البناية شرح الهداية
بدر الدين العيني
[مقدمة الكتاب]
[مقدمة الكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ش: ابتدأ الكتاب بالبسملة أولا، ثم ثنى بالحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز المستفتح هكذا، وعملا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله وبسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع.» رواه الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه: وفي رواية أبي داود والنسائي: «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» وفي رواية ابن ماجه: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع» ورواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما. وقال ابن الصلاح: ورجاله رجال الصحيح سوى مرة بن عبد الرحمن فإنه ممن تفرد به مسلم بالتخريج له. قال: وهو حديث حسن، بل صحيح. ومعنى: " أقطع ": قليل البركة، وكذلك: " أجذم " بالجيم من جذم بكسر الذال المعجمة يجذم بفتحها. فإن قلت: إن بين النصين تعارضا ظاهرا، والابتداء بأحدهما مفوت الابتداء بالآخر. قلت: يمكن الجمع بأن يقدم أحدهما على الآخر، فيقع الابتداء بالمقدم حقيقة وبالآخر بالإضافة إلى ما سواه، فعمل بالكتاب الوارد بتقديم التسمية والإجماع المنعقد عليه، فلذلك ترك العاطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية. فإن قلت: في قولك: " اقتداء بالكتاب العزيز المستفتح هكذا " نظر من وجهين: أحدهما:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأنه إنما يتجه الابتداء بالحمد لو لم يكتب في الأول البسملة، وكيف لا، وحال المسلم ينافي قصدا ترك البسملة؟. والآخر: أن الكتاب العزيز لم يستفتح بالحمدلة؛ لأن الترتيب فيه إما بالنظر إلى النزول على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بالنظر إلى الترتيب العثماني، فإن كان الأول فلا ثم أنه لم يستفتح بالحمد بل بسورة العلق والمدثر على الاختلاف، وإن كان الثاني فهو استفتح بالبسملة قطعا. قلت: المراد من القول: " اقتداء بالكتاب العزيز المستفتح هكذا " بالنظر إلى ما تقرر عليه استفتاح الكتاب، فكان مطابقا لترتيبه في الابتداء بالبسملة والثني بالحمدلة. " والباء " في بسم الله للاستعانة، وهي الداخلة عل آلة الفعل، نحو: كتبت بالقلم، ونجرت بالقدوم؛ لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها، لأن المؤمن لما اعتقد أن فعله لا يصير معتدا به حسب الشرع، ولا موافقا في السنة حتى يذكر الله وإلا لكان فعلا كأي فعل، لذلك جعل متقولا بسم لله كما يفعل الكاتب بالقلم، ويجوز أن يتعلق باقرأ تعلق الدهن بالإنبات في قَوْله تَعَالَى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] على معنى نتبرك باسم الله وأقرأ. وكذلك قول الداعي للعرس: بالرفاء والبنين. وهذا الوجه أقرب وأحسن. وعرفت أن الفعل الذي تعلق به الباء على الاسم محذوف، حذف لدلالة الحال عليه، والمعنى: بسم الله أقرأ، أقرأ: أتلو لأن الذي يتلوه مقروء، كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل قال: بسم الله والبركات، كأن المعنى: بسم الله أحل وبسم الله أرتحل متبركا به. وكل فاعل يبدأ فيه باسم الله كان مضمرا بما جعل التسمية مبتدأ له. واعلم أن الظرف أعني " باسم " في الوجه الأول على الإلغاء، وفي الوجه الثاني على الاستقرار ومحله منصوب على الحال، والعامل هو الفعل المحذوف، وإذا قدرنا: ابتدائي بسم الله كان محلها الرفع، والباء على هذا متعلقة بالخبر المحذوف هو نائب عنه كأنه قيل: ابتدائي ثابت أو مستقر بسم الله ونحو ذلك. فإن قلت: لم لا يتعلق بابتدائي؟. قلت: لا يجوز ذلك؛ لأنه مصدر، فلو تعلقت به لدخلت في صفاته، وبقي المبتدأ بلا خبر، وذلك أن المصدر إذا كان بمعنى: " أن فعل " و " أن يفعل " احتاج إلى صلة. ونقل بعضهم عن البصريين أن تقديره: أول ما ابتدأته به بسم الله، ولا يجوز أن يتعلق الباء في هذا الوجه بأبدأ؛ لأنه في صلة ما، وما تعلق بالموصول لا يجوز أن يكون خبرا، فتكون الباء متعلقة بمحذوف وهو خبره. وعن الكسائي أن الباء زائدة؛ لأن الباء لا تعلق بشيء، وموضع " الله " وقع تقديره وأول ما أبدأ به: اسم الله. وزيادة الباء في خبر المبتدأ عزيزة جدا لا تكاد توجد إلا ما حكي عن الأخفش: الباء في قَوْله تَعَالَى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27] م: (يونس: آية 27) ، والتقدير: مثلها، بدليل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى في موضع آخر: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] (الشورى: آية 40) ، والصواب أن الباء هاهنا متعلقة بمحذوف، والتقدير: سيئة " جزاء سيئة واقع بمثلها. ويجوز أن يتعلق بجزاء والخبر محذوف التقدير: وجزاء..... " بمثلها واقع أو حاصل، وما نقل عنه ضعيف عند المحققين. واعلم أن الأولى أن يقدر المحذوف متأخرا قصدا إلى اختصاص الابتداء بسم الله؛ وذلك لأن العرب كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم، فيقولون: بسم اللات، بسم العزى. وذلك أولى للموحد، كما في قَوْله تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] حيث صرح بتقديم الاسم إرادة الاختصاص. وهذا بخلاف: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] (العلق: آية 1) ، فإن هناك تقديم الفعل أوقع؛ لأنها أول سورة نزلت، فكان الأمر بالقراءة أهم. وللباء أحد عشر معنى: الإلصاق: نحو: مررت بزيد. أي التصق مروري بمكان يقرب منه زيد. وقد يقال: إن هذه الباء مكملة بالفعل، ومنه: حلفت بالله، ويقال: معنى الإلصاق لا يفارقها في كل الأحوال. والتعدية: وتسمى باء الفعل أيضا: نحو: ذهب بزيد. والاستعانة: وقد مر. والسبب نحو: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ} [البقرة: 54] م: (البقرة: آية 54) ، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] م: (العنكبوت: آية 40) . والمصاحبة: نحو: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ} [هود: 48] (سورة هود: آية 48) أي: معه. والظرفية: نحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] (سورة القمر: آية 34) . والبدل: كقول الحماسي: لي بهم قوما إذا ركبوا والمقابلة: وهي الداخلة على الأعراض: كاشتريته بألف. والمجاورة: ك " عن "، فقيل: تختص بالسؤال نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] (الفرقان: آية 59) . وقيل: لا تختص به. والاستعلاء: نحو: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] (آل عمران: آية 75) . والتبعيض: أثبته الأصمعي والفارسي وابن مالك، قيل: والكوفيون جعلوا منه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] (الإنسان: آية 6) ، ومنه: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] (سورة المائدة: آية 6) . والقسم: وهي أصل أحرفه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالغاية: نحو: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100] (سورة يوسف: آية 100) ، أي إلي. والتوكيد: وهي الزائدة، فتكون في الفاعل: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] (النساء: آية 79) ، وتكون في المفعول نحو: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: آية 195) ، وتكون في المبتدأ، نحو: " بحسبك درهم "، و " خرجت فإذا بزيد " ونحو ذلك. وقد قيل: إن الباء في {وَكَفَى بِاللَّهِ} [النساء: 79] ليست لغوا، ويجوز أن يكون الفعل مقدرا بعد كفى، ويكون {بِاللَّهِ} [النساء: 79] صفة له قائمة مقامه، ويجوز أن يكون الفاعل مضمر العين المنصوب بعده، أعنى: شهيدا. كما تقول: نعم رجلا زيدا، أو زيد رجلا، قال هذا القائل: ولو كانت الباء زائدة هناك لكان القياس أن يلحق الفعل عليها علامة التأنيث في قَوْله تَعَالَى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] (الإسراء: آية 14) ؛ لأنه للنفس، وهو ما يغلب عليه التأنيث. وقال بعضهم: إن الباء تكون للتجريد، نحو: " لقيت بزيد بحرا ". وإنما سمي تجريدا؛ لأنك إذا قلت: زيدا بحرا، كأنك لقيت زيدا وهو جواد فجردته. فإن قلت: الحرف مبني، وحق البناء السكون. قلت: لا ينافي الابتداء بها. فإن قلت: حق الحرف الواحد الفتح لخفته، نحو واو العطف وفائه، وسين الاستقبال، وغيرها. قلت: لأنهم شبهوا حركتها بحركة معمولها فكسروها. فإن قلت: الكاف حرف، وهي مع ذلك مفتوحة. قلت: الكاف يدل على معنيين: معنى الاسم، ومعنى الحرف، فبالأولى أن يحرك بأخف الحركات. وحكي عن أبي علي بن عيسى أن الباء إنما حركته ليتوصل إلى النطق بها، ولو فتحت أو ضمت لجاز أيضا، وبعض العرب يفتح هذه الباء، وهي لغة قليلة. ولفظ الاسم أحد الأسماء لعشرة التي بنوا أوائلها على السكون، فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة؛ لئلا يقع الابتداء بالسكن. وهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز، كيد ودم. وأصله: يسمو، واشتقاقه من السمو عند البصريين. قال الكوفيون: من وسم يسم، وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالبصريون: لو كان كذلك لقالوا في تصغيره: وسيم، وفي جمعه: أوسام، فلما قالوا: سمي وأسماء دل على أن أصله: سمو. ويقال: اسم وسم بالكسر فيهما، واسم وسم بالضم فيهما. وقال المبرد: سمعت العرب تقول: اسمه، وسمه، وباسمه، وسماه. وإنما سقطت همزة " اسم " في " الله "؛ لأنها همزة وصل، كما في: ابن وابنة، ونحوهما وسقطت في الخط أيضا لكثرة الاستعمال. ولفظة: " الله " اسم علم على الباري جل جلاله. والمختار أنه ليس بمشتق، وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء. وذلك لأنه لو كان مشتقا لكان معناه معنى كليا لا يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة، وحينئذ لا يكون قولنا: " إلا الله " موجبا للتوحيد المحض. وحيث أجمع الفقهاء على أن هذا موحد محض علمنا أنه اسم علم موضوع لتلك الذات المعينة، وليست من الألفاظ المشتقة كما ذهب إليه سيبويه وآخرون، ثم اختلفوا في اشتقاقه: فقيل: من أله يأله بفتح العين فيهما إلاهة بالكسر أي عبادة. والإله على وزن فعال بمعنى مفعول، أي مألوه أي معبود. ثم لما كان اسما لعظيم ليس كمثله شيء أرادوا تفخيمه بالتعريف الذي هو " أل "؛ لأنهم أفردوه لهذا الاسم دون غيره، فقالوا: الإله، واستثقلوا الهمزة في كلمة يكثر استعمالهم فيها فحذفوها ثم ادغموا اللام في اللام، فصار " الله " كما نزل به القرآن. وقيل: من أله يأله بالكسر في الماضي والفتح في الحاضر ألها بفتح الفاء والعين أي سكنا، إنما سمي الله إلها لسكون الخلق إليه في جميع حوائجهم. وقيل: من أله: أي تحير، إنما سمي به لتحير الخلق في عظمته. وقيل: من تأله: أي تضرع يتأله تألها، إنما سمي به لتضرع الخلق إليه. وقيل: من لاه يلوه: أي احتجب عن إدراك الأبصار، وإحاطة الأفكار. قال الشاعر: لاه ربي عن الخلائق طرا ... خالق الخلق لا يُرى ويرانا فإن قلت: لم قرن لفظة الاسم بلفظة الله دون سائر أسمائه؟. قلت: لأنه اسم الذات المستجمع لجميع الصفات العلى والأسماء الحسنى، فلذلك جعل إمام سائر الأسماء، وخصت به كلمة الإخلاص، ووقعت به الشهادة فصار شعائر الإيمان. وهو اسم ممنوع لم يسم به أحد، وقد قبض الله عنه الألسن، فلم يدع به شيء سواه. وقد كان يتعاطاه المشركون اسما لبعض أصنامهم فصرفه به الله إلى اللات صيانة لحق هذا الاسم وذبا عنه، وكذلك
الحمد لله ـــــــــــــــــــــــــــــQالجواب في " الحمد لله " فافهم. الرحمن: فعلان من رحم، كغضبان من غضب. والرحيم: فعيل منه. وفي " رحمان " من المبالغة ما ليس في الرحيم، فلذلك قالوا: رحمان الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا. والزيادة في البناء زيادة في المعنى. واتصاف الله تعالى بالرحمة، ومعناها العطف والحنو، مجاز عن إنعامه على عباده. وذكر الرحيم بعد الرحمن من قبيل التعميم والرديف، وذلك لأنه لما قال: الرحمن، تناول جلائل النعم، ودقائقها، ثم أردفه بالرحيم ليتناول ما دق منها وما لطف، وهما مجروران بالوصفية، وهما من الصفات المادحة بمجرد الثناء والتعظيم. وقد اختلف في صرف رحمن ومنعه، فمن شرط في المنع انتفاء فعلانه منعه، ومن شرط وجود فعلى صرفه على ما عرفت في موضعه. م: (الحمد لله) ش: الحمد لله هو الثناء على الجميل الاختياري نعمة كانت أو غيرها، باللسان وحده. يقال: " حمدته على إنعامه وعلى شجاعته. والشكر هو الثناء على النعمة وحدها باللسان وغيره من الجوارح، قال الشاعر: أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا فبينهما عموم. والمدح هو الثناء على الجميل اختياريا أولا باللسان وحده، فيقال: حمدت الله وشكرته، ولا يقال: مدحت، فهو أعم من وجه. وقيل: الحمد: هو الثناء باللسان على قصد التعظيم سواء تعلق بالنعمة أو بغيرها. والشكر: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان. فمورد الحمد لا يكون إلا باللسان، ومتعلقه يكون النعمة أو غيرها، ومتعلق الشكر لا يكون إلا النعمة ومورده يكون اللسان وغيره، فالحمد أعم من الشكر باعتبار المتعلق، وأخص باعتبار المورد، والشكر بالعكس. وقال الزمخشري: الحمد والمدح أخوان، فالحمد على النعمة وغيرها، والشكر على نعمة خاصة بالقلب واللسان والجوارح، والحمد باللسان وحده، وهو إحدى شعب الشكر والحمد نقيضه الذم، والشكر نقيضه الكفران. قلت: معنى قوله: أخوان: أي مشتركان في المعنى الأصلي، وهو الثناء لاشتراكهما في الحروف الأصول، غير أن كلا منهما يدل على معنى يختص هو به على حسب الاختلاف في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللفظ، وذلك من وجوه: الأول: أن المدح قد يحصل للحي وغيره، فإن من رأى لؤلؤة في غايتها يمدحها ولا يحمدها، فبينت أن المدح أعم من الحمد. الثاني: أن الحمد يكون قبل الإحسان وبعده، والمدح لا يكون إلا بعده. والثالث: أن المدح قد يكون منهيا عنه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «احثوا التراب في وجوه المداحين» ، والحمد مطلق. والرابع: المدح عبارة عن القول الدال على كونه مختصا بنوع من أنواع الفضائل. والحمد هو القول الدال على كونه مختصا بفضيلة معينة، وهي فضيلة الإنعام والإحسان. ثم اعلم أن معنى الحمد والشكر الحقيقي في العرف أن الحمد ليس عبارة عن قول القائل: الحمد لله، بل هو فعل يشعر عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما مطلقا، بمعنى أعم من أن يكون منعما للحامد أو لغيره. وذلك أن الفعل إما فعل القلب، أعني الاعتقاد باتصافه بصفات الكمال، أو فعل اللسان، أعني ذكر ما يدل عليه من القرائن والأمارات التي تدل على أن المحمود يتصف بالصفات الكاملة، أو فعل الجوارح، وهو الإتيان بأفعال دالة على اتصافه بصفات الكمال والجمال، وأن الشكر ليس قول القائل: الشكر لله، بل صرفه جميع ما أنعم الله عليه من السمع والبصر وغيرهما إلى ما خلق وأعطاه لأجله، كصرفه النظر إلى مطالعة مصنوعاته يتوصل منها إلى المصدر صانعها، والسمع إلى تلقي ما ينبئ عن مرضاته والاجتناب عن منهياته. ثم اعلم أن الألف واللام موضوعة إما للعهد الخارجي أو الذهني، وإما لاستغراق الجنس، وإما لتعريف الطبيعة. لكن العهد هو الأصل، ثم الاستغراق، ثم تعريف الطبيعة؛ لأن اللفظ الذي يدخل عليه اللام دال على الماهية بدون اللام. فحمل اللام على الفائدة الجديدة أولى من حمله على تعريف الطبيعة، والفائدة الجديدة هذه إما تعريف العهد أو استغراق الجنس وتعريف العهد أولى من الاستغراق؛ لأنه إنما ذكر بعض أفراد الجنس خارجا وذهنا، فحمل اللام على ذلك البعض المذكور أولى من حمله على جميع الأفراد؛ لأن البعض متيقن، والكل محتمل. وبين هذا اختلفوا إذا دخلت على المفرد أو الجمع: فقالت عامة أهل الأصول والعربية: تفيد الاستغراق فيهما جميعا إلا إذا كان معهودا.
الذي ـــــــــــــــــــــــــــــQوعن أبي علي الفارسي أنه لمطلق الجنس فيهما، لا للاستغراق، وهذا أحد قولي أبي هاشم المعتزلي، وقوله الآخر: أنه في المفرد لمطلق الجنس، وفي الجمع لمطلق الجمع لا للاستغراق إلا بدليل آخر. فإذا كان كذلك فقيل: الألف واللام في الحمد للجنس، أي حقيقة الحمد كما في " أرسلها العراك " ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل واحد من أن الحمد ما هو، والعراك ما هو من بين أجناس الأفعال. وقيل: لاستغراق الجنس. أي: الحمد كله لله تعالى. وقالت المعتزلة: للعهد؛ لأنهم يرون أن خلق أفعال العباد مضاف إليهم، فيكون تقديره: المحامد التي تتعلق بالأعيان دون الأعراض لله تعالى. والأصح أن هذه مسألة ابتدائية للخلاف في معنى الكلام لا بنائه، على الخلاف في خلق الأفعال، فإنهم قالوا: الحمد ما يعرفه كل واحد منهم بحسب الإثم. واللام عندهم المطلق الجنس. فإن قلت: فعلى هذا قول من يقول: إن اللام لاستغراق الجنس يكون جميع المحامد التي تتعلق بالأعيان والأعراض لله تعالى، فيكون الله تعالى هو المستحق لجميع المحامد لا غير، فكيف يصح قولهم: حمدت فلانا على شجاعته. قلت: هو في الحقيقة، راجع إلى الله تعالى؛ لأن حمد المخلوق على صفة أو فعل حمد للخالق في الحقيقة. ثم الحمد مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: " لله "، وأصله النصب؛ لأن أصله: نحمد الحمد لله، فلما حذف " نحمد " عدل عن النصب إلى الرفع، ليدل على ثبات المعنى؛ لأنه حينئذ يصير الكلام جملة إسمية، وهي راسخة القدم بخلاف الفعلية الدالة على التجدد والحدوث، وأيضا في الفعلية يكون الحمد مقيدا بقائله وليس الأمر كذلك، بل الله محمود قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين، سواء حمده عبيده أو لم يحمدوه، فهو محمود من الأزل إلى الأبد بحمده القديم وكلامه القديم. م: (الذي) ش: هو صفة، اسم موصول مع صلته في محل الخبر؛ لأنه صفة الله تعالى. واختلفوا فيما يعمل في الصفة: فذهب جماعة، منهم سيبويه والمزاني وابن كيسان والزجاج، إلى أن العامل فيها هو العامل في الموصوف. وذهب الأخفش إلى أن العامل في الصفة كونها صفة، وأن الوصف يجري على ما قبله وليس معه لفظ عمل فيه، وإنما يعمل فيه كونه وصفا، فذلك هو الذي يرفعه وينصبه ويجره، كما أن المبتدأ اسم رفعه الابتداء، والابتداء معنى عمل فيه ليس لفظا، فكذلك هذا.
أعلى معالم العلم وأعلامه ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: لم بني الذي على السكون؟ قلت: لأنه يشبه الحرف من حيث إنه لا يستقل بنفسه. فإن قلت: لم أعرب في حال التثنية؟ قلت: بالتثنية يزول الشبه، إذ لا مثنى في الحروف فيعود إلى أصل استحقاقه في الإعراب. ومنهم من يشدد ياءه ويخفضونه أيضا من غير وجه، لاستطالتهم إياه مع صلته، فقالوا: " الذر " بحذف الياء، ثم " الذ " بحذف الحركة، ثم حذفوه رأسا واجتروا عنه باللام، وذلك في نحو: الضارب إياه زيدا، واسم الفاعل هاهنا في معنى الفعل ومعناه الذي ضرب إياه. م: (أعلى) ش: مأخوذ من الإعلاء، وثلاثيه: علا يعلو. يقول: علا في المكان يعلو علوا، وعلي بالكسر، في الشرف، يعلى علاء بالفتح، ويقال أيضا: علا بالفتح علاء. م: (معالم العلم) ش: كلام إضافي، مفعول أعلى. والجملة صلة الموصول. وهو جمع معلم بفتح الميم وهو موضع العلم، والمعنى رفع مواضع درك العلوم، وأراد بها أصول الشرع، لكونها مدرك العلم الشرعي، وقيل: أراد بها العلماء على معنى أنهم مواضع أخذ العلوم. وأما إعلاء الله إياهم فظاهر، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] (المجادلة: الآية 11) ، حيث خصهم بالذكر ثانيا بعد دخولهم في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 11] إظهارا لزيادة درجاتهم عنده. م: (وأعلامه) ش: عطف على المعالم، وهو جمع علم بفتحتين وهو الجبل، وأراد به العلماء تشبيها لهم بالجبال، لكونها أوتاد الأرض. وجه الاستعارة أن الجبال تمنع الأرض من التحرك والتمايل، فكذلك العلماء بين ظهراني الأمة، بل ينزلون منهم منزلتها، لكونهم يمنعون عن الميل إلى الزيغ والعناد، ويعني قيام أمورهم وانتظام أقوالهم على منهاج العدل في الشرع يكون منهم، ويقال: المراد من الأعلام: إثبات الأحكام الشرعية وشروطها. فعلى هذا يكون جمع علم، يعني ما يعلم به الشيء، وإعلاء الله إياها ظاهر حيث جعلها في حق العباد، وشرفها على غيرها. ومن جملة محاسن هذا التركيب أنه مشتمل على ما يلحق الجناس، وهو شيئان: أحدهما: أن يجمع اللفظين الاشتقاق، نحو قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] (الروم: الآية 43) فإن أقم والقيم يرجعان في الاشتقاق إلى القيام. والثاني: أن يجمعهما ما يشبه الاشتقاق وليس به، نحو قَوْله تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168] (الشعراء: الآية 168) فإن " قال " و " القالين " يشبه أن يكونا راجعين في الاشتقاق إلى أصل واحد، وليس كذلك.
وأظهر شعائر الشرع وأحكامه ـــــــــــــــــــــــــــــQفقوله أعلى مع غيره من قبيل الثاني، والثلاثة الأخر من قبيل الأول، فإن المعالم والمعلم والأعلام كلها ترجع إلى أصل واحد. والعلم في اللغة بمعنى المعرفة نقيض الجهل، من علمت الشيء أعلمه علما: عرفته. وفي الاصطلاح ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العلم في اللغة صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت به هي. ويقال: العلم إدراك النفس بمعنى الشيء، إذ كل من وجد له إدراك المعنى وجد له العلم من حيث إنه وجد له من ذلك الإدراك، وكل من عدم له ذلك الإدراك عدم له العلم من هذه الحيثية. قلت: حاصل هذا أنه ليس للعلم ماهية سوى إدراك النفس لمعنى الشيء. وقد قالت طائفة، منهم الغزالي والدارمي، بعدم جواز تعريفه؛ لأن غير العلم يعرف به، فلو عرف بغيره يلزم الدور. ويمنع ذلك بأن جهة توقف غير العلم عليه من حيث إنه إدراك له، وتوقفه على غيره لا من جهة أن ذلك الغير إدراك له، بل من جهة أنه صفة مميزة له عما سواه. م: (وأظهر) ش: عطف على " أعلى " من الإظهار، وهو من ظهر الشيء ظهورا بالفتح بينا. م: (شعائر الشرع وأحكامه) ش: الشعائر مفعول أظهر. وهو جمع شعارة، وقال الأصمعي: جمع شعيرة، وإليه مال السراج، والأولى هو الأول؛ لأن الشعيرة واحدة الشعير الذي هو من الحبوب؛ والشعيرة أيضا: البدنة تهدى. والشعارة كل ما جعل علما لطاعة الله تعالى. قال الجوهري: الشعائر: أفعال الحج، وكل ما جعل علما لطاعة الله عز وجل. ويقال: المراد بها: ما كان أداؤه على سبيل الاشتهار، كأداء الصلاة بالجماعة، وصلاة الجمعية والعيدين، والأذان، وغير ذلك مما كان فيه اشتهار. وقوله: " الشرع " يحتمل معاني: أحدهما: أن يكون بمعنى المشروع فيتناول الأسباب والأحكام الشرعية. والثاني: أن يكون بمعنى الشارع، ويكون من قبيل إقامة المظهر موضع المضمر. الثالث: أن يكون بمعنى الشريعة، يقال: شرع محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما يقال: " شريعة ". فإن قلت: ما هذه الإضافة في " شعائر الشرع "؟. قلت: البيان، من قولهم: خاتم فضة، وثوب خز. فإن قلت: كيف يكون من هذا القبيل؛ لأن الثوب هو عين الخز، والخاتم هو عين الفضة، وليست الشعائر هي عين الشرع؟. قلت: الشرع بمعنى المشروع، والشعائر على التفسير الذي ذكرنا، من عين المشروع.
وبعث رسلا وأنبياء ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: أليست هذه الإضافة إضافة الشيء إلى نفسه. قلت: لا؛ لتغاير اللفظين، ولأن " الشعائر " قبل الإضافة يحتمل أن يكون الشعائر غير المشروع، كالثوب والخاتم قبل الإضافة، فبالإضافة نقطع الاحتمال. وفيه من صفة البديع السجع، وهو: تواطؤ الفاصلتين في النثر على حرف واحد، وهما الكلمتان اللتان هما عجز القرينتين، والفاصلة في النثر كالقافية في النظم. فإن قلت: أي سجع هو من الأقسام؟ قلت: سجع متواز وهو: أن لا تختلف الفاصلتان في الوزن، ولكن لا يكون جميع ما في القرينة ولا أكثره بمثل ما يقابله من الأخرى نحو: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية: 13] {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} [الغاشية: 14] (الغاشية: الآية 13، 14) لاختلاف سرر وأكواب في الوزن والقافية. م: (وبعث) ش: جملة حال من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى " الله "، وهو عطف على قوله: " وأظهر ". يقال: بعث يبعث بعثا، وبعثه يعني أرسله فانبعث وبعث الناقة: أي ساقها. وبعثه من منامه أي أهبه. وبعث الموتى: نشرهم ليوم القيامة. وانبعث في البيران: أي يشرع. م: (رسلا) ش: مفعول بعث، وهو جمع رسول من أرسلت فلانا في رسالته، وهو مرسل ورسول. فالمرسل اسم مفعول، والرسول صفة مشبهة. وقد يجيء الرسول بمعنى الرسالة. قال الأشعر الجعفي: ألا أبلغ أبا عمر رسولا ... بأني عن فتاحتكم غني أي رسالة. وصيغة فعول يستوي فيها الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث مثل عدو وصديق، قال الله تعلى: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] (سورة الشعراء: الآية 16) ولم يقل رسلا؛ لأن فعولا وفعيلا تستوي فيها هذه الأشياء. م: (وأنبياء) ش: عطف على رسلا، وهو جمع نبي: فعيل بمعنى فاعل من النبأ، وهو الخبر. إلا أن أهل مكة - يشرفها الله تعالى - يهمزون هذه الحروف، ولا يهمزون في غيرها، وكذلك في أنبياء. وينبغي أن يقال: أنبئاء بالهمزتين، لكن الهمزة لما أبدلت وألزمت الإبدال جمع على ما هو الأصل؛ لأنه حرف علة، كعيد وأعياد. ويجمع النبي أيضا على نبآء بضم النون، قال العباس بن مرداس السلمي: يا خاتم النبآء إنك مرسل ... بالخير, كل هدى السبيل هداكا
- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQثم الفرق بين الرسول والنبي: أن الرسول: من بعث لتبليغ الوحي ومعه كتاب، والنبي: من بعث لتبليغ الوحي مطلقا، سواء كان بكتاب أو بلا كتاب، كيوشع - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكان النبي أعم من الرسول: كذا قال الشيخ قوام الدين الأترازي في " شرحه "، وهو قد تبع في ذلك صاحب " النهاية " حيث قال: الرسول: هو النبي الذي معه كتاب، كموسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنبي: هو الذي ينبئ عن الله وإن لم يكن معه كتاب كيوشع - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن هنا قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ، ولم يقل: " كرسل بني إسرائيل "، وتعبهما الشيخ أكمل الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفرق بينهما هكذا. ثم قال: وهو الظاهر. كل هذا لا يخلو عن مناقشة، وذلك لأنه يلزم على تفسيرهم أن يخرج جماعة من الرسل عن كونهم رسلا، كآدم ونوح وسليمان، ونحوهم - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، فإنهم رسل بلا خلاف، ولم ينزل عليهم كتاب كما نزل على موسى. والصحيح هنا أن الرسول من نزل عليه الكتاب، أو أتى إليه ملك، والنبي من يوقفه الله تعالى على الأحكام، أو تبع رسولا آخر، ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» ، والعجب من الشيخ أكمل الدين مع ادعائه التحقيق في مصنفاته كيف رضي بالتفسير المذكور، ثم قال: وهو الظاهر؟! ومع هذا فهو ليس بظاهر على ما لا يخفى. م: (- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) ش: هذه الجملة إخبار في الصورة، ولكنها إنشائية في المعنى؛ لأن المعنى: الله صل عليهم صلواتك. وهو جمع صلاة، وهي في اللغة: الدعاء. قال الأعشى: تغايلها الرياح في دنها ... وصل على دنها وارسم وهو اسم وضع موضع المصدر، يقال: صليت صلاة، ولا يقال: تصلية. ومعناها من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. ومعناها الشرعي في حق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء كلمته، وإحياء شريعته، وفي الآخرة برفع درجته، وتشفيعه في أمته، هكذا سمعت من الأساتذة الكبار. وأما في حق غيره من الأنبياء فمعناها ما ذكرنا، من الله: الرحمة، إلى آخره. قوله: " أجمعين ": جمع " أجمع "، وهو من ألفاظ التوكيد المعنوي وهي: النفس، والعين،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوكلاهما، وكلتاهما، وكل، وأجمع، وأكتع، وأبتع، وأبصع. ولا يؤكد بكل وأجمع إلا شيء ذو أجزاء يصح افتراقها حسا، نحو: زيد وعمر وبكر وغيرهم، أو حكما، نحو: اشتريت العبد كله أجمع، فإن العبد، وإن لم يكن له أجزاء يصح افتراقها حسا لكن له أجزاء يصح افتراقها حكما؛ لأنه يجوز أن يكون المشترى منه ربعه، أو ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه. واعترض على المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأنه ترك ذكر محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع كونه الأصل المحتاج إلى ذكره؛ لأنهم ذكروا أنه مما لا بد منه في أوائل المصنفات. الابتداء بالبسملة، ثم بالحمدلة، ثم بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصريح اسمه، والمصنف خالف المصنفين أصحاب التصانيف والرسائل. وأجاب عنه الشيخ أكمل الدين بأن المراد بالرسل والأنبياء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكن جمعه تعظيما له وإجلالا لقدره. قال الشيخ قوام الدين: كان ينبغي أن يصلي على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصدا بذكر اسمه وصفاته؛ لأن الله تعالى قد رفع ذكره، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] (سورة الشرح: آية 4) والغالب أنه سها، ولكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة. قلت: كل منهما أبعد. أما الأول فلأن لفظة " أجمعين " ترد عليه؛ لأنه أكده بها، فالتأكيد يقطع احتمال المجاز، وإطلاق الجمع وإرادة الواحد مجاز. ونصره بعضهم بأن قوله: " أجمعين " باعتبار صورة اللفظ، ورد عليه بأن أجمعين لفظ معنوي ينافي أن يخص قوله: " رسلا وأنبياء " بطائفة معينة منهم. وأما الثاني: فإنه نسبه إلى السهو، وهو ليس بجواب، بل الجواب هاهنا بوجهين: أحدهما: أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قصد من ذلك المبالغة، والبلاغة في ذلك لما فيه من ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرتين؛ لأنه دخل أولا في قوله " رسلا "؛ لأنه من جملة المرسلين بل سيدهم وأشرفهم، وأفضلهم ثم دخل ثانيا في قوله: " وأنبياء "؛ لأن كل مرسل نبي فيكون ذكره مرتين، وإن كان ضمنا، أبلغ من ذكره مرة واحدة صريحا، والتضمين أبلغ من التصريح؛ لأن الاعتماد في الصريح على اللفظ، والدلالة منه، وفي التضمين على الفعل، والدلالة من جهة، وبين الدليلين والدلالتين فرق كبير. والثاني: ما سنح في خاطري من الأنوار الإلهية في الجواب القاطع الذي ليس وراءه شيء، وهو أن المصنف إنما لم يصرح باسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة عليه بل أضمره ليكون ذلك من باب الإضمار والإبهام، وهو طريق من طرق البلاغة؛ لأن فيه إشارة إلى علو شأنه، وارتفاع قدره، وتفخيم فضله على ما لا يخفى على أحد، لما فيه من الشهادة على أنه المشهور الذي لا يشتبه، والمبين الذي لا يلتبس، كما أضمره الله تعالى في قوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]
إلى سبل الحق هادين ـــــــــــــــــــــــــــــQ (البقرة: الآية 253) ، حيث صرح أولا بما على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] (البقرة: الآية 253) ولا شك في اشتهار موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالكلام، ثم صرح باسم عيسى بقوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 253] (البقرة: الآية 253) ، وذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم بطريق الإبهام والإضمار بقوله: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] (البقرة: الآية 253) إشارة إلى ما ذكرنا. وعليه قول الحطيئة لجرير: من أشعر الناس؟ فقال: زهير والنابغة، ثم قال: لو شئت لذكرت الثالث. أراد به نفسه، ولو قال: لذكرت نفسي، أو قال: زهير والنابغة وأنا لم يقع كلامه مؤذنا بتعظيمه بل كان فيه نوع نقص على ما لا يخفى. م: (إلى سبل الحق) ش: تعلق بقوله " هادين "، وإنما أخره لإقامة السجع. والسبل بضمتين جمع سبيل، وهو الطريق، يذكر ويؤنث، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] (يوسف: الآية 108) فأنث، وقال: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: 146] (الأعراف: الآية 146) فذكر، ويصح في الجمع تسكين الباء أيضا، والحق خلاف الباطل. قلت: الحق مستعمل في معان: أحدها: النزول، يقال: حق يحق، إذا نزل. والثاني: الوجوب، يقال: حق عليه: إذا وجب. والثالث: الصدق والصواب، يقال: قوله حق: أي صدق وصواب. " ومعناه في الاصطلاح: الحق ما غلب حجة وأظهر التمويه في غيره " م: (هادين) ش: نصب على أنه صفة لقوله: " رسلا وأنبياء " ويقال: نصب على الحال من رسلا وليس بصحيح؛ لأن الحال من النكرة لا يصح إلا بتقديم ذي الحال على الحال. وقد علم أن حق الحال أن يكون نكرة، وحق ذي الحال أن يكون معرفة، للفرق بينهما وبين الصفة والموصوف، فقيل: لأن الحال هو الخبر في الحقيقة، والخبر حقه التنكير. قلت: هما يتفقان في هذا، ولكنهما يفترقان من وجوه، الأول: أن الحال ما يحتمل الأوصاف فيميز بأحد الأوصاف، والتمييز ما يحتمل الأجناس فيميز بأحد الأجناس. الثاني: أن الحال لا ينقسم إلى ما يقع عن المفرد والجملة والتمييز إلى ذلك، ففي الجملة نحو: طاب زيد نفسا، فالإبهام في النسبة، وعن المعرف نحو: عندي دامور خلافا الإبهام في دامور. والثالث: أن " نفسا " ليس هو " زيد " في المثال المذكور، وإنما هي شيء منه، وراكبا في قولك: جاءني زيد راكبا هو زيد كله. والرابع: التقدير في المثال المذكور، وإنما هي شيء منه، وراكبا في قولك: وطابت نفسه فالفعل للنفس وليس لزيد، وفي جاءني زيد راكبا الفعل لزيد وراكبا تبع له.
وأخلفهم علماء إلى سننهم بينهم داعين ـــــــــــــــــــــــــــــQوقوله: " هادين ": من الهداية، وهي الدلالة الموصلة إلى البغية. وأصله أن يتعدى باللام أو بإلى، كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] (الإسراء: الآية 9) ، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] (الشورى: الآية 52) ، فجار مجرى، وقَوْله تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] (الأعراف: الآية 155) ، وقال الجوهري: يقال: هداه الله للذين هدى. وقَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [السجدة: 26] (السجدة: الآية 26) . قال أبو عمرو بن العلاء: أو لم يبين لهم. وهديت الطريق، والبيت هداية: أي عرفته، هذه لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقول: هديته إلى الطريق وإلى الدار، حكاها الأخفش، وهدى واهتدى بمعنى. وقال الكاكي في شرحه: هداه إلى الطريق: إذا أعلمه أن الطريق في ناحية كذا، وهداه إلى الطريق: إذا ذهب به إلى رأس الطريق: أي أذهبه إلى المقصد، وذلك لا يتحقق إلا من الله تعالى، وهداه إلى الطريق: أعلمه أن الطريق في ناحية كذا، وهي وظيفة الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وهداه إلى الطريق: ذهب به وأوصله إلى رأس الطريق. واعترض عليه الشيخ قوام الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن هذا الفرق غير صحيح، لعدمه في سائر قوانين اللغة. قلت: هذا اعتراض صادر من غير تأمل، وذلك لأن الفرق المذكور إنما هو لسبب الاستعمال، والفارق ما ادعى أن ذلك بحسب اللغة وإن ادعى ذلك فلا يمنع؛ لأن الذي ذكره هو حاصل المعنى اللغوي. م: (وأخلفهم علماء) ش: عطف على قوله: " وبعث رسلا "، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الله تعالى. و " أخلف " مفعولان: أحدهما: الضمير، أعني: هم، والآخر هو قوله " علماء ". والمعنى: جعل العلماء خلفاء الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وورثتهم. وقال الشيخ قوام الدين الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأخلفهم علماء: من قولهم: خلفت الثوب: أصلحته وجعلت موضع الخلفان خلفانا، وهذا التفسير غير مرضي بل التفسير الصحيح ما ذكرناه؛ لأن مراده بيان أن العلماء خلفاء عن الأنبياء في بيان الشرائع، فحينئذ لا يفسر قوله: وأخلفهم إلا من قولهم: أخلف زيد عمرا: إذا جعله خليفة؛ لا من الثوب: إذا أصلحته. يقال: خلف فلان فلانا: إذا كان خليفة وخلفه في قومه خلافة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] (الأعراف: آية 142) . وأخلفه غيره: إذا جعله خليفة له، وكذلك استخلفه. م: (إلى سننهم بينهم داعين) ش: الجار والمجرور متعلق ب " داعين ". والسنن بفتح السين
يسلكون ـــــــــــــــــــــــــــــQوالنون: مفرد بمعنى الطريقة. يقال: استقام فلان على سنن واحد. ويقال: امض على سنتك أي على وجهك، وتنح عن سنن الجبل: أي عن وجهه. وقوله: " سننهم " بضم السين وفتح النون جمع سنة وهي الطريقة المسلوكة المرضية. وقال الجوهري: السنة: السيرة. قال الهذلي يخاطب أبا ذؤيب: فلا تجزعن من سنة أنت سيرتها ... وأول راض سنة من يسرها وبين السنن والسنن تجنيس محرف، وهو من جملة محاسن الكلام. وقال الشيخ قوام الدين: فلو قال بضم السين في الموضعين ليكون تجنيسا تاما لكان أحسن، إلا أن الرواية بالمفتوح خاصة؛ لأن المضموم في معناه قليل الاستعمال. قلت: الذي ذكره أولى وأبلغ؛ لأن اختلاف الحركات تحصل زيادة رونق في الكلام، وأنواع التجنيس كلها من محاسن الكلام ولم يرجح منها شيء على غيره. والتجنيس التام: أن يتفق اللفظان في أنواع الحروف وهيئاتها نحو الحركات والسكنات، وفي ترتيبها مع تقديم بعض الحروف على بعض وتأخيره عنه. وإن اختلفا في هيئة الحروف فقط سمي التجنيس محرفا. قوله: " داعين " جمع داع: من دعوت فلانا: إذا صحبته واستدعيته. ويستعمل باللام وعلى وإلى، نحو: دعوت الله له، ودعوته عليه، ودعوته إلى الطعام، وهو من هذا القبيل، وقوله: " داعين وهادين " من الصفات المادحة. فإن قلت: أليس يجوز أن يكون من الصفات الكاشفة؟ قلت: لا؛ لأنه في الصفات الكاشفة يكون الموصوف فيه نوع غموض فيكون الوصف حينئذ كاشفا لذلك الغموض، بخلاف الصفة المادحة، وهذه الصفة ليس في موصوفها ذلك على مالا يخفى، كما في " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وبينهما تجنيس متواتر. م: (يسلكون) ش: تحتمل أمورا ثلاثة: الأول: أن تكون صفة لهم. الثاني: أن تكون حالا عنهم. فإن قلت: النكرة لا يقع عنها الحال. قلت: النكرة الموصوفة كالمعرفة يقع عنها الحال متأخرة، وهاهنا قد اتصف العلماء بقوله: داعين.
فيما لم يؤثر عنهم مسلك الاجتهاد ـــــــــــــــــــــــــــــQالثالث: أن تكون بيانا، كأن قائلا يقول: كيف دعوتهم إلى سنن سننهم؟ فقال: يسلكون. م: (فيما لم يؤثر عنهم) ش: فإن قلت: ما موضع هذه الجملة في الأحوال الثلاثة؟. قلت: أما الأول فالنصب؛ لأن الموصوف منصوب على المفعولية، وأما في الثاني فالنصب على الحالية، وأما في الثالث فلا محل لها من الإعراب، اللهم إلا إذا قدرنا مبتدأ محذوفا نحو: هم يسلكون، فحينئذ يكون موضع " يسلكون " من الإعراب رفعا على الخبرية، وقد علم أن الجملة لا تكتسب شيئا من الإعراب إلا إذا وقعت موقع المفرد، فحينئذ إعرابه محلا. ويسلكون: من سلك الشيء في الشيء فانسلك، أي أدخله فيه فدخل، ومصدره: سلك بفتح اللام. وأما السلك بكسر السين وسكون اللام فهو الخيط. والمعنى هاهنا: يدخلون فيما لم يؤثر عنهم أي عن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وهو على صيغة المجهول أي فيما لم يرو عنهم. وأصله من أثرت الحديث أثرته أثرا: إذا ذكرته عن غيرك، ومنه: " حديث مأثور ": أي مسند ينقله خلف عن سلف. قال الأعشى: إن الذي فيه تماريتما ... بين للسامع والآثر والأصل فيه الهمزة، وقد تلين للتخفيف. وكلمة " ما ": موصولة، و " لم يؤثر " صلتها. م: (مسلك الاجتهاد) ش: كلام إضافي منصوب على المفعولية: أي: طريق الاجتهاد. وهو اسم مكان من سلك. والاجتهاد: بذل الوسع والمجهود. وكذلك الجاهد، وأصله من الجهد وهو الطاقة، وكذلك بضم الجيم. ويقال: الجهد بالضم: المشقة. والاجتهاد، عند الفقهاء: استفراغ الفقيه وسعه لتحصيل الظن بحكم شرعي. وقيل الاجتهاد: بذل المجهود لنيل المقصود، وفيه إشارة إلى أنهم لا يخرجون عن المأثور عن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - ويتبعونهم فيه، ولا يعدلون إلى الاجتهاد إلا فيما لم يرد عنهم، فحينئذ يأخذون في ذلك طريق الاجتهاد، وهو أيضا في نفس الأمر علم بالأثر كما في «قضية معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لما بعثني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن قال: " كيف تقضي إن عرض قضاء؟ "، قال: قلت: أقضي بما في كتاب الله عز وجل، قال: " فإن لم يكن في كتاب الله؟ "، قال: قلت: بما قضى به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: فإن لم يكن قضى به الرسول؟ "، قال: قلت: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب صدري وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» أخرجه البيهقي
مسترشدين منه في ذلك، وهو ولي الرشاد وخص أوائل المستنبطين بالتوفيق ـــــــــــــــــــــــــــــQوغيره. م: (مسترشدين منه في ذلك) ش: نصب على الحال من الضمير الذي في " يسلكون ": أي حال كونهم طالبين الرشد منه، أي من الله - عز وجل -، وذلك إشارة إلى قوله: " بما لم يؤثر عنهم ". والرشد: خلاف الغي، يقال: رشد بالفتح يرشد بالضم رشدا بضم الراء وسكون الشين، ورشد بالكسر رشدا بالضم يرشد بالفتح رشدا بفتحتين لغة فيه. والإرشاد إفعال منه، يقال أرشده إرشادا إذا دله على الخير. م: (وهو ولي الرشاد) ش: أي: الله تعالى هو المرشد والإرشاد بيده، وهو وليه. والولي: بمعنى الصاحب، وأصله: ولي على وزن فعيل، من ولي الرجل الأمر يليه ولاية: إذا تقلده. والولي: القرب والدنو. وهذه الجملة الاسمية في محل النصب على الحال، وقد علم أنها إذا وقعت حالا لا بد فيها من الواو إلا ما ندر، نحو: كلمته فيه إلى في. م: (وخص أوائل المستنبطين بالتوفيق) ش: خص جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى " الله " عطف على قوله: " أعلى معالم العلم " من خصه بالشيء خصوصا وخصوصية، وخصصه واختصه بكذا، أي خصه به. فالأوائل جمع " أول "، وهو نقيض الآخر، وأصله: أوأل على وزن أفعل مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واوا وأدغمت الواو في الواو. وقال بعضهم: أصله: ووأل على وزن فوعل، قلبت الواو الأولى همزة، وإنما لم يجمع على واول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع. قول: (المستنبطين) : من الاستنباط وهو الاستخراج، وأصله من نبط الماء ينبط وينبط نبوطا. وانبط العقار: بلغ الماء. وعند الأصوليين: الاستنباط: استخراج الوصف فيه. وقال الشيخ قوام الدين وغيره: المراد من " أوائل المستنبطين ": هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وصاحباه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ومحمد بن الحسن الأنصاري الشيباني - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، فإنهم الذين مهدوا قواعد المسائل حتى قيل: إن ما وضعه أصحابنا من المسائل الفقهية هو ألف ألف ومائة ألف وسبعون ونيف مسألة. وقال الخطيب موفق بن أحمد المكي في مناقب أبي حنيفة عن مالك بن أنس - رضي الله
حتى وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق. غير أن الحوادث متعاقبة الوقوع ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه - وقد قيل له: كم قال أبو حنيفة في الإسلام؟ قال: ستين ألفا، يعني مسائله. ثم قال الخطيب: ذكر الثقة أن أبا حنيفة قال في السنة ثلاثة وثمانين ألفا وثمانية وثلاثين أصلا في العبادات، وخمسة وأربعين أصلا في المعاملات. وقال غيره: إن أبا حنيفة وضع ثلاثمائة أصل، كل أصل يخرج منه عشرة من الفروع. وذهب قوام الدين وغيره من قوله: " أوائل المستنبطين " إلى أن المراد منه أبو حنيفة وصاحباه؛ نظرا إلى أن هذا الكتاب في بيان مذهب أبي حنيفة، فلذلك خصصه به، ولكن لا يلزم من ذلك التخصيص بل الظاهر منه فقهاء الصحابة والتابعين أو سائر المجتهدين من الفقهاء المتقدمين؛ لعموم الكلام. قوله: " بالتوفيق ": يتعلق بقوله " خص "، وهو حسن عناية الله لعبده. وقال بعض أهل الكلام: التوفيق: خلق الله قدرة الطاعة، والخذلان: خلق قدرة المعصية. م: (حتى وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق) ش: حتى: للغاية بمعنى إلى، والمسائل: جمع مسألة، وهو موضع السؤال، كذا قال بعضهم، وليس كذلك، بل المسألة مصدر، قال الصاغاني: بمسألة الشيء ومسألة من الشيء: سؤالا ومسألة. قوله: " من كل جلي " كلمة " من " للبيان، وموضعها النصب على الوصفية، تقديره مسائل جلية ودقيقة. والجلي: الظاهر، وهو نقيض الخفي، وأراد به المسائل القياسية لظهور إدراكها. وقال صاحب " النهاية ": نظيرها إذا وقعت البعرة في البئر، فيه قياس واستحسان. فالقياس: أن تفسد الماء لوقوع النجاسة في الماء القليل، هذا دليل ظاهر دركه. والاستحسان: أن لا يفسد؛ لأن آبار الفلوات ليس لها رؤوس حاجزة، والمواشي تبعر حولها، وتلقيها الريح فيها، فجعل القليل عند الضرورة عفوا، ولا ضرورة في الكثير، وهذا دليل خفي دركه. قلت: تخصيص الجلي بالمسائل القياسية فيه نظر؛ لأنه قد تكون مسألة قياسية في غاية الدقة، ومسألة استحسانية في غاية الجلاء والظهور. قوله: " ودقيقة ": من دق الشيء يدق دقة: أي صار دقيقا، وهو خلاف الظاهر. والدقاق بالضم والدق بالكسر مثل الدقيق. م: (غير أن الحوادث متعاقبة الوقوع) ش: هذا استثناء من قوله " حتى وضعوا " ويضاف إلى قوله " غير ". وهو اسم ملازم للإضافة في المعنى، ويجوز أن يكون صفة للنكرة، نحو قَوْله تَعَالَى: {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] (فاطر: الآية 37) ، أو لمعرفة قريبة منها، نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] (الفاتحة: الآية 7) .
والنوازل يضيق عنها نطاق الموضوع ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثاني: أن يكون استثناء يعرب بإعراب الاسم الثاني إلا في ذلك الكلام، تقول: جاءني القوم غير زيد بالنصب، وما جاءني من رجل غير زيد، بالنصب والرفع، وهو هاهنا من هذا القبيل. (والحوادث) جمع حادثة، وأراد بها المسائل الواقعة بين الناس. وقوله: (متعاقبة الوقوع) : كلام إضافي مرفوع؛ لأنه خبر أن. واعلم أن هذا الاستثناء جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: إذا كان أوائل المستنبطين وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق، فأي حاجة تدعو إلى الاستنباط والتصنيف بعدهم؟ فأجاب بقوله: " غير أن الحوادث " إلى آخره، تقديره أنه قال: نعم، وإن كان الأمر كذلك لكن الحوادث متعاقبة: أي يقع شيء منها عقيب شيء، فلا تنقطع. والنوازل تنزل ساعة فساعة، فلا يستوعب جمعها نطاق مصنوعات الأوائل؛ فاحتيج إلى وضع آخر على حسب حادثة تحدث ونازلة تنزل. فحاصل الكلام هذا إشارة إلى وجه شروعه في تصنيف هذا الكتاب، والكلام مع أنه قد جرى منه وعد في مبدأ البداية فلا يجوز خلفه في الديانة. م: (والنوازل يضيق عنها نطاق الموضوع) ش: " النوازل ": بالنصب، عطف على قوله " أن الحوادث "، تقديره: وأن النوازل، وهو جمع نازلة، وهي الأمور الواقعة بين الناس. قوله: " يضيق ": فعل، وقوله: " نطاق الموضوع " كلام إضافي فاعله. والنطاق بكسر النون هو المنطقة. وقول الجوهري: النطاق: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها، ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل يجر على الأرض، وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان، والجمع نطق. وكان يقال لأسماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذات النطاقين. وأراد بالموضوع ما وضعه الأوائل من التي يستنبطها. والألف واللام فيه بدل من المضاف إليه، تقديره: نطاق موضوع الأوائل من المستنبطين. وبين قوله " الوقوع " و " الموضوع " سجع مطرف، وفي قوله: " نطاق الموضوع " استعارة تخييلية؛ لأن الموضوع لا نطاق له وإنما استعير النطاق للأجوبة المنقولة عن السلف في الفتاوى. وفي قوله: " يضيق عنها " استعارة مرشحة، وأراد بضيق النطاق عدم كفاية موضوعهم لجميع الحوادث.
واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد، والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد) ش: هذه جملة مستقلة بذاتها، وليس لها موقع من الإعراب، لعدم وقوعها موقع المفرد، وتعلقها بما قبلها كأنها جواب عن سؤال نشأ عن الكلام المتقدم، تقديره أن يقال: لما كانت الحوادث كثر وقوعها، والنوازل تضيق عنها موضوعات الأوائل فكيف قنص ما كان شاردا منها إذا لم يوقف عليه من عين النصوص؟ فأجاب بقوله: " واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد "، يعني: اكتساب النوازل من الحوادث التي تعثر دركها، ويحتاج فيها إلى الاستنباط بالقياس، والأخذ من موارد النصوص، يعني: بالإطلاع على الأوصاف المؤثرة، وفيه إشارة أيضا إلى أنه قادر على الاستنباط فيما لم يرد عن السلف، ولم يؤثر عنهم مطلقا على مناط الحكيم. " الاقتناص ": من اقتنص: إذا اصطاد وكذلك قنص ومصدره قنص بالسكون. وأما القنص بتحريك النون، فهو الصيد، والشوارد: جمع شاردة، من شرد البعير يشرد شرودا وشرادا فهو شارد وشرود، والجمع شرد مثل خدم وخادم. والاقتباس: من اقتبست منه نارا: أي أخذت منه قبسا، وهو شعلة من نار، وكذلك المقباس، يقال: قبست منه نارا اقتبس قبسا فاقتبس [أي] : أعطاني منه قبسا. (والموارد) : من ورد فلان ورودا: حضر. وأراد بها موارد النصوص من الكتاب والسنة. وهذا التركيب يشتمل على أنواع من محاسن البديع: الأول: فيه استعارة تخييلية، واستعارة ترشيحية. التخييلة في قوله: " الشوارد "، حيث شبه الحوادث بالوحش الشارد على التخييل. والترشيحية في قوله: " اقتناص "، حيث أورد صفة ملائمة للمستعار منه وهو الاقتناص على سبيل الترشيح. الثاني: فيه جناس لاحق ين قوله: " الشوارد " و " الموارد " نحو قَوْله تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] (الهمزة: الآية 1) ، وقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} [النساء: 83] (النساء: الآية 83) ، وقوله تعلى: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75] (غافر: الآية 75) ، كل هذا جناس لاحق. الثالث: فيه سجع ترصيع، نحو قول الحريري: فهو يقطع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. م: (والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال) ش: الاعتبار مبتدأ، وخبره: من صفة الرجال، والجملة معطوفة على ما قبلها، وهي جواب عن سؤال ينشأ من الجملة المتقدمة، تقديره أن يقال: إذا كان اقتناص الشوارد، والنوادر من الأحكام لا يكون إلا بالاقتباس من موارد النصوص يكون
وبالوقوف على المآخذ يعض عليها بالنواجذ. ـــــــــــــــــــــــــــــQذلك أمرا عظيما؛ لا يقدر على ذلك إلا السلف المشهورون بالاستنباط وإدراك المعاني الخفية، فأجاب عنه بقوله: " والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال "، يعني إظهار الأحكام بالأقسام بالقياس من صفة الرجال الكاملين، والسلف كانوا رجالا كاملين، ونحن أيضا رجال يسوغ لنا الاعتبار بالأمثال، كما ساغ لهم ذلك. وهذا كقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حق التابعين: هم رجال نزاحمهم كما يزاحموننا. وهذا في الحقيقة اعتذار عن شروعه في التصنيف. " والاعتبار ": مصدر من اعتبرت الشيء: إذا رددته إلى نظيره. " والأمثال ": جمع مثل بكسر الميم، كالأشباه جمع شبه، وأراد به المقيس عليه. وفيه من المحاسن اشتماله على سجع مطرف، وهو ما يختلف فيه الفاصلتان، نحو قَوْله تَعَالَى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13] {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14] (نوح: الآية 13، 14) ، وإن لم يختلف فهو سجع ترصيع. م: (وبالوقوف على المآخذ يعض عليها بالنواجذ) ش: وبالوقوف عطف على قوله بالأمثال، والتقدير: قياس الأحكام على نظائرها من صفة الرجال الكاملين، " وبالوقوف على مآخذ الأحكام من ": وقفت الدابة تقف وقوفا، ووقفانا به. تعدى ولا يتعدى. وقوله: " يعض عليها ": جملة فعلية وقعت حالا من المآخذ. وقد عرفت أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالا وكان فعلها مضارعا مثبتا لا يحتاج إلى الواو، بل يجوز نحو: جاء الأمير تقاد الجبائب بين يديه. وأشار بهذا التركيب إلى صعوبة الوقوف على مآخذ الأحكام، وأنه من صفة الرجال الكاملين لا من صفة كل رجل واحد. وقال الشيخ قوام الدين: قوله: " بالوقوف " إلى آخره: جواب عن سؤال مقدار، بأن يقال: نعم، إن موضوعات المتقدمين لا تكفي جميع الحوادث، لوقوعها متجددة. وهذا المعنى يقتضي التصنيف والاستنباط، ولكن هل فيك تلك الصلاحية حتى اجترأت على التصنيف؟ فأجاب عنه وقال: نعم؛ لأن السلف لم يقع صنيعهم على ما عليه من الحسن والإحكام إلا باعتبار وقوفهم على مادة الأحكام، فنحن نشاركهم في هذا المعنى. قلت: هذا كلام بعيد جدا لا يعضد من التركيب، ولا يوافق مراد المصنف على ما [لا] يخفى على الفطن. والظاهر أن المراد من هذا الكلام والذي قبله أنه أراد بهذا هضم نفسه عنه رتبة التصنيف؛ لأن ذلك بالاعتبار بالأمثال، وبالوقوف على مآخذ الأحكام، ولكن لما جرى الوعد منه في مبدأ " بداية المبتدي " بشرح يرسم بكفاية المنتهى، على ما صرح به في المتن شرع فيه لأجل وفائه بوعده، وإن كان لا يرى نفسه من رجال هذا الميدان. وأشار بهذا إلى أن مآخذ الأحكام والوقوف عليها لا يحصل إلا بمعاناة الشدة في ذلك، وهو معنى قوله: " يعض عليها "، أي على
وقد جرى علي الوعد في مبدأ " بداية المبتدي " أن أشرحها، بتوفيق الله تعالى، شرحا أرسمه ب " كفاية المنتهى " ـــــــــــــــــــــــــــــQالمآخذ " بالنواجذ ". والعض بالنواجذ كناية عن الإحكام والإتقان بعد نصب عريض، والشخص إذا أراد شدة الأخذ يعض بالنواجذ، وهي بالذال المعجمة، جمع ناجذ، وهو آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ، في أقصى الأسنان بعد الأرحاء، ويسمى: ضرس الحلم؛ لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل. ويقال: ضحك حتى بدت نواجذه: إذا استغرب فيه. وفيه من السجع المطرف، وقد بيناه فيما مضى. م: (وقد جرى علي الوعد في مبدأ " بداية المبتدي " أن أشرحها بتوفيق الله - تعالى - شرحا أرسمه بكفاية المنتهي) ش: أصل جرى من الجريان، يقال: جرى الماء وغيره جريا وجريانا، وأجريته أنا: ولما ضمن جرى هاهنا معنى ورد عدي ب " على "، وهو فعل ماض وفاعله " الوعد ". وكلمة " قد " فيه للتحقيق، والمبتدأ بفتح الميم موضع البدء، والبداية، بكسر الباء، مصدر بدأ، يقال بدأت بالشيء بدءا: ابتدأت به، وبدأت الشيء: فعلته. والمبتدئ: فاعل من الابتداء. قوله: " أن أشرحها ": أي: بأن أشرحها، وهو متعلق بالوعد. و " وأن ": مصدرية. والتقدير: وقد جرى علي الوعد للأصحاب بأن أشرح " بداية المبتدي ". الباء في " بتوفيق الله " يتعلق بأشرحها، ومحلها النصب على الحال، تقديره: متلبسا بتوفيق الله - تعالى -: وهو تيسيره علي ذلك. قوله: " أشرحها شرحا " نصب على المصدرية. قوله: " أرسمه ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، في محل النصب على أنها صفة " شرحا ": من رسم الشيء: إذا علم عليه. ورسم عليه: إذا كتب. والمعنى هاهنا: أسميه. فإن قلت: الواو في " وقد جرى " ما هي؟ قلت: يجوز أن تكون عاطفة عطف جملة، ويجوز أن تكون حالية. فإن قلت: كيف وجه ذلك في الموضعين؟ قلت: أما في الأول، فتكون فيه إشارة إلى هضم نفسه، وإلى أنه غير أهل للتصنيف؛ لأن الاعتبار بالأمثال والوقوف على المآخذ من صفة الرجال الكاملين، وهو ليس منهم، ولكن لما جرى عليه الوعد في مبدأ " بداية المبتدي " شرع فيه حال كون الوعد يسوغ بعض المساغ، لئلا يكون ممن إذا وعد أخلف، فيدخل تحت الوعيد. وأما في الثاني: ففيه إشارة إلى أن فيه صلاحية للتصنيف، وأنه من أهله، وأنه حصل له الوقوف على المأخذ بالإتقان، كما حصل لهم، فحينئذ جاز له الاعتبار. والحال أنه قد جرى عليه
فشرعت فيه والوعد يسوغ بعض المساغ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالوعد، وهو مما يسوغ بعض المساغ، يعني منفرد عن صلاحية الوعد للإتيان بالموعود فكيف مع الصلاحية؟. واعترض الشيخ قوام الدين في هذا المقام، فقال: قال بعض الشارحين فيه بيان أن المصنف لم تتأهل نفسه للشرح. ثم قال: يعني أن المانع، وهو عدم الصلاحية، متحقق إلا أن الوعد يحرض عليه، ولولاه لامتنع. ثم قال: قوله هذا الكلام صادر لا عن تفكر وتبصر؛ لأن سياق كلام المصنف في قوله: " غير أن الحوادث " ينفر عن ذلك أو يأباه، إلى ما نادى بأعلى صوته في قوله: " والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال " مثبت للصلاحية مدعيا كماله، فإذا حققت ما بينته قبيل هذا عرفت مزل قدم الشارح. قلت: أراد بهذا الحط على صاحب " النهاية وتاج الشريعة "، وكلامه هو صادر عنه غير منكر؛ لأن قوله: " غير أن الحوادث " كيف ينفر عن ذلك؟ وأي دليل من أنواع الدلالات يدل على ذلك؟ لأنه الذي يقتضيه فحوى التركيب ومعنى التركيب الوجهان اللذان ذكرناهما، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر في الوجه الذي ذهب إليه صاحب " النهاية وتاج الشريعة " لدلالة السياق عليه، فافهم. م: (فشرعت فيه) ش: أي في الشرح المسمى ب " كفاية المنتهي ". والفاء للسببية، وذلك لأن وعده كان سببا لشروعه فيه. م: (والوعد يسوغ بعض المساغ) ش: يسوغ، أي يجوز. يقال: ساغ له ما فعل: أي جاز له. وأنا سوغت له، أي: جوزته. والمساغ بفتح الميم، مصدر ميمي بمعنى المسوغ أي التجويز. والجملة وقعت حالا من التاء في " شرعت ". فإن قلت: الجملة الحالية تحتاج إلى ضمير يرجع إلى ذي الحال. قلت: يجوز خلاء الجملة الحالية عن الضمير إذا أجريت مجرى الظرف لابتعاد الشبه بينهما حينئذ، ونحو قولك: أتيتك والجيش قادم، والمعنى: أتيتك هذا الوقت. والظرف لا يفتقر إلى ضمير عائد منه إلى ما تقدمه، فكذا ما أجري مجراه. وكذلك حكم الجملة الواقعة خبرا عن ضمير الشأن على ما تقرر في موضعه. قوله: " بعض المساغ ": كلام إضافي منصوب بقوله: " يسوغ ". وقال الشيخ قوام الدين: و " بعض المساغ " منصوب على أنه مفعول مطلق، مثل قوله تعلى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] (نوح: الآية 17) ، فقرن بالفعل غير مصدره كما في الآية.
وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ليس الأمر كذلك من وجهين: الأول: أنه يلزم، على ما ذكره، أن تكون لفظة " بعض " في حكم المطروح، وليس كذلك. بل هو مقصود بالذكر؛ لأنه أشار به إلى أن الوعد بالتبرع ليس موجبا؛ لأنه يجوز حينا. والمصنف أشار إلى ذكر ذلك بقوله: وتحقيقه إن موعدي بعض الجائزات والممكنات، فمن الجوائز وقوع بعض الممكنات وإن لم يقع موعدي؛ لأنه بعض الممكنات لا كلها، فلأجلها شرعت في الشرح رجاء أن يكون موعدي من ذلك البعض الواقع. فإذا كان كذلك كيف يكون انتصاب " بعض المساغ " على أنه مفعول مطلق؟ بل هو منصوب على أنه مفعول به. ومع هذا يلزم على تقدير هذا أن يقرأ يسوغ بالتخفيف دون التشديد. الوجه الثاني: أن تمثيله بالآية غير صحيح؛ لأن نباتا واقع مفعولا لقوله أنبتكم على معنى " إنباتا " وليس وقع لفظ المساغ، هاهنا، مفعولا لقوله: " يسوغ "، وإنما المفعول هاهنا لفظة " بعض " على ما ذكرنا، والمفعول هاهنا مفعول به، والذي في الآية مفعول مطلق فكيف تتحقق المماثلة بينهما؟!. م: (وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ) ش: بين هذا الكلام وبين ما قبله من السجع المطرف، ولهذا قدم لفظة " عنه "؛ لأجل السجع، وإلا فحقه أن يقال: أتكئ اتكاء الفراغ عنه. قوله: " أكاد ": من أفعال المقاربة، يقال، كاد يفعل كذا يكاد كودا ومكايدة أي قارب ولم يفعل. ول " كاد " اسم وخبر، إلا أن خبره يجب أن يكون فعلا مضارعا متأولا باسم الفاعل، نحو: كاد زيد يخرج، الأصل: كاد زيد خارجا. ويستعمل بغير " أن "، وربما يستعمل استعمال عسى في إثبات " أن " بعدها. قال الشاعر: قد كاد من طول البلى أن يمحصا وقد يستعمل عسى بغير " أن " كما في كاد. قال الشاعر: عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب قوله: " أتكئ عنه ": أي عن الشرح. يقال: اتكأ عن الشيء فهو متكئ، والموضع متكأ. وقال صاحب " النهاية ": عدى الاتكاء ب " عن "، وإن كان هو يعدى ب " على "، لتضمين معنى الفراغ، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] (سورة البقرة: آية 260) على تضمين معنى الإمالة، وتبعه على ذلك صاحب " الدراية ". وقال الشيخ قوام الدين: فيه نظر؛ لأنه حينئذ يكون معناه: أفرغ عنه فراغ الفراغ، وهو كما ترى فاسد من العبارة. وصح عندي أنه من باب التقديم والتأخير، أي: اتكاء الفراغ عنه أي عن الشرح وهو " الكفاية ". وتبعه على ذلك الشيخ أكمل
تبينت فيه نبذا من الإطناب، وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب فصرفت العنان والعناية ـــــــــــــــــــــــــــــQالدين. ويمكن أن يقال: التضمين صحيح، والفراغ يكون بمعنى الفارغ، لما يقال: رجل عدل بمعنى عادل، للمبالغة، فلا يلزم ما ذكر من المحذور. م: (تبينت فيه نبذا من الإطناب وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب) ش: أي: علمت فيه، هكذا فسره الشراح. وأصل معناه. الظهور. يقال: بان الشيء بيانا: اتضح فهو بين، وكذلك أبان الشيء فهو مبين. وأبنته أنا أي: أوضحته، واستبان الشيء: ظهر. وتبينته أنا، بتقدير هذا الثلاثة ولا تتعدى. والتبيين: الإيضاح والوضوح. وفي المثل: قد بين كذا أي: تبين. قوله: " فيه ": أي في الشرح المذكور. قوله: " نبذا ": بفتح النون، وسكون الباء الموحدة، وفي آخره ذال معجمة، أي: شيئا يسيرا. ويقال: أصاب الأرض نبذا من مطر، أي: شيئا يسيرا. والإطناب: من أطنب في الكلام: إذا بالغ فيه. وفي الاصطلاح: الإطناب: أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارف بها. قوله: " أن يهجر ": أي: يترك، قال الجوهري: هجر، أي: ترك. قوله: " لأجله ": أي لأجل الإطناب. وقوله: " تبينت " عامل في قوله " حين ". وقوله " أتكئ ": جملة خبر " كاد ". وقوله: " اتكاء الفراغ ": كلام إضافي منصوب على المصدرية. قوله: " نبذا " مفعول تبينت، وقوله: " أن يهجر " في محل نصب على المفعولية، و " أن " مصدرية. و " خشيت أن يهجر لأجله الكتاب " أي: يترك لأجل الإطناب. م: (فصرفت العنان والعناية) ش: الفاء للسببية. و " صرفت " من الصرف، وهو الرد. يقال: صرف الله عنك الأذى، أي: رده. والمعنى هاهنا وجهت. " والعنان " بالكسر مفعول " صرفت "، وهو في الأصل، عنان الفرس، ولكن أراد به هاهنا عنان خاطره. " والعناية ": اسم من عنى يعني، من باب ضرب يضرب. يقال: عنيت بالقول كذا، أي: أردت. ويقال عني عناء وتعنى عنيا، ومعناه: دعني، وعنا يعنو عنوا وعنيا، معناه: خضع. والمعنى هاهنا: عناية القلب. ويقال: أراد بالعنان: الظاهر، وبالعناية: الباطن، ويقال " أراد بالعنان العلم، وبالعناية القلب.
إلى شرح آخر موسوم ب " الهداية "، أجمع فيه بتوفيق الله تعالى بين عيون الرواية، ومتون الدراية، تاركا للزوائد في كل باب، معرضا عن هذا النوع من الإسهاب، مع ما أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (إلى شرح آخر موسوم ب " الهداية ") ش: إلى متعلق بقوله " صرفت ". و " آخر ": على وزن أفعل غير منصرف، للصفة ووزن الفعل. " موسوم ": أي يسمى. وهذا بالجر صفة الشرح. و" موسوم " من وسم يسم وسما وسمة. وسمته: إذا أثرت فيه بشيء. والهداية في الأصل مصدر، لكن جعلت هاهنا عملا للكتاب. م: (أجمع فيه) ش: أي في شرح آخر، الذي سماه " الهداية "، وهو جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، ومحلها النصب على الحال من الضمير الذي في " صرفت "، وهو من الأحوال المقدرة. م: (بتوفيق الله تعالى) ش: أي تيسيره وعونه. م: (بين عيون الرواية ومتون الدراية) ش: العامل في " بين " أجمع. والعيون " جمع عين الشيء، أي: خياره، وأراد به ما ينقل عن العلماء من المسائل المجازة. " والرواية ": مصدر: روى. " والمتون ": جمع متن الشيء، أي: قوته. ومنه سمي الظهر متنا؛ لأن بالظهر قوة البدن وقوامه. يقال: متن الشيء متنا، وبالضم متانة فهو متين: إذا صلب، " والدارية ": مصدر درى، وأراد ما يستنبط من العلوم. والحاصل أن عيون الرواية التي اختارها العلماء، ومتون الدراية المعاني المؤثرة والنكات اللطيفة. م: (تاركا للزوائد في كل باب، معرضا عن هذا النوع من الإسهاب) ش: " تاركا ": حال من الضمير الذي في " أجمع "، وكذلك " معرضا ": حال، إما من المتداخلة أو من المترادفة، والمراد من " الزوائد " الفروع الأخر التي ذكرها غيره معرضا. وأشار بقوله: " عن هذا النوع من الإسهاب " إلى ما وقع في " كفاية المنتهي " من الإسهاب أي: الإكثار في الكلام. يقال: أسهب الرجل: إذا أكثر من الكلام، فهو مسهب بفتح الهاء، ولا يقال بكسرها وهو نادر وخارج عن القانون. وأسهب الفرس: اتسع في الجري والسبق. وبين " الباب " و " الإسهاب " جناس أيضا كما بين الرواية والدراية. م: (مع ما أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول) ش: كلمة " مع " للمصاحبة. " وما " مصدرية. فإن قلت: " مع " اسم أو حرف؟.
وأسال الله أن يوفقني لإتمامها، ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها حتى إن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: اسم، بدليل دخول التنوين عليها في قولك " معا "، وتسكين عينها لغة تميم، وربيعة، بلا ضرورة خلافا لسيبويه، وتستعمل مضافة، وتكون ظرفا، ولها حينئذ ثلاثة معان: أحدهما: موضع الاجتماع، ولهذا يكنى بها عن الذوات، نحو: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] (سورة محمد: الآية 24) . والثانية: مرادفة عند. والثالثة: زمانية، نحو: جئتك مع العصر. وهاهنا على المعنى الأول، والتقدير: مع شمول الذي أجمعه على أصول تنسحب عليها فصول من الفروع. وشمل، بفتح الميم، من شملهم الأمر: إذا عمهم، " والأصول ": جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره. وينسحب: من سحبت ذيلي فانسحب، أي: جررته فانجر. " والفصول ": جمع فصل، وهو في اللغة: القطع، يقال: فصلت بين الشيئين: إذا فرقت بينهما. وأراد بالفصل هاهنا، الحاجز بين الحكمين في الفروع التي يوردها في كتابه. وبين الأصول والفصول جناس. م: (وأسأل الله أن يوفقني لإتمامها، ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها) ش: أسأل، جملة دعائية ولا محل لها من الإعراب. و " أن يوفقني ": في محل النصب على المفعولية. و " أن " مصدرية، والتقدير: أسأل الله التوفيق، وقد مر تفسيره من [قبل] . قوله: " ويختم " عطف على " يوفقني ". و " بعد ": نصب على الظرفية، والعامل فيه قوله: " يختم " وفيه من السجع والتزيين للكلام. م: (حتى إن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر) ش: حتى للغاية في الأصل، ولكن هاهنا فيها معنى التعليل، وليست للجر بدليل " إن " بعدها بالكسر، ولو كانت للجر لفتحت همزة " إن "؛ لأن القاعدة أن حرف الجر إذا دخلت على إن فتحت همزتها، نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6] (الحج: الآية 6) . فإن قلت: هذا يرتبط بماذا؟ قلت: بقوله: " فصرفت العنان والعناية "، ويجوز أن يرتبط بقوله: " تاركا للزوائد، في كل باب معرضا عن هذا النوع من الإسهاب "، وذكر هاهنا شيئين: تركه للزوائد، وإعراضه عن
ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر، وللناس فيما يعشقون مذاهب، والفن خير كله. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتطويل، وذكر في مقابلتهما شيئين: الرغبة في الأطول والأكبر، والاقتصار على الأقصر والأصغر. وأشار إلى [أن] من كانت همته عالية يرغب في الفصل الأول، ومن كانت همته قاصرة يقتصر على الفصل الثاني. قوله: " سمت ": أي: علت، من السمو وهو العلو. (والهمة) ، بكسر الهاء: ما يهم فيه الرجل بقلبه وقالبه. وجاء الفتح في الهاء. قوله: " مزيد الوقوف ": أي زيادة الوقوف على الأقسام العسيرة من الفروع. قوله: " يرغب ": من رغب في الشيء: إذا أراده، رغبة ورغبا بالتحريك، وارتغب فيه مثله. ورغب عن الشيء: إذا لم يرده. ومحل " يرغب " الرفع؛ لأنه خبر لقوله " من سمت " والأطول يقابله الأقصر، والأكبر يقابله الأصغر، والأشياء تتبين بضدها. م: (ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر) ش: أعجله بمعنى عجله أي: استحثه عن أن يريد الوقوف. وفيه من محاسن الكلام اشتماله على الطباق، ويسمى المطابقة: وهي الجمع بين المتضادين، يعني معنيين متقابلين في الجملة، فإن ذكر الأطول وذكر ما يقابله وهو الأقصر، وذكر الأكبر وذكر ما يقابله وهو الأصغر من هذا الباب. وفيه من المحاسن اشتماله على الجمع. وفيه أيضا إسناد مجازي، وهو إسناد أعجل إلى الوقت، وهو مجاز عقلي، كما في قوله: " قيام الليل وصيام النهار ". وأشار بهذا الكلام إلى أن طلاب العلم على قسمين: أحدهما: من همته عالية لا يقنع بالقليل منه، والآخر: من همته قاصرة يقنع باليسير منه. ويجوز أن تكون هذه القسمة من جهة سعة الوقت وضيقه على ما [لا] يخفى. ومن مذهبي حب الديار لأهلها. م: (وللناس فيما يعشقون مذاهب والفن خير كله) ش: هذا شطر بيت وقبله: " ومن عادتي حب الديار لأهلها " وهو من قصيدة بائية من الطويل قالها أبو فراس واسمه همام، وقيل هميم بالتصغير ابن غالب التميمي، وفرزدق لقبه لقب به؛ لأنه كان جهم الوجه، والفرزدق في الأصل قطع العجين واحدتها فرزدقة، وقيل لقب به لفظه وقصره شبه القنينة التي يشير بها النساء وهي الفرزدقة، والأول أصح؛ لأنه أصابه جدري في وجهه ثم برأ منه فتبين وجهه جهما متقطبا، توفي بالبصرة سنة عشر ومائة، وأشار بهذا البيت إلى أن الناس لهم أهواء مختلفة، ولهم فيما يميلون إليه مذاهب وطرق مختلفة في كل فن من الفنون، ولهذا أشار إليه بعد ذلك بقوله: " والفن كله خير " أراد به إن كل فن من أي فن كان الذي يميل إليه الشخص هو خير عنده في زعمه، وإن كان غير خير عند غيره؛ لأنا ذكرنا أن الناس لهم أهواء مختلفة وهي
ثم سألني بعض إخواني أن أملي عليهم المجموع الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــQفنون كلها خير بالنسبة إلى ما في زعم أصحابها، ألا ترى كيف قال الفرزدق ومن عادتي حب الديار لأهلها حيث جعل حب الديار لأجل أصحابها ملة وعادة، وذلك خير بالنسبة إلى ما في زعمه، وإن كان ذلك غير خير عند غيره، وقالت الشراح هاهنا: إنه لما قال من سمت همته إلى مزيد الوقوف إلى آخره، حرض بعد ذلك بقوله: والفن خير كله، فكأنه قال علم الفقه كله خير، فإن شئت فارغب في الأطول والأكبر كشفا وتأصيلا، وإن شئت فارغب في الأقصر والأصغر حفظا وتحصيلا، أو معناه حسن العلم فارغب في ذا أو في ذاك، أو معناه حسن العلم فارغب في أي نوع شئت. قلت: الذي دعاهم إلى هذا كونهم جعلوا قوله: " والفن خير كله " مرتبطا بقوله: " من سمت همته إلى آخره " والذي يظهر لي أنه مرتبط بشطر البيت الذي ذكره فكأنه يحرض بذلك إلى تحصيل فن من الفنون؛ لأن الفنون كلها خير، ولكن القرينة الحالية والمقالية دلت على أن مراده تحريضه وترغيبه في فن مخصوص متن وهو علم الفقه؛ لأنه بصدد بيانه فافهم، ثم الفن واحد الفنون، وهي الأنواع وإلا فالأساليب وهي أجناس الكلام، وطرقه وقوله " خير " بفتح الخاء وسكون الياء يقال: رجل خير وخير وكذلك امرأة خيرة وخيرة، وهذا لا يراد به أفعل فإن أريد به أفعل التفضيل يقال: فلان خير الناس وفلانة خير الناس وهؤلاء خير الناس فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث قوله " كله " من ألفاظ التوكيد المعنوية فلا يؤكد به إلا المعرفة وقال الأخفش والكوفيون يؤكد به النكرة أيضا إذا كانت محدودة ويجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكد نحو قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] (الحجر: الآية 30) فإذا أضيفت إلى المعرفة كانت لعموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى النكرة كانت لعموم الأجزاء، فعلى هذا إذا قلت كل زمان مأكول يصح؛ لأن المعنى كل فرد من أفراد الزمان مأكول، وهذا لا يصح كما ترى، وعن هذا قالت النحاة: كل اسم موضوع لاستغراق أفراد النكرة نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] (سورة آل عمران: آية 185) ، والمعرف كالمجموع نحو " كنتم " آية وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن، فإذا قلت: أكلت كل الرغيف لزيد كانت لعموم الأفراد فإذا أضيف الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد، وقوله: " الفن " مبتدأ، وخبره قوله " خير "، وقوله " كله " تأكيد للفن والمعنى كل فرد من أفراد الفن خير والألف واللام فيه إما للجنس فالمعنى أي فن كان من الفنون، وإما للعهد فالمعنى فن الفقه أي علم الفقه كله خير. م: (ثم سألني بعض إخواني أن أملي عليهم المجموع الثاني) ش: " بعض إخواني " كلام إضافي مرفوع؛ لأنه فاعل سألني، وهو جمع أخ وأراد به الأخ في الدين، وإنما قال: " بعض إخواني "؛ لأنه لا يمكن السؤال من إخوانه كلهم؛ لأن المؤمنين شرقا وغربا إخوانه في الدين، قال الله
فافتتحته مستعينا بالله تعالى في تحرير ما أقاوله متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله ـــــــــــــــــــــــــــــQتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (الحجرات: الآية 10) . قوله: " أن أملي عليهم " من الإملاء يقال أمليت الكتاب وأملي وأمليت لغتان جيدتان جاء بهما القرآن، وكلمة " أن " مصدرية تقديره سألني بعض إخواني إملاء المجموع الثاني عليهم، والمراد " الهداية " فكأنه بعد صرف العناية إليه لم يشرع فيه حتى سأله بعض إخوانه الإملاء عليهم، وروي أنه بقي في تصنيفه ثلاث عشرة سنة، فكأنه كان يملي عليهم في أثناء تلك المدة، وكان يصوم في تلك المدة ولا يفطر أصلا، وكان لا يطلع على صومه أحدا حتى إن خادمه كان يأتي إليه بطعام وكان يقول له ضع واذهب أنت فإذا مضى كان يطعمه أحدا من الطلبة وغيرهم، فببركة هذا الزهد صار كتابه مقبولا بين العامة والخاصة وبلغ حيث ما بلغ الإسلام. م: (فافتتحته مستعينا بالله في تحرير ما أقاوله) ش: الفاء فيه تصلح أن تكون للسببية، ومستعينا حال من الضمير المرفوع في افتتحته قوله: " في تحرير ما أقاوله " أي في تخليص ما أقاوله وتقويمه، والمقاولة القول من الجانبين، يقال: قاول يقاول كدارس يدارس، وأشار بهذا إلى زيادة مقاساة في القول؛ لأنها من باب المفاعلة. م: (متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله) ش: إليه أي إلى الله تعالى، و " متضرعا " حال مثل " مستعينا " ويجوز أن تكون في الأحوال المتداخلة و " التضرع " طلب الحاجة على وجه المسكنة، يقال: ضرع الرجل ضراعة أي خضع وذلك وأضرعه غيره، وتضرع إلى الله ابتهل، قوله: لما أحاوله: من المحاولة، يقال: حاولت الشيء إذا أراد به، المحاولة طلب الشيء بحيلة ومنه الحديث: " اللهم بك أحاول "، أي بنصرك، وتوفيقك أدفع عني كيد العدو وأطلب الوثوب إليهم. وفيه من محاسن الكلام حسن الأسجاع المذكورة ومنها الازدواج بين " أقاوله " و " أحاوله " ومنها المبالغة في البيان بالتفصيل بعد الإجمال، ليكون إشارة إلى عملين فالعملان خير من عمل واحد، وذلك في قوله: " في التيسير لما أحاوله " حيث لم يقل في تيسير ما أحاوله بالإضافة فيه إشارة إلى ما ذكرنا وقصدا للمبالغة بخلاف قوله: " في تحرير ما أقاوله " حيث ذكره بالإضافة؛ لأن المبالغة حاصلة من صيغة المقاولة. فإن قلت: فكذلك المبالغة حاصلة في صيغة المحاولة. قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن المفاعلة فيه ليست على بابها كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133]
إنه الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (سورة آل عمران: آية 133) بمعنى أسرعوا، وسافر الرجل بمعنى سفر. م: (إنه المسير لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير) ش: أي إن الله عز وجل هو الميسر لكل أمر صعب. قوله " قدير " وقوله " جدير " خبر مبتدأ محذوف تقديره " وهو بالإجابة جدير ": أي لائق، يقال فلان جدير بكذا أي خليق، وأنت جدير أن تفعل كذا والجمع جدر أو جديرون وفيه حسن التعليل، وهو قوله: " إنه الميسر " لأنه وقع موقع التعليل، يعني إنما فتحت إملاء " الهداية " مستعينا بالله لأنه الميسر لكل عسير.
[كتاب الطهارات]
كتاب الطهارات ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كتاب الطهارات] [تعريف الوضوء] م: (كتاب الطهارات) ش: الكتاب والكتابة في اللغة جمع الحروف من الكتب، وهو الجمع، تقول: كتبت البلغة إذا جمعت بين شفريها بحلقة، أو سير من كتب يكتب من باب نصر ينصر، ويكتب من باب ضرب يضرب وكتبا كتابة، وكتبت القرية إذا أحرزتها فهي كتيب، والكتيبة بالضم الحرزة، والكتيبة الجيش، وكتبت الخيل إذا اجتمعت، والكتابة تصوير اللفظ بحروف هجائية؛ لأن فيها جمع الحروف والكلمات، والكتاب العرض، والحكم، والقدر، قال النابغة الجعدي: يا بنت عمي كتاب الله أخرجني ... عنكم وهلا متعن الله ما فعلا ويقال: أراد بالكتاب هاهنا المكتوب مجازا، كالحساب بمعنى المحسوب، ويقال في تعريف الكتاب: الكتاب طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة، اشتملت أنواعا أو لم تشتمل، فقوله: " طائفة " كالجنس، وقوله " من المسائل الفقهية " اخرج به غيرها، وقوله: " اعتبرت مستقلة " أي مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية غيرها إياها، ليدخل فيه هذا الكتاب، فإنه تابع للصلاة ويدخل كتاب الصلاة فإنه مستتبع للطهارة، وقد اعتبرا مستقلين. أما كتاب الطهارة فلكونه المفتاح، وأما كتاب الصلاة فلكونه المقصود الأصلي، فظهر من هذا أن اعتبار الاستقلال قد يكون لانقطاعه عن غيره ذاتا، كانقطاع كتاب " اللقطة " عن كتاب " الآبق "، وكتاب " المفقود " وانقطاعها عن كتاب الصلاة والزكاة، وقد يكون لمعنى يؤثر ذلك كانقطاع الصرف عن " البيوع "، و " الرضاع " عن " النكاح " و " الطهارة " عن " الصلاة " كما ذكرنا. وقوله: " اشتملت أنواعا أو لم تشتمل " لدفع قول من يقول: الكتاب جنس يدخل تحته أنواع من الجملة، وكل نوع يسمى بالباب والباب اسم لنوع مشتمل على أشخاص تسمى فصولا فإن الكتاب قد يكون كذلك، وقد لا يكون، فإن من الكتب ما لم يذكر فيه لا باب ولا فصل، " ككتاب اللقطة واللقيط " و " الآبق " وغيرهما على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فلو لم يذكر ذلك ربما توهم ذلك، فذكره دفعا لذلك. الطهارة: في اللغة النظافة، وفي الاصطلاح: عبارة عن صفة تحصل لمزيل الحدث والجنب عما تعلق به الصلاة سواء كان طبعا أو شرعا. فإن قلت:، ذكر أو في الحدود لا يجوز. قلت: أو هاهنا ليست بمانعة الجمع، فلا يضر الحد، وإنما قال: عما تعلق به الصلاة ليتناول المكان فإن طهارته شرط على ما سيأتي. قال صاحب " الدراية ": الطهارة لغة النظافة، وشرعا نظافة الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا تعريف غير صحيح؛ لأن الطهارة أعم من الوضوء والتعريف المذكور لا يطلق إلا على الوضوء. 1 - والوضوء نوع من أنواع الطهارة. وهي على وزن فعول بضم الفاء من الوضاءة وهي الحسن. قال الجوهري: الوضاءة الحسن والنظافة، تقول منه: وضاء الرجل، أي صار وضيئا، وتوضأت للصلاة، ولا تقول توضيت، وبعضهم يقول ذلك. والوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به. والوضوء أيضا مصدر من توضأت للصلاة، مثل الولوع والقبول. وقال اليزيدي: الوضوء: بالضم المصدر، وحكي عن أبي عمرو بن العلاء القبول بالفتح مصدر لم يسمع غيره، وذكر الأخفش في قَوْله تَعَالَى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] (التحريم: الآية 6) فقال: الوقود بالفتح هو الحطب، والوقود بالضم الإيقاد وهو الفعل، قال: ومثل ذلك الوضوء وهو الماء، والوضوء وهو الفعل، ثم قال: وزعموا أنهما لغتان بمعنى واحد، تقول الوقود والوقود ويجوز أن يعني بهما الحطب ويجوز أن يعني بهما الفعل، وقال غيره: القبول والولوع مفتوحان وهما مصدران شاذان وما سواهما من المصادر فمبني على الضم، وفي اصطلاح الشريعة هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، ويقال: هو عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة، ومسح عضو مخصوص. فإن قلت: لم اختار لفظ الجمع في الطهارات دون المفرد، كما ذكره غيره. قلت: للتصريح بإرادة أنواع الطهارة؛ لأنه لو ذكرها بلفظ الإفراد لكان فهم الأنواع على سبيل الاحتمال لا القطع؛ لأن الجنس واقع على الأدنى مع احتمال الكل. فإن قلت: إذا دخلت الألف واللام على الجمع تبطل الجمعية وتكون للجنس أيضا فأي فائدة في جمعها حينئذ. قلت: هذا فيه خلاف على ما تقرر في موضعه فيجوز أن يكون المصنف أراد به مطلق الجمع كما هو مذهب البعض في اللام إذا دخلت في الجمع. فإن قلت: الطهارة مصدر فلا يثنى ولا يجمع. قلت: إذا أريد به النوع يجوز أن يجمع. فإن قلت: فلم لم يجمع الصلاة والزكاة ونحوهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا لا يتمشى فيهما، أما الصلاة فلأنها متحدة أنواعها؛ لأنها عبارة عن الأركان المعهودة، وأما الزكاة فإنها عبارة عن إيتاء الربع من العشر وهو واحد، بخلاف الطهارة، فإن أنواعها مختلفة كما يرى من اختلاف طهارة الحدث، والجنب، والطهارة بالتيمم، ولا ترد علينا صلاة الجنازة؛ لأنها ليست بصلاة حقيقة لأنها دعاء، ولهذا جازت ركوبا قياسا استحسانا، ويجوز بالتيمم عند وجود الماء حتى إن الشعبي لم يشترط فيها الطهارة أصلا. وقوله: " كتاب الطهارة " كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذا كتاب الطهارة، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي كتاب الطهارة هذا، ويجوز أن ينصب الكتاب على تقدير هات كتاب الطهارات، أو خذه، أو نحو ذلك. فإن قلت: ما هذه الإضافة؟ قلت: إضافة معنوية بمعنى في، أي: هذا كتاب في الطهارات أي في بيانها؛ لأن الكتاب ليس في نفس الطهارة، ويجوز أن تكون بمعنى اللام للاختصاص وإنما قدم العبادات على غيرها من المعاملات والزواجر لكونها أهم؛ لأن العبادة هي التي تحقق معنى العبودية وما خلق الثقلان إلا لهذا، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (الذاريات: الآية 56) . فإن قلت: لم قدم الصلاة على غيرها من العبادة؟ قلت: لأنها ثانية الإيمان في الكتاب والسنة، ولأنها عماد الدين، والبيت لا يقوم إلا على الأعمدة. فإن قلت: الأصل في العبادات الإيمان، فكان ينبغي أن يقدم. قلت: هو متعلق بعلم الكلام، وهو علم مستقل بذاته فذكره هنالك أولى، وتقديم الطهارة على الصلاة؛ لأنها شرط الصلاة، وشرط الشيء يسبقه وجملته تعقبه، والشرط ما يتوقف على وجوده الشيء، ولا يكون منه فبالضرورة يكون مقدما على المشروط، فقدم عليه أيضا وضعا ليوافق الوضع الطبع، وتقديمها على سائر الشروط كاستقبال القبلة وستر العورة ونحوهما لأنها لا تسقط بالأعذار بخلاف غيرها، ولأن الله تعالى استقصى في بيانها ما لم يستقص في غيرها فكان التقديم بها أهم، وإنما قدم بيان الوضوء الذي هو طهارة صغرى على الغسل الذي هو طهارة كبرى، إما اقتداء بالكتاب العزيز، فإنه ذكر على هذا الترتيب، وإما باعتبار شدة الاحتياج إلى علم الوضوء باعتبار كثرة دورانه. 1 - فإن قلت: ما سبب الوضوء؟ قلت: عند الظاهرية القيام إلى الصلاة لظاهر النص؛ لأنه يقتضي وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة؛ لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الطهارة، وحكم الجزاء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأن يتأخر عن الشرط، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، إنما يقع الطلاق بعد الدخول، وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة؛ لأنه مقتضى اللفظ، وحقيقته فعلى هذا كل من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ. قلت: هذا باطل «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رأيتك اليوم تفعل شيئا لم تكن تفعله، فقلا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " عمدا فعلت، كيلا تحرجوا» والحديث أخرجه مسلم من طريق مسلم بن يزيد عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: " عمدا صنعته يا عمر» رواه الترمذي أيضا، ولفظه: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد.» الحديث، وأخرجه الطحاوي نحو رواية مسلم، فدل هذا على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للطهارة إذ لم يجدد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طهارة لكل صلاة، فثبت بذلك أن في الآية مقدرا يتعلق به في إيجاب الوضوء وهو: إذا قمتم إلى الصلاة من مضاجعكم، وروى الطحاوي في " معاني الآثار " وأبو بكر الرازي في " الأحكام "، والطبراني في " الكبير " من طريق جابر بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم «عن عبد الله بن علقمة عن أبيه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أجنب أو أهرق الماء إنما نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا.. حتى نزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) » ، فدل هذا الحديث على أن الآية نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة، وأن التقدير في الآية في إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون. فإن قلت: حديث جابر الجعفي غير ثابت، فلا يتم به الاستدلال. قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن سفيان يقول: كان جابر ورعا في الحديث، ما رأيت في الحديث أورع منه، وعن شعبة: هو صدوق في الحديث، وقال: هذا الحديث مطلقا للدوران وجودا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوعدما، وهو أيضا باطل؛ لأنا نعلم أن الدوران دليل الغلبة ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن الدوران وجودا موجود؛ لأنه قد يوجد الحديث ولا يجب الوضوء ما لم تجب الصلاة بالبلوغ ودخول الوقت، وعندنا هو الصلاة بدليل الإضافة إليها وهي أمارة السببية لكن شرطه الحدث؛ لأنه تعالى ذكر التيمم معلقا بالحدث والنص في البدل نص في الأصل؛ لأنه لا يفارقه بشرط وسببه هكذا ذكره الشيخ حافظ الدين النسفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - واعترض عليه الشيخ قوام الدين، وقال: لا نسلم أن البدل لا يفارق الأصل بشرطه وسببه وقد فارقه في النية وهي شرط في التيمم دون الوضوء. قلت: هو عين النية؛ لأن التيمم في اللغة عبارة عن القصد، قال الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يسلني أي: إذا قصدت والقصد هو عين النية، فإذا كان كذلك كيف يطلق على النية أنها شرط التيمم والحال أن شرط الشيء خارج عن ذاته فإذا سقط الاعتراض المذكور. فإن قلت: قد صرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فعلم بذلك أن الحدث هو سبب الوضوء. قلت: السبب الصلاة، وشرطه الحدث، لما ذكرنا، ولقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] ، أي من مضاجعكم وهو كناية عن النوم، وهو الحدث، وأما التصريح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء فليعلم أن الوضوء يكون سنة وفرضا والحدث شرط في الفرض دون السنة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور، والغسل على الغسل، والتيمم على التيمم ليس كذلك، وهو المشهور فيهما عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قال المتولي من الشافعية: في موجب الوضوء: ثلاثة أوجه: أحدها: الحدث، فلولاه لا يجب. الثاني: القيام إلى الصلاة؛ لأنه لا يتعين عليه قبله. الثالث: وهو الصحيح عند المتولي وغيره أنه يجب بهما ثم الحدث يحل جميع البدن في وجه كالجنابة حتى منع من مس المصحف بظهره وبطنه والاكتفاء بغسل الأعضاء الأربعة تخفيف، وفي وجه يختص بالأربعة وعدم جواز المس لعدم طهارة جميع البدن بالنجاسة الحقيقية وفي الأصح اختلاف عندهم، فقال الشافعي: العموم، وقال النووي وغيره: الاختصاص ورجحه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنووي. فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأعضاء الأربعة في الوضوء قلت لأن الله تعالى لما نهى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الجنة عن قربان تلك الشجرة وتناولها صارت هذه الأعضاء الأربعة مذنبة فمن الرجلين المشي ومن اليدين فإن قلت: كان ينبغي أن تجب المضمضة أيضا؛ لأن الفم حصل منه ما حصل. قلت: آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما كان ممنوعا من الأكل، وإنما كان ممنوعا من القربان إليها بقوله: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] (البقرة: الآية 35) ولم يحصل من الفم القربان بخلاف الأعضاء المذكورة، وقيل فعل الفم كان بعد حصول ما حصل من آدم، فلم يكن له ذنب، وقيل: إنما لم يجب غسل الفم لأن مطهر الأبدان قد طهره، وهو قول: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وطهارة جميع الأعضاء بالفم واللسان، ألا ترى أن الكافر إذا لم يقل ذلك يسمى نجسا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (سورة التوبة: الآية 28) . فإن قلت: ما الحكم في تخصيص الأعضاء الثلاثة بالغسل والرأس بالمسح قلت الرأس لم يحصل منه شيء في قضية القربان فلم يبين له الغسل ولذا اختص بالمسح باليد المقترفة إليه وذلك كما ذكرنا أنه وضع يده على رأسه لما أصابه من الغم، وقيل: إنما اختصت هذه الأعضاء الأربعة أما الوجه فلأنه أحسن الأعضاء، وأما اليدان فلأن سائر الحيوانات ليست لها أيد باطشة، ولا آخذة، بل أخذها الأشياء بفهمها حتى لا تميز بين الخبيث والطيب، وأما الرجلان فلأن الله تعالى خلق ابن آم خلقة مستوية وخلق سائر الحيوانات خلقة منكوسة فأمر بغسل هذه الأعضاء شكرا لما صنع، وأما الرأس فقد رفع عنه السيف والجزية بدين الإسلام، فاكتفى بالمسح شكرا على ذلك، وقيل: لما كانت الصلاة مناجاة ومحل القرب أمرهم بتطهير هذه الأعضاء الذميمة وقيل: إنما أمر بغسل هذه الأعضاء الثلاثة لما ارتكبوا بها من الحرام؛ لأن مباشرة العبد لا تكون إلا بهذه الأعضاء، وأما الرأس فلأنه مجمع الحواس فكذلك خص أيضا بالتطهير واكتفي فيه بالمسح لأن الغسل ربما يضره، وقيل إن العبد إذا شرع في الخدمة يجب أن يجدد نظافته وأيسرها تنقية الأعضاء التي تنكشف كثيرا لتحصل بها نظافة القلب إذ تنظيف الظاهر يوجب
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] . ـــــــــــــــــــــــــــــQتنظيف الباطن. م: (قال الله تعالى) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) الآية الكريمة، مقول القول، وافتتح الكتاب بالآية المذكورة لكونها أصلا في استنباط مسائل هذا الباب، أو لأجل التبرك في افتتاح الكتاب، وإن كان حق الدليل أن يؤخر عن المدلول؛ لأن الأصل في الدعوى تقديم المدعي، وهي مفتتحة بالنداء الذي هو نوع الطلب؛ لأنه طلب إقبال المخاطب بحرف نائب مناب أدعو إما بحرف نداء للبعيد حقيقة أو حكما، وقد ينادى بها القريب توكيدا، وقيل: هي مشتركة بين البعيد والقريب، وقيل بينهما وبين المتوسط، وهي أكثر حروف النداء استعمالا ولهذا لا يقدر عند الحذف سواها نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] (يوسف: الآية 29) ، ولا ينادى اسم الله والاسم المستغاث وأيتها وأيها ولا المندوب إلا بها أو بهيا، وقوله من قال أن " يا " مشتركة بين القريب والبعيد هو الأصح؛ لأن أصحاب اللغة ذكروا أن " يا " حرف ينادى به القريب والبعيد. فإن قلت: ما تقول في قول الداعي يا الله، قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] (ق: الآية 6) . قلت: هذا استقصار منه لنفسه، واستبعاد عن مظان القبول لعلمه. و " أي " اسم لخمسة معان: الأول للشرط نحو {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] (الإسراء: الآية 110) . الثاني: الاستفهام. نحو: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124] (التوبة: الآية 124) . الثالث: يكون موصولا نحو: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69] (مريم: الآية 69) والتقدير لننزعن الذي هو أشد، نص عليه سيبويه. الرابع: يكون صفة للنكرة، نحو: زيد رجل: أي رجل: أي كامل في صفة الرجال، وجاء للمعرفة نحو مررت بعبد الله أي رجل. الخامس: يكون صلة لما فيه (ال) نحو يا أيها الرجل ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، وزعم الأخفش أن أيا هذه هي الموصولة حذف صدر صلتها وهو العائد، والمعنى: يا من هو الرجل، وكذلك التقدير هاهنا على قوله: يا من هم الذين إذا قمتم إلى الصلاة. وها تستعمل على ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون اسم الفعل نحو خذ تقول للمذكر " ها " بالفتح و " ها " للمؤنث بالكسر وها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوهان وهاؤم قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (الحاقة: الآية 19) . الثاني: أن يكون ضميرا للمؤنث نحو ضربها وغلامها. الثالث: أن تكون للتنبيه فتدخل على أربعة: الأول: الإشارة نحو لهذا. الثاني: ضمير رفع المخبر عنه باسم إشارة نحو أنتم أولاء. الثالث: اسم الله تعالى في القسم عند حذف الحرف نحو ها الله بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألفها وحذفها. الرابع: نعت " أي " في النداء نحو يا أيها الرجل، وهي في هذا واجبة للتنبيه على أنه المقصود بالنداء ومنه قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] ، والذين اسم موصول موضوع لجمع الذي؛ لأن الذين عام لذي العلم وغيره، والذي يختص بذي العلم، ولا يكون الجمع أخص من مفرده، فمن هذا قول قوام الدين في شرحه: إن الذين جمع الذي صادر من غير تحقيق، والذي لا يخلو إما أن يكون صفة لأي، أو يكون موصوفها محذوفا، تقديره: يا أيها الناس الذين آمنوا، ويا أيها القوم الذين آمنوا، ونحو ذلك؛ لأن الموصولات وضعت وصلة إلى المعارف بالجمل و " أي " ليس بمعرفة فلا يكون الذي صفة له. فإن قلت: كيف يكون الذي صفة " لأي " وصفة " أي " هو المفرد من الناس أو القوم؟ قلت: المجموع كلمة هو صفة " أي " لا المقدر وحده، ولا الموصول وحده، فعن هذا سقط اعتراض الشيخ قوام الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الشيخ حافظ الدين النسفي في قوله: " الذين آمنوا صفه لأي " لأنه ليس كذلك لأن صفة أي هو المقدر من القوم، أو الناس ثم " آمنوا " صفة لتلك الصفة المقدرة " لأي " بواسطة " الذين، " قوله " آمنوا " فعل ماض لجمع المذكر الغائبين من أمن يؤمن إيمانا، وهي جملة من الفعل والفاعل وضعت صلة للموصول ولا محل لها من الإعراب؛ لأنها لم تقع موقع المفرد، وهي فعل الشرط. وقوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] جواب الشرط فلذلك دخلت الفاء، ثم اعلم أن القياس في قوله: آمَنُوا أن يقال آمنتم لأن من حق المنادى بكونه مخاطبا أن يعبر عنه فيقال: يا إياك، يا أنت، إذ مقتضى الحال في المخاطب أن يعبر عنه بضميره، لكن لما كان النداء لطلب الإقبال ليخاطب بعده بالمقصود المنادى إذا ذهل عن كونه مخاطبا نزل منزلة الغائب فعبر عنه بالضمير الذي هو الغائب ليكون أقصى لحق البيان ولما جاء الاختلاف بقوله: آمنوا وآمنتم ذهب بعضهم إلى أن هذا من قبيل الالتفات؛ لأن آمنوا للغائب وآمنتم مخاطب، وممن قال ذلك الشيخ حافظ الدين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنسفي في " المستصفى شرح المنافع "، وشنع عليه الشيخ قوام الدين في شرحه، ونسبه في ذلك إلى الغلط، وقال: ليس الأمر كذلك؛ لأن الالتفات لا يكون إلا فيما إذا كان حق الكلام بالغيبة وذكر بالخطاب أو بالعكس ولم يقع الكلام في الآية إلا في الموضع الذي اقتضاه. قلت: على تقدير كلام النسفي صحيح، والحط عليه مردود يفهم ذلك من التقرير الذي سبق، بل الصحيح أن منع الالتفات هاهنا مبنى على أن " آمَنُوا " صلة " الذين " والموصولات غيب، والضمير الذي يكون راجعا من الصلة إلى الموصول لا يكون إلا غائبا ويكن الجملة كلها أعني قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] في حكم الخطاب لأنه منادى فوجب أن يكون ما بعده خطابا، فكان قولهم: قمتم بالخطاب واقعا في محله، مخرجا على مقتضى ظاهره، فلا يكون من الالتفات؛ لأنه انتقال من صيغة إلى صيغة أخرى سواء كان الضمير بعضها إلى بعض، أو من غيرها. وذهب بعضهم بناء على ما ذكر من أن قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] في حكم الخطاب إلا أن الغائبين إنما يدخلون تحت الخطاب بالدلالة أو بالإجماع، وقال بعضهم: إنما قال: آمَنُوا دون آمنتم ليدخل تحته كل من آمن إلى يوم القيامة، ولو قال: آمنتم لاختص لمن كانوا في عصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثم اعلم أن تقييد الفعل بحرف الشرط في أكثر الكتب يكون لاعتبارات شتى لا يعرف ذلك إلا بمعرفة أدوات الشرط التي هي إن، وأما، وإذا، وإذما، وإذ، ومتى، وكيفما، وأين، وأينما، وحيث، وحيثما، ومن، وما، ومهما، وأي، ولو، وصاحب " العناية " لا يتكلم إلا في " إذا " أو " إذا " و " لو " لكثرة دورانها مع تعلق اعتبارات لفظية بهما، أما " إن " و " إذا " فللشرط في الاستقبال يعني: لتعليق الفعل في الزمان المستقبل، لكن أصل " إن " عدم الجزم بوقوع الشرط: يعني: عدم جزم القائل بوقوع شرطها، ولا وقوعه، بل بتجويز كل منهما لكونه غير متحقق الوقوع كما في " إن طلعت الشمس " وإلا لا وقوع كما في " إن طار إنسان " ونحو " إن يكرمني أكرمك: إذا لم يعلم القائل أنه يكرمه أم لا، وأصل " إذا " الجزم. أي جزم القائل بوقوع الشرط تحقيقا وخطابا كقولك إذا جاء يحيى فإن مجيئه ليس قطعيا تحقيقا كطلوع الشمس، بل تقديرا باعتبار خطابي أو ظني وهو أن المحب يزور الحبيب. فإذا تمهد هذا فنقول ذكرها في الآية الكريمة " بإذا " دون " إن " وذكر في آية الغسل بإن دون إذا، وذلك أنه لما كان القيام إلى الصلاة من الأمور الملازمة والأشياء الغالبة بالنسبة إلى حال المؤمن ذكرها " بإذا " التي تدخل على أمر كائن أو منتظر لا محالة بخلاف الجنابة فإنها بالنسبة إلى القيام إلى الصلاة قليلة جدا، وهي من الأشياء المترددة الوجود والأمور العارضة، فلذلك خصت " بإن ". فإن قلت: ما تقول في قوله: إن مات فلان؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذه لجهالة وقت الموت لا في وقوعه فلا يقدح ذلك، واعلم أن هاهنا إرادة الفعل بالفعل؛ لأن معنى قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] (النحل: الآية 98) التقدير: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، قال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل. قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له، وهي قصده إليه وخلوص داعيته فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الطيران والإبصار، وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة فأقيم المسبب مقام السبب للملاءمة بينهما ولإيجاز الكلام. فإن قلت: ما الحكمة في إضمار الحذف؟ قلت: كراهية أن يفتتح آية الطهارة بذكر الحدث، كما في قَوْله تَعَالَى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] (سورة البقرة: الآية 2) حيث لم يقل هدى للضالين الصائرين للتقوى بعد الضلال كراهية أن يفتح أول الزهراوين بذكر الضلالة. 1 - قوله: {إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الصلاة على وزن فعلة من صلى كالزكاة من زكى واشتقاقها من الصلى، وهو العظم الذي عليه الإليتان؛ لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود، وقيل للتاله من خيل السباق المصلي لأن رأسه يلي صلو التالي، ويقال للصلاة الدعاء ومنه قول الأعشى في وصف الخمر: وقابلها الريح في دنها ... وصلي على دنها وارسم أي: دعا لها بالسلامة والبركة. وأما في الشرع: فهي عبارة عن الأفعال المعهودة والأركان المعلومة. فإن قلت: كيف يكون المعنى في الوجهين؟ قلت: على الوجه الأول: تكون لفظة الصلاة من الأسماء المعتبرة شرعا، وعلى الوجه الثاني: تكون من الأسماء المنقولة شرعا لوجود المعنى اللغوي مع زيادتها شرعا، وفي الفعل المعنى اللغوي مراعى، وفي التغيير يكون باقيا، ولكنه زيد عليها شيء آخر وكلمة " إلى " تأتي لثمانية معان: الأول: إنه للغاية الزمانية، نحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، والمكانية نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] (الإسراء: الآية 1) .
[حكم الطهارة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثاني: البعد، نحو: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] (آل عمران: الآية 52) . الثالث: التبيين، وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعدما يقعد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم التفضيل {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33] (يوسف: الآية 33) . الرابع: بمعنى اللام، نحو: {إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] (طه: الآية 97) . الخامس: بمعنى في نحو: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87] (النساء: الآية 97) . السادس: الابتداء كقوله: تقول وقد عاليت بالكور فوقها ... فلا يلوي إلى ابن أحمر السابع: بمعنى عند، نحو: انتهى إلي من الرحيق السلسبيل: أي عندي. الثامن: التوكيد، وهي الزائدة، أثبت ذلك الفراء مستدلا بقراءة بعضهم: {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] (إبراهيم: الآية 37) بالفتح. وقوله: {إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] يتناول سائر الصلوات من الفروض والنوافل؛ لأن الصلاة اسم الجنس، فاقتضى أن يكون من شروط الصلاة الطهارة، أي صلاة كانت، واستدلت بظاهر الآية طائفة أن الوضوء لا يجوز إلا بعد دخول الصلاة، وكذلك التيمم، وهو فاسد؛ لأنه لم يقيد في النص دخول وقت الصلاة، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه النسائي وغيره من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» ، فهذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة قبل دخول الوقت بها؛ لأن الإمام يوم الجمعة لا بد ضرورة من أن يخرج قبل الوقت أو بعده وأي الأمرين كان يظهر هذا الربح من أول النهار كان قبل وقت الجمعة بلا شك. [حكم الطهارة] 1 قوله: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] يقتضي إيجاب الغسل وهو اسم لإمرار الماء على الموضع إذا لم يكن هناك نجاسة، فإن كانت فغسلها إزالتها بإمرار الماء أو ما يقوم مقامه، وليس عليه ذلك الموضع بيده، وإنما عليه إمرار الماء حتى يجري على الموضع، وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد اختلفت في ذلك على ثلاثة أوجه، فقال مالك بن أنس: عليه إمرار الماء ودلك الموضع به وإلا لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيكن غاسلا، وقال أصحابنا وعامة الفقهاء: عليه إجراء الماء عليه وليس عليه دلكه به. روى هشام عن أبي يوسف أنه إن مسح الموضع بالماء كما يمسح بالدلك أجزأه، وفي " التحفة " الغسل: تسييل الماء على الموضع، والمسح: إمراره عليه، فقد فسر المسح بما فسر الرازي الغسل به، وفي " البدائع ": لو استعمل الماء من غير إسالته كالتدهين به لا يجوز في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه يجوز وعلى هذا لو توضأ بالثلج، ولم يقطر منه شيء لا يجوز، ولو قطر قطرتان أو ثلاث جاز لوجود الإسالة، وفي " الذخيرة ": تأويل ما روي عن أبي يوسف إن سال من العضو قطرة أو قطرتان، ولم يتدارك وفي " الأحكام " لابن بريدة صفة الغسل في الأعضاء المغسولة أن يبل العضو بالماء بلة، وقال أبو يوسف: إذا مسح الأعضاء كمسح الدهن يجوز، وقال بعض التابعين: ما عهدناهم يلطمون وجهوهم بالماء، وجماعة العلماء على خلاف ما قاله أبو يوسف؛ لأن تلك الهيئة التي قال بها لا تسميه العرب غسلا البتة. قوله: {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] جمع وجه، وحكى الفراء في الوجوه، وهي الأوجه، وقال ابن السكينة: ويفعلون ذلك كثيرا في الواو، إذا انضمت، والوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة وهي المقابلة، وحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين وهما عظما الحنك ويسميان التكثرة وعليهما منابت الأسنان السفلى، ومن الأذن إلى الأذن، وقال أبو بكر الرازي والأقطع: حده من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى شحمة الأذن، حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبي سعيد البردعي. وقال الرازي: ولا يعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى، ولذلك يقتضي ظاهر الاسم إذا كان إنما يسمى وجها لظهوره، ولأنه يواجهه الشيء، ويقابل به، وهذا الذي ذكرنا من تحديده هو الذي يواجهه الإنسان ويقابله من غيره فإن قيل: فينبغي أن تكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى، قيل له: لا يجب ذلك؛ لأن الأذنين يستران بالعمامة والقلنسوة والإزار ونحوها، وفي " البدائع " لم يذكر الوجه في ظاهر الرواية وذكر في غير رواية الوصول كما ذكره في الكتاب، وقال: هذا حديث صحيح مستخرج داخل العينين والأنف والفم وأصول شعر الحاجبين واللحية والشارب وونيم الذباب ودم البراغيث بخروجه من الوجه، وقال أبو عبيد الله البلخي: لا يسقط، وبه قال الشافعي في الجديد والمزني وأبو ثور وإسحاق بن راهويه مطلقا، وحكى الرافعي قولا، وقال في " المبسوط " العين غير داخل في غسل الوجه، كما في إيصال الماء إليها حرج؛ لأنه شحم لا يقبل الماء، ومن تكلف من الصحابة فيه كف بصره في آخر عمره كابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي كتاب " العناية " للسروجي عن أحمد بن إبراهيم أن من غمض عينيه في غسل الوجه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغمضا شديدا لا يجزئه الوضوء، وقيل: من رمدت عينه فرمضت الماء واجتمع رمضها تكلف إيصال الماء إلى الآماق، كذا في " المنتخبة " وفي " المغني " الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما اتحد من اللحيين والذقن إلى أصول الأذنين ولا يعتبر كل واحد بنفسه بل لو كان أصلع ينزع شعره عن مقدم رأسه إلى منابت الشعر في الغالب، والانتزاع الذي ينزل شعره إلى الوجه يجب عليه غسل الشعر الذي ينزل من حد الغالب، وفي " الأحكام " لابن بريدة: للوجه حد طولا وعرضا فحده طولا من منابت الشعر المعتاد إلى الذقن، وقولنا: المعتاد احتراز من الأعمى، والأقرع، واختلفت المذاهب في حده عرضا على أربعة أقوال: فقيل: من الأذن إلى الأذن، وقيل: من العذار إلى العذار، في حق الملتحي، ومن الأذن إلى الأذن في حق الأمرد، والقول الرابع: إن غسل البياض الذي بين الصدغ والأذن سنة، انتهى. واللحية يحمل أن يكون من الوجه؛ لأنها مواجهة المقابل، ولا تغطي في الأكثر كسائر الوجه فيقتضي ذلك وجوب غسلها، ويحتمل أن لا تكون من الوجه؛ لأن الوجه ما واجهك من بشرته دون الشعر النابت عليه هذا ما كانت البشرة ظاهرة دونه، فلذلك اختلفوا في غسل اللحية وتخليلها ومسحها على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وما ذكرنا من حد الوجه يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين لمن قال بهما بالآية إذ ليس داخل الأنف والفم منه إذ هما غير مواجهين لمن قابلهما، فمن قال بإيجابهما فقد زاد على الكتاب، وهو غير جائز. وقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي جواز الصلاة بوجود الغسل سواء قارنته النية أو لم تقارنه، وذلك لأن الغسل اسم شرعي مفهوم المعنى في اللغة وهي إمرار الماء على الموضع، وليس عبارة عن النية، فمن شرط فيه النية فقد زاد على النص، وسيجيء مزيد الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] أي واغسلوا أيديكم، والأمر يدل على فرضية غسل اليدين، والأيدي جمع يد وأصلها يدي على وزن فعل بسكون العين، ويدل على هذا الجمع ويجمع على يد أيضا، وأصلة يدوي على وزن فلوس، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون وأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، وقد جمعت الأيدي في الشعر على أياد، قال جند بن المثنى: كأنه بالفحيمان الأبخل ... قطن شجاع بأياد غزل وهو جمع الجمع مثل أكوع، وأكاوع، ولغة بعض العرب أيد بحذف الياء من الأصل مع الألف واللام، كما يقلون في المهتدي المهتد، وبعضهم يقولك يدي مثل رحى ويثني على هذه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللغة يديان مثل رحيان، ويقال في التنبه: يدوي كما يقال رحوي، ثم اليد اسم يقع على هذا العضو، وهي من طرف الأصابع إلى المنكب، والدليل على ذلك «أن عمارا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تيمم إلى المنكب وقال: " تيممنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المناكب» ، وكان ذلك بعموم قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، ولم ينكر عليه من جهة اللغة بل هو كان من أهل اللغة فكان عنده أن الاسم للعضو إلى المنكب فثبت بذلك أن الاسم يتناول إلى المنكب، فإذا كان الإطلاق يقتضي ذلك، ثم ذكر التحديد فجعل المرفق غاية؛ لأن ذكرها لإسقاط ما ورائها، وسيجيء الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أنه يجب غسل ما كان مركبا على اليدين من الأصابع الزائدة والكف الزائدة على التفسير الذي ذكرنا وإن خلق على العضد غسل ما يحاذي محل الفرض لا ما فوقه، وفي " المغني ": وإن خلق له إصبع زائدة أو يد زائدة في محل الفرض وجب عليه غسلها مع الأصلية، وإن كانت في غير محل الفرض كالعضد والمنكب لم يجب غسلها سواء كانت طويلة أو قصيرة، هذا قول ابن حامد وابن عقيل، وقال القاضي: إن كان بعضها يحاذي محل الفرض غسل ما يحاذيه منها، والأول أصح. واختلف أصحاب الشافعي في ذلك كما ذكرنا. وإن تعلقت جلدة في غير محل الفرض حتى تدلت في محل الفرض وجب غسلها لأن أصلها في محل الفرض، فأشبهت الإصبع الزائدة، وإن تعلقت في محل الفرض غسلها قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف، وإن تعلقت في أحد المحلين يجب غسل ما يحاذي محل الفرض من ظاهرها وباطنها وغسل ما يجب من محل الفرض، وفي " الحلية ": لو خلق له يدان على المنكبين إحداهما ناقصة فالكاملة هي الأصلية، والناقصة خلقت زائدة، فإن حاذى منها محل الفرض وجب غسله عندنا والشافعي، ومن أصحابه من قال لا يجب غسلها بحال، وفي " الغاية " ومن شلت يده اليسرى، ولم يجد من يصب عليه الماء والماء جار لا يستنجي بيمينه وإن وجد ذلك يستنجي بيمينه، وإن شلت يداه مسح يديه بالأرض ووجهه بالحائط ولا يدع الصلاة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن مقطوع اليدين من المرفقين والرجلين من الكعبين يوضئ وجهه ويمسح أطراف المرفقين والكعبين بالماء ولا يجزئه غير ذلك، وهو قول أبي يوسف. وفي " الدراية ": لو قطعت يده من المرفق لا فرض عليه. وفي " المغني ": وإن قطعت من دون المرفق غسل ما بقي من محل الفرض، وإن قطعت من المرفق غسل العظم الذي هو طرف العضد، وإن كان من فوق المرفقين سقط الغسل لعدم محله، وإن كان أقطع اليدين فوجد من يوضؤه متبرعا لزمه ذلك لأنه قادر عليه، وإن لم يجد من يوضؤه إلا بأجر يقدر عليه لزمه أيضا كما يلزمه شراء الماء، وقال ابن عقيل: يحتمل أن لا يلزمه كما لو عجز عن القيام لم يلزمه استئجار من يعتمد عليه وإن عجز عن الأجر أو لم يقدر على من يأجر صلى على حسب حاله كعادم الماء والتراب، وإن وجد من ييممه ولم يوجد من يوضؤه لزمه التيمم وهذا مذهب الشافعي ولم أعلم فيه خلافا، وفي " مبسوط بكر " قال الإسكاف: يجب إيصال الماء إلى ما تحت العجين والطين في الأظفار دون الدرن لتولده منه، وقال الصفاء: يجب إيصال الماء إلى تحته إن طال الظفر، وإلا فلا. وفي " النوازل ": يجب في حق المصري لا القروي؛ لأن في أظفار المصري رسومة تمنع إيصال الماء إلى ما تحته، وفي أظفار القروي طين لا تمنع ولو كان خلاب أو خبز ممصوغ جاف يمنع وصول الماء لم يجزه. وفي ونيم الذباب والبرغوث: جاز وفي " الجامع الأصغر ": إذا كان واسع الأظفار وفيها طين أو عجين أو المرأة تصنع التخي جاز، وإنما جاز في القروي والمدني إذ لا يستطاع الامتناع منه إلا بحرج، قال الدبوسي: وهذا صحيح وعليه الفتوى، وفي " فتاوى ما وراء النهر ": لو بقي من موضع الغسل قدر رأس إبرة أو لصق بأصل ظفره طين يابس لم يجزه، ولو تلطخ يده بحمرة أو حناء جاز. وفي " المغني ": إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته فقال ابن عقيل: لا تصح طهارته حتى يزيله، ويحتمل أن لا يلزمه ذلك لأن هذا يسير عادة، وفي " الأحكام " لابن بزيزة: إذا طالت الأظفار فقد اختلف العلماء: هل يجب غسلها لأنها من اليدين حسا وإطلاقا وحكما، ومن العلماء من يوجب غسل الزائد على المعتاد، ولم يوجب بعض العلماء غسل الأظفار إذا طالت. وفي " المجتبى ": لا يجب نزع الخاتم، وتحريكه في موضعه، إذا كان واسعا، وفي الضيق اختلاف المشايخ. وروى الحسن عن أبي حنيفة: اشتراط النزع والتحريك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى الدارقطني «أن النبي كان إذا توضأ حرك خاتمه» . قلت: في سنده معمر بن محمد بن عبد الله هو وأبوه ضعيفان، وفي " الأحكام " لابن بزيزة تحريك الخاتم في الوضوء والغسل اختلف العلماء فيه، فقيل: يحركه في الوضوء والغسل، والتيمم، وقيل لا يحركه مطلقا، وقيل: إن كان ضيقا حركه، وإن كان واسعا لا يحركه، وقيل: يحركه في الوضوء والغسل ويزيله. قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] يدل على أن المرفق غاية، وهل تدخل الغاية تحت المغيا أم لا؟ فيه خلاف نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، وهو جمع مرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وعلى العكس، وهو مجتمع طرف الساعد والعضد. قلت: الأول على وزن اسم الآلة، كالمخلب، والثاني على وزن اسم المكان، فيجوز فيه فتح الميم والفاء على أن تكون مصدرا، أو اسم مكان على الأصل. 1 - قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] هذا يدل على فرضية مسح الرأس وسيجيء ذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى. {وَامْسَحُوا} [المائدة: 6] أمر من مسح يمسح مسحا من باب فتح يفتح، قال الجوهري: مسح برأسه، ويمسح بالأرض، ومسح الأرض مساحة أي ذرعها، ومسح المرأة أي: جامعها، ومسحه بالسيف أي قطعه، ومسحت الإبل نوامها أي: سارت، ومسح الرجل بالكسر مسحا في الأصح وهو الذي يصيب إحدى ربليه إلى الأخرى، قلت: الربلة بفتح الراء وسكون الباء الموحدة وبفتحها أيضا هو باطن الفخذ، وقال الأصمعي: الفتح أفصح والجمع ربلات، والمسح في الشرع الإصابة، وقد يجيء بمعنى الغسل على ما نذكره إن شاء الله تعالى، والرؤوس جمع رأس، وهو جمع كثرة، وجمع القلة أرؤس. {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) فيه ثلاث قراءات: الرفع: قرأ به الحسن البصري، تقديره وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين وقرأ به نافع، وروى عنه الوليد بن مسلم، وهي قراءة الأعمش أيضا. والنصب قرأ به على، وابن عباس، وابن مسعود، وإبراهيم، والضحاك، وابن عامر. والكسائي، والخفض: عن عاصم، وعلي بن حمزة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الأزهري وهي قراءة الأعمش وحفص عن أبي بكر ومحمد بن إدريس الشافعي، والجر قرأ به ابن عباس في رواية عكرمة وحمزة وابن كثير، وقال الحافظ أبو بكر بن المغربي: وقرأ يونس، وعلقمة، وأبو جعفر بالخفض، والمشهور قراءة الجر، والنصب وبينهما تعارض فالحكم في تعارض القراءتين كالحكم في تعارض الآيتين، وهو أنه إن أمكن العمل بهما يعمل مطلقا، وإن لم يمكن.. يعمل بهما بالقدر الممكن، وهاهنا لا يمكن الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة؛ لأنه لم يقل به أحد من السلف، ولأنه يؤدي إلى تكرار المسح؛ لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، ولا يحتمله، فيعمل في حالتين، فيحمل قراءة النصب على ما إذا كانت الرجلان باديتين ويحمل على قراءة الجر على ما إذا كانتا مستورتين بالخفين توفيقا بين القراءتين وعملا بهما بالقدر الممكن، وقد يقال إن قراءة من قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالخفض معارضة لمن نصبها فلا حاجة إذن لوجود المعارضة فإن قيل: نحن نحمل قراءة الجر على أنها منصوبة المحل فإذا حملناه على ذلك لم يكن بينهما تعارض بل يكون معناهما النصب، وإن اختلف اللفظ فيهما، ومتى أمكن الجمع لم يجز الحمل على التعارض، والاختلاف، والدليل على جواز العطف على المحل قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] (النساء: الآية 1) وقال الشاعر: ألا حي عثمان عمرو بن عامر ... إذا ما تلاقينا اليوم أو غدا فنصب " غدا " على المحل، ويجاب بأن العطف على المحل خلاف السنة وإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما السنة: فحديث عمرو بن عيينة الذي أخرجه مسلم، وفيه: «ثم يغسل قدميه إلى الكعبين» ، الحديث. وأما الإجماع فهو ما روى عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: بينما يوم والحسن يقرأ على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجلس قاعدا إلى علي يحازيه فسمع قارئا يقرأ: وأرجلكم، ففتح عليه الحسن بالخفض، فقال علي وزجره: إنما هو فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أرجلكم في القرآن تقديم للتعظيم وتأخيره. وكذلك عن عروة ومجاهد، والحسن، ومحمد بن الحسن، وعبد الرحمن بن الأعرج، والضحاك، وعبد الرحمن بن عمرو بن غيلان، زاد البيهقي، وعطاء، ويعقوب الحضرمي، وإبراهيم بن زيد التميمي، وأبي بكر بن عباس. وذكر ابن الحاجب في " أماليه " أنه نصب على الاستئناف وقيل: المراد بالمسح في حق الرجل: الغسل، ولكن أطلق عليه لفظ المسح للمشاكلة كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] (سورة الشورى: الآية 40) ، وقيل: إنما ذكر بلفظ المسح لأن الأرجل من بين سائر الأعضاء مظنة إسراف الماء بالصب فعطف على الممسوح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوإن كانت مغسولة للتنبيه على وجود الاقتصار في الصب لا التمسح، وجيء بالغاية فقيل إلى الكعبين إماطة لظن ظان يحسبها أنها ممسوحة إذ المسح لم تعرف له غاية. ثم اعلم أن النصب له وجهان: أحدهما أن يكون معطوفا على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] فيشاركها في حكمها وهو الغسل، وإنما أخر عن المسح بعد المغسولين لوجوب تأخير غسلهما عن مسح الرأس عند قدوم الاستجابة عند آخرين، والوجه الثاني: أن يكون عامله مقدرا، وهو {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] لا بالعطف على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] كما تقول: أكلت الخبز واللبن أي: وشربت، وإن لم يتقدم الشرب بذكر، وهاهنا تقدم للغسل ذكر فكان أولى بالإضمار، ومنه قوله: علفتها تبنا وماء باردا أي سقيتها، وقال: ورأيت زوجك في الوغا مقلدا سيفا ورمحا، أي وحاملا رمحا، وقال: تشوبت البان وتمرا أقط أي وأكل تمرا أقط، ويجاب عن الجر بأجوبة: الأول: أنها جرت على أنها مجاورة رؤوسكم وإن كانت منصوبة كقوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26] (سورة هود: الآية 26) ، على جر أليم، وإن كان صفة للعذاب، وكقولهم: هذا جحر ضب خرب بجر " خرب "، وإن كان مرفوعا. فإن قلت: جحرا ضب خربين وجحرة ضباب خربة لم يجزه الخليل في التثنية وأجازه في الجمع واشترط أن يكون الآخر مثل الأول وأجازه سيبويه في الكل. الجواب الثاني: أنها عطف على الرؤوس؛ لأنها تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة لإسراف الماء المنفي عنه لا التمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصار في صب الماء عليها، فجيء بالغاية ليعلم أن حكمها مخالف لحكم المعطوف عليه؛ لأنه لا غاية في الممسوح، قاله صاحب " الكشاف ". والجواب الثالث: أنه محمول على مسألة لبس الخف، والنصب على الغسل عند [......] ، روى همام بن الحارث «أن جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أنت تفعل هذا، قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» وكان يعجبهم حديث جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال ابن العربي: اتفق الناس على صحة حديث جرير، وهذا نص يروي ما ذكروه، فإن قيل: روى محمد بن عمر الواقدي أن جريرا أسلم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في شهر ذي الحجة يوم عرفة قيل: هذا لا يثبت لأن الواقدي ضعيف رمي بالكذب، وإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنزلت يوم عرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] (المائدة: الآية 3) . الجواب الرابع: أن المسح يستعمل بمعنى الغسل الخفيف، يقال: مسح على أطرافه، إذا توضأ، قاله أبو زيد، وابن قتيبة، وأبو علي الفارسي، وفيه نظر. وما ذكر عن ابن عباس قال محمد بن جرير: إسناده ضعيف، والصحيح الثابت عنه أنه كان يقرأ: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالنصب، ويقول عطف على المفعول، هكذا رواه الحفاظ عنه منهم القاسم بن سلام، والبيهقي، وغيرهما، «وثبت في صحيح البخاري عنه أنه توضأ وغسل رجليه وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. » وأما قَوْله تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] (سبأ: الآية 10) بالنصب على المحل فممنوع لأنه مفعول معه، ولو سلم العطف على المحل فإنما يجوز مثل ذلك عند عدم اللبس، نقل ذلك عن سيبويه وهاهنا لبس فلا يجوز، وأما البيت فغير مسلم فإنه ذكر في العقد أن سيبويه غلط فيه، وإنما قاله الشاعر بالخفض والقصيدة كلها مجرورة فكان مضطرا إلى أن ينصب هذا البيت ويحتال بحيلة ضعيفة قال: مغاري أننا بشر فانجح ... فلسنا بالجذيل ولا الجديد أكلتم أرضنا وجعلوا تمرنا ... فهل من قائم أو من حصيد أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلود وقيل: هما قصيدتان مجرورة ومنصوبة وفيه بعد. فإن قلت: إن القراءتين النصب والجر نقلهما الأئمة تلقيا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح لعطفهما على الرأس ومحتملة للغسل لعطفهما على المغسول. قلت: لا يخلو القول من أحد معان ثلاثة: إما أن يقال: إن المراد هما جميعا مجموعان، فيكون عليه أن يمسح أو يغسل أو يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء ويكون ما يفعله هو المفروض، أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير، فلا سبيل إلى الأول لاتفاق الجميع على خلافه، وكذا لا سبيل إلى الثاني، إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه، فتعين الوجه الثالث، ثم يحتاج في ذلك إلى طلب الدليل على المراد منهما، فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه، وأتى بالمراد، وأنه غير ملوم على ترك المسح، فتبين أن المراد الغسل، وأيضا فهو صار في حكم المجمل المقتصر إلى البيان فيما ورد فيه من البيان عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل أو قول، علمنا أنه مراد الله تعالى، وقد ورد البيان عنه بالغسل قولا وفعلا:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأما فعلا فهو ما ثبت بالنقل المستفيض والنصوص المتواترة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسل رجليه في الوضوء ولم تختلف الأمة فيه، وأما قولا: فما رواه جابر، وأبو هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أما حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وقال: حدثنا أبو الأحوص عن إسحاق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويل للعراقيب من النار» وأخرجه الطحاوي ولفظه: «رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قدم رجل لمعة لم يغسلها، فقال: " ويل للعراقيب من النار.» وأخرجه ابن ماجه من طريق ابن أبي شيبة. وأما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فما أخرجه البخاري، وقال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة «حدثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة فقال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ويل للأعقاب من النار» أخرجه مسلم أيضا. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم من طريق سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم توفي سعد بن أبي وقاص فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويل للأعقاب من النار» وأخرجه الطحاوي أيضا. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود، وقال: حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا منصور عن هلال بن بشار عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى قوما وأعقابهم تلوح، فقال: " ويل للأعقاب من النار، وأسبغوا الوضوء» وهذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأبو يحيى اسمه مصدع مولى عبد الله بن عمرو، وروى له الجماعة سوى البخاري، والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه أيضا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي فأخرجه أحمد في " مسنده "، وقال: حدثنا هارون قال: حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح أخبرني عروة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وهو من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويل للأعقاب من النار، وبطون الأقدام من النار» وإسناده حسن، وقد أخرجه الطحاوي، والطبراني أيضا. فقوله: " ويل للأعقاب من النار " وعيد لا يجوز أن يخلف إلا بترك الفروض، وهذا يوجب استيعاب الرجل بالغسل، وفي " العناية ": وأما وظيفة الرجلين ففيها أربعة مذاهب. الأول: هو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل السنة والجماعة أن وظيفتهما الغسل، ولا يعتد بخلاف من خالف ذلك. الثاني: هو مذهب الإمامية من الشيعة أن الفرض مسحهما. الثالث: وهو مذهب الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي علي الجبائي: أنه مخير بين المسح والغسل. الرابع: مذهب أهل الظاهر وهو رواية عن الحسن أن الواجب الجمع بينهما، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هما غسلان، ومسحان، وعنه ما أمر الله بالمسح للناس إلا بالغسل، وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء فقال: " اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من جنبه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما "، فسمع ذلك أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: صدق الله، وكذب الحجاج، قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] ، وكان عكرمة يمسح رجليه، ويقول: ليس في الرجلين غسل، وإنما هو مسح، وقال الشعبي: نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالمسح، وقال قتادة: فرض الله غسلين ومسحين، ولأن قراءة الجر محله في المسح؛ لأن المعطوف يشارك المعطوف عليه في الكلمة؛ لأن العامل الأول ينصب عليهما إنصابة واحدة بواسطة الواو عند سيبويه، وعند البصريين يقدر الثاني جنس الأول، والنص يحتمل العطف على الأول على بعد، فإن أبا علي قال: قد أجاز قوم النصب عطفا على {وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وإنما يجوز وأشبهه في الكلام المعتبر، وفي ضرورة الشعر، وما يجوز على مثله هجنة العي وظلمة للبس وتقديره أعط زيدا
.. .... .... .... .. ـــــــــــــــــــــــــــــQوعمرا جوائزها، ومر ببكر وخالد فأي بيان الكلام في هذا، وأي لبس أقوى من هذا ذكره المرسي حاكيا عنه في " ري الظمآن "، ويحتمل العطف على محل {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] كقوله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] (سبأ: الآية 10) بالنصب عطفا على المحل؛ لأنه مفعول به، وقد ذكرنا الجواب عن هذا عن قريب. وورد في الأحاديث المستفيضة في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه غسل رجليه، وهو حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المتفق على صحته وحديث علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله ابن زيد، والربيع بنت معوذ بن عفراء، وعمرو بن عنبسة، وثبت أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رأى جماعة يتوضؤون وبقيت أعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال، «ويل للأعقاب من النار» ، ولم يثبت عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه مسح رجليه بغير خف في حضر ولا سفر، أما تفسير " الكعب " فسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، ويستفاد من الآية الكريمة فوائد: الأولى: يدل على أن الغسل مرة واحدة، إذ ليس فيها ذكر العدد فلا يوجب تكرار الفعل، فمن غسل مرة فقد أدى الفرض، وقد وردت الآثار بالمرة والمرتين والثلاث على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الثانية: إن الأمر في هذه الآية لا يدل على وجوب الترتيب، ولا على الموالاة لإطلاق النص على ذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى. الثالثة: تدل على أن التسمية على الوضوء ليست بفرض؛ لأنه أباح الصلاة بغسل هذه الأعضاء ومسح الرأس من غير شرط التسمية على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى. الرابعة: تدل على أن الاستنجاء ليس بفرض، وأن الصلاة جائزة بتركه إذا لم يتعد الموضع، بيان ذلك أن معنى قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) : إذا قمتم وأنتم محدثون كما ذكرنا، وقال في أثناء الآية: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) فحققت هذه الآية الدلالة من وجهين على ما قلنا: أحدهما: إيجابه على المحدث غسل هذه الأعضاء، وإباحة الصلاة به، وموجب الصلاة الاستنجاء فرض ما منع من الآية، وذلك يوجب المسح وهو غير جائز، والوجه الأخر: من دلالة الآية: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] إلى آخرها، فأوجب التيمم على من جاء من الغائط، وذلك كناية عن قضاء الحاجة فأباح صلاته بالتيمم من غير استنجاء فدل على ذلك على أنه غير فرض. الخامسة: استدل بعض الناس بقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] في قراءة الجر على جواز المسح على الخفين والمعنى: وامسحوا بأرجلكم في حال استعمال الخف، وإنما ترك ذكر الخف
[فرائض الطهارة]
الآية ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس كذلك بهذا النص ـــــــــــــــــــــــــــــQكيلا يوهم جواز المسح على الخف بدون اللبس. م: (الآية) ش: يجوز فيه الأوجه الثلاثة: الرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي الآية مقروءة بما فيها، ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير تقرأ الآية بتمامها، والنصب على أنه مفعول والتقدير: اقرأ الآية ونحو ذلك، والجر على تقدير: إلى آخر الآية، وهذا أضعف الوجوه؛ لأن فيه حذف الحرف، وحذف المضاف من غير ضرورة. [فرائض الطهارة] م: (ففرض الطهارة غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس كذلك بهذا النص) ش: ففرض الطهارة كلام إضافي مبتدأ، وغسل الأعضاء الثلاثة كذلك خبره، ومسح الرأس خبره، كذلك عطف عليه، وفي القضية الجملية لا بد من رابط قد يحذف، والتقدير هو غسل الأعضاء، والفاء فيه إما: للتعقيب، أو للتفسير، أو السببية، فالأول ذهب إليه الشيخ قوام الدين، والشيخ أكمل الدين، وقال الأكمل: لأنها دخلت على الحكم بعد ذكر الدليل، وقال القوام: لأنها تدخل على الحكم لما أنه يعقب العلة كما في قولك: اضرب فأوجع وأطعم فأشبع، والثاني ذهب إليه صاحب " النهاية " وصاحب " الدراية "، فقال الأول: لما كان في الآية المتلوة ذكر المسح والغسل فسرهما تتميما للمرام ولإبانة الكلام، وقال الثاني: إن الأمر في الآية يحتمل الوجوب والندب ففسره بالوجوب كما فسره في آية التيمم بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] لأن التيمم مجمل. والثالث: ذهب إليه بعضهم وهو أن يكون الكلام الواقع بعد الفاء نتيجة للكلام الواقع قبله، ولم يذكر أكثر أهل اللغة ألفاظ النتيجة والظاهر أنه اصطلاح. و (الفرض) هاهنا بمعنى المفروض كضرب الأمير بمعنى مضروبه، ونسج فلان بمعنى منسوجه، والإضافة فيه بمعنى أي المفروض في الطهارة هو غسل الأعضاء الثلاثة، وهذا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] (سبأ: الآية 34) أي مكر في الليل، وقد أنكر بعضهم هذه الإضافة وهو غير صحيح، ولكن الأكثر أن تكون الإضافة بمعنى " اللام "، أو بمعنى " من " كقولك غلام زيد وخاتم فضة، أي غلام لزيد، وخاتم من فضة. وقال صاحب " النهاية ": الإضافة هاهنا للبيان لأن الفروض قد تكون من الطهارة، ومن غيرها، وتبعه على ذلك الشيخ الأكمل، قلت: الكلام في " الطهارة " ولا يذهب الوهم هناك إلى أن الفروض قد تكون من غير " الطهارة " حتى يقال: إن الإضافة هاهنا للبيان، وعلى قولهما تكون الإضافة بمعنى " من " نحو خاتم فضة، ويكون المعنى المفروض من الطهارة من غسل الأعضاء الثلاثة، وأراد بالطهارة الوضوء من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء، أو من قبيل ذكر العام وإرادة الخاص، ولو قال: فرض الطهارة لكان أولى وأحسن؛ لأن العدول عن الحقيقة بلا داع لا يحسن، والفرض في اللغة يأتي لمعان كثيرة، بمعنى القطع، يقال فرض الخياط الثوب أي قطعه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفرضت القرآن قطعت بالقراءة منه جزءا، قال الجوهري: الفرض الجزء في الشيء، يقال: فرضت الثريد والسواك وفرض القوس، هو الجزء الذي فيه الوتر، والمعنى التقدير، قال الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (سورة البقرة: الآية 237) أي قدرتم، وبمعنى التفصيل قال الله تعالى: " سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا " (النور: الآية 1) ، أي فصلناها، وبمعنى البيان قال الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] (التحريم: الآية 2) أي بين الله لكم كفارة أيمانكم، ولمعنى الحد قال الله تعالى: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 118] (النساء: الآية 118) أي محدودا ومنه المفرض بكسر الميم، وهو الحدة التي يحد بها، وبمعنى التحرير كما في قوله: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] بالتشديد بمعنى حررناها لكم، كذا فسره بعضهم، وقال الجوهري: التفريض التحرير بمعنى التعظيم وبمعنى العطية، يقال: ما أصبت منه فرضا ولا فريضا أي عطية. وقال الجوهري: الفرض العطية الدنيوية، وفرضت للرجل وأفرضت إذا أعطيته، وقد فرضت له في الديوان، وبمعنى التكبير يقال: فرضت البقرة تفرض فروضا أي كبرت وطعنت في السن، ومنه قَوْله تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68] (البقرة: الآية 68) ولمعنى العظمة [......] فارضة إذا كانت عظيمة، وقال الجوهري: الفارض الضخم في كل شيء، والفارض بمعنى الرئيس، قال: ضخم العين أنشده أبو عبيدة: أفرضت له بمثل لمع البر ... قلت بالكف فرضا حقيقا وفي اصطلاح الشرع: ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه كالكتاب والسنة المتواترة إذا لم يلحقهما خصوص وكالإجماع إذا لم ينتقل بطريق الآحاد، وكالقياس المنصوص عليه، والمعاني اللغوية تجري في المعنى الشرعي؛ لأنه الذي فرضه الله على عباده ومقطوع ومقدور ومفصل ومبين ومحدود ومحرر وغير ذلك من المعاني المذكورة. فإن قلت: كيف قال الأعضاء الثلاثة والأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء خمسة. قلت: الأشياء الكثيرة إذا دخلت تحت خطاب واحد تجعل كالشيء الواحد، فجعلت اليدان كيد واحدة، وكذا الرجلان كرجل واحدة، وإن كانت أربعة في الحقيقة. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يجوز أن تغسل البلة من يد إلى أخرى ومن رجل إلى رجل أخرى في الوضوء، كما يجوز ذلك في الغسل. قلت: القياس بالفارق باطل، وذلك لأن البدن شيء واحد حقيقة، فكان في الغسل في حكم شيء واحد بخلاف اليدين والرجلين في الوضوء لأنهما مختلفان، وإنما عدت شيئا واحدا حكما لا حقيقة لدخولها تحت خطاب واحد، كما ذكرنا قوله بهذا النص إشارة إلى ما تلاه من قوله
[صفة غسل الأعضاء في الوضوء]
والغسل هو الإسالة والمسح هو الإصابة، وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وإلى شحمتي الأذن؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الآية (المائدة: الآية 5) . فإن قلت: الباء تتعلق بماذا؟ قلت: يجوز أن تتعلق بقوله: " ففرض الطهارة " والمعنى يثبت فرض الطهارة، وهي الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس بهذا النص، ويجوز أن تتعلق بمسح الرأس أي يثبت مسح الرأس بهذا النص، وذلك لئلا يتوهم أن فرضية المسح بالحديث والنص من نصفت الشيء رفعته، ونصفت الدابة استخرجت ثمنها أو سيرتها بالتكليف سيرا فوق سيرها المعتاد، وهو من أقسام اللفظ باعتبار ظهور المعنى، فهذا الاعتبار ينحصر في أربعة أقسام: الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم. والاعتبار في الظاهر لظهور المراد منه سواء كان مسوقا له، أولا، وفي النص كونه مسوقا للمراد سواء احتمل النسخ أو لا، وفي لمحكم عدم احتمال شيء من ذلك. [صفة غسل الأعضاء في الوضوء] م: (والغسل هو الإسالة) ش: هو بفتح الغين مصدر من غسلت الشيء غسلا، وبضم الغين الاسم، وبكسر الغين ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره، وتفسيره بالإسالة تفسير لغوي ومعناه الشرعي: إسالة الماء على العضو، والتقاطر ليس بشرط، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة: لو سال الماء على الأعضاء بلا تقاطر يجزيه؛ لأن الإسالة تحصل به، وإن لم يتقاطر، وقال: يصلح الغسل إلا إذا سال الماء إلى حد التقاطر لأنه قبيل التقاطر متردد بين الإصابة والإسالة فلا يحصل اليقين بالغسل. م: (والمسح هو الإصابة) ش: أما إلى الموضع الذي يمسحه، وقد مر الكلام فيه مستوفى. فإن قلت: ما كان الداعي إلى تفسير الغسل، والمسح هاهنا؟ قلت: لما كان في الآية ذكرهما فسرهما تتميما للبيان، وقيل في تفسير المسح: دفع لما يذهب إليه الشافعي من تكرار مسح الرأس بمياه مختلفة، وفيه ثبوت المسح، والشارع أوجب المسح، وفي تفسير الغسل دفع لما روي عن أبي يوسف في الليل في المغسولات سقط الفرض. 1 - م: (وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن وإلى شحمتي الأذن) ش: هذا تفسير الوجه من حيث الشرع وإلا فالوجه في اللغة: هو العضو المعين من بني آدم وغيرهم، وقصاص الشعر حيث ينتهي بينه من مقدمه ومؤخره والقاف مثلثة والضم أعلاها والذقن بفتح الذال المعجمة والقاف، وهو مجتمع لحيته وشحمة الأذن معلق القرط وقد بسطنا الكلام عند قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] .
[حد المرفق والكعب في الوضوء]
لأن المواجهة تقع بهذه الجملة وهو مشتق منها، والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول إن الغاية لا تدخل تحت المغيا كالليل في الصوم. ـــــــــــــــــــــــــــــQم (لأن المواجهة تقع بهذه الجملة) ش: أي المقابلة تقع بهذه الجملة، وأشار إلى ما ذكر من حد الوجه طولا وعرضا. م: (وهو مشتق منها) ش: أي الوجه مشتق من المواجهة. فإن قلت: الوجه ثلاثي، والمواجهة مزيد الثلاثي، والثلاثي لا يكون مشتقا من المزيد. قلت: هذا الشرط في الاشتقاق الصغير وأما في الكبير والأكبر فلا يشترط ذلك بل مجرد التناسب بين اللفظ والمعنى كاف، بخلاف الصغير يشترط فيه التناسب في الحروف والترتيب والمناسبة في اللفظ والمعنى والتغاير في الصفة نحو: ضرب، فإنه مشتق من الضرب ونصر من النصر فلا يقال: الذئب مشتق من السرحان، ولا ذهب أحد النقدين من ذهب الماضي من الذهاب، وأما الاشتقاق الكبير فيجوز فيه أن يكون الثلاثي مشتقا من المزيد فقد ذكر الزمخشري في " الفائق " أن الدبر وهو النحل وهو مشتق من التدبير، والجن من الاجتنان وهو الاستتار، وذكر في " الكشاف " أن التيم مشتق من التيمم، وهذا لأن غرضهم من هذا الاشتقاق بيان حقيقة معنى تلك الكلمة، فجاز أن يكون المزيد أشهر وأقرب إلى الضم من الثلاثي لكثرة استعماله كما في الدبر مع التدبير، وأما الاشتقاق الأكبر فيكفي فيه وجود المناسبة في المخرج في الحروف نحو نعق من النهق، وقد شنع الشيخ قوام الدين هاهنا على الشيخ حافظ الدين النسفي بغير تأمل ثم تصدى للجواب، وهو في الحقيقة تحصيل ما قاله الشيخ حافظ الدين، ويعلم ذلك عند التأمل. [حد المرفق والكعب في الوضوء] م: (والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل) ش: قد مر تفسير المرفق وسيأتي تفسير الكعب. م: (عندنا) ش: أي عند أصحابنا الثلاثة: وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي، وأحمد، ومالك في رواية. م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا يدخل المرفقان والكعبان في الغسل، وبه قال مالك في رواية. م: (وهو يقول إن الغاية لا تدخل تحت المغيا) ش: أي زفر يقول فيما ذهب إليه أن الغاية أي الحد " لا تدخل تحت المغيا " أي في المحدود. م: (كالليل في الصوم) ش: أي كما لا يدخل الليل في الصوم في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) بخلاف قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) حيث دخلت في الآية الغاية في المغيا لأنها إنما لم تدخل إذا كانت عينا أو وقتا، وهاهنا الغاية لا عين ولا وقت بل فعل، والفعل لا يوجد بنفسه ما لم يفعل فلا بد من وجود الفعل الذي هو غاية للنهي
ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها، إذا لولاها لاستوعبت الوظيفة الكل وفي باب الصوم لمد الحكم إليها، إذ الاسم يطلق على الإمساك ساعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQلانتهاء النهي فبقي الفعل داخلا في النهي ضرورة، وذكر غير المصنف كزفر تعارض الاشتباه وهو أن من الغايات ما يدخل كقوله: " قرأت القرآن من أوله إلى آخره " ومنها ما لا يدخل كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) ، وقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، وهذه الغاية تشبه كلا منهما فلا تدخل بالشك. م: (ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها إذ لولاها) ش: يعني لولا ذكر الغاية. م: (لاستوعبت الوظيفة الكل) ش: أي لاشتملت وظيفة الغسل كل اليد، وكل الرجل، بيان ذلك أن الغاية على نوعين: غاية إسقاط، وغاية إثبات، يعلم ذلك بصدر الكلام فإن كان صدر الكلام يثبت الحكم في الغاية وما وراءها قبل ذكر الغاية فذكرها لإسقاط ما وراءها وإلا فلا تدخل الحكم إلى تلك الغاية، والغاية في صورة النزاع من قبيل الإسقاط، وفي المقيس من قبيل الإثبات فلا يصح القياس. م: (وفي باب الصوم لمد الحكم إليها) ش: هذا جواب عن قول زفر " كالليل في الصوم "، قوله إليها: أي إلى الغاية. م: (إذ الاسم يطلق على الإمساك ساعة) ش: أي: اسم الصوم يطلق على الإمساك أدنى ساعة حقيقة وشرعا حتى لو حلف لا يصوم يحنث بالصوم ساعة، وكذا قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) اقتضى صومه ساعة، ومتى كان ما قبل ذكر الغاية يتناول زيادة على الغاية تدخل الغاية في الحكم، ويكون المراد بها خروج ما وراء الغاية مع بقاء الغاية والحد داخل في الحكم، واسم " اليد " يتناول من رؤوس الأصابع إلى الإبط واسم " الرجل " يتناول إلى أعلى الفخذ، فكان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها وإسقاط من الإيجاب فبقيت الغاية، وما قبلها داخلة تحت الإيجاب وأوردا على هذا مسألة، وهو أنه لو حلف لا يكلم فلانا إلى رمضان يدخل رمضان في اليمين مع أنه لولا الغاية لكانت اليمين متأبدة ولم يكن ذكر الغاية مسقطا لما وراءها فاليد هاهنا كأيدي في اليمين. قال خواهر زاده: لا وجه لتخريج هذا النقض إلا بالمشي على رواية الحسن عن أبي يوسف. وقال رضي الدين النيسابوري: هذه الغاية لمد اليمين لا للإسقاط لأن قوله: لا أكلم للحال فكان من الحال إلى الأبد. قلنا: هذا ممنوع فإن المضارع مشترك بين الحال والاستقبال، والاستقبال يعم في النفي حتى لو حلف لا يكلم موالي فلان يتناول الأعلى والأسفل، ذكره في " الوصايا " و " الهداية " وغيرها، وعلى هذا قال أبو حنيفة: لو شرط الخيار في البيع والشراء إلى غد فله الخيار
والكعب هو العظم الناتئ ـــــــــــــــــــــــــــــQفي الغد كله لأنه لو اقتصر على قوله: إني بالخيار يتناول الأبد فيكون ذكر الغد لإسقاط ما وراءه إنما وجهه ظاهر وآيته في اليمين في العرف ومبنى الأيمان عليه حتى لو حلف لا يكلمه إلى عشرة أيام يدخل اليوم العاشر، ولو قال إن تزوجت إلى خمس سنين دخلت السنة الخامسة في اليمين، وكذا لو استأجر دارا إلى خمس سنين دخلت الخامسة فيها، وقيل: إن " إلى " بمعنى " مع "، قاله ثعلب وغيره من أهل اللغة، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] (النساء: الآية 2) وكقولهم الذود إلى الذود إبل وقد ضعف فإنه يجب غسل العضد لاشتمال اليد عليه، وعلى المرفوع أنا نمنع أن يكون فيهما استشهد به بمعنى " مع "؛ لأن معنى الآية ولا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم أو ولا تضموها إلى أموالكم آكلين لها وكذا الذود مضمومة إلى الذود إبل. وقيل: إن التحديد يدخل تحت المحدود إذا كان التحديد شاملا للحد والمحدود، وقال سيبويه والمبرد وغيرهما: ما بعد إلى إن كان من نوع ما قبلها دخل فيه، واليد عند العرب من رؤوس الأصابع إلى المنكب، ولهذا لو قال: بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه دخل الحد ويكون المراد بالغاية إخراج ما وراء الحد فكان المراد بذلك المرافق والكعبين وإخراج ما وراءها وقيل إن " إلى " تفيد الغاية ودخولها في الحكم وخروجها منه يدور مع الدليل فقوله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) مما لم يدخل فيه لأن الاعتبار علة الإنظار فيزول بزوال علته، وكذلك الليل في الصوم لو دخل لوجب الوصال، ومما فيه دليل الدخول قولك: حفظت القرآن من أوله إلى آخره وقطعت يد فلان من الخنصر إلى السبابة فالحد يدخل في المحدود فإذا كان الدخول وعدم الدخول يقف على دليل فقد وجد دليل الدخول هاهنا بوجوه ثلاثة: الأول: حديث «أبي هريرة " أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين، ثم قال: هكذا رأيته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يتوضأ.» رواه مسلم، ولم ينقل تركها، فكان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيانا أنه ما يدخل قوله أشرع المعروف شرع في كذا أي دخل وروي حتى أسبغ في العضد وحتى أسبغ في الساق. الوجه الثاني: أن المرفق من عظمي الساعد والعضد وجانب الساعد دون العضد وقد تعذر التمييز بينهما للتداخل فوجب غسل المرفقين؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الوجه الثالث: أنه قد وجبت الصلاة في ذمته والطهارة شرط لسقوطها فلا تسقط بالشك. م: (والكعب هو العظم الناتئ) ش: أي الناتئ في مفصل القدم والناتئ بالهمزة في آخره، ومعناه المرتفع عند ملتقى الساق والقدم، وأنكر الأصمعي قول من قال: إنه في ظهر القدم نقل عن الجوهري، وقال الزجاج: الكعبان العظمان الناتئان في آخر الساق مع القدم وكل مفصل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQللعظام فهو كعب إلا أن هذين الكعبين ظاهران عن يمنى القدم ويسرته، فلذلك لم يحتج أن يقال الكعبان اللذان من صفتهما كذا وكذا، وفي " المختصر " في كل رجل كعبان وهما طرفا عظمي الساق، وملتقى القدمين. قال ابن جني: وقول أبي كثير وإذا انتبه من المنام رأيته عن ثوب كعب الساق، ليس بمزيل يدل على أن الكعبين هما الناتئان في أسفل كل ساق من جنبها، وليس الشاخص في ظهر القدم، وفي " الترهيب للأزهري عن ثعلب: الكعبان الشجان الناتئان، قال: وهو قول أبي عمرو بن العلاء والأصمعي، وفي كتاب " المنتهى "، و " جامع القرآن " الكعب: الناتئ عند ملتقى الساق، والقدم، ولكل رجل كعبان والجمع كعوب وكعاب. وقالت الإمامية وكل من ذهب إلى المسح: إنه عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر موضوع تحت عظم الساق حتى يكون مفصل الساق والقدم عند معقد الشراك. وقال فخر الدين الخطيب: اختار الأصمعي قول الإمامية في الكعب وقال الطرفان الناتئان يسميان النجمين، وهو خلاف ما نقله عنه الجوهري ورجحه الجمهور، ولو كان الكعب ما ذكروه لكان في كل رجل كعب واحد فكان ينبغي أن يقول إلى الكعاب؛ لأن الأصل إنما يوجد من خلق الإنسان مفردا فتثنيته بلفظ الجمع كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) وتقول: رأيت الزيدين أنفسهما، ومتى كان مثنى فتثنيته بلفظ التثنية فلما لم يقل إلى الكعبات علم أنه المراد بالكعب ما أوردناه، وأيضا أنه شيء خفي لا يعرفه إلا المشرحون، وما ذكرناه معلوم لكل أحد ومناط التكليف على الظهور دون الخفاء، وأيضا «حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثم اليسرى كذلك أخرجه مسلم،» فدل على أن في كل رجل كعبين، «وحديث النعمان بن بشير في تسوية الصفوف " فقد رأيت الرجل يلصق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه» رواه أبو داود والبيهقي بأسانيد جيدة، والبخاري في صحيحه تعليقا، ولا يتحقق إلصاق الكعب فيما ذكره. وحديث طارق بن عبد الله أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده "، وقال: حدثنا الفضل بن موسى عن زيد بن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد «عن طارق بن عبد الله المحاربي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ورجل يتبعه يرميه بالحجارة وقد أدمى عرقوبه وكعبه وهو يقول: أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟، فقالوا ابن عبد المطلب. قلت: فمن هذا الذي يتبعه بالحجارة، قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب،» وهذا يدل على أن
[المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء]
هو الصحيح ومنه الكاعب. قال: والمفروض في المسح مقدار الناصية وهو ربع الرأس ـــــــــــــــــــــــــــــQالكعب هو العظم النابت في جانب القدم لأن الرمية إذا كانت من وراء الماشي لا تصيب ظهر القدم. م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عن هشام بن عبد الله الرازي أنه في ظهر القدم عند معقد الشراك، قالوا: إن ذلك سهو من هشام في نقله عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن محمدا قال في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حتى يقطع خفيه أسفل الكعبين، وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى باب الطهارة، وقال ابن حجر في شرح البخاري: قال أبو حنيفة الكعب هو العظم الشاخص في ظهر القدم، قال: وأهل اللغة لا يعرفون ما قال. قلت: هذا جهل منه لمذهب أبي حنيفة فإن ما ذكر ليس قولا له ولا نقله عنه أحد من أصحابه فكيف يقول قال أبو حنيفة كذا وكذا وهذا جرأة على الأئمة منه. م: (ومنه الكاعب) ش: أي ومن الكعب اشتقاق الكاعب وهي الجارية التي يبدو ثديها للنهود، وكذلك الكعاب بفتحتين بمعنى الكاعب، وقد كعبت تكعب بالضم كعوبا وكعب بالتشديد مثله، وأشار بذلك إلى تأييد قوله: الكعب والكعب هو الناتئ؛ لأن وجوه الاشتقاق يدل على ذلك، ولذا يقال للنواشر في أطراف الأنابيب كعوب، ومنه الكعبة لارتفاعها على سائر البيوت ويقال لربعها. فرع لو قطعت رجليه وبقي بعض الكعب يجب غسل البقية وموضع القطع وكذا في المرفق. [المقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء] م: (والمفروض في المسح مقدار الناصية) ش: أي المقدار على جهة الفريضة في مسح الرأس قدر الناصية، الألف واللام فيه للعهد يعني ذلك المسح الذي يثبت بالنص لا بخبر الواحد عندنا وأراد به الفرض اللغوي لا الشرعي فإن الآية مجملة والفرض لا يثبت بخبر الواحد، ويجوز أن يراد به الفرض الشرعي على الرواية التي هي أنه مقدر بثلاثة أصابع؛ لأن دخول الآلة تحت النص بطريق الاقتضاء يكون ثابتا بمقتضى النص لا بخبر الواحد. فإن قلت: لو دخلت الآلة تحت النص كان ينبغي أن لا يتأدى المسح بدون الآلة وهي أكثر اليد وقد يتأدى بإصابة المطر بلا استعمال اليد، وقد نص في " المبسوط " " والخلاصة " وغيرهما بذلك.، قلت: ثبوت الآلة بطريق الضرورة لا بطريق القصد فإن من أمر بالصعود على السطح دخل بنصب السلم تحت الأمر ضرورة لا قصدا حتى لو حصل الصعود من غير مضيه سقط اعتباره لكونه غير مقصود. م: (وهو ربع الرأس) ش: أي مقدار الناصية ربع الرأس وليست الناصية ربع الرأس على الحقيقة؛ لأن هذا لا يحتاج إلى تكسر ومساحة حتى يتبين أنها ربع الرأس على الحقيقة وإنما هي مقدار الناصية، قال ابن فارس: الناصية قصاص الشعر، ثم فسر القصاص بأنه نهاية منبت الشعر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمن مقدم الرأس، فهذا أعم من أن يكون ربع الرأس على الحقيقة، أو باعتبار أنه أحد الأركان الأربعة وهي: القفا والناصية والقودان، والقفا يقاله له: القذال أيضا بفتح القاف والذال المعجمة. وقال الجوهري: القذال جمع مؤخر الرأس وهو معقد العذار من الفرس خلف الناصية، ويقال: القذالان ما اكتنفا ما بين القفا من يمين وشمال، ويجمع أقذلة وقذل، والقودان فتح القاف وسكون الواو تثنية قود، وقال الجوهري: قود الرأس جانبه. ثم اعلم أن للفقهاء في هذه المسائل ثلاثة عشر قولا: ستة عن المالكية حكاها ابن العربي والقرطبي. قال ابن مسلمة صاحب مالك: يجزئه مسح ثلثيه، وقال أشهب، وأبو الفرج: يجزئه الثلث، وروى الرقي عن أشهب يجزئه مقدم رأسه، وهو قول الأوزاعي والليث وظاهر مذهب مالك الاستيعاب وعنهم: يجزئه أدنى ما يطلق عليه اسم المسح، والسادس: مسح كلها، ويعفى عن ترك شيء يسير منه يعزى إلى الطرطوسي، وللشافعية قولان: صرح أكثرهم بأن مسح شعرة واحدة يجزئه، وقالوا: يتصور ذلك بأن يكون رأسه مطليا بالحناء بحيث لم يبق ظاهرا إلا شعرة واحدة فأمر يده عليها وهذا ضعيف جدا، فإن الشرع لا يرد بالصورة النادرة التي يكلف في تصورها. وقال ابن القاضي: الواجب ثلاث شعرات وهذا أخف من الأول ويحصل أضعاف ذلك بغسل الوجه وهو يجزئ عن المسح في الصحيح، والنية عند كل عضو ليست بشرط بلا خلاف عندهم، ودليل الترتيب ضعيف، وعندنا في المفروض منه ثلاث روايات في ظاهر الروايات ثلاثة أصابع ذكره في " المحيط " و " المفيد " وهو راوية هشام عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي رواية الكرخي والطحاوي مقدار الناصية وذكر في اختلاف زفر عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف أنهما قالا: لا يجزئه إلا أن يمسح مقدار ثلث رأسه أو ربعه. وروى ابن يحيى بن أكثم عن محمد أنه اعتم ربع الرأس، وقال أبو بكر: عندنا أعني فيه روايتان الربع والثلاث أصابع، وبعض المشايخ صحح رواية ثلاث أصابع احتياطا، وفي " جوامع الفقه " عن الحسن يجب مسح أكثر الرأس. وعن أحمد: مسح جميعه وعنه يجزئ مسح بعضه، والمرأة يجزئها مسح مقدم رأسها في ظاهر قوله، وفي " المغني ": لا خلاف بين الآية في وجوب مسح الرأس، وقد نص الله سبحانه وتعالى عليه بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] واختلف في قدر الواجب، فروي عن أحمد وجوب مسح الجميع في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي، ومذهب مالك، والرواية الثانية: يجزئ مسح بعضه، قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه، قال: يجزئه ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله، ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدام رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ.
