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْجُرْحِ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِيهِ الْأَصْلُ فِي الْمُسْلِمُ الْعَدَالَةُ مَا لَمْ تَثْبُتْ الرِّيبَةُ وَلَا طَرِيقَ الْمُحَدِّثِينَ إذْ الضَّعِيفُ يَرْتَقِي حَدِيثُهُ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْكَذِبِ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الَّذِينَ أَخْبَرُوا أَبَا يُوسُفَ فِيهِمْ ضَعِيفٌ لَارْتَقَى إخْبَارُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى الْحُجَّةِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ تَعَدُّدًا كَثِيرًا فَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كُلٌّ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (قَوْلُهُ عِشْرُونَ إسْتَارًا) الْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ فَإِذَا ضَرَبْت مِائَةً وَسِتِّينَ فِي سِتَّةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ يَصِيرُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ) حَتَّى لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْقَوْمِ لَا يَجْزِيهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ وَإِنْ وَزَنَتْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ) أَيْ وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ) إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. هِدَايَةٌ

(وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ) أَيْ جَازَ أَدَاءُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ. أَمَّا جَوَازُ التَّقْدِيمِ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ فِي الصَّحِيحِ وَعِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ قُلْنَا الْأُضْحِيَّةَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ وَأَمَّا جَوَازُ الْأَدَاءِ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ اخْتَصَّتْ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَتَسْقُطُ بِمُضِيِّهِ كَالْأُضْحِيَّةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ قُلْنَا هِيَ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتِهَا. وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ بِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُقَدِّمَ لِلْفَقِيرِ أَيْضًا لِيَأْكُلَ مِنْهَا قَبْلَهَا وَيَتَفَرَّغَ لِلصَّلَاةِ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِغْنَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَصَارَ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّبَبِ فَهُوَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَسُقُوطُ مَا يُسْتَحَبُّ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَلَا يَتِمُّ فِي مِثْلِهِ إلَّا السَّمْعُ وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَنْ قَالَ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بِإِذْنٍ سَابِقٍ فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمَّا كَانَ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ لَمْ يَصْرِفْهُمْ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسْمَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ لِكِبَرٍ أَوْ عُذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ بِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا) قَائِلُهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا قِيلَ مِنْ مَنْعِ سُقُوطِ الْأُضْحِيَّةَ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى التَّصَدُّقِ بِهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ كَوْنُ نَفْسِ الْأُضْحِيَّةَ وَهُوَ إرَاقَةُ دَمٍ سُنَّ مُقَدَّرٍ قَدْ سَقَطَ وَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ سُقُوطُهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُقَدَّمِ أَوَّلَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَكِنْ قَدْ يُرْفَعُ بِاتِّحَادِ مَرْجِعِ ضَمِيرِ أَدَّاهَا فِي الْمَرَّتَيْنِ إذْ يُفِيدُ أَنَّهَا هِيَ الْمُؤَدَّاةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَصَ الثَّوَابَ فَصَارَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُهُ هُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُ عِنْدَهُ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَمَّا وَقْتُ أَدَائِهَا فَيَوْمُ الْفِطْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَدَاءً وَيَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا بِالِافْتِقَارِ بَعْدَ وُجُوبِهَا اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) وَاَلَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. اهـ. غَايَةٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَدَّاهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ أَدَّاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا وَاحِدًا لِأَنَّ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِغْنَاءُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ جَازَ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخِرِ فَتَاوِيهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَأَدَّى لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَلْسًا وَجَمْعُ ذَلِكَ الْفُلُوسِ يَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ وَبِهَذَا لَا يَقَعُ الْغِنَى اهـ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِغْنَاءِ لَا بِالْمَسْأَلَةِ يَعْنِي أَغْنَوْهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قِيلَ الْمِثْلُ زَائِدٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفَائِدَتُهُ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ إذْ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ لَاقْتَصَرَ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ اهـ كَشْفٌ كَبِيرٌ فِي بَحْثِ الْقُدْرَةِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ دَفْعُ صَدَقَةِ فِطْرِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مَا يَجِبُ عَنْ جَمَاعَةٍ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَمَا يَجِبُ عَنْ وَاحِدٍ لِمَسَاكِينَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ جَوَّزَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرُ الْكَرْخِيِّ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُجَوِّزْ دَفْعَ مَا يَجِبُ لِوَاحِدٍ إلَى الْمَسَاكِينِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ اهـ وَعَلَى الْأَوَّلِ مَشَى فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ

[كتاب الصوم]

يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (كِتَابُ الصَّوْمِ) الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] أَيْ صَمْتًا وَسُكُوتًا وَكَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا فِي دِينِهِمْ وَقَالَ النَّابِغَةُ خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ مُمْسِكَةٌ عَنْ السَّيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ فَإِنَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِهِ احْتَرَزَ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ فَخَرَجُوا مِنْهُ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» فَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا مُخْلِصًا وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ تَعَيَّنَ الْيَوْمُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعَادَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ التَّلْفِيقُ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَ إذَا أَخْرَجَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ مَثَلًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي قَدْرِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نِصْفٌ فَوَجَبَ أَنْ يُخَيَّرَ فِي أَدَائِهِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ كَالْأَوَّلِ سُرُوجِي. [كِتَابُ الصَّوْمِ] الْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ حُصُولُ التَّقْوَى لِمُبَاشِرِهِ إذْ لَا مَشْرُوعَ أَدَلُّ عَلَى التَّقْوَى مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ أَدَّى هَذِهِ الْأَمَانَةَ كَانَ أَشَدَّ أَدَاءً لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ وَأَكْثَرَ اتِّقَاءً لِمَا يُخَافُ حُلُولُهُ مِنْ النِّقْمَةِ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقَاذُورَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] وَفِيهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ النِّعَمِ وَمَعْرِفَةُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةِ الْجُوعِ فَيَكُونُ حَامِلًا عَلَى مُوَاسَاتِهِمْ وَفِيهِ إطْفَاءُ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ الْخَدَّاعَةِ الْمُنْسِيَةِ لِلْعَوَاقِبِ وَرَدُّ جِمَاحِ النَّفْسِ الْأَمَارَةِ بِالسُّوءِ وَانْقِيَادِهَا لِطَاعَةِ مَوْلَاهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانٍ لَا تُحْصَى. اهـ. كَشْفٌ كَبِيرٌ (قَوْلُهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ) مُطْلَقًا صَامَ عَنْ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ النَّابِغَةُ) أَيْ الذُّبْيَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَأْكُلُ (قَوْلُهُ وَالْجِمَاعُ إلَى آخِرِهِ) وَأَلْحَقَ بِالْجِمَاعِ مَا هُوَ فِي الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ عَلَى مَا يَأْتِي وَكَذَا بِالْأَكْلِ مَا لَيْسَ بِأَكْلٍ كَمَا لَوْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً إذَا وَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَقْضُ طَرْدِهِ بِإِمْسَاكِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ عَنْ إمْسَاكٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَعَكْسُهُ النَّاسِي فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَهُ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ وَهَذَا فَسَادُ الْعَكْسِ وَجُعِلَ فِي النِّهَايَةِ إمْسَاكُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَكْسِ وَجُعِلَ أَكْلُ النَّاسِي مُفْسِدًا لِلطَّرْدِ وَالتَّحْقِيقُ مَا أَسْمَعْتُك وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ مَعَ أَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ أَكْلَهُ عَدَمًا وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَبِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ خَرَجَتْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّوْمِ شَرْعًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مَنْوِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِهِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَفْصِيلُهُ اهـ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي قَدَّمَهَا أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ وَنَكَّرْنَا الْبَطْنَ وَوَصَفْنَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَى بَاطِنِ دِمَاغِهِ شَيْءٌ فَسَدَ أَوْ إلَى بَاطِنِ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا يَفْسُدُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ فِي حَدِّ الصَّوْمِ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَا يُنْتَقَضَ بِصَوْمِ الْحَائِضِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ وَلَيْسَتْ بِمَأْذُونَةٍ فِيهِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ حِينَئِذٍ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَكُمْ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ عَدَمِ وُجُودِ الْإِذْنِ فِيهِ بَلْ الْإِذْنُ مَوْجُودٌ مِنْ الشَّارِعِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْوَرْسَكِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ وِسَادَك لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلُ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النَّهَارُ ضِدُّ اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقْسَامُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ وَقَضَاؤُهُ

فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَنَفْلٌ فَالْفَرْضُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالنَّفَلُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْجُمْلَةُ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهُ ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَذَكَرَ مِنْهَا «صَوْمَ رَمَضَانَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَكَذَا قَضَاؤُهُ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ قِيلَ الشَّهْرُ لِمَا تَلَوْنَا وَلِهَذَا لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ بَاقِيهِ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ صَوْمُ الشَّهْرِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَيَسْتَوِي فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقِيلَ إنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الصِّيَامَ مُتَفَرِّقٌ فِي الْأَيَّامِ تَفَرُّقَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدَّ لِدُخُولِ وَقْتٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ اللَّيْلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبًا عَلَى حِدَةٍ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَلْزَمُهُ صَوْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ اللَّيْلَ وَهَذَا اخْتِيَارُ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَرُكْنُهُ الْكَفُّ عَنْ اقْتِضَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَالثَّوَابُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ فَرْضًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ قُلْنَا الْكِتَابُ مَخْصُوصٌ خُصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بَعْدَمَا خُصَّ وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمَا جَازَ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضِيَّةُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ وَلِهَذَا جَازَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ تَقْدِيمُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ وَالْحُكْمَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ) أَيْ جَازَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفَّارَاتُ لِلظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ لِثُبُوتِ هَذِهِ بِالْقَاطِعِ سَنَدًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا، وَالْوَاجِبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءُ مَعَ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد وَنَحْوِهِ وَالنَّفَلِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ وَتَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ وَسَنَعْقِدُ بِذَيْلِ هَذَا الْبَابِ فُرُوعًا لِتَفْصِيلِ هَذِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ) وَالْوَقْتُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ) بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِالنَّصْبِ قَوْلُهُ خَصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ وَالنَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ) أَيْ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاجِبٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا) فَإِنْ قِيلَ قَدْ خَصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} [البقرة: 185] الْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانَ وَأَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مَعَ هَذَا ثَبَتَتْ الْفَرِيضَةُ قُلْنَا خُصُّوا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَخْصُوصُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُخْرِجُ النَّصَّ عَنْ الْقَطْعِ أَوْ لَمَّا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ) أَيْ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ وَهِيَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُ الْأَصْحَابِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ يُفْتَرَضُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي هَذَا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ) وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَوَجَبَ أَوْ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ عَنْهُ جُمَادَى وَيَوْمًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو تَعْيِينُ الْيَوْمِ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ وَلُزُومَهُ بِمَا بِهِ يَكُونُ الْمَنْذُورُ عِبَادَةً إذْ لَا نَذْرَ بِغَيْرِهَا وَالْمُحَقَّقُ كَذَلِكَ الصَّوْمُ لَا خُصُوصُ الزَّمَانِ وَلَا بِاعْتِبَارِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ فَرْضٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ وَاجِبٌ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ وَاجِبٌ

هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ يُعَيِّنَ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَكَذَا يَجُوزُ أَيْضًا صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَالثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْكُلُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَعْزِمْ» وَيُرْوَى «لِمَنْ لَمْ يُجَمِّعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» بِالتَّشْدِيدِ وَيَجْمَعْ بِالتَّخْفِيفِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَكَذَا الثَّانِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي أَوْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَقَاسَهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ النَّفَلَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا فَقَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ صَائِمًا بَعْضَ النَّهَارِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ أَوْ لِأَنَّ النَّفَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصِّيَامِ بَعْدُ بِكَلِمَةِ ثُمَّ وَهِيَ لِلتَّرَاخِي فَتَصِيرُ الْعَزِيمَةُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا مَحَالَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَوْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى اللَّيْلِ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنْ يَصُومَ غَدًا لَا يَصِحُّ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الصِّيَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ النَّفَلَ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَيُّنِ وَلِأَنَّهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد إلَخْ) وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى وَقْفِهِ وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَبْلُغُ بِهِ حَفْصَةَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا يُجَابُ قَبْلَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ إذْ لَا يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ إلَّا فِي يَوْمٍ مَفْرُوضِ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِيهِ نَهَارًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ وَاجِبًا وَقَدْ مَنَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ فَإِنِّي صَائِمٌ فَصَامَ النَّاسُ» قَالَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ سَمْعُهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِإِيجَابِ رَمَضَانَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ وَإِنْ كَانَ سَمْعُهُ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ فَرْضِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ النَّسْخُ دَلَالَتُهُ عَلَى شَرَائِطَ كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ سَائِرُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالرَّجُلُ مِنْ أَسْلَمَ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ) فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ غَايَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ إلَخْ) فَيَكُونُ الْجَارُّ وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا بِبَيْتٍ وَيُجْمَعُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْمُقْتَرِنَةُ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ إلَخْ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّخْفِيفِ فِي النَّفْلِ بِذَلِكَ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِي الْفَرْضِ أَلَا تَرَى إلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ جَالِسًا بِلَا عِلَّةٍ وَعَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْفَرْضِ وَالْحَقُّ أَنَّ صِحَّتَهُ فَرْعُ ذَلِكَ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِالنَّصِّ عُلِمَ عَدَمُ اعْتِبَارِ فَرْضٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتَهَى فَتْحٌ. وَمِنْ فُرُوعِ النِّيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٌ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيَّ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ أَحَدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا لِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْزِئُهُ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ سَنَةِ كَذَا عَلَى الْخَطَإِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَفْطَرَ ذَلِكَ قَالَ لَا يَجُوزُ بِهِ وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَمَضَانُ تَحَرَّى وَصَامَ فَإِنْ ظَهَرَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ جَازَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ شَوَّالًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ فَلَوْ كَانَ نَاقِصًا فَقَضَاءُ يَوْمَيْنِ أَوْ ذَا الْحِجَّةِ قَضَى أَرْبَعَةً لِمَكَانِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ اتَّفَقَ كَوْنُهُ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ الرَّمَضَانِ قَضَى

الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ لَا عَلَى صَوْمٍ آخَرَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ التَّقْدِيمُ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي جِنْسِ الصَّائِمِينَ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ وَكَالْمَجْنُونِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ فِيهِ فَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِجَوَازِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَلَا يَلْزَمُنَا الْحَجُّ مَرَّةً وَالصَّلَاةُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُمَا أَرْكَانٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الْعَقْدِ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَنِصْفِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتِ الزَّوَالِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَكَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَصِحُّ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ الصَّوْمُ عِبَادَةً قَهْرُ النَّفْسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَصَارَ كَالْقَضَاءِ قُلْنَا هُمَا يُخَالِفَانِ الْغَيْرَ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ وَهَذَا لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا صَامَاهُ الْتَحَقَا بِالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ يَتَأَدَّى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى وَلَا يَكُونُ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَوْمٌ مَعْلُومٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ فَكَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْفَرْضِ وَالْمُتَعَيَّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ بِلَا نِيَّةٍ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ فَكَانَ مُتَرَدِّدًا بِأَصْلِهِ مُتَعَيَّنًا بِوَصْفِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْمُتَرَدِّدِ لَا فِي الْمُتَعَيَّنِ فَيُصَابُ بِالْمُطْلَقِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَهُ الْمَشَقَّةُ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ وَرُخْصَتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسَةً ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ هَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ أَمَّا إذَا نَوَى صَوْمَ غَدٍ أَدَاءً لِصِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ رَمَضَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ الْأَرْكَانُ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ اخْتَصَّ اعْتِبَارَهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَمَا رَوَيْتُمْ لَا يُوجِبُهُ قُلْنَا لَمَّا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَاحْتَمَلَ كَوْنَ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسْلَمِيَّ بِالنِّدَاءِ كَانَ وَالْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُهُ وَاحْتَمَلَ كَوْنَهَا لِلتَّجْوِيزِ مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ فَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا وَمَعَنَا نَصٌّ يَمْنَعُهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَعَلَى اعْتِبَارِ هَذَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ النَّهَارِ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ اكْتَفَى بِهَا فِي أَقَلِّهِ فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ الْآخَرُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ) قَالَ فِي الدَّارِيَةِ وَفِي النِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَوَّزْنَاهُ فَهُوَ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ. اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ التَّجَزِّي فِي النَّفْلِ لَيْسَ قَوْلًا لِلشَّافِعِي بَلْ يُنْسَبُ ذَلِكَ لِلْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبُ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا) وَهُوَ الْيَوْمَ لَيْسَ لَفْظًا شَرْعًا فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى) أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيم بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ جَمِيعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَهَذَا لِأَنَّ الزَّمَانَ مِعْيَارٌ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إلَّا صَوْمٌ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ مُسْتَحَقًّا فِيهِ انْتَفَى غَيْرُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مُزَاحِمٌ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبًا لِزُفَرَ وَيَقُولُ مَذْهَبُهُ تَأْدِيَةُ جَمِيعِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ زُفَرَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ أَيَّامًا صَائِمًا إذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ فَإِنْ الْتَزَمَهُ مُلْتَزِمٌ كَانَ مُسْتَبْشَعًا. اهـ. سَرُوجِيٌّ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ يُكْتَفَى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى) أَيْ بِلَا اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ) أَيْ لِتَحَتُّمِ الْوَاجِبِ فِي الْحَالِ وَغَيْرُهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الْآخَرِ الَّذِي نَوَاهُ لَوْ مَاتَ فِيهِ وَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ آكَدَ وَأَحَقَّ فَصُرِفَ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

بِمُطْلَقِ السَّفَرِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ رُخْصَةَ الْمُسَافِرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّفَرِ وَرُخْصَةَ الْمَرِيضِ بِالْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ فَالْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَوَيَا النَّفَلَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ بَدَنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِ زِيَادَةِ دِينِهِ وَلَوْ نَوَى فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ صَحَّ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ وَفِي النَّذْرِ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ النَّاذِرِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّةِ مَا لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ وَجَوَازُ النَّفْلِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ ظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ) أَيْ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُتَعَيَّنٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمْ تَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيَّنٌ لَهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمْسَاكُ عَلَيْهَا أَيْ النِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَرِيضُ فِي النِّيَّةِ كَالصَّحِيحِ فِي الْأَصَحِّ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ الْكَرْخِيُّ سَوَّى بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ التَّسْوِيَةُ هِيَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ نَوَى بِهِ الْمَرِيضُ وَاجِبًا آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ صَوْمَهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَهَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ أَطْلَقَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ قُلْت وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْفِقْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي إطْلَاقِ النِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى النَّفَلَ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الْمَرِيضُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى أَيْ الْمَرِيضُ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا حَصَلَ لِوِلَايَةِ النَّاذِرِ فَلَا يَعْدُو النَّاذِرَ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ فِيمَا لَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى النَّفَلُ مَشْرُوعًا فَأَمَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى مُحْتَمَلًا بِحَقِّهِ أَعْنِي الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَا فَاعْتُبِرَ فِي احْتِمَالِهِمَا بِمَا لَوْ لَمْ يَنْذُرْ كَذَا فِي الْكَافِي وَبِهِ يَظْهَرُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ) وَنَحْوُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنْوَاعُ الصَّوْمِ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ وَهِيَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ ذَلِكَ وَثَلَاثَةٌ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالنِّيَّةُ فِيهَا لِتَعْيِينِ الْوَقْتِ لَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَقَعُ نَفْلًا فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْوِيلُهُ إلَى الْوَاجِبِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ أَصْبَحَ لَمْ يَنْوِ فِطْرًا وَلَا غَيْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ وَصَامَ يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ لَا يُجْزِئْهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالتَّسَحُّرُ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ والمرغيناني إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِطْرًا حَتَّى يَأْكُلَ وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَكَذَا لَوْ نَوَى الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَفِي اللَّيْلِ لَوْ نَوَى الْإِفْطَارَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ نِيَّتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَامَ بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ نِيَّتُهُ وَحَكَى الْأَكْثَرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَجَعَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ هَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَصِيرَ صَائِمًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ الْإِبْطَالُ بَلْ هُوَ لِلِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبًا لِلتَّوْفِيقِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ انْتَهَى غَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمُتْعَةِ وَالْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَضْمُونِ انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ثَبَتَ فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِأَنَّ السَّبَبَ الشَّهْرُ وَانْعِقَادُهُ فِي حَقِّ قَوْمٍ لِرُؤْيَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ آخَرِينَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِينَ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ دُونَ أُولَئِكَ وَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ صُومُوا مُعَلَّقًا لِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ وَبِرُؤْيَةِ قَوْمٍ يَصْدُقُ اسْمُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ الْوُجُوبُ بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَأَخِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُ عُمُومِ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ فِي خِطَابٍ

عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يُشِيرُ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَجِبُ طَلَبُهُ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَوَقَعَ الشَّكُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَيَقَعُ الشَّكُّ أَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ آخَرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَاشْتَهَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَهُ أَحْمَدُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ وَالْكَرَاهِيَةُ هُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَهْلُ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ. وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدٍ شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُوهُ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَوْمِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي نَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَاكَ مُحْتَمَلُ الْمُرَادِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ مَطْلَعٍ مُكَلَّفُونَ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ قَالَ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قِيلَ إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ إلَخْ) هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) تَسَاهُلٌ فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّتِي هِيَ عَشِيَّتُهُ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ انْتَهَى فَتْحٌ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ) خَنَسَ بِالْخَاءِ وَالنُّونِ أَجْوَدُ مِمَّنْ قَالَ حَبَسَ الْإِبْهَامَ بِمَعْنَى عَطَفَهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ فَصُمْ يَوْمًا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ السُّرَرَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ صُمْ يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا وَإِلَّا قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سُرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَيَصِيرُ حَدِيثُ السُّرَرِ لِلِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي صَوْمِ دَاوُد الْكُلَّ أَيْ يَوْمَ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سِرَارُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ اسْتَسَرَّ الْقَمَرُ أَيْ خَفِيَ لَيْلَةَ السِّرَارِ فَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَةً وَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي زِيَادَةِ يَوْمٍ مِنْ

وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِهِ لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَيُرْوَى الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ ثُمَّ إنْ صَامَ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ أَوْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ وَقِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَادًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلِيًّا مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ غَيْمٌ يَصُومُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَيَأْمُرُ الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ وَقْتَ النِّيَّةِ ثُمَّ يَأْمُرَهُمْ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ ثُمَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ إنْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا وَالرَّابِعُ أَنْ يَضَّجِعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصُومَهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي الْعَزِيمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ أَوْ نَوَى إنْ وَجَدَ سَحُورًا فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَالْخَامِسُ أَنْ يَضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانِ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِوُجُودِ الْجَزْمِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ وَتَعْيِينُ الْجِهَةِ شَرْطٌ فِيهِ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا وَالسَّادِسُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ صَارَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ) أَمَّا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رَآهُ ظَاهِرًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَنْ يَصُومَ وَلَا يُفْطِرَ إلَّا مَعَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ يَدُلُّ عَلَى خَطَإِ هَذَا الرَّائِي مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي قُوَّةِ النَّظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَمَعْرِفَةِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ وَالْحِرْصِ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِهِ وَلَعَلَّهُ رَأَى شَعْرَةً طَوِيلَةً قَائِمَةً بِحَاجِبِهِ أَوْ جُفُونِهِ وَقِيلَ لَا يَصُومُ بَلْ يَأْكُلُ سِرًّا وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ أَيْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ وَلَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) أَيْ إنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَمَضَانَ بِخِلَافِ الثَّانِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ) يَعْنِي إذَا صَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فِي صَوْمِهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي إفْطَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَيَبْعُدُ أَنْ تَقْصِدَ بِهِ رَمَضَانَ بَعْدَ حُكْمِهَا بِأَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ وَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِمَالٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَهُوَ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ فِي النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْتَى الْعَامَّةُ بِالنَّفْلِ عَسَى يَقَعُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ أَطْلَقَهَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ أَنْ يُضَجِّعَ) وَالتَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ هُوَ التَّرَدُّدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ إلَخْ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا أَوْرَدَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي الدَّرْسِ عَلَى هَذَا وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ صَوْمِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَوَيْت صِيَامَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ صَحِيحٌ وَالْكَلَامُ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِبْطَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَهَذَا إعْرَاضٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي نِيَّةِ ذَلِكَ لَا التَّلَفُّظُ بِهِ اهـ مَا رَأَيْته (قَوْلُهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ إلَخْ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الشَّارِحِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ فُقَهَاءِ الدَّرْسِ تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ لَا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ وَصْفَ الْكَرَاهَةِ عَامٌّ لِلْوَجْهَيْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَكَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَلِأَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ مِنْ وَجْهٍ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِسَبَبِ الْكَرَاهَةِ اهـ مَا رَأَيْته وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ كَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ حَيْثُ نَوَى رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَالنَّفَلُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إنْ كَانَ مُلْتَزِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ وَرُدَّ قَوْلَهُ) أَيْ وَرَدَّهُ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لِتَفَرُّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِلَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ وَقْتُ

وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا الْفِطْرُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ فَيَكُونُ شُبْهَةً وَأَمَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا رَدَّ شَهَادَتَهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاشْتِبَاهَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَسَحَ عُمَرُ عَلَى حَاجِبِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْته يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ جَفْنِهِ تَقَوَّسَتْ فَظَنَّهَا هِلَالًا وَقِيلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا لِلظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِطَرِ وَلِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلِأَنَّ رَدَّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِهِ يَصِيرُ شُبْهَةً وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَفَّارَةَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَةِ النَّاسِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ) أَيْ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَبَرُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَفِي هِلَالِ الْفِطْرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ وَالْعِلَّةُ الْغَيْمُ أَوْ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُمَا أَمَّا هِلَالُ رَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَرِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يُتَحَرَّى فِي قَبُولِ الْفَاسِقِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَلَقِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ لِأَنَّهُ وَاقِعَةٌ خَاصَّةً لَا يُمْكِنُ اسْتِصْحَابُ الْعُدُولِ فِيهَا وَفِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ مُتَشَوِّقُونَ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِيهِ وَفِي عُدُولِهِمْ كَثْرَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْمِكُمْ الْمَفْرُوضِ يَوْمَ صَوْمِكُمْ لِأَنَّ نَفْسَ الصَّوْمِ فِعْلُنَا وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ لِلْحُكْمَيَّ وَهُوَ شَهْرُ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ شَرْعًا لَا بِفِعْلِ النَّاسِ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ شَهْرَ الصَّوْمِ يَوْمُ صَوْمِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ) أَيْ فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّهِ فَلَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. اهـ. غَايَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَعَدَمُ صَوْمِ النَّاسِ الْمُتَفَرِّعُ عَنْ تَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ قَامَ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ بِحُكْمِ النَّصِّ بِالصَّوْمِ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَعَدَمُ فِطْرِ النَّاسِ الْيَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِهِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَكَوْنُهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بِالنَّصِّ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا فَائِدَةً جَلِيلَةً لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا هِيَ أَنَّ الرَّمَضَانِيَّةَ إذَا ثَبَتَتْ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فِي حَدِّ الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَهُوَ الصَّوْمُ يَثْبُتُ جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَحُلُولِ الْآجَالِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا وَضِمْنًا وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَا فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُضْمَرَاتِ مَا نَصُّهُ فِي الْمُحِيطِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ وَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَلَمَّا أَتَمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصُومُونَ مِنْ الْغَدِ وَإِنْ غُمَّ يَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَلَا يُفْطِرُونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ بِلَا خِلَافٍ وَالْحُجَّةُ لَهُمَا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْفِطْرِ فَلَا يُفْطِرُونَ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ أَحْكَامِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي حِلِّ الْآجَالِ وَحِنْثِ الْأَيْمَانِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ كَمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قِنًّا) أَيْ رَقِيقًا وَاخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَمُعْتَقَ الْبَعْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَوْ أُنْثَى لِيَشْمَلَ الْأَمَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ إلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ الْمَسْتُورِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ فَصَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ اشْتِرَاطُ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ أَوْ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّتْرِ

غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا بِالدَّعَارَةِ وَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَمَا تَابَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ مُلْزَمًا إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَمَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لِكَوْنِهِ عَدْلًا وَلِهَذَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُشْتَرَطُ الْمُثَنَّى اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَقَالَ أَتَشَهَّدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشَهَّدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ لَفْظُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأَكْمَلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفِطْرُ ابْتِدَاءً كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِرْثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا ابْتِدَاءً وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْغَلَطِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فَهِيَ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الدَّعْوَى كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لَهُمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ مِنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِالدِّعَارَةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّعَارَةُ الْفِسْقُ وَالْخُبْثُ يُقَالُ هُوَ خَبِيثٌ دَاعِرٌ بَيِّنُ الدَّعَرِ وَالدَّعَارَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ فِي قَبُولِ الْمَسْتُورِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا مُتَمَسَّكَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ إنْ كَانَ هُوَ أَوَّلَ إسْلَامِهِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَسْلَمَ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ حَالِهِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِإِسْلَامِهِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِبَقَائِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخِلَافُ وَلَمْ يَكُنْ الْفِسْقُ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعَارُضِ غَلَبَةِ ذَلِكَ الْحَاصِلِ فَيَجِبُ التَّوْقِيفُ إلَى ظُهُورِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ) قَالَ الْكَمَالُ هَكَذَا الرَّاوِيَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قَبِلَهُ بِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ خَصَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْفَتَاوَى أَضَافُوا مَعَهُ أَبَا يُوسُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ وَفِي قَبُولِهِ بِغَيْمٍ أَخَذَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ انْتَهَى فَرْعٌ إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ إنْ كَانُوا أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ إنْ لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا حَمْلًا عَلَى نُقْصَانِ شَعْبَانَ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ أَكْمَلُوا شَعْبَانَ عَنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ قَضَوْا يَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا انْتَهَى لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ شَعْبَانَ مَعَ مَا قَبْلِهِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ كَانُوا بِالضَّرُورَةِ مُكَمِّلِينَ رَجَبٍ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى غَايَةٌ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ) أَيْ تَبَعًا وَضِمْنًا انْتَهَى (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ) مَثَّلَ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ لَا بِثُبُوتِ الْفِطْرِ فَهُوَ مَعْنَى مَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ حُسَيْنًا قَالَ لَهُ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَقَالَ لَا بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِثُبُوتِهِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَبِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى فَتْحٌ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا بِتَمَامِ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا انْتَهَى كَافِي وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ لَا يُفْطِرُونَ وَهَكَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهَا فِي صَحْوٍ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَلَا اشْتِرَاكَ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَالْوَاحِدِ لَمْ يَبْعُدْ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ) وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ذِكْرُهُ فِي الْإِيضَاحِ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ فِي الْفِرَاشِ انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ وَعِتْقُ الْعَبْدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ انْتَهَى فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ يُوهِمُ الْغَلَطَ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرٌ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْبَيِّنَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَهَا بَلْ التَّفَرُّدُ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ كَتَفَرُّدِ نَاقِلِ زِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَّةِ السَّمْعِ أَيْضًا وَاقِعٌ كَمَا فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارِكَيْهِ

لِلْبَعْضِ النَّظَرُ فَيَسْتَدُّ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَبَيْنَ مَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ مِنْ غُبَارٍ وَدُخَانٍ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ هِلَالُ الْأَضْحَى كَهِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَصَارَ كَالْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ ظُهُورُ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا صَامَ أَهْلُ بَلْدَةٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَزُولَ فِي الْمَغْرِبِ وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرَيْنِ وَغُرُوبُ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ الْفَقِيهَ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ قَدِمَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَسُئِلَ عَمَّنْ صَعِدَ عَلَى مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَيَرَى الشَّمْسَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ بَعْدَمَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ فِي الْبَلَدِ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَقَالَ لَا وَيَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّ كُلًّا مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَالِعِ مَا رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ فَقَدِمْت الشَّامَ وَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَلَوْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ نَهَارًا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا مِنْ شَوَّالٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِي كَثْرَةً وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ لَا يُرِيدُ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ) أَيْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَالَةِ انْتَهَى فَتْحٌ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ) وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ أَمْرًا عَظِيمًا وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَمَّا جُعِلَ خَمْسُونَ مُعَرَّفًا لَحِقَهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ فَلَأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِغْنَائِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ أَوْلَى انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْفَرْقِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَكَذَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ تُفِيدُ بِمَفْهُومَاتِهَا الْمُخَالِفَةِ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ إلَخْ) وَفِي التُّحْفَةِ رَجَّحَ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ فَقَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُخْبِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرُ دِينٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْبَلُ فِيهِ فِي الْغَيْمِ الْوَاحِدِ الْعَدْلُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الصَّحْوِ إلَّا التَّوَاتُرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ إلَخْ وَقَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ) أَيْ فَيَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِطْرُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ إلَخْ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبِلَةِ هَكَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ وَحَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَطْ وَفِي التُّحْفَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ كَقَوْلِهِمَا وَعَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا وَهُوَ لِلثَّلَاثِينَ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَوَجَبَ سَبْقُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ

[باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده]

إنْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَتْلُو الْقَمَرَ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَمَرُ يَتْلُوهَا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ أَفْطَرُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِتَأْوِيلٍ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ قَاءَ وَعَادَ لَمْ يُفْطِرْ) أَمَّا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَكَتَرْكِ النِّيَّةِ فِيهِ وَكَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ؛ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ لِلْإِنْسَانِ فَلَوْ كَانَ مُفْطِرًا لَحَرِجُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ لِأَنَّ حَالَتَهُ مُذَكِّرَةٌ وَهَذَا لِأَنَّ هَيْئَتَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُخَالِفُ هَيْئَةَ الْعَادَةِ وَفِي الصَّوْمِ لَا تُخَالِفُ فَلَا مُذَكِّرَ لَهُ فِيهِ وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِأَنَّا نَقُولُ أَمْرُهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ وَبِالْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا لَا يُتِمُّ صَوْمَهُ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْإِتْمَامُ لِلصَّوْمِ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ دَلَالَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ أَنْتَ صَائِمٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ فَأَكَلَ ثُمَّ تَذَّكَّر أَنَّهُ صَائِمٌ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ هَذَا الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ نَاسٍ وَلَوْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا يُذَكِّرُهُ إنْ كَانَ شَابًّا لِأَنَّ لَهُ قُوَّةً بِدُونِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا لَا يُذَكِّرُهُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا أَفْطَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُفْطِرْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَالْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْجُودٌ حِسًّا وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ وَأُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الْإِثْمُ وَمُسَمَّى الْحُكْمِ يَشْمَلُهُمَا فَيَتَنَاوَلُ الْحُكْمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِطْرَ فَلَا يَفْسُدُ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ النَّاسِيَ قَصَدَ الْأَكْلَ وَالْمُخْطِئُ لَيْسَ بِقَاصِدٍ وَلَنَا أَنَّ الْمُفْطِرَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّاسِي إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا فَصَارَ كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ هُوَ بِيَدِهِ أَوْ كَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّهُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُرَادًا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُقْتَضًى وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى النَّاسِي مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّسْيَانَ غَالِبٌ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُعْذَرُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ نَادِرَةٌ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهِ وَالثَّانِي أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُمَا وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنَّ وَاحِدًا لَوْ رَآهُ فِي نَهَارِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَظَنَّ انْقِضَاءَ مُدَّةِ الصَّوْمِ وَأَفْطَرَ عَمْدًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الزَّوَالِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ إلَى الْهِلَالِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ) وَهُوَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُطْلَقًا. اهـ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا) أَيْ لِصَوْمِهِ لِأَنَّهُ ذَاكِرٌ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ نَاسِيًا قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مُسْنَدًا إلَى الْأَكْلِ وَمَا يُضَاهِيهِ اهـ دِرَايَةٌ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ إنْ أَكَلَ نَاسِيًا قَبْلَ النِّيَّةِ ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ وَفِي الْبَقَّالِيِّ النِّسْيَانُ قَبْلَ النِّيَّةِ كَهُوَ بَعْدَهَا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ) كَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَفِي مُسْلِمٍ «فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَالَ آخَرُ أَنْتَ صَائِمٌ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ إنَّكَ صَائِمٌ وَهُوَ لَا يُذْكَرُ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ اهـ (قَوْلُهُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْخِزَانَةِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ) وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَأْي صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى غَيْرِهِ يَأْكُلُ نَاسِيًا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى صَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا) بِأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَ الْمَاءُ حَلْقَهُ (قَوْلُهُ أَوْ مُكْرَهًا) سَوَاءٌ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ أَوْ شَرِبَهُ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ يُجَامِعُ. اهـ. فَتْحٌ

الْحَقُّ وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الْعِبَادِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُقَيَّدِ إذَا صَلَّيَا قَاعِدَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُقَيَّدِ دُونَ الْمَرِيضِ وَأَمَّا إذَا احْتَلَمَ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ وَالْقَيْءُ وَالِاحْتِلَامُ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ إلَّا بِتَرْكِ النَّوْمِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا إذَا أَنْزَلَ بِنَظَرٍ فَلِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَنْزَلَ بِالنَّظْرَةِ الْأُولَى لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ بِالثَّانِيَةِ يَفْسُدُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ «لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا الْأُولَى لَك وَالْأُخْرَى عَلَيْك» وَلِأَنَّ النَّظْرَةَ الْأُولَى تَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهَا بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَلَنَا أَنَّ النَّظَرَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهَا فَصَارَ كَالْإِنْزَالِ بِالتَّفَكُّرِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مُفَطِّرًا لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ فِيهِ وَمَا لَا يَكُونُ مُفَطِّرًا لَا يُفَطِّرُ بِالتَّكْرَارِ كَالْمَسِّ وَالِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْ قَصَدَ بِهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] إلَى أَنْ قَالَ {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] أَيْ الظَّالِمُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ فَلَمْ يُبَحْ الِاسْتِمْتَاعُ إلَّا بِهِمَا فَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْكَفِّ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَأَلْت عَنْهُ عَطَاءً فَقَالَ مَكْرُوهٌ سَمِعْت قَوْمًا يُحْشَرُونَ وَأَيْدِيهِمْ حَبَالَى فَأَظُنُّ أَنَّهُمْ هُمْ هَؤُلَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَذَّبَ اللَّهُ أُمَّةً كَانُوا يَعْبَثُونَ بِمَذَاكِيرِهِمْ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَسْكِينَ مَا بِهِ مِنْ الشَّهْوَةِ يُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَبَالٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ قَبَّلَ بَهِيمَةً أَوْ مَسَّ فَرْجَهَا فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا ادَّهَنَ فَلِعَدَمِ الْمُنَافِي وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا مِنْ الْمَسَالِكِ لَا يُنَافِيهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي كَبِدِهِ وَأَمَّا الِاحْتِجَامُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَلِعَدَمِ الْمُنَافِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُفَطِّرُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ «أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَنَسٌ أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ «أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحِجَامَةِ بَعْدُ لِلصَّائِمِ» وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلِأَنَّ احْتِجَامَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَقَوْلَهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ عَامَ الْفَتْحِ وَلِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَتْ كَالِافْتِصَادِ وَالْجَرْحِ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْكُحْلِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ وَكَذَا لَوْ بَزَقَ وَوَجَدَ لَوْنَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَفْسُدُ صَوْمه إذَا وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدِّمَاغِ مَسْلَكٌ وَالدَّمْعُ يَخْرُجُ بِالتَّرَشُّحِ كَالْعَرَقِ وَالدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ لَا يُنَافِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ مَا يَجِدُهُ فِي حَلْقِهِ أَثَرُ الْكُحْلِ لَا عَيْنُهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَنْ ذَاقَ الدَّوَاءَ وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَلَا يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ إلَخْ) يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ اهـ غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَ رُوَاتِهِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَضَعْفُ رُوَاتِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْحِفْظِ لَا الْعَدَالَةِ فَالتَّضَافُرُ دَلِيلُ الْإِجَادَةِ فِي خُصُوصِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَيْءِ مَا ذَرَعَ الصَّائِمُ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَفْسُدُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ كَأَنَّهُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ أَوْ لَا بِأَنْ يُرَادَ مُبَاشَرَةٌ هِيَ سَبَبُ الْإِنْزَالِ سَوَاءٌ كَانَ مَا بُوشِرَ بِمَا يَشْتَهِي عَادَةً أَوْ لَا وَلِهَذَا أَفْطَرَ بِإِنْزَالٍ فِي فَرَجِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَلَيْسَ مِمَّا يَشْتَهِي عَادَةً. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَسَامِّ) الْمَسَامُّ الْمَنَافِذُ مَأْخُوذٌ مِنْ سَمِّ الْإِبْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مِنْ الْأَطِبَّاءِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إلَى آخِرِهِ) الْقَائِلُ لَهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ عَلَى مَا فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الرِّوَايَةُ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَائِمٌ بَعْدَمَا قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُرْوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ أَيْ غَيْبَتُهُمَا أَذْهَبَتْ ثَوَابَ صَوْمِهِمَا فَصَارَا كَالْمُفْطِرِ مِنْ حَيْثُ حِرْمَانُ الثَّوَابِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ الْمَحْجُومُ لِلضَّعْفِ وَالْحَاجِمُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ بِمَصِّ الْمُلَازِمِ اهـ (قَوْلُهُ: وَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ) أَيْ وَكَمَنْ أَخَذَ حَنْظَلَةً فِي فَمِهِ فَوَجَدَ مَرَارَتَهَا فِي حَلْقِهِ أَوْ مَاءً فَوَجَدَ عُذُوبَتَهُ أَوْ نَدَاوَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَكَمَا لَوْ صَبَّ لَبَنًا فِي عَيْنَيْهِ أَوْ دَوَاءً فَوَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ مَرَارَتَهُ فِي حَلْقِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. اهـ. غَايَةٌ

الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَصَارَ كَالْغُبَارِ وَالدُّخَانِ وَلَئِنْ كَانَ عَيْنَهُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَسَامِّ فَلَا يُفَطِّرُهُ وَمَا رَوَيَاهُ مُنْكَرٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ فِي الْإِثْمِدِ صِفَةً لَا تُوَافِقُ الصَّائِمَ كَالْحَرَارَةِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ قَبَّلَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يَعْنِي رُوَاتَهُ وَلِأَنَّ الْمُنَافِيَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّجْعَةِ حَيْثُ يَثْبُتَانِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا أُدِيرَ عَلَى السَّبَبِ الْمُفْضِي إلَى الْوِقَاعِ وَهُنَا عَلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَنْزَلَ بِالْقُبْلَةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْمُصَاهَرَةِ وَيَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ فَانْعَدَمَ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكْفِي لِوُجُوبِهِ وُجُودُ الْمُنَافِي صُورَةً أَوْ مَعْنًى وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِوُجُوبِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ جَبْرِ الْفَائِتِ وَفِي الصَّوْمِ حَصَلَ الْجَبْرُ بِالْقَضَاءِ فَكَانَتْ زَاجِرَةً فَقَطْ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ فَتَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِالْإِكْرَاهِ وَالْخَطَإِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ الْإِنْزَالَ وَالْجِمَاعَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِفِطْرٍ وَرُبَّمَا يَصِيرُ فِطْرًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنْ أَمِنَ اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فَأُبِيحَ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ يُعْتَبَرُ عَاقِبَتُهُ فَيُكْرَهُ وَالشَّافِعِيُّ أَبَاحَ الْقُبْلَةَ فِي الْحَالَيْنِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيِّنَاهُ وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ مِثْلُ التَّقْبِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِمَا وَفِي التَّقْبِيلِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ التَّقْبِيلَ فِيهِمَا وَعَلَى مُحَمَّدٍ فِي مَنْعِهِ الْمُبَاشَرَةَ فِيهِمَا وَتَفْسِيرُ الْمُبَاشَرَةِ أَنْ يَتَجَرَّدَا عَنْ الثِّيَابِ وَيَضَعَ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا وَأَمَّا إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفَطِّرَهُ لِوُصُولِ الْمُفَطِّرِ إلَى جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ كَالتُّرَابِ وَالْحَصَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ أَنَّ دُمُوعَهُ أَوْ عَرَقَهُ إذَا دَخَلَ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ مِثْلُ قَطْرَةٍ أَوْ قَطْرَتَيْنِ لَا يُفَطِّرُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَجِدُ مُلُوحَتَهُ فِي الْحَلْقِ يُفْسِدُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلْجِ وَالْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُفْسِدُهُ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا إذَا كَانَ قَلِيلًا مِنْ الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَكْلِ اللَّيْلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُفَطِّرهُ وَقَالَ زُفَرُ يُفَطِّرُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّجْعَةِ) أَيْ لَوْ قَبْلَ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَبِالْقُبْلَةِ أَيْضًا مَعَ الشَّهْوَةِ يَنْتَشِرُ لَهَا الذَّكَرُ وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ أُمَّهَاتِ الْمُقَبَّلَةِ كَبَنَاتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ إلَى آخِرِهِ) وَالتَّقْبِيلُ الْفَاحِشُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَمْضُغَ شَفَتَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَسُّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَى آخِرِهِ) فِي الذَّخِيرَةِ إنْ مَسَّهَا بِحَائِلٍ فَأَنْزَلَ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ بَدَنِهَا أَفْطَرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إذَا أَنْزَلَ بِحَائِلٍ فَفِي فَسَادِهِ وَجْهَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ الْفِتْنَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ قُلْنَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَأْمَنُ فَإِنْ خَافَ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ وَالْأَوْجَهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَبَبًا غَالِبًا فَأَقَلُّ الْأُمُورِ لُزُومُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ تَحَقُّقِ الْخَوْفِ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَضَعُ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا إلَى آخِرِهِ) وَهَذَا خَاصٌّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ الْمُفَادُ بِالْحَدِيثِ فَجَعْلُ الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى مُحَمَّدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلِ الْمُثْبَتِ فِي أَقْسَامِهِ بَلْ وَلَا فِي الزَّمَانِ وَفَهْمُهُ فِيهِ مِنْ إدْخَالِ الرَّاوِي لَفْظَ كَانَ عَلَى الْمُضَارِعِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ) فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُفْتَحَ فَاهُ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا كَافِيًا (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا فِي الْخِزَانَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ يَجِدُ مُلُوحَتَهَا فَالْأَوْلَى عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِوِجْدَانِ الْمُلُوحَةِ لِصَحِيحِ الْحِسِّ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبِينِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَتْهُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ بِوُصُولِهِ إلَى الْحَلْقِ وَمُجَرَّدُ وُجْدَانِ الْمُلُوحَةِ دَلِيلُ ذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ سَقْفٌ إلَى آخِرِهِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا مُسَافِرًا أَفْسَدَهُ فَالْأَوْلَى تَعْلِيلُ الْإِمْكَانِ لِتَيَسُّرِ طَبْقِ الْفَمِ وَفَتْحِهِ أَحْيَانًا مَعَ الِاحْتِرَاسِ عَنْ الدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَ فَمَه الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فَمِهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ الْمُتَّصِلُ بِمَا فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَهُ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَطَ بِالرِّيقِ لَوْنُ صِبْغِ إبْرَيْسَمَ يَعْمَلُهُ مُخْرِجًا لِلْخَيْطِ مِنْ فِيهِ فَابْتَلَعَ هَذَا الرِّيقَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْوَاهُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ

دَاخِلًا مِنْ الْخَارِجِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ عَادَةً فَصَارَ تَبَعًا لِأَسْنَانِهِ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ وَالْكَثِيرُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ وَإِنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَلَوْ ابْتَلَعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ خَارِجٍ يَفْسُدُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَفِي مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُتَغَيِّرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ لَمْ يُفَطِّرْهُ وَيُكْرَهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُفَطِّرُهُ كَرِيقِ غَيْرِهِ وَالدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ وَالدَّمُ غَالِبٌ أَوْ مُسَاوٍ فَطَّرَهُ إنْ ابْتَلَعَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ فَيَنْظُرُ إنْ ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ فَطَّرَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ مَضَغَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا إذَا قَاءَ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتِقَاء عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ إذَا قَاءَ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ قَاءَ وَعَادَ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَوْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِانْتِفَاءِ الْإِفْطَارِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعَادَهُ أَوْ اسْتَقَاءَ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ حَدِيدًا قَضَى فَقَطْ) أَيْ إنْ أَعَادَ الْقَيْءَ أَوْ قَاءَ عَامِدًا إلَى آخِرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا إعَادَةُ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءَةِ فَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قَاءَ عَمْدًا أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ لَا يَكُونَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَعَادَهُ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَا عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ لَا يُفَطِّرُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِنْ عَادَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ حَتَّى انْتَقَضَتْ بِهِ الطَّهَارَةُ وَقَدْ دَخَلَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْفِطْرُ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ وَكَذَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يَتَغَذَّى بِهِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَصَارَ تَبَعًا) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَابِعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْ بَقَاءِ أَثَرٍ مِنْ الْمَأْكَلِ حَوَالَيْ الْأَسْنَانِ وَإِنْ قَلَّ ثُمَّ يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ النَّابِعِ مِنْ مَحَلِّهِ إلَى الْحَلْقِ فَامْتَنَعَ تَعْلِيقُ الْإِفْطَارِ بِعَيْنِهِ فَتَعَلَّقَ بِالْكَثِيرِ وَهُوَ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَثِيرًا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَ الْفَاصِلَ كَوْنَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ فِي ابْتِلَاعِهِ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالرِّيقِ أَوَّلًا الْأَوَّلُ قَلِيلٌ وَالثَّانِي كَثِيرٌ وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُصُولِ كَوْنُهُ لَا يَسْهُلُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ وَذَلِكَ فِيمَا يَجْرِي بِنَفْسِهِ مَعَ الرِّيقِ إلَى الْجَوْفِ لَا فِيمَا يَتَعَمَّدُ فِي إدْخَالِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَجُعِلَ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارَ الْحِمَّصَةِ) وَجُعِلَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْمُفْسِدُ مَا يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ، وَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ عَفْوٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ فَتْحُ الْمِيمِ وَقَالَ الْمُبَرَّدُ وَهُوَ الْحِمِّصُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ إلَّا حِلِّزٌ وَهُوَ الْقَصِيرُ وَجِلِّقٌ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالشَّامِ. اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ أَكَلَ الْمَضْغُ وَالِابْتِلَاعُ أَوْ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ مُجَرَّدِ الِابْتِلَاعِ فَيُفِيدُ حِينَئِذٍ خِلَافَ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ إذَا مَضَغَ مَا أَدْخَلَهُ وَهُوَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَا يُفَطِّرُهُ لَكِنَّ تَشْبِيهَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ الْفَسَادِ فِي ابْتِلَاعِ سِمْسِمَةٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَعَدَمِهِ إذَا مَضَغَهَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْلِ الِابْتِلَاعُ فَقَطْ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إعْطَاءُ النَّظِيرِ وَفِي الْكَافِي فِي السِّمْسِمَةِ قَالَ إنْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضْغَهُ. اهـ. فَتْحٌ وَأَيْضًا إذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَة حَتَّى فَسَدَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قِيلَ لَا وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُهُ) أَيْ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّمْسِمَة انْتَهَى دِرَايَة (قَوْلُهُ وَلَوْ مَضَغَهَا لَا يَفْسُدُ) وَكَذَا لَوْ مَضَغَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِأَنَّهَا تَلْتَزِقُ بِأَسْنَانِهِ فَلَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ) أَيْ يَكْرَهُهُ انْتَهَى كَاكِيٌّ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيَنْظُرَ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَلَوْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ لَيْسَ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنْ مَضَغَهَا وَهُوَ مَعَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) ذَرَعَهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ سَبَقَهُ وَغَلَبَهُ انْتَهَى صِحَاحٌ وَمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَهُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا كُنْت تَصُومُهُ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي قِئْت» مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ عُرُوضِ الضَّعْفِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَالْجُمْلَةُ فِيهِ) أَيْ فِي مَسَائِلِ الْقَيْءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَكُونُ) مِلْءَ الْفَمِ أَيْ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةً (قَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَا عَادَ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَادَ هُوَ) أَيْ الْقَيْءُ الَّذِي ذَرَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ) أَيْ صُورَةُ الْفِطْرِ ذَكَرَ ضَمِيرَهُ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى بِهِ) أَيْ عَادَةً. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَطْعُومٌ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَعِدَةِ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي بِخِلَافِ الْحَصَا وَنَحْوِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِلِّ وَنُفُورِ الطَّبْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَأَبُو يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَأَصْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ اعْتِبَارُ الْخُرُوجِ وَهُوَ بِمِلْءِ الْفَمِ وَأَصَّلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ الْإِعَادَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. اهـ. فَتْحٌ