لما روى المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه» ـــــــــــــــــــــــــــــQوممن قال يمسح البعض الحسن، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي إلا أن الظاهر عن أحمد في حق الرجل وجوب الاستيعاب وفي حق المرأة يجزئها مقدم الرأس. قال الخلال: العمل في مذهب أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها وقال مهنا: قال أحمد أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل. واعلم أن قول المصنف و " المفروض في مسح الرأس مقدار الناصية " إشارة إلى أن الناصية لا تتعين حتى لو مسح القذال أو أحد القودين جاز ولا يجزئ مسح الأذنين عنه؛ لأن كون الأذنين من الرأس احتمالا لثبوته بخبر الواحد فأشبه التوجه إلى الحطيم هكذا ذكره وفيه نظر؛ لأن الحطيم من المسجد الحرام قطعا وقد أمرنا بالتولية بوجوهنا شطر المسجد الحرام بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 149] الآية (البقرة: الآية 149) لكن قد أريد به الكعبة بالإجماع، وهو من باب ذكر الكل وإرادة الجزء. م: (لما روى المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته وخفيه» ش: الكلام فيه على أربعة أنواع: الأول المغيرة بضم الميم وكسرها ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن صعقب بعين مهملة وبالمثاة من فوق وباء موحدة ابن مالك بن كعب بن عمرو ابن سعد بن عمرو بن قيس بن منبه وهو ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة ابن قيس غيلان بن نصر بن نزار يكنى أبا علي ويقال: أبا عبيد الله ويقال أبا محمد أسلم عام الخندق. وروى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وستة وثلاثين حديثا اتفقا على تسعة وللبخاري حديث ومسلم حديثان، روى عنه جماعة منهم عروة بن الزبير وأبو إدريس الخولاني والشعبي، وروى عنه بنو عروة وحمزة وعقار بنو المغيرة ومولاه، ومات بالمدينة سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين روى له الجماعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثاني: أن هذا الحديث مركب من حديثين رواهما المغيرة بن شعبة، جعلهما المصنف حديثا واحدا، وقد تبع في ذلك أبا الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشيخ أكمل الدين قيل هذا حديث واحد، وقيل حديثان، جمع القدوري بينهما. قلت: هذا عجز ظاهر منه حيث صرح بقوله: قيل: هذا حديث واحد، وهذا القول غير صحيح، والقول الثاني هو الصحيح، ومع هذا لم يبين كيف روى الحديثان، ولا التفت إليه والعجب منه ومن نظرائه الذين تصدوا لتأليف الشروح على مثل " الهداية " كيف قصروا فيما يتعلق بالأحاديث التي يستدل بها في هذا الكتاب، وهل مبنى هذا العلم إلا عليها وليس بناؤها على شفا جرف هار، فنحن بين ذلك بعون الله وتوفيقه. أما الحديث الأول الذي فيه ذكر السباطة والبول، فأخرجه ابن ماجه في سننه حدثنا إسحاق ابن منصور حدثنا أبو داود حدثنا سعيد عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال قائما، قال شعبة قال عاصم يومئذ» . ورواه البخاري ومسلم عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته به ثم توضأ. وزاد مسلم " ومسح على خفيه» ووهم الشيخ علاء الدين التركماني في هذا الحديث بعد أن حكاه بلفظ البخاري وزيادة مسلم أخرجاه وليس كذلك بل انفرد مسلم فيه بالمسح على الخفين وصرح بذلك عبد الحق بالجمع بين الصحيحين، وقال: لم يذكر البخاري فيه المسح على الخفين، ووهم المنذري أيضا فعزاه إلى المتفق وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وتعقبه ابن عبد الهادي لما ذكرنا من تصريح عبد الحق. وأما الحديث الثاني ففيه ذكر المسح على الناصية والخفين فأخرجه مسلم عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين» . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا وأخرجه الطحاوي من حديث الربيع ابن سليمان المؤذن قال: حدثنا يحيى بن حبان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وعليه عمامة فمسح على عمامته ومسح بناصيته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرجه الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا الشافعي إلى آخره نحو رواية الطحاوي وأخرجه البيهقي من هذا الطريق في كتاب " المعرفة " وأخرجه الطبراني حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي حدثنا محمد بن بكار حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة قال: «مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ناصيته وعمامته ومسح على خفيه وأنا أشاهد ذلك» وأخرجه أحمد أيضا في مسنده مطولا. ووهم الشيخ علاء الدين أيضا في هذا الحديث حيث جعل الحديث الذي ذكره المصنف مركبا من حديث المغيرة الذي فيه المسح على الناصية وعلى الخفين ومن حديث حذيفة الذي فيه ذكر السباطة والبول، وليس كذلك بل هو مركب من حديث المغيرة كما ذكرناه واضحا. النوع الثالث: أن السباطة بضم السين الكناسة وهي المكنوسة من التراب وغيره، وأريد به المكان الذي تلقى فيه الكناسة بطريق إطلاق اسم الحال على المحل ثم الإضافة فيه قيل للاختصاص، وقيل: للملك؛ لأنها كانت مواتا مباحة، وقيل: لا موات في المدينة، وقيل: كانت للناس عامة وأضيفت إليهم لقربها منهم، وتباح عموما لكل مائل، وقيل: خاصا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم كانوا يكرهون ذلك من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يحمل على الإذن في ذلك. النوع الرابع: أن هذا الحديث صحيح لا نزاع فيه لأحد وهو حجة لمن يقول بأن الفرض في مسح الرأس مقدار الناصية فإن قلت: الحديث يقتضي بيان عين الناصية، والمدعى ربع غير معين، وهو مقدار الناصية، فلا يوافق الدليل المذكور. قلت: الحديث يحتمل تعيين بيان المجمل وبيان المقدار وخبر الواحد يصح بيانا لمجمل الكتاب والإجمال في المقدار دون المحل؛ لأنه الرأس وهو معلوم فلو كان المراد منه العين يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد. فإن قلت: لا نسلم أن الإجمال في المقدار لأن المراد منه مطلق البعض بدليل الباء في المحل والمطلق لا يحتاج إلى البيان قلت: المراد بعض مقدار لا مطلق المقدار بوجوه: الأول: أن المسح يطلق على أدنى ما يطلق عليه الاسم وهو مقدار شعرة غير ممكن إلا بزيادة غير معلوم. الثاني: أن الله تعالى أفراد المسح بالذكر ولو كان المراد بالمسح مسح مطلق البعض وهو حاصل في ضمن الغسل لم يكن للإفراد بالذكر فائدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثالث: أن المفروض في سائر الأعضاء غسل مقدر فكذا في هذه الوظيفة فكان مجملا في حق المقدار فيكون فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بيانا. الرابع: أن المذكور في الأحاديث المذكورة الإتيان إلى سباطة قوم والبول فيها قائما والتوضؤ والمسح على الناصية والخفين والعمامة مقدم عن قريب. فإن قلت: قد روى الأربعة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد حاجة أبعد فكيف بال في السباطة التي تقرب الدور. قلت لعله كان مشغولا بأمور المسلمين والنظر في مصالحه وطال عليه المجلس حتى خرقه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لكان تضرر وارتداد السباطة لدمسها وكان حذيفة يقربه بيده من الناس مع أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهون بل يضرجون به ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه والاستهداد من مجرته، ولهذا ذكر علماؤنا من دخل بستان غيره يباح له الأكل من الفاكهة كالهبة إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط ومحبة، وأما البول قائما فأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أتى سباطة قوم فبال قائما الحديث.» فيه وجوه: الأول لما كان به وجع الصلب إذ ذاك. والثاني ما رواه البيهقي برواية ضعيفة " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بال قائما لعلة بمأبضه» والمأبضة بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة وهو باطن الركبة، والثالث: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان غالبا مرتفعا، والرابع: ما ذكره القاضي وهو كون البول قائما حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود، وكذلك قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " البول قائما حض للدبر "، والخامس: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله بيانا للجواز في هذه المرة وكان عادته المستمرة للبول قاعدا يدل عليه حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «من حدثكم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا» رواه أحمد والنسائي والترمذي بإسناد جيد. وقد روي في النهي عن البول قائما أحاديث ثابتة ولكن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هذا ثابت ولهذا قال العلماء يكره البول قائما إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم وقال ابن المنذر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاختلف في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهم بالوا قياما وذلك عن أنس وعلي وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير. وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم وابن سعد وكان إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما. وقال ابن المنذر: فيه قول ثالث أنه إذا كان يتطاير إليه من البول شيء فهو مكروه وإن كان لا يتطاير فلا بأس، وهو قول مالك، وقال ابن المنذر: البول جالسا أحب إلي وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بأس بالبول قائما، وأما تعريضه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. 1 - وأما المسح على العمامة فقد اختلف فيه أهل العلم: فذهب إلى جوازه جماعة من السلف، وقال به من فقهاء الأمصار الأوزاعي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور وداود وقال أحمد وجاء ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خمسة أوجه، وشرط في جواز المسح على العمامة أن يقيم الماسح عليه بعد كمال الطهارة كما يفعله من يريد المسح على الخفين، وروي عن طاووس أنه قال: يمسح على العمامة التي تجعل تحت الذقن وإلى المسح على العمامة أكثر الفقهاء، وتأولوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يجب كله مقدمه ومؤخره ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة كالمفسر له وهو أنه وصف وضوءه ثم قال: ومسح بناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعا له كما وري أنه مسح أسفل الخف وأعلاه ثم كان مسح الواجب في ذلك مسح أعلاه وصار مسح أسفله كالتبع له. وأما الحديث الذي رواه أحمد في مسنده ورواه عنه أبو داود عن ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.» فتأويله أنه يجوز أن يكون من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل وذكر عاصب وأراد ما يحويه العصائب مجازا أو العصائب العمائم، سميت بذلك؛ لأن الرأس تعصب بها وكلما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة فهو عصابة والتساخين الخفاف وقيل واحدهما تسخن أو تسخان. وذكر حمزة الأصبهاني أن الثخان فارسي معرب تسخان، وأما الحديث الذي رواه أبو داود
والكتاب مجمل فالتحق بيانا به ـــــــــــــــــــــــــــــQحدثنا عبد الله بن معاذ قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر يعني ابن حفص بن عمر بن سعد سمع أبا عبيد الله عن أبيه عبد الرحمن السلمي أنه شهد «عبد الرحمن بن عوف سأل بلالا عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: كان يخرج فيقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ فيمسح على عمامته وموقيه» . فالجواب عنه أن المراد به مسح ما تحته من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل، وأوله بعض أصحابنا أن بلالا كان بعيدا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمسح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يضع العمامة من رأسه فظن بلال أنه مسح على العمامة، وفي " الغاية " وبذكر المسح على العمامة تأويلان: أحدهما: أن المسح عليها لم يكن عن قصد بل تبع بمسح البعض كما نشاهد ذلك إذا مسح على البعض وعلى الرأس عمامة. الثاني: أنه يحتمل أن يكون به زكام فمسح على عمامته تكميلا للسنة بعد مسح الواجب منه يدل على ذلك اقتصاره على مقدم رأسه. وذكر المسح على عمامته في حديث رواه أبو داود عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة ومسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة» والقطرية بكسر القاف وسكون الطاء المهملة وكسر الراء ثياب حمر بها أعلام ينسب إلى قطر موضع بين عمان وسي البحر بكسر السين وسكون الياء آخر الحروف وهو ساحله، وقال الأزهري وقع في بعض الأحاديث الاقتصار على ذكر العمامة والخمار وفي بعضها على عمامته وخفيه أخرجه البخاري، وفي حديث المغيرة معهم الناصية، قال الخطابي والبيهقي في الجواب ما تحصيله أن المحتمل يحمل على الحكم وإنما حذف الراوي الناصية في بعضها لأن بعضها معلوم مقدمة فحذفه؛ لأن الله تعالى فرض مسح الرأس والعمامة ليست من الرأس فلا يترك اليقين بالمحتمل وقياسها على الخف بعيد؛ لأنه يشق نزعه. م: (والكتاب مجمل فالتحق بيانا به) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال حديث المغيرة من أخبار الآحاد فلا يزاد به الكتاب، وتقرير الجواب أن هذا ليس من باب الزيادة على الكتاب بل الكتاب مجمل " فالتحق الخبر بيانا به " أي بالكتاب إذ التقدير التحق فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيانا به، والمجمل ما ازدحمت فيه المعاني وأشبه المراد به اشتباها لا يدرك نفس العبارة بل الرجوع في الاستفسار ثم الطلب ثم التأمل. فإن قلت: نسلم أن الكتاب مجمل؛ لأن المجمل ما لا يمكن العمل به، الإتيان من المجمل والعمل بهذا النص ممكن بحمله على الأقل لتيقنه، قلت لا نسلم أن العمل به قبل التبيان في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالمجمل وإلا قد يكون أقل من شعرة والمسح عليها لا يكون إلا بزيادة عليها وما لا يمكن الفرض إلا به فهو فرض والزيادة غير معلومة فتحقق الإجمال في المقدار. فإن قلت: سلمنا أنه مجمل والخبر بيانا له ولكن الدليل أخص من المدلول فإن المدلول مقدار الناصية وهو ربع الرأس والدليل يدل على تعيين الناصية ومثله لا يفيد المطلوب. قلت: البيان لما فيه الإجمال فكانت الناصية بيانا للمقدار لا للمجمل المسمى وهو الناصية والإجمال في المجمل فكان من باب ذكر الخاص وإرادة العام وهو مجاز شائع فكانا متساويين في العموم. فإن قلت: لا نسلم أن مقدار الناصية فرض؛ لأن الفرض الخاص ما يثبت بدليل قطعي وخبر الواحد لا يفيد القطع ولئن سلمناه ولكن لازمه وهو تكفير الجاحد منتف فينفي الملزوم، قلت: الأصل في هذين خبر الواحد إذا لحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا إلى المجمل دون البيان والمجمل من الكتاب والكتاب دليل قطعي ولا نسلم انتفاء اللازم؛ لأن الجاحد من لا يكون مؤولا وموجب الأقل أو الجمع متأول معتمد شبهة تقوية وقوة الشبهة تمنع التكفير من الجانبين ألا ترى أن أهل البدع لا يكفرون بما منعوا ما دل عليه الدليل القطعي في نظر أهل السنة لتأويلهم وقال السغناقي: فإن قيل الفرض هو الذي يوجب العلم اعتقادا باعتبار أنه ثابت بدليل مقطوع فيه فلهذا يكفر جاحده وكفر الجاحد غير ثابت هذا في حق أي في حق المقدار فكيف يكون فرضا؟ قلنا: إن لم يكن ثابتا في حق المقدار لكن الثلاثة أعني الوجوب والعلم وكون الدليل مقطوعا به وكفر الجاحد كلها ثابتة في حق أهل المسح فمسمى المقدار باسم أصل المسح إطلاقا للاسم المتضمن على المتضمن؛ لأن المقدار تفسير هذا المسح والمفسر متأول التفسير وإلا لا يكون تفسيرا له، ونقول الفرض على نوعين قطعي وهو ما ذكر، وظني وهو الفرض على زعم المجتهد كإيجاب الطهارة بالفصد والحجامة عند أصحابنا، فإنهم يقولون تعترض عليه الطهارة عند إرادة الصلاة، أو تقول يطلق اسم الفرض على الوجوب كما يطلق اسم الوجوب على الفرض في قوله الزكاة واجبة والحج واجب لاكتفائهما في معنى اللزوم على البدل وقال صاحب " الاختيار ": الإجمال في النص من حيث إنه يحتمل إرادة الجمع كما قال مالك ويحتمل إرادة الربع كما قلنا. ويحتمل إرادة الأقل كما قال الشافعي وهذا ضعيف؛ لأن في احتمال إرادة الجميع تكون الباء في {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] زائدة وهو بمنزلة المجاز لا يعارض الأصيل كما ذكرنا في الأصول والعمل هاهنا ممكن بأي بعض كان فلا يكون النص بهذين الاحتمالين مجملا، وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأحكام " قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي مسح بعضه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوذلك أنه معلوم أن هذه الأدوات موضوعة لإفادة المعاني، وإن كانت قد يجوز دخولها في بعض المواضع صلة فتكون ملغاة ويكون وجودها وعدمها سواء ولكن لما أمكن استعمالها هاهنا على وجه الفائدة لم يجزئ إلغاؤها، فلذلك قلنا إنها للتبعيض، والدليل على ذلك أنك قلت مسحت يدك بالحائط كان المفعول مسحها ببعضه دون جميعه، ولو قلت: مسحت الحائط كان المفعول مسح جميعه دون بعضه فوضح الفرق بين إدخالها وإسقاطها في العرف واللغة فإذا كان كذلك تحمل الباء في الآية على التبعيض مستوفية لحقها وإن كانت في الأصل للإلصاق إذ لا منافاة بينهما؛ لأنها تكون مستعملة للإلصاق في تفسير المفروض. والدليل على أنها للتبعيض ما روى عمر بن علي بن مقدم عن إسماعيل بن حماد عن أبيه حماد عن إبراهيم في قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] قال إذا مسح لبعض الرأس أجزأه فإذا قال وامسحو رؤوسكم كان الفرض مسح الرأس كله فأخبر أن الباء للتبعيض وقد كان من أهل اللغة مقبول القول فيها ويدل على أنه قد أريد بها التبعيض في الآية اتفاق الجميع على جواز ترك القليل من الرأس في المسح والاقتصار على البعض وهذا هو اشتمال اللفظ فحينئذ احتاج إلى دلالة في إثبات المقدار الذي حده. فإن قيل: إذا كانت للتبعيض لما جاز أن يقال مسحت برأسي كله كما يقال مسحت ببعض رأسي كله، قيل له قدمنا أن حقيقتها إذا أطلقت للتبعيض مع احتمال كونها ملغاة فإذا قال مسحت برأسي كله علمنا أنه أراد أن تكون الباء ملغاة نحو قَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] (الأعراف: الآية 59، 65، 73) ونحو ذلك. فإن قلت: قال ابن جني وابن برهان من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. قلت: أثبت الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك التبعيض، وقيل: هو مذهب الكوفيين وجعلوا منه {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] (الإنسان: الآية 6) . وقول الشاعر: شربنا بماء البحر ثم ترفعنا وقال بعضهم الباء في الآية للاستعانة وإن في الآية حذفا وقلبا فإن " مسح " يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء والتحقيق في هذا الموضع أن الباء للإلصاق بأن دخلت في الآلة المسح نحو مسحت الحائط بيدي يتعدى إلى المحل تقديره ألصقوا برؤوسكم فإذا لم يتناول كل المحل يقع الإجمال في قدر المفروض منه ويكون الحديث بينا لذلك كما قدرناه. فإن قلت: أليس أن في حكم التيمم حكم المسح بقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] (سورة النساء: الآية 43) ثم الاستيعاب شرط فيه. قلت: أما على رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يشترط فيه الاستيعاب لهذا المعنى وأما على ظاهر الرواية فعرفناه بإشارة الكتاب وهو أن الله تعالى
وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير بثلاث شعرات وعلى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الاستيعاب، ـــــــــــــــــــــــــــــQأقام التيمم في هذين العضوين مقام الغسل عند تعذره والاستيعاب في الغسل فرض وكذا فيما أقيم مقامه أو بالسنة المشهورة وهو «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما يكفيك ضربة للوجه وضربة للذارعين» . م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بيان كونه حجة على الشافعي أنه لما التحق بالكتاب على وجه البيان له صار الكتاب ردا له لذلك فصار حجة عليه. م: (في التقدير بثلاث شعرات) ش: من شعر الرأس وهذا الذي نسبه إلى الشافعي وجه شاذ في مذهبه مذكور في " الروضة " والواجب في مسح الرأس ما يطلق عليه الاسم ولو بعض شعرة أو قدره في البشرة وفي وجه شاذ يشترط ثلاث شعرات، وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج حد الرأس لو سدل سبطا كان أو جعدا انتهى. م: (وعلى مالك) ش: أي هو حجة أيضا على مالك بن أنس، (في اشتراط الاستيعاب) ش: أي في اشتراط استيعاب الرأس بالمسح، واعلم أن الذي ذهب إليه الشافعي في مسح الرأس لم يوجد له نص في الأحاديث التي رويت في صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ما ذهب إليه مالك وأصحابنا. أما ما ذهب إليه مالك فهو حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رواه مالك، عن عمرو بن يحيى المازني «عن عبد الله قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين مرة، ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه. أخرجه الجماعة كلهم من حديث مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما ما ذهب إليه أصحابنا فهو حديث المغيرة فيما مضى» . فإن قلت: كان ينبغي أن يكون الفرض مسح جميع الرأس بمقتضى حديث عبد الله بن زيد كما ذهب إليه مالك قلت: لما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاقتصار على الناصية دل على أن ما فوق ذلك مسنون ونحن نقول به فقد استعملنا الخبرين وجعلنا المفروض مقدار الناصية إذ لم يرو عنه أنه مسح أقل منها وجعلنا ما زاد عليها مسنونا ولو كان المفروض أقل من قدر الناصية كما ذهب إليه
وفي بعض الروايات قدره بعض أصحابنا بثلاث أصابع اليد؛ لأنها أكثر ما هو الأصل في آلة المسح قال: ـــــــــــــــــــــــــــــQالشافعي لاقتصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حال مسحه على مقدار المفروض كما اقتصر على الناصية في بعض الأحوال. م: (وفي بعض الروايات قدره أصحابنا بثلاث أصابع) ش: هذه رواية عن محمد ذكرها عنه في " نوادره " أنه إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز في قول محمد في الرأس والخف جميعا، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف حتى يمدها بقدر ما يصيب البلة ربع رأسه وهما اعتبرا الممسوح عليه ومحمد اعتبر الممسوح به وهو عشرة أصابع وربعها إصبعان ونصف، إلا أن الإصبع الواحد لا يجري جعل المفروض قدر ثلاثة أصابع وقال الشيخ قوام الدين في تفسير قوله " وفي بعض الروايات " إلى آخره وهو ظاهر الرواية؛ لأنه المذكور في الأصل فكان ينبغي على هذا أن يقول وعلى ظاهر الرواية لأن لفظة " بعض الروايات " مستعمل في غير ظاهر الرواية وقال الشيخ أكمل الدين: قيل: هي ظاهر الرواية لكونها المذكورة في الأصل فكان ينبغي أن يقول على ظاهر الرواية، قلت: ظاهر الرواية هو أن المفروض في مسح الرأس هو مقدار الناصية، والرواية التي فيها التقدير بثلاث أصابع هي رواية " النوادر " وهي غير ظاهر الرواية حتى يرد ما ذكره. فرع: إذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدها جاز عند محمد كما ذكرنا ولو أعاد إصبعا واحدة إلى الماء ثلاث مرات جاز. وكذا لو مسح بإصبع واحدة بجوانبها الأربعة؛ لأن ظاهرها وباطنها يقومان مقام إصبعين وجانبها مقام إصبع واحدة وقال السرخسي: الأصح عندي أنه لا يجوز، وفي " البدائع " ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لم يجز؛ لأنه لم يأت بالمفروض ولو مدها حتى أبلغ المفروض لم يجز عندنا خلافا لزفر، وفي " المحيط " إن كان الماء يتقاطر جاز كأنه أخذ ماء جديدا أو بلة وكذا لو مسح بالإبهام والسبابة وبينهما مفتوح يجوز كذا في " المجتبى " وفيه أيضا مسح شعر رأسه وفي " شرح الوجيز " المسح على بشرة الرأس يجوز ولا يضر كونها تحت الشعر، وقال بعض أصحابنا لا يجوز لانتقال الفرض إلى الشعور، ولو غسله بدل المسح قيل لا يجوز؛ لأنه مأمور بالمسح، والأصح أنه يجوز؛ لأن الغسل مسح وزيادة، ثم هل يكره غسل بدل المسح قيل يكره؛ لأنه سرف كالغسلة الرابعة والأظهر أنه لا يكره. ولو بدأ رأسه ولم يمد اليد فيه قولان أصحهما أنه يجوز، وقال القفال: لا يجوز، ولو قطرت على رأسه قطرة لم يجزه فإن جرت كفي، وفي " مغني الحنابلة " إذا وصل إلى بشرة الرأس ولم يمسح على الشعر لم يجزه، وإن رد هذا النازل وعقده على رأسه لم يجزه المسح عليه، ولو نزل عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه، ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه لم يجزه المسح على الخضاب والطين نص عليه أحمد في الخضاب، وإن غسل رأسه بدل مسحه فعلى وجهين: أحدهما لا يجزئه
[سنن الطهارة]
وسنن الطهارة غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثاني يجزئ، ولو حصل على رأسه ماء المطر أو صب عليه إنسان ثم مسح يقصد بذلك الطهارة أجزأه وإن جعل الماء على رأسه من غير قصد أجزأه أيضا، وإن مسح رأسه بخرقة مبلولة أو خشبة أجزأه على أحد الوجهين. وإن وضع على رأسه خرقة مبلولة فانبل رأسه بها أو وضع خرقة ثم بلها حتى انبل شعره لم يجزئه ولو حلق رأسه أو لحيته لا يعيد المسح إجماعا وكذا إن قلم الظفر وكنسط الخف، وعند بعض الشافعية يجب إعادة المسح بعد حلق الشعر، وقال السروجي: ولو حلق رأسه بعد الوضوء أو جز شاربه أو قلم ظفره أو شرط خفه لا إعادة عليه، وقال ابن جرير: عليه الوضوء، وقال إبراهيم: عليه إمرار الماء على ذلك الموضع، ومسح العنق قيل سنة وقيل مستحب، ومسح الحلقوم بدعة، ولو مسحت المرأة على خمارها ووصل الماء إلى رأسها يجوز ما لم يتلون الماء ولو كانت الذؤابة مسدولة فوق رأسه كما يفعله النساء فمسح على رأسها الذؤابة لم يجز عند العامة وبعضهم جوزه إذا لم يرسل، وفي " هداية الناطفي " لو مسحت على الخضاب أو الوقاية لم يجز وإن وصل إلى الشعر، وقيل هذا قبل غسل الخضاب، وقيل هذا إذا خرج الماء من كونه ماء مطلقا، وفي " النظم " قال عامة العلماء: إن وصل إلى الشعر يجوز وإلا فلا مسح رأسه ببلل يبقى في كفه لم يجز. [سنن الطهارة] [غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء] م: (وسنن الطهارة غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء) ش: لما فرغ من بيان فرائض الوضوء شرع في بيان سننه وتقديم الفرائض لكونها أقوى، والإضافة فيه للبيان إما بمعنى في أو اللام، والمراد من الطهارة الوضوء، وإنما ذكر الفرض بلفظ الواحد. والسنة بلفظ الجمع؛ لأن الفرض في الأصل يتناول القليل والكثير ويستغني عن الجمع بخلاف السنة فإنها اسم ولها أفراد فجمعها لتعم أفرادها، وهي بضم السين جمع سنة، وهي في اللغة: الطريقة مطلقا، وكذلك السنن بفتحتين، يقال: استقام فلان على سنن واحد ويقال امض على سنتك أي على وجهك وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه وعن سنن الطريق وسننه وسنته ثلاث لغات وهي: فتحة السين مع فتح النون وضمة السين وفتحة النون وضمهما معا، والسنة السيرة أيضا يقال: سنة العمرين أي سيرتهما، والسنة أيضا ضرب من التمر بالمدينة، وفي الشريعة: ما واظب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه ولم يتركه إلا مرة أو مرتين كذا في " المحيط "، وذكر في " المفيد " و " المزيد ": السنة ما واظب عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يتركه إلا لعذر والأدب ما فعله مرة ومرتين ثم تركه. قلت: مراده أدب شأنه دائما، وفي " المنافع " قال خواهر زاده: وحد السنة ما فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على سبيل المواظبة ويؤمر بإتيانها ويلام على تركها، وفي " البداية " السنة ما يؤجر على إتيانها ويلام على تركها وهي تتناول القولية والفعلية، وقال الأترازي: السنة ما في فعله ثواب وفي تركه عتاب لا عقاب ثم قال وإنما قلت: في تركه عتاب احترازا عن النقل وإنما. قلت: لا عقاب احترازا عن الواجب والفرض، هذا التعريف أبدعه خاطري في هذا المقام، وقال الأكمل: السنة
إذا استيقظ المتوضئ من نومه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ـــــــــــــــــــــــــــــQهي الطريقة المسلوكة في الدين وحكمها أن يثاب في الفعل ويستحق الملامة في الترك، وكل من التعريفين ناقص لا يخلو عن نظر، أما تعريف الأترازي الذي ادعى أنه من إبداع خاطره فليس بشيء، من الأول: أن في قوله: إن في فعله ثواب.. يشتمل الفرض والنفل أيضا، وقوله: في تركه عقاب.. لا يخرج الفرض؛ لأن العتاب نوع من العقاب ولئن سلمنا أن العتاب غير العقاب حينئذ يخرج السنن المؤكدة التي هي في قوة الواجب فإن في تركها عذابا أيضا، الثاني: أن تعريفه هذا يدخل في سنة غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن سيرة العمرين لا شك في فعلها ثواب وفي تركها عقاب؛ لأنا أمرنا بالاقتداء بهما لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقتدوا باللذين من بعدي» فإذا كان الاقتداء بهما مأمورا به يكون واجبا وتارك الواجب يستحق العقاب والعتاب، وأما تعريف الأكمل فإنه غير مانع لتناوله سنة غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما لا يخفى. وأحسن التعريفات تعريف خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم كيفية غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء على أن يأخذ الإناء إن كان صغيرا ويصب علي يمينه فيغسلها ثلاثا، وإن كان كبيرا لا يمكنه رفعه يأخذ منه الماء بإناء صغير إن كان معه فيصبه على يمينه فيغسلها ثلاثا ثم يدخل اليمنى، والسنة تقديم غسل اليدين إلى الرسغ أما نفس الغسل ففرض حتى قال محمد في " الأصل ": ثم يغسل ذراعيه فلا يجب غسلهما ثانيا، وقال تاج الشريعة: قوله وسنن الطهارة غسل اليدين أي تقديم غسل اليدين لا نفس الغسل فإنه فرض. م: (إذا استيقظ المتوضئ من نومه) ش: شرط ذلك عند استيقاظ المتوضئ من نومه نقل ذلك شمس الأئمة الكردري أنه شرط حتى إنه إذا لم يستيقظ لا يسن غسلهما، وقيل: هو شرط اتفاقي، خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث والسنة تشمل المستيقظ وغيره وعليه الأكثرون وسيجيء مزيد الكلام في الحديث الذي يذكره المصنف. وقوله: المتوضئ يحتمل أمرين أحدهما أن يريد به من قام على وضوء فإذا سن ذلك في حقه فغيره أولى، والآخر أن يريد به من يريد الوضوء ففي الأول الكلام حقيقة وفي الثاني مجاز فافهم. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ش: هذا الحديث صحيح أخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة كلهم عن أبي هريرة، فالبخاري عن عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم يستنثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وأبو الزناد بكسر الزاي المعجمة وتخفيف النون اسمه عبد الله بن ذكوان المقري المدني من رجال الستة، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني من رجال [الستة] ، ومسلم عن نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن خالد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» وأبو داود عن مسدد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده» ، وأبو معاوية اسمه محمد بن خازم بالمعجمتين من رجال الستة والأعمش اسمه سليمان بن مهران ثقة كبير وأبو رزين بفتح الراء وكسر الزاي اسمه مسعود بن مالك الأسدي أسد خزيمة من رجال مسلم والأربعة وأبو صالح اسمه زكوان الزيات ويقال النعمان من رجال الستة. والترمذي عن الوليد الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده» ، وأبو الوليد اسمه الأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمر إمام كبير مشهور ونسبته إلى أوزاع وهي من قبائل [......] وقيل الأوزاع من همدان وقيل الأوزاع قرية بدمشق والزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ونسبته إلى زهرة بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ويقال اسمه وكنيته. والنسائي عن قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمسن يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ، وابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما حدثاه أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أحدكم أين باتت يده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " قال: حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا بشر بن بكير قال: حدثنا الأوزاعي وحدثنا سعيد بن نصر قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثنا سعيد بن المسيب أن أبا هريرة كان يقول: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرة أو مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يد أحدكم» . والفريابي بكسر الفاء وسكون الراء وبالياء آخر الحروف وبعد الألف باء موحدة مكسورة بعدها ياء النسبة نسبة إلى فارياب بليدة بنواحي بلخ ويقال الفريابي أيضا على الأصل وهو فيريابي بزيادة ياء بعد الفاء وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري وغيره. وهذا الحديث روي عن جابر وابن عمر، وأما حديث جابر فرواه الدارقطني من حديث أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها» إسناده حسن. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فرواه الدارقطني من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده منه وأين طاف بيده» ، فقال له رجل: " أرأيت إن كان حوضا "، فحصبه ابن عمر، وقال: أخبرك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول: " أرأيت إن كان حوضا ". إسناده حسن. ورواه ابن ماجه وابن خزيمة ولفظ المصنف في هذا الحديث لا يوافق الروايات المذكورة على النسق كما تراه، بل قوله إذا استيقظ أحدكم من منامه يوافق ما في رواية البخاري والدارقطني، قوله «فلا يغمسن يده» بنون التوكيد المشددة لم يقع في رواية هؤلاء إلا أنه وقع في رواية البزار فإنه رواه من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في طهوره حتى يفرغ علها» الحديث. والذي وقع في رواية مسلم وهو قوله «فلا يغمسن» على صورة النهي وكذا في رواية النسائي، وقوله حتى يغسلها ثلاث مرات، وكذا وقع في رواية مسلم وأبي داود، وقع في رواية النسائي «حتى يغسلها ثلاثا» مثل لفظ المصنف وفي رواية الترمذي مرتين أو ثلاثا، وكذا في رواية أبي داود والترمذي، وفي رواية البخاري «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وكذا في رواية مسلم وأبي داود والترمذي وفي رواية البخاري «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» وكذا في رواية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنسائي وفي رواية ابن ماجه «فإن أحدكم لا يدري فيم باتت يده» وكذا في رواية الطحاوي وفي جميع الروايات عدم التعرض إلى العدد إلا في رواية البخاري «فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه» . وفي رواية مسلم: «فلا يغمسن يده في الإناء» وفي رواية النسائي: «فلا يغمسن يده في وضوئه.» وفي رواية أبي داود مثل رواية مسلم، وفي رواية الترمذي " حتى يفرغ عليها " من أفرغت الإناء إفراغا إذا قلبت ما فيه، وكذا أفرغته تفريغا، والمعنى حتى يصب على يديه مرتين أو ثلاثا، وفي " سنن البيهقي الكبير " " حتى يصب عليها صبة أو صبتين "، وفي جامع عبد الله بن وهب المصري صاحب مالك: «حتى يغسل يده أو يفرغ فيها فإنه لا يدري حيث باتت يده» وفي " علل ابن أبي حاتم الرازي ": " فليغرف على يديه ثلاث غرفات "، وفي لفظ: " فليغرف بيمينه من إنائه "، وعند ابن عدي من رواية الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: «فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء.» قلت: أنكر ابن عدي على معلى بن الفضل الذي روى هذا الحديث عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أبي هريرة زيادة: " فليرق ذلك الماء ". والحديث منقطع عند الأكثرين بعدم صحة الحسن عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم الكلام فيه على أنواع: الأول: استدل به أصحابنا على الغسل لليدين قبل الشروع في الوضوء سنة. بيان ذلك أن أول الحديث يقتضي وجوب الغسل للنهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل وآخره يقتضي استحباب الغسل للتعليل بقوله: «فإنه لا يدري أين باتت يده» يعني في مكان طاهر من بدنه أو نجس، فلما انتفى الوجوب لما في التعليل المنصوص تثبت فثبتت السنة؛ لأنها دون الوجوب. فإن قلت: كان ينبغي أن لا يبين في التعليل هذه السنة؛ لأنهم كانوا يتوضئون من الأتوار فلذلك أمرهم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وأما في هذا الزمان فقد تغير ذلك. قلت: السنة لما وقعت سنة في الابتداء بقيت ودامت وإن لم يبق ذلك المعنى؛ لأن الأحكام إنما يحتاج إلى أسبابها حقيقة في ابتداء وجودها لا في بقائها؛ لأن الأسباب تبقى حكما، وإن لم يبق ذلك المعنى للشارع ولاية الإيجاد والإعلام فجعلت الأسباب الشرعية بمنزلة الجواهر في بقائها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحكما، وهذا كالرمل في الطواف ونحوه. وفي " الأحكام " لابن بزيزة: واختلف الفقهاء في غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء فذهب قوم إلى أن ذلك من سنن الوضوء. وقيل إنه مستحب، وبه صدر ابن الخلاب في شرحه، وقيل: بإيجاب ذلك مطلقا، وهو مذهب داود وأصحابه، وقيل: بإيجابه في نوم الليل دون نوم النهار، وبه قال أحمد، وقال: هل يغسلان مجتمعين أو متفرقين ففيه قولان مبنيان على اختلاف لفظ الحديث الوارد في ذلك، ففي بعض الطرق يغسل يديه مرتين مرتين، وذلك يقتضي الإفراد، وفي بعض طرقه يغسل يديه مرتين، وذلك يقتضي الجمع. وقال السروجي: اختلف الفقهاء في غسل اليدين قبل الوضوء، فقيل: إنه سنة بإطلاق، وهو المشهور، وهكذا ذكر في " المحيط " و " المبسوط "، ويدل عليه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يتوضأ قط إلا غسل يديه، وحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - متفق عليه. ومثله في " التحفة " و " الحواشي " و " المنافع "، وفيه تقديم غسلهما إلى الرسغين سنة تنوب عن الفريضة، كالفاتحة تنوب عن الواجب وفرض القراءة. وقيل: إنه مستحب للتأكيد في طهارة يده مروي عن مالك، وقوله: إنه واجب على المنتبه من النوم بالليل دون النهار، قاله أحمد لحديث الترمذي وابن ماجه بقوله من الليل، ونحن نقول إن قيد الليل باعتبار الغالب وإلا فالحكم ليس مخصوصا بالقيام من الليل بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، فمن شك في نجاستها كره له إدخالها في الإناء قبل غسلهما سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار أو شك في نجاستها في غير نوم، وهذا مذهب الجمهور. وعن أحمد: إن قام من الليل كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه داود الظاهري اعتمادا على لفظ الحديث. النوع الثاني: إن هذا النهي نهي تنزيه لا تحريم حتى لو غمس يده لم يفسد الماء ولم يأثم الغاسل وعن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه ينجس إن قام من نوم الليل. النوع الثالث: إن قوله في الإناء محمول على ما إذا كانت الآنية صغيرة كالكوز أو كبيرة كالجب ومعه آنية صغيرة أما إذا كانت كبيرة، وليست معه آنية صغيرة فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة وتمام الكلام قد مر. النوع الرابع: يستفاد منه أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة كالقلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره وإلا لا يكون فائدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنوع الخامس: يستفاد منه استحباب غسل النجاسات ثلاثا؛ لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المتحققة أولى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب كما سيجيء إن شاء الله تعالى. النوع السادس: إن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: حتى يغسلها ولم يقل حتى يرشها عليها. النوع السابع: فيه استحباب الأخذ بالاحتياط في أبواب العبادات. النوع الثامن: استدل به أصحابنا على أن الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، وذلك أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر القائم من الليل بإفراغ الماء على يديه مرتين أو ثلاثا وذلك أنهم كانوا يتغوطون ويتبولون ولا يستنجون بالماء وربما كانت أيديهم تصيب الموضع النجس فنجس، فإذا كانت الطهارة تحصل بهذا العدد من البول أو الغائط وهما أغلظ النجاسات كان أولى وأحرى أن يحصل بما دونهما من النجاسات. النوع التاسع: أن الماء ينجس بورود النجاسات عليه وهذا بالإجماع وأما ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا خلافا للشافعي، وقال الشيخ محيي الدين النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه تنجسه وإذا ورد عليها أزالها، وتقريره أنه قد نهى عن إدخال اليدين في الإناء لاحتمال النجاسة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه وأمر بغسلها بإفراغ الماء عليها للتطهير، وذلك يقتضي أن ملاقاتها الماء على هذا الوجه غير مفسد بمجرد الملاقاة للضرورة ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهرا بعد إزالة النجاسة. وقال النووي أيضا: وفيه دلالة أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة تنجسه. وإن قلت: ما لم [......] لأن الذي يتعلق باليد ولا يرى قليل جدا، وإن كانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقرب من القلتين بل لا تقاربه. وقال القشيري: وفيه نظر عندي؛ لأن مقتضى الحديث أن ورود النجاسة على الماء يؤثر فيه ومطلق التأثير أعم من التأثير بالنجس ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص العين فإذا سلم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة قد يكون مكروها فقد ثبت مطلق التأثير ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجس. النوع العاشر: فيه استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استحياء ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإنه لا يدري أين باتت يده» ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة ونحو ذلك، وإن كان هذا معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به.
ولأن اليد آلة التطهير فيسن البداية بطهارتها، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنوع الحادي عشر: أن قوله في الإناء، وإن كان عاما لكن القرينة دلت على أنه إناء الماء بدليل ما في الرواية الأخرى في وضوئه وهو الماء الذي يتوضأ به، ولكن الحكم لا يختلف بينه وبين غيره من الأشياء الرطبة. النوع الثاني عشر: أن قوله: " فلا يغمسن يده " يتناول ما إذا كانت يده مطلقة أو مشدودة بشيء أو في جراب أو كون النائم عليه سراويله أو لم يكن لعموم اللفظ. النوع الثالث عشر: أن قوله " أحدكم " خطاب للعقلاء البالغين المسلمين، فإن كان القائم من النوم صبيا أو مجنونا أو كافرا فذكر في " المغني " أن فيه وجهين: أحدهما: أنه كالمسلم البالغ العاقل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده. والثاني: أنه لا يؤثر غمسه شيئا؛ لأن المنع من العمل إنما يثبت بالخطاب ولا خطاب في آخر هؤلاء. النوع الرابع عشر: أن قول المصنف إذا استيقظ المتوضئ يدل على أنه كان نائما على الوضوء وهو لا يسن في حقه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء فكيف عد ذلك من سنن الطهارة. قلت: قد مر جوابه عند قوله: " إذا استيقظ المتوضئ " وفي " المجتبى " و " الجنازية " خص المصنف غسلهما بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث، وإلا السنة شاملة للمستيقظ وغيره، فإنه ذكر في " المحيط " و " التحفة " وغيرهما أن غسلهما في الابتداء سنة على الإطلاق، وفي البداية قوله: «إذا استيقظ» اتفاقي، وعن شمس الأئمة الكردري كلمة الشرط تجري على حقيقتها حتى لم يسن إذا لم يستيقظ، وقيد في " الإيضاح " وفي " شرح مختصر الكرخي " وسائر شروح القدوري أن كونه سنة للمستيقظ من نومه فحسب؛ لأن النوم مظنة، واليد طوافة على البدن فلعلها أن تقع على موضع النجاسة، لكن هذا مردود بمن قام مستنجيا بالماء فإنه لا حاجة له إلى غسل اليدين أولا. النوع الخامس عشر: أنه إذا أراد غسل يديه بعد غسل وجهه، هل يغسل ذراعيه لا غير أو يغسلهما من الأصابع، ذكر في الأصل غسل الذراعين لا غير لتقدم غسل اليدين إلى الرسغ مرة، وقال السرخسي على ما ذكره في " الذخيرة ": الأصح عندي أن يعيد غسل اليدين ظاهرهما وباطنهما؛ لأن الأول كان سنة افتتاح الوضوء فلا ينوب عن فرض الوضوء، وهو مشكل؛ لأن المقصود هو التطهير بأي طريق كان حصل فلا معنى لإعادته. م: (ولأن اليد آلة التطهير فيسن البداية بطهارتها) ش: هذا بظاهره يدل على الوجوب باعتبار أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، ولكن طهارة العضو حقيقة وحكما تدل على عدم الوجوب فثبتت السنة في المستيقظ وغيره. فإن قلت: كيف طهارة العضو حقيقة، وحكما؟
[تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء]
وهذا الغسل إلى الرسغ لوقوع الكفاية به في التنظيف، قال: وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فلأنه لو أدخل يده في الإناء لا ينجس على قول من يقول بسنية هذا الفعل، وأما على قول من يوجب ذلك فالماء يتنجس. وقال تاج الشريعة: فإن قلت اليد آلة التطهير فلا يتوصل إلى الطهارة إلا بها، فيفرض غسلها. قلت: هذه الآلة كانت طاهرة بيقين؛ لأن الظاهر اضطجاعه متوضئا إذ هو السنة والمستحب وقد شككنا في تنجيسها فلا تنجس بالشك، وقال أيضا في قول المصنف فتسن البداية بطهرها أي عند التباس حالها لئلا يؤدي إلى تنجيس غيره فإنه لما كان كذلك يكون تركه مكروها إذ الكراهية لاحتمال النجاسة، فإذا كان تركه مكروها يكون البيتان به سنة، إذ السنة إعدام المكروه إذ المكروه لاحتمال النجاسة فإذن كان تركه مكروها. م: (وهذا الغسل إلى الرسغ) ش: أشار به إلى غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إلى الرسغ - بضم الراء وسكون السين المهملة وفي آخره غين معجمة وهو منتهى الكف عند المفصل - وفي " مغني الحنابلة ": وحد اليد المأمور بغسلها من الكوع؛ لأن اليد المطلقة في الشرع تتناول ذلك بدليل قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (المائدة: الآية 38) ، وإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع. م: (لوقوع الكفاية به في التنظيف) ش: تعليل غسل اليدين إلى الرسغ وقد قلنا: إن هذا الغسل ينوب عن الفرض؛ لأن محمدا قال في " الأصل " ثم يغسل ذراعيه. [تسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء] م: (وتسمية الله تعالى في ابتداء الوضوء) ش: هذا بالرفع عطف على قوله: غسل اليدين؛ لأنه خبر لقوله: " وسنن الطهارة "، وقوله " تسمية الله " خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون قوله: وسنن الطهارة أشياء: الأول: غسل اليدين. والثاني: تسمية الله. والثالث: السواك، وكذا يقدر إلى آخر ما ذكره من السنن، وإنما قدر التسمية بقوله في ابتداء الوضوء؛ لأنه أراد به أن يسمي قبل شروعه في الوضوء لتقع جميع أفعال الوضوء فرضها وسنتها بالتسمية. فإن قلت: لا دلالة عليه في الحديث الذي ذكره.
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يسم الله» ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: لما ثبت أنها سنة الوضوء دل على أن محلها ابتداء الوضوء ليشمل الجميع كما ذكر، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» . فإن قلت: دل حديث مهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ فلم يرد عليه، فلما فرغ منه قال: «إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة.» إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ قبل التسمية. قلت: التسمية من لوازم كمال الوضوء فكان ذكرها من تمامه والذاكر لها قبل وضوئه مضطرا إلى ذكرها لإقامة هذه السنة المكملة للفرض فخصت من عموم الذكر، ومطلق الذكر ليس من ضرورات الوضوء، وقد حكي التخصيص في الأذكار المقولة على أعضاء الوضوء؛ لأنها من مكملاته. أقول يعارض هذا ما ثبت عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يذكر الله في كل حين، ولا يجوز نسبة ترك الأفضل إليه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والعجب من الأكمل أنه أجاب عن التعارض بين حديث التسمية وحديث: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» وبما نسب إلى مالك في إنكاره التسمية في أول الوضوء ثم قال: وذلك كما ترى يدل على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ قبل أن يذكر الله، وسكت على هذا ومضى. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يسم الله» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه أحد، وإنما أخرجه أبو داود وغيره: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه.» وذكر صاحب الكتاب هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالحديث، وعزاه إلى أبي داود بلفظ المصنف وليس كذلك، وإنما المذكور في " سنن أبي داود " وغيره: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله» ثم اعلم أن هذا الحديث روي عن أحد عشر صحابيا، وهم: أبو هريرة، وسعيد بن زيد، وأبو سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وأنس بن مالك، وأبو سبرة، وأم سبرة، وابن عمر، وعلي، وابن مسعود، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود، وقال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر الله عليه» . ورواه أحمد أيضا في مسنده بهذا الإسناد، ورواه ابن ماجه أيضا، والحاكم في " المستدرك "
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفقال فيه: عن يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة فذكره ثم قال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة أي يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه الماجشون واسم أبي سلمة دينار. قلت: تاه ذهن الحاكم في هذا من يعقوب بن سلمة إلى يعقوب بن سلمة الماجشون، وهذا الذي في هذا الحديث هو يعقوب بن سلمة الليثي وهذا لم يحتج به مسلم. وقال البخاري في تاريخه الكبير: لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب من أبيه ذكره في ترجمة سلمة، وللحديث طريق أخرى عند الدارقطني والبيهقي من طريق البخاري عن يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بلفظ: «ما توضأ ما لم يذكر اسم الله عليه، وما صلى ما لم يتوضأ.» وأيوب سمعه يحيى بن معين يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا: «التقى آدم وموسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وفي " الأوسط " للطبراني من طريق علي بن ثابت عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله، والحمد لله فإن حفظتك لا تزال تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء.» وفيه أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يديه في الإناء حتى يغسلها ويسمي قبل أن يدخلها» تفرد بهذه الزيادة عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو متروك عن هشام عن عروة عن أبي الزناد عنه. وأما حديث سعيد بن زيد فرواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ثفال عن رباح بن عبد الرحمن أنه سمع جدته بنت سعيد بن زيد تحدث أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQورواه أحمد، والبزار، والدارقطني، والحاكم، والعقيلي وزاد الحاكم والعقيلي: «ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار» وقال الترمذي: قال الإمام أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وقال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، وصححه الحاكم في مستدركه وعلي بن القطان في كتاب التوهم، والإبهام، وقال: فيه ثلاثة مجاهيل الأحوال، جدة رباح لا يعرف لها اسم ولا حال، ولا تعرف بغير هذا، ورباح أيضا مجهول الحال، وأبو ثفال أيضا مجهول الحال مع أنه أشهرهم لرواية جماعة عنه منهم الدارقطني والدراوردي. وذكره ابن أبي حاتم في كتاب " العلل "، وقال: هذا الحديث عندنا ليس بذلك، والصحيح أبو ثفال مجهول، ورباح مجهول، وقال الترمذي في " علله الكبير ": سألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي ثفال فلم يعرفه، ثم سألت الحسن بن علي الخلال، فقال: اسمه ثمامة بن الحصين، وهو بضم الثاء المثلثة ويقال: بكسر الثاء المشددة بعدها الفاء، وقال البزار: أبو ثفال مشهور، ورباح وجدته لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث، ولا حدث عن رباح إلا أبو ثفال فالخبر من جهة النقل لا يثبت. وقال أبو حاتم وأبو زرعة الحديث ليس بصحيح وأما جدة رباح فقد عرف اسمها من رواية الحاكم ورواه البيهقي مصرحا باسمها، وأما جدته فقد ذكرت في الصحابة. أما حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن ماجه، وأحمد، والدارمي، والترمذي في " العلل " وابن عدي، وابن السكن، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم من طريق كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه أبي سعيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله» وصححه الحاكم في " المستدرك "، وأسند إلى الأثرم أنه قال: سألت أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء، فقال: أحسن ما جاء فيها حديث كثير بن زيد ولا أعلم فيها حديثا ثابتا، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛ لأنه ليس فيه حديث به، وقال الترمذي في " علله الكبير ": قال محمد بن إسماعيل وربيح بن عبد الرحمن منكر الحديث، وقال أحمد: كثير بن زيد ليس به بأس، وعن ابن معين: ليس بالقوي، وعن أبي زرعة: صدوق فيه لين، وعن أبي حاتم: صالح الحديث، ليس بالقوي، يكتب حديثه، وربيح قال أبو حاتم: شيخ، وقال الترمذي عن البخاري: منكر الحديث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما حديث سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن ماجه، وقال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار.» وأخرجه الطبراني أيضا، وعبد المهيمن ضعيف لكن تابعه أخوه ابن عباس، وهو مختلف فيه. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه النسائي وقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت وقتادة عن أنس، قال: «طلب بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضوءا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هل مع أحد منكم ماء؟ " فوضع يده في إناء وهو يقول: " توضئوا باسم الله " فرأيت الماء يخرج من أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم، قال: قلنا لأنس: كم تراهم، قال: نحوا من سبعين» وروى عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بلفظ: «لا إيمان لمن لم يؤمن، ولا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يسم الله» وعبد الملك شديد الضعف. وأما حديث أبي سبرة فرواه الطبراني في " الأوسط "، وقال: حدثنا أبو جعفر حدثنا يحيى بن زيد بن عبد الله بن سبرة عن أبيه عن جده، قال: «صعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبر ذات يوم فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس لا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولا يؤمن بي من لم يعرف حق الأنصار» ورواه الدولابي في " الكنى "، و " ألقاب الصحابة ". وأما حديث أم سبرة فأخرجه أبو موسى في " المعرفة " فقال عن أم سبرة وهو ضعيف، وقال الذهبي: أم سبرة لها حديث لا يصح. وأما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه الدارقطني، وقال: حدثنا أحمد بن محمد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبن زياد حدثنا محمد بن غالب حدثنا هشام بن بهرام حدثنا عبد الله بن حكيم عن عاصم بن محمد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ فذكر اسم الله على وضوئه كان طهورا لجسده، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوئه كان طهورا لأعضائه» ورواه البيهقي أيضا، ثم قال: هذا ضعيف، وأبو بكر الزاهدي غير ثقة عند أهل العلم بالحديث. قلت: أراد بأبي بكر الزاهدي عبد الله بن حكيم، وذكره المزي بفتح الحاء، وقال يحيى بن معين: عبد الله بن حكيم أبو بكر الزاهدي ليس بشيء، وقال السعدي: كذاب مصرح، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. وأما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه ابن عدي في ترجمة عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي، وقال: إسناده ليس بمستقيم. وأما حديث ابن مسعود فرواه الدارقطني وقال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سلمة، قال: حدثنا يحيى بن هاشم حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله، فإنه يطهر جسده كله، وإن لم يذكر اسم الله على طهوره لم يطهر منه إلا ما مر عليه الماء، فإذا فرغ من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم ليصل علي فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة» . ورواه البيهقي أيضا، ثم قال: هذا ضعيف لا أعلم رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم ويحيى بن هاشم متروك الحديث. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه البزار في " مسنده "، وقال: حدثنا إبراهيم بن زياد الصائغ حدثنا أبو داود الحولي حدثنا سفيان عن حارثة بن محمد عن سمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا بدأ الوضوء سمى» ورواه الدارقطني أيضا ولفظه: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا مس طهورا سمى الله» «وقال أبو بكر: كان يقوم إلى الوضوء فيسمي الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثم يفرغ الماء على يديه» . قوله: " لا وضوء " كلمة " لا " لنفي الجنس وخبرها محذوف تقديره: لا وضوء حاصل، أو كائن لمن لم يسم: أي لم يذكر اسم الله عليه، وحذف خبر " لا " شائع، ولا سيما إذا كان الخبر عاما كالموجود، والحاصل أن غير ذلك لدلالة النفي ومنه: لا إله إلا الله، ولا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار، واستدل أهل الظاهر وإسحاق بن راهويه أن الوضوء لا يصح إلا بالتسمية حتى قال إسحاق: إذا ترك التسمية عامدا يجب عليه إعادة الوضوء، وعن أحمد أنها واجبة، وروي عنه أنه قال: ليس في هذا حديث يثبت، وأرجو أن يجزئه الوضوء. وفي " المغني " ظاهر مذهب أحمد أن التسمية مسنونة في طهارات الحدث كلها، ورواه جماعة من أصحابه عنه، وقال: الذي استقر في الروايات عنه أنه لا بأس به يعني إذا ترك التسمية وهذا قول الثوري، ومالك، والشافعي، وأبي عبيدة وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية واجبة في جميع طهارات الحدث، الوضوء، والغسل، والتيمم، وهو اختيار أبي بكر، ومذهب الحسن، وإسحاق، ثم إذا قلنا بوجوبها فتركها عامدا لم تصح طهارته فإن تركها سهوا صحت، وهو قول إسحاق، وإن ذكرها في أثناء الطهارة أتى بها، وقال أبو الفرج: إذا سمى في أثناء الوضوء أجزأه يعني على كل حال؛ لأنه قد ذكر اسم الله عليه، وقال بعض أصحابنا: لا تسقط بالسهو لظاهر الحديث وقياسا على سائر الواجبات، والأول أولى. قال أبو داود: قلت لأحمد: إذا نسي التسمية في الوضوء، قال: أرجو أن لا يكون عليه شيء. انتهى. قال القدوري: قال قوم: إن التسمية في أول الوضوء فرض وهذا غلط، وعن مالك أنه أنكر التسمية في أول الوضوء، فقال: أتريد أن تذبح، قلت: إن كان إنكاره كونها شرطا كما يكون شرطا لحل الذبيحة فهو موجه، وإن كان إنكاره كونها مستحبة أو سنة في أول الوضوء فإنكاره ليس له وجه، لما ذكرنا من الأحاديث ولما روى الحافظ عبد القادر الزهاوي في " أربعينه " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع» وصححها أبو عوانة وابن حبان، وقال " صاحب البدائع ": قال مالك إن التسمية فرض إلا إذا كان ناسيا فتقام التسمية بالقلب مقام التسمية باللسان دفعا للحرج. واحتج له بالحديث المذكور. فإن قلت: هذا غير صحيح؛ لأن مذهب مالك أن التسمية سنة كمذهبنا على أن نقلنا عن القدوري أنه نقل عنه أنه أنكر التسمية كما ذكرنا أيضا، وقد قال صاحب " الجواهر ": وأما فضائله أي فضائل الوضوء فأربع: التسمية، وروى الواقدي أن ذلك فيما يؤمر به من شاء قال ذلك،
والمراد به نفي الفضيلة ـــــــــــــــــــــــــــــQومن شاء لم يقله، وروى علي بن زياد إنكارها وأما صفة التسمية فقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المنقول عن السلف في تسمية الوضوء باسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام. وقال الأكمل فيه أنه مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا عجز منه لم يبين من رفعه ورواه من الأئمة المعتبرين. وكذا قال البخاري: هو المروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: المروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بسم الله والحمد لله» رواه الطبراني في " الصغير " بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله» الحديث، وقد مر عن قريب، وعن الدبوسي الأفضل أن يقول: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وعنه يتعوذ في ابتداء الوضوء ويبسمل. وفي " المجتبى ": لو قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الإسلام فحسن لورود الآثار. وقال صاحب " المحيط ": ولو قال في ابتداء الوضوء لا إله إلا الله، والحمد لله، أو أشهد أن لا إله إلا الله، يصير مقيما لسنة التسمية. قلت: هذا كما ترى كل واحد من الأئمة هؤلاء الكبار يذكر حديثا أو أثرا لم يبين مخرجه، ولا حاله من الصحة والضعف، والآفة في ذلك من التقليد. م: (والمراد به نفي الفضيلة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إنكم ذكرتم التسمية في سنن الوضوء، واحتججتم عليه بالحديث المذكور، فالحديث بظاهره يدل على الوجوب وتقدير الجواب أن الحديث محمول على نفي الفضيلة حتى لا تلزم الزيادة على مطلق الكتاب بخبر الواحد ونظير ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . فإن قلت: الحديث المذكور نظير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» في كونه بخبر الواحد، فكيف اختلف حكمها في السنة والوجوب. قلت: قد أجاب أكثر الشراح بأن لا نسلم أنهما نظيران في كونهما خبر الواحد، بل خبر الفاتحة أشهر من خبر التسمية، فقد ورد مرسلا على حسب مرتبة العلوية وهذا فيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: إذا كان خبر الفاتحة مشهورا كان تعيين الفاتحة فرضا لجواز الزيادة على النص بالخبر المشهور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالأحسن أن يقال: فإذن خبر الفاتحة مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها من غير ترك فهذا دليل الوجوب بخلاف التسمية حيث لم تثبت عليها المواظبة ويرد عليه التكبيرات التي تخلل في أثناء الصلاة، والجواب القاطع عندي أن يقال: خبر الفاتحة متفق على صحته وخبر التسمية ليس كذلك حتى روي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال حين سئل عنها: " لا أعلم فيها حديثا صحيحا أقوى " فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين المعارضة حتى يحتاج إلى الجواب، ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية وهو جاهل أحكام الوضوء، فلو كانت شرطا لصحته لاستوى فيها العمل والنسيان كتحريمة الصلاة. فإن قلت: روي في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى كما ذكرنا عن البزار. قلت: ضعفه بعضهم، قال ابن عدي: بلغني عن أحمد أنه نظر في جامع إسحاق بن راهويه فإذا أول حديث أخرجه هذا الحديث فأنكره جدا، فقال: أول حديث يكون في الجامع عن حارثة، وكان في إسناده، حارثة بن محمد وهو ضعيف، روي عن أحمد أنه قال: هذا يزعم أنه اختار أصح شيء في إسناده، وهذا أضعف حديث، ولئن سلمنا ذلك لكن لا نسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى باعتبار الوجوب بل باعتبار أنها مستحبة في ابتداء جميع الأفعال كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل أمر ذي بال» الحديث، وقد حمل بعضهم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» على أنه الذي يتوضأ أو يغتسل ولا يتوضأ وضوءه للصلاة ولا غسل للجنابة. كما رواه أبو داود حدثنا أحمد بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن الدراوردي قال: ذكر ربيعة أن تفسير حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» أنه الذي يتوضأ أو يغتسل ولا يتوضأ وضوءه للصلاة، ولا غسلا للجنابة وذلك لأن النسيان محله القلب فوجب أيضا أن يكون محلا للذكر الذي يضاد النسيان، وذكر القلب إنما هو النية، هذا توجيه كلام ربيعة ابن عبد الرحمن المدني شيخ مالك والليث والأوزاعي. قلت: الذكر الذي يضاد النسيان بضم الذال والذكر بالكسر يكون باللسان، والمراد بالذكر المذكور في الحديث هو الذكر باللسان فكيف يلتئم كلام ربيعة وفيه تعسف وتأويل بعيد لا تدل عليه قرينة من القرائن اللفظية ولا من القرائن الحالية فلا حاجة إلى هذا التكلف إذا حملناه على نفي الفضيلة والكمال. قيل: إن «حديث المهاجر بن قنفذ: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد، فلما فرغ قال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني على وضوء» أخرجه أبو داود وابن حبان في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ" صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه مشكل على أحاديث التسمية والجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أنه معلول، والآخر: أنه معارض. أما كونه معلولا فقال ابن دقيق العيد في " الإمام " سعيد بن أبي عروبة الذي يرويه عن قتادة عن الحسن عن الحصين بن المنذر عن المهاجر قال: كان اختلط في آخر عمره، فراعى فيه سماع من سمع منه قبل الاختلاط. قال ابن عدي: قال أحمد بن حنبل: زيد بن زريع سمع منه قديما، وقال قد رواه النسائي من حديث شعبة عن قتادة به، وليس فيه إنه لم يمنعني. أهـ، ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن المهاجر منقطعا فصار فيه ثلاث علل. فإن قلت: روى أبو داود في سننه عن محمد بن ثابت العبدي حدثنا نافع قال: انطلقت مع عبد الله بن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما قضى حاجته كان من حديثه يومئذ أن «قال مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول إذ سلم عليه رجل فلم يرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم إنه ضرب بيديه الأرض أو بيده الحائط فمسح وجهه مسحا ثم ضرب ضربة فمسح» قلت: قال النووي في " الخلاصة " محمد بن ثابت العبدي ليس بالقوي عند أكثر المحدثين، وقد أنكر عليه البخاري وغيره رفع هذا الحديث، وقالوا: الصحيح أنه موقوف على ابن عمر، وقال الخطابي: وحديث ابن عمر لا يصح؛ لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه، وقال النسائي: يروي عن نافع ليس بقوي. وأما كونه معارضا: فروى البخاري ومسلم من حديث كريب «عن ابن عباس قال بت ليلة عند خالتي ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاضطجعت في عرض الوسادة واضجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طولها فنام - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى إذا انتصف الليل أو قبله» الحديث.
والأصح أنها مستحبة وإن سماها في الكتاب سنة ـــــــــــــــــــــــــــــQففي هذا ما يدل على جواز ذكر اسم الله وقراءة القرآن مع الحديث. ولكن وقع في الصحيح «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم لرد السلام» أخرجاه «عن أبي الجهم، قال: أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نحو بئر خم فلقيه رجل فسلم فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ولم يصل مسلم سنده به، ولكنه روي من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع «عن ابن عمر أن رجلا مر ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبول فسلم فلم يرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لم يذكر فيه التيمم» . ورواه البزار في " مسنده " من حديث أبي بكر رجل من آل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن نافع عن ابن عمر في هذه القضية «قال: فرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقال: " إنما رددت عليك خشية أن تقول سلمت فلم ترد علي، فإذا رأيتني هكذا فلا تسلم علي فإني لا أرد عليك» ورواه عبد الحق في أحكامه من جهة البزار، ثم قال: وأبو بكر فيما أعلم هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وروى ذلك مالك وغيره بإسناد لا بأس به ولكن حديث الضحاك بن عثمان الأصح فإن الضحاك يوثق من بكر في هذا، ولعل ذلك كان في موضعين وتعقبه ابن القطان في كتابه فقال: من أين له أنه هو، ولم يصرح في الحديث باسمه، واسم أبيه وجده. قلت: قد جاء ذلك مصرحا في مسند السراج، فقال: حدثنا محمد بن إدريس حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر فذكره. وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رجلا مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يبول فسلم عليه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إذا رأيتني على هذه الهيئة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك» ورواه البزار وقال فيه: " فلم يرد عليه ". م: (والأصح أنها) ش: أي التسمية م: (مستحبة وإن سماها في الكتاب سنة) ش: أي القدوري، وقيل " المبسوط "، وليس بصحيح؛ لأن المنصوص فيه على الاستحباب. فإن قلت: أين جواب " إن " التي هي للشرط؟. قلت: بعده سمى " إن " الواصلة وهي مستغنية عن الجواب بدلالة ما قبل الكلام عليه، وتقديره في الأصل، وإن سماها في الكتاب سنة فهي مستحبة، ويجوز أن يكون معطوفا على المحذوف تقديره، والأصح من المذهب أن التسمية مستحبة إن لم يسمها، وإن سماها. ثم إن الشراح عللو ذلك بقولهم: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يواظب عليها، ولأن عثمان وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حكيا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ينقل عنهما التسمية.
ويسمي قبل الاستنجاء، وبعده هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: كيف يكون الأصح أنها مستحبة مع ورود الأحاديث الكثيرة الدالة على سنيتها بمقتضى التأويلات التي ذكرناها، على أنا لو لم نورد لها المعارضة بأحاديث غيرها إياها لكان مقتضاها وجوب التسمية على ما ذهب إليه طائفة ممن ذكرناها فيما مضى، فلذلك نص على سنيتها في " المحيط " و " شرح مختصر الكرخي "، و " التحفة " و " الغنية "، و " الجامع " و " القدوري " وقال ابن المرغيناني: هو الصحيح وهو المختار أيضا. وقال الأكمل وغيره: وما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى فهو من باب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» . قلت: هذا جواب عن الحديث الذي فيه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى عند الوضوء فكانت سنة، وتقديره أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى لأنه سنة تختص بالوضوء بل إنه فعل من الأفعال والمستحب في سائر الأفعال البداية بسم الله، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمر ذي بال» الحديث. قلت: هذا لا يساعدهم؛ لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل أمر ذي بال» كاد أن يدل على وجوب التسمية عند كل فعل مطلقا؛ لأن فيه ما يشبه الوعيد على ترك التسمية، وذلك أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشار إلى أن الفعل الذي لا يبدأ باسم الله أبتر، ويروى أقطع، ويروى أجزم، وأدنى ما فيه الدلالة على السنية. م: (ويسمى قبل الاستنجاء، وبعده هو الصحيح) ش: احترز به عما قيل أنه يسمي قبل الاستنجاء؛ لأنه سنة الوضوء، فيسمي لتقع جميع أفعال الوضوء بها، وعما قيل: يسمي بعد الاستنجاء؛ لأن قبله حال انكشاف العورة وذكر الله تعالى في تلك الحالة غير مستحب تعظيما لاسم الله تعالى، وفي " جوامع الفقه ": ويبدأ بالتسمية بعد الاستنجاء وهو المختار، واختار المصنف الجمع بين القولين فقال: ويسمى قبل الاستنجاء وبعده. قلت: ينبغي أن يكون الأصح من قول من قال: يسن قبل الاستنجاء للتعليل الذي ذكر الآن، ولأن الاستنجاء الوضوء والبداية شرعت فيه بالتسمية نص عليه في " المحيط ". فإن قلت: الدليل من السنة على ما اختاره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من التسمية تكون مرتين مرة قبل الاستنجاء ومرة بعده في ابتداء الوضوء. قلت: يمكن أن يكون حديث أبي هريرة: «كل أمر ذي بال» الحديث دليلا على مدعاه وذلك لأن الاستنجاء أمر من الأمور فيبدأ فيه بذكر الله تعالى، والوضوء أيضا أمر آخر، فيبدأ به أيضا ليكون عاملا بالحديث في كل الأحوال. فإن قلت: فعلى هذه ينبغي أن يكون عند غسل كل عضو؛ لأن كل واحد من ذلك أمر على حدة قلت: الوضوء كلها أمر واحد؛ لأنه عمل واحد بخلاف كثرة الاستنجاء والوضوء فإنهما عملان مختلفان على أنه لو سمى عند غسل كل عضو لا يمنع من ذلك ولا يكره بل هو مستحب.
[السواك من سنن الوضوء]
قال: والسواك؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يواظب عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [السواك من سنن الوضوء] م: (والسواك) ش: بالرفع عطف على قوله: " تسمية الله تعالى " والمعنى: والاستعمال والمضاف فيه محذوف؛ لأن السنة استعمال السواك ونفس السواك ليس بسنة. قال الجوهري: السواك المسواك، وقال أبو زيد: السواك يجمع على سوك ككتاب وكتب قال الشاعر: انظر الثنايا إنهم اللتان ... بمنجة سوك إلا تجمل قال أبو حنيفة اللغوي: ربما همز سوك وسوك فاه تسويكا، وإذا قلت: استاك أو سوك لم يذكر الفم، وقال ابن الأثير في " النهاية ": السواك بالكسر والمسواك: ما يدلك به الأسنان من العيدان، يقال: ساك فاه يسوكه إذا دلكه بالسواك فإذا لم يذكر الفم قلت: استاك، وفي " المحكم " المسواك اسم العود يذكر ويؤنث، وفي " التهذيب " في العربية الحركة يقال: تساوكت الإبل إذا تمايلت في السقوط من الضعف. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يواظب عليه) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يواظب على استعمال السواك، والعجب من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ذكر أن استعمال السواك سنة، ثم احتج على ذلك بمواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع هذا لم يذكر شيئا من الأحاديث الدالة على المواظبة، وقد علم أن مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فعل شيء يدل على أن ذلك واجب. وقد اعتذر عنه الشراح بأن المواظبة مع ترك دليل السنة وبدونه دليل الوجوب، وقد دل على تركه حديث الأعرابي، فإنه لم ينقل فيه تعليم السواك، فلو كان واجبا لعلمه. قال الأكمل: ويدل ترك التعليم على تركه دفعا للتعارض فإن عدم الترك يدل على الوجوب وترك التعليم على عدمه، فكان تدافع. قلت: ادعوا أن مواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السواك كان مع الترك، وهو دليل السنة، ثم احتجوا على ذلك بحديث الأعرابي، وفيه نظر من وجهين: الأول: أنهم لم يأتوا بحديث فيه تصريح بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تركه في الجملة. والثاني: في استدلالهم على ذلك بحديث الأعرابي لا يتم؛ لأن الاستعمال للسواك هل هو من سنة الدين أو من سنة الوضوء، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إنه من سنة الدين، لا من سنة الوضوء، لعدم اختصاصه به، ذكره في " المفيد "، وقال بعضهم: هو من سنة الوضوء وفيه أحاديث صحيحة ما رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لولا أن يشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» قال أبو عمر: هذا يدخل في السنة لاتصاله من غير وجه، وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمعروف من جهة بشر بن عمر، وروح بن عبادة صحيح عنهما عن مالك بسنده مرفوعا. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه "، والنسائي والدارقطني مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السواك مع كل وضوء» وعن شعبة «افترضت عليهم السواك مع كل وضوء.» ورواه البيهقي من حديث شعبة " مع كل طهور " ذكره في " الإمام " وخرجه أحمد أيضا. وروى البيهقي من حديث مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل فرض.» وأكثر الرواة عن مالك هكذا مرفوعا. ورواه الطحاوي أيضا عن ابن مرزوق عن ابن عمر عن مالك نحوه، وروى الدارقطني من حديث أنس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستاك ويفصل وضوءه» وفي إسناده زيد بن خالد الجهني. وروى أبو داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوضع له وضوءه وسواكه فإذا قام من الليل تحلى ثم استاك» . وروى أيضا من حديث عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ» . ولهذا احتج أبو داود أن السواك واجب، وحكي عن إسحاق ابن راهويه أنه واجب إن تركه عمدا بطلت صلاته. وقال بعضهم: هو من سنة الصلاة، وفيه أحاديث منها ما رواه الستة في كتبهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة "، وقال مسلم عند كلا صلاة» . وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهني مرفوعا قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة "، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح» . فإن قلت: كيف التوفيق بين رواية عند كل وضوء، ورواية عند كل صلاة؟ قلت: السواك الواقع عند الوضوء واقع للصلاة؛ لأن الوضوء شرع لها، فتجعل الأحاديث التي فيها عند كل صلاة على ما ذكرنا توفيقا بين الأحاديث، السواك عند كل صلاة ربما جرح الفم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرج الدم وهو نجس بلا خلاف، وإن كان خلاف في انتقاض الوضوء فيتجنب عن ذلك، وقول من قال: إنه من سنة الدين أقوى نقل ذلك عن أبي حنيفة وفيه أحاديث تدل على ذلك: منها ما رواه أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أربع من سنن المرسلين: الختان، والسواك، والتعطر، والنكاح» رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث مليح بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه. ورواه الطبراني من حديث ابن عباس ومنها ما «رواه مسلم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عشرة من الفطرة: فذكر منها السواك.» ورواه أبو داود من حديث علي، ومنها ما رواه البزار من حديث أبي هريرة: «الطهارات أربع: قص الشارب، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، والسواك.» رواه الطبراني من حديث أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ومنها ما رواه الطبراني والبيهقي من حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعا: «ما زال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوصيني بالسواك حتى خشيت أن يدرد في» ورواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة، ورواه أبو نعيم من حديث جبير بن مطعم، وأبي الطفيل، وأنس، والمطلب بن عبيد الله. ورواه أحمد من حديث ابن عباس، ورواه ابن السكن من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. واعلم أنه قد جاءت أحاديث تدل على المواظبة منها: ما رواه العقيلي وأبو نعيم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: «كان إذا سافر حمل السواك، والمشط، والمكحلة، والمعطرة، والمرآة» وأعله ابن الجوزي، وروى ابن ماجه من حديث عائشة أيضا: «كنت أصنع له ثلاث آنية مخمرة، إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه.» وإسناده ضعيف. ومنها ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه البيهقي من حديثها أيضا: «هذه لكم سنة، وعلي فريضة: السواك، والوتر، وقيام الليل» وفي إسناده موسى بن عبد الرحمن الصغاني وهو متروك. ومنها ما رواه أحمد والطبراني من حديث واثلة بن الأسقع: «أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي» وفيه إياس بن أبي سليم، وهو ضعيف. ومنها ما رواه أبو نعيم من حديث رافع بن خديج وغيره: «السواك والوتر.» ومنها ما رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك» وإسنادهما ضعيف، وأقوى ما يدل على المواظبة وأصحه محافظته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للسواك حتى إنه فعله عند وفاته كما رواه البخاري في آخر كتاب المغازي من حديث القاسم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصره. فأخذت السواك فقضمته، وطيبته، ثم دفعته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستن فما رأيته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استن استنانا قط أحسن منه. فما عدا أن فرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يده أو إصبعه ثم قال: " في الرفيق الأعلى ثلاثا " ثم قضى، وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي.» ومن ذلك ما رواه الطبراني من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان السواك من أذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موضع القلم من أذن الكاتب» وفي إسناده يحيى بن اليمان، وقد تفرد به، وسئل أبو زرعة عنه في " العلل "، فقال: وهم فيه يحيى بن اليماني وإنما هو عبد الله بن إسحاق، عن أبي سلمة عن زيد بن خالد بن نضلة. قلت: كذا أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي سلمة عن خالد الجهني مرفوعا: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلا صلاة " قال أبو سلمة: فرأيت زيدا يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب وكلما قام إلى الصلاة استاك» . وردت أحاديث فيها الأمر بالسواك منها: ما رواه الأئمة الستة من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» الحديث، قال الزيلعي: أحاديث الأمر بالسواك، ثم روى حديث أبي هريرة هذا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرج ما رواه البخاري من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أكثرت عليكم بالسواك» وذكره ابن حبان في " العلل " من حديث أبي أيوب بلفظ: «عليكم بالسواك» وأعله أبو زرعة بالإرسال، وروى مالك في " الموطأ " من حديث عبيد بن السباق مرسلا. ومنها ما رواه أبو نعيم من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك» ووقفه ابن ماجه، ورواه أيضا أبو مسلم المكي في " السنن ". ومنها ما رواه البزار، والطبراني والبغوي، وابن حبان، وابن أبي خيثمة من حديث العامري كانوا يدخلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فقال: " تدخلون علي قلحا استاكوا» والقلح بضم القاف وسكون اللام، وفي آخره حاء مهملة جمع أقلح يقال: قلح الرجل بالكسر قلحا وهو صفرة في الأسنان. ومنها ما رواه البخاري في " تاريخه " وغيره من حديث «أبي خيرة الصباحي كنت في وفد فزودنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأراك وقال: " استاكوا بهذا.» ووردت أحاديث في فضيلة السواك منها: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - علقه البخاري بلا إسناد، ووصله النسائي وأحمد وابن حبان من حديث عبد الرحمن بن أبي عتيق: سمعت أبي سمعت عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» . ومنها حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه أحمد، وابن خزيمة، والحاكم، والدارقطني وابن عدي والبيهقي في " الشعب " وأبو نعيم رواه عروة عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعون ضعفا» . ومنها حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو نعيم: «إذا قام أحدكم من الليل يصلي
[فضل السواك وأوقات استحبابه]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفليستك فإنه إذا قام يصلى أتاه ملك فيضع فاه على فيه فلا يخرج شيء من فيه إلا وقع في في الملك.» ومنها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه أبو نعيم مرفوعا: «السواك يذهب البلغم ويفرح الملائكة، ويوافق السنة» . ومنها ما رواه البزار من حديث مليح بن عبد الله الحطمي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من سنن المرسلين: الحياء، والحلم، والحجامة، والسواك، والتعطر» . ومنها ما رواه الطبراني في " الأوسط " من حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم، ويذهب الحفر وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي» . ومنها حديث عبد الله بن حداد، أخرجه أبو نعيم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السواك الفطرة» . وذكر القشيري بلا إسناد عن أبي الدرداء قال: «عليكم بالسواك فلا تغفلوه فإن في السواك أربعا وعشرين خصلة، أفضلها أنه يرضي الرحمن ويضاعف صلاته سبعة وسبعين ضعفا، ويورث السعة والغنى، ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسكن الصداع ويذهب وجع الضرس وتصافحه الملائكة لنور وجهه، وتبرق أسنانه» وذكر بقيتها. وقد أخرج الطحاوي في " معاني الآثار " حديث السواك عن ستة من الصحابة وأخرجه لنا في شرحه عن أربعين صحابيا أخر، ... أراد الوقوف عليها فعليه بمراجعته يقر بفوائده [فضل السواك وأوقات استحبابه] 1 وبقي الكلام في السواك من وجوه أخرى: الأول: وقت استعماله في الوضوء، ذكره في " المحيط " و " شرح مختصر الكرخي " والطحاوي و " التحفة " و " النافع " وغيرها، وقال في " شرح الطحاوي ": إنه سنة فيه رطبا ويابسا مبلولا بالماء أو لا، في جميع الأوقات على أي حال كان وذكر في " مبسوط شيخ الإسلام " ومن السنة: حالة المضمضة الاستياك فهذا يدل على أن وقته وقت المضمضة وعليه أكثر أصحابنا إلا أن
[كيفية الاستياك]
.. .... .... .... .. ـــــــــــــــــــــــــــــQالمنقول عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه من سنن الدين فحينئذ يستوي فيه كل الأحوال والاستحباب يتأكد فيه عند تغير الفم. وقال أبو عمر: فضل السواك مجتمع عليه لا اختلاف فيه، والصلاة عند الجميع أفضل منها بغيره حتى قال الأوزاعي: هو شطر الوضوء، ويتأكد طلبه عند إرادة الصلاة، وعند الوضوء، وقراءة القرآن، والاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم، ويستحب بين كل ركعتين من صلاة الليل، ويوم الجمعة، وقبل النوم، وبعد الوتر، وفي السحر. وفي " الدراية ": ثم وقته عند المضمضة تكميلا للإنقاء وكذا في " مبسوط شيخ الإسلام "، وفي " كفاية المنتهى "، " والوسيلة "، " والشفاء ": يستاك قبل الوضوء وعند الشافعي: هو سنة للقيام إلى الصلاة، وعند الوضوء، وعند كل حال يتغير فيه الفم. [كيفية الاستياك] 1 الوجه الثاني: في كيفية الاستياك: عرضا لا طولا عند مضمضة الوضوء، ونص عليه في " المحيط " وأخرج أبو نعيم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يستاك عرضا لا طولا.» وفي " سنن أبي داود ": «إذا استكتم فاستاكوا عرضا» وفي " المغني ": ويستاك على أسنانه ولسانه، «وقال أبو موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأيته يستاك على لسانه» متفق عليه. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «استاكوا عرضا وادهنوا غبا واكتحلوا وترا» ، انتهى. وأخرج الطبراني بإسناه إلى بهدلة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستاك عرضا» وأخرجه البيهقي بإسناده إلى ربيعة بن أكثم قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: " هو أهنأ وأمرأ.» وعن إمام الحرمين عن أصحاب الشافعي أنه يمر بالسواك على طول الأسنان وعرضها، فإن اقتصر على أحدهما فالعرض أولى، وقال غيره من أصحابه: يستاك عرضا لا طولا، كذا في " شرح الوجيز ". وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
[فيما يستاك به وما لا يستاك به]
وعند فقده يعالج بالإصبع؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك ـــــــــــــــــــــــــــــQقال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام تهجد يشوص فاه بالسواك» ويقال الشوص رض السواك بأن يستاك طولا، والأصح أن تفسير الشوص هو التنقية، وقال الجوهري: الشوص الغسل والتنظيف، يقال: شوص فاه بالسواك، ويقال: الشوص هذا الذي يدلك أسنانه بالسواك، وهذا أعم من أن يدلك طولا أو عرضا، ولا تقدير في السواك يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن ويأخذ السواك باليمنى والمستحبة فيه ثلاثة أشياء، ويكون في غلظ خنصر، وطول شبر. [فيما يستاك به وما لا يستاك به] الوجه الثالث: فيما يستاك به وما لا يستاك به، وفي " الدراية ": ويستحب أن يستاك بعود من أراك يابس قد ندي بالماء ويكون لينا، وقد مر في حديث أبي سبرة الاستياك بالأراك وذكرنا أيضا عن الطبراني من حديث معاذ «نعم السواك الزيتون» الحديث. وروى الحارث في " سننه " عن سمرة بن جندب قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن السواك بعود الريحان، وقال: إنه يحرك عرق الجذام» وفي " الدارية " ويقول عند الاستياك: اللهم طهر فمي، ونور قلبي، وطهر بدني، وحرم جسدي على النار، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، وفي " المحيط ": العلك للمرأة يقوم مقام السواك؛ لأنها تخاف سقوط أسنانها؛ لأن سنها ضعيف، والعلك مما ينقي الأسنان ويشد اللثة. [حكم من لم يجد السواك] الوجه الرابع: فيمن لا يجد السواك، أشار إليه المصنف بقوله: م: (وعند فقده) ش: أي فقد السواك. م: (يعالج بالإصبع) ش: أي يزود به عن يده اليمنى، (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك) ش: أي عالج بإصبعه، قال الزيلعي: حديث غريب، أراد أنه لم يثبت من جهة فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإنما رويت أحاديث في هذا الباب من جهة قوله منها: ما رواه البيهقي في " سننه " من حديث أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يجزئ عن السواك الأصابع» وضعفه البيهقي، وفي رواية عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإصبع يجزئ عن السواك.» ومنها ما أخرجه الطبراني في " الأوسط " من «حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قلت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرجل يدهن فاه يستاك؟، قال: " نعم "، قالت: كيف يصنع؟ قال: " يدخل
[المضمضة والاستنشاق في الوضوء]
والمضمضة والاستنشاق؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعلها على المواظبة ـــــــــــــــــــــــــــــQإصبعه في فيه» . ومنها ما رواه البيهقي عن رجل من الأنصار من بني عمرو بن عوف قال: «يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك من شيء، قال: " إصبعك سواك عند وضوئك تمرهما على أسنانك؛ لأنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له» . قلت: لو نظر الزيلعي في " مسند أحمد " بالإمعان لاطلع على حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه يؤذن بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله، وهو «أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعا بكوز من ماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا، وتمضمض فأدخل بعض أصابعه في فيه الحديث، وفي آخره: وهو وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . [المضمضة والاستنشاق في الوضوء] م: (والمضمضة والاستنشاق) ش: كلاهما بالرفع معطوفان على المرفوع قبلهما، و " المضمضة " تحريك الماء في الفم، قال ابن سيده: مضمض وتمضمض وهو أن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على مشهور مذهب الشافعي، وقال جماعة من أصحابه: يشترط، وفي بعض شروح البخاري: المضمضة أصلها مشعر بالتحريك، ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحرك، واستعمل في المضمضة تحريك الماء في الفم. و" الاستنشاق " إدخال الماء في الأنف، استفعال من النشق وهو سعوط يجعل في المنخرين ونشقت منه ريحا طيبة أي شممت وتنشق واستنشق الماء في أنفه صبه في أنفه. وفي العرنين استنشق أي يبلغ الماء خياشيمه، وذكر ابن الأعرابي وابن قتيبة الاستنشاق والاستنثار واحد، وقال ابن طريف: ينشد الماء من أنفه دفعة، وقال ابن سيده: يقال استنثر إذا استنشق الماء ثم أخرج ذلك بنفس الأنف، والنشرة الخيشوم وما والاه، وفي جامع [......] نثرت الشيء إذا أنثره وأنثره نثرا إذا بددته فأنت ناثر والشيء منثور قال المتوضئ مستنشق إذا جذب الماء بريح أنفه ثم يستنثر. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعلهما على المواظبة) ش: أي فعل المضمضة والاستنشاق، وقوله عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلام فعلهما على المواظبة يدل على أنهما واجبتان كما ذهب إليه أحمد وآخرون ولكن قيد الشيخ قوام الدين بقوله: أي مع الترك، وإلا كانا واجبتين، والدليل على الترك ما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نقلت وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم تذكر المضمضة والاستنشاق» . ولم يذكر أيضا في حديث الأعرابي الذي علمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواجبات وتبعه على ذلك الشيخ الأكمل. قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقال المواظبة تدل على الوجوب حتى قال أهل الحديث: هما فرضان في غسل الجنابة، والوضوء استدلالا بالمواظبة؛ لأنا نقول أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال كما كان يواظب على الأذكار، وفي كتاب الله تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة والزيادة على النص لا تجوز إلا بما ثبت النسخ، وعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأعرابي الوضوء، ولم يذكرهما فيه مع أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صرح بقوله: هما فرضان في الجنابة سنة في الوضوء، كذا في " المبسوط ". قلت: ألا ما ترى لم يشق منهم واحد القليل، ولا روى منهم. أما القوام والأكمل فإنهما قدرا في قول صاحب " الهداية " مع الترك، وكيف يقيد بذلك وقد روى صفة وضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أصحابه ثلاثة وعشرون نفرا، وهم عبد الله بن زيد بن عاصم، وعثمان بن عفان، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وعلي بن أبي طالب، والمقدام بن معد يكرب، والربيع بنت معوذ، وأبو مالك الأشعري، وعائشة، وأبو هريرة، وأبو بكرة، ووائل بن حجر، وجبير بن نفير الكندي، وأبو أمامة، وأنس، وكعب بن عمرو اليماني، وأبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن أبي أوفى، والبراء بن عازب، وأبو كاهل، وعبد الله بن أنيس، وطلحة عن أبيه عن جده، ولقيط بن صبرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وكلهم حكوا فيه المضمضة والاستنشاق كحديث عبد الله بن زيد عند الأئمة الستة. وحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البخاري ومسلم. وحديث ابن عباس عند البخاري. وحديث المغيرة عند البخاري أيضا في كتاب اللباس وفيه المضمضة والاستنشاق. وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الأربعة: أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQماجه. وحديث المقدام عند أبي داود وحديث الربيع عند أبي داود أيضا. وحديث أبي مالك الأشعري عند عبد الرزاق في " مصنفه " ومن طريقه رواه الطبراني في " معجمه " وأحمد في " مسنده " وابن أبي شيبة في " سننه " وإسحاق بن راهويه في " سننه "، واسم أبي مالك حارث. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند النسائي في " الكبرى " وفيه المضمضة والاستنشاق. وحديث أبي هريرة عند أحمد في " مسنده "، والطبراني في " معجمه الأوسط "، وأبي يعلى في " مسنده ". وحديث أبي بكر عند البزار في " مسنده "، وحديث وائل بن حجر عند البزار أيضا، وحديث جبير بن نفير عند ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في " سننه "، وحديث أبي أمامة عند أحمد في " مسنده "، وحديث أنس عند الدارقطني، والبيهقي في " سننه "، وحديث كعب بن عمرو عند أبي داود في " سننه "، وحديث أبي أيوب عند الطبراني في " معجمه " وإسحاق بن راهويه في " مسنده "، وعند ابن عدي في " الكامل ". وحديث أبي كاهل واسمه قيس بن عامر عند الطبراني في " معجمه "، وحديث عبد الله بن أنيس عند الطبراني في " معجمه "، وحديث طلحة عن أبيه عن جده عند أبي داود، وفيه قرائن تفصل بين المضمضة والاستنشاق، وحديث لقيط بن صبرة عند الشافعي، وأحمد، وابن الجارود وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وأصحاب السنن الأربعة وفيه: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.» وقول قوام الدين: والدليل على الترك ما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلى آخره، ينافي ما رواه النسائي عنها على ما ذكرنا، فالعجب منه أن يدعي علم الحديث ولم يذكر هاهنا من روى حديث الترك، ولئن سلمنا ذلك فمعناه أنها اختصرت في إحدى رواياتها. وكذلك في حديث الأعرابي لم يبين من روى الترك، ولئن سلمنا فالجواب على ما ذكرناه، وأما جواب السغناقي في قَوْله تَعَالَى لا يقال المواظبة تدل على الوجوب مع تحصيل الكمال فيدل على أن مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على عبادة لتحصيل الكمال وليس كذلك في مواظبته على شيء يدل على الوجوب مع تحصيل الكمال، وسكوت المصنف عن القيد المذكور يدل على أن المضمضة والاستنشاق سنتان مؤكدتان.
وكيفيتهما أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك ـــــــــــــــــــــــــــــQوالسنة المؤكدة في قوة الواجب، ومع هذا لا يحصل الفساد بتركها سواء كان عامدا أو ناسيا كما في ترك الواجب، غير أنه في ترك الواجب يكون ناقصا، وفي الشفاء هما سنتان، قوله: فإن من تركهما يأثم، وقول السغناقي في كتاب الله أمراه لا يلزمنا؛ لأنا ما ادعينا فرضية المضمضة والاستنشاق والذي ذكره إنما يلزم من يدعي فرضيتهما، وقوله مع أن ابن عباس إلى آخره ما أفاد فائدة جديدة لما ادعاه؛ لأنا لا نقول أنهما ليستا بسنتين، ومع هذا هو حديث ضعيف. م: (وكيفيتهما) ش: أي كيفية كل واحد من المضمضة والاستنشاق. م: (أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك) ش: إنما ذكر هذا نفيا لقول الشافعي فإن عنده الأفضل أن يتمضمض ويستنشق بكف واحد بماء واحد، واحتج الشافعي بما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وله طرق منها: «فمضمض واستنشق من كف واحدة، فعل ذلك ثلاثا» وفي لفظ البخاري: «فمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات» وفي رواية لهما: «فمضمض واستنشق من ثلاث غرفات» . وروى ابن حبان «فمضمض واستنشق ثلاث مرات من ثلاث حثيات» وفي لفظ البخاري «فمضمض ثلاث مرات من حفنة» . وفي " التلويح شرح البخاري ": والأفضل أن يتمضمض ويستنشق من ثلاث غرفات كما في الصحيح وغيرها. ووجه ثان: «يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا» رواه علي ابن أبي طالب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبي حنيفة وابن حبان، رواه أيضا وائل بن حجر، أخرجه البزار بسند ضعيف. وثالث: «يجمع بينهما بغرفة وهو أن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم الثانية كذلك ثم الثالثة» رواه عبد الله بن زيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أخرجه الترمذي وقال حسن غريب. ورابع: يفصل بينهما بغرفتين فتمضمض من أحدهما ثلاثا، ثم استنشق من الأخرى ثلاثا.
هو المحكي من وضوئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوخامس: يفصل بينهما بغرفتين يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق من أخرى ثلاثا، وفي " الروضة "، وفي كيفيته وجهان: أصحهما يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق غرفات، ومذهب أحمد كمذهب الشافعي، ومذهب مالك ما ذكره في " الموطأ " و " الجواهر " حكى ابن سابق في ذلك قولين: أحدهما: يغرف غرفة واحدة لفيه، وأنفه. والثاني: يتمضمض ثلاثا في غرفة ويستنشق ثلاثا في غرفة، فقال: وهذا اختيار مالك، والأول اختيار الشافعي، وأشار المصنف إلى دليل أصحابنا بقوله: م: (هو المحكي من وضوئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: المحكي يستعمل في رواية الفعل، والمروي في رواية اللفظ، قال صاحب " الدراية ": حكى عثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وضوء رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هكذا نسبه إلى " المحيط "، ولم يبين حديثهما كيف هما، وأما قوام الدين فإنه قال: ولنا أن الأنف والفم عضوان منفردان فلا يجمع بينهما بماء واحد كسائر الأعضاء، وأما أكمل الدين فإنه قال كقول قوام الدين. وأما السغناقي فإنه قال بعد احتجاج الشافعي بما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد وله عندنا تأويلان: أحدهما: أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما في غسل الوجه، والثاني: أن فعلهما باليد اليمنى ردا على قول من يقول: يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء، ثم نسبه إلى " المبسوط " فانظر إلى هذا الشأن العجيب، بل يرد ما احتج به الشافعي من الصحيح بما ذكروه، وكان الواجب أن يذكر وربما احتجت به أصحابنا من الأحاديث، ثم يجيبوه عن أحاديثه، ثم يقووا ذلك بدلائل أخرى في التأويلين المذكورين؛ نظرا لأن الأحاديث المصرحة بأنه تمضمض واستنشق بماء واحد لا يمكن تأويلها بما ذكروه، فنقول وبالله التوفيق: أما ما احتج به أصحابنا فما ذهبوا إليه هو الحديث الذي رواه الترمذي من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفيه: «فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا.» الحديث، وقال: هذا حديث حسن صحيح. فإن قلت: لم يحك فيه أن كل واحدة من المضامض والاستنشاقات بماء واحد، بل حكى أنه تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: مدلوله ظاهر ما ذكرناه وهو أن يتمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك، وهو رواية البويطي عن الشافعي فإنه روى عنه أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق، وفي رواية غيره عنه في " الأم ": يغرف غرفة يمضمض بها ويستنشق، ثم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق، ثم يغرف ثالثة يتمضمض بها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق، واختلف نصه في الكيفيتين فنص في " الأم " وهو نص " مختصر المزني " أن الجمع أفضل، ونص البويطي أن الفصل أفضل، ونقله الترمذي عن الشافعي. قال النووي: قال صاحب " المهذب " القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي، وهو أيضا أكثر في الأحاديث الصحيحة والجواب عن كل ما روي في ذلك فهو محمول على الجواز، ومن الدليل على تجديد الماء لكل مرة فيها حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده وهو كعب بن عمرو، قال ابن خزيمة الحافظ: عمرو بن كعب. والأول أصح، قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفصل بين المضمضة والاستنشاق» فإن قلت: ليس بصريح في المقصود. قلت: رواه الطبراني في " معجمه " من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليماني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا الحديث» . فإن قلت: في سنده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف تركه يحيى القطان، وابن مهدي، وابن معين، وأحمد بن حنبل. وقال النووي في " التهذيب ": العلماء على ضعفه، وأنكر ابن أبي حاتم كون جد طلحة صحابيا وقال: سألت عنه فلم يثبته، وقال: طلحة هذا رجل من الأنصار، وقال ابن القطان: فيه علة وهي جهل حال مصرف بن عمرو والد طلحة. قلت: أما ليث بن سليم القرشي الكوفي، فقد روى عنه خلق كثير منهم سفيان الثوري، وشريك، وشعبة، وفضل بن عاصم، وأبو عوانة، والوضاح، والإمام أبو حنيفة، وآخرون كثيرون، وعن أبي داود: ليس به بأس، وعن يحيى: لا بأس به. قال الدارقطني: كان صاحب سنة. وإنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس. وأما مجاهد فحسب واستشهد به البخاري في " الصحيح "، وروى في كتاب رفع اليدين في الصلاة وغيره، وروى له مسلم مقرونا بأبي إسحاق الشيباني، وروى له الأربعة، ولما روى أبو
[مسح الأذنين في الوضوء]
ومسح الأذنين وهو سنة بماء الرأس عندنا خلافا للشافعي ـــــــــــــــــــــــــــــQداود هذا الحديث سكت عنه، وذا يدل على أنه عنده حديث صحيح، وكذا سكت عنه المنذري في " مختصر السنن "، ونقل النووي على هذا غير صحيح، وأما إنكار أبي حاتم لكونه جد طلحة صحابيا فليس بموجه، قال الخلال: عن أبي داود: سمعت رجلا من ولد طلحة يقول: إن لجدي صحبة، وحكى عثمان الدارمي عن علي بن المديني: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن اسم جده، فقال: عمرو بن كعب، وعمرو بن أبي كعب، وكعب بن عمرو، وكانت له صحبة، وقال الذهبي في تجزئة أسماء الصحابة: كعب بن عمرو الهمداني الثاني صحابي نزل الكوفة وجد طلحة بن مصرف حديثه عنده ذكره في باب كعب بن عمرو، وذكره أيضا في باب عمرو بن كعب، وقول ابن القطان يرده ما ذكره ابن السكن وابن مردويه أن طلحة بن مصرف وكذا ذكره يعقوب بن سفيان في " تاريخه " وابن أبي خيثمة أيضا، وآخرون. وأما حديث مصرف، فقد قال الذهبي في " مختصر تهذيب الكمال ": وثقه أبو زرعة ثم في تقديم المضمضة والاستنشاق اختيار رائحة الماء وطعمه كيلا يكون وضوءه بما لا يجوز بسبب التغير؛ لأن اللون شاهد هنا لاختيار الرائحة والطعم، وقيل الاستنشاق بالشمال لأن اليسار للأقذار وإزالة المخاط باليد اليسرى، وفي " المجتبى " لو رفع الماء من كف واحدة للمضمضة جاز، والاستنشاق لا يجوز لصيرورة الماء مستعملا، وفي " جامع قاضي خان " و " المحيط ": المبالغة فيها سنة إجماعا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للقيط بن صبرة «بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما فأرفق» رواه الأئمة الخمسة، وصححه الترمذي، والمبالغة في المضمضة والغرغرة وفي الاستنشاق أن يأخذ بمنخريه حتى يصعد الماء إلى ما اشتد من الأنف. [مسح الأذنين في الوضوء] م: (ومسح الأذنين) ش: بالرفع عطف على ما قبله، والتقدير ومن سنن الوضوء مسح الأذنين م: (وهو) ش: أي مسح الأذنين، (سنة بماء الرأس عندنا) ش: أي عند أصحابنا، م: (خلافا للشافعي) ش: متعلق بقوله بماء الرأس لا بقوله: سنة، فإنه عنده أيضا، وقال قوام الدين: متعلق بمجموع قوله " سنة بماء الرأس " لا " بسنة " وحدها، ولا " بماء الرأس " وحده، كما ظن بعض الشارحين. قلت: أراد به السغناقي، ومن تبعه، وهذا عجيب منه؛ لأن الخلاف في موضع واحد، فكيف يتعلق بالموضعين. و " خلافا " منصوب على أنه مفعول مطلق بإضمار فعله تقديره: نحن في هذا نخالف خلافا للشافعي، أو هذا المذكور في معنى يخالف خلافا للشافعي وكان مصدرا مؤكدا مضمون الجملة كقوله علي ألف درهم اعترافا.
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأذنان من الرأس» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأذنان من الرأس» ش: أكثر الشراح لم يتعرضوا لهذا الحديث من جهة التخريج والتصحيح ونحوهما، فنقول: هذا الحديث روي عن ثمانية أنفس من الصحابة وهم: أبو أمامة، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو موسى، وأنس، وابن عمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي أمامة عند أبي داود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي أمامة «توضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا، وقال: " الأذنان من الرأس» ولفظ ابن ماجه وقال: قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» . وقال أبو داود والترمذي قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو من قول أبي أمامة يعني حديث الأذنين، وقال الترمذي: حديثه ليس بذلك القائم، ورواه الدارقطني في " سننه "، وقال رفعه، وهم شهر بن حوشب ليس بالقوي، وقد رفعه سليمان بن حرب وهو ثقة، ثم أخرجه عن سليمان بن حرب حدثهما عن حماد بن زيد به، وفيه قال أبو أمامة: «الأذنان من الرأس» وقال ابن دقيق العيد في " الإمام ": وهذا الحديث معلول بوجهين: أحدهما: لشهر بن حوشب. والثاني: بالشك في رفعه، قلت: شهر وثقه أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب ابن شيبة. وسنان بن ربيعة أخرج له البخاري، وصحح حديث شهر الترمذي عن أم سلمة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نشر على الحسن والحسين وعلي وفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كساء، وقال: هؤلاء أهل بيتي» ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: أشهر إسناد فيه حديث حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة، وكان حماد يشك في ربيعة، وكان سليمان ابن حرب يقول: هو من قول أبي أمامة. قلت: قد اختلف فيه على حماد، فوقفه ابن حرب عنه، ورفعه أبو الربيع، وإذا رفع ثقة حديثا ووقفه آخر وقبلهما شخص واحد في وقتين يرجح الرفع؛ لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الرجل حديثا فيقف به في وقت، ويرفعه في وقت آخر، وهذا أولى من تغليط الراوي. وحديث عبد الله بن زيد عن ابن ماجه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» وإسناده أمثل إسناد لاتصاله وثقة رواته وقواه المنذري وابن دقيق العيد. وحيث ابن عباس عند الدارقطني قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأذنان من الرأس» قال ابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالقطان: إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته فإن قلت: أعله الدارقطني بالاضطراب في إسناده، وقال: إن إسناده وهم، وإنما هو مرسل، قلت: لا يقدح ذلك، وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند مرسل، قال البزار: إسناد حديث ابن عباس جيد، فانظر كيف أعرض البيهقي عن حديث عبد الله بن زيد وحديث ابن عباس المذكورين واشتغل بحديث أبي أمامة وزعم أن إسناده أشهر إسناد بهذا الحديث، وترك هذين الحديثين وهما أمثل ومن هنا يظهر تحامله. وجد حديث أبي هريرة عند ابن ماجه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " وفي إسناده البختري بن عبيد وقال: هو ضعيف وأبوه مجهول، وفي إسناد ابن ماجه عمرو بن الحصين وبان علاثة، قال الدارقطني: كلاهما ضعيفان. وحديث أبي موسى عند الدارقطني والطبراني، وفي إسناده عن الحسن عن أبي موسى، قال الدارقطني: الحسين لم يسمع من أبي موسى، ثم أخرجه موقوفا. وحديث أنس عند الدارقطني من طرق عبد الحكم عن أنس وهو ضعيف. وحديث ابن عمر عند الدارقطني من طرق وأعل جميعها. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني أيضا، وقال: الأصح أنه موقوف، وفي إسناده محمد بن الأزهر وكذبه أحمد ثم مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأذنين ليسا من الرأس، ولا من الوجه، نقله النووي في " شرح المهذب " ويأخذ لهما ماء جديدا، ولو أمسك بعض أصابعه عليه الماء الذي أخذه للرأس فمسح به أذنيه صح، وفي الرواية قال الشافعي: يمسح
والمراد بيان الحكم دون الخلقة ـــــــــــــــــــــــــــــQأذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثا، ويأخذ لصماخه ماء جديدا، وهو قول أبي ثور، وقال مالك: الأذنان من الرأس إلا ويمسحهما مع الرأس على رواية الاستيعاب ويجزئ مسحهما بماء مسح الرأس، وقال الشعبي والحسن بن صالح: ما أقبل منهما من الوجه فيغسل معه، وما أدبر منهما من الرأس فيمسح معه، وعن ابن شريح أنه كان يغسلهما مع الوجه ويمسحهما من الرأس احتياطا في العمل، هذا مذهب العلماء، وقد غلط من غلطه زاعما أن الجمع لم يقل به أحد، فإن الشافعي استحب غسل الأذنين مع الوجه وأنهما يمسحان مع الرأس، وقال ابن المنذر: روايتان الأذنان من الرأس عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى، وبه قال عطاء، وابن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي، وابن سيرين، والحسن، وابن جبير، وقتادة، ومالك وهو قول أصحابنا، وقال أبو عيسى الترمذي: وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم وبه قال السدي وابن المبارك، وأحمد، وروي عن إسحاق بن راهويه أن من تركها عمدا لم تصح صلاته وعن الشعبي لا يستحب مسحها. م: (والمراد بيان الحكم دون الخلقة) ش: أي مراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قوله: «الأذنان من الرأس» بيان حكم مسح الأذنين دون خلقتهما؛ لأنهما مشاهدة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث ببيان الأحكام دون حقائق الأشياء. قال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المراد إما أن يكون الحقيقة وهو مشاهد لا يحتاج إليه وإنهما ممسوحتان كالرأس وهذا بعيد؛ لأن اتفاق العضوين في وظيفة لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر، فتعين أنهما ممسوحتان بالماء الذي مسح به الرأس. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الأذنين من أبعاض الرأس حكما حيث قرنهما بكلمة " من "، ولو كان من أبعاض الرأس حقيقة يسن مسحهما بماء واحد فكذا إذا كانتا من أبعاضه حكما إذ الحكمي يلحق بالحقيقي. ووجه ثالث: أن استيعاب الرأس بالمسح بماء واحد سنة ولا يتم بدونهما حيث جعلتا من الرأس. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يجزئ مسحهما عن مسح الرأس. قلت: كون الأذنين من الرأس ثبت بخبر الواحد فلا يقع مجزئا عما ثبت بالكتاب، كما أن التوجه إلى الحطيم لا يجزئ لأن كونه من البيت ثبت بخبر الواحد والتوجه إلى البيت ثابت بالكتاب فلا يجزئ عنه ما ثبت بخبر الواحد، لئلا يلزم نسخ الكتاب به، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في السنن أنه من ذلك لا يقتضي إلا المشاركة إياه في حكم، ولا يقتضي مساواة الأول للثاني في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجميع الأحكام، وذلك عند قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سلمان منا أهل البيت» وقوله: «إن مولى القوم منهم» لم يرد أن سلمان شارك أهل البيت في كرامتهم، واستحقاقهم التام ولأن مولى القوم الهاشمي لا يكون من غسالة الناس من الصدقات كما لا يكون الهاشمي، ألا ترى أن من حلف في شيء على أهل بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يحنث بسلمان، وكذا من حف في شيء على بني فلان فلم يكن يحنث بمواليهم. فإن قلت: لم لا يجعل الحديث بيانا على أن وظيفتهما المسح لا الغسل من غير إثبات التبعية فكان الحديث بيانا أنهما من الممسوح. قلت: لا يلزم من كون وظيفة الشيء المسح كونه من الرأس كالخف. فإن قلت: إذا كانا من الرأس فينبغي أن يسقط فرض مسح الرأس إذا مسح أذنيه. قلت: المسنون لا يقوم مقام المفروض، وفي " المبسوط ": إن مسح أذنيه دون رأسه لم يجزئ، وقال خواهر زاده: الرأس من الحلقوم إلى فوق إلا أنه تعالى فصل في الأحكام فجعل وظيفة الوجه الغسل، ووظيفة الرأس بعده المسح، فأشبه الأذنين أن وظيفتهما من أيهما، فبين - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله: «الأذنان من الرأس» أن وظيفتهما من الرأس؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما بعث لبيان الحقائق. ووجه آخر في الاستدلالات أن كلمة " من " للتبعيض فوجب أن يكون بعض الرأس حقيقة وحكما، أو حكما لا حقيقة، وحكم الرأس من ذلك المسح، فكذا حكمهما ثم كيفية مسحهما، ذكر في " المجتبى " يمسحهما بالسبابتين داخلهما والإبهامين خارجهما، وفي " الأصل " يمسح داخلهما مع الوجه، وفوقهما مع الرأس، والمختار هو الأول، وعن الحلواني وشيخ الإسلام خواهر زاده يدخل الخنصر في صماخ الأذنين ويحركهما كذا فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعلم أن الشافعي استدل بقوله: أن يأخذ لكل واحدة من الأذنين ماء جديدا بحديث عبد الله بن زيد «أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ وأخذ لأذنيه ماء جديدا خلاف الماء الذي أخذه لرأسه» ورواه البيهقي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال: إسناده صحيح، واستدل أيضا بما «رواه أبو أمامة الباهلي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ لأذنيه ماء جديدا» ولأن الأذن مع الرأس كالفم والأنف مع الوجه ثم يأخذ لهما ماء جديدا فهذا مثاله. والجواب عن الأول: أنه محمول على أنه لم يبق في كفه بلل فلهذا أخذ ماء جديدا، فعلموا الدليل على ما رواه أبو داود من حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه سئل عن الوضوء فدعا بماء أه. وفيه فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه.» وفي " الغاية " للسروجي: وتأويل حديث عبد الله بن زيد «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ خلاف الماء الذي أخذه لرأسه» أنه لم يستعمله، ويحمل على الجواز؛ لأن السنة لا تثبت بمرة واحدة، وهكذا يكون جوابا عن الثاني. ولنا حديث أمثل من الكل، أخرجه ابن منده وابن خزيمة في " صحيحيهما " والحاكم في " مستدركه " من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: ألا أخبركم بوضوء رسول الله، فأخذ غرفة فمسح برأسه وأذنيه، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "، ولفظه: «ثم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه.» وأما الجواب عن قوله: ولأن الأذن مع الرأس إلى آخره، أن الفم والأنف وإن كانا من الوجه في وجه، ولكنهما خصا بماء جديد ليحصل الامتياز بسنة الوجه عن غسل الفم بضرب حفنة، كما يحصل الامتياز لفرض المسح عن فرض الغسل بضرب حفنة ولهذا لا يقام الثلث فيهما إلا بماء جديد. 1 - فرع: أما مسح الرقبة، فلم يرد فيه رواية عن أصحابنا المتقدمين، قال في " شرح الطحاوي ": كان الفقيه أبو جعفر يمسح عنقه اتباعا لما روي أن ابن عمر كان يمسح عنقه، وفي " التحفة " اختلف المشايخ في مسح الرقبة قال أبو بكر الأعمش إنه سنة، وقال أبو بكر الإسكاف إنه أدب. فإن قلت: قال محمد الجرجي: روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " غسل الرقبة أمان من الغسل " ثم قال: ولم يوهن أئمة الحديث إسناده، فحصل التردد في أن هذا الفعل سنة أو أدب، وتعقبه الإمام بما حاصله أنه لم يجز الأصحاب ترددا في حكم مع تضعيف الحديث الذي يدل عليه. قلت: قال القاضي أبو الطيب: لم ترد فيه سنة ثابتة، وقال القاضي أبو الحسين: لم ترد فيه سنة، وقال الغوراني: لم يرد فيه خبر وأورده الغزالي في " الوسيط " وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو قول بعض السلف، وقال النووي في " شرح
[تخليل اللحية في الوضوء]
قال: وتخليل اللحية؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك ـــــــــــــــــــــــــــــQالمهذب ": هذا حديث موضوع وليس من كلام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وزاد في موضع آخر: لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيء، وليس هو سنة بل هو بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب، وإنما قال ابن القاضي وطائفة يسيرة وتعقبه ابن الرفعة بأن البغوي من أهل الحديث قال باستحبابه، ولا مأخذ لاستحباب الأجزاء، وأثر مسح القفا ما رواه أحمد وأبو داود من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح مؤخر أصل العنق» كذا قاله الجوهري وغيره، والقذال بفتح القاف والذال المعجمة جماعة مؤخر الرأس وهو معقد العذار من الفرس خلف الناصية، خلف الناصية، فإذا كان كذلك كيف يكون حديث طلحة مسندا في مسح الرقبة. وكلام بعض السلف الذي ذكره ابن الصلاح يحتمل بأن يريد به ما رواه أبو عبيد في كتاب الطهور عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قل: من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة. قلت: هذا وإن كان موقوفا فله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال فيه للرأي، وروى أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " بإسناده إلى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من توضأ ومسح عقبه وقي الغل يوم القيامة» وفي " البحر " للروياني لم يذكر الشافعي مسح العنق، وقال أصحابنا: هو سنة. [تخليل اللحية في الوضوء] م: (وتخليل اللحية) ش: بالرفع عطف على ما قبله من المرفوعات، وتفسيره أن يدخل أصابع يديه في خلل اللحية وهي الفرج التي بين الشعر م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك) ش: أي بتخليل اللحية على ما روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع حدثنا الهيثم بن
وقيل هو سنة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جائز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله - ـــــــــــــــــــــــــــــQحماد بن أبان عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أتاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: إذا توضأت فخلل لحيتك» . ورواه ابن عدي في " الكامل " ولفظه قال: «جاءني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: يا محمد خلل لحيتك بالماء عند الطهور» وأعله بالهيثم بن حماد، وأسند تضعيفه عن أحمد وابن معين. ويقرب منه ما رواه أبو داود في سننه عن الوليد بن وردان عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: " هكذا أمرني ربي» ومن كتب عنه ثم المنذري بعده قال في " الإمام " الوليد بن وردان أنه روى عنه جماعة وقول ابن القطان أنه مجهول على طريقه في طلب زيادة التعديل مع رواية جماعة عن الراوي، قال قوام الدين: إنما أسند صاحب " الهداية " الأمر إلى جبريل (- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) لكونه أمر بأمر الله عز وجل. قلت: هذا عجز منه؛ لأنه لم يقف على الحديث الذي ذكرنا عن ابن أبي شيبة حتى أول بهذا التأويل، ثم تخليل اللحية فيه أربعة أقوال: الأول: أنه واجب، يروى ذلك عن سعيد بن جبير، وعبد الحكم من المالكية، والثاني: أنه سنة، وبه قال أبو يوسف والشافعي، ورواية عن محمد قال في خير مطلوب وهو الأصح. الثالث: أنه مستحب، وفي " المحيط " أدب، وليس بمسنون، وهو قول أبي حنيفة ومحمد على ما يشير إليه المصنف الآن. م: (وقيل: هو سنة) ش: أي تخليل اللحية سنة (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جائز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ، ش: معنى جائز أن صاحبه لا ينسب إلى البدعة وهو القول الرابع، وبه قال مالك في " القنية "، وفي " المبسوط ": وتخليل اللحية مستحب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما: جائز وكذا ذكر في " التحفة " و " القنية "، وفي " شرح الطحاوي " والأفضل تخليلها وإن لم يفعل أجزأه، وقال السغناقي في قوله: جائز عند أبي حنيفة ومحمد أي لا يبدع فاعله كما يبدع ماسح الحلقوم، وقال صاحب " الكافي ": يعني جائز ليس بسنة أصلية، ولو فعل لا يبدع ولا يكره؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله مرة فدل على الجواز لا على السنة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: قوله فعله مرة يرده ما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: " هكذا أمرني ربي» ورواه أبو داود، وفيه شيئان يدلان على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله غير مرة: أحدهما: قوله " كان " فيدل على الاستمرار، والثاني: قوله: " هكذا أمرني ربي عز وجل " والذي يأمره ربه فلا يفعله مرة. فإن قلت: في إسناد الحديث الوليد بن وردان وهو مجهول الحال. قلت: أبو داود لما رواه سكت عنه فهذا يدل على رضاه به على قاعدته، وله طرق أخرى منها طريق الحاكم في " مستدركه " برواية ثقات، ومنها طريق ابن عدي، ومنها طريق صححه ابن القطان. ومع هذا روي حديث تخليل اللحية عن سبعة عشر نفرا من الصحابة وهم: عثمان بن عفان، وأنس بن مالك، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وأبي أيوب، وابن عمر، وأبي أمامة، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي الدرداء، وكعب بن عمرو، وأبي بكرة، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وأم سلمة، وجرير، وعبد الله بن عكبرة، وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث عثمان عند الترمذي وابن ماجه من حديث عامر بن شقيق الأسدي عن أبي وائل عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخلل لحيته» وقال الترمذي: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وخلل لحيته وقال: حديث حسن صحيح، وقال محمد ابن إسماعيل - يعني البخاري -: أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد وقد احتجا - يعني البخاري ومسلم - بجميع رواته [ ... ] غير عمار بن ياسر وأنس وعائشة، ثم أخرج أحاديثهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وخلل لحيته» وزاد في حديث أنس: وقال: «بهذا أمرني ربي» فإن قلت: تعقبه الذهبي في " مختصره "، وقال: بن عامر بن شقيق ضعفه ابن معين، وقال الشيخ تقي الدين: أخرج البخاري ومسلم حديث عثمان في الوضوء من عدة طرق، وليس في شيء منها ذكر التخليل. قلت: قال الترمذي في " العلل الكبير ": قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري -: أصح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشيء عندي في التخليل حديث عثمان، وهو حديث حسن. وحديث أنس رواه ابن ماجه من حديث يزيد الرقاشي عن أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا توضأ خلل لحيته» رواه البزار في " مسنده "، والحاكم في " مستدركه ". وحديث عمار عند الترمذي، وابن ماجه قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخلل لحيته» وفي إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق عن حسان بن بلال، قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم عن حسان حديث التخليل، ثم أخرج الترمذي من حديث قتادة عن حسان بن بلال. وحديث ابن عباس عند الطبراني في " الأوسط " قال: «دخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ» . الحديث وفيه: «وخلل لحيته» ورواه العقيلي أيضا. وحديث أبي أيوب عند ابن ماجه من حديث واصل بن السائب عن أبي سورة «عن أبي أيوب قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فخلل لحيته» . قال البخاري وأبو حاتم: واصل بن السائب منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، ورواه الترمذي في " العلل "، والعقيلي، وأحمد. وحديث ابن عمر عند ابن ماجه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها» ورواه الطبراني في " الأوسط ".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث أبي أمامة عند ابن أبي شيبة في " مصنفه "، والطبراني في " معجمه الكبير "، وإسناده ضعيف. وحديث عبد الله بن أبي أوفى عند الطبراني، وعند أبي عبيد في " كتاب الطهور " وفي إسناده أبو الورقاء، وهو ضعيف. وحديث أبي الدرداء عند الطبراني، وابن عدي بلفظ: «توضأ فخلل لحيته مرتين، وقال: " هكذا أمرني ربي» وفي إسناده ثمامة بن نجيح وهو لين الحديث. وحديث كعب بن عمرو عند الطبراني، وحديث أبي بكرة عند البزار في " مسنده " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وخلل لحيته» . وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الحاكم في " مستدركه "، وأحمد في " مسنده "، وإسناده ضعيف. وحديث جابر عند ابن عدي في " الكامل " من حديث أصرم بن غياث قال البخاري: هو منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، «ولفظه وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث فرأيته يخلل لحيته بأصابعه كأنها أنياب مشط.» وحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الطبراني في معجمه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا توضأ خلل لحيته.» ورواه العقيلي في " الضعفاء ".
لأن السنة إكمال الفرض في محله والداخل ليس بمحل له ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث جرير عند ابن عدي، وفيه: أصرم بن غياث، وهو متروك. وحديث عبد الله بن عكبرة عند الطبراني في " الصغير " ولفظه: عن عبد الله بن عكبرة وله صحبة، «قال: " التخليل سنة» وفيه عبد الكريم وهو ضعيف، وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني فيما تلقاه عن ابن مردويه وإسناده ضعيف ومنقطع. م: (لأن السنة إكمال الفرض في محله) ش: لتخليل أصابع الرجلين والمضمضة والاستنشاق؛ لأن الفم والأنف من الوجه. ولا كذلك ما تحت اللحية لسقوط منبات اللحية. م: (والداخل) ش: أي في اللحية. م: (ليس بمحل له) ش: أي للفرض بعدم وجوب إيصال الماء إليه بالاتفاق، واعترض بأن المضمضة والاستنشاق سنتان وداخل الفم ليس محل الفرض في الوضوء، وأجيب بأن الفم والأنف من الوجه في وجه إذ هما في حكم الخارج من الوجه، والوجه محل الفرض. فإن قلت: الأمر يقتضي الوجوب فكان ينبغي أن يكون تخليل اللحية واجبا. قلت: أمر الوضوء في الآية خاص بظاهر اللحية لا يحتمل الخفاء. فلو قلنا: بوجوب تخليل اللحية بهذا الأمر يلزم الزيادة في كتاب الله تعالى بخبر الواحد، وهي تجري مجرى النسخ، فلذلك انحطت درجة مقتضى الأمر من الوجوب إلى السنية، وكون تخليل اللحية سنة هو الصحيح للأحاديث المذكورة ولفعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأخرج سعيد بن منصور عن الوليد عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ خلل أصابعه ولحيته، وكان أصحابه إذا توضئوا خللوا لحاهم» . فإن قلت: قال أحمد: ليس في تخليل اللحية شيء صحيح. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تخليل اللحية [حديث] . قلت: قد مر أن الترمذي صحح حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحديث عائشة المذكور إسناده حسن، وقال السروجي في شرحه: ذكر أصحابنا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا خلل لحيته الكريمة شبك أصابعه كأنها أسنان مشط» وليس لذلك كله ذكر في كتب الحديث، وإنما ذكر ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر: «وشك لحيته بأصابعه من تحتها» ولم يزد، وذكر الراوي
[تخليل الأصابع في الوضوء]
وتخليل الأصابع ـــــــــــــــــــــــــــــQ «كأنها أسنان مشط» . قلت: العجب من السروجي كيف غفل حديث جابر الذي أخرجه ابن عدي المذكور آنفا وكيف يقول: وليس لذلك كله ذكر في كتب الحديث، ولا يلزم من اطلاعه على ذلك أن يقول: وليس لذلك كله ذكر في كتب الحديث، ثم نسبه إلى أبي بكر الرازي بأنه قال: كأنها أسنان مشط، وأبو بكر الرازي لم يقل هذا من عنده. [تخليل الأصابع في الوضوء] م: (وتخليل الأصابع) ش: بالرفع عطف على ما قبله من المرفوعات، وأطلق الأصابع على أصابع اليدين والرجلين، وذكر في " التحفة " و " القنية " و " المنافع " أصابع اليدين والرجلين، وسكت أكثرهم عن ذكر أصابع اليدين لحصول وصول الماء إلى أصابعهما بغسل الوجه واليدين والرجلين، وتخليلهما يكون بالتشبيك بينهما. وفي " الذخيرة " تخليل الأصابع إذا كانت مضمومة وهو يتوضأ من الإناء فرض، قال المرغيناني: بماء يتقاطر، قيل المراد وصول الماء إلى أثنائها لا نفس التخليل ولهذا قالوا: وإن توضأ في الماء الجاري أو الحوض، وأدخل رجليه في الماء يجزيه ترك التخليل. وإن كانت منضمة. وفي " جوامع الفقه " للعتابي: تخليل أصابع الرجلين إذا كانت منضمة واجب، وفي شرح شيخ الإسلام أن تخليلها قبل الوصول إلى أثنائها فرض، وبعده سنة، وقال شمس الأئمة الحلواني: سنة مطلقة، ومن الناس من قال: تخليل أصابع الرجلين فرض، وهو واجب في اليدين عند مالك، وقال إسحاق وأحمد وكذا في الرجلين. وقال مالك: لا يلزم في الرجلين ذكره في " العتبية " وإنما يجب عنده في الجنابة، وإن كانت أصابع يديه ورجليه متلاصقة ذلك كله فيها، ولا يلزم فعلها عنده وفي " العتبية " تخليل أصابع الرجلين مع وصول الماء إلى باطنها فيخلل بخنصر يده اليسرى فيبدأ بخنصر يده اليمنى ويختم بخنصر رجله اليسرى بذلك ورد الخبر، وكذا قال الرافعي الأحب في كيفية تخليل أصابع الرجلين أن يجعل خنصر اليد اليسرى من أسفل الأصابع، يبتدئ بخنصر أصابع الرجل اليمنى مختما بخنصر اليسرى، ورد الخبر بذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذه الكيفية لا أصل لها وإنما روى أبو داود والترمذي من حديث المستورد بن شداد، قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ يدلك أصابع يده بخنصره» فالحديث يقتضي البداية بالخنصر فقط.
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خللوا أصابعكم كي لا تتخللها نار جهنم» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خللوا أصابعكم كي لا تتخللها نار جهنم» ش: ما ورد الحديث بهذا اللفظ، والذي ورد هو ما رواه الدارقطني في " سننه " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خللوا أصابعكم لا يخللها الله بالنار يوم القيامة» ، وخرج نحوه من حديث عائشة، وفي الأول: يحيى بن ميمون الثمار، قال ابن أبي حاتم: قال عمرو بن علي كان يحيى كذابا، وله حديث عن يحيى بن علي حدث علي عن زيد بأحاديث موضوعة، وفي الثاني: عمر بن قيس، ولقبه مستدل، قال أحمد: متروك. وأخرجه الطبراني من حديث وائل بن حجر عن النبي، قال: «من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله بالنار يوم القيامة» ، وفي باب لقيط بن صبرة عند الأربعة وقد مر. وحديث ابن عباس عند الترمذي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك» وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وحديث الربيع بنت معوذ عند الطبراني في " الأوسط " بإسناد ضعيف. وحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الدارقطني: «أنه خلل أصابع قدميه ثلاثا، وقال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل
ولأنه إكمال الفرض في محله ـــــــــــــــــــــــــــــQكما فعلت» وحديث عبد الله بن مسعود عند ابن أبي شيبة وعبد الرزاق موقوفا عن علي وابن مسعود، ولفظه: «لينهكن أحدكم أصابعه قبل أن تنهكه النار» ، ورواه زيد بن أبي الورقاء عن الثوري عن أبي مسكين عن هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، قال أبو حاتم: رفعه منكر، وهو في جامع الثوري موقوفا. م: (ولأنه) ش: أي ولأن تخليل الأصابع م: (إكمال الفرض في محله) ش: أي في محل الفرض وقد قلنا: إن غسل اليدين والرجلين فرض، وتخليل أصابعهما إكمال الفرض فيكون سنة بمقتضى الأحاديث المذكورة. فإن قلت: ينبغي أن يكون التخليل واجبا نظرا إلى الأمر كما قال مالك في اليدين، وأحمد وإسحاق في اليدين والرجلين مع كونهما مقرونين بالوعيد لتاركه. قلت: هذا لا يفيد الفرضية؛ لأنه من أخبار الآحاد ولا يفيد الوجوب؛ لأنه إنما يقتضي الوجوب إذا لم يمنعه مانع، ولم توجد قرينة صارفة عن ظاهره كخبر صدقة الفطر والأضحية وخبر الفاتحة، أما إذا وجد لا يمكن القول بالوجوب وهاهنا عارض هذا الأمر من تعليم الأعرابي الوضوء، ولم يعلمه التخليل، فلو كان واجبا لعلمه. هذا الذي ذكره أكثر الشراح، وفيه نظر؛ لأنه يحتمل أن الراوي طوى ذكر التخليل لكونه من المكملات، وقال صاحب " الدراية ": الأخبار التي حكي فيها وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير ذكر التخليل يحتمل على الندب أو السنة التي دون الوجوب عملا بالدليلين بقدر الإمكان، وتبعه على ذلك الأكمل، وهذا أيضا فيه نظر؛ لأن في حديث وائل بن حجر رواه البزار في مسنده قال: «شهدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأتي بماء فأكفأ على يمينه ثلاثا ... الحديث، وفيه ثم غسل بيمينه قدمه اليمنى وفصل بين أصابعه وقال: خلل بين أصابعه» . فإن قلت: الأمر المقرون بالوعيد على التارك يدل على الوجوب. قلت: قال السغناقي: إنما لم يفد الوجوب؛ لأن آية الوضوء خاصة ليس بمحتملة للبيان؛ لأنه بين في نفسه فحينئذ تكون الزيادة عليه بطريق النسخ لا بطريق البيان، وخبر الواحد لا يصلح لذلك، وقال الأكمل: الوعيد مصروف بما إذا لم يصل الماء بين الأصابع وقد أخذ ذلك من السروجي، وقال الشيخ حافظ الدين النسفي: لا مدخل للوجوب في الوضوء؛ لأنه شرط الصلاة
[تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء]
وتكرار الغسل إلى الثلاث؛ «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة، وقال: " هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به "، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: " هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين "، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم» ـــــــــــــــــــــــــــــQفيكون تبعا لها، فلو قلنا بالوجوب هاهنا كما في الصلاة لقلنا بوجوب الفاتحة ليساوي الفرع الأصل، بخلاف النصين فيهما أي في الصلاة والوضوء للتفاوت هناك حيث يثبت التبع بثبوت الأصل، ويسقط بسقوطه ولا كذلك هاهنا. [تكرار الغسل ثلاث مرات في الوضوء] م: (تكرار الغسل إلى الثلاث) ش: بالرفع أيضا عطفا على ما قبله، أي تكرار غسل الأعضاء المفروض غسلها إلى ثلاث مرات، أراد أنه أيضا من سنن الوضوء. م: «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله - تعالى - الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم» ش: أقول هذا الحديث بهذا اللفظ ما روي، ولكنه مركب من حديثين، فقوله: «توضأ مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به - إلى قوله - فمن زاد» حديث واحد أخرجه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نحوه غير أن في حديثه «ثم توضأ مرتين، ثم توضأ ثلاثا، وفيه " وضوء المرسلين قبلي» . وأخرجه البيهقي في " سننه "، وقال: تفرد به المسيب بن واضح وهو ضعيف، وقال في " المعرفة ": المسيب بن واضح غير محتج به، وقد روي هذا الحديث من أوجه كلها ضعيفة، وقال عبد الحق في " أحكامه ": هذا الطريق من أحسن طرق هذا الحديث، ونقل عن ابن أبي حاتم أنه قال: المسيب صدوق لكنه يخطئ كثيرا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرجه ابن ماجه من طرق أخرى عن ابن عمر، ولفظه: «توضأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدة واحدة، فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به، ثم توضأ ثنتين ثنتين، وقال: هذا وضوء القدر من الصلاة، وتوضأ ثلاثا وقال: هذا أسبغ الوضوء، وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» وفي رواته عبد الرحيم بن زيد العمي قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: هو متروك الحديث وأبوه زيد ضعيف الحديث، ولا يصح هذا الحديث عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: هو عندي حديث واه وفي إسناده معاوية بن قرة عن ابن عمر ومعاوية هذا لم يلحق ابن عمر. ورواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده فذكره، وزيد العمي وثقه الحسن بن سفيان، وقال أحمد: صالح، وإنما سمي العمي؛ لأنه كان إذا سئل قال: حتى أسأل عمي، وروى ابن ماجه أيضا من حديث أبي بن كعب «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا بماء فتوضأ مرة مرة، وقال: " هذا وظيفة الوضوء، وقال: وضوء من لم يتوضأ لم يقبل الله له صلاة "، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: " هذا وضوء من يتوضأه أعطاه الله تعالى كفلين من الأجر "، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال: " هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي» وفي رواية زيد بن أبي الحواري قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وفيه أيضا عبد الله بن عوانة الشيباني، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وروي عن أبي هريرة وزيد بن ثابت كلاهما أخرجه الدارقطني «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة، وقال: " هذا الذي لا يقبل الله العمل إلا به " وتوضأ مرتين مرتين، وقال: " هذا يضاعف الله به الأجر مرتين " وتوضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» وأما «حديث توضأ مرة مرة» فأخرجه الجماعة إلا مسلم من حديث ابن عباس، «وحديث توضأ مرتين مرتين» أخرجه البخاري من حديث زيد بن عاصم، وحديث توضأ ثلاثا ثلاثا أخرجه البخاري ومسلم من حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقوله: " فمن زاد على هذا " إلى آخره، حديث آخر ركبه المصنف مع الأول، وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلا أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال يا رسول الله كيف الطهر الحديث وفي آخره هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء وفي لفظ لابن ماجه تعدى وظلم وللنسائي فقد أساء» ، وقال تقي الدين في " الإمام ": الحديث صحيح عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بصحة الإسناد إلى عمرو، قال أبو بكر بن العربي: عمرو بن شعيب ضعيف. وثبت في " الصحيحين " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن أمتي يأتون غرا محجلين يوم القيامة من آثار الوضوء» ، وقال أبو محمد الأصيلي: هذا الثابت يدل على أن هذه الأمة مخصوصة بالوضوء من بين سائر الأمم، فلا يثبت ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا، فقال: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» وهو حديث لا يصح. قلت: ما لعمرو بن شعيب، وقد روى عنه أيوب السختياني، وثابت البناني، والأوزاعي، وابن جريج، وعطاء بن أبي رباح، وهو أكبر منه، وقتادة بن دعامة، ومحمد بن إسحاق، و [ ... ] ومكحول الشامي، والإمام أبو حنيفة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون. وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيدة، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين. قال البخاري: بمن الناس بعدهم؟ وقول الأصيلي هذا الحديث الثابت إلى آخره غير مسلم؛ لأنه لا يلزم من كون الغرة والتحجيل لهذه الأمة أن لا يكون الوضوء موجودا في غيرهم، ولكن تكون الغرة والتحجيل لهذه الأمة خاصة بشرفهم، وفضلهم على غيرهم، ولا يحسن أن نقول إن الأمم السابقة المسلمين كانوا يصلون بلا وضوء. وقوله: «فقد تعدى وظلم» له تأويلات سبعة: الأول: تعدي وأساء في الأدب بترك السنة، والتأدب بآداب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء. الثاني: زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثالث: زاد على المحدود أو نقص عنه. الرابع: زاد على الثلاث يفيد أن كمال السنة لا يحصل إلا بالثلاث، أما لو زاد على الثلاث لطمأنينة القلب عند الشك أو نية وضوء آخر فلا بأس به، لحديث ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول: «من توضأ على وضوئه كتب الله له عشر حسنات» رواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، والترمذي وضعفه هو وغيره؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن زياد، قلت: روي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: سمعت يحيى القطان يقول: عبد الرحمن بن زياد ثقة، وعن يحيى: ليس به بأس، وقال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: أويحتج بحديث الأفريقي؟ قال: نعم، قلت: صحيح الكتابة؟ قال: نعم، وكان أحمد بن [......] ينكر على من يتكلم فيه، قال: من تكلم في ابن أنعم فليس بمقبول، ابن أنعم من الثقات، وأنعم جد عبد الرحمن هذا. فإن قلت: جاء «الوضوء على الوضوء نور على نور» . قلت: هذا مشهور في كتب الفقه لم يذكر في كتب الحديث المشهور المعتبرة. الخامس: قيل: فمن زاد على المد في الوضوء، وعلى الصاع في الغسل أو نقص عن ذلك فقد تعدى وظلم لحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد» رواه البخاري ومسلم. السادس: فمن زاد على الصلوات الخمس والوتر أو نقص عنها. وهو بعيد جدا. السابع: ما ذكر من المشايخ أنه محمول على نفس الفعل وإن لم يكن ثم اعتقاد أن الزيادة على الثلاث لا يقع طهارة ولا يصير الماء به مستعملا إذا قصد به تجديد الوضوء. فإن قلت: ذكر في الجامع أن ماء الرابعة في غسل الثوب النجس الطهور، وفي العضو النجس مستعملا يقتضي ما ذكره سنة تقع طهارة ويصير الماء به مستعملا. قلت: ما ذكر هناك محمول على ما إذا نوى به القربة، والدليل عليه أنه قال في " العتابي ": وماء الرابعة مستعمل في العضو النجس؛ لأن الظاهر هو القربة حتى يقوم الدليل بخلافه، وفي " شرح النظم " للنسفي؛ لأن وجد فيه معنى القربة؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور، فلهذا صار الماء به مستعملا. وذكر في " المحيط " والأسبيجابي أن ماء الرابعة لا يصير مستعملا إلا بالنية وفي " الدراية " قوله: تعدى، يرجع إلى الزيادة؛ لأنه مجاوزة الحد، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (البقرة: الآية 229) والظلم يرجع إلى النقصان، قال الله تعالى: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] (الكهف: الآية 33) ، أي: لم ينقص، وأخذ الأكمل منه، وبه فسر السغناقي. وقال البخاري: كره أهل العلم الإسراف فيه، وإن لم يجاوز فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هذا من البخاري إشارة إلى نقل الإجماع على منع الزيادة عليها، وقد قال الشافعي في الأم: لا أحب الزيادة عليها فإن زاد لم أكره إن شاء الله تعالى، وذكر أصحابه ثلاثة أوجه: أصحها: أن الزيادة عليه مكروهة كراهة تنزيه، وثانيها: أنها حرام، وثالثها: أنها خلاف الأولى، وأبعد من قال: إذا زاد على الثلاث بطل وضوءه، حكاه الدبري في " استذكاره " وهو خطأ. فإن قلت: ما حكم الثلاث. قلت: الأولى: فرض، والثانية: سنة، والثالثة: إكمال السنة وهي المذهب، وقيل: الثانية سنة، والثالثة: نفل، وقيل: بالعكس وعن أبي بكر الإسكاف الثلاث فرض، ذكره في " مختصر المحيط "، ولو توضأ مرة مرة لقوة البرد أو لقلة الماء أو لضرورة لا يكره ولا يأثم وإلا فيأثم، وقيل: إن اعتاد يأثم وإلا فلا. فإن قلت: كيف يكون النفل عن الثلاثة إثما وظلما، وقد ثبت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين» . قلت: ذلك لبيان الجواز وكان ذلك الحال أفضل؛ لأن البين واجب عليه. فإن قلت: مقتضى التأويل أن من غسل ما فوق المرفق والكعب يكون مسيئا وظالما، وجاء في تلك الإطالة الغرة والتحجيل الثابتة في الصحيح، وكان أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يمر يده حتى يبلغ الإبط، فقيل له: ما هذه الوضوء، «فقال: سمعت خليلي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " يبلغ الحلي من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، رواه مسلم، والبخاري» رواه بمعناه. قلت: تحصيل الجواب لما ذكرنا من التأويلات في قوله: فقد تعدى وظلم، وقال ابن بطال: هذا الذي قال أبو هريرة ما لم يبالغ عليه المسلمون مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى به ما حد الله ورسوله، ولم يتجاوز فعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قط مواضع الوضوء. قلت: هذا ترك الأدب في حق الصحابي، وهو لم يفعل ما فعل من تلقاء نفسه بل أخذه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ودعوى الإجماع لا يقبل مع خلاف أبي هريرة والشافعي وأصحابه، بل قالوا باستحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين لا خلاف فيه بين أصحابه، ذكر النووي حتى لو قطعت اليد من محل الفرض كالمنكب يستحب أن يمسح موضع القطع بلا خلاف، نص عليه
[النية في الوضوء]
والوعيد لعدم رؤيته سنة قال: ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة، ـــــــــــــــــــــــــــــQالشافعي في " الأم "، واختلفوا في تعليله، فقال الجماعة: حتى لا يخلو العضو من طهارة. وقال الغزالي، والبغوي، وآخرون: يستحب ذلك إطالة للغرة والتحجيل؛ لأن الغرة إنما هي في الوجه، والذي في اليد التحجيل، وأورد عليهم بأن غسل ما فوق المرفق كان تبعا للذراع، وقد زال المتبوع فينبغي أن لا يشرع التابع، كما لا يقضي السنن إذا سقط قضاء الفرائض بحيض أو جنون، وأجابوا عنه بأن سقوط القضاء عن المجنون والحائض وخصه مع إمكانه فإذا سقط الأصل مع إمكانه فالتابع أولى. وأما سقوط غسل الذراع فلتعذره، والعذر مختص بالذراع، فيبقى العضد على ما كان في الاستحباب، وصار كالمحرم الذي لا شعر على حلق رأسه فيستحب إمرار الموسى على رأسه. م: (والوعيد لعدم رؤيته سنة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إن الشارع رتب على الزيادة والنقصان وعيد مقتضاه الإطلاق، وتقدير الجواب بأن الوعيد بعدم رؤيته الثلاث سنة، والحديث ليس على ظاهره، وأشار بذلك إلى أنه اختار من تأويلات هذا الحديث التأول الذي قيل: إنه إذا زاد عل الثلاث معتقدا أن كمال السنة لا يحصل بالثلاث. وأما إذا أراد طمأنينة القلب عند الشك أو بنيته وضوء آخر فلا بأس به ولا يدخل تحت الوعيد، ومن العجائب من دعاوى الأترازي في " شرحه " أنه نسب هذا الحديث أعني الذي فيه " فمن زاد على هذا " إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وليس كذلك فإنه روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص كما ذكرنا، وأعجب منه أنه قال: كذا ذكره الخصاف في " شرح مختصر الطحاوي "، وسكت على ذلك من غير أن يبين من أخرجه من أئمة الحديث. [النية في الوضوء] م: (ويستحب للمتوضئ أن ينوي الطهارة) ش: النية بكسر النون وتشديد الياء وقد تخفف: إرادة استباحة الصلاة بوضوئه أو قصد عبادته لا تستغني عن الطهارة أو قصد امتثال الأمر كذا قال فخر الإسلام، وقيل: أن ينوي إزالة الحدث أو استباحة الصلاة والمستحب ما يثاب على فعله ولا يلام على تركه. فإن قلت: قال المصنف: وتستحب النية في الوضوء، ثم قال: فالنية في الوضوء سنة عندنا، وهذا ما وجهه. قلت: قال الأترازي وتبعه الأكمل إنما قال سنة بعد أن قال: ويستحب لأن الاستحباب على ما اختاره القدوري فرواه بلفظه ثم ذكر ما هو المختار عنده. قلت: له وجه آخر عندي: وهو أنه ذكر استحباب النية في الطهارة، والطهارة أعم من الوضوء فالمتوضئ إذا أراد أن
فالنية في الوضوء سنة عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرض؛ لأنه عبادة فلا يصح بدون النية كالتيمم، ولنا أنه لا يقع عبادة إلا بالنية ولكنه يقع مفتاحا للصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــQيطهر ثوبه أو بدنه أو المكان الذي يصلي من النجاسة يستحب له أن ينوي لعموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأعمال بالنيات» وهذا عمل أيضا مطلوب مرغوب فيه، فإذا نوى تطهير هذه الأشياء يحصل له الثواب فيكون مستحبا، وإذا لم ينو لا يضره ذلك؛ لأن تارك المستحب لا يلام، وأما ذكره بلفظ النية في الوضوء فلنصب الخلاف بيننا وبين الشافعي بأن النية عنده وجماعة آخرين فرض فأقل الأمر أن يذكر في مقابلة لفظ السنة. م: (فالنية في الوضوء سنة عندنا) ش: الفاء هنا للعطف ولكنها تعد الترتيب المتقارب من بعض الوجوه كما يقال: خذ الأكمل فالأفضل واعمل الأحسن فالأجمل، وفائدة كون النية سنة في الوضوء عندنا أنه إذا نسي المسح فأصابه المطر أو أجرى الماء أو قطر على أعضاء وضوئه أو علم الوضوء إنسانا أو توضأ متبردا فعندنا يجوز، وبه قال الثوري والأوزاعي، والحسن بن حي نظر ومالك في رواية. م: (وعند الشافعي فرض) ش: وبه قال الزهري، وربيعة، ومالك، والليث بن سعد، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود م: (لأنه) ش: أي لأن الوضوء م: (عبادة فلا يصح بدون النية) ش: لأن العبادة فعل يأتي به المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لأمر ربه، والوضوء بهذه المثابة، وكل ما هو عبادة لا يصح بدون النية لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] (البينة: الآية 5) ، والإخلاص لا يحصل إلا بالنية، وقد جعله حالا للعابدين والأحوال شروط فتكون كل عبادة مشروطة بالنية. م: (كالتيمم) ش: أي كما أن النية شرط في التيمم، وقاسه على ذلك في كونهما طهارتين للصلاة فلا يفترقان م: (ولنا أنه) ش: أي لا، الوضوء م: (لا يقع عبادة إلا بالنية) ش: هذا قول بموجب العلة، معناه سلمنا أن الوضوء لا يقع عبادة إلا بالنية م: (ولكنه) ش: أي ولكن الوضوء (يقع مفتاحا للصلاة) ش: معنى هذا الاستدراك أنه ليس كلامنا في أن الوضوء لا يكون عبادة إلا بالنية، وإنما كلامنا في استعمال الماء المطهر في أعضاء الوضوء، هل يوجب الطهارة بدون النية حتى يكون مفتاحا للصلاة أو لا، ولا مدخل لكونه عبادة في ذلك، ويفسد ذلك بدونها؛ لأن أعضاء الوضوء محكوم بنجاستها في حق الصلاة، ضرورة الأمر بتطهيرها، والماء طهور بطبعه فإذا لاقى النجس طهره، قصد المستعمل من ذلك كالثوب النجس؛ ولأن المطهر لا يعرف كونه مطهرا على قصد
لوقوعه طهارة باستعمال المطهر بخلاف التيمم؛ لأن التراب غير مطهر إلا في حال إرادة الصلاة أو هو ينبئ عن القصد، ـــــــــــــــــــــــــــــQالعبادة، والشيء إذا خلق على أي طبع فوجد ذلك الطبع فيه سواء وجدت النية فيه أو لم توجد، كالنار طبعها الإحراق إذا وجدت محلا قابلا للإحراق، وكذا الماء يطهر بلا نية؛ لأن طبعه مطهر، والتحقيق في هذا المقام أن الوضوء جعل شرطا للصلاة بوصف كونه طهارة لا بوصف كونه قربة، وهذا؛ لأن الشارع سمى الماء طهورا، وهو ما يحصل به الطهارة فاستعماله في محل قابل يحصل الطهارة قصد أو لم يقصد كما أن الماء يروي خلقة فاستعماله يحصل الري قصد أو لم يقصد م: (لوقوعها) ش: أي لوقوع الطهارة. م: (طهارة باستعمال المطهر) ش: وهو الماء الذي قال الله فيه: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 48) . فإن قلت: إذا سلمتم للخصم أن الوضوء لا يقع عبادة إلا بالنية فتكون النية شرطا فيه فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. قلت: نعم عبادة، ولكنها غير مستقلة؛ لأنها وسيلة إلى غيرها فهذا الاعتبار مستغنى عن النية على أن بعضهم قالوا: الوضوء غير عباده، ولهذا لا يصح النظر به وعدم النية تمنع العبادة ولا تمنع الطهارة. م: (بخلاف التيمم) ش: أشار به إلى أن قياس الشافعي الوضوء على التيمم في كونهما طهارة فلا يفترقان قياسا بالفارق، وذا لا يجوز بين ذلك بوجهين: أحدهما: قوله م: (لأن التراب غير مطهر) ش: يعني لم يعقل مطهرا؛ لأنه في ذاته ملوث ومغير فلا يكون مطهرا م: (إلا في حالة إرادة الصلاة) ش: فتكون طهارته بدلا عن الوضوء؛ لأنه بطبعه وحقيقته مطهر بخلاف الماء. والوجه الثاني: هو قوله: (أو هو) ش: أو التيمم م: (ينبئ عن القصد) ش: يقال تيمم إذا قصد، قال الله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) أي: لا تقصدوه، وفي لفظه ما يدل اشتراط النية، فلم يكن فيه إلا معنى النية. فإن قيل في الوضوء مسح والمسح لم يعقل مطهرا طبعا فيحتاج إلى النية، أجيب بأن مسح الرأس ملحق بالغسل لقيامه وانتقاله إليه بضرب من هذا الجرح، وهذا في " شرح الأكمل " نقله من كلام السغناقي ولو نظر في قوله لأنه ينبئ عن القصد لغة، والقصد الذي هو النية إنما هو قصد خاص وهو قصد إباحة الصلاة والأعم لا دلالة له على الأخص؛ لأن الأول: مدلول اللفظ، والثاني: فعل القلب، ولا دلالة لأحدهما على الآخر. قلت: القصد لغة مطلق، والقصد الذي هو إباحة الصلاة مقيد، ويلزم من وجود المقيد
[استيعاب الرأس في الوضوء]
ويستوعب رأسه بالمسح وهو السنة ـــــــــــــــــــــــــــــQوجود المطلق والقصد فعل القلب فافهم. [استيعاب الرأس في الوضوء] م: (ويستوعب رأسه بالمسح) ش: بنصب الباء أي يستحب أن يستوعب رأسه عطفا على قوله: " أن ينوي الطهارة "، والتقدير يستحب نية الطهارة، فاستيعاب الرأس أي شموله بالمسح، وهو على اختيار القدوري، وعلى اختياره سنة، أشار إليه بقوله: م: (وهو سنة) ش: أي استيعاب الرأس بالمسح سنة، ذكرها في " المحيط " و " البدائع " و " التحفة " و" القنية "و " المفيد " و " شرح المبسوط "، وهو صحيح. وأشار بقوله: وهو سنة إلى الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسين سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث، وفيه «ثم أدخل يده يعني في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» . ورواه الأربعة أيضا فأبو داود عن عبد الله بن سلمة عن مالك، والترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى، والنسائي عن محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك، وابن ماجه عن الربيع بن سليمان وحرملة بن يحيى كلاهما عن الشافعي عن مالك. وأخرجه محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك، وقال: أخبرنا مالك بن أنس قال: أخبرنا عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسين المدني عن أبيه، ويحيى أنه سمع جده أبا حسين سأل عبد الله بن زيد بن عاصم، وكان من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين، ثم تمضمض ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم مسح من مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه» قال محمد: هذا حسن، والوضوء ثلاثا ثلاثا أفضل الوضوء، والاثنان مجزئان والواحدة إذا أسبغت تجزئ أيضا، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والكيفية المذكورة في هذا الحديث هي المشهورة، وبه استدل أصحابنا على أن السنة البداءة من مقدم الرأس، قال الحسن البصرى: السنة البداءة من الهامة يضع يديه عليها، ويمر بهما إلى مقدم الرأس ثم يعيدهما إلى القفا، وهكذا روى هشام عن محمد، والصحيح قول العامة للحديث المذكور، وفي " المحيط ": ويستحب فيه أن يضع من كل واحدة من يديه ثلاث أصابع عن مقدم رأسه، سوى الإبهام والسبابة، ويجافي بين كفيه، ويمرهما إلى القفا ثم يضع كفيه على مؤخر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرأسه ويمرهما إلى مقدمه، ثم يمسح ظاهر كل أذن بكل إبهام وباطنه بمسبحة. وفي الينابيع: والمسح أن يضع الخنصر والبنصر بكسر أولهما والصاد بينهما من كل يد على مقدم الرأس من منبت الشعر ويمررهما إلى نصف رأسه ثم يرفعهما، ويضع الوسطيين في وسط رأسه، ويمرهما إلى منبت الشعر من قفاه، ثم يعيدهما إلى وسط رأسه، ثم يضع الخنصر والبنصر في وسط رأسه ويمرهما إلى مقدم رأسه، ثم يمرهما إلى وسط رأسه، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يدخل السبابة في أذنه ويديرها في زواياها ويدير إبهامه من زوياها. وفي " الدراية ": وكيفية الاستيعاب أن يبل كفه، وأصابع يديه ويضع بطون ثلاث من كل كف على مقدم الرأس، ويعزل السبابتين والإبهامتين. ويجافي الكفين ويمررهما إلى مؤخر الرأس ثم يمسح الفردين بالكفين ويمرهما إلى مقدم الرأس ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين وباطن الأذنين بباطن السبابتين ويمسح رقبته بظاهر اليدين، حتى يصير ماسحا ببلل لم يصر مستعملا، هكذا روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهكذا المنقول عن السلف وعن أبي حنيفة ومحمد أنه يبدأ من أعلى رأسه إلى جنبيه ثم إلى قفاه عكسه كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ". قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه النسائي، «أنها وصفت وضوءه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ووضعت يديها في مقدم رأسها ومسحت إلى مؤخره، ثم مرت يديها بأذنيها، ثم مرت على خدين» قالوا: الذي ذكره صاحب " الدراية " ونسبه إلى عائشة، لم يذكره أحد من أئمة الحديث على الوجه المذكور ولا عن غير عائشة من الصحابة الذين وصفوا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأخرج أبو داود عن محمد بن حسين، وقد ورد من حديث طلحة بن مصرف، وفيه «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح رأسه مرة واحدة حتى يبلغ القذال، وهو أول القفاء، وقال مرة: وقد مسح رأسه من مقدمه إلى مؤخره حتى يخرج يديه من تحت أذنيه، وأخرجه الطحاوي، ولفظه: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح مقدم رأسه حتى بلغ القذال من مقدم عنقه» . وأخرج النسائي حديث عبد الله بن زيد وفيه «ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بهما إلى مؤخر رأسه ثم جره إلى قفاه ثم جره إلى مؤخره، وعند أبي داود وبدأ بالمؤخر ثم بمقدمه وبأذنيه كليهما، وفي لفظ مسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناصيته لمنبت الشعر لا يحول الشعر عن هيئته، وفي لفظ: مسح رأسه وما أقبل وما أدبر وصدغيه» . وأخرجه البزار من حديث أبي بكرة وفيه «مسح برأسه وما أقبل يقبل بيديه من مقدمه إلى
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول ـــــــــــــــــــــــــــــQمؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه» وأخرج ابن قانع من حديث أبي هريرة وفيه «ووضع يديه على النصف من رأسه ثم جرهما إلى مقدم رأسه ثم أعادهما إلى المكان الذي بدأ منه، وجرهما إلى صدغيه.» وأخرج أبو داود أيضا من حديث أنس، وفيه: «فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه» وأخرج ابن السكن عنه ولفظه: «فمسح باطن لحيته وقفاه.» وأخرجه البيهقي والبغوي وابن أبي خيثمة وفيه: مسح رأسه إلى سافله، فهذا أوجه كثيرة يختار المتوضئ أيها شاء، واختار بعض أصحابنا رواية عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذكر السغناقي في كيفية المسح كلاما نقله عن الدراية ثم قال: كذا أعلمنا عين الأعيان الأستاذ المتفنن مولانا فخر الدين المايرمعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن الرواية منصوصة في " المبسوط " على أن الماء لا يعطى له حكم الماء المستعمل حال الاستعمال. قال الأترازي: إن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات، فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملا فكذلك في حكم إقامة السنة في المسموح، ولكن يجب أن يستعمل فيه ثلاث أصابع اليد في الاستيعاب؛ ليقوم الأكثر مقام الكل، حتى إنه لو مسح بإصبعه بجوانبها الأربعة لا يجوز في الأصح؛ لعدم استعمال أكثر الأصابع، فانظر هل ترى أحدا من الشراح، وهم أئمة كبار، أقام من الحديث شيئا مما ذكره من الصور المذكورة في كيفية مسح الرأس بالاستيعاب. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول) ش: لا خلاف بيننا وبين الشافعي في سنية استيعاب الرأس بالمسح وإنما الخلاف في تثليث المسح، فعنده السنة في التثليث بمياه مختلفة نص عليه في كتبه، وقطع به جماعة من جماهير أصحابه، حكي هذا عن الشافعي، ولكن حكى الرافعي وجها لأصحابنا أنه يسن مرة واحدة، وهو مذهب أكثر العلماء، وحكى الترمذي عنه أنه يمسح مرة كقولنا، قال النووي: لا أعلم أحدا من أصحابنا حكى هذا عن الشافعي، لكن حكى الرافعي وجها لأصحابنا أنه مسح مرة واحدة وهو مذهب أكثر العلماء، وقال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم. وقال ابن عدي: كل الرواة قالوا: مسح الرأس مرة واحدة، وقال ابن المنذر: وممن قال به عبد الله بن عمر، وطلحة بن مصرف، والحاكم، وحماد، والنخعي، ومجاهد، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وأحمد، ومالك، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، واختاره ابن المنذر، ومذهب الشافعي حكاه ابن المنذر عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء، وهو رواية عن أحمد، وداود، وقال ابن سيرين إنه يمسح مرتين، واحتج بحديث الربيع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبنت معوذ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح برأسه مرتين» وعن عبد الله بن زيد مثله، وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام: لا نعلم أحدا من السلف جاء عنه استكمال الثلاثة في مسح الرأس إلا عن إبراهيم التيمي. قلت: ذكرنا الآن عن الجماعة الذين ذكرهم ابن المنذر، ومن الغرائب أن الشيخ أبا حامد الاسفراييني حكى بعضهم أنه أوجب الثلاثة وحكاه صاحب " الإبانة " عن ابن أبي ليلى ثم إن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - احتج للشافعي من جهة القياس ولم يحتج له بشيء من الحديث، واحتج له بعض أصحابه بحديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا» ورواه مسلم ووجه الدلالة منه أن قوله توضأ يشتمل الغسل والمسح، وحديث عثمان أيضا أنه «توضأ، ومسح رأسه ثلاثا، وقال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ هكذا» رواه أبو داود بإسناد حسن ذكره النووي، وقال أيضا ابن الصلاح: حديث حسن. وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه توضأ فمسح رأسه ثلاثا ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل» ورواه البيهقي وقال: أحسن ما روى عن علي ابنه الحسين بن علي فذكره بإسناده وذكر مسح الرأس ثلاثا، «وهكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ» وإسناده حسن. وأما الذي احتج به المصنف بقوله: اعتبارا بالمغسول فأراد أن المسح ركن من الوضوء فكان التثليث فيه سنة كغسل الوجه واليدين والرجلين، وأيضا الرأس أحد أعضاء الوضوء والمسح أحد قسمي الوضوء فيسن تثليثه كالغسل. قلنا: هذا القياس ضعيف؛ لأن المسموح ليس من جنس المغسول، وكان من الواجب عليه أن يقيس الممسوح على الممسوح بأن يقول: لا يصلح تكرارا إنما شرع بحكم مرة كمسح الخف والجبيرة والتيمم، وهذا مسح فلا يكرر هو الذي قاله الأترازي، وقال صاحب " المفيد " والمزيد: هذا فاسد الوضع؛ لأن المسح مبناه على التوسعة، والتخفيف بخلاف الغسل وإلحاق ما مبناه على التيسير بما مبناه على التعسير فاسد في الوضع، واعتبار المسح بالمسح وجه كمسح الخف والجبيرة، وفي " البدائع " التعسير في الغسل يفيد زيادة النظافة وبزيادة
ولنا «أن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هذا وضوء رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ـــــــــــــــــــــــــــــQتكرار المسح لا يحصل زيادة نظافة؛ ولأن تكراره يقربه إلى السيلان فكان مخلا باسم المسح والسنة الإكمال لا الإخلال، وجواب المصنف عن ذلك يأتي عن قريب مع الجواب عن أحاديثه. فإن قلت: اعتبارا منصوب بماذا. قلت: هو مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره اعتبر الشافعي اعتبارا بالمغسول، ويجوز أن يكون اعتبارا بمعنى معتبرا على صيغة المفعول، ويكون نصب على الحال من التثليث. م: (ولنا «أن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة، وقال: هذا وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ش: هذا الحديث الذي نسبه إلى أنس غريب، والعجب من المصنف ذكر هذا، ولم يذكر ما «روي في " الصحيحين " من رواية عبد الله بن زيد أنه مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» وحديث آخر أخرجه الأربعة عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه أتي بإناء فيه ماء وطست.. الحديث، وفيه ماء فمسح برأسه مرة واحدة، وقال في آخره: من سره أن يعلم وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فهو هذا» . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ ثلاثا ثلاثا إلا المسح فإنه مرة مرة» وحديث آخر أخرجه أبو داود عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ.. الحديث، وفيه مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة.» وحديث آخر أخرجه الدارقطني في مسنده عن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وفيه مسح برأسه مرة واحدة، وقال في آخره: هكذا رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ وكنت على وضوئه، ولكن أحببت أن أريكم كيف توضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وقال أبو داود: وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل
والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى أن مسح الرأس مرة واحدة. فإن قلت: روى أبو داود، والبزار، والدارقطني من طريق أبي سلمة عن حمران عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فمسح رأسه ثلاثا» . قلت: فيه عبد الرحمن بن وردان، وفيه مقال، وأخرجه البزار أيضا من طريق عبد الكريم بن حمران وإسناده ضعيف، ورواه أيضا من حديث أبي علقمة مولى ابن عباس عن عثمان وفيه ضعف، ورواه أيضا أبو داود، وابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن دارة عن عثمان، وابن دارة مجهول الحديث. ورواه البيهقي من حديث عطاء بن أبي رباح عن عثمان، وفيه انقطاع ورواه الدارقطني أيضا من طريق السلماني عن أبيه عن عثمان والسلماني ضعيف جدا وأبوه ضعيف أيضا، وقال البيهقي: روي من أوجه غريبة عن عثمان وفيها: «مسح الرأس ثلاثا» إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة، وإن كان بعض أصحابنا احتج بها. فإن قلت: روى أبو داود والدارقطني في " سننه " عن محمد بن محمود الواسطي عن شبيب عن أيوب عن أبي يحيى الحمال عن أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه توضأ.. الحديث، وفيه أنه مسح رأسه ثلاثا» ثم قال: هكذا رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علقمة بن خالد، وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات فرووه عن خالد بن علقمة، وقالوا فيه: مسح رأسه مرة واحدة، ومع خلافه إياهم قال: إن السنة في مسح الرأس مرة واحدة. قلت: الزيادة من الثقة مقبولة ولاسيما مثل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأما قوله: فقد خالف حكم المسح.. غير صحيح؛ لأن تكرار المسح مسنون عند أبي حنيفة أيضا، إذا كان بماء واحد على ما يذكره المصنف عن قريب. م: (والذي يروى من التثليث محمول عليه بماء واحد) ش: هذا جواب عن الأحاديث التي فيها
[ترتيب أعضاء الوضوء]
وهو مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولأن المفروض هو المسح، وبالتكرار يصير غسلا فلا يكون مسنونا فصار كمسح الخف بخلاف الغسل؛ لأنه لا يضره التكرار، ويرتب الوضوء فيبدأ ـــــــــــــــــــــــــــــQتثليث المسح التي احتج بها الشافعي، وتقريره أن يقال: الذي يروى من التثليث على تقدير ثبوته محمول عليه أي على التثليث بماء واحد؛ لأن ذلك يقتضي العدد دون تكرار أخذ الماء، قال تاج الشريعة: قوله والذي يروى فيه من التثليث هو ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح برأسه ثلاثا» . قلت: الذي يروى عن عبد الله بن أبي أوفى المذكور الذي فيه تثليث الغسل المسح هو وحده حتى خصه به، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومع هذا من أخرج حديث عبد الله بن أبي أوفى من أئمة الحديث. م: (وهو) ش: أي التثليث (مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وروى الحسن في " المجرد " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا مسح ثلاثا بماء واحد كان مسنونا، فإن قيل: قد صار البلل مستعملا بالمرة الأولى فكيف في إمراره ثانيا، وثالثا، أجيب بأنه يأخذ حكما واحدا، والصحيح أنه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصير مستعملا لإقامة فرض آخر لا لإقامة السنة؛ لأنها تبع للفرض، ألا ترى أن الاستيعاب يسن بماء واحد، والصحيح عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك التثليث. فإن قيل: روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ ثلاثا ثلاثا فكان ماسحا رأسه ثلاثا» قيل له: ثبت ذلك بمقتضى قوله: ثلاثا، وقد مر أن التثليث ليس سنة بصريح قوله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح رأسه مرة واحدة، فالصريح أقوى. م: (ولأن المفروض) ش: دليل آخر أي في الوضوء م: (هو المسح) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] م: (وبالتكرار) ش: أي بالتكرار للمسح م: (يصير) ش: أي المسح م: (غسلا) ش: لأن المسح مجرد الإصابة م: (فلا يصير مسنونا) ش: مسحه للقدمين يخرج عن كونه سنة؛ لأنه يصير غسلا والغسل خلاف المسح م: (فصار كمسح الخف) ش: أي فصار مسح الرأس كالمسح على الخف، وتحقيقه أن يقال: مسح الرأس مسح في الوضوء، وكل ما هو مسح في الوضوء لا يسن تثليثه كمسح الخف، والمسح على الجبيرة م: (بخلاف الغسل؛ لأنه لا يضره التكرار) ش: هذا متصل بقوله " وبالتكرار يصير غاسلا "، ومعناه: أن المسح يفسده التكرار بخلاف الغسل فإنه لا يفسده بل يزيده نظافة وتنقية فكان قياس الشافعي الممسوح على المغسول فاسدا. [ترتيب أعضاء الوضوء] م: (ويرتب الوضوء) ش: بنصب الباء عطف على قوله: " ويستوعب " قاله الأكمل، وقال الأترازي: عطف على قوله أن ينوي فعلى قوله يكون الترتيب مستحبا، والمنصوص في " المبسوط " أن الترتيب سنة، وكذا عند المصنف على ما يجيء الآن، م: (فيبدأ) ش: الفاء فيه تفسيرية؛ لأنه يفسر الترتيب، ويجوز فيه النصب والرفع، فالنصب عطف على قوله: ويرتب
بما بدأ الله تعالى بذكره، وبالميامن، والترتيب في الوضوء سنة عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، والفاء للتعقيب ولنا أن المذكور فيها حرف الواو وهي لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة ـــــــــــــــــــــــــــــQالوضوء والرفع على تقدير فهو مبتدأ فتكون الجملة خبر مبتدأ محذوف، وهو أن يبدأ فيه م: (بما بدأ الله تعالى بذكره) ش: في القرآن في آية الوضوء م: (وبالميامن) ش: أي ويبدأ بالميامن، وهو جمع ميمنة وهي خلاف الميسرة وكذا الأيمن خلاف الأيسر ويجمع على أيامن، وسيأتي دليله (فالترتيب في الوضوء سنة عندنا) ش: أي الترتيب في أعضاء الوضوء سنة عند أصحابنا، وبه قال مالك، والليث، والثوري والأوزاعي، وعطاء بن السائب، ومكحول، والزهري، وربيعة، والنخعي، وداود، والمزني، وحكاه البغوي عن أكثر العلماء، واختاره ابن المنذر وصاحب " البيان "، وأبو نصير البنديجي من أصحاب الشافعي والأبهري، وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرض) ش: أي الترتيب في الوضوء فرض، وقال أبو بكر الرازي ولا يروى عن أحد من السلف والخلف مثل قول الشافعي. قلت: هذا غفلة منه، وقد قال بقوله أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وقتادة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وإليه ذهب ابن منصور، وصاحب مالك، وحكاه عن صاحبه م: (بقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، والفاء للتعقيب) ش: أي الفاء في قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] ، وجه الاستدلال أن الفاء للتعقيب، والتعقيب يدل على الترتيب فيفيد ترتيب غسل الوجه على القيام إلى الصلاة، وإذا ثبت الترتيب فيه ثبت في غيره؛ لأنه معطوف على المرتب، والمعطوف على المرتب مرتب، وتحقيق هذا أن الفاء للتعقيب مع الوصل فإذا كان كذلك ثبت تقديم الوجه على الباقي، ويلزم ترتيب غيره عليه؛ لأن غيره معطوف عليه بحرف الواو وهو الترتيب كما في قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) ، وبقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] (البقرة: الآية 158) ، ونقلوا عن الفراء كون الواو للترتيب، وادعوا أن الفاء تفيد البداءة بغسل الوجه، واستدلوا أيضا بتأخر غسل الرجلين عن مسح الرأس، وقالوا: لولا وجوب الترتيب لما أخر غسلهما عن المسح ولذكره مع المغسولات وتعلقوا أيضا بوضوئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسنجيب عن الكل إن شاء الله تعالى. م: (ولنا أن المذكور فيها) ش: أي في الآية المذكورة م: (حرف الواو وهي لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة) ش: يعني المذكور بعد الفاء حرف الواو، والواو لمطلق الجمع بإجماع أهل اللغة، وبإجماع النحاة البصرية والكوفية، دون الترتيب، وقيل: نص سيبويه عليه في سبعة عشر موضعا من الكتاب، فصار المعنى كأنه قال والله أعلم: فاغسلوا هذه الأعضاء، فعملنا بحرف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالفاء والواو، فقلنا: الفاء دخل في الفعل لا في المحل والفاء التي للتعقيب هي العاطفة وليست هذه عاطفة بل جواب الشرط ولو كانت للتعقيب فهي لتعقيب الجملة بواسطة الواو. وقال إمام الحرمين، تكلف أصحابنا في نقل أن الواو للترتيب واستشهدوا بأمثلة فاسدة، والحال أنها لا تقتضي ترتيبا ومن ادعاه فهو مكابر، وقال النووي وهو الصواب، ولو كانت الواو للترتيب لكان قولنا جاء زيد وعمرو وبعده تكرار أو قبله أو معه نقضا، وكذا من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه ينجزه، ولو كانت تحتمل الترتيب لما وقع ويصح تنجيز الحالف، وكذا تقول: تقابل زيد وعمرو مع امتناع الترتيب والاشتراك المجازي على خلاف الأصل. وقد شنع قوام الدين على حافظ الدين تشنيعا شنيعا لا يليق لمثله أن يذكر مثله بما ذكر، وذلك أن حافظ الدين قال في جواب الشافعي في " المستصفى ": والجواب [ب] الفاء إنما يقتضي التعقيب إذا دخلت على غير الأفعال الاختيارية، وأما إذا دخلت على الأفعال الاختيارية فلا. وقال قوام الدين: أقول ما للنسفي من جواب، فمن أين قال مثل هذا الكلام تقليدا، وما وضع أهل اللغة الفاء إلا للتعقيب مطلقا، سواء دخلت على كذا، وكذا. قلت: مراد حافظ الدين أن الفاء ما وضعت للتعقيب مطلقا، وما قاله صحيح؛ لأن الفاء إنما تكون للتعقيب إذا كانت عاطفة أما إذا كانت جواب الشرط لا تكون للتعقيب، بل تسمى حرفا رابطة، وقوله: وما وضع أهل اللغة الفاء إلا للتعقيب ليس كذلك بل وضعت لغيره، كما ذكرنا ولا يمكن أن يقال الفاء في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] (المؤمنون: الآية 14) للتعقيب، وذلك لأن المعلوم ما بين هذه الأشياء عن المهلة، والفاء التي للتعقيب لا تقتضي المهلة إذا قلت جاء زيد فعمرو، فمدلوله مجيء عمرو عقيب مجيء زيد بزمان وإن لطف، ولا يكون بينهما مهلة، فدل على أن الفاء في الآية المذكورة للتراخي بمعنى ثم وتجيء بمعنى الواو، كما قالوا في قول امرئ القيس بين الدخول، فحومل أي وحومل، حتى ادعى بعضهم أن الصواب روايته بالواو، وقد تجيء الفاء بمعنى الغاية، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] (البقرة: الآية 26) وهو غريب. فإن قلت: الحروف ينوب بعضها عن بعض. قلت: هذا إذا كان الواضع واحدا، وأما إذا كان متعددا فلا يحتاج إلى هذا، وأما الجواب عما قالوه نصرة إلى ما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما عن الأول: فقد ذكرناه عند قوله: وأما وجه المذكور فيها حرف " الواو "، وتوضيح ذلك أيضا أن الواو لما كانت المطلق الجمع بإجماع أهل اللغة صار تقدير الآية على هذا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا كذا وامسحوا كذا، ولا يفهم منه إلا فعل الغسل والمسح مطلقا كما في قول الرجل لعبده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذا دخلت السوق فاشتر اللحم والخبز والبقل، لا يفهم منه إلا الجمع بين هذه الأشياء مطلقا كيفما وقع الشراء، وليس مراده أن يشتري اللحم أولا ثم البقل، فكذا فيما نحن فيه، وفيما ذهبنا إليه عمل بالسنة، ودلالة الإجماع، والمنقول، أما السنة فهي ما ذكر أبو داود في " سننه " «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تيمم فبدأ بذراعيه قبل وجهه» والخلاف فيهما واحد. قلت: ذكر السغناقي هكذا، والذي رواه أبو داود هكذا في حديث طويل، وفيه عن عمار «فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، فقال: " إنما يكفيك أن تضع هكذا وضرب بيده على الأرض فنفضهما ثم ضرب بشماله على يمينه، ويمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه " ورواه البخاري أيضا ولفظه: فقال: أي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار: " إنما يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بهما وجهه ". ورواه الإسماعيلي في كتابه " المخرج " على البخاري، ولفظه: " إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض ثم تنفضهما ثم تمسح بيمينك على شمالك، وشمالك على يمينك ثم تمسح بوجهك» ولم يذكر مسح اليدين إلا قبل الوجه، فإذا ثبت جواز تقديم مسح اليدين في التيمم على الوجه ثبت في الوضوء لعدم القائل بالفرق، وأما أدلة الإجماع فإنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه اتفاقا، وإن لم يوجد الترتيب، وأما المنقول فإن الواو لو اقتضى الترتيب لكان قول الرجل لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق كقوله إن دخلت الدار وأنت طالق، وليس كذلك، فإن في الواو تطلق في الحال، وفي الفاء يتعلق الطلاق. وأما عن الثاني: وهو استدلالهم بقوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) فإنا لم نعلم الترتيب فيه بالواو، ولأن النصوص فيها متعارضة فإنه قال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43] (آل عمران: 43) ، وإنما علمناه بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما عن الثالث: وهو استدلالهم بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] (البقرة: الآية 158) فإن الترتيب فيهما ليس بالآية وإنما هو بالحديث، ولا يتصور الترتيب لكونهما من الشعائر، غير أن السعي لا ينفك عن الترتيب فرجح الصفا بالذكر بخلاف الوضوء فإنه يمكن غسل الأعضاء دفعة كما لو انغمس في الماء للوضوء أو للغسل. وأما عن الرابع: وهو نقلهم عن انفراد الواو تأتي للترتيب فهو خلاف ما ذكره أهل اللغة والنحو وأنكروا على الفراء ذلك، وكتب النحو مشحونة بأن الواو لمطلق الجمع، ولم يذكر خلافا وصرح في بعضها بلفظ الإجماع، ولذا قال المصنف بإجماع أهل اللغة. فإن قلت: قد وافق الفراء في ذلك جماعة منهم قطرب، والزيلعي، وثعلب، وأبو عمرو
[البداءة بالميامن في الوضوء]
فتقتضي أعقاب غسل جملة الأعضاء والبداءة بالميامن فضيلة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل» ـــــــــــــــــــــــــــــQالزاهد، وهشام، والشافعي. قلت: قال السيرافي: إن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب وقد أنكروا عليهم بذلك، ولا يضر خلافهم إجماع الأكثرين على أن خلاف القليل لا يمنع انعقاد الإجماع عند البعض، والمصنف إما ذهب إلى قول البعض في قوله: بإجماع أهل اللغة، وإما اتفاق الجمهور فسماه إجماعا تسمية للبعض باسم الكل. وأما عن الخامس: وهو قولهم: إن الفاء تفيد البداءة بغسل الوجه؛ لأن الفاء دخلت في الغسل مقدما على المسح، فنقول: لا نسلم ذلك؛ لأن فعل المغسول لما كان مقدما يلزم منه تقديم جنس الغسل على المسح، ولا يفهم منه الترتيب. وأما عن السادس: وهو استدلالهم بتأخير غسل الرجلين فنقول: أعضاء الوضوء انقسمت إلى مكشوف غالبا وهو الوجه واليدان وإلى مستور غالبا وهو الرأس والرجلان، وكانت البداية بالمكشوف أولى؛ لأنه عرضة للتراب، وقدم من ذلك الوجه لشرفه ثم قدم اليمين على اليسار ثم قدم الرأس على الرجلين؛ لأنه أشرف، وقال الزمخشري: الرجلان مظنة الإسراف، فعطفهما على الممسوح ليدل على عدم الإسراف، والتوسط في الصب، وأدخل الممسوح بين الغسلين وقدم الوجه وأخر الرأس مع قربه لفائدة، ولا يلزم أن تكون تلك الفائدة الوجوب لعدم انحصارها فيه فتكون فائدة استحباب الترتيب. وأما عن السابع: وهو تعلقهم بوضوء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتبا، فنقول: لما لم يرو ترك الترتيب فيه عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكذلك لم يرو ترك البداءة بغسل اليدين وترك المضمضة والاستنشاق وتقديم اليد اليمني والرجل اليمني والبداءة من رؤوس الأصابع والبداية بالوجه، وليس شيء من ذلك بشرط. م: (فيقتضي إعقاب غسل جملة الأعضاء) ش: أي لما كان حرف الواو لمطلق الجمع والفاء دخلت على هذه الجملة التي لا ترتيب فيها اقتضى ذلك إعقاب غسل جملة الأعضاء من غير ترتيب، والإعقاب بكسر الهمزة. [البداءة بالميامن في الوضوء] م: (والبداءة بالميامن فضيلة) ش: أي مستحبة، والفضيلة الدرجة الرفيعة في الفضل، وذكر الميامن فيما مضى الآن، وإنما أعاد ذكرها هاهنا ليبين أنها فضيلة وليست بسنة؛ لأنه ذكر شيئين: أحدهما: ترتيب الوضوء، والثاني: البداءة بالميامن، ولكن ما علم من ذلك أنهما سنة، وفضيلة بين هاهنا أن الترتيب سنة والبداية بالميامن فضيلة، وليست بسنة م: «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل) » ش: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه أحد ولكن الأئمة الستة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأخرجوه قريبا منه في كتبهم من حديث مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب التيامن في كل شيء حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه كله» رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه في " الطهارة "، وأبو داود في " اللباس "، والترمذي في الصلاة وألفاظهم متقاربة. وأخرجه ابن حبان ولفظه: «كان يحب التيامن في كل شيء في وضوئه حتى في الترجل والانتعال» وأخرجه ابن مندة ولفظه: «كان يحب التيامن في الوضوء والانتعال» وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قال: " إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم» أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي، كلهم من طريق زهير عن الأعمش عن أبي صالح عنه، وزاد ابن حبان: «إذا لبستم.» والنسائي والترمذي من حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كان إذا لبس قميصا بدأ بميامنه» وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كانت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليمنى لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى» رواه أبو داود وغيره. وعن أم عطية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للنسوة في غسل ابنته: " ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها» رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا اغتسل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا نزع فليبدأ بالشمال؛ لتكون اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع» اتفقا عليه، وعن أنس ابن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» قال الحاكم: هو صحيح على شرط مسلم، والتنعل لبس النعلين والترجل تسريح الشعر. واتفق العلماء أنه يستحب تقديم اليمنى في كل ما هو من باب التكريم كالوضوء والغسل، ولبس الثوب، والنعل، والخف، والسراويل، ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال وتقليم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، والخروج من الخلاء، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، والأخذ والعطاء، وغير ذلك مما هو في معناه. ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط، والاستنجاء، ودخول الخلاء، والخروج من المسجد، وقلع الخف، والنعل، والسراويل، والثوب، وأشباه ذلك، وعن شعبة تقديم اليمنى واجب يعني في الوضوء، وعن ابن مسعود أنه رخص بالشمال، وروى الدارقطني من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ما أبالي بدأت بيميني أو شمالي إذا أكملت الوضوء "، وروى الدارقطني أيضا أنه جاء رجل إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فسأله عن الوضوء، فقال: " ابدأ باليمين أو الشمال، فخيره به علي، ثم دعا بماء فبدأ بالشمال قبل اليمين "، ورواه البيهقي أيضا، وروي عن علي: " ما أبالي بدأت بالشمال إذا توضأت " رواه ابن أبي شيبة. 1 - فروع: للوضوء فرائض وسنن وواجبات وآداب ومكروهات، أما الفرائض فقد مر ذكرها وأما سننها فقد عدها المصنف وعدها في صلاة الحلواني خمس عشرة، وفي التحفة إحدى وعشرين: 1 - الاستنجاء بالأحجار أو ما يقوم مقامها. 2 - والنية. 3 - والتسمية. 4 - وغسل اليدين إلى الرسغين قبل إدخالهما في الإناء. 5 - والاستنجاء بالماء وهو كان أدبا في عصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصار سنة بعد عصره بإجماع الصحابة كالتراويح. 6 - والمضمضة. 7 - والاستنشاق والترتيب فيهما. 8 - وأخذ الماء لكل واحدة منهما على حدة والمبالغة فيهما إلا في حالة الصوم. 9 - والسواك في حال المضمضة. 10 - والترتيب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ11 - والموالاة وهو أن لا يفصل بين أعضاء الوضوء بعمل ليس منه. 12 - وتثليث غسل الأعضاء المغسولة. 13 - والبداءة بالميامن. 14 - والبداءة من رؤوس الأصابع في غسل اليدين والرجلين. 15 - وتخليل الأصابع. 16 - واستيعاب جميع الرأس. 17 - والبداءة من مقدم الرأس. 18 - والمسح مرة واحدة. 19 - وترك التثليث. 20 - ومسح ظاهر الأذنين وباطنهما بماء الرأس لا بماء جديد. 21 - وتخليل اللحية عند أبي يوسف. واختلف المشايخ في مسح الرقبة: قيل: سنة، وقيل: أدب. وأما مستحباته فأربعة عند المصنف: التسمية قبل الاستنجاء وبعده، وتخليل اللحية، والبداءة بالميامن، وعند القدوري النية، والترتيب، والاستيعاب من المستحبات. وأما آدابه فقد ذكر في " المحيط " سبعة: ترك الإسراف والتقتير وكلام الناس فيه، وذكر الشهادة عند كل عضو إلى المستراح، واستقاء ماء الوضوء بنفسه، وعن الوبري: لا بأس بصب الخادم على مولاه في الوضوء، وستر العورة بعد الاستنجاء، والتأهب للوضوء قبل الوقت، ويقول بعد فراغه: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ولا يمسح أعضاءه بخرقة مسح بها مواضع الاستنجاء، ويستقبل القبلة في الوضوء، ويقول بعد فراغه أو في أثنائه: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» ويشرب فضل وضوئه مستقبل القبلة قائما، وخيره الحلواني بين القيام والقعود، وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه فعل ذلك. وقيل: لا يستحب ذلك وإنما فعله إشارة إلى أنه لا يكره شرب الماء قائما، وقيل: لا يشرب قائما إلا في هذا وعند زمزم، ويصلي ركعتين بعده، ويتوضأ بالنية، ويتوقى التقاطر على الثياب، وزاد الغزنوي ويغسل الإناء ثلاثا ويضعه على يساره ولو كان إناء يغترف منه يضعه على يمينه ويضع يده حالة الوضوء على عرق الإناء دون رأسه، ويغسل الأعضاء بالرفق، ولا يستعجل في الوضوء، ويدلك أعضاءه خصوصا في زمان الشتاء، ويبالغ في الغسل والتخليل والدلك،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQويجاوز حد الوجه واليدين والرجلين ليتيقن بغسل الحدود، ويدخل خنصره في صماخ أذنيه ويحركهما، وينزع خاتمه أو يحركه كل مرة عند غسل اليدين وينزعه حالة الاستنجاء إن كان في يساره وعليه اسم الله، واسم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي " التوشيح شرح الهداية " وللوضوء آداب: الوضوء قبل الوقت، وترك الإسراف ولو كان على نهر، وترك التقتير، والتشهد عند كل عضو؛ لأنه روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه فعل ذلك هكذا في كتب الفقه، وأما الأحاديث الصحيحة في كتب الحديث فيقتضي أن يتشهد بعد الفراغ من الوضوء لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه مسلم، ولفظه: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ أو أسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» . وفي رواية لمسلم أيضا: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وفي رواية أبي داود ثم يقول حين يفرغ من وضوئه [...... الحديث] وفي رواية الترمذي: «من توضأ فأحسن وضوءه، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله» أه. نحو رواية مسلم. قلت: زاد الترمذي في حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «-: " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» وقال: في إسناده اضطراب، وروى البزار هذه الزيادة والطبراني في " الأوسط " ورواه ابن ماجه من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروى النسائي في " عمل اليوم والليلة ". والحاكم في " المستدرك " من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلفظ: «من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في ورقة ثم طبع فلم يكسر إلى يوم القيامة» واختلف في رفعه ووقفه، وصحح النسائي الموقوف، وضعف الحازمي الرواية المرفوعة، ورجح الطبراني الرواية الموقوفة أيضا، وقال النووي في " الأذكار " و " الخلاصة " أن حديث أبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا ضعيف. وقال في " شرح المهذب " روي عن أبي سعيد مرفوعا وموقوفا وكلاهما ضعيف. قلت: أما المرفوع فيمكن أن يضعف بالاختلاف والشذوذ، وأما الموقوف فلا شك في صحته، فإن النسائي قال فيه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن كثير حدثنا شعبة حدثنا أبو هشام، وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي هاشم الواسطي عن أبي مخلوفة عن قيس بن عبادة عنه، وهو من رواية " الصحيحين " فلا معنى لحكمه عليه بالتضعيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " شرح الطحاوي " يقول عند المضمضة: " اللهم أعني على تلاوة القرآن، وذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، واللهم أرحني برائحة الجنة، وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليد اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا، وعند غسل يده اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا من وراء ظهري، وعند مسح أذنيه: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند مسح عنقه: اللهم اعتق رقبتي من النار، وعند غسل رجليه اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام ". قال الرافعي: من السنن المحافظة على الدعوات الواردة في الوضوء، ويقول في غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند اليمنى: مثل ما ذكر، وعند اليسرى كذلك، وعند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشرتي على النار. وروي: اللهم احفظ رأسي وما حوى، وبطني وما وعى، وأدِّ اللهم عني برحمتك وأنزل علي بركتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وعند مسح الأذنين وغسل الرجلين مثل ما ذكرنا، قال الرافعي: وروي هذا الخبر عن الصالحين، وقال النووي في " الروضة ": هذا الدعاء لا أصل له، ولم يذكره الشافعي والجمهور، وقال في " شرح المهذب ": لم يذكره المتقدمون، وقال ابن بالصلاح: لم يصح فيه حديث. قلت: روي فيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طريق ضعيفة أوردها المستغفري في " الدعوات "، وابن عساكر في " أماليه "، وهو من رواية أحمد بن مصعب المروزي عن حبيب بن أبي حبيب الشابي عن أبي إسحاق الشعبي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي إسناده من لا يعرف. ورواه صاحب " مسند الفردوس " من طريق أبي زرعة الرازي عن أحمد بن عبد الله بن داود، وحدثنا محمود بن العباس حدثنا المغيث بن بديل عن خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه. ورواه ابن حبان في " الضعفاء " من حديث أنس نحو هذا، وفيه حديث عبادة بن صهيب وهو متروك، ورواه المستغفري أيضا من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإسناده واه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثم اختلف العلماء في التنشيف والمسح بالمنديل أو الخرقة بعد الوضوء: فمذهبنا لا بأس به، حكى ابن المنذر إباحته عن عثمان بن عفان، والحسين بن علي، وأنس بن مالك، وبشير بن أبي مسعود، والحسن البصري، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق. وحكى كراهته عن جابر بن عبد الله، وابن أبي ليلى، وسعيد بن المسيب، والنخعي، ومجاهد، وأبي العالية، وعن ابن عباس كراهته في الوضوء دون الغسل، وقال ابن المنذر كل ذلك مباح، ونقل المحاملي الإجماع على أنه لا يحرم، وإنما الخلاف في الكراهة، وعند الشافعي خمسة أوجه: الصحيح أنه لا يكره، ولكن يستحب تركه، وقيل: يكره، وقيل: يباح، وقيل: يستحب، وقيل: إن كان في الصيف كره دون الشتاء لعذر البرد، وليس للشافعي فيه نص، وروى ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ ": حدثنا أحمد بن سليمان هو النجار حدثنا محمد بن عبد الله [......] حدثنا عتبة بن مكرم حدثنا يونس بن بكير عن سعيد بن ميسرة عن أنس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا علي، ولا ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.» وروى الترمذي عن أنس أيضا «كان للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرقة ينشف بها بعد الوضوء» هذا يعارض ذلك، وكلاهما ضعيفان، وروى الحاكم من حديث عائشة نحوه، وفيه أبو معاذ، وهو ضعيف، وقال الترمذي: ليس بالقائم ولا يصح فيه شيء، وأخرج من حديث «مطرف رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه» وإسناده ضعيف. ثم الاستعانة في الوضوء فينبغي أن لا يستعين بغيره لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا لا نستعين على طهورنا» ذكره صاحب " الهداية " في " المفيد " و " المزيد "، وتمامه «قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد بادر ليصب على يديه الماء» لكن قال النووي غير صحيح. قلت: ذكره الماوردي في الحاوي بسند آخر فقال: روي أن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «كان يصب على يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الماء، فقال: " أنا لا أحب أن يشاركني في وضوئي أحد» . قلت: تعيين أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البزار في " كتاب الطهارة " وأبو يعلى في مسنده من طريق النضر بن منصور «عن أبي الجنوب، قال رأيت عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يسقي الماء لطهوره فبادرت أن أسقي له فقال: مه يا أبا الجنوب فإني رأيت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يستقي الماء لوضوئه، فبادرت أن أسقي له فقال: مه يا علي فإني لا أريد أن يعينني على وضوئي أحد» قال عثمان الدارمي فقلت لابن معين: النضر بن منصور عن أبي الجنوب، وعند ابن أبي سعد، فعرفه فقال: هؤلاء حمالة الحطب. وروى ابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عباس «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا يكل طهوره إلى أحد» وفيه مطهر بن الهيثم، وهو ضعيف، وجاء في " الصحيحين «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعان بأسامة في صب الماء على يديه في قصته منها وقفه مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عرفة في حجة الوداع، ولفظ مسلم: ثم جاء فصب على يديه الوضوء، وليس في رواية البخاري ذكر الصب» . وفي حديث «المغيرة بن شعبة: " كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر - الحديث -، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاق فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ثم مسح على خفيه» ورواه مسلم والبخاري أيضا، وقال الإمام الغزالي: كانت الاستعانة لأجل ضيق الكم وهو ظاهر، وأنكره ابن الصلاح، وقال: الحديث يدل على أنه استعان مطلقا؛ لأنه غسل وجهه أيضا وهو يصب على وجهه، وقيل: كانت الاستعانة في السفر، فأراد أن لا يتأخر عن الرفقة. «وعن صفوان بن عسال قال: صببت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحضر، والسفر، في الوضوء» رواه ابن ماجه والبخاري في " التاريخ الكبير "، وفيه ضعف، وعن «أم عياش، قالت: كنت أوضئ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قائمة وهو قاعد» رواه ابن ماجه أيضا وإسناده ضعيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى الدارمي، وابن ماجه، وأبو مسلم الكجي من حديث «الربيع بنت معوذ أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعان بها في صب الماء على يديه» وعزاه ابن الصلاح لتخريج أبي داود والترمذي، وليس في رواية أبي داود إلا أنها أحضرت الماء وحسب، وأما الترمذي فلم يتعرض فيه للماء بالكلية، نعم في " المستدرك "، وفي " سنن أبي مسلم الكجي " من طريق بشر بن المفضل عن أبي عقيل «عنها: صببت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتوضأ، وقال: " اسكبي علي " فسكبت عليه» . وأما مكروهاته فمنها: أن ينفض يديه، ذكر في " الدراية "؛ لما «روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشياطين» . قلت: رواه ابن أبي حاتم في كتاب " العلل " من حديث البختري بن عبيد عن أبي هريرة ورواه ابن حبان في " الضعفاء " من حديث البختري بن عبيد، وضعفه به، وقال: لا يحل الاحتجاج به، ولم ينفرد به البختري فقد رواه ابن طاهر في صفة التصرف من طريق ابن أبي البريء، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الطائي عن أبيه عن أبي هريرة به، وإسناده مجهول، ومنها أن يتكلم فيه كلام الناس، ومنها لطم الماء وجهه، ومنها الإسراف في الماء، ولو كان على نهر، ومنها التقتير في الماء، روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد» رواه البخاري ومسلم.
[فصل في نواقض الوضوء]
فصل نواقض الوضوء المعاني الناقضة للوضوء كل ما خرج من السبيلين ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في نواقض الوضوء] [ما خرج من السبيلين من نواقض الوضوء] م: (فصل في نواقض الوضوء) ش: لما فرغ من بيان فرائض الوضوء وسننه وآدابه، شرع في بيان نواقضه، وهو جمع ناقضة لا ناقض؛ لأنه لا يجمع على فواعل إلا المؤنث وشذ " فوارس " " وهوالك " " ونواكس " جمع " فارس " و " هالك " و " ناكس " على تأويل فرقة. والنقض في اللغة إبطال التأليف في البناء وغيره، ثم استعير لنقض العهد وللوضوء بجامع بطلان ما شرع لأجله، وهو استباحة الصلاة، أو نقول: النقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها، ومتى أضيف إلى المعاني يراد به إخراجه عما هو المطلوب، والمطلوب هاهنا من الوضوء استباحة الصلاة. والفصل في اللغة القطع، وفي الاصطلاح طائفة من المسائل الفقهية تغيرت أحكامها بالنسبة إلى ما قبلها غير مترجمة " بالكتاب " و " الباب ". فإن قلت: كيف إعراب هذا. قلت: الفصل منها: فصل لا ينون، ومنها فصل ينون؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، والتقدير، هذا فصل في بيان نواقض الوضوء. م: (المعاني الناقضة للوضوء كل ما خرج من السبيلين) ش: أي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب به، " كل ما خرج " أي خروج كل ما خرج من السبيلين وهما: القبل والدبر، وإنما قدر بالمضاف تصحيحا للحمل يعني لحمل الخبر على المبتدأ ولأن المبتدأ هو قوله: " المعاني " وقوله " كل ما خرج " خبره. وحمل الذات على المعنى غير صحيح، وهي قضية حملية التي تسميها النحاة جملة إسمية، ولا بد في القضية الحملية من الضمير، وهاهنا تقديره: المعاني التي تنقض الوضوء، وهي: كل ما خرج، وإنما اختار لفظ المعاني على لفظ العلل اقتداء بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث» واحترازا أيضا من عبارة الفلاسفة فإن المتقدمين كرهوا استعمال ألفاظهم إلى أن نشأ الطحاوي فاستعملها فتبعه من بعده، والمراد من السبيلين سبيل الحي، حتى إذا خرج من الميت بعد الغسل لا يعاد الغسل. فإن قلت: هذه الكلية منتقضة بالريح الخارج من الذكر وقبل المرأة فإن الوضوء لا ينتقض به في أصح الروايتين.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] الآية، «وقيل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وما الحدث؟ قال: ما يخرج من السبيلين» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: الذي يخرج منها اختلاج وليس بريح، وأيضا الفرج محل الوطء لا النجاسة فلا يجاوز الريح النجاسة والريح طاهر في نفسه، وهو اختيار المصنف لكن قوله: "كل ما" عامة تتناول المعتاد وغيره. وعن محمد: يجب الوضوء منهما بعموم النص، ولأنه يتعقب عن محل النجاسة ظاهرا ولهذا لو وصل إليه شيء ثم عاد نحو الحقنة ففيه الوضوء لا ينفك عن نجاسة كذا في " جامع قاضي خان "، و" التمرتاشي ". قلت: الحاصل أنه أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين كالغائط والريح من الدبر، والبول، والمذي من القبل ناقض للوضوء، واختلفوا في غير المعتاد كالدود والحصاة يخرج من الدبر فعندنا ينقض وهو قول عطاء، والحسن البصري، وحماد بن أبي سليمان، والحاكم، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقال مالك وقتادة: لا ينقض، وكذا قال مالك في الدم يخرج من الدبر والمذي لا بشهوة غير ناقض، وكذلك سلس البول ودم الاستحاضة، فإنه شرط أن يكون الخارج معتادا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43)) ش: الغائط هو المكان المطمئن من الأرض ينتهي إليه الإنسان عند قضاء الحاجة تستر عن أعين الناس. ووجه الاستدلال به أن الله تعالى رتب وجوب التيمم على المجيء من الغائط حال عدم الماء وهو لازم بخروج النجس، فكان كناية عن الحدث، لكونه ذكر اللازم وإرادة الملزوم والترتيب يدل على العلية وإذا ثبت ذلك في التيمم يثبت في الوضوء لأن البدل لا يخالف الأصل في السبب. فإن قلت: الحدث شرط الوضوء، فكيف يكون علة نقضه. قلت: لأنه علة لنقض ما كان، وشرط لوجوب ما سيكون، ولا تنافي بينهما. م: «وقيل لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: وما الحدث؟ قال: ما يخرج من السبيلين» ش: استدل أولا بالآية على مدعاه ثم بالحديث ولكن هذا الحديث بهذه العبارة لا يعرف له أصل، ولكن روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من قبل أو دبر» ، أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك "، وقال: في إسناده أحمد بن اللجلاج
وكلمة "ما" عامة فتتناول المعتاد وغيره ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو ضعيف. فإن قلت: هذا حجة عليكم لأنه يدل على أن الخارج من غير السبيلين ليس بحدث. قلت: مقصوده أن يأتي بدليل من الحديث على أن الخارج من السبيلين حدث وهو يدل على ذلك قطعا، وأما دلالته على ما ذكرنا، فلنا أحاديث سنذكرها، وحديث مالك وهذا حجة عليه لأنه شرط المعتاد، وكلمة "ما" فيه عامة تتناول المعتاد وغيره، وقال عبد الحق في " الأحكام الكبرى ": أخرج أحمد من حديث داود بن [......] قال: حدثنا شعبة عن قتادة، قال: «سئل أنس مما كان يتوضأ رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فقال: من الحدث، وأذى المسلم، قيل: وأنتم، قال: ونحن» ثم قال: وهذا لا يرويه عن شعبة غير داود وهو منكر المتن، وقال البخاري: وهو منكر الحديث، ثم قال عبد الحق: وهو ثقة في دينه. م: (وكلمة "ما" عامة فتتناول المعتاد وغيره) ش: أي كلمة "ما" التي في قوله: "ما يخرج من السبيلين"، وأشار به إلى نفي قول مالك فإنه يقول: لا وضوء بما يخرج نادرا كالحصاة، والدود، ودم الاستحاضة مستدلا بأن الله تعالى كنى بالغائط على الوجه الذي ذكرنا وهو قضاء الحاجة المعتادة فلا يكون غيرهما ناقضا. قلنا: تقييد بلا دليل في مقابلة ما يدل على خلافه وهو عموم كلمة ما، وفي " التوشيح " استدل من قال: بأن غير المعتاد لا ينتقض بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» ، رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة من رواية أبي هريرة. وبحديث صفوان بن عباد المراري قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا سافرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، وفي رواية: إلا من جنابة أو من غائط وبول ونوم» وللجمهور حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المذي: "يغسل ذكره، ويتوضأ" وفي رواية: "يتوضأ وضوء الصلاة» رواه البخاري ومسلم. وعن ابن مسعود، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالا. في الودي الوضوء، رواه البيهقي، والمذي والودي غير معتادين، وقد وجب فيهما الوضوء ولأنه خارج من السبيل فينقض كالريح والغائط ولأنه إذا وجب الوضوء بالمعتادة، والذي تعم به البلوى بغيره أولى. والجواب عن حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنا أجمعنا على أنه ليس المراد حصر نواقض الوضوء في الريح، فإن زوال العقل والنوم من النواقض ولم يذكر فيه بل المراد نفي وجوب الوضوء بالشك في خروج الريح حتى يدل عليه ما يرفع الشك من ريح أو صوت بدليل ما
[خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء]
والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير والقيء ملء الفم، ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه مسلم من رواية أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وجد واحدكم من بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» . وثبت عن عبد الله بن زيد بن عاصم «قال: شكي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه البخاري، ومسلم، والجواب عن حديث صفوان، وهو أنه بين فيه جواز المسح ونقض ما يمسح بسببه ولم يقصد بيان جميع النواقض أو بين فيه جواز المسح من الحدث الأصغر دون الأكبر. . [خروج الدم والقيح من نواقض الوضوء] م: (والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ش: هذا معطوف على قوله: "كل ما خرج من السبيلين من المعاني التي تنقض الوضوء " الدم والقيح إن أخرجا من البدن وههنا قيود. الأول: الخروج لأن نفس النجاسة غير ناقضة ما لم يوصف بالخروج وإلا لما حصلت الطهارة لشخص ما. والثاني: من البدن وأراد به الحي لأنه إذا خرجت من بدن الميت بعد غسله لا يوجب إعادة غسله بل توجب غسل ذلك الموضع على ما سيأتي. والثالث: التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير وهو احتراز عما يبدو ولم يتجاوز فإنه لا يسمى خارجا، ولكن يسمى باديا وفيه رد لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه ظن أن البادي خارج فأوجب فيه الوضوء. والشرط الرابع: أن يلحق ذلك موضع التطهير في الجملة كما في الجنابة حتى لو سال الدم من الرأس إلى قصبة الأنف ينتقض الوضوء بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم تظهر لأن النجاسة هناك لم تصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير، وفي الأنف وصلت إلى ذلك إذ الاستنشاق فرض في الجنابة، والفاء في قوله: فتجاوز تفسيرية لأنها تفسر الخروج والإضافة في قوله: "حكم التطهير" من إضافة العام إلى الخاص كقولهم: علم الطب، أي حكمه هو تطهير في الجملة كما ذكرنا. [القيء والدم من نواقض الوضوء] م: (والقيء ملء الفم) ش: بالرفع عطفا على قوله: "الدم، والقيح" وسيجيء الكلام في حكم القيء مفصلا إن شاء الله تعالى، واعلم أن الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء عند علمائنا وهو قول العشرة المبشرة بالجنة، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري، وأبي الدرداء وثوبان، وصدور التابعين، وقال ابن عبد البر روي ذلك عن علي وابن مسعود، وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير وإبراهيم
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فلم يتوضأ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالنخعي، وقتادة، والحكم بن قتيبة وحماد، والثوري والحسن بن حي، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وقال الخطابي: وهو قول أكثر الفقهاء. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء) ش: وبه قال مالك وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى وجابر، وأبي هريرة، وعائشة، وسعيد بن المسيب في رواية، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وطاووس وعطاء في رواية ومكحول وربيعة، وأبي ثور، وداود م: (لما روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فلم يتوضأ) ش: هذا الحديث غريب لا ذكر له في كتب الحديث واستدل الشافعي ومن تبعه فيما ذهب إليه بأحاديث منها: ما روي عن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قاء فغسل فمه فقيل له: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة؟ فقال: "هكذا الوضوء من القيء» ، وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قال: «لا وضوء إلا من حدث، قيل: وما الحدث، قال: الخارج من السبيلين» . وروى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» رواه الترمذي. وروى ثوبان «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتجم ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه» رواه الدارقطني، وفي رواية «سكت، فقال: "لو كان لوجدته في كتاب الله» . وعن جابر أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج من غزاة ذات الرقاع فقال من يكلؤنا في الليلة فقال رجل من الأنصار ورجل من المهاجرين نحن نعم الشعب فقام الأنصاري واضطجع المهاجري فجاء رجل من المشركين فرماه بسهم فنزعه» ورماه بآخر حتى رماه ثلاثة أسهم فلما خاف على نفسه أيقظ صاحبه، فلما رأى الدم يسيل منه قال: هلا أيقظتني في أول، فقال: كنت أتلو سورة فلم أحب ان أقطعها حتى أنفذها فلما تابع على الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أني أخاف ان أضيع أمرا أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحفظه لما أيقظتك فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلهما. رواه أبو داود ولم يأمره بالوضوء ولا إعادة الصلاة. وأخرج هذا أيضا ابن حبان في "صحيحه " والبخاري أيضا معلقا، ورواه الدارقطني والبيهقي في "سننيهما "، إلا أن البيهقي رواه بإيضاح في كتاب " دلائل النبوة "، وقال فيه: «فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي، وقال: كنت أصلي بسورة وهي الكهف، فلم أحب أن أقطعها» . الجواب عن الحديث الأول أنه غريب فلا يعارض المشهور، والحديث الثاني: لا يعرف له أصلا، والثالث: متروك الظاهر لأن الوضوء يجب من غير الصوت والريح بالاتفاق، والرابع: فيه عتبة بن السكن، قال الدارقطني: هو متروك، والخامس: يحتمل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يعلم بحاله على الفور ثم علم فأمره بالإعادة بغير علم الراوي، ولو وقع التعارض لطلبنا الترجيح وذلك من وجهين: أحدهما: إجماع الصحابة على مثل مذهبنا ولو كانت الأخبار غير ثابتة لما أجمعوا، والثاني: أن أخبارنا مثبتة وأخباره منفية والمثبت يقدم كذا قاله صاحب " أرباب الإنصاف " من أصحابنا ولا يخلو عن نظر. وقال صاحب " كتاب اللباب " وقيل هذا لا يصح الاستدلال به فإن الدم حين خرج أصاب بدنه وثوبه فينبغي أن يخرج من الصلاة ولم يخرج فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز الصلاة مع النجاسة كذلك لا يدل مضيه فيها على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء فإن قيل: أصاب الدم شيئا من بدنه، أو ثيابه شك فيه أو شك أنه يصير عمل في الصلاة أو كثير لا يحتمل فيها، وأما خروجه فإنه ينجس به لأنه خارج من بدنه، قيل له، قيل له: هذه مكابرة كيف يحصل له الشك، وقد قال جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، والمهاجري قد رآه بالليل ويقال: ما رأى الدماء ببدنه وثيابه لأنه قال: ما بالأنصاري من الدماء، ولم يقل ما بالأرض والدم السائل في الليل لا يكون يسيرا فكيف قد جمع الدم في رواية حيث قال: فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله وذلك لأنه وقد أصابه بثلاثة أسهم والظاهر أنها في ثلاثة مواضع، ثم إن هذا نقل واحد من الصحابة ولعل هذا كان مذهبا له وكان غيره عالما بحكمه، وقال الخطابي أكثر الفقهاء على انتقاض الوضوء بسيلان الدم وهذا أقوى إلى الاتباع.
ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الوضوء من كل من كل دم سائل» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولأن غسل غير موضع الإصابة أمر تعبدي فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد) ش: هذا دليل الشافعي من جهة العقل، قوله: "تعبدي" أي أمر تعبدنا به حين كلفنا الله به من غير معنى يعقل إذ العقل إنما يقتضي وجوب غسل موضع إصابة النجاسة فيقتصر على مورد الشرع وهو المخرج المعتاد، ويجوز أن يكون معناه أمر تعبدي أن القياس يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء كما في المني بل بطريق الأولى لأن الغائط أنجس من المني للاختلاف في نجاسته دون الغائط فالاقتصار على الأعضاء الأربعة أمر تعبدي. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الوضوء من كل دم سائل» ش: هذا أخرجه الدارقطني في "سننه " من حديث عمر بن عبد العزيز عن تميم الداري، وقال الدارقطني: عمرو بن عبد العزيز لم يسمع من تميم، ورآه وفي مسنده يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد وكلاهما مجهولان. قلت: الحديث هذا مرسل والمراسيل عندنا حجة لما عرف في أصولنا، ويعزى هذا لزيد بن ثابت نحوه أخرجه ابن عدي في " الكامل " في ترجمة أحمد بن فرج عن بقية حدثنا عن شعبة عن محمد بن سليمان عن عاصم عن عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الوضوء من كل دم سائل» ، قال ابن عدي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أحمد لهذا، وهو عمن لا يحتج بحديثه ولكنه يكتب فإن الناس مع ضعفه قد احتملوا حديثه. وقال ابن أبي حاتم: في كتاب " العلل " كتبنا عنه، ومحمله عندنا الصدق، وجه الاستدلال به أن مثل هذا التركيب يفهم منه الوجوه كما في قوله: «في خمس من الإبل شاة» ولا خلاف في الفرضية، فكان معناه توضأ من كل دم سائل من البدن، وإنما عبر بلفظ الخبر لكونه آكد في الدلالة على الوجوب كأنه أمر فامتثل أمره فأخبر عن ذلك، وهو آية كونه واجبا فإن الأمر إذا كان ممن لا يكذب في كلامه يعبر عن مطلوبه بلفظ الخبر تأكيدا للطلب، كذا قاله الأكمل وأخذه من
وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ـــــــــــــــــــــــــــــQحاصل كلام السغناقي فإنه قال: فإن قلت: هذا مبتدأ وخبره ما اقتضاه الجار والمجرور وهو مستحب، أو سنة، أو واجب فما الوجه في تعيين الواجب؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن هذا إخبار آكد في الدلالة على الوجوب. الوجه الثاني: أنه وصف الدم بالسيلان والدم السائل نجس مطلقا كالغائط فكان ملحقا به بدلالة بالنص. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد به الوضوء اللغوي لأنه قد ورد ذلك في لسان الشرع الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم. قلت: أجاب السغناقي بأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخرج ذلك على طريق المشاكلة لجواب سائل في قوله: "ألا تتوضأ وضوءك للصلاة" وأجاب الأكمل بأن ذلك مجاز شرعي ولا تترك الحقيقة الشرعية في كلام الشارع بلا دليل. وقال تاج الشريعة: الوضوء من كل دم سائل واجب لأنه محل صالح لإتمام الكمال، فيصار إليه وغيره من الأحكام غير ثابت بعضها نحو الحرمة والكراهة، وبعضها ثابت بدون سيلان الدم وهو الندب والإباحة، لأن كلمة "من" للجزئية والبعضية أو لبيان أن أحدهما يتفرع من الآخر وبعضه كما يقال الثمرة من النخلة، وهذه الحقيقة غير مرادة ههنا لاستحالة أن يكون الوضوء متفرعا من الدم السائل أو بعضه فيحمل على السببية لأنها من لوازم الحقيقة، إذ المتفرع لا بد له أن يكون سببا فيصير تقدير الحديث، والله أعلم بالصواب، يجب بسبب كل دم سائل، وقد وجد الدم السائل فيجب الوضوء وهذا أدق وأوجه من الوجهين اللذين ذكرهما السغناقي فلذلك قال صاحب " الدراية " فيهما تأمل. م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: قال الأكمل: رواه ابن أبي مليكة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرازي في " شرح الطحاوي "، ولذا قال الأترازي: وهذا عجز منهما، بل رواه ابن ماجه في "سننه " من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ولفظه قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس فلينصرف ثم يبن على صلاته وهو في ذلك» . ورواه الدارقطني في "سننه " ولفظه: «إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف ثم يبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم» . وروى الدارقطني أيضا من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصلاة أو أحدث فلينصرف فليتوضأ ثم ليجيء فليبن على ما مضى» . فإن قلت: قد طعنوا في الحديثين: أما حديث عائشة، فقال الدارقطني: أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، وقال ابن عدي: رواه ابن عياش مرة هكذا، ومرة عن ابن جريج عن أبيه عن عائشة وكلاهما غير محفوظ. وأخرجه البيهقي من حديث البزار عن ابن جريج عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن صحت فتحمل على سبيل غسل الدم لا على الوضوء. وأما حديث أبي سعيد فهو معلول بأبي بكر الداهري الذي في سنده قال ابن الجوزي عن أحمد: إنه ليس بشيء، وقال ابن حبان: يضع الحديث. والجواب عن الأول: أن إسماعيل بن عياش وثقه ابن معين وغيره، وقال يعقوب بن سفيان ثقة عدل، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه، وما يضر الحديث إذا رواه الثقة بإسنادين مرسل ومسند في حالة واحدة، ومن رواه بالإسنادين جميعا الربيع بن نافع وداود بن رشيد وهذه المقالة تفيد الخطأ على ابن عياش فإنه لو رفع ما وقفه الناس ربما يتطرق الوهم إليه، فأما إذا وافق الناس على المرسل وزاد عليهم بالمسند فهو مشعر بتحفظ وتثبت الزيادة عن الثقة بقوله، ولئن سلمنا أنه مرسل مطلقا فنحن نحتج به. وأما حمل الشافعي الوضوء على غسل بعض الأعضاء يدفعه ما جاء في الحديث المذكور أو المذي، فإن المذي يوجب الوضوء الشرعي ولا يكفي فيه غسل بعض الأعضاء بالإجماع، وقد يقال في دفعه أنه لو حمل هذا الوضوء في هذا الحديث على غسل الدم فقط لبطلت الصلاة التي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهو فيها بالانصراف ثم بالغسل ولما جاز له أن يبني على صلاته بل يستقبلها. وأما الجواب عن الثاني: فنقول إنه اعتمد بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ولئن رددناه بالكلية فحديث عائشة كاف سواء كان مسندا أو مرسلا، ثم وجه الاستدلال بالحديث المذكور من وجوه: الأول: أنه أمر بالبناء وأدنى درجات الأمر الإباحة، والجواز، ولا جواز للبناء إلا بعد الانتقاض فدل بعبارته على البناء وعلى الانتقاض بمقتضاه. والثاني: أنه أمر بالوضوء ومطلق الأمر للوجوب. والثالث: أنه أباح الانصراف وهو لا يباح بعد الشروع إلا به، فإن قلت: جاز أن يكون الأمر بالانصراف واقعا لغسل النجاسة الحقيقية كرعاف أصاب بدنه وثوبه لا للحدث، قلت: أخرج عليه بطريق المشاكلة لجواب السائل في قوله: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة مع أن غسل النجاسة الحقيقية مبطل للصلاة، ومانع للبناء بها بالاتفاق ألا ترى أن فيه [مني] أو مذي، وعن المذي يجب الوضوء الشرعي فكذا بالقيء أو الرعاف كذا في " الأسرار ". فإن قلت: البناء المعطوف على الانصراف غير واجب، فكذا الانصراف والتوضئ لتتناسب أحكام المعطوفات. قلت: هذا من الاستدلال بالأدلة الفاسدة فإن القران في النظم لا يوجب القران في الحكم، وقد يعطف الأمر المقتضي للوجوب على الأمر المقتضي للإباحة كما في قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ: 15] (سبأ: الآية 15) فالأكل مباح والشكر واجب في قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] (الأنعام: الآية 141) . فالثاني للوجوب لا الأول ولما أمر بالانصراف ظن ظان أن ذلك مفسد للصلاة فأمر بالبناء لنفي هذا الظن. وقوله: رعف بضم العين، وقال السعدي: فتح العين هو الصحيح، يقال: رعف إذا سال رعافه، أو قلس بالتحريك، وقيل: بالسكون وهو ما يخرج من الجوف ملء الفم أو دونه، وليس بقيء فإن عاد فهو قيء، واعلم أن لنا أحاديث أخر في هذا الباب: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: "لا إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» فأخرجه أحمد وابن ماجه، «وتوضئي عند كل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير» وهذا فيه دليل على وجوب الوضوء من الدم، ونبه على العلة بقوله: "عرق".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قالوا: قوله: «وتوضئي لكل صلاة» من قول عروة. قلت: قد صححه الترمذي، ولا يمكن أن يقال هذا من قبيل نفسه، لأنه عطف الأمر بالتوضؤ على الأوامر المتقدمة من قوله: «فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وتوضئي لكل صلاة» فلما قال: " توضئي شيئا " كل ما قبله من أمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولأن من أثبت الإسناد كان أولى. فإن قلت: «فاغسلي عنك الدم» ، ثم صلي مشكل في ظاهره لأنه لم يذكر الغسل إلا بعد انقضاء الحيض من الغسل. قلت: هذا مذكور في رواية أخرى صحيحة. قال فيها: «فاغتسلي» قوله " أستحاض " على بناء المفعول، قوله: «أفأدع الصلاة» سؤال قوله: " عرق " أي دم عرق، قوله: «وإذا أدبرت» المراد من الإدبار انقطاع الحيض وعلامة إدبار الحيض انقطاعه وحصوله في الطهر عندنا بالزمان والعادة وهو الفصل بينهما فإذا أظلت عادتها تحرت وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل وهو اليقين، وعند الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفصل فالأسود أقوى من الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر، والأصفر أقوى من الأكدر، إذا جعلا حيضا فتكون حائضا في أيام القوة مستحاضة في أيام الضعف. وحديث سعد بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فتوضأ فلقيته في مسجده فذكرت له ذلك، فقال: صدق أنا صببت وضوءه» رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسين المعلم أصح شيء في هذا الباب. وحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون دما سائلا» رواه الدارقطني. وحديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد سال من القيء دم الحديث لما أحدث يكفي الوضوء» رواه البزار في "مسنده"، وسكت عنه.
ولأن خرج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة وهذا القدر في الأصل وهو معقول والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على صلاته» رواه الدارقطني وأعله بعمر بن رياح، والترجيح معنا لوجوه أربعة: الأول: أنه أكبر الصحابة. الثاني: أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافية، والمثبت أولى بالقبول، الثالث: أن أخبارنا أكثر وأصح، وليس لهم خبر صحيح. الرابع: ما صرنا إليه أحوط في الدين في باب العبادة. م: (ولأن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة) ش: هذا جواب لقول الشافعي حيث قال: غسل غير موضع الإصابة تعبدي ليس بمعقول، وفيه إثبات لصفة النجاسة لما يخرج من غير السبيلين بطريق القياس، ومعنى قوله: يؤثر في زوال الطهارة ظاهر لأن النجاسة إذا وجدت في محل تنفي الطهارة عن ذلك المحل، وإذا زالت عنه توجد الطهارة فيه لأن بينهما منافاة، وقال تاج الشريعة: النجاسة معنى إذا اختص بمكان يوجب الإخلال بالتقرب إلى المعبود ويمنع كمال التعظيم في العبادة، والطهارة يعني إذا اختصت بمحل يوجب كمال التقرب به إلى المعبود، وتمام التعظيم في العبادة، والنجاسة ضد الطهارة ومن الضرورات بتحقق أحد الضدين انتفاء الضد الآخر. م: (وهذا القدر) ش: أي كون النجاسة تؤثر في زوال الطهارة م: (في الأصل وهو) ش: الخارج من السبيلين م: (معقول) ش: يعني يدركه العقل فيقاس عليه غيره، وهو الخارج من غير السبيلين م: (والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول) ش: لأنه غسل غير موضع الإصابة م: (لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول) ش: أي لكن الاقتصار على الأعضاء الأربعة يتعدى ضرورة تعدي المنصوص عليه وإن كان غير معقول إلى صورة النزاع حكما حتى يتعدى في ضمن الأول، وهو زوال الطهارة بخروج النجاسة. وتحقيق هذا الكلام أن نقول: نحن لا نتعدى الحكم المخالف للقياس ضرورة أن ههنا حكمين: أحدهما: ثبوت أحكام النجاسة، وهو المنع للصلاة ومن المضمضة وغيره أنه موافق للقياس لأنه محل تعظيم المعبود لأن القيام لعبادة الله ببدن نجس لا يكون مثل العبادة ببدن طاهر، والآخر الاقتصار على الأعضاء الأربعة وهو حكم مخالف القياس في الأصل، أعني السبيل فإذا تعدى الموافق للقياس تعدى إلى الفرع بصفة وأصل الحكم لما وافق القياس لا بد من تعديته لأنا أمرنا
غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير ـــــــــــــــــــــــــــــQبالقياس فإذا عدي لا سبيل أنه تعدى وحده لأنه خلاف وضع القياس، إذ القياس مثل تعدي الحكم الثابت في الأصل إلى الفرع وإذا كان الحكم في الأصل موصوفا بصفة لا يجوز تعديته بدونه فتعين أن يتعدى بصفته وإن كانت مخالفة للقياس، وهذا لأن الشيء إذا ثبت في ضمن غيره لا يعطى له حكم نفسه، وإنما يعطى له حكم التضمن كالوكالة الثابتة في ضمن الرهن فإنها تلزم والجندي يصير مقيما في المغازي بنية إقامة السلطان في السفر، وقال الأترازي: يعني قوله "لكنه" أي لكن الخارج من غير السبيلين يتعدى حكمه إلى غير موضع الإصابة ويثبت فيه ضرورة تعدي الأول وهو الخارج من السبيلين لأن شمول العلة تستلزم شمول الحكم، والمراد من الأول الخارج من السبيلين لأنه مذكور أولا وغير الخارج من السبيلين مذكور آخرا. فإن قلت: ما الأصل، وما الفرع، وما شروط القياس فإنا لم نعلم هذه من كلام المصنف قط. نقول: أولا القياس إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علته في الآخر، فالمذكور الأول هو الأصل والثاني هو الفرع، وشرطه أن لا يكون الأصل مخصوصا بحكم آخر كشهادة خزيمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأن لا يكون معدولا به عن القياس كبقاء الصيام مع الأكل ناسيا، وإن تعدى الشرع الثابت بالنص بعينه إلى فرع هو نظيره ولا نص فيه والأصل ههنا هو الخارج من السبيلين أعني الغائط والبول، والفرع هو الخارج من غير السبيلين، وعلماؤنا استنبطوا أن الخارج من السبيلين كان حدثا لكونه نجسا خارجا من بدن الإنسان من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) وهو نص من أنه معلول بذلك الوصف لظهور أثره في عين الحكم المعلل به، وهو انتقاض الطهارة بخروج دم الحيض والنفاس، ووجدوا مثل ذلك في الخارج من غير السبيلين فتعدى الحكم الأول إليه، وتعدى الحكم الثاني وهو الاقتصار على الأعضاء الأربعة أيضا ضرورة تعدي الأول لأنه لو لم يتعد إليه تغير حكم النص بالتعليل وذلك يفسد القياس. م: (غير أن الخروج إنما يتحقق بالسيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقول: إن الحكم في الفرع لا بد وأن يكون على وفق الحكم في الأصل كما عرف ثم في الأصل يستوي القليل والكثير ولا يستوي ذلك في الفرع، وتقدير الجواب أن المؤثر في نقض الطهارة إنما هو المخروج من الباطن إلى الظاهر، والخروج إنما يتحقق إذا وجد السيلان إلى موضع يلحقه حكم التطهير في البدن كله موضع النجاسة والرطوبات والدماء السائلة فإذا انقطعت البشرة كانت الدماء والرطوبات مادية لا خارجة بخلاف البول إذا ظهر على الإحليل ولم يسل لأنه وجد الخارج من الباطن إلى الظاهر لأن موضع تلك النجاسة هي المثانة لا الإحليل، والمراد من السيلان أن يعلو الشيء على رأس الجرح وينحدر.
وبملء الفم في القيء لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية لا خارجة بخلاف السبيلين؛ لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة فيستدل بالظهور على الانتقال والخروج ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وبملء الفم في القيء) ش: أي وغير أن الخروج يتحقق بملء الفم في القيء يعني إذا قاء ولم يكن ملء الفم لا ينتقض وضوؤه وإنما اشترط ذلك باعتبار أن الفم له شبهان شبه الداخل، وشبه الخارج فاعتبر الكثير خارجا، والقليل غير خارج عملا بشبهي الفم. فإن قلت: كان القياس أن لا يكون القيء حدثا لأن الحديث خارج بقوة نفسه، والقيء يخرج بقوة غيره فإن من طبع السليمة أن لا تسيل إلى فوق إلا بدافع يدفعها أو جاذب يجذبها كالدم الظاهر على رأس الجرح فمسحه بخرقة. قلت: ترك القياس بالآثار عند ملء الفم فبقي مأذونا على أصل القياس لأنه من القليل يكون فإن امتلأ معدته يعلو إلى حلقه إذا ركع فجعل عفوا م: (لأن بزوال القشرة تظهر النجاسة في محلها فتكون بادية) ش: أي ظاهرة م: (لا خارجة) ش: لأن حقيقة الخروج هو الانتقال من الباطن إلى الظاهر والنجس ما دام في محله لا يأخذ حكم النجاسة لعدم إمكان تطهيره فاشترط التجاوز إلى موضع آخر م: (بخلاف السبيلين لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة) ش: أي لأن موضع الطهر ليس محل النجاسة وهو الإحليل، وموضع النجاسة المثانة فبالظهور يعلم أنه قد انتقل عن محله إلى محل آخر وهو معنى قوله م: (ويستدل بالظهور على الانتقال والخروج) ش: بخلاف غير السبيلين فإنه لم يعلم مجبر والظهور والخروج لأن تحت كل جلد رطوبة ودما فلا ينتقض الطهارة ما لم يوجد السيلان الذي هو يحقق الخروج. فروع - تورم رأس الجرح فظهر به قيح أو نحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم وعن محمد لو صار أكبر من رأس الجرح نقض. والصحيح الأول ولو نزل الدم إلى ما لان من الأنف أو إلى صماخ الأذن نقض، وقال الحسن بن زياد: الماء والقيح والصديد طاهر بمنزلة الريق، والعرق، والدمع، والمخاط، والنخامة والبصق فلا ينقض الوضوء، والصحيح أن ذلك بمنزلة الدم لأنه دم رقيق لم يتم نضجه فكان لونه لون الماء وفي " المجتبى ": الدم، والقيح، والصديد، وماء الجرح، والسفطة، والبشرة، والقذي في العين والأذن كله سواء على الأصح، وهذا يدل على أن من رمدت عينه وسال منها الماء يجب الوضوء والناس عنها غافلون ويؤمر به لوقت كل صلاة لاحتمال أن يكون من جرح في الجفون. وعن الحسن أن ماء النفطة لا ينقض. قال الحلواني: وفيه توسعة لمن به جرب أو جدري أو حكة بيده، والدم إذا أخذ من غرز الإبرة أو قطع السكين أكثر من النقبة حديث على الأصح، وذكر الحسن فيه عن محمد أنه ينتقض وعن أبي يوسف أنه لا ينتقض وبه أخذ الزمخشري.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المحيط " مص القرادة عضوا فامتلأ إن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب والبعوض وإن كان كبيرا ينقض كما لو مصت العلقة، ولو سال من فمه ماء أصفر نقض ولو ظهر بول المجبوب إن كان يقدر على إمساكه متى شاء نقض وإلا لا ينقض إلا بالسيلان وفي " المحيط " توضأ فرأى بللا سائلا من ذكره أعاد وضوءه وإن لم يعلم ما هو مضى على صلاته لأنه من وساوس الشيطان وينضح فرجه بالماء لتحليله عليه وفي " الذخيرة " إذا تبين أن الخنثى رجل أو امرأة فالفرج أخر منه بمنزلة القرحة لا ينقض الخارج منه ما لم يسل. قال: وفي الكتاب قال أحب أن يعيد الوضوء وهو إشارة إلى أنه غير واجب وهو اختيار محمد بن إبراهيم الميداني وأكثر المشايخ على إيجابه، والدم المساوي للريق ينقض استحسانا كالغالب بخلاف الناقض ولو كان لون الريق أحمر نقض وإن كان أصفر لا ينتقض خرج من أذنه قيح أو صديد بدون الوجع لا ينتقض ومع الوجع ينقض لأنه دليل الجرح هكذا أفتى الحلواني. باشر امرأته من غير حائل فاشتد ذكره لها انتقض وضوؤه عندهما استحسانا خلافا لمحمد إلا بخروج شيء ولم يشترط في ظاهر الرواية مماسة الفرج بالفرج واشترط في رواية الحسن وهو الأظهر الدم السائل من الجرح إذا لم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير طاهر في الأظهر وهو قول أبي يوسف وبه أخذ الكرخي، وكذا كل ما لا ينقض الوضوء من القيء وغيره خلا دم الاستحاضة وبه كان يفتي أبو عبد الله القلانسي، ومحمد بن سلمة، وأبو نصر، وأبو القاسم، وأبو الليث. وعن محمد بن الحسن أنه نجس وبه كان يفتي أبو بكر الإسكاف، وأبو جعفر، وعلى الأول لو امتلأ الثوب منه لا يمنع جواز الصلاة كما يكون لأصحاب القروح يصيب ثيابهم مرة بعد مرة من غير تجاوز لمكان العذر ولا يمنع وإن كثر، روى ذلك بعض أصحابنا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكي عن أبي يوسف وعليه الفتوى، وفي " الينابيع " أقطر دهنا في إحليله ثم سال منه لا ينقض عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف ومحمد. أدخل الحقنة في دبره ثم أخرجها لا وضوء عليه مع أنه لا يخلو من خروج شيء معها من النجاسة، وكل شيء غيبه في دبره ثم أخرجه أو خرج بنفسه نقض وأفسد الصوم وإن دخل بعضه وطرفه خارج لا ينقض ولا يفسد الصوم عمم ولم يفسد ومراده غير الذكر أما إذا لم يكن عليه بلة وفي " قاضيخان " روايتان والصحيح إذا لم تغب فيه تعتبر البلة والرائحة فإنه ليس بداخل من كل وجه حتى لا يفسد صومه ولا ينقض الوضوء بنزول البول إلى قصبة الذكر وإلى القلفة ينقض. والريح الخارج من ذكر الرجل وقبل المرأة لا ينقض الوضوء. في " المحيط " هكذا حكاه الكرخي عن أصحابنا إلا أن يكون مفضاة وهي التي صار مسلك بولها ووطئها والتي صار مسلك الغائط والوطء منها واحد ولا يحل وطؤها إلا أن يعلم أنه لا
وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف لأنه يخرج ظاهرا فاعتبر خارجا ـــــــــــــــــــــــــــــQيجاوز قبلها فحينئذ يستحب لها الوضوء لاحتمال أنها خرجت من دبرها لا من قبلها، وفي " المفيد " و " الذخيرة " عن محمد أنه حدث من قبلها قياسا على دبرها وعن الكرخي أن الريح من الذكر لا ينقض وإنما هو اختلاج. وقال أبو حفص الكبير: يجب في المفضاة، وقيل إن كانت الريح منتنة يجب وإلا فلا، وفي " الذخيرة " والدودة الخارجة من قبل المرأة على هذه الأقوال وفي " القدوري " يوجب وفي الذكر لا ينتقض، وإن خرجت الدودة من الفم، أو الأنف، أو الأذن، لا تنقض، حشى إحليله بقطنة أو ربط الجراحة إن تعدى البلل إلى خارجها نقض وإلا فلا، وإن حشت المرأة بقطنة فابتل داخلها إن كانت على الشفرين نقض وإن كانت داخل الفرج فلا وضوء عليها، وإن أدخلت أصبعها في فرجها انتقض وضوؤها لأنها لا تخلو عن بلة ولو وصل المائع إلى الدماغ بالسعوط، أو الوجوز، أو الأقطار ثم خرج لا ينقض لأنه خرج من مكان طاهر. وعن أبي يوسف إن خرج من الفم نقض، ولو غرز إبرة في يده وظهر الدم أكثر من رأس الإبرة لم ينتقض، وكان محمد بن عبد الله يميل إلى القول بالنقض ويراد سائلا وكذا في " فتاوى النسفي " وإذا عصرت القرحة فخرج منها شيء كثير ولو لم يعصرها لا يخرج منها شيء ينقض وضوءه كذا في " مجموع النوازل "، وفيه أيضا جرح ليس فيه شيء من الدم والصديد فدخل الحمام أو الحوض فدخل الماء الجرح وسال منه الماء لا ينقض وذكر الإمام علاء الدين أن من أكل خبزا أو فاكهة ورأى أثر الدم فيه من أصول أسنانه ينبغي أن يضع إصبعه أو طرف كفه على ذلك الموضع فإن وجد فيه أثر الدم انتقض وضوؤه وإلا فلا. م: (وملء الفم أن يكون بحال لا يمكن ضبطه إلا بتكلف) ش: هذا التعريف عن رواية الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل حد ملء الفم أن يمنعه من الكلام، وقيل: أن يزيد على نصف وقيل: أن يعجز عن تغطية الفم، وقيل: ما جاوز الفم، وقيل ليس فيه حد مقرر بل هو مفوض إلى رأي المبتلى به إن كان يراه ملء الفم انتقضت طهارته وإن لم يره لا ينقض وهذا أشبه مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما لم يرد فيه من الشرع تقدير ظاهر وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني م: (لأنه) ش: أي لأنه ملء الفم وهذا دليل لقوله "وبملء الفم من القيء" وليس بدليل لقوله: وملء الفم لمن يكون بحال اه. حتى لا يقال التعرب لا يستدل عليها لأنه ما قبل تعريف ملء الفم م: (يخرج ظاهرا) ش: لأنه لا يقدر على ضبطه إلا بكلفة م: (فاعتبر خارجا) ش: فلا يكون تبعا لذلك بخلاف ما إذا قل فإنه تبع للريق فلا يقتضي وحاصل الكلام ههنا أن الفم تجارى فيه دليلان: أحدهما يقتضي كونه باطنا والآخر يقتضي كونه ظاهرا نظير ذلك في الصائم إذا أخذ الماء بفيه ثم مسحه لا يفسد صومه، وإذا
وقال زفر: قليل القيء وكثيره سواء، وكذا لا يشترط السيلان، اعتبارا بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «القلس حدث» ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا» ـــــــــــــــــــــــــــــQابتلع ريقه فكذلك، فورد على الدليلين حكمها، فقيل إذا كثير ينقض وإذا قل لا ينقض. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قليل القيء وكثيره سواء) ش: وبه قال الثوري والحسن البصري ومجاهد م: (وكذا لا يشترط السيلان) ش: أي في الخارج من غير السبيلين كالدم ونحوه م: (اعتبارا) ش: أي يعتبر اعتبارا وانتصابه بالمقدر م: (بالمخرج المعتاد ولإطلاق قوله «القلس حدث» ش: هذا قياس ظاهر لأنه لما كان الخارج من غير السبيلين حدثا بما دل عليه من الدليل، وجب أن يستوي فيه القليل والكثير. قال الأترازي والأكمل أيضا هذا الحديث رواه سوار بن مصعب عن زيد بن علي عن بعض آبائه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي، وهذا عجز منهما من ثلاثة أوجه: الأول: أن هذا أخرجه الدارقطني في "سننه " حيث لم يرجعا إليه. والثاني: غير الإسناد إلى زيد بن علي غير سوار بن مصعب وهو متروك. والقلس بفتح اللام وقيل بسكونها. قاله ابن الأثير واختلف فيه فقال المرغيناني القلس ما كان ملء الفم والقيء دونه، وقيل على العكس دل عليه قول محمد فإن قلس أقل من ملء الفم وقول مجاهد وطاووس لا وضوء في القلس حتى يكون القيء. ذكره النسائي وفي " المغرب " القلس ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء فإن عاد فهو القيء. وقلس الكأس إذا قذف بالشراب لشدة الامتلاء. وقال خواهر زاده: القلس ما يخرج من المعدة عند غثيان النفس واضطرابها والقيء ما يخرج منها عند سكون وقرار، فكان في القلس زيادة شدة ليست في القيء. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون سائلا» ش: رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طريقين كلاهما ضعيف، لأن في أحدهما محمد بن الفضل وفي الأخرى حجاج بن نصير وهما ضعيفان، والقطرة والقطرتان عبار عن قلة الدم، وسماه قطرة لأنه لم يوجد السيلان والدليل على ذلك قوله: «إلا أن يكون سائلا» فإن كان السيلان سابقا على حال القطر، فإن زاد السيلان بازدياد الدم واجتمع في موضع لو حصل له صلاحية ازدياد السيلان يحصل القطرة، فإذا كان كذلك لو كانت القطرة على حقيقتها لا يصح استثناء حالة السيلان منها، لأن استثناء الشيء بمنزله غايته، فلا يجوز تقديم الغاية على المغيا لأن
وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين عد الأحداث جملة أو دسعة تملأ الفم ـــــــــــــــــــــــــــــQالغاية تعقب المغيا أبدا، فكذلك حالة القطرة تعقب حالة السيلان على ما ذكرنا، ولا يجوز أن تعقب حالة السيلان حالة القطرة كذلك وهذا كما إذا قال الرجل لامرأته وهي خارجة الدار إذا قعدت وسط الدار فأنت طالق إلا إذا دخلت تلك الدار أو دخلت فإنه لا يصح لأن حال الدخول سابقة على حال القعود، نظيره ليس في اللقمة واللقمتين من أكل الجزء، واختيار قطع الصلاة إلا أن يكون المصلي أدخله في فيه لا يصح. وحاصل معنى الحديث ليس في القطرة والقطرتين بالقود من الدم وضوء لكن إذا سال الدم ففيه الوضوء. وفي " المغني " لا وضوء في الدم القليل لكن في الكثير وضوء وهو السليل فالاستثناء منقطع، لأن حقيقته ليست بمرادة لحصولها بعد السيلان، والمجاز وهو القليل لا يتناول السائل فلا يكون متصلا، ولا يجوز أن يكون المراد قطر الدم من رأس الجرح من غير أن يسيل فإنه قول خارق للإجماع لعدم القائل بالفصل فلا يصح، لأن كل من قال بانتقاض الطهارة بالسيلان، فقائل بانتقاضها في هذه الصورة ومن قال بعدم الانتقاض مطلقا لا يقول بالانتقاض في هذه الصورة، فالقول بالتناقض بالسيلان وبعدم الانتقاض بالقطر قول لم يقل به أحد. م: (وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين عد الأحداث جملة أو وسعة تملأ الفم) ش: هذا غريب لم يثبت عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والعجب من الأكمل قال: الظاهر أنه قاله سماعا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا بعد ثبوته عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأعجب من هذا قول الأترازي أورده [......] أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عد الأحداث وقال: يعاد الوضوء من كذا ثم قال: أو وسعة تملأ الفم، ولم يقف على أصل الأثر كيف لفظه: ولا وقف على صحته، ولا عرف هل هو موقوف، أم مرفوع حتى يصرف فيه من عنده، ثم قال وذكر الناطقي في الأجناس وقال، روى زيد بن ثابت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «يعاد الوضوء من سبع: من نوم غالب، والقيء، وغائط، وبول، ودسعة تملأ الفم، ودم سائل، والقهقهة في الصلاة» الحديث. قال "صاحب الدراية " روى البيهقي و "صاحب المحيط " عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «يعاد الوضوء ... » إلى آخره، نحوه وليس فيه والحدث. وذكر السروجي في شرحه كما ذكره صاحب " الدراية " وقال في آخره لا يصح وكلهم أظهروا العجز في ذلك والحديث أخرجه البيهقي في " الخلافيات " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يعاد الوضوء في سبع: من إقطار البول، والدم السائل، والقيء، ومن وسعة تملأ الفم، ونوم المضطجع، وقهقهة الرجل في الصلاة، وخروج الدم» فأضعفه فإن فيه سهل بن عفان والجارود بن
وإذا تعارضت الأخبار، يحمل ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على القليل، وما رواه زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الكثير، والفرق بين المسلكين ما قدمناه، ولو قاء متفرقا بحيث لو جمع يملأ الفم، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر اتحاد المجلس، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر اتحاد السبب وهو الغثيان، ـــــــــــــــــــــــــــــQزيد وهما ضعيفان. وقال ابن الأثير في "النهاية ": الوسيع الدفع، ثم قال: ومنه حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذكر ما يوجب الوضوء، وقال: ووسعة تملأ الفم يريد الدفع الواحدة من القيء. وجعله الزمخشري حديثا عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال: هي من ريع السرمومة إذا نزعها من كرشه وألقاها إلى فيه. م: (وإذا تعارضت الأخبار، فيحمل ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على القليل وما رواه زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الكثير) ش: وهذا إلى أن الأصل في تعارض الأخبار التوفيق، لأن الأصل في الأدلة الإعمال دون الإهمال. وههنا تعارض ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما رواه من «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فلم يتوضأ» . وما رواه - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «القلس حدث» . والعمل بهما ممكن فيحمل ما رواه الشافعي على القليل وما رواه زفر على الكثير، وذلك لأن القيء ملء الفم من كثرة الأكل. ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عن ذلك بمعزل، والقياس مصدر قلس إذا قاء ملء الفم، كذا في الأسامي، ولأن ما رواه الشافعي إن صح فهو حكاية حال فلا عموم له أو أنه لم يتوضأ عن القيء في فوره ذلك. م: (والفرق بين المسلكين ما قدمناه) ش: أي الفرق بين المخرج المعتاد وغيره وهو جواب لزفر عن اعتباره غير المعتاد بالمعتاد، وقال صاحب " الدراية " أراد بالمسلكين السبيلين وغيرهما أو الفم أو السبيل. قال السغناقي: والفرق بين المسلكين أي: بين الفم والسبيلين ويروى والفرق بين المسألتين قوله ما قدمناه يعني في مسألة الدم من كون القليل ناقضا في السبيلين غير ناقض في غير السبيلين أو عند قوله: غير أن الخروج إلى آخره. م: (ولو قاء متفرقا) ش: أي قيئا متفرقا. وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف م: (بحيث لو جمع) ش: أي القيء. فإن قلت: القيء لم يذكر، قلت: دل عليه قوله قاء م: (يملأ الفم) ش: جواب لو. م: (فعند أبي يوسف يعتبر اتحاد المجلس) ش: أي: مجلس القيء، لأن للمجلس أثرا في جمع المتفرقات، وكذا التلاوات المتعددة للسجدة متحد باتحاد المجلس. م: (وعند محمد: اتحاد السبب) ش: أي: ويعتبر عند محمد اتحاد السبب في القيء المتفرق م: (وهو) ش: أي السبب م: (الغثيان) ش: وهو مصدر غثت نفسه إذا جاءت. وقال الجوهري:
ثم ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا يروى ذلك عن أبي يوسف وهو الصحيح، لأنه ليس بنجس حكما حيث لم تنتقض به الطهارة ـــــــــــــــــــــــــــــQالغثيان خبث النفس وتدعت نفسه عينا وعناة وأما عل سبيل المرتع [......] عزا إذا جمع بعضه إلى بعض، ومنه الغثاء بالضم والمد وهو ما يحمل السيل من العمامين، وقال محمد: لأن الحكم يثبت على حسب ثبوت السبب من الصحة والفساد فيتحد باتحاده، ألا ترى أنه إذا جرح جراحات ومات منها قبل البرء يتحد الموجب، وإن تخلل البرء اختلف ويعتبر الاتحاد في الغثيان، وإن بقي ثانيا قبل سكون النفس عن الغثيان الأول فإن سكنت ثم قاء فهو حدث جديد، وقيل: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أصح ثم المسألة على أربعة أوجه: إما أن يتحد السبب في المجلس، أو يتعدد، أو يتحد الأول دون الثاني، أو على العكس. ففي الأول: يجمع اتفاقا، وفي الثاني: لا يجمع اتفاقا، وفي الثالث: يجمع عند الثالث، وفي الرابع: يجمع عند الثاني. م: (ثم ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا) ش: الذي لا يكون حدثا هو القليل من القيء وغير السائل من الدم لا يكون نجسا، ألا ترى أنه لا تنقض به الطهارة فيكون طاهرا م: (يروى ذلك عن أبي يوسف) ش: وبه أخذ الكرخي وفي " جامع الكردري " هو مروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأمر به أبو عبد الله الغساني ومحمد بن سلمة وأبو نصر وأبو القاسم وأبو الليث. م: (وهو الصحيح) ش: أي ما روي عن أبي يوسف هو الصحيح، وهو اختيار المصنف أيضا. واحترز به عن قول محمد فإنه نجس عنده، واختاره بعض المشايخ احتياطا، وأفتى به أبو بكر الإسكاف، وأبو جعفر. وفائدة الخلاف تظهر فيما أخذه بقطنة وألقاه في الماء لا ينجس الماء عند أبي يوسف أرفق خصوصا في مثل أصحاب القروح والجدري، حتى لو أصاب الثوب منه كثير لا يمنع جواز الصلاة. م: (لأنه) ش: تعليل وجه الصحة أي لأن ما لا يكون حدثا م: (ليس بنجس حكما) ش: أي من حيث الحكم الشرعي م: (حيث لم تنتقض به الطهارة) ش: معناه أن الخارج النجس من بدن الإنسان، أي يستلزم كونه حدثا معه انتفى اللازم، وانتفاؤه يستلزم انتفاء الملزوم قيل: فيه مصادرة على المطلوب، بناء على أن معنى كلامه ليس كذلك بل معناه ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا، لأن ما لا يكون حدثا ليس بنجس حكما لأن حكمه بالنجاسة يستلزم كونه حدثا، وليس بحدث؛ لما دل عليه من الدليل، فلا يكون نجسا. فإن قلت: ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا ينعكس بأن يقال: ما يكون حدثا يكون نجسا. قلت: لا ينعكس فإن النوم والإغماء والجنون أحداث وليست بنجسة. فإن قلت: يرد عليك دم الاستحاضة، والجرح السائل فإنه ليس بحدث، قلت: بل هو حدث لكن لا يظهر أثره حتى يخرج الوقت.
وهذا إذا قاء مرة أو طعاما أو ماء، فإن قاء بلغما فغير ناقض عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقض إذا قاء ملء الفم. والخلاف في المرتقي من الجوف، أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق، لأن الرأس ليس بموضع النجاسة لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس بالمجاوزة، ولهما أنه لزج لا تتخلله النجاسة وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: كيف يجوز الاستدلال بعدم نقض الطهارة على عدم النجاسة لأن عدم النقض يجوز أن يكون انتفاؤه لكونه غير خارج دون انتفاء الوصف الآخر. قلت: غير الخارج لا يعطى له حكم النجاسة لكونها في محلها فإن من صلى، وهو حامل حيوانا غير نجس أو حامل بيضة حال محها، وما جازت صلاته فكان انتفاء الخروج مستلزما لانتفاء النجاسة. م: (هذا) ش: إشارة إلى القيء ملء الفم م: (إذا قاء مرة) ش: بكسر الميم وتشديد الراء. قال الجوهري: المرة إحدى الطبائع الأربع، وقال: المراواة التي فيها المراة والمرة القوة أيضا. قلت: المراد بها الصفراء وهي إحدى الطبائع م: (أو طعاما) ش: أي: أو قاء طعاما م: (أو ماء) ش: أي: قاء ماء فإن هذه الأشياء ربما تنقض الطهارة إذا كانت ملء الفم. م: (فإن قاء بلغما فغير ناقض) ش: للوضوء م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: إذا كان بلغما صرفا لا يشوبه طعام، ولم يذكر ما إذا اختلط بالطعام، قالوا: تعتبر فيه الغلبة فإن كان الطعام غالبا ينقض وإلا فلا. م: (وقال أبو يوسف ناقض إذا كان ملء الفم والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين الثلاثة م: (في المرتقي) ش: أي الصاعد م: (من الجوف) ش: أي المعدة م: (أما النازل من الرأس فغير ناقض بالاتفاق لأن الرأس ليس بموضع النجاسة) ش: فالنازل منها رطوبة تنزل إلى أعلى الحلق فيرق فيصير بزاقا، وإذا استقر في أسفل الحلق يتخفف فيصير بلغما م: (لأبي يوسف أنه) ش: أي البلغم المرتقي من الجوف م: (ينجس بالمجاوزة) ش: أي مجاوزة ما في المعدة من النجاسة، وقد خرج إلى موضع يلحقه حكم التطهير، فيكون ناقضا للوضوء. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي البلغم المرتقي من الجوف م: (لزج) ش: أي لصق. وهو بفتح اللام وكسر الزاي المعجمة م: (لا تتخلله النجاسة) ش: أي لا يتداخله النجاسة ولا يدخل في أجزائه م: (وما يتصل به قليل والقليل في القيء غير ناقض) ش: لأنه لا يحتمل السيلان، والسيلان في غير السبيلين أقيم مقام الخروج ولم يوجده.
ولو قاء دما وهو علق يعتبر فيه ملء الفم، لأنه سوداء محترقة، وإن كان مائعا فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بسائر أنواعه، وعندهما إن سال بقوة نفسه ينقض الوضوء، وإن كان قليلا؛ لأن المعدة ليست بمحل الدم فيكون من قرحة في الجوف. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قيل: ينتقض هذا ببلغم يقع في النجاسة، ثم يرفع عنها يحكم بنجاسته. أجيب بأنه لا رواية في هذه المسألة، ولئن سلم فالفرق بينهما أن البلغم ما دام في البطن يزداد ثخانة فيزداد لزوجة، فإذا انفصل عن الباطن ثقل ثخانته فتقل لزوجته، فإذا قلت لزوجته ازدادت رقته، فجاز أن يقبل النجاسة. وكان الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يميل إلى قول أبي يوسف حتى روي عنه أنه يكره أن يأخذ الإنسان بلغمه بطرف ردائه ويصلي به، كذا في " الفوائد الظهيرية ". وفي " جامع المحبوبي " هذا الاختلاف راجع إلى اختلافهم في أن البلغم طاهر أو نجس، فعند أبي يوسف نجس وعندهما لا. م: (ولو قاء دما وهو علق) ش: أي والحال أنه علق بفتح العين واللام وهو المتجمدة. م: (يعتبر فيه ملء الفم) ش: حتى إذا لم يكن ملء الفم لا ينقض م: (لأنه) ش: أي: لأن الدم العلق سوداء محترقة وليس بدم على الحقيقة. فإن قلت: ما موصوف السواد فإنها صفة لا بد لها من موصوف. قلت: موصوفها المرة أي: مرة سوداء احترقت من شدتها، والسوداء المحترقة تخرج من المعدة وما يخرج منها لا يكون حدثا ما لم يكن ملء الفم م: (وإن كان) ش: أي: الدم م: (مانعا فكذلك) ش: أي فكان الحكم المذكور يعتبر فيه ملء الفم م: (عند محمد اعتبارا) ش: أي اعتبر محمد اعتبارا م: (بسائر أنواعه) ش: أي بسائر أنواع القيء وهي خمسة: الطعام، والماء، والمرة، والصفراء، والسوداء. كذا قال الأكمل أخذه من " الدراية "، وصاحب " الدراية " أخذه من المحبوبي وفيه نظر لأن المرة هي الصفراء كما ذكرنا، وهي السوداء أيضا، ولذلك قالت الأطباء الأخلاط أربعة: الدم، والمرة السوداء، والمرة الصفراء، والبلغم فطبع الأول حار رطب، والثاني بارد يابس، والثالث حار يابس، والرابع بارد رطب. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف (إن سال بقوة نفسه ينتقض الوضوء وإن كان قليلا) ش: الاعتبار عندهما بالسيلان بقوة نفسه، لا بقوة المزاج م: (لأن المعدة ليست بمحل للدم) ش: يعني أنها ليست من مظان الدم ومواضعه م: (فتكون من قرحة في الجوف) ش: فالمعتبر هناك السيلان فكذلك هناك. فإن قلت: لم اختص هذا الحكم بما يخرج من المعدة فينبغي أن يكون عاما ولا ينتقض الوضوء
[النوم من نواقض الوضوء]
ولو نزل من الرأس إلى ما لان من الأنف نقض الوضوء بالاتفاق، لوصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير فيتحقق الخروج. والنوم مضطجعا ـــــــــــــــــــــــــــــQبخروج دم من قرحة في الفم ما لم يملأ الفم كالقيء، قلت: إنما اختص بالقيء لأن النص متعارض فيه، فإنه روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء ولم يتوضأ» وروى الترمذي من حديث حسين المعلم عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاء فتوضأ» . والمفهوم من الإطلاق الوضوء الشرعي لا غسل الفم منه لأن ذلك يسمى مضمضة. وروي أنه قال: «القلس حدث» . فعرفنا بذلك بأن الفم حكم الباطن في قليل القيء، وحكم الظاهر في كثيره، فأما في حق الدم، فلم يوجد دليل يدل على ذلك بل دل فيه على أن المعتبر فيه التجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير. فإن قلت: ما تقول في ماء فم النائم. قلت: النازل من الرأس أو المتخف من اللهوات طاهر، والصاعد من الجوف فإن كان أصفر أو منتنا كالقيء، وعن أبي الليث هو كالبلغم، وقيل: نجس عند أبي يوسف خلافا لمحمد. وعن أبي حنيفة إن قاء طعاما أو ماء أصاب إنسانا قيء يسير لا يمنع. قال الحسن: الأصح أنه لا يمنع ما لم يفحش وفي " القنية ": قاء دودا كبيرا لا ينقض وكذا لو قاء حية ملأت فاه. م: (ولو نزل من الرأس إلى ما لان من الأنف) ش: أي الذي لان من الأنف وهو المازن. م: (نقض الوضوء بالاتفاق لوصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير فيتحقق الخروج) ش: لأن هذا الموضع له حكم الظاهر في الشرع، ولهذا يخاطب بتطهيره في بعض الأحوال فصار النازل اليسير خارجا فيكون ناقضا، بخلاف ما إذا نزل البول إلى قصبة الذكر لأنه ليس له حكم الظاهر، ولهذا لم يخاطب بتطهيره. فإن قلت: أليس هذا المكرر لأنه قد علم من قوله في أول الفصل والدم والقيح إذا خرجا من البدن. قلت: إنما ذكره ههنا بيانا لاتفاق أصحابنا، لأن عند زفر إذا وصل الدم إلى قصبة الأنف لا ينقض، وإنما ينقض إذا وصل إلى ما لان وإليه أشار المصنف بقوله بالاتفاق. [النوم من نواقض الوضوء] م: (والنوم مضطجعا) ش: برفع النوم عطفا على قوله: والقيء ملء الفم، أي: ومن نواقض الوضوء النوم مضطجعا، ولما فرغ من نواقض الوضوء بما خرج من البدن حقيقة كالبول والغائط، والدم، والقيح، والقيء شرع فيما ينقضه أيضا حكما كالنوم. ثم الأنف واللام في النوم بدل من المضاف إليه تقديره ونوم المتوضئ، وانتصاب مضطجعا على أنه حال منه، والاضطجاع أن يضع
أو متكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط، لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة والثابت عادة كالمتيقن به، والاتكاء يزيل مسكة اليقظة لزوال المقعد عن الأرض وبلغ الاسترخاء في النوم غايته بهذا النوع من الاستناد غير أن السند يمنعه من السقوط. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنائم جنبه على الأرض، م: (أو متكئا) ش: أي وحال كونه متكئا على أحد وركيه، والاتكاء افتعال من وكا معتل العين مهموز اللام. ولما نقل من وكا إلى باب الافتعال صار أوتكا ثم أبدلت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء وصار اتكا والمتكئ فاعل فيه وأصله المتوكئ م: (أو مستندا) ش: أي حال كونه مستندا م: (إلى شيء) ش: كجدار وعامود ونحوهما م: (لو أزيل عنه لسقط) ش: وهذا القياس ليس من رواية " المبسوط "، وإنما هو مما اختاره الطحاوي م: (لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى) ش: أي فلا يخلو م: (عن خروج شيء) ش: أي الريح م: (عادة) ش: أي من عادة النائم المضطجع م: (والثابت بالعادة كالمتيقن به) ش: ألا ترى من دخل المستراح ثم شك في وضوئه فإنه يحكم بنقض وضوئه، لأن العادة جرت عند الدخول في الخلاء بالتبرز بخلاف ما إذا شك بدون الدخول. م: (والاتكاء يزيل مسكة اليقظة) ش: أي التماسك الذي يكون لليقظان والمسكة بالضم اسم، قال الجوهري: عن أبي زيد، يقال فيه: مسكة من خير بالضم أي بقية، والمسكة أيضا من السير الصلبة التي لا تحتاج إلى طي، واليقظة بفتح الياء، وفتح القاف أيضا من استيقظ فهو يقظان. وفي دستور اللغة يقال: يقظ من باب علم يعلم، فعلى هذا هو مصدر. وقال الصاغاني في " العتابي ": يقظ بالكسر أي استيقظ يقظا، ويقظة بالتحريك فيهما، فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما وجه إضافة المسكة إلى اليقظة سواء كان مصدرا أو اسما، قلت: هذا إسناد مجازي، والمراد مسكة صاحب اليقظة، والمعنى أن الاتكاء يزيل مسكة اليقظان حال قوي أن يزيل مسكة النائم، ولهذا علل المصنف بشيئين الأول أشار إليه بقوله: (لزوال المقعد عن الأرض) ش: لأن مقعده إذا زال عن الأرض لا يؤمن عن خروج شيء. والثاني: أشار إليه بقوله: (وبلغ الاسترخاء غايته لهذا النوع من الاستناد) ش: أراد بهذا النوع الاتكاء م: (غير أن السند يمنعه من السقوط) ش: جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: لا نسلم أن الاسترخاء يبلغ غايته إذ لو كان كذلك سقط فلما لم يسقط علم أنه لم يبلغ غايته، فأجاب عنه بالسنة تمنعه من أن يسقط فلولا هو لسقط. واعلم أن النائم له ثلاث عشرة حالة: نوم المضطجع، والمتورك والمتكئ وهو ناقض، والقاعد، والمتربع، والماد رجليه، والمنحني، والمقعي شبه الكلب، والراكب، والماشي، والقائم، والراكع، والساجد، وهو ليس بناقض، والمستند وهو ناقض على ما ذكره الطحاوي أنه لو نام
بخلاف حالة القيام، والقعود، والركوع، والسجود في الصلاة وغيرها هو الصحيح لأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء. والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء على من نام قائما، أو قاعدا، أو ساجدا، إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله» . ـــــــــــــــــــــــــــــQمستندا إلى شيء أو متكئا على يديه ولو كان بحال لو زال السند أو ما اتكأ عليه لسقط فكان حدثا وإلا لا، واختاره القدوري وصاحب " الهداية " وبه أخذ كثير من المشايخ. ولكن روى خلف عن أبي يوسف أنه سأل أبا حنيفة عمن استند إلى شيء فنام فقال: إذا كانت إليته مستوثقة من الأرض فلا وضوء عليه، كيف ما كان، وبه أخذ عامة المشايخ، وهو الأصح. ذكره في " البدائع " و " المحيط " وفي " الكافي "، وهو ظاهر المذهب في " الذخيرة " أن النوم مضطجعا إنما يكون حدثا إذا كان اضطجاعه على غيره وأما إذا كان على نفسه لا يكون لو نام واضعا إليته شبه على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينقض الوضوء. وعن محمد من نام متكئا لا ينقض وضوؤه. وقال أبو يوسف: اضطجاعه على غيره ونفسه سواء في انتقاض الوضوء ونوم المريض المضطجع في الصلاة ينقض الوضوء في الصحيح. وقال أبو يوسف: لا وضوء عليه وهو الأصح. ولو نام خارج الصلاة على هيئة المصلي فيه اختلاف المشايخ. م: (بخلاف حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة) ش: يعني لا ينقض النوم الوضوء في هذه الحالات، إذا كان على هيئة سجود الصلاة من تجافي البطن عن الفخذ وعدم افتراش الذراعين، فإذا كان بخلافه ينقض م: (وغيرها) ش: أي وغير الصلاة م: (وهو الصحيح) ش: يعني كون ذلك في الصلاة وغير الصلاة هو الصحيح وظاهر الرواية، واحترز بذلك عما ذكره ابن شجاع أنه ناقض للوضوء في غير الصلاة م: (لأن بعض الاستمساك باق) ش: وقدر ما بقي من الاستمساك يمنع الخروج م: (إذ لو زال) ش: أي الاستمساك م: (لسقط فلم يتم الاسترخاء) ش: وإذا لم يكن النوم في هذه الأحوال سببا لخروج شيء عادة فلا يقام مقامه، لأن السبب إنما يقام مقام السبب إذا كان غالب الوجود بذلك السبب، أما إذا لم يغلب فلا لأنه حينئذ يقع الشك في وجود الحدث، والوضوء كان ثابتا بيقين فلا يزال بالشك. م: (والأصل فيه) ش: أي في كون النوم غير ناقض في هذه الأحوال م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا وضوء على من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب. وإنما رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولفظه: «إن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» . ورواه أحمد في "مسنده "، الطبراني في "معجمه " وابن أبي شيبة في "مصنفه " والدارقطني في "سننه "، ورواه البيهقي في "سننه "، ولفظه: «لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» . ورواه عبد الله بن أحمد في "زياداته " ولفظه: «ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع» ، وصاحب " الهداية " لم يتعرض إلى هذا الحديث أصلا، وإنما احتج به وسكت. وقال أبو داود: قوله في الحديث: «على من نام مضطجعا» وهو حديث منكر لا يرويه إلا أبو خالد الدالاني عن قتادة. وقال الدارقطني: تفرد به أبو خالد الدالاني ولا يصح. وقال ابن حبان: كان يزيد الدالاني كثير الخطأ فاحش الوهم، لا يجوز الاحتجاج به إلا إذا وافق الثقات، فكيف إذا تفرد عنهم بالمعضلات. وقال الترمذي في " العلل الكبير ": سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: لا شيء. وقال البيهقي في "السنن ": أنكره عليه جميع الحفاظ وأنكروا سماعه عن قتادة. وقال في " الخلافيات ": أنكر عليه جميع أئمة الحديث. قلت: أبو داود كيف يقول إنه حديث منكر، وقد استدل ابن جرير الطبري على أنه لا وضوء إلا من نوم اضطجاع وصحح هذا الحديث، وقال: الدالاني لا يرفع إلا عن العدالة والأمانة والأدلة تدل على صحة خبره. وقول الدارقطني: تفرد به أبو خالد الدالاني ولا يصح غير صحيح، وقد تابعه فيه مهدي بن هلال عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وضع جنبه فليتوضأ» . وأخرجه ابن عدي عنه حدثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على من نام قاعدا أو قائما وضوء حتى يضطجع جنبه إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأرض» . وأخرج ابن عدي أيضا ثم البيهقي من جهته عن بحر بن كنيز عن ميمون الخياط عن ابن عباس عن «حذيفة اليماني قال: كنت في مسجد المدينة جالسا فاحتضنني رجل من خلفي فالتفت فإذا أنا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: يا رسول الله هل وجب علي وضوء. قال: "لا حتى تضع جنبك» . قال البيهقي تفرد به بحر بن كنيز السقا وهو ضعيف لا يحتج بروايته. وقول ابن حبان: كان بحر إلى آخره يرده ما قاله يحيى بن معين وأحمد والنسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم صدوق ثقة، وروى عنه سفيان الثوري، وسعيد، وزهير بن معاية وغيرهم. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، ويروي الناس عنه وروى عنه عبد السلام بن حرب. وقال الأكمل: فإن قيل هذا الحديث غير صحيح لأن مداره على أبي العالية وهو ضعيف عند الثقة روى ابن سيرين أنه قال: حدث عمن شئت إلا عن أبي العالية فإنه لا يبالي عمن أخذ، أي لا يبالي أن يروي عن كل أحد. أجيب بأن أبا العالية ثقة نقل عنه الثقات كالحسن وإبراهيم النخعي والشعبي، وكونه لا يبالي عمن أخذ، يؤثر في مراسيله دون مسانيده، وقد أسند هذا الحديث إلى ابن عباس، قلت: من العجب أن الأكمل كيف رفع رأسه لبيان حال الحديث ومع هذا قال في الحديث الذي ذكره المصنف: رواه الترمذي مسندا إلى ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس الحديث كذلك عند الترمذي، فقد ذكرنا وقوله لأن مداره على أبي العالية ليس كذلك وإنما مداره على يزيد الدالاني وعليه اختلف في ألفاظه ومع هذا كله ليس من عنده، وإنما نقله من تاج الشريعة برمته، ثم وجه الاستدلال بهذا الحديث من وجوه: الأول: نفي الوضوء عمن نام قائما أو راكعا. الثاني: فيه الحصر بإنما فيمن نام مضطجعا. فإن قلت: لا حصر ههنا لأن الوضوء لم ينحصر على من نام مضطجعا، بل هو واجب على المستند والمتكئ كما مر. قلت: لا نسلم أن إنما ههنا للحصر بل هو لتأيد الإثبات، ولئن سلمنا أنه للحصر فإنه حصر انتقاض الوضوء المتعلق بصفة الاضطجاع فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علل باسترخاء المفاصل، وإنما وجب على المتكئ والمستند بدلالة النص لاستوائهما في المنصوص في المعنى وهو الاسترخاء قال صاحب " الدراية ": هذا نقل عن مولانا حميد الدين، وقال فخر الدين الرازي: إنما يحصر الشيء في الحكم. وينحصر الحكم في الشيء لأن إن للإثبات وما للنفي فيقتضي إثبات المذكور ونفي ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعداه. واعترض عليه بأن ما في إنما كافة عند النحاة وليست بنافية لأنها قسيمة، وقسيم الشيء لا يكون عينه ولا قسيمه، وبأن دخول إن على ما النافية لا يستقيم لأن كلا منهما له صدر الكلام فلا يجمع بينهما. والوجه الثالث: الحديث معلل وهو قوله: «فإنه إذا نام استرخت مفاصله» فإنه يدل على عدم الوجوب على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا لعدم الاسترخاء، وعلى وجوبه على المضطجع ومن هو بمعناه لوجوده فيه، قال الأكمل: قيل معنى قوله: استرخت مفاصله يبلغ الاسترخاء غايته لأن الأصل الاسترخاء فيمن نام قائما فحينئذ ناقض أول الحديث آخره. قلت: نقل هذا الكلام عن قائله المجهول ولكنه ما بينه كما ينبغي وتحقيقه. أما تفسير قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإنه إذا نام استرخت مفاصله» لأنه يبلغ الاسترخاء غايته بهذا النوع من الإسناد ولو لم يفسر الذي في الحديث بالاسترخاء النائم يلزم التناقض بين أول الحديث وآخره، لأن أصل الاسترخاء يوجد من النوم حالة القعود والركوع والسجود فإذا فسرنا الاسترخاء بالنوم في الحديث، وبأن المراد ليس الاسترخاء الناقض ولا هو علة فيه يندفع التعارض فافهم. فروع: ذكر " المبسوط " في سجود المرأة والرجل إذا ألصق بطنه بفخذه اختلاف المشايخ، والجالس إذا نام وسقط على الأرض أو عضو منه فانتبه، ذكر في " البحر المحيط " ظاهر الجواب عند أبي حنيفة أنه إن انتبه قبل أن يزايل مقعد الأرض لا ينقض. وروى الحسن عنه أنه إن انتبه حتى يضع جنبه على الأرض لا ينتقض. وعند أبي يوسف: لا ينقض يعني مستقرا قاعدا عليها بعد السقوط. وذكر السرخسي خلافه فقال: إن نام قاعدا فسقط، فعند أبي حنيفة إن انتبه قبل أن يصل جنبه إلى الأرض لا ينقض، وعن أبي يوسف ينقض حين سقط. وعن محمد إن زايل مقعده الأرض ينقض وعنه إن استيقظ حال ما سقط لا ينقض، وعند السقوط لو وضع يده على الأرض لا ينقض، ويستوي فيه الكف وظهر الكف، وأما في أمالي " قاضيخان " نام جالسا وهو متمايل فزال مقعده عنها، قال: قال الحلواني: ظاهر المذهب أنه ليس بحدث والنوم متوركا كالنوم جالسا مضطجعا، ولو كان متكئا على ركبتيه لا ينقض، ولو كان مربق ورأسه على فخذيه ينقض وذكر الحلواني ولا ذكر للنعاس مضطجعا والظاهر أنه ليس بحدث لأنه نوم قليل. وقال أبو علي الرازي وأبو علي الدقاق: إن كان لا يفهم عامة ما قيل حوله كان حدثا، وإن كان يفهم حرفا أو حرفين فلا. وسجدة التلاوة كالصلاتية وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبي حنيفة، وفي النوم في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسجود السهو اختلاف المشايخ فيه. ولو نام في سجوده معتمدا انتقض وضوؤه عند أبي يوسف، وقال: وضوؤه باق لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا نام العبد في السجود يباهي الله تعالى به ملائكته فيقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي» . فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟ قلت: قال في " الأسرار ": وهو من المشاهير. وقال في " البدائع " وفي المشهور من الأخبار ورد ذلك. وقال السروجي وكتب أصحابنا مشحونة به، وما وقعت له على أصل. قلت: الكلام في صحته وكونه من المشاهير زيادة درجة ويرد قول السروجي ما رواه البيهقي في "الخلافيات " من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن في إسناده داود بن الزبير فإنه ضعيف، وروي من وجه آخر عن أبان عن أنس، وأبان متروك. ورواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " من حديث المبارك بن فضالة. وذكره الدارقطني في " العلل " من حديث عبادة بن راشد كلاهما عن الحسن عن أبي هريرة بلفظ: «إذا نام وهو ساجد يقول الله: انظروا إلى عبدي» قال وقيل عن الحسن تلقاه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: والحسن لم يسمع من أبي هريرة، ومرسل الحسن أخرجه أحمد في الزهد، ولفظه: «إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة، يقول: انظروا إلى روحه عندي وهو ساجد» وروى ابن شاهين عن أبي سعيد بمعناه وإسناده ضعيف. فائدة: نوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بحدث، وروى محمد عن أبي حنيفة بإسناده إلى «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نام على جنبه وصلى بغير وضوء، وقال: "تنام عيني ولا ينام قلبي» وهو من خصائصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال النووي: من خصائصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا للأحاديث الصحيحة ثم صلى ولم يتوضأ، وقال: «إن عيني تنام، ولا ينام قلبي» ومنها حديث «ابن عباس قال: نمت عند خالتي ميمونة الحديث وفيه: "فنام حتى أتاه بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فآذنه بالصلاة فقام وصلى ولم يتوضأ» رواه البخاري في الدعوات، ومسلم في التهجد. فإن قلت: هذا يعارضه الحديث الصحيح «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نام في الوادي عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس» ولو كان غير نائم القلب لما ترك صلاة الصبح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: الجواب من وجهين: أحدهما: يحسن بما يتعلق بالبدن من الحديث وغيره وسريه القلب وليس طلوع الفجر والشمس من ذلك ولا هو مما يدرك بالقلب، وإنما يدرك بالعين والعين نائمة. والثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له نومان: أحدهما ينام قلبه، ولا ينام عيناه. والثاني: تنام عينه دون قلبه وكان الوادي من النوع الأول. فائدة أخرى: قال ابن القطان: أجمع الفقهاء أن النوم القليل لا ينقض الوضوء، إلا المزني فإنه خرق الإجماع وجعل قليله حدثا، وذكر في العارضي أن إسحاق بن راهويه حينئذ معه في هذا، قال: وأجمعوا على أن النوم المضطجع ينقض الوضوء. قلت: وعند أبي موسى الأشعري والطعام لا ينقض، وبه قال لاحق بن حميد، وعبيدة. وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مضطجعا وقت الصلاة، ثم يصلي ولا يعيد الوضوء. ومذهب البعض أن كثيره ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض بكل حال وبه قال الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية. ومذهب البعض أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، وروي هذا عن أحمد، ومذهب البعض أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال، وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وللشافعي في النوم خمسة أقوال: الصحيح منها أنه إن قام ممسكا مقعدته من الأرض أو نحوها لم ينقض سواء كان في الصلاة أو غيرها وسواء طال نومه أو لا. والثاني: أنه ينقض بكل حال وهذا نصه في البويطي، قال النووي: وتأول أصحابنا نصه في البويطي على أن المراد أنه نام غير متمكن. وقال إمام الحرمين قال الأئمة إنه غلط البويطي. وقال النووي: هذا الذي قاله ليس بجيد، والبويطي يرتفع عن الغلط والصواب تأويله. قلت: المجتهد يخطئ، والغلط أدنى منه. الثالث: إن نام في الصلاة لم ينقض على أي هيئة كان، فإن نام في غيرها غير ممكن مقعدته من الأرض ينتقض، وإلا فلا. والرابع: إن نام ممكنا أو غير ممكن وهو على هيئة الصلاة سواء كان في الصلاة أو غيرها لم ينتقض، وإلا ينتقض، والخامس: إن نام ممكنا أو قائما لا ينتقض وإلا ينتقض. وقال: الصواب هو القول الأول، وما سواه ليس بشيء، وتحرير مذهب مالك على أربعة أقسام طويل ثقيل يؤثر في النقض بلا خلاف في المذهب، وقصير خفيف لا يؤثر على المعروف منه، وخفيف طويل يستحب فيه الوضوء، وثقيل خفيف في تأثيره في النقض قولان، وقيل قولان جائزان في الثالث أيضا.
[الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء]
والغلبة على العقل بالإغماء والجنون لأنه فوق النوم مضطجعا في الاسترخاء، والإغماء حدث في الأحوال كلها، وهو القياس في النوم إلا أنا عرفناه بالأثر، والإغماء فوقه فلا يقاس عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الإغماء والجنون والقهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء] م: (والغلبة على العقل بالإغماء) ش: الغلبة مرفوع عطفا على قوله: والنوم مضطجعا أي ومن نواقض الوضوء الغلبة على العقل بالإغماء. وقال في المغرب: هو ضعيف القوى لطلب الإغماء امتلاء بطون الدماغ من بلغم بارد غليظ. وعند الكمت: هو سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعضاء. والإغماء من أغمي على المريض فهو مغمى عليه، وغمي عليه فهو مغمى عليه على معقوله، وأصله من غماء مثل قضاء مقصور، يقال: تركت فلانا غمي أو مغمى عليه، وكذلك الإنسان والجمع والموت وإن شئت قلت: همام غمان وهم إغماء م: (والجنون) ش: بالرفع عطف على قوله: والغلبة والجر خطأ لأن العقل في الإغماء مغلوب، وفي الجنون مسلوب. ولهذا جاز الإغماء على الأنبياء دون الجنون، والجنون زوال العقل وفساده. ومن النواقض العشر: السكر إذا لم يعرف الرجل من المرأة وهو اختيار الصدر الشهيد، وذكر في " الملتقطات " للخوارزمي وفي " الذخيرة " الصحيح ما نقله عن شمس الأئمة الحلوائي أنه إذا دخل في مشيه اختلال ولهذا يحنث به إذا حلف لا يسكر. وعن أحمد في رواية يجب الغسل بالإغماء والجنون، فظاهر مذهب الشافعي كمذهبنا، وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجماعة من الشافعية: إن كان الغالب من حال من يجد الإنزال وجب الغسل إذا أفاق وإن لم يتحقق الإنزال، كما يوجب النوم مضطجعا الوضوء. وقال الماوردي في الحاوي عن أصحابنا: إن كان الإغماء لا ينفك عن الإنزال وجب الغسل وإن كان قد ينفك فلا. وقال النووي: الصحيح أنه يستحب الغسل مطلقا. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الإغماء والجنون م: (فوق النوم مضطجعا) ش: أي حال كون النائم مضطجعا والألف واللام في النوم بدل من المضاف إليه بالتنبيه دونما م: (والإغماء حدث في الأحوال كلها) ش: يعني حال القيام والقعود والركوع والسجود لوجود الاسترخاء م: (وهو القياس في النوم) ش: يعني أن القياس على الإغماء يقتضي أن يكون النوم حدثا في الأحوال كلها، لأن خروج النجاسة أمر مظنون فدار الحكم على السبب الظاهر بالأثر م: (إلا أنا عرفناه) ش: أي النوم. م: (بالأثر) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وضوء على من نام قائما» الحديث. م: (والإغماء فوقه) ش: أي والحال الإغماء فوق النوم م: (فلا يقاس عليه) ش: أي على النوم
والقهقهة في صلاة ذات ركوع وسجود تنقض الوضوء، والقياس أنها لا تنقض وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه ليس بخارج نجس، ولهذا لم يكن حدثا في صلاة الجنازة، وسجدة التلاوة، وخارج الصلاة، ـــــــــــــــــــــــــــــQفي حكم يثبت بخلاف القياس ولا يلحق به دلالة إذ لا يلزم من أن لا يكون أدنى الغفلة ناقضا أن يكون أعلاه ناقضا، فإن قلت: لم لا يعلل المصنف للجنون، قلت: لأن كون الجنون ناقضا ليس لعلة الاسترخاء لأن المجنون أقوى من الصحيح. لكن باعتبار عدم مبالاته وتمييزه فيصير في الأحوال كلها حدثا، ومنهم من علله بعلة الاسترخاء وليس بوجه. م: (والقهقهة) ش: بالرفع وليس بالعطف على ما قبله، بل هو مبتدأ وخبره قوله ينقض، أي من النواقض قهقهة المصلي م: (في كل صلاة ذات ركوع وسجود) ش: احترز به عن صلاة الجنازة فإنها لا ينتقض الوضوء وتبطلها م: (تنقض الوضوء) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر المبتدأ كما ذكرنا م: (والقياس أن لا تنقض) ش: لأنها ليست بخارج نجس بل هي صوت كالبكاء والكلام. م: (وهو) ش: أي القياس فيها م: (قول الشافعي) ش: وبه قال مالك، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وقول ابن مسعود، وجابر، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن خارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن بشار، ومكحول م: (لأنها) ش: أي لأن القهقهة م: (ليس بخارج نجس ولهذا) ش: أي ولكونها ليست بخارج نجس م: (لم تكن حدثا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وخارج الصلاة) ش: ولا هي حدث في حق الصبي، فلذلك قيد النفي في " الكافي " بقوله: وقهقهة المصلي البالغ، وقيد بعضهم بكونه يقظانا احتراز عن ققهقهة النائم في الصلاة. وذكر في " الذخيرة " أن قهقهة النائم لا تنقض لعدم الجناية منه. ويتعدى صلاته. وفي " فتاوى المرغيناني " لو نام في الصلاة قائما أو راكعا أو ساجدا، ثم قهقه لا رواية لها في الأصول. وقال علام تفسد صلاته ووضوءه. وفي " المحيط ": لو قهقه بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو في سجود التشهد أو بعدما توضأ لحدث سبقه في الصلاة قبل أن يبني ينقض خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " فتاوى المرغيناني " الثاني في الحدث إذا جاء متوضئا وقهقه في الطريق بعد الصلاة ولا ينقض وضوؤه، اختلفوا في الصلاة المظنونة والأصح أنها تنقض قهقهة الإمام والقوم ثم بعد التشهد تنقض وضوءهم وإن تأخرت قهقهة القوم عنه فلا وضوء عليهم، ولو قهقه في الصلاة على الدابة خارج المصر نقضت اتفاقا، وفي المصر لا خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا الخلاف، لو أتمها خارج المصر ثم دخلها راكبا ثم قهقه، ولو كان منهزما من عدو نقضت اتفاقا.
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الوضوء والصلاة جميعا» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلا من ضحك منكم قهقهة، فليعد الوضوء والصلاة جميعا» ش: روي هذا الحديث عن ستة أنفس من الصحابة مرفوعا وهم أبو موسى الأشعري، وأبو المليح واسمه أسامة بن عمرو بن عامر بن قيس الهذلي الكوفي، وقال الزهري [......] روى عنه أبو المليح، ومعبد الجهني، ورجل من الأنصار. أما حديث أبي موسى فرواه الطبراني في "معجمه " حدثنا أحمد بن زهير السدي حدثنا محمد بن عبد الملك الدمشقي حدثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية عن أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد، وكان في بصره ضرر فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة» وذكره البيهقي في " الخلافيات " نحوه ثم أعله بأن جماعة من الثقات رووه عن هشام عن حفصة عن أبي العالية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: لم يقدر البيهقي على رده إلا بكونه مرسلا، ولهذا يترك هذا، والمرسل حجة عندنا، ومرسل أبي العالية صحيح. فإن قيل: إن أبا عمرو محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك وكان عالما بأبي العالية والحسن البصري قال: لا تأخذوا بمراسيلهما لا يسألان عمن أخذ عنه. الجواب: هذا لا يستقيم من وجوه ثلاثة: الأول: أن المرسل لا تقوم به حجة عندهم فلا فائدة في هذه الوصية، ولا فرق بين مرسلهما ومرسل غيرهما. الثاني: لا تصح هذه الحكاية عن ابن سيرين، وذلك أن ابن دحية الكلبي حكي عنه أنه رأى في المنام كان الجواز أن قدمت على الزنا فأخذ في وصيته، وقال: يموت الحسن بن أبي الحسن وأموت بعده، وهو أشرف مني فمات في شوال سنة عشرة ومائة بعد الحسن بمائة يوم. ذكرها في العلم المشهور مع ثنائه على الحسن وترفعه على نفسه وزكيه. الثالث: إن صح ذلك عنه لا يسمع منه مثل هذا الكلام في حق الحسن البصري، وأبي العالية من جلالتهما ومكانتهما من العلم والدين الذي لا يتفق لغيرهما مثله. ومخيرات يروي عمن يعرفه أنه غير مأمور به على دين الله ولا ثقة لا تعتمد روايته مرسلا ولا مسندا. وقول ابن عدي إنما قيل في أبي العالية ما قيل لهذا الحديث وإلا فسائر أحاديثه صالحه، يرد قول ابن سيرين فيه، وإذا صلحت سائر أحاديثه فلا مانع من صلاح حديثه هذا، وهذا الحديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقد رواه غيره كما ذكرناه ومن أسند الحديث إلى إنسان فقد شهد عليه أنه رواه، فإذا أرسله فقد شهد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لا يجوز الشهادة على غير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كيف يجوز الشهادة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالباطل، مع علمه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده في النار» وإذا سمع ممن لا يكون قوله معتبرا في دين الله وملته. ذلك كان عاما للمسلمين عمدا في زمنهم وذلك قادح في دينه فضلا عن عدالته، والحسن وأبو العالية من أعلام الدين ولهما المكانة العالية في الدين، والفضل والعلم والتقدم، فلا يلتفت إلى قول ساحر أو صاحب هوى. والعجب من أحمد بن حنبل أن مذهبه تقديم المراسيل والضعيف من الحديث على هذا القياس، هكذا حكاه عنه ابن الجوزي في " التحقيق "، وقد أخذ بالقياس هنا وترك أحد عشر حديثا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسألة واحدة كلها حجة عنده، ولا يجوز المصير إلى القياس عنده مع وجود حديث واحد معها. وأما مالك فالمراسيل حجة عنده. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن عبد العزيز بن الحصين عن عبد الكريم أبي أمية عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قهقه أعاد الوضوء والصلاة» . فإن قلت: قال الدارقطني: عبد العزيز ضعيف وعبد الكريم متروك وفيه انقطاع بين الحسن وأبي هريرة، وأنه لم يسمع منه قلت: لما عد في " التهذيب " وغيره من روي عنه ممن قال وعن أبي هريرة، ثم قال: وقيل لم يسمع منه، ولا يضرنا هذا الخلاف، لأن المثبت يقدم على النافي، ولئن سلمنا فالمرسل حجة عندنا. وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه ابن عدي في " الكامل " من حديث بقية حدثنا أبي حدثنا عمرو بن قيس الكوفي عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة» . فإن قلت: قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذا حديث لا يصح، فإن بقية من عادته التدليس كأنه سمعه من بعض الفقهاء، فحذف اسمه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا باطل لأنه قد صرح في هذه الرواية بقوله: حدثنا عمرو بن قيس المدلس متى صرح بالتحديث، وكان صدوقا زالت عنه تهمة التدليس وبقية من هذا القيد. وقد أخرج له مسلم وشرط المدلس إذا كان صدوقا أن يأتي بعبارة لا يصرح بالشرع وإلا كان كاذبا. وقال ابن عدي: وبعضهم يقول فيه عمرو بن قيس وإنما هو عمر. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني عن داود المحبر عن أيوب بن حوط عن قتادة عن أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا فجاء رجل ضرير البصر مثل الأول» . فإن قلت: قال الدارقطني داود بن محبر متروك، وأيوب ضعيف، والصواب من ذلك قول من رواه عن قتادة عن أبي العالية مرسلا، ثم أخرج عن عبد الرحمن بن عمرو بن جيلة حدثنا سالم بن أبي مطيع عن قتادة عن ابن أبي العالية أن أعمى تردى فذكره. قلت: له طريق أخرى رواه أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في " تاريخ جرجان " عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قهقه في الصلاة قهقهة شديدة فعليه الوضوء والصلاة» . وأما حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني أيضا عن محمد بن يزيد بن سنان حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحك منكم في صلاته فليتوضأ ثم يعيد الصلاة» . فإن قلت: قال الدارقطني: يزيد بن سنان ضعيف، ويكنى بأبي قرة الرهاوي، وابنه ضعيف أيضا، وقد وهم في هذا الحديث في موضعين: أحدهما: في رفعه إياه، والآخر في لفظه والصحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله: «من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء» . كذلك رواه عن الأعمش جماعة من الثقات منهم سفيان الثوري، وأبو معاوية الضرير،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQووكيع، وعبد الله بن داود الخريبي وعمرو بن علي المقدمي وغيرهم، وكذلك رواه شعبة وابن جريج عن يزيد بن خالد عن أبي سفيان عن جابر ثم أخرج عن جابر أنه قال: «من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء» ، وزاد في لفظه: " إنما كان منهم ذلك حتى عجلوا خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". قلت: الحديث المرفوع يدل على ما ذهبنا إليه، إذا كان المراد من الضحك القهقهة، وكذلك إذا كان الضحك على أصل معناه، فإن الحكم عندنا أنه ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، وهذا الحديث حجة لنا سواء كان مرفوعا أو موقوفا، ولا يمكن لجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يقول برأيه في مثل هذا الموضع. وأمره محمول على السماع على أنا نقول: وإن كان هذا الحديث ضعيفا فقد اعتضد بغيره من الأحاديث المروية في هذا الباب. وأما حديث عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن الحصين قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من ضحك في الصلاة فليعد الصلاة والوضوء» . فإن قلت: قال الدارقطني عمرو بن قيس المكي المعروف بسندل ضعيف، ذاهب الحديث، وعمرو بن عبيد قيل فيه إنه كذاب. قلت: كان عمرو بن عبيد جالس الحسن وحفظ عنه، واشتهر بصحبته وكان له شهرة وإظهار زهد، فالكذب عنه بعيد. والبيهقي أخرجه عن عبد الرحمن بن سلامة عن عمرو بن قيس عن الحسن عن عمران بن الحصين مرفوعا، وأخرجه ابن عدي من طريق آخر عن بقية عن محمد الخزاعي عن الحسن عن عمران بن حصين، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل ضحك في الصلاة: "أعد وضوءك» . وقال: محمد الخزاعي مجهول من مشايخ بقية، ويروي محمد بن شداد عن الحسن وابن راشد مجهول، هذا مردود لأن محمد الخزاعي هو ابن راشد، وابن راشد هذا وثقه أحمد ويحيى بن معين، وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أورع في هذا الحديث منه. وأما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن إسحاق حدثنا الحسن بن زياد عن الحسن البصري عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال: «بينا نحن نصلي خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ اقبل رجل ضرير البصر باللفظ الأول» . وقال ابن إسحاق: حدثني الحسن بن عمارة عن خالد الحذاء عن أبي المليح عن أبيه مثل ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قال الدارقطني: الحسن بن دينار والحسن بن عمارة ضعيفان. قلت: قيل لابن عيينة كان الحسن بن عمارة يحفظ، قال: كان له فقيل وغيره أحفظ منه، وقال عيسى بن يونس الرملي الناخوري: سمعت ابن سويد يقول: كنت عند سفيان الثوري فذكر الحسن بن عمارة فغمزه، فقلت: يا أبا عبد الله هو عندي خير منك، قال: وكيف ذاك، قلت: جلست معه غير مرة فيجري ذكرك فيما يذكرك إلا بخير، قال أبو أيوب: قال سفيان ما ذكر الحسن بن عمارة بعد ذاك إلا بخير حتى فارقته. وأما حديث معبد الجهني فرواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري عن معبد بن أبي معبد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قهقه في صلاته أعاد الوضوء والصلاة» . فإن قلت: قال البيهقي: معبد لا صحبة له، وهو أول من تكلم بالبصرة في القدر. قلت: في " معرفة الصحابة " لابن منده معبد بن أبي معبد رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو صغير، ثم ذكر ابن منده مرور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيمتي وأنه بعث معبدا وكان صغيرا. الحديث، ثم قال: روى أبو حنيفة عن منصور بن زاذان إلى آخر ما ذكرنا، ثم قال: وهو حديث مشهور عنده، رواه أبو يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأسيد بن عمرو وغيرهما، فظهر من هذا أن معبدا المذكور في هذا الحديث ليس هو الذي تكلم فيه في القدر كما زعم البيهقي، ولم يذكر ذلك بسند ينظر فيه، ثم لو سلمنا أنه الجهني المتكلم في القدر فلا نسلم أنه لا صحبة له، قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ": ذكره الواقدي في الصحابة وقال: أسلم قديما وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية الجهنية يوم الفتح. قال: وقال أبو أحمد في " الكنى " وابن أبي حاتم: كلاهما له صحبة. وقال الذهبي في " تجريد الصحابة ": معبد بن خالد الجهني أبو رفاعة شهد الفتح له رواية. وقال ابن حزم: إنه روى مرسلا عن الحسن بن معبد بن صبيح أيضا. وقال ابن عدي: قال لنا ابن حماد وهو معبد وهو الذي ذكره البخاري في كتاب " تسمية الصحابة ". وقال الذهبي: معبد بن صبيح بصري روى عنه إسحاق حديثه في الوضوء من القهقهة ولا يثبت. وأما حديث رجل من الأنصار فرواه الطبراني بإسناده عن وهيب عن حامد بن عبد الله الواسطي عن هشام بن حسان عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار عن النبي عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلام. الحديث. قال الدارقطني: ولا يسميا الرجل ولا ذكرا له صحبة ولم يصنع خالد شيئا، وقد خالفه خمسة حفاظ. قلت: زيادة خالد هذا الرجل الأنصاري زيادة عدل لا يعارضها نقصان من نقصها، وله خمسة مراسيل أيضا: الأول: مرسل أبي العالية وهو أشهر ما روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أبي العالية، وهو عدل ثقة أن «أعمى تردى في بئر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي بأصحابه فضحك بعض من كان يصلي معه فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء، ويعيد الصلاة» . وأخرجه الدارقطني من جهة عبد الرزاق وعبد الرزاق من شيوخه من رجال الصحيحين. الثاني: مرسل النخعي ورواه أبو معاوية عن الأعمش عن النخعي قال: جاء رجل ضرير البصر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي. الحديث. وقال ابن رشد المالكي: وهذا مرسل صحيح. الثالث: مرسل الحسن البصري رواه الدارقطني بإسناده عن ابن شهاب عن الحسن الحديث، وهو أيضا مرسل صحيح. الرابع: مرسل الزهري، والخامس: مرسل قتادة، وقال ابن عدي في " الكامل ": روى هذا الحديث الحسن البصري، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والزهري مرسلا. فإن قلت: روى البيهقي في "سننه " قال الإمام أحمد: لو كان عند الزهري أو الحسن فيه حديث صحيح لما اختار القول خلافه. وقد صح عن قتادة عن الحسن أنه كان لا يرى من الضحك في الصلاة وضوءا، وعن شعيب بن أبي حمزة أو غيره من الزهري أنه قال في الضحك في الصلاة يعاد الصلاة ولا يعاد الوضوء. قلت: مخالفة الراوي للحديث ليس فيه جرح. وقد روى الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال: «إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاثا» ولم يجعلوا ذلك حرجا في روايته مرفوعا الغسل سبعا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، فهذا يدل على أنه لا وضوء في القهقهة. قلت: ظاهر هذا متروك بالإجماع لأن في البول والغائط يجب الوضوء وإن لم يوجد الصوت والريح، وكذا في الدم والقيح إن أخرجا من المخرج المعتاد، وخصوصا على مذهب الشافعي، فإن عنده يجب الوضوء في مس الذكر، ومس النساء، ولا صوت، ولا ريح، فلما لم يدل هذا الحديث على نفي الوضوء فيما ذكرنا من الصوت دل على أنه لا يدل على نفي الوضوء في القهقهة أيضا، على أنا نقول: إن هذا الحديث ورد في حق من شك في خروج الريح، والحكم فيه كذلك، أما في من تحقق الريح والصوت فلا. فإن قلت: قال الشافعي: لو كانت القهقهة حدثا في الصلاة لكان حدثا خارجها، لأن نواقض الطهارة سوى فيها الصلاة وخارجها، كما في سائر الأحداث. قلت: الفرق بينهما ظاهر، وهو أن المصلي في مناجاة الرب سبحانه، والمقصود بالصلاة إظهار الخشوع والخضوع والتعظيم لله تعالى، فالضحك قهقهة فيها جناية عظيمة فناسب ذلك انتقاض وضوئه زجرا له كتنجيس الخمر من الشرع إهانة لها، وزجرا للشاربين ليجتنبوها. وهذه المعاني لا توجد خارج الصلاة ولأن من بلغ هذه الغاية من الضحك وربما غاب حسه، فأشبه نوم المضطجع فجعل حدثا في الصلاة لزيادة الجنابة على العبادة. ولأن النص إذ ورد على خلاف القياس لا لقياس على غيره بل يقتصر على مورده فلأجل هذا لم يجعل حدثا خارج الصلاة، ولا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة. فإن قلت: لم يكن في مسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بئر ولا ركية ولا حفرة، فكيف وقع فيه الضرير. قلت: المراد بالبئر حفرة عند المسجد يجتمع فيه المطر، وليس في أكثر الحديث أنه كان يصلي في المسجد، فيجوز أن يقال: كان يصلي في غير المسجد، وفي الموضع الذي كان فيه ركية. والذي فيه ذكر المسجد رواية أبي موسى وهو عدل ثقة ثبت فهو أولى.
وبمثله يترك القياس، والأثر ورد في صلاة مطلقة فيقتصر عليها. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: هذا لا يصح باعتبار أنه لا يتوهم على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضحك في الصلاة قهقهة خصوصا خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: كان يصلي خلفه الصحابة ومن غيرهم من المنافقين والأعراب الجهال، وهذا من باب حسن الظن بهم، وإلا فليس الضحك كبيرة، وهم ليسوا من الصغار بمعصومين، ولا من الكبائر على تقدير كونه كبيرة. فإن قلت: ذكر البيهقي عن الشافعي أنه لو ثبت حديث الضحك في الصلاة لقال به. وقال ابن الجوزي: قال أحمد: ليس في الضحك حديث صحيح. وقال الذهبي: لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الضحك في الصلاة خبر. وقال أحمد: وحديث الأعمى الذي وقع في البئر مدرج، ومدار حديثه [على] أبي العالية، وقد اضطرب عليه فيه. قلت: مذهب الشافعي أن المرسل إذا أرسل من وجه، وأسند من وجه آخر يقول به، وهذا الحديث أرسل من وجوه وأسند من طريق فيلزمه أن يقول به. وقال ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين بشدة تواتره يخرج عن عدد مراسيله، قلت: ويلزم الحنابلة أيضا لأنهم يحتجون بالمراسيل، وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به ما قيل إن أقل أحواله أن يكون ضعيفا والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذي اعتمدوا عليه في هذه المسألة، والعجب منهم أن يقولوا لعلمائنا أصحاب الرأي والقياس وينسبونهم إلى ترك كثير من الأحاديث بالقياس، وهم تركوا حديثا رواه جماعة من الصحابة ما بينا هذا عشرة فأرسله جماعة من التابعين الكبار وعملوا بالقياس. وأما قول أحمد والذهبي فنفي وما رواه أصحابنا إثبات وهو مقدم على النفي، على أنا نقول عدم علم الشخص بشيء لا يكون حجة على من علمه قبله. م: (وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي علمه الصحابة والتابعون. ولأن رواية من كان معروفا بالفقه والتقدم في الاجتهاد كأبي موسى وأصحابه م: (يترك القياس) ش: أي القياس الذي ذهب إليه الشافعي وغيره م: (والأثر) ش: أي الحديث المذكور م: (ورد في صلاة مطلقة) ش: أي كاملة م: (فيقتصر عليها) ش: أي على الصلاة المذكورة فلا يتعدى إلى صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، وصلاة الصبي، وصلاة الباني بعد الوضوء على أحد الروايتين، وصلاة النائم؛ فإن الوضوء لا يفسد في جميع ذلك، وقوله: والأثر إلى آخره في الحقيقة جواب عن قياس الشافعي على صلاة الجنازة وسجدة التلاوة كما حققنا.
والقهقهة ما يكون مسموعا له ولجيرانه والضحك ما يكون مسموعا له دون جيرانه وهو على ما قيل يفسد الصلاة دون الوضوء ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والقهقهة ما كان مسموعا له ولجيرانه) ش: وأشار بهذا إلى تعريف القهقهة التي تفسد الصلاة والوضوء جميعا م: (والضحك ما يكون مسموعا له) ش: أي للضاحك دل عليه قوله: لأنه لا يقوم إلا بالضحك م: (دون جيرانه) ش: أراد أن لا يسمعه من كان حوله م: (وهو) ش: أي الضحك م: (على ما قيل) ش: في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الضحك م: (يفسد الصلاة دون الوضوء) ش: يعني لا ينتقض ثم إنه فرق بين القهقهة والذكر، ولم يذكر التبسم لأنه ليس بمفسد للصلاة ولا للوضوء فليس له ههنا مدخل. وروى الطبراني وأبو يعلى الموصلي والدارقطني من حديث جابر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بأصحابه العصر فتبسم في الصلاة، فلما انصرف، قيل: يا رسول الله تبسمت وأنت تصلي قال: "إنه مر بي ميكائيل وعلى جناحه غبار فضحك لي فتبسمت» . وهو راجع من طلب القوم. وفي " معجم الطبراني " ذكر جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مكان ميكائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم يسوي في القهقهة العمد والنسيان والسهو سواء بانت أسنانه أو لا. ويبطل التيمم أيضا دون الاغتسال وقيل يبطل الوضوء في الغسل أيضا حتى لا يجوز الصلاة بغير وضوئه، وبقولنا قال أبو موسى الأشعري والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري ومحمد بن سيرين والأوزاعي وعبيد الله. فروع: لواحق من النواقض التي عند غير أصحابنا لم يذكرها صاحب " الهداية " منها: مس الذكر معابة لا ينقض الوضوء عندنا، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، وأبي الدرداء، وسعد بن أبي وقاص عند أهل الكوفة وأبي هريرة في رواية عنه، هكذا حكاه أبو عمر بن عبد البر، ومن التابعين الحسن البصري، وسعيد بن المسيب وهو مذهب سفيان الثوري. وقال الطحاوي: لم يعلم أحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفتى بالوضوء منه غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الشافعي وأحمد وداود: يجب الوضوء منه. واختلف أصحاب مالك في ذلك: منهم من شرط اللذة وباطن الكف، ومنهم من أوجب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذلك في العمد دون النسيان، مروي عن مالك وداود، وقيل: الوضوء منه سنة غير واجب وهو الذي استقر عليه قول مالك عند أهل العرب، والرواية عنه مضطربة فيه لهم من ذلك حديث بسرة بنت صفوان بن نوفل خالة مروان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والترمذي وصححه، ولم يخرجه الشيخان، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود من حديثها، ونقل عن البخاري أنه أصح شيء في هذا الباب، وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر. قال البيهقي: هذا الحديث لم يخرجه الشيخان لاختلاف وقع في سماع عروة عنها، أو من مروان فقد احتجا بجميع رواته واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث، فهو على شرط البخاري بكل حال. والجواب عن ذلك أن طريق حديث أبي داود والنسائي عن مالك عن عبيد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عروة بن الزبير قال: دخلت على مروان فذكرت ما يكون عند الوضوء فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . وطريق الترمذي وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة وأن في الإسناد الأول أبي بكر بن عبيد الله، قال سفيان بن عيينة فيه: إنه من الجماعة الذين لم يكونوا يعرفون الحديث. وقد رأيناه يحدث عنهم سخرنا منه. رواه الطبراني بإسناده عن ابن عيينة، ثم أخرجه الأوزاعي حدثني الزهري حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: فثبت انقطاع هذا الخبر وضعفه. وفي السند الثاني: فإن النسائي قال: لم يسمع هشام من أبيه هذا الحديث، وقال الطحاوي: إنما أخذه هشام من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حدثني عروة فرجع الحديث إلى أبي بكر. فإن قلت: يشكل عليه رواية الترمذي عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن بسرة، وكذلك رواية أحمد في "مسنده " حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته، قال البيهقي في "سننه ": رواه يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة عن أبيه، فصرح فيه بسماع هشام من أبيه. قلت: أخرجه الطحاوي أيضا من خمس طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة ثم قال إن هشام بن عروة لم يسمع هذا الحديث عن أبيه، عروة ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن غير أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده، وكان يشهد أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه. وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه وكان هشام صدوقا يدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق، والبيهقي حط على الطحاوي ينسب هشاما إلى التدليس، فقال: وأين يكون إذا يرويه عن أبي بكر وأبو بكر ثقة حجة عند كافة أهل العلم بالحديث، وإنما يضعف الحديث بأن يدخل الثقة بينه وبين من فوقه مجهولا أو ضعيفا فإذا أدخل ثقة معروفا قامت به الحجة. قلت: اعترف البيهقي بالتدليس في الحديث المذكور، ولكن تحامله على الطحاوي الذي دعاه إلى ما قاله، وكيف يقول هذا ولا يخلصه من التدليس أن يكون بين الراوي وبين المروي عنه واحد أو أكثر سواء كان الواسطة ثقة أو ضعيفا، فانظر إلى تمثيل ابن الصلاح في صورة التدليس ترى فيه صحة ما قلنا على أن البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا منصور العناني يقول: سمعت الفضل بن محمد الشعراني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة قال: لم يسمع هشام بن عروة حديث أبيه في مس الذكر. قال يحيى: فسألت هشاما فقال أخبرني أبي بهذا. شعبة صرح بأن هشاما لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة، فكيف يكون قول يحيى سمع من أبيه معارضا لقول شعبة أنه لم يسمع أباه. فإن قلت: رواه عن عروة أيضا غير الزهري وغير هشام، وهو ما رواه الطحاوي حدثنا محمد بن حجاج وربيع المؤذن قال: أخبرنا أسد، قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود أنه سمع عروة يذكر عن بسرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: أجاب الطحاوي فقال: كيف يحتجون بابن لهيعة، وهو ليس دائما بمرضي لهذا يحتج به في مواضع، وإنه لا يجعلونه حجرا لخصمكم فيما احتج به عليكم. وفي هذا قلب الموضوع. فإن قلت: ابن لهيعة مرضي عند الطحاوي، ولهذا يحتج به في مواضع من كتابه فيكون الحديث صحيحا عنده من هذا الطريق. قلت: لا نسلم أنه يحتج به، ولكن يذكره في المتابعات. ولئن سلمنا أنه يحتج به وأنه ثقة عنده فالحديث ضعيف لاضطرابه ويكون المدار على عروة في طريق هذا الحديث، وأيضا إن عروة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلم يرفع بحديث بسرة يعني لم يعتبره ولم يلتفت إليه، وذلك إما لكون بسرة عنده ممن لا يوجد مثل ذلك الحكم عنها، ولو ذلك لكونها انفردت بهذه الرواية مع عموم الحاجة إلى معرفته، وما بال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة، ولم ينقله أحد منهم إنما قاله بين يدي بسرة وقد كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد حياء من العذراء في خدرها وإما لكون مروان ليس في حال من يجب القبول عن مثله فإنه خبر شرطي مروان عن بسرة دون خبره عنها فإن كان خبر مروان عنده غير مقبول، فخبر شرطية أخرى أن لا يكون مقبولا. فإن قلت: مروان احتج البخاري به على ما ذكرنا. قلت: لا يلزم من ذلك أن يكون ثقة عند عروة وإنما روى عروة خبره لعلة فيه قد ظهرت لعروة ولا سيما حين خرج على عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قلت: قال ابن حزم مروان لا يعلم له خروج قبل خروجه على ابن الزبير، ولم يكن قط لقي عروة إلا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه. قلت: لا دليل على هذه الدعوى، فإذا قام دليل ينظر فيه. والجواب عن تصحيح الترمذي هذا الحديث هو أنه يعارضه قول يحيى بن معين، قلت: ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها هذا، ويحيى بن معين هو العمدة في هذا الشأن، وإليه المرجع في التصحيح والتضعيف. فإن قلت: قال بعض من عنده تعصبا فاسدا من أهل هذا الزمان سئل بعض المخالفين عن يحيى بن معين أنه قال: ثلاثة أحاديث لا تصح: حديث مس الذكر، ولا نكاح إلا بولي، وكل مسكر حرام. وقال: يعرف هذا عن سفيان ولا يعرف هذا عن ابن معين. قلت: لم يقم الدليل على ذلك حتى ينظر فيه على أن الإثبات مقدم على النفي، وبذلك يجاب عن قول ابن الجوزي أيضا أن هذا لا يثبت عن ابن معين، والجواب عن قول البخاري أنه أصح شيء في هذا الباب، أن مراده هو على كلامه أصح من غيره من أحاديث الباب، وقد اعتد ابن العربي بهذه العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه، وليس كذلك، فإن البخاري لو رضي به لأخرجه في صحيحه ولم يخرجه هو، ولا مسلم، ولئن تنزلنا وسلمنا بثبوته فتأويله من بال فيحمل مس الذكر كناية عن البول، لان من يبول يمس ذكره عادة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ولكنى به عن الحدث، أو يكون المراد من قوله: "فليتوضأ" غسل اليدين كما في قوله: «الوضوء قبل الأكل ينفي الفقر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: قال ابن حبان وليس المراد غسل اليدين وإن كانت العرب تسمي غسل اليدين وضوءا على أن في حديث بسرة فليتوضأ وضوءه للصلاة. قلت: استضعفه الطحاوي وجعله منقطعا كما ذكرنا، وعلى كل تقدير حديث بسرة معلول، وقال في " الإمام " هو عند البخاري معلول، وقال إبراهيم الحربي: حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي. وكان ربيعة يقول ويحكم بمثل هذا ما أخذ أحد ويعمل به لو شهدت بسرة على هذا البقل ما قبلت شهادتها. إنما قوام الدين الصلاة والصلاة بالطهور فلم يكن في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يقيم هذا الدين إلا بسرة، قال: حديث بسرة ضعفه جماعة. وقال ربيعة: لو وضعت يدي في دم أو حيض لم ينقض وضوئي فمس الذكر أيسر منه. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لحديث امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، أحفظت أم نسيت. ويروى أن الأسود بن زيد أخذ كفا من حصى وحصب به الشعبي وقال: ويلك تحدث بمثل هذا. فإن قلت: في هذا الباب عن أم حبيبة وأبي موسى، وأبي هريرة، روى ابنه أنيس وعائشة، وزيد بن خالد، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وطلق بن علي، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأم سلمة، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حيدة، وأبي بن كعب، وقبيصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث أم حبيبة عند ابن ماجه قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» ، وأخرجه الطبراني أيضا، وصححه أبو زرعة والحاكم. قلت: أعله البخاري لأن فيه مكحولا عن عتبة قال: لم يسمع عتبة بن أبي سفيان، وكذا قال يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي أخرجه الطحاوي وقال: منقطع. وحديث أبي موسى عند ابن ماجه أيضا قال: سمعت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» . وفيه إسحاق بن أبي فروة متروك باتفاقهم واتهمه بعضهم بالوضع. وحديث أبي هريرة عند ابن حبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفرجه وليس بينهما ستر، ولا حائل فليتوضأ» . ورواه الحاكم في "مستدركه " وصححه، ورواه أحمد في "مسنده "، والدارقطني في "سننه "، والبيهقي أيضا، ولفظه فيه: «من أفضى بيده إلى فرجه وليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة» . وفيه يزيد بن عبد الملك، وقد أغلظ العلماء القول فيه، فقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ضعيف سند الحديث، واختلط بآخره، فإذا عرفت تساهل ابن حبان والحاكم في الصحيح. وحديث أروى عند ابن المنذر وأبي نعيم الأصبهاني عن هشام بن عروة عن أبيه عن أروى بنت أنيس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «من مس فرجه فليتوضأ» . وذكرها ابن الأثير في الصحابيات ثم ذكر هذا الحديث، ثم قال: وقيل أبو أروى الذؤابي حجازي، وهذا كما ترى فيه خلاف، وسئل الترمذي والبخاري عنه فقال: ما يصنع بهذا ألا تشتغل بغيره وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني في "سننه " عن عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون قالت عائشة بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء قال إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة» وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن جعفر العمري، قال أحمد: كان كاذبا، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: متروك، زاد أبو حاتم: وكان يكذب. وقد روى أبو يعلى في "مسنده " ما ينافيه من حديث «سيف بن عبد الله الحميري قال دخلت أنا ورجل معي على عائشة فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة تمس فرجها فقالت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ما أبالي إياه مسست أو أنفي» . وحديث زيد بن خالد الجهني عند أحمد في "مسنده " عن ابن إسحاق حدثني محمد بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» . ورواه البزار والطبراني، وقال ابن المديني: أخطأ فيه ابن إسحاق، وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: إنكم لا تجعلون محمد بن إسحاق حجة في شيء إذا خالفه فيه من خالفه في هذا الحديث ولا رضي إذا انفرد، ونفس هذا الحديث منكر، وأخلت به أن يكون غلطا، لأن عروة حين سأله مروان عن مس الفرج أجابه من رواية أن لا وضوء فيه، فلما قال له مروان عن بسرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال قال له عروة: ما سمعت به وهذا بعد موت زيد بن خالد بكم ما شاء الله فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما قد حدثه إياه زيد بن خالد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال البيهقي في كتاب "المعرفة ": وروى الطحاوي حديث زيد بن خالد الجهني من جهة محمد بن إسحاق بن يسار، ثم أخذ في الطعن على ابن إسحاق، وأنه ليس بحجة ثم ذهب إلى أنه غلط. قلت: فيها الطعن من البيهقي كيف يفهم كلام المحققين، وكيف طعن الطحاوي على ابن إسحاق، والذي ذكره الطحاوي ليس طعنا منه فيه، وإنما قال للخصم: أنتم لا تجعلون محمد بن إسحاق حجة، وهذا القول لا يستلزم الطعن منه فيه، وإنما اشتهر بذلك عسكر الخصم، حيث يجعل محمد بن إسحاق حجة عند كون الحديث له، ويتركه ويطعن فيه عند كون الحديث حجة عليه، ولئن سلمنا أنه طعن فيه فما هو بأول طاعن فإن مالكا قال فيه: من الدجاجلة. وقال الخطيب قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء، بأسباب منها: أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمرفوع عنه. وقال الذهبي فيما انفرد به نكارة وهو سيئ في حفظه. وحديث جابر عند ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» . وأخرجه الطحاوي وأعله بالإرسال، وقد قال الشافعي: سمعت جماعة من الحفاظ غير أبي نافع يرويه، ولا يذكرون فيه جابرا وهم لا يحتجون بالمرسل. وحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد والبيهقي عن عتبة بن الوليد عن محمد بن الوليد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» . وأخرجه الطحاوي وقال لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئا عنه، وإنما حديثه عن صحيفة فهذا غير قولكم منقطع، والمنقطع لا يجب أن ترونه حجة عندكم. فإن قلت: إذا كان الطحاوي يحتج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فما باله لم يقل لم يعمل بحديثه هذا. قلت: لأنه عارضه حديث طلق بن علي فلم يكن العمل به لتأخر حديث طلق عنه، فثبت بذلك انتساخ أحاديث الانتقاض بمس الفرج. فإن قلت: حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب ناسخ لحديث طلق لأن طلقا قدم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابتداء الهجرة والمسجد على العريش وأبو هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة فكان حديثه متأخرا والأخذ بأحد الأمرين واجب لأنه ناسخ. والطبراني أيضا مال إلى أن حديث طلق منسوخ. قلت: روى أبو داود «عن ابن طلق عن أبيه قال: قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله: ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ، قال: "هل هو إلا بضعة منك أو بضعة منه» ففي قوله ما ترى إلى آخره، دلالة على أنه كان بلغه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرع فيه الوضوء فأراد أن يتيقن ذلك، وإلا فالمستقر عندهم أن الأحاديث إنما كان من الخارج النجس وإلا فالعقل لا يهتدي إلى أن مس الذكر يناسبه نقض الوضوء، فعلى هذا يكون حديث طلق هو آخر الأمرين. وكان أبو هريرة تأخر سمعه من بعض الصحابة ثم أرسله. وجواب آخر: دعوى النسخ إنما يصح بعد ثبوت صحة الحديث ونحن لا نسلم صحة حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الدارقطني في "سننه " عن رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من مس ذكره فليتوضأ وضوء الصلاة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQورواه الطبراني في "الكبير " والبزار في "مسنده " ولفظهما: «من مس فرجه فليتوضأ» . وأخرجه الطحاوي أيضا وأعله بصدقة بن عبد الله في سنده، وفي سند الطبراني العلائي بن سليمان، وفي سند البزار هاشم بن زيد وكلاهما ضعيفان جدا، وحديث طلق بن علي عند الطبراني، وفي الكبير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» . قلت: يعارضه حديثه الآخر رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن زيد عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة، فقال: "هل هو إلا بضعة منك» . وقال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب. ورواه ابن حبان في "صحيحه ". وحديث ابن عباس عند البيهقي من جهة ابن عدي في " الكامل " وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث، وحديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم وحديث أم سلمة عند الحاكم. وحديث النعمان بن بشير عند ابن منده، وأما حديث معاوية بن حيدة وحديث أبي بن كعب، وحديث قبيصة هذه الأحاديث كلها لا تخلو عن علة، والحديث الذي عليه العمدة حديث طلق، وقد ذكرنا الآن عن الترمذي ما قاله. وذكر عبد الحق في "أحكامه " حديث طلق وسكت عنه فهو صحيح عنده على إعادته، وروي عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة، وتضعيف الخصم حديث طلق من جهة الطريق الذي فيه أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر وهما ضعيفان ولا يضر ذلك، لأن حديث طلق له أربعة طرق: أحدها: عند أصحاب السنن عن ملازم بن عمرو. كما ذكرنا وهو صحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثاني: عن محمد بن جابر وهو ضعيف أخرجه ابن ماجه من هذا الطريق. والثالث: عن عبد الحميد بن جعفر وهو ضعيف أخرجه ابن عدي. والرابع: عن أيوب بن عتبة وهو ضعيف. وأخرجه الطحاوي بالطريق الأول: قال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده، ولا شبه ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة. ولنا حديث آخر ولكنه ضعيف رواه أبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي فقال: "إنما هو حدبة منك» قال ابن الأثير، قيل: هي بالكسر ما قطع من اللحم طولا. ومن نواقض الوضوء عند الشافعي: مس المرأة على ما نذكره مفصلا وهو يحتج بدلائل وحجج، ونحن نحتج كذلك فإذا قطعنا النظر عن الكل يكفينا حديث عائشة المشهور رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سلمة «عن عائشة قالت: كنت أنام بين يدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجلاي في قبلته، وإذا سجد غمزني قبضت رجلي، فإذا قام بسطتها» والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. وفي لفظ: «فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم سجد» . طريق آخر أخرجه مسلم عن أبي هريرة «عن عائشة قالت: "تقدمت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة فجعلت أطلبه بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد» . للحديث طريق آخر رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال عروة، فقلت لها من هي إلا أنت فضحكت» . طريق آخر أخرجه أبو داود والنسائي عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولا يتوضأ» . ولحديث عائشة طريق آخر وما ذهب إليه الشافعي يروى عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عمر وزيد بن أسلم ومكحول، والنخعي، وعطاء بن السائب، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن
والدابة تخرج من الدبر ناقض، فإن خرجت من رأس الجرح، أو سقط اللحم منه لا ينقض. والمراد بالدابة الدودة ـــــــــــــــــــــــــــــQعباس، وأبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في الذي صححه أبو بكر بن الحربي، وابن الجوزي، ومذهب عبيدة السلماني بفتح العين المهملة، وعبيدة الضبي بالضم وعطاء وطاووس والحسن البصري، والشعبي، والثوري، والأوزاعي، أن اللمس والملامسة كناية عن الجماع، ولا يجب الوضوء على مس المرأة أو تقبيلها إذا تيقن بعدم خروج المذي، وبه قال أصحابنا. وذهب مالك إلى أنه إن لمس بشهوة ينتقض وإلا فلا، وهو مروي عن الحكم وحماد والليث وإسحاق، وعن أحمد ثلاث روايات بالمذاهب الثلاثة. وذهب داود إلى أنه إن لمس عمدا انتقض، وإلا فلا، وعن الأوزاعي إذا لمس بأعضاء الوضوء انتقض، وإلا فلا، وروي عنه أنه لا ينتقض إلا باللمس باليد. وذهب عطاء إلى أنه إن لمس من يحل له انتقض وحجة الجمهور قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) فالملامسة واللمس الجماع. وقال ابن رشد المالكي: وإن كانت دلالته على المعنيين على السواء أو قريبا من اللمس المسمى الأظهر عندي في الجماع؛ لأن الله تعالى قد كنى بالمباشرة والمس بالجماع، ولا فرق بين اللمس والمس في اللغة، ولأن الملامسة ظاهرة في الجماع، والمس سبب الجماع؛ لأنه محرك للشهوة، وذكر السبب وإرادة المسبب من أقوى طرق المجاز. وقال القرطبي: يلزم على مذهب الشافعي أن من ضرب امرأته أو لطمها أن ينقض وضوءه، وهذا لا يقوله أحد فيما أعلم، وحديث عائشة في التقبيل قد مر بطرقه. ومن النواقض أكل لحم الجزور عند أحمد وإسحاق وأبي ثور ومحمد بن إسحاق ويحيى بن يحيى. وعند الجمهور لا ينقض. ومنها غسل الميت عند أحمد. م: (والدابة) ش: مبتدأ وهي الدودة التي نبتت في البطن قوله م: (تخرج من الدبر) ش: جملة في محل النصب لأنها حال من الدابة وقوله: م: (ناقض) ش: خبر المبتدأ، فإن قلت: المطابقة شرط بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث. قلت: التقدير ههنا خروج الدابة التي تخرج من الدبر ناقض لأن النقض بالخروج لا بنفس الدابة فافهم. م: (فإن خرجت) ش: أي الدابة، والفاء في فإن خرجت تفسيرية م: (من رأس الجرح أو سقط اللحم منه لا ينقض) ش: لأن عين الخارج ليست بنجسة، وما عليها قليل وهو الناقض في السبيلين معفو عنه في غيرهما، فأشبه الخارج من الجرح الجشاء في عدم النقض، والخارج من الدبر الفساء في نقض الوضوء به. م: (والمراد بالدابة الدودة) ش: إنما فسر الدابة بالدودة لأن الدابة ما تدب على الأرض، ربما
وهذا لأن النجس ما عليها ـــــــــــــــــــــــــــــQيتوهم أن المراد بها ما يدخل الجرح كالذباب فيخرج منه فإنه لا ينقض، ففسره بيانا لذلك. وقال الأترازي: إنما فسر الدابة بعد أن ذكرها مجملة ولم يقل ابتداء دودة تخرج لأنه بغير لفظ محله، ثم فسرها دفعا لتشنيع البعض بأن الدابة وهي الفرس أو الحمار كيف يخرج من الدبر، أو رأس الجرح. وهذا لأن الدابة في أصل اللغة اسم لكل ماش في الأرض. ثم قال الأترازي: قال بعض الشارحين: وجدت بخط ثقة إنما فسر الدابة بالدودة لأن الدابة اسم لما يدب على وجه الأرض، فلو لم يفسرها بها لكان لقائل أن يقول المراد بالدابة هي التي تدخل من الذباب في الجرح ثم تخرج، فأما التي تنشأ فيه كان منشأها من الدم وخروجا كخروج الدم، فينتقض بها الوضوء في غير السبيلين، كما إذا خرج من السبيلين وهو أوجه، لكني وجدت بخط ثقة إلى آخر ما ذكرنا. قلت: نظر الأترازي إلى أول الكلام من غير أن يستوفي ما قاله السغناقي، ثم شنع عليه بهذا التشنيع، وليس له وجه، لأنه قال: ويريد صحة هذا التفسير ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في تعليل هذه المسألة بعلتين في " الجامع الصغير " بعدما ذكر خروجها من الجرح، فقال: بخلاف الدابة التي تخرج من الدبر لا يخلو من قليل بلة فبالنظر إلى العلة الأولى يجب أن لا ينقض الوضوء بالدابة التي تدخل الدبر ثم يخرج لأنها لم تستحل من العذرة، وكذا بالنظر إلى العلة الثانية أيضا لأنه قيد بالبلة وتحتمل أن تخرج بغير بلة، والدليل عليه ما ذكره في " المحيط " أنه إذا دخل العود في دبره وطرفه بيده ثم أخرجه فيه البلة نقض، وإن لم تكن البلة فلا وضوء عليه. فإذا كان الأمر كذلك كيف يوجه الأترازي أن يشنع تشنيعا غير موجه سعة الغير المعرفة بقوله لأن الذباب الداخل إلى آخره فيطلق كلامه ويسكت عن تفسيره، حتى يتوصل به إلى التشنيع البارد، وهذا أشار به إلى الفرق بين المسألتين وهو قوله. م: (وهذا لأن النجس ما عليها) ش: أو ما على الدودة، لا يقال إن المصنف ناقض في كلامه، لأنه قال فيما مضى ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا. وههنا قال لأن النجس ما عليها، لأنا نقول هذا على قول محمد والذي هناك على قول أبي يوسف، وجوابه وقال الأكمل ويجوز أن يقال أطلق النجس على ما يخرج من الجوف بطريق المشاكلة لما كان بالنسبة إلى الدبر نجسا، ذكر في الخروج لفظ النجس. وقال الأترازي: ويريد به حقيقته اللغوية لا الشرعية، فيكون معناه حينئذ ذلك النجس اللغوي قليله حدث في السبيلين دون غيرهما. قلت: هذا كلام عجيب فمن تأمله يقف على فساده، وذكر السغناقي هنا ثلاثة أوجه، منها على تقدير الشرطية وهي لو كان ثمة نجس فهو ما عليها، ورد عليه الأكمل فقال: وهو غير صحيح لأن على تقدير الشرطية إن كان على هذا الوجه لكن ثمة نجس فيكون ما عليها لم يستقم في الجرح، لأن ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا،
وذلك قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما؛ فأشبه الجشاء والفساء بخلاف الريح الخارجة من القبل والذكر، لأنها لا تنبعث عن محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة فيستحب لها الوضوء احتياطا لاحتمال خروجها من الدبر ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو ليس بحدث في الجرح فلا يكون نجسا. وإن كان على هذا الوجه لكن لم يكن نجس ما عليها فلا يكون نجسا لم يستقم في الدبر لأنه نجس وحدث. م: (وذلك) ش: أي الذي عليها م: (قليل وهو حدث في السبيلين دون غيرهما) ش: أي دون غير السبيلين فإن القليل ليس بحدث في غيرهما م: (فأشبه الجشاء والفساء) ش: هذا لف ونشر فإن قوله الجشاء يرجع إلى القليل على الدود من غير السبيلين، والفساء يرجع إلى السبيلين. والجشاء على وزن فعال. وقال الأصمعي: كأنه من باب العطاس والبوال والدوار. قلت: هو مهموز اللام يقال: تجشى تجشية وتجشا، والاسم الجشية مثل الهمزة. والفساء بالمد أيضا على وزن فعال اسم من فسا يفسو فسوا وهو معتل اللام الواوي. والجشاء صوت مع الريح يخرج من الفم عند الشبع. والفساء ريح منتنة تخرج من الدبر بلا صوت وربما يكون الجشاء منتنا أيضا لكثرة الامتلاء وفساد المعدة م: (بخلاف الريح الخارجة من القبل) ش: أي من قبل المرأة والذكر م: (لأنها لا تنبعث من محل النجاسة حتى لو كانت المرأة مفضاة) ش: أي التي صارت سبيلاها واحدا، وفي " الكافي " المفضاة هي التي اتحد مسلكا بولها وغائطها وخرجت من قبلها ريح منتنة. وفي " البدائع " وهي التي صار مسلك البول والوطء واحدا م: (فيستحب لها الوضوء احتياطا لاحتمال خروجها من الدبر) ش: فيكون فساء، ولا يجب لأنها كانت على وضوء بيقين ولا يزول إلا بيقين مثله. فإن قيل: ينبغي أن يجب الوضوء في الريح مطلقا كما قال الشافعي لعموم قوله «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين سئل عن الحدث قال: ما يخرج من السبيلين» والعبرة في النصوص بعين النص لا بمعناه. قلنا: عن محمد أنه يجب الوضوء. ومن المشايخ من قال في المفضاة إذا كان الريح منتنا يجب الوضوء وما لا فلا. والدودة الخارجة من قبل المرأة بمنزلة الريح على الخلاف المذكور. والخارجة من ذكر المرء لا وضوء فيها والخارجة من الفم قيل: لا ينقض وكذا الخارجة من الأنف والأذن لا ينقض الوضوء. قلت: ينبغي أن يكون عدم النقض عند عدم البلة فافهم. ثم اعلم أنهم اختلفوا في أن عين الريح نجس أو متنجس، فمن قال: متنجس وقال بنجاسة عينها، قال: يتنجس السراويل. ومن قال بطهارة عينها لم يقل به كما لو مرت الريح بنجاسة ثم
فإن قشرت نفطة فسال منها ماء أو صديد أو غيره إن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء، وإن لم يسل لا ينقض، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينقض في الوجهين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينقض في الوجهين وهي مسألة الخارج من غير السبيلين. وهذه الجملة نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا، ثم يزداد نضجا فيصير صديدا، ثم يصير ماء هذا إذا قشرها فخرج بنفسه، وأما إذا هذا إذا قشرها فخرج بنفسه، وأما إذا ـــــــــــــــــــــــــــــQمرت بثوب مبتل فإنه لا ينجس بها. وفي قول المصنف لاحتمال خروجها من الدبر. فائدة أخرى: وهي أن المفضاة إذا طلقها زوجها ثلاثا وتزوجت بآخر ودخل بها الزوج الثاني لا تحل للأول ما لم تحمل لاحتمال أن الوطء كان في دبرها لا في قبلها كذا في " الفوائد الظهيرية ". م: (فإن قشرت نفطة) ش: إنما ذكرها بالفاء لأنها من فروع المسائل السابقة، والنفطة بالحركات الثلاث في نونها يخرج البدن ملآن من قولهم انتفط فلان أي امتلأ غضبا، ثم النفطة إذا قشرت م: (فسال منها ماء أو صديد أو غيره) ش: نحو القيح م: (إن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء وإن لم يسل لا ينقض) ش: أراد إن لم يتجاوز عن رأس الجرح لا ينقض الوضوء. وعن أبي حنيفة: إذا خرج ماء صاف لا ينقض، وإن سال. م: (وقال زفر ينقض في الوجهين) ش: يعني سال عن رأس الجرح أو لم يسل. م: (وقال الشافعي لا ينقض في الوجهين) ش: بناء على أصله م: (وهي) ش: أي هذه المسألة هي م: (مسألة الخارج من غير السبيلين) ش: بالخلاف المذكور فيها فيما تقدم، وإنما أعادها ههنا وإن كانت تعلم مما تقدم ليعلم الفرق بين الخارج والمخرج، أو لأن الماء لم يذكر من قبل فأعادها ليعلم ههنا أن حكم الماء حكم غيره. م: (وهذه الجملة) ش: أي الماء والصديد وغيرهما م: (نجسة لأن الدم ينضج فيصير قيحا، ثم يزداد نضجا فيصير صديدا، ثم يصير ماء) ش: أشار بهذا إلى أن اللون الأصلي هو الحمرة فيصير دما، ثم بالنضج يصير قيحا، ثم يترقى فيصير صديدا، ثم يزداد النضج فتزول صفته فيصير ماء. وقال ابن الأثير: القيح المدة، يقال قاحت القرحة. وقال الجوهري: القيح المدة لا يخالطها دم. وقال ابن الأثير: الصديد الدم وليس كذلك، بل الصديد ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة، يقال: أصد الجرح أي صار فيه المدة قاله الجوهري. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من النقض م: (إذا قشرها) ش: أي إذا قشر المتوضئ النفطة م: (فخرج بنفسه) ش: أي فخرج الماء أو الصديد أو القيح بنفسه من غير علاج من القاشر م: (وأما إذا
عصرها فخرج بعصره فلا ينقض، لأنه مخرج وليس بخارج والله أعلم ـــــــــــــــــــــــــــــQعصرها) ش: أي أما إذا عصر المتوضئ النفطة م: (فخرج) ش: أي أحد الأشياء المذكورة م: (بعصره) ش: أي بسبب عصره لا بنفسه م: (فلا ينقض لأنه مخرج) ش: بضم الميم م: (وليس بخارج) ش: والنقض بسبب الخارج كما عرفت. وهذا الذي ذكره اختيار بعض المشايخ واختاره المصنف أيضا. وقال آخرون: ينقض. وقال الأكمل: قال بعض الشارحين: وهذا هو المختار عندي لأن الخروج لازم الإخراج، فلا بد من وجود اللازم عند وجود الملزوم، وفيه نظر، لأن الإخراج ليس بمنصوص عليه، وإن كان يستلزمه، فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به. قلت: أراد بقوله: قال بعض الشارحين الأترازي فإنه قال في شرحه: وقال في " الفتوى " و" الخلاصة " ينقض، وبعض مشايخنا على هذا، وهذا هو المختار عندي لأن الاحتياط فيه وإن كان الرفق بالناس في الأول، وتحقيقه من عندي أن الخروج لازم الإخراج إلى آخر ما ذكره، وجه النظر ما ذكره وفيه نظر، لأن ثبوت اللازم يستلزم ثبوت الملزوم غير قصدي، والاحتياط في كونه معتبرا لأنه من باب العبادة. وفي " النوازل " و " فتاوى العتابي " عصرت القرحة فخرج منها شيء ولو لم يعصر لا يخرج لا ينقض. ولكن قال: وفيه نظر. وفي " الجامع" للإمام السرخسي: إذا عصرها فخرج الدم بعصرها انتقض، وهو حدث عمدا كالفصد والحجامة ولا يبني على صلاته، وفي " الكافي " الأصح أن المخرج ناقض.