الْخُرُوجَ وَمُحَمَّد يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ وَإِنْ أَعَادَهُ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَم لَا يُفَطِّرُهُ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ عَادَ لَا يُفَطِّرُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَعَادَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ ثُمَّ إنْ عَادَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَعَادَهُ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَفِي رِوَايَةِ يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّ قَلِيلَهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَهُوَ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ فِي الصَّوْمِ هَذَا إذَا قَاءَ طَعَامًا أَوْ مَاءً أَوْ مَرَّةً فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ مُفْسِدٍ لِصَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مُفْطِرٌ إذَا قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ قَاءَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِلْءَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ أَوْ غَدْوَةٍ ثُمَّ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ عَشِيَّةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ذَكَرَهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَفْصِلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ مِلْءَ الْفَمِ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ لَا مَا دُونَهُ وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْمِلْحِ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ يَعْنِي أَكَلَهُ وَحْدَهُ وَقِيلَ فِي قَلِيلِهِ تَجِبُ دُونَ كَثِيرِهِ وَفِي النِّيءِ مِنْ اللَّحْمِ تَجِبُ دُونَ الشَّحْمِ وَعِنْدَ أَبِي اللَّيْثِ تَجِبُ فِي الشَّحْمِ أَيْضًا هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ قَدِيدٍ وَإِنْ كَانَ قَدِيدًا تَجِبُ فِيهِمَا وَعَلَى هَذَا أَوْرَاقُ الْأَشْجَارِ إنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ عَادَةً تَجِبُ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ النَّبَاتَاتُ كُلُّهَا وَلَا تَجِبُ فِي الطِّينِ إلَّا طِينَ الْأَرْمَنِيِّ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهِ وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ وَلَمْ يَمْضُغْهَا لَا تَجِبُ وَإِلَّا فَتَجِبُ وَلَوْ الْتَقَمَ لُقْمَةً نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا مَضَغَهَا فَابْتَلَعَهَا ذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ لَا يُفْطِرُهُ لِمَا رَوَيْنَا) مُسْتَدْرِكٌ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ سَابِقًا فَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَخَرَجَ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ فَعَادَ لَا يُفْطِرُهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ وَلِصُلْحٍ جَعَلَهُ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعَادَهُ) أَيْ الْقَيْءَ الَّذِي ذَرَعَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا) قَيَّدَ بِهِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا اسْتِقَاءَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُف إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ أَوْ بِالْقَيْءِ عَمْدًا إمَّا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَادَةً دُخُولُ شَيْءٍ أَوْ لَا بِاعْتِبَارِهِ بَلْ ابْتِدَاءً شَرَعَ يُفْطِرُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَظَ فِيهِ تَحَقُّقَ كَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ اهـ قَوْلُهُ نَقَضَ الطَّهَارَةَ أَيْ بِالْخَارِجِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالنَّجَاسَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَمْ يُوجَدْ فِي قَيْءِ الْبَلْغَمِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا إذَا ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ أَوْ الْحَدِيدَ) إنَّمَا قَالَ ابْتَلَعَ وَلَمْ يَقُلْ أَكَلَ لِأَنَّ الْأَكْلَ الْمَضْغُ، وَالْمَضْغُ لَا يَنْفَعِلُ فِي الْحَصَاةِ. اهـ. دَارِيَةٌ (قَوْلُهُ الْفِطْرُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِمَّا دَخَلَ إلَى آخِره) أَيْ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ غَايَةٌ وَرَفَعَهُ فِي الْهِدَايَة وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى جَمَاعَةٍ اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْجَمْعُ بَيْنَ آثَارِ الْفِطْرِ مِمَّا دَخَلَ وَبَيْنَ آثَارِ الْقَيْءِ أَنَّ فِي الْقَيْءِ يَتَحَقَّقُ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ وَإِنْ قَلَّ فَلِاعْتِبَارِهِ يُفْطِرُ وَفِيمَا إذَا ذَرَعَهُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ كَالنِّسْيَانِ لَا كَالْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي قَلِيلِهِ تَجِبُ دُونَ كَثِيرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ. اهـ. غَايَةٌ وَهَذَا مِنْ الِامْتِحَانِيَّاتِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي النِّيءِ مِنْ اللَّحْمِ تَجِبُ) وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً كَانَ مُنْتِنًا إلَّا إنْ دَوَّدَتْ فَلَا تَجِبُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدِيدًا تَجِبُ فِيهِمَا) أَيْ بِلَا خِلَافٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ فِي الطِّينِ) أَيْ وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغَدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرَكْ وَلَا هُوَ مَطْبُوخٌ وَلَا فِي ابْتِلَاعِ الْجَوْزَةِ الرَّطْبَةِ وَتَجِبُ لَوْ مَضَغَهَا وَبَلَعَ الْيَابِسَةَ وَمَضَغَهَا عَلَى هَذَا وَكَذَا يَابِسُ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَقِيلَ هَذَا إنْ وَصَلَ الْقِشْرُ أَوَّلًا إلَى حَلْقِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا كَفَّرَ وَفِي ابْتِلَاعِ اللَّوْزَةِ الرَّطْبَةِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ كَمَا هِيَ بِخِلَافِ الْجَوْزَةِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا وَابْتِلَاعُ التُّفَّاحَةِ كَالْمَوْزَةِ وَالرُّمَّانَةِ، وَالْبَيْضَةُ كَالْجَوْزَةِ وَفِي ابْتِلَاعِ الْبِطِّيخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْخَوْخَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْهَلِيلَجَة رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ أَكَلَ كَافُورًا أَوْ مِسْكًا أَوْ زَعْفَرَانًا أَوْ غَالِيَةً كَفَّرَ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِهَا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا طِينَ الْأَرْمَنِيِّ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَجِبُ بِالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَبِغَيْرِهِ عَلَى مَنْ يَعْتَادُ أَكْلَهُ كَالْمُسَمَّى بِالطَّفْلِ لَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُهُ وَلَا بِأَكْلِ الدَّمِ إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ ابْتَلَعَ فُسْتُقَةً مَشْقُوقَةً تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْقُوقَةً لَا تَجِبُ إلَّا إذَا مَضَغَهَا اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَجِبُ) بِأَنْ كَانَتْ مَشْقُوقَةً فَابْتَلَعَهَا أَوْ غَيْرَ مَشْقُوقَةٍ فَمَضَغَهَا اهـ

لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قِيلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا وَقِيلَ إنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بَعْدَ إخْرَاجِهَا تَعَافُهَا النَّفْسُ وَمَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قِيلَ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا غِذَاءً أَوْ دَوَاءً قَضَى وَكَفَّرَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَمَّا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَلِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ إذْ فِي صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْحَكِيمُ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهُ فَيَقْضِيهِ لِتَحْصِيلِهَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْجِمَاعِ كَالْحَدِّ وَالِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَفَسَادُ الصَّوْمِ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مِنْهَا وَلِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَعٌ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِهَا وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَقْذَرٌ وَمَنْ لَهُ طَبِيعَةٌ سَلِيمَةٌ لَا يَمِيلُ إلَيْهِ فَلَا يَسْتَدْعِي زَاجِرًا لِلِامْتِنَاعِ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالْحَدِّ وَفِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالزِّنَا وَلَيْسَ هَذَا بِزِنًا حَقِيقَةً لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ الْخَالِي عَنْ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ وَلَا مَعْنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إفْسَادُ الْفِرَاشِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَقَوْلُهُ أَوْ جُومِعَ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَ بِطَوْعِهَا وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْوِقَاعِ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهَا لَبَعَثَ إلَيْهَا أَوْ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ كَمَا بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ وَقَالَ إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا حِينَ ادَّعَى زِنَاهَا وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ عَلَيْهَا وَيَتَحَمَّلُ عَنْهَا الزَّوْجُ إذَا كَفَّرَ بِالْمَالِ كَثَمَنِ الْمَاءِ لِلِاغْتِسَالِ وَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ سُخْنَةً بَعْدُ إلَى آخِرِهِ) لَا إنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ حَتَّى بَرَدَتْ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُعَافُ لَا قَبْلَهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ عِنْدَ الْكُلِّ فِي السُّقُوطِ الْعِيَافَةُ غَيْرَ أَنَّ كُلًّا وَقَعَ عِنْدَهُ إنَّ الِاسْتِكْرَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ كَذَا لَا كَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ امْرَأَتَانِ تَسَاحَقَتَا فَإِنْ أَنْزَلَتَا فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا انْتَهَى غَايَةٌ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ عَمْدًا) يَعْنِي فِي صَوْمِ رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ مَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا عَلَى وَجْهِ الشُّهْرَةِ يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قَضَى وَكَفَّرَ) أَيْ إذَا كَانَ عَمْدًا وَقَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ) وَالْكَافُ فِي كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَفَّرَ تَكْفِيرًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّرْتِيبِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ) أَيْ فِي الْمَحَلَّيْنِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَمَا بِالْأَكْلِ تَجِبُ بِلُقْمَةٍ لَا بِالشِّبَعِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِنْزَالُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهَا أَوْلَى فَعَدَمُ الِاشْتِرَاطِ عَلَى هَذَا ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ نَصِّ الْحَدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْهُ دُونَهَا) أَيْ وَلِهَذَا يُقَالُ جَامَعَ فُلَانٌ وَلَا يُقَالُ جَامَعَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ) أَيْ امْرَأَةِ الْأَعْرَابِيِّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهَا اهـ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَفْطَرَ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَذَا قَالَ سَبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى نِهَايَةُ الصَّنَائِعِ قُلْت لَا أَصْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَرِّجَهُ الشَّيْخَانِ. اهـ. غَايَةٌ (فَرْعٌ) وَفِي الْمُجْتَبَى فِي الْمَبْسُوطَيْنِ لَوْ مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَزَنَى بِهَا فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ عَلَى قِيَاسِ الْحَدِّ لَا يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُكْرَهَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ الشَّرْطُ الْإِكْرَاهُ عِنْدَ الْإِيلَاجِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ لَوْ وَقَعَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ أَكْرَهَتْ زَوْجَهَا عَلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتِي وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ جَامَعَ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا الْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ أَمَارَةُ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَلَوْ كَتَمَتْ طُلُوعَ الْفَجْرِ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى جَامَعَهَا فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالْإِفْطَارِ فَإِنْ قِيلَ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ وَاقِعَةِ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ الْفِطْرِ بِأَمْرٍ خَاصٍّ لَا بِالْأَعَمِّ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بِالْجِمَاعِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ لِأَحَدٍ بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ جِمَاعُ الرَّجُلِ وَهُوَ السَّائِلُ بِمَجِيئِهِ مُفَسِّرًا لِذَلِكَ بِرِوَايَةِ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْنَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ تَعْلِيقُهَا بِالْإِفْطَارِ وَهِيَ عِبَارَةُ الرَّاوِي أَعَنَى أَبَا هُرَيْرَةَ إذْ أَفَادَ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ خُصُوصِ الْأَحْوَالِ الَّتِي شَاهَدَهَا فِي قَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعَ مَا يُفِيدُ أَنَّ إيجَابَهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إفْطَارٌ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الْإِفْطَارِ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ وَهَذَا كَمَا قَالُوهُ فِي أُصُولِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا نَقَلَ الرَّاوِي بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا اعْتِبَارَهُ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الرَّاوِي قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فَهَذَا مِثْلُهُ بِلَا تَفَاوُتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا طَاوَعَتْهُ فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى

بِمَعْنَاهُ وَكَلِمَةُ مَنْ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب: 31] وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْإِفْسَادِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَالْكَفَّارَةُ أَوْلَى وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ وَلَا تَحَمُّلَ فِيهِمَا عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ بَيَانٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجِنَايَةِ وَحُكْمِهَا وَالْمَقْصُودُ فِيهِ الْإِعْلَامُ وَمَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِالْفَتْوَى وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ إقَامَةُ الْحَدِّ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْبَعْثِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَكُونُ اعْتِرَافًا عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهَا بِخِلَافِ امْرَأَةِ صَاحِبِ الْعَسِيفِ فَإِنَّهُ جَاءَ لِذَلِكَ وَاعْتَرَفَ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَعْثِ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَبْعَثْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَضِيَّةِ مَاعِزٍ حِينَ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ مُفْطِرَةً بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِأَكْلِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ يَتَدَاوَى بِهِ أَوْ يَشْرَبُهُ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ بِهَا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ كَالْحَدِّ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لِأَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ أَشَدُّ هَيَجَانًا وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ أَشَقُّ عَلَى الْمَرْءِ وَعِنْدَ حُصُولِهِ يَغْلِبُ الْبَشَرَ وَلَا كَذَلِكَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا هُوَ دُونَهُ فِي اسْتِدْعَاءِ الزَّاجِرِ وَنَظِيرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُ أَفْطَرَ فِي الْحَدِيثَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْمَأْكُولَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِفْسَادِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْإِفْسَادُ دُونَ الْجِمَاعِ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مَنْكُوحَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ لِوُجُودِ الْإِفْسَادِ لَا بِاللَّيْلِ لِعَدَمِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهُ عِلَّةً لَهَا بِقَوْلِهِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ فَبَطَلَ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ أَشَدُّ هَيَجَانًا وَلَا الصَّبْرَ عَنْ اقْتِضَائِهِ أَشَدُّ عَلَى الْمَرْءِ بَلْ شَهْوَةُ الْبَطْنِ أَشَدُّ وَهُوَ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَلِهَذَا رُخِّصَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِئَلَّا يَهْلَكَ بِخِلَافِ الْفَرْجِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يُضْعِفُ شَهْوَةَ الْفَرْجِ وَلِهَذَا أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَزَبَ بِالصَّوْمِ وَيُقَوِّي شَهْوَةَ الْبَطْنِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الزَّاجِرِ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ تَكْفِيرًا عُلِمَ أَنَّ التَّوْبَةَ وَحْدَهَا غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ لِهَذَا الذَّنْبِ وَأَمَّا كَوْنُهَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ يَعْنِي فِي التَّرْتِيبِ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّه قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى وُجُوبِهِ مُرَتَّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَظِيرِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَتَكُونُ ثَابِتَةً بِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّهَا اهـ (قَوْلُهُ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ) وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَيَانُ حُكْمِ الرَّجُلِ بَيَانُ حُكْمِ الْمَرْأَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «حُكْمِي فِي الْوَاحِدِ حُكْمِي فِي الْجَمَاعَةِ وَخِطَابِي لِلْوَاحِدِ خِطَابٌ لِلْجَمَاعَةِ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْحَدِّ بِقَوْلِهِ {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَكَانَ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَمَةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةُ الْحُكْمِ بِالْفَتْوَى وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ وَسُكُوتُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا كَمَا لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُ عَنْ فَسَادِ صَوْمِهَا وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَسْأَلْهُ عَنْهَا وَلَا سَأَلَهُ الزَّوْجُ عَنْهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً) أَيْ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أُهْلِكْت فِي رِوَايَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِفْسَادِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ هَلَكَتْ أَشَارَ إلَى هَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ بِإِفْسَادِ صَوْمَهُ وَكَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِالْفِطْرِ الْهَاتِكِ لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا بِنَفْسِ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَوْ مَمْلُوكَتَهُ حَلَالٌ عِنْدَ عَدَمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِإِيجَابِ الْإِعْتَاقِ إلَى آخِرِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي وَجْهِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ لِارْتِفَاعِ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعٍ لِكَلَامِهِ لِأَنَّهُ يُسَلَّمُ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَا يَرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ وَبِهَذَا يَثْبُتُ كَوْنُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَعْنِي الْقَاعِدَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ فِي الشَّرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى آخِرِهِ) اسْمُهُ سَلَمَةُ الْبَيَاضِيُّ الْأَنْصَارِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ) الْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الرَّاءِ مِكْتَلٌ مِنْ الْخُوصِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ تَصَدَّقْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ وَيُرْوَى بِعَرَقٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) اللَّابَةُ الْحَرَّةُ وَهِيَ حِجَارَةٌ سُودٌ وَالْمَدِينَةُ يَكْتَنِفُهَا حَرَّتَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) وَفِي لَفْظٍ ثَنَايَاهُ وَفِي لَفْظٍ أَنْيَابُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك إلَى آخِرِهِ) زَادَ فِي الْهِدَايَةِ يُجْزِيك وَلَا يُجْزِي أَحَدًا بَعْدَك اهـ وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد زَادَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَنْ ذَلِكَ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ قَالَ لِانْتِسَاخِهِ بِمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ كُلْهَا

فَخُصَّ الْأَعْرَابِيُّ بِأَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ بِجَوَازِ الْإِطْعَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّيَامِ وَصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ وَالِاكْتِفَاءِ بَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِنْزَالِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) لِانْعِدَامِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِوُجُودِهِ مَعْنًى وَالْمُرَادُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ غَيْرُ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ كَالْفَخِذِ وَالْإِبْطِ وَالْبَطْنِ وَهُوَ فِي مَعْنَى اللَّمْسِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ رَمَضَانَ) أَيْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَلَوْ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَرَدَتْ فِي هَتْكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ إذْ لَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الزَّمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ وَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ) لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا دَخَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ بِالْإِقْطَارِ فِي أُذُنِهِ الدُّهْنُ وَأَمَّا إذَا أَقْطَرَ فِيهَا الْمَاءَ فَلَا يُفْطِرُ ذَكَرَهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَوْ اسْتَنْشَقَ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ فَجَعَلَ الدِّمَاغَ كَالْجَوْفِ لِأَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِهِمَا وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ أَنْ يَكُونَ الدَّوَاءُ رَطْبًا وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتَ وَعِيَالَك اهـ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَأَمَّا رَفْعُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ يُجْزِيك وَلَا يُجْزِي أَحَدًا بَعْدَك فَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ وَكَذَا لَفْظُ الْفَرْقِ بِالْفَاءِ بَلْ بِالْعَيْنِ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى مَا قَبْلُ قُلْنَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أُخِّرَ عَنْهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ إذَا كَانَ فَقِيرًا فِي الْحَالِ عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْك وَلَفْظُ وَأَهْلَكْت لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ اهـ فَتْحٌ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فَخُصَّ الْأَعْرَابِيُّ إلَى آخِرِهِ) نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَوَاشِي اهـ فَإِنْ قِيلَ اعْتَرَفَ بِالْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَمْ يُعَزِّرْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ مُسْتَفْتٍ فَلَوْ عُزِّرَ لَامْتَنَعَ مِنْ الِاسْتِفْتَاءِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الِاسْتِفْتَاءِ فَلَمْ يُعَزِّرْهُ لِذَلِكَ قُلْت قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ فَلَا يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْزِيرِ وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ هَلَكْت يُشْعِرُ بِالْعَمْدِيَّةِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ لَعُدَّ مِنْهُ عُذْرًا لِنَفْسِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) بِفَتْحِ التَّاءِ فِيهِمَا. اهـ. غَايَةٌ وَالسَّعُوطُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا يُجْعَلُ فِي الْأَنْفِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا فِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يُفْطِرُ وَالْخِلَافُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ تَحْقِيقَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ) أَيْ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ يَرْجِعُ إلَى الْجَائِفَةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الْبَطْنِ أَوْ دِمَاغِهِ يَرْجِعُ إلَى الْآمَّةِ لِأَنَّهَا الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ مِنْ أَمَمْته بِالْعَصَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الرَّأْسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا دَخَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ وَهُوَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَلَا كَفَّارَةَ لِانْعِدَامِ الصُّورَةِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْفِطْرُ إلَّا بِصُورَتِهِ أَوْ مَعْنَاهُ وَقَدَّمَ أَنَّ صُورَتَهُ الِابْتِلَاعُ وَذَكَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجُوَافِ فَاقْتَضَى فِيمَا لَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَبَقِيَ الْحَدِيدُ فِي بَطْنِهِ أَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهَا أَوْ احْتَشَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ أَوْ اسْتَنْجَى فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ لِمُبَالَغَتِهِ فِيهِ عَدَمُ الْفِطْرِ لِفُقْدَانِ الصُّورَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَعْنَى وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ مِنْ التَّغْذِيَةِ أَوْ التَّدَاوِي لَكِنَّ الثَّابِتَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعْنَةِ وَالرَّمْيَةِ الْخِلَافُ وَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِفْطَارِ جَمَاعَةٌ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ثُبُوتِ الْإِفْطَارِ فِيمَا بَعْدَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ طَرَفُ الْخَشَبَةِ بِيَدِهِ وَطَرَفُ الْحَشْوِ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَالْمَاءُ لَمْ يَصِلْ إلَى كَثِيرِ دَاخِلٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَالْحَدُّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَدْرُ الْمِحْقَنَةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اهـ نَعَمْ لَوْ خَرَجَ سُرْمُهُ فَغَسَلَهُ ثَبَتَ ذَلِكَ الْوُصُولُ بِلَا اسْتِبْعَادٍ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُنَشِّفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَشَّفَهُ لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمَقْعَدَةِ لَا يُقَالُ الْمَاءُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَكَرُوا أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى هُنَاكَ يُورِثُ دَاءً عَظِيمًا لَا يُقَالُ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ عَلَى مَا بِحَيْثُ يَصْلُحُ بِهِ وَتَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ ضَرَرٌ أَحْيَانًا فَيَنْدَفِعُ إشْكَالُ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَيْهِ أَوْ أَدْخَلَهُ بِقَوْلِهِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ وَذَلِكَ أَفَادَهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِ دِمَاغِهِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَا فِيهِ صَلَاحَ مَا ذَكَرْت لَمْ يَصِحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَبَسَطَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ لِأَنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ بِمُخَالَطَةِ خَلْطٍ دَاخِلَ الْأُذُنِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ شَيْءٌ مُصْلِحٌ لَهُ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْفِطْرِ فَلَا يُفْسِدُهُ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الصُّورَةِ بِالْإِدْخَالِ بِصُنْعِهِ كَمَا هُوَ فِي عِبَارَةِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي تَعْلِيلِ مَا اخْتَارَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْفَسَادِ إذَا أَدْخَلَ الْمَاءَ أُذُنَهُ لَا إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا خَاضَ نَهْرًا حَيْثُ قَالَ إذَا خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِيهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ مُوَصَّلٌ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ خَشَبَةً وَغَيَّبَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْإِشْكَالَاتُ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا فَاعْتِبَارُ مَا بِهِ الصَّلَاحُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْإِفْطَارِ إمَّا عَلَى مَعْنَى مَا بِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي السُّؤَالِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ لِتَعْمِيمِ عَدَمِ الْإِفْسَادِ فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْأُذُنَ فَيَصْلُحُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ وَوَجْهُ أَنَّهُ لَازِمٌ فِيمَا لَوْ احْتَقَنَ بِحُقْنَةٍ ضَارَّةٍ لِخُصُوصِ مَرَضِ الْمُحْتَقِنِ أَوْ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الشِّبَعِ وَالِامْتِلَاءِ قَرِيبًا مِنْ التُّخَمَةِ فَإِنَّ الْأَكْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَة مَضَرَّةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَضْلًا عَنْ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ وَإِمَّا عَلَى حَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَافِي وَالْمُصَنِّفِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْفَسَادِ فِي الْمَاءِ الدَّاخِلِ

شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ لَوْ أَدْخَلَتْ الصَّائِمَةُ أُصْبُعَهَا فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا لَا يَفْسُدُ عَلَى الْمُخْتَار إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَالْخَشَبَةِ لَا كَالذَّكَرِ وَفِي الْخِزَانَةِ أَدْخَلَ قُطْنَةً فِي دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ فَغَيَّبَهَا قَضَاهُ وَإِنْ كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَنَفَذَ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى أَوْ بِحَجَرٍ فِي جَائِفَةٍ فَدَخَلَ فِي جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ وَضَعَتْ حَشْوًا فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَسَدَ صَوْمُهَا وَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَسَدَ وَلَوْ خَرَجَتْ مَقْعَدَتُهُ فَغَسَلَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فَسَدَ صَوْمُهُ إلَّا أَنْ يُجَفِّفَهَا قَبْلَهُ وَلَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ وَبَقِيَ فِي جَوْفِهِ فَسَدَ وَإِنْ بَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا لَمْ يَفْسُدْ وَلَوْ شَدَّ الطَّعَامَ بِخَيْطٍ وَأَرْسَلَهُ فِي حَلْقِهِ وَطَرَفُ الْخَيْطِ فِي يَدِهِ لَا يَفْسُدُ إلَّا إذَا انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا) أَيْ لَا يُفْطِرُ سَوَاءٌ أَقْطَرَ فِيهِ الْمَاءَ أَوْ الدُّهْنَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفَطِّرُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ تَوَقَّفَ فِيهِ وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ أَمْ لَا وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ كَذَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ بَعْدُ لَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْمَثَانَةَ نَفْسَهَا جَوْفًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ مَا دَامَ فِي الْقَصَبَةِ وَلَيْسَا بِشَيْءٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِقْطَارِ فِي قُبُلِهَا وَالصَّحِيحُ الْفِطْرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ وَمَضْغُ الْعِلْكِ) أَمَّا كَرَاهِيَةُ الذَّوْقِ فَلِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَذُوقَ الْمَرْأَةُ الْمَرَقَ بِلِسَانِهَا قَالُوا هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِيهِ مُبَاحٌ بِالْعُذْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا مَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ أَيْ مَضْغُ الصَّائِمِ فَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْإِفْسَادِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يَصُومُ وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأُذُنِ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُ تَعْمِيمُ عَدَمِهِ فِيهِ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ إنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً صَوْمَهَا قُلْت وَهَذَا تَنْبِيهٌ حَسَنٌ يَجِبُ أَنْ يُحْفَظَ إذْ الصَّوْمُ إنَّمَا يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فَدَخَلَ فِي جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ) هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَعَلَّ عَدَمَ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجَرِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَإِلَّا فَيُشْكِلُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَوْ طُعِنَ بِرُمْحٍ إلَى آخِرِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُجَفِّفَهَا قَبْلَهُ) لِأَنَّ الْمَاءَ اتَّصَلَ بِظَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَاطِنِ بِعَوْدِ الْمَقْعَدَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ وَمَالِكٌ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ صَالِحٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ) أَيْ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مَا يُقْطَرُ فِيهَا أَوْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنْفَذًا مُسْتَقِيمًا أَوْ شِبْهَ الْحَاءِ فَيُتَصَوَّرُ الْخُرُوجُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الدُّخُولُ لِعَدَمِ الدَّافِعِ الْمُوجِبِ لَهُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْمَثَانَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مَجْمَعُ الْبَوْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ) أَيْ وَمَا يَخْرُجُ بِسَبِيلِ التَّرْشِيحِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ سُدَّ رَأْسُ الْكُوزِ وَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ بِسَبِيلِ التَّرْشِيحِ وَلَوْ مُلِئَ مَاءٌ يَخْرُجُ تَرْشِيحًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْمَثَانَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ أَوْ إلَى جَوْفِ الْمَثَانَةِ بَلْ يَصِحُّ إنَاطَتُهُ بِالثَّانِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِلُ إذْ ذَاكَ إلَى الْجَوْفِ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِيمَا إذَا حَشَى ذَكَرَهُ بِقُطْنَةٍ فَغَيَّبَهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ كَاحْتِشَائِهَا مِمَّا يُقْضَى بِبُطْلَانِهِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْإِقْطَارِ مَا دَامَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى التَّعْلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَيْفَ هُوَ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْمَنْفَذِ أَوْ اسْتِقَامَتِهِ وَعَدَمِهِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي فِي حَشْوِ الدُّبُرِ وَفَرْجِهَا الدَّاخِلَ عَدَمَ الْفَسَادِ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِإِثْبَاتِ أَنَّ الْمَدْخَلَ فِيهِمَا تَجْتَذِبُهُ الطَّبِيعَةُ فَلَا يَعُودُ إلَّا مَعَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ فِي الدُّبُرِ مَعْلُومٌ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِفَتِيلَةِ دَوَاءٍ أَوْ صَابُونَةٍ غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي غَيْرِهِ أَنَّ شَأْنَ الطَّبِيعَةِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُدْخَلٍ كَالْخَشَبَةِ أَوْ فِيمَا يُتَدَاوَى بِهِ لِقَبُولِ الطَّبِيعَةِ إيَّاهُ لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ وَفِي الْقُبُلِ ذَكَرْت لَنَا مَنْ تَضَعُ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ تَسُدُّ بِهَا فِي الدَّاخِلِ تَحَرُّزًا مِنْ الْحَبْلِ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهَا حَتَّى تَخْرُجَ هِيَ بَعْدَ أَيَّامٍ مَعَ الْخَارِجِ اهـ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِقْطَارِ فِي قُبُلِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِقْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا هُوَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْسِدُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ ذَوْقٌ) وَهُوَ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِفَمِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ عَيْنِهِ فِي حَلْقِهِ اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا فَالذَّوْقُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْطَارٍ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَصِيرُ إيَّاهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الْمُجْتَبَى يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ذَوْقُ الْعَسَلِ وَالدُّهْنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِمَعْرِفَةِ جَوْدَتِهِ كَمَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ ذَوْقُ الْمَرَقَةِ وَقِيلَ لَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ شِرَائِهِ وَيَخَافُ الْغَبْنَ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ يَرْجِعُ إلَى الذَّوْقِ وَالْمَضْغِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا جَعَلَهُ الشَّارِحُ قَيْدًا لِلْمَضْغِ فَقَطْ اهـ

الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَالْمَضْغُ أَوْلَى وَأَمَّا مَضْغُ الْعِلْكِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا وَفَسَدَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ وَذِكْرُ الْعِلْكِ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ لَا يُفَطِّرُ وَمُحَمَّدٌ أَيْضًا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْضُوغٍ يُفَطِّرُ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَيَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَقِيلَ فِي الْأَسْوَدِ يُفَطِّرُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا وَفِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ لِأَنَّ بِنْيَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ فَلَا تَحْتَمِلُ السِّوَاكَ وَهُوَ يُنَقِّي الْأَسْنَانَ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ كَالسِّوَاكِ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِخِلَافِ النِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَخِيطُ بِخَيْطٍ مَصْبُوغٍ وَهُوَ يَبُلُّ بِرِيقِهِ وَيَبْلَعُهُ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ وَصَارَ مِثْلَ صِبْغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَحْلٌ وَدَهْنُ شَارِبٍ وَسِوَاكٌ وَالْقُبْلَةُ إنْ أَمِنَ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلصَّائِمِ أَمَّا الْكُحْلُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الزِّينَةَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا أَوْ صَائِمًا وَأَمَّا دَهْنُ الشَّارِبِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُنَافِي فِي الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يَحْرُمُ فِيهِ الدَّهْنُ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَلِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُقَصُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ أَكْلًا) وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ إلَى بَاطِنِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفَتَّتُ وَإِنْ مُضِغَ وَالْأَبْيَضُ يَتَفَتَّتُ قَبْلَ الْمَضْغِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ الْفَسَادِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فَإِذَا فُرِضَ فِي مَضْغِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ) أَيْ فَهُوَ مُبَاحٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّسَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ. اهـ. فَتْحٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ تَرْكُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا كَحْلٌ وَدَهْنٌ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ مَصْدَرَانِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُمَا وَيَكُونُ الْمَعْنَى اسْتِعْمَالُهُمَا كَذَا قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَدَهْنُ الشَّارِبِ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَبِضَمِّهَا عَلَى إقَامَةِ اسْمِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَفِي الْأَمْثِلَةِ عَجِبْت مِنْ دُهْنِك لِحْيَتَك بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ التَّاءِ عَلَى هَذِهِ الْإِقَامَةِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قُصِدَ بِهِ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ دُونَ الزِّينَةِ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ قَيَّدَ دَهْنَ الشَّارِبِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ وَفِي الْكَافِي يُسْتَحْسَنُ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ فَقُيِّدَ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَصْدِ فَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ تَبَرُّجٌ بِالزِّنْيَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ عَشْرَ خِصَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا التَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا» وَسَنُورِدُهُ بِتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْكَرَاهَةِ وَمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي جَمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا قَالَ نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا» فَإِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِحَظِّ النَّفْسِ الطَّالِبَةِ لِلزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْجَمَالَ الْمَطْلُوبَ يَتَحَقَّقُ مَعَ دُونِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ فَسُئِلَ ابْنُ بَرِيرَةَ عَنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ التَّرْجِيلُ» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّرْجِيلُ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى حَدِّ الزِّينَةِ لَا مَا كَانَ لِقَصْدِ دَفْعِ أَذَى الشَّعْرِ وَالشَّعَثِ هَذَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدِ مَطْلُوبٍ فَلَمْ يَضُرَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْقُبْضَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ) يَجِبُ قَطْعُهُ. اهـ. فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى) يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْن عُمْر رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْقَبْضَةُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْن أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمُقَفَّعِ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْن أَيُّوبَ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي عَمَلِ الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» وَلِأَنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ فَيُسْتَحَبُّ كَالْمَضْمَضَةِ وَإِطْلَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَتَنَاوَلُ الْمَبْلُولَ بِالْمَاءِ وَغَيْرَهُ وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ بِالرَّطْبِ وَالْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ فَشَابَهَ دَمَ الشَّهِيدِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أَعُدُّهُ وَلَا أُحْصِيهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِيهِ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِزَمَانٍ بِالرَّأْيِ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَاكُ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِحَالِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ لَا مِنْ الْفَمِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْفَمِ لَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ قَبْلَهُ لِأَنَّ تَعَاهُدَهُ بِالسِّوَاكِ قَبْلَهُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ وَالْأَلْيَقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ وَمِنْ شَأْنِ حُجَّةِ الْمَظْلُومِ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً غَيْرَ خَفِيَّةٍ وَمَدْحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْخُلُوفَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ الْكَلَامِ مَعَهُ لِتَغَيُّرِ فَمِهِمْ فَمَنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِذِكْرِ شَأْنِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَتَفْخِيمِ حَالِهِ وَدَعَاهُمْ إلَى الْكَلَامِ مَعَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَتَمَضْمَضُ بِالْمَاءِ فَكَيْفَ يُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْعُودِ الرَّطْبِ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَبْقَى فِي فَمِهِ مِنْ الْبَلَلِ مِنْ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا بِعُودٍ فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ ثُمَّ يَغْسِلَ فَمَه بَعْدَهُ وَذُكِرَ فِي السِّوَاكِ عَشْرُ خِصَالٍ يَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُنَقِّي الْخُضْرَةَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيُذْهِبُ الْمُرَّةَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَتَمَامٌ لِلْوُضُوءِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَيَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ وَيُصَحِّحُ الْجِسْمَ وَيُوَافِقُ السُّنَّةَ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا بِشُعَبِهَا فَلَا نُعِيدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمَيْرٍ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحْمَلَ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ غَالِبُهَا أَوْ كُلُّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ هَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةِ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ «مِنْ خَيْرِ خُلَلِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ اهـ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ وَالْخِلَالُ جَمْعُ خَلَّةٍ وَهِيَ الْخَصْلَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ) الْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ وَحَكَى الْقَابِسِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ خَلَفَ فَمُهُ وَأَخْلَفَ إذَا تَغَيَّرَ بِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ لِأَجْلِ تَرْكِ الْأَكْلِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَجِدُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِ ثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ وَقِيلَ يَعْبَقُ فِي الْآخِرَةِ أَطْيَبَ مِنْ عَبَقِ الْمِسْكِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ فَضْلُ تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِ كَفَضْلِ الْمِسْكِ عِنْدَ الْعِبَادِ عَلَى الرَّوَائِحِ الْمُتَغَيِّرَةِ وَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوصَفُ بِالشَّمِّ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ الْجَمِيلُ وَثَوَابُهُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ) بَلْ إنَّمَا يَزُولُ أَثَرُهُ الظَّاهِرُ عَلَى السِّنِّ مِنْ الِاصْفِرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَهُ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالسِّوَاكُ لَا يُفِيدُ شَغْلَهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ. اهـ. فَتْحٌ 1 - (فُرُوعٌ) صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَقِيلَ بَلْ يُفَرِّقُهَا فِي الشَّهْرِ وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ لُزُومِهَا مِنْ الْعَوَامّ لِكَثْرَةِ الْمُدَاوَمَةِ وَلِذَا سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ يَوْمَ الْفِطْرِ نَحْنُ إلَى الْآنِ لَمْ يَأْتِ عِيدُنَا أَوْ نَحْوُهُ فَأَمَّا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ أَيَّامٍ نُهِينَا عَنْ تَعْظِيمِهَا فَإِنْ وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَلَا بَأْسَ وَمَنْ صَامَ شَعْبَانَ وَوَصَلَهُ بِرَمَضَانَ فَحَسَنٌ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مَا لَمْ يَظُنَّ إلْحَاقَهُ بِالْوَاجِبِ وَكَذَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ وَلِلْحَاجِّ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَهُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ لِإِخْلَالِهِ بِالْأَهَمِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْظُورٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَسَيَأْتِي صَوْمُ يَوْمِ الْمُسَافِرِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الصَّمْتِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَتَكَلَّمَ يَعْنِي يَلْتَزِمُ عَدَمَ الْكَلَامِ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِخَيْرٍ وَبِحَاجَتِهِ إنْ عَنَّتْ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَلَوْ يَوْمَيْنِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ أَوْ يَصِيرُ طَبْعًا لَهُ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ التَّطَوُّعَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا وَكَذَا الْمَمْلُوكُ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ ضَرَرٌ بِالسَّيِّدِ فِي مَالِهِ وَكُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَالنُّذُورِ وَصِيَامَاتِ الْكَفَّارَاتِ كَالنَّفْلِ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ إلَى آخِرِهِ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا كَانَتْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونَ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى وَالْيَوْمُ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ قَوْلُهُ

[فصل في العوارض]

(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَامْتِدَادَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَفْطَرَ وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ حَاذِقٌ عَدْلٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَكَذَا الْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَإِنَّمَا جَازَ الْفِطْرُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَشَقَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ الْمَسَافَةُ مَسُّ آفَةٍ وَأُقِيمَ نَفْسُ السَّفَرِ مَقَامَهَا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِالْأَكْلِ وَيَخِفُّ بِتَرْكِهِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُبِيحُ بِمُجَرَّدِهِ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَقِيلَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ يَكُونُ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنَّمَا أُجِيزَ لَهُ التَّأْخِيرُ رُخْصَةً فَإِذَا أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ كَانَ أَفْضَلَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْوَقْعُ الْإِنْكَارُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» خَرَجَ فِي مُسَافِرٍ ضَرَّهُ الصَّوْمُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ الْأَدَاءُ فِيهِ أَفْضَلَ وَلِهَذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ عَلَى تَحْصِيلِهِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ إلَخْ) وَقِيلَ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِ الْبِيضِ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَبْقَى فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا بِيضٌ. اهـ. دِرَايَةٌ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ. اهـ. دِرَايَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ [فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ] وَهِيَ حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْفِطْرِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ إذَا أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا وَالْكِبَرُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَالْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ كَذَلِكَ إذَا خِيفَ مِنْهُمَا الْهَلَاكُ أَوْ نُقْصَانُ الْعَقْلِ كَالْأَمَةِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةً) أَيْ أَوْ تَأَخَّرَ بُرْؤُهُ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ الْمَرَضُ) الْمَرَضُ مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ الْفِطْرُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ الْفِطْرُ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ إلَخْ) وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْمَرَضِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَأُقِيمَ نَفْسُ السَّفَرِ مَقَامَهَا) لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ الْإِفْطَارُ وَبِمُجَرَّدِ السَّفَرِ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ أَوَّلًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرَضِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ الْمَرَضِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ ثَمَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ لِأَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يَنْفَعُهُ الِاحْتِمَاءُ لَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْإِفْطَارُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ مَا لَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ كَيْفَمَا كَانَ يُمْكِنُ وَإِذَا لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ مِنْ الصَّوْمِ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْمَشَقَّةُ فَعِنْدَنَا الصَّوْمُ أَفْضَلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ انْتَهَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِكْمَالِ لِأَنَّ ذَاكَ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَهَذَا رُخْصَةُ تَرْفِيهٍ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ إلَخْ) الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ كَمَذْهَبِنَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ ذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا مُخَرَّجًا مِنْ الْقَصْرِ أَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَفِي الْمُغْنِي عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» إلَخْ) مَخْصُوصٌ بِسَبَبِهِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ) هُوَ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ فِي السَّفَرِ أَيْ لِمَنْ هَذَا حَالُهُ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَاسْمُهُ عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْصَارِيٌّ حَارِثِيٌّ مَدَنِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلٌ بِالْعَزِيمَةِ وَالْإِفْطَارَ رُخْصَةٌ وَالْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى مَعَ اعْتِقَادِ الرُّخْصَةِ كَمَا فِي غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَسْحِ انْتَهَى غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى غَايَةٌ

إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] أَيْ يُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ وَالْقَضَاءُ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَلَمْ يُرِدْ الْعُسْرَ بِنَا وَإِنَّمَا أَرَادَ الْيُسْرَ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيُسْرُ بِالتَّأْخِيرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّوْمِ أَيْسَرُ عِنْدَهُ مِنْ أَنْ يَصُومَ بَعْدَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَيَتَخَيَّرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إنْ مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَلِأَنَّهُمَا عُذِرَا فِي الْأَدَاءِ فَلَأَنْ يُعْذَرَا فِي الْقَضَاءِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْأَصْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفَرْعِ وَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ أَيْ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ إعْمَالًا لِلْعِلَّةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَدْرَكَ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَرِيضِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ بَرِئَ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْإِطْعَامِ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ كَرَمَضَانَ إذْ إيجَابُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُطْعِمُ وَلِيُّهُمَا لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ بِوَصِيَّةٍ) أَيْ يُطْعِمُ وَلِيُّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ عَنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ إنْ أَوْصَيَا بِالْإِطْعَامِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّتِهِمَا الْتَحَقَا بِالشَّيْخِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَهُنَا مُخَالِفٌ لَهُ لِأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ الْفِدْيَةِ لَيْسَ بِمِثْلِ الصَّوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى قُلْنَا الْمُخَالِفُ لِلْقِيَاسِ يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ إلَّا فِي الِاسْمِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ مَنَاطًا وَهُمَا عَاجِزَانِ عَنْ الصَّوْمِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً وَقَالَ مَالِكٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لِعَجْزِهِمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بَدَلُهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَصَوْمِ الْمُتْعَةِ كَمَا إذَا مَاتَا وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا قُلْنَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِإِدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالتَّفْرِيطِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَبِخِلَافِ صِيَامِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَأَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ وَفِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) فَإِنَّ الِانْتِسَاءَ تَخْفِيفٌ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَوَطَّنَتْ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ مَا لَمْ تَتَوَطَّنْ عَلَى غَيْرِهِ فَالصَّوْمُ فِيهِ أَيْسَرُ عَلَيْهَا وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] لَيْسَ مَعْنَاهُ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ الْمَعْنَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَيْهَا لَا كَمَا ظَنَّهُ أَهْلُ الظَّوَاهِرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ) فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ إلَخْ) يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالْخُلْفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّفْرِيغِ بِالْأَصْلِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّذْرُ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْوَقْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ هُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكُلِّ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ وَالصَّحِيحُ لَوْ قَالَهُ وَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةِ الْمَنْذُورِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي النَّذْرِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّذْرِ بِذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ وَإِلَّا لَزِمَ الْكُلُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ وَالنَّذْرُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْكُلُّ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ كَمَا لَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُعَلَّقًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا قُلْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ إدْرَاكَ الْعِدَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ الْأَدَاءِ فَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فَقَالَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهُ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَعَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ أَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا اعْتَرَفُوا بِصِحَّتِهِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ حِلِّ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ عِدَّةٍ يُدْرِكُهَا فَإِنْ قَالَ سَبَبُ الْأَدَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ عَنْهُ قُلْنَا فَلْيَكُنْ نَفْسُ رَمَضَانَ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ سِوَى ذَلِكَ اللَّازِمِ فَإِذْ كَانَ مُنْتَفِيًا لَزِمَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْعِدَّةَ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) فَأَمَّا الصَّحِيحُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْكُلَّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالْخُلْفِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ حَتَّى يَبْرَأَ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْذُورِ فَصَارَ نَظِيرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَإِيجَابُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يُخَالِفُ إيجَابَ الْعَبْدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى عَبْدِهِ حُجَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ نَذَرَ بِأَلْفِ حُجَّةٍ تَلْزَمُهُ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ

عَنْ الدَّمِ فَلَوْ جَازَ عَنْهُ الْفِدْيَةُ لَكَانَ بَدَلَ الْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا بِدُيُونِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ بِالْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةَ وَأَدَاءَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَاتَ الشَّرْطُ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ وُصُولُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فِي حَيَاتِهِ صَحَّ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَلِيُّ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصُومُ عَنْهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهَا فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ صَوْمِي عَنْ أُمِّك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةَ وَلَا سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَصُومُ عَنْهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَيَا مَا قَدَّرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ قَضَى الْمُسَافِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ إلَخْ) ثُمَّ إذَا أَوْصَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ وَعَلَى هَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْكَفَّارَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْحَجُّ وَفِدْيَةُ الصِّيَامَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَالْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهَا دَيْنٌ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْعُشْرَ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهُمَا إذَا كَانَا يُخْرَجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ دَيْنُهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ فَإِنْ أَخْرَجَ كَانَ مُتَطَوِّعًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ إجْزَائِهِ وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّبَرُّعِ الْوَارِثُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِطْعَامٍ عَنْ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثَابِتَةٌ وَمِثْلُ مِثْلِ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِفْطَارُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا لَا يَجِبُ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ ثُبُوتَ الْمُمَاثَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُح مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ كَمَا قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ إيصَائِهِ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ انْتَهَى فَتْحٌ فَرْعٌ رَجُلٌ مَاتَ وَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا اسْتَقْرَضَ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَدَفَعَهُ إلَى مِسْكِينٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ الْمِسْكِينُ عَلَى الْوَارِثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يُتِمَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ انْتَهَى بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ صَلَاةِ يَوْمٍ مِسْكِينًا لِأَنَّهَا كَصِيَامِ يَوْمٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ كَصَوْمِ يَوْمٍ انْتَهَى فَتْحٌ وَفِي الْحَاوِي قَالَ عِصَامٌ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ وَظِيفَةُ الْيَوْمِ مِثْلُ صَلَاةِ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْن سَلَمَةَ يَقُولُ لَمَّا رَجَعْت مِنْ الْعِرَاقِ لَقِيت مُحَمَّدَ بْن مُقَاتِلٍ بِالرَّيِّ فَعَرَضَ عَلَيَّ أَجْوِبَةَ مَسَائِلَ كَتَبَ إلَيْهِ بِهَا أَهْلُ بَلْخٍ وَفِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ أَجَابَ بِأَنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَنَاظَرْته وَقُلْت هَذَا خِلَافُ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَلَّقُ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ وَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَحَا جَوَابَهُ وَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ فَلَمَّا قَدِمْت بَلْخًا قُلْت لَهُمْ لِي عَلَيْكُمْ مِنَّةٌ رَدَدْت ابْنَ مُقَاتِلٍ إلَى قَوْلِي وَعَلَامَةُ ذَلِكَ مَحْوُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَكَتَبَ جَوَابِي عَلَى الْحَاشِيَةِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَبِاحْتِجَاجِهِ أَقُولُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصُومُ عَنْهُ) هَذَا فِي الْقَدِيمِ وَلَيْسَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ مَذْهَبًا فَإِنَّهُ غَسَلَ كُتُبَهُ الْقَدِيمَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا هَكَذَا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى غَايَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِثْلَ قَوْلِنَا انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ إلَخْ) وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرٍ وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرَيْنِ يَرْوِيهِمَا بُرَيْدَةَ وَهُمَا فِي مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِهَا إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَيُرْوَى «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ» وَيُرْوَى عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُرْوَى أَنَّهَا قَالَتْ إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا السَّفَاقِسِيُّ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ يَدُلُّ عَلَى وَهْمِ الرُّوَاةِ وَبِدُونِ هَذَا يَعْتَلُّ الْحَدِيثُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَقَدْ خَالَفَهُ بِفَتْوَاهُ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا رَوَاهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ إنَّ دَيْنَ اللَّهِ أَحَقُّ انْتَهَى أَحَقُّ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا الصَّلَاةُ فَبِالْإِجْمَاعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قُلْت اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ مُتَابَعَةً وَهُوَ التَّرْتِيبُ انْتَهَى ع قَالَ فِي الْغَايَةِ وَحُكِيَ وُجُوبَ التَّتَابُعِ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعُرْوَةَ انْتَهَى

وَالْمَرِيضُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ التَّرْتِيبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ» وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ حَتَّى قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلْ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ» قَالَ أَبُو عُمَرَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا مَضَى فَكَذَا الْقَضَاءُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا قُلْتُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قُلْنَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ لَيْسَتْ بِمَشْهُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا لِأَنَّهُ نُسِخَ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُرَتَّبًا مُتَتَابِعًا مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَاءَ رَمَضَانُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ الثَّانِي صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ ثُمَّ صَامَ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَهَا وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ كَانَ يَكْذِبُ وَفِيهِ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ فِيهِ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إنْ خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَلِأَنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا الْحَرَجُ بِالصَّوْمِ فَيُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي حَقِّهِمَا كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرُهُ إذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا إذْ لَا وَلَدَ لِلْمُسْتَأْجَرَةِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْوَلَدِ فَأَفْطَرَتْ فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ وَهُوَ الْوَلَدُ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ كَإِفْطَارِ الشَّيْخِ الْفَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) يَعْنِي دَاوُد وَأَهْلَ الظَّاهِرِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَخْ) رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالدَّوَاوِينِ وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودِ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْآحَادِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْغَايَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ) أَيْ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ) بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَالنُّونَ الْمَزِيدَتَيْنِ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ، شَرْطُ عَدَمِ انْصِرَافِهِ الْعَلَمِيَّةُ وَهُنَا وَصَفَهُ بِآخِرَ نَكِرَةٍ دَلِيلُ نَكَارَتِهِ انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْحَامِلِ الْفِطْرُ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَلَى الْوَلَدِ) رَاجِعٌ إلَى الْمُرْضِعِ وَقَوْلُهُ أَوْ النَّفْسُ رَاجِعٌ إلَى الْحَامِلِ انْتَهَى عَيْنِيٌّ قَالَ الْقِوَامُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا لَبَنٌ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي آخِرِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَلِلْبَصْرِيِّينَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَذْهَبَانِ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ بِمَعْنَى النَّسَبِ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ بِمَعْنَى ذَاتِ حَمْلٍ وَذَاتِ إرْضَاعٍ وَذَاتِ حَيْضٍ وَذَاتِ طَلَاقٍ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ يُؤَوَّلُ بِإِنْسَانٍ أَوْ شَيْءٍ حَامِلٍ أَوْ حَائِضٍ وَكَذَا فِي الْبَاقِي فَإِذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا فَافْهَمْ وَفِي كِتَابِ الْإِصْلَاحِ عَنْ الْفَرَّاءِ يُقَالُ هَذِهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ إذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَمَنْ قَالَ حَامِلٌ قَالَ هَذَا نَعْتٌ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُؤَنَّثِ وَمَنْ قَالَ حَامِلَةٌ بَنَاهُ عَلَى حَمَلَتْ انْتَهَى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ مُرْضِعَةٍ دُونَ مُرْضِعٍ قُلْت الْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلَقِّمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا فَقِيلَ مُرْضِعَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتْ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الدَّهْشَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ أَبٌ لَا تُفْطِرُ الْأُمُّ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَالْإِرْضَاعُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ ضَرْعَ غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ضَرْعَ غَيْرِ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ الْإِرْضَاعُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إلَخْ) وَكَذَا عِبَارَةُ غَيْرِ الْقُدُورِيِّ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ إلَخْ) قُلْت الْمُرْضِعُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الظِّئْرَ وَالْأُمَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ هَذَا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلِهَذَا أَطْلَقَ بِذِكْرِ الْوَلَدِ وَلَمْ

وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ خِلَافُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَالطِّفْلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ كَفَّارَةٌ وَهِيَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَلْ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهَا هُنَا بِالْأَكْلِ بِعُذْرٍ وَهَذَا خُلْفٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لِلشَّيْخِ الْفَانِي الْفِطْرُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مِنْ الْعَطْفِ وَهُوَ وَحْدَهُ يَفْدِي دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ} [البقرة: 184] أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ لَا إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ فَلَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحْطَاوِيُّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالْمُسَافِرَ إذَا مَاتَ فِي حَالِ السَّفَرِ فَصَارَ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا» وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ سَلَمَةَ لِأَنَّهُ أَفْقَهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ رَمَضَانَ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا وَمَاتَ فِي السَّفَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي) أَيْ لِمَنْ يَصُومُ النَّفَلَ أَنْ يُفْطِرَ فِي رِوَايَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ إلَيْنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا فَأَكَلَ» وَزَادَ النَّسَائِيّ وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَصَحَّحَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَذْكُرْ مِثْلَ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي) وَفِي الْمَنَافِعِ الْفَانِي الَّذِي قَارَبَ الْفَنَاءَ أَوْ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي جَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُرْجَى لَهُ الْأَدَاءُ وَلَا يُرْجَى لَهُ عَوْدُ الْقُوَّةِ وَيَكُونُ مَآلُهُ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْهَرَمِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا) وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَلْبَتَّةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَفِيهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] {رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] وَقَالَ الشَّاعِرُ فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لِدِيكِ وَأَوْصَالِي أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ أَيْ لَا تَنْفَكُّ وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِير قَوْلُهُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَيْ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ اهـ هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) أَيْ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْهَرِمَةُ مُسَافِرَيْنِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ إلَخْ) يَعْنِي إنَّمَا يَنْتَقِلُ وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ إلَى الْمُسَافِرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِقَالِ وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِفَقْرِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَقِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ الْفِدْيَةُ عَنْهُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ جَازَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِيهَا وَالْإِطْعَامِ فِي الْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا أَفْسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي نَفْسِ الْإِفْطَارِ هَلْ يُبَاحُ أَوْ لَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا إلَّا بِعُذْرٍ وَرِوَايَةُ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ لِلضِّيَافَةِ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقُ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجُهُ اهـ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ جَائِزًا لَكَانَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرَ لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ الَّتِي هِيَ السُّنَّةُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الضِّيَافَةِ هَلْ تَكُونُ عُذْرًا قِيلَ لَا تَكُونُ عُذْرًا لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابًا لَهُ فَلَمَّا جِيءَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَالَك فَقَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكَلَّفَ لَك أَخُوك وَصَنَعَ ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَعَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يُفْطِرُ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ يَقْضِي مَذْهَبُنَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجِبُ صِيَامُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ أَوْ أَمِينُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ» وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ مَضَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ أَصْبَحْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إلَيْنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَصَبْت حَلَالًا وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا وَلِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةٌ فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْيَانِ الْبَاقِي فَيَجِبُ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ضَرُورَةً فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعَيْنِ فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ فِي الصَّحِيحِ دُونَ صَوْمِ الْقَضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَهُ) أَيْ عَيَّنَ الَّذِي صَنَعَ الطَّعَامَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ قَضَاءِ رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَحْسَنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَا فِي مُسْلِمٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى إبَاحَةِ الْإِفْطَارِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اقْضِيَا يَوْمًا إلَخْ) وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَلْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ وَيُؤَكِّدُهُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُحْبِطُوا الطَّاعَاتِ بِالْكَبَائِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إلَى أَنْ قَالَ {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: 2] وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ لَا تُبْطِلُوهَا بِمَعْصِيَتِهِمَا أَوْ الْإِبْطَالُ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ أَوْ بِالْعُجْبِ وَالْكُلُّ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْطَالِ إخْرَاجُهَا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ وَهَذَا غَيْرُ الْإِبْطَالِ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِ هَذَا الْإِبْطَالِ بَلْ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِهِ بِدُونِ قَضَاءٍ فَيَكُونُ دَلِيلُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا اخْتَرْنَاهَا لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى سِوَى ذَلِكَ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُفِيدُ سِوَى إيجَابِ الْقَضَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَا تَعُودَا وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا مُنْفَرَدًا بِهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذِلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك قَالَتْ أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامٌ فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْل قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ قَالَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ سَلْمَانُ» وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَكَذَا مَا أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيّ إلَى جَابِرٍ قَالَ «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَك قَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْفِطْرِ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُعْهَدُ لِلضِّيَافَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهَا عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى تَتَظَافَرُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ مَا يُثْبِتُهَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَكَانَهُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَلَا تَعُودَا. اهـ. فَتْحُ (قَوْلُهُ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ) رَوَاهُ فِي الْمُحَلَّى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. اهـ. غَايَةٌ