[فصل في الغسل]
فصل في الغسل وفرض الغسل المضمضة والاستنشاق وغسل سائر البدن وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هما سنتان فيه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: عشر من الفطرة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في الغسل] [فرائض الغسل] م: (فصل في الغسل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الغسل وقد بينا معناه لغة واصطلاحا وإعرابا أيضا فيما تقدم. والغسل بضم الغين اسم من الاغتسال. وبفتح الغين مصدر غسل يغسل من باب ضرب يضرب. وبكسر الغين ما يغسل به من خطمي ونحوه. وقال ابن الأثير: الغسل بالضم الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل، وهو الاسم أيضا من غسله، ويقال: الغسل بفتح الغين وضمها لغتان، والفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة، والضم هو الذي يستعملها الفقهاء أو أكثرهم. وزعم بعض المتأخرين أن الفقهاء غلطوا في الضم وليس كما قال بل غلط هو في إنكاره ما لم يعرفه، وقيل: بالضم اسم الاغتسال الذي يعم البدن كله ذكره الأزهري. وقال عبد الحق: وقد أولع الفقهاء باتباع المضموم على فعل الغسل لا وجه له، وإنما قدم فصل الوضوء على الغسل لأن الحاجة إلى الوضوء أكثر، ولأن محل الوضوء جزء البدن ومحل الغسل كله والجزء قبل الكل، واقتداء بكتاب الله تعالى، فإنه وقع على هذا الترتيب، أو لأن الوضوء وظيفة الحدث الأصغر والغسل وظيفة الحدث الأكبر، والأصغر مقدم على الأكبر بمعنى أنه مقدمة الأكبر ثم ترتيب الغسل عليه باعتبار أنهما طهارتان تعلقتا بالبدن. م: (وفرض الغسل) ش: بضم الغين أي مفروض الغسل، كما يقال: هذه الدراهم ضرب الأمير أي مضروبه. والواو فيه إما للاستئناف وإما للعطف على قوله: ففرض الطهارة م: (المضمضة والاستنشاق) ش: قد مر تفسيرهما في فصل الطهارة م: (وغسل سائر البدن) ش: أي باقي البدن، وغسل الشيء عبارة عن إزالة الوسخ عنه بإجراء الماء عليه. والحاصل أن فرض الغسل ثلاثة منها: المضمضة والاستنشاق وبه قال الثوري وابن سيرين والليث وابن عرفة وهو مذهب ابن عباس وغيره من الصحابة. م: (وعند الشافعي هما سنتان فيه) ش: أي في الغسل، وبه قال مالك، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري، والزهري والحاكم وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري ورواية عن عطاء وأحمد في رواية، وفي رواية أخرى وهي المشهورة أنهما واجبتان وشرطان لصحتهما، وهو مذهب ابن أبي ليلى وحماد وإسحاق، وقال أبو ثور وأبو عبيد وداود: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة وهو رواية ثالثة عن أحمد. وقال ابن المنذر: وبه أقول. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عشر من الفطرة» ش: هذا الحديث رواه الجماعة إلا البخاري ورواه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمسلم وأبو داود وابن ماجه في الطهارة والترمذي في الاستئذان، وقال: حديث حسن. والنسائي في الزينة كلهم عن مصعب بن شبيب عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة» . وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث علي بن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر عن عمار بن ياسر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من الفطرة المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والانتضاح بالماء، والاختتان» ورواه أحمد في "مسنده " والطبراني في "معجمه " والبيهقي في "سننه "، وشراح الكتاب المشهورون لم يذكر أحد هذا الحديث بنصه ولا ذكروا من رواه، ولا كيف حاله، وأعجب من ذلك كله يفسرون العشر بقولهم خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد، فالتي في الرأس الفرق، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والتي في الجسد: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والاستنجاء بالماء. وذكروا الفرق ولم يذكروا الحديث المذكور وإعفاء اللحية. وذكر في الحديث المذكور وذكر الاختتان في حديث أبي داود. وقوله: «عشر من الفطرة» مبتدأ وخبر. فإن قلت: عشر كيف يكون وقع مبتدأ، وقد علم أن العدد إذا ذكر وأريد به المعدود فهو غير علم، وهو منصرف، كقولك: عندي ستة، لأن المراد بهذه الستة هو المعدود وليس العدد، لأن العدد ليس شيئا يكون وقع مبتدأ. قلت: لأنه أريد به المعدود المعروف فيكون علما فيقع مبتدأ وقد علم أن العدد إذا ذكر وأريد به المعدود فهو غير علم فهو منصرف كقولك عندك ستة لأن المراد بهذه الستة هو المعدود لا العدد لأن العدد ليس شيئا يكون عندك، وإذا أريد به العدد فيحتمل أن يكون ستة من الدراهم، أو الدنانير أو غيرهما. فإذا كان كذلك يكون نكرة، وأما إذا أريد به العدد المعروف يكون علما غير منصرف للعلمية والتأنيث، تقول: عشرة ضعف خمسة، عشر، هنا منصرف لعدم التأنيث، ثم إنه يفسر باسم جمع وهو نحو خصال، والتقدير عشر خصال من الفطرة وقد علم أن عشر وأخواته إذا فسر باسم جنس أو اسم مؤنث لا يقال بالتاء، نحو ثلاث من التمر، وعشر من الإبل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوإذا كان المعدود ما يذكر ويؤنث كحال ولسان وعين يجوز تذكيره، وتأنيثه نحو ثلاثة أحوال، وثلاث أحوال، ويمكن الوجهان في اسم جنس واحدة بالتاء كبقر ونخل فيقال ثلاث من البقر وثلاثة من البقر. والفطرة: السنة وتأويله أن هذه العشرة من سنن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - الذين أمرنا أن نقتدي بهم، وأول من أمر بها إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وكلمة من للتبعيض لأن السنن كثيرة. والإعفاء من أعفى وثلاثيه عفا، يقال: عفا الشيء إذا كثر وزاد من ذلك عفا الزرع، وإعفاء اللحية: إرسالها وتوفيرها. قوله: " والسواك " أي واستعمال السواك. قوله: " والانتقاص بالماء " بالقاف والصاد المهملة وقد فسره وكيع بأنه الاستنجاء، وقال أبو عبيد: معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره، وقيل: هو الانتضاح كما في رواية أبي داود والآخرين. وقال الجمهور: الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس. وقال ابن الأثير أنه روي انتفاص بالفاء والصاد المهملة، وقال في فصل الفاء: قيل الصواب إنه بالفاء، قال: والمراد نضحه على الذكر من قولهم نضح الماء القليل بعضه وجمعهما نقض. وقال النووي في "شرح مسلم ": هذا الذي ذكره شاذ، والصواب هو الأول. قوله: " ونسيت العاشرة " أي الخصلة العاشرة. والاستحداد: استعمال الحديدة وهي الموسي والمراد بها حلق العانة. وغسل البراجم بفتح الباء الموحدة وبالجيم جمع برجمة بضم الباء وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها، وغسلها تنظيفها من الوسخ، وقال الخطابي: إنه الواجب ما بين البراجم. وأما الفرق الذي ذكره الشراح فقد وقع في رواية ابن عباس ورواه أبو داود عنه أنه قال: " خمس كلها في الرأس، وذكر فيها الفرق، ولم يذكر إعفاء اللحية " والفرق بالسكون مصدر من فرق شعره إذا جعله فرقتين وقد انفرق شعره في مفرقه وهو وسط رأسه، وأصله من الفرق بين الشيئين وفي " المطالع ": وكانوا يفرقون بالتخفيف أشهر، وقد شددها بعضهم. ثم اعلم أن الحديث المذكور وإن كان مسلم قد أخرجه فقد أثبت فيه ابن منده علتين: إحداهما: من جهة مصعب فإنه قال النسائي فيه في "سننه " منكر الحديث، وقال أبو حاتم:
أي من السنة وذكر منها المضمضة والاستنشاق ولهذا كانتا سنتين في الوضوء ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ـــــــــــــــــــــــــــــQليس بقوي، ولا يوجد من وثقه. والثاني: أن سليمان التيمي رواه عن طلق بن حبيب عن أبي الزبير مرسلا هكذا رواه النسائي في "سننه "، ولأجل هاتين العلتين لم يخرجه البخاري، ولم يلتفت مسلم إليهما لأن مصعبا عنده ثقة، والثقة إذا أوصل حديثه يقدم وصله على الإرسال. م: (أي من السنة) ش: هذا تفسير الفطرة وليس من الحديث، وللفطرة معان بمعنى دين الإسلام وبمعنى الخلق، وبمعنى الاختراع والإبداع. وقال الخطابي فسرها أكثر العلماء بالسنة. وقال ابن الصلاح: هذا فيه إشكال لبعد معنى السنة من معنى الفطرة في اللغة، فلعل وجهه أن أصله سنة الفطرة أراد بها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقال النووي: تفسيرها بالسنة هو الصواب، ففي " صحيح البخاري " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من السنة قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار» ، م: (وذكر منها) ش: أي في الفطرة التي هي السنة م: (المضمضة والاستنشاق ولهذا) ش: أي ولأجل كونهما من السنة م: (كانتا سنتين في الوضوء) ش: عنده وعندنا أيضا وعند أحمد فرض في الوضوء والغسل جميعا. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) أي اغسلوا على وجه المبالغة، والجنب يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب، يقال: أجنب يجتنب. والجنابة الاسم وهي في اللغة العبد وسمي الإنسان جنبا لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، وقيل: لمجانبة الناس حتى يتطهر. قال الجوهري: يقال: أجنب الرجل وجنب أيضا بالضم. قلت: الجنب صفة مشبهة وهو الذي يجب عليه الغسل بالجماع وخروج المني ويجمع على أجناب وجنبين، قوله {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] صيغة أمر الجماعة، أصله تطهروا فلما قصد الإدغام قلبت التاء طاء فأدغم في الطاء، واجتلبت همزة الوصل، ومعناه طهروا أبدانكم. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه: قوله: {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أمر بالإطهار فكان يجنبه لو كانت هكذا، (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أمر بالإطهار. ثم شرحه بقوله: قوله أمر بالتطهر بضم الهاء لأن أصله تطهروا فأدغمت التاء في الطاء لقرب المخرج، وحتى بهمزة الوصل ليتوصل بها إلى النطق فصار اطهروا. قلت: غالب النسخ التي عثرنا عليها هكذا، ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]
وهذا أمر بتطهير جميع البدن إلا أن ما تعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص ـــــــــــــــــــــــــــــQ (المائدة: الآية 6) وهو أمر بتطهير جميع البدن إلا ما يتعذر اه. فإن كان الذي نقله هو لفظ المصنف يكون قصده الإشارة إلى أن قوله: فاطهروا من باب التفعل لا من باب الافتعال، ليدل على التكلف والأعمال، ومعناه أن الفاعل تبعا في ذلك الفعل فيحصل ويصير معناه استعمل الشجاعة وكلف نفسه إياها، كذلك استعمل يصير بالتكلف، ثم شرح الأترازي ههنا بقوله: وبعض من لا خبرة له ولا دراية يقرؤه بالإطهار، وما ذلك إلا لحرمانه من العربية والمصنف بريء من عهدته. قلت: هذا تشنيع بارد وهو تشنيع من لا خبرة له في قواعد العربية قرن الإطهار الذي قواه ذلك التشنيع عليه من باب الافتعال كان أصله الاطهار، فقلبت التاء طاء، وأدغمت الطاء في الطاء على ما هو القاعدة، وهذا الباب أيضا يدل على التكلف والاعتمال ما ليس في كسب فلذلك كما في قَوْله تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) بكلمة: على وليست بكلمة اللام ما اكتسبت على وكسبت مشكلة اللام. ثم قوله: والمصنف بريء من عهدته أبرد من تشنيعه بغير وجه لأن الذي قرأه بالاطهار هل على أمر كسب خطيئة أنزل حفظه أو ذكر خلاف ما تقتضيه القواعد، وخالف المصنف بغير وجه حتى يبرأ عنه المصنف م: (وهذا أمر بتطهير جميع البدن) ش: أي قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أمر لتطهير سائر البدن في حق الجنب حتى تجب عليه المضمضة، والاستنشاق وإيصال الماء إلى باطن السرة، وتحريك الخاتم. وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة» هي ظاهر الجلد فيجب غسل جميعها ولهذا احتج أصحابنا على فريضة المضمضة والاستنشاق في الغسل. وشنع الخطابي ههنا على أصحابنا وقال من يحتج بفرضية المضمضة من الجنابة أن داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم ما ظهر من البدن وداخل الفم والأنف ليس منها. قلت: ليس كذلك فإن أصحابنا احتجوا بفريضة الاستنشاق في الجنابة بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن تحت كل شعرة جنابة» وفي الأنف شعور، وأما المضمضة فإن الفم من ظاهر البدن بدليل أنه لا يقدح في الصوم فيطلق عليه ما يطلق على البدن، فهذا باعتبار الفرضية لا باعتبار ما قاله الخطابي، ثم استثنى من ذلك ما يتعذر إيصال الماء إليه من البدن بقوله: م: (إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن قضية النص) ش: أي مقتضى النص وتناوله
بخلاف الوضوء لأن الواجب فيه غسل الوجه والمواجهة فيهما منعدمة، والمراد بما روي حالة الحدث ـــــــــــــــــــــــــــــQلجميع البدن، لأن البدن اسم للظاهر والباطن سقط لأجل التعذر في إمكان غسله، لأن تكليف ما ليس في الوسع مستحيل كما يسقط الظاهر إذ كان به جراح أو عدم الماء، والأنف والفم يمكن غسلهما فإنهما يغسلان عادة وعبادة نفلا في الوضوء، وفرضها في النجاسة الحقيقية فيتناولهما الأمر وأما القياس فلتعذر إدخال الماء فيهما والعسر معنى كالتعذر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) وفي غسلهما من الحرج ما لا يخفى، ولهذا لا تغسل العين إذا تكحل بالكحل النجس. وروى أبو داود والترمذي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشر"، ويروى فاغسلوا الفرق» . وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ترك موضع شعرة لم يصبه الماء فعل به كذا وكذا من النار" قال علي: فمن ثم عاديت شعري وكان يجزه» رواه أبو داود وأحمد وغيرهما بإسناد حسن. وروى الدارقطني عن ابن سيرين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالاستنشاق من الجنابة» . وروي أيضا عن ابن عباس «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمضمضة والاستنشاق إن كان جنبا أعاد المضمضة والاستنشاق واستأنف الصلاة عليه أن فرضها في الجنابة» م: (بخلاف الوضوء) ش: جواب عن قياس الشافعي الغسل بالوضوء م: (لأن الواجب فيه) ش: أي في الوضوء م: (غسل الوجه) ش: لا جميع البدن م: (والمواجهة فيهما) ش: أي محل المضمضة والاستنشاق م: (منعدمة) ش: أي معدومة وأهل التصريف يجعلون العدم خطأ مطاوعة، لأن الفعل للمطاوعة، وهو مختص بالعلاج والتأثير، وجوابه معدومة. م: (والمراد بما روي حالة الحدث) ش: جواب عن حديث الشافعي يحمله على الوضوء أي
بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء» ـــــــــــــــــــــــــــــQالمراد من كونهما سنتين في الوضوء م: (بدليل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء» ش: لم يذكر أحد من الشراح أصل هذا الحديث، وإنما قال الأترازي وتبعه الأكمل بدليل ما روي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إنهما فرضان في الجنابة نفلان في الوضوء» . ولفظ الأكمل: سنتان في الوضوء. وقال السروجي: وأما قول صاحب " الهداية ": (بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء» فلا يعرف. قلت: روى الدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما " ما يقارب ذلك من حديث بركة بن محمد الجهني عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» . ورواه الحاكم في المستدرك ولفظه قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» وقال الحاكم في "المستدرك " وفي " المدخل ": بركة بن محمد الحلبي يروي عن يوسف بن أسباط أحاديث موضوعة. وقال الدارقطني: حديث بركة باطل لم يحدث به غيره وهو يضع الحديث، وقال البيهقي: رواه الثقات عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين مرسلا. وقال الشيخ تقي الدين ابن الإمام: وقد روي هذا الحديث موصولا من غير حديث بركة أخرجه الإمام أبو بركة الخطيب من جهة الدارقطني حدثنا علي بن محمد بن يحيى بن مهران السواق حدثنا سليمان بن الربيع المهدي حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المضمضة والاستنشاق ثلاثا للجنب فريضة» . قال الدارقطني: غريب تفرد به سليمان بن الربيع عن همام. وروى البيهقي من طريق الدارقطني بسنده عن أبي حنيفة عن عثمان بن راشد عن عائشة بنت محمد عن ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق قال لا يعيد إلا أن يكون جنبا. وجواب آخر: عما استدل به الشافعي أن الختان فرض عنده وكذا انتقاص الماء وهو الاستنجاء فرض عنده، فكل جواب له عنهما فهو جواب لنا في المضمضة والاستنشاق.
[سنن الغسل]
وسننه أن يبدأ المغتسل فيغسل يديه وفرجه ويزيل النجاسة إن كانت على بدنه ـــــــــــــــــــــــــــــQ1 - فروع: جنب اغتسل ولم يتمضمض إلا أنه شرب الماء هل يقوم الشرب مقام المضمضة أجاب أبو الفضل وقال: نعم. وقال الفقيه أبو جعفر: إن بلغ البلل نواحي الفم كما يبلغ له تمضمضا يجوز وما لا فلا. وقيل: إذا كان الرجل عالما أو مصريا لا يجوز له لأنه يشرب على وجه السنة يمص مصا وإن كان غير عالم أو بدويا يعب الماء عبا فيصل الماء جميع فمه فيجوز، لأن الجنابة تحولت إلى الفم فطهر الفم بشرب الماء. فرع آخر: والأقلف لا يجب عليه إدخال الماء داخل الجلد لأنه خلقة له وهو المختار. [سنن الغسل] [البدء بغسل اليدين في الغسل] م: (وسننه) ش: أي سنن الغسل م: (أن يبدأ المغتسل) ش: أي من يريد الاغتسال من قبل قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] (النحل: الآية 98) أي إذا أردت أن تقرأ القرآن والمعنى من شرع في الاغتسال م: (فيغسل يديه) ش: بنصب اللام عطف على قوله أن يبدأ، والفاء للعطف. وقال السروجي: الفاء للتفسير. قلت: ليس في قوله أن يبدأ إبهام حتى يفسر على ما لا يخفى م: (وفرجه) ش: بنصب فرجه والفرج يتناول القبل والدبر م: (ثم يزيل النجاسة إن كانت على بدنه) ش: وقع في بعض النسخ ويزيل نجاسة إن كانت على بدنه بواو العطف وتنكير النجاسة. قال السغناقي: قيل والأصح أن يقال ويزيل نجاسته لأن حرف التعريف لا يخلو إما أن يراد به العهد، أو الجنس ولا يجوز الأول؛ لأن قوله إن كانت كلمة الشك يأباه لأن العهد يقتضي التقرير إما ذكرا أو علما. ولا يجوز الثاني، لأن كون النجاسة كلها في بدنه محال وأقل النجاسة التي ليس دونها أقل وهو الجزء الذي لا يتجزأ غير مرادة، لأنه علل ذلك في الكتاب بقوله كيلا يزداد بإصابة الماء، وهذا الذي ذكرناه لا يزداد عند إصابة الماء، لما أنه ذكر الإمام التمرتاشي في " الجامع الصغير " قال وفي التفاريق عن أبي عصبة لو أصابت النجاسة مثل رؤوس الإبر ثم أصاب ذلك الموضع ماء لم يتنجس. قلت: هذا الذي ذكره منقول عن الإمام حميد الدين الضرير في شرحه ثم قال السغناقي قلت: إلا أن الرواية بالألف واللام قد ثبتت في النسخ فوجهه أن تحمل الألف واللام على تحسين النظم من غير اعتبار تعريف الجنس وتعريف العهد فكان ينبئ عن معنى التنكير نحو قَوْله تَعَالَى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] (الجمعة: الآية 5) ، وقَوْله تَعَالَى {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} [يس: 33] (يس: الآية 33) ، وحيث وصفها بالجملة الفعلية لبقائها على معنى التنكير، فكانت من قبيل قول
[الوضوء من سنن الغسل]
ثم يتوضأ وضوءه للصلاة إلا رجليه ـــــــــــــــــــــــــــــQالقائل: ولقد أمر على اللئيم يسبني وقال بعض الشارحين: ربما يتعين التنكير إذا انحصرت اللام في التعريفين وليس كذلك، يجوز أن تكون اللام لتعريف الماهية. فقلت: أراد ببعض الشارحين قوام الدين فإنه قال في شرحه ثم قال الأكمل: هذا ليس بشيء؛ لأن الماهية من حيث هي لا توجد في الخارج، فإما أن توجد في الأقل أو في غيره وذلك فاسد لما مر. وقال تاج الشريعة: ويزيل نجاسته بدون الألف واللام أولى لأنها عست أن تكون وعست أن لا تكون فذكرها منونة أولى، ثم ذكر وجه الأولوية كما ذكرناه. قلت: هذا كله تكلف منهم لأن مثل هذا إذا وقع في الكتاب أو في كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي هو أفصح الخلائق يستقل وفي غيرهما يوقف على الصواب وإن وقع على غير نهج الصواب يبدل بالصواب. [الوضوء من سنن الغسل] م: (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة) ش: بالنصب عطفا على أن يبدأ أي مثل وضوئه للصلاة، إنما قاله هكذا كيلا يتوهم إذ يريد به غسل اليدين إلى المرفقين لأنه قد يسمى وضوءا، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر» ، وقيل احترز به عما روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن الجنب يتوضأ ولا يمسح رأسه، لأنه لا فائدة فيه لوجود إسالة الماء من بعد وذلك بعدم معنى المسح بخلاف سائر الأعضاء لأن السيل هو الموجود فلم يكن السيل من بعد معدما له. فإن قلت: لم يعلم من عبارته حال هذا الوضوء هل هو سنة أو فرض. قلت: غير واجب عندنا فيدخل الوضوء في الغسل كالحائض إذا أجنبت يكفيها غسل واحد ومنهم من أوجبه إذا كان محدثا قبل الجنابة. وقال داود: يجب الوضوء والغسل في الجنابة المجردة بأن يأتي الغلام والبهيمة أو لف ذكره بخرقة فأنزل وفي أحد قولي الشافعي يلزمه الوضوء في الجنابة مع الحدث. وفي قوله الآخر: يقتصر على الغسل لكن لا يلزم أن ينوي الحدث والجنابة في قوله وفي قول يكفي نية الغسل، ومنهم من أوجب الوضوء بعد الغسل وأنكره علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتوضأ بعد الغسل» ، رواه مسلم والأربعة. م: (إلا رجليه) ش: يعنى يؤخر غسل رجليه لأن في حديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على ما
ثم يفيض الماء على رأسه وسائر الجسد ثلاثا ـــــــــــــــــــــــــــــQيأتي هكذا «ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه» . وهذا يقتضي تأخير غسل الرجلين عن إكمال الوضوء، وبعضهم أجاز التكميل ومنهم الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بظاهر حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يفيض الماء على جلده كله» ، رواه البخاري ومسلم. والعجب من الشافعي كيف اختار التكميل فإن في حديث ميمونة النص على تأخير غسل الرجلين، وحديث عائشة مطلق ومن مذهبه حمل المطلق على المقيد في حادثتين فكيف في حادثة واحدة وهو نقض لأجله، والحديثان صحيحان وليس فيهما كلام. فإن قلت: كيف التوفيق بين الروايتين عندنا. قلت: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أرجح بطول الصحبة والضبط في الحديث. وفي " شرح الوجيز " كلاهما سنة والكلام في الأولى وفي " المجتبى " والأصح أنه إن لم يكن في منبع الماء يتقدم بقدم وهو التوفيق بين الروايتين. وفي " المبسوط " إنما يؤخر غسلهما إذا كانا فيه حتى لو كان على حجر أو لوح أو آجر لا يؤخر كما ذكره في المتن على ما يأتي م: (ثم يفيض الماء على رأسه وعلى سائر جسده ثلاثا) ش: ثم يفيض بالنصب عطفا على قوله ثم يتوضأ. قوله وسائر جسده أي الباقي أي باقي جسده. قال أبو منصور الأزهري: وفي " تهذيب اللغة " اتفقوا على أن معنى سائر: الباقي. وقال ابن الصلاح: سائر بمعنى الجميع مردود عند أهل اللغة معدود من غلط ولا يلتفت إلى قول الجوهري أن سائر بمعنى الجميع فإنه ممن لا يقبل قوله فيما ينفرد به وقال السروجي «وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لغيلان الديلمي أسلم على أكثر من أربع اختر منهن أربعا وفارق سائرهن» يعني أن يكون سائر بمعنى الباقي دون الجميع للتناقض، فهذا يؤيد ما ذكره ابن الصلاح وحكم على الجوهري بالغلط في موضعين. أحدهما: في تفسيره بالجميع، الثاني: في ذكره في سير وحقه أن يذكر في باب سئر مهموز العين لا في معتل العين. قال: لأنه من السؤر الذي هو مهموز العين بمعنى البقية، قلنا له والجوهري لم ينفرد به وقد وافقه أبو المنصور الجواليقي في " شرح أدب الكاتب " أنه بمعنى الجميع، وأنكر أبو علي أن يكون السائر بمعنى السؤر بمعنى البقية لأنها بمعنى الأقل والسائر لأن السائر يقتضى لما كثر والبقية لما قل.
ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه هكذا حكت ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغتسال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال ابن سيرين: من جعله سائرا من سار يسير يجوز أن يقول نفيت سائر الأديان أي نفي جميع الأديان. ثم قال السروجي: كون السائر لما كثر لا يمنع أن يكون من السؤر ويكون قد غلب في السؤر الخاص وهو الغالب في اليسير والكثير كالنجم، والبقية أيضا في القليل بالقلة لأنها فعلية من بقي تقول: ذهب زيد وبقي القوم بعده قلت: ذكره الصاغاني في العباب في سائر مهموز العين ثم قال: وسائر القوم بقيتهم وليس معناه جماعة الناس كما زعم من قصر في اللغة باعا وعناء ففي اختيار الغرائب باعه وهو مشتق من السؤر، فكما أن السؤر البقية والفضلة فكذلك السائر الباقي قوله ثلاثا بالنصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي ثم يفيض الماء ثلاثا أي ثلاث مرات. وكيفية الإفاضة أن يفيض الماء على منكبه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ثم على رأسه وسائر جسده ثلاثا، كذا قاله الحلوائي وقيل يبدأ به ثلاثا ثم الرأس ثم بالأيسر، وقيل يبدأ بالرأس كما أشار إليه القدوري، وهكذا قال في كتب أصحاب الشافعي. م: (ثم يتنحى عن ذلك المكان) ش: أي ثم يتحول من المكان الذي اغتسل فيه م: (فيغسل رجليه) ش: بنصب اللام م: (هكذا حكت ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغتسال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: حديث ميمونة أخرجه الأئمة الستة في كتبهم مطولا ومختصرا عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال حدثتني خالتي «ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "أدنيت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات من كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده» ، وفي رواية «وضعت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضوء الجنابة» . وفي الترمذي " غسلا"، وفي بعض طرقه ماء. وفي رواية: «ثم دلك بيده الحائط أو الأرض» . وفي رواية «فأتيته بخرقة فلم يردها» . وفي غير رواية الترمذي «فجعل ينفض الماء بيده» . قولها: غسله بكسر الغين وهو ما يغتسل به. قاله الإمام، وقال غيره بضم الغين وهو الماء الذي يغتسل به. قولها: وضوء الجنابة بفتح الواو. وقوله: ثلاث حفنات جمع حفنة وهي ملء الفم. وفي رواية عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثلاث حثيات أي ثلاث غرفات، وهي جمع حثية، وفي رواية ثلاث غرفات، وجاء ثلاث غرفات فالغرفات جمع غرفة. وفي الحديث دليل على استخدام الزوج لزوجته، وفيه تأخير الرجلين عن إكمال الوضوء،
وإنما يؤخر غسل رجليه لأنهما في مستنقع الماء المستعمل فلا يفيد الغسل حتى لو كان على لوح لا يؤخر، وإنما يبدأ بإزالة النجاسة الحقيقية كيلا تزداد بإصابة الماء. وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل. ـــــــــــــــــــــــــــــQوروي عن مالك أنه إن أخر غسل الرجلين فيه استأنف الوضوء. وعند أبي ثور يلزم الجمع بين الوضوء والغسل، واستدل بعضهم برده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الخرقة على أنه لا ينشف أعضاء الوضوء، لا دليل فيه لأنه يحتمل أن يكون ذلك لمعنى في الخرقة أو غير ذلك. وقد ذكر: هذا نفض أعضاء الوضوء ولا فرق بين الوضوء والغسل، وتمسكهم [بحديث] «لا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان» وهو حديث ضعيف، وقد ذكرناه فيما مضى. م: (وإنما يؤخر غسل رجليه لأنهما في مستنقع) ش: أي في مجتمع م: (الماء المستعمل فلا يفيد الغسل) ش: أي غسل الرجلين حينئذ م: (حتى لو كان على لوح لا يؤخر) ش: لعدم الماء المستعمل حينئذ. وينبغي أن يكون هذا التعليل على رواية كون الماء المستعمل نجسا م: (وإنما يبدأ) ش: المغتسل م: (بإزالة النجاسة الحقيقية) ش: الظاهر أنه أراد بها النجاسة المعهودة في ذلك الحال وهي المني الرطبة؛ فإن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قالت في الحديث المذكور «ثم أفرغ على فرجه» . وفي رواية «وما أصابه من الأذى» وفيه دلالة على نجاسته. قيل: هذا تكرار لأنه ذكره أولا وليس كذلك لأنه ذكره ههنا لبيان التعليل، لأن هذا الكتاب كالشرح على القدوري م: (كيلا تزداد) ش: أي النجاسة إن كانت م: (بإصابة الماء) ش: لأن الماء إذا أصاب النجاسة بسطت وانتشرت فيزداد عليه العمل. م: (وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها في الغسل) ش: الضفائر جمع ضفيرة وهي العقيصة، والضفرة بفتح الضاد المعجمة وسكون الفاء مسبح الشعر عريضا، وتحريك الفاء بالفتح بمعنى المضفور والتضفير مثله، وأضفرت المرأة شعرها ولها ضفيرتان وضفيران أي عقيصتان. ومذهب الجمهور لا يلزمها نقضه إلا أن يكون مليئة لا يصل الماء إلى أصوله فيجب نقضه. وقال النخعي: يجب نقضها بكل حال. وقال أحمد يجب في الحيض دون الجنابة وقيل: في تخصيص المرأة إشارة إلى أن حكم الرجل بخلافها. وفي " المبسوط " إذا ضفر الرجل شعره كما يفعله العلويون والأتراك هل يجب إيصال الماء إلى انتهاء الشعر، فظاهر الحديث أنه لا يجب. وذكر الصدر الشهيد أنه يجب، والاحتياط إيصال الماء. وقال الشافعي: يجب نقضه إذا كان لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض وبل الشعر، وإن وصل بدون النقض فلا حاجة إليه. وعن مالك أنه لا يجب نقض الضفائر ولا إيصال الماء إلى
إذا بلغ الماء أصول شعرها «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "أما يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك» ، وليس عليها بل ذوائبها هو الصحيح لأن فيه حرجا، بخلاف اللحية لأنه لا حرج في إيصال الماء إلى أثنائها. ـــــــــــــــــــــــــــــQمنابت الشعور الكثيفة وما تحتها لدفع الحرج. وفي " مبسوط بكر " في وجوب إيصال الماء إلى شعب عقاصها اختلاف المشايخ. فإن قيل: الأصل في النساء أن لا يذكرن لأن مبنى حالهن على الستر، ولهذا يذكرن في القرآن حتى شكين فنزل {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] (الأحزاب: الآية 35) أجيب بأن الحكم إذا كان مخصوصا بهن يذكرن كهذه المسألة وكما في مسألة الحجاب، ثم إنهن مخصوصات بالضفائر ولهذا كره لهن الحلق وشرع لهن القصر في الحج. م: (إذا بلغ الماء أصول شعرها) ش: لحصول المقصود حتى إذا لم يبلغ فعليها النقض م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أما يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك» ش: أم سلمة إحدى زوجات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واسمها هند بنت أبي أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة هذا والراكب والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري من حديث عبد الله بن رافع مولى أم سلمة «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا، وإنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهري، أو فإذا أنت قد طهرت» . فإن قلت: هذا خبر واحد فلا تجوز به الزيادة على قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، قلت الشعر ليس من كل وجه ببدن، والأمر بالتطهير للبدن، أو لأن مواضع التطهير مستثناة كتداخل العينين. م: (وليس عليها) ش: أي على المرأة م: (بل ذوائبها) ش: هي جمع ذؤابة وكان الأصل في الجمع أن يقال ذوائب، لأن الألف التي في ذؤابة كالألف التي حقها أن تبدل همزة في الجمع، ولكنهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوا وأصله أذئبة ذال معجمة وهمزة وباء م: (هو الصحيح) : احترز به عما روي من وجوب البل والعصر ثلاثا، رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال إنها تبل ذوائبها ثلاثا مع عصر كل بل ليبلغ الماء شعب قرونها. والأصح: أنه غير واجب ولهذا قال هو الصحيح م: (لأن فيه حرجا بخلاف اللحية لأنه لا حرج في إيصال الماء إلى أثنائها) . وفي " المحيط " يجب إيصال الماء إلى إنبات شعرها إذا كان معقوصا ذكره أبو جعفر الهندواني، وإن كان مضفورا قيل يجب إيصال الماء إلى إنباته لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فبلوا الشعر» والصحيح عدمه واحتجوا بحديث أم سلمة وأخرج مسلم عن عبيد بن عمر قال «بلغ عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا
[المعاني الموجبة للغسل]
قال: والمعاني الموجبة للغسل: ـــــــــــــــــــــــــــــQعجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضهن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن فقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد وما أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات» . وفي " المبسوط " وغيرها بلغها عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مكان ابن عمرو وليس بصحيح، وإنما هو التباس وفي " الخلاصة " وفي شعر الرجال يفترض إيصال الماء إلى المترسل وإيصال الماء إلى البشرة فرض. وذكر الفقيه أبو الليث من اغتسل من الجنابة ينبغي أن يدخل أصبعه في سرته مبالغة في إيصال الماء إلى ما ظهر من بدنه، فإن لم يفعل إن علم أنه وصل إليها أجزأه وإلا فلا. [المعاني الموجبة للغسل] م: (قال) ش: أي القدوري م: (والمعاني الموجبة للغسل) ش: أي العلل التي توجب الغسل، واختار لفظ المعاني لكون العلل من ألفاظ الفلاسفة وقد كره العلماء استعمالها وقد تقدم هذا فيما مضى ورد هذا بأن الأصوليين من أهل السنة استعملوا لفظ العلة والعلل في كتبهم كما قالوا استعارة العلة للمعلول وفي تخصيص العلة وتقسيمها إلى ما هو علة معنى وحكما واسما وغير ذلك، فإن كان استعمال هذا اللفظ مما يجتنب فينبغي أن يجتنب في جميع المواضع، ولكن الأولى أن يقال إنما استعمل لفظ المعاني اتباعا للسنة لورودها بلفظ المعاني في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث» ، أراد بها العلل، ولهذا يأت بالباء. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين: هذه معان موجبة للجنابة لا للغسل على المذهب الصحيح من علمائنا فإنها تنقضه فكيف توجبه. قلت: أراد السغناقي فإنه قال في شرحه في هذا الموضع هكذا، ثم قال الأترازي لا شك أن معنى قوله المعاني الموجبة للغسل تجب لهذه المعاني على طريق البدل على معنى أن أي معنى من هذه المعاني إذا وجد يجب به الغسل فإن تجتمع العلة والمعلول بلا نقض. والذي قاله الشراح إنما يتوجه إذا كانت هذه المعاني موجبة لوجود الغسل لا لوجوبه ولم يتقيد المصنف بالوجود حتى يورد عليه مثلها. قلت: التحقيق في هذا الكلام أن العلل الشرعية لا تكون موجبة بذواتها، فإنما الموجب للحكم هو الله تعالى إلا أن ذلك الإيجاب غيب عنا في حقنا، وجعل الشرع الأسباب التي يمكننا الوقوف عليها علة لوجوب الحكم في حقنا تيسيرا علينا، ثم إن هذه العلل الثلاث موجبة للجنابة والجنابة موجبة للغسل فيكون المعاني الموجبة علة العلة، فكما أن الحكم يضاف إلى العلة يضاف إلى علة العلة. وذكر في " مبسوط شيخ الإسلام " أن سبب وجوب الاغتسال إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة. وأجاب الأكمل: بسبب الجنابة واجبا بما لا يحل عن هذا بقوله ورد بأن الغسل يجب بأحد المعاني المذكورة سواء وجدت الإرادة أو لم توجد. قلت: هذا جواب الأترازي في شرحه.
[إنزال المني من موجبات الغسل]
إنزال المني على وجه الدفق والشهوة من الرجل والمرأة حالة النوم واليقظة، ـــــــــــــــــــــــــــــQثم قال الأكمل وفيه نظر ولم يبين وجه ذلك قلت: وجه ذلك أن فائدة الوجوب الأداء وهو أمر اختياري فإن إضافة الوجوب إلى الأداء بهذا المعنى وقيل السبب الجنابة قال الأكمل وأورد عليه الحيض والنفاس ولو زيد عليه أو ما في معناها لاندفع. قلت: هذا لا يرد أيضا للأترازي، وجواب فيه أيضا له عند عامة المشايخ سبب وجوب الغسل القيام إلى الصلاة، وإرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة، إما إضافة الحكم إلى الشرط فإن الحدث والجنابة من شرائطهما وجوب الوضوء والغسل وإما باعتبار أن بعضهم جعل الجنابة سببا لوجوب الغسل ولهذا ذكر في " الكافي " ويجب عند مني ذي دفق وشهوة فإن الحكم يجب عند الشرط بالعلة لا بالشرط، فإضافة الوجوب إلى الشرط مجاز كما يقال صدقة الفطر. وقال تاج الشريعة: هذه المعاني منجسة للبدن لا موجبة للاغتسال، بل يجب الاغتسال بإرادة الصلاة لكن عند تنجس البدن بخروج هذه النجاسات منه فكانت شرطا بها فيصير البدن قابلا لوصف التطهير والوصف الذي يثبت به علة الحكم شرطا فإن المحال شروط لما يثبت به المحلية يكون شرطا أيضا فتكون إضافة الوجوب إلى الشرط مجاز، أو قيل هذه المعاني موجبة للغسل بواسطة الجنابة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شراء القريب إعتاقه» . [إنزال المني من موجبات الغسل] م: (إنزال المني) ش: المني ماء أبيض خاثر رائحته مثل الطلع يلتذ به الذكر ويتولد منه الولد م: (على وجه الدفق) ش: أي النفض م: (والشهوة) ش: وهذان قيدان لوجوب الغسل بخروج المني وسواء كان نزول المني م: (من الرجل والمرأة) ش: وسواء كان في م: (حالة النوم واليقظة) ش: فإن قيل خروج المني من النائم يوجب الغسل وإن لم يكن بشهوة، فكيف شرط المصنف الشهوة. قلت: كان القياس أن لا يجب لكنهم استحسنوا فأوجبوه، لأن الظاهر خروجه بالاحتلام. وقال الأكمل قيل هذا اللفظ بإطلاقه يستقيم على قول أبي يوسف لاشتراطه الدفق والشهوة عند الخروج، ولا يستقيم على قولهما لأنهما لم يشترطا الدفق عند الخروج حتى قالا يجب الغسل إذا زايل المني عن مكانه بشهوة. وإن خرج من غير دفق قلت: أخذ هذا من السغناقي، وكذا قال الأترازي في شرحه. قال بعض الشارحين: ثم ذكره ثم قال ليس كذلك بل هذا يستقيم على قول الكل، لأن إنزال المني على هذه الصفة إذا وجد يجب الغسل عند الجميع وأخذ منه الأكمل قال ورد بأنه يستقيم على قوله اه. ثم قال: ولكن كلام المصنف يوهم ترك بعض موجباته عندهما في مواضع بيانها، وربما بين قوله ثم المعتبر عند أبي حنفية ومحمد اه. لبعض بيان. قلت: ليس من المتعين على المصنف أن يبين جميع ما تتعلق به المسألة التي هو في صددها ولا
وعند الشافعي: خروج المني كيفما كان يوجب الغسل، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء من الماء» أي الغسل من المني. ولنا أن الأمر بالتطهير يتناول الجنب والجنابة في اللغة: خروج المني على وجه الشهوة، يقال: أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة، والحديث محمول على خروج ـــــــــــــــــــــــــــــQالتزام ذلك. م: (وعند الشافعي خروج المني كيفما كان يوجب الغسل) ش: يعني سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، مثل ما إذا حمل حملا ثقيلا وسقط من مكان مرتفع أو نحو ذلك م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء من الماء» ش: الحديث رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء من الماء» ولفظ مسلم «إنما الماء من الماء» . م: (أي الغسل من المني) ش: أي وجوب استعمال الماء بسبب خروج الماء ومن للسببية. م: ولنا أن الأمر بالتطهير يتناول الجنب) ش: وهو الأمر الذي في قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وهذا يتناول الجنب وهو صريح في تناوله إياه. م: (والجنابة في اللغة خروج المني على وجه الشهوة) ش: قال السروجي تفسيره الجنابة بقوله والجنابة في اللغة اه. ليس كذلك فإن الجنابة في اللغة البعد، وهو اسم إسلامي لأن فيها يجتنب المساجد والصلاة وقراءة القرآن حتى يغتسل. في " الجنازية " البعد قال الله تعالى {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 11] (القصص: الآية، 11) أي عن بعد، ومنه سمي الأجنبي والغريب جنبا لبعد الأجنبي عن القرابة، والغريب عن وطنه. قلت: مجيء الجنابة في اللغة بمعنى البعد لا يمنع مجيئها أيضا خروج النجاسة على وجه الشهوة كما قاله المصنف. وقال السغناقي: في جنب الرجل أصابته الجنابة بعد أن قال جنبت إلى لقائك جنبا أي أشفقت. ويقال أيضا: أجنب الرجل في بني فلان يجنب جنابة إذا نزل فيهم غريبا فهو جانب والجمع جناب، فالأول بكسر النون، والثاني بفتح النون. وقال أيضا: رجل جنب من الجنابة يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. قال الفارابي في " ديوان الأدب ": أجنب الرجل إذا أصابته الجنابة بضم الهمزة وكسر النون. فهذا كله يدل على أن لفظ الجنابة مستعمل في اللغة لمعان كثيرة. واختلف النحاة في لفظ الجنب فقال الزجاج: إنه مصدر ولهذا أفرد في الجمع، وتبعه الرازي في " أحكام القرآن "، وكذا ذكره ابن مالك في " شرح الكافية " فإنه قال المصدر يجيء على وزن فعل كجنب. وقال الزمخشرى: هو اسم أجري مجري المصدر الذي هو الاجتناب وذكره ابن الحاجب في باب الصفة المشبهة وقال ابن عصفور لم يجئ فعل في الوصف إلا جنب وشكل. م: (يقال: أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة) ش: لم يحرر أحد من الشراح هذا الموضع كما ينبغي فقوله: أجنب الرجل بضم الهمزة وكسر النون كما ذكرنا الآن عن الفارابي، وأما أجنب بفتح الهمزة وفتح النون فمعناه يدخل في الجنوب. وقوله: من المرأة وقع اتفاقا لوقوعه من المحتلم وقيل ذكره ليخرج شهوة البطن بأن ما فيها لا يسمى جنبا م: (والحديث محمول على خروج
المني عن الشهوة ـــــــــــــــــــــــــــــQالمني عن شهوة) ش: هذا جواب عن ما قاله الشافعي في الحديث الذي استدل به وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء من الماء» . وجه حمله على الخروج عن الشهوة للتوفيق بين الأدلة فإنه روي عن حسين بن قبيصة «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنت رجلا مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو ذكر له فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تفعل فإذا رأيت المذي فاغسل ذكرك» . أخرجه أبو داود، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث محمد بن علي وهو ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصرا. وأخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد ولفظه: «إذا خذفت الماء فاغتسل، وإذا لم تكن خاذفا فلا تغتسل» فاعتبر الخذف والفضخ وذلك يكون مع المدفق والشهوة. انخذف بالخاء والذال المعجمتين والفضخ بالفاء والضاد والخاء المعجمتين الدفق والرحى. وهذا الحديث مقيد وحديث «الماء من الماء» مطلق، والحادثة واحدة فيحمل المطلق على المقيد، كذا قال في " المفيد " و " المزيد " كذا قال في الزكاة، ثم الشافعي من أصله حمل المطلق على المقيد وإن كان في حوادث فخالف أصله. وجه آخر في القيود الزائدة وهو أن قوله: «الماء من الماء» عام يتناول المني والمذي والودي ولم يكن إجراؤه على العموم لعدم وجوب الغسل في المذي والودي بالإجماع فيراد به الخصوص ويحمل على حال الشهوة «لحديث أم سليم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم، إذا رأت الماء" فقالت لها أم سلمة: فضحت النساء.» أخرجه البخاري من حديث أم سلمة واللفظ للبخاري في الطهارة وله ألفاظ عندهما، ورواه مسلم من حديث أنس عن أم سليم. وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن امرأة سألت. ووقع في كلام الصيدلاني من الشافعية وإمام الحرمين والغزالي والروزباني وغيرهم أن أم سليم جدة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وغلطهم ابن الصلاح والنووي ووقع في الصيد من كتب الشافعية أن القائلة فضحت النساء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وغلطهم بعض الناس، ولم يصب في ذلك فقد وقع ذلك في حديث مسلم وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأخرجه النسائي من حديث خولة بنت حكيم. ووجه آخر أن الترمذي روى من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: «إنما الماء من الماء في الاحتلام» . وروى الطبراني حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك بن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " حديث «الماء من الماء» ، لمني الاحتلام. واسم أبي الجحاف داود بن أبي عون. قال النووي: كان مرضيا. ووجه آخر أن الحديث منسوخ لأن مفهومه عدم الغسل من الإكسال وقد ورد في " الصحيحين " صريحا من حديث «أبي بن كعب رواه البخاري ومسلم عنه قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل، قال: "يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلي» . ورويا أيضا من حديث أبي سعيد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مر على رجل من الأنصار فأرسل إليه فخرج ورأسه تقطر ماء، فقال: لعلنا أعجلناك، فقال: نعم يا رسول الله، فقال: "إذا عجلت أو أقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء» ". وهذان أيضا منسوخان وقد ورد في ثلاثة أحاديث صريح النسخ أحدها: ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن يونس عن الزهري عن سهل بن سعيد عن أبي بن كعب قال: «إنما كان الماء من الماء رخصة في الإسلام» . الثاني: أخرجه ابن حبان في "صحيحه " عن الحسين بن عمران «عن الزهري قال سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل قال على الناس أن يأخذوا بالآخر من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثتني عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل» .
ثم المعتبر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - انفصاله عن مكانه ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثالث: رواه أحمد في "مسنده " عن بعض ولد رافع بن خديج عن «رافع بن خديج قال ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل فاغتسلت وخرجت فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا غسل عليك إنما الماء من الماء» فقال رافع: ثم أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك بالغسل. فإن قلت: الحديث الأول منقطع وقد جزم به البيهقي، فقال: وهذا الحديث لم يسمعه الزهري من سعد إنما سمعه بعض أصحابه عن سهل. قلت: قال الشيخ تقي الدين: وقد وقع في رواية عن محمد بن جعفر من جهة أبي موسى عنه عن معمر عن الزهري وفيها قال: أخبرني سهل بن سعد. والحديث الثاني فيه الحسين بن عمران قال المحاربي: هو كثيرا ما يأتي عن الزهري بالمناكير، وقد ضعفه غير واحد، قلت: حكم ابن حبان بصحته ونفس المحاربي قال بذلك. والحديث الثالث فيه رشدين بن سعد أكثر الناس على ضعفه، ونفس رافع مجهول وبعض ولد رافع محمد مجهول. قلت: ذكره الحارثي في كتابه، وقال: هذا حديث حسن، وقال الشيخ تقي الدين: وقد وقع في تسمية ولد رافع في أصل سماع الحافظ النسفي، وساقه الشيخ بسنده إلى رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب عن سهيل بن رافع بن خديج فذكره. ومن الاستدلال على النسخ هو أن بعض من يروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحكم الأول أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول، فروى مالك عن يحيى بن سعيد بن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال له زيد يغتسل فقال له محمد بن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يرى الغسل فقال له زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب رجع عن ذلك قبل أن يموت. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا وجه لتركه إلا أنه ثبت له أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال بعده ما نسخه. م: (ثم المعتبر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - انفصاله) ش: أي انفصال المني م: (عن مكانه) ش: أي مكان المني وهو الصلب والترائب كما قال الله تعالى في كتابه. والمني في الأصل دم لكنه يبيض بتصفية الشهوة كما يبيض ماء الورد الأحمر بالنار، حتى إذا كثر الجماع. وقلت
على وجه الشهوة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهوره أيضا اعتبارا للخروج بالمزايلة، إذ الغسل يتعلق بهما. ولهما أنه متى وجب من وجه فالاحتياط في الإيجاب ـــــــــــــــــــــــــــــQالشهوة خرج أحمر، والشرط إزالته عن مقره م: (على وجه الشهوة) ش: حتى إذا لم ينفصل عن مكانه بشهوة لا يجب الغسل عندهما م: (وعند أبي يوسف ظهوره أيضا) ش: أي المعتبر ظهور المني على وجه الشهوة أيضا م: (اعتبارا) ش: نصب على المصدرية أي يعتبره أبو يوسف اعتبارا م: (للخروج بالمزايلة) ش: أي بالانفصال وجه الاعتبار أن الغسل لا يجب إلا بهما فإذا وجد الانفصال ولم يوجد الخروج لا يجب الخروج بالإجماع، والشهوة حال الانفصال شرط بالاتفاق، فينبغي أن يشترط حال الخروج أيضا. م: (إذ الغسل يتعلق بهما) ش: أي لأن الغسل يتعلق بالانفصال والظهور م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن الغسل م: (متى وجب من وجه) ش: أي متى وجب الغسل من جهة الانفصال دون الدفق، والشرط مطلق الشهوة لإكماله فباعتبار ما وجد يجب الغسل وباعتبار ما عدم لا يجب م: (فالاحتياط) ش: من باب العبادة م: (في الإيجاب) ش: أي الاحتياط واجب في إيجاب الغسل ترجيحا لجانبه. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين: الخروج على وجه الشهوة قد وجد، وإنما عدم الدفق لا غير فباعتبار ما وجد يجب الاغتسال، وباعتبار ما عدم لا يجب فيرجح حال الوجود احتياطا. قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي ثم قال هذا الشرح من الشروح كالصب من البول لأن كلام المصنف إنما يساق لبيان أن الشهوة لا يشترط حال الخروج عندهما، وعند أبي يوسف تشترط وبيان التعليل من الطرفين لأجل هذا، قلت: الذي قاله السغناقي هو الصواب مع أنه نقل هذا عن " المبسوط "، قال الأترازي: محارق في التشنيع على الأكابر وكلام المصنف ما سبق للذي قاله الأترازي، وإنما الذي قاله من لوازم ما سبق له فافهم، نعم وقع في كلام السغناقي في بيان تعليلهما أن الخروج على وجه الشهوة قد وجد وإنما عدم الدفق، والظاهر أنه سهو لأنه لو كان كذلك لارتفع النزاع. فإن قلت: دار الغسل بين الوجوب وعدمه فلا يجب بالشك، قلت إلا أن جهة الوجوب راجحة لأن الموجب أصل فالخروج بناء على المزايلة بالشهوة، وعدم الخروج بالشهوة بعد المزايلة من العوارض النادرة فلا اعتبار بهذا السؤال، والجواب لتاج الشريعة والأكمل أخذ منه. وقال السغناقي: يشكل على هذا الريح الخارجة من المفضاة لأنه على هذا التعليل الذي ذكرناه ينبغي أن يجب عليها الوضوء بأن يقال إنها لو خرجت من القبل لا يجب، ولو خرجت من الدبر يجب فيرجح جانب الوجوب احتياطا لأمر العبادة، ولم ينقل هناك كذلك بل قيل بالاستحباب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأجاب بقوله: جاءك الشك هناك من الأصل فعارض الدليل الذي هو موجب مع الدليل الذي هو غير موجب لتساويهما في القوة فتساقطا، فعملنا بالأصل الذي كان ثابتا لها متعين باقيا لها بيقين وهو الطهارة، وأما هنا جاء دليل عدم الوجوب من الوصف وهو الدفق، ودليل الوجوب في الأصل وهو نفس وجود الماء مع الشهوة فكان في إيجاب الاغتسال ترجيح لجانب الأصل على جانب الوضوء، وثمرة الخلاف تظهر في خمس مسائل: أحدها: استمنى بكفه فزال المني عن مكانه بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم سال عنه لا عن دفق فعليه الغسل عندهما خلافا لأبي يوسف. الثانية: جامع امرأته فيما دون الفرج أو قبلها بشهوة فزال المني عن مكانه وحصل ما ذكرنا فعلى الخلاف. والثالثة: احتلم فلما انفصل المني عن مكانه أخذ إحليله حتى سكنت شهوته ثم خرج المني فعلى الخلاف. الرابعة: اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول ثم أمنى يعيد الغسل عندهما خلافا لأبي يوسف، وفي " المبسوط " و " السير الكبير ": لو أمنى بعد البول أو النوم لا غسل عليه بالاتفاق وعند الشافعي: يجب في الحال، وعن مالك: لا يجب في الحالين، وقال أحمد: إن خرج قبل البول يجب وبعده لا يجب كذا في " شرح الوجيز ". والخامسة: استيقظ فوجد بفخذه وثوبه بللا ولم يذكر الاحتلام فإن تيقن أنه مذي أو ودي لا غسل، وإن تيقن أنه مني عليه الغسل، وإن شك أنه مني أو مذي يجب عندهما خلافا له، ولو بال فخرج من ذكره مني فإن كان ذكره منتشرا فعليه الغسل وإن كان منكسرا فعليه الوضوء، ولو غشي عليه ثم أفاق أو سكر ثم صحا فوجد مذيا لا غسل عليه لأنه وجد سبب خروج المذي وهو الإغماء والسكر فيحال بالخروج عليه بخلاف النائم ولو مضطحعا أو قائما أو قاعدا أو ماشيا إذا استيقظ فإنه على ثلاثة أوجه التي ذكرناها الآن، وذكر هشام في "نوادره " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا استيقظ فوجد بللا في إحليله ولم يتذكر حلما، إن كان ذكره قبل النوم منتشرا فلا غسل عليه وإن كان غير منتشر فعليه الغسل، قال ينبغي أن يحفظ هذا فإن البلوى كثرت فيه والناس عنه غافلون، وقال في " الينابيع " يعمل بقول أبي يوسف في نفي وجوب الغسل إذا كان في بيت إنسان ويستحي منه أو يخاف أن تقع في قلبه ريبة بأنه طاف حول أهل بيته، والمرأة في الاحتلام كالرجل وعند محمد في غير رواية الأصول أنه إذا تذكرت الاحتلام والإنزال ولم تنزل فعليها الغسل، قال الحلوائي: لا يؤخذ بهذه الرواية، وقال أبو جعفر الفقيه: إن خرج إلى الفرج الخارج يجب وإلا فلا.
[التقاء الختانين من موجبات الغسل]
والتقاء الختانين ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المحيط " لو احتلمت ولم يخرج الماء إلى ظاهر فرجها فعليها الغسل، لأن فرجها بمنزلة الفم فعليها تطهيره، فأعطى له حكم الخروج، حتى لو كان الرجل أقلف فخرج المني إلى القلفة يلزمه الغسل وإلا فلا، لأن ماءها لا يكون دافقا كماء الرجل، ولو نام رجل وامرأته فوجد على فراشهما بللا لا يعرف من أيهما واختلفا فيه ينظر إن كان أصفر فعليها الغسل وإن كان أبيض فعليه. وقيل: إن وقع طولا فمنه وإن وقع عرضا فمنها، والاحتياط أن يغتسلا، والقياس أن لا يجب على واحد منهما لوقوع الشك ولا يجوز لها أن تقتدي به، وفي " القنية " منيها أصفر ومنيه أبيض، وفائدته تظهر فيما لو اغتسلت عن جماع ثم خرج منها فإن كان أصفر فعليها الغسل وإن كان أبيض فلا غسل عليها، ولو قالت: معي جني يأتيني في النوم مرارا وأجد في نفسي ما أجد إذا جامعني زوجي لا غسل عليها لعدم الإيلاج والاحتلام، ولو احتلم في المسجد وأمكنه الخروج من ساعته يخرج ويغتسل، وقيل يتيمم ويخرج وإن لم يمكنه الخروج بأن كان في وسط الليل فيستحب له التيمم حتى لا يبقى جنبا. [التقاء الختانين من موجبات الغسل] م: (والتقاء الختانين) ش: بالرفع عطفا على قوله إنزال المني على وجه الدفق والشهوة، والتقاؤهما كناية عن الإيلاج، فإن نفس الملاقاة لا يوجب الغسل ولكن يوجب الوضوء عندهما، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال السغناقي: والتقاء الختانين أي مع تواري الحشفة. قيل: لا يحتاج إلى هذا القيد لأن التقاءهما كناية عن الإيلاج كما ذكرنا. قلت: لا حظ للشيخ في ذلك، لفظ الحديث «إذا التقى الختانات وغابت الحشفة» على ما يجيء إن شاء الله تعالى. وفي " فوائد القدوري " قوله وتوارت الحشفة ليس بقيد، بل ذكر تأكيدا لأن التقاء الختانين مستلزم لتواريها. وقال صاحب " الدراية " قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحتمل أن ذكره للإشارة إلى المعنى المؤثر في إيجاب الغسل، كما أن ذكر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما أبقته الفرائض فلأولى رجل» ذكر إشارة إلى علة العصوبة أو نفي لقول الشافعي، فإن عنده يجب الغسل إذا تحاذى الفرجان، ولكن ذكر في كتبهم أن إيلاج الحشفة يوجب الغسل. وقال بعضهم: لو قال تواري الحشفة في قبل أو دبر آدمي حي مشتهى أو قدر حشفة من مقطوعها لكان أولى، ليتناول الإيلاج في الدبر مع أنه ليس فيه التقاء الختانين، ويخرج الإيلاج في البهيمة والميتة والصغيرة التي لا تشتهى ولا يجامع مثلها في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: لا يجب عليه شيء في ترك الأولى ولا يتعين عليه تعين العبارة ثم ختان الرجل موضع
من غير إنزال ـــــــــــــــــــــــــــــQالقطع وما دون دورة الحشفة، وختان المرأة موضع قطع جلدة منها كعرف الديك في فم الرجل وذلك لأنه مدخل ومخرج الولد والمني والحيض، وفوق مدخل الذكر مخرج البول وبينهما جلدة رقيقة وفوق مخرج البول جلدة رقيقة تقطع منها في الختان، وهو ختان المرأة فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها، والمحاذاة هي التقاء الختانين فإنه إذا تحاذيا التقيا ولهذا يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا وإن لم يتصادفا والتصقا، ولكن يقال موضع ختان المرأة الخفاض فذكر الختانين بطريق التغليب كالعمرين والقمرين وفي " الدراية ": ذكر الختانين بناء على عادة العرب فإنهم يختنون النساء قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الختان للرجل سنة وللنساء مكرمة» ، أي في حق الزوج فإن جماع المختونة ألذ، قلت: لم يذكر راوي الحديث ولا من أخرجه. وقال الأترازي: روى الخصاف في باب أدب القاضي في باب من قال لا يجوز شهادة الأقلف بإسناده إلى شداد بن أوس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الختان للرجل سنة وللنساء مكرمة» . م: (من غير إنزال) ش: يعني الإنزال ليس بشرط في التقاء الختانين في وجوب الغسل، فإنه إذا أنزل يجب بالإجماع، إذ المعتبر أن نفس الالتقاء كاف في وجوب الغسل، والإنزال ليس بقيد أو هو يرد قول من يشترط الإنزال من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فمن المهاجرين قول ابن عمر وعلي وابن مسعود، ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو سعيد الخدري منهم من رجع إلى موافقة الجمهور، ومنهم من لم يرجع، وبقول هؤلاء قال داود وعطاء بن أبي رباح وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهشام بن عروة والأعمش والجهني، وممن رأى أن لا غسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن الإنزال عثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص ورافع بن خديج وابن عباس والنعمان بن بشير وحمزة الأنصاري انتهى. وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على وجوب الغسل بالتقاء الختانين وإن لم ينزل، وروي ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أم المؤمنين وأبي بكر وعمر بن الخطاب وآخرين، وبه قال إبراهيم النخعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد، وفي " المغني " لابن قدامة تغييب الحشفة في الفرج هو الموجب للغسل سواء كانا مختتنين أو لا، وسواء أصاب موضع الختان منه موضع الختان منها أو لم يصب، ولو ألصق الختان بالختان من غير إيلاج فلا غسل بالاتفاق ويجب الغسل سواء كان الفرج قبلا أو دبرا من كل حيوان آدمي أو بهيمة حيا أو ميتا طائعا أو مكرها نائما أو مستيقظا.
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل» ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل بوطء البهيمة وقال أيضا فإن أولج بعض الحشفة أو وطئ دون الفرج أو في البشرة لم يجب الغسل لأنه لم يوجد التقاء الختانين، فإن انقطعت الحشفة وكان الباقي من ذكره قدر الحشفة فأولج يجب الغسل وتعلقت به أحكام الوطء من المهر وغيره، فإن أولج في قبل خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره في فرج أو وطئ أحدهما الآخر في قبله فلا غسل على واحد منهما لأنه يحتمل أن يكون خلقة زائدة فلا يزول عن الطهارة بالشك، وإذا كان الواطئ صغيرا أو الموطوءة صغيرة فقال أحمد يجب عليهما الغسل، وإذا كانت الصبية بنت تسع سنين ومثلها يوطأ وجب عليها الغسل، وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ فجامع امرأة يكون عليهما جميعا الغسل، قال نعم قيل له أنزل أو لم ينزل؟ قال نعم، وحمل القاضي كلام أحمد على الاستحباب، وهو قول أصحاب الرأي وأبي ثور انتهي. ولو لف على ذكره خرقة إن كان يجد حرارة الفرج يجب كإدخال ذكر الأقلف وإلا فلا، ولو أدخلت المرأة في فرجها ذكر بهيمة أو ميتة لا يجب إلا بالإنزال، خلافا للشافعي وأحمد وفي " المحيط " لو أتى امرأة وهي بكر فلا غسل ما لم ينزل لأن ببقاء البكارة يعلم أنه لم يوجد الإنزال، ولكن إذا جومعت البكر فيما دون الفرج فحبلت فعليها الغسل لوجود الإنزال لأنه لا حبل بدونه، ولو جامعها فيما دون الفرج فدخل منيه في فرجها لا يجب عليها الاغتسال منه، فإن حبلت منه يجب من وقت دخوله حتى يجب عليها قضاء الصلوات الماضية. وعن محمد: مراهق له امرأة بالغة جامعها فعليها الغسل لأنها مخاطبة ولا غسل عليه لعدم الخطاب، وفي العكس الحكم بالعكس لانعكاس العلة، وإذا جومعت المرأة فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل لا غسل عليها لعدم نزول الماء منها، وجماع الخصي يوجب الغسل على الفاعل والمفعول به. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل» ش: الحديث أخرجه الإمام أبو محمد عبد الله بن وهب في "مسنده " أخبرنا الحارث بن شهاب عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل عما يوجب الغسل فقال "إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل» . وذكر عبد الحق في "أحكامه " من جهة ابن وهب وقال: إسناده ضعيف جدا، فالظاهر إنما
ولأنه سبب للإنزال ونفسه يتغيب عن بصره، وقد يخفى عليه لقلته ـــــــــــــــــــــــــــــQضعفه بالحارث بن نبهان، وقد يعضد هذا ما رواه الطبراني في " الأوسط " أخبرنا عبد الله بن عمر الصفار حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا عبد الله بن سريع عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إلى آخره نحوه، ومعناه في "الصحيحين" عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل» ، زاد مسلم في رواية وإن لم ينزل. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذ جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل» ، رواه مسلم. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل، وفعلته أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاغتسلنا» . رواه الترمذي وصححه. وعن عائشة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا التقى الختانان اغتسل» . رواه الطحاوي، وعنها «إذا التقى الختانان وجب الغسل» . رواه الطحاوي موقوفا ومرفوعا. وعن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إذا اختلف الختان الختان فقد وجب الغسل.» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " والطحاوي. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله رواه الطحاوي. وعن «عبد الرحمن بن الأسود قال كان أبي يبعثني إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قبل أن أحتلم فلما احتلمت جئت فناديت فقلت ما موجب الغسل قالت إذا التقت المواسي» . أخرجه الطحاوي ومحمد بن سعد في " الطبقات ". قوله شعبها: بضم الشين النواحي وهو جمع شعبة ويروى شعبها جمع شعب، واختلفوا في الشعب الأربع فقيل هي اليدان والرجلان والفخذان. وقيل الرجلان والشفران، واختار القاضي عياض أن المراد شعب الفرج الأربع أي نواحيه الأربع، والضمير يرجع إلى المرأة وإن لم يمض ذكرها لدلالة السياق، أما قوله اختلف الختان الختان أي إذا جاوز أحدهما موضع الآخر، وهو كناية عن مجاوزة أحدهما الآخر بعد الملاقاة. قوله: إذا التقت المواسي كناية عن التقاء الختانين لأن الختان يكون بالموسى فذكرت المواسي، والمراد بها المواضع التي يختن فيها، وهذه من أحسن الكنايات حيث صدرت من امرأة عظيم الشأن ليتناول أول ما احتلم وكلاهما بصدد الحياء. م: (ولأنه) ش: أي ولأن التقاء الختانين م: (سبب للإنزال) ش: أي إنزال المني، والشيء الذي يترتب عليه حكم إذا كان خفيفا وله سبب ظاهر يقام السبب الظاهر مقام الأمر الخفي ويرتب على الحكم وها هنا التقاء الختانين سبب للإنزال ونفسه خفي وهو معنى قوله: م: (ونفسه) ش: أي نفس الإنزال الذي ترتب عليه الغسل م: (يتغيب عن بصره) ش: أي عن بصر المنزل م: (وقد يخفى عليه) ش: أي وقد يخفى الإنزال عن المنزل م: (لقلته) ش: أي لقلة المني م:
فيقام مقامه، وكذا الإيلاج في الدبر لكمال السببية، ويجب على المفعول به احتياطا بخلاف البهيمة وما دون الفرج ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فيقام) ش: أي التقاء الختانين م: (مقامه) ش: بضم الميم الأولى أي مقام الإنزال، كما في السفر مع المشقة التي ترتب عليها القصر في السفر، فقال الضمير يرجع في قوله إلى الخروج يعني على تقدير انحصار وجوب الغسل من المني، فالمني قائم في الالتقاء تقديرا والثابت في مثله الإنزال. وقال الأترازي: قوله وقد يحقق عليه جواب سؤال مقدر وهو أن يقال سلمنا أن نفس المني يتغيب عن بصره ولكن لا نسلم الخفاء لعلم الرجل بخروج المني. فأجاب عنه بقوله وقد يخفى اه. وقال تاج الشريعة: فإن قلت الماء من الماء يقتضي عدم وجوب الاغتسال بالالتقاء. قلت: لا نسلم وهذا لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الماء من الماء» أي من المني تحقيقا أو تقديرا إذ الغالب الإنزال. م: (وكذا الإيلاج في الدبر) ش: أي حكم الإيلاج في القبل حكم الإيلاج في الدبر م: (لكمال السببية) ش: أي لكمال سببية خروج المني، حتى إن الفسقة اللاطة يرجحون قضاء الشهوة من الدبر على قضاء الشهوة من القبل للين والحرارة والضيق، وعن هذا ذهب بعضهم أن محاذاة الأمرد في الصلاة يفسد صلاة غيره كالمرأة. قلت: نقل ذلك عن محمد في " نوادر الصلاة " م: (ويجب) ش: أي الغسل م: (على المفعول به) ش: إن كان من أهل وجوب الاغتسال م: (احتياطا) ش: أي لأجل وجوب الاحتياط لأن من الناس صارت له تلك الفعلة الشنعاء طبيعة ويجد بها لذة كالمرأة. قلنا: بوجوب الاغتسال، كذا قاله تاج الشريعة. قلت: هذا إنما يظهر بالمفعول به إذا كانت به أنبه، وإلا فالذي ذكره إلا في الفاعل، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الزيادات ": من أتى امرأته أو أمته في غير ما أتاها لم يحد وإن كان محرما عليه لأن من الناس من يستحله بتأويل القرآن. واتفقوا على أن الغسل يجب على الفاعل والمفعول به إن كانا من أهل الاغتسال رجلا كان أو امرأة لتيقن الإيلاج عن غير إنزال أما عندهما فإنه للزنا. وعند أبي حنيفة الاغتسال بنفس الإيلاج إنما يجب في الغسل لأنه مشتهى على الكمال، فالظاهر أنه عند انقضاء الشهوة فهو سببه نزول الماء فأقيم الإيلاج مقام الإنزال ولا خلل في الشهوة هنا فيصار تشبها للاشتباه مثل الوطء في القبل فوجب للاحتياط، ولما اعتبر الإيلاج دون الإنزال استوى الفاعل والمفعول فيه. م: (بخلاف البهيمة وما دون الفرج) ش: هذا متصل بقوله فيقام مقامه، أي فيقام سبب الإنزال
لأن السببية ناقصة. وقال: والحيض لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالتشديد، ـــــــــــــــــــــــــــــQفي المسألتين في الآدمي بخلاف البهيمة، فإنه لا يجب فيها الغسل بمجرد الإيلاج من غير إنزال وبخلاف ما دون الفرج كالفخذ والبطن لا يجب فيه الغسل أيضا. م: (لأن السببية ناقصة) ش: عند عدم الإنزال. م: (والحيض) ش: بالرفع عطفا على قوله والتقاء الختانين أي ومن المعاني الموجبة للغسل الحيض واختلفوا في تفسيره فقال السغناقي: أي الخروج من الحيض لأن الحيض ما دام باقيا لا يجب الغسل لعدم الفائدة. قال الأترازي: لا حاجة إلى هذا التكليف لأنا اقتبسنا من قبل أن نفس الحيض سبب للغسل بدليل الإضافة، فلا حاجة إذن إلى قوله: المراد منه الخروج، وهو لا يضاف الغسل إليه بأن يقال غسل الخروج من الحيض حتى يتكلف المتكلف، أما قوله لا فائدة في وجوب الغسل فلا نسلم بل فيه فائدة حيث يظهر الوجوب عند وجود الشرط وهو الطهر من الحيض، وفيه نظر لأن الحيض اسم لدم مخصوص والجوهر لا يصح أن يكون سببا للمعنى، فكيف يقول الحيض سبب للغسل؟ وقال صاحب " التوضيح ": معنى قوله والحيض أي انقطاعه والخروج عنه لأن نفس الحيض ما دام باقيا لا يجب الغسل لعدم الفائدة، وإنما يجب عند الانقطاع، وفيه نظر لأن الانقطاع طهر فلا يوجب الطهارة وقد شنع الأترازي على حافظ الدين النسفي في قوله المراد بالحيض انقطاعه؛ لأنه يلازمه فقال: وفي غاية العجب ذلك ورد عليه بمنع الملازمة بينهما لوجود الحيض قبل الانقطاع ووجوب الانقطاع بعده فكان أحدهما منفكا عن الآخر فلا ملازمة بينهما. وقال تاج الشريعة: والحيض أي خروج دم الحيض وهو الدم المخصوص يوجب الغسل، وهو الذي فسره تاج الشريعة فيكون مجازا من باب الحذف كما في قول تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] (يوسف: الآية 82) لأن نفس الدم لا يوجب شيئا، وهذا أولى وأظهر مما نسب إلى حميد الدين الضرير حيث قال: الخروج من الحيض مستلزم للغسل فوجب الاتصال فصحت الاستعارة ولأن الخروج من الحيض عين انقطاعه، والانقطاع طهر والطهر لا يوجب الإطهار. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالتشديد) ش:، وجه التمسك به على وجوب الاغتسال هو أن الله تعالى منع الزوج من الوطء قبل الاغتسال والوطء تصرف واقع في ملكه فلو كان الاغتسال مباحا أو مستحبا لم يمنع الزوج من حقه، فيعلم أن واجب قوله حتى يطهرن بالتشديد معناه حتى يطهرن أي يغتسلن، وقرئ بالتخفيف معناه حتى ينقطع دمهن، وكلا القراءتين يجب العمل بهما، فذهب أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن له أن يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم،
[الأغسال المسنونة]
وكذا النفاس بالإجماع. قال: وسن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام ـــــــــــــــــــــــــــــQوإن لم تغتسل وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتنظف فيجمع بين الأمرين. م: (وكذا النفاس بالإجماع) ش: أي وكذا الخروج من النفاس يوجب الغسل بالإجماع، وسنده أنه لا نص ورد فيه واكتفوا به عن نقله أو قياس على الحيض لأنه أقوى، ونقل الإجماع ابن المنذر وابن جرير الطبري وغيرهما. [الأغسال المسنونة] [الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام] م: (وسن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغسل للجمعة والعيدين وعرفة والإحرام) ش: أما الجمعة ففي " الصحيحين " من حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» وليس الأمر للوجوب كما أخذ به أهل الظاهر، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته، لما رواه البخاري ومسلم من «حديث يحيى بن سعيد أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة فقالت سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقالت: كان الناس في مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم اغتسلوا» . وأخرج مسلم عن عروة عنها قالت: «كان الناس يتناوبون يوم الجمعة في منازلهم ومن العوالي فيأتون الغبار ويصيبهم من الغبار فيخرج منهم الرجل فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عندي فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو أنكم تطهرتم» ، ويأتي الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى. وأما العيدان فروي عن الفاكه بن سعد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة» ، وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "معجمه " والبزار في "مسنده "، وزاد فيه يوم الجمعة قال ولا يعرف للفاكه بن سعد غير هذا الحديث، وهو صحابي مشهور، وفيه يوسف بن خالد السهمي قال في " الإمام ": تكلموا فيه. وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى» . وفيه جبارة بن المغلس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: لا بأس به. وروى البزار
نص على السنية وقيل: هذه الأربعة مستحبة، وسمى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الغسل في يوم الجمعة حسنا في الأصل، وقال مالك: وهو واجب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أتى الجمعة فليغتسل» ـــــــــــــــــــــــــــــQفي "مسنده " عن مندل عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل للعيدين» . وذكر عبد الحق من جهة البزار وقال إسناده ضعيف. وقال ابن القطان: وعلته محمد بن عبيد الله، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث. وأما عرفة فقد تقدم في حديث الفاكه بن سعد. وأما الإحرام فأخرج مسلم في الحج «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل» . والشجرة اسم موضع. وأخرج الترمذي أيضا في الحج «عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تجرد لإهلاله واغتسل» . وقال حديث غريب. م: (نص) ش: أي القدوري م: (على السنية) ش: يعني في هذه الأربعة م: (وقيل) ش: قائله فما قيل مالك في رواية عنه وعن مالك أنه حسن على ما نذكره. م: (هذه الأربعة) ش: يعني غسل الجمعة والعيدين وعرفة والإحرام م: (مستحبة) ش: وهو قول طائفة من العلماء م: (وسمى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الغسل يوم الجمعة حسنا) ش: نص محمد على ذلك. م: (في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وقال مالك: هو واجب) ش: أي غسل الجمعة واجب وبه قال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والمسيب بن رافع وجماعة الظاهر. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أتى الجمعة فليغتسل» ش: الحديث رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر باللفظ المذكور، وأخرجه البخاري ومسلم ولفظهما «من جاء منكم الجمعة فليغتسل» . وحديث آخر روياه يدل صريحا على الوجوب من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» . وحديث آخر روياه أيضا من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حق الله
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل» ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام زاد البزار والطحاوي وذلك يوم الجمعة» . ثم اعلم أن نقل صاحب " الهداية " عن مالك أن غسل الجمعة واجب غير صحيح، فإن ابن عبد البر قال في " الاستدراك " وهو أعلم بمذهب مالك: لا أعلم أحدا أوجب غسل الجمعة إلا أهل الظاهر، فإنهم أوجبوه، ثم قال: روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال هو سنة ومعروف، قيل في الحديث أنه واجب قال ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك. وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال: حسن وليس بواجب، وهذه الرواية عن مالك تدل على أنه مستحب وذلك عندهم دون السنة. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل» ش: روى هذا الحديث سبعة من الصحابة وهم سمرة بن جندب وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر وعبد الرحمن بن سمرة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث سمرة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " من توضأ "، إلى آخره. وقال الترمذي حديث حسن صحيح، واختلف في سماع الحسن عن سمرة فعن ابن المديني أنه سمع منه مطلقا وذكر عند البخاري وقال صاحب " التنقيح " قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال النسائي سمع منه حديث العقيقة فقط. وحديث أنس عند ابن ماجه عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت يجزئ عنه الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل» وسنده ضعيف وله طريق آخر عند الطحاوي والبزار في "مسنده " سندا ضعيفا من ذلك وله طريق آخر عند الطبراني. وحديث الخدري رواه البيهقي في "سننه " والبزار في "مسنده " عن أسيد بن زيد الجمال عن شريك عن عون عن أبي نصرة عن أبي سعيد فذكره، قال البزار: لا نعلم رواه عن عوف إلا يزيد، ولا عن شريك إلا أسيد بن زيد، وأسيد كوفي قد احتمل حديثا عن شيعية شديدة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكانت فيه. وقال ابن القطان: قال الدوري: عن ابن معين أنه كذاب. وقال الساجي: له مناكير. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المنكرات ومع هذا فقد أخرج البخاري له وهو ممن عيب عليه الإخراج عنه. وحديث أبي هريرة عن البزار في "مسنده " عن أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مسندا مرفوعا نحوه. ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بأبي بكر الهذلي واسمه سلمى بن عبد الله. وحديث جابر عند أبي جميل في "مسنده " وعبد الرزاق في "مصنفه " وإسحاق بن راهويه في "مسنده " وابن عدي في " الكامل ". وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي في "سننه ". قوله: "فبها ونعمت" جواب الشرط أي فبهذه الخصلة أو الفعلة ينال الفضل "ونعمت" الخصلة هي فعل الوضوء. وقيل: معناه فبالسنة أخذ ونعمت الخصلة هذه أي الأخذ بالسنة، وحذف المخصوص بالمدح. قلت: جميع شراح كتب الحديث وكتب الفقه فسروا هذا الحديث هكذا، ولم يوفوا حقه لأن فيه أشياء وهي الباء فلا بد لها من متعلق، والضمير فلا بد له من مرجع وإلا يلزم الإضمار قبل الذكر، وضمير آخر وهو قوله: فهو والمخصوص بالمدح في قوله: "ونعمت" وتأنيث الفعل فيه وفيه أفعل التفضيل، واستعماله في أحد الأشياء الثلاثة كما علم في موضعه، فنقول وبالله التوفيق إن هذا الحديث يتضمن شيئين أحدهما: الإتيان بالوضوء وهو فعل المتوضئ، والوضوء في نفسه فاضل، والآخر الإتيان بالغسل وهو أفضل بالنسبة إلى الوضوء لأن فيه الوضوء، وأشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الأول بقوله: «من توضأ يوم الجمعة» ، يعني من فعل الوضوء يوم الجمعة فقد أتى بها أي بهذه الفعلة ونعمت هي، والمعنى: نعمت الفضيلة هي فصار قولنا أتى متعلقا بالباء
وبهذا يحمل ما رواه على الاستحباب ـــــــــــــــــــــــــــــQوالضمير صار راجعا إلى الفعلة التي دل عليها قولنا: من فعل الوضوء. وأما قولنا: يعني من توضأ من فعل الوضوء لأن كل فعل يفعله الشخص يأتي فيه هذا التقدير، فإذا قلت: قام زيد معناه فعل القيام، وإذا قلت: أكل معناه فعل الأكل، وعلى هذا سائر الأفعال لأن الفاء والعين واللام أعم الأفعال، ولهذا اختار الصرفيون هذه المادة في وزن الأشياء وتأنيث نعمت باعتبار أن الضمير يرجع إلى الفعلة المذكورة، والمخصوص بالمدح محذوف كما قلنا. وأشار - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الثاني بقوله: «ومن اغتسل» بمعنى ومن فعل الغسل يوم الجمعة فهو أفضل من الوضوء، والضمير في فهو يرجع إلى الفعل الذي يتضمن من فعل وهو الغسل، وفي نفس الأمر يرجع إلى الفعل الذي يدل عليه قوله اغتسل لأن كل فعل يدل على مصدره وهو من قبيل قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) أي العدل أقرب. وقد علم أن أفعل التفضيل يستعمل مجردا كما في قولنا الله أكبر أي أكبر من كل شي فإن قلت: أفعلية التفضيل تدل على الوجوب ولا تثبت المساواة، قلت: السنة بعضها أفضل من بعض فجاز أن يكون الغسل من تلك السنن، فإن قلت: ما ذكرنا يقتضي وما ذكرتم ناف فالأول راجح، قلت: قوله فبها ونعمت نص على السنة وما ذكرتم يحتمل أن يكون أمر إباحة فالعمل بما ذكرنا أولى. م: (وبهذا) ش: أي وبهذا الحديث المذكور م: (يحمل ما رواه) ش: أي ما رواه مالك وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أتى الجمعة فليغتسل» . م: (على الاستحباب) ش: توفيقا بين الحديثين، فإن قلت: هذا الحديث ضعيف وحديث مالك صحيح فكيف التوفيق بين الصحيح والضعيف، قلت: قد روينا هذا الحديث عن سبعة أنفس من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما ذكرنا، فحديث سمرة صحيح كما نص عليه الترمذي. وحديث أنس المذكور إنما ضعف لأجل يزيد بن أبان الرقاشي، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه، وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله القائمين بالليل، أو ضعفه لأجل الربيع بن صبيح، قال أبو زرعة: شيخ صالح صدوق، وقال ابن عدي: له أحاديث مستقيمة صالحة ولم أر له حديثا منكرا أرجو أنه لا بأس به. وصبيح بفتح الصاد. ولئن سلمنا ذلك فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فبها اجتمعت فيها من الحكم كذا قاله البيهقي وغيره.
أو على النسخ. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (أو على النسخ) ش: أي أو يحمل حديث مالك على أنه منسوخ قاله الأترازي لئلا تلزم المعارضة بين القطعي والظني، وهما آية الوضوء وخبر الواحد، قلت: ليس هذا دليل النسخ على ما لا يخفى بل يكون فيه مخالفة الكتاب بخبر الواحد لأنه يوجب غسل الأعضاء الأربعة عند القيام إلى الصلاة مع الحدث، فلو وجب الغسل لكان زيادة عليه بخبر الواحد وهذا لا يسمى نسخا بل يصير كالنسخ فافهم. وقال الأكمل قوله: أو على النسخ: بدليل ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهما قالا: كان الناس عمال أنفسهم، وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه ويأتون المسجد فكان يتأذى بعضهم برائحة بعض فأمروا بالاغتسال، ثم انتسخ حين لبسوا غير الصوف وتركوا العمل بأيديهم. قلت: هذا بعينه ذكره السغناقي وهو نقله عن المبسوط وليس ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على هذه الصورة. أما ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقد ذكرناه عن قريب. وأما ما روي عن ابن عباس فهو ما رواه أبو داود عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا؟ قال: لا، ولكن أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما عريش فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا، فلما وجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الريح قال: «يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه» . قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذين كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق. وأخرجه الطحاوي أيضا في " معاني الآثار "، ثم قال: فهذا ابن عباس يخبر أن ذلك الأمر الذي كان من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغسل لم يكن للوجوب عليهم، وإنما كان لعلة، ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل. قوله: أطهر، وفي رواية الطحاوي ولكنه طهور أي مطهر وخير لمن اغتسل في الثواب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله: كيف بدأ الغسل أي كيف كان ابتداؤه. قوله: مجهودين من جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة. قوله: عريش وهو كان ما يستظل به والمراد أن سقفه كان من الجريد والسعف. وقوله: ثارت أي هاجت من ثار يثور ثورا وثورانا إذا مطمع: قوله: أفضل ما يجد، وفي رواية الطحاوي أمثل ما يوجد. قوله: ومن دهنه يتناول سائر الأدهان نحو الزيت ودهن السمسم وغير ذلك، وكذلك الطيب يتناول سائر أنواع الطيب نحو المسك والعنبر وغيرهما. قوله: ثم جاء الله بالخير إشارة إلى أن الله تعالى فتح الشام ومصر والعراق على أيدي الصحابة فكثرت أموالهم ومعاشهم وخدمهم، فغيروا السقف والبناء وغير ذلك. فإن قلت: قال ابن حزم حديث ابن عباس روي من طريقين، أحدهما: من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، وهو معروف بوضع الأحاديث والكذب، والثاني: من طريق عمرو بن أبي عمرة عن عكرمة وهو ضعيف لا يحتج به، ثم لو صح من طريق عمرو بن أبي عمرة فليس فيه لهم بل حجة لنا عليهم، لأنه ليس فيه من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الأمر بالغسل فإيجابه وكل يتعلقوا به في إسقاط وجوب الغسل فليس من كلامه عليه، وإنما هو من كلام ابن عباس وظنه ولا حجة لأحد دونه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: الحديث صحيح وعمرو بن أبي عمرة احتجت به جماعة، وعكرمة مولى ابن عباس، قال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية فلا التفات إلى تضعيف ابن حزم إياه لترويج مذهبه وقوله: فليس فيه حجة لهم، كلام ساقط لأن ابن عباس لو لم يدر عدم وجوب الغسل يوم الجمعة لما قال: لا، حين سئل عنه، وكيف وقد روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يأمر به وهو أعلم الناس بما وافق النصوص وعللها ومواردها وما يتعلق بأحكامها، ولما كان الأمر كذلك حمل بعضهم الأمر على الاستحباب، ولفظ الوجوب على التأكيد للاستحباب، كما تقول: كان حقك واجبا علي والعدة دين وهو أضعف من الأول، ويدل عليه ما قرن به مما ليس بواجب وهو الدهن والطيب. وقال تاج الشريعة: قوله: أو على النسخ لأنه وجد دلالة التقديم، وهي ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: كان الصحابة في بدء الإسلام عمال أنفسهم ويلبسون الجلود والحرص الحجازي والمسجد قريب السقف فأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغسل دفعا للرائحة فلما ظهرت الثروة والغنى فيهم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ يوم الجمعة» الحديث.
ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها، وفيه خلاف الحسن ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: لم يرد هذا الحديث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على هذا الوجه، وإنما روي في " الصحيحين " أنها قالت: "كان الناس يتناوبون" الحديث وقد ذكرناه فيما مضى، واستدل تاج الشريعة بقولها: "فلما ظهرت الثروة" إلى آخره على النسخ، لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: من توضأ الحديث يدل على أنه مؤخر بمقتضى ما في هذه الرواية، والمتأخر ينسخ المتقدم، ولكن هذا إنما يصح إذا ثبت هذا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - على الوجه المذكور، على أن ابن الجوزي أنكر النسخ فقال: لا ناسخ معهم، ولكن سمعت حديث رواه ابن عدي في " الكامل " يدل على أنه ناسخ لأحاديث الوجوب، وهو ما رواه من حديث الفضل بن المختار عن أبان بن أبي عياش، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من جاء منكم الجمعة فليغتسل فلما كان الشتاء قلت: يا رسول الله أخبرنا بالغسل للجمعة وقد جاء الشتاء ونحن نجد البرد، فقال: من اغتسل فبها ونعمت ومن لم يغتسل فلا حرج» قلت: قد شد بغيره. فإن قلت: إذا ثبت النسخ ينبغي أن يرتفع الغسل يوم الجمعة. قلت: المراد نسخ الوجوب لا كونه مشروعا، كما تقول نسخت الزكاة كل صدقة ونسخ صوم رمضان كل صوم. م: (ثم هذا الغسل) : ش: أي غسل يوم الجمعة م: (للصلاة عند أبي يوسف) ش: أي لأجل الصلاة بمعنى لا يحصل له الثواب إلا إذا صلى يوم الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل أول اليوم وانتقض وضوؤه وتوضأ وصلى لا يكون مدركا لثواب الغسل. م: (وهو الصحيح) ش: أي ما ذهب إليه أبو يوسف هو الصحيح، واحترز به عن قول الحسن بن زياد فإنه قال لليوم على ما نذكره الآن. م: (لزيادة فضيلتها على الوقت) ش: أي لزيادة فضيلة الصلاة في يوم الجمعة على غيرها من الصلوات، لأنها تؤدي بجمع عظيم فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها. م: (واختصاص الطهارة بها) ش: أي بالصلاة فإنها من شرائطها م: (وفيه) ش: أي وفي كون غسل يوم الجمعة للصلاة م: (خلاف الحسن) ش: فإنه يقول غسل يوم الجمعة لليوم إظهارا لفضيلته، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سيد الأيام يوم الجمعة» . والجواب عنه: أن سيادة اليوم باعتبار وقوع هذه الصلاة فيه، ويقول الحسن: قال داود في
والعيدان بمنزلة الجمعة، لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة، وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى. قال: وليس في المذي والودي غسل، وفيهما الوضوء؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء» ـــــــــــــــــــــــــــــQ" المبسوط " وهو قول محمد وفي " المبسوط " وهو رواية عن أبي يوسف فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان، وقيل: تظهر الفائدة من هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا أو عبدا أو امرأة ممن لا يجب عليه الجمعة، وهو بعيد لأن المقصود منه إزالة الروائح الكريهة لئلا يتأذى الحاضرون بها، وذلك لا يتأذى بعدها، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة فاغتسل وقع عن الكل، وفي " صلاة الجلالي " لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة أتى بالسنة لحصول المقصود وهو قطع الرائحة. م: (والعيدان) ش: أي عيد الفطر وعيد النحر م: (بمنزلة الجمعة لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة) ش: هذا التعليل يشعر أن كون الغسل في يومي العيدين سنة أو مستحب لدفع الرائحة الكريهة، فلا هو لليوم. ولا هو للصلاة، والمفهوم من كلام الجلالي أن العلة هي دفع الأذى من الروائح الكريهة في الجمعة أيضا. م: (وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى) ش: قد بينا الأحاديث الواردة فيهما فيما مضى، واعلم أن صاحب " الخلاصة " ذكر للغسل أحد عشر نوعا: خمسة منها فريضة الغسل لالتقاء الختانين، ومن الإنزال، والاحتلام، والحيض، والنفاس، وأربعة سنة: غسل الجمعة، والعيدين، وعرفة، والإحرام، وواحد واجب: وهو غسل الميت، وواحد مستحب: وهو غسل الكافر إذا أسلم ولم يكن جنبا ولم يغتسل حتى أسلم ففيه اختلاف المشايخ. وفي " المحيط " أنواع الغسل سبعة: ثلاثة فرض: غسل الجنابة، والحيض، والنفاس، وأربعة سنة: مثل ما ذكرنا، وواحد واجب: مثل ما ذكرنا، وواحد مستحب: وهو غسل الكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق والصبي إذا بلغ بالسن، وإن بلغ بالإنزال وجب. وفي شرح " مختصر الطحاوي " نص على استحباب الثلاثة الكرماني في "مناسكه "، وينبغي أن يستحب الاغتسال لصلاة الكسوف والاستسقاء وكل ما كان في معنى ذلك لاجتماع الناس، وإن لم يذكر، وألا يجبر المسلم زوجته على غسل الجنابة لأنها غير مخاطبة بها ويمنعها من الخروج للكنائس. م: (وليس في المذي والودي غسل) ش: لما روى مسلم «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكان ابنته عندي فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يغسل ذكره ويتوضأ» ، وفي رواية فيه الوضوء م: (وفيهما الوضوء لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء» ش: هذا خبر من حديث رواه ثلاثة من الصحابة - رضي الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعنهم - وهم عبد الله بن سعد، ومعقل بن يسار وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث عبد الله بن سعد عن أبي داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم «عن عبد الله بن سعد الأنصاري قال سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء فقال ذاك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة» ، ورواه أحمد في مسنده. وحديث معقل بن يسار عند الطبراني في "معجمه " من حديث إسماعيل بن عياش عن عطاء بن عجلان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار أن «عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يلقى من المذي شدة فأرسل رجلا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن ذلك المذي، قال: "ذلك المذي وكل فحل يمذي، اغسله بالماء وتوضأ وصل» . وحديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن صالح بن عبد الرحمن قال: "حدثنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا الأعمش عن منذر بن يعلى الثوري «عن محمد بن الحنفية قال سمعته يحدث عن أبيه قال كنت أجد مذيا فأمرت المقداد أن يسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك واستحييت أن أسأله لأن ابنته عندي فقال إن كل فحل يمذي فيغسل فإذا كان» . ورواه إسحاق بن راهويه أيضا في "مسنده " ولفظه: «أنه سئل عن المذي فقال: "كل فحل بمذي فيغسل ذكره ويتوضأ» . قوله: كل فحل أي كل ذكر من بني آدم يخرج من ذكره مذي. قوله: يمذي من أمذى ومن مذا بالتخفيف ومن مذي بالتشديد. وأشار إلى نفي وجوب الغسل بعلة كثرة الوقوع بقوله: «كل فحل يمذي» . فإن قلت: إذا كان الواجب الوضوء كان الواجب أن يذكرهما في فصل نواقض الوضوء. قلت: لما كانا يشابهان المني ذكرهما في فصل الغسل. وقال الأكمل: الأوجه أن يقال: إنما ذكره هاهنا لأن أحمد يقول: بوجوب الغسل في رواية، فذكر هاهنا نفيا لما قاله. قلت: لم تجر عادة المصنف أن يذكر شيئا ليدل على نفي قول أحمد.
والودي: هو الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه خروجا فيكون معتبرا به ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: إذا كان حكمه الوضوء كان ذكره مستغنيا عنه بالكلية لأنه علم من قوله: «يخرج من السبيلين» . قلت: لما ذكره هنا للتأكيد وإن كان فهم من ذاك هذا الجواب للأترازي وأخذ عنه الأكمل أيضا، وقال الأكمل أيضا: وقيل ذكره تصريحا بالنفي لقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا يقول بوجوب الغسل والوضوء بهما. وأجاب الأترازي بجواب آخر وهو أن يكون لبيان حكمها فيمن به سلس البول لأن طهارته لا تنقض بالبول في الوقت، وربما ينتقض. وقال تاج الشريعة: إنما ذكرهما لكونهما متشابهين للبول والحال أن الغسل لا يجب بهما فمست الحاجة إلى الذكر. م: (والودي) ش: بفتح الواو وسكون الدال المهملة، وفي " المطالع " وقد يقال معجمة وهو غير معروف ويقال أيضا بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء من ودي بفتح العين، ويقال: من أودى بالألف م: (هو الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه) ش: أي من البول م: (خروجا) ش: أي من حيث الخروج م: (فيكون معتبرا به) ش: أي بالبول. وقال أحمد: فإن قيل: نقض الوضوء بالودي غير متصور على التفسير المذكور في الكتاب لأنه لما خرج على أثر البول وقد وجب الوضوء بالبول فلم يجب بالودي. أجيب بأجوبة منها: إذا بال وتوضأ للبول ثم أودى فإنه يجب عليه الوضوء، ومنها أن من به سلس البول إذا توضأ للبول ثم أودى حال بقاء الوقت تنقض طهارته، ومنها أن الوضوء يجب في الودي لو تصور الانتقاض به وفيه ضعف. قال الأكمل: قلت هذا نظير تفريع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مسائل المزارعة، لو كان يقول بجوازها كان ذلك قياسا، ومنها أن المراد "يوجب الوضوء" يعني لا يوجد الاغتسال، ذكره الحلوائي، ومنها أن الوجوب بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده فالوضوء منهما جميعا حتى لو حلف لا يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو بال ثم رعف فتوضأ فالوضوء منهما جميعا ويحنث، أو حلف لا يغتسل من امرأته فلانة من جنابة فأصابها ثم أصاب غيرها واغتسل فهو منهما، هكذا في " المنتقى " ويحنث. وكذا المرأة إذا حلفت لا تغتسل من جنابة أو حيض فأصابها زوجها وحاضت فاغتسلت فهو منهما، وتحنث، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيمن قال إن اغتسلت من زينب فهي طالق، وإن اغتسلت من عمرة فهي طالق، فجامع زينب ثم جامع عمرة فهما طالقان. وقال أبو عبد الله الجرجاني: الاغتسال من الأول دون الثاني.
والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر عند خروجه، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الفقيه أبو جعفر الهندواني إن اتحد الجنس بأن بال ثم رعف أو على العكس فالوضوء منهما جميعا، فعلى قول الجرجاني يكون الوضوء والغسل من الأول إن اتحد الجنس أو اختلف، وعلى قول الهندواني إن اتحد فمن الأول، وإن اختلف فمنهما جميعا، وعلى ظاهر الجواب الوضوء والغسل منهما جميعا كيف ما كان، وقيل: الودي ما يخرج بعيد الاغتسال من الجماع وبعد البول وهو من الزوج، فعلى هذا الإشكال ذكر الزوجة في الودي يخالف ما تقدم. م: (والمني خاثر أبيض ينكسر منه الذكر عند خروجه) ش: وزاد غيره ويتولد منه الولد. قال الأترازي: يرد على هذا التعريف مني المرأة لأن منيها ليس بتلك الصفة فإذن يحتاج إلى التعريف الجامع بين مني الرجل والمرأة جميعا، وقال: فما وجدت فيما عندي من الكتب ولا كتب اللغة يوجد منه إلا أنه ذكر في كتاب الأجناس ناقلا عن المجرد ويقال: المني هو الماء الدافق يكون منه الولد وهذا حسن. وقوله الماء الدافق احتراز عن الودي والمذي لأنه لا دفق فيهما. وقوله: المني يكون منه الولد، احترازا عن البول وعن ماء من الميزاب. ثم قال: لا يقال: ماء المرأة ليس بدافق لأنا نقول: لا نسلم لأن الله تعالى أراد بالماء الدافق ماء الرجل والمرأة جميعا حيث قال: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] (الطارق: الآية 7) قلت: هذا كلام عجيب صادر من غير روية. والتعريف الذي فسر المصنف المني به هو مني الرجل ولا يرد عليه، لأن مني كل منهما يعرف بتعريف، فمني الرجل ماء أبيض خاثر رائحته كرائحة الطلع فيه لزوجة ينكسر منه الذكر ويتولد منه الولد، ومني المرأة ماء أصفر رقيق فتعريف أحد الماهتين المختلفتين كيف يورد عليها بتعريف الماهية الأخرى، ثم استحسانه لما ذكر في " المجرد " بأن المني هو الماء الدافق الذي يكون منه الولد غير مساعد له لأن هذا أيضا مني الرجل، والدفق أيضا من صفات مني الرجل، وليس في مني المرأة دفق وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] (الطارق: الآية 6) أي مدفوق في رحم المرأة. قال الإمام أبو الليث السمرقندي في "تفسيره " في قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] (الطارق: الآية 5) يعني فليعتبر الإنسان مم خلق، قال بعضهم: نزلت في شأن أبي طالب ويقال في جميع من أنكر البعث ثم بين أول خلقهم كي يعتبروا، فقال: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] يعني من ماء مهراق في رحم الأم. ويقال: دافق يعنى مدفوقا فهذا يدل صريحا على أن الدفق صفة ماء الرجل، جعله الله دافقا ليصل بقوة الدفق إلى قعر الرحم الذي يتولد منه الولد، ولولا الدفق لعقمت النساء الغائرات الأرحام. قال الزمخشري: الدفق صب فيه دفع وهذا لا يوجد إلا في مني الرجل وقوله:
والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله، ـــــــــــــــــــــــــــــQ {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] (الطارق: الآية 7) . قال أبو الليث: يعني خلق من ماء الأب ومن ماء الأم، فماء الأب يخرج من الصلب، وماء المرأة يخرج من الترائب، وهو موضع القلائد. فإن قلت: كان ينبغي أن يقال من ماءين. قلت: قال الزمخشري ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتداء خلقه، وقال أيضا الدفق في الحقيقة لصاحبه، والإسناد مجازي وصاحب الدفق هو الرجل، والمرأة ليس لها دفق. وقال أبو إسحاق العراقي: المني يخرج من الدماغ بعد نضجه ويصير دما أحمر في فقار الظهر إلى أن يصل إلى الكليتين فينضجانه، ثم يصبانه إلى أنثيين فينضجانه منيا أبيض، وهو خاثر رائحته كرائحة الطلع فيه لزوجة ينكسر الذكر عند خروجه وهذه صفة مني الرجل دون المرأة. والعجب من الأكمل أنه رضي بما قال الأترازي فقال: والتعريف الجامع لمني الرجل والمرأة أنه ماء دافق يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة، وقد قلنا: إن المرأة ليس لها دفق وهذا يمكن أن يكون تعريفا للمني المصبوب في رحم المرأة من جهتها الذي يتولد منه الولد إذا أراد الله. أما المني الذي تتعلق به الأحكام فاثنان: أحدهما مني المرأة والثاني مني الرجل، فلكل واحد منهما تعريف وحده، وإلا فتعريف القسمين بما ذكره كتعريف الإنسان والفرس بأنهما حيوان. ثم الفعل من المني مني وأمنى ومنى بالتشديد. وفي " نكت ابن الصلاح " في المني لغتان تشديد الياء وتخفيفها ولم يحكه الجوهري. م: (والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله) ش: المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة، يقال: مذى الرجل بالفتح وأمذى بالألف وفي المطالع هو ماء رقيق يخرج عند التذكار والملاعبة بسكون الذال وكسرها يقال: مذى وأمذى ومذي. وقال عياض: فيه وجهان مذي بالتخفيف ومذي بالتشديد. ويقال: المذي من المرأة أيضا قال المبرد في " الكامل ": كل فحل يمذي وكل أنثى تمذي. قلت: من مذت الشاة إذا ألقت من رحمها بياضا. وقال الأترازي: فإن قلت: لم ذكر تعريف الودي سابقا والمني ثانيا والمذي ثالثا. قلت: لأن المصنف ذكر المذي والودي بعدما ذكر حكم المني سابقا، واستدل على عدم الغسل في المذي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل فحل يمذي وفيه الوضوء» . ثم احتاج إلى الدليل في الودي فذكر
وهذا التفسير مأثور عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQتعريفه لقربه بالبول لأنه يخرج عقيبه، فوقع تعريفه ثانيا ثم أراد أن يعرف المني والمذي، فقدم المني على المذي لقوة في المني دون المذي، فوقع تعريف المني ثانيا، والمذي ثالثا. قلت: هذا الذي ذكره مطولا ليس فيه مزيد الفائدة، والفقهاء لا ينظرون إلى رعاية محاسن التراكيب وإنما نظرهم في بيان المقصود ولا يرى ذلك إلا في التراكيب التي تقع في كلام الشارع لبيان الإعجاز وبيان الفصاحة، وسترى تساؤلا في كلام المصنف وغيره في الألفاظ والعبارات على ما ستقف عليه في مواضع إن شاء الله تعالى. م: (وهذا التفسير) ش: أي التفسير المذكور في المني والمذي والودي م: (مأثور عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: ثم لم يثبت هذا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. روى عبد الرزاق في "مصنفه " عن قتادة وعكرمة قالا: هي ثلاثة المني والمذي والودي، فالمني هو الماء الدافق الذي يكون فيه الشهوة، ومنه يكون الولد ففيه الغسل، وأما المذي فهو الذي يخرج إذا لاعب الرجل امرأته فعليه غسل الفرج والوضوء، وأما الودي فهو الذي يكون مع البول وبعده. وفيه غسل الفرج والوضوء.
[باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز]
باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز به الطهارة من الأحداث جائزة بماء السماء والأودية والعيون والآبار والبحار ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز] م: (باب في الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الماء الذي يجوز به الوضوء وفي بيان الماء الذي لا يجوز به الوضوء أيضا، غير أن المطلوب الأهم بيان ما يجوز به اقتصر عليه، ومعنى الباب في اللغة النوع، وفي الاصطلاح هو طائفة من مسائل العلم الفقهية يشتمل عليه الكتاب. والكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول. ولما فرغ من بيان الوضوء والغسل وما يوجبهما شرع في بيان الآلة التي تحصل بها الطهارة في النوعين وهي الماء المطلق، والألف واللام في الماء للجنس، والماء جوهر سيال سببه خوف العطش وأصله موه قلبت الواو ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها، والدليل عليه أن جمعه في القلة أمواه وفي الكثرة مياه، والهمزة فيه بدل من الهاء كما في شاء. وذكر صاحب " المحكم " ماه في لغته تدل على أن الإبدال غير لازم، ولفظة يجوز تارة تطلق على معنى يحل وتارة تستعمل بمعنى يصح وتارة بمعنى تصلح لهما. م: (الطهارة من الأحداث) ش: هو جمع حدث والحدث ينقسم إلى الأصغر والأكبر، ويقال: الأخف والأغلظ، وفي " الزيادات ": وإذا اجتمع حدثان فالأغلظ أهم، فلو قال: من الحدثين كان أولى، ولعله جمعه باعتبار كثرة محاله أو لاختلاف أنواعه. وقوله: "من الأحداث" ليس للاختصار لأن الأخباث تشاركهما، واللام فيه للعهد أي الطهارة من الأحداث التي سبق ذكرها، ويجوز أن تكون للجنس، والحدث اسم يطلق على الحكمي والخبث يطلق على الحسي والنجس مشترك يقع عليهما بدلا، ثم قيد الأحداث اتفاقي لأنه يجوز بالمياه التي ذكرها الطهارة من الحدث والخبث جميعا، ويجوز أن يكون قيده بها لكونه قد ذكرها فيما سبق في الطهارتين فاحتاج إلى بيان الآلة التي يحصلان بها. وقوله الطهارة: مبتدأ وخبره قوله: م: (جائزة بماء السماء) ش: وهو المطر والثلج والبرد إذا ذابا، وقوله: م: (والأودية) ش: عطف عليه وهو جمع وادي أي وماء الأودية وهو الماء الذي يجتمع فيها من الأمطار والسيول التي تتحصل بها م: (والعيون) ش: جمع عين وهي التي تنبع من الأرض وتخرج إلى ظاهرها م: (والآبار والبحار) ش: جمع بئر أصله بهمزة ساكنة في وسطها، وجمعها في القلة أبئر وآبار بهمز بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة فيكون أبار، فإذا كثرت فهي أبيار. وأما البحار جمع بحر قال الجوهري: البحر خلاف البر، يقال: سمي به لعمقه واتساعه
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 48) وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالجمع أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر. قلت: فلذلك قيل لنهر مصر بحر النيل ولكن إذا أطلق البحر يراد به البحر المالح م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 48)) ش: وجه التمسك بالآية في حق ماء السماء والأودية الحاصلة بماء السماء ظاهر وأما في حق العيون والآبار فإما لأن أصل المياه جميعا من السماء لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 21] (الزمر: الآية 21) . وإما لأن التمسك بالآية يرجع إلى ماء السماء، والتمسك بطهورية باقي المياه بالحديثين اللذين ذكرهما. فإن قلت: ليس في الآية أن جميع المياه نزلت من السماء، لأن قوله: ماء نكرة في سياق الإثبات فلا تعم. قلت: تعم بقرينة الامتنان به فإن الله ذكره في تعريف الامتنان به، فلو لم يدل على العموم لفات المطلوب، والنكرة في الإثبات تفيد العموم بقرينة تدل عليه كما في قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] (التكوير: الآية 14) . وقَوْله تَعَالَى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] (الانفطار: الآية 5) . فإن قلت: لا يتم الاستدلال بالآية ولا بالحديث، لأن الطهور من طهر الشيء وهو لازم، فلا يستفاد منه التعدي فيكون بمعنى الطاهر كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] (الإنسان: الآية 21) أي طاهرا فلا يتم الاستدلال في التطهير. قلت: كون الماء مطهرا لغيره لا من حيث إن الطهور بمعنى الطهر بل من حيث إنه معدول عن صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي المبالغة في ذلك الفعل كالغفور والشكور فيهما مبالغة ما ليس في الغافر والشاكر، فلا بد في الطهور من معنى زائد ليس في الطاهر وليس ذلك إلا بالتطهير. م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه» ش: لم يثبت هذا الحديث بهذا اللفظ إلا أن ابن ماجه رواه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» .
[ماء البحر]
وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في البحر «هو الطهور ماؤه والحل ميتته» ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي إسناده راشد بن سعد أخرجه النسائي وابن معين وابن حبان وأبو حاتم ومعاوية بن أبي صالح، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال الدارقطني: لم يروه غير راشد بن سعد وليس بالقوي. وقال الشيخ تقي الدين: قد رفع من وجهين غير طريق راشد بن سعد أخرجهما البيهقي أحدهما عن عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الماء طهور إلا أن يتغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه» . الثاني: عن حفص بن عمر حدثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعا: «الماء لا ينجس إلا ما غير طمعه أو ريحه» . وقال البيهقي: والحديث غير قوي، رواه عبد الرزاق في "مصنفه " والدارقطني في "مسنده " عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا والأحوص فيه مقال. وأخرج الدارقطني في "سننه " عن معاوية بن أبي صالح عن راشد بن سعد عن ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه» . وسنده ضعيف. وأخرجه الأربعة والشافعي وأحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري من حديث بئر بضاعة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» . وهو لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن، وقد جوده أبو أسامة وصححه أحمد ويحيى بن معين. وقد علمت بهذا أن الحديث الذي احتج به المصنف نصفه الأول صحيح وهو قول: «الماء طهور لا ينجسه شيء» والنصف الثاني روي من وجوه كثيرة وهو ضعيف، وروى الدارقطني والطحاوي من طريق راشد بن سعد مرسلا: «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه» . وزاد الطحاوي «أو لونه» وصحح أبو حاتم إرساله قاله في المذهب والروياني في "البحر " نص الشارع على الطعم والريح، وقاس الشافعي اللون عليهما وليس كذلك، فإن اللون أيضا مذكور في الحديث، وكأنهما لم يقفا عليه حتى قالا ذلك. [ماء البحر] م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في البحر: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته» ش: وقوله بالجر عطف على قوله الذي قبله، هذا الحديث روي عن ثمانية أنفس من الصحابة وهم: أبو هريرة، وجابر، وعلي بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأبي طالب، وأنس، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وابن الفراسي، وأبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي هريرة عند الأربعة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا فنتوضأ من البحر فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هو الطهور ماؤه والحل ميتته» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه مالك والشافعي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي وصححه البخاري فيما حكاه عنه الترمذي، وتعقبه ابن عبد البر بأنه لو كان صحيحا لأخرجه في "صحيحه"، وهذا مردود لأنه لم يلتزم الاستيعاب، ثم حكم ابن عبد البر بعد ذلك بصحته فتلقاه العلماء بالقبول ورجح ابن منده صحته، وصححه أيضا ابن المنذر وأبو محمد البغوي. وحديث جابر عن ابن ماجه في "سننه " من طريق أحمد بن حنبل عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ماء البحر، فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» . ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " والدارقطني كذلك وابن حبان في "صحيحه ". وحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الحاكم في "المستدرك " والدارقطني في "سننه " من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه مرفوعا سواء وسكت الحاكم عنه. وحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند عبد الرزاق في "مصنفه " والدارقطني في "سننه " عن أنس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مثله، وفي إسناده أبان وهو متروك قاله الدارقطني. وحديث ابن عباس عند الدارقطني من حديث موسى بن سلمة عن ابن عباس مرفوعا نحوه، ثم قال: والصواب موقوف ورواه الحاكم في "المستدرك " وسكت [عنه] .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث عبد الله بن عمرو عند الدارقطني أيضا من جهة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه، ورواه الحاكم في "المستدرك " وسكت عنه. وحديث ابن الفراسي عند ابن عبد البر المعتد بإسناده عن مسلم بن يحيى أنه حدث أن «الفراسي قال كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة لي فيها ماء فإذا لم أتوضأ من القربة أمس وقف ذلك لي ونصب لي ذلك بي وبقيت لي فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقصصت ذلك» . وقال عبد الحق في "أحكامه ": حديث الفراسي هذا لم يروه فيما أعلم إلا بكر بن سوادة، وقال ابن القطان في كتابه: وقد خفي على عبد الحق ما فيه من الانقطاع فإن ابن يحيى لم يسمع من الفراسي، وإنما يرويه عن ابن الفراسي عن أبيه. ويوضح ذلك ما حكاه الترمذي في "علله " قال: سألت محمد بن إسماعيل عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر، فقال: حديث مرسل لم يدرك ابن الفراسي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وابن الفراسي له صحبة فمسلم بن يحيى إنما يرويه عن ابن الفراسي وروايته عن الأب مرسلة، وحديث ابن الفراسي رواه ابن ماجه في "سننه " عن مسلم بن يحيى «عن ابن الفراسي قال: كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماء، وإني توضأت بماء البحر فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقال البخاري إن مسلم بن يحيى لم يدرك الفراسي نفسه وإنما يروي عن ابنه وإن الابن ليست له صحبة. وحديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الدارقطني من حديث عبد العزيز عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ماء البحر الحديث» عبد العزيز بن عمران وهو ابن أبي ثابت، قال الذهبي: مجمع على ضعفه. ثم أخرجه عن عبيد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا، قال الذهبي: هذا سند صحيح واسم الرجل الذي سأل قيل
[الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر]
ومطلق الاسم يطلق على هذه المياه. قال: ولا يجوز بما اعتصر من الشجر والثمر؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQعبيد وقيل عبد العزيز، وفي الحديث دليل على جواز ركوبه إلا في حال ارتجاجه، وتوقفهم على الوضوء به إما لكونه لا يشرب أو لكونه طبق جهنم على ما ورد. فإن قلت: ما الحكمة في أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقل: نعم عند سؤال الرجل، قلت: لو قال: نعم لم يجز الوضوء به إلا للضرورة، لأنه سأله بصفة الضرورة، وكان يرتبط نعم بسؤاله فاستأنف بيان الحكم لجواز الوضوء به مطلقا. فإن قلت: لم يسأله عن السمك فكيف زاد بيان حكمه، قلت: لأن حاجة الناس إلى ذلك ولا يركبون البحر في بعض الأوقات إلا للصيد ولا سيما ركوب السائل كان لأجل الصيد وهو زيادة من الشارع حملا له على الجواب. ومن الناس من كره الوضوء بماء البحر المالح لحديث ابن عمرو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا أو تحت النار بحرا» أخرجه أبو داود متفردا به، وكان ابن عمر لا يرى جواز الوضوء ولا الغسل به عن جنابة، وكذا عن أبي هريرة وعن أبي العالية أنه كان يتوضأ فيه ويكره الوضوء بماء البحر لأنه طبق جهنم، وما كان طبق جهنم لا يكون طريق طهارة ورحمة على قوله: على أرماث بفتح الهمزة وسكون الراء وبعد الألف ثاء مثلثة جمع رمث بفتحتين، وهو خشب ضم بعضه إلى بعض ويركب في البحر. [الوضوء بما اعتصر من الشجر والثمر] م: (ومطلق الاسم يطلق على هذه المياه) ش: أي يطلق اسم الماء في الآية والحديثين المذكورين، ويطلق الاسم المتعرض للذات دون الصفات لا بالنفي ولا بالإثبات والمراد بالمطلق هنا ما سبق إلى الأفهام عند استعمال لفظ الماء. وقال الأترازي: وجه التمسك بالآية والحديث أن الماء لما ذكر فيهما مطلقا من غير قيد بواحد من هذه المياه، والمطلق ينصرف إلى تقدير البلد. م: (ولا يجوز) ش: أي الطهارة م: (بما اعتصر من الشجر والثمر) ش: ما اعتصر بالقصد على أن ما موصولة. قال الأكمل: هكذا المسموع. وقال تاج الشريعة: ما اعتصر غير ممدود وكذا قال في " المستصفى ". وقال السغناقي: بالقصر لأنها موصولة وإن كان يصح معنى الممدود، ولكن المنقول هو الموصولة، ولأن في الممدود وهم جواز التوضؤ بماء العصر هو بنفسه وليس الأمر كذلك وقال الأترازي لا نسلم، ولئن سلمنا الوهم، لكن لا يجوز التوضؤ بالعصر بنفسه من غير إعصار، لأنه خارج بلا علاج كما ذكره في المتن حيث قال:
لأنه ليس بماء مطلق، والحكم عند فقده منقول إلى التيمم، والوظيفة في هذه الأعضاء تعبدية ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الذي يقطر من الكرم، على ما يجيء، يعني الماء الذي يخرج منه بالتقاطر يجوز التوضؤ به ذكره في جامع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ماء خرج من غير علاج. وفي " المحيط " لا يتوضأ بماء خرج من الكرم لكمال الامتزاج. وقال بعضهم: إذا قيل بالمد لوقع في الوهم أن المراد الماء المطلق. قال الأترازي: لا نسلم لأنه قيده بصفة الاعتصار فكيف يقع وهم الإطلاق لأنه عند إطلاق الماء لا يطلق عليه، مثلا: إذا كان في بيت شخص ماء بئر أو بحر أو عين وماء اعتصر من الشجر أو الثمر فقال لأحد هات لي ماء لا يسبق إلى ذهن المخاطب إلا الأول، ولا يعني بالمطلق أو المقيد إلا هو والإضافة نوعان: إضافة تعريف كغلام زيد، وأنه لا يغير المسمى، وإضافة تقييد كماء العنب، وأنه بغيره لأنه لا يفهم من مطلق اسم الماء، ولهذا يصح أن يقال: فلان لم يشرب الماء. وإن كان يشرب ماء العنب وماء الباقلاء والحقيقة لا تنفي عن المسمى بالإضافة إلى الماء وأخواته من القسم الأول وإضافته إلى المعتصر من الثاني. م: (لأنه ليس بماء مطلق) ش: إذ لا يفهم بمطلق قولنا الماء م: (والحكم عند فقده) ش: أي عند فقد الماء المطلق، وأراد بالحكم الطهارة م: (منقول إلى التيمم) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ومن ضرورة النقل عدم جواز استعمال هذه المائعات، والأصل في هذا أن التوضؤ به جائز ما دامت صفة الإطلاق باقية ولم يخالطه نجاسة، وإن زالت صفة الإطلاق لا يجوز التوضؤ به أو زوالها بغلبة الممتزج وبكمال الامتزاج، وغلبة الممتزج بكثرة الأجزاء، وكمال الامتزاج بطبخ الماء بالمخلوط الطاهر أو يشرب الشارب الماء حتى يبلغ الامتزاج مبلغا يمنع خروج الماء منه إلا بعلاج، والامتزاج بالطبخ إنما يمنع التوضؤ به إذا لم يكن ذلك الامتزاج المقصود للغرض المطلوب وهو التنظيف، وأما إذا كان كالأشنان إذا خلط بالماء فإنه يجوز التوضؤ به، والامتزاج: الاختلاط بين الشيئين بحيث يسع أحدهما في الآخر حتى يمنع التمييز، فإذا عرف هذا فلا يجوز التوضؤ بما اعتصر. م: (والوظيفة في هذه الأعضاء تعبدية) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إن الماء المعتصر من الشجر أو الثمر وإن لم يكن ماء مطلقا لكنه في معناه في الإزالة، فيلحق بالمطلق كما ألحقه أبو حنيفة وأبو وسف - رحمهما الله - بالمطلق في إزالة النجاسة الحقيقية فيجب أن يكون في الحكمية كذلك. وتقدير الجواب أن يقال: إن الوظيفة في هذه الأعضاء الأربعة في الوضوء تعبدية يعني غير معقولة لأن الله تعالى أمرنا بذلك وعبدنا به، فيجب علينا الامتثال من غير أن يدرك معناه، لأن أعضاء الحدث غير نجسة حقيقة لعدم إصابتها، وحكما لجواز صلاة حامل الجنب أو المحدث
[الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم]
فلا تتعدى إلى غير المنصوص عليه. وأما الماء الذي يقطر من الكرم فيجوز التوضؤ به، لأنه ماء خرج من غير علاج، ذكره في جوامع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQوتطهير الطاهر محال ولكنه أمر تعبدي كما ذكرنا م: (فلا تتعدى إلى غير المنصوص عليه) ش: لأن شرط القياس أن لا يكون حكم الأصل معدولا به عن القياس، وليس فيما نحن فيه كذلك فلا يصح القياس بخلاف إزالة النجاسة الحقيقية، فإنها معقولة المعنى لوجوبها حسا فجاز فيها الإلحاق. فإن قلت: إن لم تمكن التعدية بطريق القياس يلتحق بالدلالة فإنه كونه معقولا ليس بشرط فيه، قلت: سائر المائعات ليس في معنى الماء من كل وجه لأن الماء مبذول عادة لا يبالي نجسه، وسائر المائعات ليس كذلك. فإن قلت: كيف ألحقته به في النجاسة الحقيقية، قلت: قياسا لا دلالة لأنه معقول المعنى. فإن قلت: من شرط الدلالة أن يكون الملحق به في معنى الوصف الذي هو مناطق الحكم في كل وجه لا غير، والوصف فيما نحن فيه هو إزالة النجاسة والماء والمائع في ذلك سيان، وكون الماء مبذولا لا دخل له في ذلك، قلت: إنهما سيان في إزالة النجاسة الحقيقية أو مطلقا فالأول مسلم وليس الكلام فيه، والثاني ممنوع. فإن قلت: إذا كان الغسل في هذه الأعضاء تعبديا يلزم أن تكون النية فيه شرطا، وقد قلتم: إن الماء مزيل للحدث بالطبع فيلزم أن يكون مائعا كذلك لأنه مزيل بالطبع. قلت: إنما يكون مزيلا بالطبع إذا كان المزال نجاسة حقيقية، وأما لو كانت نجاسة حكمية فلا يكون كذلك ولكن يلزم عليه الوضوء، فإن المزال فيه حكمي فينبغي أن يشترط فيه النية. فإن قلت: غسل النجاسة بالماء المطلق على خلاف القياس لأنه يقتضي تنجيسه بأول الملاقاة وقد عديتم إلى المائعات الطاهرة. قلت: المزال من النجاسة مشاهد فلما ترك القياس في حق الماء للضرورة يترك في حق غيره مما يعمل عمل الماء، وكذا عند ورود النجاسة على الماء في غسل الثوب النجس في الإجابات الثلاث حتى خرج من الثالثة طاهرا. [الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم] م: (أما الماء الذي يقطر من الكرم فيجوز التوضؤ به لأنه ماء خرج من غير علاج) ش: هذا كأنه جواب عما يرد على قوله ولا يجوز بماء اعتصر من الشجر والثمر، فلذلك قال: وأما الماء الذي يقطر بكلمة أما، وقد ذكر في " المحيط " لا يتوضأ بما يسيل من الكرم لكمال الامتزاج وهذا المنقول عن شمس الأئمة م: (ذكره في جوامع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكر فيه ضميرا مرفوعا
[الطهارة بماء غلب عليه غيره]
وفي الكتاب إشارة إليه حيث شرط الاعتصار، ولا يجوز بماء غلب عليه غيره فأخرجه عن طبع الماء كالأشربة والخل وماء الورد وماء الباقلا والمرق وماء الزردج. ـــــــــــــــــــــــــــــQومنصوبا، أي ذكر أبو يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "جوامعه " جواز الوضوء بالماء الذي يقطر من الكرم أياما، وهو أيام تنظيف فروعه من أطرافه ليقوي الأصول، وتطرح العنب كثيرا. فإن قلت: فيه إضمار قبل الذكر. قلت: جاز ذلك للقرينة كما في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] (ص: الآية 32) أي الشمس ويجوز أن يكون الضمير المرفوع فيه راجعا إلى جمع الجوامع آخذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفي الكتاب) ش: أي القدوري م: (إشارة إليه) ش: أي إلى جواز التوضؤ بالماء الذي يقطر من الكرم م: (حيث شرط الاعتصار) ش: لأن الذي يقطر من الكرم منعصر بنفسه لا معتصر، ويجوز أن يقرأ شرط على صيغة المعلوم وعلى صيغة المجهول، ففي المعلوم يعود الضمير الذي فيه إلى القدوري بقرينة قوله في الكتاب لأن الألف واللام فيه بدل من المضاف إليه، أي وفي كتاب القدوري، ويكون الاعتصار منصوبا على أنه مفعول شرط وفي المجهول يكون الاعتصار على أنه نائب عن الفاعل وذكر المفعول مطوي. [الطهارة بماء غلب عليه غيره] م: (ولا يجوز) ش: أي الطهارة م: (بماء غلب عليه غيره) ش: أي غير الماء من المائعات الطاهرة م: (فأخرجه عن طبع الماء) ش: هذا كالتفسير لكونه غلب على غيره، فلذلك ذكره بالفاء التفسيرية وطبع الماء كونه مرويا، لأنه يقطع العطش، وقيل قوة نفوذه، وقيل: كونه غير متلون، وقيل: ما يبقى له أثر الغليان والإخراج عن طبعه أن لا يبقى له أثر بالغليان م: (كالأشربة والخل وماء الورد وما الباقلاء) ش: بالمد وتخفيف اللام وإذا شدد اللام قصر الحاصل أن فيه لغتين ونظيره المزغر أو المزغري بكسر الميم وفتحها ذكره في الفصيح. م: (والمرق وماء الزردج) ش: بفتح الزاي وسكون الراء وفتح الدال المهملة وفي آخره جيم وهو ما يخرج من العصفر المنقوع يطرح ولا يصبغ به ذكره المطرزي. وقيل: ماء عروقه الزعفران. قال الأترازي: كأنه معرب. قلت: هو معرب زرده. واعلم أن قوله: كالأشربة اه. إن أراد به الأشربة المتخذة من الشجر كشراب الرمان والحماض وبالخل الخالص، كان من نظير المعتصر من الشجر والثمر، وكان ماء الباقلا والمرق نظير الماء الذي غلب عليه غيره، وكان فيه صفة اللف والنشر وهو أن يلف شيئين ثم ينشرهما، نظيره من التنزيل {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] (القصص: الآية 73) وإن أراد بالأشربة الحلو المخلوط به والخل المخلوط بالماء كانت الأربعة كلها نظير الماء الذي غلب عليه غيره.
[الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه]
لأنه لا يسمى ماء مطلقا. والمراد بماء الباقلا وغيره ما تغير بالطبخ. وإن تغير بدون الطبخ يجوز التوضؤ به. قال: ويجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأنه) ش: أي لأن الماء الذي غلب عليه غيره، أو لأن كل واحد من هذه الأشياء المذكورة م: (لا يسمى ماء مطلقا) ش: لأن مطلق الشيء ما يتبادر إليه الفهم عند ذكره، والفهم لا يتبادر إلى هذه المياه عند ذكر الماء م: (والمراد بماء الباقلاء ما تغير بالطبخ) ش: بأن صار ثخينا حتى صار كالمرق حتى إذا طبخ ولم يثخن ورقة الماء فيه باقية يجوز الوضوء به م: (وإن تغير) ش: أي ماء الباقلاء م: (بدون الطبخ يجوز التوضؤ به) ش: لإطلاق اسم الماء عليه لغلبة الماء. [الطهارة بالماء الذي خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه] م: (ويجوز الطهارة بماء خالطه شيء طاهر فغير أحد أوصافه) ش: وهي اللون والطعم والريح، وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز التوضؤ به إذا غير وصفين، ولكن الرواية الصحيحة بخلافها، ألا ترى إلى ما قال في " شرح الطحاوي "، وأما الحوض والبئر إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه إما بمرور الزمان أو بوقوع الأوراق كان حكمه حكم الماء المطلق، ولا شك أن الماء إذا تغير لونه تغير طعمه أيضا، ولكن يشترط أن يكون باقيا على رقته، أما إذا غلب عليه غيره وصار به ثخينا فلا يجوز. وفي الرواية في قوله: فغير أحد أوصافه إشارة إلى أنه إذا تغير اثنان أو ثلاثة لا يجوز التوضؤ به، وإن كان المغير طاهرا لكن صحة الرواية بخلافه، وكذا عن الكرخي وفي " المجتبى " لا يقبل التغير به حتى لو غير الأوصاف الثلاثة بالأشنان أو الصابون أو الزعفران أو الأوراق أو اللبن ولم يسلب اسم الماء عنه ولا معناه فإنه يجوز التوضؤ به. وفي " زاد الفقهاء ": الماء المغلوب من الخلط الطاهر يلحق بالماء المقيد غير أنه يعتبر الغلبة أولا من حيث اللون ثم من حيث الطعم ثم من حيث الإجزاء. فإن كان لونه مخالف للون الماء كاللبن والعصير والخل وماء الزعفران فالعبرة باللون، فإن غلب لون الماء يجوز وإلا فلا، فإن توافقا لونا لكن تفاوتا طعما كماء البطيخ والمشمش والأنبذة فالعبرة للطعم، إن غلب طعم الماء يجوز وإلا فلا، وإن توافقا لونا وطعما كماء الكرم فالعبرة للإجزاء. وسئل المداني عن الماء الذي يتغير لونه بكثرة الأوراق في الكف إذا رفع منه هل يجوز التوضؤ به قال: لا، ولكنه يجوز شربه وغسل الأشياء. وفي " فتاوي قاضيخان " إذا طبخ بما يقصد به المبالغة في التنظيف كالسدر والحرض، فإن تغير لونه ولكن لم تذهب رقته يجوز التوضؤ به، ولو صار ثخينا مثل السويق لا يجوز. فإن قلت: قد ذكر من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» وذلك يقتضي عدم التوضؤ به عند تغير أحد الأوصاف.
كماء المد والماء الذي اختلط به الزعفران أو الصابون أو الأشنان قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجري في المختصر ماء الزردج مجرى المرق. والمروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه بمنزلة ماء الزعفران هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير.» الحديث، أي لا ينجسه شيء نجس وكلامنا في المختلط الطاهر هكذا أجاب الأكمل، وتبع في ذلك تاج الشريعة فإنه أيضا قال المعنى إلا ما غيره شيء نجس فيكون معناه حينئذ لا ينجسه شيء إلا بالمتغير النجس وهذا لأنه ورد في الماء الجاري ولا يجوز استعماله حيث ترى فيه النجاسة أو يوجد طعمها أو ريحها لأنه يدل على قيام النجاسة، وأجاب الأترازي بجوابين أحدهما مما ذكرنا والآخر إن الشرط لم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: في الجميع نظر، أما في كلام الأكمل فلأن الحديث عام والتخصيص بلا مخصص لا يجوز، وأما في كلام تاج الشريعة: فلأن دعواه بأنه ورد في الماء الجاري لم يثبت، ومن ذكر هذا من شراح الحديث، وأما كلام الأترازي فلأن الشرط أراد به إلا ماء غير طعمه أو لونه أو ريحه لم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن لم يصح مسندا فقد صح مرسلا كما ذكره والمرسل حجة عندنا. م: (كماء المد) ش: أي السيل لأنه يجيء بتغير طين هذا إذا كان رقة الماء غالبة وإن كان الطين غالبا لا يجوز الوضوء به كذا في " الذخيرة " م: (والماء الذي اختلط به الزعفران أو الصابون أو الأشنان) ش: بضم الهمزة وكسرها حكاهما الجوالقي وأبو عبيدة، وهو معرب وهو الحرض بضم الحاء وسكون الراء المهملتين وفي آخره ضاد معجمة. وعن أبي يوسف ماء الصابون إذا كان ثخينا قد غلب على الماء لا يتوضأ به وإن كان رقيقا يجوز وكذا ماء الأشنان. وعن أبي يوسف إذا طبخ الآس أو البابونج في الماء وغلب عليه حتى يقال ماء الآس والبابونج لا يجوز الوضوء بهما. وفي " الفتاوى الظهيرية " إذا طرح الزاج في الماء حتى اسود جاز الوضوء به، وكذا العفص إذا كان الماء غالبا. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (أجري في المختصر) ش: أي أجري أبو الحسن القدوري في كتابه المختصر المسمى بالقدوري م: (ماء الزردج مجرى المرق) ش: أي جعل حكمها واحدا، حيث لا يجوز التوضؤ بها م: (والمروي عن أبي يوسف بمنزلة ماء الزعفران) ش: حيث يجوز التوضؤ بها م: (هو الصحيح) ش: أي المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الصحيح. وقال السغناقي في قوله هو الصحيح احتراز عن قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه يعتبر العلة بتغير اللون والطعم والريح كذا في " فتاوى قاضيخان ". وقال الأترازي أنا أقول لا خلاف في هذه المسألة في الحقيقة اه. حاصله يقتضي إلى أنه إن كان المراد به ما إذا كان الماء مغلوبا بماء الزردج فلا خلاف بينهما ثم قال في آخر كلامه فافهم، فإنه غفل عنه الشارحون.
كذا اختاره الناطفي والإمام السرخسي، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التوضؤ بماء الزعفران وأشباهه مما ليس من جنس الأرض؛ لأنه ماء مقيد، ألا ترى أنه يقال ماء الزعفران. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا الموضع ليس من المواضع التي فيها غموض حتى ينسب الغفلة إلى الشراح م: (كذا اختاره الناطفي) ش: أي كذا اختار المروي عن أبي يوسف الإمام الناطفي، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن عمرو الناطفي أحد الأئمة الأعلام، وصاحب " الواقعات " و " النوازل " ومن تصانيفه " الأجناس " و " الفروق " والواقعات "، مات بالري سنة ست وأربعين وأربعمائة، ونسبه إلى عمل الناطف وبيعه، وهو تلميذ الشيخ أبي عبد الله الجرجاني، وهو تلميذ أبي بكر الجصاص الرازي، وهو تلميذ الشيخ أبي الحسن الكرخي، وهو تلميذ أبي حازم القاضي، وهو تلميذ عيسى بن أبان، وهو تلميذ محمد بن الحسن. م: (والإمام السرخسي) ش: هو شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، وهو تلميذ الإمام محمد بن الفضل البخاري، وهو تلميذ الشيخ عبد الله بن يعقوب السيد مولى، وهو تلميذ عبد الله بن أبي حفص الكبير وهو تلميذ أبيه وشيخه أبي حفص الكبير وهو تلميذ محمد بن الحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والإمام السرخسي هو صاحب " المبسوط " أملاه وهو في السجن باذر جند، وهو من كبار علماء ما وراء النهر صاحب الأصول والفروع كان إماما حجة من فحول الأئمة ذا فنون. مات في حدود الأربعمائة وعشرين، ونسبته إلى سرخس بفتح السين والراء المهملتين ثم خاء معجمة ساكنة وفي آخره سين مهملة مدينة من مدن خراسان بين نيسابور ومرو في أرض سهلة. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز التوضؤ بماء الزعفران وأشباهه مما ليس من جنس الأرض) ش: كماء الصابون والأشنان ونحوهما م: (لأنه) ش: أي لأن ماء الزعفران ونحوه م: (ماء مقيد) ش: لأنه قيد بشيء آخر فخرج عن الإطلاق، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه يقال ماء الزعفران) ش: بالإضافة فصار مقيدا فلا يجوز التوضؤ به. ومذهب الشافعي على التحرير أن الماء إذا تغير أحد أوصافه مما لا يمكن حفظ الماء عنه كالطحلب وما يرى على الماء من الملح والنورة وغيرهما جاز الوضوء به لعدم إمكان صون الماء عنه، وإن كان مما يمكن حفظه منه فإن كان ترابا طرح فيه فكذلك لأنه يوافق الماء في كونه مطهرا فهو كما لو طرح فيه ماء آخر فتغير به، وإن كان شيئا سوى ذلك كالزعفران والطحلب إذا رق وطرح فيه وغير ذلك مما يتغير الماء منه لم يجز الوضوء به، لأنه زال إطلاق اسم الماء بمخالطة ما ليس بطاهر والماء مستغن عنه فصار كاللحم والمائع المخالط بالماء إن قل جازت الطهارة به وإلا فلا. وبماذا تعرف القلة والكثرة ينظر فإن خالفه في بعض الصفات فالعبرة بالتغير، فإن غيره فكثير وإلا فقليل، وإن وافقه في صفاته كماء الورد وانقطعت رائحته، وفيما يعتبر به القلة والكثرة فيه وجهان:
بخلاف أجزاء الأرض لأن الماء لا يخلو عنها عادة. ولنا أن اسم الماء باق على الإطلاق، ألا ترى أنه لم يتجدد له اسم على حدة وإضافته إلى الزعفران كإضافته إلى البئر والعين. ـــــــــــــــــــــــــــــQأحدهما إن كانت الغلبة للماء جازت الطهارة به، وإن كانت المخالطة لم تجز. ومنهم من قال إذا كان ذلك قدرا لو كان مخالفا للماء في صفاته ولم يغيره لم يمنع، ولو خالط الماء المطلق ماء مستعمل فطريقان أصحهما كالمائع وفيه وجهان وبهذا قطع جمهورهم وصححه الرافعي. والثاني وفي " شرح الوجيز " ما تفاحش بغيره مما يستغني الماء عنه حتى زايله اسم الماء المطلق وإن لم يتجدد اسما آخر كالمتغير بالصابون والزعفران الكثير وأجناسهما سلب اسم الماء عنه لم تجز الطهارة به. وفي " الحلية " وبه قال مالك وأحمد وعند الشافعي لو طرح فيه التراب فتغير الوضوء جائز به على الأظهر، وحكي فيه قولان، ولو طرح فيه الملح فتغير به جاز وعند بعض أصحابه لا يجوز، ولو تغير بعود أو دهن طيب فقال المزني يجوز الوضوء به، وقال البويطي لا يجوز. ولو وقع فيه الكافور فتغير به ريحه فيه وجهان. ولو وقع فيه قطران فغيره قال الشافعي في " الإمام ": لا يجوز الوضوء به، وقال بعده بأسطر لا يجوز، ولو تغير بطول المكث يجوز الوضوء به. وعن ابن سيرين لا يجوز. وشذ الحسن بن صالح بن حسن وجوز الوضوء بالخل وما جرى مجراه. م: (بخلاف أجزاء الأرض) ش: كالطين والجص والنورة والكحل م: (لأن الماء لا يخلو عنها عادة) ش: أي لا يخلو عن أجزاء الأرض، وفي بعض النسخ عند ذكره باعتبار اللفظ. م: (ولنا أن اسم الماء باق على الإطلاق) ش: بعد زوال صفته بمخالطة طاهر م: (ألا ترى أنه لم يتجدد له اسم على حدة) ش: كما تجدد لماء الورد ونحوه قوله على حدة أي منفردا، وأصله وحده حذفت منه الواو تبعا لفعله كما في عدة ثم عوض عنها الهاء ولكن بعد نقل حركة فاء الفعل إلى عين الفعل. م: (وإضافته) ش: أي إضافة الماء م: (إلى الزعفران كإضافته إلى البئر والعين) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تعليله بقوله - لأنه ماء مقيد ألا ترى أنه يقال له ماء الزعفران - تقديره أن يقال إن الألفاظ لا تغير عن المسميات وحيث لم يتجدد له اسم آخر دل على عدم اختلاف المسمى فتكون إضافته إلى الزعفران كإضافته إلى البئر. والحاصل أن الإضافة هنا للتعريف لا للتقييد والفرق بينهما أن المضاف إذا لم يكن خارجا من المضاف إليه بالعلاج فالإضافة للتعريف، وماء الزعفران وماء البئر وماء العين من هذا القبيل وإن كان خارجا منه فهي للتقييد كماء الورد ونحوه والتغير في اللون موجود في بعض المياه المطلقة نحو ماء المد والواقعة فيها الأوراق، وكذا ماء بعض البيار يضرب في السواد فلا يخرج عن
ولأن الخلط القليل لا يعتبر به لعدم إمكان الاحتراز عنه كما في أجزاء الأرض فيعتبر الغالب، والغلبة بالأجزاء لا بتغير اللون هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQكونه مطلقا. فإن قلت: لم يتجدد لماء البقلاء اسم على حدة ومع هذا لا يجوز التوضؤ به، قلت المضاف هنا خارج من المضاف إليه بالعلاج كما ذكرنا فلا يجوز وإن لم يتجدد له اسم وقال تاج الشريعة: الدليل يقتضي الجواز ولكن الطبخ والخلط يبينان نقصانا في كونه مائعا. م: (ولأن الخلط القليل) ش: هذا دليل ثان وهو أن الاعتبار للخلط ينظر إن كان قليلا م: (لا يعتبر به لعدم إمكان الاحتراز عنه كما في أجزاء الأرض) ش: نحو الطين والجص والنورة، فإن التوضؤ بالماء الذي اختلط به هذه الأشياء يجوز بالاتفاق إذا كان الخلط به قليلا لأن الصفرة قليل، وإن كان كثيرا لا يجوز كماء الزعفران أيضا إذا غلب عليه الزعفران كماء الأترج. ثم تعرف القلة أو الكثرة بالغلبة أشار بقوله م: (فيعتبر الغالب) ش: لقوله ثم الغلبة لما كانت على قسمين أحدهما الغلبة بالأجزاء والآخر الغلبة باللون، ولما كان الاعتبار للقسم الأول أشار بقوله م: (والغلبة بالأجزاء) ش: أي بأجزاء المخالط والمخلوط فإن كانت أجزاء الماء غالبة جاز الوضوء به وإن كانت أجزاء الذي اختلط به غالبة فلا يجوز. فإن قلت: بما تعلم ذلك، قلت ببقائه على رقته أو تجربته، فإن كانت رقته باقية جاز الوضوء به، وإن صار ثخينا بحيث زالت عنه رقته الأصلية لم يجز. م: (لا بتغير اللون) ش: يعني لا تعتبر الغلبة بتغير اللون كما ذهب إليه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم أشار إلى الغلبة بالأجزاء أن الغلبة للأجزاء وهي المعتبرة بقوله م: (هو الصحيح) ش: لأنه حينئذ ينتفي عنه اسم الماء، وأشار به أيضا إلى نفي قول محمد، واعلم أن الماء إذا اختلط بشيء طاهر لا يخلو إما أن يكون لونه الماء أو مخالفا له، فإن كان مخالفا كاللبن والخل والعصير وماء الزعفران والمعصفر وما أشبههما فالعبرة للون، فإن غلب لون الماء يجوز الوضوء به وإن كان مغلوبا فلا يجوز وإن كان موافقا كماء البطيخ والأشجار فالعبرة بالطعم إن كان طعم الماء غالبا يجوز وإلا فلا، وإن لم يكن له طعم فالعبرة لكثرة الأجزاء فإن كان أجزاء الماء أكثر يجوز التوضؤ به وإلا فلا والماء الكثير المنتن إن كان نتنه من نجاسة لا يتوضأ به وإن لم يعلم يجوز. ولا يلزمه السؤال عنه لأن الطهارة أصل ولعل نتنه بمكثه كما قيل الماء إذا سكن سنة تحرك نتنه، وإن طال مكثه ظهر خبثه وفي " شرح مختصر الطحاوي " الماء الطاهر اختلط به نجس حتى صار طينا أو كان الماء نجسا والتراب طاهرا قال أبو بكر الإسكاف العبرة بالماء إن كان طاهرا فالماء طاهر، وإن كان نجسا فالطين نجس ولا ينظر إلى طهارة التراب ونجاسته وقال أبو نصر محمد بن محمد بن سلام: العبرة بالطهارة منهما أيهما كان طاهرا فالكل طاهر، وقال أبو القاسم الصفار: العبرة للنجس منهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأيهما كان نجسا فالطين نجس، وبه أخذ أبو الليث وقال في " المحيط " هذا هو الصحيح. وقيل عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الطين نجس وعند محمد طاهر، وفي " الملتقطات " إذا جعل السرقين في الطين فالطين لا ينجس للضرورة. فروع: خمر وقعت في ماء، وجعلت في وعاء، ثم تخللت طهرت، حوض ينزل إليه الماء من الأنبوب ويغترف الناس منه متداركا لا ينجس كالجاري ولا يجوز الوضوء بماء الملح وهو يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء عكس الماء، ولا بأس بالوضوء من جب كورة في نواحي الدار ما لم ينجسه بالحرج والطهارة أصل. وإن أدخل جنب يده في كوز ماء ولم يعلم على يده نجاسة فالمستحب ترك الوضوء به لأنه لا يبقى النجاسة عادة، وإن توضأ أجزأه للأصل. وذكر الحاكم الشهيد عن أبي يوسف فيمن أخذ بفمه ماء من إناء فغسل يده وجسده أو توضأ به لم تجز، ولو غسل به نجاسة في يده أجزأة البزاق والنخامة والمخاط يقع في إناء الوضوء يجوز التوضؤ به محدث معه ماء قليل وعلى يده نجاسة يأخذ الماء بفمه من غير أن ينوي غسل فمه ثم يغسل يده. قال أبو جعفر على قول محمد: لا تطهر يده لأن الماء خالط البزاق فخرج من أن يكون مطلقا فالتحق بسائر المائعات غير الماء كالخل وماء الورد، وغسل اليدين بسائر المائعات غير الماء المطلق فيه روايتان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يطهر كالثوب، وفي رواية لا يطهر بخلاف الثوب وعن محمد رواية واحدة أن البدن لا يطهر بخلاف الثوب فإنه يطهر بالاتفاق. التوضؤ بالثلج يجوز إن كان ذائبا يتقاطر، وإلا فلا وعلى هذا التيمم حال وجود الثلج إن كان ذائبا لا يجوز التيمم. إذا أصاب بعض بدنه بول فبل يده ومسحها على ذلك الموضع إن كانت البلة من يده متقاطرة جاز وإلا فلا، والسيل شرط في ظاهر الرواية فلا يجوز الوضوء ما لم يتقاطر الماء. وعن أبي يوسف أنه ليس بشرط وفي مسألة الثلج إذا قطر قطرتان فصاعدا جاز اتفاقا وإلا فعلى قولهما لا يجوز وعلى قول أبي يوسف يجوز. فروع أخر: لا يكره الوضوء والاغتسال بماء زمزم. وعن أحمد يكره وفي " القنية " يكره الطهارة بالماء المشمس «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين سخنت الماء بالشمس "لا تفعلي يا حميراء لا تفعلي فإنه يورث البرص» .
فإن تغير بالطبخ بعدما خلط به غيره لا يجوز التوضؤ به؛ لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء إذ النار غيرته إلا إذا طبخ فيه ما يقصد به المبالغة في النظافة كالأشنان ونحوه، لأن الميت يغسل بالماء الذي أغلي [ب] السدر بذلك وردت السنة، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: رواه البيهقي في "سننه " من حديث خالد بن إسماعيل عن هشام عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سخنت ماء في الشمس "فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا حميراء لا تفعلي فإنه يورث البرص» . قال ابن عدي: خالد يضع الحديث على الثقات قال الذهبي: تابع خالد أبو المجيري وهب بن وهب وهو مؤتمن وروى أيضا بإسناد منكر عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هشام، قال الذهبي هكذا مكذوب على مالك وروى البيهقي أيضا من حديث الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرني أبي صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يكره الاغتسال بالماء المشمس. قال الذهبي: إبراهيم واه: م: (فإن تغير) ش: أي الماء م: (بعدما خلط به غيره) ش: قيد به، لأنه إذا طبخ به وحده وتغير يجوز الوضوء به م: (بالطبخ) ش: مع غيره م: (لا يجوز الوضوء به لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء) ش: أي في الماء لزوال صفة الماء لأن الناظر لو نظر إليه لا يسميه مطلقا. م: (إلا إذا طبخ فيه) ش: أي في الماء والاستثناء من قوله لا يجوز التوضؤ به وطبخ على صيغة المجهول مسند إلى قوله م: (ما يقصد به المبالغة في النظافة كالأشنان ونحوه) ش: مثل السدر والخطمي ونحوهما فإنهم كانوا يغلون الماء بشيء من هذه الأشياء لأن الماء المغلي بذلك يستقضي إخراج الدرن والوسخ عن المغسول، ولكن يشترط أن لا يكون غليظا لما يأتي الآن، ثم أقام الدليل على ذلك بقوله م: (لأن الميت يغسل بالماء الذي أغلي بالسدر بذلك وردت السنة) ش: لم ترد السنة بذلك على الوجه المذكور، ولم أر أحدا من الشراح حققوا نظرة في هذا المكان. أما السروجي قال بذلك: وردت السنة عن «أم عطية الأنصارية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين توفيت ابنته زينب زوجة أبي العاص بن الربيع قال " اغسليها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء السدر» الحديث رواه البخاري، ومسلم، وهذا الحديث لا يدل على ما ذكره المصنف أو هل فيه أن الماء أغلي بالسدر، وأي دليل دل على هذا. وأما الأكمل فإنه قال لأن السنة وردت به في غسل الموتى بالماء الذي أغلي بالسدر وهذا أعجب من ذلك وأبعد وأما تاج الشريعة فإنه قال وردت لأن السنة في غسل الموتى أن يغلى الماء بالسدر (والحرض) فهو أيضا مثله.
[الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة]
إلا أن يغلب ذلك على الماء فيصير كالسويق المخلوط لزوال اسم الماء عنه وكل ماء وقعت النجاسة فيه لم يجز الوضوء به ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما السغناقي والأترازي فبالكلية لم يحوما حوله وكذلك " صاحب الدراية ". وقال السروجي وحديث المحرم الذي وقصته راحلته قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «اغسلوه بماء وسدر» ش: الحديث رواه البخاري ومسلم، فلو سلب السدر الطهورية لما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل ويغسل رأسه بالخطمي وهو جنب ويجزئ بذلك ويصب عليه الماء» رواه أبو داود وقد «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتعفير بالتراب في ولوغ الكلب» فدل على أن المخالطة لا يسلب طهورية الماء. قلت: حديث المحرم كيف دل على أنهم غسلوه بالماء المغلي بالسدر، وإنما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغسلوه بماء وسدر» غاية ما دل أنه يجمع وقت الغسل بين الماء والسدر كما هو عادتهم أنهم يرشون عليه سدر أو يمعكونه ثم يسكبون عليه ماء. وقوله: - لو سلب السدر الطهورية - إلخ. غير مستقيم على ما لا يخفى. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا لا يدل على ذلك لأنها ما قالت إنه كان يغلى الماء بالسدر. وحديث التعفير أيضا لا يدل على ذلك لأن معنى التعفير التمريغ بالتراب، وشيء معفر أو معفور أي مترب. وقال صاحب " المطالع ": يعني وعفروا الثامنة بالتراب اغسلوه بالتراب وليس فيه ما يدل على الإغلاء. م: (إلا أن يغلب ذلك) ش: استثناء من الاستثناء وذلك إشارة إلى الذي يطبخ فيه ما يقصد المبالغة في التنظيف فإن ذلك إذا غلب م: (على الماء فيصير كالسويق المخلوط) ش: السويق قمح أو شعير يغلى ثم يطحن فتزود ويسق تارة بما يترى به أو بسمن أو بعسل وبسمن، وبنو المعسر يقولونه بالصادق قاله ابن دريد، وإذا خلط السويق بالماء لا يجوز التوضؤ به م: (لزوال اسم الماء عنه) ش: بغلبة ما اختلط به عليه. [الوضوء بالماء الذي وقعت فيه نجاسة] م: (وكل ماء وقعت النجاسة فيه لم يجز الوضوء به) ش: أراد بالماء ما لم يكن جاريا ولا ما في حكمه وهو الغدير العظيم لأنه يذكر الجاري فيما يأتي غير قريب. وقال السغناقي: أراد بالماء نحو الحوض الكبير الذي هو عشر في عشر. وقال الأترازي أراد بالماء الراكد الذي لا يبلغ قدر الغدير العظيم. وقال تاج الشريعة أراد من الماء الدائم الذي لم يبلغ عشرا في عشر سواء كان بئرا أو آنية أو غيرهما. وقال السروجي قوله وكل ماء. اه. له وجهان أحدهما معناه لاقته النجاسة وحكمه أن لا يجوز به الوضوء قليلا كان أو كثيرا جاريا كان أو راكدا فعلى هذا لا مناقضة بين هذا، وبين قوله جاز الوضوء من الجانب الآخر لأنه
قليلا كانت النجاسة أو كثيرا ـــــــــــــــــــــــــــــQلم يلاق النجاسة. والوجه الثاني في دفع المناقضة أن يقال المراد بالكثير ما لا يغيره وقوع النجاسة، وهو الذي جعله مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كثيرا، أو القلتان وهو الذي جعله الشافعي كثيرا فيكون هذا لإثبات الكثير المختلف فيه فلا يتناول الذي لا تصل النجاسة فيه إلى الطرف الآخر فلا يمنع الوضوء منه. قلت: المناقضة التي هي تقع ظاهرا بين قوله وكل ما وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به وبين قوله الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر وإذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر، بيان ذلك أن قوله أولا وكل ماء يتناول الكلامين جميعا لأن لفظ كل إذا أضيف إلى النكرة يراد به عموم الأفراد، ففي كلامه الأول نفي الجواز، وفي الثاني أثبته وبينهما منافاة وبين الشارح دفع ذلك بالوجهين المذكورين. م: (قليلا كانت النجاسة أو كثيرا) ش: هذه عبارة القدوري وفي بعض نسخ " الهداية " قليلا كانت النجاسة أو كثيرا، وتوجيه عبارة القدوري أن يكون الضمير في كان راجعا إلى الماء في قوله وكل ماء الذي أريد به الماء الراكد، والضمير اسم كان وخبره قوله قليلا مقدما عليه، وتوجيه النسخة الثانية أنه شبه فعيلا الذي هو بمعنى فاعل بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] (الأعراف: الآية 56) قال بعض شراح القدوري قليلا كان أو كثيرا إن كان وصفا للماء فالكثير من الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كالقاذورات في الحياض الكبار والبحار، وإن كان وصفا للنجاسة فلا بد من تاء التأنيث في القليل والكثير لأنه فعيل بمعنى فاعل، ثم قال هو وصف للماء لكن نفى جواز الوضوء بالمحل والجانب الذي وقعت فيه النجاسة. ولمشايخنا في هذه المسألة قولان أن الغدير العظيم إذا وقعت فيه نجاسة هل يجوز التوضؤ من جانب الوقوع، ففي أكثر روايات الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروايات بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز، وفي ظاهر الأصول لا يجوز، وهو اختيار المصنف على ما أشار إليه في مسألة الغدير، ولم يذكر وجه كون القليل والكثير صفة للنجاسة. وقال صاحب " الدراية ": إن كان لفظ القليل صفة للماء كان الخلاف مع الشافعي، وإن كان صفة للنجاسة كان الخلاف مع مالك، فإن عنده لا ينجس الماء القليل بوقوع النجاسة إذا لم ير لها أثر. وفي بعض أصحاب مالك القليل ينجس بالنجاسة القليلة وإن لم يتغير به، والقليل كاف للوضوء والغسل وإن كان لفظ القليل والكثير صفة للنجاسة فذكر فيما مر. وقال الأترازي بعد أن وجه كون القليل والكثير عند كونهما صفة للنجاسة بأن ذكر بالتذكير كما ذكره، وقال بعضهم:
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه لما روينا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز إن كان الماء قلتين؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» ـــــــــــــــــــــــــــــQإن قليلا لا يحتمل أن يكون صفة للماء وذلك سهو منه لأن كان تقتضي اسما وخبرا فالاسم هو النجاسة والخبر هو القليل والكثير، وإذا كان كذلك بأي توجيه يكون القليل والكثير صفة للماء. قلت: كأنه أراد بقول بعضهم صاحب " الدراية " ونسبه إلى السهو وليس كذلك لأن مراده من قوله يحتمل أن يكون صفة للماء باعتبار اختلاف الجنسين. م: (وقال مالك يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه) ش: أي يجوز الوضوء بالقليل وإن وقعت فيه النجاسة ما لم يتغير أحد أوصافه وهو اللون والطعم والرائحة. م: (لما روينا) ش: أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الماء طهور لا ينجسه شيء» الحديث، وقد مر توجيهه م: (وقال الشافعي يجوز إذا كان الماء قلتين لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» ش: رواه الأربعة من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ورواه ابن ماجه في صحيحه ولفظه «لم ينجسه شيء» وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأظنه لاختلاف فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير، ورواه الشافعي في "مسنده "، وأحمد في "مسنده " وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، ولفظ أبي داود: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» وفي رواية له ولابن ماجه «فإنه لا ينجس» . وقال ابن المنذر: إسناده على شرط مسلم صحيح وأخرجه الطحاوي أيضا بسند صحيح ولكنه اعتل في تركه العمل به بجهالة مقدار القلتين. واختلفوا في تفسير القلة فقيل خمس قرب كل قربة خمسون منا وقيل جرة تسعمائة وخمسة وعشرين منا، وقيل القلتان خمسمائة رطل بالبغدادي، وقيل ستمائة، وقيل ألف وهما بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا هكذا قالوا، وليس محررا فإن الماء تختلف أوزانه، وفي " المغني " لابن قدامة القلة هي الجرة ويقع هذا الاسم على الصغيرة والكبيرة، والمراد من القلتين هاهنا من قلال هجر وهما خمس قرب كل قربة مائة رطل بالعراقي فتكون القلتان خمسمائة رطل، هذا هو المشهور في المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو مذهب الشافعي. ووري الأثرم عن الأكمل أنهما أربع قرب وحكاه ابن المنذر أيضا عن أسامة. قلت: وهجر التي تنسب إليها القلال قرية كانت ببلاد المدينة، ويقال: الهجر التي باليمن والأول أصح.
ولنا حديث المستيقظ من منامه وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة» . ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولنا حديث المستيقظ من نومه) ش: قد مر في أوائل الكتاب وجه التمسك به أنه لما ورد النهي عن الغمس لأجل احتمال النجاسة فحقيقة النجاسة أولى أن يكون نجسا م: (وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة» ش: رواه بهذا اللفظ أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث، وهو في " الصحيحين " من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» ، وفي لفظ: «ثم يغتسل منه» ، وفي لفظ الترمذي: «ثم يتوضأ منه» . وروى مسلم من حديث أبي السائب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري وهو جنب" فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ فقال: "يتناوله تناولا» . قوله: فقال: كيف يفعل؟ القائل هو أبو السائب مولى هشام بن زهرة. وأخرجه الدارقطني وابن حبان نحوه. وروي أيضا من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد» ، وروى البيهقي من حديث ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنه نهى أن يبال في الماء الراكد وأن يغتسل فيه من الجنابة» . ووهم الشيخ علاء الدين التركماني في عزوه هذا الحديث لمسلم عن طلحة وإنما رواه مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروي بعضه عن جابر ولم يخرج مسلم لطلحة في كتابه إلا في خمسة أحاديث ليس هذا منها. الأول: «جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس.» أخرجه في كتاب الإيمان وشاركه البخاري فيه. الثاني: حديث «الصلاة إلى مؤخرة الرحل» أخرجه في الصلاة. الثالث: «أهدي لنا طير ونحن حرم» أخرجه في الحج. الرابع: حديث «لم يبق مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا طلحة» . الخامس: «مررت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوم على رؤوس النخل» أخرجهما في الفضائل، فالمقلد ذهل والمقلد جهل وآفة كل شيء من التقليد، وأخرجه الطحاوي أيضا من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمنه أو يغتسل فيه» وأخرجه الطبراني بهذا الطريق، وأخرجه الطحاوي أيضا من حديث عطاء بن سعيد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب» . وأخرجه البيهقي أيضا نحوه. قوله: «أو يشرب» أي منه، وجه التمسك بهذا الحديث أن الغسل من الجنابة لا يغير لون الماء ولا طعمه ولا ريحه وقد نهي عنه فإذا لا ينجسه بوقوع النجاسة بكل حال لم يكن للنهي فائدة ولا فصل في الحديث بين الدائم ودائم فهو على العموم إلا أن يصير في حكم الجاري كالحوض الكبير، ولأن الماء الذي يغتسل فيه أكثر من قلتين طاهر. فإن قلت: الحوض الكبير دائم والحديث مطلق فيدخل تحت إطلاقه فيكون حجة عليه. قلت: إنه في حكم الجاري في عدم اختلاط بعضه ببعض فإن قلت: يجوز أن يكون النهي فيه للتنزيه، قلت: لا يجوز لأن تأكيده وتقييده بالدائم ينافيه فإن الماء الجاري يشاركه في ذلك المعنى فإن البول كما أنه ليس باد في الماء الدائم فكذلك في الجاري فلا يكون للتقييد فائدة. وكلام الشارح مصون عن ذلك. وزعم النووي أن النهي فيه للتحريم في بعض المياه والكراهة في بعضها، فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث، ولكن الأولى اجتنابه. وإن كان قليلا جاريا فقال جماعة من أصحابنا يكره، والمختار أنه لا يحرم لأنه يقدره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي، وإن كان كثيرا دائما فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم ولو قيل: يحرم لم يكن بعيدا. فقيل: إذا بال في الماء الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه والصواب المختار أنه حرام، والتغوط فيه كالبول فيه وأقبح. وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، قلت: زعم أنه من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وفيه من الخلاف ما هو معروف عند أهل الأصول. ثم نتكلم في ألفاظ الحديث فقوله: الدائم، أي الثابت الواقف. وقوله: الذي لا يجري تفسير للدائم وإيضاح لمعناه. قوله: أو الراكد - شك من الراوي من ركد إذا ثبت، قال الجوهري: ركد الماء ركودا ثبت وكل ثابت في مكان راكد. قوله: نهى حكاية النهي كما أن قوله: أمر حكاية الأمر، واختلفوا فيما إذا قال الصحابي أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو السنة كذا، فالمذهب عندنا أنه لا يفهم من هذا المطلق الإخبار بأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أنه سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: ينصرف إلى ذلك عند الإطلاق، وفي الجديد قال: لا ينصرف إلى ذلك بدون البيان، لاحتمال أن يكون المراد سنة البلدان أو الرؤساء، حتى لو قال في
من غير فصل. والذي رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكل موضع: السنة في بلدنا كذا فإنما أراد سليمان بن بلال وكان عريفا بالمدينة. قوله: "ثم يغتسل فيه" برفع اللام لأنه خبر لمبتدأ أي: وهو يغتسل فيه، ويجوز الجزم عطفا على محل لا يبولن لأنه مجزوم، وعدم ظهور الجزم لأجل النون، وقد قيل: يجوز النصب بإضمار أن ويعطى له حكم الواو، قلت: هذا فاسد لأنه يقتضي أن يكون المنهي عنه هو الجمع بينهما دون إفراد أحدهما، ولهذا لم يقل به أحد بل البول فيه منهي سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أو لا. وقال القرطبي: الصحيح يغتسل برفع اللام ولا يجوز نصبها إذ لا ينصب بإضمار أن بعد ثم وخالفه في ذلك ابن مالك وأجازه الذي ذكرناه، ويستنبط منه أحكام: الأول: أن أصحابنا احتجوا به أن الماء الذي لا يبلغ الغدير العظيم إذا وقعت فيه نجاسة لم يجز الوضوء به قليلا كان أو كثيرا. الثاني: استدل به أبو يوسف على نجاسة الماء المستعمل فإنه قرن فيه بين الغسل وبين البول فيه، وفي دلالة القران بين الشيئين على استوائهما في الحكم خلاف بين العلماء، فالمذكور عن أبي يوسف والمزني ذلك، وخالفهما غيرهما. الثالث: أن هذا الحديث عام فلا بد من تخصيصه اتفاقا بالماء المستبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، وبحديث القلتين كما ذهب إليه الشافعي، أو بالعمومات الدالة على طهارة الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة كما ذهب إليه مالك. الرابع: أن المذكور فيه البول فيلحق به اغتسال الحائض والنفساء قياسا، وكذلك يلحق به اغتسال الجمعة، والاغتسال عند غسل الميت عند من يوجبها. فإن قلت: يلحق به الغسل المسنون أم لا، قلت: من اقتصر على اللفظ فلا إلحاق عنده كأهل الظاهر، وأما من يعمل بالقياس فمن زعم أن العلة الاستعمال فالإلحاق صحيح، ومن زعم أن العلة رفع الحدث فلا إلحاق عنده، فاعتبر بالخلاف الذي بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - في كون الماء مستعملا كما علم في موضعه. م: (من غير فصل) ش: أي حجتنا حديث: «لا يبولن أحدكم» إلخ. فإنه على العموم من غير فصل بين دائم ودائم، وبين ما يتغير لونه وبين ما لا يتغير. فإن قلت: ما محل هذا من الإعراب. قلت: النصب على الحال من قوله: لا يبولن، أي حجتنا عموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حال كونه من غير فصل كما ذكرنا. م: (والذي رواه مالك) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وهذا جواب عن احتجاج مالك بهذا الحديث فيما ذهب إليه من جواز الطهارة من الماء القليل الذي وقعت ما لم
ورد في بئر بضاعة ـــــــــــــــــــــــــــــQيتغير أحد أوصافه م: (ورد في بئر بضاعة) ش: أي الذي رواه مالك في بئر بضاعة وهو ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري قال: «قيل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والمنتن، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال الترمذي: حسن، وضعفه ابن القطان للاختلاف في إسناده، فقوم يقولون: عبد الله بن عبيد الله بن رافع بن خديج، وقوم يقولون عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع، ومنهم من يقول عبد الرحمن بن رافع، قال: فتحصل فيه خمسة أقوال، وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ولا عين. وله إسناد صحيح من رواية سهل بن سعد أخرجه قاسم بن أصبغ في "مصنفه. «قال سهل: قالوا: يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة. وفيها ما ينجي الناس والحائض والجنب فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الماء لا ينجسه شيء» . قال قاسم: هذا أحسن شيء في بئر بضاعة. وحديث أبي سعيد أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أيضا وجوده أبو أسامة وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، ورواه الطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبيد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يتوضأ من بئر بضاعة فقيل: يا رسول الله إنه يلقى فيها الجيف والمحائض، فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء» . وروي من طريق آخر عنه قال: «قيل يا رسول الله إنما نستقي لك من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها عذرة النساء ومحائض النساء ولحوم الكلاب، فقال: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء» . وروي من طريق آخر عنه قال: «أتيت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يتوضأ من بئر بضاعة فقلت: يا رسول الله أتتوضأ منها وهي يلقى فيها ما يلقى من النتن، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الماء لا ينجسه شيء» . قوله - أتتوضأ - بتاءين مثناتين من فوق خطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبضاعة بضم الباء هو المشهور، وذكر الجوهري الضم والكسر وهو بالضاد المعجمة وحكي أيضا بالمهملة، وقال المنذري: بئر بضاعة دار لبني ساعدة بالمدينة وبئرها معلوم، وبها مال من أموال أهل المدينة. قيل: بضاعة اسم لصاحب البئر وقيل لموضعها، والحيض بكسر الحاء وفتح الياء جمع الحيضة بكسر الحاء وهي الخرق التي تحشو بها المرأة وتمسح بها دم الحيض. والمحائض
وكان ماؤها جاريا في البساتين ـــــــــــــــــــــــــــــQجمع محيضة وهي مثل الحيض. والنتن الرائحة الكريهة ويقع أيضا على كل مستقبح. قوله: - «ما ينجي الناس» - بضم الياء بعدها نون ساكنة ثم جيم من أنجى الرجل إذا أحدث. قوله: - «لا ينجسه شيء» - نجس ينجس من باب علم يعلم نجسا ونجاسة وجاء فيه بضم الجيم في الماضي والمضارع أيضا. م: (وكان ماؤها) ش: أي ماء بئر بضاعة م: (جاريا في البساتين) ش: يسقى منه خمس بساتين، والماء الجاري لا ينجس بوقوع النجاسة فيه عندنا. فإن قلت: العبرة لعموم اللفظ دون خصوص السبب فكيف اختص بئر بضاعة مع وجود دليل العموم وهو الألف واللام، أجيب بأنه ليس من باب الخصوص في شيء، وإنما هو من باب الحمل للتوفيق فإن الحديثين إذا تعارضا وجهل تاريخهما يعد كأنهما وردا معا ثم بعد ذلك إن أمكن التوفيق بالعمل بينهما يحمل كل منهما على محمل حسن، وإن لم يمكن يطلب الترجيح، وإن لم يمكن يتهاتران، وهاهنا أمكن العمل بأن يحمل هذا الحديث على بئر بضاعة، وحديث المستيقظ وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبولن أحدكم» الحديث على غيرها، فعملنا كذلك دفعا للتناقض. قلت: تحقيق الكلام أن النظر إلى عموم اللفظ دون خصوص السبب إنما يكون إذا لم يرد ما يخصصه من القوة، وقد ورد هنا وهو حديث المستيقظ والأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، والنهي عن البول في الماء الدائم، وما ورد من الأحاديث في تنجيس الماء بوقوع الحيوان فيها، فيكون خصوصه بها لدفع انتقاض فكان هذا من باب الحمل. وقال تاج الشريعة: سمعت من الشيخ الأستاذ الإمام أن هذا النص خص بالحديثين فجاز أن يخص بالسبب، أو أن العبرة إنما تكون بعموم اللفظ، إذا كانت الألف واللام للجنس، أما إذا كانت للعهد فلا. وقال الطحاوي: والمستحيل أن يكون سؤالهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن بئر بضاعة وجوابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياهم في ذلك بقوله: «إن الماء لا ينجس» وكانت النجاسة في البئر، ولكنه والله أعلم كان بعد أن أخرجت النجاسة من البئر فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك والبئر تطهر بإخراج النجاسة منها فلا ينجس ماؤها الذي يطرأ عليها بعد ذلك، وذلك موضع مشكل لأن حيطان البئر لم تغسل وطينها لم يستخرج، فقال لهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الماء لا ينجس» يريد بذلك الماء الذي يطرأ بعد إخراج النجاسة منها، لأن الماء لا ينجس إذا خالطته النجاسة، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المؤمن لا ينجس» في حديث «أبي هريرة، قال: لقيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأنا جنب، فمد يده إلي فقبضت يدي عنه، وقلت: إني جنب، فقال: "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس» وهذا الحديث أخرجه الجماعة، وفي رواية الشيخين «إن المؤمن لا ينجس» وليس معناه أن بدنه لا ينجس وإن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأصابته النجاسة وإنما أراد به لا ينجس بمعنى غير ذلك. وكذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الأرض لا تنجس» في حديث «وفد ثقيف لما قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضرب لهم قبة في المسجد فقالوا يا رسول الله نحن قوم أنجاس فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما» رواه الحسن البصري مرسلا. وروي عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن يونس عن الحسن قال: «جاء رهط من ثقيف فأقيمت الصلاة، فقيل: يا رسول الله إن هؤلاء مشركون، قال: "إن الأرض لا ينجسها شيء» وليس معناه أن الأرض لا تنجس وإن أصابتها النجاسة، وكيف يكون ذلك وقد «أمر بالمكان الذي بال فيه الأعرابي من المسجد أن يصب عليه ذنوب من ماء» والحديث صحيح. وروى طاوس أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بمكان أن يحض فكان معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن «الأرض لا تنجس» أنها لا تبقى نجسة في حال عدم كونها النجاسة فيها، فكذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بئر بضاعة «إن الماء لا ينجس» ليس هو على حال كون النجاسة فيها إنما هو على حال عدم النجاسة فيها، فهذا وجه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في بئر بضاعة «الماء لا ينجسه شيء» . وقال أبو نصر المعروف بالأقطع: لا يظن بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يتوضأ من بئر هذه صفاته مع نزاهته وإيثار الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء، فدل أن ذلك كان في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها فبين أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح، وقال الخطابي: قد توهم بعضهم أن هذا كان لهم عادة وتعمدا وهذا لا يظن بذمي ولا وثني فضلا عن مسلم، فلم تزل عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم من تنزيه الماء وصونه عن النجاسة فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهو أعلى طبقات أهل الدين، وأفضل جماعة المسلمين والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له. وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن التغوط في موارد الماء ومشارعه» فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدا للأنجاس ومطرحا للأقذار، وإنما كان ذلك من أجل أن هذا البئر موضعها في حدود من الأرض، وكانت السيول تلم هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته، وغزارته لا يتغير من ذلك، فكان من جوابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الماء الكثير الذي صفته هذه في الكثرة والمقدار لا تؤثر فيها النجاسة، لأن السؤال إنما وقع عن ذلك والجواب إنما يقع عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: ما الدليل على كون ماء بئر بضاعة جاريا في البساتين. قلت: روى الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع البلخي عن الواقدي أن بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين. فإن قلت: كان أهل الحديث يشنعون على الواقدي تشنيعا عظيما، ونقل ابن الجوزي عن ابن عدي أنه كان يضع الحديث في السنة ينسبها إلى أهل الحديث متهما بها. قلت: من جملة تصانيفه كتاب الرد على المشبهة، فكيف يصح هذا عنه وكان دينا صالحا عابدا. وفي " التهذيب ": كان فقيه أهل الرأي في وقته، وصاحب التصانيف، فإن كان الواقدي مجروحا لما رواه عنه، وقال البخاري فيه: متروك الحديث، ثم عن الشافعي أنه قال: كتب الواقدي كذب، نقله البيهقي، وقال: الواقدي لا يحتج بروايته فيما يسنده فكيف فيما يرسله. وقد ضعفه يحيى وكذبه أحمد. قلت: هذا تحامل من البيهقي على الطحاوي في هذا الموضع، والعجب منه أن يشنع هذا التشنيع والحال أنه يخبر عن مشاهدة لأنه من أهل المدينة وهو أدرى بحالها وحال آبارها من غيره، وفيه إسناد وإرسال فيقول ما يقول، وقد طبق الأرض شرقها وغربها ذكره وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم كما ذكره الخطيب في ترجمته، وقال إبراهيم بن جابر الفقيه: سمعت الصاغاني وذكر الواقدي فقال: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه، وحدث عنه الأربعة أئمة الكبار أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو حثمة ورجل آخر، ويمكن أن يكون هو الشافعي لأنه روى عنه. وقال مصعب بن الزبير: الواقدي ثقة مأمون، ولولا هو والبلخي ثقتان عند الطحاوي لما روى عنهما في معرض الاستدلال، وتعريض غيره وتضعيفه إياهما لا يلزمه على ما عرف. واسم الواقدي: محمد بن عمرو الأسلمي أبو عبد الله المدني قاضي بغداد وأحد مشايخ الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: قد قيل إن المدينة لم يكن لها ماء جار على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأما عين الزرقاء وعيون حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحدثت بعد ذلك، وبئر بضاعة كان ماؤها نبع غير جار وهي باقية إلى اليوم شرقي المدينة بدار بني ساعدة.
وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعفه أبو داود، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا يرد بما رواه الطحاوي، على أنه يحتمل أن يكون مراد هذا القائل أن المدينة لم يكن بها ماء جار على وجه الأرض مثل النهر، وبئر بضاعة كان ماؤها جاريا تحت الأرض كالقنوات التي تجري تحت الأرض. وقال الأكمل: فإن قيل استدل المصنف في أول الباب إلخ. نقله عن صاحب " الدراية " فإنه قال ذلك ثم قال في آخره كذا قول شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو الإمام علاء الدين بن عبد العزيز. تقرير السؤال أنه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن الماء لا ينجس» لما بين أنه ورد في بئر بضاعة لا يستقيم العمل بعمومه في أول الباب حيث أثبت صاحب " الهداية " طهارة المياه الكائنة من السماء والأودية والعيون والآبار وماء البحار بهذا الحديث، فإن كانت اللام في قوله الماء للجنس صح الاستدلال وبطل الحمل وإن كان للعهد صح الحمل ويبطل الاستدلال وتقرير الجواب أن اللام للجنس فالاستدلال صحيح والحمل ليس بباطل، لأن الحديث يشتمل على قضيتين إحداهما الماء طهور والثانية لا ينجسه شيء، والاستدلال بالأول صحيح لأنها تفيد المقصود من غير اقتضاء إلى الثانية والحمل بالثانية. فإن قيل: الضمير في قوله لا ينجسه يرجع إلى ما دخل عليه اللام فكان المراد به الجنس فكيف يصح حمله على المعنيين. أجيب بأن اللفظ إذا احتمل معنيين وأريد به أحدهما ثم أريد بضميره الآخر جاز ويسمى ذلك استخداما كما في قول الشاعر: إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا أريد بالسماء المطر وبضميره النبات. ونظيره قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة» . فإن القضية الأولى على العموم حتى حرم البول في الماء القليل والكثير جميعا واختصت الثانية بالقليل فوجب تخصيصه حتى لا يحرم الاغتسال في الماء الدائم الكثير مثل الغدير العظيم ونحوه، فيثبت أن حمل الحديث هنا على الماء الجاري لا يمنع التمسك به في أول الباب لعمومه. م: (وما رواه الشافعي ضعفه أبو داود) ش: أراد به حديث القلتين. قال الأترازي: أبو داود هذا هو أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب كتاب " معالم السنن " إمام ثقة من أئمة الحديث مقبول الرواية عند كل المذاهب، وتبعه الأكمل في ذلك، قلت هذا كلام غير صحيح لأن أبا داود السجستاني الذي ذكره روى حديث القلتين في "سننه". وسكت عنه فهو صحيح عنده على عادته في ذلك قال صاحب " الهداية " لم يعين اسم أبي داود فيحتمل أن يكون أبا داود الطيالسي أو غيره ممكن يكنى بأبي داود من أئمة الحديث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: ويحتمل أن يكون أبو داود وهو الذي قاله الأترازي ويحتمل أنه ضعف هذا الحديث في غير سننه في موضع آخر فإنه نقل بعضهم أن أبا داود قال لا يكاد يصح لأحد من الفريقين حديث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تقدير الماء، ويلزم من هذا تضعيف حديث القلتين ضرورة أنه حديث في الماء، قلت: الاحتمال إذا كان ناشئا عن دليل يفيد وإلا لأدى إلى أن أبا داود قال لا يصح اه. هو أبو داود السجستاني صاحب السنن ويحتمل أن يكون غيره، وما ذكرنا من الرد على حاله. وأما تضعيف حديث القلتين فوجهه وإن كان رواه الأربعة والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه الحاكم وابن المنذر، أنه دائر على معطوف عليه في الرواية ومضطرب فيها أو موقوف. قال أبو بكر بن العربي في " شرح الترمذي ": وحسبك أن الشافعي رواه عن الوليد بن كثير وهو أباضي منسوب إلى عبد الله بن أباض من غلاة الروافض. واختلف في روايته قيل " قلتين أو ثلاثا " رواه يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة أخرجه الدارقطني، وروي: "أربعين قلة" عن القاسم بن عبيد الله عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يحمل الخبث» أخرجه الحافظ أبو أحمد بن عبيد الله بن عدي الجرجاني وأبو حفص محمد بن عمرو العقيلي وأبو الحسن علي بن عمرو الدارقطني، وروي " أربعين غربا ". رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذكر الخلاف ووقفه على أبي هريرة وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال أبو بكر بن العربي أيضا والمقداد والدارقطني أن يخلص من رواية هذا الحديث بخبر سفه الذقن ما مضى لها وعلى كثرة طرقه لم يخرجه على شرط الصحة، وأكثر طرقه عن محمد بن إسحاق بن يسار، قال أبو زرعة: ليس يمكن أن يقضى له وكذبه مالك وغيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أخبرني مسلم بن خالد بن الزنجي عن ابن جريج بالإسناد ولا يحضر في ذكره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا» وقال في الأحاديث بقلال هجر، قال أصحاب الحديث ما حضره ولا يحضره أبدا. قال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": هذا فيه أمران أحدهما أن الإسناد الذي لم يحضره مجهول الرجال فهو كالمنقطع فلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتقوم به الحجة. والثاني قوله: قال في الحديث بقلال هجر يتوهم له أنه من لفظ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذي وجد في رواية ابن جريج إنما هو من قول غير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: وفيه علة ثالثة وهو أن شيخه مسلم بن خالد ضعيف ضعفه جماعة منهم البيهقي الذي تنازع فيه مع أئمة الحنفية ولا سيما في هذا الباب، فإن في باب من زعم أن التراويح بالجماعة أفضل، والذي وجد في رواية ابن جريج أنه قول يحيى بن عقيل وبينه البيهقي ويحيى هذا ليس بصاحبي فلا تقوم بقوله حجة. فإن قلت: أسند البيهقي عن محمد عن يحيى بن عقيل قال قلال فأظن أن كل قلة تأخذ فرقتين، زاد أحمد بن علي في رواية والفرق ستة عشر رطلا، قلت في هذا أربعة أشياء أحدها: أنه مرسل. والثاني: أن أحد المذكور فيه هذا يحيى على ما قاله أبو أحمد الحافظ يحتاج إلى الكشف عن حاله. الثالث: أنه ظن من غير جزم. الرابع: أنه إذا كان الفرق ستة عشر رطلا يكون مجموع القلتين أربعة وستين رطلا، وهذا لا يقول به البيهقي ولا إمامه وقد أكثر العلماء في هذا الباب جدا. وحاصله أن حديث القلتين مضطرب لفظا ومعنى، أما اللفظ فمن جهة الإسناد والمتن، أما الإسناد فلأنه روي بروايات مختلفة، وأما المتن فما تقدم وضعفه الحافظ أبو عمر بن عبد البر وابن العربي، وأما من جهة المعنى فقيل إن القلة اسم مشترك يطلق على الجرة والقلة، والقلة على رأس الجبل، وعلى قامة الرجل، والاسم المشترك لا يراد به إلا أحد المعاني الذي دل عليه المرجح، فأي دليل ترجح دل على أن المراد من القلة ما أرادوه لا غير من التقدير. فإن قالوا: الدليل ما روي في الحديث بقلال هجر، فقد أجبنا عنه من قريب. وقال أبو عمر في " التمهيد " في القلتين: مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر، لأن حديث القلتين قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل ولأنه لا يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع ولو كان حتما لازما لما منعوه ثم إنهم يقولون إذا تغير لونه أو طمعه أو ريحه بالنجاسة تنجس القلتان وليس في حديثهم ذلك، وإنما جاء في مطلق الماء، وقد ترك جماعة من أصحاب الشافعي مذهبه فيه لضعفه كالغزالي والديواني وغيرهما. وقال أبو عمر في " الاستذكار " حديث معلول رواه إسماعيل القاضي وتكلم فيه. وقال الطحاوي إنما لم يقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت.
وهو يضعف عن احتمال النجاسة والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها أثر؛ لأنها لا تستقر مع جريان الماء، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهو يضعف عن احتمال النجاسة) ش: هذا تأويل معنى حديث القلتين، فإن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول معنى قوله لا يحمل الخبث لا يقبل النجاسة ويدفعها، ونحن نقول معناه يضعف عن احتمال النجاسة، فإذا كان كذلك لم يكن التمسك به صحيحا. قلت: معناه يضعف عن مقاومة النجاسة كما يقال فلان لا يحتمل أذى الناس، وفلان لا تحتمل الضرب، وهذه الدلالة لا تحتمل هذا المقدار من الحمل، وهذه الأسطوانة لا تحتمل ثقل السقف، وهذا استعمال عربي فلا يتعين ما ذهب إليه فصار مجملا. وقال النووي: هذا خطأ فاحش من أوجه أحدها أن الرواية الأخرى مصرحة بغلطه وهو قوله فإنه لا ينجس، الثاني أن الضعف عن الحمل إنما يكون في الأجسام كقولنا فلان لا يحمل الخشبة أي يعجز عن حملها لثقلها، وأما في المعاني فمعناه لا يقبله. الثالث أن سياق الكلام يفسره لأنه لو كان المراد أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونها أولى بذلك، وأجيب بأن التأويل المذكور في الرواية التي ذكرها المصنف صحيح على ما مر وتأويلهم في هذه الرواية. وأما الرواية الأخرى فالجواب عنها أن العمل متعذر للاختلاف الشديد في تفسير القلتين. وقال ابن حزم لا حجة لهم في حديث القلتين لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحدد مقدار القلتين، ولاشك أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو أراد أن يجعلهما حدا بين ما يقبل النجاسة وبين ما لا يقبلها، لما أجمل أن يحدها لنا بحد ظاهر. وأما الشافعي فليس حده في القلتين أولى من حد غيره فسرهما بغير تفسيره وكل قول لا برهان عليه فهو باطل. والقلتان ما وقع عليه في اللغة اسم قلتين صغرتا أم كبرتا، ولا خلاف أن القلة التي تسع عشرة أرطال ماء تسمى عند العرب قلة وليس هذا الخبر دال على قلال هجر، ولا شك أن لهجر قلالا صغارا [لا] كبارا فإنه قيل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قد ذكر قلال هجر في حديث الإسراء. قلت: نعم وليس ذلك بموجب أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - متى ذكر قلة فإنما أراد بها من قلال هجر، وليس تفسير ابن جريج القلتين بأولى من تفسير مجاهد الذي قال هما جرتان ويفسر كذلك. م: (والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء منه إذا لم ير لها أثر) ش: أي لم يعلم لها أثر، وفيه إشارة إلى أنها لو كانت مرئية لا يتوضأ من جانب الوقوع، وإذا لم تكن مرئية جاز له الوضوء من أي موضع شاء من موضع وقوع النجاسة فيه أو من غيره م: (لأنها) ش: أي لأن النجاسة م: (لا تستقر مع جريان الماء) ش: أي لا تستقر في موضع وقوعها مع جريان الماء بل تتحول
والأثر هو الطعم أو الرائحة أو اللون، والجاري: ما لا يتكرر استعماله وقيل: ما يذهب بتبنة. قال: والغدير. ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه م: (والأثر) ش: أي أثر النجاسة م: (هو الطعم أو الرائحة أو اللون) ش: ذكره بكلمة أو التي للتنوع على أن واحدا منها يكفي عند وجودها م: (والجاري) ش: أي حد الماء الجاري م: (ما لا يتكرر استعماله) ش: وذلك أن الرجل إذا غسل يده وسال الماء منها إلى النهر فإذا أخذه ثانيا لا يكون فيه شيء من الماء الأول. م: (وقيل ما يذهب بتبنة) ش: أو ورق، وقيل إن يضع إنسان يده في الماء عرضا لم تقطع جريانه. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان لا ينحسر وجه الأرض بالاغتراف بكفيه. وقيل ما يعده الناس جاريا وهو الأصح، ذكره في " البدائع " و " التحفة " وغيرهما. وفي " الذخيرة " و " البدائع " و " المرغيناني " لو بال إنسان في الماء الجاري فتوضأ به إنسان من أسفل منه جاز. وفي " البدائع " و " شرح الطحاوي " جيفة فأرة في الفرات وتوضأ إنسان أسفل منه إن وجد طعمها أو لونها أو ريحها ينجس الماء وإلا فلا. وفي المرئية كالجيفة إن كان الماء يجري على كلها أو نصفها لا يجوز الوضوء به أسفل منها، والقياس في النصف الجواز وعلى هذا التفصيل الميزاب، وإن لم تكن النجاسة على الميزاب يعتبر تغير لونه أو ريحه أو طعمه، ولو كان الماء يجري في جوف الجيفة وأكثرها لا يلاقيها فهو طهور. وقال أبو نصر: هذا أشبه بقول أصحابنا كلب ميتة سد عرض الساقية والماء يجري من تحته وفوقه فلا بأس بالوضوء به إن لم يتغير عند أبي يوسف خلافا لهما، وعن أبي حنيفة إن كان الماء فوق الكلب مقدار ذراع جاز، وفي " الذخيرة " إذا تغير لا يحكم بطهارته ما لم يزل تغيره بورود ماء طاهر عليه حتى يزيل تغيره. فرع: مسافر معه ميزاب واسع وأرواه ما يحتاج إليه ما يصنع فعند أبي الحسن السندي يأمر رفيقه بصب الماء من طرف الميزاب ويتوضأ من الميزاب، وعند الطرف الآخر منه إناء يجتمع فيه الماء فإن الماء المجتمع منه يكون طهورا والجاري لا يكون مستعملا عند جريانه، ومنهم من أنكر هذا لعدم المادة له، والصحيح الأول، وفي " الكبرى " ماء الثلج جرى على طريق فيه نجاسة إن لم ير أثرها فيه يتوضأ منه لأنه جار. م: (والغدير) ش: على وزن فعيل بمعنى مفعول من غادره إذا تركه، وهو الذي تركه ماء السيل، وقيل بمعنى فاعل لأنه يغدر بأهله لانقطاعه عند شدة الحاجة إليه. وقال الأترازي الغدير القطعة من الماء يغادرها السيل، وهو فعيل بمعنى فاعل من غادره أو بمعنى مفعل من أغدره.
العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر، لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه، إذ أثر التحريك في السراية فوق أثر النجاسة. ثم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر التحريك بالاغتسال، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه: التحريك باليد، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالتوضؤ. ووجه الأول: أن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد منها إلى التوضؤ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: فيه نظر، لأن غديرا فعيلا من غدر لا من غادر حتى يقول بمعنى مفاعل، ولا هو من أغدر حتى يقول بمعنى مفعل مع أن الثاني منه متعد. م: (العظيم) ش: صفة الغدير وكذا قوله م: (الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر) ش: لا بالموج م: (إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر) ش: إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فحينئذ لا يجوز كذا في " فتاوى الولوالجي ". فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: الغدير مبتدأ وخبره الجملة وهو قوله إذا وقعت فيه نجاسة اه. وفيها الضمير أعني في جانبه يرجع إلى المبتدأ، وقد علم أن الجملة تقع خبرا سواء كانت اسمية أو فعلية أو شرطية أو ظرفية م: (لأن الظاهر أن النجاسة لا تصل إليه) ش: أي إلى الجانب الآخر م: (إذ أثر التحريك) ش: كلمة إذ للتعليل معناه لأن أثر تحريك الطرف من الغدير م: (بالسراية) ش: إلى الطرف الآخر م: (فوق أثر النجاسة) ش: لأن ذلك أسرع والنجاسة الواقعة في أحد الطرفين لا تصل إلى الآخر. م: (ثم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر التحريك بالاغتسال) ش: يعني إذا اغتسل في طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر فإن تحرك لا يجوز الوضوء منه ولا الاغتسال عند وقوع النجاسة. واعلم أنهم اختلفوا في هذا على اثني عشر قولا الأول: هو ما ذكره عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإليه أشار بقوله: م: (وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: صورة هذا أن يغتسل إنسان في جانب منه اغتسالا وسطا فلم يتحرك الجانب الآخر والثاني هو قوله م: (وعنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر م: (التحريك باليد) ش: لا غير وهو أيضا نقله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثالث: هو قوله م: (وعن محمد بالتوضؤ) ش: أي روي عن محمد أنه يعتبر التحريك بالتوضؤ منه م: (ووجه الأول) ش: أي القول الأول وهو التحريك بالاغتسال م: (أن الحاجة إلى الاغتسال في الحياض أشد منها إلى التوضؤ) ش: لأن الوضوء يكون في البيوت عادة ولأن هذا
وبعضهم قدروه بالمساحة عشرا في عشر بذراع الكرباس توسعة للأمر على الناس وعليه الفتوى ـــــــــــــــــــــــــــــQأحوط ووجه الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو التحريك باليد لأنه أخف فكان الاعتبار به أولى توسعة على الناس. والرابع: هو قوله م: (وبعضهم قدروه بالمساحة) ش: أي بعض العلماء وهو أبو سليمان الجرجاني وبه أخذ مشايخ بلخ، وإليه ذهب عبد الله بن المبارك، وبه قال أبو الليث وهو قول أكثر أصحابنا م: (عشرا في عشر) ش: عشرا حال من قوله - بالمساحة - وقوله - في عشر - محلها النصب على الحال أيضا والتقدير بعض العلماء قدروا الماء الذي تقع فيه النجاسة حتى يجوز الوضوء منه بالذراع حال كونه عشرا كائنا في عشر، فيكون مائة والمائة منتهى العشرات والعشر منتهى الآحاد، والألف منتهى المئين، والمائة وسط، وخير الأمور أوسطها فلذلك اختاره أكثر العلماء. ولو كان الحوض مدورا قال في " الفتاوى الظهيرية " أنه يعتبر فيه ثمانية وأربعون ذراعا ودونها ينجس، وقيل ستة وثلاثون وهو الصحيح، وهو مبرهن عند الحساب وفي حيز مطلوب قدره بعضهم ثمانية وأربعين ذراعا. وقيل يعتبر أربعة وأربعون. وقيل أربعة وثلاثون لأن العمود عشرة أذرع فإذا ضربتها في ثلاثة وثلث فالخارج ثلاث وثلاثون وثلث فكملوا الثلث تسهيلا واحتياطا واحترازا عن الكسر، وكأن من قدره بأكثر من ذلك اعتبر الزوايا. م: (بذراع الكرباس) ش: الباء تتعلق بقوله قدروا، ثم اختلفت ألفاظ الكتب في تعيين الذراع فجعل الصحيح في " فتاوى قاضيخان " ذراع المساحة وهو سبع مشتان فوق كل مشتية إصبع قائمة وهو ذراع الملك، واختارها في حيز مطلوب والمصنف اختار للفتوى ذراع الكرباس وهي سبع مشتيات ليس فوق كل مشتية إصبع قائمة. وقيل أربع وعشرون إصبعا بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله م: (توسعة للأمر) ش: نصب على التعليل أي لأجل التوسعة م: (على الناس وعليه الفتوى) ش: أي على هذا القول. وفي " المحيط " أنه يعتبر في كل مكان وزمان ذراعاتهم من غير تعرض للمساحة والكرباس. والخامس: من الأقوال الاثني عشر يعتبر فيه أكثر الرأي والتحري، فإن غلب على الظن وصول النجاسة إلى الجانب الآخر فهو نجس، وإن غلب عدم وصولها فهو طاهر، فهذا هو الأصح، وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وقال السروجي: والمذهب الظاهر التحري والتفويض إلى رأي المبتلى به من غير تحقيق بالتقدير أصلا عند الإمام وبه أخذ الكرخي. السادس: يلقي فيه قدر النجاسة صبغ فإن لم يظهر أثره في الجانب الآخر لا ينجس، حكي عن أبي حفص الكبير في " المبسوط " و" البدائع ". السابع: يعتبر بالتكدر روي عن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام ذكره في " البدائع "
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQو" المفيد ". الثامن: إذا كانت ثمانيا في ثمان قاله محمد بن سلمة. التاسع: قدر بعضهم اثني عشر في اثني عشر أخذ من مسجد محمد بن الحسن من خارجه؛ لأنه لما سئل عن ذلك قال: مثل مسجدي هذا، فمسحوه من داخله فكان ثمانيا في ثمان ومن خارجه كان اثني عشر في اثني عشر. العاشر: خمسة عشر في خمسة عشر قاله عبد الله بن المبارك ثانيا وبه أخذ أبو المطيع البلخي، وقال: أرجو أن يجوز. الحادي عشر: عشرين في عشر، قال أبو مطيع حينئذ لا أجد في قلبي شيئا. والثاني عشر: عن محمد بن الحسن لو انغمس رجل في جانب لا يتحرك الجانب من ساعته، وهذا قريب من معنى ما تقدم. فإن قلت: نصب المقدرات بالرأي لا يجوز وكيف اخترتم في حد الماء الكثير بالعشر في العشر وما استنادكم وهذا كل أحد من الأئمة الثلاثة استند في هذا الباب على الأثر. أما مالك فإنه اعتمد على حديث أبي سعيد الخدري وقال: إن الماء لا ينجس بشيء إلا إذا تغير أحد أوصافه وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وعبد الله بن وهب وإسماعيل بن إسحاق ومحمد بن بكير والحسن بن صالح وبه قال أحمد في رواية. وأما الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه اعتبر القلتين بالحديث الوارد فيهما وبه قال أحمد في المشهور عنه. وقالت الظاهرية: الماء لا ينجس أصلا سواء كان جاريا أو راكدا وسواء كان قليلا أو كثيرا تغير طعمه أو لونه أو ريحه أو لم يتغير لظاهر حديث أبي سعيد الخدري. وقال ابن حزم في " المحلى ": وممن روي عنه القول مثل قولنا: إن الماء لا ينجسه شيء: عائشة أم المؤمنين وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس والحسن بن علي بن أبي طالب وميمونة أم المؤمنين وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والأسود بن يزيد وعبد الرحمن أخوه وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومجاهد وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والحسن البصري وعكرمة وجابر بن زيد وعثمان البتي وغيرهم. قلت: حديث بئر بضاعة يصلح أن يكون استنادا في التقدير بالعشر بيان ذلك أن محمدا لما سئل عن ذلك قال: إن كان قدر مسجدي فهو كثير فلما قاسوه وجدوه ثمانيا في ثمان من داخله
والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف هو الصحيح، وقوله في الكتاب: جاز الوضوء من الجانب الآخر، إشارة إلى أنه ينجس موضع الوقوع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه كالماء الجاري ـــــــــــــــــــــــــــــQوعشرا في عشر من خارجه وقيل: اثني عشر في اثني عشر، وكان وسع بئر بضاعة ثمانيا في ثمان، والدليل عليه ما قله أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي مددتها عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي الباب وأدخلني إليه هل غيرتموها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت الماء فيها متغير اللون، انتهى. فإذا كان عرضها ستة أذرع يكون طولها أكثر منها؛ لأن الغالب أن يكون الطول أمد من العرض، ولو كانت البئر مدورة يقال: فإذا دورها ستة أذرع فإن أضيف ما في الطول من الزيادة إلى العرض يكون مقداره الثمانية أو أكثر؛ لأن منشأ ذلك على التقدير لا على التحرير، فأخذ محمد من هذا ولكن ما اعتبر إلا خارج مسجده الأصلي للاحتياط في باب العبادات. م: (والمعتبر في العمق) ش: بفتح العين المهملة وضمها وسكون الميم م: (أن يكون الماء بحال لا ينحسر) ش: أي لا ينكشف. م: (بالاغتراف) ش: باليد؛ لأنه إذا انحسر ينقطع الماء بعضه عن بعض ويصير الماء في مكانين فتخلص إليه النجاسة، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر الهندواني م: (هو الصحيح) ش: أي الذي ذكره بقوله: والمعتبر في العمق اهـ. واحترز به عن أقوال أخرى قال الكاساني: الصحيح أنه إذا أخذ الماء وجه الأرض يكفي، وقيل: مقدار ذراع بذراع الكرباس أو أكثر، وقيل: مقدار شبر، وقيل: زيادة على عرض الدرهم الكبير المثقال، ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " م: (جاز الوضوء من الجانب الآخر إشارة إلى أنه ينجس موضع الوقوع) ش: أي موضع وقوع النجاسة ولم يفرق بين كونها مرئية وغير مرئية، وهو المحكي عن مشايخ العراق. ومشايخ بخارى وبلخ فرقوا بينهما وقالوا في غير المرئية: يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة بخلاف المرئية. م: (وعن أبي يوسف أنه) ش: أي موضع الوقوع م: (لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه) ش: أي في موضع الوقوع م: (كالماء الجاري) ش: يعني حكمه حكم الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة يجوز الوضوء منه ما لم يظهر أثرها فيه؛ لأنها لا تستقر مع جريان الماء، وقيل: على هذا إذا غسل وجهه من حوض كبير فسقط غسالة وجهه في الماء فرفع الماء من موضع الوقوع قبل التحريك لا يجوز عند العراقيين، وجوزه مشايخ بخارى وبلخ توسعة على الناس لعموم البلوى به.
[حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء]
قال: وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه كالبق والذباب والزنابير ـــــــــــــــــــــــــــــQوقيل: ماء الحمام كالماء الجاري لا ينجس بإدخال اليد النجسة للضرورة، ولو انصب ماء الحوض النجس وجفت أرضه حتى طهرت ثم دخله الماء ففي كونه نجسا روايتان عن الإمام والأصح تنجيسه. وكذا المني لو أصابه ماء بعد فركه، وجلد الميتة بعد تتريبه وتشميسه، والبئر إذا عاد ماؤها بعد ما تنجسه ثم عاد الماء. قال نصر بن يحيى: يحكم بطهارتها وهذا أرفق بالناس. وقال محمد بن سلمة: ينجس وهو أوثق. وروى هشام عن محمد كقول محمد بن سلمة. وفي " الفتاوى الظهيرية " الماء إذا كان له طول ولا عرض له إن كان بحال لو جمع يصير عشرا في عشر وصار عمقه بقدر شبر جاز الوضوء فيه عند الميداني، وبه أخذ الزندروسي، وقال بكر ابن طرجاز: لا يجوز، وفي التجنيس ما له طول وعمق ولا عرض له ولو قدر يصير عشرا في عشر فلا بأس بالوضوء منه تيسيرا على المسلمين. خندق طوله أربعون ذراعا وعرضه ذراع قال أبو سليمان: يجوز الوضوء منه، قيل: لو وقعت فيه نجاسة؟ قال: ينجس من كل جانب عشرة أذرع، وفي " المجتبى " حوض كبير تنجس فدخل فيه ماء طاهر حتى كثر فهو نجس، وقيل: يطهر إذا خرج مثله وإن قل، وفي " المحيط " وهو الأصح، وقيل: إذا خرج مثله، وقيل: ثلاثة أمثاله، وقيل: يطهر. وقال الوصاني: وبه يفتى. ولو تنجس حوض الماء فدخل فيه ماء حتى خرج مثله يطهر، وقيل: ثلاثة أمثاله، ولو خاض في ماء الحمام يجب غسل قدميه، وقيل: لا يجب، والأصح أنه إن علم أن في الحمام خبثا يجب، وإلا فلا والأول أحوط كذا في " المجتبى ". [حكم موت ما ليس له نفس سائلة في الماء] م: (قال: وموت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه) ش: المراد من النفس الدم وفي " المستصفى " النفس بسكون الفاء الدم وتأنيثه باعتبار لفظ النفس، قال الله تعالى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] (النساء: الآية 1) والمراد به آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ويقال: النفس إما دم أو الدم محل النفس على حسب اختلاف الحكماء، فكان إطلاقا لاسم الحال على المحل. م: (كالبق) ش: جمع بقية وهي البعوضة. قال الجوهري: وأهل المصر يقولونه لدويبة تنشأ في الحصر والأخشاب وغير ذلك له ريحة كريهة م: (والذباب) ش: جمع ذبابة ولا يقال ذبانة، وجمع القلة أذببة، والكثير ذباب مثل غراب وأغربة وغربان، م: (والزنابير) ش: جمع زنبور بضم الزاي، قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها؛ لأنها أنواع شتى، قلت: الكل مذكور بلفظ الجمع كما ذكرنا ولا معنى لتخصيص الزنابير بذلك. فإن كانت القلة في ذكر المصنف الزنابير بذكر الجمع هي كونها على أنواع شتى فكذلك البواقي هي البعوض على أنواع شتى وهي التي يقول لها أهل المصر الناموس، وكذلك الذباب
والعقارب ونحوها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفسده؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى أنواع شتى. م: (والعقارب) ش: جمع عقرب والأنثى عقربة وعقرب مصروف وغير مصروف، والذكر عقربان بالضم وهو دابة له أرجل طوال وليس ذنبه كذنب العقارب، وهذا كما رأيت جمع عقرب ذكره المصنف بلفظ الجمع، فكيف قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها؟ فإن قلت: البق والبقة والذباب والذبابة مثل التمر والتمرة بخلاف الزنابير فلذلك قالت الشراح: إنما جمع الزنابير دون غيرها. قلت: يرد عليك ذكره العقارب فافهم فإنه لا يخفى. م: (ونحوها) ش: مثل القراد والجراد والخنفساء والنحل والنمل والصراصير والجعلان وبنات وردان وحمار قبان والبرغوث والقمل، والخنفساء بضم الفاء وفتحها، والجعلان بضم الجيم جمع جعيل، وهي دويبة تكون في الزبل، وحمال قبان علم على فعلان لدويبة يمنع ويصرف بتقدير زيادة الألف والنون، وأحمالها من قب أو قب في الأرض، وهذه الأشياء طاهرة عندنا فلا تنجس بالموت. وقال ابن المنذر في كتاب " الإجماع ": قال في " الأشراف ": ولا أعلم فيه خلافا إلا أحد قولي الشافعي، قال النووي وجماعة بعد الشافعي: أتى خرق الإجماع في قوله بالتنجيس، قال: ونقل عن محمد بن المنكدر ينجسه بموت العقرب فيه. م: (وقال الشافعي: يفسده) ش: أي موت هذه الأشياء المذكورة ينجس الماء إذا ماتت فيه، وهذا أحد قوليه، والقول الآخر كمذهبنا وهو الذي صححه جمهور أصحابه. وشذ المحاملي في " المقنع " والروياني في " البحر " فرجح النجاسة، وقال النووي: وهذا ليس بشيء والصواب الطهارة، وهو قول جمهور العلماء، ونقل الخطابي وغيره عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: ينجس الماء بموت العقرب فيه، ونقل ذلك عن محمد بن المنكدر وهما إمامان من التابعين فلا يخرق الشافعي الإجماع. قلت: سلمنا في العقرب وما يقال في غيره، وقال النووي: القولان عن الشافعي إنما هو في نجاسة الماء بموت هذا الحيوان، أما الحيوان نفسه ففيه طريقان: أحدهما: أن في نجاسته القولين إن قلنا: نجس نجس الماء وإلا فلا وهذا القول اختاره البقالي. والثاني: القطع بنجاسة الحيوان، وبهذا قطع العراقيون وغيرهم، وهو الصحيح لأنه من جملة الميتات. قال: وذكر صاحب " التقريب " قولا ثالثا في المسألة الأولى وهو أن ما يعم لا ينجسه كالذباب والبعوض ونحوهما، وما لا يعم كالخنافس والعقارب ينجسه لتعذر الاحتراز
لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة، بخلاف دود الخل، وسوس الثمار؛ لأن فيه ضرورة. ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه: «هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه» ـــــــــــــــــــــــــــــQوعدمه، قال: وهذا القول غريب. م: (لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة) ش: أي علامة النجاسة، واحترز بقوله: لا بطريق الكرامة عن الآدمي فإنه حرام لكرامته، وقال أبو زيد: حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء دليل نجاسته كالكلب والخنزير م: (بخلاف دود الخل وسوس الثمار) ش: هذا من كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا كأنه جواب لمن يقول ما تقول في دود الخل وسوس الثمار، فقال: كلامنا في موت حيوان أجنبي عنه، أما الدود المتولد في الخل ونحوه والتين والتفاح ونحوهما لا ينجس ما مات فيه م: (لأن فيه ضرورة) ش: لأنه تولد منه، والضرورة تمنع الحكم بتنجيسه وحكاية الدارمي عن بعض أصحاب الشافعي أن ما مات فيه ينجس غلط ولا خلاف عندهم في ذلك، ولكن هذا الحيوان ينجس بالموت على المذهب عندهم ولا ينجس على قولهم. وقال إمام الحرمين: وإن جمع منه شيئا وتعمد أكله فوجهان؛ لأنه كجزء منه طبعا وطعما ومع الطعام لا يحرمه أكله على الصحيح. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه) ش: أي في الماء الذي مات فيه ما ليس له نفس سائلة، وهو الذي فسر به أوجه وأحسن من قول الأكمل أي في مثل هذه الحادثة، ونقل الأكمل ذلك عن شيخه صاحب " الدراية " وعن الأترازي في " النهاية ". م: (هذا هو الحلال أكله وشربه والوضوء منه) ش: هذا الحديث رواه سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه» رواه الدارقطني في "سننه " حدثني سعيد بن أبي سعيد الزبيدي عن بشر بن منصور عن علي بن زيد بن أحمد عن سعيد بن المسيب عن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال الدارقطني: لم يروه غير سعيد بن أبي سعيد الزبيدي وهو ضعيف، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بسعيد هذا، وقال: هو شيخ مجهول، وحديثه غير محفوظ، والعجب من شراح " الهداية " يذكرون هذا الحديث ولا يبينون حاله غير أن الأترازي قال: وقد روى أبو بكر الجصاص الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي بإسناده إلى سعيد بن المسيب عن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحديث، ولم يذكر رجال الإسناد حتى ينظر فيه هل هم المذكورون في إسناد الدارقطني وابن عدي أم غيرهم، وذكر الأكمل نحوه. وأما صاحب "الدراية " والسغناقي فاكتفيا بمجرد الذكر، وأما السروجي فإنه نسبه إلى الدارقطني ومضى.
ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت حتى حل المذكي لانعدام الدم فيه ولا دم فيها، والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة كالطين. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: الحديث المذكور وإن ضعفوه فإن حديث ميمونة زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنها كانت تمر بالغدير وفيه الجعلان فتسقي لها وتشرب منه وتتوضأ» . رواه أبو عبيد في كتاب الطهور. م: (ولأن المنجس هو اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت) ش: قيد به لأنه قيدهم المذكورون في إسناد الدارقطني، وإن كان حيا لا ينجس، ولهذا قلنا: إن المصلي إذا استصحب فأرة أو عصفورة حية لم تفسد صلاته ولو كانت نجسة لفسدت، ولو ماتت حتف أنفها واستصحبها ما فسدت، وهذا لأن الدم الذي في الحي في معدته وبالموت ينصب عن مجاريها فيتنجس اللحم بتشربه إياه ولهذا لو قطعت العروق بعده لم يسل منه الدم. م: (حتى حل المذكي) ش: أي المذبوح من ذكى يذكي تذكية، م: (لانعدام الدم فيه) ش: أي في المذكي بعد التذكية وإلا فقبلها الدم فيه، ولو قال لزوال الدم منه لكان أولى، واستعمال ما انعدم بالتذكية خطأ، م: (ولا دم فيها) ش: أي للحيوانات المذكورة إذ البعوض كذلك فلا ينجس، فإنا قد نعلم أن النجس هو اختلاط الدم المسفوح فإن ذبيحة المجوسي ليس فيها دم مسفوح وهي نجسة، وذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم بعارض بأن أكلت ورق الغاب حلال مع أن الدم لم يسل. فالجواب أن القياس في ذبيحة المجوسي الطهارة كذبيحة المسلم، إلا أن صاحب الشرع أخرجه عن أهلية الذبح لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» غير إنكاح نسائهم وأكل ذبائحهم جعل ذبحه كلا ذبح، وكما جعل لذلك جعلوا ذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم كذبيحته إذا سال إقامة لأهلية الذابح، واستعمال آلة الذبح مقام الإسالة لإتيانه ما هو المأمور به الداخل تحت قدرته ولا معتبر بالعوارض؛ لأنها لا تدخل تحت القواعد الأصلية. م: (والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة أراد أن الحرام لا يستلزم النجاسة م: (كالطين) ش: فإنه أكله حرام لا لكرامته مع أنه ليس بنجس، وفي " جامع الكردري " وخص من الآية السمك والجراد باعتبار عدم الدم، والمتنازع فيه بمعناهما فلحق بهما، وكل لحوم السباع إذا ذبحت طاهرة ولا تؤكل. وفي " الحاوي " جازت الصلاة مع لحم البازي المذبوح، وكذا كل شيء لم يؤمر بإعادة الصلاة من سؤره مثل الحية والعقرب والفأرة وجميع الطيور وتجوز الصلاة من لحمها إن كانت مذبوحة، وقال نصر: إذا ذبح شيء من السباع فجلده طاهر ولحمه نجس بخلاف الطيور والحية والفأرة. وفي " الذخيرة " والحية طاهرة في حال الحياة ولحمه طاهر في الأصح، وكذا لو صلى معه سنور وفأرة تجوز الصلاة معه، ولو كان معه ثعلب أو جرو لم يجز.
[حكم موت ما يعيش في الماء فيه]
قال: وموت ما يعيش في الماء فيه لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان. ـــــــــــــــــــــــــــــQقال: والأصل في حق هذه المسائل أن كل ما يجوز الوضوء بسؤره تجوز الصلاة معه، وما لا فلا. وأما حرمة أكل ما ليس له دم غير مسفوح غير السمك والجراد وإن كان طاهرا على ما مر فلأن ذلك من الحشرات والخبائث، فإن البقة والزنبور، والخنفساء وأضرابها تستخبثها النفس وتعافيها [والحية] وأضرابها يستخفها الشرع ويتاقها قال الله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] (الأعراف: الآية 157) ولا يلزم من ذلك النجاسة، فإن الكافر عندهم لا ينجس بالموت على الصحيح، ولا يؤكل قولا واحدا. وموت الحية البرية في الماء وغيره ينجس ما مات فيه قاله في " الحاوي "، وكذا موت الوزغة والسحلية ودمهما نجس ذكره في " المفيد " ولهذا ينجس بالموت. وفي " الذخيرة " وغيرها خرء الحية وبولها نجس نجاسة غليظة وجلدها إذا كان أكبر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة معه؛ لأنه نجس ولو كانت مذبوحة ولا تقبل الدباغ، وللشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وجهان في الحية والأصح ينجس ما مات فيه، والوزغة على العكس عندهم، ولو حمل حية فصلى معها جازت صلاته، قال في " الذخيرة ": وهي طاهر في حالة الحياة وقميصه طاهر في الأصح وقد ذكرناه الآن. [حكم موت ما يعيش في الماء فيه] م: (وموت ما يعيش في الماء) ش: يعني ما يكون مولده وفي بعض النسخ ومثواه م: (فيه) ش: أي في الماء، والجار والمجرور متعلق بقوله: وموت والجار في قوله في الماء يتعلق بقوله: يعيش، وفي بعض النسخ لم يذكر كلمة فيه وأثبتها شمس الأئمة الكردري لتكون المسألة مجمعا عليها؛ لأنه إذا مات في غير الماء قيل: يفسده، وقيل: لا يفسده، قوله: وموت ما يعيش مبتدأ وخبره هو قوله: م: (لا يفسده) ش: أي لا يفسد الماء. فإن قلت: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألة الأولى في غير معدنه فيتوهم التنجيس فتناسب نفيه، وفي الثانية: في معدنه فلا يتوهم تنجيسه بواسطة الضرورة، لكن احتمل تغير صفة الماء فنفاه بقوله: لا يفسده م: (كالسمك والضفدع) ش: بكسر الضاد والدال مثل الخنصر واحد الضفادع، والأنثى ضفدعة، ومنهم من يقول: بفتح الدال. وقال الخليل: ليس في الكلام فعلل إلا أربعة درهم وهجرع وهيلع وقلعم. وقال أبو الحسن: الهاء زائدة منهما، قلت: الهجرع الطويل والهيلع الألوك. والهاء زائدة في قلعم م: (والسرطان) ش: ونحو ذلك كالعلق وحية الماء. فإن قلت: هل في تقديم السمك على أخواته فائدة؟ قلت: نعم لأنه مجمع عليه، وهذا إذا مات حتف أنفه فأما إذا قتل جرحا فعند أبي يوسف -
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسده إلا السمك لما مر، ولنا أنه مات في معدنه فلا يعطى له حكم النجاسة كبيضة حال محها دما ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسده الماء على ما روى المعلى عنه، وفي " المجتبى " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن ماتت حية عظيمة مائية في الماء تفسد، وفي " الحاوي " مات الضفدع في العصير، قال نصر: لا يفسد. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسده) ش: أي يفسد الماء م: (إلا السمك) ش: قال الأترازي: كان ينبغي أن يقول: إلا السمك والجراد لأن حكمهما واحد عندنا، كذا في " وجيزهم "، قلت: مراد المصنف نصب الخلاف ولا يلزم استيفاء الخلاف كله. وقال النووي: ما يعيش في الماء إن كان مأكولا فميتته طاهر لا شك أنه لا ينجس الماء، وما لا يؤكل كالضفدع وغيره: إذا قلنا: لا يؤكل، فإذا مات في الماء القليل أو مائع قليل أو كثير نجسه، صرح به أصحابنا في طرقهم، وقالوا: لا خلاف فيه إلا لصاحب " الحاوي " فإنه قال في نجاسته قولان، وذكر الروياني في الضفدع وجهان أحدهما: لا نفس له سائلة، فيكون في نجاسة الماء منه قولان، والثاني: لها نفس سائلة فتنجسه قطعا، وهذا الثاني هو المشهور في كتب الأصحاب م: (لما مر) ش: يعني من قوله: لأن التحريم لا بطريق الكرامة آية النجاسة. وقال الأكمل: قيل في التعليل إشكال وهو أن الضفدع والسرطان يجوز أكلهما عند الشافعي على ما روي عنه في كتاب الذبائح على ما سيأتي. والجواب: أن المذكور في كتاب الذبائح عن الشافعي أنه أطلق ذلك كله، فيجوز أن تكون هذه رواية أخرى فيكون الإلزام عليها، قلت: الإشكال للأترازي والجواب للأكمل فلا يرد الإشكال، ولا يحتاج إلى الجواب؛ لأن نسبة جواز أكل السرطان إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما ذكر في كتاب الذبائح هكذا لا يسلمها أصحابه، فإنهم ذكروا أن هذين مما لا يؤكل كما بينهما عن بعضه عن قريب فلا يرد الإشكال أصلا، ولا يحسن الجواب عنه بقوله: فيجوز أن تكون هذه رواية أخرى وهذا من باب التخمين. م: (ولنا أنه) ش: أي ما يعيش في الماء، م: (مات في معدنه) ش: يعني في مثواه ومقره م: (فلا يعطى له حكم النجاسة) ش: لأنه لو أعطي حكم النجاسة لما في موضعها ومعدنها لما طهر إنسان أبدا لأن في بطنه وعروقه نجاسة، ثم مثل لذلك لقوله: م: (كبيضة حال) ش: أي انقلب م: (محها) شك بضم الميم وتشديد الحاء المهملة أي صفرتها م: (دما) ش: حتى لو صلى وفي كمه تلك البيضة يجوز الصلاة معها؛ لأن النجاسة في معدنها، بخلاف ما لو صلى وفي كمه قارورة فيها دم لا تجوز صلاته، لأن النجاسة ليست في معدنها.
ولأنه لا دم فيها، إذ الدموي لا يسكن الماء، والدم هو المنجس، وفي غير الماء قيل: غير السمك يفسده. ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " الجامع الأصغر " لا يجوز الصلاة مع البيضة المذرة عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وعلى قياس قول أبي حنيفة والحسن - رحمهما الله - يجوز، واختاره أبو عبيد الله البلخي. ولا يجوز مع البيضة التي فيها فرخ ميت قد علم بموته أو بضعفه. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان رأس القارورة قدر الدرهم فما دونه يجوز. وعند الشافعية: البيضة إذا استحالت دما فهي نجسة في أصح الوجهين، ولو صارت مذرة التي اختلط بياضها بصفرتها فظاهرة بلا خلاف. وقال الأكمل: قيل هذا التعليل يقتضي أن لا يعطى للطيور والوحوش حكم النجاسة إذا ماتت في البئر، لأنه معدنها، قلت: قال بهذا صاحب " الدراية ". وقوله: والذي يظهر إلخ من كلام الأكمل كأنه جواب عما قيل وهو أن المعدن عبارة عما يكون محيطا، يفهم هذا من تمثيلهم بالدم في العروق والمح في البيضة وليس الأمر كذلك. م: (ولأنه) ش: دليل ثان أي ولأن ما يعيش في الماء من كل واحد من السمك والضفدع م: (لا دم فيها) ش: أعني في هذه الثلاثة أعني السمك والضفدع والسرطان م: (إذ الدموي لا يسكن الماء) ش: لمنافاة بين طبع الدم والماء بالحرارة والبرودة، والدم إذا شمس يسود، وما يسيل من هذه الحيوانات إذا شمس ابيض. واعلم أن كلمة إذ للتعليل، والدموي بتشديد الياء نسبة إلى الدم؛ لأن أصل دم دمويا بالتحريك، والأصل فيه أن يقال: دمي ولكن جاء دموي أيضا. م: (والدم هو المنجس) ش: أي الدم المسفوح وليس في هذه الحيوانات دم مسفوح، وهذا التعليل هو الأصح نص عليه السرخسي، كما أنه لا يفسد الماء بموت هذه الحيوانات فيه، لا يفسد غير الماء أيضا كالخل والعصير وسواء انقطع أو لم ينقطع إلا على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: إذا انقطع في الماء أفسده بناء على قوله: إن دمه نجس وهو ضعيف؛ لأنه لا دم في السمك إنما هو آخر، ولو كان فيه دم فهو مأكول فلا يكون نجسا كالكبد والطحال. وأشار الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الطافي من السمك في الماء يفسده قال السغناقي: هو غلط منه فليس في الطافي أكثر فسادا من أنه غير مأكول كالضفدع والسرطان، وعن محمد: إن الضفدع إذا انغمس في الماء كرهت شربه لا لنجاسته؛ ولكن لأن أجزاء الضفدع وهو غير مأكول كذا في " المبسوط ". م: (وفي غير الماء) ش: أي إذا مات ما يعيش في غير الماء كالعصير والدهن والخل ونحوها م: (قيل) ش: قائله نصر بن يحيى م: (غير السمك يفسده) ش: أي يفسد غير الماء، وبه قال محمد بن
[حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث]
لانعدام المعدن، وقيل: لا يفسده لعدم الدم وهو الأصح، والضفدع البحري، والبري فيه سواء، وقيل: البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن، وما يعيش في الماء ما يكون توالده ومثواه في الماء، ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد، قال: والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث ـــــــــــــــــــــــــــــQسلمة وأبو معاذ البلخي وأبو مطيع، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: لانعدام المعدن) ش: قال الأترازي: فيه نظر لأنه لا يجوز التعليل على وجود الشيء بالعدم، وأجاب عنه الأكمل بأنه ليس بتعليل بل هو البيان انتفاء المانع، فإنا قد ذكرنا أن النجاسة لا تعطى حكمها في معدنها، فكان المعدن مانعا عن ثبوت الحكم عليها، قلت: ويمكن أن يجاب عنه بأن الموجب للتنجيس هو لدم وهو مجود إذ اللون ما دون الدم والرائحة رائحته والمانع هو المعدن وهو مفقود فعمل المقتضى عمله. م: (وقيل) ش: قائله أبو عبد الله البلخي ومحمد بن مقاتل م: (لا يفسده لعدم الدم) ش: قال الأترازي: فيه نظر؛ لأن عدم العلة لا يوجب عدم الحكم لجواز أن يكون الحكم معلولا بعلل شتى إلا أن العلة إذا كانت متعينة يلزم من عدمها عدم المعلول لتوقفه على وجودها، وهذا النظر والذي قبله للشيخ حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - والأترازي أخذ مما بينه، وأجاب الأكمل عنه بأن العلة الشخصية يستلزم انتفاؤها انتفاء الحكم، وهاهنا كذلك لأن كونه دما ممتزجا هو المنجس لا غير. قلت: ويجاب أيضا بأن العلة متحدة وهي الدم فإذا عدم لا يثبت الحكم في مثله، وفي مثله يجوز التعليل بالعدم كقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولكن المغصوب لم يضمن؛ لأنه لم يغصب م: (وهو الأصح) ش: أي القول الثاني هو الأصح وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو اختيار المصنف أيضا؛ لأنه لا دم فيها. م: (والضفدع البحري والبري فيه سواء) ش: أي في الحكم المذكور ويعرف البحري من البري، فإن البحري ما يكون بين أصابعه سترة دون البري م: (وقيل: البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن) ش: وجود الدم هو العلة، وعدم المعدن هو انتفاء المانع. م: (وما يعيش في الماء) ش: كلمة ما موصولة بمعنى الذي، ويعيش في الماء صلته، وارتفاعه على الابتداء محلا وخبره هو قوله: (ما يكون توالده ومثواه) ش: أي منزله ومقره م: (في الماء) ش: أراد بهذا بيان ما يعيش في الماء؛ لأنه ذكره ولم يبينه م: (ومائي المعاش دون مائي المولد مفسد) ش: كالبط والأوز والجاموس. [حكم استعمال الماء المستعمل في طهارة الأحداث] [المقصود بالماء المستعمل وأقسامه] م: (والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث) ش: هذا حكم الماء المستعمل قدمه
خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - هما يقولان: إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع. ـــــــــــــــــــــــــــــQلأنه هو المقصود وقيد بطاهرة الأحداث إشارة إلى أنه يطهر الأخباث فيما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الموافق لمذهبه، فإن إزالة النجاسة المعينة بالمائعات يجوز عنده على ما يأتي. وفي " جامع الإسبيجابي " الماء المستعمل ثلاثة أنواع: نوع طاهر بالإجماع كالمستعمل في غسل الأعيان الطاهرة، ونوع نجس بالاتفاق كالمستعمل في الأعيان النجسة، وفي " الإسبيجابي " قبل أن يحكم بطهارة ذلك الموضع، ونوع مختلف فيه وهو الذي توضأ به محدث أو اغتسل به جنب إن لم تكن على أعضائه نجاسة حقيقية. م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله -) ش: فإن عندهما يطهر الأحداث، ونصب خلافا على الإطلاق غير موجه على ما نذكره، أما عند مالك فإن المذكور في كتبهم منها " الجواهر " أن الماء المستعمل في طهارة الحدث طاهر ومطهر إذا كان الاستعمال لم يغيره لكنه مكروه مع وجود غيره مراعاة للخلاف وهو قول الزهري والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما، وأبي ثور وداود، قال المنذري عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأبي أمامة والحسن وعطاء ومكحول والنخعي أنهم قالوا: فمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك البلل، وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا وبه أقول. وقيل: طاهر ومشكوك في تطهيره، يتوضأ وبه ويتيمم ويصلي صلاة واحدة. وقال النووي: إن في المسألة قولين وهو الصواب. واتفقوا على أن المذهب الصحيح أنه ليس بطهور وعليه التفريع. وحكى عيسى ابن أبان أنه طهور، قال في " المهذب ": الصحيح أنه ليس بطهور، ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية. وقال المحاملي: قوله: من يدر رواية عيسى بن أبان ليس بشيء؛ لأنه ثقة وإن كان مخالفا، وقال بعضهم: عيسى ثقة لا يتهم فيما يحكيه، ففي المسألة قولان. وقال صاحب " الحاوي ": نصه في الكتب القديمة والجديدة وما نقله جميع أصحابه سماعا، ورواية أنه غير طهور. وحكى عيسى بن أبان في الخلاف عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه طهور. وقال أبو ثور: سألت الشافعي عنه فتوقف. وقال أبو إسحاق وأبو حامد المروزي فيه قولان. وقال ابن شريح وأبو علي بن أبي هريرة: ليس بطهور قطعا وهذا أصح لأن عيسى بن أبان وإن كان ثقة فيحكي ما يحكيه أهل الخلاف ولم يلقه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليحكيه سماعا، ولا وجده منصوصا فيأخذ من كتبه، ولعله تأول كلامه بصيرورة طهارته ردا على أبي يوسف فحمله على جواز الطهارة به. م: (هما) ش: أي مالك والشافعي (يقولان: إن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى كالقطوع) ش: ولا يكون كذلك إلا إذا لم ينجس بالاستعمال، وتكلمت الشراح هاهنا بكلام كثير، فقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصاحب " الدراية " وفي " الكافي " هذا أنسب في القوانين ثم أطال الكلام، ولخصه الأكمل، فقال: والجواب أنه يحكى عن ثعلب أراد الطهور ما يطهر غيره إلى آخره. قال: ورد عليه بأن هذا إن كان لزيادة بيان نهايته في الطهارة كان سديدا، ويعضده قَوْله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] (الأنفال: الآية 11) وإلا فليس نقول من التعليل في شيء، وإن كانت بيانا لنهاية فيها لا يستدل على تطهير الغير فضلا عن التكرار فيه. وقال صاحب " الدراية " في آخر كلامه: ولم يتضح لي سر هذا الكلام. وقال الأترازي: قوله كالمقطوع فيه تسامح؛ لأن المشبه يقال من الفعل اللازم والمشبه به من الفعل المتعدي، إلا أن المبالغة في الطهارة بأن يظهر أثرها في العين فصار بمعنى المطهر. وقال السغناقي: قال الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الماء مطهر لغيره؛ لأن الطهور بمعنى المطهر، بل علم ذلك بسبب العدول من صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي للمبالغة في ذلك الفعل كالمغفور والشكور فيهما مبالغة ليس في الغافر والشاكر، وليس تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار أنه يطهر غيره؛ لأن في نفس الطهارة كلتا الصيغتين سيان، فلا بد من معنى زائدة في الطهور وليس في الطهارة، ولا ذلك إلا بالتطهير لا أن الطهور جاء بمعنى المطهر لأنه من طهر الشيء وهذا لا يستفاد منه التعدي. قلت: تقدير هذا الكلام أن مالكا والشافعي - رحمهما الله - احتجا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] (الفرقان: الآية 47) ووجه ذلك أن الطهور مصدر، ومنه «مفتاح الصلاة الطهور» «وطهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب» «ولا صلاة إلا بطهور» نص عليه سيبويه والخليل والمبرد في " الكامل " والأصمعي وابن السكيت. ثم قولهما: إن الطهور ما يطهر غير مرة بعد أخرى غير مثبت في القولين، واحتج لهما من ينصرهما بما روي عن ثعلب: الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره كالقطوع فإن فيه معنى التكرار والصيغتان أوردا عليه بما ذكر الآن، وتحقيق الردين قياسه الطهور الذي هو من طهر اللازم على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كتطوع وتنوع غير صحيح، والصيغة إذا أخذت من الفعل اللازم كانت للمبالغة والتكثير في الفاعل نحو مات زيد وموت ونام ونوم، ولا يتعلق به الفعول البتة، وإن كان الفعل متعديا كان الثلاثي في مفعوله نحو قطعت الثوب. والطهور مأخوذ من فعل ثلاثي لازم فكيف يتصور أن يؤخذ منه معنى الرباعي المتعدي فيكون المراد به التكرار وتكثير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان صبور من صبر فمعناه كثير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصبر لا أنه يصبر مرة بعد أخرى، ومثال ذلك كثير، ويدل على تحقيق هذا قَوْله تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] (الإنسان: الآية 21) ومعلوم أن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير إلى التطهير من حدث أو خبث بل هو عبارة عن الطاهر الشديد الطهارة. وقال جرير: عذاب الثنايا ... ريقهن طهور والريق لا يطهر به عندهم، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التيمم طهور المسلم» والتيمم لا يرفع الحدث عندهم. قلت: يمكن المناقشة بأن يقال: لا نسلم قولكم بأن المبالغة والتكرير تكون في الفاعل إذا كانت الصيغة من الفعل اللازم على الإطلاق، بل قد يكون التكثير في الفعل دون الفاعل نحو حولت وطرقت، وقد يكون في الفاعل نحو سومت الإبل، وقولكم: إن الطهور من طهر وهم لازم لا يشابه المشتق من الفعل المتعدي كتطوع وتنوع فلا يقاس عليه غير مانع قطعا؛ لأنه قد يستعمل على سبيل المجاز، أهل الصرف جوزوا ذلك فقال بعضهم: إن المراد بالتكثير في الفعول لا يستعمل بالتضعيف إلا إذا كان الفعل جمعا نحو قولهم: غلقت بالتضعيف فإنه لا يستعمل إلا إذا قال: غلقت الأبواب حتى إذا كان واحدا لا يقال: إلا غلقت بالتخفيف إلا على سبيل المجاز، فحينئذ قياسهم الفعول من اللازم على الفعول من المتعدي صحيح بهذه الطريقة. ويؤيد ذلك ما قاله تاج الشريعة في هذا الموضع في شرحه أن الطهور وإن كان اشتقاقه من فعل وهو لازم لكنه جعل متعديا شرعا بواسطة ظهور أثره في الغير فصح الإلحاق، ويمكن أن يمنع استدلالهم بلفظ الطهور فيما احتجوا به بأن يقال: الطهور اسم لما يتطهر به كالسجود والوقود فليس فيه ما يدل على أنه مطهر غيره مرة بعد أخرى ولا فيه مبالغة. فإن قالوا: نحن نحتج بأشياء غير ذلك الأول «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فمسح رأسه ببل لحيته» . وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأمر يده بما عليه ذلك» . الموضع الثاني: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» . وهو حديث صحيح.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان المستعمل متوضئا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثالث: أن ما لاقى طاهرا يبقى مطهرا كما لو غسل به ثوبه. والرابع: أن ما أدي به الفرض مرة لا يمنع أن يؤدى به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا في موضع واحد. والخامس: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه» . رواه البخاري. والسادس: أنهم كانوا يتوضؤون والماء يتقاطر على ثيابهم ولا يغسلونها. الجواب عن الأول: أنه حديث ضعيف، فإن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، فلا يحتج بروايته إذا لم يخالفه غيره، فكيف وقد عارضته الروايات الصحيحة منها ما رواه مسلم أبو داود وغيرهما «عن عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه وغسل رجليه» وهذا هو الموافق لروايات الأحاديث الصحيحة في أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ لرأسه ماء جديدا. والذي روي عن ابن عباس ضعيف ضعفه البيهقي والدارقطني، وقال البيهقي: إنما هو كلام النخعي وعلى تقدير صحته فبدن الجنب كعضو واحد، ويجوز نقل البلة من موضع إلى آخر. والجواب عن الثاني: أنه استعمل في الذي تغيرت صفته من الطهورية إلى الطهارة كما في الصدقة لما أقيم به القربة تغيرت صفته وزال عنه صفة كونه حلالا للجميع، حتى لا تحل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقرابته على ما يجيء عن قريب. وعن الثالث: فقياسهم غير صحيح؛ لأن في غسل الثوب لم يرد فرض ولا أقيم به عن قريب. وعن الرابع: فقياس على تيمم الجماعة غير صحيح؛ لأن المستعمل ما تعلق بالعضو والأرض ليست كالماء فلا تقبل صفة الاستعمال. وعن الخامس: أنه يجوز أن يكون اقتتالهم على ما فضل من وضوئه، قال في بعض الروايات الصحيحة: «فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به» وفي لفظ النسائي في هذا الحديث: وأخرج عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فضل وضوئه فابتدره الناس، وليس المراد الساقط من وضوئه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وعن السادس: بأن حكم الاستعمال لا يثبت إلا بالاستقرار على الأرض أو في إناء على قوله، وإن ثبت بالمزايلة على قوله لكنه في الثياب ضروري فعفي عن ذلك. م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد قولي الشافعي) ش: الضمير يرجع إلى القول الذي دل
فهو طهور، وإن كان محدثا فهو طاهر غير طهور؛ لأن العضو طاهر حقيقة، وباعتباره يكون الماء طاهرا لكنه نجس حكما، وباعتباره يكون الماء نجسا، فقلنا بانتفاء الطهورية وبقاء الطهارة عملا بالشبهين. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو طاهر غير طهور، ـــــــــــــــــــــــــــــQعليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إن كان المستعمل متوضئا) ش: أراد أنه إن كان على وضوء م: (فهو) ش: أي الماء الذي استعمله، م: (طهور) ش: يعني طاهر في نفسه على حاله ولم يتغير منه شيء فهو طهور لغيره، م: (وإن كان) ش: أي المستعمل، م: (محدثا فهو طاهر) ش: في نفسه م: (غير مطهر) ش: لغيره م: (لأن الأعضاء) ش: أي الأعضاء المستعملة م: (طاهرة حقيقة) ش: لا [......] التنجيس كما لو غسل به ثوب طاهر م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار أمر الحقيقة م: (يكون الماء طاهرا) ش: وطهورا؛ لأنه لم يتغير منه شيء، والأعضاء طاهرة، ولهذا كان عرق المحدث والجنب طاهرا، وكذلك سؤرهما، وتجوز صلاة حاملهما. م: (لكنه) ش: أي لكن الماء م: (نجس حكما) ش: أي من حيث الحكم أراد به النجاسة الحكمية بسبب إزالة الحدث أو التقرب على الاختلاف م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار النجس الحكمي م: (يكون الماء نجسا) ش: فإذا كان كذلك صار هنا اعتباران م: (فقلنا بانتفاء الطهورية) ش: لغيره م: (وبقاء الطهارة) ش: في نفسه م: (عملا بالشبهين) ش: شبه الطهارة، وشبه النجاسة، فباعتبار الشبه الأول يكون طاهرا مطهرا، وباعتبار الشبه الثاني لا يكون طاهرا أصلا. والحكم عليه بأوجه منها إبطال للآخر. وإعمالهما ولو بوجه أولى من إهمال أحدهما فعمل بهما بإسقاط الطهورية وبقاء الطهارة. فإن قلت: عملا منصوب بماذا؟ قلت: يجوز أن يكون تمييزا أي من حيث العمل، ويجوز أن يكون حالا بمعنى فعلت كذا، فكذا حال كوننا عملنا بالشبهين، ويجوز أن يكون نصبه على المصدرية التقدير فعلت كذا وكذا وعملنا بالشبهين. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو) ش: أي قول محمد دل عليه قال م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو) ش: أي الماء المستعمل م: (طاهر) ش: في نفسه م: (غير طهور) ش: لغيره وبه أخذ مشايخ العراق، ورواه زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعافية القاضي قال: أو هو طاهر غير طهور عند أصحابنا، حتى كان قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد العراقي يقول: أرجو أن لا يثبت رواية النجاسة فيه عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر. قال في " المحيط: وهو الأشهر الأقيس. قال في " المفيد ": هو الصحيح. وقال الأسبيجابي: وعليه الفتوى، وبه قال أحمد، وهو الصحيح من مذهب الشافعي وهو رواية عن مالك، ولم يذكر ابن المنذر عنه غير ذلك. قال النووي: وهو قول جمهور
لأن ملاقاة الطاهر لا توجب التنجيس، إلا أنه أقيمت به قربة فتغيرت به صفته كمال الصدقة. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف - رحمهما الله -: هو نجس لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة» ولأنه ماء أزيلت به النجاسة الحكمية فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية. ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلف والخلف. م: (لأن ملاقاة الطهارة الطاهر لا يوجب التنجيس) ش: الطاهر الأول الماء، والطاهر الثاني: العضو المغسول، والملاقاة مصدر لاقى مضاف إلى فاعله، والطاهر الثاني منصوب به، فإذا لاقى الطاهر لا يتغير الملاقي كما لو غسل به ثوب طاهر م: (إلا أنه) ش: أي أن الماء والاستثناء من قوله لا يوجب التنجيس م: (أقيمت به قربة) ش: أي تقرب إلى الله تعالى، والتقرب إلى الله تعالى يكون بما فيه الخير والعمل الصالح، وليس المراد منه قرب الذات والمكان على ما عرف في موضعه م: (فتغيرت بصفته) ش: فلم يكن طيبا م: (كمال الصدقة) ش: الذي أقيم به القربة، وقد تغيرت صفته حتى لم تحل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى أهل بيته، ولكنه في نفسه طاهر حلال في نفسه حتى يحل لغيره، ومع هذا سمى الزكاة أوساخ أموال الناس فإذا أعطى هاشمي بنية الزكاة لا يجوز وبنية الهبة يجوز، وإن كان المال واحدا وفي صدقة التطوع عليه روايتان. م: (وقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله -: هو) ش: أي الماء المستعمل م: (نجس) ش: إما حقيقة وأما حكما على الخلاف كما يأتي إن شاء الله تعالى م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» ش: الحديث في هذا الباب ورواية أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجه الاستدلال به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما نهى عن النجاسة الحقيقية وهي البول، فكذلك نهى عن الحكمية وهو الاغتسال، فدل على أن الاغتسال فيه كالبول فيه. الحديث يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء، وخبره محذوف تقديره الحديث بتمامه، وأما النصب فعلى تقدير أمر الحديث أو أتمه وتمامه ولا يغتسل فيه من الجنابة. م: (ولأنه) ش: دليل عقلي أي ولأن الماء المستعمل م: (ماء أزيلت به النجاسة الحكمية) ش: لأن عضو المحدث والجنب له حكم النجاسة شرعا، وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فينجس كما في الحقيقة، والدليل على ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 16) والتطهير عبارة عن إزالة النجاسة، وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فاستعمل حكم النجاسة إليه كما في الحقيقة م: (فيعتبر بماء أزيلت به النجاسة الحقيقية) ش: أي فإذا كان كذلك يعتبر الماء الذي أزيلت به النجاسة الحكمية بالماء الذي أزيلت به النجاسة الحقيقية. فإن قلت: كيف يتصور هذا الانتقال والأعراض لا تقبل الانتقال من محل إلى محل باتفاق
ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه نجس نجاسة غليظة اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية، وفي رواية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه وهو قوله: نجاسة خفيفة لمكان الاختلاف، والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة، قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: لا يعني بصيرورة الماء نجسا إلا اتصافه بالخبث شرعا كمال الصدقة سلمنا عدم قبول الأعراض الانتقال من محل إلى محل آخر، ولكن الأمور الاعتبارية الحكمية يجوز أن تعتبر قائمة بعد قطع الاعتبار عن قيامها بمحل آخر، ألا ترى أن الملك للبائع أمر اعتيادي حكمي، وبعد أن قال: بعت وقبل المشتري انتقل من البائع إليه. فإن قلت: سلمنا هذا في المحدث والجنب، فأما المتوضئ إذا توضأ ثانية بنية القربة فلا نسلم أنه يكون مستعملا؛ لأنه لم يكن بأعضائه من النجاسة الحكمية شيء حتى يزول عن أعضائه وينقل إلى الماء. قلت: نوى القربة فقد أراد به طهارة على طهارة، ونور على ما جاء في الخبر، ولا يكون طهارة جديدة حكما إلا بإزالته حكما فصارت الطهارة على الطهارة وعلى الحدث سواء. م: (ثم في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه) ش: أي أن الماء المستعمل م: (نجس نجاسة غليظة) ش: أشار بهذا إلى أنه لما بين نجاسة الماء المستعمل احتيج إلى بيان صفة هذه النجاسة هل هي غليظة أم خفيفة، فاختلفت الروايات فيه، فروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس مغلظ م: (اعتبارا بالماء المستعمل في النجاسة الحقيقية) ش: أي نجاسة خفيفة وارتفاعها على أنه مبتدأ وخبره قوله في رواية مقدما م: (لمكان الاختلاف) ش: أي لأجل اختلاف العلماء في الماء المستعمل، فإن عند مالك طاهر وطهور كما ذكرنا، واختلاف العلماء يورث الإخفاف. م: (والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث) ش: هذا شروع في بيان حقيقة الماء المستعمل وكان حقه التقديم كل قدم الحكم؛ لأنه هو المقصود، وقوله: الماء مبتدأ والمستعمل صفته وهو قوله: مبتدأ ثان، وقوله: ما أزيل به حدث خبره والجملة خبر المبتدأ الأول، م: (أو) ش: كلمة أو للتنويع يعني يكون الماء مستعملا بأحد الأمرين إزالة الحدث م: (استعمل) ش: أي الماء م: (في البدن على وجه القربة) ش: أي التقرب إلى الله تعالى بأن يتوضأ وهو على الوضوء، أو اغتسل وهو طاهر. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهذا) ش: أي هذا الذي
عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل: هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مستعملا إلا بإقامة القربة، ـــــــــــــــــــــــــــــQذكرنا أن كون الماء مستعملا بأحد الأمرين م: (قول أبي يوسف) ش: فإن عنده بأحد الأمرين م: (وقيل هو) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا) ش: يعني استعمال الماء عنده أيضا بأحد الأمرين المذكورين. م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصير) ش: أي الماء م: (مستعملا إلا بإقامة القربة) ش: فقط وعند زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بإزالة الحدث لا غير، ولو توضأ محدث بنية القربة صار مستعملا بالإجماع، ولو توضأ متوضئ للتبرد لا يصير الماء مستعملا بالإجماع، ولو توضأ المحدث للتبرد صار مستعملا عندهما وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم قصد القربة، وكذا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم إزالة الحدث عنده بلا نية. ولو توضأ المتوضئ بقصد القربة صار مستعملا عند الثلاثة خلافا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. ولو توضأ بماء الورد لا يصير مستعملا إجماعا. وفي " المبسوط ": المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الماء أو الجب لأجل الاغتراف لا يصير الماء مستعملا بلا خلاف، إلا إذا نوى إيصال اليد للاغتسال، ولو أدخل رجله في البئر ولم ينو به الاغتسال ذكر الشيخ الإمام أنه يصير مستعملا لعدم الضرورة، وعلى هذا إذا وقع الكوز في الجب وأدخل يده في الجب لإخراج الكوز لا يصير الماء مستعملا في الرواية المعروفة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " الفتاوى " إذا أدخل في الإناء إصبعا أو أكثر منه دون الكف يريد غسله لم يتنجس الماء، ولو أدخل الكف يريد غسله يتنجس. وفي " المضمرات " هذا قول أبي يوسف، وعند محمد: طاهر وعليه الفتوى، وفي " الظهيرية " حيث رفع الماء بقية من أرى الحمام وغسل به يديه لا رواية لهذا في الأصل، وقال محمد بن الفضل فيه: نجس ويداه نجستان والماء الذي خرج من فيه نجس مستعمل، وقال بعضهم: الماء مستعمل ويداه نجستان وفمه طاهر والأول أصح. وإذا غسل فخذه لا لنجاسة هل يأخذ حكم الاستعمال لا نص فيه عن أصحابنا، وفي " الخلاصة " الأصح أنه لا يصير مستعملا، وفي " الذخيرة " ابن سماعة عن محمد رجل على جراحته جبائر فغمسها في الإناء يريد به المسح عليها أجزأه، ولا يفسد الماء في " المبسوط " إذا غسل يده للطعام قبل الأكل، وبعده يصير الماء مستعملا، بخلاف ما لو غسل يده من الوسخ والعجين فإنه لا يصير مستعملا؛ لأنه لا قربة ولا إزالة حدث. وفي " الطحاوي ": قال بعضهم قبل الطعام وبعده يصير مستعملا وفي الطعام لا، وإذا
لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه وأنها تزال بالقرب، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إسقاط الفرض مؤثر أيضا، فيثبت الفساد بالأمرين، ومتى يصير الماء مستعملا؟ الصحيح أنه كما زال عن العضو صار مستعملا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQأدخل الصبي يده في الإناء على قصد القربة فالأشبه أن يكون الماء مستعملا إذا كان الصبي عاقلا؛ لأنه من أهل القربة، وامرأة أوصلت الماء إلى ذوائبها فغسلت ذلك الشعر بالماء لا يصير مستعملا، بخلاف ما لو غسلت شعرها النابت من رأسها، ولو غسل رأس مفتول قد بان منه صار مستعملا. م: (لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام إليه) ش: أي إلى الماء المستعمل، فإن قلت: كيف يصف الإثم بالنجاسة، وبعد الاتصاف بها كيف تقبل الأعراض لانتقالها، قلت: أما اتصافه فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصاب من هذه القاذورات فليستتر بستر الله» ، وهذا الشارع أطلق على الاسم قذرا، والقذر نجس فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من غسل وجهه تساقطت خطاياه مع آخر قطر الماء» ، وأما فلها حكم الجواهر في الشرع م: (وأنها) ش: أي وأن نجاسة الآثام م: (تزال بالقربة) ش: أي بإرادة القربة، قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (هود: الآية 114) وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» . م: (وأبو يوسف يقول: إسقاط الفرض) ش: وهو إزالة الحدث م: (مؤثر أيضا) ش: في كون الماء مستعملا؛ لأن الحدث الحكمي أغلظ من النجاسة العينية بالماء تنجسه، فإزالة النجاسة الحكمية أولى، ولهذا قال أبو حنيفة في رواية الحسن عنه م: (فيثبت الفساد) ش: أي فساد الماء م: (بالأمرين) ش: أي بإسقاط الفرض وهو إزالة الحدث وإقامة القربة. م: (ومتى يصير الماء مستعملا؟) ش: كلمة متى للاستفهام نحو: متى نصر الله، وهو أحد معانيه الخمسة، وهذا بيان لوقت أخذه حكم الاستعمال م: (الصحيح أنه) ش: أي أن الماء م: (كما زال عن العضو صار مستعملا) ش: قال السغناقي: الكاف هنا للمفاجآت لا للتشبيه كما تقول: كما خرجت من البيت رأيت زيدا، أي فاجأت ساعة خروجي ساعة رؤية زيد أي يصير الماء مستعملا مفاجأة وقت زواله عن العضو وقت الاستعمال من غير توقف إلى وقت الاستقرار في موضع، كما زعم بعضهم وتبعه صاحب " الدراية " و" الأكمل " في كون الكاف هنا للمفاجأة.
لأن سقوط حكم الاستعمال قبل الانفصال للضرورة ولا ضرورة بعده. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ذكر النحاة أن الكاف إذا كانت بعدها ما الكافة يكون لها ثلاثة معان: أحدها: تشبيه مضمون جملة لمضمون الأخرى، كما كانت قبل الكف كتشبيه المفرد، قال الله تعالى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] (الأعراف: الآية 138) والثاني أن تكون بمعنى لعل، حكى سيبويه عن العرب: انتظرني كما آتيك أي لعل ما آتيك، قال رومة: لا تشتم الناس كما لا تشتم، والثالث: أن تكون بمعنى قران الفعلين في الوجود نحو أدخل كما يسلم الإمام، وكما قام زيد قعد عمرو، الكاف في قوله: كما زائل عن العضو من هذا القبيل فالمعنى أن الماء يصير مستعملا مقارنا زواله عن العضو من غير توقف إلى استقراره في مكان. وبعضهم قالوا: إن الكاف التي بعدها ما الكافة تكون بمعنى المبادرة أيضا نحو سلم كما تدخل وصل كما تدخل الوقت ذكره ابن الخيار والسيرافي، ومع هذا قالوا: هو غريب وهذا في المعنى مثل قران الفعلين الذي ذكرناه، ولم أر أن أحدا منهم قال: إن الكاف للمفاجأة بهذه العبارة وإن كان معناها قريبا بما ذكرنا. م: (لأن سقوط حكم الاستعمال) ش: أي سقوط حكم كون الماء مستعملا م: (قبل الانفصال) ش: أي قبل انفصال الماء عن عضو المتوضئ م: (للضرورة) ش: أي لأجل ضرورة تعذر الاحتراز عنه م: (ولا ضرورة بعده) ش: أي عبد الانفصال وفي " المحيط " أن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن، والاجتماع في المكان ليس بشرط هذا هو مذهب أصحابنا. قلت: بل نص عليه المصنف بقوله: الصحيح أنه كما زايل عن العضو صار مستعملا. وذكر في الأصل إذا مسح رأسه بما أخذه من لحيته لم يجز عندنا، وكذا لو مسح على خفيه وبقي على كفه بلل فمسح به رأسه، وكذا لو توضأ إنسان بالماء المتقاطر عن المتوضئ بأن يكون في موضع عال وهو يأخذ الماء من الهواء قبل وصوله إلى الأرض لا يجوز. وفي " شرح الطحاوي " الماء وإنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن واستقر في مكان، وبه قال سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبضع مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو اختيار الطحاوي وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني. وفي " خلاصة الفتاوى " المختار أنه لا يعتبر مستعملا ما لم يستقر في مكان، وسكن عن التحرك. فإن قلت: فعلى ما ذكر المصنف ينبغي أن ينجس ثوب المتوضئ الذي ينشف به إذا أصاب الماء. قلت: أجابوا بأن ذلك سقط للحرج. فإن قلت: إذا أصاب ثوب غير المتوضئ، قلت: قيل: هذا لا ضرورة فيه فينجس، وقيل الضرورة في حق المتوضئ لا في حق المغتسل؛ لأنه قليل الوقوع.
[الجنب إذا انغمس في البئر]
والجنب إذا انغمس في البئر لطلب الدلو، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرجل بحاله لعدم الصب وهو شرط عنده لإسقاط الفرض. والماء بحاله لعدم الأمرين. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: من شرط الاستقرار في مكان شرط أن يكون في أرض، قلت: لا، سواء كان أرضا أو إناء أو كف المتوضئ أو كف غيره ونحو ذلك. فإن قلت: استدل سفيان الثوري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علينا بمسائل زعم أنها تدل على صحة مذهبه، منها: إذا توضأ أو اغتسل وبقي في يده لمعة فأخذ البلة منها في الوضوء أو من أي عضو كما في الغسل وغسل اللمعة يجوز، ومنها: لو بقي في كفه بلة فمسح بها رأسه يجوز، ومنها: لو مسح أعضاءه بالمنديل فابتل جازت الصلاة معه، ومنها: لو تقاطر الماء من أعضائه على ثيابه وفحش لا يمنع جواز الصلاة. قلت: أجاب من لم يشترط الاستقرار في المكان عن الأول أن مع النقل في العضو الواحد يفضي إلى الحرج، وعن الثانية: بأن الفرض تأوى بما جرى على العضو لا بالبلة الباقية في الكف، وعن الثالثة والرابعة بالحرج والضرورة وقد ذكرناه. [الجنب إذا انغمس في البئر] م: (والجنب إذا انغمس في البئر) ش: أراد به الجنب الذي ليس على بدنه نجاسة فإنه إذا كان على بدنه نجاسة وانغمس في البئر نجس الماء وهو على حاله جنب سواء كان انغماسه لطلب الدلو أو لغيره، وإنما قيد بقوله م: (لطلب الدلو) ش: لأنه لو انغمس لطلب الاغتسال للصلاة فسد الماء بالاتفاق م: (فعند أبي يوسف الرجل بحاله) ش: وهو كونه جنبا م: (لعدم الصب) ش: صب الماء؛ لأنه عند الصب يكون كالجاري وعند عدمه يكون راكدا وهو أضعف من الجاري، والله تعالى كلفنا بالتطهير، والقياس يأبى التطهير بالغسل؛ لأن الماء ينجس بأول الملاقاة فلا يحصل به التطهير، وإنما حكمنا بالتطهير ضرورة، وهي تندفع بالصب فلا ضرورة إلى طريق آخر، ولهذا لا يشترط الصب عند الكل في الماء الجاري والحياض الكبيرة. وروي أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: إن الثوب أيضا لا يطهر إلا بالصب وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (وهو شرط عنده) ش: أي والصب شرط عند أبي يوسف والواو فيه للحال م: (لإسقاط الفرض) ش: الكلام فيه بالصب م: (والماء بحاله) ش: وهو كونه طاهرا م: (لعدم الأمرين) ش: وهما إسقاط الفرض، ونية القربة فإن الماء إنما يتغير عنده بأحدهما ولم يوجد. فإن قلت: كان الحق تقديم أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الذكر وبعده ذكر أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعده ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: إنما قدم أبا يوسف لزيادة احتياجه إلى البيان بسبب تركه أصله، فإن كان يجب أن ينجس الماء عنده كما قاله أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الماء تغير عنده مستعملا لسقوط الفرض، وإن لم ينو فكأنه إنما ترك أصله في هذه المسألة لضرورة الحاجة إلى طلب الدلو فلم يسقط الغرض كيلا يصير الماء نجسا فيفسد البئر. ونظيره ما روي عنه أنه قال:
وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما طاهران: الرجل لعدم اشتراط الصب، والماء لعدم نية القربة. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما نجسان: الماء لإسقاط الفرض عند البعض بأول الملاقاة، والرجل: لبقاء الحدث في بقية الأعضاء، وقيل: عنده نجاسة الرجل بنجاسة الماء المستعمل، وعنه: أن الرجل طاهر؛ لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال، وهو أوفق الروايات عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذا أدخل الجنب أو المحدث يده في الإناء ليغترف الماء لا يزول الحدث عن يده، كيلا يفسد الماء للحاجة إلى الاغتراف، فكذا هذا. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما) ش: أي الرجل والماء م: (طاهران: الرجل لعدم اشتراط الصب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والماء لعدم نية القربة) ش: لأن عنده إنما يتغير الماء بنية التقرب ولم توجد فإن قلت: علمت بالعدم فلا يجوز. قلت: قد تقدم هذا مع جوابه م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلاهما) ش: أي الرجل والماء م: (نجسان: الماء لإسقاط الفرض عند البعض بأول الملاقاة) ش: أي النية عنده ليست بشرط لإسقاط الفرض، فإذا أسقطت الفرض صار الماء مستعملا عنده فينجس م: (والرجل: لبقاء الحديث في بقية الأعضاء) ش: أي ونجاسة الرجل لأجل بقاء الحدث في بقية الأعضاء م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقيل: عنده نجاسة الرجل بنجاسة الماء المستعمل) ش: لأن النية لما لم يشترط لسقوط الفرض عنده سقط الفرض بالانغماس وصار الماء مستعملا، الرجل متصل به فينجس بنجاسته م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الرجل طاهر؛ لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال) ش: أي قبل انفصال الماء عن العضوم: (وهو) ش: أي هذا القول الثالث م: (أوفق الروايات عنه) ش: أي عن أبي حنيفة لكونه أكثر مناسبة لأصله ولكونه أسهل للمسلمين، فعلى الأول من أقواله لا تجوز له الصلاة ولا قراءة القرآن، وعلى الثاني: تجوز له قراءة القرآن دون الصلاة، وعلى الثالث: يجوز كلاهما وتسمى هذه المسألة مسألة - جحط - فالجيم عبارة عن نجاسة كل واحد من الرجل والماء؛ لأنهما نجسان، والحاء عن إبقاء حال كل واحد على ما كان، والطاء عن طهارة كل منهما، وترتيب الأحكام على ترتيب العلماء الثلاثة. وقد يقال: - نحط - بالنون موضع الجيم فالنون عبارة عن نجاسة كل منهما. وقال شمس الأئمة: التعليل لمحمد لعدم إقامة القربة ليس بقوي فإن هذا المذهب غير مروي عنه أيضا. والصحيح أن إزالة الحدث بالماء مفسد له إلا عند الضرورة كالجنب يدخل يده في الإناء، وفي البئر ضرورة لطلب الدلو يسقط استعماله للحاجة. وقال القدوري: كان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني يقول: الصحيح عندي من مذهب أصحابنا أن إزالة الحدث استعمال للماء فلا معنى لهذا الخلاف، وإنما لم يصر الماء مستعملا في البئر ضرورة، وقال في " قاضيخان ": ومنهم من قال: يصير الماء مستعملا عند محمد برفع الحدث أيضا إلا في البئر للضرورة، ولو غسل الطاهر شيئا من بدنه غير أعضاء الوضوء كالفخذ والجنب بنية القرب قيل: يصير الماء مستعملا
[طهارة الجلود بالدباغ]
قال: وكل إهاب دبغ فقد طهر وجازت الصلاة فيه والوضوء منه ـــــــــــــــــــــــــــــQكأعضاء الوضوء، وقيل: لا يصير مستعملا ذكره في " قاضيخان " وإذا وقع الماء المستعمل في البئر لا يفسده عند محمد، ويجوز التوضؤ به ما لم يغلب على الماء، وهذا هو الصحيح، وفي التجنيس على المذهب المختار. وإذا وقع الماء المستعمل في المطلق القليل قال بعضهم: لا يجوز الوضوء به، وإن قيل: وقيل يجوز وهو الصحيح، ومنهم من قال: الماء المستعمل إذا وقع في البئر عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز الوضوء به بخلاف بول الشاة مع أن كل واحد منها طاهر عنده، والفرق له أن الماء المستعمل من جنس ماء البئر فلا يستهلك فيه، وبول الشاة ليس من جنسه فيعتبر الغالب، وفي " قاضيخان ": لو صب الماء الذي توضأ به في بئر عند محمد ينزح منها عشرون دلوا؛ لأنه طاهر عنده فكان دون الفأرة. قلت: وعلى القول الثاني لا يجوز استعمال ماء البئر وعندهما ينزح أربعين دلوا وقيل: تنزح جميع الماء هذا على القول بنجاسة الماء المستعمل. [طهارة الجلود بالدباغ] [طهارة جلد الكلب والخنزير] م: (قال: وكل إهاب دبغ فقد طهر) ش: كلمة: كل إذا أضيفت إلى نكره توجب عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى معرفة توجب عموم الأجزاء والإهاب نكرة، فالمعنى كل واحدة من أفراد الإهاب إذا دبغ فقد طهر إلا ما استثني منه. والإهاب اسم لجلد لم يدبغ فكأنه تهيأ للدباغ، يقال: فلان تأهب للحرب إذا تهيأ واستعد، ويقال: تأهب للشتاء أي استعد. وفي " الفائق ": سمي إهابا لأنه أهبته للحي وبنا للحماية له كما يقال: مسك لإمساكه ما وراؤه، والإهاب أعم من الجلد يتناول جلد المذكى، وغير المذكى، وجلد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، والمدبوغ لا يسمى إهابا بل يسمى أديما أو حورا أو أدما أو جرابا. ونحو ذلك, وإنما دخلت الفاء في فقد طهر؛ لأن في صدر الكلام معنى الشرط، إذ التقدير وكل إهاب إذا دبغ فقد طهر وإن لم يدبغ فلا يطهر. وقوله: - طهر -: بضم الهاء وفتحها من باب كرم يكرم ونصر ينصر، والمصدر فيها طهارة، والطهر أيضا نقيض الحيض، والطهور ما يثبت الطهر به كالفطور والسحور، وقوله - طهر - أعم من طهارة الظاهر والباطن. م: (وجازت الصلاة فيه) ش: أي في إهاب المدبوغ، بأن جعل ثوبا يصلي فيه؛ لأنه طاهر م: (والوضوء منه) ش: أي من الإهاب المدبوغ، أي جاز الوضوء منه بأن جعل قربة أو دلوا أو نحو ذلك، فإذا جازت الصلاة فيه جازت عليه أيضا بأن جعل مصلى؛ لأن البيان في الثوب بيان في المكان لزيادة الاستعمال، ولأن الثوب منصوص عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر:
إلا جلد الخنزير والآدمي ـــــــــــــــــــــــــــــQالآية 4) وطهارة المكان تلحقه بالدلالة. فإن قلت: قوله طهر أفاد حصول الطهارة فيشمل ذلك الصلاة فيه والوضوء منه، فما الفائدة في ذكرهما بعد ذلك. قلت: أجيب بجوابين: أحدهما: الاحتراز بذلك عن قول مالك: فإنه يقول: يطهر ظاهره دون باطنه فيصلى عليه لا فيه، ويستعمل في اليابس دون الرطب. والثاني: أن ذلك توكيد لطهارته، ورد لقول من لا يقول بطهارة الجلد المدبوغ. م: (إلا جلد الخنزير والآدمي) ش: الخنزير وزنه فعليل مثل قنديل رباعي والياء فيه زائدة، والنون أصلية مثلها خندريس؛ لأنها لا تزاد ثانية مطردة بخلاف الثالثة شريت وجحيل فقد نقل بأنها زائدة مطردة. وحكى ابن سيده: أنه مشتق من خزر العين أي ضيعها فهو على هذا ثلاثي مزيد فيه الياء والنون. قلت: الشريت الغليظ الكفين والرجلين وصف به الأسيد. والجحيل بتقديم الجيم على الحاء الغليظ الشفة. الآدمي منسوب إلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فإن قلت: في المسألتين منه ما هو. قلت: معرفة هذا مبنية على معرفة شيء وهو أن جلد الخنزير يقيل الدباغ أو لا، وكذلك جلد الآدمي، فاختلف فيه، فقال بعضهم: جلد الخنزير لا يقبل الدباغ؛ لأن فيه جلودا مترادفة بعضها فوق بعض ذكره في " المحيط " و" البدائع ". وقيل: يقبل الدباغ ولكن لا يجوز استعماله؛ لأنه نجس العين لأنه رجس، والهاء في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) ينصرف إليه دون لحمة لقربه، فلذلك لا يجوز الانتفاع به ولا بيعه ولا جميع أنواع التملكات، ولا يضمن مثله للمسلم، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط "، وهو مذهب الليث بن سعد وداود. وأما جلد الآدمي فقد ذكر في " المحيط " " والبدائع ": أن جلد الإنسان يطهر بالدباغ ولكن يحرم سلخه ودبغة والانتفاع به احتراما له كشعره. وفي أحد قولي الشافعي: الآدمي ينجس بالموت ويطهر جلده بالدباغ في أحد الوجهين إلا أن المقصود منه لما لم يحصل استثني مع المستثنى. وقيل: جلد الآدمي أيضا لا يقبل الدباغ كجلد الخنزير. فإذا عرفت هذا فقد توجه في الاستثناء وجهان:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأحدهما: أن يكون الاستثناء من الدبغ ويكون المعنى: وكل إهاب يقبل الدباغ إذا دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي والخنزير لا يطهر؛ لأنه لا يقبل الدباغ. والوجه الثاني: أن يكون الاستثناء من قوله طهو، والمعنى: كل إهاب يقبل الدباغ إذا دبغ طهر إلا جلد الخنزير فإنه لا يطهر وإن كان يقبل الدباغ. فإن قلت: هذا الوجه يقتضي أن يطهر جلد الآدمي؛ لأن تعليله بكرامته لا ينفي طهارته. قلت: فعلى قول من يقول: لا يقبل الدباغ لا يطهر، وعلى قول من يقول: إنه يقبل يطهر، ولكن يحرم استعماله كما قلنا، فبالنظر إلى القول الأول قال: إلا جلد الخنزير ولم يقل إلا إهاب الخنزير؛ لأن الإهاب له تهيؤ واستعداد للدباغ، وجلد الخنزير ليس كذلك، فلذلك قال: إلا جلد الخنزير، وكذا الكلام في جلد الآدمي. فإن قلت: إن كان عدم القابلية للدباغ يستلزم عدم الطهارة كان ينبغي أن يستثنى أيضا جلد الحية لأن في شرح الطحاوي قال: جلد الحية نجس لا يحتمل الدباغ، ويمنع جواز الصلاة أكثر من قدر الدرهم، وكذلك كان ينبغي أن يستثنى جلد الفيل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه كالخنزير عنده. قلت: اكتفى بذكر المتفق عليه، ولم يتعرض لما فيه الخلاف. فإن قلت: ما تقول في مصارين الشاة والمثانة. قلت: روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المصارين إذا أصلحت والمثانة إذا دبغت فقد طهرت؛ ولهذا يتخذ من المصارين الأوتار. فإن قلت: الأكراس: قلت: كالمصارين والمثانة. وقال أبو يوسف: كاللحم فلا يطهر. فإن قلت: فلم فرع الخنزير على الآدمي. قلت: الموضع موضع الإهانة لكونه في باب النجاسة وتأخير الآدمي في ذلك أولى كما في قَوْله تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] (الحج: الآية 40) . فإن قلت: لم أخرج جلد الخنزير والآدمي عن العموم، وكان ينبغي أن يجوز تخصيص الميتة منه قياسا عليه أو بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» .
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا قياس فيه إبطال النص، وهو الحديث الذي يأتي، والنهي عن الانتفاع بالإهاب، وقد مر أنه اسم لجلد غير مدبوغ فليس ذلك داخل في عمومه ليجوز تخصيصه لا تعارض بينهما لاختلاف المحل. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ش: الحديث رواه ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث ابن عباس أخرجه الأربعة، ورواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في " مسنده " والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم، وكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا الحديث في كتبهم إلى مسلم وهو وهم، وممن فعل ذلك البيهقي في " سننه ". وإنما رواه مسلم بلفظ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» . واعتذر الشيخ تقي الدين بأن البيهقي وقع له مثل ذلك في كتبه كثيرا، ويزيد أصل الحديث لا كل لفظ منه ولا يقبل ذلك؛ لأن الفقهاء يختلف نظرهم باختلاف اللفظ، فلا ينبغي ذلك. ومن أحاديث هذا الباب ما رواه البخاري ومسلم قال: «تصدق على مولاة لميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بشاة فماتت فمر بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال هلا أخذتهم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها» . ورواه الدارقطني وزاد: «أو ليس في الماء والقرص ما يطهره» وفي لفظ: «إنما حرم عليكم لحمها، ورخص لكم في مسكها» . وفي لفظ: «إن دباغه طهور» ، أخرج هذه الألفاظ في حديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثم قال: وهذه الأسانيد كلها صحيحة. وما رواه البخاري أيضا من حديث سودة زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها، ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا» . وما رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتوضأ من سقاء فقيل له: إنه ميتة، فقال: "ودباغه يزيل خبثه أو نجسه أو رجسه» . وقال البيهقي: إسناده صحيح ورواه الحاكم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوما رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دباغ جلود الميتة طهورها» . وما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن الرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت» . وأعله البزار بأم محمد غير معروفة، ولا يعرف لمحمد غير هذا الحديث، وسئل محمد عن هذا الحديث، فقال: من هي أمه، كأنه أنكره من أجل أمه. وما رواه أبو داود والنسائي عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة، فقالت: ما عندي إلا قربة لي ميتة، قال: "ألست قد دبغتيها؟ " قالت: بلى، قال: " فإن دباغها طهورها» . ورواه ابن حبان في صحيحه وأحمد في " مسنده "، وأعله الأثرم بجون، ويحكى عن أحمد قال: لا أعرف من هذا الجون بن قتادة. وما رواه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعا: «طهور كل أديم دباغه» ، وقالا: إسناده حسن ورجاله ثقات. وأخرج الدارقطني من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا بعد أن يزيد صلاحه» وفيه معروف بن حسان، قال أبو حاتم: مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث. وأخرج أيضا من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «إنما حرم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الميتة لحمها» فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، وفيه عبد الجبار، قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدارقطني: ضعيف. قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات " في هذا الحديث. وأخرج أيضا من حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ، ولا بأس بشعرها وصوفها وقرونها إذا غسل بالماء» وفيه يوسف بن السفر، قال الدارقطني: متروك ولم يأت به غيره. وأخرج أيضا من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا الأنعام الآية ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها فأما الجلد والقرون والشعر والصوف والسن والعظم فكله» . وفيه أبو بكر الهذلي قال: وهو متروك. وما رواه البيهقي من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر على شاة فقال: "ما هذه؟ فقالوا: ميتة، قال: "ابغوا إهابها فإن دباغها طهور» وفيه القاسم بن عبد الله ضعيف. وأخرج أيضا من حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دباغ جلود الميتة طهورها» . وما رواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده من حديث ابن عباس قال: «ماتت شاة لميمونة فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فهلا استمتعتم بإهابها فإن دباغ الأديم طهوره» . وفيه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح فيه مقال. قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. وهذه الأحاديث كلها حجة لنا على المخالفين. وفي هذه المسألة للعلماء سبعة مذاهب: الأول: مذهبنا وقد ذكره المصنف. الثاني: مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يطهر الكل إلا جلد الكلب والخنزير، وما يتولد منهما أو من أحدهما. الثالث: يطهر الجميع، يروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " المحيط " وهو مذهب الليث وداود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرابع: كذلك ظاهره دون باطنه، يحكى عن مالك. الخامس: ينتفع بها من غير دباغ في الرطب واليابس، يحكى عن الزهري. السادس: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره، قاله الأوزاعي، وابن المبارك، وأبو ثور، وإسحاق. السابع: لا يطهر شيء منها بالدباغ، يروى عن عمر وابنه وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهو رواية عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أحمد أحاديث التابعين منها غير ما رواه الأربعة من حديث عبد الله بن عكيم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . وقال الترمذي: حديث حسن ورواه ابن حبان في " صحيحه ". ومنها ما رواه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " من حديث جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء» . ومنها ما رواه ابن جرير أيضا من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينتفع من الميتة بإهاب» . ومنها: ما رواه أبو داود والترمذي وصححه «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن جلود السباع التي تفترس» . والجواب عن حديث ابن عكيم أنه معلول بأمور ثلاثة؛ الأول: أنه مضطرب سندا ومتنا. فالأول: عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه حدثنا شيخ لنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كتب إليهم أن لا يستمتعوا من الميتة بشيء. رواه ابن حبان، وفي رواية حدثنا أصحابنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن في أرض جهينة إني كنت رخصت لكم في جلدة الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب» . رواه الطبراني في " معجمه الأوسط ". الثاني: يعني اضطراب المتن وهو ما روي قبل موته بشهر وروي بشهر أو شهرين، وقال البيهقي: وجاء في لفظ آخر قبل موته بأربعين يوما، وروي قبل موته بثلاثة أيام. والثاني: من العلة الاختلاف في صحبته، فقال البيهقي وغيره: لا صحبة له فهو مرسل، وعن الخلال أن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توقف فيه لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقيل: إنه رجع عنه.
وهو بعمومه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جلد الميتة، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثالث: قال في " الإمام " عن الحكم بن عتبة الكندي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه انطلق هو وناس إلى عبد الله بن عكيم قال: فدخلوا وقعدت على الباب فخرجوا إلي وأخبروني أن ابن عكيم أخبرهم «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كتب إلى جهينة قبل موته بشهرين لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» . ففي هذه الرواية أنه سمع من الناس الداخلين عليه وهم مجهولون. وقال الخلال: وطريق الإنصاف أن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ ولكنه كثير الاضطراب، وحديث ابن عباس سماع وحديث ابن عكيم كتاب والكتاب والوجادة والمناولة كلها موقوف لما فيها من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة، ولو صح فهو لا يقاوم حديث ابن عباس في الصحة، ومن شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة من جميع الرجحان، وغير خاف على كل جماعة الحديث أن حديث ابن عكيم لا يوازي حديث ابن عباس في جهة من جهات الترجيح فضلا عن جميعها. والجواب عن حديث جابر أن في رواته زمعة وهو ممكن لا يعتمد على نقله. وعن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن عامة من في إسناده مجاهيل لا يعرفون. وأما النهي عن جلود السباع فقد قيل: إنها كانت تستغل قبل الدبغ. م: (وهو) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، م: (بعمومه حجة على مالك في جلد الميتة) ش:، لأنه يقول: لا يطهر لكنه ينتفع به في الجامد من الأشياء دون المائع فيجعل جرابا للحبوب دون السمن والعسل ونحوهما، وأراد بعموم هذا النص أن الإهاب نكرة والنكرة إذا اتصفت بصفة عامة تعم، كقوله: أي عبيدي ضربك فهو حر، يعتق كلهم إذا ضربوه، تقديره أي إهاب مدبوغ فهو طاهر، وأيضا بعمومه يدل على طهارة ظاهره وباطنه فلا معنى لاستثناء باطنه. وقال النووي: قال الماوردي يجوز هبة جلد الميتة قبل الدباغ، قال: وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز بيعه وهبته كالثوب النجس. قلت: هذا سهو منه، بل لا يجوز بيع جلود الميتة قبل الدباغ ولا تمليكها، ذكره في " المحيط " و" شرح الطحاوي "، ولا يضمن بالإتلاف، ولو دبغه بالنجس صح في أحد الوجهين، ويغسل بعده عندهم وعندنا يطهر، وجلد الميتة المدبوغ مما يؤكل لحمه يحل أكله في الجديد، وكذا ما لا يؤكل لحمه في وجه ولا يحل بالذكاة. ثم اعلم أن قوله - حجة على مالك - ليس كما ينبغي؛ لأن مالكا لا يقول بذلك، ففي " الجواهر " للمالكية أن جلد الميتة يطهر بالدباغ فهذا النقل عنه ضعيف، وإنما هذا الحديث حجة على أحمد فإن عنده جلد الميتة لا يطهر بالدباغ.
[هل الكلب نجس العين]
ولا يعارض بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» ؛ لأنه اسم لغير المدبوغ وحجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جلد الكلب، وليس الكلب بنجس العين، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولا يعارض) ش: على صيغة المجهول أي لا يعارض المذكور م: (بالنهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب لأنه") ش: أي لأن الإهاب م: (اسم لغير المدبوغ) ش: فإن دبغ يصير أديما فحينئذ لا معارضة بين الحديثين، لأن المعارض يقتضي اتحاد المحل مع اتحاد حالته واختلاف حالته ينفي التعارض، وإن كان أصلهما واحدا كحرمة الخمر وحل الخل. م: (وحجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: عطف على قوله حجة على مالك، أي الحديث المذكور حجة أيضا على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول بعدم الطهارة م: (في جلد الكلب) ش: بالدباغ وقاسه الشافعي بجلد الخنزير والآدمي، وتخصيصه بالكلب ليس له زيادة فائدة؛ لأن عنده كل ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالدباغ، والظاهر أنه إنما خص الكلب موافقة لما ذكر في " الأسرار " لأن فيه نص الخلاف بالكلب حيث قال بطهارة جلود السباع بالدباغ سوى الكلب والخنزير عند الشافعي. وقال الأترازي: والعجب من الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقول: إن الكلب المعلم إذا أكل صيدا يحل أكله، وإن ترك على الكلاب التسمية عمدا وقت الإرسال، ثم يقول: إن جلده لا يطهر بالدباغ؛ لأنه نجس العين، فكيف جاز الانتفاع بنجس العين بلا ضرورة، وكيف جاز صيده، ومثل هذا لا يجوز في الخنزير وهو نجس العين؟ قلت: كيف يتعجب منه، وليس فيه ما يورث التعجب؛ لأن حل صيده لا يستلزم جواز دباغ جلده، وكونه نجس العين لا يستلزم تحريم صيده وكل واحد من ذلك ورد بنص مستقل ومع هذا رواية عندنا أن الكلب نجس العين وما منعنا طهارة جلده إذا دبغ؛ لأن ذلك ليس يمشي على هذا، بل على عموم النص. [هل الكلب نجس العين] م: (وليس الكلب بنجس العين) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكلب على الخنزير، وإن لم يذكر في الكتاب، واختلفت الروايات في كون الكلب نجس العين. ففي " المبسوط " الصحيح من المذهب عندنا عين الكلب نجسة، وقال بعض مشايخنا: ليس بنجس العين. قال في " البدائع " وهو رواية الحسن. وفي " الذخيرة " ذكره القدوري في " تجريده " أنه نجس العين عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - , وفي " العيون " روى ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا خير في جلد الكلب والذئب وإن دبغا ولا تحلهما الذكاة.
ألا ترى أنه ينتفع به حراسة؛ واصطيادا، بخلاف الخنزير؛ لأنه نجس العين إذ الهاء في قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) منصرف إليه لقربه، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الكاساني: والذي يدل على أنه ليس بنجس العين أنه جوز الانتفاع به حراسة واصطيادا وإجارة، وقال في " عمدة المعين ": لو استأجر الكلب للصيد يجوز، والسنور لا يجوز؛ لأن السنور لا يعلم. وقال في " التجريد ": لو استأجر كلبا معلما أو بايا صيودا ليصيد بهما فلا أجر له. وقال مشايخنا: ومن صلى وفي كمه جرو كلب تجوز صلاته، وقد حكم أبو حصير [ ... ] فدل على أنه ليس بنجس العين. م: (ألا ترى) ش: كلمة ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه والتوضيح م: (أنه) ش: أي أن الكلب م: (ينتفع به حراسة) ش: أي من حيث الحراسة سيما أهل البر م: (واصطيادا) ش: أي من حيث الاصطياد، فدل ذلك على أنه ليس نجس العين، ولا يشكل بالسرقين فإنه نجس لا محالة، وينتفع به إيقادا أو غيره؛ لأنه انتفاع بالإهلاك كالدنو من الخمر للإراقة، وهو الذي اختاره المصنف أيضا. والذين ذهبوا إلى أنه نجس العين استدلوا بما ذكر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " العيون " أن الكلب لو وقع في الماء فانتفض فأصاب ثوب إنسان منه أكثر من قدر الدرهم منع جواز صلاته، فسئل: إذا وصل الماء إلى جلده، ويقول محمد: ليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير، فدل على أنه نجس العين، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي. وقال الأترازي: لا نسلم أن نجاسته تثبت في الكلب لهذا القدر من الكلام، فمن ادعى ذلك فعليه البيان، ولم يرد نص عن محمد في نجاسة العين. قلت: قد ذكرنا الآن عن صاحب " الذخيرة " عن القدوري أنه نجس العين عند محمد. م: (بخلاف الخنزير) ش: متصل بقوله: إلا جلد الخنزير م: (لأنه نجس العين إذا الهاء في قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الهاء هاء الضمير في قَوْله تَعَالَى: فإنه أي فإن الخنزير {رِجْسٌ} [الأنعام: 145] أي قذر قاله الفراء، وقيل: الرجس والرجز واحد. وقال البغوي: الرجس النجاسة. م: (منصرف) ش: خبر المبتدأ وهو قوله الهاء م: (إليه) ش: أي إلى الخنزير لا إلى اللحم في قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) م: (لقربه) ش: أي لقرب الخنزير أراد أن الضمير إلى الخنزير أقرب من اللحم. فإن قلت: المقصود بالذكر في الكلام هو المضاف فيجب أن يرجع الضمير إليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: قد يكون المضاف إليه مقصودا، وإن كان يجوز أن يعود إلى المضاف إليه، وما نحن بصدده من هذا القبيل لكونه شاملا للمضاف أشد وأحوط في العمل؛ لأن الضمير إن رجع إلى اللحم لم يحرم غيره، وإن رجع إليه يشمل الجميع. والعجب من الأترازي أنه أخذ في الجواب عن هذا السؤال محصل كلام المصنف، ثم قال: هذا الجواب مما سنح له خاطري. وقال: أيضا: وقيل في صرفه إلى الخنزير عمل بهما لاشتماله على اللحم، ولا ينعكس. أقول: فيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم لأن الجلد على تقدير عود الضمير إلى اللحم لا يكون نجسا، وعلى تقدير عوده إلى الخنزير يكون نجسا، وفي كون الجلد نجسا وغير نجس منافاة فيكون العمل بهما أحوط. انتهى كلامه. أقول: قوله - وقيل: هو صاحب التوشيح -: فإني رأيت بهذه العبارة فلا أدري هل هو من عنده أو نقله عن أحد. وقوله - في كونه نجسا أو غير نجس منافاة - غير مسلم؛ لأن المنافاة إنما تكون إذا كان كونه نجسا وغير بتقدير واحد. والذي قاله القائل المذكور بتقديرين فكيف تكون المنافاة. ثم قال الأترازي: ومما ظهر لي في فؤادي من الأنوار الربانية والأجوبة الإلهامية أن الهاء لا يجوز أن ترجع إلى اللحم؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] خرج في مقام التعليل، فلو رجع إليه لكن تعليل الشيء بنفسه وهو فاسد لكونه مصادرة، وهذا لأن نجاسة لحمه عرفت من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس فإن لحمه نجس. أما إذا رجع إلى الخنزير فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس لأن الخنزير نجس، يعني إن هذا الجزء من الخنزير نجس، لأن كله نجس. هذا هو التحقيق في الباب لأولي الألباب. قلت: فيما قاله نظر؛ لأن دعواه بعدم جواز رجوع الضمير إلى اللحم غير صحيحة، لأن الأصل في هذا الباب رجوع الضمير إلى المضاف، وإن كان رجوعه إلى المضاف إليه صحيحا، وذلك لأن المضاف هو المقصود بالذكر كما في قولك: رأيت غلام زيد وكلمته، فإن الأصل أن يكون التكلم للغلام، فإن كان يجوز أن يكون لزيد كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد: 25] (البقرة: الآية 27) فإن الضمير يجوز أن يرجع إلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه. ثم تعليل الأترازي بقوله: رجس خرج في مقام التعليل اهـ -، وقوله - هذا هو التحقيق في
[الانتفاع بأجزاء الآدمي]
وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته ـــــــــــــــــــــــــــــQهذا الباب - غير تحقيق لأنه إنما يلزم ما ذكره إذا جزم بعود الضمير إلى المضاف، وقد قلنا: إنه يجوز الأمران، والتحقيق في هذا الباب أن يكون التقدير في الضمير - فإن كل واحد من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير رجس أي نجس - فيكون هذا تعليلا لقوله: محرما، فبين بذلك أن هذه الأشياء حرام لأنها نجسة، لأنه لو لم يذكر {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] لما كان يلزم من صدر الكلام النجاسة لهذه الأشياء؛ لأن الحرمة لا تستلزم النجاسة. فإن قلت: فعلى هذا يلزم اقتصار النجاسة في الخنزير على لحمه. قلت: الأمر كذلك فإنه قال: {عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] والطعم لا يكون إلا في اللحم دون غيره وهو المطلوب. فإن قلت: فعلى هذا يجوز استعمال جلده بالدباغ واستعمال شعره. قلت: أما جلده فقد اختلف فيه، هل قبل الدباغ أم لا، فقد قال بعضهم: إنه يقبل، فعلى هذا يطهر بالدباغ، وهو مذهب الليث وداود ورواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال بعضهم: إنه لا يقبل، فعلى هذا لا يطهر بالدباغ، وقد ذكرنا هذا فيما مضى عن قريب. وأما شعره فإنه جزء ما هو نجس بعينه، وللجزء حكم الكل غير أن محمدا أباح الانتفاع به للخرازين والأساكفة للضرورة لأن في تنجيسه حرجا. وقوله: لأن نجاسة لحمه عرفت بالنص من قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) ليس كذلك لأن بالنص ما عرف إلا حرمة لحمه، ونجاسته عرفت من الضمير الراجع إلى كل واحد من الأشياء الثلاثة قررناه فافهم، فإنه موضع دقيق. وقوله - لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا لكرامته آية النجاسة - ينتقض بلحم الفرس لأنه حرام عند أبي حنيفة ومالك - رحمهما الله - مع صلاحيته للغذاء مع أنه غير نجس. فإن قلت: حرمته للكرامة. قلت: لا نسلم ذلك، وإنما حرمته لكون أكله سببا لقتله لأنه آلة الجهاد، ولأن الله تعالى امتن علينا بكونه مركوبا ولم يمتن بكونه مأكولا مع أن نعمة الأكل فوق نعمة الركوب. [الانتفاع بأجزاء الآدمي] م: (وحرمة الانتفاع بأجزاء الآدمي لكرامته) ش: يتعلق بقوله: أو الآدمي، والمعنى بخلاف جلد الخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ لنجاسة عينه، ولجد الآدمي لكرامته؛ لأن الله تعالى كرمه، وفي استعمال جلده ابتذال له، هكذا قرره الشيخ الأكمل. وأنا أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لما خرج جلد الآدمي عن حكم الدباغ بقوله: إلا جلد الآدمي كان ينبغي أن يجوز الانتفاع ببقية أجزائه مثل شعره وعظمه وعصبه وغير ذلك، فأجاب عن ذلك بقوله:
فخرجا عما رويناه، ثم ما يمنع النتن والفساد فهو دباغ وإن كان تشميسا أو تتريبا ـــــــــــــــــــــــــــــQوحرمة الانتفاع اه. م: (فخرجا) ش: أي جلد الآدمي وجلد الخنزير، م: (عما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، ومراده خرجا عن عموم هذا الحديث، ثم خروجهما عنه بالكتاب، فإن كان متأخرا عن الحديث، فهو ناسخ لا محالة، وإن كان متقدما عليه فخبر الواحد لا يعارضه فضلا عن أن ينجس، وإن كان معارضا كان مخصصها. والذين ذهبوا إلى طهارة جلد الآدمي والخنزير بالدباغ لم يخرجوهما عن عموم هذا الحديث، غير أنهم منعوا استعمال جلد الآدمي لكرامته. ونقل ابن حزم إجماع المسلمين على تحريم جلد الآدمي واستعماله. وعند الشافعي: الآدمي لا ينجس بالموت، وفي قول: نجس ويطهر جلده بالدباغ في أحد الوجهين، لكن المقصود لما لم يحصل به اشتباه. م: (ثم ما يمنع النتن) ش: بفتح النون وسكون التاء المثناة من فوق وهو الرائحة الكريهة يقال: نتن الشيء بضم النون وانتن بمعنى فهو منتن بضم الميم، ومنتن بكسرها اتباعا لكسرة التاء؛ لأن مفعلا بالكسر ليس من الأبنية. م: (والفساد) ش: وهو ضد الصلاح قاله الليث، والمراد هنا ما يمنع ضد صلاحية استعمال الجلد الغير المدبوغ، وهو أعم من النتن وغيره. فإن قلت: هو مصدر أم اسم؟ قلت: مصدر من فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا وهو فاسد وهو من باب نصر ينصر. وقال ابن دريد: فسد يفسد مثل عقد يعقد لغة ضعيفة وكذلك فسد بضم السين فسادا فهو فاسد. م: (فهو دباغ) ش: جملة اسمية، وهو خبر المبتدأ وهو قوله: ما يمنع، ولتضمين الابتداء معنى الشرط دخلت الفاء في الخبر م: (وإن كان) ش: أي وإن كان ما يمنع النتن والفساد، وإن واصلة بما قدمنا فلذلك لا يذكر لها الجواب ظاهرا م: (تشميسا) ش: من شمست الشيء بتشديد الميم إذا وضعته في الشمس، يقال: شيء مشمس أي عمل في الشمس، والمراد هنا أن يبسط الجلد في الشمس لتشمس منه الرطوبة التي فيه وتزول عنه الرائحة الكريهة بذلك؛ لأنه دباغ حكمي، والدباغ على نوعين: حقيقي وحكمي على ما نذكره عن قريب. م: (أو تتريبا) ش: من تربت الإهاب تتريبا إذا ترب عليها التراب أزالت ما عليه من الرطوبة والرائحة الكريهة، وكذلك يقال: تربته متربا بالتخفيف، ويقال أيضا: أتربت الشيء إذا جعلت عليه التراب، ومنه الحديث: أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة. وقال الصاغاني: قال ابن روح: كل ما يصلح فهو متروب وكل ما يفسد فهو متروب مشددا.
لأن المقصود يحصل به فلا معنى لاشتراط غيره، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: فعلى قوله ينبغي أن يقال: أو متربا ولا يقال أو تتريبا، ولكن المشهور ما ذكرناه أولا. م: (لأن المقصود يحصل به) ش: أي ما يمنع النتن والفساد م: (فلا معنى لاشتراط غيره) ش: نحو القرظ بالظاء المعجمة، والعفص والشث بفتح الشين المعجمة والثاء المثلثة وهو نبت طيب الرائحة كذا ذكره الجوهري وغيره. وقال الأزهري: هو بالباء الموحدة هو ما يدفع به بعد الزاج وهو السماع، وقد صحفه بعضهم بالمثلثة وهو شجر لا أدري أيدبغه أم لا، وتابعه صاحب " الشامل " أو [ ... ] وفي تعليق الشيخ أبي حامد، قال أصحابنا: بمثلثة، وقال الشافعي: بالموحدة، وقد قيل الأمران وبأيهما كان فالدباغ به حاصل، وصرح القاضي خان أبو الطيب في تعليقه ما يجوز بهما، ولا ذكر له في حديث الدباغ، وإنما هو من كلام الشافعي. وقال الصاغاني: الشب بالباء الموحدة منه الزاج والشث بالمثلثة نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به، قال الدينوري: أخبرني أعرابي من أزد السراة قال: الشث شجر مثل شجر التفاح في القدر، ورقه يشبه ورق الخلاف، ولا شوك له، وله تومة موردة، ويستقر به ذرة صغيرة فيها ثلاث حبان، وربع سود مثل الربعة يرعاه الجمال إذا يبس. قالوا: والإبل تأكل الشث فتحصب عليه ويدبغ بورقه، ويساق بأغصانه وتعالج بفروعه الرطبة من الريح يأخذ في الجسد ويضمد به للكسير يجبر وهو مر ينبت في السهل والجبل وأكثره ينبت بجبال الفراهيد. وقال أبو عيسى البكري: الشث كأنه شجر المدبان. ثم اعلم الدباغ على نوعين: حقيقي كالقرظ ونحوه، وحكمي كالمترب والمشثت والمشمس والإبقاء في الريح، ولو جف ولم يستحل لم يطهر، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان يمنع من الفساد فهو دباغ ذكره في " المحيط " وهما سواء؛ لأنه يعود نجسا إذا أصابه ماء فإن في الحكمي روايتين. وقال في " الدراية " قول صاحب " الهداية ": فلا معنى لاشتراط غيره نفى قول الشافعي، فإن عنده لا يكون الدباغ إلا بما تزول به الرسوبات عنه، وذلك باستعمال القرظ والعفص ونحوهما؛ لأنه طهارة شرعية فيقتصر على مورد الشرع، والشرع ورد بالدباغ بالمتقوم كالقرظ والعفص دون غيرهما من التراب والشمس. انتهى. وقال أبو العباس الجرجاني من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " التحرير ": يجوز الدباغ بالتراب، ورجحه إمام الحرمين بحصوله بالملح. وقال القاضي أبو الطيب: ولا يكفي فيه الشمس، نص عليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي وجه يجوز، حكاه الرافعي، وبه قطع الجمهور،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفيه وجه شاذ تحصل به. وقال القاضي خان: ولم أر للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا نصا، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة، فإن كان للتراب والرماد هذا الفعل جعل الدباغ منهما. وأما الملح فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحصل الدباغ به، وبه قطع صاحب " الشامل "، وقطع إمام الحرمين بالحصول، وفي " الحلية " قال أبو نصر: سمعت بعض أصحابنا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنما يطهر الإهاب بالشمس إذا علمت به عمل الدباغ، وهذا يرفع الخلاف. وفي جواز بيع الجلد بعده له قولان أصحهما وهو الجديد أنه يجوز وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قوله القديم: لا يجوز وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم إن الشافعي احتج فيما ذهب إليه بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاة ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال: "هلا استنفعتم بإهابها" فقالوا: إنها ميتة، قال: "إنما حرم أكلها إذ ليس في الماء والقرظ ما يطهره» . رواه الدارقطني والبيهقي. وقال النووي: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود والنسائي في " سننيهما " بمعناه عن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يطهره الماء والقرظ» . ولنا ما أخرجه الدارقطني عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان بعد أن يزيد صلاحه» ". وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم قال: كل شيء يمنع الجلد من الفساد فهو دباغ، وهذا يتناول المشمس والمترب. وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي احتج به الشافعي لا يقتضي الاختصاص بل المراد به ما في معناه بالإجماع، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة، نص عليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا. فإن قيل: في رواية حديث عائشة الذي احتج به معروف بن حسان، قال أبو حاتم: هو مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث، قلت: الذي ورد في الصحيح من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" قالوا: إنها ميتة قال: "إنما حرم أكلها» . وقوله: فدبغتموه أعلم من أن يكون الدباغ حقيقيا أو حكميا فبعموم هذا يخص حديث عائشة المذكور، ثم عندنا يجوز بيع الجلد المدبوغ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هلا أخذتم جلدها فدبغتموه وانتفعتم به» ، البيع من وجوه الانتفاع فجاز بيعه كالذكاة وهو قول جمهور العلماء.
[ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة]
ثم ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة؛ لأنها تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة، وكذلك يطهر لحمه وهو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الماوردي والروياني: إذا جوزنا بيعه جاز رهنه وإجارته، وإن لم يجز بيعه ففي جواز إجارته وجهان كالكلب المعلم. وقيل: تجوز إجارته قطعا، وإنما القولان في بيعه ورهنه. وأما بيعه قبل الدباغ فباطل عندنا وعند جماعة من العلماء، وحكى النووي عن أبي حنيفة جوازه كالثوب النجس، وهذا سهو منه فإن مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عدم جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ، ذكره في " المحيط " وفي " شرح الطحاوي ". وفي جواز أكل الجلد المدبوغ من حيوان لا يؤكل لحمه قولان للشافعي في القديم، وطائفة منهم صححوا قول الجديد. [ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة] م: (ثم ما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة) ش: الحاصلة من الأهل بالتسمية، فإن ذكاة المجوسي ليست بمطهرة. وقال في " البدائع ": إلا الدم وهو الصحيح من المذهب. وروى الدارقطني عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما مر بشاة ميمونة فقال: "هلا استمتعتم بجلدها" قالوا: يا رسول الله إنها ميتة قال: "إن دباغها ذكاتها في حق الجلد» فعلمنا أن الذكاة هي الأصل في الطهارة، وأن الدباغ قائم مقامها عند عدمها، ولأن الذكاة أبلغ من الدباغ؛ لأنها أسرع للدماء والرطوبات قبل التشوب والفساد بالموت، والعادة الفاشية بين المسلمين لبس جلد الثعلب والفهد والنمور والسنجاب ونحوها في الصلاة وغيرها من غير نكير، فدل على طهارته. وفي " النهاية " وعند بعضهم: إنما يطهر جلد الحيوان بالذكاة إذا لم يكن سؤره نجسا. وذكر في " فتاوى قاضي خان " قيل: يشترط أن يكون الذكاة من أهلها في محلها وهو ما بين اللبة واللحيين، وقد سمي بحيث لو كان مأكولا ليحل أكله بتلك الذكاة. م (لأنها) ش: أي لأن الذكاة، وإنما ذكر الضمير لأن الذكاة بمعنى الذبح، وفي بعض النسخ فإنها ولا يحتاج إلى التأويل م: (تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة) ش: لأنه يمنع من اتصالها به والدباغ يزيل بعد الاتصال، ولما كان الدباغ بعد الاتصال مزيلا ومطهرا كانت الذكاة المانعة من الاتصال أولى أن يكون مطهرا م: (وكذلك يطهر لحمه) ش: أي لحم ما ذكي حتى إذا صلى ومعه من لحم الثعلب المذبوح أو نحوه أكثر من قدر الدرهم جازت صلاته م: (وهو الصحيح) ش: أي الحكم بطهارة لحمه هو الصحيح، واحترز به عما قال في " الأسرار " وغيره أنه نجس. قلت: قد اختلف أصحابنا في طهارة لحمه وشحمه، فقال الكرخي: كل حيوان يطهر جلده
[الأعيان الطاهرة]
وإن لم يكن مأكولا وهو الصحيح. وشعر الميتة وعظمها طاهر. ـــــــــــــــــــــــــــــQبالدباغ يطهر بالذكاة، فهذا يدل على أنه يطهر شحمه ولحمه وسائر أجزائه. وقال بعض المشايخ: يطهر جلده لا غير. منهم نصر بن يحيى والفقيه أبو جعفر، والأول أقرب للصواب. وقال في " المفيد ": هو الصحيح، وتظهر فائدة ذلك لو وقع في الماء هل يفسده أم لا؟ وهل يجوز له حمله إلى طيوره وكلابه ليطعمها أم لا؟ ولو صلى معه هل تجوز صلاته أم لا؟ وذكاة الآدمي كموته حتف أنفه، وذكر الناطفي إذا صلى ومعه من لحم السباع أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته، وإن كان مذبوحا، وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو وقع في الماء أفسده. م: (وإن لم يكن مأكولا) ش: واصل بما قبله أي: وإن لم يكن الحيوان المذبوح غير مأكول، وفي " البدائع ": الذكاة تطهر المذكى بجميع أجزائه إلا الدم المسفوح م: (وهو الصحيح) ش: وفي " الكافي ": اللحم نجس في الصحيح وكلامه هنا مخالف لما ذكر في الدباغ. قال صاحب " النهاية ": قوله - وكذلك يطهر لحمه - في هذه الرواية نوع ضعف لما أن حرمة أكل اللحم فيما سوى الآدمي ولم يتعلق به حق العباد دليل النجاسة، ولزمهم طهارة الجلد لاتصال اللحم به. وأجابوا بأن بين الجلد واللحم جلدة تمنع مماسة اللحم الجلد الغليظ فلا ينجس، وبه أخذ المحققون من أصحابنا منهم الناطفي وشيخ الإسلام خواهر زاده وقاضي خان. وفي " الخلاصة ": هو المختار وفيه نظر؛ لأنها متوهمة وعلى تقدير تحقيقها فإما أن تكون طاهرة أو تكون نجسة، فإن كانت متصلة باللحم فليس يتصور أن تكون طاهرة واللحم نجس فيكون نجسا، والجلد الغليظ متصل به أيضا؛ لأنه لا يجيء عند السلخ بين الجلد واللحم أمر ثالث فلا تكون طاهرا، لكن الفرض أنه طاهر، وإن كانت متصلة بالجلد فليس يتصور أن تكون نجسة والجلد طاهر فتكون طاهرة واللحم متصل به اتصالا فكيف يكون نجسا، وهذا هو الذي حمل المصنف على تصحيح رواية تطهير اللحم وبه قال مالك. وفي " القنية ": قال الكرابيسي والقاضي عبد الجبار: مجوسي ذبح حمارا قيل: لا يطهر والصحيح أنه يطهر ولو ذبحه مسلم ولم يسم قال أبو حاتم الشهيد: لا يطهر. [الأعيان الطاهرة] [شعر الميتة وعظمها طاهر] م: (وشعر الميتة وعظمها طاهر) ش: وكذا جميع أجزاء الميتة التي لا دم فيها إن كانت صلبة كالقرن والسن والظلف والحافر والخف والوبر والصوف والعصب في رواية، وفي رواية: نجس، والريش والأنفخة الصلبية والأجنحة الصلبية، وأما المائعة واللبن فكذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما نجس. وذهب عبد العزيز والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق، والمزني، وابن المنذر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلى أن الشعر والصوف والوبر والريش طاهرة لا تتنجس بالموت كمذهبنا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالعظم والقرن والظلف والسن نجسة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكل نجس إلا الشعر فإنه فيه خلافا ضعيفا، وفي العظم أضعف منه، قال القاضي أبو الطيب وآخرون: الشعر والصوف والوبر والعظم والقرن والظلف تحلها الحياة وتنجس بالموت هذا هو المذهب وهو الذي رواه البويطي والربيع المرادي وحرملة، وروى المزني عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي. قال النووي: أما شعر الآدمي فقيه قولان: أشهرهما عنه أنه نجس، والثاني: وهو المنصوص في "الجديد" أنه طاهر، واتفق الأصحاب أن المذهب أن شعر الآدمي وصوفه ووبره وريشه نجس بالموت. واختلفوا في الراجح في شعر الآدمي فالذي صححه الجمهور من العراقيين نجاسته، والذي صححه جميع الخراسانيين أو جماهيرهم طهارته، فهذا هو الصحيح، فقد صح عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجوعه عن نجس شعر الآدمي، وأما شعر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -[......] إساءة الأدب والجرأة في الإقدام بهذا الذكر الشنيع في حق هذا الجناب الرفيع، وفي اعتقادي أن مثل هذا كاد يكون كفرا، وأنا كنت أنزه نفسي عن إيراد هذه القضية السخيفة في هذه المواضع، ولكني ذكرته ليقف عليه من لم يخطر علمه به، ويعلم أن المذهب الحق منه هو الدين الحنفي، والذي رسخت في قلوبهم قواعد الدين إجلال قدر هذا النبي الكريم حكموا بطهارة فضلات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف بشعره الطاهر المطهر، فنسأل الله البعد عن الزيغ والضلال. واحتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذهب إليه بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (الأنعام: الآية 145) وهو عام للشعر وغيره، فإن الميتة اسم لما فارقه الروح بجميع أجزائه. ولهذا لو حلف لا يمس ميتة فمس شعرها حنث، وبقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» . والجواب عن الآية أن الميتة عبارة عما فارقه الحياة بلا ذكاة، والشعر ونحوه لا حياة لها بدليل عدم الألم بالقطع، فكيف يتصور أن يكون ميتة. ويقال أيضا: لم لا يجوز أن يكون المراد في الآية حرمة الأكل، فلا نسلم حرمة الانتفاع؟ والجواب عن الحديث أنه ليس على عمومه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] (النحل: الآية 80) ، وهذا امتنان عام، وذلك لا يكون بالنجس، ولما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQروي عن ابن عباس أنه قال: إنما حرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الميتة لحمها، فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، رواه الدارقطني. ولما روي عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوجة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل بالماء» رواه الدارقطني أيضا. فإن قلت: في إسناد الحديث الأول عبد الجبار بن مسلم قال الدارقطني: ضعيف، وفي الحديث الثاني يوسف بن أبي لهيعة، قال الدارقطني: هو متروك. قلت: ابن حبان ذكر عبد الجبار المذكور في " الثقات "، وأما يوسف فإنه لا يؤثر فيه بالضعف إلا بعد بيان جهته والجرح المبهم غير مقبول عند الحذاق من الأصوليين وهو كان كاتب الأوزاعي، ومما يؤكد ما قلنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس وهو حديث متفق عليه، وهذا يدل على طهارة الشعر المبان. قالوا: على القول بالنجاسة إنما قسم الشعر للتبرك وقد يكون بالنجس، وهذه التكلفات البعيدة مما يؤدي إلى ارتكاب الإثم الكبير والخطأ العظيم الذي ليس وراءه إلا الباطل المحض، وقالوا أيضا: إن الذي أخذه كل واحد كان يسيرا معفوا عنه. قلنا: هذا أفحش من الأول؛ لأن فيه إشارة إلى الحكم بالتنجيس على ما لا يخفى، ونحن أيضا نحتج في طهارة عظم الميتة بحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امتشط بمشط من عاج» . أخرجه البيهقي في " سننه " ثم قال: رواية بقية عن شيوخه المجهولين ضعيفة. قلت: لا نسلم أن بقية رواه عن مجهولين، فإن رواه عن عمرو بن خالد عن قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونحتج أيضا بما رواه أبو داود في " سننه " بإسناده عن حميد الشيباني عن سليمان بن المنبهي عن ثوبان مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال له: «اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج» . وأخرجه أيضا الطبراني في "مسنده " وابن عدي في " كامله " ومحمد بن هارون في " مسنده ".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قال ابن الجوزي: حميد سليمان مجهولان، وقال في " التنقيح " وحميد الشامي ذكره ابن عدي، وقال: إنما عليه هذا الحديث ولا أعلم له غيره. قلت: روي عن حميد سالم المرادي وصالح بن صالح بن حميد وغيلان بن جامع ومحمد بن جحادة فانتفت جهالته، وأما سليمان فإن ابن حبان ذكره في " الثقات ". ونحتج أيضا بما رواه أبو بكر الهذلي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: سمعت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها» ، فأما الجلد والشعر والوبر والصوف والعظم والسن فكل هذا حلال؛ لأنه لا يذكى أخرجه الدارقطني ثم قال: الهذلي ضعيف. قلت: ذكر في " الإمام " أن غير الهذلي أيضا رواه، فإن قلت: روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ادفنوا الأظلاف والدم والشعر فإنه ميتة» . قلت: هذا رواه البيهقي من جهة ابن أبي رواد وقال: هذا إسناد ضعيف. ثم اعلم أن العاج جمع عاجة. قال الجوهري: العاج عظم الفيل، وكذا قال في " العباب "، ثم قال: والعاج أيضا الذبل وهو ظهر السلحفاة البحرية. قال الأزهري: لم يرو في حديث ثوبان العاج ما يخرط من أنياب الفيلة ولأن أنيابها ميتة، وإنما العاج الذبل. وقال في " العباب ": الذبل ظهر السلحفاة البحرية يتخذ منه السوار والخاتم وغيرهما، قال جرير بن قيس الحوالي: حوتا بكسرها لها مسكا ... من غير عاج ولا ذبل, فهذا يدل على أن العاج غير الذبل، وكذا قال الجوهري: المسك؛ السوار من عاج أو ذبل والواحدة مسكة فدل على أن العاج غير الذبل. وكذا قال الجوهري المسك: السوار من عاج أو ذبل والواحدة مسكة فدل على أن العاج غير الذبل. وقال الخطابي: العاج الذبل وهو خطأ. وفي " المحكم ": والعاج أنياب الفيلة، ولا يسمى غير الناب عاجا. وحكى الأزهري عن النضر بن شميل: المسك من الذبل ومن العاج كهيئة السوار تجعله المرأة في يديها، وقال: والذبل القرون فإذا كان من عاج فهو مسك لا غير. قلت: الذبل بفتح الذال المعجمة وسكون الباء الموحدة، والمسك بفتح الميم والسين المهملة. م: (وقال الشافعي: نجس لأنه من أجزاء الميتة) ش: أي لأن كل واحد من الشعر والعظم من أجزاء الميتة، والميتة نجسة بجميع أجزائها ولو جز شعر أو صوف أو وبر من مأكول اللحم في حال حياته.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نجس لأنه من أجزاء الميتة، ولنا أنه لا حياة فيهما، ولهذا لا يتألم بقطعهما فلا يحلهما الموت ـــــــــــــــــــــــــــــQقال إمام الحرمين: القياس نجاسته، لكن الإجماع على طهارته، وإن كان نحر مجوسي وإن الفضل ذلك ينتف بنفسه فهو نجس على وجه، ولا يطهر إلا المجزور وفي وجه: إن سقط بنفسه فطاهر وإن نتف فنجس. م: (ولنا أنه لا حياة فيهما) ش: الضمير في أنه ضمير الشأن، وفي فيهما يرجع إلى أجزاء الميتة م: (ولهذا لا يتألم بقطعهما) ش: أي ولأجل عدم الحياة في أجزاء الميتة لا يتألم الحيوان بقطع هذه الأجزاء، ألا ترى أنه إذا قص ظلفه أو حافره أو نشر قرنه لا يؤثر لا يؤثر فيه م: (فلا يحلهما الموت) ش: هذا حجة المدعي وأصل القضية يرجع إلى قولنا: هذا الشيء لا حياة فيه؛ لأنه لا يتألم بقطعه، وكل ما لا يتألم بقطعه لا حياة فيه، فهذا الشيء لا حياة فيه، وأما كونه طاهرا أو غير طاهر على الاختلاف، فهو حكم يترتب عليه. وفي " المبسوط ": هذا الاختلاف بناء على أن لا حياة للشعر والعظم عندنا. وقال الشافعي: فيهما حياة، وقال مالك: في العظم حياة دون الشعر، وعن مالك: إذا ذكي الفيل فعظمه طاهر، وأورد بأن الحيوان يتألم بكسر العظم فيكون فيه الحياة، وأجيب بأن تألمه بذلك للاتصال باللحم. فإن قيل: قال الله تعالى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] (يس: الآية 78) يدل على حصول الحياة فيها. وأجيب بأن هذا مثل قَوْله تَعَالَى: {يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] فلا يدل على سبق الحياة فيها، والمراد به أصحاب العظام بإنبات اللحم عليها وفطرتها وإعادة الأرواح إلى الأجساد، فلا يدل على حقيقة حياة العظم. وقال صاحب " الكشاف ": يردها غضة رطبة في بدن حساس أو يكون إحياؤها في الآخرة، فعليه يجعل الحياة في نفس العظم وأحوال الآخرة لا تضاهي أحوال الدنيا. فإن قلت: نفس هذه الأجزاء ميتة فتكون نجسة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (المائدة: الآية 3) ، قلت: الميتة عبارة عما فارقته الحياة بلا ذكاة، وهذا الأشياء لا حياة فيها لما بينا، والمراد من الآية حرمة الأكل، فلا يلزم من ذلك حرمة الانتفاع، والدليل عليه حديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - المذكور فيما مضى. فإن قلت: في هذه الأشياء رطوبة، قلت: نحن نقول بنجاستها، فإذا غسلت وأزيل عنها الدم المتصل والرطوبة النجسة طهرت. فإن قلت: الشعرة تنمو بنماء الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا النماء لا يدل على الحياة الحقيقية كما في النبات والشجر، قولك: ينمو بنماء الأصل غير مسلم؛ لأنه قد ينمو مع نقصان الأصل، كما إذا ذهل الحيوان بسبب مرض وطال شعره، وفي " النهاية " وبين الناس كلام في السن أنه عظم أو طرف عصب يابس، فإن العظم لا يحدث في البدن بعد الولادة، وتأويل قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [يس: 78] (يس: الآية 78) النفوس. وفي العصب روايتان في إحداهما فيه حياة لما فيه من الحركة، وينجس بالموت، ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم. انتهي. فإن قلت: إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة لا يؤكل. قلت: ذلك لحرمة الآدمي لا لنجاسته. وفي " فتاوى قاضي خان ": إذا صلى وفي عنقه قلادة فيها سن كلب أو ذئب تجوز صلاته. ولو صلى ومعه جلد حية أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وإن كانت مذبوحة لأن جلدها لا يحتمل الدباغ، فلا تقوم الذكاة مقام الدباغ. وأما قميص الحية ففيه اختلاف المشايخ، قيل: إنه نجس، وقيل: إنه طاهر، ذكره الحلوائي، وأشار إلى أن الصحيح أنه طاهر، فإن عين الحية طاهر حتى لو صلى ومعه حية غير ميتة يجوز، فإذا كان عينها طاهرا كان قميصها طاهرا. ولو صلى ومعه لحم آدمي مذبوح أكثر من قدر الدرهم جازت صلاته بخلاف الثعلب؛ لأن ما كان سؤرها نجسا لا يطهر لحمه بالذكاة، وما كان طاهرا يطهر، ولو خرجت البيضة من الدجاجة الحية فوقعت في الماء، قيل: إن كانت يابسة لا يفسد الماء مطلقا ما لم يعلم أن عليها قذرا؛ لأن رطوبة المخرج ليست بنجسة. فلهذا قالوا بأن مجرى البول طاهر حتى يطهر موضع المني بالفرك. وفي " الذخيرة ": أسنان الكلب طاهرة إذا كانت يابسة، ولو صلى معها جازت صلاته، وأسنان الإنسان نجسة إذا سقطت ولو صلى معها لا تجوز. وحكى الفقيه أبو جعفر عن بعض المتقدمين من أصحابنا أن من أثبت مكان أسنانه أسنان كلب تجوز صلاته، وأسنان الآدمي لا تجوز صلاته، وهذا غريب، والفرق أن الكلب تقع عليه الذكاة فعظمه طاهر، بخلاف الآدمي والخنزير، عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - سن الإنسان طاهر في حق نفسه نجس في حق غيره حتى لو أثبتها في مكانها جازت صلاته، ولو أثبت سن غيره لا يجوز، ولو جر السن تنجس لم يجز كمن أثبته ونزعه؛ لأنه صار باطنا خلفة وسقط حكم نجاسته. ودم الشهيد ما دام عليه فهو طاهر تجوز الصلاة عليه معه، فإذا زال صار نجسا. وماء فم الميت قيل: نجس، وماء فم النائم: طاهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعليه الفتوى.
[شعر الإنسان وعظمه]
إذ الموت زوال الحياة، وشعر الإنسان وعظمه طاهر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نحبس لأنه لا ينتفع به، ولا يجوز بيعه، ولنا أن عدم الانتفاع به والبيع لكرامته، فلا يدل على نجاسته، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQونافجة المسلك إن كانت بحال لو أصابها الماء لم يفسد فهي طاهرة، والأصح أنها طاهرة بكل حال ذكرها في " الذخيرة "، هذا إذا كانت من الميتة ومن المذكاة طاهرة. ومرارة كل شيء كبوله، ولحم السباع لا يطهر بالذكاة؛ لأن سؤرها نجس هو الصحيح، بخلاف البازي ونحوه لطهارة سؤره، ذكر هذه كلها ظهير الدين المرغيناني. م: (إذ الموت زوال الحياة) ش: كلمة "إذ" للتعليل، وهذه إشارة إلى أن بين الحياة والموت تقابل العدم والملكة. وقال السغناقي: قال شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا تعريف بلازم المسمى لا بنفس المسمى، بل الموت أمر وجودي يلزم منه زوال الحياة، قل تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] (الملك: الآية 2) وما يدخل تحت الخلق فهو أمر وجودي، وقيل: الموت معنى تزول به الحياة، وقيل: فساد بنية الحيوان. وقيل: عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة. قال تاج الشريعة: قوله: إذ الموت زوال الحياة - هذا طريق مجازاة الموت حقيقة حاله يلزم منها زوال الحياة؛ لأنه أمر وجودي قال الله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] (الملك: الآية 2) . فإن قلت: الموت صفة وجودية بما ذكرنا والمخلوق لا يكون عدما. قلت: المراد بالخلق التقدير والعدم مقدر. [شعر الإنسان وعظمه] م: (وشعر الإنسان وعظمه طاهر) ش: كان يقتضي التركيب أن يقال: طاهران، ولكن التقدير وشعر الإنسان طاهر وعظمه طاهر. وعن محمد في نجاسة شعر الآدمي روايتان بنجاسته أخذ إمام الهدى أبو منصور الماتريدي وبطهارته أخذ الفقيه أبو جعفر والصفار واعتمدها الكرخي في كتابه وهو الصحيح، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد مضى الكلام فيه مفصلا. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - نجس لأنه لا ينتفع به ولا يجوز بيعه) ش: وروى المزني عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي. وفي " الحلية " شعر الإنسان طاهر إذا قلنا: إنه لا ينجس بالموت في أصح القولين، وإن قلنا: إنه ينجس به لا. م: (ولنا أن عدم الانتفاع به والبيع لكرامته) ش: أي لأجل كرامته؛ لأن الآدمي مكرم بالنص والضمير في به يرجع إلى الشعر، وفي كرامته يجوز أن يرجع إلى الشعر أيضا، ولكونه مكرما بكرامة صاحبه، ويجوز أن يرجع إلى الإنسان وهو الظاهر. م: (فلا يدل على نجاسته) ش: أي الفاء للنتيجة أي حرمة الانتفاع به إذا كانت لأجل كونه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمكرما فلا تدل على نجاسته، وكذا البيع، ولأن فيه ضرورة وبلوى، فإنه متى حلق الرأس أو مشط اللحية لا بد من أن يتناثر على بعض شعوره فيلتصق به، فلو منع ذلك جواز الصلاة لضاق الأمر على الناس. والدليل على أن فيه ضرورة وبلوى ما حكي أن ضيفا نزل على الشافعي فدفع له [......] يشتري له الباقلاء الرطبة، فاشترى ثم حلق رأسه، ثم قام يصلي، فقال له الضيف: أليس هذا على مذهبك لا يجوز؟ فقال: نعم، لكن إذا اضطررنا في شيء انحططنا إلى قول العراقيين فثبت أن فيه ضرورة.
[فصل في البئر]
فصل في البئر وإذا وقعت في البئر نجاسة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في البئر] [حكم وقوع النجاسة في البئر] م: (فصل في البئر) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام ماء البئر، ولما كان أحكام مياه الآبار داخلة في باب الماء الذي يجوز به الوضوء ذكرها فيه، ولكن لما كان في هذا الفصل أحكام كثيرة تخالف أحكام ما ذكر في الباب ذكرها بفصل على حدة، فلذلك أفرد أحكام الآبار وغيرها أيضا فذكرها بفصل على حدة. وقد تكلف الشارحون في هذا الموضع وذكروا أشياء بلا فائدة زائدة. فقال السغناقي: لما ذكر حكم الماء بأنه يتنجس كله عند وقوع النجاسة فيه حتى يراق كله، ورد عليه حكم ماء البئر نقضا أنه لا ينزح كله في بعض الصور، استدعى هو ذكر ماء البئر على حدة مرتبا عليه، لأن كونه من الماء القليل يقتضي أن يكون متصلا به من غير فصل، لكن يخالفه في الحكم، ففصله بفصل على حدة رعاية للمعنى، وتبعه صاحب " الدراية "، وساق ما ذكره بعينه، ثم ذكر الأكمل كذلك، وهذا كله لا طائل تحته، وتشويش على المحصلين بزيادة كلام لا يتعلق بالمسائل المذكورة في هذا الباب. على أنا نقول: ما كان ينبغي أن يذكروا فيه المناسبة بين هذا الفصل وبين المسألة التي ذكرت قبلها مسألة شعر الميت وعظمها، وشعر الآدمي وعظمه، وبين هذا الفصل وبين مسألة الماء القليل مسافة بعيدة فيها مسائل كثيرة، فمن هذا عرفت أن الصواب ما ذكرناه. م: (وإذا وقعت في البئر نجاسة) ش: الكلام أولا في التركيب ومعاني ألفاظه، فنقول: الواو فيه تسمى واو الاستفتاح يستفتح بها كلام مبتدأ، وسمعته من مشايخي الأثبات؛ منهم الشيخ العلامة حسام الدين صنف البخاري وغيره، ومع هذا لا يخرج هاهنا عن كونها عاطفة على ما قبلها، ويكون ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بمعنى الذي ذكرناه مثل الجملة المعترضة، ومعنى الوقوع السقوط، والبئر يجمع في القلة على أبؤر وأبأر بهمزة بعد الباء، ومن العرب من يقلب الهمزة فيقول: آبار فإذا كثرت فهي البئار وقد بارت بئرا، والبؤرة الحفرة. وقال أبو زيد: بارت آبارا حفرت بؤرة يطبخ فيها وهي الأرض، والبئيرة على وزن فعيلة وخبره قوله م: (نزحت) ش: من نزح البئر نزحا وهو استقاء مائها، يقال: نزحت البئر ونزحتها لازم ومتعد، وفي الحديث نزل الحديبية وهي بئر نزح بالتحريك، يعني أخذ ماؤها وإذا أخذ ماء البئر يقال: بئر نزوح. وقال الأترازي: قال الشارحون: أي نزحت البئر إطلاقا لاسم المحل على الحال، وقالوا: لأن نزح النجاسة لا يتم الجواب. أقول هذا تكلف ناشئ عن عدم البصر؛ لأن قوله: نزحت ليس بجواب وحده بل الجواب هو وما بعده من قوله:
نزحت وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها ـــــــــــــــــــــــــــــQم: وكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها) ش: لأن قوله: وكان عطف على قوله: نزحت أي نزحت النجاسة وكان. . إلخ، فيكون بمعنى ما قالوا من التأويل بعد التكلف بعد هو ما قاله المصنف تصريحا؛ لأنهم قالوا: نزحت أي البئر أي ما فيها من النجاسة والماء، وبقي قوله - وكان ما فيها من الماء زائدا - فما أحسن قول من قال: في حقهم، رأى الأمر يقتضي إلخ. قصر آخره أولا. وقال الأكمل: بل نزحت أي ماؤها بحذف المضاف بعدم الالتباس كما أن نزح العين غير ممكن، ونزح النجاسة لا يتم جواب المسألة فتعين ما قلنا، والتأنيث اعتبار للإسناد الظاهري؛ لأن قوله: وكان نزح ما فيها دليل على ما قلنا، فكان هذا من قبيل إطلاق اسم المحل على الحال كقولهم جرى النهر. قلت: هذا بعينه كلام السغناقي، وأشار إليه بقوله: قيل والقائل هو السغناقي قال الأكمل: وفيه نظر لأنه حينئذ لم يمكن لإخراج النجاسة ذكر ولا تطهر البئر إلا بإخراجها، وعن هذا ذهب بعض الشارحين إلى أن ضمير نزحت النجاسة وجواب إذا هو المجموع من قوله: نزحت إلى قوله: طهارة لها، ويكون تقديره نزحت النجاسة. فكان نزح ما فيها من الماء طهارة لها. يقول: أراد الأترازي بقوله: أراد الشارحون - السغناقي والكاكي وغيرهما، ثم قوله -: هذا تكلف ناشئ عن عدم التبصر إلخ - وهو بعينه عدم التبصر، بيان ذلك أن قوله: "نزحت" ليس بجواب وحده، بل الجواب هو وما بعده. . . إلخ. ليس كذلك بل الجواب هو قوله: نزحت، والضمير في نزحت لا يرجع إلى قوله نجاسة بل يرجع إلى البئر، والتقدير نزح ماء البئر من قبيل جرى النهر، وسال الميزاب ونزح ما فيها إفراغه عنها، فإذا خرج جميع ما فيها من الماء يخرج معه النجاسة بالضرورة. وقوله: وبقي: قوله "وكان نزح ما فيها من الماء زائدا" غير صادر عن تبصر، لأن قول المصنف - فكان نزح ما فيها. . إلخ لبيان أنه لا يحتاج إلى غسل حيطانها، وإخراج ما فيها من التراب والأحجار. ثم قول الأكمل: وفيه نظر غير سديد؛ لأن المراد من إسناد الترح إلى البئر إفراغ ما فيها، وما فيها يشمل الماء والنجاسة. وقوله: ذهب بعض الشارحين، أراد به الأترازي؛ لأنه جعل الضمير في نزحت للنجاسة، وقوله: (والتركيب والجواب ... إلخ) محصل ما ذكرت وقررته، غير أن قوله: - والتقدير أن يقال: نزحت النجاسة والماء - ليس مقتضى التركيب، ومقتضاه ما قلنا، وكان نزح ما فيها من الماء
بإجماع السلف ـــــــــــــــــــــــــــــQطهارة لها إشارة بهذا إلى أن البئر تطهر بمجرد النزح من غير توقف على غسل الحيطان ونقل الأوحال، وقد علمت أن هذا الكلام مستقل بذاته بهذا المعنى من غير اشتراك بما قبله في المعنى. م: (بإجماع السلف) ش: أراد بهم الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم أر أحدا من الشراح مع كثرتهم ودعوى بعضهم التحقيق في هذا الكتاب تعرض إلى متعلق الباء في قوله: بإجماع السلف، وهي متعلقة بقوله: (طهارة لها) ، أي للبئر، والمعنى أن طهارة البئر التي وقعت فيها النجاسة نزح ما فيها ثبت بإجماع السلف. فإن قلت: كيف إجماع السلف في هذا؟ قلت: الإجماع من الصحابة في هذا هو أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أمر بنزح جميع ماء بئر زمزم حين وقع فيه زنجي، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم ينكر عبد الله بن الزبير ولا أحد من الصحابة في ذلك الزمان على ابن عباس، فوقع الإجماع منهم على طهارة البئر بالنزح، وكذلك روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هذا الباب على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وأما الإجماع من التابعين فقد روي في هذا الباب عن الشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء والزهري والحسن البصرى وغيرهم، ولم ينقل عن أحد منهم خلافه فصار إجماعا، وسأذكر ذلك مفصلا عن قريب إن شاء الله تعالى. وسقط قول السروجي في شرحه وقوله: بإجماع السلف وفيه نظر، وبعض من لا خبرة له من أصحاب الشافعي طعن في هذا الموضع، وقال: ما أكيس دلو أبي حنيفة حيث ميز الماء النجس من الطاهر، وهذا في الحقيقة تشنيع على الصحابة والتابعين حيث أجمعوا على طهارة البئر بالنزح فيقال لهم: ما أكيس قرعته حيث ميزت بين الحر والرقيق، وكذلك في تعارض البنيان تميز الحق من الباطل بالقرعة، وقرعتهم هذه أكيس من دلونا. وفي " المبسوط " هم قالوا بالرأي ما هو أشد من هذا، فقالوا في بئر فيها قلتان، أي ماتت فيه فأرة فنزحت منها دلو، فإن حصلت الفأرة في الدلو فالماء الذي في الدلو نجس، والذي يبقى في البئر طاهر، وإن بقيت الفأرة في البئر فالدلو طاهر وما بقي في البئر نجس، ودلوهم هذا أكيس من دلونا. وقال الأترازي: فيا للدلو أيدته الشافعية كيف طهرت ظاهرها من مرة دون باطنها وعكست أخرى، وكيف طهرت البئر تارة ونجستها أخرى، وكيف وردت الجواب بقياسها على المشنعين علينا؟!
ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس، فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم يفسد الماء ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس) ش: لأن القياس أحد الأمرين، إما أن لا يطهر البئر طهارة ينتفع بها لاختلاط النجاسة بما فيها من الأوحال والحجارة والجدران ولا يمكن غسلها، وهو قول بشر المريسي، وإما أن لا ينجس أبدا كالماء الجاري إذا نبع الماء من أسفله وكحوض الحمام إذا سقط من جانب ويؤخذ من جانب آخر لم ينجس بإدخال يد جنب فيه، ولهذا نقل عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ماء البئر في حكم الجاري، إلا أنا تركنا القياس واتبعنا الآثار. ففي " مصنف عبد الرزاق " عن معمر قال: سألت الزهري عن فأرة وقعت في البئر، فقال: إن أخرجت مكانها فلا بأس، وإن ماتت فيها نزحت، رواه عبد الرزاق عن معمر، قال: أخبرني من سمع الحسن يقول: إذا ماتت الدابة في البئر أخذ منها، وإن نفخت فيها نزحت أربعون دلوا. وفي " مصنف ابن أبي شيبة " قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا عبد الله بن شبرمة عن الشعبي في دجاجة ماتت في بئر قال: تعاد منها الصلاة وتغسل الثياب. وقال ابن المنذر في " الأشراف " في الإنسان يموت في البئر تنزح كلها. وذكر أبو عبيد أن هذا قول الثوري وأصحاب الرأي. وقال الأوزاعي في ماء معين وجد فيه ميتة لم تغير الماء، قال: تنزح منها الدلاء، وإن غيرت ريح الماء وطعمها نزح بصفوف يطيب، وكذلك قال الليث بن سعد، وقال ابن القاسم عن مالك في الفأرة والوزغة يستقى حتى يطيب. وروى قتيبة بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو مصعب عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفأرة والوزغة تموت في البئر قال: تنزف كلها، ذكره في " العارضة "، وذكر في " البدائع " " والمحيط " و" قاضي خان " أنه «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر في الفأرة تموت في البئر أن ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون» . وفي " المبسوط " عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. وقال السغناقي: رواه أبو علي الحافظ السمرقندي بإسناده. قلت: لم يثبت شيء من ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم يفسد الماء) ش: أشار بالفاء التفسيرية إلى ما يجب نزحه من الماء بحيث ما يقع فيها النجاسة وما لا يجب، والبعر بسكون العين وفتحها، وعند الكوفيين فتح عين الكلمة إذا كانت حرف حلق قياسي، وعند البصريين سماعي فإنه لم ينقل في وعد، وعدو البعر للإبل والغنم، وهو يشمل الضأن والمعز، والروث للفرس والحمار، من راث الفرس من باب نصر، والخثي بكسر الخاء للبقر من خثي خثيا من باب ضرب.
استحسانا والقياس أن تفسده لوقوع النجاسة في الماء القليل، وجه الاستحسان أن آبار الفلوات ليست لها رؤوس حاجزة، والمواشي تبعر حولها فتلقيها الريح فيها، ـــــــــــــــــــــــــــــQم (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان، أو التقدير استحسن ذلك استحسانا، فعلى الأول تمييز وعلى الثاني مفعول مطلق. م: (والقياس أن تفسده) ش: أي أن تفسد الماء م: (لوقوع النجاسة في الماء القليل) ش: فصار كالوعاء إذا وقعت فيه بعرة أو بعرتان فإنها تنجس لعدم الضرورة وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإناء كالبئر في حق البعرة والبعرتين، وكذا الحوض الصغير، لإمكان صون الماء عنها فإن كانت النجاسة جامدة، وما وقع فيها جامد كالسمن ونحوه رميت النجاسة وما حولها وأكل الباقي، لما روى البخاري عن ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه سئل عن فأرة سقطت في سمن، قال: "إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا"، وإن وقعت في المائع نجسته» لحديث أبي هريرة قال: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الفأرة في السمن، فقال: "إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه» . رواه أبو داود وأحمد. ويجوز استعماله في دباغ الجلد، ودهن الدواب، والسفن، والاستصباح، ويجوز بيعه، ويجب عليه البيان، وروي «فانتفعوا به» . وقال البخاري: رواية أبي داود " "وإن كان مائعا فلا تقربوه"، خطأ، والصحيح الأول، يعني روايته، وذكر في " التوشيح " وفي الشاة تبعر في اللبن بعرة أو بعرتين، قال: ترمى البعرة ويشرب اللبن، روي ذلك عن خلف بن أيوب، ونصر بن يحيى، ومحمد بن مقاتل الرازي لمكان الضرورة، فإن الغنم لا تحلب من غير أن تبعر عند الحلب، وهو يحكى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وجه الاستحسان أن آبار الفلوات) ش: جمع فلاة وهي المفازة، ويجمع على فلاة أيضا، وأصل فلاة فلوة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والجمع يرد الشيء إلى أصله، م: (ليست لها رؤوس حاجزة) ش: أي مانعة وقوع النجاسة من حجزه يحجزه حجزا إذا منعه، فالحجز وهو من باب نصر ينصر. م: (والمواشي) ش: جمع ماشية وهي اسم يقع على الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يستعمل في الغنم م: (تبعر حولها) ش: أي حول الآبار خصوصا وقت إيرادها للسقي، وتبعر من باب بعر البعير والشاة بفتح العين وسكونها، وهو من باب منع يمنع م: (فتلقيها الريح فيها) ش: أي تلقي
فجعل القليل عفوا للضرورة، ولا ضرورة في الكثير وهو ما يستكثره الناظر إليه في المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه الاعتماد. ولا فرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، ـــــــــــــــــــــــــــــQالريح البعرات حول الآبار. م: (فجعل القليل عفوا للضرورة) ش: أي فإذا كان كذلك جعل القليل من البعر عفوا لأجل الضرورة، فلو أفسده القليل أدى إلى الحرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) ، وهو الذي ذكره هو أحد وجهي الاستحسان. قال في " المبسوط " و" المفيد ": للاستحسان وجهان أحدهما: أن في القليل ضرورة، ووجها ما ذكره المصنف. والوجه الثاني: لم يذكره المصنف وهو أن البعر شيء صلب وعلى ظاهرها رطوبة في الأمعاء كالغلاف له، وفيها لزوجة تمنع دخول الماء في أثنائه. م: (ولا ضرورة في الكثير) ش: من البعر م: (وهو) ش: أي الكثير م: (ما يستكثره الناظر إليه) ش: بأن يقول هذا كثير م: (في المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي في الذي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: الجار والمجرور بماذا متعلق، وما محلهما من الإعراب؟ قلت: تعلقهما بمحذوف تقديره الكثير هو الذي يستكثره الناظر المعتمد عليه في المروي عن أبي حنيفة، دل عليه قوله م: (وعليه الاعتماد) ش: أي هذا المروي العمدة في هذا الباب، إنما قال ذلك لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقدر شيئا بالرأي في مثل هذه المسائل التي يحتاج إلى التقدير، ولما كان هذا موافقا لمذهبه قال: وعليه الاعتماد، ولهذا قال في " البدائع " و" قاضي خان ": هو الصحيح، وأما محلهما من الإعراب فالنصب على الحال وذو الحال هو المقدر الذي ذكرناه. وقيل: الكثير أن يغطي ربع وجه الماء. وقيل: أن لا يخلو دلو عن بعرة، وقال في " المبسوط ": هو الصحيح. وقيل: أن يأخذ جميع وجه الماء فدل على أن الثلاث يفسده، وهذا فاسد لأنه ذكر في الكتاب: إن وقعت فيها بعرة أو بعرتان لا يفسد الماء حتى يفحش، والثلاث ليس بفاحش هكذا ذكره في " المبسوط " و" المحيط " و" المفيد ". وقال الأسبيجابي في " شرح مختصر الطحاوي ": والأول أظهر؛ لأن محمدا جعل الرجعة في البعرة والبعرتين لا غير، وجعل الرطب واليابس المنكسر نجسا وإن قل، وروى الحسن أن اليابس لا ينجس للضرورة. م: (ولا فرق) ش: في هذا الحكم م: (بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر) ش: هذا على الوجه الذي ذكره المصنف من وجهي الاستحسان. وأما على الوجه الثاني: فإنه يفرق بين الرطب
والروث والخثي والبعر؛ لأن الضرورة تشمل الكل، وفي شاة تبعر في المحلب بعرة أو بعرتين، قالوا: ترمى البعرة ويشرب اللبن لمكان الضرورة، ولا يعفى القليل ـــــــــــــــــــــــــــــQواليابس والصحيح والمنكسر م: (والروث والخثي والبعر) ش: فجعل الرطب نجسا لوجهين: أنه ثقيل يلتصق بالأرض فلا يرفعه الريح فلا ضرورة فيه، يروى ذلك عن أبي حنيفة. والثاني: أن رطوبة الأمعاء لم تنصب عليه لعدم يبسه ذكره في " النوازل " والحاكم في " الإشارات "، والمنكسر ينجسه لدخول الماء باطنه بخلاف الصحيح. قلنا: الضرورة في المنكسر أشد لخفته. وعن أبي يوسف: الروث اليابس إذا خرج من ساعته لا ينجس، والرطبة ينجسه. وفي " المحيط ": السرقين والروث قليله وكثيره رطبه ويابسه سواء؛ لأنه يتشقق فينتشر في الماء، وكان قليله كالكثير، وخثي البقر قيل: ينجسه وإن كان صلبا فكالبعر. ثم اعلم أنه يفرق بين آبار الفلوات وبين آبار الأمصار، قال شيخ الإسلام في " المبسوط ": فأما إذا كان في الأمصار اختلف مشايخنا فيه؛ قال بعضهم: ينجس إذا وقع فيها بعرة أو بعرتان؛ لأنها لا تخلو عن حائط بتابوت أو حائط، فلا يتحقق فيها الضرورة. وقال بعضهم: لا ينجس اعتبارا للوجه الآخر من الاستحسان. قال شيخ الإسلام: والصحيح أن الكل والنصف سواء فلا ينجسه، وذكره الحاكم الشهيد في كتابه " الإشارات "، فقال: إن كان رطبا نجسه، وإن كان يابسا لا ينجس، والروث والخثي والبعر هذه المجرورات عطف على قوله: والمنكسر، أراد أنه لا يفرق أيضا بين هذه الأشياء، كما لا يفرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، وفي الخثي خلاف ما ذكرناه آنفا. وفي " المبسوط " في روث الحمار والفرس القليل والكثير سواء؛ لأنه ليس صلابة فيتداخل الماء في أجزائه فينجس، وكذلك المنفتة من البعر في ظاهر الرواية، إلا أنه روي عن أبي يوسف قال: القليل من الروث عفو، وهو الأوجه كذا ذكره الإمام المحبوبي. م: (لأن الضرورة تشمل الكل) ش: أراد جميع ما ذكره من قوله: ولا فرق ... إلخ. م: (وفي الشاة تبعر في المحلب بعرة أو بعرتين) ش: كلمة في قوله: وفي الشاة تتعلق بقوله: قالوا، والمحلب بكسر الميم آلة للحلب بفتح اللام وهو مصدر م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (ترمى البعرة ويشرب اللبن) ش: معناه لا ينجس إذا رميت قبل أن يتغير لونه. قال شيخ الإسلام في " مبسوطه ": لا ينجس إذا رميت من ساعته ولم يبق لها لون. م: (لمكان الضرورة) ش: لأن الغنم يتعين حلبها بلا بعر ومن عادتها أنها تبعر عن الحلب م: (ولا يعفى القليل) ش: وهو الذي يستقله الناظر.