قِيلَ وُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْأَمْرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قُلْنَا قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا إنْ تَطَوَّعَ عَقِيبَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَلَئِنْ صَحَّا فَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالنَّفْلِ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَيْهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ بَاقٍ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ وَقْتِ الشَّرْعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ إنْ شَاءَ شَرَعَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْرَعْ كَمَا يُقَالُ مَنْ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ فَلْيَتَأَهَّبْ أَيْ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) يَوْمَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ (وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَإِدْرَاكِ كُلِّهِ كَمَا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَدْرَكَا وَقْتَ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يَصُومَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ وَيُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ إنْ نَوَاهُ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَوْعَبِ مِنْهُ كَالْمَرِيضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ تَطَوُّعًا لَا يُجْزِيهِ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يَلْزَمُهُمَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ نَهَارًا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَقِيلَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِمَا رَوَيْنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهِ كَذَلِكَ كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] لَيْسَ مَا فِي الْآيَةِ نَظِيرُ مَا فِي الْحَدِيثِ إذْ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلتَّهْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ لِلتَّخْيِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِ اهـ ع (قَوْلُهُ بِالتَّشَبُّهِ) أَيْ بِالصَّائِمِينَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْضِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ ع (فَرْعٌ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَتُجْزِيهِ الصَّلَاةُ قَبْلَهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ حَتَّى يَبْلُغَ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَر اخْتِلَافَ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أُمِرَ فَلَمْ يَصُمْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فَيُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ السُّرُوجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا نَصُّهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ صَوْمُ الصَّبِيِّ وَحَجُّهُ وَصَلَاتُهُ لَيْسَتْ بِشَرْعِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ ذَلِكَ تَمْرِينٌ لِلصَّبِيِّ (قُلْت) قَدْ نَقَلَ هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ عَنْ الْإِمَامِ وَنَقْلُهُمْ غَلَطٌ مَحْظُورٌ وَمَا أَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ مُسْتَنَدُ نَقْلِهِمْ الْبَاطِلِ بَلْ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ وَصَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْرُهُ لَهُ دُونَ أَبَوَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ) يَعْنِي الْإِمْسَاكَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عِنْدَ قَوْلِهِ صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَقْوَى وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقِيلَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ نَهَارًا لَا يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فَلْيَصُمْ وَقَالَ فِي الْحَائِضِ فَلْتَدَعْ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَيْ لَا يَحْسُنُ بَلْ يَقْبُحُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ فِي الْمُسَافِر إذَا أَقَامَ بَعْدَ الزَّوَالِ إنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَهُوَ مُقِيمٌ فَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ

وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْسِكُ إلَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ كَالْمُفْطِرِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِأَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ وَالشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ تَشَبُّهًا خَلَفٌ عَنْ الصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِمْسَاكُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِخَلَفٍ عَنْ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمْ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّشَبُّهِ قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِمْ كَمَا تَحَقَّقَ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ صَحَّ) أَيْ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الصَّوْمِ وُجُوبًا وَأَدَاءً وَإِنَّمَا هُوَ مُرَخِّصٌ فَقَطْ فَإِذَا زَالَ الْتَحَقَ بِالْمُقِيمِ لِانْعِدَامِ الْمُرَخَّصِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلِهَذَا قَالَ صَحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي اللُّزُومِ حَتَّى يَلْزَمَهُ أَنْ يَنْوِيَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَذَا أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّهْبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْضِي بِإِغْمَاءٍ سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ) أَيْ يَقْضِي إذَا فَاتَهُ الصَّوْمُ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ لَا يُزِيلُ الْحِجَا وَيُضْعِفُ الْقُوَى فَلَا يُنَافِي فِي الْوُجُوبِ وَلَا الْأَدَاءِ وَلَا يَقْضِي يَوْمًا حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ الْإِغْمَاءُ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ إلَّا أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ حَدَثَ فِي شَعْبَانَ قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ) أَيْ يَقْضِي إذَا فَاتَهُ بِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جُنُونُهُ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِشَهْرِ رَمَضَانَ وَالْمُمْتَدُّ الْمُسْتَوْعِبُ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ اعْتِبَارًا بِالْإِغْمَاءِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَرَجِ لَا سِيَّمَا إذَا تَوَالَى عَلَيْهِ سِنِينَ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُحْرِجُ وَالسَّبَبُ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَذَا مَا يُبْنَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَجَبَ أَدَاؤُهُ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْأَدَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالْمُطَالَبَةِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَنَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الذِّمَّةُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ وَبَنُو آدَمَ ذِمَّتُهُمْ صَالِحَةٌ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُهُ ثُمَّ يُؤَخَّرُ عَنْهُ الْأَدَاءُ إلَى وُجُودِ الْقُدْرَةِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَلْحَقَ الْأَصْلِيَّ بِالصِّبَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَا لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا كَالنَّوْمِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ كَانَ وَاجِبًا وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ فَوَائِدُ قُيُودِ الضَّابِطِ وَقُلْنَا كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ أَوْ قَارَنَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَى آخِرِهِ لِيَشْمَلَ مَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ نِيَّةُ الْإِفْطَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَوَسُّعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَخَّصٌ فَقَطْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِذَا نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَبِهَا تَنْدَفِعُ الْكَفَّارَةُ اهـ (قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمُرَخِّصَ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِفْطَارِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِفْطَارُ فَلَأَنْ لَا يُبَاحَ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمُرَخِّصُ لَيْسَ بِقَائِمٍ وَقْتَ الْفِطْرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَوْضَحُ بِهَا (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ) رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ أَوْ آخِرِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْضَحِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا) أَيْ الْعَقْلَ وَلِهَذَا اُبْتُلِيَ بِهِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ إلَى آخِرِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِيِّ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصِّبَا بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمِنْ الْعَارِضِ هُوَ أَنْ يَبْلُغَ مُفِيقًا ثُمَّ يُجَنَّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا فَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مَا مَضَى لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُفَارِقُ الطَّارِئَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْعَارِضِيُّ) أَيْ وَبَيْنَ أَنْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ آخَرِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَإِنْ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ. فَتْحٌ

مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَحَدِ بِسَبَبِهِ وَمَا يَمْتَدُّ خِلْقَةً كَالصِّبَا فَيَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ غَالِبًا كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ طَوِيلًا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ لَوْ امْتَدَّ طَوِيلًا لَهَلَكَ وَبَقَاءُ حَيَاتِهِ بِدُونِهِمَا نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الْجُنُونُ فَإِنْ امْتَدَّ فِيهِمَا أَسْقَطَهُمَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ أَمْسَكَ فِي رَمَضَانَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَلَا فِطْرٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَقَدْ وُجِدَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ لَا يَكُونُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ زُفَرُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْعَبْدِ وَأَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا خُلْفٌ وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَتْ مِنْهُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَكَلَ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ صَائِمٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحُكْمُ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِهِ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ فِي الْجُنُونِ الْعَارِضِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ قَضَى جَمِيعَهُ وَفِي الْأَصْلِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَقَالَ يَقْضِي مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَهَكَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ وَفِي جَمِيعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اهـ وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَ فِي خِلَالِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَالْمَجْنُونَ سَوَاءٌ. اهـ. دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ جُنَّ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفَاقَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بَعْدَ سِنِينَ قَضَى الشَّهْرَ الَّذِي جُنَّ فِيهِ وَاَلَّذِي أَفَاقَ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ السِّنِينَ لِاسْتِيعَابِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ هَذَا الْمَذْهَبَ لِزُفَرَ وَيَقُولُ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ أَنَّ صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِهَا كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ هَذَا قَوْلٌ قَالَهُ زُفَرُ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) قُيِّدَ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي حَقِّهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَهُوَ إلْزَامِيٌّ مِنْ زُفَرَ بِهِ فَإِنَّ إعْطَاءَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا عِنْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاءُ النِّصَابِ إلَيْهِ زَكَاةً بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ لِأَنَّا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ صَائِمًا فِي يَوْمِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لِأَنَّا حَمَلْنَا أَمْرَهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَهُنَا لَمْ يُحْمَلْ أَمْرُهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَنْوِي شَيْئًا وَذَا مُطْلَقٌ لَهُ فَلَا يَصْلُحُ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى الْعَزِيمَةِ أَوْ رَجُلًا مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ وَحَالُ مِثْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا إلَى آخِرِهِ وَمَنْ حَقَّقَ تَرْكِيبَ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فَيُفْتَى بِلُزُومِ صَوْمِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْضًا لِأَنَّ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِ النِّيَّةِ أَمَّا هُنَا فَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِنَفْسِ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَمْ لَا أَمْكَنَ أَنْ يُجَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْبِنَاءِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ) أَيْ فَصَارَ الْآكِلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ صَوْمًا فَبِالْأَكْلِ فَوَّتَ هَذَا الْإِمْكَانَ بِمَنْزِلَةِ تَفْوِيتِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ كَمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لِتَفْوِيتِ الْأَصْلِ يَضْمَنُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ لِتَفْوِيتِ إمْكَانِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَضْمَنَ الثَّانِي بِسَبَبِ

أَوْ تَسَحَّرَ ظَنَّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) يَعْنِي هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ تَشَبُّهًا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ أَكَلَ عَمْدًا وَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَى نَائِمَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وُطِئَتَا أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فَلَا نُعِيدُهُ وَنُبَيِّنُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَقُولُ أَمَّا إذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتْرُكَهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَلَا يَأْكُلْ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ وَقَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا غَرَبَتْ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى أَنَّهَا غَرَبَتْ وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالتَّفْوِيتَ عِلَّتُهُ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ قِيَامِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِسَبَبِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ مَا أَزَالَ الْيَدَ الْمُحِقَّةَ فَتَعَيَّنَ لِتَضْمِينِهِ تَفْوِيتَ الْإِمْكَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ ظَنَّهُ لَيْلًا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَضَمَّنَتْ خَمْسَةَ فُصُولٍ، فَسَادُ صَوْمِهِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَالْخَامِسُ لَوْ أَكَلَ بَعْدَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اهـ وَعَدَّهَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ خَمْسَةً أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَالْخَامِسُ أَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5]. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) يُفِيدُ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ اسْتِحْبَابَ التَّرْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يُتْرَكْ بَلْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ مَفْضُولًا وَفِعْلُ الْمَفْضُولِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِسَاءَةَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَنَقُولُ الْمَرْوِيُّ لَفْظُ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبَ فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الْإِثْمُ لَا الْإِسَاءَةُ أَوْ انْصَرَفَ عَنْهُ بِصَارِفٍ كَانَ نَدْبًا وَلَا إسَاءَةَ بِتَرْكِ الْمَنْدُوبِ بَلْ إنْ فَعَلَهُ نَالَ ثَوَابَهُ وَإِلَّا لَمْ يَنَلْ شَيْئًا فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ دَلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى هَذِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ إسَاءَةٌ مَعَهَا إثْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. فَتْحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ إلَى آخِرِهِ) يُرَى عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الرَّأْيِ بِمَعْنَى الظَّنِّ لَا الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ عَلِمْته وَلَوْ صِيغَ مِنْهُ لِلْفَاعِلِ مُرَادًا بِهِ الْمَفْعُولُ لَمْ يَمْتَنِعْ فِي الْقِيَاسِ لَكِنْ لَمْ يُسْمَعْ بِمَعْنَاهُ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ قَالَ وَكُنْت أَرَى زَيْدًا كَمَا قِيلَ سَيِّدًا ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ الْقَفَا وَاللَّهَازِمِ فَأُرِيت بِمَعْنَى أُظْنِنْت أَيْ دُفِعَ إلَى الظَّنِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَا تَجَانَفْنَا) أَيْ مَا تَمَايَلْنَا وَمَا تَعَمَّدْنَا مِنْ الْجَنَفِ وَهُوَ الْمِيلُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَعَمَّدْنَا فِي هَذَا ارْتِكَابَ مَعْصِيَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ) لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ) أَيْ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ لُزُومُهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ حَالَ غَلَبَةِ ظَنِّ الْغُرُوبِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَفِي حَالِ الشَّكِّ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُ الْعُقُوبَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ شَاكًّا إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ اهـ وَهَاكَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِتَمَامِهَا وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّهَارُ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت وَصَوْمَ الْغَدِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَوَيْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت اهـ (قَوْلُهُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ رَأْيِهِ وَأَوْرَدَ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ غَرَبَتْ وَاثْنَانِ بِأَنْ لَا فَأَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْغُرُوبِ لَا كَفَّارَةَ مَعَ أَنَّ تَعَارُضَهُمَا يُوجِبُ الشَّكَّ أُجِيبُ بِمَنْعِ الشَّكِّ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِعَدَمِهِ عَلَى النَّفْيِ فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ بِالْغُرُوبِ بِلَا مُعَارِضَ فَوَجَبَ ظَنُّهُ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ. فَتْحُ قَوْلُهُ بِلَا مُعَارِضٍ حَتَّى إنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَفْطَرَ

وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَحُّرَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةٌ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فَضْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ وَيُرْوَى السُّحُورُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّأْخِيرُ وَفِي الْفِطْرِ التَّعْجِيلُ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتَمَرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَلَ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا فَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَتَحَقَّقَ الشُّبْهَةُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الدَّلِيلِ فَلَا تَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ عَمْدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِشَاذٍّ حَتَّى يَجْتَزِئَ بِتَرْكِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْت بِفِطْرِهِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّتِهِمَا أَعْنِي قُوَّةَ الْحَدِيثِ وَقُوَّةَ الْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَعُودُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ فَأَكَلَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الظَّنَّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ أَقْوَى مِنْ فَتْوَى الْمُفْتِي فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءُ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ وَلَوْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَحُّرَ مُسْتَحَبٌّ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَبِأَكْلِ السَّحُورِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرْقٌ بَيْنَ صَوْمِنَا وَصَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ السَّحُورُ وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ» وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ أَنَسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الشِّيعَةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الْفِطْرَ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَخَّرُوهُ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْقَى صَائِمًا بِأَكْلِهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمُهُ) أَيْ عِلْمُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ الْأَكْلُ نَاسِيًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَيْفَمَا كَانَ) نَظَرًا إلَى قِيَامِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِثُبُوتِ هَذَا الدَّلِيلِ وَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ الرَّاجِحُ عَلَى تَبَايُنِ الْمِلْكَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمُهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالرَّاوِي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ) أَيْ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ مُنَافِيهِ اهـ وَأَيْضًا نَظَرًا إلَى الْقِيَاسِ وَلَا تَنْتَفِي هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْعَمَلَ فَلَا تَنْتَفِي بِهِ الشُّبْهَةُ كَافِي قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّنَّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي فِي الدِّرَايَةِ لِأَنَّ انْعِدَامَ الرُّكْنِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ أَوْ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ» وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى وَحُكْمُ الِاسْتِفْتَاءِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِذَلِكَ أَيْ مِنْ أَيٍّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ الْمَحْبُوبِي بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَتْوَى وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ هَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ رُسْتُم عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَصِيرُ فَتْوَى الْمُفْتِي شُبْهَةً وَلَا يَصِيرُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) أَيْ بِأَنَّهُ يُفْطِرُ. اهـ. فَتْحٌ وَلَيْسَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي النِّسْيَانِ لِأَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ. اهـ. كَافِي بِالْمَعْنَى

[فصل نذر صوم يوم النحر]

لَا يُورَثُ شُبْهَةً لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ كَانَا يَغْتَابَانِ النَّاسَ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمَا أَجْرُ الصَّائِمِ وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْحِجَامَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ الْكَفَّارَةُ بِهِ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ وَلَوْ اغْتَابَ إنْسَانًا فَأَفْطَرَ بَعْدَهُ مُتَعَمِّدًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يُورَثُ شُبْهَةً وَقِيلَ هِيَ كَالْحِجَامَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَمَّا النَّائِمَةُ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا جُومِعَتَا فَلِوُجُودِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَالْأَكْلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ لِوُجُودِ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُمَا بِهَذَا الْجِمَاعِ اعْتِبَارًا بِالنَّاسِي إذْ عُذْرُهُمَا أَبْلَغُ مِنْ عُذْرِهِ لِوُجُودِ قَصْدِ الْأَكْلِ فِيهِ دُونَهُمَا وَنَحْنُ نَقُولُ النِّسْيَانُ يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَهُمَا نَادِرَانِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُمَا بِهِ ثُمَّ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّائِمَةِ ظَاهِرٌ وَصُورَتُهَا فِي الْمَجْنُونَةِ أَنَّهَا نَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ جُنَّتْ بِالنَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا إنْسَانٌ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَرَأْت عَلَى مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت لَهُ كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَالَ لِي دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ مَجْبُورَةٌ أَيْ مُكْرَهَةٌ فَظَنَّ النَّاسِخُ أَنَّهَا مَجْنُونَةٌ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْآفَاقِ وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ أَهَذِهِ الْمَجْنُونَةُ قَالَ لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ فَقُلْت أَلَا نَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً فَقَالَ بَلَى ثُمَّ قَالَ كَيْفَ وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ دَعُوهَا وَالْمَجْبُورَةُ بِمَعْنَى مُجْبَرَةٍ ضَعِيفٌ لَفْظًا صَحِيحٌ حُكْمًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ فَتَذَكَّرَ فَقَطَعَ الشُّرْبَ أَوْ أَلْقَى اللُّقْمَةَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ عِنْدَ الذِّكْرِ أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يُجَامِعُهَا فَنَزَعَهُ مَعَ الطُّلُوعِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَقَالَ زُفَرُ يُفَطِّرُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي فَصْلِ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ النَّزْعِ مُبَاشِرٌ لِلْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَأَخَوَاتُهَا فَنَزَعَهُ لِلْحَالِ يَحْنَثُ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ فِي الْجِمَاعِ خَاصَّةً لِأَنَّ النَّزْعَ نَفْسَهُ جِمَاعٌ لِوُجُودِ مُمَاسَّةِ الْفَرْجِ بِالْفَرْجِ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ النَّزْعَ تَرْكُ الْفِعْلِ فَلَا يُنَافِي الصَّوْمَ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْجِمَاعَ وَقَدْ تَرَكَهُ بِالنَّزْعِ وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ تَرَكَهُ بِالْقَطْعِ فَلَا يُفَطِّرُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ) (مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ لِأَنَّهُ نَذَرَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَنَا أَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ فَيَصِحُّ وَالنَّهْيُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ) أَيْ مَعَ فَرْضِ عِلْمِ الْآكِلِ كَوْنَ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ مَسَّ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الْفَقِيهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْفَتْوَى وَالْحَدِيثِ يَصِيرُ شُبْهَةً كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ لَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِمَا قُلْنَا يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ وَلَا بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هُنَا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشْتَبِهُ عَلَى مَنْ لَهُ شَمَّةٌ مِنْ الْفِقْهِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرْوِيِّ الْغَيْبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ حَقِيقَةَ الْإِفْطَارِ فَلَمْ يُصَيِّرْهُ ذَلِكَ شُبْهَةً اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا ذَكَرَهَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُمَا نَادِرَانِ) أَيْ جِمَاعُ النَّائِمَةِ وَالْمَجْنُونَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمَجْبُورَةُ بِمَعْنَى مُجْبَرَةٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ثَعْلَبٌ فِي فَصِيحِهِ جَبَرْت الْكَسْرَ صَحَّحْته وَأَجْبَرْت فُلَانًا قَهَرْته جَبْرًا فِي الْأَوَّلِ وَإِجْبَارًا فِي الثَّانِي فَهُوَ مَجْبُورٌ مِنْ جَبَرَ وَمُجْبَرٌ مِنْ أَجْبَرَ اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ جَبَرَهُ بِمَعْنَى أَجْبَرَهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَلِذَا قَلَّ اسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرِ وَاسْتَصْعَبَ وَضْع الْمَجْبُورَةِ مَوْضِعَ الْمَجْنُونَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَائِلِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَلَوْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ لَا كَفَّارَةَ وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ فَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا نَظِيرُهُ مَا قَالُوا أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَلَمْ يُحَرِّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ وَلَا تُعْتَقُ وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجِبُ الْعَقْدُ لِلْأَمَةِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا. اهـ. [فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى مُشَارٌ بِهِ إلَى مَعْهُودٍ فِي الذِّهْنِ بِنَاءً عَلَى شُهْرَةِ الْأَيَّامِ عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُنَاسِبُ النُّسْخَةَ الْأُولَى الِاسْتِدْلَال فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَصِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا سَمِعْته يَقُولُ «لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَيُنَاسِبُ النُّسْخَةَ الْأُخْرَى الِاسْتِدْلَال بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَى آخِرِهِ اهـ

لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الِانْتِهَاءُ وَالنَّهْيُ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ لَا يَكُونُ فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ وَحُرْمَتَهُ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا ضَرُورَةً وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَلَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعَهْدِ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ كَمَا الْتَزَمَهُ نَاقِصًا لِمَكَانِ النَّهْيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ نَوَى يَمِينًا كَفَّرَ أَيْضًا) أَيْ مَعَ الْقَضَاءِ تَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُمَا صَحَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ مُوجِبُهُمَا الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ وَالْقَضَاءُ بِالنَّذْرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ عِنْدَ نِيَّتِهِ لَهُ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمِلُ كَلَامَهُ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابُ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ وَقَدْ عَيَّنَهُ بِعَزِيمَتِهِ وَنَفَى غَيْرَهُ وَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا لَا غَيْرُ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ يَكُونُ أَيْضًا نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَكُونُ يَمِينًا لَا غَيْرُ وَلَهُ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ فَلَا يَنْتَظِمُهَا لَفْظٌ وَاحِدٌ وَالْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابُ الْمُبَاحِ فَيَسْتَدْعِي تَحْرِيمَ ضِدِّهِ وَأَنَّهُ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَالَ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَكَانَ نَذْرًا بِصِيغَتِهِ يَمِينًا بِمُوجِبِهِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ تُمْلَكُ بِصِيغَتِهِ تَحْرِيرٌ بِمُوجِبِهِ حَتَّى إذَا نَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ أَوْ نَقُولُ إنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ أَمَّا النَّذْرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ وَالْيَمِينُ يَقْتَضِيهِ لِغَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَكَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ الْفَسْخِ وَالْبَيْعِ فِي الْإِقَالَةِ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَمَعَ اتِّفَاقِهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ وَوَاجِبًا لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ لَيُطِيعَن أَبَوَيْهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ مُؤَكِّدَةً لِلْأُخْرَى فَلَا تَنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ وَالنَّهْيُ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ لَا يَكُونُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِحُكْمِ النَّهْيِ بَعْدَمَا كَانَ مَشْرُوعًا بِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّهْيَ غَيْرُ النَّسْخِ فَالنَّسْخُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَشْرُوعِ بِالرَّفْعِ أَوْ الِانْتِهَاءُ أَوْ بِعَدَمِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا وَلَا صُنْعً لِلْعَبِدِ فِي الشَّرْعِ وَالنَّهْيُ مَنْعُ الْمُكَلَّفِ مِنْ فِعْلِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْوَقْتِ فَيَبْقَى الْحَالُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ مَعَ مَنْعِهِ وَيَصِيرُ فِعْلُهُ حَرَامًا وَقَدْ يُوجَدُ النَّسْخُ وَلَا نَهْيَ كَصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ انْتَسَخَ وُجُوبُهُ وَبَقِيَ نَدْبُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ) أَيْ كَمَا لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي تَلَاهَا فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ نَاقِصًا) قَالَ فِي الْكَافِي كَمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهِيَ عَمْيَاءُ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِإِعْتَاقِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَأَدَّى شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ يَكُونُ نَذْرًا) أَيْ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ) أَيْ وَبِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ يَكُونُ يَمِينًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ) أَيْ وَلَمْ يَخْطِرْ بَالُهُ بِالنَّذْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ) أَيْ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفُ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفُ الثَّانِي. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِفْطَارِ دُونَ الْقَضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ) لِقُوَّتِهَا إذْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُمْتَنِعٌ فَإِذَا أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ) أَيْ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا. اهـ. كَافِي وَالْجِهَتَانِ الْكَائِنَتَانِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا جِهَةُ الْيَمِينِ وَجِهَةُ النَّذْرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ) أَيْ وُجُوبَ مَا تَعَلَّقَتَا بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ) أَيْ بِالْحِنْثِ فَالنَّاذِرُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَانَ اللَّفْظُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَحَدِهِمَا مَجَازًا لِلْآخَرِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ الْعَامِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى النَّذْرِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَلْفَاظِ الْمُشَكِّكَةِ تَكُونُ وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ فِي الْبَعْضِ أَصْدَقُ كَالْبَيَاضِ فِي الثَّلْجِ، وَالْعَاجُ أَصْدَقُ مِنْ الثَّوْبِ وَفِي التَّحْرِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا يَحْنَثُ (قُلْت) الْمُرَادُ ثَمَّةَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَهُوَ الْحُصُولُ فِيهَا وَهَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مُرَادٌ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُصْرَفُ إلَى الْيَمِينِ وَفِي الْمَقِيسِ عَلَيْهَا يُصْرَفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلَمْ تَكُنْ مِثْلَهَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ بِلَفْظَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ يَمِينٌ عَلَيَّ كَذَا نَذْرٌ فَيَكُونُ إيجَابُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مُوجِبَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي لَفْظِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَلَّاطِيُّ فِي جَامِعِهِ إذْ اللَّامُ تُسْتَعْمَلُ لِلْقَسَمِ قَالَ الشَّاعِرُ لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حَيْدٍ اهـ سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا) أَيْ لَا نُفَارِقُهُمَا فِي الْإِيجَابِ. اهـ. كَافِي بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ) يَعْنِي جُعِلَ هِبَةً فِي الِابْتِدَاءِ لِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبَيْعًا فِي الِانْتِهَاءِ لِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ فَاعْتُبِرَتْ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ لِجِهَةِ التَّبَرُّعِ وَهِيَ اشْتِرَاطُ التَّقَابُضِ وَالْبُطْلَانِ بِالشُّيُوعِ وَعَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَاعْتُبِرَتْ جِهَةُ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ الْفَسْخِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِصِيغَتِهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ بِمَعْنَاهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ)