في الإناء على ما قيل لعدم الضرورة، وعن أبي حنيفة أنه كالبئر في حق البعرة والبعرتين، فإن وقع فيها خرء الحمام أو العصفور لا يفسده، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله أنه استحال إلى نتن وفساد فأشبه خرء الدجاج، ولنا إجماع المسلمين على اقتناء الحمامات في المساجد ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وفي الإناء على ما قيل) ش: قول بعض المشايخ، وكلمة على بمعنى في، وما مصدرية والمعنى: ولا يعفى القليل في الإناء في قوله - وجاءت على بمعنى في - كما في قولهم كان كذا على عهد فلان أي في عهده. م: (لعدم الضرورة) ش: لإمكان صون الإناء بالتغطية م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن الإناء م: (كالبئر) ش: أي بمنزلة البئر في الحكم م: (وفي البعرة والبعرتين) ش: أي في عدم تنجس الماء بالبعرة والبعرتين تسهيلا للأمر. م: (فإن وقع فيها) ش: أي في البئر م: (خرء الحمام) ش: بضم الخاء وضم الراء العذرة وجمعه خروء مثل جند وجنود، والحمامة عند العرب ذوات الأطواق من نحو الفواخت والقماري وساق جرو القطا والوراشين وأشباه ذلك يقع على الذكر والأنثى؛ لأن الهاء إنما دخلت على أنه واحد من جنس لا للتأنيث. وعند العامة الحمام هي الدواجن فقط، الواحد: الحمامة ويجمع على حمامات وحمائم أيضا، وربما قالوا: حمام للواحدة. وقال الفرزدق: تساقط ريش غادية وغاد ... وحماما نقره قطط وقطارا م: (أو العصفور) ش: بضم العين والأنثى عصفورة وقوله: (لا يفسده) ش: جواب إن أي لا يفسد ماء البئر م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي خالفنا فيه الشافعي م: (وله) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني دليله م: (أنه) ش: أي أن خرء الحمام والعصفور م: (استحال) ش: أي متحول م: (إلى نتن) ش: ش: هو الرائحة الكريهة م: (وفساد) ش: هو خروجه عن الصلاحية فصار كالبول والغائط. والتحقيق فيه أن الذي يحيله الطبع من الغذاء على نوعين نوع يحيله إلى نتن وفساد كالبول والغائط وهو نجس، ونوع يحيله إلى صلاح كالبيض واللبن والعسل، وخرء الحمام والعصفور من النوع الأول. م: (فأشبه خرء الدجاج) ش: وهو نجس بالاتفاق. وقال السروجي وكان الأنسب تقديم خرء العصفور؛ لأن خرء الحمام إذا لم يفسد فالعصفور بالطريق الأولى فلا فائدة في ذكرها، لكن لما كان خرؤهما طاهرا فلا فرق بينهما يقدم أيهما شاء. قلت: لا فائدة في ذكر هذا الاستغناء عنه وليس فيه مزيد فائدة. م: (ولنا إجماع المسلمين على اقتناء الحمامات في المساجد) ش: أراد بهذا الإجماع أن الصدر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأول ومن بعدهم أجمعوا على اقتناء الحمامات في المساجد حتى المسجد الحرام، فدل هذا الإجماع على طهارة خرء الحمام، وفي قوله: - على اقتناء الحمامات - نظر؛ لأن الاقتناء والاتخاذ من قولهم قنوت الغنم وغيرها قنوة، وقنيتها قنية أيضا إذا اقتنيتها لا للتجارة واقتناء المال وغيره اتخاذه، ولم ينقل عن أحد من الصدر الأول أو ممن بعدهم بأنه اتخذ حماما في مسجد من مساجد الله أو في مسجد الكعبة، غاية ما في الباب أنها كانت تأوي إلى المساجد، ولم يكن أحد منهم يمنعه ويسكت عند، فحينئذ يكون هذا نوعا من أنواع الإجماع السكوتي. فإن قلت: ما كان سبب سكوتهم عن هذا حتى جعل إجماعا منهم؟ قلت: حديث أخرجه الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده " والبيهقي في " دلائل النبوة " من حديث عون بن عمرو القيسي قال: سمعت أبا مصعب المكي قال: أدركت أنس بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «أمر الله تعالى شجرة ليلة الغار فنبتت في وجهي، وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترني الله وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان من قريش بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر أربعين ذراعا، فجعل بعضهم ينظر في الغاز فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا: مالك لم تنظر في الغار، قال: رأيت بفمه حمامتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، فدعا لهما وشمت عليهن وأقررن في الحرم، وفرض خروجهن» وقال البزار لا نعلم روايته إلا عون بن عمر وهو بصري مشهور وضعفه العقيلي، ويقال عون بن عمرو. قوله: شمت بالشين المعجمة وتشديد الميم يقال: شمت فلانا وشمت عليه، إذا دعا له بالخير والبركة في حديث زواج فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأتاهما فدعا لهما وشمت عليهما ثم خرج. فإن قلت: لا ينعقد الإجماع إلا بدليل يوجب العلم قطعا ولا ينعقد بخبر الواحد والقياس. قلت: هذا من مذهب الشيعة والقاشاني من المعتزلة وابن جريج، ومذهب أهل السنة والجماعة الحكم بالإجماع بطريق القطع، وكون الإجماع حجة قطعية لم يثبت من دليل، فنسبه الداعي إليه بل إنما ثبت من قبل ذا إن الإجماع رفعه وكرامة لهذه الأمة خاصة وأشد أمة لحجة الله
مع ورود الأمر بتطهيرها واستحالته لا إلى نتن رائحة ـــــــــــــــــــــــــــــQتعالى في الأحكام إلى يوم القيامة. وقال السغناقي: وأصله هذا الإجماع حديث أبي أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شكر الحمامة فقال:» «إنها أوكرت على باب الغار حتى تلمت فجازاها الله تعالى بأن يجعل المساجد مأواها» وتبعه على هذا صاحب " الدراية " ثم الأكمل في شرحيهما، فالعجب من هؤلاء يذكرون حديثا ولا يعزونه إلى مخرجه ولا إلى حاله. م: (مع ورود الأمر بتطهيرها) ش: أي بتطهير المساجد والأمر هو قوله عز وجل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: 125] (البقرة: الآية 125) ، وأما الأمر في الحديث فقد قال الأكمل قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جنبوا مساجدكم صبيانكم» ، قلت: هذا قطعة من حديث لم يذكر تمامه ولا الصحابي الذي رواه ولا من أخرجه، وروي فيه عن عائشة وسمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه في كتاب الصلاة عن هشام بن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» ورواه ابن حبان في " صحيحه " وأحمد في " مسنده ". وأما حديث سمرة فأخرجه أبو داود عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه سليمان عن أبيه سمرة «أنه كتب إلى ما بعد فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمرنا أن نضع المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونظرها» وسكت عنه، وقال سفيان بن عيينة الدور القبائل، وذكر الخطابي أنها البيوت وحكى أيضا أراد بها المحال التي فيها الدور. قلت: الظاهر أنه أراد بها البيوت مثله فقد ورد النهي عن اتخاذ البيوت مثل المقابر. م: (واستحالته) ش: أي استحالة خرء الحمام والعصفور هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه استحال إلى نتن وفساد وجهه أن موجب التنجيس أمران النتن والفساد، والنتن هاهنا غير موجود وهو معنى قوله م: (لا إلى نتن رائحة) ش: بل إلى فساد وانتفاء الخرء يستدعي انتفاء الكل. فإن قلت: الفساد وحده مما يوجب التنجيس، قلنا: ينقص هذا بالمني فإنه قد فسد وهو طاهر عنده وسائر الأطعمة فسد بطول المكث ولا تنجس، ولئن سلمنا ما قاله فإن سقط للضرورة.
فأشبه الحمأة، فإن بالت فيها شاة نزح الماء كله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ينزح إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا، وأصله أن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده نجس عندهما. له أن «النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فأشبه الحمأة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فأشبه خرء الحمام والحمأة هو الطين الأسود في قعر البئر، فإنه منتن في الغالب مع أنه طاهر، والحمأة بفتح الحاء وسكون الميم وفتح الهمزة وفي آخره هاء. وأما الحمأة فهو بفتح الميم، قال الله تعالى: {من حمأ مسنون} [الحجر: 26] (الحجر: الآية 26) ، تقول منه حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزحت حمأتها وحمأت البئر بالكسر حمأة بالتحريك كثرت حمأتها واحمأتها احمأ ألقيت فيها الحمأة. م: (فإن بالت فيها) ش: أي في البئر م: (شاة نزح الماء كله عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو ثور وميمون والحسن بن أبي الحسن وحماد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال محمد لا ينزح) ش: وبه قال عطاء والنخعي والزهري والشعبي والثوري ومالك وأحمد رحمهما الله إلا إذا غلب على الماء فيخرج من أن يكون طهورا لغيره م: (إلا إذا غلب) ش: بول الشاة م: (على الماء) ش: فحينئذ م: (فيخرج من كونه طهورا) ش: لغيره، وأما إنه طاهر في نفسه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وأصله) ش: أي وأصل الحكم في هذه المسألة م: (أن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده) ش: أي عند محمد فعلى هذا قوله: فإن بالت فيه شاة من باب التمثيل لا من باب التمثيل لا من باب التقييد فافهم م: (أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل وألبانها) ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، فالبخاري ومسلم في الصلاة وأبو داود وابن ماجه رحمهما الله في الحدود والترمذي في الطهارة والنسائي في تحريم الدم كلهم من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن أناسا من عرينة أصيبوا بالمدينة فوصف لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأكلوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأسرهم فأتي بهم وقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة يعضون الحجارة» . ولفظ أبي داود والترمذي والنسائي «وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها» وفي لفظ البخاري عن أنس قال: "قدم «أناس من عكل أو عرينة اجتووا المدينة فأمر لهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلقاح أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستاقوا الإبل فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون» نقول: وجه الاستدلال بتسويته عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين لبنها وبولها، وتقيم بولها
ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى لبنها مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأمر بشرب النجس، فإن كان بول ما يؤكل لحمه نجسا لما أمرهم بشربه. فإن قيل: لعله أمر بذلك للشفاء والضرورة. قلنا: لا شفاء في النجس المحرم يدل عليه ما رواه الطحاوي مرفوعا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الخمر ذلك داء ليس بشفاء» . وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كان الله ليجعل في رجس أو فيما حرمه شفاء وأخرجه الطحاوي. وقوله: - عرينة - بضم العين المهملة وفتح الراء والنون بينهما ياء آخر الحروف ساكنة قال الجوهري: عرينة بالضم اسم قبيلة ورهط من العرنيين ارتدوا فقتلهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هو تصغير عرينة وهو بحذاء عرفات. والعرنيون جمع عرني، وكان القياس العرينيون بالياء بعدها الواو، ولكنها حذفت كما في قولهم الجهنيون، والقيام الجهينيون لأن ياء فعليه تحذف في النسبة كما يقال: جهني في جهينة، وكذلك ياء فعيلة كحنيفة يقال في النسب: حنفي. وفي القياس حنيفي. العكل بضم العين وسكون الكاف اسم قبيلة. قوله: اجتووا المدينة بالجيم أي استوجبوها، افتعال من الجوي تقول جويت نفسي إذا لم توافقك، واجتويته إذا كرهت المقام معه وبه، وإن كنت في نعمة هكذا ذكره الجوهري. قال السروجي: وهذا لا يناسب الحديث، وقال أبو الحسن في شرح البخاري: أجويت البلاد إذا كرهتها، وإن وافقك في الحديث بدنك. قلت: هذا مثل الأول قوله: بلقاح، اللقاح جمع لقوح وهو الناقة اللبون الحديثة العهد بالولادة التي يكثر لبنها. والذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشرة واللفظة مؤنثة ولا واحد لها من لفظها كالنعم. وقال أبو عبيد: الذود من الإناث دون الذكور. وقوله: بالحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي في الأصل الأرض ذات الحجارة السود، والمراد هاهنا حرة المدينة وهي أرض فيها حجارة سود كبيرة، وتجمع على حرر وحرار وحرات وحرار وهو من الجموع النادرة. وقيل: إن واحد أحريرا حرة. قوله: - وسمر أعينهم - أي أحمى لهم مسامير الحديد ثم كحلهم بها. ويروى سمل أعينهم باللام موضع الراء أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل: نقرها بالشوك وهو معنى الثمر. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ش:، هذا الحديث رواه ثلاثة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني من حديث قتادة عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ثم قال: المحفوظ مرسل، وفي رواية أبي جعفر الرازي وهو متكلم فيه قال ابن المديني: كان يخلط، وعن أحمد ليس بالقوي، وعن أبي زرعة يهم كثيرا. وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «استنزهوا» ... " إلخ مثل لفظ الكتاب رواه الدارقطني أيضا ورواه الحاكم في "مستدركه" من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكثر عذاب القبر من البول» ، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة ولم يخرجاه. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث مجاهد عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن عذاب القبر من البول فتنزهوا منه» ، رواه الطبراني في معجمه والدارقطني والبيهقي وكلهم سكتوا عنه. وروى البزار عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده قال: «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البول فقال: "إذا أمسكتم منه شيئا فاغتسلوه فإني أظن أن منه عذاب القبر» وفيه الاستدلال به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر باستنزاه البول من غير فصل، والأمر للوجوب، ولأن البول محلى بالألف واللام فيعم جميع البول، ويروى - عن البول - مكان - من البول - وفي "المغرب": وأما قولهم: استنزهوا من البول فقال تاج الشريعة في شرحه: تنزهوا عن البول. يقال: تنزه عن الأقذار إذا انصرف عنها واجتنبها، وأما الاستنزاه فلم يوجد في قوانين اللغة، فإن صح ما روي فوجهه أن استفعل فعل يشاركه تفعل نحو استكبر واستقدم بمعنى تكبر وتقدم. قلت: قد بينا الآن أن لفظ الدارقطني تنزهوا، وقوله: إن استفعل قد يشارك تفعل، معناه أن من جملة معاني استفعل تفعل، وأصل هذا الباب للطلب، ومعناه نسبة الفعل إلى فاعله لإرادة تحصيل المشتق هو منه، ولا يعني أن يكون استفعل هاهنا على بابه والمعنى اطلبوا التنزه من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالبول. فإن قلت: المعنى الذي ذكرته لا يتأتى هاهنا. قلت: هو يكون صريحا نحو استكتبه أي طلب منه الكتابة، وقد يكون تقديرا نحو استخرجت الزيد من الحائط، فليس هاهنا طلب صريح، بل المعنى لم أزل أتلف وأتحيل حتى خرج ونزل ذلك منزلة الطلب هاهنا كذلك فافهم. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومما يؤيده أي ومما يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيع جنازة سعد بن معاذ وكان يمشي على رؤوس الأصابع من زحام الملائكة التي حضرت للصلاة عليه فلما وضع في القبر ضغطته الأرض ضغطة كادت أضلاعه تختلف فسئل رسول» . وقال تاج الشريعة: لما توفي سعد بن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفنه، فلما فرغ خرج من قبره متغير اللون وقال: «الله تعالى أكبر لا إله الله والله أكبر لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد بن معاذ، ولقد رأيت القبر ضمه حتى سمعت صوت أعضائه» قال الراوي: كان قميص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منخرقا فسئل عن ذلك فقال: إن سبعين من الحور العين تعلقن بي. وقالت كل واحدة منهن زوجني من سعد، ثم سئل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن سبب هذه الضغطة فقال: إنه كان لا يستنزه عن البول. قلت: كل من الحديثين لم يذكره أحد بهذه الألفاظ، بل روى الإمام - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما دفن سعد ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول الله لم سبحت قال لقد تضايق على هذا البعد الصالح» . وروى البزار بإسناد جيد من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لقد هبط يوم مات سعد بن معاذ سبعون ألف ملك إلى الأرض لم يهبطوا قبل ذلك، ولقد ضمه القبر ضمة» " ثم بكى نافع وكانت وفاته بعد انصراف الأحزاب بنحو من خمس وعشرين ليلة، وكان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس، فأقاموا قريبا من شهر، وذكر في " المبسوط " في قوله: إنه كان لا يستنزه، لم يرد به بول نفسه، فإن من لا يستنزه منه لا تجوز صلاته، وإنما أراد أبوال الإبل عند تعالجها. وذكر السغناقي هذا في شرحه ثم أخذ عنه الأكمل. قلت: يؤيد ذلك ما رواه البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا موسى بن بكير عن ابن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه
ولأنه يستحيل إلى نتن وفساد فصار كبول ما لا يؤكل لحمه وتأويل ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عرف شفاءهم فيه وحيا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQسأل بعض آل سعد ما بلغكم من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا؟ فقالوا ذكر لنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ذلك فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول، وكان سعد كبير الأوس وكان حامل لوائهم يوم بدر ومعالجة الإبل وطبقة الغلمان. وقال السغناقي وجه مناسبة عذاب القبر مع ترك استنزاه البول هو أن القبر أول منزل من منازل الآخرة، والطهارة أول منزل من منازل الصلاة، والصلاة أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة كما جاء في الحديث، وكانت الطهارة أول ما يعذب بتركها في أول منزل من منازل الآخرة وليس ذلك إلا القبر. م: (ولأنه) ش: أي ولأن بول الشاة، هذه إشارة إلى دليل معقول وهو أن بول ما يؤكل لحمه م: (يستحيل إلى نتن وفساد فصار كبول ما لا يؤكل لحمه) ش: والاستحالة إلى النتن والفساد حقيقة النجاسة، وقد مضى عن قريب تفسير النتن والفساد. فإن قلت: قد اتفقوا على طهارة لعاب ما يؤكل لحمه وعلى طهارة عرقه، فوجب أن يكون بوله مثلهما. قلت: هذا يبطل بالآدمي فإن ريقه وعرقه طاهران، وبوله نجس بإجماع المسلمين، نقل الإجماع ابن المنذر، وبول الكبير والصغير سواء عند سائر العلماء، إلا ما يروى عن داود أن بول الصغير طاهر، وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فينجس عند العلماء قاطبة كالأئمة الأربعة وغيرهم، إلا ما نقل عن النخعي أنه طاهر، وحكى ابن حزم عن داود أن الأبوال والأرواث طاهرة من كل حيوان إلا الآدمي، وهذا في نهاية الفساد. م: (وتأويل ما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرف شفاءهم فيه وحيا) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به محمد. قوله تأويل مرفوع بالابتداء مضاف إلى قوله ما روي، ويجوز الوجهان في روي أحدهما أن يكون صيغة معلوم أي تأويل ما رواه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثاني أن يكون صيغة مجهول أي تأويل ما روي في الحديث المذكور، وقوله "أنه" خبر المبتدأ أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرف شفاءهم أي شفاء العرنيين فيه، أي في بول الإبل وحيا، أي من حيث الوحي وهو نصب على التمييز. فإذا كان من حيث الحكم يكون حكما ولا يوجد مثله في زماننا، فلا يحل شربه لأنه لا يتيقن بالشفاء فيه فلا يعرض من الحرمة. وقال السغناقي أيضا حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه فقد ذكر قتادة عن أنس أنه رخص لهم في شرب ألبان الإبل، ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكره في حديث حميد عن أنس، فإذا دار بين أن يكون حجة وبين أن لا يكون سقط الاحتجاج به وتبعه الأكمل على ذلك، وكذلك صاحب " الدراية ". قلت: هذا كلام واه جدا، فإن البخاري قال حدثنا مسدد وحدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس أن أناسا من عرينة اجتووا المدينة ... الحديث وفيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها، وقد
ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يحل شربه للتداوي ولا لغيره؛ لأنه لا يتيقن بالشفاء فيه فلا يعرض عن الحرمة. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحل للتداوي للقصة، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحل للتداوي وغيره لطهارته عنده. ـــــــــــــــــــــــــــــQذكرناه عن قريب، أخرجه البخاري في آخر الزكاة، وروى الزكاة في باب المحاربة وفيه من أبوالها وألبانها، وهذا عن أبي قلابة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال في آخر حديث قتادة عن أنس تابعه أبو قلابة حميد وكاتب عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإذا كان كذلك فكيف يقول هؤلاء ذكر قتادة عن أنس أنه رخص لهم في شرب ألبان الإبل ولم يذكر الأبوال، وفي إحدى روايات البخاري ذكر الأبوال ثم الألبان، وفي الأخرى بالعكس، وفي رواية تقديم الأبوال ما يوهم تأكيد إباحة شرب بول ما يؤكل لحمه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقيل: إنه منسوخ، ولم يبين ذلك، وجهه أنه كان في أول الإسلام ثم نسخ بعد أن نزلت الحدود، ألا ترى أن فيه قطع الأيدي والأرجل وتسميل الأعين لكونهم ارتدوا، كما أشار إليه أبو قلابة في رواية الحديث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله - لكونهم قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا، ولم يكن جزاء المرتد إلا القتل، فعلم أن إباحة البول كالمثلة م: (ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحل شربه) ش: شرب بول الغنم م: (للتداوي) ش: أي لأجل التداوي م: (ولا غيره) ش: أي ولا لأجل غير التداوي م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يتيقن بالشفاء فيه) ش: أي في شربه للتداوي. م: (فلا يعرض عن الحرمة) ش: أي فإذا كان كذلك فلا تعرض عن كون شربه حراما إلا بتيقن الشفاء فلا يوجد ذلك، والمرجع إلى ذلك بقول الأطباء وقولهم ليس بحجة قطعية، فيجوز أن يكون شفاء لقوم دون قوم لاختلاف الأمزجة. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحل) ش: أي يحل شربه م: (للتداوي) ش: لأنه لو كان حراما مطلقا لما أحله بالحديث وهو أن الله تعالى لم يجعل الشفاء في الحرام م: (للقصة) ش: يعني قصة العرنيين التي دلت على إباحة شرب بول الإبل لأجل التداوي. م: (وعند محمد يحل للتداوي وغيره) ش: أي يحل شربه لأجل التداوي ولغير التداوي أراد أنه سوى بينه وبين اللبن، وقوله منقوض بلبن الأتان فإنه طاهر بالاتفاق ولا يحل شربه، وفي "الملتقط" لبن الأتان وعرقها، وشحمها ولحمها بعد الذبح طاهرة بالاتفاق، إلا أنها لا تؤكل، ثم من أصحابنا من منع الانتفاع بلحمها وشحمها كالأكل، ومنهم من جوزه كالزيت يخالطه دهن الميتة، والزيت غالبا ينتفع به ولا يؤكل، وإذا لم يجز التداوي بلبن الأتان باتفاق أصحابنا فبالخمر أولى؛ لأن لبنها طاهر بالاتفاق، والخمر نجس بإجماع المسلمين إلا ما حكى القاضي أبو الطيب
وإن ماتت فيها فأرة أو صعوة أو عصفورة أو سودانية أو سام أبرص نزح منها ما بين عشرين دلوا إلى ثلاثين بحسب كبر الدلو أو صغرها، ـــــــــــــــــــــــــــــQعن ربيعة وداود أنهما قالا بطهارتها واعتبرها بالنبات القاتل. قال النووي ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة على نجاسة الخمر؛ لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم منه النجاسة، وكذا الأمر بالاجتناب كما في أجزائها في الآية، قال: وقول صاحب " المهذب " لأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم ولا دلالة فيه لوجهين: أحدهما: أنه ينتقض بالمخاط عند الكل والمني عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والثاني: العلة مختلفة فلا يصح القياس عليه؛ لأن المنع من الدم من استخباثه، ومن الخمر كونه سببا للعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وقال الغزالي: يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما دبغ فيه. قلت: قد انعقد الإجماع على نجاستها وداود لا يعتبر خلافه في الإجماع ولا يصح ذلك عن شريعة. م: (وإن ماتت فيها) ش: أي في البئر م: (فأرة أو عصفورة) ش: بضم العين، قال الجوهري: العصفور طائر والأنثى عصفورة م: (أو صعوة) ش: هي عصفورة صغيرة حمراء الرأس، وقال المطرزي: الصعو صغار العصافير. قلت: ويجمع على صعاء فرائضا م: (أو سودانية) ش: هي طويلة الذنب على قدر قبضة، ويسمى العصفور الأسود. وقيل: الزرزر الأسود وأكلها العنب والجراد م: (أو سام أبرص) ش: هو من كبار الوزغة وجمعه سوام أبرص. ولم يتعرض أحد من الشراح فيما رأيته إلى إعراب هذا فهو معرفة إلا أنه تعريف جنس وهم اسمان جعلا واحدا، وإن شئت أعربت الأول وأضفته إلى الثاني، وإن شئت بنيت الأول على الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف، وتقول في تثنية هذا: ساما أبرص، وفي الجمع سوام أبرص، وإن شئت قلت: هؤلاء السوام ولا تذكر أبرص، وإن شئت قلت: هؤلاء البرصة ولا تذكر سام، قال الشاعر: والله لو كنت بهذا خالصا ... لكنت عبدا يأكل الأبارص ويسمى بالفارسية سمار. م: (نزح منها) ش: أي من البئر م: (ما بين عشرين دلوا إلى ثلاثين بحسب كبر الدلو وصغرها) ش: يجوز في سين حسب الفتح والسكون والقدر وكبر الدلو بكسر الكاف وفتح الباء، والصغر بكسر الصاد وفتح الغين.
يعني بعد إخراج الفأرة، لحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا ـــــــــــــــــــــــــــــQوقيل: قدر الصاع كبير وما دونه صغير، فإذا نزح بالكبير ينقض، وإن نزح بالصغير يزدد. وقيل: الكبير عشرة أرطال ذكره الأسبيجابي. وقيل: الكبير ما زاد على الصاع والصغير دون الصاع والوسط الصاع، ولو نزح بدلو عظيم مرة واحدة قدر عشرين دلوا أو أربعين دلوا جاز. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز وهو من رواية، والدلو مؤنثة واحدة الدلاء، والدلاء بالفتح واحد دلو. م: (يعني بعد إخراج الفأرة) ش: إشارة بهذا إلى أن المنزوح إنما يكون معتبرا إذا كان بعد إخراج الفأرة؛ لأن سبب نجاسة البئر حصول الفأرة فيها الميتة فلا تحكم بالطهارة مع بقاء السبب الموجب للنجاسة. م: (لحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «في الفأرة إذا ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا» ش: لم يذكر هذا في كتب الأحاديث المشهورة، غير أن السغناقي ذكر في شرحه رواه أبو علي الحافظ السمرقندي بإسناده، ولكن فيه عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: ... إلخ، وتبعه الأكمل في ذلك حيث نقله في شرحه هكذا، وقال صاحب " الدراية " كذا أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك في رواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما الأترازي فإنه لم يذكره أصلا، وقال الشيخ علاء الدين: روى الطحاوي هذا الأثر بطرق. قلت: فإن كان مراده أنه رواه في " معاني الآثار " فليس له وجود فيه، وإن كان في غيره فالبيان على مدعيه، وعن قريب نذكر وجه قول المصنف عشرون دلوا إلى ثلاثين دلوا، وكذا وجه التردد في الأثر وعشرون دلوا أو ثلاثون. فروع: عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفأرة إلى أربع فأرات عشرون دلوا، وفي الخمس إلى التسع أربعون دلوا، وفي العشر ينزح ماء البئر كله. وعن محمد في الفأرتين عشرون وفي الثلاث أربعون، وإن كان هيئة الفأر كهيئة الدجاج ينزح أربعون وإذا فرت الفأرة من الهرة أو كانت بها جراحة أو قطع ذنبها ينزح جميع مائها سواء أخرجت حية أو ميتة. وفي " النوادر " هرة أخذت فأرة فوقعت في البئر ولم يخرجها، وماتت الفأرة وخرجت الهرة حية ينزح عشرون، وإن ماتت الهرة وخرجت الفأرة حية ينزح أربعون، وإن خرجتا حيتين لا ينزح شيء إلا على القول بأنها تبول من الخوف. وإن صب الدلو الأخير في بئر طاهر ينزح دلو، وفي الثاني: تسع عشر دلوا ماتت في كل واحدة منهما فأرة فينزح من إحداهما عشرون، وصب في الأخرى ينزح من الأخرى
والعصفور ونحوها تعادل الفأرة في الجثة فأخذت حكمها ثم العشرون بطريقة الإيجاب والثلاثون بطريق الاستحباب. ـــــــــــــــــــــــــــــQعشرون، ولو ماتت فأرة في بئر ثالثة فنزح من الأولين أربعون فصب في الثلاث ينزح أربعون، وإن صب فيها من إحدى البئرين عشرون ومن الأخرى عشر ينزح ثلاثون. وفي " شرح المختصر الكرخي ": لو صب دلو العاشرة في بئر طاهرة فينزح منها عشر دلاء في رواية أبي سليمان، وفي رواية أبي حفص إحدى عشر دلوا وهو الأصح، وبعضهم وفق فقال: عشر سوى المصبوبة، وإحدى عشرة مع المصبوبة، وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن ماتت في جب وصب ماؤه في بئر ينزح ماء الجب وثلاثون وعنه وعشرون، وعن محمد: ينزح الأكثر من المصبوب ولو وجب نزح عشرين فنزح عشرة فبعد الماء ثم نبع نزح عشرة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحتاج إلى نزح شيء آخر. م: (والعصفورة ونحوها تعادل الفأرة في الجثة فأخذت حكمها) ش: أي حكم الفأرة، وأشار بهذا إلى أن الأثر إلى ذكره وإن كان ورد في الفأرة يشمل كل حيوان قدر الفأرة فيأخذ حكمها، فيجب عشرون دلوا إلى ثلاثين. فإن قلت: مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار والنص ورد في الفأرة والدجاجة والآدمي قيس بما عاد بها. قلت: بعد أن استحكم هذا الأصل صار كالذي يبنى على وفاق القياس في حق التفريع عليه كما في الإجارة وسائر العقود التي يأبى القياس جوازها، هكذا قرره في " المستصفى "، والمختارة والأولى أن يقول: هذا الإلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس. م: (ثم العشرون بطريق الإيجاب والثلاثون بطريق الاستحباب) ش: أي العشرون من الدلاء في الفأرة إنما يتعلق بالإيجاب، فالزيادة عليه إلى الثلاثين بطريق الاستحباب، وإنما فعل ذلك لاختلاف الروايات فيه متعددة، فروى قيس أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في بئر وقعت فيها فأرة فماتت قال: ينزح ماؤها، رواه الطحاوي بإسناد صحيح. وروى عبد الرزاق في " مصنفه " ما يخالف ذلك، فقال: حدثنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا سقطت الفأرة في البئر فتقطعت نزح منها تسعة دلاء، فإن كانت الفأرة كهيئتها لم تقطع ينزح منها دلوا ودلوين، فإن كانت ميتة أعظم من ذلك فلينزح من البئر ما يذهب الريح، وروى عبد الرزاق عن معمر أخبرني من سمع الحسن يقول: إذا ماتت الدابة في البئر أخذنا منها وإن تفسخت فيها نزحت. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن عيينة عن ليث عن عطاء قال: إذا وقع الجرذ في البئر نزح منها عشرون. والجرذ بضم الجيم وفتح الراء وفي الآخر ذال معجمة وهو الذكر الكبير
قال: فإن ماتت فيها حمامة أو نحوها كالدجاجة والسنور نزح منها ما بين أربعين دلوا إلى ستين ـــــــــــــــــــــــــــــQمن الفأر، وجمعها الجرذان، وروي أيضا عن حفص عن عاصم عن الحسن في الفأرة تقع في البئر قال: يسقى منها أربعون دلوا. وروى يوسف بن مالك عن ابن عباس في الفأرة أربعون، فلما وقع هذا الاختلاف اختار أصحابنا قول من يقول بالعشرين التي هي الوسط بين القليل والكثير، ثم زادوا عليه مقدار نصفه بطريق الاستحباب لأجل الاحتياط. وقال الأكمل: وفيه نظر لأن هذا المعنى موجود في الثلاثين فلم يتعين عشرون للوجوب. قلت: في نظره لأن هذا المعنى موجود نظر لأنهم اختاروا الوسط الذي هو خير الأمور، ولم يرد عن أحد ستون دلوا حتى يتعين الثلاثون، ثم قال الأكمل: والأولى ما قيل أن السنة جاءت في رواية أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في الفأرة:...... الحديث، وقد مر عن قريب وأو لأحد الشيئين وكان الأقل ثابتا بيقين وهو معنى الوجوب والأكثر يؤتى به لئلا يترك اللفظ المروي، وإن كان مستغنى عنه في العمل وهو معنى الاستحباب. قلت: سنده فيما قاله الحديث المذكور وهو غير ثابت ولا هو موجود عند أهله فمن أين تأتي الأولوية، ثم قال: - وأو لأحد الشيئين - قلنا: نعم، ولكن ما بينه هل هي للشك أو للتنويع حتى يبني عليه ما ذكره. وقال تاج الشريعة: قيل، شك الراوي في لفظ الحديث فاكتفى في حكم المسألة بلفظ الحديث المروي في الباب توفيقا للزيادة على الشرع أو النقص منه. قلت: فعلى هذا ينبغي أن يكون الثلاثون واجبا على ما لا يخفى. م: (فإن ماتت فيها) ش: أي في البئر م: (حمامة أو نحوها كالدجاجة والسنور نزح منها ما بين أربعين دلوا إلى ستين) ش: فهذا يشير إلى أنه نزح بعد الأربعين دلوا أو دلوين أو ثلاثة إلى أن ينتهي إلى ستين كان يكفي، أما الدليل على نفس الأربعين فما رواه الطحاوي عن أبي بكر حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سفيان عن زكريا عن الشعبي في الطير والسنور ونحوهما يقع في البئر ينزح منها أربعون دلوا، ومن جملة ما بين أربعين إلى ستين خمسون دلوا، لأن الزيادة على الأربعين غالبا، يكون على رأس عقدة وهو الخمسون، والدليل عليه ما رواه الطبراني حدثنا ابن خزيمة قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان أنه قال في دجاجة وقعت في البئر فماتت، قال: ينزح منها قدر أربعين درهما دلوا أو خمسين ثم يتوضأ منها. وأما الدليل على الستين فما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " قال: حدثنا هشيم عن عبد الله بن سبرة عن الشعبي أنه قال: يدلي منها سبعين دلوا بقي من الدجاجة والستون داخل في
وفي " الجامع الصغير " أربعون أو خمسون وهو الأظهر لما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا والأربعون بطريق الإيجاب، والخمسون بطريق الاستحباب ـــــــــــــــــــــــــــــQالسبعين، قوله: "يدلي" من دلوت الدلو نزعتها. م: (وفي " الجامع الصغير " أربعون أو خمسون) ش: أراد بهذا " الجامع الصغير " المنسوب إلى محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو الأظهر) ش: أي ما ذكر في " الجامع الصغير " هو الأظهر في المذهب لأنه آخر تصانيف محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيكون القول المذكور فيه هو المرجوع إليه. م: (لما روي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر: ينزح منها أربعون دلوا) ش: ذكر المصنف هذا كما يروى موقوفا، وذكر في " مبسوط فخر الإسلام " مرفوعا وتبعه على هذا صاحب " الدراية " وليس له أصل بل ذكره الطحاوي هكذا عن حماد بن أبي سليمان وقد ذكرناه عن قريب. م: (والأربعون بطريق الإيجاب، والخمسون بطريق الاستحباب) ش: قلت: هذا إنما يتأتى إذا كانت كلمة أو للشك على ما لا يخفى. وفي " البدائع " وغيره أراد "بأو" أن الأقل بطريق الوجوب والأكثر بطريق الاستحباب دون التخيير إذ التخيير بين القليل والكثير لا يعتبر مع اتحاد المعنى. وقيل: إنما قال ذلك لاختلاف الحيوان في الصغر والكبر، ففي الصغير ينزح الأقل، وفي الكبير ينزح الأكثر. وفي رواية الحسن عنه جعله على خمس مراتب، ففي الجملة وهو القراد العظيم وولد الفأرة ونحوها عشر دلاء، وفي الفأرة والعصفور ونحوها عشرون، وفي الحمامة والفاختة ونحوهما ثلاثون ثلاثون، وفي الدجاجة والسنور ونحوهما أربعون، وفي الآدمي والشاة ونحوهما ماء البئر كله ذكره في " المبسوط " و" المحيط " و" البدائع " و" الينابيع ". وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أنهما جعلاها على ثلاث مراتب في الجملة، والفأرة عشرون، وفي الحمامة، والورشان أربعون، وفي الآدمي والشاة كلها. فإن قلت: قد قام أن مبنى مسائل الآبار على الآثار دون القياس والرأي، وما ذكرتم لا يخلو عن رأي. قلت: للمقادير بالرأي إنما يمنع في الذي يثبت لحق الله تعالى دون المقادير التي ترد بين القليل والكثير، فإن المقادير في الحدود والعادات لا مدخل للرأي فيها أصلا، وكذا ما يكون بتلك الصفة.
قال: وإن ماتت فيها شاة أو آدمي أو كلب نزح جميع ما فيها من الماء؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الذي يكون من باب الفرق بين القليل والكثير فيما يحتاج إليه فللرأي فيه مدخل، ولما عرف في آثار الصحابة حكم طهارة البئر في الفصول كلها مع اختلاف الأقوال عنهم وعن غيرهم من التابعين في القليل والكثير من النزح، صار ذلك من باب الفرق، فدخل فيه الرأي لاختيار عدد دون عدد سبب صفة القضية ألا ترى أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حكم في البئر المعين بمائتي دلو إلى ثلاثمائة، بناء على كثرة الماء في آبار بغداد، فهذا رأي ولكنه عن دليل، وذلك لأن الشرع لما أمرنا بإخراج جميع ما فيها صار الواجب نزح ذلك الماء الذي وقعت فيه النجاسة، وغالب مياه الآبار لا تزيد على مائتي دلو فبنزح ذلك المقدار يحصل المطلوب، وأما قوله: إلى ثلاثمائة فللاحتياط في باب الطهر. م: (وإن ماتت فيها شاة أو آدمي أو كلب نزح جميع ما فيها من الماء) ش: أي هذا حكمها في الموت، فإن أخرجت بالحياة، فإن كان نجس العين كالخنزير ينجس الماء، فإنه كالدم والبول. واختلفوا في الكلب بناء على نجاسة عينه وعدمها، والأصح أنه لا ينجسه إذا لم يصل فيه إلى الماء. وفي " الذخيرة " لو خرج الكلب من البئر حيا نجسها عندهما. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس به، وإن كان آدميا وخرج حيا ولم يكن ببدنه نجاسة حقيقية أو حكمية لا ينزح في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينزح عشرون دلوا وإن كان كافرا ينزح ماؤها، يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بدنه لا يخلو عن نجاسة حقيقية أو حكمية، حتى لو اغتسل ثم وقع في الماء فخرج من ساعته لا ينزح. وأما سائر الحيوانات فإن علم أن ببدنه نجاسة نجس الماء، وإن لم يعلم قيام النجاسة بمخرجه أو غيره من بدنه اختلف المشايخ فيه، وقيل: العبرة لإباحة الأكل وحرمته إن كان مأكول اللحم لا ينزح شيء لطهارته، وإن لم يكن مأكولا لا ينجس، وقيل: العبرة بسؤره إن كان نجسا نجس الماء، وإن كان مكروها يستحب أن ينزح عشر دلاء، ولو كان مشكوكا فيه ينزح كله والماء مشكوك فيه. وفي " التحفة ": الصحيح أنه لا يصير مشكوكا فيه، وكذا في " المحيط "، و" المفيد "، وعن أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "خزانته" ينزح ماء البئر كله في البغل، والحمار، والكلب، والخنزير، والفهد، والنمر، والأسد، والذئب وكل ذي ناب من السباع وإن أخرج حيا. وفي " المحيط ": في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه كسباع الطير والوحش الصحيح أنه لا ينجس الماء. وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في الإبل والبقر ينجسان الماء لبقاء النجاسة في أفخاذهما، غير أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح عشرون، وفي الشاة: عشر لأن نجاسة بولها حقيقية. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح كلها لاستواء الخفيفة والغليظة في الماء. وقيل: لا ينزح شيء ذكره في " الينابيع ".
لما روي أن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم ـــــــــــــــــــــــــــــQوذكر القدوري في " شرح مختصر الكرخي " أن في الحيوان المكروه السؤر كالسنور والدجاجة المخلاة والصقر والباز والفأرة والحية والعقارب، في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح منها دلاء على وجه الاستحباب، وكذا في الفرس والبرذون. وأما النجس كالخنزير والكلب والسباع والحمار والبغل ينزح جميع الماء منه، وإن لم يمت م: (لما روي أن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم) ش: أما الذي روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا عباد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس أن زنجيا وقع في زمزم فمات فأنزل إليه رجلا ثم قال: انزحوا ما فيها من الماء. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر قال: سقط رجل في زمزم فمات فيها؛ فأمر ابن عباس أن تسد عيونها وتنزح، قيل له: إن فيها عينا فد غلبتنا، قال: إنها من الجنة فأعطاهم مطرفا من عنده فحشره فيها ثم نزح ماؤها حتى لم يبق فيها شيء. وأخرجه البيقهي في كتاب " المعرفة " من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار أن زنجيا وقع في زمزم فمات فأمر به ابن عباس فأخرج وسد عيونها ثم نزحت. وأخرج البيهقي أيضا من طريق جابر الجهني عن أبي الطفيل عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال فذكره قال: ورواه جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرة أخرى عن أبي الطفيل معه أن غلاما وقع في زمزم فنزحت، لم يذكر فيه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذه الرواية عند الدارقطني أيضا. وأخرج الدارقطني أيضا في "سننه " حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد وعن أحمد بن منصور عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام عن محمد بن سيرين أن زنجيا وقع في زمزم يعني فمات فأمر ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح قال: فغلبتهم عين جاءت من الركن، قال: فأمر بها فسدت بالقباطي والمطارف حتى تنزحوها، فلما لم ينزحوها انفجرت عليهم. وأما الذي روي عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فأخرجه الطحاوي حدثنا صالح بن عبد الرحمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن الزبير بنزحها فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال: حدثنا هشيم عن منصور عن عطاء ... إلخ نحوه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": رواه قتادة عن ابن عباس مرسلا لم يلقه ولا سمع منه إنما هو بلاغ بلغه، وقال أيضا: وجابر الجهني لا يحتج به، وابن لهيعة ضعيف لا يحتج به. قلت: المراسيل عندنا حجة ولا سيما [إذا] أرسلت من طرق مختلفة، فينبغي أن يكون حجة عند الكل على أنه ذكر البيهقي في " الخلافيات " عن شعبة أنه قال: حدثنا ابن سيرين عن ابن عباس والصحيح أن بينهما عكرمة، فإذا أرسل ابن سيرين وكان بينهما ثقة وهو عكرمة كان الحديث صحيحا محتملا به. وفي " التهذيب " لابن عبد البر مراسيل ابن سيرين عندهم حجة صحيحة كمراسيل سعيد بن المسيب. وأما جابر فإن له أحاديث صالحة، وقد روى عنه الثوري في الكبير مقدار خمسين حديثا وقتيبة أقل رواية عنه من الثوري وقد احتمله الناس وردوا عنه ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وعن الثوري ما رأيت أورع في الحديث من الجعفي، وعن شعبة قال: هو صدوق في الحديث، وأما عبد الله بن لهيعة فإن حسن الحديث يكتب حديثه، وقال: حدثت عنه الثقات، وقتيبة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد، وعن أحمد من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه في ضبطه وإتقانه، وحدث عنه أحمد بحديث كثير، وقال ابن وهب: كان ابن لهيعة صادقا، ولئن سلمنا ما قاله البيهقي فإن نزح زمزم قد روي من طرق صحاح منها رواية الطحاوي وابن أبي شيبة التي ذكر. فإن قلت: اعتمد البيهقي في تضعيف هذه القصة بأثر رواه عن سفيان بن عيينة، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الوليد الفقيه عن عبد الله بن شبرمة قال: سمعت أبا قدامة يقول: سمعت سفيان بن عيينة بقول: أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي، قالوا: إنه وقع في زمزم، ولا سمعت أحدا يقول: نزحت زمزم. ثم أسند عن الشافعي أنه قال: لا يعرف هذا عن ابن عباس، وكيف يروى عن ابن عباس وهو قد روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء لا ينجسه شيء» ، ويترك وإن كان قد جعل فالنجاسة ظهرت على وجه الماء أو نزحا للتنظيف لا للنجاسة فإن زمزم للشرب. قلت: قد عرفت هذا الأمر وأثبته أبو الطفيل عامر بن واثلة أي الصحابي، ومحمد بن سيرين وقتادة ولو أرسلاه، وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح ومعمر، والمثبت مقدم على النافي خصوصا مثل هؤلاء الأعلام، ولا يلزم من عدم سماع من لم يدرك ذلك الوقت وعدم من يعرفه عدم هذا الأمر في نفسه وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يترك بل خصصه كما خصصت أنت أيها الشافعي، وقلت بنجاسة ما دون القلتين بالنجس ولم يعتبر نجاسته ما بلغ قلتين فصاعدا. وأما الذي قاله ابن عيينة فيجوز أن لا يكون الذي قالوا ما قالوا أدركوا الوقت الذي وقعت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفيه القضية أو كانوا غائبين في معايشهم ومصالحهم؛ ولأن البئر إذا نزحت لا يحضره جميع أهل البلد ولا أكثرهم، وإنما يحضره من له بصارة في أمر البئر وبعض من يستعان به على نزحه، ألا ترى أنك لو سألت الآن هل نزحت بئر بالقاهرة لعله ما عرفه أحد، وفيها أكثر من عشرة آلاف بئر أكثر من عين الأدبر فكيف ينزح بئر لم يكن على عهدهم ولا عهد آبائهم، ومع أن بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين هذه الكائنة أكثر من مائة وخمسين سنة، فمن أين لهم ذلك، وكذا الكلام فيما قال ابن عيينة. فإن قلت: قال الثوري بهذا أكثر أهل مكة فكيف يتوهم بعد هذا صحة هذا القضية؟ قلت: هذا مردود من وجوه: الأول: أن قول ابن عيينة ما سمعت لا يفيد؛ الأشياء التي ما سمعها هو ولا غيره لا تعد ولا تحصى ولا يدل ذلك على عدم وقوعها. الثاني: أن الذي شاهد هذه القضية لا يلزم أن يجيء إلى ابن عيينة ويخبره بها حتى يستدل بعدم إخباره على عدم وقوعها. الثالث: أنه لم يقل: إني سألت عن هذا الأمر جميع أهل مكة، وسألت عنه ثم كشف فلم أجده وقع. الرابع: ما ذكرنا من أن نقل الإثبات إثبات، وهو مقدم على النفي، ولا سيما في ابن عيينة فإنه زائد، فالإثبات مقدم على النفي بإجماع الفقهاء والأصوليين والمحدثين، ولا سيما إذا كان المنكر الثاني لم يدرك بسبب الحادثة التي ينكرها وينفيها. فإن قلت: قال النووي: وكيف يصل هذا إلى الكوفة ويجهله أهل مكة؟ قلت: هذه غفلة عظيمة منه، وهذا القول منه مخالف لقول إمامه، فإنه حكى عنه ابن القاسم ابن عساكر أنه قال لأحمد وغيره: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإن كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا، فهل قال: كيف إمامه ويقتضي ما قال ينبغي أن لا يكون خبره حجة حتى يعرض على أهل مكة والمدينة، فإذا لم يعرض لا يكون حجة، وهذا خلاف الإجماع مع ما فيه من مخالفة نص إمامه. والذي يدل على بطلان قوله أن عليا وأصحابه وعبد الله بن مسعود وأصحابه وأبا موسى الأشعري وأصحابه وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وجماعة من أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وسلمان الفارسي وعامة أصحابه، والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انتقلوا إلى الكوفة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالبصرة ولم يبق بمكة إلا القليل وانتشروا في البلاد للولايات والجهاد وسمع الناس منهم ونشر العلم على أيديهم في جميع البلاد الإسلامية، ولا ينكر هذا إلا مكابر أو صاحب بدعة وعصبة. فإن قلت: قد قال النووي أيضا: فإن صح هذا فإنه يحمل على أن دمه غلب على الماء فغيره. قلت: هذا أيضا فاسد من وجوه. الأول: الغالب أن من وقع في الماء يموت من حينه ولا يخرج منه دم، فضلا عن أن يغلب على الماء فيغيره ولا سيما ماء زمزم لكثرته. الثاني: أنها لما نزحوها جاءتهم عين من الركن فغلبتهم فسدوها ونزحوها حتى انفجرت العين فقال: حسبكم، فكيف يتصور أن يغلب دم شخص واحد ماء زمزم حتى نزحوها مرة بعد أخرى. الثالث: قال الراوي: فمات فيها زنجي، فأمر ابن عباس بأن تنزح فجعل علة نزحها موته دون غلبة دمه كقولهم: زنى ماعز فرجم، علة قتله زناه وليست ردة ولا قتل نفس. فإن قلت: يحمل الأمر على الاستحباب. قلت: مطلق الأمر للوجوب. فإن قلت: جاءت الآثار في بئر زمزم لا تنزح ولا تردم. قلت: ليس في حديث ابن عباس وابن الزبير أنهما قدرا على استعمال الماء بالنزح حتى يكون مخالفا للآثار التي جاءت بأنها لا تنزح بل تنزح في رواية ابن أبي شيبة بأن الماء يقطع، وفي رواية البيهقي بأن العين غلبتهم حتى سدت بالقباطي والمطارف، وجعل السهيلي حديث الحسن مؤيدا لما روي في صفتها أنها لا تنزح. ثم نذكر تفسير ما وقع في هذا الموضع من الألفاظ التي يحتاج إلى تفسيرها، قوله: زنجي نسبة إلى الزنج، وهم خيل من السودان، وجاء فيه كسر الزاي، وفي رواية الطحاوي وغيره حبشي منسوب إلى الحبش وهم جنس من السودان مشهور. وقال السهيلي: بنو حبش بن كوش ابن حام بن نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وجاءني في رواية الطحاوي: فوقع غلام في زمزم ويمكن أن يكون هذا الغلام زنجيا أو حبشيا. وزمزم بئر بمكة أصلها مزبير وهو أهل المصر ركضه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والمطرف بكسر الميم وفتح الراء وتضم أيضا، والجمع على مطارف، وهي أردية من حزمة لعدلها أعلام. والقباطي جمع قبط وهي الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط، وضم القاف من
ثم المعتبر في كل بئر دلوها التي يسقى بها منها، وقيل: دلو يسع فيه صاع، ولو نزح منها بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوا جاز لحصول المقصود، فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر ـــــــــــــــــــــــــــــQتفسير ابن وهب، في الثاني: وأما الناس فقبطي بالكسر. وقد فسر السروجي قبطية بالبرود وما عرفت هذا التفسير والذي ذكره أهل اللغة، وبه فسرها ابن الأثير في " النهاية ". وذكر السروجي أيضا الحديث الذي رواه الدارقطني والطحاوي الذي مر ذكره وفيه فدست بالقباطي، ثم قال: ومعنى دست أي سدت، قيل: الظاهر أنه تصحيف منه أو من الناسخ؛ لأن في روايتهما فدست من الدس لا أنه دسمت من الدسم. قلت: إنه ليس بتصحيف؛ لأنه جاء في اللغة ذكره الجوهري وغيره أن الدسم هو السد ومنه الدسام بالكسر وهو ما تسد به الأذن والجرح ونحو ذلك، تقول منه: دسمته أدسمه بالميم دسما والدسام السداد وهو ما يسد به رأس القارورة ونحوها. قوله: لا تذم أي لا يوجد ماؤها قليلا من قولهم بئر ذمة بكسر الذال المعجمة إذا كانت قليلة الماء. م: (ثم المعتبر في كل بئر دلوها التي يسقى بها منها) ش: أشار به إلى تفسير الدلو، فإنه ذكر مبهما فاحتاج إلى تفسيره وفسره بهذا لأنه أيسر عليهم ولأن الإطلاق في الآبار ينصرف إلى الدلاء المتعارفة في كل بئر لأنه أعدل وأهون. م: (وقيل: دلو يسع فيه صاع) ش: هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقيل: دلو يسع خمسة أمناء، وقيل: أربعة، وقيل: منوين، وذكر الدلو أبين وإن لم تكن لها دلو يعتبر بدلو ثمانية أرطال في رواية. قلت: الصاع مكيال يسع أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فقيل: رطل وثلث بالعراقي، وبه يقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفقهاء الحجاز. وقيل: هو رطلان وبه أخذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفقهاء العراق فيكون الصاع خمسة أرطال وثلاث أو ثمانية أرطال وسيجيء مزيد الكلام فيه في كتاب الزكاة. م: (ولو نزح منها بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوا جاز لحصول المقصود) ش: وهو نزح المقدار الذي قدره الشرع. وفي الأصل: إذا وقع في البئر فجاءوا بدلو عظيم تسع وعشرين دلوا فاستقوا به مرة واحدة أجزأهم، وهو أحب إلي، لأن القطر الذي يعود منه إلى البئر أقل، وعن الحسن أنه لا يطهر بمرة واحدة؛ لأن بتواتر الدلاء يصر الماء في المعنى الجاري. فقال: إن المعتبر القدر المنزوح ومعنى الجريان ساقط. م: (فإن انتفخ الحيوان أو تفسخ أخرج جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر) ش: يعني الحيوان الواقع في البئر إذا انتفخ أو تفسخ حتى تمزقت أعضاؤه نزح جميع ما فيها من الماء قوله: صغر بضم الغين ومضارعه كذلك فهو صغير وصغار، كبر بضم الباء أي عظم ومضارعه يكبر بالضم أيضا فهو كبير، وكبير كفعيل، وهو صفة مشبهة باسم الباء على ما إذا أفرط قيل: كبار بالتشديد، وما
لانتشار البلة في أجزاء الماء، فإن كانت البئر معينا لا يمكن نزحها أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء، وطريق معرفته أن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ أو ترسل فيها قصبة وتجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها مثلا عشر دلاء، ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص فينزح لكل قدر منها عشر دلاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQكبر بكسر الباء فمعناه يكبر بالفتح وهذه المسألة يحاجج فيقال في أي موضع الحمل مع الحمل. م: (لانتشار البلة في أجزاء الماء) ش: البلة بكسر الباء الموحدة وتشديد اللام النداوة، والبلة بالفتح البلل وكلاهما يجوزها هنا وهو من باب نصر ينصر، وهذه تعليل لقوله: نزح جميع ما فيها، وذلك أن الحيوان عند الانتفاخ تنفصل منه بلة نجسة مائعة تنشر في الماء بمنزلة قطرة خمر أو بول تقسمها، ولهذا قال محمد: لو وقع فيها ذنب فأرة نزح جميع الماء؛ لأن موضع القطع لا ينفك عن نجاسة مائعة. م: (فإن كانت البئر معينا) ش: أي ذات عين جارية من قولهم: عين معيونة، وكان القياس أن يقال: معينة كما في بعض النسخ كذلك لأن البئر مؤنثة، وإنما ذكر بلفظ التذكير نظرا إلى اللفظ أو توهم أن فعيل بمعنى مفعول. وفي " الصحاح " ماء معين أي معيون من مفعول من عنيت الماء إذا حفرت واستنبطت وبلغت العيون. فإن قلت: الميم أصلية أو زائدة. قلت: ما ذكرته عن " الصحاح " يدل على أن الميم زائدة، ومنه يقال: بماء معين معيون وعان الماء أي بان، ولكنه ذكر في فصل الميم معنت الأرض أي رويت، وماء معين أي جار فعلى هذا الميم أصلية. م: (لا يمكن نزحها) ش: تفسير لقوله: معين، قاله تاج الشريعة: ويقال: صفة وهو الأصوب م: (أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء) ش: هذا جواب المسألة، وأشار بقوله مقدار ما كان فيها من الماء إلى أن الاعتبار للماء الذي كان زمن وقوع النجاسة. م: (وطريق معرفته) ش: أي طريق معرفة إخراج ما فيها من الماء م: (إن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر، ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ) ش: أراد من موضع الماء من البئر طولا وعرضا وعمقا، ويجصص على قول بعض المشايخ حتى لا تشرب الأرض الماء المصبوب فيها. م: (أو ترسل فيها) ش: أي في البئر م: (قصبة وتجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها عشر دلاء ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص) ش: من ماء البئر م: (فينزح لكل قدر منا عشر دلاء) ش: حتى لا يبقى من القصبة شيء، حتى إذا كان طول الماء عشر قصبات انتقص عشر دلاء قصبة واحدة يعلم أن كل الماء بمائة دلو فينزح تسعون دلوا أخرى.
وهذان عن أبي يوسف، وعن محمد نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة فكأنه بنى قوله على ما شاهده في بلده. وعن أبي حنيفة في " الجامع الصغير " في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهذان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذان الوجهان مرويان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة) ش: أي عند محمد ينزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة دلو م: (فكأنه) ش: أي فكأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى جوابه في المسألة المذكورة م: (بنى قوله على ما شاهد في بلده) ش: وهو ببغداد من كثرة الماء في آبارها لمجاورة دجلة، فالمائتان تكون من طريق الوجوب، والمائة الأخرى بطريق الاستحباب للاحتياط في أمور الدين، ولو قيل هذا نصب المقدر بالرأي، فجوابه قد مر في هذا الباب. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " في مثله) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مثل هذا الحكم المذكور (ينزح حتى يغلبهم الماء) ش: أي حتى يعجزوا والماء لا يبقى فحينئذ يسقط التكليف، لأنه يعتمد الإسقاط عنه. وفي " فتاوى الثعالبي " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نزح مائتا دلو أو ثلاثمائة فقد غلبهم الماء وهو المختار، وقدره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الغلبة [على] قول علي وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ذكره ابن المنذر قاله بعض الشراح. قلت: قال الطحاوي: حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا موسى بن أعين عن عطاء وزاذان عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سقطت الدابة في البئر فانزحها حتى يغلبك الماء. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع عن حمزة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الفأرة تقع في البئر قال: تنزح إلى أن يغلبهم الماء. م: (ولم يقدر) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الغلبة بشيء) ش: لأنها متفاوتة، وهذا هو ظاهر الرواية. قال قاضي خان: الصحيح عنه العجز وعنه التفويض إلى رأي المبتلى به، وعنه مائتا دلو، وعنه مائة دلو أفتى به في آبار الكوفة لقلة مائها. وفسر الأسبيجابي بالغلبة بمائتي دلو وثلاثمائة ذكره في " المحيط " وقاضي خان. وفي " المحيط " وفي رواية: مائتان وخمسون دلوا؛ لأن ماءها غالبا لا يتجاوز ذلك. م: (كما هو دأبه) ش: أي رأي أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي عادته، فإن عادته أن يفوض مثل هذا إلى رأي المبتلى به، كما فعل كذلك في تفسير البعرة الواقع الكثير حيث قال: هو ما يستكثره الناظر، وكما في حبس الغريم، وحد التقادم، وانقطاع حق الحضانة.
وقيل: يؤخذ في هذا الحكم بقول رجلين لهما بصارة في أمر الماء، وهذا أشبه بالفقه، وإن وجدوا في البئر فأرة أو غيرها ولا يدرى متى وقعت في البئر ولم تنتفخ أعادوا صلاة يوم ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قيل: قدر أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مدة البلوغ بالسن ثمانية عشر للغلام، وسبع عشرة للجارية بالرأي، وكذا قدر موت الفأرة الواقعة في البئر يوم وليلة وقدر تفسخها ثلاثة أيام بالرأي. أجاب عنه السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن الممنوع في المقادير التي تثبت لحق الله تعالى ابتداء دون المقادير المتردد بين القليل والكثير كالميل في التيمم كما ذكر في هذا الباب. فإن قلت: ما نحن فيه من قبيل ما تردد فيه بين القليل والكثير فكيف يتم ما ذكرتم من التعليل؟ قلت: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يقدر ما تردد بين القليل والكثير بالرأي إذا لم تمكن معرفته بالرجوع إلى أحوال بالاستقلال والاستكثار. أما إذا أمكن فلا كما فيما نحن بصدده، ألا ترى أنه جعل الشهر فيما فوق كثيرا وما دونه قليلا وصرف الحين والزمان إلى ستة أشهر والأيام والشهور والأعياد والسنين إلى عشر من صنف. م: (وقيل) ش: قائله أبو نصر بن محمد بن سلام م: (يؤخذ في الحكم بقول رجلين) ش: إذا قالا: ماء هذا البئر مائة دلو، أو مائتا دلو ولو نزح ذلك القدر؛ لأن الأخذ بقول الغير هو المرجح فيما لم يشتهر من الشرع فيه تقدير، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) كما في جزاء الصيد حيث قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] (المائدة: الآية 95) ، والشهادة حيث قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) . م: (لهما بصارة في أمر الماء) ش: هذه جملة من المبتدأ المتقدم والخبر وقعت صفة لرجلين و" البصارة" بفتح الباء الموحدة، وهو مصدر من بصر يبصر بضم الصاد وبصر بالشيء علمه، والبصير العالم، والمعنى لهما بصارة أي علم بأمر البئر وحذاقة وخبرة. م: (وهذا أشبه بالفقه) ش: أي بالمعنى المستنبط من الكتاب وسننه ففي الكتاب، الاثنان نصاب الشهادة الملزمة لما ذكرها، وفي البينة شاهدان أو يمينه، ويقال: معنى قوله: وهذا أشبه بالفقه، أي بقول الفقهاء حيث اعتبروا قول رجلين في قيم الأشياء. م: (وإن وجدوا) ش: أي أصحاب البئر أو المصلون م: (في البئر فأرة أو غيرها) ش: من الحيوان م: (ولا يدرى متى وقعت في البئر) ش: وهي جملة وقعت حال من الفأرة، والأوجه أن تكون صفة لفأرة، وقيد به لأنهم إذا علموا زمان الوقوع يحكم بالنجاسة من ذلك الوقت بالاتفاق، م: (ولم ينتفخ) ش: جملة وقعت حالا والواو فيه واو الحال. وقوله: ولم تنتفخ عطف على الجملة الحالية م: (أعادوا) ش: جواب المسألة أي أعاد أصحاب البئر والمصلون م: (صلاة يوم
وليلة إذا كانوا توضئوا منها وغسلوا كل شيء أصابه ماؤها، وإن كانت قد انتفخت أو تفسخت أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحققوا أنها متى وقعت؛ لأن اليقين لا يزول بالشك وصار كمن رأى في ثوبه نجاسة، ولا يدري متى أصابته، ـــــــــــــــــــــــــــــQوليلة إن كانوا توضئوا منها وغسلوا) ش: عطف على أعادوا، وليس بعطف على توضئوا م: (كل شيء) ش: كلام إضافي منصوب؛ لأنه مفعول غسلوا م: (أصابه ماؤها) ش: أي ماء هذه البئر والجملة صفة شيء. م: (وإن كانت الفأرة قد تفسخت أو انتفخت) ش: فإن قلت: إذا كان الحكم في الانفساخ م: (أعادوا صلاة ثلاثة أيام) ش: ففي التفسخ بطريق الأولى فما فائدة ذكره؟ قلت: لا شك أن مدة التفسخ تزيد على مدة الانتفاخ، فالفائدة في ذكره نفي الزيادة على ثلاثة أيام م: (ولياليها) ش: أعادوا صلاة أيام ولياليها لا غير. م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم في الصورتين م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهذا لم يذكره في ظاهر الرواية، وإنما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا في " البدائع ". م: (وقالا: ليس عليهم إعادة شيء حتى يتحققوا أنها متى وقعت) ش: هذه الفأرة في البئر، وقوله: شيء، يتناول عدم إعادة الصلاة وعدم غسل كل شيء أصابه ماؤها م: (لأن اليقين لا يزول بالشك) ش: اليقين هو كون الماء طاهرا، والشك في نجاسته فيما مضى، واليقين لا يزول به فلا يحكم بالنجاسة إلا زمن اليقين بوقوعها؛ لأن اليقين يزول بيقين مثله، وهو الذي ذكره هو القياس؛ لأنه يحتمل موتها في البئر ويحتمل أن تقع فيها وهي ميتة بأن ألقتها الريح العاصف أو بعض السفهاء أو الصبيان أو ألقتها بعض أعداء الدين، أو بعض من لا يعتقد تنجيس ما بها لكثرته أو لعدم تغير لون الماء وطعمه وريحه بها أو بعض الطيور كما حكي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كان يقول بقوله يعني أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن رأى حدأة وهو جالس في بستانه في منقارها فاختة فطرحتها في بئر فرجع عن قوله، والأصل في الحوادث أن يضاف إلى أقرب الأوقات للشك في الاستناد، وذلك قبل وجودها في البئر. فإن قلت: هلا حكمتم الحال كما في جريان ماء الطاحون. قلت: مدة إجارة الطاحون معلومة فيجعل الماء حاجزا من أول مدة العقد إلى انقضاء المدة، وهاهنا ما قبله مجهول، وأيضا قد عارضة استصحاب الحال؛ لأن البئر كانت طاهرة، وأيضا ما ذكرناه ظاهر للدفع، وما ذكر من التحكيم للإيجاب والطاهر للدفع دون الاستحقاق والإيجاب. م: فصار كمن رأى في ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته) ش: فإنه لا يلزم إعادة شيء من
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للموت سببا ظاهرا وهو الوقوع في الماء فيحال به عليه إلا أن الانتفاخ والتفسخ دليل التقادم فيقدر بالثلاث، وعدم الانتفاخ والتفسخ دليل قرب العهد فقدرناه بيوم وليلة؛ ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة بالاتفاق على الأصح ذكره الحاكم الشهيد وهو رواية بشر المريسي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " البدائع "، وكذا لو دخل المصلي حمامة في كمه ميتة ولا يدري متى ماتت أو رأت المرأة في كرسفها وما تدري متى نزل، وكذا لو مات المسلم وله امرأة نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت: أسلمت قبل موته، وقال الورثة بعده فالقول لهم. م: (ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن للموت سببا ظاهرا وهو) ش: أي السبب الظاهر لموت الفأرة الواقعة في البئر م: (وهو الوقوع في الماء فيحال) ش: أي فصار الحكم وهو نجاسة الماء م: (به) ش: أي بالموت م: (عليه) ش: أي الوقوع، وإن احتمل أن يكون الموت بغيره؛ لأن السبب الموهم لا يضر في مقابلة السبب الظاهر كمن رأى إنسانا في عنقه حية ملفوفة يغلب على الظن أنها نهشته فقتلته كذا ذكره شمس الأئمة الكردري، وكمن جرح إنسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات، فإن الموت يضاف إلى الجرح، وإن احتمل أن يكون بسبب آخر كذا في " المبسوط "، وكذا لو وجد قتيل في محل يضاف القتل إلى أهلها، وإن احتمل أنه قتل في محل آخر ثم حمل إليها. م: (إلا أن الانتفاخ دليل التقادم) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لما كان الحكم يضاف إلى سبب ظاهر ما وجه التفصيل قريبا بالانتفاخ وعدمه، فأجاب عن ذلك بقوله: الانتفاخ دليل التقادم؛ لأن الحيوان لا يموت بمجرد الوقوع في البئر بل يضطرب ساعات ثم يموت فقدر يوم وليلة، في غير المنتفخ؛ لأن ما دون ذلك لا يتصور دركه، وبالثلاث في المنتفخ؛ لأن الانتفاخ دليل بعد العهد وتقادمه، وأدنى التقادم ثلاثة أيام ولياليها كما في الصلاة على الميت الذي دفن بلا صلاة عليه فإنه يصلى عليه قبل الثلاثة، وبعد الثلاثة لا يصلى؛ لأن التقادم يورث انتفاخ الميت. فإن قلت: ما هذا الاستثناء، وما المستثنى منه. قلت: ما تقدم وهو اليوم. م: (فيقدر بالثلاث) ش: أي بثلاثة أيام ولياليها م: (وعدم الانتفاخ والتفسخ دليل قرب العهد) ش: أي الزمان. م: (فقدرناه بيوم وليلة؛ لأن ما دون ذلك) ش: أي ما دون اليوم والليلة م: (ساعات لا يمكن ضبطها) ش: المراد من الساعات الأوقات لا الساعة الرملية فإنها مضبوطة بالرمل، والساعات جمع ساعة ويجمع على سياع أيضا والساعات عند أهل اللغة الوقت الحاضر، وأصلها سوعة،
وأما مسألة النجاسة فقد قال المعلى: هي على هذا الخلاف فيقدر بالثلاث في البالي وبيوم وليلة في الطري، ولو سلم فالثوب بمرأى عينه والبئر غائبة عن بصره فيفترقان. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. م: (وأما مسألة النجاسة) ش: جواب عن قولهما في قياس مسألة البئر على مسألة من رأى في ثوبه نجاسة لا يدري متى أصابته، فأجاب أولا بطريق المنع وهو نظير قوله: وأما مسألة النجاسة المذكورة م: (فقد قال المعلى) ش: أي منصور الرازي تلميذ أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - روى عنهما "الست: و" الأمالي " وسمع هشاما وحماد بن زيد وغيرهما، وروى عنه محمد بن عبد الرحيم وعلي بن الهيثم في تفسير الأحزاب والبيوع و [......] في " صحيح البخاري " قال البخاري: مات ببغداد في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين، ودخلت عليه سنة عشر ومائتين، ولم يتحدث عنه في الجامع بشيء، وأنا حدثت عن رجل عنه وكان في الورع وحفظ الفقه والحديث على جانب عظيم - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (هي على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور في مسألة الفأرة م: (فيقدر بالثلاث في اليابس) ش: أي يقدر بثلاثة أيام ولياليها في العتيق، وأراد به النجاسة اليابسة م: (وبيوم وليلة في الطري) ش: أي يقدر يوم وليلة في النجس الطري قيل: إن المعلى قال هذا من ذات نفسه تفريقا على قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: رواه عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وذكر ابن رستم في " نوادره " أن من وجد ميتا في ثوبه أعاد من آخر نومة نامها فيه للشك فيما قبله، ذكره في " المحيط " و" البدائع " يعيد من آخر ما احتلم فيه. وقيل في البول: يعتبر من آخر ما بال. وفي الدم من آخر ما رعف. وفي " المحيط " في الدم لا يعيد حتى يتيقن؛ لأن الدم قد يصيبه في الطريق بخلاف المني، فإن كان الثوب يلبسه هو وغيره فهو كالدم. وفي " البدائع " لو فتح حقة فوجد فيها فأرة ميتة ولم يعلم متى دخلت فيها، فإن لم يكن لها ثقب يعيد الصلاة من يوم وضع القطن منها، وإن كانت لها ثقب يعيدها ثلاثة أيام ولياليها عنده كما في مسألة البئر: قلت: مراده إذا كانت يابسة. م: (ولو سلم) ش: جواب بطريق التسليم بأن يقال: سلمنا أن الأمر كما قلتم، لكن بين الثوب والبئر فرق، أشار إليه بقوله: (فالثوب بمرأى عينه) ش: أي عينه، فلو كانت النجاسة أصابته قبل ذلك لعلم، والمرأى على وزن مفعل بالفتح اسم مكان الرواية م: (والبئر غائبة عن بصره فيفترقان) ش: أي حكم الثوب وحكم البئر أراد أن قياس البئر على النجاسة قياس بالفارق فلا يصح.
[فصل في الأسآر وغيرها]
فصل في الأسآر وغيرها ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في الأسآر وغيرها] [سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه] م: (فصل في الأسآر وغيرها) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الأسآر وغير الأسآر والمناسبة بين الفصلين، أعني هذا الفصل والفصل الذي قبله، وهو فصل البئر هي أنه لما بين أحكام ماء البئر من حيث وقوع الحيوانات فيها استدعى ذلك ذكر الأحكام المستنبطة بسؤرها. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مناسبة هذا الفصل لما تقدم من حيث إن بعض الأسآر مما يجوز به الوضوء، فاحتاج إلى ذكر الأسآر ليفصل ذلك النقص منها. قلت: ما تقدم هذا الفصل أنواع، وكان ينبغي أن يبين أي نوع منها يناسب ذكر هذا الفصل، والوجه ما ذكرناه. وقال السروجي: علم أن الماء القليل نجس بوقوع الحيوان النجس السؤر فيه فلا بد لنا من معرفة الأسآر وأنواعها وأحكامها. قلت: هذا أبعد من الأول؛ لأن تنجيس الماء القليل لا يقتصر على وقوع الحيوان النجس السؤر، وأيضا وجه المناسبة لا يراعى إلا بين الفصلين دون أن يراعى بين فصل وبين مسألة فصل عليه فقط، ثم السؤر مهموز العين اسم للبقية بعد الشرب، يعني بقية الماء التي أبقاها الشارب في الإناء، ثم عم استعماله فيه وفي الطعم. فإن قلت: إذا كانت السؤر اسما فما المصدر من هذا الباب، ومن أي باب هو؟ قلت: المصدر سأرا من سأر يسأر سأرا من باب فتح يفتح، ومعناه أفضل وهو فعل متعد، وفي " العباب " سئر يسأر إذ بقي، وسأر إذا أفضل فضلة والفعل على قوله الأول من باب علم يعلم والثاني من باب فتح يفتح كما ذكرنا. ثم قال في " العباب ": وأسأر بقية السؤر، يقال: إذا شربت فأسر أي أبق شيئا من الشراب في مغب الإناء، والفعل سأر على غير القياس سئر وأسأر وعلى هذا الوجه قول الأخطل: شارب ريح بالكؤوس ما رمى ... لاقى بالحصور ولا فيها يسأر ونظيره أخبره فهو خبار، وأدركه فهو دراك، وأقصر عن كفؤه نزع من القدرة فهو قصار، ويجوز من هذا كله مفعل على القياس. قلت: القياس مخبر ومدرك ومقصر ومنزع كما ذكره. وقال في " العباب " أيضا من همزة السورة من سؤر القرآن، فقال سؤرة جعلها بمعنى بقية من القرآن وقطعة. فإن قلت: لم ذكر المصنف السؤر بالجمع؟ قلت: لأن السؤر على أنواع، قال في " المبسوط " و" المحيط " و" الينابيع " و" البدائع " و" التحفة "
وعرق كل شيء معتبر بسؤره، لأنهما يتولدان من لحمه ـــــــــــــــــــــــــــــQوالأسآر عندنا أنواع أربعة. وقال الأسبيجابي على خمسة أوجه، قالوا: نوع متفق على طهارته من غير كراهة كسؤر بني آدم مسلمهم، وكافرهم، صغيرهم، وكبيرهم، ذكرهم، وأنثاهم، طاهرهم، ونجسهم، حائضهم، وجنبهم، إلا في حال شرب الخمر، فإن سؤره نجس، فإن بلع ريقه ثلاث مرات طهر فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا سؤر ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم. وهو نوع نجس وهو سؤر سباع البهائم. ونوع مكروه: وهو سؤر النمر. ونوع مشكوك فيه: كسؤر الحمار والبغل، وقال الأسبيجابي: النوع الخامس: سؤر الخنزير فإنه متفق على نجاسته والخلاف فيما عداه. قلت: هذا ممنوع، فإن مالكا وداود قالا بطهارته مع سؤر الكلب وكراهة سؤرهما. قوله: وغيرها أي وغير الأسآر كاللعاب والعرق وعرق كل شيء معتبر بسؤره. قال الأكمل: كان الواجب أن يقول: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه؛ لأن الكلام في السؤر لا في العرق، وليس بصحيح؛ لأن المصنف أراد أن يبين في ضمن الأسآر العرق، فلو قال: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه لوجب أن يقول بعده عرق الآدمي كذا وعرق الكلب كذا وعرق الخنزير كذا، وكان الفصل إذ ذاك للعرق لا للسؤر. قلت: القائل في قوله: "قيل" هو السغناقي، فإنه قال في شرحه، فإن قلت: كان من حق الكلام أن يقول: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه؛ لأن الكلام في السؤر لا في العرق، فحقه أن يجعل السؤر مقيسا عليه. ثم قال: قلت: نعم كذلك إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد لا مفاضلة لأحدهما على الآخر، كان كل واحد منهما بنية الآخر مقيسا ومقيسا عليه، وذكر في " الإيضاح " هكذا، وتبعه صاحب " الهداية ". وقال صاحب " الدراية ": م: (وعرق كل شيء معتبر بسؤره) ش: أي حكمهما واحد لا مفارقة بينهما إلا أن يكون أحدهما مقيسا والآخر مقيسا عليه. م: (لأنها يتولدان من لحمه) ش: قلت: كلام المصنف ألطف من الأكمل؛ لأن المصنف أراد أن يبين في ضمن الأسآر العرق، فليس كذلك لأن المصنف بين العرق قصدا، وكيف بيانه في ضمن الأسآر وقد فتح هذا الفصل ببيان العرق حيث قال: وعرق كل شيء معتبر بسؤره، فجعل العرق مقيسا والسؤر مقيسا عليه، فلزم من ذلك بيان المقيس عليه حتى يعلم المقيس وبين ذلك بقوله: وسؤر الآدمي. . إلخ. ولا يرد عليه النقض بسؤر الحمار لأنه مشكوك فيه، وعرقه طاهر لأن الشك في طهوريته لا في طهارته، وقول الأكمل أيضا: وكان الفصل إذ ذاك للعرق لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQللسؤر، ليس كذلك لأن الفصل غير مخصوص بالسؤر، ألا - ترى كيف قال المصنف: فصل في الأسآر وغيرها، أي وغير الأسآر وهو العرق واللعاب والدمع. وأما قول السغناقي: إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد. . إلى آخره، فليس كذلك. وأما كون تولد العرق من اللحم فظاهر، وأما تولد السؤر منه فليس كذلك؛ لأن السؤر بقية الماء الذي يبقيها الشارب كما ذكرنا، فمن أين يتولد من اللحم. غاية ما في الباب أنه يمتزج باللعاب، والدليل عليه ما قاله صاحب " الهداية " على ما يجيء. وسؤر الآدمي ما يؤكل لحمه طاهر، لأن المختلط باللعاب أي: المختلط بالسؤر اللعاب وقد تولد من لحم طاهر، ولكن أيضا ناقض كلامه؛ لأنه ذكرها هنا أن السؤر مختلط به اللعاب وذكر فيما قبله على ما يجيء لأنهما متولدان من لحمه، والسؤر لا يتولد من اللحم وهذا لا خفاء فيه، وإنما يمتزج من اللعاب وهو متولد من اللحم. وأما قول صاحب " الدراية ": إلا أن يكون أحدهما مقيسا والآخر مقيسا عليه؛ لأنهما متولدان من اللحم فغير موجه أصلا لما ذكرنا من أن السؤر لا يتولد من اللحم، فإذا كان كذلك صار حكم أحدهما مقيسا، وحكم الآخر مقيسا عليه. وقال تاج الشريعة: وعرق كل شيء معتبر بسؤره، يعني يقاس العرق على السؤر مرة، ويقاس السؤر على العرق مرة أخرى، وعلى هذا ينبغي أن يكون عرق الحمار مشكوكا فيه، لكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ركب الحمار معروقا حكم بطهارته. وقال الأترازي: في هذا الموضع وكان الأولى أن يقول المصنف: "وسؤر كل شيء معتبر بعرقه" لأن الفصل بيان للسؤر لا للعرق. قلت: ادعاء الأولوية بطريق لا يجديه لما ذكرنا، وقال السروجي: قال في "المنافع" ثم الأصل أن ما يكون لعابه طاهرا يكون معتبرا به، وهذا أوجه من قول صاحب " الهداية ": وعرق كل شيء معتبر بسؤره، لوجوه ثلاثة: أولها: أن الفصل في السؤر وهذا إنما يعتبر باللعاب بحسب طهارته ونجاسته، فلا يناسب ذكر العرق هاهنا. ثانيا: أن حكمها مأخوذ من غيرها وهو اللحم. فلا يؤخذ حكم أحدهما من صاحبه. وثالثها: أن عرق البغل أو الحمار طاهر في المختار بلا شك، وسؤرهما مشكوك فيه في الصحيح. قلت: في كل من الوجوه الثلاثة نظر: أما الأول، فقوله: "الفصل في السؤر" ليس كذلك، لأنا قلنا: إنه في السؤر والعرق. وأما الثاني: فقوله: إن حكمهما مأخوذ من غيرهما وهو اللحم، غير صحيح؛ لأن السؤر غير مأخوذ من اللحم كما ذكرناه. وأما الثالث: فلأن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQطهارة عرقهما للحرج كما ذكرنا في " المبسوط " و" الذخيرة ". عرق البغل والحمار ولعابهما طاهر في الصحيح. وذكر في " الذخيرة " عن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: لو سقط لعابهما أو عرقهما في الماء أفسده، أراد أنه لا يبقى طهورا، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن عرق الحمار ينجس الماء، وعنه أن لعابهما وعرقهما نجس نجاسة حقيقية. وروى الكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر الحمار نجس لأنه لا يخلو عن قليل دم لما يلحقه من التعب وحمل الأثقال. وفي " المفيد " أن لعابه ينجلب من لحمه فيكون فيه قليل دم لتخلله من اللحم الممتزج بالدم، إلا أنه سقط في حق الآدمي للحرج كيلا يتنجس مأكوله ومشروبه، وكذا ما يؤكل لحمه إلحاقا به. ومن المشايخ من قال بنجاسة سؤر الحمار دون الأتان لأن الحمار يتنجس فمه بشم البول. قال في " البدائع ": هذا موهوم فلا يتنجس. قال قاضي خان: الأصح أنه لا فرق بينهما، وقال قاضي خان: في لعابه وعرقه ثلاث روايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: نجس نجاسة غليظة، وفي رواية أخرى: حقيقة، وفي رواية أخرى: لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش وعليها الاعتماد، وفي " جامع البرامكة " عن أبي يوسف أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: لعاب ما لا يؤكل لحمه من الدواب وعرقه يفسد الثوب إذا زاد على قدر الدرهم، فجعل نجاسة غليظة، وهذا يوافق رواية الكرخي عنه، وعن أبي يوسف: لا يفسده حتى ينجس. وفي " المحيط ": عرقهما ولعابهما لا يفسدان الثوب وإن فحشا للشك. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يفسدانه إذا فحشا للنجاسة اعتبارا بلحمهما. وفي " المنتقى " عن محمد أن لبن الأتان كلعابها وعرقها يفسدان الماء دون الثوب. وذكر أبو عبد الله البلخي أن سؤرهما نجس عند الحسن وزفر نجاسة خفيفة. قال قاضي خان: هذه رواية عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: إذا نزى الحمار على الرمكة لا يكره لحم البغل المتولد بينهما، عن محمد فعلى هذا لا يصير الماء بسؤره مشكوكا فيه لأنهما قال الشراح: أي لأن اللعاب والعرق. وقال السغناقي: ذكر ضمير اللعاب وإن لم يذكر قبله؛ لأن السؤر هو مخالطة اللعاب فكان ذكر السؤر ذكرا له فصلح ذكر ضميره، وتبعه الأكمل في هذا وقال الأترازي: لا يقال كيف رجع الضمير إليهما واللعاب غير مذكور؛ لأن الشهرة قائمة مقام الذكر لأن السؤر لما كان ممتزجا باللعاب صار ذكر السؤر كذكر اللعاب. قلت: هو ولأنه من إعادة الضمير إلى العرق والسؤر المذكورين مما قبله لأجل أن السؤر لا يتولد من اللحم، وقد صرح السغناقي وغيره أن السؤر متولد من اللحم على ما ذكرنا من قريب. وقولهم: إن ذكر السؤر ذكر اللعاب غير ظاهر لأن هذا بطريق اللزوم والاقتصار أو بطريق أن السؤر يطلق على اللعاب. وقول الأترازي: لأن الشهرة قائمة مقام الذكر. أقله ظهورا من
فأخذ أحدهما حكم صاحبه، قال: وسؤر الآدمي، وما يؤكل لحمه طاهر؛ لأن المختلط به اللعاب وقد تولد من لحم طاهر فيكون طاهرا ويدخل في هذا الجواب الجنب ـــــــــــــــــــــــــــــQذلك، وأي شهرة موجودة من ذلك حتى يقوم مقام الذكر بل ظاهر التركيب يدل على أن الضمير يرجع إلى العرق والسؤر، ولكن يلزم التناقض في كلامه، وقد ذكرناه عن قريب ويمكن دفع ذلك بأن نقول: إن قوله: لأنهما يتولدان من اللحم أي إطلاق تولد السؤر من اللحم يكون بطريق أن السؤر يمتزج به اللعاب، فبهذا الاعتبار كأنه يتولد من اللحم. م: (فأخذ أحدهما حكم صاحبه) ش: أي أخذ العرق والسؤر، وهاهنا لم يقل أحد منهم إن الضمير في أحدهما يرجع إلى اللعاب والعرق. م: (وسؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر لأن المختلط به) ش: أي بالسؤر م: (اللعاب وقد تولد من لحم طاهر فيكون طاهرا) ش: فيقال: سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر، لأنه مختلط بلعاب متولد من طاهر، وكل لعاب متولد من طاهر طاهر فالسؤر المختلط به طاهر. م: (ويدخل في هذا الجواب) ش: أي في جواب المسألة المذكورة، وهو ثبوت طهارة سؤر الآدمي م: (الجنب) ش: لأنه آدمي، والجنابة لا تؤثر في ذلك. قال الشراح: لما «روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فمد يده ليصافحه فقبض يده، وقال: إني جنب، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمن لا ينجس» ولم يبين أحد منهم مخرج هذا الحديث. والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه ولفظ مسلم «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه وهو جنب فحار عنه فاغتسل ثم جاء، فقال: كنت جنبا، قال: "إن المسلم ليس بنجس» ، ولفظ أبي داود «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لقاه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: "إن المسلم ليس بنجس» . وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة بألفاظ مختلفة، ولفظ البخاري عن أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال فاستحييت منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبا هريرة قال كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة قال سبحان» . ولفظ النسائي كذلك، ولفظ مسلم: «المؤمن لا ينجس» ، وكذا ابن ماجه، ولفظ أبي داود والترمذي: «إن المسلم لا ينجس» . وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم عنه قال: قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تنجسوا موتاكم،
[سؤر الحائض]
والحائض، والكافر وسؤر الكلب نجس، ويغسل الإناء من ولوغه ثلاثا ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن المسلم ليس بنجس حيا ولا ميتا» . وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. [سؤر الحائض] م: (والحائض) ش: بالرفع عطفا على قوله الجنب، والدليل على ذلك حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالت: «كنت أشرب وأنا حائض فأناول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيضع فاه على موضع في فيشرب» . أخرجه مسلم، وأبو داود وابن ماجه. وممن قال بطهارة سؤر الجنب: الحسن البصري، ومجاهد، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروي عن النخعي أنه يكره فضل شرب الحائض، وقد روي عن جابر أنه سئل عن سؤر الحائض هل يتوضأ منه للصلاة فقال: لا. ذكر ذلك كله ابن المنذر في " الأشراف ". فإن قلت: كان ينبغي أن ينجس الماء بشرب الجنب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لسقوط الفرض به. قلت: هذا تعليل في مقابلة النص، فلا يجوز على أنه في مكان الضرورة، فلا يصير مستعملا للحرج. وقال خواهر زاده: ولأنه يشربه ولا محذور في السؤر. م: (الكافر) ش: طاهر أيضا لما ثبت في " الصحيحين «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكن ثمامة بن أثال من أن يمكث في المسجد قبل إسلامه» فلو كان نجسا لما مكنه من ذلك. فإن قلت: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (التوبة: الآية 27) ، قلت: النجاسة في اعتقادهم لا في ذاتهم. وقال ابن المنذر: وكان ممن لا يرى بسؤر الكافر بأسا: الأوزاعي، والشافعي، والثوري، وأبو ثور، ولا أعلم أحدا كره ذلك إلا أحمد، والحسن، فإنهما قالا: لا ندري ما سؤر المشرك. [سؤر الكلب] م: (وسؤر الكلب نجس) ش: وقال مالك وداود: طاهر، وإن ولغ في لبن أو سمن فلا بأس بأكله. ونقل الطحاوي: وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اختلاف العلماء أنه كان يرى الكلب من أهل البيت. م: (ويغسل الإناه من ولوغه ثلاثا) ش: أي ثلاث مرات. والولوغ من ولغ الكلب في الإناء بفتح اللام فيهما إذا شرب بأطراف لسانه. وعن ثعلب أنه يقال: يالغ بكسر اللام، ولكنها غير الصحيح، وتبعه على ذلك أبو علي وابن سيده، وابن القطان عنه، وأبو حاتم الأسبيجابي وسكن بعضهم اللام، وقال ابن جني: مستقبله يلغ بفتح اللام وكسرها، وفي مستقبل ولغ بالكسر يلغ
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا» ـــــــــــــــــــــــــــــQبالفتح، وزاد ابن القطان: ويلغ بكسر اللام كما في الماضي. وقال ابن خالويه: ولغ يلغ ولغا ولغانا، وولغ ولغا وولوغا ولغانا، قال أبو زيد: يقال ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا. قال ابن الأثير: وأكثر ما يكون الولوغ في السباع. وابن فورك: كل ولغ شرب وليس كل شرب ولوغا والشرب أعم، ولا يكون الولوغ إلا للسباع، وكل من يتناول الماء بلسانه دون شفتيه، فإذن الولوغ صفة من صفات الشرب يختص بها اللسان، والشرب عبارة عن توصيل المشروب إلى محله من داخل الفم، ألا ترى أنه يقال: شربت الماء الشجر والأرض، والمصدر من ولغ الكلب الولوغ بالضم. قال الخطابي: وإذا أكثر فهو الولوغ بالفتح. وقال الترمذي: الولوغ الولغ من الكلاب والسباع كلها، هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع يحركه تحريكا قليلا أو كثيرا، وقال مكي في شرحه: فإن كان غير مائع يقال: لعقته ولحسته، قال المطهر: فإن كان الإناء فارغا يقال له لحس، وإن كان فيه شيء يقال: ولغ، وقال ابن درستويه معنى ولغ قطعه بلسانه شرب منه أو لم يشرب، كان فيه ماء أو لم يكن، ولا يقال: ولغ في شيء من جوارحه سوى لسانه. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من طريقين الأول أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عبد الوهاب ابن الضحاك عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أو خمسا أو سبعا» . الثاني: أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن الحسين بن علي الكرابيسي حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات» . فإن قلت: قال الدارقطني: تفرد به عبد الوهاب بن الضحاك عن ابن عياش وهو متروك وغيره يروى عن ابن عياش بهذا الإسناد «فاغسلوه سبعا» وهو الصواب، وقال البيهقي: في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإسناده إسماعيل بن عياش وهو لا يحتج به وأنه إذا روى عن أهل الحجاز. قلت: ظاهر هذا الكلام، وإطلاق القول وأنه لا يصح الاحتجاج به وأنه إذا روى عن أهل الحجاز كان أشد في عدم الاحتجاج به، وعلى هذا قد خالف البيهقي ما ذكره هاهنا في باب ترك الوضوء من الدم، وقال: ما روى عن الشاميين صحيح، وقال القدوري في "تجريده": إن قولهم عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش وهما ضعيفان غير معتد به حتى يبينوا صفة الضعف، فإن الجرح المبهم غير معتبر. قلت: يلزم من كلام البيهقي أيضا أن يكون الراوي ثقة من وجه دون وجه، وهذا لا يصح، ومع هذا روى الدارقطني هذا الحديث بسند صحيح من حديث عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة: «إذا ولغ الكلب في إناء فأهرقوه، ثم اغسلوه ثلاث مرات» . وروي أيضا من حديث عطاء عن أبي هريرة أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء يهرقه ويغسله ثلاث مرات. وروى الطحاوي أيضا بإسناد صحيح. فإن قلت: قال البيهقي: تفرد به عبد الملك من بين أصحاب أبي هريرة والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروونه سبع مرات وعبد الملك لا يقبل منه؛ لأنه يخالف فيه الثقات، ولمخالفة أهل الحفظ والثقة في زمانه تركة ربيعة ولم يحتج به البخاري في " صحيحه ". وقد اختلف عليه في هذا الحديث فمنهم من يرويه عنه مرفوعا، ومنهم من يرويه عنه موقوفا على أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قولهم: ومنهم من يرويه عنه من فعله، وقد اعتمد الطحاوي على الرواية المتواترة فيه في نسخ حديث السبع، وأن أبا هريرة لا يخالف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يرويه عنه، وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطا رواية واحد قد عرفت مخالفته الحفاظ في بعض الأحاديث. قلت: هذا تحامل منه؛ لأن الحديث الذي رواه الطحاوي صحيح، وكذلك رواه الدارقطني عنه صحيح، وقال في " الإمام ": هذا مسند صحيح، ورواه ابن عدي أيضا عن عبد الملك كما ذكرناه، وعبد الملك قد أخرج له مسلم في "صحيحه". وقال أحمد والثوري: زين الحفاظ. وعن الثوري: هو ثقة متفق عليه. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة ثبت في الحديث. ويقال: كان الثوري يسميه الزمان، ولا يلزم من ترك
ولسانه يلاقي الماء دون الإناء، فلما تنجس الإناء من ولوغه فالماء أولى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالاحتجاج به أن يترك قوله وتشنيعه على الطحاوي بأنه اعتمد على الرواية الموقوفة في نسخ حديث السبع باطل؛ لأنه لما صح عنده هذه الرواية حمل رواية السبع على النسخ توفيقا بين الكلامين وتسحينا للظن في حق أبي هريرة ولا سيما وقد تأكدت الرواية الموقوفة بالرواية المرفوعة. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أيضا عن ابن جريج قال: قال لي عطاء: يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، قال: كل ذلك لك سبعا وخمسا وثلاث مرات. فإن قلت: قال البيهقي: وقد روى حماد بن زيد عن أبيه عن ابن سيرين عن أبي هريرة فتواه بالسبع كما رواه، وفي ذلك دليل على خطأ رواية عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث، بل يحتمل أن يكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده أو يكون ذلك بطريق الندب و [من] يخطئ عبد الملك مخطئ. وقد روي عن أبي هريرة مرة واحدة أيضا. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة في الهر يلغ في الإناء قال: غسله مرة واحدة، وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح. فهذا أدل دليل على ثبوت انتساخ السبع عنده، وأن مراده في رواية الثلاث هو أن يكون على الندب والاستحباب. وقال الطحاوي: ولو وجب أن يعمل بحديث السبع ولا يجع منسوخا لكان ما روى «فليغسله سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» ، فهذا زاد على أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والزائد أولى من الناقص فكان ينبغي لهذا المخالف أن يقول: لا يطهر الإناء حتى يغسل ثمان مرات السابعة بالتراب والثامنة كذلك لما أخذنا بحديثين جميعا، فإن يترك هذا الحديث فقد لزمه ما ألزمه خصمه في ترك السبع، وإلا فقد بينا أن أغلظ النجاسات يطهر فيها الإناء بغسل ثلاث مرات فما دونها أحق من أن يطهره ذلك. فإن قلت: قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " في حديث الكرابيسي بعد أن رواه هذا حديث لا يصح لم يرفعه غير الكرابيسي، وهو ممن لا يحتج بحديثه. قلت: قال ابن عدي بعد أن رواه: لم أجد له حديثا منكرا غير هذا، وإنما عليه أحمد بن حنبل من جهة اللفظ بالقرآن، فأما في حديث فلم أر به بأسا؟ م: (ولسانه يلاقي الماء دون الإناء، فلما تنجس الإناء من ولوغه فالماء أولى) ش: أي لسان الكلب يلاقي الماء الذي في الإناء ولا يلاقي الإناء فلا ينجس الإناء من ولوغه، وقد انعقد الإجماع على
وهذا الحديث يفيد النجاسة والعدد في الغسل، ـــــــــــــــــــــــــــــQوجوب غسل الإناء بولوغه، فالماء أولى بالتنجس بدلالة الإجماع. وقال الأكمل: قيل يجوز أن يكون المراد بولوغ الكلب في الإناء لحسه فيكون لسانه ملاقيا للإناء، فلا يتم الاستدلال، وأجيب بأن الولوغ حقيقة في شرب الكلب وأشباهه المائعات بأطراف لسانه، والكلام في الحقيقة إذا لم تصرف عنها قرينة. قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ولكن فيه نظر، لأن الولوغ هو اللط بلسانه شرب أو لم يشرب، وكان في الإناء مائع أو لم يكن. م: (وهذا الحديث) ش: أي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا» م: (يفيد النجاسة) ش: أي نجاسة سؤر الكلب، وفيه نفي قول مالك، لأن سؤر الكلب طاهر عنده لكون الكلب طاهرا عنده. وذكر أصحابه عنه أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في الكلب ودوده وغيره، والرابع لابن الماجشون يفرق بين البدوي والحضري. ثم اختلف أصحابنا في الكلب، هل هو نجس العين كالخنزير أو لا، والأصح أنه ليس بنجس العين كذا في " البدائع "، وفي " الإيضاح ": فأما عين الكلب، فقد روي عن محمد أنه نجس، وكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبعضهم قالوا: طاهر لأن طهارة جلده بالدباغ، وقال في فصل مسائل البئر: فأما الحيوان النجس كالكلب والخنزير والسباع ينزح كله لأنه نجس العين، ولهذا قالوا في كلب إذا ابتل وانتضح به على ثوب أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه، وذكر في " قنية المنية ": الذي صح عندي من الروايات في " النوادر " و" الأماني " أن الكلب نجس العين عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بنجس العين، وفائدته تظهر في كلب وقع في بئر وخرج حيا فأصاب ثوب إنسان ينجس الماء والشرب عندهما خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والظاهرية يفعلون بظاهر الألفاظ الواردة في هذا الباب وحكموا بأشياء مخالفة للإجماع. فقال ابن حزم: فإن أكل الكلب في الإناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع كله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا يهراق ما فيه البتة وهو طاهر حلال أكله، وكذا لو وقع الكلب في بقعة في الأرض، أو في يد إنسان أو لا مما لا يسمى إنسانا فلا يلزمه غسل شيء من ذلك ولا يهراق ما فيه. م: (والعدد في الغسل) ش: أي يقبل للعدد في غسل الإناء لأنه نص على الثلاث. فإن قلت: إفادة العدد بطريق الوجوب أو الاستحباب؟ قلت: بطريق الاستحباب لأن راوي الحديث المذكور هو أبو هريرة كما ذكرناه، وقد روي عنه بإسناد صحيح أنه قال: اغسله مرة واحدة، فدل على أن مراده في رواية الثلاث الندب والاستحباب؛ ويدل على هذا انتساخ السبع للعدد على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط السبع، ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقد شنع ابن حزم هاهنا على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأساء الأدب وقد قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يغسل الإناء من ولوغ الكلب إلا مرة واحدة، وأن كل ما في الإناء يهراق أي شيء كان، وهذا قول لا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من التابعين، واحتج له بعض مقلديه بأن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد روي عنه أنه خالفه، وهو باطل؛ لأنه روى هذا الخبر الساقط عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وعلى صحة رواية شرط الثلاث فلم يحصلوا إلا على خلاف السنة وخلاف ما أعرضوا به عن أبي هريرة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتبعوا ولا أبا هريرة الذي احتجوا به قلدوا. قلت: هذا كلام في غاية السخافة والتفاهة، لأن السخافة والتفاهة لم يقل فيه بالرأي ولا أحد من أصحابه، بل مذهبه أن يغسل ثلاث مرات كما أفتى به أبو هريرة، وكيف يقول: هذا قول لا يحفظ عن الصحابة، والحكم عن حديث عبد السلام بالسقوط ساقط باطل، وعبد السلام ثقة مأمون حافظ أخرج له الجماعة واعترض أيضا ابن قدامة [في المغني] علينا حيث قال: قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب العدد في شيء من النجاسة إنما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة، وفي الحديث الصحيح نص على السبع، وفي آخر خير بين الثلاث والخمس والسبع وحديثهم يرويه عبد الوهاب بن الضحاك وهو ضعيف. قلت: قد مر الجواب عن هذا في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور فيما مضى. م: (وهو حجة على الشافعي في اشتراط السبع) ش: أي حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط السبع مرات في ولوغ الكلب في الإناء، وقد ذكرنا وجه ذلك، وقال بعضهم: وكان ينبغي أن يقول: وعلى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في عدم تنجيس الماء. قلت: لم يقل ذلك لأنه روي عنه ما يقتضي أنه النجاسة، وقال أصحابه: وإذا فرضنا الغسل بعد النجاسة فهل هو على الندب أو الوجوب، فيه روايتان، وكذلك في إلحاق الخنزير، وكذلك في اختصاص ذلك بالنهي عن اتخاذ الكلب أو تعميمه في جنس الكلاب، وأيضا هل يختص هذا الحكم بالماء أو بغيره أيضا؟ ففي رواية ابن القاسم في الماء خاصة، وفي رواية ابن وهب: إن إناء الطعام بمنزلة إناء الماء، وأيضا هل يراق الماء والطعام؟ فيه ثلاثة أقوال، إراقتها، وترك الإراقة فيها، وتخصيصها بالماء دون الطعام. وهل يغسل الإناء بالماء الذي ولغ فيه الكلب؟ فقال الغزوني من علمائهم: لا أعلم من أصحابنا نصا فيه، وحكى الشيخ أبو طاهر عن بعض أشياخه أنه ذكر أن المذهب على قولين في ذلك ثم عندهم: يغسل بجماعة الكلاب سبعا وللكلب الواحد إذا تكرر منه سبعا وقيل: سبعا سبعا. م: (ولأن ما يصيبه بوله يطهر بالثلاث) ش: أي: ولأن ما يصيبه بول الكلب من الثياب وغيرها
فما يصيبه سؤره وهو دونه أولى، والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام. ـــــــــــــــــــــــــــــQيطهر بالغسل ثلاث مرات. قال الأترازي: أي بالإجماع وفيه نظر؛ لأن عند الشافعي بوله ودمه نجس منه لا يطهر إلا بالغسل سبعا، ذكره في " التهذيب " وفي " شرح الوجيز ": سائر فضلاته وأجزائه كلعابه، وفي وجه كسائر النجاسات. فإن قلت: الحديث لا يدل على نجاسة لعابه لجواز أن تكون نجاسة الإناء باستعمال النجاسة غالبا لأكله الجيف والميتات. قلت: إذا فرضنا لتطهر دمه بماء كثير فوقع في الإناء فإما أن يثبت وجوب غسله أو لا، فإن لم يثب وجب تخصيص العموم، وإن ثبت لزم ثبوت الحكم بدون علته وكلاهما على خلاف الأصل. م: (فما يصيبه سؤره وهو دونه) ش: أي والحال أن سؤره دون بوله م: (أولى) ش: أي بالتطهير م: (والأمر الوارد بالسبع محمول على ابتداء الإسلام) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي بالأمر الوارد بالسبع. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أراد بهذا ما رواه عبد الله بن مغفل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكذا قال غيره من الشراح مع عدم تعيين الراوي، وعن قريب نذكر ما رواه ابن المغفل، والوجه أن يقال: أراد بالأمر الواقع الوارد بالسبع ما رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن وآخرهن بالتراب» . والحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، أو وجه ذلك أن مراد المصنف بيان نسخ الأمر الوارد بالسبع، والخصم ما استدل إلا بحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا. وفي حديث ابن المغفل ما هو حجة على ما بينه وهو أنه «روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر بقتل الكلاب ثم قال: "مالي وللكلاب" ثم قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» أخرجه الطحاوي هكذا، ولفظه: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب"، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الماشية» وقال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب» . ورواه أبو داود نحوه والنسائي أيضا إلا أنه ليس في روايته: «مالي وللكلاب» ، وابن ماجه رواه مقتصرا على قوله: إذا ولغ الكلب. . إلخ، وهذا فيه الأمر بالغسل سبع مرات وتعفير الثامنة بالتراب، وقد تركه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولزمه ما ألزم هو خصمه في ترك السبع، وقد خصصنا فيه فيما مضى قوله: "عفروا"، قال صاحب " المطالع ": معناه اغسلوه بالتراب وهو من العفر بالتحريك وهو التراب، يقال: عفره بالتراب يعفره عفرا، وعفره تعفيرا أي إذا مرغته بشيء معفور ومعفر أي ترب. فإن قلت: ما الدليل على
[سؤر الخنزير وسباع البهائم]
وسؤر الخنزير نجس لأنه نجس العين على ما مر، وسؤر سباع البهائم نجس خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما سوى الكلب والخنزير، ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله محمول على الابتداء إي ابتداء الإسلام. قلت: هو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشدد في أمر الكلاب حتى يمنعوا من الاقتناء، ونهاهم عن مخالطتهم كما أمر بكسر دنان الخمر، ثم ترك ذلك وقال: مالي وللكلاب، ثم رواية أبي هريرة وجه النسخ وقد ذكرناه. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد بغسل الإناء التعبد لا إزالة النجاسة كما ذهب إليه مالك قلت: الجمادات لا يلحقها حكم التطهير بعد إذ لا يوجب في غير موضع الإصابة كما في الحديث. فإن قلت: الحجر الذي يستعمل به في رمي الجمار أنه يغسل إذا رمي به ثانيا. الحجر آلة الرمي فجاز أن تعين الآلة بنقل نجاستها والآثام إليها كالماء المستعمل وما الزكاة. فإن قلت: لو كان للنجاسة لما احتيج إلى السبع، فإن لعابه لا يكون أنجس من العذرة وبول الإنسان والحمار. قلت: الحمل على التنجيس أولى لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا أو معقول المعنى كان جعله معقول المعنى هو الوجه لندرة التعبد وكثرة العقل. [سؤر الخنزير وسباع البهائم] م: (وسؤر الخنزير نجس) ش: خلافا لمالك وداود، فإنه عندهما طاهر، ولكنهما ألحقاه بالكلب في العدد مع كونه تعبدا عندهما م: (لأنه نجس العين) ش: أي لأن الخنزير نجس العين فصار لحمه نجسا وللعاب يتولد منه والسؤر يمتزج به م: (على ما مر) ش: في باب الماء الذي يجوز به الوضوء عند قوله: "بخلاف الخنزير لأنه نجس العين". م: (وسؤر سباع البهائم نجس) ش: سباع البهائم كالأسد والنمر والذئب، والدب والفهد ونحوها م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي خالفنا نحن خلافا فيه للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما سوى الكلب والخنزير) ش: وما يتولد منهما، وبقوله قال مالك، وأحمد - رحمهما الله - ورواية ثم إن المصنف لم يذكر مستند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا من حيث النقل ولا من حيث العقل ولا مستند أصحابنا من حيث النقل. وأما مستند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حيث النقل في أحاديث: أحدها: ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحياض التي بين مكة والمدينة، فقيل له: إن الكلاب والسباع ترد عليها، فقال: "لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثاني: ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "نعم وبما أفضلت السباع» ورواه البيهقي، والشافعي، وعبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبيه. ورواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا من حديث ابن أبي ذئب عن داود بن الحصين عن جابر بن عبد الرحمن من غير ذكر أبيه. ثالثها: ما أخرجه ابن ماجه عن أبي مصعب المدني عن عبد الرحمن بن زيد عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره فسار ليلا فمر على رجل عند مقراة له، فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يا صاحب المقراة لا تخبرنا هذا تكلف، لها ما حلمت في بطونها» . الرابع: ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها، فقال: "لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي طهور". والخامس: ما رواه مالك عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا أحواضا فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "يا صاحب الحوض لا تخبره فإنا نرد على السباع وترد السباع علينا". وأما سند الشافعي من حيث العقل فهو أنها طاهرة جلدها وحرمة أكل لحمه لصون طباع بني آدم عن تعدي طباعها بواسطة التعدي دون النجاسة. وأما مستند أصحابنا من حيث النقل فما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله «أنه عليه
لأن لحمهما نجس ومنه يتولد اللعاب، وهو المعتبر في الباب، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلام نهى عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور» والمراد بها الجوارح، فدل على أن كل ذي ناب حرام، نهي عن أكل كل ذي ناب حرام مع صلاحيته للغذاء لا لكرامته فيكون نجسا ولعابه متولد من اللحم النجس فيمزج بسؤره. وقد استدل السغناقي وصاحب " الدراية " لأصحابنا بحديث مالك المذكور فقالا: ولولا أنهما - يعني أن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص - كانا يريان التنجيس بورودهما وإلا لم يكن لسؤال عمرو ولا عمر لنهي. والمعنى في المسألة أنها في سؤر السباع يمكن الاحتراز عنه فكان نجسا قياسا على الخنزير. وقد استدل بعض الشراح للشافعي بهذا الحديث كما ذكرناه. ولنا من حيث العقل، فقد أشار المصنف إليه بقوله: م: (لأن لحمهما) ش: أي لحم الكلب والخنزير م: (نجس ومنه يتولد اللعاب) ش: فيمتزج به السؤر، وفيه إيراد على المصنف وهو أنه يرى طهارة لحم الكلب وجلده بالذكاة وهو قول جماعة أيضا، وهاهنا تمسك بنجاسة السؤر بنجاسة اللحم، وقد ذكر أنه يطهر بالذكاة وكان نجسا بالمجاورة من الدماء والرطوبات النجسة فلزم أن يكون لعابه طاهرا، فإن لحم الشاة نجس أيضا بالمجاورة حتى لو لم يذك حكم بعدم تطهيرها. وأجيب عنه بأن اللحم وإن كان نجس العين يحتمل أن يتبدل إلى الطهارة بأمر شرعي، فإن جلد الميتة نجس العين حتى لم يجز بيعه بالاتفاق، ولو كان نجسا بالمجاورة لجاز بيعه كالثوب النجس والدهن النجس، ثم الدباغ أثر فيه وطهره كتخليل الخمر، فعلم أن ما هو نجس العين يحتمل التبدل إلى الطهارة بأمر شرعي، ثم الذكاة تؤثر في الجلد الذي هو نجس العين إلى الطهارة، فيجوز أن يؤثر في اللحم أيضا فيكون اللحم نجس العين قبل الذكاة وبعدها طاهر كالخمر قبل التخليل نجس العين وبعده طاهر، ولا يلزم على هذا الخنزير؛ لأن الذبح لما لم يؤثر في جلده لإخراج الشرع إياه عن قبوله ولم يؤثر في لحمه أيضا، فثبت أن طهارة اللحم بالذبح لا تنافي النجاسة قبله، وفيه نظر لأنه يؤدي إلى تخصيص العلة، لأن نجاسة اللحم إنما عرفت من حرمة الأكل لا للكرامة مع صلاحية الغذاء وهي باقية بعد الذكاة، فلو قلنا بطهارة اللحم مع بقاء الحرمة المستدعية للتنجيس كان نقضا وتخصيصا، وحرمة بيع جلد الميتة ليست بنجاسة العين بل باعتبار اتصال الرطوبات النجسة بالجلد. م: (وهو المعتبر في الباب) ش: أي الاستدلال بنجاسة اللعاب وطهارته المعتبرة في هذا الباب، وأراد بالباب نفس فقه هذا الموضع. وأما الجواب عن أحاديث الشافعي، فحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معلول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبعبد الرحمن بن زيد، فعن أحمد والنسائي وأبي زرعة ضعيف، وعن أبي حاتم: ليس بقوي في الحديث، وكان في نفسه صالحا وفي الحديث أنه رواه، قال أبو داود: أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعفاء وأمثلهم عبد الله، وأيضا يلزم الشافعي طهارة سؤر الكلب ولم يقل به. وحديث جابر فيه داود بن الحصين ضعفه ابن حبان، وهو لم يلق جابر أيضا، وحديثه عن طريقين: أحدهما: عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن إبراهيم بن يحيى عن داود بن الحصين. والثاني: عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن داود. قال النووي: الإبراهيمان ضعيفان عند أهل الحديث لا يحتج بهما، ثم قال: وإنما ذكرنا الحديث وإن كان ضعيفا لكونه مشهورا في كتب الأصحاب، وربما اعتمده بعضهم [ولذلك] نبهت عليه. وحديث أبي سعيد فيه عبد الرحمن هذا أيضا. وحديث مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أيوب بن خالد الحراني، قال ابن عدي: حدث عن الأوزاعي بالمناكير. قوله: "يا صاحب المقراة"، بكسر الميم غير المهموز مأخوذ من قريت الماء الحوض قريا وقرى إذا أجمعته. وقال ابن الأثير: المقري والمقراة الحوض الذي يجتمع فيه الماء. وقال ابن سيال: هي الحوض العظيم يجمع الماء فيه. وقال الجوهري: المسيل والموضع الذي يجتمع فيه ماء المطر من كل جانب. وقوله: "ولنا ما غبر": بفتح الغين المعجمة والباء الموحدة أي ما بقي. ثم إنا ولئن سلمنا بثبوت هذه الأحاديث فهي محمولة على الماء الكثير، أوهي محمولة على ما قبل تحريمها، أو المراد به حمر الوحش وسباع الطير. وأما الجواب عن دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حيث العقل فهو أن الله تعالى حرم أكل كل نجس بنفسه كالخمر أو للمجاورة كما وقعت فيه نجاسة، أو للاحترام كما في الآدمي، ولا احترام للسباع ولا خبث فيها فإنها كانت تؤكل قبل التحريم، فلم يبق إلا النجاسة، ولا يجوز أن تكون الحرمة لتعدي الطبع، فإن الطبائع نفرت عنها بخلاف الخمر، ولما حرم أكلها علم أنها نجس، فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيعها؛ لأنها نجس العين كالخنزير، ولكن الحرمة غير شاملة للجلد، والعظم، والشعر، والعصب، وما لا يؤكل منه طاهر فأشبه دهنا نجسا والمجاورة وجلده إنما يطهر بالدباغ؛ لأن بين الجلد وللحم جلدة يمنع مماسة اللحم للجلد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقد رد على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعضهم بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحياض التي تكون في الفلوات وما استوى بها من السباع، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» أخرجه الأربعة، فلو كان سؤر السباع طاهرا لم يكن لذكر هذا الشرط فائدة، وكان التقييد به ضائعا. وأجاب النووي عن هذا بأجوبة: أحدها: أنه تمسك بدليل الخطاب، قال: وهم لا يقولون به. وقال السروجي: ما قاله صحيح نحن لا نقول به، ولا نعتقد صحة هذا الحديث أيضا؛ لأنه مطعون فيه لكنهم زعموا أنه صحيح ومفهوم الشرط حجة عندهم، فنحن نلزمهم ما هو حجة عليهم عندهم. الثاني: أن السؤال كان الماء الذي ترده الدواب والسباع فتشرب منه وتبول فيه غالبا، وأجيب أنه لا يجوز تقييد التنجيس ببولها وحده لوجهين: أحدهما: أن ورود السباع على الماء للشرب لا للتبول فيه فلا يجوز ترك هذا الذي سبق الحديث لأجله. الثاني: أن كلمة "ما" عامة فلا تخصيص بالبول ويصرف عن غيره بلا دليل. الجواب الثالث: أن الكلاب من جملة ما يردهما فالتنجيس بسببها، ويدل على دخولها في ذلك أوجه: أحدها: أنه جاء في رواية الدواب، ورد عليه السروجي بأن لو كان التنجيس بسبب الكلاب دون السباع لم يكن لذكر السباع وترك الكلاب التي منها يفسد الماء عندهم معنى إذ الكلاب لم تذكر في المشهور، وأيضا لو سلم ذكرها في بعض الطرق لما كان لضم السباع فيها فائدة إذ كان فساد الماء بسبب الكلاب لا غير عندهم، وقوله: إنها من جملة الكلاب لا يصح، فإن من قال: فلان قتل سبعا لا يفهم منه قتل كلب، والأصل عدم الاشتراك والترادف. وقوله إنها داخلة في الدواب لذوات الحوافر كالفرس والبغل والحمار كانت داخلة فيها لا يجوز إخراج غيرها بلا دليل. قلت: إنكاره الكلب من السباع غير موجه؛ لأن السبع في اللغة كل حيوان مفترس، ولهذا ورد في الحديث: «السنور سبع» مع أن الكلب أقوى منه وأشد افتراسا، واستشهاده بقوله: فإن من قال. . إلخ، ليس تحته طائل؛ لأن هذا نجسا يعرف بين الناس، ودعواه بان قوله: "دخول الكلب في الدواب باطل" غير صحيحة، لأن الدابة في اللغة ما دب على الأرض. قال الجوهري: كل ما مشى على الأرض دابة ودبيب، والدابة التي تركب. وقوله: "لأن لذوات الحوافر كالفرس، والبغل، والحمار" غير موجه، لأن التخصيص لهذه الثلاثة من أين، والدابة منقولة عما يدب على وجه الأرض على ذوات الأربع من الحيوان،
[سؤر الهرة]
وسؤر الهرة طاهر مكروه وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه غير مكروه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQفيشمل الجمل وغيره. ثم اعلم أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر نجاسة سؤر السباع، ولم يبين أن نجاسته حقيقية حتى يعتبر فيه الكثير أو غليظة يعتبر فيه أكثر من قدر الدرهم. وقد روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية " الأصول " أنه نجس نجاسة غليظة. وروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع كبول ما لا يؤكل لحمه. [سؤر الهرة] م: (وسؤر الهرة طاهر مكروه) ش: عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - هذا لفظ " الجامع الصغير "، وأما لفظ "كتاب الصلاة": وإن توضأ بغيره كان أحب إلي. قال الأترازي: وفائدته أنه إذا توضأ به يجوز مع الكراهة إن كان يجد ماء مطلقا، وإن لم يجد فلا كراهة، وبقولهما قال طاووس وابن سيرين وابن أبي ليلى ويحيى الأنصاري، وهو المروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فإن قلت: أهي كراهة تحريمية أم تنزيهية، قلت: قال الطحاوي: كراهة سؤرها لحرمة لحمها؛ وهذا يدل على أنه إلى التحريم أقرب. وقال الكرخي: كراهة سؤرها لأنها تتناول الجيف، فلا يخلو فمها عن نجاسة عادة، وهذا يدل على أنه كراهة تنزيهية وهو الأصح والأقرب إلى موافقة الآثار، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مكروه، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيدة، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وفي " المغني " لابن قدامة: السنور وما دونها في الخلقة كالفأرة وابن عرس وغيرهما من حشرات الأرض سؤرها طاهر يجوز شربه والوضوء به ولا يكره، وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي إلا النعمان فإنه كره الوضوء بسؤر الهرة فإن فعل أجزأه. وفي " المبسوط " و" الذخيرة " تكره أن تلحس الهرة كف إنسان ثم يصلي قبل غسلها أو يأكل من بقية الطعام الذي أكلت منه لقيام ريقها بذلك. وفي " البدائع " لو أكلت فأرة وسكتت ثم شربت الماء تنجس عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - كشارب الخمر، وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينجسه، وقال قاضي خان: مكثت ساعة أو ساعتين. وفي " المفيد" أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم ينقل بطهارة فمها إذا غسلته بلعابها لاشتراط الصب في الأبدان عدة. وفي " الجامع الصغير " أسقط الصب للحرج م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه غير مكروه) ش: وعنه أنه لا يجوز الوضوء به، ذكره المرغيناني، ثم إن أكثر أصحابنا ذكروا قول مدحم مع أبي حنيفة رحمهما الله وكذا ذكر صاحب " المنظومة " وصاحب " الإيضاح " والمصنف، الأصح أن محمدا مع أبي يوسف، وروى محمد حديث مالك الذي يأتي ذكره إن شاء الله في " موطئه "، ثم قال محمد لا بأس بأن يتوضأ بفضل سؤر وغيره أحب إلينا منه، وهذا قول أبي حنيفة -
«لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ به» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذكر في " المحيط " و" التحفة" و"قاضي خان " قول أبي يوسف مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصغي لها الإناء منه ثم يتوضأ به) ش: رواه الدارقطني في "سننه" من طريقين عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أحدهما عن يعقوب بن إبراهيم الأنصاري عن عبد ربه بن سعيد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمر به الهرة فيصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ بفضلها» قال: ويعقوب هذا هو أبو يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبد ربه هو عبد الله بن سعيد العنبري وهو ضعيف. والثاني: عن محمد بن عمر الواقدي بإسناده وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. . إلخ وفي الواقدي مقال، وأخرجه الطحاوي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا، ولفظه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كان يصغي الإناء للهرة ويتوضأ بفضله» وفي إسنادة صالح بن حيان البصري المدني ضعيف متروك. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" عن عائشة برجال موثقين، وروى أبو داود من «حديث داود بن صالح التمار عن أمة أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فوجدتها تصلي فأشارت إلي ضعيها، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة، فقالت "إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بفضلها» ورواه الدارقطني وقال: تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ. وروى ابن ماجه والدارقطني من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «كنت أتوضأ أنا ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك» وقال الدارقطني وحارثة لا بأس به، وأخرج ابن خزيمة في " صحيحه " عن سليمان بن مسافع بن شيبة الحجبي قال: سمعت منصور بن صفية بنت شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنها ليست بنجس إنها كبعض أهل البيت» يعني الهرة. وروى أبو
ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهرة سبع» ـــــــــــــــــــــــــــــQداود عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة «أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت نعم، فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواية أبي داود والترمذي "بالواو"، ورواية الدارمي. وروي الوجهان عن مالك، وروى هذا الحديث أيضا ابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، والشافعي، وأبو يعلى، وحميدة بضم الحاء، وقيل: بفتحها بنت عبد بن رفاعة الأنصارية وابن أبي قتادة اسمه عبد الله، وأبو قتادة الحارث بن ربعي. فإن قلت: ابن مندة أعل هذا الحديث بأن حميدة وخالتها كبشة محلهما محل الجهالة ولا يعرف لهما إلا هذا الحديث. قلت: لا نسلم ذلك لأن لحميدة حديثا آخر تشميت العاطس رواه أبو داود، ولها ثالث رواه أبو نعيم وأما خالتها فإن حميدة روى عنها إسحاق بن عبد الله وهو ثقة عند ابن معين، وأما كبشة فقال: إنها صحابية، فإن ثبت فلا يضر الجهل بها. قوله: "فيصغي لها" أي أماله ليسهل عليها الشرب. قال الجوهري: صغى يصغو يصغى صغوا أي أمال، وكذلك صغى بالكسر يصغي صغا وصغاء وصغت النجوم مالت للغروب وأصغيت أنا أملت قوله: «ليست بنجس» بفتح النون والجيم يقال: فكل المستقذر نجس سبعة الجن. قوله: "فسكبت له وضوءا" بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به. قوله، "من الطوافين - " هم بنو آدم ويدخل بعضهم على بعض بالتكرار، والطوافات هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس مثل الغنم والبقر والإبل جعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الهرة من القبيلين، لكثرة طوافها واختلاطها بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفضيل؛ لأنه للتكثير والمبالغة، وموصوف كل واحد من الطوافين والطوافات محذوف أقيمت الصفة مقامه تقديره من الخدم الطوافين والحيوانات الطوافات. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الهرة سبع) ش:
والمراد بيان الحكم دون الخلقة والصورة إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه أبو هريرة أخرجه عند الحاكم في " مستدركه " وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه، ولكن لفظه «السنور سبع» ، وأخرجه الدارقطني أيضا بهذا اللفظ، ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم بلفظ " الهرة سبع "، وكذا في رواية مختصرة للدارقطني قال وكيع: " الهرة سبع ". م: (والمراد به) ش: أي بهذا الحديث م: (بيان الحكم دون الخلقة والصورة) ش: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث لبيان الأحكام لأن الحقيقة لا يحتاج فيها إلى البيان النبوي لعلم كل أحد من الحاكة والرعاة أن ذلك الشيء حجر وذاك مدر وذلك شجر إلى غير ذلك، وسبعية الهرة حقيقة ظاهرة يصبو بها الحشرات، فصار المراد منه أن الهرة حكمها حكم السبع فكان ينبغي أن يكون سؤرها نجسا كسؤر سائر السباع. م: (إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف) ش: المؤثر في التخفيف الدافع للحرج بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين والطوافات» م: (فبقيت الكراهة) ش: ولا يلزم من سقوط النجاسة سقوط الكراهة، وقد بين المصنف ذلك بقوله: "إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف" هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لما كانت الهرة سبعا كان ينبغي أن يكون سؤرها نجسا كسؤر سائر السباع، فأجابت بقوله: إلا أنه ... إلخ وقوله: "لعلة الطواف" يجوز أن يكون إشارة إلى ضرورة، فإن حكم النجاسة يسقط بها، ويجوز أن يكون إشارة إلى ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - المذكور عن قريب الذي رواه أبو داود والدارقطني، وذكره السغناقي في شرحه، ولفظه روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تصلي وفي بيتها قصعة من هريسة فجاءت هرة وأكلت منها، فلما فرغت من صلاتها دعت جارات لها فكن يتحابين عن موضع فمها، فمدت يدها وأخذت موضع فمها وأكلت، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم - يقول: "الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين والطوافات عليكم"، فما لكن لا تأكلن» . وهكذا ذكره الأكمل، وصاحب " الدراية " في شرحيهما ولم يتعرض أحد منهم إلى راويه ولا إلى مخرجه، ولا إلى هذه العبارة من ذكرها من أصحاب الحديث وليس عندهم إلا روى على أي وجه كان. وقال الأكمل: فإن قيل: حديث أبي هريرة يدل على النجاسة فهو محرم فلا يرجح، فالجواب أن حديث أبي هريرة معلول دون حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فيقوى حديث عائشة بقوة حالها وقوة دلالته تعارض الحرمة.
وما رواه محمول على ما قبل التحريم ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: حديث أبي هريرة أقوى لأن الحاكم وغيره من أئمة الحديث صححوه، وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رواه الدارقطني وقال: تفرد به داود بن صالح، وكذا قال الطبراني والبزار وقال: لا يثبت، والذي ذكره خارج عن صنعة أهل الحديث وعن اصطلاح الفقهاء أيضا. وكان ينبغي أن يرتب هذا السؤال والجواب من حديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة، والذي رواه الإمام مالك وأخرجه الأربعة وصححه الترمذي. فنقول وبالله التوفيق: إن حديث أبي هريرة لا يلحق حديث أبي قتادة في القوة فلا يخرج عليه. فإن قلت: قال بعضهم قوله: «ليست بنجس» من قول أبي قتادة. قلت: قال ابن عبد البر هذا غلط، وروى الطبراني في " الصغير " من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن أنس قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال: "يا أنس اسكب لي وضوءا"، فسكبت له فلما قضى حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى هر فولغ في الإناء فوقف له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى شرب فذكرت له ذلك، فقال: " يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه» قال: تفرد به عمر بن حفص فبقيت الكراهة لأنه لا يلزم عن سقوط النجاسة سقوط الكراهة. فإن قلت: إنما يكون كذلك لورود ذلك النص قبل هذا النص. قلت: يراد من ذلك النص حرمة اللحم لكونه صريحا فيها ومن هذا النص كراهة السؤر. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصغي له الإناء ... الحديث م: (محمول على ما قبل التحريم) ش: أي تحريم الهرة، وذلك في وقت تحريم السباع. فإن قلت: من أين علم أن ما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان قبل التحريم. قلت: إذا اجتمع المبيح والمحرم في قضية ولا يعلم التاريخ فالعمل للمحرم، وقيل: إذا لم يعلم التاريخ يجعل كأنهما وردا أيضا وإضافة الحرمة إلى ما هو صريح في التحريم أولى، وبقيت الكراهة لقصور العلة؛ لأنه يمكن أن تحفظ الأواني عنها بحيلة بأن تسد أفواهها، ويقال: يحمل ما رواه أبو يوسف على أن الهرة التي كانت في بيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كانت تأكل الفأرة كرامة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأما غيرها فيحمل على أنها شربت عقيب أكل الفأرة، ويحتمل غير ذلك فكان مكروها، وكراهة
ثم قيل: كراهته لحرمة لحمه، وقيل: لعدم تحاميها النجاسة وهذا يشير إلى التنزه، والأول إلى القرب من التحريم، ولو أكلت الفأرة ثم شربت على فوره الماء تنجس الماء إلا إذا مكثت ساعة لغسلها فمها بلعابها، والاستثناء على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQسؤر الهرة يروى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد ويحيى بن سعيد وابن أبي ليلى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (ثم قيل: كراهته لحرمة لحمه) ش: قائله الإمام أبو جعفر الطحاوي أي كون كراهة سؤر الهرة لأجل أن لحمها حرام لأنها عدت من السباع. م: (وقيل لأجل عدم تحاميها النجاسة) ش: قائله الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني كراهة سؤرها لأجل عدم احترازها عن النجاسة؛ لأنها تأكل الفأرة والجيفة وفمها لا يخلو عن النجاسة عادة. م: (وهذا يشير إلى التنزه) ش: أي ما قاله الكرخي يدل على أن سؤرها مكروه كراهة تنزيهية وهو الأصح والأقرب إلى موافقة الحديث حيث قال فيه إنها ليست بنجس م: (والأول) ش: أي ما قاله الطحاوي م: (إلى القرب من التحريم) ش: وكلام المصنف أولا يدل على أنه أقرب إلى التحريم وبينهما تناقض ظاهر ويمكن دفعه بأن يقال: إن الحديث الذي فيه أنها ليست بنجس يدل على الطهارة. وقوله: - الهرة سبع - يدل على النجاسة فدار أمر سؤرها بين الشيئين فالكرخي قال: كراهة تنزيه أخذا بالحديث الأول ولم يقل بالطهارة مطلقا من غير كراهة لعدم تجانبها النجاسة والطحاوي أخذ بالثاني ولم يقل بحرمته مطلقا لمعارضة الحديث الأول إياه، وأشار بهذا إلى أن الحرمة الأصلية باقية لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل كل ذي ناب من السباع. فإن قلت: كيف تقول الحرمة الأصلية باقية لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنها ليست بنجس؟ قلت: إنما قال ذلك للضرورة؛ لأن لها حق الشرب من الأواني، ولهذا قال: إنها من الطوافين والطوافات وهم الخدم والمماليك ومن يخدم أهل البيت كما ذكرناه، وقد سقط الحجاب في حقهم للضرورة ومع قيام الحرمة الأصلية. م: (فلو أكلت فأرة ثم شربت على فورها الماء) ش: أي لو أكلت الهرة فأرة ثم شربت على فورها الماء يعني قبل أن يسكن، قال الجوهري: يقال أتيت فلانا من فوري أي قبل أن أسكن، وفي بعض النسخ على فوره أي على فور الأكل أي عقبه من غير تراخ. م: (يتنجس الماء بالإجماع) ش: وفي " المجتبى " وكذا لو شربت الخمر ثم شربت الماء على الفور يتنجس الماء بالإجماع م: (إلا إذا مكثت ساعة لغسلها فمها بلعابها والاستثناء) ش: من قوله: يتنجس الماء ولكنه م: (على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن عند محمد وزفر
[سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت]
ويسقط اعتبار الصب للضرورة. وسؤر الدجاجة المخلاة مكروه لأنها تخالط النجاسة، ولو كانت محبوسة بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة، وكذا سؤر سباع الطير ـــــــــــــــــــــــــــــQوالشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا تجوز إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة غير الماء فلا يطهر فمها وفم السكران عندهم، ولو شربت الماء أو شربه السكران يطهر حينئذ فمه. وقيد المصنف المكث بالساعة وفي " المفيد" ساعة أو ساعتين، قال المرغيناني: هو الأصح. م: (ويسقط اعتبار الصب للضرورة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: كيف يصح الاستثناء على قول أبي يوسف؛ لأن من مذهبه الصب شرط يعني صب الماء في الأبدان وتقرير الجواب: نعم الصب شرط عنده ولكنه هاهنا للضرورة. وفي " المفيد" أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقل بطهارة فمها إذا غسلته بلعابها لاشتراط الصب في الأبدان. [سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وما يسكن البيوت] م: (وسؤر الدجاجة المخلاة مكروه) ش: المخلاة بالخاء المعجمة وهي الثيبة الدائرة في عذرات الناس، وقيل بالجيم وهي التي تأكل الجلة بفتح الجيم. وقال الجوهري: هي النعم، وقال أيضا هي الجلالة التي تأكل العذرة، وفي ذلك نظر، فمن يقول مجلاة بالجيم لأنه إن كان من جل البقرة يجل أي التقط من باب نصر ينصر يكون الفاعل منه جال للذكر وجالة للأنثى، والمجلاة من باب جلى يجلي تجلية واستوى الفاعل والمفعول فيه في تقدير مختلف، ولكن معنى هذا الباب لا يساعد من يدعي ذلك، وأما المخلاة بالخاء فهو من خلا يخلو تخلية ومعناه صحيح في هذا الباب م: (لأنها تخالط النجاسة) ش: أي لأن المخلاة تخالط النجاسة فيكره سؤرها لأن منقارها لا يخلو عن قذر وشك في نجاستها والشك لا يعارض اليقين فأثبت الكراهة للاحتمال. م: (ولو كانت محبوسة) ش: أي ولو كانت الدجاجة محبوسة للمقيمين ويكون أكلها وشربها خارج البيت أشار إليه بقوله م: (بحيث لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة) ش: أي من مخالطة النجاسة، وإن كانت محبوسة في بيت أو في قفص فإنها تجول في عذرات نفسها فلا تؤمن من مخالطة النجاسة فيكره حينئذ سؤرها، وهذا الذي ذكره المصنف هو الذي ذكره الإمام الحاكم عبد الرحمن. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " لو كانت محبوسة لا يكره لعدم النجاسة على منقارها من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار لأنها لا تجد عذارت غيرها حتى تجول فيها وهي في عذرات نفسها لا تجول وكذا سؤر الإبل الجلالة والبقر الجلالة مكروه لاحتمال نجاسة الفم. م: (كذا سؤر سباع الطير) ش: هذا عطف على قوله - وسؤر الدجاجة المخلاة - فيكون داخلا في حكم الكراهة وسباع الطيور كالصقر والبازي والشاهين والعقاب وكل مالا يؤكل لحمه من الطيور، وهذا الذي ذكره الاستحسان والقياس بنجسه فيه كسباع البهائم والجامع حرمة اللحم،
لأنها لا تأكل الميتات فأشبه الدجاجة المخلاة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا كانت محبوسة يعلم صاحبها أنه لا قذر على منقارها، ولا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة، واستحسن المشايخ هذه الرواية وسؤر ما يسكن البيوت كالحية والفأرة مكروه؛ لأن حرمة اللحم أوجبت نجاسة السؤر إلا أنه سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة، والتنبيه على العلة في الهرة. ـــــــــــــــــــــــــــــQوجه الاستحسان ما ذكره في " المبسوط " و" المحيط " لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم جاف بخلاف البهائم فإنها تشرب بلسانها وهو رطب لعابها، ولأن في سباع الطير ضرورة وعم بلوى فإنها تنقض من علو وهوي، ولا يمكن حول الأواني عنها لا سيما في البراري والصحاري فأشبهت الفأرة والحية، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ما يقع على الجيف منها فسؤره نجس؛ لأن منقارها لا يخلو عن نجاسة في العادة والحية نجس والبازي والصقر ونحوهما إذا كانت تأكل اللحم الذي لا يكره، ذكره في " المحيط ". م: (لأنها لا تأكل الميتات فأشبهت الدجاجة المخلاة) ش: أي لأنها سباع الطير تأكل الجيف والميتات فأشبه الدجاجة المخلاة فيكون سؤرها مكروها وباقي فيها تقسيم المخلاة كما ذكرنا م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنها إذا كانت محبوسة يعلم صاحبها أنه لا قذر على منقارها لا يكره لوقوع الأمن عن المخالطة) ش: أي أن سباع الطير، وفي " المحيط " وكأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الكراهة لتوهم إيصال النجاسة إلى منقارها لا وصول لعابها إلى الماء وقال: إذا لم يكن على منقارها نجاسة لا يكره التوضؤ بسؤرها م: (واستحسن المشايخ هذه الرواية) ش: أي المذكورة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأفتوا بها. م: (وسؤر ما يسكن البيوت كالحية والفأرة مكروه لأن حرمة اللحم أوجبت نجاسة السؤر) ش: أي سؤر ما يسكن في البيوت م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الشأن م: (سقطت النجاسة لعلة الطواف فبقيت الكراهة) ش: لأن سقوط النجاسة لا يستلزم عدم الكراهة. م: (والتنبيه على العلة في الهرة) ش: قال الأكمل: قيل معناه وبقي التنبيه على العلة التي كانت في الهرة: قلت: قائله السغناقي، وتمام كلامه يعني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علل سقوط النجاسة في سؤر الهرة بعلة الطواف بقوله: «إنها من الطوافين والطوافات عليكم» دفعا للحرج، فكان مقتضى ذلك التعليل أن يوجد الحكم المرتب على تلك العلة فيما وجدت تلك العلة فقد وجدت تلك العلة وهي الطواف في سواكن البيوت بعينها بل أزيد منها فيثبت ذلك الحكم المرتب عليها أيضا وهو سقوط النجاسة في سواكن البيوت كما في الهرة. وقال الأكمل أيضا: قيل: هو جواب سؤال. قلت: قائله الأترازي فإنه قال: هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال: كيف عللتم سقوط نجاسة سؤرها في سواكن البيوت بعلة الطواف، فمن أين نبهتهم هذه العلة وهل لها أثر شرعي حتى يعتبر، فأجاب عنه وقال التنبيه على علة سقوط النجاسة في سؤر سائر سواكن البيوت حاصل في الهرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبهنا عليها وعللها في الهرة
[سؤر الحمار والبغل والفرس]
قال: وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه، وقيل: الشك في طهارته؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال: «الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين والطوافات عليكم» وأشار بتعليله إلى قول الله عز جل: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58] (النور: الآية 58) سقط الاستئذان بعلة الطواف دفعا للحرج وسقط النجاسة في سؤر الهرة بعلة الطواف دفعا للحرج أيضا. قلت: كل منهما أطال الكلام من غير حصول المراد فأقول: قوله والتنبيه مبتدأ وخبره متعلق قوله في الهرة، والتقدير والتنبيه على علة كراهة سؤر سواكن البيوت هي المذكورة في حكم الهرة، وهي علة الطواف التي أسقطت النجاسة فيها فكما أن الطواف علة في حكم سؤر الهرة فكذلك في سواكن البيوت فنبه المصنف على العلة في سؤر الهرة حتى يسقط البدل في علة سؤر سواكن البيوت فافهم. [سؤر الحمار والبغل والفرس] م: (وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه) شك وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - طاهر وطهور وفي "المغني" لابن قدامة، والنوع الثاني: ما اختلف فيه وهو سؤر السباع إلا السنور وما دونها في الخلقة، وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل، فعن أحمد أن سؤرها نجس إذا لم يجد غيره تيمم وتركه، وروي عن ابن عمر أنه كره سؤر الحمار وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والأوزاعي وحماد وإسحاق، وعن أحمد: إذا لم يجد غير سؤر البغل والحمار يتيمم معه، ثم قال: والصحيح عندي طهارة البغل والحمار؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يركبهما في زمنه وفي عصر الصحابة، فلو كان نجسا لبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم ذلك. وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الخمر: إنها رجس أراد بها محرمة كقوله تعالى في الميسر والأنصار والأزلام: {رِجْسٌ} [المائدة: 90] . وفي " المبسوط " وكان أبو طاهر الدباس ينكر هذا ويقول: لا يجوز أن يكون في شيء من حكم الشرع مشكوكا فيه ولكن معناه يحتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به في حالة الاختيار، وإذا لم يجد غيره يجمع بينه وبين التيمم احتياطا. قلت: المشايخ قالوا بالشك لتعارض الأدلة في طهارته وعدم طهارته لا أن يعني أن يكون شيء من أحكام الشرع مشكوكا للجهل بحكم الشرع. وفي " شرح القدوري " القول بالوقف عند تعارض الأدلة دليل العلم وغاية الورع. . م: (وقيل الشك في طهارته) ش: فلو وقع في الماء القليل يفسده، وقال قاضي خان: ولو أصاب الثوب أو البدن لا يفسده، وروى الكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر الحمار نجس إلا أنه سقط في حق الآدمي للحرج، ومن المشايخ من قال بنجاسة سؤر الحمار دون الأتان؛ لأن الحمار نجس فمه لشبه البول، وفي " البدائع " هذا موهوم فلا ينجس، وقال قاضي خان: والأصح أنه لا فرق بينهما. وقال السروجي: الإجود أن يكون قيل بغيره أو لأنه أول القولين فلا عطف، وكذا قاله صاحب " الدراية ".
لأنه لو كان طاهرا لكان طهورا ما لم يغلب اللعاب على الماء. وقيل: الشك في طهوريته لأنه لو وجد الماء المطلق لا يجب عليه غسل رأسه، وكذا لبنه طاهر، ولا يؤكل وعرقه لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: لا فساد في العطف، وكيف ينفي العطف بكونه أول القولين حتى يدعى الأجودية. م: (لأنه) ش: أي لأن سؤر الحمار والبغل م: (لو كان طاهرا لكان طهورا ما لم يغلب اللعاب على الماء) ش: لأن اختلاط الطاهر بالماء لا يخرجه عن الطهورية ما لم يغلب كما إذا اختلط ماء الورد بالماء لكن ينبغي أن يمنع من شربه؛ لأن لعاب ما لا يؤكل لحمه موجود فيه كلبن الأتان. وقال الوتري: الشك في حكم الطهارة، وفي حق الشرب وغيره طاهر وكذا لو شرب الحمار من لبن أو عصر. م: (وقيل الشك في طهوريته) ش: في كونه طاهرا لغيره م: (لأنه) ش: أي لأن الذي يراد الوضوء م: (لو وجد الماء) ش: المطلق م: (لا يجب عليه غسل رأسه) ش: يعني بعد ما مسح رأسه بسؤر الحمار وجد ماء مطلقا لا يجب عليه غسل رأسه، فلو كان الشك في طهارته لو جب وإنما عين الرأس دون غيره من الأعضاء؛ لأن غيره من الأعضاء يطهر بصب الماء عليه حقيقة وحكما. فإن قلت: هذا غير لازم لأن الرأس قبل المسح عليه بالماء المشكوك في طهارته فلا يدفع بالشك. قلت: مراده بعد ما توضأ به، فإن الحدث قد حل بالرأس فإذا مسح عليه بالمطلق يكون حكم البلة حكم الماء المشكوك في كونه طاهرا وعلى تقدير كونه نجسا يتنجس البلة فلا يرتفع به الحدث فلا يرفع الشك فيجب غسل رأسه لهذا المعنى، فلما لم يجب دل على أن الشك في طهوريته لا في طهارته. م: (وكذا لبنه طاهر) ش: قال السروجي كان ينبغي أن يقول وكذا لبنها؛ لأن اللبن من الأتان دون الحمار. قلت: الحمار يتناول الذكر والأنثى ويقال: الأنثى خاصة حمارة، وقيل: هذا ليس بظاهر الرواية. وظاهر الرواية أنه نجس والذي ذكره هو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " المحيط " لبنة نجس في ظاهر الرواية، واعتبر التمرتاشي والبزدوي فيه الكثير الفاحش هو الصحيح، وعن شمس الأئمة أنه نجس نجاسة غليظة؛ لأنه حرام بالإجماع وفي " فتاوى قاضي خان " في طهارته روايتان. م: (ولا يؤكل) ش: أي اللبن، وقال السروجي: والأحسن أن يقول: لا يشرب قلت: اللبن يؤكل ويشرب، وإنما اختار لفظ الأكل؛ لأنه إذا كان حراما فالشرب بطريق الأولى والأكل في الألبان أكثر من الشرب عادة، ثم الطهارة على قول محمد لا تستلزم جواز الأكل كالتراب ونحوه. م: (وعرقه) ش: أي عرق الحمار طاهر م: (لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش) ش: هذه إحدى الروايات عن أبي حنيفة وفي أخرى نجس مخفف، وفي أخرى مغلظ قال القدوري: إن عرق الحمار طاهر في الروايات المشهورة، كذا في " المحيط "، وفي " المنتقى " عن محمد لبن الأتان
فكذا سؤره وهو الأصح ويروى نص عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - طهارته. وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته ـــــــــــــــــــــــــــــQكلعابها وعرقها يفسدان الماء دون الثوب. وفي المغني لابن قدامة كل حيوان حكم الحيوان حكم جلده وشعره وعرقة ودمعه ولعابه حكم سؤره في الطهارة والنجاسة. م: (فكذا سؤره) ش: أي كذا سؤره طاهر؛ لأن العرق لا يتولد منه، وكذا لبنه فإذا كانا طاهرين فالسؤر كذلك م: (وهو الأصح) ش: أي القول بأن الشك في طهوريته هو الأصح، فإذا كان الشك في طهوريته على الأصح كان بقاؤه على الطهارة بلا شك. م: (ويروى نص عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على طهارته) ش: أي على طهارة سؤره وقال الأترازي: أي على طهارة عرقه والأول أوجه؛ لأن الذي نص عن محمد ليس فيه ذكر العرق على ما يجيء الآن وكان العرق كالسؤر. وقال السغناقي: وهو ما روي عن محمد أنه قال: أربع لو غمس فيهن الثوب لم ينجس وهو سؤر الحمار والماء المستعمل ولبن الأتان وبول ما أكل لحمه كذا في " المبسوط " لشيخ الإسلام، وذكر قاضي خان وغيره في " شرح الجامع الصغير "، قال: لو غمس الثوب فيه يجوز الصلاة مع الماء المستعمل وسؤر الحمار وبول ما يؤكل لحمه. قلت: كان ينبغي أن يقال: ثلاثة لو غمس الثوب فيها لأن الماء والسؤر والبول كل منها مذكور فتحت تأويلات لا يعود الضمير إليها مفردا مذكورا، وكذا الكلام في قوله أربعا. م: (وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته) ش: لم يتعرض أحد من الشراح إلى بيان عود الضمير في إباحته وحرمته وبيانه. فإن قلت: يرجع إلى السؤر كما هو الظاهر فالأدلة لم تتعارض فيه وإنما تعارضها في لحم الحمار، وإن قلت: إلى اللحم فهو غير المذكور، فأقول إنه يرجع إلى الحمار لأن الاختلاف فيه فيكون المعنى تعارض الأدلة في إباحة لحم الحمار وحرمته، وأراد بالأدلة الأخبار والآثار. واختلف المشايخ فيه فمنهم من قال: سبب الشك في سؤر الحمار تعارض الأدلة الواردة في الأحاديث، ومنهم من قال: اختلاف الصحابة في طهارته فالقسم الأول الأحاديث الواردة، أما الحرمة ففي " الصحيحين " عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وأذن في لحم الخيل» أخرجه البخاري. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمر» وأخرجه
أو اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في نجاسته وطهارته. ـــــــــــــــــــــــــــــQأبو داود والنسائي وابن ماجه. أما الإباحة ففي " سنن أبي داود " من «حديث غالب بن أبجر أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم لحوم الحمر الأهلية فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله أصابتنا السنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلى إلا سمان حمر وإنك حرمت الحمر الأهلية، فقال: "أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية» . وأشار إلى القسم الثاني بقوله م: (أو اختلاف الصحابة في نجاسته وطهارته) ش: أي في نجاسة سؤر الحمار وطهارته وعطف اختلاف الصحابة على تعارض الأدلة يوهم أن اختلاف الصحابة غير الأدلة وليس كذلك فإن أقوال الصحابة من جملة الأدلة واختلافهم في سؤره هو ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: تعلف القت والطين فسؤره طاهر. وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: إنه رجس تعارض القولان فصار سؤر الحمار مشكوكا فيه؛ لأن التوفيق عند تعارض الأدلة واجب، والتعارض يقابل الدليلين والمعارضة المقابلة على سبيل الممانعة وذلك أن يوجب أحد الدليلين الحل والآخر الحرمة أو غير ذلك، ولما كان الأمر في سؤر الحمار وقع كذلك أو وقع الشك فقلنا: إنه لا يطهر النجس ولا ينجس الطاهر. فإن قلت: ينبغي أن يرجح دليل الحرمة. قلت: الأصل في التعارض الجمع، وقد أمكن كما قلنا، كذا قاله تاج الشريعة، وقال شيخ الإسلام في " مبسوطه ": هذا لا يقوى، لأن لحمه حرام بلا إشكال؛ لأنه اجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم عليه كما لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسي والآخر أنه ذبيحة مسلم فإنه لا يحل أكله لعلة الحرمة فكان لحمه حراما بلا إشكال ولعابه مولد منه فيكون نجسا بلا إشكال. وقال الأكمل: وفيه نظر؛ لأنه مستلزم نجاسة لبنه وقد تقدم من قول المصنف أنه طاهر. والجواب بالإلزام فإنه في ظاهر الرواية نجس كما تقدم. قلت: ما تعرض شيخ الإسلام إلى لبنه حتى يستلزم ما يقوله بنجاسته فالنظر ضعيف فكذلك أجاب بالالتزام. والجواب الواضح ما قاله شيخ الإسلام أن الأصل في التعارض الجمع إلا إن لم يكن ولم يمكن في اللحم للتضاد وفي السؤر ممكنة بأن يكون واجب الاستعمال عملا بدليل الطهارة، ووجب التيمم عملا بدليل النجاسة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: المرجح هنا المحرم. قلت: يقوى المبيح بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (الحج: الآية 78) ولأن المحرم لا يرجح عند تعارض الحاجة والضرورة كما في الهرة. فإن قلت: لا يصير الماء مشكوكا بتعارض الخبرين كما في مسألة خبر العدلين أحدهما: أخبر بطهارة الماء، والآخر بنجاسته. قلت: لا تعارض ثمة لأنه أمكن ترجيح أحدهما، فإن المخبر عن طهارته لو استقصى ذلك وقال: أخذته من البئر وسددت فم الماء ولم يخالطه شيء ورجحنا خبره لفائدة بالأصل وإن كان مبنى خبره على الاستصحاب رجحنا خبر النجاسة؛ لأنه أخبر عن محسوس مشاهد، فأما في سؤر الحمار فالتعارض قائم؛ لأن لحمه نجس وعرقه طاهر، والبلوى فيه من وجه دون وجه فلا يمكن إلحاقه بأحدهما فوجب المصير إلى ما كان ثابتا فلا يطهر به نجس ولا ينجس به طاهر، فإن عرف الماء طاهرا فوجب أن يبقى كذلك، فإن اليقين لا يزول بالشك. قلت: وجب أن يكون مشكوكا فيه كلعاب الحمار؛ لأن الماء إذا أصابه شيء يوصف بصفة بصنعة ذلك الشيء، والأصح في التمسك أن دليل الشك هو تردد في الضرورة، فإن الحمار يربط في الدور والأبنية ويشرب من الأواني وللضرورة أثر في إسقاط النجاسة كما في الهرة والفأرة إلا أن الضرورة دون الضرورة فيهما لدخولهما تضايق البيت بخلاف الحمار، ولو لم تكن الضرورة ثابتة أصلا كما في الكلب والسباع لوجب الحكم بالنجاسة بلا إشكال، ولو كانت الضرورة فيهما لوجب الحكم بإسقاط النجاسة، فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى موجب النجاسة والطهارة تساقطا للتعارض فوجب المصير إلى الأصل، والأصل هاهنا بيان الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب؛ لأن لعابه نجس كما بينا وليس أحدهما بأولى من الآخر فبقي الأمر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من وجه، فكان الإشكال عند علمائنا بهذا الطريق لا للإشكال في لحمه ولا لاختلاف الصحابة في سؤره، وبهذا التقدير يندفع كثير من الأسئلة. وقال الأكمل: وهاهنا نكتة لا بأس بالتنبيه عليها وبناءها على كون المراد بالنجاسة إما قبل الذبح أو بعده ثم بعد التطويل، قال: نعلم من هذا أن اللعاب المتولد من اللحم مأكول بعد الذبح طاهر بلا كراهة دون غيره إضافة الحكم إلى الفأر في صيانة حكم الشرع عن المناقضة ظاهرا هذا ما سنح لي والله أعلم. قلت: لا دخل في الذبح وتفصيله هاهنا، والكلام في حكم السؤر وهو لا يتصور بعد الذبح والأصل في هذا الباب اللعاب، فإن كان من حيوان مأكول كان طاهرا فسؤره طاهر، وإن كان من حيوان غير مأكول كان نجسا فسؤره نجس إلا أنه خولف فيه في سؤر الحمار مع كونه غير مأكول وسؤره طاهر كما ذكرنا من الوجوه فيه.
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس ترجيحا للحرمة والنجاسة، والبغل من نسل الحمار فيكون بمنزلته ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه نجس) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن سؤر الحمار نجس رواه عنه وقد ذكرناه مرة م: (ترجيحا للحرمة والنجاسة) ش: ترجيحا نصب على المصدرية تقديره رجح أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترجيحا، ويجوز أن يكون حالا أي حكم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنجاسة سؤر الحمار حال كونه مرجحا للحرمة لتعارض الأدلة [ ... ] لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويجوز أن يكون المعنى ترجيحا للحرمة؛ لأن المحرم مرجح للنجاسة، لأنه إذا ترجح المحرم تترجح النجاسة أيضا لامتناع الطهارة مع الحرمة قاله الأكمل، وفيه نظر؛ لأن الطهارة لا تمتنع بالحرمة وكم من طاهر حرام. وقال الأكمل أيضا في هذا الموضع واستشكل بما إذا أخبر عدل بحل طعام وآخر بحرمته فإنه يترجح خبر الحل كما إذا أخبر عدل بطهارة الماء وآخر بنجاسته ترجح الطهارة. قلت: هاهنا إشكالان أحدهما: لحافظ الدين ذكره في " الكافي " عند قوله والنجاسة، والآخر لصاحب " الدراية " عن شيخه عند قوله للحرمة. والجواب عن الأول أن تعارض الخبرين في الطعام يوجب التهاتر والعمل بالأصل وهو الحل، ولا يجوز ترجيح الحرمة بالاحتياط لاستلزامه تكذيب الخبر بالحل عن غير دليل، وأما تعارض أدلة الشرع في حل الطعام وحرمته فيوجب الترجيح بدليل وهو تعليل النسخ الذي هو خلاف الأصل. والجواب عن الثاني: أن تعارض الخبرين في الماء يوجب التهاتر والعمل بالأصل لوقوع الشك في اختلاط النجاسة، والأصل عدمه فبقي الماء على أصلة وهو الطهارة. أم هاهنا فقد اختلط اللعاب المتولد من اللحم بالماء بيقين. وقد ترجح الحرمة فيه باتفاق الروايات عن أصحابنا وهي مبنية على النجاسة على ما بينا فيجب ترجيح النجاسة بهذا الدليل. م: (والبغل من نسل الحمار) ش: هذا جواب عما يقال قد يثبت حكم سؤر الحمار وما فيه من الأمور المذكورة وما حكم البغل وحكم سؤره في ذلك مع أنك قلت: وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه؟ فأجاب بقوله: والبغل من نسل الحمار م: (فيكون بمنزلته) ش: بمنزلة الحمار في أحكامه. وقال السروجي: فيه نظر، فإن البغل متولد بين الحمار والفرس فعلى قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحتاج إلى جعله من نسل الحمار بل نسل أيهما كان يحرم، وأما على قوليهما فمشكل، فإن المنظور إليه الأم فإن كانت الأم مأكولة اللحم حل أكل ما تولد منهما، وإن كان الأب غير مأكول اللحم ويدل عليه أن الذئب إذا نزى على شاة فولدت ذئبا حل أكله ويجزئ في الأضحية ذكره صاحب " الكافي " في الأضحية.
فإن لم يجد غيرهما يتوضأ بهما ويتيمم، ويجوز أيهما قدم. وقال زفر: لا يجوز إلا أن يقدم الوضوء؛ لأنه ماء واجب الاستعمال فأشبه الماء المطلق، ولنا أن المطهر أحدهما فيفيد الجمع دون الترتيب. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: في قوله فإن البغل متولد بين الحمار والفرس؛ لأن البغل قد يتولد بين الحمار والبقر فإنه يؤكل بلا خلاف وإن كان متولدا بين الحمار والفرس فيجري فيه الخلاف. م: (فإن لم يجد غيرهما) ش: هذا تفريع على ما قبله فكذلك ذكر بالفاء أي فإن لم يوجد غير سؤر الحمار وسؤر البغل م: (يتوضأ بهما) ش: أي سؤر الحمار والبغل وينبغي أن يقول. . فإن لم تجد غيره أي غير سؤر الحمار والبغل م: (يتوضأ بهما ويتيمم ويجوز أيهما) ش: أي الاثنين أعني التوضؤ بالسؤر والتيمم م: (قدم) ش: وكلمة أي هنا شرطية كما في قَوْله تَعَالَى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: 28] (القصص: الآية 28) . م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إلا أن يقدم الوضوء) ش: فيجب أن يؤخر التيمم وبه قال أحمد في رواية م: (لأنه) ش: أي لأن سؤر الحمار والبغل م: (ماء واجب الاستعمال) ش: وهذا قول ابن تيمية ووافقنا زفر عليه، ووجهه أن التيمم إنما يجوز عند عدم الماء نتيجة الواجب الاستعمال، وهذا ما وجب استعماله بالإجماع، فصار كالماء المطلق به وهو معنى قوله م: (فأشبه الماء المطلق) ش: هذه نتيجة قوله: ماء واجب الاستعمال، فإذا كان واجب الاستعمال شبه الماء المطلق فوجب استعماله حتى إنه إذا تيمم ولم يتوضأ به لا يجوز. فإن قلت: هل الجمع بينهما واجب أم لا؟ قلت: قال قاضي خان وقال في كتاب الصلاة رجل لم يجد إلا سؤر الحمار فإنه يتوضأ به والأفضل أن يتيمم معه، فإن تيمم ولم يتوضأ به لا يجوز، وقال: وهذا اللفظ لا يوجب الجمع بينهما، وجه الجمع بينهما أنه مشكوك في طهوريته على الصحيح فلا بد من التيمم لاحتمال أنه لا يرفع الحدث وحده. م: (ولنا أن المطهر أحدهما) ش: أي أحد سؤر الحمار والتيمم م: (فيفيد الجمع دون الترتيب) ش: الضمير في - فيفيد - يرجع إلى قوله مطهر أحدهما، وقوله: - الجمع - منصوب به، وقال الأكمل: الضمير في - فيفيد - راجع إلى قوله: يتوضأ بهما ويتيمم. قلت: كان ينبغي على قوله أن يقول: - فيفيدان الجمع -، لأن المذكور اثنان سؤر الحمار والتيمم، وهذا على تقدير أن يكون قوله الجمع منصوبا، وأما إذا قرئ مرفوعا بأن يكون فاعل - فيفيد - فلا حاجة إلى هذا التكلف بل الأولى الرفع؛ لأن المفيد هو الجمع بين سؤر الحمار والتيمم والترتيب غير مفيد؛ لأن الماء إن كان طهورا فلا معنى للتيمم تقدم أو تأخر وإن لم يكن طهورا فالمطهر هو التيمم تقدم أو تأخر وجود
[حكم الطهارة بنبيذ التمر]
وسؤر الفرس طاهر عندهما، لأن لحمه مأكول، وكذا عنده في الصحيح؛ لأن الكراهة لإظهار شرفه فإن لم يجد إلا نبيذ التمر. ـــــــــــــــــــــــــــــQهذا الماء وعدمه سواء، وإنما يجمع بينهما لعدم العلم بالمطهر بهما عينا، وفي " النهاية " المراد بالجمع أن لا تخلو صلاة واحدة عنهما حتى لو توضأ بالسؤر وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة جاز، لأنه جمعهما في صلاة واحدة. فإن قيل: هذا الطريق مستلزم أداء الصلاة بغير طهارة في أحد المرتين لا محالة وهو مستلزم الكفر لتأديته إلى الاستخفاف بالدين فينبغي أن لا يجوز، ويجب الجمع في أداء واحد، قلت: إذا كان فيما أدى بغير طهارة بيقين، فأما إذا كان أداؤه بطهارة من وجه فلا استخفاف؛ لأنه عمل بالشرع من وجه وهاهنا كذلك لأن واحدا من السؤر والتراب مطهر من وجه دون وجه فلا يكون الأداء بغير طهارة من كل وجه، فلا يلزم منه الكفر كما لو صلى حنفي بعد الفصد والحجامة لا تجوز صلاته ولا يكون كافرا لمكان الاختلاف وهذا أولى بخلاف ما لو صلى بعد البول في " جامع المستوفى " عن نصير في رجل لم يجد إلا سؤر حمار يهرق ذلك حتى يصير عادما للماء ثم يتيمم، واختار الصفار ذلك وعن محمد "في النوادر ": توضأ بسؤر الحمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار أعاد التيمم دون الوضوء؛ لأنه إذا كان مطهرا فقد توضأ به، وإن كان نجسا فليس عليه الوضوء في المرة الأولى ولا في المرة الثانية. م: (وسؤر الفرس طاهر عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد - رحمهما الله - م: (لأن لحمه مأكول) ش: عندهما، وذكر في الأصل لا بأس بسؤر الفرس من غير ذكر خلاف. وفي " المبسوط " سؤر الفرس طاهر في ظاهر الرواية م: (وكذا عنده في الصحيح) ش: أي وكقولهما طاهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المروي الصحيح وهو ورواية كتاب الصلاة. وفي " المحيط ": وفي سؤر الفرس عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربع روايات، روى البلخي عنه: أحب إلي أن يتوضأ بغيره. وروى الحسن عنه: أنه مكروه كلحمه، وروي أنه: مشكوك كسؤر الحمار، وفي رواية: طاهر كقولهما. م: (لأن الكراهة) ش: أي كراهة لحمه م: (لإظهار شرفه) ش: لأنه يرهب به عدو الله فيقع إعزاز الدين وإعلاء كلمة الله كما يقع بالآدمي لهذا اختص من بين الحيوانات بإفراد السهم كالآدمي فلا يؤثر تحريمه في سؤره كما في الآدمي. [حكم الطهارة بنبيذ التمر] م: (فإن لم يجد إلا نبيذ التمر) ش: أي فإن لم يجد من يريد الصلاة وهو محدث إلا نبيذ
قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتوضأ به ولا يتيمم، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتمر، وجه المناسبة في ذكره هذه المسألة هاهنا هو أن له شبها خاصا بسؤر البغل والحمار على قول محمد، فإنه يقول بضم التيمم إلى الوضوء به احتياطا كما يجيء عن قريب، فلذلك قال: فإن لم يجد بالفاء فإن فيه بيان الجمع بين التيمم والسؤر وهذا أحسن من ذكره بالواو؛ لأنه لمجرد العطف بخلاف الفاء، فإنه يدل على معان مختلفة مع العطف كما ذكر في موضعه. ثم إن النبيذ فعيل بمعنى مفعول في نبذت الشيء إذا طرحته وهو الماء الذي نبذ فيه تمرات لتخرج حلاوتها إلى الماء، وفي " النهاية" لابن الأثير: النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك، يقال: نبذت التمر والعنب إذا نزلت عليه الماء ليصير نبيذا مصرف من مفعول إلى فعيل، وأنبذته إذا اتخذته نبيذا وسواء كان مسكرا أو غير مسكر فإنه يقال له: نبيذ ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر، وقال ابن فارس في " المجمل ": نبذت الشيء أنبذه إذا ألقيته من يدك، ونبيذ التمر يلقى في الآنية ويصب عليه الماء. قلت: هو من باب فعل بالفتح في الماضي والكسر في المضارع كضرب يضرب وكذا ذكره صاحب " الدستور "، وقال ابن سيده: النبيذ طرحك الشيء وكل طرح نبيذ، والنبيذ التمر المطروح، والنبيذ ما نبذته من عصير ونحوه، وقد نبذ وانتبذ ونبذ، وفي " الصحاح " العامة تقول: أنبذت وكذا ذكره في كتاب " الشرح " لابن درستويه، وذكر الخيالي في " نوادره " ومن خط الحافظ أنبذت لغة لكنها قليلة وذكره أيضا في كتاب فعلت وأفعلت، وفي " الجامع " للفراء وكثرة الناس يقولون: نبذت النبيذ بغير ألف. وحكى الفراء عن الرازي: أنبذت النبيذ قال: ولم أسمعها أنا من العرب، وفي " الكافي " أنبذت النبيذ لغة عامة ونبذت الشيء نبذا شدة للمبالغة. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوضأ به) ش: أي نبيذ التمر م: (ولا يتيمم) ش: لتعيين نبيذ التمر، وقال أبو بكر الرازي في كتابه " أحكام القرآن " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه ثلاث روايات، وهذه هي المشهورة، قال قاضي خان: وهي قوله الأول وهو قول زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قال الرضي وقاضي خان: ذكر في كتاب الصلاة إن تيمم معه أحب إلي وروي عنه الجمع بين سؤر الحمار وبه قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وروى عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن أنه يتيمم ولا يتوضأ، قال قاضي خان: هو الصحيح وهو قوله الأخير، وقد رجع إليه وبه قال أبو يوسف ومالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من العلماء وهو اختيار الطحاوي. وروى الحسن والمعلى عن أبي يوسف الجمع بينهما وذكر قاضي خان ولو وجد نبيذ التمر
(لحديث ليلة الجن) ـــــــــــــــــــــــــــــQوالماء المشكوك فيه والتراب يتوضأ بالنبيذ لا غير، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجمع بين المشكوك والتيمم. وعند محمد يجمع بين الثلاث، ولو ترك واحدا منهما لا تجوز ذكر ذلك المرغيناني والأسبيحابي والتقديم والتأخير في ذلك سواء. وحكي عن ابن طاهر الدباس - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إنما اختلفت أجوبة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاختلاف الأسئلة فإنه سئل عن التوضؤ إذا كانت الغلبة للحلاوة، قال: يتيمم ولا يتوضأ، وسئل عنه أيضا إذا كان الماء والحلاوة سواء ولم يغلب أحدهما على الآخر، قال: يجمع بينهما، وقال السغناقي: وعلى هذه الطريقة لا يختلف الحكم بين نبيذ التمر وسائر الأنبذة، وسئل عنه أيضا إذا كانت الغلبة للماء فقيل يتوضأ به ولا يتيمم. وذكر القدوري في شرحه عن أصحابنا التوضؤ بنبيذ التمر لا يجوز إلا بالنية كالتيمم؛ لأنه بدل عن الماء كالتيمم حتى لا يجوز التوضؤ به حال وجود الماء، ولو توضأ بالنبيذ ثم وجد ماء مطلقا ينتقض وضوءه كما ينتقض التيمم بوجود الماء. قلت: وبقول أبي حنيفة قال عكرمة والأوزاعي وحميد بن حبيب والحسن بن جني وإسحاق فإنهم ذهبوا إلى جواز التوضؤ بنبيذ التمر عند عدم الماء المطلق، وقال ابن قدامة في " المغني " وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بنبيذ التمر وبه قال الحسن. وفي " الحلية " النبيذ نجس عندنا. وفي " شرح الوجيز " والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر والنبيذ، والمسكر، والحيوانات كلها على الطهارة إلا الكلب والخنزير وفروعهما. م: (لحديث ليلة الجن) ش: قال السغناقي: حديث الجن هو ما روى أبو رافع وابن المغيرة عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب ذات ليلة ثم قال: "ليقم معي من لم يكن في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقام ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع» نفسه، وقال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «خرجنا من مكة فخط رسول الله حولي خطا وقال لا تخرج عن هذا الخط فإنك إن خرجت لم تلقني إلى يوم القيامة ثم ذهب يدعو الجن إلى الإيمان ويقرأ عليهم القرآن حتى طلع الفجر ثم رجع بعد طلوع الفجر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال تاج الشريعة في شرحه: حديث ليلة الجن هو ما روي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذات ليلة إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني قالها ثلاثا وأطرقوا إلا أنا قال فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة في شعب الحجون خط لي خطا وقال لا» . وقال صاحب " البدائع ": حديث ليلة الجن ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا أصحاب النبي جلوسا في بيته فدخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليقم منكم من ليس في قبله مثقال ذرة من كبر» فقمت، وفي رواية: «فلم يقم منا أحد فأشار إلي بالقيام فقمت ودخلت البيت فتزودت إداوة من بيته فخرجت فخط لي خطا فقال إن خرجت من هذا لم ترني إلى يوم القيامة فقمت قائما حتى انفجر الصبح فإذا أنا برسول الله صلى» فأخذ ذلك وتوضأ وصلى الفجر. قلت: روي حديث ابن مسعود هذا من أربعة عشر طريقا وليس فيها ما يوافق ما ذكر هؤلاء لا متنا ولا إسنادا [كما] يلي: روى ابن ماجه في "سننه" من طريق ابن لهيعة حدثنا قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الجن: "أمعك ماء؟ " قال: لا إلا نبيذ التمر في سطيحة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تمرة طيبة وماء طهور صب علي" فصب عليه فتوضأ به» . وأخرجه الطحاوي: حدثنا ربيع بن المؤذن قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: أخبرنا قيس بن الحجاج عن حابس الصبابي عن ابن عباس «عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خرج مع النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ليلة الجن، فسأله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "اصبب علي" فتوضأ به وقال: "شراب طهور» ورجاله ثقات غير أن عبد الله بن لهيعة فيه مقال على ما نذكره، وظاهر هذا الفظ يقتضي أنه من سند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكن الطبراني في معجمه جعله من سند ابن مسعود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوكذا البزار في مسنده ولفظهما بالإسناد المذكور عن ابن عباس عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجنب بنبيذ فتوضأ وقال: "ماء طهور" قال البزار: هذا حديث لا يثبت؛ لأن ابن لهيعة كان كتبه قد احترقت وبقي يروي من كتب غيره نصا في أحاديثه مناكير. ورواه الدارقطني في "سننه " وقال: تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف. ورواه أبو داود: حدثنا هناد وسليمان بن داود العبكي قال: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن «عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ليلة الجن: "ماذا في إداوتك؟ " فقال: نبيذ، فقال: "تمرة طيبة وماء طهور".» وقال أبو داود: قال سليمان بن داود عن أبي زيد قال: كذا قال شريك ولم يذكر هناد ليلة الجن. وأخرجه الترمذي من حديث أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن «عبد الله بن مسعود قال: سألني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما في إداوتك؟ " قلت: نبيذ التمر، فقال: "تمرة طيبة، وماء طهور" قال: فتوضأ منه» . ووهم الشيخ علاء الدين في عزوه هذا الحديث إلى النسائي أيضا فإنه لم يخرجه، وقد ضعفوا هذا الحديث بثلاث علل: أحدها: جهالة أبي زيد، والثاني: التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره. والثالث: أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن مع النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ليلة الجن. بيان الأول: قال الترمذي أبو زيد رجل مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث، وقال ابن حبان في "كتاب الضعفاء ": أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس يدرى من هو، ولا يعرف له أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه. وقال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل ": سمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول، وذكر ابن عدي عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبته عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو خلاف القرآن. وبيان الثاني: وهو التردد في أبي فزارة فقيل: هو راشد بن كيسان وهو ثقة أخرج له مسلم، وقيل: هما رجلان، وأن هذا ليس براشد بن كيسان وإنما هو رجل مجهول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوبيان الثالث: وهو إنكار كون ابن مسعود مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن، وروى مسلم من حديث الشعبي عن «علقمة قال: سألت ابن مسعود هل شهد منكم أحد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: لا ولكن كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة فافتقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا: استطير أو اغتيل قال: فبتنا ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، فقلت: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة قال: أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليها القرآن وانطلق بنا فأرانا آثارهم وأثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: "لكم كل عظم، ولكم كل بعرة علقا لدوابكم، ثم قال: لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم"، وفي لفظ مسلم، قال: لم أكن مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن ووددت أني كنت معه. وفي لفظ: وكانوا من جن الجزيرة» . ورواه أبو داود مختصرا لم يذكر القصة ولفظه عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من كان منكم مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: ما كان معه منا أحد. ورواه الترمذي بتمامه في " الجامع " في تفسير سورة الأحقاف. وقال البيقهي في دلائل النبوة وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلقوا به وبغيره يريه آثارهم وآثار نيرانهم. والجواب عن العلة الأولى أن أبا بكر بن العربي ذكر في شرحه للترمذي وأبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عنه راشد بن كيسان العبسي الكوفي وأبو روق وبهذا يخرج عن حد الجهالة ولا يعرف إلا بكنيته، فيجوز أن يكون الترمذي أراد به أنه مجهول الاسم، ولا يضر ذلك، فإن جماعة من الرواة لا تعرف أسماؤهم وإنما عرفوا بالكنى. وعن العلة الثانية: أن صاحب " الإمام " قال أبو فزارة روى عنه جماعة من أهل العلم مثل سفيان الثوري وشريك بن عبد الله والجراح بن مليح الرؤاسي، ووكيع وقيس بن الربيع، وزاد ابن العربي جعفر بن برقان وجرير بن حازم وعلي ابن عائشة، فإين الجهالة بعد هذا فبطل دعوى الجهالة، وقال أبو أحمد بن عدي: أبو فزارة ثقة ثقة، وقال ابن عبد البر: أبو فزارة مشهور ثقة عندهم، وقال أبو حاتم: صالح روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. فإن قلت: قيل هو فيها، فهما رجلان وأن هذا ليس براشد بن كيسان وإنما هو رجل مجهول، وذكر البخاري أن أبا فزارة العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين، وقالوا: إن أبا فزارة كان نباذا بالكوفة، وروى هذا الحديث لنفق سلعته. قلت: روى هذا الحديث عن أبي فزارة جماعة فرواه عنه شريك كما أخرجه أبو داود والترمذي وكما رواه عنه الجراح كما أخرجه ابن ماجه ورواه عنه إسرائيل كما أخرجه البيهقي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق فأين الجهالة بعد ذلك؟ وقد جزم ابن عدي بأنه راشد بن كيسان وحكي عن الدارقطني أنه قال: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه راشد بن كيسان، وقولهم: كان نباذا بالكوفة باطل وهم لا يجوزون الرواية عن المستور فكيف يروي هؤلاء الأعلام عن الخمار وفساده ظاهر لا يخفى على أحد. وعن الثالثة: بأن أربعة عشر رجلا رووه عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما رواه أبو زيد عنه مصرح فيها أن ابن مسعود كان مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة وله سبع طرق مصرح فيها أن ابن مسعود كان معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. الأول: عن أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " من حديث يونس عن أبي رافع عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ليلة الجن: "أمعك ماء؟ " قال: لا، قال: "أمعك نبيذ؟ " قال: أحسبه قال: نعم فتوضأ به» . الثاني: عن الدارقطني من حديث أبي عبيدة وابن الأحوص «عن ابن مسعود قال: مر بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "خذ معك إداوة من ماء" ثم انطلق وأنا معه. فذكر حديث ليلة الجن، ثم قال: فلما أفرغت عليه من الإداوة إذ هو نبيذ، فقلت: يا رسول الله أخطأت بالنبيذ فقال: "ثمرة حلوة وماء عذب» . الثالث: عن الدارقطني أيضا من حديث ابن غيلان الثقفي أنه سمع «عبد الله بن مسعود يقول دعاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن بوضوء فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ فتوضأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن فقال لي رسول» . الرابع: عنه أيضا من حديث أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الخامس: عن الطحاوي من حديث قابوس عن أبيه قال: «انطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى برار فخط خطا وأدخلني فيه وقال لا تبرح حتى أرجع إليك ثم انطلق فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع أصواتا ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى» قال الطحاوي: ما علمنا لأهل الكوفة حديثا أثبت أن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمعك ماء؟ " قال: لا، إلا النبيذ في إداوة قال: "تمرة طيبة وماء طهور» . السابع: عن أبي داود من حديث أبي زيد عن عبد الله بن مسعود وقد ذكرناه.
فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: توضأ به حين لم يجد الماء. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتيمم ولا يتوضأ به، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عملا بآية التيمم لأنها أقوى، أو هو منسوخ بها لأنها مدنية، وليلة الجن كانت مكية. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: هذه الطرق كلها مخالفة لما في " صحيح مسلم " أنه لم يكن معه كما ذكرناه عن قريب. قلت: التوفيق بينها أنه لم يكن معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين المخاطبة وإنما كان بعيدا عنه، وقد قال بعضهم إن ليلة الجن كانت مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم ولم يكن مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم. ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أول سورة الجن من حديث ابن جريح قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فمن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فهم من نصيبين. قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وروي كونه يعني ابن مسعود مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خبر أجمع العلماء على العمل به وهو أنه طلب منه ثلاثة أحجار فأتاه بحجرين وروثة، الحديث، وقال ابن العربي صحته في البعض استوقفه وبعد عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم عاد إليه فصح أنه لم يكن معه عند الجن لا نفس الخروج، وروى ابن شاهين بسنده عن ابن مسعود أنه قال: كنت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة الجن، والإثبات مقدم على النفي. م: (فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ به) ش: أي بنبيذ التمر م: (حين لم يجد الماء) ش: أي الماء المطلق. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتيمم ولا يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (وهو) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقد ذكرنا أنه روي عنه ثلاث روايات م: (وبه) ش: أي وبقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد والطحاوي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (عملا بآية التيمم) ش: أي عمل أبو يوسف عملا بآية التيمم فإنها تنقل التطهير من الماء ونبيذ التمر من وجه فيرد الحديث بها م: (لأنها أقوى) ش: أي لأنها أقوى من هذا الحديث م: (أو هو منسوخ بها) ش: أي أو هو هذا الحديث منسوخ بآية التيمم م: (لأنها مدنية) ش: لأن آية التيمم نزلت بالمدينة م: (وليلة الجن كانت مكية) ش: يعني قضية ليلة الجن التي ورد فيها الحديث المذكور كانت وقعت بمكة. فإن قلت: نسخ السنة بالكتاب لا يجوز عند الشافعي فكيف يستقيم قوله: أو هو منسوخ بآية التيمم قلت: على هذا رواية رويت عنه أنه يجوز ذلك.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوضأ به ويتيمم، لأن في الحديث اضطرابا وفي التاريخ جهالة، فوجب الجمع احتياطا، قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة فلا يصح دعوى النسخ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الأكمل: ذلك جواب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة والمشترك بينهما هو قوله: عملا بآية التيمم. قلت: هذا جواب عن سؤال لصاحب " الدراية " فالأكمل أخذهما منه. م: (وقال محمد يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (ويتيمم) ش: يعني يجمع بينهما احتياطا م: (لأن في الحديث اضطربا) ش: أي مقالا في ثبوته. قال الأترازي في معنى الاضطراب: بعضهم قالوا بتنجسه وبعضهم قالوا: بعدم تنجسه، وبعضهم قالوا: كان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الجن، وبعضهم قالوا: لم يكن، فوقع الشك، فوجب الضم احتياطا. وقال السغناقي: معنى الاضطراب وذلك لأن مداره على أبي زيد مولى عمرو بن الحريث روى أنه كان نباذا روى هذا الحديث ليهون على الناس أمر النبيذ وتبعه على هذا المعنى الشنيع صاحب " الدراية " و" الأكمل "، وقد قلنا: إنه روى عنه الأعلام الأثبات والأئمة الثقات، فكيف يستحسن هذا الكلام فيه طعن على الذين ردوا منهم. م: (وفي التاريخ جهالة) ش: فيه نظر لأن أهل السير ذكروا أن قدوم وفد جن نصيبين كان قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وفي " جامع قاضي خان ": تمسكوا في انتساخ هذا الحديث بجهالة التاريخ. قال بعضهم: نسخ ذلك بآية التيمم. وقال بعضهم: لم ينسخ؛ لأنها نزلت في شأن الأسفار والنبيذ يستعمل في المفازات فيما قرب من الأمصار فيجب الجمع احتياطا. ويحتمل أن تكون ليلة الجن بعد آية التيمم. قلت: فيه نظر لأن الآية مدنية وليلة الجن مكية اللهم إلا إذا كانت غير واحدة كما ذكره المصنف م: (فوجب الجمع) ش: أي بين السور والنبيذ م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط في أمر الدين، قلنا إشارة إلى الجواب عما قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة) ش: يعني تكررت، وذكر النسفي في تفسيره أن الجن أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفعتين فيجوز أن تكون الدفعة الثانية في المدينة بعد آية التيمم م: (فلا يصح دعوى النسخ) ش: قال السروجي: قوله قلنا: ليلة الجن كانت غير واحدة يوهم أنها كانت بالمدينة أيضا، ولم ينقل ذلك في كتب الحديث فيما علمته. قلت: حفظ شيئا وغابت عنه شيئا، وقد روى أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " بإسناده إلى عمرو بن غيلان الثقفي قال: «أتيت ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلت حدثت أنك كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة وفد الجن فقال أجل قلت حدثني كيف كان قال إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلا يعشيه إلا أنا فإنه لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيأخذني أحد، فمر بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م، فقال: "من هذا" قلت: أنا ابن مسعود، فقال: "ما أجدك أحد يعشيك" قلت: لا يا رسول الله، قال: "فانطلق لعلي أجد لك شيئا" فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة رضي الله عنها فتركني ودخل إلى أهله، ثم خرجت الجارية، فقالت: يا ابن مسعود إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجد لك عشاء، فارجع إلى مضجعك، فرجعت إلى المسجد فجمعت حصى المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية وقالت: أجب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فاتبعتها حتى بلغت مقامي فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي يده عسيب نخل، فعرض به على صدري، فقال: "انطلق أنت معي حيث أنطلقت" فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد، فخط بعصاه خطة، ثم قال: "اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك" ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت مثل العجاجة السوداء، ففزعت وقلت في نفسي هذه هوازن مكروا برسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليقتلوه فهممت أن أسعى إلى البيوت فأستغيث الناس، فذكرت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصاني أن لا أبرح وسمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفزعهم بعصاه، ويقول "اجلسوا" فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا، فأتاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أنمت بعدي"؟ قلت: لا والله، ولقد فزعت الفزعة الأولى حتى هممت أن آتي البيوت فأستغيث الناس، حتى سمعتك تفزعهم بعصاك، فقال: "لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما أمنت عليك أن يخطفك بعضهم، فهل رأيت من شيء منهم"؟ قلت: رأيت رجالا سودا مستفزين عليهم ثياب بيض، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أولئك وفد جن نصيبين، فسألوني المتاع الزاد والمتاع، فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة" فقلت: وما يغني عنهم ذلك؟ قال: "إنهم لا يجدون عظما، إلا وجدوا لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبة الذي كان فيها يوم أكلت، فلا يستنقي أحد منكم بعظم ولا روثة» . وأخرج أبو نعيم أيضا عن بقية بن الوليد: حدثني نمير بن يزيد القيني حدثنا أبي حدثنا قحافة بن ربيعة حدثني الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة فأمسك القوم ثلاثا، فمر بي فأخذ بيدي فجعلت أمشي معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها وأفضينا إلى أرض براز فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستنفرين ثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة» ، ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود، فلا يصح دعواه النسخ يعني وإذا كانت ليلة الجن غير واحدة فلا
والحديث مشهور عملت به الصحابة وبمثله يزاد على الكتاب وتمسكه ـــــــــــــــــــــــــــــQيصح دعواه النسخ. م: (والحديث مشهور) ش: أي الحديث المذكور مشهور ثبت بطرق مختلفة شتى م: (عملت به الصحابة) ش: مثل علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود، وأما الذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ وضوء من لم يجد الماء. وأما الذي روي عن ابن مسعود فظاهر، وعن عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وقال إسحاق: حلو أحب إلي من التيمم وجمعهما أحب إلي، ولهذا الذي ذكرنا، غير أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حتى عمل به الصحابة وتلقوه بالقبول. فصار موجبا علما استدلاليا كخبر المعراج والقدر خيره وشره من الله تعالى وأخبار الرواية والشفاعة وغير ذلك مما كان الراوي في الأصل واحدا ثم اشتهر وتلقاه العلماء بالقبول وهذا معنى قول المصنف والحديث مشهور. وقال صاحب " الدراية ": وفي كون الحديث مشهورا تأمل. قلت: ليس التأمل إلا في قول من يقول: إنه غير مشهور، أفلا يكفي شهرته عمل هؤلاء الكبار من الصحابة، وهم أئمة كبار ونبلاء الصحابة فكان قولهم معمولا به؟ م: (وبمثله) ش: أي بمثل هذا الحديث (يزاد على الكتاب وتمسكه) ش: أي وتمسك هذا الحديث مبني على الكتاب كما في المطلقة ثلاثا فإنه يراد الدخول عليه بالحديث المشهور، وقال السروجي: فيه نظر كبير؛ لأن المشهور عندنا ما تلقته الأئمة بالقبول وعملت به. وقال البزدوي: ما كان من الآحاد ثم انتشر بنقل قوم لا يمكن تواطؤهم على الكذب، وهذا الحديث إن عمل به واحد واثنان من الصحابة لم يعمل به الباقون فكيف يكون مشهورا. قلت: قال شيخ الإسلام: شرط كون الخبر مشهورا أن يكون آحادا في الأصل بأن يكون الراوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مرتبة الآحاد متواتر النقل بأن ينقله في القرن الثاني وما بعده قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب. وهذا الحديث كذلك ويعرف بالتأمل ويؤيد ذلك ما روي من فتاوى نجباء الصحابة في زمان أشد فيه باب الوحي. وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": يستدل بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) على جواز الوضوء بنبيذ التمر من وجهين: أحدهما: بقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] عموم في جميع المائعات؛ لأنه يسمى غاسلا بها إلا ما قام الدليل فيه، ونبيذ التمر ما شمله العموم. الثاني: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (المائدة: الآية 6) ، فإن ما أباح إلا عند عدم كل جزء من الماء لأنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه سواء كان مخالطا بغيره أو منفردا بنفسه ولا يمنع
وأما الاغتسال به فقد قيل: يجوز عنده اعتبارا بالوضوء استحسانا، وقيل: لا يجوز لأنه فوقه، والنبيذ المختلف فيه الذي يجوز الوضوء به أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء، وما اشتد منها صار حراما لا يجوز التوضؤ به وإن غيرته النار فما دام حلوا فهو على الخلاف، وإن اشتد فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز التوضؤ به لأنه يحل شربه عنده، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يتوضأ به لحرمة شربه عنده، ـــــــــــــــــــــــــــــQأحد أن يقول في نبيذ التمر ماء فلما كان كذلك وجب أن لا يجوز التيمم مع وجوده بالظاهر، ويدل على ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ بمكة قبل نزول الآية في التيمم م: (وأما الاغتسال به) ش: أي بنبيذ التمر فكأن هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: قد ذكرت عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز الوضوء بالنبيذ فهل حكم الاغتسال به مثل الوضوء أم لا فقال: وأما الاغتسال ... إلخ، ولا نص عن أبي حنيفة في الاغتسال به ولكنهم اختلفوا م: (فقد قيل: يجوز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (اعتبارا بالوضوء) ش: وهو الأصح؛ لأن الخصوص عن القياس بالنص ملحق به ما هو في معناه من كل وجه وأشار إلى ذلك م: (استحسانا) ش: أي استحسنه استحسانا. م: (وقد قيل: لا يجوز) ش: أي الاغتسال به م: (لأنه فوقه) ش: أي لأن الاغتسال فوق الوضوء؛ لأن الحديث ورد في الوضوء والاغتسال فوقه فلا يلحق به، لأن الجنابة أغلظ الحدثين والضرورة فيه دون الوضوء. وقال في " المبسوط ": الأصح فيه أنه يجوز الاغتسال به، وقال في المفيد: لا يجوز به وهو الأصح. م: (والنبيذ المختلف فيه) ش: أشار به إلى بيان نبيذ م: (الذي يجوز الوضوء به) ش: الذي اختلفنا فيه م: (أن يكون حلوا رقيقا يسيل على الأعضاء كالماء) ش: قد بينا في أول المسألة حقيقة النبيذ وحاصله أنه لا يجوز الوضوء به إلا بشرطين: أحدهما: أن يكون رقيقا، والآخر: أن يكون سائلا كالماء ولا يكون مشتدا. وشرط آخر: أن لا يكون مسكرا أشار إليه بقول: (وما اشتد منه صار حراما لا يجوز التوضؤ به) ش: أي لا يجوز الوضوء به إجماعا لأنه صار مسكرا حراما. م: (وإن غيرته النار) ش: وإن غيرت النبيذ النار بأن طبخوه فيها م: (فما دام حلوا فهو على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور وهو جواز الوضوء إجماعا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم يخرج عن كونه طهورا كالماء، وعند أبي يوسف يتيمم، وعند محمد: يجمع بينهما م: (وإن اشتد) ش: أي وإن اشتد النبيذ الذي غيرته النار وصار مسكرا م: (فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز التوضؤ به لأنه يحل شربه عنده وعند محمد لا يتوضأ به لحرمة شربه عنده) ش: يعني شربه حرام عند محمد. وفي " المفيد " " والمزيد ": الماء الذي ألقي فيه تمرات فصار حلوا ولم يزل عنه اسم الماء وهو رقيق يجوز الوضوء به بلا خلاف بين أصحابنا، وإن طبخ أدنى طبخة لا يجوز الوضوء به حلوا
ولا يجوز التوضؤ بما سواه من الأنبذة جريا على قضية القياس. ـــــــــــــــــــــــــــــQكان أو مرا أو مسكرا، قال: وهو الأصح لأن المتنازع فيه المطبوخ الذي زال عنه اسم الماء بالحديث. وقال الكرخي: وهو المطبوخ وأدنى طبخه يجوز الوضوء به حلوا كان أو مسكرا إلا عند محمد في المسكر. وقال أبو طاهر الدباس: لا يجوز، قال في " المحيط ": وهو الأصح كمرق الباقلاء، وقال المرغيناني والأسبيجابي: منع محمد على أبي يوسف في الزيادات فقال: يجوز التوضؤ به بسؤر الحمار، ولم يرو فيه أثرا ويمنع بنبيذ التمر، وقد ورد فيه الأثر. قلت: ناقض المصنف كلامه الذي في باب الماء الذي يجوز به الوضوء فإنه قال هناك: وإن تغير بالطبخ بعدما خلط به غيره لا يجوز التوضؤ به لأنه لم يبق في معنى المنزل من السماء إذ النار غيرته. م: (ولا يجوز التوضؤ بما سواه من الأنبذة) ش: أي بما سوى نبيذ التمر كنبيذ الزبيب والتين والحنطة والذرة ونحوها هذا عند عامة العلماء. وقال الأوزاعي: يجوز التوضؤ بالأنبذة كلها حلوا كان أو غير حلو، مسكرا أو غير مسكر، نيئا كان أو مطبوخا إلا الخمر خاصة. وقال ابن أبي ليلى: يجوز التوضؤ بماء العنب إذا لم يكن مشتدا كما في التمر. م: (جريا على قضية القياس) ش: لأن القياس كان يقتضي أن لا يجوز استعمال النبيذ في إزالة الأحداث ولكنه خص بالأثر على خلاف القياس، فيقتصر على مورد النص ويبقى الباقي على موجبه؛ ولأنه في الحديث علل باسمه وصفته فقال: «تمرة طيبة» وهو من العلل القاصرة، فلما لم يوجد في غيره لم يجز غيره. قلت: ينبغي أن يجوز التوضؤ بسائر الأنبذة كما قاله الأوزاعي إما بدلالة الأنبذة بالنص، وإما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبه على العلة حيث قال: «تمرة طيبة» وهذا المعنى موجود في نبيذ الزبيب وغيره، فصار كالهرة الطائفة على العلة فيها بقوله: «فإنها من الطوافين والطوافات» قيس عليها سائر سواكن البيوت لوجود المعنى. فإن قلت: جريا منصوب بماذا. قلت: الجري مصدر من جرى الماء وغيره لازم والمتعدي أجري وانتصابه على التعليل أي لأجل الجري على قضية القياس، ويجوز أن جريا بمعنى جاريا ويكون منصوبا على الحال والتقدير في الأول: عدم جواز التوضؤ بما سواه من الأنبذة لأجل الجري على قضية القياس، وفي الثاني: حالة كونه جاريا على قصية القياس.
[باب التيمم]
باب التيمم ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب التيمم] [تعريف التيمم] م: (باب التيمم) ش: أي هذا باب في بيان أحكام التيمم فيكون ارتفاع باب على الخبرية، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: هذا باب التيمم لما يأتي، ويجوز انتصابه على المفعولية والتقدير: خذ أو هاك باب التيمم، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في أحكام المياه، التي هي الأصل في باب الطهارة، وهذا الباب في بيان الخلف وحقه أن يكون عقيب الأصل، أو تقول: إنه ابتدأ بالوضوء الذي هو طهارة صغرى ثم ثنى بالغسل الذي هو طهارة كبرى، ثم ثلث بالتيمم لكونه خلفا وظيفته التعقيب. وقال صاحب " الدراية ": ابتدأ بالتيمم تأسيا بكتاب الله، وابتدأ بالوضوء؛ لأنه الأعم الأغلب، ثم بالغسل لأنه الأندر، ثم بالآية التي يحصلان بها وهو الماء المطلق، ثم بالعوارض التي تعرض عليه من المخالطة طاهر أو نجس، ثم الخلف وهو التيمم. قلت: قوله: ابتدأ بالتيمم لا وجه له أصلا إن أراد بالابتداء الابتداء في أول الكتاب فليس كذلك، وإن أراد به هاهنا فلا وجه له؛ لأنه ليس بابتداء به بل هو ذكر بالتعقيب والصواب ما ذكرنا. وقوله أيضا: تأسيا بكتاب الله، ليس كذلك لأن المذكور في كتاب الله الوضوء ثم الغسل ثم التيمم، والتأسي لا يكون إلا بذكره هكذا ولا يقال كيف يترك التأسي في تقديم المسافر وخارج المصر على المريض، مع أن الله تعالى قدم المريض على المسافر؛ لأنا نقول: التيمم مرتب على عدم الماء وهو في المسافر وخارج المصر حقيقي، وفي المريض حكمي. ثم اعلم أن أصل التيمم من الأم وهو القصد، يقال: أمه يؤمه أما إذا قصده، ويقال: أم وتأيم وتيمم بمعنى واحد ذكره أبو محمد في " كتاب الراعي " وفي " المحكم "، وأتيمه والتيمم أصله من ذلك؛ لأنه يقصد التراب فيمسح به، وفي " الجامع " عن الخليل: التيمم يجري مجرى التوضؤ بقوله: تيمم أطيب ما عذب وأسقانا منه، أي توضأت. وقال الفراء: ولم أسمع يممت بالتخفيف. وفي " المهذب " لأبي منصور: التيمم التعمم، وفي الصحاح: يممت فلانا أي قصدته. قال الشاعر: وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني أي الخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشيء الذي هو يبتغيني قلت: اسم الشاعر اللقب العبسي، وقال الشيباني: رجل يمهم يظفر بكلامنا يطلب.
[شرائط التيمم]
ومن لم يجد الماء وهو مسافر أو خارج المصر ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي الشرع: التيمم هو القصد إلى استعمال الصعيد في أعضاء مخصوصة على قصدر الطهارة بشرائط مخصوصة، فالاسم الشرعي فيه معنى اللغوي. [شرائط التيمم] [عدم وجود الماء] م: (ومن لم يجد الماء وهو مسافر) ش: الواو في مثل هذه المواضع تسمى واو الاستفتاح كذا سمعت من مشايخي، ويجوز أن يكون العطف على ما قبله من الأحكام المتعلقة بالوضوء، وكلمة من موصولة بمعنى الذي، وقال بعض من لا خبرة له: إن كلمة من هنا تتضمن معنى الشرط، فكان ينبغي إدخال الفاء في جوابها، ولكن المصنف تركه. قلت: هذا كلام من لا يصرف له، ولأنه إن من المتضمن معنى الشرط يكون الجزاء مجزوما نحو من يلزمني ألزمه إلا إذا كان الجزاء ماضيا فحينئذ لا يظهر فيه الجزم، وأما إذا كان الجزاء جملة فلا بد من الفاء فيه، وقد تحذف في ضرورة الشعر. وقال ابن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في النثر نادرا. قوله: وهو المسافر، جملة اسمية وقعت حالا، وقد علم أن الجملة الاسمية إذا وقعت حالا فلا بد فيها من الواو، وقد تحذف كما في قوله: كلمته فوه إلى في. فإن قلت: لم قدم المسافر على المريض هنا وفي كتاب الله ذكر المريض مقدم. قلت: قدم ذكره في كتاب الله تطييبا لقلبه، ولأن المرض عارض جاء من الله تعالى من غير اختيار العبد، والسفر عارض باختياره وقد ذكرناه عن قريب. م: (أو خارج المصر) ش: يجوز فيه النصب والرفع، أما النصب على وجوه: أحدها: أن يكون نصبا على الحال، عطفا على الجملة الحالية التي قبله. قال السغناقي في الآية: لما جاز عطف الجملة الحالية على المفرد من الحال في قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] (آل عمران: الآية 191) أي مضطجعين على جنوبهم جاز عليه أيضا، قلت: قياما بمعنى قائمين، وقعودا بمعنى قاعدين، فحينئذ لا يكون عطف الجملة على المفرد اللهم إذا قلنا بذلك نظرا إلى اللفظ. الوجه الثاني: أن يكون مفعولا فيه تقديره أو في مكان خارج المصر، كذا قال السغناقي وغيره، ولكن تحدثه شيء وهو أن لفظة خارج عارض هنا اسم لظاهر البلد وفيما قالوا: اسم لفعل الخروج والأول هو الأولى والأوجه. وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أو هو خارج المصر فتكون الجملة عطفا على الجملة السابقة فيكون محلها النصب على الحال، ثم إن قوله: أو خارج المصر، ولقول من يقول: إنه لا يجوز إلا للمسافر.
وبينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر ـــــــــــــــــــــــــــــQذكر في " المحيط "، وقال في الناس: من قال: لا يجوز التيمم لمن خرج من المصر إلا إذا قصد سفرا صحيحا، والمعنى: ويجوز لمن هو خارج المصر وإن لم يكن مسافرا وفيه أيضا نفي لجواز التيمم في الأمصار سوى المواضع المستثناة وهذا موافق لما ذكره في " شرح الطحاوي " حيث قال: إن التيمم في المصر لا يجوز إلا في ثلاث: أحدها: إذا خاف من فوت صلاة الجنازة إن توضأ. والثانية: عند خوف فوت صلاة العيد. والثالثة: عند خوف الجنب من البرد بسبب الاغتسال. وقال الإمام التمرتاشي: من عدم الماء في الحضر لا يجوز له التيمم لأنه نادر، وذكر في " الأسرار " جواز التيمم لعادم الماء في الأمصار. فإن قلت: فعلى هذا لا يكون قوله: أو خارج المصر مبينا لجواز التيمم في الأمصار، والأقل جواز التيمم لعدم الماء سواء كان في المصر أو خارجه. م: (وبينه وبين المصر نحو ميل) ش: وفي بعض النسخ الميل بالألف واللام ولا وجه له، أي والحال أن بين خارج المصر وبين المصر ميل يعني قدر ميل. وقال الأترازي: ولو قال: بينه وبين الماء مكان وبين المصر لكان أحسن ليشمل الشخص جميعا المسافر والخارج عن المصر، وهذا لأن المعتبر هو الأبعد بين المتيمم وبين الماء سواء كان في المصر أو غيره. قلت: إنما يكون ما قاله أحسن لو قال: وبينهما أي وبين المسافر والخارج عن المصر ولما رد الضمير إلى الخارج عن المصر وقال: وبين المصر؛ لأن الخارج من المصر إذا عدم الماء فالضرورة غالبا لا يجد الماء إلا في المصر فذكر المصر ليستلزم الخارج من المصر من غير عكس، ثم الميل ثلث فرسخ أربعة آلاف ذراع، قال محمد بن قدح الشامي: طولها أربعة وعشرون أصبعا، بعدد حروف لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعرض الأصبع ست حبات شعير ملصقة ظهر البطن، وزنة الحبة من الشعيرة ستون حبة خردل وهو الذراعي الملكي وبه ذرع هارون الرشيد الرق وجعل الفرسخ ثلاثة أميال، والبريد اثني عشر ميلا. وفسر ابن شجاع الميل: بثلاثة آلاف ذراع، وفسر الغلوة بثلاثمائة ذراع أي أربعمائة ذراع كذا في " الذخيرة "، وفي " الينابيع ": الميل ثلث الفرسخ أربعة آلاف خطوة ذراع ونصف بذراع العامة وهو أربعون وعشرون أصبعا. م: (أو أكثر) ش: بالرفع عطف على قوله: ميل وارتفاع ميل بالابتداء وخبره قوله: وبينه وبين المصر، ويجوز بالنصب على أن يكون لفظ كان مقدرا فيه والتقدير أو كان أكثر من الميل.
يتيمم بالصعيد ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: أفعل التفضيل لا يستعمل إلا بأحد الأشياء الثلاثة بالإضافة والألف واللام وكلمة من وليس شيء من ذلك هاهنا. قلت: قد يستعمل مجردا عنها كما في قولك: الله أكبر. فإن قلت: قوله: أو أكثر مستغنى عنه لا فائدة تحته. قلت: أجيب عنه بأجوبة: الأول: أنه للتأكيد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] (الحاقة: الآية 13) ، لأن معنى التأكيد هو أن يستفاد من الثاني ما استفيد من الأول وهذا كذلك قال الأكمل: ورد بأن تخلل العاطف يأباه. قلت: الذي رد هو صاحب " الكافي ". والوجه الثاني: أن المسافة تعرف بالحرز والظن، فلو كان في ظنه أن بينه وبين الماء نحو ميل أو أقل لا يجوز حتى يتبين أنه ميل. قال الأكمل: وفيه نظر لأنه مبني على أنه حرزا أو ظنا فمن أين يتحقق ذلك؟ قلت: معرفة المسافة بالحرز والظن يكون مبني عليه. الثالث: قال الأترازي: الأصل في الدلالات المطابقة لا الالتزام فذكره بفهم الحكم بالمطابقة. قلت: هذا عجيب والحكم بالمطابقة فهم من قوله: ميل؛ لأن هذا معناه المطابق ويفهم منه جواز التيمم في هذا المقدار ففي أكثر منه بالطريق الأولى. الرابع: أنه ذكر رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الماء إن كان قدامه فالمسافة ميلان، وإن لم يكن فميل وفيه نظر؛ لأنه يلزم منه أن يكون أربعة أميال ذهابا وإيابا. الخامس: قال السروجي: يحتمل أن يكون ذلك شكا من الراوي في قوله: فإن صلت وربع ساقها أو ثلثه مكشوف، وفيه نظر لأنه إنما قيل: ربع ساقها أو ثلثه إشارة إلى أن كل واحد منهما رواية. والسادس: أن قوله: ميل في الجهات الثلاث، وقوله: أو أكثر فيما أمامه أو أكثر على قول من شرط ميلين ورد بما رد به الوجه الرابع. السابع: أن الذي قدره الشرع أربعة أنواع: الأول: أن يمنع الأقل والأكثر كالحدود والصلوات المفروضة والمواريث. الثاني: أن يمنعها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] (النساء: الآية 40) . الثالث: أن يمنع الأقل لا الأكثر كنصاب الشهادة والسرقة والزكاة. الرابع: أن يمنع الأكثر لا الأقل كمدة إمهال المرتد ومدة جواز الصلاة على الميت المدفون من غير صلاة، وما في الكتاب من قبل النوع الثالث ذكره تنبيها للناظرين. م: (يتيمم بالصعيد) ش: خبر المبتدأ عن قوله: من لم يجد، وجواب المسألة: والصعيد
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء» ـــــــــــــــــــــــــــــQالتراب، قال الجوهري: وقال ثعلب الصعيد وجه الأرض لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] (الكهف: الآية 40) ، والجمع: صعد وصعدات مثل طريق وطرق وطرقات سمي به لصعوده وهو فعيل بمعنى مفعول أو مصعود عليه. حكاه ابن الأعرابي والخليل وثعلب، وفي " معاني الزجاج ": الصعيد: وجه الأرض، كان موضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس وجه التراب، وإنما وجه الأرض تراباً كان أو صخراً لا تراب عليه، وقال: لا أعلم خلافاً بين أهل اللغة في أن الصعيد وجه الأرض. وقال قتادة: الصعيد الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر، وقال ابن دريد: المستوي، وسيأتي الخلاف في هذا الباب. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أشار بهذا إلى أن ثبوت التيمم بالكتاب والسنة. أما الكتاب فهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6] كان نزولها في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق حين أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس معه على التماس عقد عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين أنقطع فأصبحوا على غير ماء. فأنزل الله تعالى آية التيمم، بحديث العقد رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود، والمريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وكسر السين المهملة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة. وفي آخره عين مهملة وهو اسم ماء بناحية قديد بين مكة والمدينة. وكانت غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة الثالثة من الهجرة، وقيل: سنة أربع. قوله {طَيِّبًا} [المائدة: 6] أي طاهراً عند الأكثرين، وقيل: حلالاً. وقال الشافعي: الطيب المنبت الخالص ولهذا لا يجوز التيمم بغير التراب، وسيجيء الكلام فيه مستوفى إن شاء الله تعالى. وأما السنة فقد أشار إليها بقوله: م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء» ش: وقوله: مجرور؛ لأنه معطوف على قَوْله تَعَالَى، والحديث روي عن أبي هريرة وأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث أبي هريرة فرواه البزار في " مسنده "، حدثنا مقدم بن محمد المقدمي، حدثنا القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبشرته» . وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولم نسمعه إلا من مقدم وكان ثقة. ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة، حدثنا مقدم بن محمد المقدمي به، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: «كان أبو ذر في غنيمة بالمدينة، فلما جاء قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا أبا ذر " فسكت فرددها عليه فسكت، فقال: " يا أبا ذر ثكلتك أمك " قال: إني جنب، فدعا له الجارية بماء فجاءته به فاستتر براحلته ثم اغتسل، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يجزئك الصعيد ولو لم تجد الماء عشرين سنة، فإذا وجدته فأمسه جلدك» وقال: لم يروه عن ابن سيرين إلا هشام، ولا عن هشام إلا قاسم، تفرد به مقدم، وذكر ابن القطان في كتابه من جهة البزار وقال: إسناده صحيح وهو غريب من حديث أبي هريرة. وأما حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين ما لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير» رواه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وفي رواية لأبي داود والترمذي: «طهور المسلم» ، ورواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث حسن صحيح، ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو راويا غير أبي قلابة، وضعف هذا الحديث ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام "؛ لأن فيه عمرو بن بجدان وهو لا يعرف حاله. قلت: العجب منه لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تعريفه بالحديث، وبجدان بضم الباء الموحدة وسكون الجيم. وقول المصنف: «التراب طهور المسلم» ، لم يقع بهذا اللفظ إلا في رواية للترمذي، وفي
والميل هو المختار في المقدار ـــــــــــــــــــــــــــــQرواية لأبي داود: «الصعيد طهور» . قوله: (ولو إلى عشر حجج) : أي عشر سنين، وكذا لفظ حديث أبي هريرة، والمراد نفس الكثرة لا عشرة بعينها. وتخصيص العشرة لأجل الكثرة؛ لأنه منتهى عدد الآحاد، والمعنى: له أن يفعل التيمم مرة بعد مرة أخرى، وإن بلغت مدة عدم الماء إلى عشر سنين، وليس معناه أن التيمم دفعة واحدة يكفيه عشر سنين. قوله: (ما لم يجد الماء) المراد به الماء الذي يكفي لرفع الحدث؛ لأن ما دونه يستوي فيه وجوده وعدمه، إذ لا تثبت به استباحة الصلاة فكان كالمعدوم. فإن قلت: " ماء " في قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) نكرة في سياق النفي فتناول ما يسمى به ماء قليلا كان أو كثيرا. قلت الآية سبقت لبيان الطهارة الحكمية فكان معنى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] طهورا محللاً للصلاة وبوجود ما لا يكفي للوضوء لم يوجد ما يحلل الصلاة. واعلم أن المراد من الوجود القدرة، ومعنى الآية: فلم تقدروا على استعماله، ولفظ الوجود كما يستعمل للظفر بالشيء يستعمل للقدرة عليه. يقال: الشيء ظفر به ووجده إذا قدر عليه، فحملناه على القدرة هاهنا لاعتماد التكليف عليها إلا على الوجوب مطلقاً، ألا ترى أن [ ... ] الذي إذا تعذر عليه الوضوء منه ولا يجد من يوضئه يباح له التيمم، والماء أما وضوء على الطريق لا يمنع التيمم، إلا إذا كان كثيرا يعلم أنه وضع للوضوء والشرب، والغني والفقير سواء، وما وضع للتوضؤ يجوز الشرب منه. وفي المرغيناني: الماء الذي يحتاج إليه للعطش والخبز وكذا الثمن يحتاج إليه للعطش أو العجين تيمم معه، ولاتخاذ المرقة لا يتيمم؛ لأن حاجة الطبخ دون حاجة العطش والخبز، وكذا الثمن الذي يحتاج إليه للزاد يتيمم معه بمنزلة ماء العطش، وعطش رفيقه كعطش نفسه، وعطش دابته وكلبه كذلك. م: (والميل هو المختار في المقدار) ش: أي في مقدار بعد الماء وجه كونه مختاراً أن المسافة القريبة جداً مانعة من جواز التيمم والبعد يجوزه له، فقدر البعيد بالميل لإلحاق الحرج إلى وصول الماء، وفيه احتراز عن غيره من الأقوال، وعند محمد: شرطه أن يكون بينه وبين المصر ميلان. وعن أبي يوسف: لو ذهب إليه وتوضأ به وتذهب القافلة وتغيب عن بصره يجوز التيمم، وهذا أحسن جداً. وقيل: إذا كان نائياً عن بصره.
[العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه]
لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر والماء معدوم حقيقة، والمعتبر المسافة دون خوف الفوت؛ لأن التفريط يأتي من قبله، ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض فخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه يتيمم لما تلونا، ولأن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء ـــــــــــــــــــــــــــــQواختلفوا في النائي، قيل: قطع ميل، وعن محمد: قطع ميلين، وقيل: فرسخ، وقيل: جواز قصر الصلاة، وقيل: عدم سماع الأذان. وقيل: عدم سماع أصوات الناس، وقيل: لو نودي من أقصى المصر لا يسمع. وفي " البدائع " إن ذهب إليه لا ينقطع عند جلبة الغير ويحسن أصواتهم وأصوات دراء فهو قريب. وقيل: إن كان بحيث يسمع أصوات أهل الماء فهو قريب. قال قاضي خان: وأكثر المشايخ عليه. وكذا ذكره الكرخي. وأقرب الأقوال اعتبار الميل ولا يبلغ ميلاً، وعن محمد: يبلغ، وقال زفر: إن خشي فوت الوقت يجوز، وإن كان قريباً. فإن قلت: النص مطلق عن اشتراط المسافة فلا يجوز تقييدها بالرأي. قلت: المسافة القريبة غير مانعة بالإجماع، والبعيدة غير مانعة بالإجماع، فجعلنا الفاصل بينهما الميل، أشار إليها بقوله م: (لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر والماء معدوم حقيقة) ش: أي؛ لأن المكلف يلحقه الحرج وهو مدفوع شرعاً. وقال الأترازي: فلو قال بإبانة الماء لكان أولى، وتكلمنا فيه عند قوله: " بينه وبين المصر ". م: (والمعتبر المسافة) ش: أي الاعتبار في جواز التيمم كون الماء إلى الماء م: (دون خوف الفوت) ش: أي وقت الصلاة. وقال الأترازي: هذا يحتاج إلى قيد آخر بأن يقال: دون خوف الفوت إذا كان إلى خلف؛ لأنه إذا خاف الفوت لا إلى خلف يكون خوف الفوت معتبراً كما في صلاة العيد والجنازة حتى يحتاج إلى التيمم. قلت: لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه عن قريب يذكر هذا الحكم مفصلاً وفيه احتراز عن قول زفر، فإن عنده يجوز التيمم إذا خاف لفوت الوقت، وإن كان الماء قريباً أقل من ميل هو يقول لإطلاق الآية. وأشار المصنف إلى دليلنا بقوله: م: (لأن التفريط) ش: أي التقصير م: (يأتي من قبله) ش: أي من تأخيره الصلاة، فليس له أن يتيمم إذا كان الماء قريباً منه. [العجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه] م: (ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض) ش: إلا ها هنا بمعنى لكن، وفي كل موضع شأنه هذا م: (فيخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه يتيمم) ش: واشتداد المرض تارة يكون بالتحريك كالمبطون ومن به العرق المديني، وتارة يكون باستعمال الماء بالجدري والحصبة م: (لما تلونا) ش: أراد به قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) م: (ولأن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء) ش: أي؛ لأن الضرر الحاصل له عندي خوفه من زيادة المرض إذا استعمل الماء فوق ضرره في زيادة ثمن الماء الذي يباع بأكثر من ثمنه، فإذا كان الحرج مدفوعاً عند زيادة الثمن في الماء فاندفاعه
وذلك يبيح التيمم فهذا أولى، ولا فرق بين أن يشتد مرضه بالتحرك أو بالاستعمال، واعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خوف التلف، وهو مردود بظاهر النص. ـــــــــــــــــــــــــــــQعند الخوف من زيادة المرض أولى وأجدر؛ لأن النفس أعز من المال. م: (وذلك) ش: إشارة لما ذكرنا من زيادة ثمن الماء م: (يبيح التيمم فهذا أولى) ش: هذا إشارة لما ذكرنا من زيادة المرض. م: (ولا فرق) ش: في المرض م: (بين أن يشتد مرضه بالتحريك) ش: كالمبطون كما ذكرنا م: (أو بالاستعمال) ش: أي باستعمال الماء كالجدري. م: (واعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خوف التلف) ش: أي تلف نفسه أو عضوه، وهذا الذي ذكره المصنف هو القول الجديد للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقوله القديم مثل قولنا في " شرح الوجيز "، أما مرض يخاف منه زيادة العلة وبطء البرء فقد ذكر فيه ثلاثة طرق: أحدها: أن في جواز التيمم قولان: أحدهما المنع وهو قول أحمد، وأظهرهما الجواز، وهو قول الإصطخري وعامة أصحابه وهو قول مالك وأبي حنيفة. وفي " الحلية " وهو الأصح قال: إن كان مرض لا يلحقه باستعماله ضرراً كالصداع والحمى لا يجوز له التيمم. وقال داود: يجوز، ويحكى عن مالك، وعطاء، والحسن البصري، أنه لا يجوز للمريض إلا عند عدم الماء، ولو خاف من استعمال الماء شيئاً في المحل، قال أبو العباس: لا يجوز له التيمم على مذهب الشافعي. وقال غيرهما: إن كانت الشين كأثر الجدري والحراقة ليس له التيمم، وإن كان يؤمن من خلفه ويؤذي من وجهه كثيراً فيه قولان. والثاني من الطرق أنه لا يجوز قطعاً. والثالث: أنه يجوز قطعاً. وأجمعوا على أنه لو خاف على نفسه الهلاك أو على عضوه ومنفعته يباح له التيمم. وحكى صاحب " الحاوي " في خوف أحدهما فيه قولان كما في زيادة المرض، وأصحهما يقطع بالجواز كما قال الجمهور. وقال إمام الحرمين عن العراقيين أنهم قالوا في جواز التيمم من خاف مرضا مخوفا قولين، وهذا النقل عنهم مشكل، فإن الموجود في كتبهم كلها القطع بجواز التيمم لخوف حدوث مرض مخوف، وقد أشار الشافعي أيضاً إلى الإنكار على إمام الحرمين في هذا النقل. م: (وهو) ش: أي قول الشافعي م: (مردود بظاهر النص) ش: وهو قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، فإنه أباح التيمم بكل مرض من غير فصل، وهذا الرد لا يستقيم إلا على أحد قوليه الذي هو غير صحيح وغير مشهور.
[خوف الضرر من استعمال الماء]
ولو خاف الجنب إن اغتسل أن يقتله البرد أو يمرضه يتيمم بالصعيد، وهذا إذا كان خارج المصر لما بينا، ولو كان في المصر فكذلك يتيمم عند أبي حنيفة خلافا لهما، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: كيف لا يتناول لمن لا يشتد مرضه. قلت: بسياق الآية وهو قَوْله تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) فإن الحرج إنما يلحق من يشتد مرضه فبقي الباقي على ظاهرها. فإن قلت: لا نسلم إطلاق النص لتقييده بالعدم. قلت: العدم شرط في حق المسافر دون المريض. [خوف الضرر من استعمال الماء] م: (ولو خاف الجنب إن اغتسل أن يقتله البرد) ش: كلمته الأولى مكسورة والثانية مفتوحة، في محل النصب على أنه مفعول لقوله " خاف " ثم إنه ذكر الجنب ولم يذكر المحدث. قال في " الأسرار ": إنهما سواء على قول أبي حنيفة. وذكر قاضي خان: ثم الجنب الصحيح في المصر إذا خاف الهلاك بالبرد جاز له التيمم على قوله: وأما المسافر إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم بالاتفاق، وأما المحدث في المصر فاختلفوا فيه على قول أبي حنيفة في المحدث، اختلاف الرواية يجوزه شيخ الإسلام، ولم يجوزه الحلواني. وقال صاحب " الدراية " عنه أنه قال: مشايخنا في ديارنا لا يجوزون للمقيم أن يتيمم بالاتفاق؛ لأن في عرف ديارنا أجرة الحمام بعد الخروج فيمكنه أن يدخل الحمام ويغتسل ويعتذر بالعسرة. م: (أو يمرضه) ش: عطف على قوله: " أن يقتله البرد " وهو مرفوع؛ لأنه فاعل لقوله: أن " يقتله " وهو من الأمراض أي يمرضه البرد م: (يتيمم بالصعيد) ش: جواب لرد هو جواب المسألة. م: (وهذا) ش: إشارة إلى جواز التيمم م: (إذا كان) ش: أي الذي يريد به التيمم لأجل الخوف من استعمال الماء من الموت أو المرض م: (خارج المصر لما بينا) ش: أراد به قوله؛ لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر. م: (ولو كان) ش: أي لو كان الجنب الخائف من المرض أو القتل م: (في المصر فكذلك يتيمم عند أبي حنيفة خلافاً لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد، وذكر في " قاضي خان " الجنب الصحيح في المصر إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم في قولهم جميعاً. وأما المحدث في المصر إذا خاف الهلاك من التوضؤ اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة، والصحيح: أنه لا يباح له التيمم بالاتفاق، وإن كان عنده من يعينه على استعمال الماء المتعين حراً أو امرأة جاز له التيمم في قول أبي حنيفة، وعندهما: لا يجوز وإن كان المعين مملوكاً اختلف المشايخ على قوله، وقيل: إن كان المعين بغير بدل لا يجوز له التيمم بالاتفاق، وبأجر يتيمم عنده قل أو كثر، وقالا بربع درهم.
هما يقولان إن تحقق هذه الحالة نادر في المصر فلا يعتبر، وله أن العجز ثابت حقيقة، فلا بد من اعتباره. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (هما) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يقولان إن تحقق هذه الحالة) ش: أي العجز م: (نادر في المصر فلا يعتبر) ش: لأن الغالب فيه على القدرة عليه دخول الحمام فلا يعتبر النادر. م: (له) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن العجز ثابت حقيقة) ش: إذ الغرض خوف الهلاك مع وجود الماء ومشروعية التيمم لدفع الحرج وهو شامل لهما م: (فلا بد من اعتباره) ش: ولو كان نادراً في المصر إذا تحقق فلا بد أن يجب الخروج عند عهدته، ولهذا لو عدم الماء في المصر يتيمم ولو كان نادراً كما لو عدم في البرد، ولهما نظائر على هذا الخلاف منها إذا كان لا يقدر على استعمال القيام بنفسه، ومنها إذا كان على فراش نجس، ولا يمكنه التحول إلى مكان طاهر ثم وجد من يحوله. ومنها الأعمى إذا وجد قائداً يقوده إلى الجمعة والحج. واتفقوا على أنه إذا عجز عن القيام بنفسه وثم من يعينه يصلي قاعداً، والمقعد إذا وجد من يحمله إلى الجمعة لا جمعة عليه عند الكل ولا حج ولا حضور الجماعة. وقيل: الكل على الخلاف. فروع: المسافر خارج المصر يجوز له جماع زوجته وأمته عند عدم الماء وعليه عامة العلماء، يروى ذلك عن ابن عباس، وجابر، وزيد، وإسحاق، وقتادة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر. وعن على، وابن مسعود: يمنعه لعدم جواز التيمم عند ابن مسعود، ومثله عن ابن عمر، والزهري. وقال مالك: لا أحب له أن يصيب امرأته إلا ومعه ماء، عن عطاء إن كان بينه وبين الماء ثلاثة أميال لم يصبها وإن كان أكثر جاز، وعن أحمد في كراهته وجهان، وحديث «عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله الرجل يجنب ولا يقدر على الماء أيجامع زوجته؟ قال: " نعم» رواه أحمد، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف. والتيمم عن النجاسة المعينة لا يجوز، ومعناه: إذا كان على جسده نجاسة يتيمم لها وفي وجه بيديه لا يصح، وهو قول الجمهور من أهل العلم، خلافاً لأحمد وأصحابه في إعادة صلاته، ولو كانت على بدنه لا يتيمم بها، لكن ينبغي له أن يمسح موضع النجاسة بتراب تقليداً لها. ولنا: أن الغسل لا يكون في غير موضع النجاسة فكذا التيمم. وفي المرغيناني: المرتد
[أركان التيمم]
والتيمم ضربتان ـــــــــــــــــــــــــــــQالمسجون تلزمه الإعادة لصلاة التيمم، ولو جاءت قبل خروجه لا يأثم، ولو منع في السفر، وصلى بالتيمم لا يعيد، وفي صلاة الحسن لا يصلي حتى يقدر على الماء، ولو تيمم لقراءة القرآن الصحيح أنه لا تجوز الصلاة به، ولو تيمم لدخول المسجد أو مس المصحف جازت الصلاة به عند أبي بكر البلخي، وعامة المشايخ بخلافه، وعلى هذا التيمم لزيارة القبور وللتعليم لا يصلي به. وفي " التحفة ": لو تيمم لصلاة الجنازة، أو سجدة التلاوة، أو لقراءة القرآن فجاز له أن يؤدي جميع ما لا يجوز إلا بالطهارة بخلاف التيمم لمس المصحف ودخول المسجد، حيث لا يعتبر إلا في حقهما؛ لأنهما من أجزاء الصلاة. وفي القدروي لا يجوز التيمم لسجدة التلاوة وقيل هو جائز، ولو تيمم لسجدة الشكر لا يصلي به المكتوبة، وعن محمد: يصليها بناء على أنها قربة عنده. جنب، وحائض طهرت، وميت، معهم من الماء ما يكفي أحدهما فصاحب الماء أحق به، وبه قال مالك، وقال بعض الشافعية: يبيعه من الميت، وإن كان الماء لهم لا يجوز استعماله لأجل نصيب الميت. وفي " المحيط ": وينبغي أن يصرفا نصيبهما إلى الميت ويتيمما، وإن كان مباحاً فالجنب أولى به، وتتيمم المرأة ويتيمم الميت، وتقتدي المرأة بالرجل. وقال أحمد: الحائض أولى به لأجل حق زوجها في الوطء، وإن كان معهم محدث فكذلك. وقال المرغيناني وقيل: الميت أولى، والأول أصح. وفي " البدائع ": المحبوس في المصر عنده تراب طاهر يصلي يتيمم ويعيد. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يصلي، وهو قول زفر، وعن أبي يوسف: يصلي ولا يعيد كالمريض والمحبوس، وإذا لم يجد ماء، ولا تراباً نظيفاً فإنه لا يصلي عند أبي حنيفة، وعامة الروايات عن محمد. وقال أصبغ من المالكية: لا يصلي وإن خرج الوقت إلا بوضوء أو تيمم. وقال أبو يوسف: يصلي بالماء ويعيد، وبه قال محمد في رواية أبي سليمان. وقال بعض المشايخ: إنما يصلي بالإيماء إذا كان المكان رطباً، وإن كان يابساً يصلي بالركوع والسجود، والصحيح عنه أنه يؤدي كيف ما كان، ومذهب عمر، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن من لم يجد ماء لا يصلي، ذكره ابن بطال، وفي " المحيط " دل عليه أن الصلاة بغير طهارة، أو إلى غير القبلة، أو في ثوب نجس متعمداً يكفر، والصحيح أنه لا يكفر بغير طهارة ولا يكفر فيها. متيمم يصلي، قال يهودي: خذ هذا الماء يمضي في صلاته؛ لأنه مستهزئ به، فإن أعطاه بعدها أعاد. [أركان التيمم] م: (والتيمم ضربتان) ش: وبه قال الشافعي في الجديد، والثوري، والنخعي، والحسن وابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنافع، والليث، والأوزاعي، وابن الحكم، وإسماعيل القاضي، وهو قول ابن عمر، ومالك في " المدونة " وقال مالك وأحمد: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين، والرسغ مفصل الكف وأحد طرفيه كوع، ويقال: كاع أيضاً كياع وكوع يلي الإيهام، والآخر له كرسوع يلي الخنصر. وقال ابن أبي ليلى، وابن حي: ضربتان يمسح بكل واحدة منهما وجهه ويديه. وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات الثالثة لهما جميعاً، وعنه: ضربة ضربة للوجه وضربة للكف وضربة للذراعين. وعن الزهري إلى المناكب، ويروى عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وروى أبو داود أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح إلى أنصاف ذراعيه، قال ابن عطية: لم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت. وفي قواعد ابن رشد روي عن مالك الاستحباب إلى ثلاث والفرض اثنان. وفي " شرح الأحكام " لابن بزيزة قالت: طائفة من العلماء: يضرب أربع: ضربتان للوجه وضربتان للذراعين، وقال ابن بزيزة: وليس له أصل في السنة. قال أبو عمر: قال الأوزاعي: التيمم ضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى الكوعين، والفرض عند مالك إلى الكوعين والاختيار إلى المرفقين، وروي عن الأوزاعي وهو الأشهر قوله: التيمم ضربة واحدة يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين، والفرض هو قول عطاء والشعبي في رواية، وبه قال أحمد وإسحاق والطوسي، وفي " المغني " لابن قدامة المسنون عن أحمد التيمم بضربة واحدة، فإن تيمم بضربتين، جاز. وقال القاضي: الإجزاء يحصل بضربة واحدة، والكمال بضربتين. وقال الأكمل: قيل في قوله ضربتان إشارة إلى أن نفس الضرب داخل في التيمم، فمن ضرب يديه على الأرض للتيمم وأحدث قبل أن يمسح بهما وجه وذراعيه ثم مسحهما بهما لم يجز؛ لأنه أحدث بعد ما أتى ببعض التيمم، وكان كمن أحدث في خلال الوضوء. وذكر الأسبيجابي جوازه كمن ملأ كفيه ماء للوضوء ثم أحدث ثم استعمله. قلت: قيل: قائله السغناقي. وقال الأترازي عند قوله والتيمم ضربتان: والمقصود من الضرب أن يدخل الغبار في خلال الأصابع تحقيقاً بمعنى الاستيعاب كما هو ظاهر الرواية، وإنما قلنا هذا؛ لأن الوضع كاف وإن لم يوجد الضرب، وما قيل إنما اختار لفظ الضرب؛ لأن الآثار جاءت بلفظ الضرب ففيه نظر؛ لأن الله تعالى لم يقيده بالضرب في قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وكذا سائر الآثار كقوله: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج» وقوله: «جعلت لي الأرض مسجداً» وقوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ" عليكم بالصعيد " إلا أن بعضها جاء لفظ الضرب ولا يقال بمثله جاءت الآثار بلفظ الضرب. قلت: في نظره نظر؛ لأن استدلاله على ذلك بالآية والأحاديث الثلاثة غير صحيح؛ لأنها تدل على مشروعية التيمم ولا تدل على كيفيته، وكيفيته بأحاديث غيرها وفيها لفظ الضرب، منها في حديث عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم وفيه: «ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة» وفي رواية أخرى: فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض» . ومنها حديث ابن عمر رواه الحاكم في " مستدركه " والدارقطني في " سننه " قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» وله طريقان آخران في أحدهما: «تيممنا مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فضربنا بيدينا على الصعيد» وفي الآخر أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «في التيمم ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المفرقين» . ومنها حديث جابر، رواه الحاكم في " المستدرك " عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ضربتان ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين» . وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ومنها حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رواه البزار في " مسنده " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «في التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» . ومنها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه أبو داود عنه «عن عمار بن ياسر قال: كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالتراب إذا لم نجد الماء، فأمرنا فضربنا واحدة.» ومنها: حديث أبي موسى الأشعري أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وفيه: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بيديه على الأرض» ، ولحديث عمار طرق كثير، وفيها لفظ الضرب، ومن جملة طرقه طريق فيه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ومنها حديث أبي أمامة، أخرجه الطبراني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «التيمم
[كيفية التيمم]
يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين» ـــــــــــــــــــــــــــــQضربتان ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين» . ومنها: حديث الأسلع خادم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: «ضرب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بكفيه الأرض» . وأخرج الطحاوي من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بأربع طرق موقوفة صحاح، وفيها لفظ الضرب، وأخرج عن الحسن أنه قال: ضربة للوجه والكفين، وضربة للذراعين إلى المرفقين. وأخرج عن سالم أنه ضرب بيديه على الأرض حين سأله أيوب عن التيمم، وأخرج الشعبي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» . فإذا كان الأمر هكذا فكيف يقول الأترازي: وفي بعضها جاء لفظ الضرب، ولا يقال لمثله الآثار جاءت بلفظ الضرب، ولو اطلع على ذلك لم يقل هكذا. وقوله: وما قيل، قائله تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [كيفية التيمم] م: (يمسح بإحداهما وجهه) ش: أي يمسح المتيمم بإحدى الضربتين وجهه، م: (وبالأخرى) ش: أي ويمسح بالضربة الأخرى، م: (يديه إلى المرفقين) ش: أي مع المرفقين، وقال الأكمل: فيه نفي لقول الزهري، فإنه يمسح إلى الآباط، وهو رواية عن مالك نفي لرواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إلى الرسغ وهو مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قلت: أخذ هذا من " معراج الدراية "، وهذا ليس قول الزهري وحده، بل هو قوله وقول الأوزاعي، والأعمش، وقول قديم للشافعي، ثم قال: وهو مروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولم يبين مخرجه. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين» ش: إلى المرفقين، روى هذا الحديث عبد الله بن عمر، وجابر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقد ذكرنا جميعها عن قريب. وقال الحاكم في حديث ابن عمر: لا أعلم أحداً أسنده إلا علي بن ظبيان، عن عبد الله وهو صدوق، وقد وقفه يحيى بن سعيد وهشيم وغيرهما، ومالك عن نافع، وقال الدارقطني: هكذا رفعه علي بن ظبيان، وقد وثقه يحيى بن القطان وغيره وهو الصواب، وكذا قال ابن عدي،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقد ضعف بعضهم هذا الحديث بعلي بن ظبيان، فقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي، وأبو حاتم مثل ذلك. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. قلت: وثقه الحاكم، وقال: صدوق، ووقفه يحيى بن سعيد وهشيم وغيرهما، وحديث جابر صححه الحاكم، وقال الدارقطني رجاله كلهم ثقات، وقال ابن الجوزي: فيه عثمان بن محمد وهو متكلم فيه، وتعقبه صاحب الشيخ وقال: هذا الكلام لا يقبل منه؛ لأنه لم يبين من تكلم فيه، وقد روى عنه أبو داود، وأبو بكر بن أبي عاصم، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه صرح. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في حديث [الحريش بن الخريت] قال البخاري: فيه نظر، وأنا لا أعرف حاله. قلت: حريش بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره شين معجمه، والخريت بكسر الخاء المعجمة، وتشديد الراء المكسورة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره تاء مثناة من فوق. قال ابن ماكولا: روى عن ابن أبي مليكة، وروى عنه حرمي بن عمارة، ومسلم بن إبراهيم، وهذه الأحاديث حجة على قول من يقول: التيمم ضربة، وعلى من يقول: ثلاث ضربات، وحجة لمن يقول: إلى المرفقين، وعلى من يقول: إلى المناكب. وقال الخطابي: الاقتصار على الكفين أصح في الرواية، ووجوب الذراعين أشبه بالأصول وأصح في القياس. قلت: لأن الله تعالى أوجب في الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس في صدر الآية، وأسقط منها عضوين في التيمم، فبقي العضوان فيه على ما كانا عليه في الوضوء، وإنما ذكر الوجه واليدين لأجل إسقاط العضوين الآخرين؛ إذ لولا ذلك لم يحتج إلى ذكرهما؛ لأنه كان يؤخذ حكمه من الوضوءِ. فإن قلت: فقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم اليدين في التيمم، ولم يحمله على الوضوء، حيث مسح على الكفين في الحديث الثالث عن عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وإن ثبت مسحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المرفقين يحمل على الاستحباب، إذ لو كان واجبا لما تركه. قلت: لعله عبر بالكفين المعهودين في الوضوء. فإن قلت: وفي لفظ الدارقطني «ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين» يمنع هذا التأويل. قلت: لم يروه مرفوعاً عن حصين غير إبراهيم بن طهمان، وثقه شعبة وزائدة وغيرهما.
وينفض يديه ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وينفض يديه) ش: النفض تحريك الشيء ليسقط ما عليه من غبار وغيره وفيه خلاف، قيل ينفض مرة، وقيل مرتين. وفي " الزاد ": الأحوط أن يضرب بيديه على الأرض وينفضهما حتى يتناثر التراب فيمسح بهما وجهه، ثم يضرب أخرى فينفضهما ويمسح بباطن أربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، ثم يمسح بباطن كفه اليسرى ظاهر ذراعه اليمنى إلى الرسغ، ويمر بإبهام يده اليمنى، ثم يفعل بيده اليسرى كذلك. قال صاحب " الدراية ": هكذا حكى ابن عمر وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تيمم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأسلع كذلك. قلت: حديث ابن عمر رواه أبو داود، وفيه: «ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب أخرى فمسح ذراعيه» .. الحديث، وسنده ضعيف، ولابن عمر أحاديث غير هذا وقد ذكرناها عن قريب، وله حديث آخر أخرجه الحاكم والدارقطني من حديث سالم عن أبيه قال: «تيممنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب، ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا، ثم ضربنا ضربة أخرى الصعيد ثم مسحنا بأيدينا من المرافق إلى الأكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن» وفيه سليمان بن أبي داود وهو ضعيف. وحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكرناه أيضاً. وحديث الأسلع أخرجه الطبراني في كتابه الكبير بإسناده «عن الأسلع - رجل من بني الأعرج بن كعب - قال: كنت أخدم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقال: يا أسلع، قم فأرني كيف كذا وكذا، قلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، فسكت عني ساعة حتى جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالصعيد الطيب، قال: قم يا أسلع، قال الراوي: ثم رأى الأسلع كيف علمه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التيمم قال: " ضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكفيه الأرض ثم نفضهما، ثم مسح بهما وجهه حتى أمر على اللحية، ثم عادهما إلى الأرض فمسح بكفيه الأرض، فدلك إحداهما بالأخرى ثم نفضهما، ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما» . وأخرجه الطحاوي، والدارقطني، والبيهقي وأبو بكر الرقي في " معرفة الصحابة " والحافظ في كتاب الرجال، وابن الأثير في كتاب الصحابة، وابن حزم في " المحلى " وضعف هذا الحديث. ثم العجب من صاحب " الدراية " يقال: هكذا حكى ابن عمر.. إلخ، فانظر! هل يناسب ما في هذه الأحاديث ما ذكره صاحب " الدراية " الذي نقله في الرواية غاية ما في الباب موافقة في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالضربتين والنفض، وأعجب منه ما قال الأكمل، وقد حكى ابن عمر وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تيمم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكيفيته أن يضرب بيديه الأرض إلى آخر ما ذكره في " الزاد "، وذكر صاحب " الينابيع " كيفية التيمم مثل ما ذكره صاحب " الدراية ". وقال بعض مشايخنا: ينبغي أن يضع بطن أصابع يده اليسرى على كفه اليمنى ويمسح بثلاثة أصابع أصغرها ظاهر يده اليمنى إلى المرفق، ثم يسح باطنها بالإبهام، والمسحة إلى رؤوس الأصابع، ثم يفعل في اليد اليسرى كذلك. وفي: " المحيط " يضرب يديه على الأرض ثم ينفضهما ويمسح بهما وجهه بحيث لا يبقى شيء وإن قل، وأن يمسح الوترة التي بين المنخرين، ثم يضرب يديه على الأرض ثانياً وينفضهما، ويمسح بهما وجه كفيه وذراعيه، ولا يجوز المسح بأقل من ثلاثة أصابع كمسح الرأس والخفين. وقال في " الذخيرة ": لم يذكر ها هنا أنه يضرب ظاهر كفيه وباطنهما، وأشار إلى أنه يضرب باطنهما، فإنه قال: لو ترك المسح على ظاهر كفه لا يجوز، فدل على أن الضرب بباطن كفه، والأصح أنه يضرب بباطن كفه وظاهرها على الأرض، ولو تيمم بالكف والأصابع جاز من غير أن يراعى ذلك. قال أبو يوسف: - سلمه الله - سألت الإمام عن كيفية التيمم فيضرب يديه على الصعيد. قال في " البدائع: " أقبل بهما وأدبر فمسح بهما وجهه، ثم أعاد على الصحيح إلى الصعيد، ثم أقبل بهما وأدبر، ثم رفعهما ونفضهما، ثم مسح بكل كف الذراع الأخرى، قيل: يفعل ذلك حتى لا يلصق التراب بيديه فيصير مثله، وفي صلاة الأصل النفض كلما رفع يديه مرة واحدة في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف في صلاة الوتر: ينفضهما مرتين، وفي صلاة النوادر: أن الغبار إذا لم يدخل بين أصابعه يجب تخليلهما، وهذه تحتاج إلى ثلاث ضربات، ضربة للوجه، وضربة لليدين، وضربة للتخلل على ما روي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، يحتاج إلى أربع ضربات، وضرب اليدين من وضعهما حتى يدخل التراب بين أصابعه يقبل بهما ويدبر عند الضرب حتى يلتصق التراب بيديه. وذكر في " المبسوط " ويستحب تسمية الله تعالى في أوله كما في الوضوء، وفي " قاضي خان " هل يمسح الكف؟ اختلفوا فيه، والصحيح أنه لا يمسح، وضربه على الأرض يكفي. وقال النووي: قال جماعة من الخراسانيين: لا يشترط في التيمم ضربتان، بل الواجب إيصال التراب إلى الوجه واليدين بضربة أو ضربتين أو ضربات، وعندنا لو ضرب يديه مرة واحدة ومسح بهما وجهه ويديه لا يجوز، فإن التراب الذي كان على يديه يصير مستعملاً بالمسح على الوجه، واقتداء
بقدر ما يتناثر التراب كيلا يصير مثلة، ولا بد من الاستيعاب في ظاهر الرواية ـــــــــــــــــــــــــــــQبرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن محمد في " النوادر " رجل يرى التيمم إلى الرسغ والوتر ركعة، ثم رأى التيمم إلى المرفقين والوتر ثلاثاً لا يعيد ما صلى؛ لأنه مجتهد فيه، وإن كان فعل ذلك من غير أن يسأل أحداً ثم سأل فأمر بالثلاث في الوتر وإلى المرفقين في التيمم يعيد ما صلى؛ لأنه غير مجتهد فيه. م: (بقدر ما يتناثر التراب كيلا يصير مثلة) ش: الباء في " بقدر " متعلق بقوله ينفض، وأشار بذلك إلى أن النفض لا يقدر بمرة كما روي عن محمد، بل إن احتاج إلى الثاني فعل، وإلا بمرتين كما روي عن أبي يوسف، بل إن تناثر بمرة لا يحتاج إلى الثاني؛ لأن المقصود هو أن لا يصير مثلة وهو يحصل بالنفض سواء كان مرة أو مرتين، و " المثلة " بضم الميم ما يتمثل منه في تبديل خلقه وبتغير هيئته، سواء كان بقطع عضو أو تسويد وجه وتغيره، هكذا فسره الأكمل أخذه من " الدراية ". وقال تاج الشريعة: المثلة ما يتمثل فيه في القبح. قال الأترازي نحوه، وزاد: وأصلها قطع الأعضاء ويريد الوجه. قلت: المثلة: اسم لمصدر المثل بفتح الميم وسكون الثاء، يقال مثلت بالحيوان أمثل مثلاً: إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومثلت بالعبد إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه، وهو من باب نصر ينصر، والعجب من صاحب " الهداية " أنه جعل ترك النفض مثلة، وهذا من حيث اللغة لا من حيث الشرع، لعدم وروده هكذا، ولا يصير مثلة إذا ترك النفض. غاية ما في الباب تلوث وجهه بالتراب إن أخذه بيديه كثيراً وكان التراب رطباً، وتلوث عضو من الأعضاء بالتراب لا يسمى مثلة. قال الأترازي: تسويد الوجه ليس له فضل في المعنى اللغوي، نعم إذا سود الوجه يكون تشويها ربما يشابه المثلة، ولو قال صاحب " الهداية ": وينفض يديه اتباعاً للسنة لكان أولى، لو أراد أن يذكر الحكمة فيه لكان يمكن أن يقال: إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك حتى لا ينقل أثر التراب المستعمل في يديه في الضربة الأولى. م: (ولا بد من الاستيعاب) ش: أشار به يستوعب وجهه ويديه إلى المرفقين، وأصله استوعاب، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وأصل الاستيعاب شرط في التيمم حتى إذا ترك شيئاً قليلاً لم يجزه كما في الوضوء، والاستيعاب أن يستوعب وجهه ويديه إلى المرفقين، وأصل الاستيعاب الإيصال في كل شيء، وكذلك الإيعاب من أوعب، والثلاثي وعب، وفي الحديث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان المسلمون يوعبون في السفر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أي يخرجون أجمعهم في الغزو. م: (في ظاهر الرواية) ش: واحترز به عما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:
لقيامه مقام الوضوء، ـــــــــــــــــــــــــــــQالأكثر يقوم مقام الكل؛ لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في مسح الرأس والخف. وجه الظاهر أن التيمم قائم مقام الوضوء وهو شرط فيه، فكذا ما قام مقامه، وقال الحلواني: ينبغي أن يحفظ رواية الحسن لكثرة البلوى. قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب إيصال التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه والشعر الظاهر عليه. قال وعن أبي حنيفة: روايات أحدها كمذهبنا، قال: وهي التي ذكرها الكرخي في " مختصره " قلت له: إن أراد أنه كمذهبهم في الاستيعاب فصحيح، وإن أراد به إيصال التراب فليس ذلك مذهباً له ولا رواية عنه. وقال الثانية إن ترك قدر درهم لم يجزئه ودونه يجزئه، وهذه ليس لها أصل في الكتب الأمهات لأصحابنا مثل " المبسوط " و " المحيط " و " الذخيرة " و " شرح مختصر الكرخي " و " البدائع " و " المفيد " ونحوها. وقال [ ... ] الرابع ما مع الرابع: مسح الأكثر يجزئه، ثم إنه يجب على الظاهر نزح الخاتم والسوار في حق المرأة. وقال الأكمل: فإن قيل: قد دل الدليل على أن حقيقة اليد ليست بمرادة، فإن الباء إذا دخلت لمحل تعدى الفعل إلى الآلة، فلا يقتضي استيعاب المحل، بأن أجيب الباء صلة كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (سورة البقرة: الآية 195) فلا يقتضي تبعيض المحل وفيه بحث. قلت: أصل السؤال والجواب لتاج الشريعة، ولكنه قال في الجواب أحسن منه، وهو أنه قال: إن الاستيعاب ها هنا ثابت بالسنة المشهورة، فجعلت الباء صلة كما في قوله يضرب بالسيف ويرجو بالفرح، أي يرجوه، أو بدلالة الكتاب؛ لأنه مجموع خلفاً، قلت: الباء في قوله يضرب بالسيف ليست بصلة، وإنما هي للتبعيض، وكأنه ذكر مثالين أحدهما قوله يضرب بالسيف إشارة إلى أن الباء فيه للتبعيض، كما في آية الوضوء، والباء في قوله ويرجو بالقدح إشارة أن الباء فيه صلة كما في آية التيمم، فإذا كان كذلك يكون الاستيعاب شرطاً. وقال الأكمل: وفيه بحث، كأنه أشار به إلى أن جعل الباء في آية التيمم ليس فيه وجه؛ لأن التيمم خلف عن الوضوء، فالباء في آية الوضوء للتبعيض، فلا يقتضي استيعاب الرأس بالمسح فذلك ينبغي أن تكون في التيمم؛ لأن الخلف لا يخالف الأصل. م: (لقيامه مقام الوضوء) ش: أي لقيام التيمم مقام الوضوء، لا يقال إنه إضمار قبل الذكر؛ لأن التيمم ذكر في أول الباب. قال الأكمل: الاستيعاب في الوضوء شرط فكذا فيما قام مقامه، ولولا الخلفية لكان المسح إلى المناكب واجبا عملا بالمقتضى، وهو ذكر الأيدي في الكتاب والسنة، ولا يلزم آية السرقة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين محل القطع وهو الزند بالقول والفعل بخلاف ما نحن فيه. قلت: خلفية التيمم عن الوضوء تظهر في المسح فقط، ألا ترى أنه سقط فيه عضوان وبقي
[تيمم الجنب]
ولهذا قالوا: يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح، والحدث والجنابة فيه سواء، ـــــــــــــــــــــــــــــQعضوان فصار التيمم خلفاً عن البعض والاستيعاب في المسح الذي في الوضوء ليس بشرط، فكذا في خلفه وهو التيمم. فإن قلت: لما سقط عضوان بقي عضوان من اشتراط الاستيعاب فيهما. قلت: نعم، لولا الباء في آية التيمم، فإنهم وقوله عملاً بالمقتضى، وهو ذكر الأيدي في الكتاب والسنة. قلت: إنما يتوجه ما ذكره لو كانت الباء فيهما صلة والغرض أنها للتبعيض فيهما، أما في آية الوضوء فقد تقرر فيما مضى كونها للتبعيض، وأما ها هنا فلأن التيمم خلف عنه فلا يخالف أصله. قوله: ولا يلزم آية السرقة ... إلخ. قلت: إنما يلزم ذلك إذا قلنا إن الباء صلة، وآية السرقة ليست فيها باء فاقتضى قطع اليد من المناكب، ولكن الشارع بينه بخلاف ما نحن فيه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الاستيعاب شرطاً م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (يخلل الأصابع وينزع الخاتم ليتم المسح) ش: وكذا المرأة تنزع السوار. قوله: " ليتم المسح للوجه واليدين " فإنه اسم للكل، ويؤيد هذا ما ذكره محمد في " النوادر " أن الغبار إذا لم يدخل بين أصابعه يجب تخليلهما، وفي " المحيط " لو لم يمسح تحت الحاجبين وفوق العينين، أو لم يحرك خاتمه وهو ضيق لا يجوز به. [تيمم الجنب] م: (والحدث والجنابة فيه سواء) ش: أي في التيمم من حيث الجواز والكيفية والآلة، أما الجواز فكما يجوز التيمم للمحدث فكذلك يجوز للجنب، وأما الكيفية فكما ذكرنا في حق المحدث فكذلك في حق الجنب. وأما الآلة فكما يجوز للمحدث بكل ما كان من جنس الأرض فكذلك يجوز للجنب. قال: السغناقي: قال شيخ الإسلام في " المبسوط ": وهو وقول أصحابنا وعليه العلماء. وقال بعض الناس بأنه لا يتيمم الجنب والحائض والنفساء. قلت: عن النخعي أن الجنب يؤخر الصلاة حتى يجد الماء. وقال السغناقي: المسألة مختلفة بين الصحابة، روي عن عمر، وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهم كانوا لا يجوزون التيمم للجنب. قلت: لم يبين من أخرج عنهم هذا، وكذا غيره من الشراح، فالمروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسنده عنه أنه قال " لا يتيم الجنب وإن لم يجد
[تيمم الحائض والنفساء]
وكذا الحيض والنفاس، لما روي «أن قوما جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: إنا قوم نسكن هذه الرمال ولا نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والحائض والنفساء، فقال: عليكم بأرضكم» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالماء شهرا " وروى أيضاً بسنده عن ابن مسعود أنه قال: إذا كنت في سفر فأجنبت فلا تصل حتى تجد الماء. قال النووي في " شرح المهذب ": وغيره إجماع الصحابة ومن بعدهم على جواز التيمم للحدث الأصغر والأكبر الذي هو الجنابة، وقد ذكروا رجوع عمر وابن مسعود وهو المروي عن علي، وابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومنشأ الاختلاف فيما بينهم أن قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، محمول على المس باليد أو على الجماع، فذهب أصحابنا وعامة العلماء إلى الثاني، وذهب النافون للجنابة إلى الأول، فقالوا: القياس ألا يكون التيمم طهورا، وإنما أباحه الله تعالى للمحدث، فلا يباح للجنب؛ لأنه ليس معقول المعنى حتى يصح القياس، وليس في معناه حتى يلحق به، بل هو فوقه. قلنا: أريد بالملامسة الجماع مجازا لسياق الآية، فإن الله تعالى بين حكم الحدث والجنابة في آية الوضوء، ثم نقل الحكم بالتراب حال عدم الماء، وذكر الحدث الأصغر بقوله {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، فيحمل {لَامَسْتُمُ} [النساء: 43] على الحدث الأكبر لتصير الطهارتان والحدثان مذكوران في آية البدل كما ذكرنا في آية الوضوء، ولكن سلمنا أن الله تعالى شرع التيمم للمحدث، فرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرعه للجنب أيضاً، وهو الحديث الذي ذكره المصنف على ما نبينه إن شاء الله تعالى، والشافعي أباح التيمم للجنب ومع ذلك حمل الملامسة في الآية على المس باليد، فيكون قولاً ثالثاً مخالفاً للطائفتين من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [تيمم الحائض والنفساء] م: (وكذا الحيض والنفاس) ش: أي وكذا التيمم في الحيض والنفاس سواء، يعني يجوز للحائض والنفساء كما يجوز للجنب والحائض م: (لما روي «أن قوماً جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: إنا قوم نسكن هذه الرمال ولا نجد الماء شهراً أو شهرين، وفينا الجنب والحائض والنفساء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليكم بأرضكم» ش: هذا الحديث رواه أحمد في " مسنده "، والبيهقي في " سننه "، وإسحاق بن راهويه في " مسنده " وأبو يعلى الموصلي في " مسنده "، والطبراني في " معجمه الأوسط "، من حديث أبي هريرة، «أن ناساً من أهل البادية أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة ويكون فينا الجنب والحائض والنفساء ولا نجد الماء، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليكم بالأرض...... الحديث» وفي سنده المثنى بن الصباح.
[ما يتيمم به]
ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والجص والنورة والكحل والزرنيخ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقال الإمام أحمد والدارمي: لا يساوي شيئاً، وقال النسائي متروك الحديث، وفي إسناد أبي يعلى ابن لهيعة وهو ضعيف، وذكره الأترازي بلفظ «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنا نكون بالرمال الأشهر وفينا الجنب والحائض والنفساء، ولا نجد الماء فكيف نصنع؟ فقال: " عليكم بالصعيد.» قلت: ما وقعت على لفظه في كتب الأمهات. فإن قلت: هذا الحديث ضعيف فلا يتم به الاستدلال. قلت: قد ورد في حديث عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري وغيره «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا معتزلاً لم يصل في القوم فقال: أفلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصابتني جنابة ولا ماء، قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك» . قوله: " ولا ماء " أي ولا ماء موجود، أو أجد، أو عندي ونحو ذلك، وفي حذف الخبر نظر لعذره لما فيه من عموم النفي، فكأنه نفى وجود الماء بالكلية، بحيث لو وجد بسبب أو سقي أو غيره لحصله. قوله: " عليكم بأرضكم " أي افعلوا التيمم بأرضكم، ولفظ عليكم هاهنا اسم للفعل بمعنى خذوا، ويقال: عليك زيداً وزيد. وقال الأترازي: " عليكم بأرضكم " أي باستعمال أرضكم. قلت: التيمم لا يضاف إلى الأرض بل إلى الفعل. [ما يتيمم به] م: (ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب، والرمل والحجر والجص) ش: بفتح الجيم وتشديد الصاد، ويقال: بكسر الجيم أيضاً. وقال الجوهري: هو ما يبنى به وهو معرب، وقال في فصل القاف القصة الجص لغة حجازية، وفي لغة المصريين الجص يسمى " الجير " بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف، وفي لغة غيرهم يسمى " كلثا "، وبالفارسي يسمى كج. م: (والنورة) ش: قال الجوهري: النورة ما يطلى به، وفي " المغرب " همز النورة خطأ، م: (والكحل والزرنيخ) ش: بكسر الزاء الكبريت والتوتياء والزاجات والطين الأحمر والأبيض والأسود والحائط المطين والمجصص، والمراد سبخ والملحي الجبلي. وفي " قاضي خان ": لا يصح على الأصح؛ لأنه يذوب وبالماء لا يجوز اتفاقا، ويجوز أيضاً بالياقوت، والزبرجد، والزمرد،
وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا بالتراب المنبت، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أي ترابا منبتا، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ـــــــــــــــــــــــــــــQوالبلخش والفيروز، والمرجان، والأرض الهندية والطين الرطب. ولا يجوز بالطين المغلوب بالماء، ويجوز بالآجر في ظاهر الرواية من غير فصل، وشرط الكرخي أن يكون مدقوقاً. وقد منع أبو يوسف في غير المدقوق ذكره في " الذخيرة "، وفي رواية لا يجوز. وفي " المحيط ": والخزاف إذا كان من طين خالص يجوز وإن كان خالطه شيء آخر ليس من جنس الأرض لا يجوز، فالزجاج المتخذ من الأرض وشيء آخر ليس من جنس الأرض. قال الثعلبي: وأجاز أبو حنيفة التيمم بالجوهر المسحوق، والجوهر عندهم هو اللؤلؤ الكبير وهو غلط منه؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض، بل هو متولد من حيوان في البحر. ونقل القرطبي الإجماع على منع التيمم بالياقوت والزمرد، وهو وهم منه، وهما من الأجزاء النفيسة، فيجوز التيمم بهما عند أبي حنيفة، وفي " المحيط " لا يجوز بمسبوك الذهب والفضة، ويجوز بالمختلط بالتراب إذا كانت الغلبة للتراب. وقال المرغيناني: يجوز بالذهب والفضة والحديد، والنحاس وما أشبهها ما دامت على الأرض ولم يصنع منه شيء. وقال أبو عمر: وجميع العلماء على أن التيمم بالتراب دون الغبار جائز. وعند مالك يجوز بالتراب، والرمل، والجين والحر والسانح والمطبوخ بالجص والآجر. وقال الثوري والأوزاعي: يجوز كل ما كان على الأرض حتى الشجر والثلج والجمد. ونقال النقاش عن ابن علية، وابن كيسان جوازه بالمسك والزعفران، وإن إسحاق منعه بالسباخ. م: (وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل) ش: هذا قوله المرجوع عنه، كان يقول أولاً هكذا ثم رجع فقال: لا يجوز إلا بالتراب الخالص، رواه المعلى عنه وهو آخر قوله. م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالترب المنبت) ش: الذي له غبار، وبه قال أحمد، وعن أحمد في رواية في السبخة والرمل أنه يجوز التيمم به، فإن دق الخزف والطين المحرق لم يجز التيمم به. وعن الشافعي في القديم: يجوز بالرمل، ومن أصحابه من قال: لا يجوز به قولاً واحداً، وما قاله في القديم محمول على رمل يخالطه تراب، ومنهم من قال: على قولين؛ أحدهما: الجواز، والآخر: عدمه، والمعروف من مذهبه الذي قطع به أصحاب النصوص عليه في " الإمام " لا يجوز إلا التراب، وفي " الحلية ": لا يصح التيمم عندنا إلا بتراب طاهر له غبار تعلق بالوجه واليدين، وبه قال أحمد وداود عن بعض أصحاب الشافعي: لا يصح إلا بتراب غبار تراب الحرث، وبه قال إسحاق. م: (وهو رواية عن أبي يوسف) ش: أي قول الشافعي رواية عن أبي يوسف، وهو قوله المرجوع إليه كما ذكرنا، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أي تراباً منبتاً، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: الذي قاله عبد الله بن عباس، رواه البيهقي من جهة قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعن ابن عباس قال: الصعيد الطيب حرث الأرض، ورواه من جهة جرير عن قابوس عن أبيه، عن ابن عباس قال: أطيب الصعيد حرث الأرض، وسئل عنه أي الصعيد أطيب؟ قال: الحرث؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] (الأعراف: الآية 58) . قلت: الاستدلال للشافعي في هذا غير موجه؛ لأنه غير قائل باشتراط الإنبات في التراب الذي يجوز به التيمم، وقال في التيمم: الإنبات ليس بشرط في الأصح. فإن قلت: قوله في الأصح يدل على أن الإنبات شرط في غير الأصح، ويكون الاستدلال بما روي عن ابن عباس موجهاً، قيل: يخدش ذلك كون الاستدلال لأبي يوسف والشافعي، ولم يرو عن أبي يوسف كما هو شرط عند الشافعي، قال: كذا ذكره في التأويلات. وذكر صاحب " الدراية " الاستدلال الصحيح لهما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» . رواه البخاري ومسلم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التراب طهور المسلم» . قلت: هذا الذي ذكره في الحقيقة استدلال لأبي حنيفة ومحمد على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض؛ لأن اللام فيها للجنس، فلا يخرج شيء منها، ولأن الأرض كلها جعلت مسجداً، وما جعل مسجداً هو الذي جعل طهورا، وعورض بالرواية الأخرى، وهي «وجعلت تربتها لنا طهوراً» . وأجيب بأن الأصل قد انفرد أبو مالك بها، وجميع طرقه «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ، ولا اعتداد بمن خالف الناس، ويمنع كون التربة يراد بها التراب، بل كل مكان تراباً ما يكون فيه من التراب أو الرمل أو غير ذلك من جنس تلك الأرض بما يقابل التربة، وبأنه مفهوم اللقب، وهو ضعيف عند جميع الأصوليين، قالوا: لم يقل به إلا الدقاق، وهو يدل بمنطوقه على جميع أجزاء الأرض، وطهوراً عطف على قوله مسجداً، ومعناه: وجعلت لي الأرض طهوراً، وهو أقوى من مفهوم اللقب. وقال ابن القطان في شرح البخاري: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما رجل أدركته الصلاة فليصل» دليل على أن المراد الأرض كلها، فإنه قد تدركه في أرض رمل أو جص أو غير ذلك كما تدركه في أرض عليها تراب، ويجوز أن يكون ذكر التربة خرج مخرج الغالب، لا أنه يجوز غيره. فإن قلت: قوله " فليصل " لا يدل على أنه يتيمم ويصلي، بل إذا لم يجد تراباً يصلي بغير وضوء على حسب حاله عنده فلا حجة فيه. قلت: المنع أولاً، فإنه لا يصلي بغير طهور عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية عن محمد، وبأنه تلزمه الإعادة عند من يأمره بالصلاة بغير طهور، ولا إعادة ها هنا لوجهين: أحدهما لم
غير أن أبا يوسف زاد عليه الرمل بالحديث الذي رويناه، ولهما أن الصعيد اسم لوجه الأرض، سمي به لصعوده، والطيب يحتمل الطاهر ـــــــــــــــــــــــــــــQيذكرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلو وجبت إعادتها لبينها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثاني: وجوب الإعادة، حكم الطهارة بغير طهور، وها هنا الطهور موجود. وجواب آخر أنه قد جاء، فعنده طهوره ومسجد، والحديث يفسر بعضه بعضها. م: (غير أن أبا يوسف زاد عليه الرمل) ش: أي على التراب الرمل، فإنه يجوز عندهما بهما لا غير، والضمير في عليه ترجع إلى التراب كما قلنا، ويجوز أن يرجع إلى الشافعي، أي: زاد أبو يوسف الرمل على ما ذهب إليه الشافعي وهو التراب الذي اتفقا فيه م: (بالحديث الذي رويناه) ش: الباء تعلق بقوله زاد، وأراد " بالحديث " هو الذي مضى ذكره، وهو أن قوما جاءوا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ينبغي للمصنف أن يقول بالحديث الذي ذكرناه أو نحو ذلك وهو لم يروه، فكيف يقول رويناه. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، م: (أن الصعيد اسم لوجه الأرض) ش: قد ذكرنا عند قوله " تيمم بالصعيد " ما قاله أهل اللغة في معنى الصعيد، والذي قاله المصنف منقول عن الأصمعي، والخليل، وثعلب، وابن الأعرابي، والزجاج. وقال في " معاني القرآن " الصعيد وجه الأرض، ولا ينافي كان في الوضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس التراب، إنما هو وجه الأرض تراباً كان أو صخراً لا تراب عليه أو غيره، قال الله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] (الكهف: الآية 40) ، فعلم أن الصعيد يكون زلقاً. وقال الزجاج: لا أعلم فيه خلاف أهل اللغة. وقال قتادة: الصعيد الأرض التي لا نبات فيها ولا شجر. م: (سمي به) ش: أي سمي وجه الأرض بالصعيد م: (لصعوده) ش: أي لكونه ما يصعد إليه من باطن الأرض. وقال الأكمل: قال المصنف: سمي به لصعوده، وهو إشارة إلى أنه فعيل بمعنى فاعل، فإذا كان كذلك، فتقييده بالتراب المنبت تقييد للمطلق بلا دليل. قلت: ليس كذلك، بل يكون بمعنى مفعول يعني مصعود، وإذا كان بمعنى فاعل على ما قاله فيكون بمعنى صاعد، وليس المراد ذلك ها هنا، وإن كانوا قالوا إنه يجيء بمعنى فاعل أيضاً، فالذي قلنا أشار إليه الخليل، وابن الأعرابي، وثعلب، وهم الذين يرجع إليهم في هذا الباب، ثم قوله فتقييده بالتراب المنبت تقييد للمطلق بلا دليل ليس كذلك؛ لأن الصعيد وإن كان مطلقاً فقد قيده بالصفة، وهي قوله طَيّباً ولكن اختلف في أن معناه طاهراً ومنبتا على ما نذكره عن قريب. م: (والطيب يحتمل الطاهر) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي أن معنى طيباً في قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] تراباً منبتا، ثم استدل بنفي الطاهر على ذلك بقول ابن عباس، حيث فسر
فحمل عليه؛ لأنه أليق بموضع الطهارة، أو هو مراد بالإجماع، ـــــــــــــــــــــــــــــQالطيب بالمنبت، تقرير الجواب أن الطيب مشترك بين الطاهر، والنظيف والحلال، والمنبت والطيب بمعنى الطاهر، فإن الطيب في اللغة خلاف الخبيث، أما بمعنى النظيف، فقال أبو إسحاق: الطيب النظيف، وأما بمعنى الحلال فقوله تعالى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] (البقرة: الآية 172) ، وأما بمعنى المنبت فقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] (الأعراف: الآية 58) ، والأكثر على أنه بمعنى الطاهر، وقد أريد به الطاهر بالإجماع؛ لأن الطهارة شرط فيه؛ لأن النجس لا يكون طهوراً، فإذا أريد به المعنى لا يراد غيره؛ لأن المشترك لا عموم له. م: (فحمل عليه) ش: أي على معنى الطاهر م: (لأنه) ش: أي؛ لأن معنى الطاهر ها هنا م: (أليق بموضع الطهارة) ش: لأنه قال في آخر الآية {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] ألا ترى أنه لو كان التراب المنبت نجسا لم يجز التيمم به إجماعاً، فعلم أن الإنبات ليس له أثر في هذا الباب. فإن قلت: الطيب في الآية مقرون بالأرض، فيكون الإنبات أليق، إذ القرآن يفسر بعضه بعضاً. قلت: آخر الآية يدل على أن المراد الطاهر؛ لأنه لو كان المراد منبتاً لكان قال موضع قوله {لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] لتزرعوا؛ لأن الإنبات يناسب الزرع. م: (أو هو مراد بالإجماع) ش: هذا دليل آخر على أن المراد من طَيّباً أن يكون طاهراً، تقريره أنه يحتمل المعاني المذكورة، والطاهر مراد بالإجماع كما ذكرنا آنفا، فإذا تعين أحد معاني المشترك للإرادة بطل الباقي؛ لأن المشترك لا عموم له. فإن قلت: الشافعي قائل بعموم المشترك. قلت: شرط فيه أن لا يمنع الجمع، وأن يتجرد اللفظ عن القرينة الصارفة إلى أحد المعاني، وها هنا لم يتجرد عن القرينة، على أن المراد الطاهر، ثم إن المصنف لم يجب عن قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فالجواب: عنه أن المطلق لا يقيد بخبر الواحد فكيف الأثر؟ وأيضاً المنقول عن ابن عباس أطيب الصعيد أرض الحرث، فهو يدل على جواز التيمم بغير الحرث؛ لأنه إذا كان أطيب الصعيد دل على أنه غير طيب، وهو المأمور به، ثم الاستدلال بهذا الأثر يدل.. أن لا يجوز التيمم بالسبخية. وذكر النووي أن السبخية هي التراب الذي فيه ملوحة ولا ينبت، والتيمم به جائز. وحديث أبي جهم الأنصاري يرد أيضاً على الشافعي، وهو أنه قال: «أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بئر جمل - موضع بالمدينة - فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أقبل إلى الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» رواه البخاري مسنداً ومسلم تعليقاً. قال الطحاوي: حيطان المدينة مبنية
ثم لا يشترط أن يكون عليه غبار عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لإطلاق ما تلونا ـــــــــــــــــــــــــــــQمن حجارة سودة من غير تراب، أو لم تثبت الطهارة بهذا التيمم لما فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال ابن القصار المالكي: تيمم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجدار [ ... ] على الشافعي في اشتراط التراب، وقال الماذري: قال الشافعي قول شاذ، وقال الذهبي في أبي جهم: الصواب أبو جهيم بالتصغير. م: (ثم لا يشترط أن يكون عليه) ش: أي على الصعيد م: (غبار عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي الغبار الذي يلتزق باليد ليس بشرط عنده، فحينئذ لو تيمم بالحجر الأملس والصخرة الملساء يجوز. قال الولوالجي: إذا ضرب يده على صخرة لا غبار عليها أو على أرض يده ولم يتعلق بيده شيء يجوز عند أبي حنيفة، وبه قال مالك. وعن محمد روايتان لا يجوز بدون الغبار، وهو قول أبي يوسف، والشافعي، وأحمد، وداود، وعند عدم الغبار عند أبي يوسف، روايتان. وفي " البدائع " قول أبي يوسف الثاني: الغبار ليس من الصعيد. وفي " قاضي خان " وعنه يتيمم به ويعيد، ثم إنه رجع وقال: الغبار ليس من الصعيد، وكذا رجع عن جواز التيمم بالرمل ولو لم يكن بثوبه غبار فليتلطخ جسده بالطين حتى جف جاز التيمم عليه، وكذا لو تيمم بالطين جاز، إلا أن فيه مثله. وفي " الدراية " والتيمم جائز عند أبي حنيفة بالطين، وعن محمد روايتان، إلا إذا كان مغلوباً بالماء، ولو أصابه غبار فمسح به وجهه وذراعيه ناوياً التيمم جاز عند أبي حنيفة، فذكره في " الوجيز " وفي " صلاة الأصل " لو أصاب وجهه وذراعيه غبار لم يجزئه عن التيمم، قالوا: تأويله أنه يمسح به وجهه وذراعيه حتى نص على هذا في كتاب " الصلاة " للمعلى فقال: هدم حائط أو كال حنطة فأصابه غبار لم يجزئه عن التيمم حتى يمر يديه عليه، وقال الشافعي: يجوز التيمم بتراب على فخذه أو ثوب أو حصير أو جدار أو إداوة أو نحوها، ذكره النووي في " شرح المهذب ". وقال العبدري وغيره: كذا لو ضرب يده على حنطة أو شعير للتيمم وفيه غبار، وكذا لو تيمم على ظهر كلب أو خنزير وشعره يابس جاز عند أبي حنيفة. وفي " البحر " لا يجوز بغبار الثوب النجس، إلا إذا وقع التراب بعدما جف الثوب، وعن أصحابنا: يجوز التيمم بتراب غالب على رماد، وبالعكس لا يجوز، وكذا إذا خالط التراب غير الرماد، ولا بشيء من أجزاء الأرض كالدقيق تعتبر فيه الغلبة، والشافعي فرق بين مخالطة الدقيق ونحوه ومخالطة الرمل؛ حيث جاز في الرمل دون الدقيق، ولو ضرب يده على بشرة أجنبية عليها تراب إن كان كثيراً يمنع التقاء البشرتين صح تيممه، وإلا فلا، قاله القاضي حسين. م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، ودليل أبي يوسف في رواية، قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أي من التراب، وهو كما تراه يوجب المسح بشيء من الأرض؛ لأن كلمة " من " للتبعيض، والجواب أن الضمير في منه يرجع إلى الحدث، ولئن سلمنا أنه يرجع إلى
[التيمم بالغبار مع وجود الصعيد]
وكذا يجوز بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ـــــــــــــــــــــــــــــQالتراب فهي لابتداء الغاية، كقولك خرجت من البصرة، يعني ابتداء المسح من الصعيد، بدليل قَوْله تَعَالَى في موضع آخر {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) وقال صاحب " الدراية " قيل: لا يستقيم هذا الاستدلال؛ لأن المطلق والمقيد إذا وردت في حادثة واحدة في حكم واحد فيجب حمل المطلق على المقيد بالاتفاق، وكذا قوله " من لابتداء الغاية " عدول عن حقيقة هذه الكلمة؛ لأنها حقيقة للتبعيض مجاز لغيره، وفيه تأمل. قلت: وجه التأمل أن هذا ليس ورود المطلق والمقيد في الآيتين المذكورتين في " النساء " و " المائدة " من قبيل ورودهما في حكم واحد، بل في سبب الطهارة ولا تزاحم في الأسباب، فجرى مجرى المطلق على إطلاقه، ولا يحمل على المقيد. وقوله: " لأنها حقيقة للتبعيض مجاز في غيره " غير صحيح؛ لأن الغالب على كلمة من أن تكون لابتداء الغاية، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه. قال الأترازي: وليس قول أبي يوسف والشافعي، قال الله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، وهذا يدل على أن غير التراب لا يجوز به التيمم، فنقول: لا نسلم أنه يدل على ذلك إلا فيما إذا أريد به التبعيض من قوله " منه " أو فيما إذا أريد منه الابتداء فلا، فإن قلتم بالثاني فلا نسلم الدلالة على ما قلتم؛ لأنه معنى يحصل في كل جزء من أجزاء الأرض، إن قلتم بالأول فنعم يلزم ما قلتم إذا سلم، لكن لا نسلم أن التبعيض هو المراد. قلت: هو الذي ذكره لا يوافق دليلاً إلا في الخلاف يجوز فيه التيمم بغير التراب أو لا يجوز، والدليل الموافق هو الذي ذكرناه الآن، وهو الخلاف في اشتراط التصاق الغبار وعدمه. وقوله " لا نسلم أن التبعيض هو المراد " منع مجرد، ويمكن أن يكون للتبعيض؛ لأنه أحد معاني كلمة من. فإن قلت: علامة كلمة التبعيض أن يسد " بعض " مسدها كقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] (آل عمران: الآية 92) . قلت: لا يتصور ها هنا هذا التقدير فافهم. [التيمم بالغبار مع وجود الصعيد] م: (وكذا يجوز) ش: أي التيمم، م: بالغبار مع القدرة على الصعيد عند أبي حنيفة ومحمد) ش: بأن نفض ثوبه أو لبده وارتفع فتيمم منه يجوز عندهما، وبه قال الشافعي. وعند أبي يوسف لا يجوز، وحكي عن مالك أيضاً، وفي " الإيضاح " أن أبا يوسف رجع عن ذلك. وقال صاحب " الدراية ": قوله مع القدرة على الصعيد نفي لقول أبي يوسف. قلت: ليس الأمر كذلك، وخلاف أبي يوسف معهم من الاقتصار على ذكر أبي حنيفة ومحمد، وإنما هذا قيد قيد به؛ لأنه إذا لم يقدر على الصعيد جاز التيمم بالغبار حينئذ اتفاقاً.
[والنية فرض في التيمم]
لأنه تراب رقيق. والنية فرض في التيمم. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليست بفرض؛ لأنه خلف عن الوضوء فلا يخالفه في وصفه، ولنا أنه ينبئ عن القصد فلا يتحقق دونه، أو جعل طهورا في حالة مخصوصة. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأنه) ش: أي؛ لأن الغبار م: (تراب رقيق) ش: ألا ترى أن من نقض ثوبه يتأذى جاره بالتراب، فكل ما يجوز بالخشن منه فكذا في الرقيق. وقال أبو يوسف: الغبار ليس بتراب خالص، ولكنه تراب من وجه، والمأمور منه التيمم بالصعيد، وحالة العجوز مستثناة. قلنا: هو تراب حقيقة، ولكنه امتزج بالهواء، وفي " المبسوط " واحتج أبو حنيفة ومحمد بحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا بالجنابة، فأمرهم أن ينفضوا لبودهم وسروجهم فتيمموا بغبارها. [والنية فرض في التيمم] م: (والنية فرض في التيمم) ش: النية شرط جواز التيمم عند عامة العلماء، حتى لو تيمم بلا نية لا يجوز. م: (وقال زفر: ليست بفرض؛ لأنه خلف عن الوضوء، فلا يخالفه في وصفه) ش: أي في وصف الوضوء الذي هو الصحة، فإن الوضوء بدون النية صحيح، فلو لم يصح التيمم بلا نية كان الخلف مخالفاً للأصل في وصفه، فلا يجوز ذلك لخروجه عن الخلف حينئذ. م: (ولنا أنه) ش: أي التيمم م: (ينبئ عن القصد فلا يتحقق دونه) ش: أي دون القصد. فإن قلت: لما كان التيمم القصد لغة فلا حاجة إلى النية. قلت: مطلق القصد غير مراد بالإجماع، بل المراد القصد الشرعي، وهذا لا يكون إلا بالنية، قال الأكمل: قيل التيمم يدل على القصد، والقصد هو النية، وأمرنا بالتيمم والأمر للوجوب فتشترط النية. بخلاف الوضوء، فإن الأمر فيه ورد بالغسل والمسح، ولا دلالة لهما على النية. قلت: قائل هذا هو الأترازي. ثم قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن القصد المأمور به هو قصد استعمال التراب، وتفسير النية في التيمم أن ينوي الطهارة أو رفع الحدث أو الجنابة أو استباحة الصلاة، وهذا غير ذلك لا محالة، فلا يلزم من كون أحدهما مأموراً به أن يكون الآخر شرطاً. قلت: وفيه نظر أيضا؛ لأن قصد استعمال التراب هو عين النية؛ لأنه لا يقصد إلا لأحد الأمور الأربعة، وإلا يلزم أن يكون ها هنا نيتان، أحدهما: القصد المأمور به وهو قصد استعمال التراب، والآخر: نية أحد الأمور الأربعة، ولم يقل أحد أن التيمم يحتاج إلى نيتين. م: (أو جعل طهوراً) ش: هذا دليل آخر على فرضية النية في التيمم، أي وجعل التراب طهوراً م: (في حالة مخصوصة) ش: وهي حالة إرادة الصلاة، والنية هي الإرادة أيضاً، فاشترطت النية فيه
[نية التيمم للحدث أو الجنابة]
والماء طهور بنفسه على ما مر، ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه، ولا يشترط نية التيمم للحدث أو للجنابة، وهو الصحيح من المذهب. ـــــــــــــــــــــــــــــQوليس كذلك الماء، فإنه بالطبع مطهر فلم تشترط فيه النية، وأشار إلى هذا بقوله: م: (والماء طهور بنفسه على ما مر) ش: أي بطبعه فلا يحتاج إلى النية، بخلاف التراب فإنه ملوث بطبعه فافترقا، وقال الأكمل: قوله: والماء طهور بنفسه جواب سؤال تقديره أن الماء أيضاً في الآية جعل طهورا في حالة مخصوصة كما ذكرتم، فكان الواجب أن تكون النية فيه شرطاً، وتقدير الجواب أن الماء طهور بنفسه أي عامل بطبعه، فلا يحتاج إلى النية كما في إزالة النجاسة العينية. قلت: السؤال غير موجه؛ لأنا نقول فيه أن الماء أيضاً في الآية جعل طهوراً في حالة مخصوصة وليس كذلك، بل الماء مطهر في جميع الحالات، وليست طهارته مقتصرة على إرادة الصلاة بخلاف التراب، فإن طهارته مقتصرة على وقت إرادة الصلاة كما ذكرنا، وفي الجواب أيضاً نظر؛ لأن قياس الوضوء على إزالة النجاسة المعينة غير صحيح؛ لأن الوضوء من باب المأمورات، وإزالة النجاسة من باب المتروك كترك الزنا واللواطة ورد المغصوب قبل الطهارة ترك الحدث. وعورض بأن الوضوء ليس ترك الحدث، بدليل الوضوء على الوضوء، أجيب بأنه ليس طهارة ترك الحدث على الحقيقة لتحصيل الحاصل، وإنما جعل طهارة مجازاً في حق الآخر، ولهذا لم يجعل الغسل على الغسل مثله عندنا، وعند الخصم على المذهب الصحيح المشهور على ما مر في باب أحكام المياه. م: (ثم إذا نوى الطهارة أو استباحة الصلاة أجزأه) ش: لأن التيمم طهارة لا يلزمه نية أسبابها كما في الوضوء، فلا يشترط التعيين، ألا ترى أنه لو توضأ للظهر يجوز أداء العصر به، وكذا على العكس. [نية التيمم للحدث أو الجنابة] م: (ولا يشترط نية التيمم للحدث أو الجنابة) ش: لأن الشرط يراعى وجوده لا غير، فلا يشترط التعيين م: (وهو الصحيح من المذهب) ش: أي عدم اشتراط التعيين هو الصحيح من المذهب احترازاً عما روي عن الإمام أبي بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه كان يقول: يحتاج إلى نية للحدث أو الجنابة؛ لأن التيمم لهما بصفة واحدة، فلا يتميز أحدهما عن الآخر كصلاة الفرض عن النافلة وهو صحيح، فإن محمد بن سماعة روى عن محمد أن الجنب لو تيمم يريد به الوضوء أجزأه عن الجنابة، والحاجة إلى النية لتقع طهارة واستباحة الصلاة مثلها، وفي الجنابة ينوي استباحة الصلاة، ولو نوى رفع الحدث لم يصح تيممه في أصح الوجهين. وعن بعض أصحاب أبي حنيفة أنه يرفع الحدث، ولا بد في استباحة الصلاة في التيمم للفرض عند أصحاب الشافعي، وهو قول مالك وأحمد، وهل يفترق إلى تعيين الفرض من ظهر وعصر؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفيه وجهان، ففي قول: يباح الفرض بنية صلاة مطلقة أو نافلة، ولو تيمم للفرض استباح به النفل قبل الفرض وبعده، وفي قول: لا يجوز به النفل، وبعده يجوز وبه قال مالك وأحمد. ولو تيمم لمس المصحف أو لقراءة القرآن أو للطواف استباح ما نواه، وهل يبيح به النفل؟ فيه وجهان، ثم اعلم أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يجب عن قول زفر؛ لأن الخلف لا يجوز أن يكون مخالفاً لأصله. والجواب عنه أن الخلف قد فارق الأصل لاختلاف حالهما، ألا ترى أن الوضوء يجعل بأربعة أعضاء بخلاف التيمم، ومن التكرار في الوضوء دون التيمم. فإن قلت: لا شك أن التيمم خلف عن الوضوء، فلا ينبغي أن يخالف الأصل قطعاً. قلت: قد بينت لك أنه يخالف الأصل باختلاف الحال، على أنا لا نسلم أن التيمم خلف عن الوضوء عند الكل: فإن عند محمد خلف عن الوضوء، وعندهما خلف عن الماء في حصول الطهارة، حتى جازت إمامة المتيمم للمتوضئ عندهما خلافاً لما قاله، وسيجيء تحقيقه في باب الإمامة إن شاء الله تعالى. واعلم أيضاً أن التيمم رافع للحدث أو مبيح، فعندنا رافع للحدث إلى وقت وجود الماء، وقال أبو بكر الرازي: لا يرفع، وبه قال الشافعي كالمسح على الخفين يرفع الحدث عن الرجل، والأول المذهب للحديث الذي في " الصحيحين «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» وحديث أنس «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج» . فإن قلت: معنى الحديثين: فإن التراب قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة، إذ لو كان طهوراً حقيقة لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمران بن الحصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا في سفر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل فقال: " ما منعك أن تصلي " قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: " يكفيك الصعيد» ، «واشتكى إليه الناس العطش فدعا علياً وآخر، فقال: "اذهبا فابتغيا الماء " فذهبا فجاءا بامرأة معها مزادتان، فأفرغ من أفواه المزادتين ونودي في الناس، فسقى واستقى، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، فقال: " اذهب فأفرغه عليك» . قلت: ليس في الحديث أنه تيمم، ويحتمل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عاجله بالماء قبل التيمم، أو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالاغتسال استحباباً لا وجوبا، وقد روى أبو داود من «حديث عمرو بن العاص قال: (احتلمت في ليلة باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت
فإن تيمم نصراني يريد به الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فهو متيمم؛ لأنه نوى قربة مقصودة، بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف؛ لأنه ليس بقربة مقصودة، ـــــــــــــــــــــــــــــQفثم صليت بأصحابي الصبح، ثم أخبرت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فضحك ولم يقل شيئاً» ورواه الحاكم [وقال] على شرط الشيخين. فلو كان الاغتسال بعد التيمم واجباً لأمره به، وفيه حجة على من أمر بإعادة الصلاة التي تصلى بالتيمم؛ لأن - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأمره بالإعادة لا صريحاً ولا دلالة، وغزوة [ذات] السلاسل كانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وذات السلاسل واد من وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام. فقوله: " فأشفقت ": أي خفت. م: (فإن تيمم نصراني يريد به) ش: أي بالتيمم م: (الإسلام ثم أسلم لم يكن متيمما) ش: يعني لا تجوز الصلاة بذلك التيمم م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهذه من مسائل " الجامع "، وشرط فيه كون التيمم للإسلام، فلذلك قال المصنف: يريد به الإسلام، وهو معتبر به، ولم يشترط في الأصل، وما في " الجامع " هو الصحيح، إذا الاختلاف ثابت فيما إذا أراد الإسلام، وهو بقربه، وفيما إذا لم يرده أولى أن تصح. م: (وقال أبو يوسف: فهو متيمم) ش: يعنى إذا أرد به الصلاة فصلى به. فإن قلت ها هنا: فإن الأولى في قوله: فإن تيمم نصراني، والثاني في قوله: فهو متيمم. قلنا: ذكرها في الأولى لكون المسألة متفرعة على ما قبلها، وفي الثاني: كأنها جواب شرط محذوف تقديره قال أبو يوسف: إن تيمم النصراني يريد الإسلام باق على تيممه م: (لأنه) ش: أي؛ لأن النصراني م: (نوى قربة مقصودة) ش: مع كونها قربة؛ لأن الإسلام أعظم القرب، وأما مقصودة فلأنها ليست في ضمن شيء آخر كالشرط، فإذا كان كذلك صح تيممه كالمسلم تيمم للصلاة. م: (بخلاف التيمم لدخول المسجد ومس المصحف) ش: أي بخلاف تيمم المسلم لدخول المسجد أو لمس المصحف، م: (لأنه) ش: أي؛ لأن تيممه لدخول المسجد أو مس المصحف م: (ليس بقربة مقصودة) ش: لحصوله في ضمن شيء آخر، وكذا لو تيمم لخروج المسجد بأن دخل متوضئاً ثم أحدث، أو تيمم للسلام، أو رده، أو للتعليم على الأصح، خلافاً لما رواه الحسن عن أبي حنيفة: تيمم لقراءة القرآن على ظهر القلب أو لزيارة القبور أو لدفن الميت أو للأذان، فإنه لا يجوز الصلاة
ولهما أن التراب ما جعل طهورا إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة، والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها، بخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة. وإن توضأ لا يريد به الإسلام ثم أسلم، فهو متوضئ عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على اشتراط النية، ـــــــــــــــــــــــــــــQبه عند عامة العلماء؛ لأنه ليس بقربة مقصودة، وفيه خلاف أبي سعيد البلخي، حيث قال: تجوز الصلاة به عنده. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن التراب ما جعل طهوراً إلا في حال إرادة قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة، والإسلام قربة مقصودة تصح بدونها) ش: أي بدون الطهارة. قال السغناقي: في هذا اللفظ إشارة إلى أن الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم، نص على هذا شيخ الإسلام في " مبسوطه "، بل المقبول في التعليل أن يقال: الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم؛ لأنه ليس من أهل النية، والتيمم لا يصح بدونها، فلذلك قال: لا يصح منه التيمم، وعن هذا فرق أبو يوسف بين نية الإسلام ونية الصلاة فقال: يكون في الأول دون الثاني، وقال: لأن الإسلام يصح منه، فتصح نية التيمم منه للإسلام، بخلاف ما لو تيمم بنية الصلاة؛ لأن الصلاة قربة لا تصح من الكافر، ولا تصح نية الصلاة، فجعل وجود هذه النية وعدمها بمنزلته، فبقي التيمم من غير نية فلا يصح. م: (بخلاف سجدة التلاوة؛ لأنها قربة مقصودة لا تصح بدون الطهارة) ش: قيل: هذا مخالف لما ذكر في الأصول حيث قال فيها: إنها قربة غير مقصودة. قلنا: المراد بكونها مقصودة ها هنا أن لا يجب في ضمن شيء آخر بخلاف التبعية، بل شرعت ابتداء من غير أن يكون تبعاً لآخر، والمراد بما ذكر في الأصول أن هيئة السجدة ليست بمقصودة لذاتها عند التلاوة، بل لاشتمالها على التواضع المحقق لموافقة المؤمنين أو مخالفة المشركين، فلهذا لا يخص إقامة الواجب بهذه الهيئة، بل ينوب الركوع منابها، وحاصل هذا أن المعترض ادعى التناقض، والمجيب نفاه لاختلاف الجهتين على ما ذكرنا. فإن قلت: يصح التيمم بنية الطهارة وهي ليست بمقصودة. قلت: الطهارة شرعت للصلاة، فكانت نيتها نية إباحة للصلاة، حتى لو تيمم لتعليم الغير لا تجوز به الصلاة في الأصح على ما ذكرنا. م: (وإن توضأ) ش: أي النصراني والحال م: (لا يريد به الإسلام) ش: أي المتوضئ الإسلام م: (ثم أسلم فهو متوضئ عندنا) ش: حتى لو صلى به يجوز م: (خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه عنده ليس بمتوضئ، وأشار إلى دليل الشافعي بقوله م: (بناء على اشتراط النية) ش: فإن النية شرط
فإن تيمم مسلما ثم ارتد - والعياذ بالله - ثم أسلم فهو على تيممه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يبطل تيممه؛ لأن الكفر ينافيه فيستوي فيه الابتداء والبقاء ـــــــــــــــــــــــــــــQعنده وهو ليس من أهلها، ويفهم منه أيضاً دليلنا؛ لأنه إذا لم تكن النية شرطاً عندنا صح وضوءه، وإن لم تعتبر نيته. م: (فإن تيمم مسلم ثم ارتد - والعياذ بالله - ثم أسلم فهو على تيممه) ش: يعني له أن يصلي بهذا التيمم. م: (وقال زفر: يبطل تيممه) ش: باعتراض الارتداد م: (لأن الكفر ينافيه) ش: أي ينافي التيمم ابتداء فكذا انتهاء م: (فيستوي فيه الابتداء والبقاء) ش: أي إذا كان الكفر ينافيه ابتداء فيستوي في هذا الحكم الابتداء والبقاء. فإن قلت: الضمير في قوله: " فيه " يرجع إلى ماذا. قلت: قد أشرت إليه بقولي: " فيستوي في هذا الحكم "، وقال بعضهم: أي يستوي في هذا الأمر المنافي حالة الابتداء وحالة البقاء، وهذا مثل الأول في المعنى. وذكر في " الجامع الصغير " للحسامي أن المنافاة بينهما باعتبار معنى العبادة، فإنه شرع مطهر غير معقول المعنى تعبداً فينافيه الكفر كسائر العبادات. وفي " المختلف " أنه عبادة فلا يجامع الكفر، فعلى هذا لا يتصور الخلاف المذكور إلا في التيمم المنوي؛ لأن غيره وإن كان مفتاحاً للصلاة عنده ليس بعبادة كالوضوء بلا نية فلا ينافيه الكفر، فبقي بعد الارتداد على أصله، والصحيح أن المنافاة بينهما باعتبار عدم الأهلية، فإن كافراً لو تيمم لا يصح التيمم مشروعاً في حقه، ويكون فعله كفعل البهيمة، فثبت أن الكفر مناف للتيمم يستوي فيه الابتداء والبقاء. فعلى هذا بطل تيممه عنده نوى أو لم ينو. وفي " الكافي ": ويبطل عنده؛ لأنه عبادة فينافيه الكفر، ثم سيق الكلام إلى أن قيل: فإنه إنما يصير عبادة بالنية وهي ليست بشرط عنده. قلنا: الكلام في المنوي أو في غيره لا خلاف. وقال عبد العزيز: يبعد ما ذكره. قلت: إن أراد به أنه لا خلاف في بقائه على الصحة بعد الكفر فهو غير مستقيم؛ لأن هذا لا يصح أصلاً عندنا لعدم شرطه، فكيف بقي على الصحة، وإن أراد به لا خلاف في بطلانه وهو الظاهر فهو كما قال، إلا أن ما قال زفر على كونه عبادة فينافيه الكفر غير مستقيم لما بينا أن غير المنوي ليس بعبادة، فكيف يصح بناء بطلانه على الكفر المنافي للعبادة مع انتفاء صفة العبادة عنه. فإن قلت: كان من حقه أن ينعكس الحكم لانعكاس العلة، فإنه من حقه أن لا يبطل تيمم المسلم بارتداده على قوله لعدم احتياجه إلى النية وهذه كالوضوء في ذلك. قلت: قال شيخ الإسلام: هذه المسألة من زفر رواية منه أن التيمم لا يصح إلا بالنية، وروي
كالمحرمية في النكاح. ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهرا فاعتراض الكفر عليه لا ينافيه كما لو اعترض على الوضوء، وإنما لا يصح من الكافر ابتداء لعدم النية منه، وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء؛ لأنه خلف عنه فأخذ حكمه، ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه أنه يصح بغير النية، فعلى هذا لا يبطل على مذهبه بالردة كالوضوء، فكان عنه روايتان أن التيمم من غير نية يتأدى أم لا. وجواب آخر: أنه تكلم فيه على قول من يرى فيه وجوب النية كما تكلم أبو حنيفة في المزارعة على رأي من يرى صحتها وإن كان هو لا يرى بجوازها. م: (كالمحرمية في النكاح) ش: بأن كان الزوجان رضيعين وقد زوج كلاً منهما أبوهما ثم أرضعتهما امرأة، أو كانا كبيرين وقد مكنت المرأة ابن زوجها بعد النكاح حيث قال: يرتفع النكاح بينهم بعد الثبوت كما لا ينعقد فيهما ابتداء. والأصل أن كل صفة منافية الحكم يستوي فيها الابتداء والبقاء م: (كالردة والمحرمية في النكاح) ش: والحدث العمد في الصلاة. فإن قلت: لو سبقه الحدث في الصلاة لا يعيدها فينبغي أن يفسدها؛ لأنها لا تنعقد به ابتداء. قلت: ذلك مخصوص بالنص وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاة فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» رواه ابن ماجه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. م: (ولنا أن الباقي بعد التيمم صفة كونه طاهراً) ش: يعني الباقي بعد التيمم صفة كون المرتد طاهراً بذلك التيمم م: (فاعتراض الكفر عليه) ش: أي على التيمم م: (لا ينافيه) ش: أي لا ينافي كونه طاهراً؛ لأن التيمم عند الكفر لا يكون موجودا حتى بطل لوجود ما ينافيه م: (كما لو اعترض على الوضوء) ش: أي كاعتراض الكفر على الوضوء، فإنه لا يبطله للبقاء فيه فكذا التيمم م: (لأنه) ش: أي لأن التيمم م: (خلف عنه) ش: أي عن الوضوء، ولا شك أن حال الخلف دون حال الأصل، فكان مبطلاً للأعلى فأولى أن يكون مبطلاً للأدنى، بخلاف الصوم والصلاة؛ لأن حكمهما بعد الفراغ عنهما الثواب، وهو لا يجامع الكفر، والتيمم له حكم آخر وراء الثواب وهو الطهارة والكفر يجامعها، فجاز أن ينفي التيمم بعد هذا الحكم، فإن السبب يبقى بعد بقاء أحد الحكمين وإن بطل الآخر، كما في الثواب والطهارة في الوضوء بعد الارتداد. م: (فأخذ حكمه) ش: أي فأخذ الخلف حكم الأصل، فالخلف هو التيمم والأصل هو الوضوء، وقد ذكرنا أن كون التيمم خلفاً عن الوضوء مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: الردة تحبط العمل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] (المائدة: الآية 5) ووضوءه وتيممه من عمله، فكيف يبقيان بعد الردة. قلت: الردة تحبط ثواب العمل، وذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ رياء، فإن الحدث يزول
[مبطلات التيمم]
وينقضه أيضا رؤية المادة إذا قدر على استعماله؛ لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب، ـــــــــــــــــــــــــــــQبه وإن كان لا يثاب على عمل الوضوء. (وإنما لا يصح التيمم من الكافر ابتداء) ش: أي ابتداء الأمر، يعني قبل أن يسلم م: (لعدم النية منه) ش: أي من الكافر، قوله: وإنما لا يصح.. إلخ كأنه جواب سؤال مقدر تقديره أن يقال: أنتم قلتم يبقى تيمم المسلم الذي ارتد، وقلتم: إن اعتراض الكفر لا ينافيه فما له لا يصح منه ابتداء، وتقدير الجواب أن يقال: إنما لا يحص من الكافر ابتداء لانعدام النية، وليس انتهاء كذلك لوجودها، قوله: "لانعدام " مصدر من انعدم، ولكنهم قالوا: أعدمه فانعدم وهو خطأ، فلا يقال ذلك كما لا يقال علمه فانعلم؛ لأن هذا البناء يختص بالفلاح والعدم ليس بفلاح. [مبطلات التيمم] م: (وينقض التيمم كل شيء ينقض الوضوء) ش: النقض عبارة عن خروجه عن حكمه الأصلي، وهو كونه مبيح الصلاة م: (لأنه) ش: أي لأن التيمم م: (خلف عنه) ش: أي عن الوضوء م: (فأخذ حكمه) ش: أي حكم الوضوء في النقض، ولا شك أن الأصل أقوى من الخلف، فما كان ناقضاً للأقوى كان ناقضاً للأضعف بطريق الأولى. م: (وينقضه) ش: أي ينقض التيمم أيضاً م: (رؤية الماء) ش: الكافي حتى لو كان لم يكفه لا يلزم استعماله عندنا، وهو قول الحسن، والزهري، وحماد، وابن المنذر، وبه قال مالك. وقال الشافعية في أحد قولي الشافعي: أنه يلزم استعماله ويتيمم به للباقي، وبه قال أحمد في الجنابة، وفي الوضوء له وجهان، وإسناد النقض إلى روية الماء إسناد مجازي؛ لأن الناقض في الحقيقة هو الحدث السابق، لكن يظهر عند الرؤية فأضيف إليه مجازاً م: (إذا قدر) ش: أي المتيمم م: (على استعماله) ش: أي على استعمال الماء م: (لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب) ش: أراد بالوجود هو المذكور في القرآن بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء» ، وإنما سماه غاية من حيث المعنى لا من حيث الصفة؛ لأنه لم يرد فيه كلمة الغاية، أما في الآية فظاهر. وأما في الحديث فإن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما لم يجد الماء» ليس غاية للتيمم، حيث لم يقل: إلى وجود الماء، بل فيه بيان مدة التيمم كما في قوله: اجلس ما دمت جالساً، لكن معناهما يتفقان في أن الحكم في ذلك الوقت يخالف ما قبله فسمي باسم الغاية. وقال الأكمل: بل لا يلزم من انتهاء طهورية التراب انتهاء الطهارة الحاصلة به كالماء، فإنه يصير نجساً بالاستعمال أو تنتهي طهوريته وتبقى الطهارة به. قلت: هذا القائل هو الخبازي، ذكره في حواشيه، والجواب أن التراب مطهر مؤقت حكماً لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحقيقة، على معنى أنه لا تزول طهوريته بدون شيء يتصل به، فثبتت به الطهارة المؤقتة على صفة التطهير، كالماء لما كان مطهراً حقيقة على معنى أنه لا تزول طهوريته دون شيء يتصل به، فثبتت الطهارة على المائية على أن ما كان ضعيفاً لبقاء ما يشترط لابتدائه وعدم الماء شرط لابتداء التيمم، فكذا لبقائه، هذا جواب الخبازي. وقال صاحب " الدراية ": وفيه تأمل؛ لأن كون التراب مطهراً مؤقتاً مسلم، لكن الطهارة الحاصلة به مؤقت غير مسلم، وفي زيادات القدرة على الماء تمنع الطهارة بالتيمم ابتداء وبقاء؛ لأن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالخلف يبطل حكم الخلف. وقال حافظ الدين في " المستصفى ": العمل بالحديث مشكل؛ لأنه لم يتعرض لانتقاض التيمم السابق، بل فيه بيان أن التيمم لا يجوز بعد رؤية الماء، وجاز أن تكون رؤية الماء منافية للابتداء لا للبقاء، كعدم الشهود في النكاح فإنه يمنع ابتداء النكاح لا البقاء. تعديل الجواب أن يقول: الطهورية صفة راجعة إلى المحل، فالابتداء والبقاء فيه سواء كالمحرمية في باب النكاح، وهذا الجواب هو الذي ذكره الأكمل عن سؤال الخبازي أخذا من كلام حافظ الدين. وقال صاحب " الدراية ": مع أن هذا بعض الحديث، وتمامه «فإذا وجدت الماء فلتمسه بشرتك» ، وكذا في " المصابيح " و " المبسوط " قيل قوله: «فلتمسه بشرتك» وهذا لفظ " المصابيح " لا يدل على انتقاض الوضوء؛ لأن هذا بطريق الاستحباب، بدليل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في آخره: " فإن ذلك خير ". قلت: قد ذكرنا أن هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والدارقطني من حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولفظ أبي داود: «الصعيد الطيب وضوء لكم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك» . وبهذا اللفظ أخرجه النسائي، وابن حبان. وأخرجه البزار من حديث أبي هريرة ولفظه: «الصعيد وضوء لكم وإن لم يجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير» ، ومن أعجب العجائب أن هؤلاء الشراح أئمة كبار، فإذا وقع حديث لا يشبعون الكلام فيه من جهة الترجيح، ومن جهة الألفاظ، ومن جهة الصحة، فغالبهم يحيلونه على كتاب من كتب الفقه، وليس هذا من شأن المحققين. وقوله قبل: فلتمسه بشرتك ... إلخ كلام غير صحيح؛ لأن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وليمسه بشرته» للوجوب لا للاستحباب، فاستدلال هذا القائل على الاستحباب بقوله: " فإن ذلك خير "
وخائف السبع والعدو والعطش عاجز حكما ـــــــــــــــــــــــــــــQغير صحيح؛ لأنه ليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائزان عند وجود الماء، لكن الوضوء خير، بل المراد به أن الوضوء واجب عند وجود الماء، ولا يجوز التيمم، وهذا نظير قَوْله تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] (الفرقان: الآية 24) مع أنه لا خير ولا حسن لمستقر أصحاب النار ومقيلهم. ثم اعلم أن وجود الماء الفاضلة عن حاجة المقدور على استعماله ينقض الوضوء وإن كان في الصلاة عندنا، وإليه ذهب الثوري، وأحمد في مختار قوله، واختاره المزني وبان شريح، ونقله البغوي عن أكثر العلماء. وقال مالك والشافعي: لا ينقض وضوءه ويتم صلاته ولا يعيدها في صلاة السفر، وهو رواية عن أحمد وقول داود، وقيل: يجوز الخروج منها فيه وجهان للشافعي أظهرهما أنه أفضل، والثاني: أنه لا يجوز، وعن بعض أصحابه الخروج منها مكروه. وقال الأوزاعي: تصير صلاته نفلاً. وفي " الحلية ": لو تيمم لشدة البرد في الحضر وجب عليه الإعادة عند وجود الماء الحار وإن كان في السفر ففي وجوبها قولان. وفي " شرح المجمع " صلى بالتيمم في الحضر لإعواز الماء ففي بطلان صلاته عند الشافعي قولان، أحدهما: لا تبطل صلاته، والثاني: تبطل، وفي " المجتبى ": رأى في صلاته سؤر الحمار لا تبطل صلاته فيتمها ثم يتوضأ به فيعيد، ولو رأى فيها سراباً فظنه ماء فمشى إليه بطلت صلاته، جاوز مكان الصلاة أو لا، ولو رأى ماء فظنه سراباً فصلى ثم علم بعدها يعيدها، ولو رأى فيها رجلاً في يده ماء فأتم صلاته ثم سأله فأعطاه لا يعيدها. وفي " جامع أبي الحسن " رأى فيها رجلاً معه ماء كثير لا يدري أيعطيه أم لا يتم صلاته ثم يسأله، فإن أعطاه أعادها وإلا فلا، وإن أبى ثم أعطي لا يعيد، وكذا العاري لو رأى فيها ثوباًً. م: (وخائف السبع) ش: كلام إضافي مبتدأ، وهو الحيوان المفترس كالأسد، والنمر، والفهد، والدب، والذئب، ونحوها م: (والعدو) ش: سواء كان مسلماً أو كافراً، أو قاطع طريق أو لصاً، ونحوه الحريق والحية م: (والعطش) ش: أي وخائف العطش على نفسه أو على رفيقه أو على حيوان معه نحو دابته، ولكبه، وسنوره، وطيره م: (عاجز) ش: مرفوع؛ لأنه خبر المبتدأ، أعني قوله: " وخائف السبع " م: (حكما) ش: أي من حيث الحكم، لا من حيث الحقيقة، لأنه واجد ظاهراً ولكنه عاجز، والقدرة شرط كما مر. وفي " التنجيس " و " فتاوى الولوالجي " رجل أراد أن يتوضأ فمنعه إنسان عنه يعيد. قيل: ينبغي أن يتيمم ويصلي ثم يعيد الصلاة عند زوال ذلك عنه؛ لأن هذا جاء من قبل العباد، فلا يسقط الفرض عنه كالمحبوس إذا صلى بالتراب في الحبس، فإذا خرج يعيد، فكذا هذا. وفي " شرح الطحاوي ": إذا خاف على نفسه أو ماله يجوز التيمم، وذكر الولوالجي: متيمم
والنائم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قادر تقديرا حتى لو مر النائم المتيمم على الماء بطل تيممه ـــــــــــــــــــــــــــــQمر على الماء في موضع لا يستطيع النزول عنه لخوف على نفسه أو ماله لا ينقض تيممه؛ لأنه غير قادر. وفي " شرح الوجيز ": لو خاف على نفسه أو ماله من سبع أو سارق فله التيمم، ولو احتاج إلى الماء لعطش رفيقه أو لعطش حيوان محترم جاز له التيمم، وفي " المغني " لابن قدامة: أو كان الماء عند جمع فساق فخافت المرأة على نفسها الزنا جاز لها التيمم. م: (والنائم) ش: مرفوع على الابتداء، والمراد النائم الذي ليس بمضطجع ولا مستند في المحل؛ لأنه إذا كان كذلك ينقض تيممه بالنوم فلا تتأتى هذه المسألة، وكذا المراد النائم سواء كان راكباً أو ماشياً وقدموا على الماء وهو متيمم م: (عند أبي حنيفة قادر تقديراً حتى لو مر النائم المتيمم على الماء بطل تيممه عنده) ش: أي حكما؛ لأنه واجد للماء ظاهراً، فإذا كان قادراً ينقض تيممه عنده؛ لأنه عاجز عن الاستعمال لعذر جاء من قبله فلا يكون معذوراً، وقيل: ينبغي أن لا ينقض عند الكل؛ لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به يجوز تيممه عند الكل. وقال التمرتاشي: في " زيادات الحلواني " في انتقاض تيمم النائم المار بالماء روايتان من غير ذكر اختلاف. وفي " فتاوى قاضي خان ": لا ينتقض تيمم النائم المار على الماء بالاتفاق. وفي " المجتبى " الأصح أنه لا ينتقض تيممه عند الكل. قلت: فلذلك لم ينبه المصنف على خلافهما؛ لأن المختار في الفتاوى عدم الانتقاض اتفاقاً. وقيل: في ستة وعشرين موضوعاً للنوم حكم اليقظة، هذا المسألة، وصائم نائم على قفاه فوقع المطر في فيه أو قطرت ماء في فيه فوصل إلى جوفه فسد صومه، ونائمة جامعها زوجها فسد صومها. ومحرم كذلك، ومحرم نائم حلق إنسان رأسه فعلية الجزاء، ومحرم نائم انقلب على صيد فقتله كذلك، ونائم مر بعرفات أجزأه. هو قائم وقع صيد عنده كما لو وقع عند يقظان وهو قادر على زكاته. ونائم انقلب على مال فأتلفه يضمن، ونائم وقع على مورثه فقتله على قول البعض أو وقع قائماً فوضعه تحت جدار واه فسقط عليه فمات فلا ضمان، ونائم مكثت امرأته عنده في بيت ساعة صحت خلوته، ونائمة رضع صغير من ثديها ثبتت الحرمة. ونائم في صلاته تكلم فسدت. ونائم قرأ فيها أجزأته. ونائم تلا آية السجدة تلزم صاحبه، ونائم أخبر بالتلاوة عنده يجب عليه السجدة في قول. وقال شمس الأئمة: يفتي بعدم الوجوب فيها، ونائم يكلم من حلف أنه لا يكلمه ولم يستيقظ حنث في الأصح، ونائمة مسها مطلقها صار مراجعاً، ونائم قبلته بشهوة يثبت حرمة المصاهرة إذا علم بفعلها، ونائم يومين وليلتين يجب القضاء. ونائم احتلم في صلاته وجب الغسل ولا يمكن البناء، ونائمان عقد بينهما يصح على قول، ونائم أخبر أنك تلوت آية السجدة وجب على السامع وعليه السجدة في قول، والأصح أنها لا تجب.
عنده، والمراد ماء يكفي للوضوء؛ لأنه لا معتبر بما دونه ابتداء فكذا انتهاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والمراد) ش: أي المراد من قوله " وينقضه أيضاً رؤية الماء "، م: (ماء يكفي للوضوء) ش: لأن الذي لا يكفي في حكم العدم، وفي هذه العبارة يجوز وجهان أحدهما: أن يكون كلمة ما في قوله " ما يكفي " موصولة. والمعنى: والمراد الماء الذي يكفي الوضوء. والثاني: أن يكون التقدير والمراد ماء بالمد والهمزة. وقوله: " يكفي " في الوجه الأول: صلة وفي الثاني صفة، وقال الأكمل: قوله: والمراد ما يكفي يعني الماء الذي يمر عليه النائم، قلت: تقييده بهذا غير صحيح، بل المراد ما فيه كفاية الوضوء، سواء كان ماراً نائما أو يقظان ماراً أو مقيماً أو مسافراً، سائراً أو نازلاً في موضع، وذلك لأن المصنف بين المراد من قوله: وينقضه أيضاً رؤية الماء الذي في أي حال كان إذا قدر على استعماله، وكان فيه كفاية للوضوء، فظن الأكمل أن قوله: " والمراد ما يكفي " يرجع إلى قوله " والنائم " عند أبي حنفية قادر تقديراً وليس كذلك، بل المراد ما قلنا يشمل الكل. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لا معتبر بما دونه) ش: أي لا اعتبار بما دون ما يكفي للوضوء م: (ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر، أراد أنه إذا أراد أن يصلي فلم يجد ماء يكفي للوضوء يتيمم؛ لأنه لا اعتبار له لذلك م: (فكذا انتهاء) ش: أي فكذا المراد ما يكفي للوضوء في حالة الانتهاء، أراد أنه إذا كان متيمماً فرأي ماء لا يكفي للوضوء فإنه على تيممه؛ لأنه في حكم العدم، وأراد بالانتهاء السبق والبقاء معتبراً بالابتداء، وهذا بناء على الخلاف. وفي أن المحدث والجنب إذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته هل يجب عليه استعماله؟ فالأصح عند الشافعي وجوب استعماله بالتيمم بعده، وهو أقوي الروايتين عن أحمد وداود، وحكاه ابن الصباغ عن عطاء والحسن البصري، ومعمر بن راشد. وفي القول الآخر للشافعي: عدم وجوب الاستعمال وهو مذهبنا، ومذهب مالك والثوري، والأوزاعي، وابن المنذر، والزهري، وحماد. وقال البغوى: وهو قول أكثر العلماء. ودليل الشافعي حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «وما أمرتكم بشيء فافعلوا منه ما استطعتم» رواه البخاري ومسلم، وقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، وهو نكرة في موضع النفي، فيعم الماء اليسير والكثير، كالعاري إذا وجد ثوباً يستر بعض عورته فإنه يلزمه ستر ذلك القدر، وكذا إذا كانت به نجاسة حقيقية يجب استعماله في ذلك القدر، فينبغي أن يجب في النجاسة الحكمية أيضاً. قلنا: نحن نقول لموجب الآية أيضاً، إذ المراد منه ما يكفي للوضوء، وذلك لأن الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية، وكان قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) أي طهوراً محللاً للصلاة
ولا يتيمم إلا بصعيد طاهر؛ لأن الطيب أريد به الطاهر في النص، ولأنه آلة التطهير، فلا بد من طهارته في نفسه كالماء، ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه أن يؤخر الصلاة إلى ـــــــــــــــــــــــــــــQباستعماله في هذه الأعضاء، وبوجود ما لا يكفي للوضوء لم يوجد ما يحلل الصلاة باستعمال هذه الماء لم يثبت شيء من الحل، فإنه موقوف على الكمال، فإن الحكم والعلة غسل جميع الأعضاء، وشيء من الحكم لا يثبت ببعض العلة كبعض النصاب في حق الزكاة، بخلاف النجاسة الحقيقية وستر العورة؛ لأن المزال أمر حسي فاعتبر الزوال حسا لا حكماً، فثبت بقدر الماء الذي معه والثوب الذي معه، وأما ها هنا فالطهارة حكمية، فلا يثبت شيء من الحكم ببعض العلة؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو الكافي للوضوء أو الغسل، ولأن استعمال قطرة أو قطرتين في الماء في بدن الجنب بعدها عبث، والنكرة وإن كانت تعم في النفي لكن لا يمكن إجراؤه على العموم، إذ وجود ما يحتاج إليه العطش غير مراد، فيراد به أخص الخصوص، ولأنه عجز عن بعض الأصل فيسقط الاعتداد به مع البدل في حالة واحدة، كمن عجز عن بعض الرقبة في الكفارة فصار بمنزلة من لم يستطع شيئاً، وهو الجواب عن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فأتوا منه ما استطعتم» ولا يلزم إذا غسل لبعض الأعضاء ثم انصب الماء، ومن اعتدت بحيضة ثم ارتفع حيضها؛ لأن ما تقدم يسقط عندنا ويصير مؤدياً للفرض بالتيمم خاصة، والعدة إن بلغت المرأة الإياس بالشهور خاصة. م: (ولا يتيمم إلا بصعيد طاهر؛ لأن الطيب) ش: المذكور في قَوْله تَعَالَى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) م: (أريد به الطاهر في النص) ش: بالإجماع، إذ طهارة التراب شرط عند الأئمة الأربعة، وعن داود: والتراب إذا تغير بالنجاسة لا يجوز التيمم به، وإن لم يتغير جاز، ويجوز التيمم بالتراب المستعمل عندنا، وفي قول للشافعي وظاهر مذهبه لا يجوز، والمستعمل ما يقام في العضو. وقال بعض أصحابه: ما بقي في العضو مستعمل دون ما يتناثر عنه، كذا في " الحلية "، ولو تيمم جماعة بحجر واحد أو لبنة واحدة أو أرض جاز. فإن قلت: لا يلزم من شرط الطهارة أن يكون المراد من الطيب الطاهر في الآية، لجواز أن تثبت شرطية الطهارة بدليل آخر. قلت: لو لم ترد بالآية لاقتضى مطلق الآية جواز التيمم بدون طهارة، فكان الدليل الآخر معارضاً لمطلق النص، وذا لا يجوز. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الصعيد م: (آلة التطهير، فلا بد من طهارته في نفسه كالماء) ش: حيث شرط طهارته عند الاستعمال. م: (ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه) ش: أي والحال أنه يرجو الماء، والمراد بالرجاء غلبة الظن، أي يغلب على ظنه أنه يجد الماء في آخر الوقت، كذا في " الإيضاح " م: (أن يؤخر الصلاة إلى
آخر الوقت، ـــــــــــــــــــــــــــــQآخر الوقت) ش: كلمة " أن " مصدرية في تأويل: ويستحب تأخير الصلاة لمن يرجو الماء، وفي " الذخيرة " عن محمد: المسافر الذي لا يجد الماء ينتظره إلى آخر الوقت، فإن خاف فوته تيمم. وفي " القدوري ": يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت إذا كان على طمع ورجاء من وجوده وهو الصحيح، وألا يؤخر عن الوقت المستحب. وفي " البدائع ": هذا لا يوجب اختلاف الرواية، بل يجعل تفسير الماء ما أطلقه في الأصل، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يتلو إلى آخر الوقت. وقال القدوري: التأخير مستحب لا حتم، وروي عن أبي حنفية، وأبي يوسف: أنه حتم هذا إذا كان الماء بعيداً، وإن كان قريباً لا يتيمم وإن خاف خروج الوقت، قال الفقيه أبو جعفر: أجمع أصحابنا الثلاثة على هذا. وقيل: إذا كان بينه وبين موضع الماء الذي يرجوه ميل أو أكثر، فإن كان أقل منه لا يجزئه التيمم وإن خاف فوت وقت الصلاة. وفي " الحلية ": فإن لم يكن على ثقة من وجود الماء في آخر الوقت ولا على إياس من وجوده، فالأصل أن يصلي بالتيمم في أول الوقت في أصح القولين، وهو اختيار المزني. والثاني: التأخير أفضل، وعن أبي حنيفة روايتان كالقولين. وقال النووي: التأخير أفضل بكل حال، وبه قال أحمد، وقال مالك: يتيمم المريض والمسافر في وسط الوقت لا يؤخره جداً ولا يعجله، وفي الأصل أحب إلي أن يؤخره ولم يفعل. ولا يؤخر العصر إلى تغير الشمس والمغرب عن أول وقته، وقيل: يؤخره إلى ما قبيل غيبوبة الشفق، وعن حماد والشافعي: لا يؤخر، روي أن هذا أول واقعة خالف أبو حنيفة فيها أستاذه حماد بالتيمم في أول الوقت، ووجد أبو حنيفة الماء في آخر الوقت وصلاها، وكان ذلك عن اجتهاده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصوابه فيه، وقال الأكمل: قيل: هذه المسألة تدل على أن الصلاة في أول الوقت أفضل عندنا أيضاً، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه كتكثير الجماعة والصلاة بأكمل الطهارتين. قلت: قائل هذا السغناقي ناقلاً عن شيخه تاج الشريعة، والشيخ عبد العزيز في حواشيهما، وقال الأترازي: قال الشارحون: هذه المسألة تدل إلى آخر ما ذكرناه، ثم قال: أقول هذا سهو من الشارحين، وليس مذهب أصحابنا كذلك، ألا تري ما صرح به صاحب " الهداية " وغيره من المتقدمين في كتبهم بقوله: ويستحب الإسفار بالفجر والإبراد بالظهر في الصيف بتأخير العصر ما لم تتغير الشمس، وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وأجاب الأكمل بما قاله الأترازي بقوله: ورد بأن هذا ليس مذهب أصحابنا إلى آخره، والعجب من الأكمل كيف رضي بنسبة الأترازي
فإن وجد الماء يتوضأ ويصلي به، وإلا تيمم وصلى ليقع الأداء بأكمل الطهارتين، فصار كالطامع في الجماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسهو إلى الشارحين، وأورد في شرحه ما قاله، بل الحق أن السهو منه لا منهم؛ لأنه فهم كلامهم على خلاف مقصودهم. بيان ذلك: أنه فهم من قولهم بأن أداء الصلاة في أول الوقت أفضل لغي المترجي بأن المراد بأول الوقت حقيقة كما هو مذهب الشافعي، وهو خلاف المذهب، فلزم من ذلك ما ذكره، لكن ليس هذا بمراد، بل مرادهم بأن العبادات في أول الوقت المستحب المعهود في حقهم المقيم أفضل لغير راجي الماء، يعني التأخير عن أول الوقت المستحب إنما يكون مستحباً لعدم الماء إذا كان راجياً لوجدانه، وإلا فالمستحب الأداء في أول وقت الاستحباب لا التأخير. والذي يدل على ما ذكرنا ما ذكره في " البدائع " بقوله: وإن لم يكن على طمع لا يؤخر ويتيمم ويصلي في الوقت المستحب، وكذا يدل عليه كلام الشيخ عبد العزيز عن شمس الأئمة في " الإمام "، وهو قوله: فإن كان لا يرجو ذلك لا يؤخر الصلاة عن وقتها المعهود، وأراد بذلك المعهود في حق غيره، وهو أول الوقت المستحب المعهود في المذهب، لا أول الوقت المعهود على مذهب الشافعي، ويدل عليه ما نقله الأترازي المعترض على صاحب " التحفة ": روى المعلى عن أبي حنيفة وأبي يوسف: الطامع في الماء يؤخر إلى آخر الوقت، وغير الطامع يؤخر إلى آخر الوقت المستحب، فظهر من هذا أن المراد بأول الوقت في هذا الموضع أول الوقت المستحب، وآخر الوقت المستحب، لا كما فهمه الأترازي، فإنه احترز بقوله: العادم الماء عن قول الشافعي لا غير العادم؛ لأن مذهب الشافعي: إن عادم الماء وإن رجى أن يجده في آخر الوقت قدم الصلاة، وهو غير صحيح على ما نص عليه الشافعي في " الإملاء "، فإنه موافق لمذهبنا. وقال الأكمل: وقوله العادم الماء ليس احترازاً عن غير عادمه، بل هو احتراز عن قول الشافعي، فإن عنده أن عادم الماء آخر ما ذكرناه الآن. قلت: هذا بعينه كلام الأترازي، وقد بينا فساده الآن. م: (فإن وجد الماء) ش: " الفاء " فيه للتفصيل، أي: فإن وجد عادم الماء بعد تأخير الصلاة إلى آخر الوقت م: (يتوضأ ويصلي به) ش: وقوله: يتوضأ هذا جواب الشرط، وهو محذوف مقدر، م: (وإلا) ش: أي: وإن لم يجد الماء، م: (تيمم) ش: لأنه عادم الماء حقيقة م: (وصلى) ش: صلاته التي أخرها م: (ليقع الأداء) ش: أي أداء الصلاة التي أخرها إلى آخر الوقت م: (بأكمل الطهارتين) ش: وهو الوضوء، وصيغة أفعل تدل على أن التيمم طهارة كاملة، ولكن الوضوء أكمل منها م: (فصار) ش: هذا الشخص في هذه الحالة م: (كالطامع في الجماعة) ش: أي كالشخص الذي يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت طمعاً في كثرة الجماعة.
وعن أبي حنفية، وأبي يوسف - رحمهما الله - في غير رواية الأصول أن التأخير حتم؛ لأن غالب الرأي كالمتحقق. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الأكمل: قوله كالطامع في الجماعة ليس احترازاً عن غير الطامع، بل إلزام على الشافعي؛ لأن مذهبه أن التأخير مستحب إذا كان طامعا في الجماعة. قلت: هذا بعينه كلام الأترازي، وهو ليس بصحيح، بل هو احتراز عن غير الطامع، وليس بإلزام على الشافعي؛ لأن مذهبه المنصوص عليه كمذهبنا على ما ذكرنا، والطامع في الجماعة على قسمين، أحدهما: الطامع المسافر، فإن كان واجداً للماء أو غير راج فإن المستحب فيه أداء الصلاة أول الوقت؛ لأن الأصل هو المسارعة إلى أداء العبادات على ما نطق به التنزيل والرفقة كلهم حاضرون، فلا يثبت التأخير في حقه للأصل، ولهذا يستحب الأداء في أول الوقت في الشتاء لهذا المعنى، ويدل على ما قلنا قول المصنف " ويستحب لعادم الماء وهو يرجوه " لأن تخصيص الاستحباب به يدل على أن الاستحباب أداء الصلاة أول الوقت للمسافر الواجد ولغير الراجي. والقسم الثاني: للطامع المقيم، فإن المستحب في حقه تأخيرها للطمع في كثرة الجماعة. م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف في غير رواية الأصول) ش: وهي رواية " النوادر " و " الأمالي " و " الرقيات " و " الكيسانيات " و " الهارونيات "، ورواية " الأصول " رواية " الجامعين " و " الزيادات " " والمبسوطات ". قلت: الرقيات جمع رقية نسبة إلى رقية بفتح الراء وتشديد القاف، وهي واسطة ديار ربيعة، وهي مدينة خراب كبيرة مورده على الجانب الغربي من الجانب الشمالي الشرقي. وقال ابن حوقل: " الرقة " أكبر مدن ديار بكر ويقال لها: الراقية، وقال سعيد: واسمها البيضاء و " الرقيات " مسائل جمعها محمد حين كان قاضياً بالرقية المذكورة. و " الكيسانيات " جمع كيسانية نسبة إلى " كيسان " وكان من أصحاب محمد أبي عمرو، وسليمان بن شعيب الكيساني من قولهم ذكر محمد في " الكيسانيات " أو في " إملاء الكيساني "، وكيسان: أحمد جدار سليمان بن شعيب ونسبته إليها. والهارونيات جمع هارونية. م: (أن التأخير) ش: أي تأخير الصلاة لعادم الماء الراجي م: (حتم) ش: أي واجب، يعني إذا كان ذلك الموضع بعيداً، نص عليه في " المبسوط "، وفي " المحيط " و " الذخيرة "؛ لأن شرع التيمم لدفع الحرج وصيانة للوقت عن الفوات فإذا تيقن أو غلب على ظنه وجود الماء آخر الوقت فقد أمن من الفوات حقيقة أو ظاهراً، فلا يجزئه التيمم ويجب التأخير، م: (لأن غالب الرأي كالمتحقق) ش: ولهذا وجب العمل بخبر الواحد، والقياس يؤيده، قال الله تعالى: {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) علق عدم الرد إليهم بالعلم
وجه الظاهر أن العجز ثابت حقيقة، فلا يزول حكمه إلا بقين مثله ـــــــــــــــــــــــــــــQبكونهن مؤمنات، والعلم بذلك لا يكون إلا لغالب الرأي وهو كالثابت حقيقة، وفي ظاهر الرواية لا يجب التأخير عنه مع بعد المسافة، ويجزئه التيمم مع غلبة الظن بوجدان الماء في آخر الوقت أو التيقن. وأشار إلى وجه الظاهر بقوله م: (وجه الظاهر) ش: أي وجه ظاهر الرواية م: (أن العجز ثابت حقيقة فلا يزول حكمه) ش: أي حكم العجز وهو جواز التيمم م: (إلا بيقين مثله) ش: قيل: هذا ليس بوجه، فإن زوال العجز لا يتوقف على اليقين، ألا ترى أن وجود الماء لو كان مظنوناً بأن كان في العمران، ورأى من بعيد أشجاراً أو سراباً ظنه ماء لا يتيمم، فقد زال عذره بغير تغير. ونقل الأكمل ها هنا عن الشيخ عبد العزيز إشكالاً ملخصه أن قوله: " لأن غالب الرأي كالمتحقق " يقتضي أن يجب التأخير عند التحقق في آخر الوقت مع بعد المسافة في ظاهر الروايات ليصلح مقيسا عليه، ويمكن إلحاق غالب الرأي وليس كذلك، فإنه ذكر في أول الباب أن من كان خارج المصر يجوز له التيمم إذا كان بينه وبين الماء ميل أو أكثر، وإن كان أقل لا يجوز، وإن خاف فوت الصلاة، وإن جعل هذا يعني التعليل على أن المراد منه أن التيمم لا يجوز في التحقق في غير رواية " الأصول " فألحق غالب الظن به في هذه الرواية لا يستقيم أيضاً؛ لأنه علل وجه ظاهر الرواية بأن العجز ثابت (حقيقة فلا يزول حكمه إلا بيقين مثله) وذلك يقتضي أن حكم العجز يزول عند اليقين بوجود الماء في ظاهر الرواية، وليس كذلك على ما بينا، وإن حمل على أن هذا فيما إذا كان بينه وبين ذلك الموضع أقل من ميل لا يستقيم أيضاً؛ لأنه لا فرق في تعليل ظاهر الرواية بين غلبة الظن واليقين فيما إذا كانت المسافة أقل من ميل في عدم جواز التيمم، كما أنه لا فرق بينهما إذا كانت المسافة أكثر من ميل في جواز التيمم. وقد صرح في آخر هذا الباب أنه إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء لا يجزئه التيمم كما لو تيقن بذلك فعلم أنه مشكل. بقي وجه آخر وهو أن يحمل هذا على ما إذا لم يعلم أن المسافة قريبة أو بعيدة، فلو ثبت أنه تيقن بوجود الماء في آخر الوقت فقد أمن من الفوات، ولما لم يثبت بعد المسافة للشك فيه لم يثبت جواز التيمم فيجب التأخير. أما لو غلب على ظنه عدم بعد المسافة، وكذلك عندهما في غير رواية " الأصول "؛ لأن الغالب كالمتحقق، وفي ظاهر الرواية لا يجب التأخير؛ لأن العجز ثابت لعدم الماء حقيقة، وحكم هذا العجز وهو جواز التيمم لا يزول إلا بيقين مثله، وهو اليقين في وجود الماء في آخر الوقت، ولم يوجد فلا يجب التأخير، ولكن هذا الوجه لا يخلو عن تمحل، ويلزم عليه أنه فرق ها هنا بين غلبة الظن واليقين في ظاهر الرواية، ولم يفرق بينهما فيما إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء في عدم جواز التيمم، ولا فيما إذا كانت المسافة بعيدة في جواز التيمم كما بينا.
[ما يباح بالتيمم]
ويصلي بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتيمم لكل فرض؛ لأنه طهارة ضرورية، ـــــــــــــــــــــــــــــQقال الشيخ: فالأظهر بقاء الإشكال، وقد ذكر هذا كله صاحب " الدراية " أيضاً ناقلاً عن شيخه، والعجب من الشيخ حيث لم يذكر وجه التخلص منه مع كونه من المحققين الكبار، وكذا صاحب " الدراية "، والأكمل ذكر هذا وسكتا عليه، فنقول وبالله التوفيق: نذكر وجهاً ينحل منه هذا الإشكال وهو: أنه يعتبر رجاء الماء وعدم رجائه بأسباب أخر غير بعد المسافة أو قربها، وهو أن يكون في السماء غيم رطب وغلب على ظنه أن يمطر ويقدر على الماء في آخر الوقت، فإنه يستحب له التأخير في ظاهر الرواية، ويجب عليه في غير رواية " الأصول " كما لو تحقق بوجود الماء أو يكون الماء بعيداً لكن أرسل من يسقي له، وغلب على ظنه حضور من أرسله للماء في آخر الوقت بأمارات ظهرت له، أو كان الماء في بئر ولم تكن له آله الاستسقاء من الدلو والحبل، لكن غلب على ظنه وجدانه في آخر الوقت، أو كان الماء بقرب منه ولم يعلم مكانه وجود ثمن يشتري به الماء، وعنده ما يعد للعطش وغلب على ظنه وجود ماء آخر غير مشغول بالحاجة الأصلية، أو كان الماء عند اللصوص أو السباع أو الأفاعي أو الحيات أو من يخاف منه على نفسه أو ماله، وغلب على ظنه زوال المانع آخر الوقت، وقس على هذا أسباب أخر. والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يقيد الرجاء وعدمه ببعد المسافة أو قربها، بل أطلق فوجب حمله على وجه لا يرد عليه الإشكال، وليس في كلامه إشعار بما قيد الشيخ حتى يرد عليه من الإشكال ما لا مخلص له. [ما يباح بالتيمم] م: (ويصلي) ش: أي المتيمم الذي يريد الصلاة م: (بتيممه ما شاء من الفرائض والنوافل) ش: وبه قال ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والحسن البصري عنه على ما ذكره النووي عنه، وداود والمزني وقول الروياني وهو الاختيار. وقال شريك ببن عبد الله: يتيمم لكل صلاة فريضة ونافلة. وقال مالك: لكن فريضة، ومذهبه مضطرب فيه، فإنه لو صلى فرضين روى ابن القاسم أنه يعيد الثانية ما دام في الوقت، فدل على صحتها. قال أبو الفرج من أصحابه: إن من قضى صلوات كثيرة بتيمم واحد فلا شيء عليه، وذلك جائز، فقد تناقض مذهبه أن قد تركوه فجعلوا ذلك مذهباً لهم. م: (وعند الشافعي يتيمم لكل فرض) ش: أي لكل فرض مع ما شاء من النوافل، وبه قال مالك، وأحمد، وأبو ثور، واختلف أصحاب الشافعي في الجمع بين الفوائت بتيمم واحد، وبقول الشافعي قال علي، وابن عمر، والشعبي، وقتادة، وربيعة الأنصاري وإسحاق م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التيمم م: (طهارة ضرورية) ش: لأن جعل حالة الضرورة بالعجز عن الماء، إذ التراب يلوث في نفسه، ولهذا يعود حكم الحدث السابق إذا رأى الماء فلم يرتفع الحدث السابق، إذ لو ارتفع لا يعود إلا بحدث جديد، ولكن أبيحت الصلاة للضرورة، فإذا صلى الفرض
ولنا أنه طهور حال عدم الماء فيعمل عمله ما بقي شرطه ـــــــــــــــــــــــــــــQانتفت الضرورة. وقال الأترازي: ثم نقول للشافعي: هل انتقض تيممه بعد أداء فرضه أم لا، فإن قال: انتقض فليقل لا يصلي نفلاً بعد ذلك؛ لأنه لا صلاة إلا بطهارة وهو خلاف مذهبه، وإن قال: لم ينقض فليقل يصلي فرضاً آخر كما يصلي نقلاً؛ لأن الطهارة تعتبر كما كانت، ولم يوجد الحدث ولا الماء حتى يبطل تيممه. ولئن قال: لا يجوز الجمع بين الفرضين لأنه طهارة ضرورية كما في طهارة المستحاضة فنقول: لا نسلم أن المستحاضة لا يجوز لها أن تجمع بين فرضين، ولا نسلم أن هذا القياس صحيح أصلاً؛ لأن طهارة المستحاضة في غاية الضعف لمقاربة الحدث لها، والتيمم لم يقارنه الحدث، وقياس ما جعلت طهارة بدون المنافاة على ما جعل طهارة مع المنافاة. فائدة: واحتج الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: من السنة أن لا يصلي بالتيمم أكثر من صلاة واحدة، وبما رواه البيهقي من حديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: يتيمم لكل صلاة. م: (ولنا أنه) ش: أي التراب م: (طهور حال عدم الماء) ش: بالنص وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد مر بيانه مستوفى. وقال النووي: التراب عندنا يطهر وإن لم يرفع الحدث، وهذا لا معنى له؛ لأن المطهر المثبت للطهارة، وبقاء الحدث مع ثبوت الطهارة متنافيان، والأصل فيه أن التيمم عندنا رافع، وعنده مبيح، وبه قال أبو بكر الرازي، وقد مر الكلام فيه. م: (فيعمل عمله) ش: أي فيعمل التراب عمل الماء م: (ما بقي شرطه) ش: أي شرط التراب في كون التراب طهوراً، والمراد بالشرط عدم الماء وعدم الحدث، وتوضيحه أن التراب بدل عن الماء بالنص، فثبت له حكم يكون للماء، وحكمه أنه يثبت به طهارة مطلقة غير ضرورية، فكذا حكم بدله، لا يقال هذه العبارة تقتضي أن يكون وجود الشرط مستلزماً لوجود المشروط وهو غير صحيح؛ لأنا نقول بصحة ذلك عند مساواتهما، فإن كل واحد من عدم الماء، وجواز التيمم مساو للآخر بلا محالة، فجاز أن يستلزمه، وعلى الأصل المذكور قال أصحابنا: يجوز التيمم للفرض قبل دخول وقته كالنافلة وافقنا الليث، وأهل الظاهر، وابن شعبان من المالكية، والمزني من أصحاب الشافعي. وقال ابن رشد المالكي في " القواعد ": اشتراط دخول الوقت للتيمم ضعيف، فإن التأقيت في العبادات لا يجوز إلا بالسمع، ويلزم من ذلك أن لا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت. وفي " المغني " عن أحمد: القياس أن التيمم كالوضوء حتى يجد الماء أو يحدث، قال: فعلى
[التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها]
ويتيمم الصحيح في المصر ـــــــــــــــــــــــــــــQهذا يجوز قبل الوقت. وقال الشافعي: لا يجوز تقديمه على الوقت؛ لأنه مستغنى عنه. وقال النووي: ولأنه طهارة ضرورية فلا يجوز قبل الوقت كطهارة المستحاضة. قال: وهم وافقونا عليه. وقال أبو سعيد الإصطخري: لا نناظر الحنفية في جواز تقديم التيمم على الوقت، فإنهم خرقوا الإجماع فيه. وقال إمام الحرمين: يثبت جوازه بعد الوقت، فمن جوزه قبله فقد حاول إثبات التيمم المستثنى عن القاعدة بالقياس، وليس ما قبله في معنى ما بعده، ولأن القياس إلى الصلاة إنما يكون بعد دخول وقتها. والجواب عن ذلك كله: أما احتجاج الشافعي بما رواه الدارقطني عن ابن عباس فإن في إسناده الحسن بن عمارة وهو ضعيف، ورواه عنه ابن يحيى الحماني وهو متروك، مع أن السنة لا تمنع الجواز وهو متروك الظاهر، فإن الشافعية يجوزون أكثر من صلاة واحدة من النوافل مع الفرض وليس في حديثهم ذلك. وأما احتجاجه بما رواه البيهقي من أثر ابن عمر ففي إسناده عامر الأحول عن نافع وعامر ضعفه أحمد، وفي سماعه عن نافع نظر، وقال ابن حزم: الرواية فيه عن ابن عمر لا تصح. وأما قوله: لأنه يستغنى عنه، فإنه ممنوع، فإن الحاجة ماسة إلى تقديمه على الوقت ليشتغل أول الوقت بأداء الفرائض والسنن الراتبة قبلها. وأما قول النووي: وهم وافقونا عليها أي على طهارة المستحاضة، وكذا قال ابن قدامة، فإنه غلط منهما، فإن طهارة المستحاضة تصح قبل الوقت عند أبي حنيفة ومحمد، حتى إن المستحاضة لو توضأت حين طلعت الشمس يجوز لها أن تصلي به ما شاءت من الفرائض والنوافل حتى يذهب وقت الظهر، وإنما ينتقض بخروج الوقت للاستغناء عنه، وكذا أصحاب الأعذار. وأما قول الإصطخري فإنه باطل؛ لأن جماعة من أهل العلم قالوا بقولنا وقد ذكرناهم عن قريب. وقول إمام الحرمين فإنه وهم لا شك فيه، فإن من أثبت جوازه قبل الوقت وبعده أثبته بالنصوص الواردة في التيمم لا بالقياس، فإنها لم تفصل بين وقت ووقت، والمطلق يجري على إطلاقه. وقال ابن الحداد من الشافعية: لو تيمم لفائتة ضحوة النهار فلم يؤد حتى زالت الشمس جاز أداء الظهر به، فقد جوز تقديمه على الوقت. [التيمم لصلاة الجنازة والعيدين ونحوها] م: (ويتيمم الصحيح في المصر) ش: وغيره لصلاة الجنازة وغيرها، ولياً كان أو غير ولي لعدم
إذا حضرت جنازة والولي غيره، فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة؛ لأنها لا تقضى فيتحقق العجز، وكذا من حضر العيد فخاف إن اشتغل بالطهارة أن يفوته العيد يتيمم؛ لأنها لا تعاد. وقوله: والولي غيره إشارة إلى أنه لا يجوز للولي، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الصحيح؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQالماء فيها غالباً م (إذا حضرت جنازة) ش: قيد بها؛ لأن الوجوب بحضورها م: (والولي غيره) ش: والحال أن الولي غير الصحيح الذي تيمم، قيد به لأن المتيمم إذا كان وليا لا يجوز له التيمم؛ لأنه ينتظر. وفي " المحيط ": لا يجوز للسلطان أيضاً؛ لأنه ينتظر م: (فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة) ش: قيد به؛ لأنه إذا لم تخف الفوت لا يجوز له التيمم، فكلمة " أن " من الأولى مكسورة والثانية مفتوحة؛ لأنها مصدرية في محل النصب على أنها مفعول خاف. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن الصلاة على الجنازة م: (إذا فاتت لا تقضى فيتحقق العجز) ش: أي عن الأداء، وبقولنا قال الزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، ورواية عن أحمد. وقال الشافعي ومالك: لا يجوز التيمم لصلاة العيد، والجنازة مع القدرة على الماء لخوف فوتهما، ومبنى هذا على الخلاف على صلاة الجنازة هل تقضى أم لا، فعنده لا تقضى إلا إلى بدل، فلا يتحقق العجز، وعندنا تفوت فيتحقق العجز. م: (وكذلك من حضر العيد) ش: أي كحكم من حضر الجنازة بالتيمم عند خوف الفوات حكم من حضر صلاة العيد م: فخاف إن اشتغل بالطهارة أن يفوته العيد) ش: أي صلاة العيد م: (يتيمم لأنها) ش: أي؛ لأن صلاة العيد م: (لا تعاد) ش: لأنها تفوت لا إلى خلف. وقال النووي: قاس الشافعي صلاة الجنازة والعيد على الجمعة وقال: تفوت الجمعة بخروج الوقت بالإجماع، والجنازة لا تفوت، بل تصلى على القبر إلى ثلاثة أيام بالإجماع، ويجوز بعدها عندنا، قلنا: فوات الجمعة إلى شيء هو أصل، وهو الظهر، بخلاف صلاة الجنازة والعيد، فإنهما يفوتان لا إلى خلف. وقوله: الجنازة لا تفوت، بل تصلى على القبر إلى ثلاثة أيام بالإجماع، صادر عن عدم تحقق موضع الخلاف، بيانه أنا قلنا: لو تيمم هذا الشخص فصلى عليها غيره فتفوته الصلاة عليها في حقه، والصلاة لا تعاد عندنا، فلا ينال أجر الصلاة على الميت، إذ الفرض قد سقط بالأولى، والنفل فيها غير مشروع. م: (وقوله) ش: أي قول القدوري في مختصره م: (والولي غيره) ش: إشارة إلى أنه م: (لا يجوز للولي) ش: لأنه ينتظر كما ذكرنا م: (وهو) ش: أي عدم الجواز للولي م: (رواية الحسن عن أبي حنيفة وهو الصحيح) ش: أي عدم جواز التيمم للولي هو الصحيح. وفي " المجتبى ": وكذا الولي والإمام؛ لأنه ينتظر بها.