وَلَا يَضُرُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّهُمَا حُكْمٌ آخَرُ سِوَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إذْ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْهَا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ أَمَّا إذَا قَالَ فِي شَوَّالٍ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ هَذَا قِيَاسُهُ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ لَكِنَّهُ شَرَطَ التَّتَابُعَ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُتَتَابِعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا نَذَرَ سَنَةً مُعَيَّنَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَرْتِيبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَجَاوِزٌ كَرَمَضَانَ وَلِهَذَا لَا يُعِيدُ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا وَفِي الثَّانِي يُعِيدُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ وَيَتَأَتَّى فِي الْفَصْلَيْنِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لَا يُجْزِيهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنْكَرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرَ السَّنَةِ فَلَا تَدْخُلُ فِي النَّذْرِ هَذِهِ الْأَيَّامُ وَلَا شَهْرُ رَمَضَانَ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ فَإِذَا أَدَّاهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَدْ أَدَّاهَا نَاقِصَةً فَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ قَدْرِهِ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ رَمَضَانَ دَاخِلٌ فِي النَّذْرِ فَلَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَيَكُونُ جُمْلَةُ مَا لَزِمَهُ فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِالنَّذْرِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِعَدَمِ دُخُولِ رَمَضَانَ فِيهِ وَلَوْ نَوَى يَمِينًا أَوْ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا وَنَذْرًا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوُجُوهِ السِّتَّةِ بِالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَضَاءَ إنْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ أَفْطَرَ) أَيْ إنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَقْتِ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا لَعَيْنهَا وَلِغَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِ عَيْنِهَا وَالْكَفَّارَةُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ لِغَيْرِهَا وَلَا يُسَمَّى هَذَا مَجَازًا بَلْ هُوَ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ أَرَادَهُ أَنْ يَقُولَ صَوْمَ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةٍ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ كَالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا لِأَنَّ تِلْكَ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي قَوْلِهَا أَنْ أَصُومَ غَدًا فَوَافَقَ حَيْضَهَا لَا تَقْضِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَقْضِيهِ لِأَنَّهَا لَمْ تُضِفْهُ إلَى يَوْمِ حَيْضِهَا بَلْ إلَى الْمَحَلِّ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ عُرُوضُ الْمَانِعِ فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِيجَابِ حَالَ صُدُورِهِ فَتَقْضِي وَكَذَا إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ وَهِيَ حَائِضٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ يَوْمَ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَصَارَ كَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّيْلِ ثُمَّ عِبَارَةُ الْكِتَابِ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لِمَا عُرِفَ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ فِطْرُهَا حَتَّى لَوْ صَامَهَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ تَسَاهُلٌ بَلْ الْفِطْرُ وَاجِبٌ لِاسْتِلْزَامِ صَوْمِهَا الْمَعْصِيَةَ وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ الْفِطْرَ بِهَا فَإِنْ صَامَهَا أَثِمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا الْتَزَمَهَا نَاقِصَةً لَكِنْ قَارَنَ هَذَا الِالْتِزَامَ وَاجِبٌ آخَرُ وَهُوَ لُزُومُ الْفِطْرِ تَرْكَهُ فَتَحْمِلُ إثْمَهُ. اهـ. فَتْحٌ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ هَذَا سَهْوٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي السُّنَّةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ قَالَ هَذِهِ السُّنَّةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا بَقِيَ مِنْهَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ بَقِيَّتِهِ فَكَذَا هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ وَضْعَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ النَّذْرِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَا يُتَصَوَّرُ الْإِفْطَارُ اهـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ أَمْتَعَ اللَّهُ بِوُجُودِهِ هُوَ الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيُّ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ الْمَسْأَلَةُ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَرَبِيَّةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَخْتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَبْدَؤُهَا الْمَحْرَمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا تُفِيدُ الْإِشَارَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذَرَ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمَحْرَمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَ أَمْسِ لَزِمَ صَوْمُ الْيَوْمِ وَلَوْ قَالَ غَدًا هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ وَلَوْ قَالَ الشَّهْرَ وَجَبَتْ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيُصْرَفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا صَوْمُ يَوْمِهِ بِخِلَافِ عَشْرِ حَجَّاتٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ يُفْطِرُ وَيَقْضِي إذَا لَمْ يُعَيِّنْ السَّنَةَ بَلْ نَكَّرَهَا وَلَكِنْ وَصَفَهَا بِالتَّتَابُعِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ سَنَةً مُتَتَابِعَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَ السَّنَةَ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذِهِ السَّنَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَنَةٍ بِالْأَهِلَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ) أَيْ ثَلَاثِينَ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَلْ يَجِبُ وَصْلُهَا بِمَا مَضَى قِيلَ نَعَمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا غَلَطٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَهُ. اهـ. فَتْحٌ

[باب الاعتكاف]

الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشُّرُوعِ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ كَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَوْمَ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَأْمُورٌ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فَلَا يَجِبُ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ لِأَنَّهُ صَوْمٌ فَيَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ بِصَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِالْفِعْلِ فَكَانَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لَا مِنْ ضَرُورَاتِ إيجَابِ الْمُبَاشَرَةِ وَبِخِلَافِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَيْثُ لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَالشُّرُوعَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَسْجُدْ وَالشُّرُوعُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَضَاءِ دُونَ الصَّلَاةِ فَصَارَ كَالنَّذْرِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ بِأَنْ يُمْسِكَ حَتَّى تَبْيَضَّ الشَّمْسُ فَحَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ الِاعْتِكَافِ). وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَلُزُومُهُ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وقَوْله تَعَالَى {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَاللُّبْثُ فِيهِ مَعَ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ فِيهِ مَوْجُودٌ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُنَّ لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِصَوْمٍ وَنِيَّةٍ) أَيْ جُعِلَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ سُنَّةً بِشَرْطِ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْعُيُونِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخِلَافُ لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ إلَى آخِرِهِ) لِصِدْقِ اسْمِ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ وَالصَّائِمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ بِنِيَّةٍ وَلِذَا حَنِثَ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَصُومُ صَوْمًا. اهـ. فَتْحٌ (فَرْعٌ) فِي الْوَلْوَالِجِيِّ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ فَصَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَالسَّادِسَ عَشَرَ مِنْ آخِرِهِ وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَا مُتَتَابِعَيْنِ اهـ غَايَةٌ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الصَّلَاةُ إلَى آخِرِهِ) وَالصَّلَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أَرْكَانٍ مَعْلُومَةٍ فَمَا لَمْ يَفْعَلْهَا لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ بِوُجُودِ جَمِيعِ حَقِيقَتِهِ فَإِذَا قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ مَا لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ بَعْدُ قَطْعُهُ فَيَكُونَ مُبْطِلًا لِلْعَمَلِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِبْطَالِ فَيَلْزَمَ بِهِ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ. اهـ. فَتْحٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَيْضًا وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْفَرْقُ. اهـ. غَايَةٌ [بَابُ الِاعْتِكَافِ] أَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ عَطَاءٌ مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ كَمِثْلِ رَجُلٍ لَهُ حَاجَةٌ إلَى عَظِيمٍ فَيَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ وَيَقُولُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتِي وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إنْ كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ) أَيْ بِرًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إلَى آخِرِهِ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97]. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ فَهَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ تَكُونُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ أَوْ نَقُولُ اللَّفْظُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ ظَاهِرٌ لَكِنْ وَجَدْنَا صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ إلَى مَكَانِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ فِيهِ فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى فَسَمِعَتْ زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً أُخْرَى فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَدَاةِ بَصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ فَقَالَ مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا الْبِرِّ انْزِعُوهَا فَلَا أَرَاهَا فَنُزِعَتْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ» هَذَا وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ «وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْآخِرَ» وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَلَا يُدْرَى أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ وَقَدْ تَتَقَدَّمُ وَقَدْ تَتَأَخَّرُ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ هَكَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ

وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَسُنَّةٌ وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَمِنْ مَحَاسِنِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَمُلَازَمَةُ عِبَادَتِهِ وَبَيْتِهِ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ أَمَّا اللُّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْهُ وَشَرْطُهُ النِّيَّةُ وَالْمَسْجِدُ وَالصَّوْمُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّوسِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنْت نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَاعْتَكِفْ لَيْلَةً» وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الشِّرْكِ وَيَصُومَ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ إسْلَامِهِ فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ فَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ لَمَا احْتَاجَ إلَى إيجَابِ الصَّوْمِ فِيهِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَالشَّرْطِيَّةُ تُنْبِئُ عَنْ التَّبَعِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَبَعًا لِمَا هُوَ دُونَهُ وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَكَفَ بِلَا صَوْمٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَفَعَلَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ صَائِمًا وَلَوْلَا أَنَّهُ شَرْطٌ لَمَا لَزِمَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُتَصَدِّقًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا مَقْصُودًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْصِبَ الْأَسْبَابَ وَلَا يَشْرَعَ الْأَحْكَامَ بَلْ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَبْ الْمُكْثُ وَحْدَهُ إلَّا فِي ضِمْنِ عِبَادَةٍ كَالْقُعُودِ فِي التَّشَهُّدِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمُكْثُ فَإِنَّهُ لَوْ اجْتَازَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ لَكَانَ شَرْطَ انْعِقَادٍ أَوْ دَوَامٍ وَلَيْسَ هُوَ شَرْطًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الشُّرُوعِ فِيهِ لَيْلًا وَبَقَائِهِ فِيهِ بَعْدَمَا شَرَعَ قُلْنَا الشَّرَائِطُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا إمْكَانَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رَمَضَانَ وَتَكُونُ فِي غَيْرِهِ فَجُعِلَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ وَإِنْ قَالَهُ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يُعْتَق حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي وَأَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَوْنِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي ذَلِكَ الرَّمَضَانُ الَّذِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَمَسَهَا فِيهِ وَالسِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظَهَا كَقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك وَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ وَمِنْ عَلَامَتِهَا أَنَّهَا بُلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيَجْتَهِدَ فِي طَلَبِهَا فَيَنَالَ بِذَلِكَ أَجْرَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا أَخْفَى سُبْحَانَهُ السَّاعَةَ لِيَكُونُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْ قِيَامِهَا بَغْتَةً. اهـ. فَتْحٌ مَعَ حَذْفٍ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِإِخْلَاصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ) خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَيْنِ بَلْ الْحَقُّ أَنْ يَقِلَّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمَنْذُورُ) أَيْ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ فِي الِاعْتِكَافِ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الصَّوْمِ يُرِيدُ بِهِ الْوَاجِبَ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ اهـ (قَوْلُهُ وَنِيَّةُ الِاعْتِكَافِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا مَفْهُومُهُ عِنْدَنَا وَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ إذْ هُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِقَامَةِ فِي أَيِّ مَكَان عَلَى أَيِّ غَرَضٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ رُكْنَهُ اللُّبْثُ بِشَرْطِ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ وَكَذَا الْمَسْجِدُ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ كَوْنُهُ فِيهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا لَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ لِلْوَاجِبِ مِنْهُ فَقَطْ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلنَّفْلِ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِ وَالصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى انْتِهَاضَ دَلِيلِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَزِمَهُ تَرْجِيحُ هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ) هُوَ شَيْخُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ إلَى آخِرِهِ) لَكِنَّهُ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فِي رَفْعِهِ مَعَ أَنَّ النَّافِيَ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ إلَى آخِرِهِ) انْفَرَدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ مِنْ شَرْطِهِ إلَى آخِرِهِ) كَوْنُ الصَّوْمِ مِنْ شَرْطِهِ إنَّمَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ وَلَا شَرْعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا إلَى آخِرِهِ) كَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ النَّذْرَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ الرَّبِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ كَالنَّذْرِ بِصَوْمِ اللَّيْلِ وَالِاعْتِكَافُ مِنْ جِنْسِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِلَّهِ تَعَالَى قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ الْوُقُوفُ أَوْ النَّذْرُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ النَّذْرُ بِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى اللُّبْثِ وَالصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ

اللَّيْلِ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ وَجُعِلَتْ اللَّيَالِي تَابِعَةً لِلْأَيَّامِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسْتَحَاضَةِ تَصِحُّ مَعَ السَّيْلَانِ وَإِنْ عُدِمَ الشَّرْطُ لِلتَّعَذُّرِ وَكَذَا الْخُرُوجُ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لَا يُنَافِيهِ لِلْعَجْزِ مَعَ أَنَّ الرُّكْنَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا تَعَلَّقَ بِهِ جَوَازُ الِاعْتِكَافِ كَالصَّلَاةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَمَعَ هَذَا تَعَلَّقَ بِهَا تَمَامُ الطَّوَافِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ صِحَّةُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» عَائِدٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ دُونَ الصَّوْمِ فَيَكُونُ بَيَانًا عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَالتَّطَوُّعُ مِنْهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ عَلَى مَا حَكَيْنَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ نَذَرَ فِي الشِّرْكِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ وَلَيْسَ فِي اللَّيْلِ صَوْمٌ وَبِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا قَالَ فِي الْغَايَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَهَذَا أَصْلُ الْحَدِيثِ فَنَقَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اللَّيْلَةَ وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ وَلِأَنَّهُ كَانَ الصَّوْمُ مَشْرُوعًا بِاللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِهِ وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَأَقَلُّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَوْمٌ يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قَضَاهُ وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَقْضِيهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ تَقْدِيرٌ عَلَى الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَلِهَذَا يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ أَقَلَّهُ أَكْثَرُ الْيَوْمِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ صَحَّ عِنْدَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللُّبْثِ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى هَذَا نُقِلَ عَنْ صَدْرِ سُلَيْمَانَ وَفِي جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَوَامِ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ صَارَ قُرْبَةً فَصَارَ الْتِزَامُهُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عُبَادَةَ مَقْصُودَةٌ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ) عَائِدٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ أَيْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَنْذُورِ بِالنَّذْرِ مَعْلُومٌ وَالْخَفَاءُ فِي وُجُوبِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ بِالنَّذْرِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ أَكْثَرَ فَائِدَةً وَأَوْلَى بِحَمْلِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ عَلَيْهِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَنَقَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اللَّيْلَةَ وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ إلَخْ) أَيْ فَيَجُوزُ لِلرَّاوِي نَقْلُ بَعْضِ مَا سَمِعَ. اهـ. غَايَةٌ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ النَّوَوِيَّ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ اسْتِدْلَالَهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ هَذَا وَقَالَ هُوَ نَذْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّذْرَ الْجَارِيَ فِي الْكُفْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ) أَيْ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَحَسَّنَهُ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا اشْتَرَطَ الصَّوْمَ لِصِحَّتِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى إنَّ رَجُلًا صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ الِاعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَعَلَ رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي النَّفْلِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَمَاعَةٌ وَلَا يَحْضُرنِي مُتَمَسَّكٌ لِذَلِكَ فِي السُّنَّةِ سِوَى حَدِيثِ الْقِبَابِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِكَافِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا صَوْمَ فِيهِ وَفَرَّعُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ سَاعَةً ثُمَّ تَرَكَهُ لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِلِاعْتِكَافِ بَلْ إنْهَاءً لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةً بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَأَدَاءُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْخَمْسِ فِيهِ شَرْطٌ اهـ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَصِحُّ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَتَّى لَوْ جَعَلَ بَعْضَ بُيُوتِ دَارِهِ مَسْجِدًا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَفْضَلُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ إلَخْ) أَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عُكُوفٌ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت أَوْ حَفِظُوا وَأُنْسِيت قَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنْ أَبْغَضَ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ. اهـ.

[اعتكاف المرأة]

فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ يُصَلَّى فِيهِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ وَأَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ الْخَمْسَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلَّى فِيهِ الصُّوَاتُ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَكَفُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصِحُّ ذِكْرُهُ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ فِي الْجَامِعِ ثُمَّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ وَأَوْفَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَمَسْجِدُ حَيِّهَا أَفْضَلُ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ لَا يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إذَا اُعْتُكِفَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ أَوْ طَبِيعِيَّةٍ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَثَرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِمَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تُرِيدُ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ هَكَذَا فَسَّرَهُ الزُّهْرِيُّ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ فَتَكُونَ مُسْتَثْنَاةً ضَرُورَةً لَا يَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ بَعْدَمَا فَرَغَ طَهُورُهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالْجُمُعَةُ أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ثُمَّ هُوَ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَيَكُونُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الِاعْتِكَافَ فِي الْجَامِعِ لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ وَمَشْيُهُ الْمُنَافِيَانِ لِلِاعْتِكَافِ لِبُعْدِ مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ الْمَسَاجِدِ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَهِجْرَانَهَا وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ لِلْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سِتُّ رَكَعَاتٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ لِأَنَّهَا أَتْبَاعٌ لِلْفَرَائِضِ فَتَكُونُ مُلْحَقَةً بِهَا وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ اعْتِكَاف الْمَرْأَة] قَوْلُهُ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْجَامِعِ أَوْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ فِي حَقِّهَا جَازَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ قَاضِي خَانْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَلَا إلَى نَفْسِ الْبَيْتِ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا إذَا اعْتَكَفَتْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَلَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَإِنْ أَذِنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَلَا يَمْنَعَهَا وَفِي الْأَمَةِ تَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمُؤْتَمَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ أَسَاءَ وَأَثِمَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ إلَخْ) وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا مَسْجِدٌ تَجْعَلُ فِي بَيْتِهَا مَسْجِدًا فَتَعْتَكِفُ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْجُمُعَةِ) أَيْ وَالِاغْتِسَالِ وَالْوُضُوءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَعْدَمَا فَرَغَ طَهُورُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ قَالَ الْمُبَرَّدُ خَمْسَةٌ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ الطَّهُورُ وَالْوَضُوءُ وَالْقَبُولُ وَالْوَزُوعُ وَالْوَلُوعُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ هَذَا وَجْهُ الْإِلْزَامِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُجْزِيه فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَأَمَّا عَلَى رَأَيْنَا أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ أَوْ دُونَهَا إذَا كَانَ جَامِعًا فَلَا يَكُونُ التَّمَسُّكُ عَلَى الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُونَ صَحِيحًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ إلْزَامًا بِالدَّلِيلِ فَإِذَا صَحَّ فَبَعْدَ ذَلِكَ الضَّرُورَةُ مُطْلِقَةٌ لِلْخُرُوجِ مَعَ بَقَاءِ الِاعْتِكَافِ وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِالْجُمُعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِهِ عَلَى إدْرَاكِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا يُصَلِّي قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ اهـ (قَوْلُهُ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الْكَمَالُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ، وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِمَّا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأَ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِيَ أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحَزْرُ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا سِتُّ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَهَا أَرْبَعٌ وَقَوْلُهُمَا سِتٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّتِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدَّمْنَا الْوَجْهَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْفَرِيقَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً. اهـ. كَافِي

لِلِاعْتِكَافِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) أَيْ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَقَوْلُهُ أَقْيَسَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِي اللُّبْثَ وَمَا يُنَافِي الشَّيْءَ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ فِي الطُّهْرِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ أَوْسَعُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَوْ لَمْ يُبَحْ لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحَوَائِجِ وَلَا حَرَجَ فِي الْكَثِيرِ وَالْفَاصِلُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ كَمَا فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَكَذَا لِصَلَاتِهَا وَلَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَوْ لِإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ أَوْ الْحَرِيقِ وَالْجِهَادِ إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا أَوْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ كُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً وَلِهَذَا لَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَانْتَقَلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَسْجِدًا بَعْدَ ذَلِكَ فَفَاتَ شَرْطُهُ وَكَذَا لَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُهُ لِعَدَمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ كَرْهًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ فَخَرَجَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَكِفَةً فِي الْمَسْجِدِ فَطَلُقَتْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا وَتَبْنِيَ عَلَى اعْتِكَافِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ وَمُبَايَعَتُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَيْسَ فِي تَقَضِّي هَذِهِ الْحَاجَاتِ مَا يُنَافِي الْمَسْجِدَ حَتَّى لَوْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي خُرُوجِهِ إلَى بَيْتِهِ لِلْأَكْلِ قُلْنَا الْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ مُبَاحٌ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ وَالصَّمْتُ وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) أَمَّا إحْضَارُ الْمَبِيعِ وَهِيَ السِّلَعُ لِلْبَيْعِ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَجَعْلُهُ كَالدُّكَّانِ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مَا بَدَا لَهُ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ السِّلْعَةِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا تُكْرَهُ الْخِيَاطَةُ وَالْخَرَزُ فِيهِ وَلِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ يُكْرَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك» الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) أَيْ فِي الْمَنْذُورِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتِنْبَاطٌ مِنْ عَدَمِ أَمْرِهِ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَائِطِ أَنْ يُسْرِعَ الْمَشْيَ بَلْ يَمْشِيَ عَلَى التُّؤَدَةِ وَبِقَدْرِ الْبُطْءِ تَتَخَلَّلُ السَّكَنَاتُ بَيْنَ الْحَرَكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي فَنِّ الطَّبِيعَةِ وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ قَدْرٌ مِنْ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مُعْتَكِفٌ قَالَ مَا أَبْعَدَك عَنْ الْعَاكِفِينَ وَلَا يَتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ بِهَا التَّخْفِيفُ هِيَ الضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ الْوُقُوعُ وَمُجَرَّدُ عُرُوضِ مَا هُوَ مُلْجِئٌ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ عَلَى وَجْهٍ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ لَا يُقَالُ بِبَقَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ السَّلَسِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَالْإِلْجَاءِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ مَعْذُورًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمَا يُجِيزَانِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَصْلًا إذْ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِحَاجَةٍ أَوْ لَا بَلْ لِلَّعِبِ وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْرَاعِ فَلَيْسَ لِإِطْلَاقِ الْخُرُوجِ الْيَسِيرِ بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْأَنَاةَ وَالرِّفْقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى طَلَبَهُ إلَى الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُفَوِّتُ بَعْضَهَا مَعَهُ بِالْجَمَاعَةِ وَكَرِهَ الْإِسْرَاعَ وَنَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُحَصِّلًا لَهَا كُلِّهَا فِي الْجَمَاعَةِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْخُشُوعِ إذْ هُوَ يَذْهَبُ بِالسُّرْعَةِ وَالْعَاكِفُ أَحْوَجُ إلَيْهَا فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَقَيِّدًا بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ فِي حَالِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ لَهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الِانْتِظَارُ اهـ وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ فَكَانَتْ تِلْكَ السَّكَنَاتُ كَذَلِكَ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنْ نَفْسِ الِاعْتِكَافِ لَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيرُهُ بِمَا هُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ بَلْ بِمَا يُعَدُّ كَثِيرًا فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا مَعْنَى الْعُكُوفِ وَأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) أَيْ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ تَعَيَّنَ لِأَدَائِهَا لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرُ فَيَنْوِيَ حَقَّهُ وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحَجٍّ لَزِمَهُ إذْ لَا يُنَافِيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ وَلْيَسْتَقْبِلْ الِاعْتِكَافَ وَلَوْ احْتَلَمَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَلْوِيثٍ فَعَلَ وَإِلَّا خَرَجَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ يَعُودُ اهـ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ

عَلَيْك» وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ يُكْرَهُ التَّعْلِيمُ فِيهِ بِأَجْرٍ وَكَذَا كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ فِيهِ بِأَجْرٍ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخِيطَ فِيهِ وَلَا يَسْتَطْرِقَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ فِيهِ يُكْرَهُ فِي سَطْحِهِ وَأَمَّا الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ صَمْتٌ يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَتِمُّ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ صَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنُسِخَ وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ وَسَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُعْتَكِفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَأَلْحَقَ بِهِ دَوَاعِيَهُ وَهُوَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مَحْظُورٌ فِيهِ لِمَا تَلَوْنَا فَيَتَعَدَّى إلَى دَوَاعِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ وَالْحَظْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا كَيْ لَا يَفُوتَ الرُّكْنُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى لَصَارَ الْكَفُّ عَنْ الدَّوَاعِي رُكْنًا وَالرُّكْنِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَالْحُرْمَةُ تَثْبُتُ بِهَا وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَلَوْ مَنَعُوا عَنْ الدَّوَاعِي لَحَرَجُوا وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا زَمَانُ نَفْرَةٍ فَلَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْوَطْءِ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) أَيْ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِوَطْئِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ كَيْفَمَا كَانَ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصِّيَامِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ أَوْ يُرَجِّلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ غَسَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ لَا بَأْسَ بِهِ وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ مِنْ بَابِهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يُفْسِدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْأَذَانِ مَعْلُومٌ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى أَمَّا غَيْرُهُ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ الِاكْتِسَاب وَكَذَا الْوَرَّاقُ وَالْفَقِيهُ إذَا كَتَبَ بِأَجْرٍ أَوْ الْمُعَلِّمُ إذَا عَلَّمَ الصِّبْيَانَ بِأَجْرٍ وَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ خَيَّاطًا يَخِيطُ فِيهِ وَيَحْفَظُ الْمَسْجِدَ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالدَّوَابِّ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْحَكَمُ بِاسْتِلْزَامِ حُرْمَةِ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً فِي الْعِبَادَةِ حُرْمَةُ دَوَاعِيه وَبِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً ضِمْنَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الضِّمْنِيِّ لِضِدِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقَصْدِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ مَا لَهُ الدَّوَاعِي عِنْدَ ثُبُوتِهَا مَعَ قِيَامِ الْحَاجِزِ الشَّرْعِيِّ عَنْهُ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلَا غَالِبًا غَيْرَ أَنَّهَا طَرِيقٌ فِي الْجُمْلَةِ فَحُرِّمَتْ لِلتَّحْرِيمِ الْقَصْدِيِّ دَوَاعِيهِ لَا الضِّمْنِيِّ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ إلَّا تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَلْحُوظٍ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى دَوَاعِيهِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الِاعْتِكَافِ قَصْدِيٌّ إذْ هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: 187] وَمِثْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197] الْآيَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْكِحُوا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَيُعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي فِيهَا وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ ضِمْنِيٌّ لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لِلصَّوْمِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْكَفِّ فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تَثْبُتُ ضِمْنًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ هِيَ الثَّابِتَةُ أَوَّلًا بِالصِّيغَةِ ثُمَّ تَثْبُتُ وُجُوبُ الْكَفِّ عَنْهُ ضِمْنًا فَلِذَا تَثْبُتُ سَمْعًا حِلُّ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابَيْهِمَا اهـ (فَرْعٌ) فِي الْمُجْتَبَى وَفِي جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ غَرِيبًا مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَا فَالْمُعْتَكِفُ أَوْلَى وَيَلْبَسُ الْمُعْتَكِفُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَنَامُ فِيهِ وَيَتَطَيَّبُ وَيَدَّهِنُ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ فِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَتَطَيَّبَ وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِي وَأَحْمَدَ وَعِنْدَ مَالِكٍ السُّكْرُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الِاعْتِكَافَ وَبَقَاءَهُ وَلَا يُفْسِدُهُ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا كَبِيرَةٌ مِمَّا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ الْكَبَائِرُ دُونَ الصَّوْمِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُبْطِلُهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا فَسَدَ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ إلَّا إذَا فَسَدَ بِالرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَيْسَ غَيْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ أَصْلُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ لَزِمَ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالرِّدَّةِ أَوْ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدْ) وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ أُورِدَ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْآيَةَ أُجِيبُ

بِالنَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي أَيْضًا بِنَذْرِ اعْتِكَافِهِ أَيَّامٍ) مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامًا لَزِمَتْهُ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ اللَّيَالِيَ لَزِمَتْهُ بِأَيَّامِهَا لِأَنَّهُ بِذِكْرِ اللَّيَالِي يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا تَارَةً بِالْأَيَّامِ وَتَارَةً بِاللَّيَالِيِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ وَتَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّتَابُعُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا قَابِلَةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَتَخَلُّلُهَا يُوجِبُ التَّفَرُّقَ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ وَيَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَيْلَتَانِ يَنْذُرُ يَوْمَيْنِ) أَيْ يَلْزَمُهُ لَيْلَتَانِ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ بِذِكْرِ يَوْمَيْنِ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهِمَا مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ فِي الْعَادَةِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُذْ يَوْمَيْنِ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَتِهِمَا كَمَا يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ اللَّيْلُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ لَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إلَّا تَبَعًا لِضَرُورَةِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْأَيَّامِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِتَحَقُّقِ الْوَصْلِ بِدُونِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ فَقَطْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ وَلَا اعْتِكَافَ بِدُونِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ مَجَازَهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ مُرَادٌ فَيَبْطُلُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِانْكِشَافِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ خَاصَّةٌ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُبْلَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْجِمَاعِ مُتَوَاطِئًا أَوْ مُشَكِّكًا فَأَيُّهَا أُرِيدَ بِهِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ كُلُّ اسْمٍ بِمَعْنَى كُلٍّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرَادَ بِهِ فَرْدَانِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ سِيَاقُ النَّهْيِ وَهُوَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَكَذَا إذَا قَالَ شَهْرًا وَلَمْ يَنْوِهِ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَيْلُهُ وَنَهَارُهُ وَيَفْتَتِحُهُ مَتَى شَاءَ بِالْعَدَدِ اهـ لَا هِلَالِيًّا وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ فَإِنْ فَرَّقَ اسْتَقْبَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَشَهْرًا يَلْحَقُ بِالْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ وَدُخُولِ اللَّيَالِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَبِالصَّوْمِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الِاتِّصَالِ بِالْوَقْتِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ وَالْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ عُرِفَ الِاسْتِعْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ فَلَمَّا كَانَ عَدَدُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مُتَسَاوِيًا فَذِكْرُ الْأَيَّامِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ نَوَى الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ أَوْ قَلَبَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِاسْمٍ عَامٍّ كَالْعَشَرَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْآحَادِ فَلَا تَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ أَصْلًا كَمَا لَا تَنْطَلِقُ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا أَمَّا لَوْ قَالَ شَهْرًا بِالنَّهَرُ دُونَ اللَّيَالِيِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ شَهْرًا إلَّا اللَّيَالِيَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا وَلَوْ اسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لَزِمَهُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ قَضَاءَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِالشَّهْرِ فِيمَا إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافَ شَهْر فَحَاضَتْ فِيهِ وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ وَعَنْ لُزُومِ التَّتَابُعِ قَالُوا لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَوْ أَصَابَهُ عَتَهٌ أَوْ لَمَمٌ اسْتَقْبَلَ إذَا بَرَأَ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي آخَرِ يَوْمٍ وَفِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ فَأَفَادُوا أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَ الصَّوْمِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالظَّاهِرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ فَلَا يَقْضِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ هُوَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارُ يَنْقَطِعُ بِالْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ اهـ فَتْحُ.

[كتاب الحج]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ قَالَ الْمُخَبَّلُ: أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ أَسْعَدَ أَنَّمَا ... تَخَاطَأَنِي رِيَبُ الزَّمَانِ لِأَكْبَرَا وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ جُعِلَ لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ كَالتَّيَمُّمِ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فُرِضَ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَصِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ فَضُلَتْ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْحَجِّ] (كِتَابُ الْحَجِّ) الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَمَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبَةٌ كَالْحَجِّ فَلَمَّا بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّوْعِ الْآخَرِ، وَهُوَ الْحَجُّ. الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَتَفْسِيرُهُ لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبُهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ وَشُرُوطُهُ الْوَقْتُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَرُكْنُهُ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبَاتُهُ سَتَأْتِي نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَمَاهِيَّتُه أُمُورُ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالتَّحْلِيلُ وَوَقْتُهُ نَوْعَانِ: مَدِيدٌ وَقَصِيرٌ، فَالْمَدِيدُ مِنْ شَوَّالٍ إلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْقَصِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَحُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى وَحِكْمَتُهُ إمَاتَةُ النَّفْسِ بِاخْتِيَارِ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالْخِلَّانِ وَالْإِخْوَانِ وَالْأَهْلِ وَالْوِلْدَانِ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمَوْتَى فِي اتِّخَاذِ الثَّوْبَيْنِ مِثْلَ الْكَفَنِ وَمَنْعُ إزَالَةِ التَّفَثِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا» وَفِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ حُصُولُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ الْأَبَدِيَّةِ السَّرْمَدِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَخَاطَأَنِي) أَيْ أَخْطَأَنِي (قَوْلُهُ رِيَبُ الزَّمَانِ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رِيَبُ الْمَنُونِ، وَهُوَ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا إلَخْ) عَوْفٌ قَبِيلَةٌ وَالْحُلُولُ الْجَمَاعَاتُ يُقَالُ حُلَّةٌ وَحُلَلٌ وَحُلُولٌ وَقِيلَ، وَهُوَ جَمْعُ حَالٍّ كَمَا يُقَالُ نَازِلٌ وَنُزُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ) أَيْ عِمَامَتَهُ، وَهُوَ حِصْنُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ وَالزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ لُقِّبَ بِهِ حِصْنٌ لِجَمَالِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الزِّبْرِقَانِ مَا نَصُّهُ قَالَ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ فِعْلِلَانٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَاللَّامِ الزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبٌ لِحِصْنِ بْنِ بَدْرٍ التَّمِيمِيِّ وَيُقَالُ، إنَّمَا سُمِّيَ الزِّبْرِقَانُ لِصُفْرَةِ عِمَامَتِهِ، وَكَانَ تَصْفِيرُ الْعَمَائِمِ لِلسَّادَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَوْرَاقِ السَّبِّ الْكَثِيرِ السِّبَابُ وَالسَّبُّ الْخِمَارُ وَالسَّبُّ الْعِمَامَةُ فِي قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ. . الْبَيْتَ أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَكَانَ سَادَتُهُمْ يُصَفِّرُونَ عَمَائِمَهُمْ اهـ يَقُولُ مَا أَخَّرَنِي الدَّهْرُ إلَى حَالِ الْكِبْرِ إلَّا لِأَحْضُرَ الزِّبْرِقَانَ وَقَدْ تَعَالَى وَسَادَ قَوْمَهُ فَالْوُفُودُ يَطُوفُونَ بِبَابِهِ وَكَانَ الرَّئِيسُ مِنْهُمْ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ لِيُعْلَمَ بِهَا يُقَالُ زَبْرَقْت الْعِمَامَةَ إذْ صَفَّرْتهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ:، إنَّ الزِّبْرِقَانَ كَانَتْ لَهُ عِمَامَةٌ وَكَانَ يَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ وَيَمْسَحُهَا بِخُلُوقِ الْكَعْبَةِ فَتَصْفَرُّ وَكَانَ كُلُّ مَنْ كَسَلَ عَنْ الْحَجِّ مِنْ قَوْمِهِ أَتَاهَا وَتَمَسَّحَ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ الْبَيْتُ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ مُحْرِمًا. اهـ. ع. (قَوْلُهُ وَقُدْرَةٍ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَانَ عَادَتُهُ سُؤَالَ النَّاسِ وَالْمَشْيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ زَادٌ وَلَا رَاحِلَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ

مَسْكَنِهِ وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَعِيَالِهِ) أَمَّا وُجُوبُهُ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ، وَهُوَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْنَ شُجَاعٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ وَقَدْ قَصَدَ التَّزَوُّجَ قَالَ يَحُجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ فَكَأَنَّ الْعُمُرَ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَنْوِي الْأَدَاءَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ» وَكَانَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ وَاَلَّذِي نَزَلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَهُوَ أَمْرٌ بِإِتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ شُرُوعٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ، وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ فَتَأْخِيرُهُ إلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ إمَّا؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ كَرِهَ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي نُسُكِهِمْ إذْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا فَنَادَى أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ ثُمَّ حَجَّ وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ عُذْرًا لَمَا أَخَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنِيَّةُ الْأَدَاءِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّرَاخِي أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَّرَهَا يَنْوِي الْأَدَاءَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَأْثَمِ حَتَّى يَفْسُقَ وَتُرَدَّ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَمَاتَ فَأَجْزَأَتْ عَنْهُ فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ وَفِي نِيَّةِ الصَّبِيِّ قُصُورٌ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمُولَى فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لَبَطَلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فَصَارَ كَالْجِهَادِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُمَا يَسِيرٌ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمَالِ وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكَالِيفِ وَصِحَّةُ الْجَوَارِحِ مِنْ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَالِاسْتِطَاعَةُ مُنْعَدِمَةٌ دُونَهَا. وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ وَوَجَدَا زَادًا وَرَاحِلَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تَعْتَبِرُ الْقُدْرَةُ بِغَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَدَى يُؤَدِّي بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الضَّالُّ عَنْ مَوَاضِعِ النُّسُكِ وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالزَّمِنُ وَمَقْطُوعُ الرَّجُلَيْنِ وَالشَّيْخُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِنَفْسِهِ وَالْمَحْبُوسُ وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) أَيْ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ سَبَبُهُ كَوْنُهُ مُنْعِمًا عَلَيْهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا زَنَى فَرُجِمَ وَسَهَا فَسَجَدَ وَسَرَقَ فَقُطِعَ فَتَكُونُ الِاسْتِطَاعَةُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْكَرْمَانِيِّ أَنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ يَجِبُ مُضَيَّقًا عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِالْأَدَاءِ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ الصَّحِيحِ، إنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّ آيَةَ فَرْضِهِ هِيَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، وَهِيَ نَزَلَتْ عَامَ الْوُفُودِ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يُؤَخِّرْ الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا» وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِيَدِ مَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَهِيَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءٌ لِفَرْضِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الِاخْتِلَافُ انْتَهَى (وَلَهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَقَدْ خَالَفَتْ فِيهَا الظَّاهِرِيَّةُ وَأَوْجَبُوهُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ) هُوَ خَبَرُ أَنَّ أَيْ ثَابِتٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ قَائِدًا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالزَّمِنُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَالْمَحْبُوسُ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْجَائِرِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا حُرًّا يُطَاوِعُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ أَمَّا لَوْ وَجَدَ الْأَعْمَى زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَهَلْ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَهُ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى الْأَعْمَى، وَإِنْ مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ

يَهْدِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَجِّ بِالْبَدَنِ وَالْأَصْلُ لَمْ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَزِمَهُمْ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْحَجُّ بِالْبَدَنِ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ عَجَزُوا عَنْهُ فَيَجِبُ الْبَدَلُ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِهِ وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَلَا يَعْتَبِرُ قَبْلَهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ فِيمَا أَحَبَّ فَإِذَا صَرَفَهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عِنْدَ خُرُوجِهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ، وَهُوَ قَدَرَ مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً لَا غَيْرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَلَا يَتْرُكُ نَفَقَتَهُ لِمَا بَعْدَ إيَابِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَتْرُكُ نَفَقَةَ يَوْمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَفَقَةَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّكَسُّبَ كَمَا يُقْدِمُ فَيُقَدِّرُ بِالشَّهْرِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَمْنُ طَرِيقٍ وَمَحْرَمٌ أَوْ زَوْجٌ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ) أَيْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِلْكُلِّ وَبِشَرْطِ وُجُودِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَمَّا كَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا فَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْحَجُّ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْبَيْتِ بِدُونِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ يَقُولُ هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَسَّرَهَا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ» وَلَوْ كَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ لَبَيَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بِالرَّأْيِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ كَالْقَيْدِ مِنْ الظَّالِمِ لَا يَسْقُطُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ، وَإِنْ طَالَ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ فَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْأَدَاءِ يُوجِبُهُ وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُهُ وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْ الْقَرَامِطَةِ فِي الْبَادِيَةِ فَقَالَ مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا كَقِلَّةِ الْمَاءِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ وَهَيَجَانِ الرِّيحِ السَّمُومِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا أَشُكُّ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ النِّسَاءِ وَلَكِنْ أَشُكُّ فِي سُقُوطِهِ عَنْ الرِّجَالِ وَالْبَادِيَةُ عِنْدِي دَارُ الْحَرْبِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُذْ كَذَا وَكَذَا سَنَةً وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: لَا أَقُولُ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَأَفْتَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ سَقَطَ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الطَّرِيقِ السَّلَامَةَ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ لَا يَجِبُ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتِ أَنْهَارٌ وَلَيْسَتْ بِبِحَارٍ فَلَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُ أَلْفُ قَائِدٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي مَالِهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَجٌّ يُبَاشِرُهُ وَلَا جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفُ قَائِدٍ وَعَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَهُ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ شُجَاعٍ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ فَقْدِ سَلَامَةِ الْبَدَنِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ حَالَةَ الْيَأْسِ بِالنَّصِّ انْتَهَى غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ، وَيَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ فَاضِلٌ عَنْ سُكْنَى مِثْلِهِ لَا يَسْكُنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُؤَجِّرُهُ أَوْ يُعِيرُهُ أَوْ عَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ أَوْ مَتَاعٌ لَا يَلْبَسُهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحُجَّ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَاضِلَةٌ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُعَدُّ مُسْتَطِيعًا كَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَلَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ فَالْحَجُّ لَازِمٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ صَرَفَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَأْثَمُ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ يَتَضَرَّرُ بِالْبَيْعِ انْتَهَى كَرْمَانِيٌّ. 1 - (قَوْلُهُ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ) أَيِّ عِدَّةٍ كَانَتْ زَاهِدِيٌّ (قَوْلُهُ قَدْرُ مَا يُكْتَرَى بِهِ شِقُّ مَحْمَلٍ) الشِّقُّ الْجَانِبُ، وَهُوَ نِصْفُ بَعِيرٍ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْعِدْلُ الَّذِي فِيهِ زَادُ الْحَاجِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً) الْعُقْبَةُ النَّوْبَةُ وَعُقْبَةُ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ اثْنَانِ بَعِيرًا يَتَعَاقَبَانِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا فَرْسَخًا أَوْ مَنْزِلًا مَنْزِلًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ إلَخْ) أَمَّا الزَّادُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَفِي قَوْلِهِ فِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ تَكَسُّبُهُ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا) أَيْ عَدَمَ الْأَمْنِ يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ) أَيْ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَمْنِ اهـ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ لَا يَجِبُ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَالَ الْكَاكِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ اهـ

مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَحْرَمٌ مِنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ إذَا خَرَجَتْ فِي رِفْقَةٍ وَمَعَهَا نِسَاءٌ ثِقَاتٌ لِلْعُمُومَاتِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ» وَلِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» وَقَالَ عَدِيٌّ: رَأَيْت الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا زَوْجًا وَلَا مَحْرَمًا؛ وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْمَحْرَمُ فِيهِ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَعَزَاهُ إلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ، إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَحْدَهَا عَادَةً فَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا وَيُنْزِلُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ الزَّوْجِ فَعِنْدَ عَدَمِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَطِيعَةً وَالنُّصُوصُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ) أَيْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (تَتِمَّةٌ): قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي دَاعِي مَنَارِ الْبَيَانِ بِجَامِعِ النُّسُكَيْنِ بِالْقُرْآنِ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَكُونَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَلَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ فِيهِمَا أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ بِجِهَةٍ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْمِنَّةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْوَقْتُ، وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا، وَهَذَا مِمَّا زَادَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ نَصًّا، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ الْعِلْمُ يَثْبُتُ لِمَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ فِيهَا سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرِيضَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ فِيهَا عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَا وَأَمَّا لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَبِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ وَشُرُوطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْحَجِّ حَتَّى أَنَّ الْمُقْعَدَ وَمَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَرِيضَ وَالشَّيْخَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْبُوسَ وَالْخَائِفَ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ رِوَايَةُ الصَّاحِبَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْمُرُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُمْ بِمَالِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَا دَامَ الْعَجْزُ مُسْتَمِرًّا بِهِمْ فَإِنْ زَالَ فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ اخْتِيَارُهُ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْمُحَقِّق أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَوْجَهُ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ بَرًّا كَانَ أَوْ بَحْرًا عَلَى الصَّحِيحِ وَعَدَمُ قِيَادَةِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَخُرُوجُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ مَعَهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا فَوْقَهَا وَشُرُوطُ صِحَّتِهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْوَقْتُ الْمَخْصُوصُ وَالْمَكَانُ الْمَخْصُوصُ وَالْإِسْلَامُ إذْ لَا صِحَّةَ لِحَجٍّ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِلَا خِلَافٍ. (تَنْبِيهٌ) وَمَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ حَجَّ أَوْ تَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ إسْلَامًا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ، وَإِذًا فَظَهَرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا الْبُخَارِيِّينَ وَمِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ وَالْعَقْلُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا لَكِنْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيًّا وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِصِحَّةِ حَجَّةِ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا بِصِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنُونِ وَيُحْرِمُ عَنْهُمَا الْأَبُ يَعْنِي وَمَنْ بِمَثَابَتِهِ وَكَأَنَّ دَلِيلَهُمْ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ فِيمَا أَعْلَمُ دَلَالَةَ النَّصِّ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطَتْ فِي وُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إفَاقَتَهُ عِنْدَ الْأَرْكَانِ غَيْرَ مُشْتَرِطِينَ ذَلِكَ فِي وُقُوعِهِ تَطَوُّعًا وَلَمْ أَقِفْ لِمَشَايِخِنَا عَلَى التَّعَرُّضِ لِصِحَّةِ حَجِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا بِإِثْبَاتٍ لَا مَعَ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَلَا بِدُونِهِ إلَّا أَنَّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُفِيقًا عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَاقِلًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ فَفَعَلَ بِهِ مَا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى قَوَاعِدِنَا أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بِسِنِينَ وَإِلَّا فَلَا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ مَا نَصَّهُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مَا إذَا حَجَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَجَّ مُنْفَرِدًا وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حِينَئِذٍ كَمَا إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ قُنْيَةٌ

[مواقيت الإحرام]

الْعَامَّةُ هُمْ خَصَّصُوهَا بِرَأْيِهِمْ حَتَّى اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رِفْقَةٌ وَنِسَاءٌ ثِقَاتٌ وَنَحْنُ خَصَّصْنَاهَا بِمَا رَوَيْنَا وَجَازَ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ أَوْ لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّفْقَةِ وَالنِّسَاءُ الثِّقَاتُ وَالْمُهَاجِرَةُ وَالْمَأْسُورَةُ لَا تَنْشِآنِ سَفَرًا، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمَا النَّجَاةُ لَا غَيْرُ خَوْفًا مِنْ تَبَدُّلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ وَجَدَتَا عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ تُسَافِرَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تَقْصِدَانِ مَكَانًا مُعَيَّنًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا ضَرُورَةً إلَيْهِ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا مُعْتَدَّتَيْنِ لَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَقْوَى فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَتَّى مَنَعَتْ مَا دُونَ السَّفَرِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ؛ وَلِهَذَا لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ لِلْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاقَ الْكَلَامُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ لَا لِبَيَانِ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبِهِ «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَسِيرُ الظَّعِينَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهَا» الْحَدِيثَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَسِيرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ وَلَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُنَا خُرُوجُهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ لِأَيِّ حَاجَةٍ شَاءَتْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَإِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ إذَا خَرَجَتْ عِنْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَبْلَهُ يَمْنَعُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى أَدْنَى الْمَوَاقِيتِ وَبِمَكَّةَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَتَصِيرَ كَالْمُحْصَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ فِي حَجٍّ مَنْذُورٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالْحَجُّ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهَا وَبِخِلَافِ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْتِزَامِهَا فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَصَارَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ بِلَا مَحْرَمٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ فِيهِ، وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا وَكَافِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا أَوْ فَاسِقًا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفِتْنَةِ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ مِثْلَ الْبَالِغَةِ حَتَّى لَا يُسَارُ بِهَا إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمَحْرَمَ شَرْطًا لِوُجُوبٍ أَمْ شَرْطًا لِأَدَاءٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا إلَّا بِالزَّادِ مِنْهَا وَالرَّاحِلَةِ وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا لِيَحُجَّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ أُبِيحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا جَمِيعَ ذَلِكَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ)؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ كَالضَّرُورَةِ إذَا أَحْرَمَ لِلنَّفْلِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الْفَرْضَ وَكَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ إذَا عَقَدَ لِلنَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ شَرْطٌ عِنْدَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ كَالصَّبِيِّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ قُلْنَا الْإِحْرَامُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ اتِّصَالُ الْأَدَاءِ بِهِ فَأَخَذْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا مَضَى يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ عَنْهُ وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّبِيُّ لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ) أَيْ بِسَبَبِ الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَظِيرُهُ: قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ فِي مِثْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) أَيْ أَوْ عَبْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُحْرِمَ إلَخْ) صَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ وَصَحَّحَ السِّغْنَاقِيُّ الثَّانِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِيَحُجَّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَجِّ اهـ. (قَوْلُهُ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْإِرَاقَةِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ. فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ فُرُوضَ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ اهـ. [مَوَاقِيت الْإِحْرَام] (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَنْ لَا وَعَنْ شَرَائِطِهِ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْوَقْتُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ فَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِع الْإِحْرَامِ وَقَدْ فَعَلَ بِالْوَقْتِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ تَعَدَّى وَقْتُهُ إلَى وَقْتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ ثُمَّ

وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمَ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَقْتٌ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ هُنَّ لَهُنَّ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ فَحَذَفَ الْأَهْلَ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَنْ سَلَكَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ مِنْهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنْ سَلَكَ مِيقَاتَيْنِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ اجْتَهَدَ أَوْ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْهُمَا وَأَبْعَدُهُمَا أَوْلَى بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ فَكَأَنَّهَا طَلَبَتْ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فِي الْحَجِّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لَهَا لَمَا جَازَ لَهَا تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فِي الْمِيقَاتِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ لِأَدَاءِ النُّسُكِ فَإِذَا نَوَاهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْبَيْتَ مُعَظَّمًا وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِنَاءً لَهُ وَجَعَلَ مَكَّةَ فِنَاءً لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمِيقَاتَ فِنَاءً لِلْمُحْرِمِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِكَيْفِيَّةِ تَعْظِيمِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا رَوَاهُ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقِتَالِ وَقَوْلُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْإِحْرَامُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ إجْمَاعًا وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ دُخُولَهُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَأَلْحَقُوا بِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْهَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِهَذَا أُلْحِقُوا بِهِمْ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدُوا أَدَاءَ النُّسُكِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لَا عَكْسُهُ) أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQاُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَدٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ أَيْ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ اشْتَقُّوا فِيهِ فَقَالُوا وَقَتَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَوَقَّتَهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَيَّنَ وَقْتَهَا وَحَدَّدَهُ (قَوْلُهُ وَقَرَنَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَمِنْهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَالْقَرْنُ بِالسُّكُونِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي مَكَانَيْنِ فِيهِ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَى الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى قَرَنٍ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادِ قَبِيلَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ النَّجْدِ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي خَطِّهِ (قَوْلُهُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ) هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ الْعَاقِلِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يُعَادُ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ فَدُونٍ فَإِذَا جَاوَزَهَا قَالُوهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] ثُمَّ قَالَ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] اهـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ (قَوْلُهُ فَمُهَلُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ. اهـ. تَنْقِيحٌ الزَّرْكَشِيّ وَضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا نَفْسِهَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ) ثُمَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ إيجَابَ الْإِتْمَامِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي بَحْثِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) هِيَ تَصْغِيرُ الدَّارِ وَعَنْ شَيْخِ شَيْخِي، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ لِمُقَابَلَةِ بَيْتِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْبُيُوتِ مُحَقَّرٌ بِنِسْبَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

[باب الإحرام]

غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ فِيهِ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّعْظِيمَ أَوْفَرُ فَكَانَ عَزِيمَةً وَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ رُخْصَةً؛ وَلِهَذَا كَانَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمِنْ بَصْرَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّقْدِيمَ، إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِدَاخِلِهَا الْحِلُّ) أَيْ الْمِيقَاتُ لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ خَارِجَ الْحَرَمِ كُلِّهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ وَالْحَرَمُ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَّا مُحْرِمًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَالْحِلُّ لِلْعُمْرَةِ) أَيْ الْوَقْتُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْحَرَمُ فِي الْحَجِّ وَالْحِلُّ فِي الْعُمْرَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ، وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ بِتَبْدِيلِ الْمَكَانِ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضُلُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (بَابُ الْإِحْرَامِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تُحْرِمَ فَتَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَوَضَّأُ أَحْيَانَا وَيَغْتَسِلُ أَحْيَانَا، وَإِنَّمَا كَانَ الْغُسْلُ أَفْضَلَ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ»؛ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ لَا الطَّهَارَةُ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ امْرَأَتُهُ حِينَ نَفِسَتْ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ لَهَا؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ أَيْ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» رَوَاهُ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ، إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إلَخْ) ثُمَّ إذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ نَفْسَهُ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ) وَمَنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَلِلْمَكِّيِّ الْحَرَمُ) اُنْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبَيْلَ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ هُنَا (قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالتَّنْعِيمُ مَصْدَرُ نَعَّمَهُ إذَا أَتْرَفَهُ وَبِهِ سُمِّيَ التَّنْعِيمُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اهـ. [بَابُ الْإِحْرَامِ] (بَابُ الْإِحْرَامِ) لَمَّا ذَكَرَ الْمَوَاقِيتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِحْرَامَ كَيْفَ يُفْعَلُ عِنْدَ الْمَوَاقِيتِ وَالْإِحْرَامُ مَصْدَرُ قَوْلِك أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالْإِحْرَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الرَّفَثُ وَالْفُسُوقُ وَالْجِدَالُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَنْ يُلَبِّيَ بِلِسَانِهِ وَيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ الْحَجَّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْكُرَ النِّيَّةَ بِاللِّسَانِ مَعَ الْقَلْبِ ثُمَّ الْمُحْرِمُونَ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ وَقَارِنٌ وَمُتَمَتِّعٌ وَبَيَانُ الْكُلِّ يَأْتِي فِي الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الْإِحْرَامُ شَرْطُ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَصِحَّ الْحَجُّ بِدُونِهِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ؛ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَنَا كَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَأَحْرَمَ الشَّخْصُ دَخَلَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَمَعْنَاهُ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ إذَا أَتَى نَجْدًا وَأَتْهَمَ إذَا أَتَى تِهَامَةَ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ اهـ (قَوْلُهُ، وَإِذَا أَرَدْت) أَيْ أَيُّهَا الطَّالِبُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَقَالَ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِالْخِطَابِ تَحْرِيضًا عَلَى تَعَلُّمِ أُمُورِ الْإِحْرَامِ وَاهْتِمَامًا لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَتِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا الْغُسْلُ أَعْنِي غُسْلَ الْإِحْرَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْظِيفِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ بِدَلَالَةِ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ثُمَّ غُسْلٌ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّظَافَةِ فَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ امْرَأَتُهُ إلَخْ) هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ نَفِسَتْ بِالشَّجَرَةِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْكَرْمَانِيِّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ نُفِسَتْ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَالْجَمْعُ نِفَاسٌ وَالنِّفَاسُ مَصْدَرُ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ نَفِسَتْ أَيْ حَاضَتْ وَالضَّمُّ فِيهِ خَطَأٌ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ إلَخْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسَنُّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ قُلْنَا الْمَقْصُودُ بِالْغُسْلِ تَنْظِيفُ الْبَدَنِ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ وَمُغَبِّرٌ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ وَتَكْرَارُ الْمَسْحِ بِهِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ إلَى آخِرِهِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ فِيهِمَا إقَامَةُ السُّنَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْمَتْنِ وَالْبَسْ إزَارًا وَرِدَاءً) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ مُضْطَبِعًا فِيهِ

جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَهُمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْجَدِيدُ أَوْ الْغِسِّيلُ لِلنَّظَافَةِ وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَرْكَبْهُ النَّجَاسَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا أَبْيَضَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَطَيَّبْ) وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ مُحْرِمٍ سَأَلَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الطِّيبِ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا»؛ وَلِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَبِيصَ الدُّهْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَنْهَانَا عَنْهُ»؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَطَيِّبٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالْبَاقِي فِي جَسَدِهِ تَابِعٌ لَهُ كَالْحَلَقِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَوْ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ؛ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ فِي الْعُمْرَةِ وَمَا رَوَيْنَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ الْمُحْرِمُ لَا يَشُمُّ طِيبًا آخَرَ مِنْ خَارِجٍ غَيْرَ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَا الرَّيْحَانَ وَلَا الثِّمَارَ الطَّيِّبَةَ الرَّائِحَةِ ثُمَّ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ وَتَسْرِيحُ رَأْسِهِ عَقِيبَ الْغَسِيلِ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) يَعْنِي بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي)؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَهُ الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِمَا {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] وَكَذَا يُسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ) أَيْ لَبِّ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَأَنْتَ تَنْوِي الْحَجَّ بِالتَّلْبِيَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ التَّلْبِيَةَ» وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَتَوَشَّحَ بِرِدَائِهِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيُغَطِّيَهُ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَبِسَ فِي إحْرَامِهِ إزَارًا وَرِدَاءً» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاضْطَبَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ لَمْ يَبْقَ سُنَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ إظْهَارًا لِلْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ حَيْثُ طَعَنَ الْمُشْرِكُونَ فِي عَجْزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اهـ وَقَوْلُهُ إزَارًا الْإِزَارُ مِنْ الْحَقْوِ وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا ذَكَرَ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ غَسِيلَيْنِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَقَدَّمَ الْجَدِيدَ عَلَى الْغَسِيلِ لِمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَيَّنْ لِعِبَادَةِ رَبِّك». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَطَيَّبَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ شَاءَ وَيَدْهُنُ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ وَيَتَطَيَّبُ بِأَيِّ طِيبٍ شَاءَ سَوَاءٌ تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَا وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَيَتَطَيَّبُ وَيَدْهُنُ بِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا حَتَّى رَأَيْت قَوْمًا أَحْضَرُوا طِيبًا كَثِيرًا، وَرَأَيْت أَمْرًا شَنِيعًا فَكَرِهْته. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ) أَيْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبِيصَ الطِّيبِ) وَالْوَبِيصُ هُوَ بَرِيقُ الطِّيبِ هَذَا فِي الْبَدَنِ أَمَّا فِي الثَّوْبِ فَيُكْرَهُ الطِّيبُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ سَرِيعًا. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مُبَايِنًا عَنْ الْبَدَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ) لَيْسَتْ الْوَاوُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرُ مِنْ اللَّهِ إلَخْ) وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاءَهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ اهـ هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك إلَخْ) ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ نَاقَتُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِحْرَامِ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهَا التَّلْبِيَةَ أَوْ يَسُوقَ الْهَدْيَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إهْلَالِهِ فَقَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ» وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ، إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا، إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا، إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ بِالنِّيَّةِ وَذِكْرُ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ ذَكَرَ وَقَالَ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهَا كَانَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْقَلْبِ اللِّسَانَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) أَيْ التَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إلَخْ كَذَا حَكَى ابْنُ عُمَرَ تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَوْلِهِ، إنَّ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَمَّا قَالَ لَبَّيْكَ اسْتَأْنَفَ كَلَامًا آخَرَ زِيَادَةَ ثَنَاءٍ وَتَوْحِيدٍ وَالْفَتْحُ تَعْلِيلٌ كَأَنَّهُ قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَثِيرُ مَدْحٍ وَبِالْكَسْرِ ابْتِدَاءُ ثَنَاءٍ فَكَانَ الْأَوْلَى وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ فَتْحَهَا وَبِالْكَسْرِ لَا يَتَعَيَّنُ الِابْتِدَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّهَا مِنْ الطَّوَافَيْنِ وَالطَّوَّافَاتِ» وَالتَّلْبِيَةُ إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ الدَّاعِي وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّاعِي مَنْ هُوَ قِيلَ هُوَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10] وَقِيلَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، إنَّ سَيِّدًا بَنَى دَارًا وَاِتَّخَذَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» كَمَا حَكَى مُجَاهِدٌ «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قِيلَ لَهُ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَصَعِدَ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابُوهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فِي صُلْبِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ» فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ التَّلْبِيَةِ فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا يَحُجُّونَ بِعَدَدِ مَا أَجَابُوا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ لَمْ يَحُجَّ وَلَبَّيْكَ وَرَدَتْ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا قِيلَ مَعْنَاهَا أَنَا أُقِيمُ فِي طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ وَلَبَّ بِهِ إذَا أَقَامَ وَلَزِمَهُ وَلَمْ يُفَارِقْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إلَيْك مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلِبُّ دَارَك أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَحَبَّتِي لَك مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إذَا كَانَتْ مُحِبَّةً لِزَوْجِهَا أَوْ عَاطِفَةً عَلَى وَلَدِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ إخْلَاصِي لَك مِنْ قَوْلِهِمْ حَسَبٌ لُبَابٌ إذَا كَانَ خَالِصًا وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا الْخُضُوعُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْك أَيْ خَاضِعٌ وَقِيلَ قُرْبًا مِنْك وَطَاعَةً؛ لِأَنَّ الْإِلْبَابَ الْقُرْبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزِدْ فِيهَا وَلَا تَنْقُصْ) أَيْ زِدْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شِئْت وَلَا تَنْقُصْ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إهْلَالِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمْرَاتٍ وَحَجَّ وَاحِدَةً»، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ السَّنَةُ الْعَاشِرَةُ مِنْ الْهِجْرَةِ اعْتَمَرَ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَرْسَالًا) جَمْعُ رَسَلٍ، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالرَّسَلُ بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاَيْمُ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اَيْمُ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ كَقَوْلِك لَعَمْرُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ وَفِيهَا لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ وَتُفْتَحُ هَمْزَتُهَا وَتُكْسَرُ، وَهَمْزَتُهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَقَدْ تُقْطَعُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ النُّحَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا جَمْعُ يَمِينٍ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ هِيَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْقَسَمِ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي بَابِ الْيَاءِ مَعَ اللَّامِ وَالْمِيمِ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ أَيْمَنُ جَمْعُ يَمِينِ الْقَسَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهُوَ إلَخْ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعُضْوَيْنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ إلَخْ) وَيَجُوزُ رَفْعُ النِّعْمَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَالنِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ كُلُّ مَا يَصِلُ إلَى الْخَلْقِ مِنْ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْمُلْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ سَعَةُ الْمَقْدُورِ وَالْمِلْكُ بِالْكَسْرِ حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَتَوْصِيفُ اللَّهِ بِالْأَوَّلِ أَبْلَغُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا) أَيْ لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] إلَخْ) وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91]. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَعِدَ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ) كَذَا هُوَ فِي الْكَافِي وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْخَلِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - بِبِنَاءِ الْبَيْتِ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ طُورِ سَيْنَاءَ وَطُورِ زِيتَا وَلُبْنَانَ وَالْجُودِيُّ وَأَسَّسَهُ مِنْ حِرَاءَ فَوَقَفَ فِي الْمَقَامِ وَنَادَى: عِبَادَ اللَّهِ حُجُّوا بَيْتَ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِهَا تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ) أَيْ كَمَا يُقَالُ اُدْخُلُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْجَمِيعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَسَبٌ لُبَابٌ) وَالْحَسَبُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُعَدُّ مِنْ الْمَآثِرِ. اهـ. مِصْبَاحٌ

عَنْهُ لَا يَزِيدُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ فَتُخِلُّ بِهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ كَالتَّشَهُّدِ وَالْأَذَانِ وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَرْوِيِّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بَيْنَ يَدَيْك وَالرُّغْبَا إلَيْك وَالْعَمَلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ «جَابِرٍ أَنَّهُ رَوَى تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَهَا لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّنَاءُ وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فِي وَسَطِهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ وَأَذْكَارٌ مَحْصُورَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُكَرَّرُ فِيهَا التَّشَهُّدُ وَالتَّلْبِيَةُ تُكَرَّرُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرِ زَادَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَبِخِلَافِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَلَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ عَنِّي» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا لَبَّيْت نَاوِيًا فَقَدْ أَحْرَمْت) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا عِنْدَ وُجُودِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ بِأَيِّهِمَا يَصِيرُ شَارِعًا وَذَكَرَ حُسَامُ الدِّينِ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ لَا بِالتَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَلْبِيَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ:؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ فَيَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالصَّوْمِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ التَّلْبِيَةُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ أَوْ لَبَّى؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي تَحْرِيمِهِ ذِكْرٌ يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ الْتِزَامُ الْكَفِّ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ الْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفُّ شَرْطٌ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَيَصِيرُ شَرْعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ النِّيَابَةُ وَيُقَامُ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَ الذِّكْرِ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ إذَا أَحْرَمَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا بِمَا شَاءَ عَقِيبَ إحْرَامِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّلْبِيَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ سَأَلَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَآمَنُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك وَاجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت عَنْهُمْ وَارْتَضَيْت وَقَبِلْت اللَّهُمَّ قَدْ أَحْرَمَ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَمُخِّي وَعِظَامِي. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَاتَّقِ الرَّفَثَ وَالْفُسُوقَ وَالْجِدَالَ) لِمَا تَلَوْنَا، وَهُوَ صِيغَةُ نَفْيٍ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ، وَهُوَ أَبْلَغُ صِيَغِ النَّهْيِ حَيْثُ ذُكِرَ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّخَلُّفَ، وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ ذِكْرُ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَنْشَدَ يَوْمًا وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا ... إنْ تَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا فَقِيلَ لَهُ أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَقَالَ الرَّفَثُ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ وُجُوهِ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ التَّضَرُّعِ وَهَجْرُ الْمُبَاحَاتِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَظِيرُهُ الظُّلْمُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] وَالْجِدَالُ الْخِصَامُ مَعَ الرِّفْقَةِ وَالْمُنَازَعَةُ وَالسِّبَابُ وَقِيلَ هُوَ جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ وَقِيلَ التَّفَاخُرُ بِذِكْرِ أَيَّامِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ إلَخْ) كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالرُّغْبَا إلَيْك) الرُّغْبَا بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ السُّؤَالُ وَالطَّلَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِذْ الْبَيْتُ إلَخْ) لَمْ يَعْتَبِرْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَرْضُ الْحَجِّ الْإِهْلَالُ) وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَمِنْهُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إذَا صَرَخَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ) قَالَ الْكَمَالُ: وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْإِحْرَامُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمَا كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ التَّلْبِيَةُ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ اهـ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ) أَيْ سِوَى التَّلْبِيَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَارِسِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَرَبِيَّةً فِي الْمَشْهُورِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِدُونِ التَّلْبِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهَا كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ عِنْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: الْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ قَدَرَ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا وَتَحْرِيكُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِ غَيْرُ التَّلْبِيَةِ مَقَامَهَا، وَهُوَ سَوْقُ الْهَدْيِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَاتَّقِ إلَخْ) أَيْ إذَا أَحْرَمْت فَاتَّقِ أَيْ فَاجْتَنِبْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسًا) الضَّمِيرُ فِي هُنَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِبِلِ وَالْهَمِيسُ صَوْتُ إخْفَافِهَا وَلَمِيسُ اسْمُ جَارِيَتِهِ وَالْمَعْنَى إنْ يَصْدُقُ الْفَأْلُ نَفْعَلُ بِهَا مَا نُرِيدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ جِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ) أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَحُجُّونَ عَامًا فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَامًا فِي صَفَرٍ وَعَامًا فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ

فَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْقِتَالِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ اصْطَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ قَدْ الْتَزَمَ بِالْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بِمَا يُزِيلُ أَمْنَهُ وَالْأَمْرُ بِهِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ يُزِيلُ الْأَمْنَ عَنْهُ فَيَحْرُمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ وَالدَّلَالَةَ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَاقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ أَيْ لَا يَفُوحُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ وَالتَّفْسِيرَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الطِّيبُ لَا اللَّوْنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمَصْبُوغَ بِمَغْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزِّينَةُ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَنْهَا حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ وَتَلْبَسَ الْحَرِيرَ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةَ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسِتْرُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) يَعْنِي يَتَّقِيهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ فَائِدَةٌ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَمَاتَ لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ لَا يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ، وَهُوَ عَوْرَةٌ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْمَرْأَةِ أَثَرٌ فِي الْوَجْهِ فَقَطْ وَسَاقَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْعِدْلَ وَالطَّبَقَ وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطِّي بِهِ الرَّأْسَ عَادَةً كَالثِّيَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إنَّ الزَّمَانَ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ الشُّهُورَ اثْنَا عَشْرَ شَهْرًا أَرْبَعَةٌ مِنْهَا حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوَقْتُ فِي بَابِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ أَلَا، إنَّ الزَّمَانَ الْحَدِيثَ لَا تُجَادِلُوا بَعْدَ هَذَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إلَخْ) سَمَّاهُ صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الِاصْطِيَادِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَأُرِيدُ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ هُنَا إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ، وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدُ الْبَرِّ حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَصَيْدُ الْبَرِّ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَحْرِ أَمَّا الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَحْرِ وَتَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَاَلَّذِي يَتَوَالَدُ فِي الْبَحْرِ وَيَكُونُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّوَالُدُ وَالْكَيْنُونَةُ عَارِضٌ فَيُعْتَبَرُ الْأَصْلُ دُونَ الْعَارِضِ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَأَمَّا مَا لَا يَتَوَحَّشُ كَالدَّجَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْبَطِّ الْكَسْكَرِيِّ، وَهُوَ الْبَطُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَحِّشٍ وَأَمَّا الْبَطُّ الَّذِي يَصِيرُ فَهُوَ صَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ اهـ (قَوْلُهُ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَعِنْدَكُمْ الصَّيْدُ لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِإِشَارَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَتِهِ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. اهـ. مُسْتَصْفَى وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِلِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ) وَالْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانِئٌ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ الْكُرْكُمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكَعْبُ هُنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْكَعْبُ هُنَا الْعَظْمُ الْمُثَلَّثُ الْمُبَطَّنُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ لَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَنْفُضُ) أَيْ لَا يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ) وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى اهـ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ أَيْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِمَادَّةِ اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَتْرُ الرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَوْ غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَخَفَّةِ الْجِنَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ فِي الرَّجُلِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» الْفَرْقُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطِّي وَجْهَهُ فِي

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُهُمَا بِالْخِطْمِيِّ) أَيْ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ لِحْيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا يَتَّقِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ طِيبًا وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَيَجْتَنِبُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى اشْتِبَاهِ الْخِطْمِيَّ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَنَظِيرُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي نِكَاحِ الصَّائِبَاتِ وَصِحَّةِ الرُّقْبَى وَالْإِقْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسُّ الطِّيبِ) أَيْ يَجْتَنِبُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ لَا تُحَنِّطُوهُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الشَّعِثُ التَّفِلُ» رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَالتَّفَلُ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ وَعَلَى هَذَا الِادِّهَانُ وَالْحِنَّاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ خَلِيلِي لَا يُحِبُّ رِيحَهُ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُحِبُّ الطِّيبَ» وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ الْحِنَّاءُ طِيبٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُحِبُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الطِّيبِ إمَّا لِشِدَّةِ رَائِحَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلْقُ رَأْسِهِ وَقَصُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] وَالْقَصُّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) يَعْنِي لَا يَتَّقِي الِاغْتِسَالَ وَدُخُولَ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَكَى أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ يَغْتَسِلُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ لِتَوَهُّمِ التَّغْطِيَةِ أَوْ خِيفَةَ قَتْلِ الْقَمْلِ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَدَلَّكَ افْتَدَى قُلْنَا لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ مُعْتَادَةٍ فَأَشْبَهَ صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَوَضْعَ يَدَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ وَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعَادِلُ امْرَأَتَهُ فِي الْمَحْمَلِ لَا يَجْعَلُ عَلَيْهَا ظِلًّا وَلَا يَضَعُ ثَوْبَهُ عَلَى شَجَرَةٍ فَيَتَظَلَّلُ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا قَدْ رَفَعَ ثَوْبًا عَلَى عُودٍ يَسْتَتِرُ مِنْ الشَّمْسِ فَقَالَ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ أَيْ أَبْرِزْ لِلشَّمْسِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيث «أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يُعَارِضُهُ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَامِ وَبَيَانُهُ أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَتْهُ فِي الْإِحْرَامِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ وَرَأْسُ الرَّجُلِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ تَقْتَضِي قَطْعَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَحَقَّقَ انْقِطَاعُ الشَّرِكَةِ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا جَسَدُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ) بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ هَامَّةٍ، وَهِيَ الدَّابَّةُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَأُرِيدَ بِهَا الْقَمْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ التَّفِلُ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ التَّفِلُ الَّذِي تَرَكَ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ مِنْ التَّفْلِ، وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ: نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ طِيبٌ مَحْضٌ مُعَدٌّ لِلتَّطَيُّبِ بِهِ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْغَالِيَةِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اُسْتُعْمِلَ حَتَّى لَوْ دَاوَى بِهِ عَيْنَيْهِ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ وَلَا فِيهِ مَعْنَى الطِّيبِ كَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ فَسَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ أَدْهَنَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ فِي شُقُوقِ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ أَصْلٌ لِلطِّيبِ وَيُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِدَامِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْإِدْهَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ، وَإِنْ أُكِلَ وَاسْتُعْمِلَ فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ دَاوَى بِهِ الْجُرْحَ أَوْ دَهَنَ سَاقَيْهِ لَا يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ كَالشَّحْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ وَيُجْبِرَ الْكَسْرَ وَيَعْصِبَهُ وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ وَيَخْتَتِنَ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَيُكْرَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ عَصَّبَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَّبَ غَيْرَهُ مِنْ بَدَنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا عِلَّةٍ اهـ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَفِي الْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فِي الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ صَدَقَةٌ وَفِي الْكَثِيرِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ إلَخْ) كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ رَأْسِك وَشَعْرِك وَظُفْرِك اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي جَوَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجِمَاعُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالطِّيبُ وَالنُّورَةِ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفِّ وَالِاصْطِيَادُ فِي الْبَرِّ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَدْهَانُ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَذْبَحُ شَاةً إلَّا فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) وَدَفَعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ هَذَا الرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، فَيَكُونُ بَعْدَ إحْلَالِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِنْ أَلْفَاظِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَحِينَئِذٍ يَبْعُدُ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَاطِنًا، وَإِنْ كَانَ السَّنَدُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَمْيَهَا يَوْمَ النَّحْرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَظْلِيلٍ فَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا» الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ وَنَمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ

وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى غَطَّاهُ إنْ كَانَ لَا يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِظْلَالٌ وَلَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَدُّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَشُدُّ إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَدَّ افْتَدَى لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَوْثَقِي عَلَيْك نَفَقَتَك بِمَا شِئْت حِينَ سَأَلَتْ عَنْهُ؛» وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَلَا يُبَاحُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِيهِ نَفَقَتُهُ وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُطْلِقُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا هَذَا لَيْسَ بِلُبْسِ مَخِيطٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ، وَكَذَا شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ بِالْإِبْرَيْسَمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ مَتَى صَلَّيْت أَوْ عَلَوْت شَرَفًا أَوْ هَبَطْت وَادِيًا أَوْ لَقِيت رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ رَافِعًا صَوْتَك بِهَا) وَكَذَا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ اسْتَعْطَفَ رَاحِلَتَهُ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُلَبِّي إذَا لَقِيَ رَكْبًا أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ وَآخِرَ اللَّيْلِ» ذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ وَقَالَ النَّخَعِيّ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلُهَا شَرْطٌ وَبَاقِيهَا سُنَّةٌ فَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ زِينَةُ الْحَجِّ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَقَالَ أَنَسٌ سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ زِيَادَةً عَلَى طَاقَتِهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ يَكُونُ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْحَرَمَ اللَّهُمَّ، إنَّ هَذَا أَمْنَك وَحَرَمُك الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فَحَرِّمْ لَحْمِي وَدَمِي وَعَظْمِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ اللَّهُمَّ أَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك فَإِنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَأَسْأَلُك أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَيُلَبِّي وَيُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَحْضِرُ الْخُشُوعَ وَالْخُضُوعَ فِي قَلْبِهِ وَجَسَدِهِ مَا أَمْكَنَهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ دَخَلَ فَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآثَرَ رِضَا اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ» وَعَنْ نَافِعٍ كَانَ «ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ ثَنِيَّةٌ كَدَاءَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى دَرْبِ الْمُعَلَّى وَطَرِيقِ الْأَبْطَحِ وَمِنَى بِجَنْبِ الْحَجُونِ، وَهُوَ مَقْبَرَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَقْبَرَةُ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ وَالسِّرُّ فِي هَذَا الدُّخُولِ أَنَّ نِسْبَةَ بَابِ الْبَيْتِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِ، وَأَمَاثِلُ النَّاسِ يُقْصَدُونَ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ لَا مِنْ ظُهُورِهِمْ وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًى مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ عَلَى دَرْبِ الْيَمَنِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَدَخَلَهَا نَهَارًا فِي حَجَّتِهِ وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَاسْتَوَى فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَدُخُولِ سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا خَوْفًا مِنْ السُّرَّاقِ وَشَفَقَةً عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ Q- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ يَطْرَحُ النَّطْعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ يَعْنِي، وَهُوَ مُحْرِمٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصِيبُ يُكْرَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْمُمَاسَّةِ يُقَالُ لِمَنْ جَلَسَ فِي خَيْمَةٍ وَنَزَعَ مَا عَلَى رَأْسِهِ جَلَسَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَدَّ الْهِمْيَانَ فِي وَسَطِهِ) وَسِينُ الْوَسَطِ مُتَحَرِّكٌ إذَا دَخَلَهُ حَرْفُ الْجَارِ فَلَا يُقَالُ جَلَسْت فِي وَسْطِ الدَّارِ وَالْهِمْيَانُ فُعْلَانَ مِنْ هَمَى الْمَاءُ وَالدَّمْعُ يَهَمِي هَمَيَانًا إذَا سَالَ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَهَمِي بِمَا فِيهِ هـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ عَادَ مِنْ الْتِفَاتِ الْغَيْبَةِ إلَى الْحُضُورِ حَيْثُ قَالَ وَأَكْثِرْ بِالْخِطَابِ اهـ وَقَوْلُهُ وَأَكْثِرْ التَّلْبِيَةَ إلَخْ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبِالْأَسْحَارِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا هُوَ النَّصُّ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ فَرَائِضَ كَانَتْ أَوْ نَوَافِلَ وَخَصَّ الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ وَأَجْرَاهَا فِي مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيق وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ الصَّلَوَاتِ تَعْرِيفُ الْمَعْهُودِ الْخَاصِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لَقِيت رَكْبًا) رَكْبًا جَمْعُ رَاكِبٍ كَوَفْدٍ جَمْعُ وَافِدٍ قَالَ يَعْقُوبُ هُوَ الْعَشَرَةُ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ الْإِبِلِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَبِالْأَسْحَارِ) أَيْ لِكَوْنِهَا وَقْتَ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الدُّعَاءِ الْأَذْكَارُ الْخَفِيَّةُ إلَّا فِيمَا تَعَلَّقَ بِإِعْلَامٍ مَقْصُودٍ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لِلْوَعْظِ وَتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ لِلِانْتِقَالِ وَالْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِمَاعِ فَالتَّلْبِيَةُ أَيْضًا لِلشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَلِذَا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا رَفْعَ الصَّوْتِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ) أَيْ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كَدَاءَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَمَنْعِ الصَّرْفِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ وَمَنْعِ الصَّرْفِ أَيْ وَيَجُوزُ أَيْضًا صَرْفُهُ (قَوْلُهُ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًى) أَيْ بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ

الْحُجَّاجِ» وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك جِئْت لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضَاك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَضَائِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْمُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِك الْخَائِفِينَ مِنْ عِقَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتَحْفَظَنِي بِرَحْمَتِك وَتَجَاوَزْ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينُنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» ثُمَّ حَجّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ ثُمَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْت أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِسَفَرِهِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَهُوَ فِي ا