لأن للولي حق الإعادة فلا فوات في حقه. وإن أحدث الإمام أو المقتدي في صلاة العيد تيمم، وبنى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يتيمم؛ لأن اللاحق يصلي بعد فراغ الإمام فلا يخاف الفوت، وله أن الخوف باق؛ لأنه يوم زحمة فيعتريه عارض يفسد عليه صلاته، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن للولي حق الإعادة) ش: أي إعادة الصلاة على الميت إذا صلى غيره م: (فلا فوات في حقه) ش: أي في حق الولي. وفي ظاهر الرواية يجوز للولي أيضاً لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جاءت الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم» . رواه ابن عدي في " الكامل " ثم قال: هذا مرفوع غير محفوظ، بل هو موقوف. وفي " التحقيق " قال أحمد في " مسنده ": فعبره بابن زياد وهو ضعيف، وكذا قال البيهقي في " المعرفة " مغيرة ضعيف ويرويه غيره عن عطاء موقوفاً. قلت: رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسنده عن ابن عباس قال: إذا خفت أن تفوتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل، ورواه الطحاوي في " الإرشاد " والنسائي عن المعافى بن عمران به موقوفاً، وخرج ابن أبي شيبة نحوه عن عكرمة، وعن إبراهيم النخعى عن الحسن، وأخرج عن الشعبي فقال: " فصل عيها على غير وضوء ". وروى البيهقي من طريق الدارقطني أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أتي بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها، والحديث إذا كثرت طرقه وتعاضدت قويت فلا يضره الوقف، فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يقفون بالحديث تارة فلا يرفعونه، وتارة يرفعونه فلا يقفونه. م: (وإن أحدث الإمام أو المقتدي في صلاة العيد تيمم وبنى عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا بعد شروعه بالوضوء، ولو كان شروعه بالتيمم تيمم للبناء اتفاقاً، وفي " البدائع " إن كان يدرك بعضها مع الإمام لا يتيمم، هذا عند الشروع في أول الصلاة وبعد الحدث فيها إن كان لا يخاف زوال الشمس ويمكنه أن يدرك شيئاً منها مع الإمام لو توضأ لا يتيمم؛ لأنه إذا أرك البعض معه تيمم الباقي وحده، ولو كان لا يدرك شيئاً منهما مع الإمام تيمم عنده. م: (وقالا: لا يتيمم؛ لأن اللاحق) ش: وهو الذي أدرك الإمام في الأول قام ثم أشبه بعد فراغ الإمام فإنه م: (يصلي بعد فراغ الإمام) ش: من صلاته م: (فلا يخاف الفوات) ش: لأنه في حكم الصلاة بالجماعة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الخوف) ش: أي خوف الفوات م: (باق لأنه) ش: أي؛ لأن يوم العيد م: (يوم زحمة) ش: أي ازدحام الناس (فيعتريه عارض) ش: مثل أن يسلم عليه أحد فيرد السلام، أو يهنئه بالعيد، أو ما أشبه ذلك، فلا يسلم عما م: (يفسد عليه صلاته) ش: فيتيمم.
[التيمم لصلاة الجمعة]
والخلاف فيما إذا شرع بالوضوء، ولو شرع بالتيمم تيمم وبنى بالاتفاق؛ لأنا أوجبنا عليه الوضوء يكون واجدا للماء في صلاته فتفسد صلاته. ولا يتيمم للجمعة وإن خاف الفوت لو توضأ، فإن أدرك الجمعة صلاها، وإلا صلى الظهر أربعا، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (فيما إذا شرع بالوضوء) ش: يعني إذا شرع في صلاة العيد مع الإمام وهو متوضئ فعنده يتمم ويبني خلافاً لهما كما ذكرنا. م: (ولو شرع بالتيمم) ش: أي ولو شرع في صلاة العيد مع الإمام وهو متيمم م: (تيمم وبنى بالاتفاق؛ لأنا لو أوجبنا عليه الوضوء يكون واجداً للماء في صلاته فتفسد صلاته) ش: المتيمم وجد الماء في خلال صلاته فإنه يستأنف الصلاة. وقال الأكمل: قيل: هذا اختيار بعض المتأخرين، ومنهم من قال: يتوضأ ويبني لقدرته على الماء والأداء. قلت: قائله صاحب " الفوائد الظهيرية "، فإنه قال: فإن كان شروعه بالتيمم فسبقه الحدث تيمم وبنى عند أبي حنفية بلا إشكال. وأما على قولهما: فاختلف المتأخرون، قال بعضهم: تيمم وبنى كما هو قول أبي حنيفة، وقال بعضهم: لا، بل يتوضأ ويبني، وفرق بين هذا وبين متيمم يجد الماء في خلال الصلاة، فإن التيمم ينتقض هناك بصفة الاستناد إلى ابتداء وجود الحدث، عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثاً بالحدث السابق، إذ الإصابة ليست بحدث، وفيما نحن فيه لم ينتقض التيمم عند إصابة الماء لصفة الاستناد، بل بالحدث الطارئ على التيمم. [التيمم لصلاة الجمعة] م: (ولا يتيمم للجمعة وإن خاف الفوت لو توضأ، فإن أدرك الجمعة صلاها) ش: الفاء للتفصيل، يعني إذا توضأ بعدما سبقه الحدث وهو في الجمعة، فإن أدرك الجمعة صلاها م: (وإلا) ش: وإن لم يدرك الجمعة م: (صلى الظهر في الوقت) ش: أي وقت الظهر، وفي بعض النسخ: صلى الظهر أربعاً، قاله الأكمل. قيل: هو تأكيد وقطع لإرادة الجمعة بالظهر مجازاً لكونها خلفه. قلت: قائله الأترازي: وأخذه الأترازي من " الكافي " قال فيه: وإنما يكون أربعاً؛ لأن الجمعة تسمى ظهراً باعتبار أنها خلف عن الظهر عندنا، فقال: أربعاً قطعا لذلك المجاز، وقال صاحب " الدراية ": إنما قال: أربعاً، كيلا يظن أنه يكفيه ركعتان قضاء الجمعة، أخذه صاحب " الدراية " من " البدرية ". فإن قلت: قوله: فإن " أدرك الجمعة صلاها " ينفي هذا الاحتمال. قلت: قوله: إن " أرك الجمعة "، أي الجمعة التي مع الإمام لا يبقى أن يصليها بدون الإمام إن لم يدرك الجمعة، فيكون احتمال إطلاق اسم الظهر عليها باقياً، ولكن على وجه الانفراد، وذكر الإمام التمرتاشي التيمم لصلاة العيد قبل الشروع فيها لا يجوز للإمام؛ لأنه ينتظر. وأما المقتدي
لأنها تفوت إلى خلف وهو الظهر بخلاف العيد، وكذا إذا خاف فوت الوقت لو توضأ لم يتيمم ويتوضأ ويقضي ما فاته؛ لأن الفوات إلى الخلف وهو القضاء. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن كان الماء قريباً لو توضأ لا يخاف الفوت لا يجوز، وإلا فيجوز، فلو أحدث أحدهما بعد الشروع بالتيمم تيمم وبنى، وإن كان الشروع بالوضوء وخاف ذهاب الوقت لو توضأ فكذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لهما. وفي " المحيط " إن أحدث المؤتم في صلاة العيد في الجبانة فإن كان قبل الشروع ويرجو إدراك شيء مع الإمام لو توضأ لا يتيمم وإلا فتيمم، وإن كان الحدث بعد الشروع وهو متيمم تيمم وبنى بلا خلاف، وإن كان بالوضوء وخاف زوال الشمس لو توضأ تيمم بالإجماع، وإلا فإن كان يرجو إدراك الإمام قبل الفراغ لا يتيمم بالإجماع. وإلا تيمم وبنى عند أبي حنيفة، وقالا: يتوضأ ولا يتيمم، فمن المشايخ من قال هذا اختلاف عصر وزمان أبي حنيفة كانت الجبانة بعيدة من الكوفة، وفي زمنهما كانوا يصلون في جبانة قريبة. وكان شمس الأئمة الحلواني وشمس الأئمة السرخسي يقولان في ديارنا: لا يجوز التيمم لصلاة العيد لا ابتداء ولا بقاء؛ لأن الماء محيط لمصلي العيد، فلا يخاف الفوت حتى لو خاف تيمم، ومنهم من قال: هذا اختلاف حجة وبرهان، قال أبو بكر الإسكاف: هذه المسألة بناء على أن من شرع في صلاة العيد ثم أفسدها لا قضاء عليه عند أبي حنيفة، فكان تفوته الصلاة لا إلى بدل فكذلك جاز التيمم. وعندهما: يلزمه القضاء، فلا تفوته لا إلى بدل فلا يجوز التيمم، وقبل الشروع إذا فاته الأداء لا يمكنه القضاء بالإجماع، فكان الفوات إلى بدل، فلا يجوز التيمم، وغيره من المشايخ جعل هذا اختلافاً مبتدأ. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن الجمعة م: (تفوت إلى خلف وهو) ش: أي الخلف عن الجمعة م: ش (الظهر) ش: اختلف المشايخ في فرض الوقت، فقيل فرض الوقت الجمعة، والظهر خلف عنها، وهو المروي عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقيل: الفرض أحدهما، وراية عن محمد، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف فرض الوقت الظهر، لكنه مأمور بإسقاطه بالجمعة، وفكان قول المصنف وهو الظهر إشارة إلى القول الأول، وعلى المذهب المختار الظهر أصل لا خلف، ولكنه تصور بصورة الخلف باعتبار أن المأمور في هذا يوم الجمعة، ولهذا سقط بالأعذار وهو يقوم مقامها عند فوتها. م: (بخلاف العيد) ش: أي بخلاف صلاة العيد فإنها تفوت لا إلى خلف، بحيث لا تقضى فيتيمم عند خوف الفوت م: (وكذا إذا خاف فوت الوقت) ش: أي وكذا لا يتيمم إذا خاف فوت وقت صلاة من المكتوبات؛ لأنها تقضى م: (لو توضأ) ش: أي لو اشتغل بالوضوء لما عرف أن التيمم شرع رخصة لدفع حرج كثرة الفوات، لا لخوف فوت الوقت م: (لم يتيمم ويتوضأ ويقضي ما فاته) ش: لأن الفوات إلى الخلف م: (وهو القضاء) ش: لأن الفوات إلى خلف [ ... ] فوات. وقال
والمسافر إذا نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم ذكر الماء لم يعدها عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ـــــــــــــــــــــــــــــQالأكمل: لا يقال هذا وقع مكررا لما أن هذا الحكم عرف في أول الباب من قوله: والمعتبر المسافة دون فوت الوقت؛ لأن ذلك كان قول صاحب " الهداية "، وهذا قول القدوري. قلت: قال الأترازي: هذا وقع تكراراً من صاحب " الهداية " فأخذه الأكمل ونقله بهذه الصورة، وأجاب الأترازي عن هذا بجوابين: أحدهما: أخذه الأكمل، وهو الذي قاله ورضي به. والثاني: نظر فيه وهو قوله: وقيل؛ لأنه علل بتعليل غير التعليل السابق ولا وجه لقوله: وفيه نظر؛ لأن الفرق بين التعليلين ظاهر. فإن قلت: فضيلة الجمعة وفضيلة الوقت تفوت لا إلى خلف، فينبغي أن تيممه له كصلاة الجنازة والعيدين، ولهذا جوز للمسافر التيمم لخوف فوت الوقت، ولهذا جازت صلاة الخوف مع ترك التوجه إلى القبلة وراكباً بالإيماء. قلت: فضيلة الوقت والأداء وصف المؤدى تابع له غير مقصودة لذاتها، بخلاف صلاة الجنازة والعيدين، فإنهما أصل، فيكون فواتهما أصل مقصودة، وجوازه للمسافر بالنص، لا لخوف الوقت؛ لئلا يتضاعف عليه الفوت ويقع في الحرج في القضاء، وكذا صلاة الخوف للخوف دون خوف الوقت. م: (والمسافر إذا نسي الماء في رحله) ش: بفتح الراء وسكون الحاء المهملة. قال الأزهري: رحل الرجل منزله من حجر أو مدر وشعر ودير قالوا: ويقع أيضاً على متاعه وأثاثه، ومنه قول الشاعر: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها وفي " المغرب " يقال: المنزل للأفاقي وماؤه رحل وجمعه أرحل ورحال، ومنه: نسي الماء في رحله. فإن قلت: لم قيد بالمسافر والحكم فيه، وفي خارج المصر سواء، ولهذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " بأن المسافر وغيره سواء استدلالاً بعدم ذكر المسافر رجل في رحله ماء نسيه فتيمم وصلى ثم ذكر في الوقت فقد تمت صلاته. وقال السغناقي. قيد بالنسيان؛ لأن في الظن لا يجوز بالإجماع يعيد الصلاة. م: (فتيمم وصلى ثم ذكر الماء لم يعدها) ش: أي الصلاة التي صلاها بالتيمم م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الثوري، وأبو ثور، وداود، والشافعي في القديم، ومالك في رواية،
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعيدها، والخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو وضعه غيره بأمره ـــــــــــــــــــــــــــــQوتوقف أحمد فيه. م: (وقال أبو يوسف: يعيدها) ش: أي الصلاة، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد في رواية م: (والخلاف فيما إذا وضعه بنفسه أو وضعه غيره بأمره) ش: أي الخلاف المذكور فيما إذا وضع الماء في رحله بنفسه أو وضعه غيره بأمره أي بأمر صاحب الرحل أو بغير أمره، أو وضعه غيره بغير أمره بلا علم منه. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين: قيد بقوله: " أو وضعه غيره بأمره " فإنه لو وضعه غيره وهو لا يعلم به يجزئه بالإجماع؛ لأن المرء قط لا يخاطب بفعل الغير. أقول: دعوى الإجماع ليست بصحيحة، ألا ترى ما أورد فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " قال في كتاب الصلاة: في مسافر تيمم وفي رحله ماء وهو لا يعلم به، والذي لا يعلم به إن وضعه غيره في الرحل بغير علمه، قال: ومسألة هذا الكتاب أي " الجامع الصغير " فيما إذا وضع الماء في الرحل بنفسه أو غيره بأمره ثم نسيه، ثم قال: فثبت أن الخلاف في الفصلين واحد، وكذا أن سائر نسخ " الجامع الصغير " فعلم أن دعوى الإجماع هو أشهر كلامه. قلت: أراد بقوله: قال بعض الشارحين السغناقي، فإنه قال في شرحه: قيل بقوله أو وضعه غيره بأمره، فإنه لو وضعه غيره بغير علم اتفاقاً. وقال في " الينابيع ": والمسألة على الخلاف، وذكر المراغي أن المسألة على ثلاثة أوجه، أما إن وضعه بنفسه ولم يطلبه، أو وضعه خلافه أو جيرانه وهو لا يعلم، أو وضعه بنفسه ولكنه نسي، ففي الأول لم يجزئه التيمم بالإجماع؛ لأن التقصير جاء من قبله، وفي الثاني: يجوز بالإجماع، وفي الثالث: خلاف، وعن محمد في غير رواية " الأصول " أن الفصول الثلاثة على الاختلاف، ولو كان الإناء معلقاً على إكاف، فإن كان راكبا والماء في مؤخرة الرحل يجزئه عندهما، وإن كان ماشياً، فإن كان الماء في مقدم الرحل يجزئه عندهما، وإن كان في مؤخره لا يجزئه بالإجماع، وإن كان قائداً يجزئه كيف ما كان، ولو كان في إناء على ظهره أو معلقاً في عنقه، أو موضوعاً بين يديه لا يجزئه بالإجماع. ولو كان على شاطئ النهر فعن أبي يوسف في الإعادة روايتان، ولو مر بالماء وهو متيمم لكنه نسي أنه تيمم ينتقض تيممه، ولو ضرب الفسطاط على رأس النهر فقد غطى رأسها لم يعلم بالماء فتيمم وصلى ثم علم بالماء أمر بالإعادة، ولو وجد بئرا في الطريق فيها ماء وهو لا يستطيع أخذه منها ولا يجد ماء غيره تيمم، ولو كان معه منديل طاهر لا يجزئه التيمم به. وهذا قول يوافق بما ذكره الشافعية، وهو أنه لو وجد بئراً فيها ماء لا يمكنه النزول إليه وليس معه ما يدليه إلا ثوبه أو عمامته لزمه إدلاؤه ثم يعصره إن لم ينقص قيمة الثوب أكثر من ثمن الماء،
وذكره في الوقت وبعده سواء. له أنه واجد للماء فصار كما إذا كان في رحله ثوب فنسيه، ولأن رحل المسافر معدن للماء عادة فيفترض الطلب عليه، ولهما: أنه لا قدرة بدون العلم وهو المراد بالوجود، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن زاد النقص على ثمن الماء يتيمم ولا إعادة، وإن قدر على استئجارها ينزل إليها بأجر المثل لزمه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة. ولو كان معه ثوب إن شقه نصفين وصل الماء، وإلا لم يصل، فإن كان نقصه بالشق لا يزد على الأكثر من ثمن الماء أو ثمن آلة الاستيقاء لزمه شقه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة، وهذا موافق لقواعدنا. م: (وذكره في الوقت وبعده سواء) ش: أي ذكر المتيمم الماء في وقت الصلاة أو بعد وقتها سواء، وهذا من تتمة قول أبي يوسف، ولو ظن أن ماءه قد فني ثم تبين أنه لم يفن عليه الإعادة - اتفاقاً - به. م: (له) ش: أي لأبي يوسف م: (أنه) ش: أي أن المتيمم م: (واجد للماء) ش: لأنه في رحله، ورحله في يده، والنسيان لا يعادل الوجوه من قبله م: (فصار) ش: أي حكم الشخص المذكور م: (كما إذا كان في رحله ثوب فنسيه) ش: فصلى عاريا فإنه يعيد ما صلى، وكذا الرجل لو صلى في ثوب نجس وفي رحله ثوب طاهر قد نسيه، أو صلى مع النجاسة ونسي ما يزيلها، أو محدثا نسي غسل بعض الأعضاء أو ستر العورة، أو صلى مع النجاسة ناسياً، تجب الإعادة، أو حكم بالقياس ونسي النص، أو كفر بالصوم وفي ملكه رقبة نسيها، أو كان الماء في ركوة معلقة على رأسه أو قربة على ظهره، أو كانت معلقة بعنقه قد نسيه. م: (ولأن رحل المسافر) ش: دليل آخر، أي: ولأن منزلة المسافة م: (معدن للماء عادة فيفترض الطلب عليه) ش: لأن كل ما كان معدنا كالماء عادة يفترض على المتيمم طلب الماء فيه كما [لو] كان في العمران، فإنه يفترض عليه طلب الماء لكونه في معدنه، فإن لم يطلب وتيمم لم تجز، فصار كمن جاء قوماً ولم ير عندهم ماء فتيمم قبل طلبه منهم ثم علم بأنه قد كان. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أن الشأن م: (لا قدرة بدون العلم) ش: فلا يكون واجداً، والنص شرط عدم الوجود وهو القدرة أشار إليه بقوله: م: (وهو المراد بالوجود) ش: أي القدرة هي التي أريدت بالوجود في القرآن والحديث؛ لأنه لم يرد بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا} [المائدة: 6] عدم الماء حقيقة، وإنما المراد به لم تقدروا على استعمال الماء فتيمموا، إلا ترى أن المريض يتيمم مع وجود الماء حقيقة؛ لأنه غير قادر على استعماله. فإن قلت: كيف لا قدرة بدون العلم، والمكفر بالصوم إذا نسي الرقبة في ملكه لا يجزئه
وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال، ومسألة الثوب على الاختلاف، ولو كانت على الاتفاق ففرض الستر يفوت لا إلى خلف، ـــــــــــــــــــــــــــــQصومه فعليه أن يعتق؟ قلت: المعتبر في التكفير الملك لا القدرة، حتى لو عرض عليه شخص الرقبة أن لا يقبله ويكفر بالصوم. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن فصل التيمم والتكفير سواء كذا في " المجتبى "، وفي " المختار ": العلم كالآلة يتوصل به إلى استعمال الماء فكان بمنزلة الدلو والرشاء، فانعدامه بمنزلة انعدامهما. م: (وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال) ش: هذا جواب عن قوله: ولأن رحل المسافر ... إلخ، وقال الأكمل: تقديره: أن رحل المسافر معدن الماء عادة معد للشرب لا للاستعمال، والأول: مسلم غير مقيد، والثاني: ممنوع. قلت: ما قرر شيئا في الجواب، وإنما زاد فيه: والأول: مسلم غير مقيد، والثاني: ممنوع، فإن أراد بالأول: التعليل، وهو على الثوب الذي نسيه في رحله فكونه مسلماً ظاهر؛ لأن في كون كل من المقيس والمقيس عليه النسيان موجود، ولكنه لا يضاد الموجود كما ذكرنا، وكونه غير مقيد ظاهر، وإن أراد بالأول " كون الماء معداً للشراب، وبالثاني: قوله: لا للاستعمال، فلا يفسد ما قاله، فإن أراد بالأول: كون رحل المسافر معدناً للماء عادة، وبالثاني: كونه معدنا للشرب فهذا ظاهر يفهم بالتأمل. م: (ومسألة الثوب على الاختلاف) ش: جواب عن قوله: فصار كما إذا كان في رحله ثوب نسيه، وهو المقيس عليه الذي قاس عليه أبو يوسف، وتقريره أن يقال: فإن أراد بالأول رحل المسافر معدنا للماء عادة، لا نسلم أن مسألة الثوب متفق عليها، والخلاف فيها واقع أيضاً ذكره الكرخي، وهو الأصح، فإذا كان كذلك لا ينتهض حجة. م: (ولو كانت) ش: أي مسألة الثوب م: (على الاتفاق ففرض الستر يفوت لا إلى خلف) ش: هذا جواب بطريق التسليم، يعني: ولئن سلمنا أن مسألة الثوب على الاتفاق بيننا ولكن الفرق بينهما موجود، وهو أي ستر العورة يفوت إلى خلف بخلاف صورة النزاع. وأيضاً شرط القياس المساواة بين المقيس والمقيس عليه، ولا نسلم وجودها في صورة النزاع؛ لأن فرض الستر يفوت لا إلى خلف، وفرض الوضوء يفوت إلى بدل، وهو التيمم بعذر النسيان والقلب، والفائت بلا بدل كلا فائت فافترقا، ونظير مسألة الكتاب: إذا كان معه إناءان أحدهما: نجس، يريقهما ولا يتحرى؛ لأنه يفوت إلى خلف وهو التيمم، ولو لم يرق وتيمم، جاز، فلو توضأ بالماءين وصلى يجزئه إذا مسح في موضعين من رأسه؛ لأن النجس إن تأخر لم يجد ما يزيل به النجاسة
والطهارة بالماء تفوت إلى خلف وهو التيمم، وليس على المتيمم طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء؛ لأن الغالب عدم الماء في الفلوات، ولا دليل على الوجود، فلم يكن واجدا للماء، وإن غلب على ظنه أن هناك ماء، لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه؛ لأنه واجد للماء نظرا إلى الدليل، ـــــــــــــــــــــــــــــQفتجوز صلاته، ذكره في " المحيط "، ونظير مسألة الثوب وأخواتها لو كان ثوبان أحدهما متنجس يتحرى؛ لأن الستر يفوت لا إلى خلف فكان فائتاً أصلا، وبدلاً. م: (الطهارة بالماء تفوت إلى خلف) ش: يعني تفوت الطهارة إلى خلف م: (وهو) ش: أي الخلف م: (التيمم وليس على المتيمم) ش: أي الذي يريد التيمم م: (طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء) ش: كلمة أن مصدرية في محل الرفع على أنها فاعل لم يغلب تقريره إذا لم يغلب على ظنه قرب الماء منه. وفي " المجتبى ": هذا في الفلوات، أما في العمران فالطلب واجب بالإجماع، ولذا يجب الطلب إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء، وغلبة الظن هي الدليل على وجوده، مثل ما إذا كان في العمران أو رأى في الفلاة طيوراً نازلين ومن حيوانات البر ما يستبين، بخلاف ما إذا كانت في براري الرمال سيما طريق الحجاز. وفي " النافعي " في إيراد هذه المسألة عقب مسألة ماء الرحل نظر، فإن الاختلاف فيها بناء على اشتراط الطلب وعدمه. م: (لأن الغالب عدم الماء في الفلوات) ش: التي ليس فيها دليل على وجود الماء، وهو معنى قوله م: (ولا دليل على الوجود، فلم يكن واجداً) ش: حكما؛ لأنه ليس كذلك في غالب الظن. م: (وإن غلب على ظنه أن هناك ماء) ش: أشار به إلى مواضع قريبة منه م: (لم يجز له أن يتيمم حتى يطلبه) ش: أي الماء م: (لأنه واجد للماء نظراً إلى الدليل) ش: وهو غلبة الظن. وقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن المسافر لا يجد الماء يطلبه عن يمينه ويساره في طريقه، فقال: إن كان على طمع فيه فليطلبه ولا يبعد أصحابه فيضر بهم وبنفسه. وقال الشافعي: الطلب يمنة ويسرة شرط، وفي " جامع الوجيز " قال: للمسافر حالات: إحداها: أن يتحقق عدم الماء حواليه، ففي تقديم الطلب فيها وجهان: أحدهما: أنه يجب، وأظهرهما: أنه لا يجب. ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت ليحصل الضرورة، وهل يجب أن يطلب بنفسه فيه وجهان: أظهرهما أنه يجوز أن يبعث غيره فيه حتى لو بعث النازلون أحداً لطلب الماء أجزأ طلبه عن الكل، ويطلب إلى حيث لو استعان بالرفقة أن يأتوا، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في رواية. وقال الثوري: القطع بوجوب الطلب بكل حال هو الذي أطلقه العراقيون وبعض
ثم يطلب مقدار الغلوة، ولا يبلغ ميلا كيلا ينقطع عن رفقته، ـــــــــــــــــــــــــــــQالخراسانيين، وقالوا: إن تحقق عدم الماء حوله لم يلزمه الطلب، ولهذا قطع إمام الحرمين والغزالي وغيرهما واختاره الروياني. وقال إمام الحرمين: إنما يجب طلبه إذا توقع وجوده قريباً، فإن قطع أن لا ماء هناك بأن كان في رمال البراري فيعلم بالضرورة استحالة وجود الماء لم يكفه التردد؛ لأن طلب ما يعلم عدمه واستحالته محال. وصفة الطلب عندهم أن ينظر يميناً وشمالا ووراء وأماما، ولا يلزمه المشي، بل يكفيه نظره في هذه الجهات وهو لا يبرح مكانه إذا كان حوله [ما] لا يستر عنه، فإن كان بقربه جبل صغير صعد ونظر حواليه. وله أن يوكل بالطلب، ولا يجب أن يطلب من كل واحد بعينه بل ينادي فيهم: من معه ماء؟ من يجد الماء؟ ولهم وجه آخر: أنه لا يصح التوكيل بالطلب إلا للمعذور إن أراد تيمما آخر لبطلان الأول بحدث أو بفريضة أخرى إن احتمل حصول الماء، ولو انتقل من موضع التيمم وجب الطلب، فكل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوث الماء فيه ففي وجوب الطلب وجهان. قال أبو حامد: وإذا طلب ثانياً ثم حضرت صلاة أخرى وجب الطلب لها ثالثاً، وهكذا كلما حضرت الصلاة، قال: ولو كان عليه فزالت يجب الطلب لكل واحدة، وكذا في الجمع بين الصلاتين يطلبه للثانية. واستدل الشافعي فيما ذهب إليه بقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا} [المائدة: 6] (المائدة: الآية 6) ، يقتضي عدم الوجدان مطلقا، فمن قيد الطلب فيعمل بإطلاقه، وقال أبو بكر الرازي: الوجود لا يستدعي الطلب. قال تعالى: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] (الأعراف: الآية 44) ، ولا طلب. وقوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا} [الكهف: 77] (الكهف: الآية 77) ، لم يكن منهما طلب الجدار، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد منكم لقطة فليعرفها» ولا طلب من الواجد. م: (ثم يطلب مقدار الغلوة) قيل: هي رمية القوس، وفي " المغرب ": مقدار ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ذراع، وفي " الصحاح ": غلوات السهم إذا رميت به أبعد ما يقدر عليه، والغلوة الغاية مقدار رمية، ويقال: أول من سماها به سليمان بن عبد الملك، وعن أبي يوسف: إذا كان بحال لو ذهب لا تغيب القافلة عن بصره. وفي " المستصفى ": شرط الطلب مقدار ما يسمع صوت أصحابه، وقيل: يطلب دون الميل، وإن طلعت الشمس. م: (ولا يبلغ ميلاً) ش: أي لا يبلغ طلبه مقدار ميل م: (كيلا ينقطع عن رفقته) ش: لأنه إذا زاد عن الميل ربما انقطع عن رفقته فيحصل الضرر، والحرج والضرر مدفوع شرعاً.
وإن كان مع رفيقه ماء، طلب منه قبل أن يتيمم لعدم المنع غالبا، فإن منعه منه تيمم لتحقق العجز. ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير، وقالا: لا يجزئه؛ لأن الماء مبذول عادة، ولو أبى أن يعطيه إلا بثمن المثل وعنده ثمنه لا يجزئه التيمم لتحقق القدرة، لأن الضرر مسقط، ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش. والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وإن كان مع رفيقه ماء طلبه منه قبل أن يتيمم لعدم المنع غالباً) ش: لأن الماء مبذول عادة م: (فإن منعه منه) ش: أي فإن منع المطلوب الطالب من الماء م: (تيمم لتحقيق العجز عن الماء) ش: وفي " المحيط " لو غلب على ظنه الإعطاء وجب السؤال وإلا فلا. وفي " المجتبى: الغالب عدم الضنة بالماء حتى لو كان في موضع يجري فيه الضنة لا يجب الطلب. م: (ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير) ش: لأن في الطلب ذلا، وفيه ضرر لا يجب حمله، وذكر هذا الخلاف. وفي " الإيضاح " و " التقريب " و " شرح الأقطع " بين أبي حنيفة وصاحبيه كما ذكره المصنف. وفي " المبسوط ": وإن كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد، فإنه كان يقول: السؤال ذل وفيه بعض الحرج، وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج، فإن مضى عليها وسأله بعد فراغه فأعطاه أو باعه أعادها إن كان ثمنه معه، وإن منعه لم يعد، وكذا لو أعطاه بعد منعه أو منعه قبل شروعه فيها، وبذله بعد فراغه. وذكر الزوزني وغيره أنه لو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة في رواية الحسن عنه. وذكر في " الذخيرة " عن الخصاف أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، ومراد أبي حنيفة فيما إذا غلب على ظنه منعه إياه، ومرادهما عند غلبة الظن بعدم المنع. وفي " التجريد ": لا يجب الطلب من الرفيق عند أبي حنيفة ومحمد، خلافاً لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند الشافعي: لا يجب الاستيهاب من صاحبه في قوله لصعوبة السؤال على أهل المروءة، والأظهر أنه يجب؛ لأنه ليس في هبة الماء كثير هبة. وفي " النهاية ": لم يذكر في عامة النسخ قول أبي حنيفة في هذا الموضع، بل قيل: لا يجوز التيمم قبل الطلب إذا كان في غالب ظنه أنه يعطيه مطلقاً من غير ذكر خلاف بين علمائنا الثلاثة، إلا على قول الحسن بن زياد فإنه يقول: السؤال ذلة وفيه ضرر. م: (وقالا: لا يجزئه؛ لأن الماء مبذول عادة) ش: فكان قادراً على استعمال الماء ظاهراً، فلا بد من الطلب لتحقق العجز أو القدرة م: (ولو أبى) ش: أي امتنع م: (أن يعطيه إلا بثمن المثل) ش: في ذلك الموضع أو في أقرب المواضع الذي يعز وجود الماء فيه م: (وعنده ثمنه) ش: أي والحال أن عنده ثمن الماء م: (لا يجزئه التيمم لتحقق القدرة؛ لأن الضرر مسقط) ش: أي للقدرة، أي مسقط للوجوب م: (ولا يلزمه تحمل الغبن الفاحش) ش: وهو ضعف الثمن، كذا في " النوادر "، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه يشتري ما يساوي درهماً بدرهم ونصف. وقيل: ما لا يدخل تحت تقويم المقومين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقيل: ما لا يتغابن في مثله. قول الحسن يلزمه الشراء بجميع ماله [ ... ] ، كما أن قول الشافعي الزيادة على ثمن المثل عذر في ترك الشراء قليلة كانت أو كثيرة تفريط. وقال النووي في ثمن المثل ثلاثة أوجه: أجرة نقله إليه، اختاره الغزالي بناء على أن الماء لا يملك، قال: وهو تخفيف، والثاني: يعتبر قيمته في ذلك الموضع في غالب الأوقات، لا في وقت عزته للضرر عليه. قال: وليس بشيء. والثالث: عن مثله في ذلك المكان في تلك الحال، قال: وهو الصحيح، فما زاد على ثمن المثل لم يلزمه الشراء بلا خلاف فيه، وهم سواء كثرت الزيادة أو قلت، وهو الصحيح، ونص عليه الشافعي في الأم، وفيه وجه آخر: أنه يلزمه شراء وبغبن يسير الذي يتغابن الناس في مثله، وبه قال البغوي وقطع به. قال النووي بالأول، قال: وقال أبو حنيفة والنووي: يلزمه شراؤه بالغبن اليسير، وقال مالك: إن طلب منه بزيادة لا تجحف لزمه الشراء. فروع: وإن كان مع رفيقة دلو، وليس معه دلو لا يجب عليه أن يسأل، فإن سأل الدلو فقال: انتظر حتى أستقي الماء ثم أدفع إليك فالمستحب عند أبي حنيفة أن ينتظر إلى آخر الوقت، فإن خاف فوات الوقت تيمم، وعلى هذا لو كان مع رفيقه ثوب وهو عريان، فقال له: انتظر حتى أصلي وأدفع إليك الثوب لم يجزه عريانا. وعن أبي حنيفة أنه يتيمم ويصلي عريانا. وأجمعوا على أنه إذا قال له [ ... ] لك مالي لتحج فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأن الضرر يسقط - أي يسقط الوجوب -، هو من إسقاط باب الأفعال.
[باب المسح على الخفين]
باب المسح على الخفين المسح على الخفين جائز بالسنة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب المسح على الخفين] م: (باب المسح على الخفين) ش: أي هذا باب في أحكام المسح على الخفين. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلاً منهما بدل، فالتيمم بدل عن الوضوء، والمسح على الخفين بدل غسل الرجلين. فإن قلت: كان ينبغي تقديم المسح على التيمم؛ لأنه بدل عن البعض، والبعض بدل مقدم على الكل. قلت: نعم، ولكن ثبوت التيمم بالكتاب والمسح بالسنة فالأول أقوى. وقال الأترازي: قيل: وجه مناسبة هذا الباب لما تقدم من حيث الرخصة؛ لأن المسح شرع رخصة كالتيمم أو من حيث المعارضية؛ لأن الأصل هو غسل الرجل كما أن الوضوء هو الأصل، والمسح والتيمم عارضان أو من حيث التوقيت؛ لأن لكل منهما وقتاً، أو من حيث أن كلاً منهما يكتفى فيه بالبعض، انتهى. قلت: هذه أربعة أوجه، فالوجه الثالث: أخذه عن السغناقي. قال: وللسغناقي وجهين آخرين: أحدهما: أن كلاً منهما طهارة، غير أن أحدهما بالتراب والآخر بالماء. والوجه الثاني: أن كلاً منهما بدل عن الغسل، والأترازي أخذ هذا الوجه، والثاني من تاج الشريعة في " شرحه ". وقال الأكمل: إنما أعقب المسح على الخفين عن التيمم؛ لأن كلاً منهما طهارة مسح، أو لأنهما بدلان عن الغسل، أو من حيث إنهما رخصة مؤقتة إلى وقت، فالأول والثاني أخذهما من " النهاية "، والثالث من " الكفاية ". [حكم المسح على الخفين] م: (المسح على الخفين جائز بالسنة) ش: معنى جائز أنه إن فعله جاز وإن لم يفعله جاز، فهو مخير بين المسح ونزع الخف والغسل. وفي " المستصفى ": إنما قال جائز لكون الغسل أفضل؛ لأنه أبعد عن مظنة الخلاف، وفي " القنية ": المسح أفضل أخذا باليسر. وقال الأترازي: إنما قال جائز؛ لأن الشخص إذا لم يمسح أصلاً ونزع خفيه وغسل رجليه لا يأثم. قلت: بشرط أن لا يرى المسح ولا يكره، وقال الأكمل: المسح على الخفين جائز بالسنة، أي بقوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله، ولم يزد على هذا. وقال تاج الشريعة: إنما قال جائز ولم يقل واجب؛ لأنه مخير كما ذكرناه. وقوله: نفي لما قال بعضهم أن ثبوته بالكتاب الكريم، وهو قراءة الجر في قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] وقد تكلمنا في أول الكتاب في الآية الكريمة مستقصى، وإنما قال بالسنة، ولم يقل بالحديث؛ لأن تقرير المسح ثبت بالسنة زيادة بالمشهور على الكتاب وهي جائزة به، وإن
والأخبار فيه مستفيضة ـــــــــــــــــــــــــــــQكان ناسخاً على ما عرف في أصول الفقه. قلت: لم يقصد المصنف ما قاله، وإنما مراده هاهنا أن أصل المسح ثبت بالسنة وإن كان مقداره أيضاً ثبت بالسنة. م: (والأخبار فيه) ش: أي في المسح على الخفين م: (مستفيضة) ش: أي كثيرة شائعة قولاً وفعلاً، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة أنه قال: ما قلت بالمسح حتى جاء في مثل ضوء النهار. وفي " الأسبيجابي ": حتى وردت آثار أضوأ من الشمس. وفي " المحيط " عن أبي حنيفة: من أنكر المسح على الخفين يخاف عليه الكفر. وفي " المفيد ": لو كان المسح مما يختلف فيه لمسحنا. وفي " النوادر ": من أنكر المسح على الخفين، عن الكرخي يخاف عليه الكفر. وفي " المفيد "، قال: لأنه ورد فيه الأخبار ما يشبه التواتر، قال: وكتب في " السمرقنديات " على قياس قول أبي يوسف وعلى قول محمد: لا يكفر؛ لأنه بمنزلة الآحاد، ومن أنكر خبر الآحاد لا يكفر، قيل لمحمد: لم جوزت [المسح] على الخفين إذا كان خبر المسح من الآحاد، وفيه نسخ لكتاب الله، فقال: ما نسخت كتاب الله بل خصصته به، قال: يريد به تخصيص الحال؛ لأنها عمت حالة الستر والكشف، والحديث بين الأمر بالغسل مختص بحالة الكشف دون الستر بالخف، قال: وتخصيص الكتاب بالآحاد جائز عندي. قلت: مراده بالآحاد التي اشتهرت، قيل: يجوز جوازه بالكتاب أيضاً، قال: قراءة الجر. قلت: فيه ضعف؛ لأن المسح إلى الكعبين غير واجب إجماعاً. وقال أبو البقاء القدوري عن أحمد: روى حديث المسح على الخفين سبعة وثلاثون من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال ابن أبي حاتم: رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحد وأربعون صحابياً، ومثله عن أحمد ذكره في " المغني "، ومثله عن أبي عمر ذكره في الاستذكار، وفي " الإشراف " عن الحسن حدثني به سبعون صحابياً، وفي " البدائع ": روي عن الحسن البصري أنه قال: أدركت سبعين بدرياً من الصحابة يرون المسح على الخفين. وقال السروجي: وممن نقل المسح على الخفين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عمر، وعلي، وسعيد، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وأبو أيوب، وخالد بن زيد الأنصاري، وأبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وحذيفة، وعمار، وأبو مسعود الأنصاري، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو بكرة، وبلال، وصفوان، وعبد الله بن الحارث بن حزم، وأبو زيد الأنصاري، وسليمان، وثوبان، وعبادة بن الصامت، ويعلى بن مرة، وأسامة بن شريك، وعمرو بن أمية الضمري، وبريدة، وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، وعوف بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هؤلاء تسعة وثلاثون نفراً ذكرهم مجردين ولم يذكر المخرجين عنهم. وقد ذكرت في " شرح معاني الآثار " سبعة وستين صحابياً، وأشرت إلى مخرج كل واحد بإشارة لطيفة، فمنهم الجماعة المذكورون والبقية: أبو عبيدة بن الجراح، ورجل له صحبة، وبديل بن ورقاء، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن رواحة، وفضالة بن عبيد، وأبو بردة الأسلمي، وأبو عوسجة، وشعيب بن غالب الكندي، ويسار جد عبد الله بن أسلم، وأبو زيد رجل من الصحابة، وأبي بن عمارة، وعقبة بن عامر، ومالك بن سعد، وأبو ذر، وكعب بن عجرة، وأبو طلحة، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبو العلاء الدارمي، وأويس الثقفي، وربيعة بن كعب، وخالد بن عرفطة، وعبد الرحمن بن حسنة، وعمرو بن حزم، وعروة بن مالك، وميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأم سعد بنت ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي شيبة بسند حسن، وحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار: ضعيف، وحديث المغيرة عند الجماعة، وحديث خزيمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن حبان في " صحيحه ". وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البزار في " مسنده "، وحديث جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة. وحديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة، وابن حبان. وحديث قيس بن سعد عند البيهقي. وحديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي أيضاً. وحديث عمرو بن العاص عنده أيضاً. وحديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وإسحاق بن راهويه، وعند النيسابوري في كتاب " الآداب ": صحيح. وحديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند عبد الله بن وهب بسند ضعيف، وحديث سهل بن سعد عند القاضي أبي أحمد بسند جيد. وحديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار والطبراني في " الأوسط ". وحديث أبي سعيد الخدري عند البيهقي. وحديث حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند مسلم، وحديث عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي. وحديث أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بن عبد البر. وحديث جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي مرفوعاً، وعند ابن أبي شيبة موقوفاً. وحديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني. وحديث أبي بكرة بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن خزيمة في " صحيحه "، والطبراني في " معجمه "، والبيهقي في " سننه ". وحديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند مسلم، وابن خزيمة في " صحيحه ". وحديث صفوان بن غالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري والترمذي وابن ماجه والطحاوي والطبراني في " الكبير ". وحديث عبد الله بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي. وحديث أبي زيد الأنصاري - رضي الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه - عند مسلم. وحديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن حبان في " صحيحه ". وحديث ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبي داود وأحمد في " مسنده "، والحاكم في " مستدركه " وقال: على شرط مسلم. وحديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن وهب. وحديث يعلى بن مرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في كتاب " الآداب ". وحديث أمامة بن شريك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي يعلى الموصلي، وأبي طاهر الذهلي بسند لا بأس به. وحديث عمرو بن أمية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البخاري. وحديث بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة إلا البخاري. وحديث أسامة بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في " سننه "، وابن قانع " بمسنده "، ومسلم في كتاب " التمييز ". وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أحمد في " مسنده " والبيهقي في " سننه "، وعند ابن عبد البر. وحديث عوف بن مالك الأشجعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أحمد في " مسنده "، وإسحاق بن راهويه والبزار والطبراني في " معجمه ". وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البيهقي. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني بسند جيد. وحديث أبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بإسناد حسن. وحديث رجل له صحبة عند البخاري وأعله. وحديث بديل بن ورقاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند العسكري في كتاب " الصحابة ". وحديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بإسناد جيد. وحديث عبد الله بن رواحة عند ابن قانع والطبراني. وحديث فضالة بن عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر، وحديث أبي بردة الأسلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار والنيسابوري في الآداب. وحديث أبي عوسجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني والبزار وأعله. وحديث شعيب بن غالب الكندي عند أبي نعيم في " معرفة الصحابة ". وحديث يسار جد عبد الله بن مسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي حاتم وأعله. وحديث أبي بن عمارة عند الحاكم وصححه. وحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في "الآداب"، وانفرد به. وحديث مالك بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي نعيم في كتاب " الصحابة "، وحديث أبي زرعة عند ابن حزم وصححه، وحديث كعب بن عجرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنده أيضاً وصححه. وحديث أبي طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني في " الصغير ". وحديث عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر. وحديث الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني. وحديث خالد بن سعد بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري، وحديث أبي العلاء الدارمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الحافظ ابن عساكر في ترجمة: أحمد بن علي.
حتى قيل: إن من لم يره لم كان مبتدعا ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث أوس الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي شيبة في " مصنفه ". وحديث ربيعة بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وحديث خالد بن عرفطة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أسلم بن سهل الواسطي في " تاريخ واسط "، وخالد هذا له حديث واحد عند الترمذي والنسائي، وحديث عبد الرحمن بن حسنة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وحديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنده أيضاً. وحديث عروة بن مالك. وحديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الدارقطني بسند صحيح. وحديث أم سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند النيسابوري. وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما ابن عباس وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فقد جاء عنهما موافقة سائر الصحابة بأسانيد حسان. وأما عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقد أحالت علم ذلك على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذلك في " صحيح مسلم "، وقال: لا ينكر المسح إلا مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر. وقال البيهقي: إنما بلغنا كراهة ذلك عن علي وابن عباس وعائشة، فأما الرواية عن علي سبق في كتاب المسح على الخفين، فلم يرد ذلك عنه بإسناد موصول يثبت مثله. وأما ابن عباس فإنما [كان] حين لم يثبت مسح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد نزول المائدة، فلما ثبت رجع إليه. وقال الكاساني: وأما الرواية عن ابن عباس فلم تصح؛ لأن مداره على عكرمة، وروي أنه لما بلغ ذلك عطاء قال: كذب عكرمة. وروي عن عطاء قال: كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين فلم يمت حتى وافقهم. م: (حتى قيل: إن من لم يره كان مبتدعاً) ش: قال شيخ الإسلام وغيره: ومعنى لم يره أي من لم يعتقد المسح كان مبتدعاً لمخالفة السنن المشهورة، والمبتدع هو الذي يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، وقد مر عن الكرخي أنه قال: من أنكر المسح يخاف عليه من الكفر. وقالت الخوارج والإمامية: لا يجوز المسح على الخفين، وبه قال أبو بكر بن أبي داود وخالف أباه في ذلك، فكأنهم تعلقوا بما روي «عن ابن عباس أنه قال: مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد سورة المائدة، ولأن أمسح على طهر في صلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين» وإنما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لأن تقطع قدماي أحب إلي من المسح على الخفين. والجواب عما روي عن ابن عباس فقد ذكرناه آنفا. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال ابن الجوزي في " العلل المنتاهية " هذا حديث موضوع، وضعه محمد بن مهاجر على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال ابن حبان: محمد بن مهاجر كان يضع الحديث، فظهر أن الحديث باطل لا أصل له. وأما الرافضة فإنهم يرون المسح على الرجلين من غير حائل، وقال النووي: حكى المحاملي في المجموع وغيره عن مالك ست
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQروايات: إحداها: لا يجوز المسح أصلاً. ثانيها: يكره، ثالثها: يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه. رابعها: يجوز مؤقتاً. خامسها: يجوز للمسافر دون المقيم. سادسها: قال النووي: كل هذا الخلاف باطل مردود. وقال أبو بكر: ومن روى عن مالك إنكاره مستدلاً بأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أقاموا بالمدينة أعمارهم ولم يرو عن أحد منهم أنه مسح على الخفين فهو وهم منه، ولا يلزم؛ لأن هذه الحيلة العزيزة الكريمة فعلت الأفضل في ترك المسح وسن الجواز رفقاً بالأمة. قلت: روي «عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " كنت معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً فتوضأ ومسح على خفيه» رواه مسلم، وفي رواية البيهقي: «سباطة قوم بالمدينة» . وعن الإسماعيلي الحافظ كذلك، وقال في " الإمام ": وقد وقع لنا من جهة ابن أبي نعيم «عن المغيرة أنه مسح مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة،» وقد علم أن الإثبات مقدم على النفي. فإن قلت: المسح أفضل أم الترك؟ قلت: الغسل أفضل، وبه قال الشافعي، ومالك، وروى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ورواه البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري أيضاً. وقال الشعبي، والحاكم، وحماد، والإمام الرستغفني من أصحابنا: إن المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد. إما لنفي التهمة عن نسبته إلى الروافض والخوارج، فإنهم لا يرونه كما قلنا، وإما للعمل بقراءة النصب والجر. وعن أحمد في رواية أخرى عنه أنها سواء، وهو اختيار ابن المنذر. واحتج من فضل المسح بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث المغيرة: «بهذا أمرني ربي» ، رواه أبو داود، والأمر إذا لم يكن للوجوب يكون ندباً. ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر» . ذكره ابن خزيمة في " صحيحه ". وفي حديث صفوان: «رخص لنا أن لا ننزع خفافنا» رواه النسائي، والأخذ بالعزيمة أولى. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، والروايات الصحاح بخلاف ذلك.
[شروط المسح على الخفين]
لكن من رآه ثم لم يمسح آخذا بالعزيمة كان مأجورا. ويجوز من كل حدث موجب للوضوء ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: فيه نظر لما روي في " مصنف " ابن أبي شيبة من أن مجاهداً وسعيد بن جبير وعكرمة كرهوا، وكذا حكاه أبو الحسين النابه، عن محمد بن على بن الحسين وأبي إسحاق السبيعي، وقيس بن الربيع. م: (لكن من رآه ثم لم يمسح) ش: حال كونه م: (آخذا) ش: على صيغة الفاعل، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الفاعل أيضاً م: (بالعزيمة) ش: الباء تتعلق بأخذ. قال الأترازي: آخذا بالعزيمة: أي: للأخذ بما هو أصل. قلت: جعل انتصاب أخذ على التعليل، وما قلنا هو الأحسن، لأن الحال قيد، وكون الأخذ قيداً أولى من كونه علة. والعزيمة في اللغة عبارة عن الإرادة المؤكدة، دل على هذا قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] (طه: الآية 115) ، أي قصداً بليغا. وفي الشريعة ثابتاً ابتداء غير متصل بعارض. م: (كان مأجوراً) ش: يعنى مثاباً؛ لأن العمل بالعزيمة أولى. فإن قلت: تجب لا يكون مأجوراً لما أنه رخصة إسقاط، وفيها لا ينفي العزيمة مشروعة أصلاً فلأجل ذلك قيل: إن المصنف بأخذه بهذه الآية خالف رواية أصول الفقه، فإن المذكور فيها أن المسح عسلى الخفين رخصة إسقاط كالصلاة في السفر، والعزيمة لم تكن مشروعة فيها فكيف يؤجر على غير المشروع. قلت: ليس الأمر كذلك؛ لأن المسح إنما كان رخصة إسقاط ما دام المكلف مخففاً، وأما إذا نزع خفيه أو أحدهما، والنزع مشروع في حقه، فلا يكون حينئذ من ذلك النوع، نظير هذا من ترك السفر فإنه يسقط عنه سبب الرخصة. وأما أخذ المصنف بهذا فغير موجه؛ لأنه تبع في هذا شيخ الإسلام خواهر زاده، في " مبسوطه "، فإن ذكر فيه وقال: كان مأجوراً، وقال تاج الشريعة: فإن قلت: كيف يكون مأجوراً، وأنه رخصة إسقاط فكان نظير الصلاة في حق المسافر، ولو صلى المسافر أربعاً لا يؤجر بل يكره، قلت: إن الغسل أشق من المسح ويكون أبعد عن الخلاف. [شروط المسح على الخفين] م: (ويجوز) ش: أي المسح على الخفين م: (من كل حدث موجب للوضوء) ش: موجب بكسر الجيم من الإيجاب، وجعل الحدث موجباً مجازاً؛ لأنه ناقض للوضوء، فكيف يكون موجباً والموجب إرادة الصلاة والحدث شرطه، فجاز أن يضاف الإيجاب إليه كما في صدقة الفطر. فإن قلت: ذكر في " المبسوط " و " خير مطلوب ": أن الحدث هو السبب. قلت: نعم، ذكره هكذا، ولكنه غير صحيح، والحدث شرط على الصحيح، وقيده بقوله: موجب للوضوء احترازاً عن موجب الجنابة على ما يأتي عن قريب عن شاء الله تعالى.
إذا لبسهما على طهارة كاملة ثم أحدث خصه بحدث موجب للوضوء؛ لأنه لا مسح من الجنابة على ما نبين إن شاء الله. وبحدث متأخر؛ لأن الخف عهد مانعا، ولو جوزناه بحدث سابق كالمستحاضة إذا لبست ثم خرج الوقت، والمتيمم إذا لبس الخفين ثم رأى الماء لكان الخف رافعا. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (إذا لبسهما) ش: أي الخفين م: (على طهارة كاملة) ش: قيد بهذا احترازاً مما إذا توضأ بسؤر الحمار أو بنبيذ التمر لا يجوز المسح عليهما؛ لأن نبيذ التمر بدل عن الماء عند أبي حنيفة، ولهذا لو وجد في خلال صلاته يفسد صلاته، فلو جاز المسح كان هذا بدل البدل، وذا لا يجوز، وفي زيادة الحاكم الشهيد لا يمسح بنبيذ التمر لعدم الضرورة، ويمسحبسؤر الحمار؛ لأنه ماء مطلق عند طهوره، وفي " زيادات قاضي خان " اختلف المشايخ في جواز المسح على الخفين بنبيذ التمر. وفي " خواهر زاده ": نبيذ التمر ذكره عنه المرغيناني. وفي " جوامع الفقه " للعتابي في جواز المسح بنبيذ التمر روايتان عن أبي حنيفة، وحكى الجواز الأسبيجابي أيضاً. م: (ثم أحدث) ش: أي ثم أحدث بعد لبسهما على طهارة كاملة، وأشار بكلمة ثم إلى أن المسح بعد الحدث لا بعد اللبس، وهذه عبارة القدوري، وباقي ما قاله المصنف فيه م: (خصه بحدث) ش: أي خص القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المسح بحدث م: (موجب للوضوء) ش: فسر المصنف قول القدوري هذا بقوله (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لا يمسح) ش: على الخفين م: (من الجنابة على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: لأن الجنابة ألزمت غسل جميع البدن ومع الخف لا يتأتى. م: (وبحدث متأخر) ش: أي خص القدوري المسح أيضاً بحدث متأخر عن الوضوء، كذا ما قاله الأكمل. وقال الأترازي متأخر عن اللبس وهو الأوجه م: (لأن الخف عهد) ش: أي عرف وهو صيغة المجهول، والعهد يأتي لمعان كثيرة بمعنى: اليمين، والأمان، والذمة، والحفظ، ورعاية الحرمة، والوصية، فكل واحد من هذه يذكر لما يناسبه بحسب الداعي م: (مانعاً) ش: نصب على الحال من الضمير الذي في عهد، يعني مانعاً من سراية الحدث إلى القدم لا رافعاً للحدث؛ لأن الرفع هو المطهر والخف ليس كذلك م: (ولو جوزناه) ش: أي ولو جوزنا المسح على الخفين م: (بحدث سابق على اللبس كالمستحاضة إذا لبست) ش: الخفين، الدم يسيل م: (ثم خرج الوقت) ش: قيد به؛ لأن المستحاضة يجوز لها أن تمسح ما دام الوقت باقياً، فإذا خرج الوقت ففيه الخلاف، فعندنا لا تمسح، وعند زفر تمسح مدة المسح على حسب السفر والإقامة. م: (والمتيمم) ش: أي وكالمتيمم م: (إذا لبس الخفين ثم رأى الماء) ش: وتوضأ لا يمسح؛ لأنه برؤية الماء ظهر الحدث السابق م: (لكان الخف رافعاً) ش: للحدث السابق، والحكم في مسألة المتسحاضة أن يكون الدم سائلاً عند الوضوء واللبس أو عند أحدهما أو بينهما، وإن كان منقطعاً عندهما أو بينهما فحكمه حكم الأصحاء، وعند زفر حكمها حكم الأصحاء في الوضوءات كلها، وعلى هذا سائر أصحاب الأعذار.
وقوله: إذا لبسهما على طهارة كاملة لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس، بل وقت الحدث، وهو المذهب عندنا، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقوله) شك أي قول القدوري لا يقال: إنه إضمار قبل الذكر، وكذلك الضمير في قوله: خصه بحدث؛ لأنه معلوم بقرينة الحال؛ لأن المصنف في صدد شرح كلام القدوري م: (إذا لبسهما على طهارة كاملة لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس) ش: يعني اشتراط القدوري كمال الطهارة وقت لبس الخفين لا يجوز؛ لأن المذهب اشتراط الكمال وقت الحدث، أشار بكلمة الإضراب بقوله: م: (بل وقت الحدث) ش: أي بل اشتراط الكمال وقت الحدث هو الذي يفيده. وقال الأكمل: إن كان مراد المصنف هذا الذي قرروه ففي كلام القدوري تسامح، وإن كان غير ذلك يحتاج إلى بيان؛ لأن ظاهر كلام القدوري يفيد ذلك. قلت: تحرير هذا أن القدوري ذكر اللبس وأراد به بقاءه، يعني إذا لبسهما باقياً عند الحدث يمسح؛ لأن ما له دوام يأخذ بقاؤه حكم ابتدائه كما لو حلف: لا يسكن هذه الدار، يحنث فيها بالبقاء، حتى لو غسل رجليه وأدخلهما خفيه، ثم أكمل طهارته يمسح، وكذا لو لبسهما وهو محدث ثم توضأ وخاض الماء حتى انغسلت رجلاه ثم أحدث يمسح لكمال الطهارة عند الحدث، ولو غسل رجليه الواحدة وأدخلها الخف وحدها ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف يجوز له المسح إذا أحدث، وبه قال الثوري، والمزني، وابن المنذر، والطبري، وداود الظاهري، ويحيى بن آدم، وأبو ثور. وقال الشافعي وأحمد: ينزع الخف الأول ثم يعيده إلى مكانه، وإن لم يفعله لا يجوز له المسح. وفي " المبسوط ": هذا اشتغال بما لا يفيد. م: (وهو المذهب عندنا) ش: أي اشتراط الكمال وقت الحدث لا وقت اللبس هو المذهب عندنا خلافا للشافعي، فإنه يشترط الكمال وقت اللبس، واحتج الشافعي على ذلك بأحاديث منها في " الصحيحين " حديث المغيرة بن شعبة، وفيه: «ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال: " دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهران» فمسح عليهما، واستدل الأترازي بهذا الحديث على اشتراط اللبس على الطهارة، وليس بظاهر على ما نقول في جوابه، وأقرب ما يستدل به حديث أخرجه الدارقطني عن أبي بكرة «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر فلبس خفية أن يمسح عليهما» . فقالوا: إن الفاء للتعقيب، والطهارة إذا أطلقت إنما يراد بها الطهارة الكاملة. والجواب عن ذلك: أنه ليس له حجة في الأحاديث التي تتعلق بنا، لأنا نقول بعدم جواز المسح إلا بعد غسل الرجل، ومحل الخلاف يظهر في المسألتين، إحداهما: إذا أحدث ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين ثم مسح عليهما، ثم أكمل وضوء الثانية إذا أحدث ثم توضأ، فلما غسل إحدى رجليه لبس عليها الأخرى ثم غسل الأخرى ثم لبس عليها الخف، فإن هذا المسح جائز عندنا
حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح، ـــــــــــــــــــــــــــــQفي الصورتين، خلافا له، هذا تحرير مذهبنا. والشافعية يقولون هنا: إن الحنفية لا يشترطون كمال الطهارة في المسح، وهذا يدخل ما لو توضأ ولم يغسل رجليه ثم لبس الخفين وليس كذلك عندنا، بل لا يجوز له في الصورة؛ لأن الحدث باق في القدم. وقال الخطابي في تعليل هذه المسألة: وذلك أنه جعل طهارة القدمين معاً قبل لبس الخفين شرطاً لجواز المسح عليهما وعلله بذلك، والحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه، ولكن لا نسلم أنه شرط كمال الطهارة وقت اللبس؛ لأنه لا يفهم من نص الحديث، غاية ما في الباب أخبر أنه لبسهما وقدماه كانتا طاهرتين، فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة لأجل جواز المسح، سواء كانت الطهارة لأجل جواز المسح حاصلة وقت اللبس، أو وقت الحدث، وتقييده بوقت اللبس أمر زائد لا يفهم من العبارة. وقال الطحاوي - رحمة الله عليه -: معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدخلتهما وهما طاهرتان» يجوز أن يقال: طاهرتان إذا غسلهما وإن لم تكمل الطهارة، كما يقال: صلى ركعتين قبل أن يتم صلاته، ويحتمل أن يريدهما طاهرتان من جنابة أو خبث. فإن قلت: إذا كان الخف مانعاً من سراية الحدث إلى القدم كان ينبغي أن يمسح عليه إذا غسل رجليه ولبس الخفين ثم أحدث قبل كمال الطهارة. قلت: علم كونه مانعاً من سراية الحدث إلى القدم بالنص على خلاف القياس عند كمال الطهارة فيقتصر عليه. وأما حديث أبي بكرة فإنه ضعيف وفي إسناده: مهاجر بن مخلد، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: لين الحديث، ليس بذلك، ثم إنه قد روي بالواو: " ولبس خفية "، وعلى تقدير صحته فهو محمول على طهارة الرجلين. م: (حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح) ش: هذه نتيجة قوله، وهو المذهب عندنا، قال الأكمل: قيل: لا يصح أن يكون نتيجة ما ذكر من اشتراط اللبس على طهارة كاملة، فإن عدم جواز المسح ها هنا باعتبار ترك الترتيب في الوضوء لا باعتبار اشتراط الطهارة الكاملة وقت اللبس. قلت: هذا كلام السغناقي وصاحب " الدراية " بعده. ثم قال الأكمل: ويجوز أن يقال لما أثبت المصنف بالدليل فيما تقدم أن الترتيب في الوضوء ليس بشرط، صح أن يبني هذا الفرع على هذا الخلاف لكونه أثبت الدليل في الوضوء أن الترتيب ليس بشرط، بل يمكن أن يقال: إن هذا الفرع له وجهان في الفساد عند الشافعي، أحدهما: من جهة ترك الترتيب، والثاني: من جهة عدم كمال الطهارة وقت اللبس، فالمصنف في هذا على الوجه الثاني مع قطع النظر عن الأول.
[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]
وهذا؛ لأن الخف مانع حلول الحدث بالقدم فيراعي كمال الطهارة وقت المنع حتى لو كانت ناقصة عند ذلك كان الخف رافعا. ويجوز للمقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهذا؛ لأن الخف مانع حلول الحديث بالقدم) ش: هذا استدلال من جهة العقل، ولم يذكر ما هو من جهة النقل م: (فيراعي كمال الطهارة وقت المنع) ش: الفاء فيه جواب شرط محذوف، أي: فإذا كان الخف مانعاً عن سريان الحدث إلي القدم فيراعي كمال الطهورية عن حلول الحدث ولا يراعى وقت اللبس. م: (حتى لو كانت) ش: نتيجة ما قبلة، أي حتى لو كانت الطهارة م: (ناقصة عند ذلك) ش: أي عند حلول الحدث م: (كان الخف رافعاً) ش: وليس كذلك؛ لأنه عهد مانعاً، أراد أن الطهارة إذا لم تكن كاملة عند الحدث لا يجوز المسح كما إذا لبس خفيه بعد غسل رجليه ثم أحدث ثم توضأ لا يجوز المسح لما قلنا، ولأن الحدث وإن ارتفع عن الرجلين لم يرتفع حكمه، ولهذا لا تجوز صلاته فيكون الخف رافعاً حكماً وإن جعل مانعاً حقيقة، ولو توضأ للفجر وغسل رجليه ولبس خفيه، وصلى ثم أحدث وتوضأ للظهر، وصلى ثم للعصر كذلك ثم تذكر أنه لم يمسح برأسه في الفجر نزع خفيه ويعيد الصلوات؛ لأنه تبين أن اللبس لم يكن على طهارة كاملة، وإن تبين أنه لم يمسح للظهر فعليه إعادة الظهر خاصة؛ لأنه لبسه على طهارة كاملة فتكون طهارة الأصل كاملة. فإن قلت: إذا غسل القدمان رفع الحدث عنهما حكماً، فإذا انضم إليه غسل بقية الأعضاء ارتفع الحدث بالمجموع فكان مانعاً لا رافعاً. قلت: كلهم اتفقوا على أن المسح لا يجوز إلا بعد طهارة كاملة، واختلافهم في وقتها، فلو كانت الطهارة ناقصة عند حلول الحدث يلزمه أن يكون الخف رافعاً للحدث الحكمي الذي حل بالقدم؛ لأنه وإن زال بالماء حقيقة لكنه باق حكماً لعدم التجزئ، وعن بقية الأعضاء أيضاً يرد النقض على مسح الخف طهارة كاملة فكان مانعاً لا رافعاً وهو خلف. فإن قلت: هذا يقتضي وجود الطهارة الكاملة وقت الحدث، نحن لا نمنع ذلك، وإنما نقول: إنها لا تكفي، بل يحتاج إلى وجودها وقت اللبس أيضاً، وما ذكرتم لا يدفع ذلك. قلت: كلام المصنف لا يدفع ذلك، والدفع أن وجود الطهارة يحتاج إليه عند سريان ما يزيلها، وهو الحدث تحقيقاً للإزالة، وأما قبل ذلك فهي مستغنى عنها، فلا فائدة في اشترطها. [مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر] م: (ويجوز) ش: أي المسح م (للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها) ش: التوقيت في المسح قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال الخطابي: هو قول عامة الفقهاء. وقال ابن المنذر هو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن زيد الأنصاري، وعطاء، وشريح، والكوفيين، ويحكى عن الأوزاعي، وأبي ثور، والحسن بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصالح، وأحمد، وإسحاق. وقالت طائفة: لا توقيت في المسح، ويمسح ما شاء، يروى عن الشعبي، وربيعة، والليث، وأكثر أصحاب مالك، وسمع مطرف مالكا يقول: التوقيت بدعة، وقال الشافعي: لا توقيت فيه، قاله نصر. وقال النووي: هو قوله القديم: وهو ضعيف وواه جداَ، ولا تفريع عليه، وحكى ابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه يمسح من غدوه إلى الليل، وعن الشعبي، وأبي ثور وسليمان بن داود: أنه لا يصلي به إلا خمس صلوات إن كان مقيماً، وخمس عشرة إن كان مسافراً، وهو مذهب مردود؛ لأن التوقيت بالزمان لا بتعدد الصلوات. وفى " المحيط ": لو خاف على رجله يمسح على خفيه من غير توقيت للضرورة، وفي " جوامع الفقه " المسافر بعد الثلاث يمسح على خفيه لخوف البرد للضرورة. وفي " الاستذكار ": روي عن مالك إنكار المسح على الخفين في الحضر والسفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه، وقد ذكرنا في أول الباب عن مالك ست روايات. وقال ابن المنذر في كتاب " الإجماع ": أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين، وقد صح رجوع من كان مخالفهم، وكذلك لا أعلم أحداً من الفقهاء المسلمين روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، الرواية الصحيحة الرجوع بخلاف ذلك، وعلى ذلك جميع أصحابه، احتج من قال بعدم التوقيت بما خرجه أبو داود، والدارقطني، البيهقي، «عن أبي بن عمارة، وقد كان صلى مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى القبلتين قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنمسح على الخفين، قال: " نعم " قلت: يوم، قال: " ويومين " قلت: وثلاثة أيام قال: " نعم، وما شئت " وفي رواية: حتى بلغ سبعاً، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " نعم ما بدا لك.» والجواب عنه: أن أبا داود قال: هذا الحديث ليس بالقوي، واختلف في إسناده، وقال الدارقطني: إسناده لا يثبت، وقال ابن القطان: فيه محمد بن زيد، وهو ابن أبي زياد صاحب حديث الصور، قال فيه أبو حاتم: مجهول، ويحيى بن أيوب مختلف فيه، وهو ممن عيب على مسلم إخراج حديثه. وقال ابن العربي: وفي طريقه ضعفاء أو مجاهيل، منهم: عبد الرحمن بن زيد، ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن، وقال البخاري: حديث مجهول، لا يصح. وقال أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال الثوري: اتفقوا على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: رواه الحاكم في " المستدرك " وقال: إسناده بصري، ولم ينسب واحد منهم إلى جرح، وأبي بن عمارة صحابي مشهور، ولم يخرجاه. قلت: لا يؤخذ منه ما قاله مع وجود ما ذكرنا، وكيف يخرجه البخاري مع قوله: حديث مجهول. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما مستند أهل المدينة في المسح أكثر من ثلاث ويوم وليلة. قلت: قال أبو زرعة: لهم فيه أثر صحيح من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان لا يوقت في المسح على الخفين وقتاً، واحتجوا أيضاً برواية حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن الحسن قال: سافرنا مع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانوا يمسحون خفافهم بغير وقت ولا عذر، رواه ابن الجهيم في " كتاب " وروى ابن الجهيم في " كتابه " بسنده إلى سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خرج من الخلاء فتوضأ ومسح على خفيه، فقلت له: تمسح عليهما وقد خرجت من الخلاء، قال: نعم إذا أدخلت القدمين إلى الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما ولا تخلعهما إلا لجنابة. وروى أيضاً بسنده إلى عروة أنه كان لا يوقت في المسح، وروي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، قاله ابن عبد البر في " الاستذكار "، وهم عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمر. والجواب عن ذلك أن هذا لا يصادم الأحاديث الصحيحة في التوقيت على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، على أن ابن حزم ضعف كثير بن شنير جداً، وعن يزيد بن مغفل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، فدل ذلك على رجوع عمر إلى التوقيت في المسح. وأخرج الطحاوي ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ثمان طرق، وأخرجه البهيقي من حديث الأسود عن شبابة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا عائذ بن حبيب، عن طلحة بن يحيى، عن أبان بن عثمان قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المسح على الخفين فقال: نعم ثلاثة أيام ولياليهن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQللمسافر، ويوم وليلة للمقيم، فهذا أيضاً يدل على رجوعه إلى التوقيت، والمرجع في هذا إلى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى. فإن قلت: روى الحاكم في " مستدركه " حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ثم لا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة» . وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط مسلم ورواته آخرهم ثقات. وروى الحاكم أيضاً من حديث عقبة بن عامر الجهني، أنه قدم على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفتح دمشق، قال: وعلي خفاف فقال لي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كم لك يا عقبة منذ لم تنزع خفيك، فذكرت من الجمعة منذ ثمانية أيام، فقال: أحسنت وأصبت السنة، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ورواه الدارقطني، والبيهقي أيضاً. قلت: الجواب عن الأول ما قاله ابن الجوزي في " التحقيق " أنه محمول على مدة الثلاث، وقال ابن حزم: هذا مما انفرد به أسد بن موسى عن حماد، وأسد منكر الحديث لا يحتج به. قلت: ليس كذلك، فإن أسد ثقة، وليس له ذكر في شيء من كتب الضعف، ووثقه البزار وابن يونس. والجواب عن الثاني: ما قاله الطحاوي: ليس فيه دليل قطعي على أن قوله: أصبت السنة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن السنة يحتمل أن تكون سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحتمل أن تكون سنة أحد من خلفائه، وقد تطلق أيضاً على قول أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فإن قلت: روي عن خزيمة بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» ، ورواه أبو داود والطحاوي ثم قال أبو داود: رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده، ولو استزدناه لزادنا، وفي رواية الطحاوي: ولو { ... } عليه السائل لزاده. قلت: ذكر في " الإمام ": أن فيه ثلاث علل.
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأولى: اختلاف إسناده وله ثلاثة مخارج، رواية إبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي ورواية الشعبي، ثم ذكر الزيادات، أعني لو استزدناه لزادنا، وبعضها ليست فيه. الثانية: الانقطاع، قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: لا يصح، وحديث خزيمة بن ثابت في المسح [ضعيف] ؛ لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من خزيمة. الثالثة: قال ابن حزم: إن أبا عبد الله الجدلي لا يعتمد على روايته. فإن قلت: لما روى الترمذي حديث خزيمة هذا قال: حديث حسن صحيح، وكيف ينقل عن البخاري أنه لا يصح. قالت: والظاهر أن قوله - لم يصح - هو بالزيادة المذكورة مع الخلاف رواية، وأما تصحيحه وتحسينه فبغير الزيادة المذكورة، واسم أبي عبد الله الجدلي عبد بن عبيد، ويقال: عبد الرحمن بن عبيد. وذكر الأكمل في احتجاج مالك حديثين: أحدهما: «حديث عمار بن ياسر، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمسح على الخفين يوماً؟ قال: نعم، فقلت: يومين؟ قال: نعم، حتى انتهيت إلى سبعة أيام، فقال: " إذا كنت في سفر فامسح ما بدا لك» . والآخر: ما روى سعد بن أبي وقاص وجرير بن عبد الله، وحذيفة بن اليمان، في جماعة من الصحابة، فإنهم رووا المسح على الخفين غير مؤقت، ذكره أبو بكر الرازي في " شرح مختصر الطحاوي ". فالحديث الأول: لمالك في عدم جواز المسح للمسافر، والثاني: أنه غير مؤقت، وكذا نقله الأترازي عن أبي بكر الرازي. قلت: هذا عجز ظاهر حيث ذكر أحد الحديثين ونسبه إلى أحد من الفقهاء، أو نقله من كتاب الأصل، فكان [عليه أن] يبين مخرجه، ورجاله سنده، حتى يرضي الخصم بذلك. وأما حد نسبة الأكمل الحديث الأول إلى عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه نظر؛ لأن الحديث لأبي عمارة، أخرجه أبو داود وغيره كما ذكرناه عن قريب. وأما حديث عمار فقد قال البيهقي: روينا عنه جواز المسح. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم يومياً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة منهم الطبراني من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوللمقيم يوم وليلة في المسح على الخفين» ومنهم الحافظ أبو نعيم في كتاب " معرفة الصحابة " من حديث مليكة بنت الحارث قالت: حدثني أبي عن جدي مالك بن سعد أنه «سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: وسئل عن المسح على الخفين. قال: " ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» . ومنهم أبو نعيم أيضاً من حديث مالك ين ربيعة قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على خفية» وروى «للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» . ومنهم من حديث شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أسالها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فاسأله للمقيم فإنه كان مسافراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألناه، فقال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر للمقيم ويوماَ وليلة للمقيم» . ورواه ابن خزيمة في " صحيحة " بلفظ: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسح على الخفين ثلاثة أيام إلى آخره» . ومنهم أبو دود: من حديث خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» ، أخرجه ابن ماجه، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ومنهم ابن أبي شيبة أخرجه في " مصنفه " من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر بالمسح على ظاهر الخف للمسافر ثلاثة أيام ولياليها وللمقيم يوما وليلة» . ومنهم الحافظ أبو بكر النيسابوري من حديث عمرو بن أمية الضمري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQومنهم البزار من حديث عوف بن مالك لا يخفى «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» . ومنهم البزار أيضًا من حديث أبي هريرة «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المسح على الخفين فقال: " للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» . ومنهم الدارقطني: من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة إذا طهر ولبس خفية أن يمسح عليهم» رواه ابن خزيمة أيضاً، والأثرم، وقال الطحاوي: هو صحيح الإسناد، وقال البخاري: حديث حسن. ومنهم الطبراني في " الكبير " من حديث المغيرة: «آخر غزوة غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرنا أن نمسح على خفافنا للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوماً وليلة ما لم يخلع» . ومنهم الترمذي من حديث صفوان بن عسال بفتح العين المهملة وتشديد السين المهملة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ويروى لا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم» وقال: حديث حسن صحيح، ورواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في " صحيحه " وابن خزيمة، أيضاً قوله: " أو سفراً " شك من الراوي بفتح السين وسكون الفاء جمع مسافر كركب وراكب. وقيل: اسم جمع، وذكر الغائط والبول والنوم خرج مخرج الغالب، وفي معناها: زوال العقل بالجنون، والإغماء، وكذا القيء، وخروج الدم، وكل ما كان حدثاً، وفي معنى الجنابة النفاس، والحيض على أصل أبي يوسف إذا كانت مسافرة؛ لأن أقل الحيض عنده يومان وليلتان وأكثره الثلاث، فيمكنها المسح في بقية المدة وما فيه غسل جميع البدن، ويؤخذ منها أنه لا يمسح على الخف من نجاسة. قوله: لكن، حرف استدراك بعد النفي، وإذا استدرك بها الإثبات يختص بالجملة دون
قال: وابتداؤها عقيب الحدث؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم فيعتبر المدة من وقت المنع. ـــــــــــــــــــــــــــــQالمعنى، وقيل: في لفظ الحديث إشكال؛ لأن قوله: «أمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة» معقب بالاستثناء فيصير إيجاباً، وقوله: بعد ذلك، لكن استدرك من إيجاب المفرد وذلك خلاف ما تقدم. قوله: وبول ونوم، بواو العطف في كتب الحديث ووقع في كتب الفقه كلها أو للتنويع. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وابتداؤها) ش: أي ابتداء مدة المسح م: (عقيب الحدث) ش: لا من وقت اللبس، وبه قال الشافعي والثوري وجمهور العلماء، وهو أصح الروايتين عن أحمد وداود، وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار، والراجح دليلاً ذكره النووي واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعن الحسن البصري أن ابتداءها من وقت اللبس، ويلزم على قول الحسن أنه إذا مضى يوم وليلة على المقيم ولم يحدث وجب أن ينزع الخف ولا يجزئه المسح بعد ذلك وهو محال، وعلى من يعتبر من وقت المسح أنه إذا لبس خفيه وأحدث ولم يمسح ثم أغمي عليه بعد ذلك أسبوعاً أو شهراً أنه لا ينزع خفيه ويمسح عليهما وهو محال أيضاً، كذا في " مبسوط " شيخ الإسلام وشمس الأئمة. ثم بيان الأقوال الثلاثة ممن توضأ عند طلوع الفجر، ولبس الخف ثم أحدث بعد طلوع الشمس ثم توضأ ومسح بعد الزوال فعلى قول العامة يمسح المقيم إلى وقت الحدث من اليوم الثاني وهو ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني، وعلى القول الثاني إلى وقت طلوع الفجر من اليوم الثاني وهو وقت اللبس، وعلى القول الثالث إلى ما بعد الزوال من اليوم الثاني وهو وقت المسح، والصحيح قول العامة. م: (لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم) ش: أي مانع حلول الحدث بالرجل شرعاً م: (فتعتبر المدة من وقت المنع) ش: أي؛ لأن المانع عن الشيء إنما يكون مانعاً حقيقة عند سريان الممنوع، ثم الحقيقة أولى بالاعتبار، فتعتبر المدة من عنده. وفي " المبسوط ": لأن الحدث سبب للوضوء فتعتبر المدة من وقت السبب. وقال أبو نصر الأقطع: عن إبراهيم الحربي قال: روي عن عشرة من الصحابة وعشرين من التابعين أن ابتداء المسح من وقت الحدث لا من وقت اللبس، ولأن الحدث سبب الرخصة حتى لو لم يحدث لا يحتاج إلى المسح، فتعتبر من وقت السبب، فأكثر ما يصلي به المقيم من الصلاة الوقتية ست صلوات، والمسافر ستة عشر وقتاً، إلا بعرفة والمزدلفة فإنها تكون سبعاً للمقيم وسبعة عشر للمسافر، ومثلها عند الشافعي في سائر الأماكن للجمع.
[كيفية المسح على الخفين]
والمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كيفية المسح على الخفين] م: (والمسح على ظاهرهما) ش: أي محل المسح على ظاهر الخفين، وهو المستحب عندنا، ومسح أسفل الخفين غير مستحب، وفي " البدائع " المستحب عندنا الجمع بن ظاهره وباطنه في المسح إذا لم يكن به نجاسة، وبه قال الشافعي، حكاه في " المهذب " حيث قال: والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله، والواجب عنده أقل جزء من أعلاه. وقال السغناقي: قال الإمام السرخسي في " المبسوط ": فإن مسح باطن الخف دون ظاهره لم يجز، فإن موضع المسح ظهر القدم. وقال الشافعي: المسح على ظاهر الخف فرض، وعلى باطنه سنة. وقال صاحب " الهداية ": قوله على ظاهرهما احترازاً عن قول الشافعي، والزهري، ومالك، فإن السنة عندهم المسح على الخف وأسفله، إلا أن يكون على أسفله نجاسة، ولكن لو اقتصر على مسح أعلاه يجوز عندهم، ولو اقتصر على مسح أسفله لم يجز على ظاهر المذهب، وأظهر القولين عن الشافعي، ويجزئه في قول. وأما مسح العقب فمن أصحابه من قال: يمسحه قولاً واحداً، ومنهم من قال: فيه قولان، أصحهما: أنه يمسحه، وفي الاقتصار على العقب قولان، الأظهر: أنه يجوز، وعندنا، والثوري وداود، وأحمد: لا مدخل لأسفل الخف في المسح ولا للعقب. قلت: ما ذكر في " البدائع " هو قول علي، وأنس، وقيس بن سعد، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، الشعبي، وعطاء، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم، واختاره ابن المنذر، وروي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك وجوب مسح ظاهرهما وباطنهما، وحكى النووي عن ابن المنذر أن مسح أسفلهما استحباب عندهم، وبه قال الشافعي، وهو قول لمالك: السنة مسح أعلى الخف وأسفله. قلت: هذا مخالف لما نقله النووي وما نقله السغناقي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأكمل: وفي " المغني ": ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه، وبذلك قال عروة، وعطاء، وإسحاق، والنخعي، والأزواعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، ولا نعلم أحداً قال يجزئه مسح أسفل الخف إلا أشهب من أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي، والمنصوص عن الشافعي: أنه لا يجزئه. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين، ويقول: لا يجزئه المسح على أعلى الخف. م: (خطوطاً بالأصابع) ش: قال الأكمل: هو منصوب على الحال بمعنى مخطوطاً. قلت: أخذه من السغناقي، وكذا قال صاحب " الدراية "، وتاج الشريعة، ولم يبين أحد منهم أن لفظ " الخطوط " مصدر أو جمع، وأن ذا الحال ما هو فنقول: و " الخطوط " جمع خط. قال الجوهري: الخط واحد الخطوط، وكذا قال في " العبارات " فإن كان الخطوط مصدراً والمصدر
يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق، ـــــــــــــــــــــــــــــQالخط يقال: خط الكتابة خطاً. قال السغناقي: يقال خطه فلان كما يقال كتبه فلان، ثم قال في آخر الباب: وأكثر كتبه يدل على أنه من باب نصر ينصر، كذا في " دستور اللغة " وذا الحال هو المبتدأ، أي قوله: و " المسح " لأنه مرفوع على الابتداء، والخبر متعلق قوله: على ظاهرهما، وهو كائن أو جائز أو نحو ذلك، و " خطوطاً " على حاله من غير تأويل. فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط، وها هنا الحال جمع وذو الحال مفرد. قلت: المصدر يتناول القليل والكثير، ويمكن أن يقال: إن ذا الحال محذوف والخطوط حال منه، والتقدير: ومسح الماسحين على ظاهر الخفين حال كونهم مخططين بالأصابع، فحينئذ يجوز خطوطاً بالمخططين على صيغة اسم الفاعل، لا للتأويل بالمفرد على ما قالوا من غير روية. وقال الأترازي: وقوله خطوطاً بيان السنة لا شرط الجواز، وقال: هذا احتراز عن قول عطاء، فإنه يقول بتثليث المسح اعتبارا بالغسل، وذلك؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة واحدة. قلت: هذا ليس باحتراز عن قول عطاء، فإنه لو قيل: خطوطا بالأصابع مرة كان احترازا عن قول عطاء قول؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة وفيه نظر؛ لأن بقاء الخطوط ليس بشرط، وغاية ما في الباب أن عطاء قاس مسح الخف على الغسل. م: (يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق) ش: هذا كيفية المسح أن يبدأ الماسح، وابتداؤه من قبل أصابع الرجل وانتهاؤه إلى الساق، وفيه إشارة إلى أن الساق لا يدخل؛ لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا، وعن هذا قال الحسن عن أبي حنيفة أنه يمسح ما بين أطراف الأصل إلى الساق، وهذا الذي ذكره هو مقدار الواجب في المسح. وقال أحمد: الواجب مسح أكثر ظاهره، وعند مالك " مسح جميعه إلا مواضع، وعند الشافعي: إن اقتصر على جزء من أعلاه أجزاء بلا خلاف، وإن اقتصر على بعض أسفله لا يجزئه، نصه في البويطي و " مختصر المزني ". ولهم فيه طرق ثلاث: طريقة جمهورهم عدم الإجزاء ذكره النووي في " شرح المذهب ". وقال أبو عمر: حديث المغيرة يبطل قول أشهب أنه لا يجوز الاقتصار على ظاهر الخف. وفي " المغني " عن أشهب وبعض الشافعية أنه يجوز الاقتصار على أسفله. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين أنه يجزئ المسح أعلى الخفين. وقال ابن بطال: الصحابة مجمعون على أنه إن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه. وفي " المحيط ": السنة إكمال الفرض في محله كالعقب، والساق، والجوانب، والكعب، ولو مسح بأصبع واحدة في ثلاثة مواضع أو بدءاً من الساق أو من ظهر القدم عرضاً جاز، ولو كان بعض خفه خالياً ومسح قدر ثلاثة أصابع على المغسول جاز على الحال، والبداءة من رءوس الأصابع مستحبة اعتباراً بالغسل، وهو قول
«لحديث المغيرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطوطا بالأصابع» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالمرغيناني وظاهرهما من رءوس الأصابع إلى مقدار شراك النعل. وفي " جوامع الفقه ": ولو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار خمسة أصابع لا يجزئه، فيعتبر مقدار ثلاث أصابع من رجل. ونص محمد على أن المعتبر فيه أكثر آلة المسح، ذكره في " المحيط " و " الزيادات " وقال الكرخي: ثلاث أصابع من الرجل واعتبره بالخرق، والأول أصح، ولا يجزئه أصبع ولا أصبعان كما في مسح الرأس، ولو أصابه مطر أو مشى على حشيش مبتل بالصر يجزئه، وكذا بالطل؛ لأنه ماء، وقيل: لا يجزئه؛ لأنه نفس دابة في البحر يجذبه الهواء فيرش على الأرض. قال المرغيناني: الصحيح الأول، وفي " فتاوى قاضي خان ": وكيفية المسح أن يضع بعض أصابع يده اليمنى، وأصابع يده اليسرى على مقدم خفه الأيسر، ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج بين أصابعه، ولو بدأ من أصل الساق ومد إلى الأصابع جاز، وفي " المجتبى " إظهار الخطوط ليس بشرط في ظاهر الرواية. وقال الطحاوي: المسح على الخفين خطوط بالأصابع. م: (لحديث المغيرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحد، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطوطًا بالأصابع» ش: قلت: حديث المغيرة بن شعبه لم يرو على هذا الوجه، وإنما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا الحنفي، عن أبي عامر الخزاز، ثنا الحسن، «عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه، (ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن) ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الخفين.» هذا الحديث مع غرابته يدل على أحكام: الأول: أن السنة وضع اليدين على الخفين. وعن محمد يضع أصابع يديه مقدم الرجل ويمدها، أو يضع كفه مع الأصابع إلى أعلاهما، والمد سنة؛ لأنه ورد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بالمد وبغير المد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثاني: أن السنة في كيفية الوضع وضع يده اليمنى للأيمن واليسرى للأيسر. الثالث: أن السنة المسح مرة واحدة. فإن قلت: أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة «عن المغيرة قال: وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك فمسح أعلا الخف وأسفله» . قلت: ضعف هذا الحديث، فقال أبو داود: بلغني أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، قال الترمذي: حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم، وسألت محمدا وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور عن رجاء. قال: حديث كاتب المغيرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل. وقال الدارقطني في " العلل ": حديث لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً، وكذا ضعفه أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: حاصل ما ذكروا في الحديث أربع علل. الأولى: أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، ويجاب عن هذا بأن البيهقي أسنده عن داود بن رشيد، حدثنا الوليد، عن ثور، حدثنا رجاء، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، وقد صرح فيها بأن ثوراً قال: حدثنا رجاء، وإن كان من رواه عنه قال عن رجاء. الثانية: أن كاتب المغيرة قد أرسله، ويجاب عن هذا بأن الوليد مسلم زاد في الحديث ذكر المغيرة، وزيادة الثقة مقبولة. الثالثة: أن كاتب المغيرة مجهول، ويجاب عن هذا بأن المعروف بكاتب المغيرة هو مولاه، وزاد الثقفي وكنيته أبو سعيد، ويقال: أبو الورد، سمع المغيرة، وروى عنه الشعبي، ورجاء بن حيوة، وأبو عون وغيرهم، وروى له الجماعة، وصرح ابن ماجه في " سننه " فقال: عن رجاء عن داود كاتب المغيرة، فصرح باسمه. الرابعة: أن الوليد مدلس، ويجاب عن هذه بأن أبا داود قال عن الوليد: أخبرني ثور، فأمن بذلك تدليسه، فلذلك استدل به جماعة منهم الشافعي أن مسح أسفل الخفين مستحب عندهم. قلت: وعن هذا قال صاحب " البدائع ": المستحب عندنا الجمع بين ظاهره وباطنه، وقد ذكرناه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوجمهور أصحابنا استدلوا بما روي من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عبد خير «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين على ظاهرهما» ، رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود أيضاً من حديث الأعمش بإسناده قال: «ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على ظاهر خفيه.» وقال أبو داود: «أبو السوداء عن أبيه، قال: رأيت علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله لظننت بطونهما أحق بالمسح» وقال البيهقي: والمرجع فيه إلى عبد خير، وهو لم يحتج به صاحبا " الصحيح ". قلت: عدم احتجاج صاحبي " الصحيح "ليس بقادح في روايته، [....] وقد احتج به غيرهما، وحديثه صحيح. وقال إمام الحرمين في " النهاية في الحديث ": الصحيح أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على خفيه خطوطا فكأنه تبع القاضي حسين، فإنه قال: روي «حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، قال: فحكي عنه أنه قال: ولكني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على ظاهر الخف خطوطاً بالأصابع» وتبعه الغزالي في " الوسيط ". وقال النووي في "شرح المهذب ": هذا الحديث ضعيف، روي عن علي مرفوعاً، وعن الحسن البصري موقوفاَ. قلت: وروى ابن أبي شيبة أثر الحسن البصري قال: من السنة أن يمسح على الخفين خطوطَا. وقال في " التنقيح ": قول إمام الحرمين: إنه صحيح، غلط فاحش، لم نجده من مرويات علي، ولكن روى ابن أبي شيبة أثر الحسن المذكور. قلت: كأن النووي أراد بقوله: هذا الحديث ضعيف، هو الذي نقله إمام الحرمين، وأما الذي رواه أبو داود فهو صحيح كما قلنا، والدليل على ذلك ما قاله صاحب " التنقيح ". وقال السروجي: في تعليل ترك مسح باطن الخفين؛ لأن المسح إذا تكرر على أسفل الخف خلق وبلى، وأضر به مع الدوس بالبلل على الأرض، كما ذكروا في ساق الخف، بل أولى؛ لأنه لا يلحق الأرض.
ثم المسح على الظاهر حتم ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا التعليل معدول لا يخفى، وقال أيضاً: ولأنه معدول عن القياس فيقتصر على ما ورد به الشرع وهو ظاهر الخف دون باطنه. قلت: القياس يقتضي مسح الظاهر والباطن؛ لأنه يدل على الغسل، والشرع كما ورد بالظاهر ورد بالباطن كما ذكرنا مستقصى. م: (ثم المسح على الظاهر حتم) ش: أي ثم مسح الخف على ظاهره حتم أي واجب. قال الأترازي: يعني أنه واجب لا يحتمل غيره. قلت: إن أراد بعدم الاحتمال عقلاً فممنوع ومنعه ظاهر، وإن أراد به شرعاً فممنوع أيضاً؛ لأنه ورد «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على باطن خفه» كما مر من حديث المغيرة بن شعبة. وقال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن والقعر؛ لأنه خلف عن الغسل، فيجوز في جميع محل الغسل كما في مسح الرأس، فإنه يجوز المسح في جميع الرأس، وإن ثبت مسحه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الناصية. قلت: لا يجوز؛ لأن فعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابتداء شرع وهو غير معقول المعنى، فيعتبر جميع ما ورد به الشرع من رعاية الفعل والمحل بخلاف مسحه عليها، فإنه بيان ما ثبت بالكتاب لا نصب الشرع، فيجب العمل بمقدار ما يحصل به البيان وهو المقدار؛ لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى فعله بياناً له. قلت: إن أراد بقوله لا يجوز يعني مسح البطن والعقب مع مسح الظاهر فلا نسلم بذلك؛ لأنه ورد مسح الظاهر والباطن بقوله، فيعتبر جميع ما ورد في الشرع من رعاية الفعل والمحل لا دليلاً لمدعي الاقتصار على الظاهر؛ لأنه ورد في الشرع فعل الباطن. وثبت أنه محل أيضاً لفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكما أنه يراعى الفعل والمحل لو ورد الشرع بهما، فكذلك ينبغي أن يراعى ذلك في الباطن أيضاً، فإن الشرع ورد بهما أيضاً. وقوله: لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى نقله بياناً له - غير مسلم في حق المقدار. قال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن مع الظاهر لكونهما مرويين والجمع ممكن، فثبت فرضية مطلق المسح وسنية المسح عليهما كما قال الشافعي. قلت: هذا السؤال غير وارد فلا يحتاج إلى قوله ينبغي.. إلخ، والعمل بما قاله الشافعي لو ورد حديث الظاهر والباطن، وإمكان الجمع بينهما في العمل وتأويله في جواب هذا السؤال بقوله: يحتمل أن يكون المراد من أعلاه مما يلي الساق، ومن أسفل ما يلي الأصابع، فلا يثبت سنية مسح الباطن، فالشك غير صحيح؛ لأن هذا مفسر فلا يحتاج إلى التأويل إذا لم يمكن الجمع، وقد أمكن كما ذكرنا.
حتى لا يجوز على باطن الخف، وعقبه، وساقه؛ لأنه معدول به عن القياس فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع، والبداية من رءوس الأصابع استحباب ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (حتى لا يجوز على باطن الخف وعقبه وساقه) ش: هذه نتيجة قوله: ثم المسح على الظاهر حتم، قلت: إن أراد بقوله: لا يجوز الاقتصار على الباطن أو العقب أو الساق فمسلم. وإن أراد به مع الظاهر فغير مسلم كما ذكرنا. وقال الأكمل: يعني لا يجوز على باطن الخف وعقبه خلافاً للشافعي في قوله. قلت: هذا لا يصح، فإنه لم ينقل عن الشافعي أنه أجاز مسح الباطن وحده، بل نص في الأم وغيره أن مسح الباطن وحده لا يجوز. م: (لأنه معدول به عن القياس) ش: أي لأن المسح معدول به عن القياس؛ لأن المسح لا يطهر شيئاً ولا يزيله، فجعل قائما مقام الغسل للتخفيف رخصة. وقال الأترازي: قوله معدول به عن القياس إشارة إلى ما ذكرنا من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لو كان الدين بالرأي» الحديث. قلت: يفهم من كلامه هذا أن القياس مسح الباطن، وعدل به عنه إلى الظاهر، وليس كذلك، بل القياس أن لا يجوز المسح أصلاً كما ذكرنا الآن. م: (فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع) ش: هذه نتيجة قوله: لأنه معدول به عن القياس، ولكن ظاهر هذا الكلام لا يستقيم؛ لأن استيعاب ظاهر الخف والبداءة من رءوس الأصابع غير معتبر في الوجوب، فلو روعي جميع ما ورد به الشرع لوجب ذلك [ ... ] . م: (والبداءة من رءوس الأصابع استحباب) ش: الخبر لا يطابق المبتدأ في المعنى، والمطابقة مستحبة وهو يتضمن الاستحباب، اللهم إلا إذا جعل هذا من قبيل زيد عدل، فافهم. ونتيجة قوله: " استحباب " أنه لو بدأ من الساق جاز. وسأل الأكمل ها هنا سؤالاً، وملخصه: أنه كان ينبغي أن تكون البداءة من الأصابع حتما لا مستحبا كالمسح على ظاهرهما؛ لأن الشرع ورد بمد اليدين من الأصابع إلى أعلاهما، ثم أجاب عن ذلك بقوله ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على خفيه من غير مد إلى الساق. قلت: في حديث المغيرة الذي ذكره المصنف ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما. فإن قلت: إن هذا غريب لم يرو حديث المغيرة هكذا. قلت: روي في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق» ، ورواه ابن ماجه.
[المسح على خف فيه خرق كبير]
اعتبارا بالأصل وهو الغسل، وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من أصابع الرجل، الأول أصح اعتبارا بآلة المسح، ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كثير يبين منه قدر ثلاثة أصابع من الرجل. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: في سنده جرير بن يزيد، قال صاحب " التنقيح ": وجرير هذا ليس بمشهور ولم يروعنه غير بقية، وفي سنده أيضاً: منذر بن زيادة الطائي، وقد كذبه الفلاس، وقال الدارقطني: متروك، وهذا الحديث مما استدركه الحافظ المزني على ابن عساكر، إذ لم يذكره في " أطرافه " وكأنه ليس في بعض نسخ ابن ماجه. قلت: أخرج الطبراني في " معجمه الأوسط " عن بقية، عن جرير بن يزيد الحميري، عن محمد بن المنكدر، «عن جابر بن عبد الله، قال: " مر رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل يتوضأ، وهو يغسل خفيه، فنخسه بيده، وقال: إنما أمرنا بالمسح هكذا، وأراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه.» م: (اعتباراً بالأصل وهو الغسل) ش: اعتباراً على أنه مفعول مطلق، أي اعتبرنا في مسح الخف البداء من الأصابع اعتباراً بالأصل، وهو غسل الرجلين م: (وفرض ذلك) ش: أي فرض مسح الخف م: (مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد) ش: قال في " التحفة ": سواء كان المسح طولاً أو عرضا، أما التقدير بثلاث أصابع كما ذكر في حديث جابر المذكور آنفاً، وقد ذكر بلفظ الجمع وأقله ثلاثة، وأما اعتبارها من أصابع اليد فلكونها آلة كما في مسح الرأس. م: (وقال الكرخي من أصابع الرجل) ش: وقال الشيخ أبو الحسن الكرخي في " مختصره ": إذا مسح مقدار ثلاث أصابع من الرجل أجزأه واعتبر بالخرق م: (والأول أصح) ش: أي اعتباراً لأصابع اليد م: (اعتباراً بآلة المسح) ش: لأن المسح فعل يضاف إلى الفاعل لا إلى المحل فتعتبر الآلة كما في الرأس. [المسح على خف فيه خرق كبير] م: (ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير) ش: يروى كبير بالباء الموحدة وكثير بالثاء المثلثة، فالأول يقابله الصغير، والثاني يقابله القليل، والأول أيضاً يستعمل في الكمية المتصلة، والثاني في المنفصلة م: (يبين منه قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل) ش: هذه الجملة الفعلية في محل الرفع؛ لأنه صفة لقوله: كبير، وفي " المحيط " و " البدائع " و " الأسبيجابي ": الخرق المانع هو المفتوح الذي يكشف ما تحت الخف، أو يكون منضماً، لكن يفرج عند المشي ويظهر القدم، وإذا كان طويلاً منضماً لا ينكشف ما تحته لا يمنع، كذا روي عن أبي يوسف، ولو انكشف الطهارة وفي داخلها بطانة من جلد. وفي " الذخيرة " أو خرقة مخروزة بالخف لا يمنع، وقيل: ولو كان الخرق تحت القدم لا يمنع ما لم يبلغ أكثر القدم. وفي الكعب يمنع ثلاث أصابع لا ما دونها وما فوق الكعبين لا يمنع؛ لأنه ليس الموضع لمسح ولا لمشي، وفي " الذخيرة " الكبير ثلاث أصابع الرجل أصغرها، وفي بعض الواضع كالإبهام وجاز لها. قال الحلواني: إن كان الخرق عند أكبر الأصابع يعتبر أكبرها، وإن
فإن كان أقل من ذلك جاز. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وإن قل؛ لأنه لما وجب غسل البادي وجب غسل الباقي، ولنا أن الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فيلحقهم الحرج في النزع، وتخلو عن الكثير فلا حرج، ـــــــــــــــــــــــــــــQكان عند أصغر الأصابع يعتبر أصغرها، وهذا في الخرق المنفرج الذي يرى ما تحته من الرجل. وإن كان طويلاً يدخل فيه ثلاث أصابع وأكثر، ولكن لا يرى شيء ما أصابع إلا ينفرج عند المشي لصلابته لا يمنع، وفي مقطوع الأصابع يعتبر الخرق بأصابع غيره، وقيل بأصابع نفسه له كانت قائمة. وفي " المرغيناني ": إن ظهرت من الخرق الإبهام والوسطى والخنصر شيء من الخف لم يجز المسح، ولو ظهر الإبهام ولكن قدر ثلاث أصابع الرجل أصغرها لا بأس بالمسح، وفي " صلاة الحسن ": يعتبر قدر ثلاث أصابع الرجل مضمومة لا ينفرج الخف الذي لا ساق له كذي الساق وصاحب الرجل الواحدة يمسح، وفي " المنية ": مقطوع الأصابع تحته خرق في موضع الأصابع مقدار ثلاث أصابع قدميه أصغرها لو كانت قائمة يمنع المسح ولا يعبأ بأصابع غيره، وإن كان موضع الإبهام، وخرجت هي وجارتها يمنع، وجارة واحدة منها لا يمنع في الأصح، وإن ظهرت الأصابع ولم تخرج لا يمنع. م: (وإن كان أقل من ذلك جاز) ش: أي من ثلاث أصابع الرجل جاز المسح؛ لأن الخف لا يخلو عن الخرق القليل عادة فجعل عفواً لدفع الحرج. م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز بخرق وإن قل) ش: أي الخرق. وقال أحمد: وعن الثوري، ويزيد بن هارون، وأبي ثور، جوازه على جميع الخفاف. وعند مالك: اليسير غير مانع، والكبير مانع، وعن الأوزاعي: إن ظهرت طائفة من رجله مسح على خفيه وعلى ما ظهر من رجليه. وعن الحسن: إن ظهر أكثر الأصابع لم يجز، وفي شرح " الوجيز ": ولو كان الخف متخرقاً ففيه قولان، في القديم: يجوز المسح عليه ما لم يتفاحش، وبه قال مالك. وحد الفحش ما قاله الأكثرون ما لم يتمالك في الرجل، ولا يتأتى المشي عليه، وإلا فليس بفاحش. وقيل: حده أن لا يبطل له اسم الخف، وبه قال النووي. وفي الجديد: لا يجوز المسح عليه قليلاً كان الخرق أو كثيراً، وبه قال أحمد: والطحاوي. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لما وجب غسل البادي) ش: أي الظاهر من الرجل م: (وجب غسل الباقي) ش: اعتباراً بالكثير عندنا، والجميع بين الغسل والمسح لا يجوز. م: (ولنا أن الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فيلحقهم الحرج في النزع) ش: أي في نزع الخف ولا سيما في حق المسافر م: (وتخلو) ش: أي الخفاف م: (عن الكثير فلا حرج) ش: فيه لندورته، وقولهم: لما وجب غسل البادي، قلنا: وجوب غسل البادي غير مسلم لهم فاليسير الذي
والكثير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها هو الصحيح؛ لأن الأصل في القدم هو الأصابع، والثلاث أكثرها، فيقام مقام الكل واعتبار الأصغر للاحتياط، ولا يعتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي، ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة، ـــــــــــــــــــــــــــــQذكروه، فإن مواضع [ ... ] الخف كان مثل ذلك فيه خرق، ألا ترى كيف يدخل التراب من ذلك. م: (والكثير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها) ش: الكثير مبتدأ، وأن مصدرية في محل الرفع على الخبرية، والتقدير الكثير انكشاف قدر ثلاث أصابع الرجل. قوله: " أصغرها " بالجر بدل من ثلاث أصابع، بدل البعض من الكل م: (هو الصحيح) ش: أي التقدير بثلاثة أصابع من أصابع الرجل هو الصحيح، واحتراز به عما روي عن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: قدر ثلاثة أصابع من أصابع اليد، وقال الأكمل قوله: هو الصحيح احتراز عن رواية الحسن كما ذكرنا، وعما قال شمس الأئمة الحلواني: المعتبر بأكبر الأصابع إن كان الخرق أكبرها وأصغرها إن كان عند أصغرها. قلت: أخذ الأكمل هذا من السغناقي، وليس كذلك، بل قوله: هو الصحيح، احتراز عن رواية الكرخي، وأما الاحتراز عن رواية الحلواني فنقول أصغرها. م: (لأن الأصل في القدم هو الأصابع والثلاث أكثرها) ش: أي ثلاثة أصابع أكثر القدم، وفيه نظر؛ لأنه جعل الأصل في القدم الأصابع، ثم قال: والثلاث أكثرها، وهذا يقتضي أن تكون الأصابع من أجزاء القدم وجزء الشيء لا يكون أصلاً له م: (فيقام مقام الكل) ش: أي إذا كان الثلاث أكثر القدم فيقام مقام الكل بضم الميم الأولى؛ لأن أكثر الشيء له حكم كله. م: (واعتبار الأصغر للاحتياط) ش: وهذا كأنه جواب عما يقال: لم اعتبر الأصابع بثلاث الصغير؟ فأجاب بقوله: للاحتياط في باب العبادة م: (ولا معتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي) ش: أي لا عبرة بدخول الأنامل في حكم الأصابع، يعني إذا بدا مقدار ثلاثة من أصابع الرجل لا يمنع الجواز، وقيل: يمنع، وإليه مال السرخسي، والأصح أنه إذا بدا قدر ثلاثة من أصابع الرجل بكمالها يمنع، وإليه مال الحلواني. وفي " المجتبى " له ذلك من بطانة الخف دون الرجل، قال الفقيه أبو جعفر: الأصح أنه يمسح عند الكل كأنه كالجوارب المنعل، وحكم الكعب المرتفع حكم الخف؛ لأنه كالخف لا ساق له. وفي " شرح الوجيز ": لو تخرقت البطانة وحدها أو الطهارة وحدها جاز المسح إن كان ما بقي ليس بضعيف، وإلا لا يجوز في أظهر القولين م: (ويعتبر هذا المقدار) ش: أي مقدار ثلاثة أصابع الذي يمنع بدورها عن المسح م: (في كل خف على حدة) ش: أي في كل واحد من الخفين منفرداً.
[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]
فتجمع الخروق في خف واحد، ولا يجمع في خفين؛ لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر، بخلاف النجاسة المتفرقة؛ لأنه حامل للكل. وانكشاف العورة نظير النجاسة. ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقوله: على حدة: أي على حال، والهاء فيه عوض عن الواو، وأصله وحده، ولما حذفوا الواو عوضوا بها الهاء في آخره على حدة، وكذلك أحد أصله وحد م: (فتجمع الخروق في خف واحد) ش: هذه نتيجة قوله: ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة م: (ولا تجمع) ش: أي الحروق م: (في الخفين) ش: وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجمع في خف أيضاً م: (لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر) ش: أي بالخف الآخر بخلاف الخرق من الخفين. قال الأكمل: قيل: ينبغي أن يجمع في الخفين أيضاً؛ لأن الرجلين صارا كعضو واحد لدخولهما تحت خطاب واحد. وأجيب بأنهما صارا كعضو واحد في حق حكم شرعي. والخرق أمر حسي فلا يكونان فيه كعضو واحد كما في قطع المناخر، ولهذا لو مد الماء من الأصابع إلى العقب جاز، ولم يظهر له حكم الاستعمال؛ لأنه عضو واحد، ولو مد الماء من إحدى الرجلين إلى الأخرى لم يجز. قلت: هذا السؤال مع جوابه في " الدراية " ولكن جواب صاحب " الدارية " قلت: نعم صار كعضو واحد في حق المسافر. فإن قيل: هلا يغسل أحدهما؟ قلنا: لما كان العضوين واحداً في حق حكم شرعي، فلو غسلت إحداهما ومسح الأخرى يكون جمعاً بين المسح والغسل في عضو واحد حكماً، وهذا غير مشروع، كذا في " الكافي "، وفي " الإيضاح ": الوظيفة فيهما إن كانت متحدة حتى انتقض المسح بنزع أحدهما، ولكنهما في حق الغسل عضوان م: (بخلاف النجاسة المتفرقة) ش: على الخفين بأن كانت في إحداهما قليلة وفي الأخرى كذلك يجمع بينهما م: (لأنه) ش: أي؛ لأن صاحب الخف م: (حامل للكل) ش: أي لكل النجاسة وهو ممنوع في الحمل. وقيل في الفرق بين النجاسة والخرق إنما يمنع المسح لا بعينة، بل لمعنى يتضمنه، وهو أنه لا يمكنه قطع السفر به بخلاف النجاسة، فإن المانع غيرها لا لمعنى يتضمنه، وهو أنه لا يمكنه قطع السفر بالنجاسة خصت به، فإذا كان كذلك فمتى بلغت النجاسة أكثر من قدر الدرهم تمنع الجواز. م: (وانكشاف العورة نظير النجاسة) ش: يعني أنه يجمع وإن كان في مواضع كما يجمع النجاسة المتفرقة في بدن الإنسان أو ثوبه أو خفه. وفي " الزيادات ": ولو انكشف شيء من فرجها وشيء من بطنها وشيء من فخذها وشيء من ساقها وشيء من شعرها، بحيث لو جمع يكون ربع ساقها أو شعرها أو فرجها لا تجوز صلاتها. [المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل] م: (ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل) ش: صورته رجل توضأ ولبس الخف، ثم أجنب ثم وجد ماء يكفي للوضوء ولا يكفي للاغتسال فإنه يتوضأ ويغسل رجليه ولا يمسح ويتيمم للجنابة، ذكر هذا في " المنتقى ". وقيل: صورته مسافر أجنب ومعه ماء يكفي للوضوء فتيمم للجنابة، ثم أحدث،
لحديث صفوان بن عسال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم» ـــــــــــــــــــــــــــــQوتوضأ بذلك الماء، ولبس خفيه ثم مر على الماء انتقض وضوؤه السابق لقدرته على الاغتسال، فلو لم يغتسل وعدم الماء ثم حضرت الصلاة وعنده ماء قدر ما يكفي الوضوء تيمم وتعود الجنابة لرؤية الماء، ولو أحدث بعده فتوضأ بذلك الماء، ولكن ينزع خفيه ويغسل رجليه، وفي الجنابة المسألة لا تحتاج إلى صورة معينة، فإن من أجنب بعد لبس الخف على طهارة كاملة لا يجوز له المسح مطلقاً؛ لأن الشرع جعل الخف مانعاً لرؤية الحدث الأصغر لا الأكبر. وقال شمس الأئمة السرخسي: الجنابة لزمها غسل جميع البدن، ومع الخف لا يتأتى ذلك. م: «لحديث صفوان بن عسال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم» ش: هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " وابن خزيمة في " صحيحه "، وفي رواية الترمذي: الحديث معلول يتضمن قضية المسح والعلم والتوبة والهوى، ورواه الشافعي أيضاً وأحمد والدارقطني والبيهقي، ووقع في الدارقطني زيادة في آخر هذا المتن، وهو وقوله: " أو ريح "، ولكن وكيع تفرد بها عن مسعر. قلت: إن كثيراً من الشراح المشهورين لم يتعرضوا لذكر هذا الحديث أصلاً، أما السغناقي فلم يذكره أصلاً، وكذلك الأترازي وتاج الشريعة. وأما الأكمل فإنه أمعن، وقال: عسال بالعين المهملة يباع له العسل ولم يذكر شيئاً غير ذلك. أما صاحب " الدراية " فأمعن فيه، وقال: الحديث في " المستصفى " ولكن ذكر فيه " إلا عن جنابة " وهكذا ذكره أكثر المحدثين. قلت: روي إلا بكلمة الاستثناء وبكلمة لا للنفي وكلاهما صحيح، ولكن المشهور هو الأول، والمشهور أيضاً في كتب المحدثين بالواو في قوله: " أو غائط أو نوم " وكلمة " أو " في كتب الفقه، وقد تكلمنا فيه فيما مضى. وقال صاحب " الدراية ": روى الطحاوي في كتابه: " إلا عن جنابة " كما ذكر في المتن وهو الأشبه بالصواب، وقال: ولعل بعض الرواة أدخلها في كتابه، وكتب " إلا " مكان: " لا:، كذا في " شرح المصابيح "، ويحتمل أن الصحابي قال: كان عليه اللام يأمرنا بنزع خفافنا من بول وغائط ونوم إلا عن جنابة، فرواه مقلوباً، كذا قيل. قلت: هذا كله تخمين وتصرف غير سديد، وقد قلت: إنه روي بوجهين عن صفوان، فلا يحتاج إلى هذا التكلف. وقال الأكمل بعد قوله: " والاستدلال به ظاهر " أي بحديث صفوان، وقال حميد الدين: الموضع موضع النفي فلا يحتاج إلى التصوير.
[نواقض المسح على الخفين]
ولأن الجنابة لا تتكرر عادة، فلا حرج في النزع بخلاف الحدث؛ لأنه يتكرر. وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء؛ لأنه بعض الوضوء، وينقضه أيضا نزع الخفين لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع، وكذا نزع أحدهما لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: مولانا حميد الدين لم يقل هذا المذكور في الحديث، وإنما قال في قول المصنف: لا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل؛ لأنهم قالوا: إن ذكر الصور بهذا تكلف، ولهذا قال في " المنافع " أيضاً هو موضع النفي فلا يحتاج إلى التصوير. م: (ولأن الجنابة لا تتكرر عادة، فلا حرج في النزع بخلاف الحدث؛ لأنه يتكرر) ش: وفي نزع الخف فيه حرج، وشرعية المسح لدفع الحرج. فإن قلت: قوله: " بخلاف الحدث " يتناول الحدث الأصغر والأكبر. قلت: دلت القرينة اللفظية على أن المراد هو الحدث الأصغر. [نواقض المسح على الخفين] م: (وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء) ش: لأنه بدل عن الغسل فصار كالتيمم م: (لأنه) ش: أي؛ لأن المسح م: (بعض الوضوء) ش: فيعتبر البعض بالكل م: (وينقضه أيضاً) ش: أي ينقض المسح أيضاً م: (نزع الخفين لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع) ش: وهو الخف؛ لأنه لو كان المانع عن حلول الحدث السابق، فلما زال حل وعمل عمله م: (وكذا نزع أحدهما) ش: أي وكذا ينقض المسح نزع أحد الخفين م: (لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة) ش: وهي غسل الرجلين؛ لأن إتيان البدل إنما يتأتى عند عدم الأصل، ومن أصحاب مالك من قال: لا يلزمه ذلك، بل يمسح على الآخر ويغسل الرجل، وهو مذهب الزهري، وأبي ثور أيضاً، وهاهنا خمسة أشياء. الأول: أنه قال: النزع في الصورتين، وحكم الانتزاع كذلك، وسراية الحدث السابق إلى القدمين كما ذكرنا. والثاني: قال في وظيفة واحدة؛ لأنه إذا كان الجمع بين الغسل والمسح في وظيفتين لا يمنع كغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين. الثالث: أن النزع أو الانتزاع غير ناقض، وإنما الناقض هو الحدث السابق، ولكن لما كان ظهور عمله عند وجود النزع أضيف النقض إليه مجازاً. والرابع: أن التعذر الذي ذكره هو باعتبار ما تقتضيه القاعدة، وأما باعتبار غير لك فلا يقدر، وهذه الأربعة متعلقة بالكتاب. والخامس: دخول الماء أحد خفيه حتى تصير رجله مغسولة ينقضه أيضاً، ويجب غسل رجله الأخرى لمنع المسح الجمع، وإن لم يبلغ لا ينقض.
وكذا مضي المدة لما روينا، وإذا تمت المدة نزع خفيه وغسل رجليه وصلى وليس عليه إعادة بقية الوضوء. ـــــــــــــــــــــــــــــQوزاد أبو جعفر في " نوادره ": أن الماء إذا أصاب أكثر الرجل ينقض، وفي " الحاوي " إذا ابتل جميع أحد القدمين ينق مسحه، ذكره في " الزيادات " غسلت إحدى الرجلين أو بعض الرجل لا يجوز المسح، وفي " المرغيناني " الأصح أن غسل أكثر القدم ينقضه، وفي " متنه " إذا بلغ الماء أكثر رجله الواحدة روايتان في انتقاض المسح. وفي " الذخيرة " قال في " صلاة العيون " الماسح على الخف إذا أحدث فانصرف ليتوضأ فانقضت مدة مسحه قيل فله أن يغسل رجليه ويبني على صلاته كالمتيمم إذا أحدث فانصرف فوجد ماء لا تفسد صلاته، وله أن يتوضأ ويبني على صلاته كذا ها هنا. قال: وذكر في " مجموع النوازل " نزعها لهذه المسألة فقال: لو انقضت مدة مسحه بعدما أعاد إلى مكان صلاته فسدت، وإذا انقضت مدة مسحه، وهو في الصلاة ولم بجد ماء فإنه يمضي على صلاته، ومن المشايخ من قال: تفسد صلاته. م: (وكذا مضي المدة) ش: أي وكذا ينقض المسح لمضي يوم وليلة في المقيم وثلاثة أيام في المسافر م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» . وقال الأكمل: لما روينا من رواية صفوان أ: «أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام» ، وكذا قال صاحب " الدراية "، والأكمل أخذه منه، والأوجه هو الأول على ما لا يخفى. وقوله: " لما روينا ": ليس على الحقيقة، وإنما هو حكاية أو مجرد نقل، والرواية غير ذلك على ما عرفت. وقال ابن أبي ليلى: المسح على الخفين قائم مقام غسل الرجلين، فلو غسل رجليه ولبس خفيه، ثم نزع لم يجب عليه غسل رجليه فكذا ها هنا، قلنا: إنه قائم مقامه شرعاً في وقت مقدر، فإذا مضى لا يقوم مقامه كطهارة التيمم. م: (وإذا تمت المدة) ش: وفي بعض النسخ " وإذا انقضت المدة " وهي اليوم والليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر م: (نزع خفيه وغسل رجليه وصلى) ش: لسريان الحدث إلى القدمين إذا كان متوضئاً. قال الأكمل: قيل هو تكرار؛ لأنه علم حكمه من قوله: وكذا مضي المدة، وأجيب بأنه ذكر تمهيداً لما رتب عليه من قوله: " ينزع خفيه وغسل رجليه " قلت: ليس كذلك، وإنما ذكره تمهيداً لما رتب عليه حكما آخر وهو قوله م: (وليس عليه إعادة بقية الوضوء) ش: قال الأكمل هذا احتراز عن قول الشافعي فإنه يقول: عليه أن يعيد الوضوء. قلت: المصنف في صدد بيان مذهبه لم يلتزم بيان مذهب غيره إلا في مواضع لأجل نصب الدلائل رداً عليه، ثم عدم بقية الوضوء إذا كان متوضئاً، وأما إذا كان محدثاً فعليه أن يتوضأ وهو قول أبي عمر، والشعبي، والنخعي، وابن علية، والأسود، وأبي ثور، والليث، والشافعي
وكذا إذا نزع قبل المدة؛ لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما، وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق؛ لأنه لا معتبر به في حق المسح، وكذا بأكثر القدم هو الصحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــQفي أصح قوليه، ومالك، والليث، إلا أنهما قالا: إن أخر غسلهما يستأنف الوضوء. وقال الحسن بن حي، والزهري، ومكحول، وابن سيرين: إذا خلع خفيه أعاد الوضوء من أوله، ولا فرق بين تراخيه وعدمه. وقال الحسن البصري، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن حرب: إذا نزع بعد المسح صلى كما هو، وليس عليه غسل رجليه، ولا تجديد الوضوء، واختاره ابن المنذر، واعتبروه بحلق الشعر بعد مسح الرأس. وأجيب عن ذلك بأن الشعر من الرأس خلقة، ومسحه مسح الرأس بخلاف الخف فإنه منفصل عن الرجل فلا المسح عليه غسلاً للرجل فكان الحدث قائماً بالرجل بعد نزع الخف عنها. م: (وكذا إذا نزع قبل مضي المدة) ش: أي وكذا ليس عليه إعادة بقية الوضوء إذا نزع الخف قبل مضي مدة المسح في حق المقيم والمسافر م: (لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما) ش: فإذا لم يغسلهما بقيتا بلا غسل ولا مسح مع الحدث بهما وهذا لا يجوز. م: (وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق) ش: لما كان لنزع الخف قبل مضي المدة حكم قدر ذكره إشارة بهذا إلى النزع الذي يترتب عليه الحكم ما هو حكمه، فقال: حكم النزع إلى ساق الخف ثبت بخروج القدم، أي بخروج قدم المتوضئ الماسح إلى موضع ساقه من الخف؛ لأن موضع المسح فارق مكانه فكأنه ظهر رجله. م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الساق م: (لا معتبر به في حق المسح) ش: أي بالساق في حق المسح حتى لو لبس خفاً لا ساق له يجوز المسح إذا كان الكعب مستوراً، وإنما قلنا به مع أن الساق مؤنثة سماعية إما باعتبار لفظ المذكور وإما باعتبار العضو م: (وكذا بأكثر القدم) ش: أي وكذا ثبت كم النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام: أخرج رجليه إلى الساق ثم أعادهما لا يمسح عليهما بعد ذلك. وقال الشافعي في القديم: له المسح لما أنه لم ظهر من محل الفرض شيء فلا يلزمه الغسل، وفي الجديد: وهو الأصح، وهو قولنا، وقول مالك، وأحمد: لا يجوز المسح م: (هو الصحيح) ش: هو المروي عن أبي يوسف. وفي " شرح الطحاوي " إذا خرج أكثر العقب من الخف ينتقض مسحه. وعن محمد: إذا بقي في الخف من القدم قدر ما يجوز المسح عليه جاز وإلا فلا، وهذا إذا قصد النزع ثم بدا له أن لا ينزع، فإذا كان لزوال العقب فلبس الخف فلا ينتقض المسح. وفي " الكافي ": على قول محمد أكثر المشايخ؛ لأن المعتبر هو محل الفرض، فما بقي لا
ومن ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها عملا بإطلاق الحديث، ـــــــــــــــــــــــــــــQينقض مسحه. وفي " الذخيرة ": رجل أعوج يمشي على قدميه وقد ارتفع عقباه عن عقب الخف، أو كان لا عقب للخف وصدور قدميه في الخف، أو رجل صحيحة أخرج قدميه من عقب الخف إلا أن مقدم قدميه في الخف في موضع المسح له أن يمسح ما لم يخرج صدور قدميه من الخف إلى الساق. م: (ومن ابتدأ المسح وهو مقيم) ش: أي والحال أنه مقيم م: (فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها عملاً بإطلاق الحديث) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها» لأن إطلاق الحديث سبق رخصة المسح في كل مسافر - وهذا مسافر - فيمسح كما في سائر المسافرين، وبقولنا قال الثوري، وأحمد رجع إليه عن قوله الأول، وهو قول داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الشافعي: إذا أحدث ومسح في الحضر ثم سافر قبل تمام يوم وليلة يتم يوما وليلة من حين أحدث، وبه قال مالك، وإسحاق، وأحمد، وداود في رواية عنهما، ولو أحدث في الحضر ثم سافر ومسح في السفر قبل خروج وقت الصلاة فإنه يتم مسح مسافر من حيث أحدث في الحضر عند الجمهور إلا ما نقل عن المزني أن يتم مسح مقيم، وقيل: ما نقله عنه غلط، بل قوله قول الجمهور. ولو لبس في الحضر وسافر قبل الحدث يمسح مسح مسافر بالإجماع، ولو أحدث في الحضر ثم سافر قبل خروج الوقت هل يمسح مسح مسافر أو مقيم فيه الوجهان، والصحيح مسح مسافر، والمسألة على أربعة أوجه، والمرأة كالرجل في المسح على الخف شرعيته، ومدته، وشروطه، ونواقضه كالتيمم، والمستحاضة كمن به سلس البول، عليه خف مغصوب جاز. وقال أحمد: لا يجوز، وكذا عليه خف من حرير عنده، وقال النووي: ولو اتخذ خفا من زجاج أو خشب أو حديد يمكن متابعة المشي عليه بغير عصى جاز المسح عليه. وقال إمام الحرمين والغزالي: يمسح على خف الحديد وإن عسر المشي فيه لثقله، وذلك لضعف اللابس، وإن كان يرى ما تحته لصفائه، بخلاف ستر عورته بزجاج يصف ما تحته حيث لا تجوز صلاته لعدم ستر العورة، وكذا عند الحنابلة وعندنا لا يجوز المسح على شيء من ذلك؛ لأن الشرع ورد بالمسح على الخف وهو اسم للمتخذ من الجلد الساتر للكعبين فصاعداً، وما ألحق به من المكعب والجرموق والخفاف المتخذة من [ ... ] على ما ذكره السرخسي، والصحيح عنده إن كانت تحتها أدم يجوز، ذكره في " البحر ". وجنب اغتسل وصب الماء في خفيه فانغسلت رجلاه وارتفعت الجنابة عنها وصحت صلاته وانقضت المدة فغسل رجليه في الخف صح، فلو أحدث بعد هذا لا يلزمه نزع خفيه، بل له أن يمسح عليهما، وقال الشافعي: ينزع خفيه ثم يلبسهما، ولو دميت رجله في الخف فغسلهما فيه جاز المسح بعده اتفاقا ولا يشترط نزعه، ونسي المسح على الخف ثم خاض ماء جار [ ] الفرض بإصابة البلة ظاهر الخف، ولا يصير الماء مستعملاً عند أبي يوسف، وقال محمد: يصير
[المسح على الجرموقين]
ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره، بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر؛ لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخف ليس برافع، ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الإقامة نزع؛ لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها؛ لأن هذه مدة الإقامة وهو مقيم، ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQمستعملاً ولا يجزئه عن المسح إذا كان الماء قليلاً غير جار. م: (ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره) ش: أي؛ لأن المسح متعلق بالوقت وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، فيعتبر فيه آخر الوقت كالصلاة، فإنها حكم متعلق بالوقت، فاعتبر فيها آخر الوقت في الطهر، والحيض، والإقامة، والسفر، والبلوغ، والإسلام. م: (بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر) ش: يلزمه غسل رجليه م: (لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخف ليس برافع) ش: بل هو مانع في المدة. م: (ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الإقامة نزع؛ لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها؛ لأن هذا مدة الإقامة) ش: وهي يوم وليلة مدة الإقامة م: (وهو مقيم) ش: أي والحال أنه مقيم فيتمها. [المسح على الجرموقين] م: (ومن لبس الجرموق فوق الخف) ش: يعني قبل أن يحدث لبس الجرموق على الخف، والجرموق ما يلبس فوق الخف وساقه أقصر من الخف، ويقال وهو معرب عن يرموق م: (مسح عليه) ش: عندنا، وبه قال الثوري، والحسن، وأحمد، وداود، وجمهور العلماء، قال أبو حامد: هو قول العلماء كافة. وقال المزني: لا أعلم بين العلماء خلافا في جوازه، حكاه عنهما النووي في " شرح المهذب "، وهو قول الشافعي في القديم، وإلا فلا، وقال في الجديد: لا يجوز المسح عليه إلا إذا لبسه وحده بلا خف. م: (خلاف للشافعي) ش: وبه قال مالك في رواية، وفي " شرح الوجيز " هذا لا يخلو عن أربعة أحوال، أحدها: أن يكون يمسح الأسفل بحيث لا يمسح على الخف أو بخرق الأعلى يمسح عليه، فالمسح على الأعلى والأسفل كاللفافة. الثانية: أن يكون على العكس من ذلك، فيمسح على الأسفل القوي وما فوقه كخرقة، فلو مسح الأعلى فوصل البلل إليه، فإن قصد المسح على الأسفل أو عليهما جاز، وإن قصد الأعلى فقط لم يجز، وإن لم يقصد شيئاً فوجهان والأظهر الجواز. والثالثة: أن لا يكون واحد منهما بحيث يمسح فلا يخفى بعذر المسح. والرابعة: أن يكون كل منهما بحيث يمسح عليه، فهل يجوز المسح على الأعلى فيه قولان، في
فإنه يقول: البدل لا يكون له بدل، ولنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على الجرموقين ـــــــــــــــــــــــــــــQالقديم: يجوز، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، وهو اختيار المزني، وفي الجديد: لا يجوز، وهو أشهر الروايتين عن مالك. م: (فإنه يقول) ش: أي فإن الشافعي يقول م: (البدل لا يكون له بدل) ش: يعني الشرع ورد بالمسح على الخفين بدلاً عن غسل الرجلين، فلو جوز المسح عليهما أقامها مقام الخف، والخف لا يكون له بدل. م: (ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجرموقين فوق الخف» ش: هذا الحديث رواه بلال، وأنس، وأبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث بلال فأخرجه أبو داود من حديث أبي عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالاً عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «كان يخرج يقضي حاجة فآتيه بالماء فيتوضأ، ثم يمسح على عمامته وموقيه» ، رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والطبراني في " معجمه " من حديث شريح بن هانئ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «زعم بلال أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الخفين والخمار» ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " من حديث أبي إدريس الخولاني عن بلال «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الموقين والخمار» . وأما حديث أنس فرواه البيهقي من حديث عاصم الأحول عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الموقين والخمار» . وأما حديث أبي ذر فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث عبد الله بن الصامت «عن أبي ذر قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الموقين والخمار.» وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": قد اختلفت عبارتهم في تفسير الموق فقال ابن سيده: الموق ضرب من الخفاف، والجمع أمواق، عربي صحيح، وحكى الأزهري عن الليث كذلك، وقال الفراء الموق: الخف، فارسي معرب، وكذا قال الهروي: الموق الخف، وقال الخطابي أيضاً: الموق نوع من الخف معروف وساقه إلى القصر، وقال النووي: أجاب أصحابنا عن الحديث أن
ولأنه تبع للخف استعمالا وغرضا ـــــــــــــــــــــــــــــQالموق هو الخف لا الجرموق لأوجه، الأول: لأنه اسمه عند أهل اللسان. الثاني: أنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مسح على جرموقه. الثالث: أن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين فينقد لبسه. الرابع: أن الحاجة لا تدعو إليه في الغالب فلا تتعلق به الرخصة. قال السروجي ما ملخصه: إن قوله الموق وهو الخف لا الجرموق غير مستقيم؛ لأن الجوهري والمطرزي والعكبري قالوا: إن الجرموق والموق يلبسان فوق الخف، فعلم أن الموق والجرموق متغايران وغير الخف، فبطل قوله: إن الموق هو الخف: وقال أبو البقاء وأبو نصر البغدادي: إن الموق هو الجرموق يلبس فوق الخف، فصار معنى قوله: إن الموق هو الخف لا الجرموق، وهذا ظاهر الفساد. وقوله: إنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان له جرموقان من صوف، والإثبات مقدم عليه. وقوله: إن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين ممنوع، بل يرده في الشتاء الشديد. وقوله: فإن الحاجة ما تدعو إليه إلخ يناقض مذهبهم في رخصة المسح عند عدم غلبة الحاجة، فعند عدم الحاجة أولى، وقد أثبتوها في هذه الأشياء عند عدم الحاجة، وهذا ظاهر بين ليس لهم معه كلام. وقال الصنعاني في " العباب ": الجرموق الذي يلبس فوق الخف، ثم قال في باب الميم: الموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب، وهو تقريب مؤكد. وقال الليث: الموقان ضرب من الخفاف يجمع أمواق. قلت: إذا ثبت أن الجرموق غير الخف، وأن الموق هو الجرموق يكون استدلال المصنف ببلال وغيره الذي ذكره مستقيماً، وإذا ثبت أن الموق هو الخف على ما ذكره الفراء والهروي وكراع يكون استدلاله بالحديث المذكور غير مستقيم، ولهذا قال الأترازي: ولنا ما روي في " المبسوط «عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجرموقين» ولم يذكر ما يذكره المصنف، ولكن قال النووي: لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مسح على جرموق. والجواب الذي ذكره السروجي على هذا غير مستقيم على ما لا يخفى، ولكن روى محمد في كتاب " الآثار " قال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يمسح على الجرموقين. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجرموق م: (تبع للخف استعمالاً وغرضاً) ش: أي من حيث الاستعمال ومن حيث الغرض، أما الاستعمال فمن حيث المشي والقيام والقعود والانخفاض والارتفاع، فإنه أين ما دار الخف يدور معه، فكان تبعاً للخف في الاستعمال. وأما الغرض من لبسه فإنه يلبس صيانة للخف عن الخرق والأقذار، كما أن الخف وقاية للرجل.
[المسح على الجوربين]
فصارا كخف ذي طاقين وهو بدل عن الرجل لا عن الخف، بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره، ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصلح بدلا عن الرجل إلا أن تنفذ البلة إلى الخف. ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فصارا كخف ذي طاقين) ش: أي فصار الخف من هاتين الجهتين كخف ذي طاقين ثم نزع أحد طاقيه، أو كان الخف شعراً فمح عليه ثم حلق الشعر فإنه لا يجب إعادة المسح. قلت: لما كانت تبعية في الاستعمال والغرض لم يكن بالأصالة، فإذا زال بالنزع زالت التبعية وحل الحدث بما تحته فيجب إعادة المسح. وأما طاقا الخف فلشدة اتصال أحدهما بالآخر كانا كالشعر مع البشرة، وقد تقدم أنه إذا مسح على الرأس ثم حلقه لا يجب عليه إعادة المسح. م: (وهو) ش: أي الجرموق م: (بدل عن الرجل لا عن الخف) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: البدل لا يكون له بدل، وهو أن يقال: لا نسلم أنه بدل عن الخف، وإنما هو بدل عن الرجل كالخف لم ينعقد فيه حكم المسح بعد. فإن قلت: لا نسلم، أليس أنه لو نزع الجرموقين يلزمه المسح على الخفين، ولا يجب غسل القدمين، ولو كان الجرموق بدلاً عن الخف لوجب غسل القدمين عند نزعهما كما في نزع الخفين. قلت: عدم سريان الحدث إلى الرجل لا؛ لأن الجرموق كان بدلاً عن الخف، بل لأن الخف لم يكن محلاً للمسح بعد نزع الجرموقين. وقيل: حلول الحدث على الخف لا يصير محلاً، فإذا لم يكن محلاً لم يكن الجرموق بدلاً عنه. م: (بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره) ش: وهو الجرموق فلا يمسح عليه. م: (ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصح بدلاً عن الرجل) ش: إذا لم يمكن تتابع المشي عليه م: (إلا أن تنفذ البلة إلى الخلف لرقته) ش: فيكون المسح عليه كالمسح على الخف. [المسح على الجوربين] م: (ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الجورب يتخذ من جلد يلتبس في القدم إلى الساق لا على هيئة الخف، بل هو لبس فارسي معرب وجمعه جواربة، وفي " الصحاح ": ويقال جوارب أيضاً. قلت: (الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول، يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب. وفي " المنافع ": وجورب مجلد إذا وضع
إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين. وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين لا يشفان ـــــــــــــــــــــــــــــQالجلد على أعلاه وأسفله، والمنعل هو الذي وضع جلد على أسفله كالنعل للقدم. وفي " الصحاح ": أنعلت خفي ودابتي وفعل فعلت. وفي " المغرب ": أنعل الخف ونعله جعل له نعلاً، والنعل في الجورب يكون إلى الكعب، وقيل: مقدار القدمين. والمسح على الجوربين في ثلاثة أوجه: في وجه يجوز بالاتفاق، وهو ما إذا كانا ثخينين منعلين. وفي وجه: لا يجوز بالاتفاق، وهو أن لا يكونا ثخينين ولا منعلين. وفي وجه: لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه خلافاً لصاحبيه، وهو أن يكونا ثخينين غير منعلين. م: (إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين) ش: بضم الميم وسكون النون من أنعلت كما ذكرنا، وقيل: بالتشديد. م: (وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين) ش: ما تقوم على الساق من غير أن يشد بشيء م: (لا يشفان) ش: بفتح الياء آخر الحروف وكسر الشين المعجمة من شف الثوب إذا وصف ما تحته، من باب ضرب يضرب، والذي يقول: ها هنا لا ينشفان من نشف الثوب العرق، وهو من باب علم يعلم خطأ لا يعتمد عليه، وهذه الجملة في محل النصب إما على الحالية من ثخينين وإما على الوصفية، وإنما ذكرها تأكيداً للثخانية، وقولهما قول الجمهور من الصحابة كعلي بن أبي طالب، وأبي مسعود البدري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأبي أمامة البلوي، وعمر، وابنه، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن عمرو بن حريث، وسعيد، وبلال، وعمار بن ياسر، فهؤلاء الصحابة لا يعرف لهم مخالف، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والأعمش، وسعيد بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأحمد، وكره ذلك مجاهد، وعمرو بن دينار، والحسن ابن مسلم، ومالك، والأوزاعي. وقال: الشافعي: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكون صفيقا منعلاً، نص عليه في " الأم "، وفي " الحلية "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي. وبقولهما قال أحمد، وداود. وفي " الأسرار ": وقال الناطفي: لا يجوز على الكل. وفي " شرح الوجيز ": لا يجوز المسح على اللفائف والجورب المتخذة من اللبد والصوف؛ لأنه لا يمكن المشي عليهما، وكذا على الجوارب المتخذة من الجلد التي تكسر مع الكعب وهي الجوارب الصوفية، لا يجوز حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها، يعتبر قعود [ ... ] أو التجليد للقدمين والنعل على الأسفل والإلصاق بالكعب، وحكى بعضهم أنها كانت معقودة صفيقة، ففي اشتراط تجليد القدمين قولان. وكره مالك والأوزاعي المسح على الجوربين من [ ] والرقيق من غزل أو شعر بلا خلاف، ولو كان ثخيناً بحيث يمشي به فرسخاً فصاعداً كجوارب أهل بدر فعلى الخلاف، وكذا الجورب من جلد رقيق
لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مسح على جوربيه» . ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى الخلاف، ويجوز على الجوارب اللبدية، ويجوز على الجورب المشقوق على ظهر القدم، ولو ازداد كخروق الخف يشد عليه فيستره؛ لأنه كغير المشقوق، وإن ظهر من ظهر القدم شيء فهو كلخف الدوراني الذي يعتاده سفهاء زماننا، فإن كان مجلداً يستر جلده الكعب يجوز وإلا فلا. وفي " شرح الوجيز ": الخف المتخذة من الخشب أو الحديد إذا كانت رقيقاً يمكن المشي عليه ويجوز وإلا فلا. وفي " الوسيط ": يجوز المسح على الخف منه وإن عسر المشي عليه، وفي المتخذ من الذهب والفضة قولان. م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على جوربيه» ش: هذا الحديث روي عن المغيرة، وأبي موسي، وبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وأما حديث المغيرة بن شعبة فروي من طريق أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال النسائي في " سننه الكبرى ": لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفين» . وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: إنه حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين. وقال النووي: كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي، مع أن الجرح مقدم على التعديل، قال: واتفق الحفاظ على تضعيفه، ولا يقبل قول الترمذي: إنه حسن صحيح. وذكر البيهقي في " سننه " أن أبا محمد يحيى بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت مسلم بن الحجاج وضعف هذا الحديث. وقال: أبو قيس الأودي، وهذيل بن شرحبيل لا يحتملان، وخصوصاً مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الحديث عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين. قلت: قال في " الإمام " أبو قيس: اسمه عبد الرحمن بن مروان، احتج به البخاري في " صحيحه " ووثقه ابن معين، وقال الجعفي: ثقة ثبت، وهذيل وثقه العجلي، وأخرج لهما البخاري في " صحيحه "، ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة، بل رويا أمراً زائداً على ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان، ولهذا لما أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان والترمذي، فإذا كان كذلك كيف يقبل قول النووي في حق الترمذي: ولا يقبل قول الترمذي في أنه حسن صحيح، فإذا طعن في الترمذي في تصحيحه هذا الحديث فكيف يؤخذ بتصحيحه في غيره. وأما البيهقي فإنه نقل ما قاله واعتمد عليه من غير رواية؛ لأنه ادعى في هذا الحديث المخالفة للأئمة الحملة، وقد قلنا: إنه ليس فيه مخالفة، بل أمر زائد مستقل، فلا يكابر في هذه الأسانيد متعصب. وأما حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن ماجه في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن عيسى ابن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبي موسى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» . فإن قلت: هذا الحديث لم يذكره ابن عساكر في " الأطراف " فلذلك قال الزيلعي: لم أجده في نسختي. قلت: عزاه ابن الجوزي في " التحقيق " لابن ماجه، وكذا ذكر في " الإمام " أنه لابن ماجه، ويمكن أن يكون ساقطاً من بعض النسخ. فإن قلت: قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل ولا بالقوي، وقال البيهقي: والضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان لا يحتج به. قلت: قال عبد الغني في " الكمال ": الضحاك بن عبد الرحمن سمع أباه، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وعيسى بن سنان، قال يحيى بن معين: إنه ثقة. وأما حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطبراني في " معجمه " من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين والجوربين» واحتج الأترازي لهما بحديث أبي موسى ولم ينسبه إلى أحد، وكذا الأكمل ثم قال: على أن أبا داود طعن فيه، وقال: ليس بالمتصل ولا بالقوي، ولم أر أحداً منهم يشد مذهبه بكلام يرد خصمه رداً قطعياً، ولا تكلم في حال حديث حين يذكره للاحتجاج، غاية قولهم: ويروى افترى ونحو ذلك، وليس فيه نفع ولا نفيع.
[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]
ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا، وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء فأشبه الخف. وله أنه ليس في معنى الخف؛ لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منعلا، وهو محمل الحديث، وعنه أنه رجع إلى قولهما وعليه الفتوى. ولا يجوز المسح على العمامة ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا، وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء، فأشبه الخف) ش: فيلحق به في الحكم. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الجورب م: (ليس في معنى الخف) ش: لأنه لا يمكن قطع مسافة السفر به، وهو معنى قوله: م: (لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان) ش: أي الجورب م: (منعلاً) ش: وقد مر تفسيره م: (وهو محمل الحديث) ش: أي كون الجورب منعلاً وهو محمل الحديث الذي رواه أبو موسى وغيره، وأراد بهذا الكلام الجواب عن هذا الحديث الذي احتجا به؛ لأنه يقول: إن المسح على الخف ورد على خلاف القياس؛ لأن النص يقتضي الغسل فلا يلحق به غيره، إلا ما كان في معناه من كل وجه، فثبت بدلالة النص لا بالقياس، فلو لم يكن المنعل مراداً في حديث أبي موسى وغيره يكون زيادة على النص بخبر الواحد، وذا لا يجوز، كذا في " الكافي ". م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (أنه رجع إلى قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وهو أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لأصحابه: فعلت ما كنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه إلى قولهم، كذا قال في " المبسوط "، ونقله الأكمل في شرحه وفيه نظر لا يخفى، وقد صرح بعضهم أنه رجع إلى قولهما قبل موته بسبعة أيام، وفي " فتاوى الكرخي ": ثلاثة أيام. م: (وعليه الفتوى) ش: أي وعلى قولهما الفتوى، أو على الذي رجع إليه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفتوى. [المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما] م: (ولا يجوز المسح على العمامة) ش: أراد اقتصار المسح عليها، وهو قول الجمهور حكاه الخطابي وقال ابن المنذر: حكي عن عروة بن الزبير، والشعبي، والنخعى، والقاسم، ومالك، وحكاه غيره عن علي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " الحلية ": ويستحب لمن على رأسه عمامة لا يريد نزعها أن يمسح على ناصيته ويتمم المسح على العمامة، فإن اقتصر على مسحها لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، انتهى. وقالت طائفة بجواز الاقتصار على العمامة، قاله الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، ومحمد بن جرير، وداود، وقال ابن المنذر: مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وبه قال عمر، وأنس بن مالك، وأبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وروي عن سعد بن أبي وقاص، وأبي الدراء، وعمر ابن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة، والأوزاعي، وشرط بعضهم أن يلبسها على طهارة، وهو مذهب أحمد فإنه شرط أن يكون قد تعمم على طهر. وفي " النهاية " قال بعض
[المسح على الجبائر]
والقلنسوة والبرقع والقفازين؛ لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء والرخصة لدفع الحرج، ويجوز المسح على الجبائر ـــــــــــــــــــــــــــــQأصحاب الحديث والشافعي في قول بجواز المسح عليها م: (والقلنسوة) ش: «لحديث بلال أنه قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على عمامته وخفيه» وجاء في حديث ثوبان «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعث سرية وأمرهم أن يمسحوا على المساود والتساخين» والمساود: العمائم، والتساخين: الخفاف، ولأنه لو سجد على كور عمامته يجوز، فكذا المسح. قلت: حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه البخاري، وحديث ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه أبو داود بأسانيد جيدة، ذكره النووي، ورواه أيضاً الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، قوله: المساود، وقوله: التساخين، قيل: لا واحد لها من لفظها، وقيل: واحدها سخان وسخن، والتاء فيها زائدة، وقيل: أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما. والجواب عن هذين الحديثين وأمثالهما «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقتصر على مسح بعض الرأس» فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها. وحديث المغيرة بن شعبة كالمقر له، وهو أنه وصف وضوءه ثم قال: «ومسح بناصيته وعلى عمامته» فدخل مسح الناصية بالعمامة ووقع أداء من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس، وصارت العمامة تبعاً له كما روي «أنه مسح أسفل الخف وأعلاه» وكان الواجب في ذلك مسح أعلاه، وصار مسح أسفله كالتبع له، والأصل أن الله تعالى فرض المسح، وحديث ثوبان ونحوه يحتمل التأويل فلا يترك الأصل المقيد وجوبه بالأحاديث المتحملة للقلنسوة. م: (والبرقع) ش: بضم الباء الموحدة. وقال الجوهري: البرقع والبرقع بضم القاف وفتحها النقاب تلبسه نساء الأعراب، وكذا البرقوع م: (والقفازين) ش: تثنية قفاز بضم القاف وتشديد الفاء. وقال النسفي: القفاز تلبسه النساء في أيديهن لتغطية الكف والأصابع، وقال غيره: القفاز شيء يعمل لليدين يحشى بالقطن وله أزرار تزر على الساعدين من البرد، تلبسه المرأة في يديها. قلت: ومنه الذي يلبسه الصيادون في أكفهم حين يحملون الطيور م: (لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء) ش: بخلاف الخف م: (والرخصة لرفع الحرج) ش: يعني الرخصة التي في مسح الخف كانت لرفع الحرج في نزع هذه، وجمهور العلماء ممن عرف بالفقه على عدم جواز المسح على هذه الأشياء، إلا ما ذكره الجلال عن أبي موسى أنه مسح على قلنسوته، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: إن شاء مسح على رأسه، وإن شاء على قلنسوته، قال ذلك بأسانيد صحاح. [المسح على الجبائر] [حكم المسح على الجبائر] م: (ويجوز المسح على الجبائر) ش: جمع جبيرة، وهي العيدان التي تجبر بها العظام، ويقال: الجبيرة، والجبائر بكسر الجيم أعواد ونحوها تربط على الكسر ونحوه لتضم بعض العضو إلى
وإن شدها على غير وضوء ـــــــــــــــــــــــــــــQبعضه ليلتحم م: (وإن شدها على غير وضوء) ش: كلمة إن بالكسر واصلة بما قبلها، وذلك لأنها إنما تربط حالة الضرورة، واشتراط الطهارة في ذلك يفضي إلى الحرج فلا يعتبر، وفي " المحيط ": لو ترك المسح على الجبائر والمسح يضر جاز، وإن لم يضر لم يجزه، ولا تجوز صلاته عندهما، ولم نجد في الأصل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل عنده يجوز تركه، والصحيح أنه واجب وليس بفرض عنده حتى تجوز صلاته بدونه، وذكر في " منية المصلي " عن أبي حنيفة روايتين. وقال أبو علي النسفي: إنما يجوز المسح على الجبيرة إذا كان يضر المسح على القرحة، أما إذا قدر على المسح عليهما لا يجوز على الجبيرة، كما لو قدر على غسلها، وعلى هذا عصابة المفصد، وفي " المستصفى " الخلاف في المجروح، وفي المكسور: يجب المسح اتفاقاً. وفي " جوامع الفقه ": وقد صح رجوعه إلى قولهما فيه، وفي " تجريد القدوري ": الصحيح من مذهبه أن المسح على الجبيرة ليس بفرض. وفي " المحيط ": إذا زادت الجبيرة على رأس الجرح، أو جاوز رباط الفصد موضع الجراحة إن كان حل الخرقة وغسل ما تحتها يضرها لجراحة يمسح على الكل تبعاً، وإن كان المسح والحل لا يضر بالجرح لا يجزئه مسح الخرقة، بل يغسل ما حول الجراحة. ويمسح عليها لا على الخرقة، وإن كان يضر المسح ولا يضر الحل يمسح على الخرقة التي على رأس الجرح ويغسل حواليها وتحت الخرقة الزائدة، ولو انكسر ظفره فجعل عليه دواء أو علكاً ويضر نزعه مسح عليه، وإن ضره المسح تركه، ذكره الكرخي. وقيل: لا يجوز تركه؛ لأنه لا يضره عادة، إن العادة تمنع شرب الماء. وفي " منية المصلي ": في أعضائه شقوق يمر الماء عليها إن قدر، وإلا غسل ما حولها، ولو أدخل في أصبعه مرارة ومسح عليها عن محمد أنه يجوز بغير كراهة، وإن كانت بها بول شاة قيل: ينبغي أن يكون قول أبي يوسف كذلك للتداوي به. وعند أبي حنيفة: يكره بخلاف الخرقة النجسة. وفي " الحلية ": وضعها على طهر، لو ضرها مسح على جميعها في أظهر الوجهين، وهل يجب ضم التيمم إليه؟ فيه قولان: أحدهما: لا يضم إليه، ويصلي به ما شاء من الفرائض. والثاني: يضم إليه ويتيمم لكل فرض، وهل يجب الإعادة بعد البرء فيه قولان، أحدهما: لا يجب، وهو قول أبي حنيفة، واختاره المزني، ولو وضعها على غير طهر وخاف من نزعها مسح عليها وأعاد قولاً واحداً، وقيل: فيه قولان وليس بشيء. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا تعتبر الطهارة في مسحها ووضعها ولا يصلي ولا يعيد، وبه قال مالك، ولو زادت الجبائر أو عصابة الفصد على الجرح يجزئه المسح على خرقة المفتصد دون عصابته، وقيل: إن أمكنه شد العصابة بنفسه لم يجز.
لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك) ش: أي فعل المسح الجبيرة، ولم أر أحداً من الشراح المشهورين تعرض لهذا، غير أن الأكمل قال: والأصل في ذلك ما قال في الكتاب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل وأمر علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واكتفى بهذا الكلام ومضى. قلت: فيه حديثان مرفوعان، أحدهما: أخرجه الدارقطني في " سننه " من حديث ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الجبائر» وفي سنده أبو عمارة محمد بن أحمد، قال الدارقطني: هو ضعيف جداً، ولا يصح هذا الحديث مرفوعا. والحديث الآخر أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لما رماه ابن قميئة يوم أحد رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ حل عصابته ومسح عليها بالوضوء» وذكر الشيخ جمال الدين الحضرمي في " خير مطلوب ": أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح وجهه يوم أحد فداواه بعظم بال فعصب عليه، فكان يمسح على العصابة. وقال السروجي: وما رأيته في كتب الحديث. قلت: مداواته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعظم بال وجهه يوم أحد ذكره أهل السير. وقال أبو سليمان حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني إبراهيم بن محمد، حدثني أبي عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوى وجهه يوم أحد بعظم بال.» والحديث غريب، وأبو أمامة هذا اسمه أسعد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وورد في رواية للبخاري «أن فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها فأمسك الدم (وأمر) أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أي بالمسح على الجبيرة.» قال الأترازي: والأصل في جواز المسح على الجبيرة ما روي «أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كسرت يده يوم أحد فسقط اللواء منها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجعلوه في يساره، فإنه صاحب اللواء في الدنيا والآخرة " فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصنع بالجبائر فقال: " امسح عليها» رواه الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: هذا الحديث لا أصل له، والذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو انكسار إحدى زنديه، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالمسح على الجبائر، وهو أيضاً غير صحيح، رواه ابن ماجه في " سننه "
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمن حديث عمرو بن خالد، «عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: انكسرت إحدى زندي فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرني أن أمسح على الجبائر» وأخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في " سننهما "، قال الدارقطني: وعمرو بن خالد الواسطي: متروك. وقال البيهقي: وقد تابع عمرو بن خالد عليه ابن موسى بن دحية، فرواه عن زيد بن علي مثله، وابن دحية: متروك، منسوب إلى الوضع. وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عن آبائه، فقال: هذا حديث باطل لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث، وقال ابن القطان في " كتابه ": قال إسحاق بن راهويه: عمرو بن خالد: كان يضع الحديث. قال ابن معين: كذاب غير ثقة ولا مأمون، وروى العقيلي هذا الحديث في ضعفائه وأعله بعمرو بن خالد وقال: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ونقل تكذيبه عن جماعة. وقال السروجي: وجه وجوب المسح على الجبيرة ما أخرجه ابن ماجه عن زيد بن علي إلى آخره، فيه: «كسرت إحدى زندي يوم أحد» ... إلى آخره، ثم قال: وفي " المغرب ": «وكسرت إحدى زندي؛» لأن الزند مذكر، وذكر في " المبسوط " و " خير مطلوب ": والبادي يوم خيبر كما ذكره في " المغرب "، وصوابه يوم أحد كما ذكره ابن ماجه، وهكذا ذكره في " المحيط ". قلت: لأن هذا جواب ولا زال الحديث ليس له أصل كما ذكرنا. والعجب من السروجي كيف رضي بهذا الذي قاله مع ابتاعه الأحاديث التي لها أصل في الصحاح أو الحسان. وكان يمكن للأترازي وغيره من الشراح أن يقول: الأصل في هذا الباب حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن الزبير بن خريق، عن عطاء، «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خرجنا في سفرة فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم، فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بذلك فقال: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب (شك موسى) على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» .
وأمر عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به، ولأن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف، فكان أولى بشرع المسح، ويكتفى بالمسح على أكثرها، ذكره الحسن، ولا يتوقت لعدم التوقيف بالتوقيت. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال البيهقي في " المعرفة ": هذا الحديث أصح ما روي في هذا الباب مع اختلاف في إسناده، والزبير بن خريق بضم الزاء في الزبير وضم الخاء المعجمة في خريق، والعي: بكسر العين المهملة، وتشديد الياء: الجهل. قوله: بمعنى يعصبه، وفي الحديث: دليل على جواز المسح على الجبائر بعد تعصيبها [و] يغسل بعضها. فإن قلت: قال الخطابي في القصة: إنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافياً دون الآخر. وقال أصحاب الرأي: إن كان أقل أعضائه مجروحاً جمع بين الماء والتيمم، وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده. قلت: لم يأمر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن يجمع بين التيمم والغسل، وإنما بين أن الجنب المجروح له أن يتيمم ويمسح على الجراحة ويغسل سائر بدنه، فيحمل قوله: يتيمم ويمسح، على ما إذا كان أكثر بدنه جريحاً، ويحمل قوله: ويغسل سائر جسده إذا كان أكثر بدنه صحيحاً، وعليه قوله: ويغسل سائر جسده إذا كان أكثر بدنه جريحاً، ويمسح على الجراحة، وأما نقل الخطابي مذهبنا على هذا الوجه فغلط غير صحيح، بل المذهب ما ذكرناه، وليس عندنا الجمع بين التراب والماء. م: (ولأن الحرج فيه) ش: أي في نزع الجبيرة م: (فوق الحرج في نزع الخف) ش: لأنه يتضرر في ذلك دون نزع الخف م: (فكان أولى بشرع المسح) ش: أي فكان مسح الجبيرة أولى من مسح الخف في المشروعية م: (ويكتفى بالمسح على أكثرها) ش: أي على أكثر الجبيرة. وفي نسخة الأترازي: أي على أكثره ثم تكلف، وقال: يذكر الضمير على تأويل المجبور أو المذكور. قلت: قوله: على تأويل المجبور غير صحيح، لأن المجبور هو صاحب الجبيرة، وليس المراد الاكتفاء بالمسح على أكثر صاحب الجبيرة، وإنما المراد الاكتفاء بمسح أكثر الجبيرة. م: (وذكره الحسن) ش: ابن زياد، فإنه ذكر في " إملائه " أنه إذا مسح على الأكثر أجزأه، وإن مسح على النصف لا يجزئه. وفي " السروجي ": والغرض فيه الاستيعاب، وقيل الأكثر. قلت: لم يذكر في ظاهر الرواية إلا الاكتفاء بالبعض دون البعض، وذكر في كتاب " الصلاة ": قال الحسن: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا مسح على العصابة فعليه أن يمسح على موضع الجرح وعلى جميع العصابة أو على الأكثر. وفي " الكافي ": الصحيح ما ذكره الحسن لئلا يؤدي إلى عامة الجراحة. م: (ولا يتوقت) ش: أي المسح على الجبيرة ليس له وقت معلوم م: (لعدم التوقيف بالتوقيت) ش: يعني لعدم سماعه شيئاً في الوقت حيث لم يرد فيه أثر ولا
وإن سقطت الجبيرة عن غير برء لا يبطل المسح؛ لأن العذر قائم والمسح عليها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً. وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر، وإن كان في الصلاة استقبل؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل. والله أعلم ـــــــــــــــــــــــــــــQخبر، فيمسح إلى وقت البرء بخلاف مسح الخف، فإنه مؤقت بالحديث، وبين مسح الجبيرة ومسح الخف فرق من وجوه: الأول: هذا المذكور. الثاني: أن مسح الجبيرة يجوز وإن شدها بلا وضوء، ومسح الخف لا يجوز إذا لبسه قبل غسل الرجل. والثالث: أن سقوط الجبيرة لا عن برء لا يبطل المسح، ونزع الخف يبطل المسح، فوجب غسل الرجل. م: (وإن سقطت الجبيرة عن غير برء) ش: بضم الباء أي عن غير صحة م: (لا يبطل المسح؛ لأن العذر قائم) ش: فيعمل المرخص عمله م: (والمسح عليها) ش: أي على الجبيرة م: (كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً، وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر) ش: فلا يزول المسح وإن زال الممسوح، كما لو مسح رأسه ثم حلق شعره بخلاف الخف؛ لأنه مانع لا لعلة العذر. وفي " المجتبى ": المسح على الجبيرة كالغسل لما تحتها بخلاف المسح على الخف، وفائدته تظهر في عشر مسائل: الثلاثة الأولى كما ذكرناها. والرابعة: إذا مسح ثم شد عليها أخرى أو عصابة جاز المسح على العليا. الخامسة: مسح على الجبائر في الرجلين ثم لبس الخفين ثم يمسح عليهما. السادسة: الاستيعاب في المسح عليهما أو أكثرها شرط على اختلاف الروايتين. السابعة: إذا أدخل الماء تحت الجبائر أو العصابة لا يبطل المسح. الثامنة: أنه لا يشترط الشد في جميع الروايات فيه. التاسعة: من التثليث فيه عند البعض إذا لم يكن على الرأس. العاشرة: إذا كان الباقي أقل من ثلاث أصابع اليد كاليد المقطوعة أو الرجل جاز المسح عليها بخلاف المسح على الخف. م: (وإن كان) ش: أي سقوط الجبيرة م: (في الصلاة استقبل؛ لأنه قدر على الأصل) ش: وهو المسح على الخفين م: (قبل حصول المقصود بالبدل) ش: وهو مسح الجبيرة، فصار كالمتيمم يجد الماء في خلال صلاته فإنه يصليها لذلك. وذكر في " الزيادات ": أن مسح الجبيرة كالغسل لما تحتها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوليس ببدل مبدل، والمسح على الخفين بدل عن الغسل، ولهذا لا يمسح على الخفين في إحدى الرجلين ويغسل الرجل الأخرى؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين الأصل والبدل، ولو مسح على الخف في الأخرى يكون جمعاً بينهما فلا يجوز، ويجب غسلها، فثبت أن المسح على الجبيرة ما دام العذر باقياً أفضل، وهو أصل لا بدل. وأورد مسألة التحري إذا ظهر الخطأ فيه لا يستقبل مع أن جهة التحري بدل عن جهة الكعبة. وأجيب بأن ذلك بعلامة النسخ لما قبلة أن أصله كان بطريق النسخ فبقي في حق التحري كذلك، والنسخ يظهر في حق القائم لا في حق الغائب فلذلك يبني، ولا يستقبل، والله أعلم بالصواب.
[باب الحيض والاستحاضة]
باب الحيض والاستحاضة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب الحيض والاستحاضة] [تعريف الحيض وأركانه] م: (باب الحيض والاستحاضة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحيض وأحكام الاستحاضة وارتفاعه، على أنه خبر مبتدأ محذوف كما ذكرنا، ويجوز أن ينتصب على تقدير خذ باب الحيض. والباب النوع والكتاب يشتمل على الأنواع. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الخف مسقط لركن الوضوء إذ هو رخصة إسقاط، والحيض مسقط لجميع أركانه، والجزء مقدم ومسقط كذلك، وقيل: لأنه في بيان الطهارة أصلاً وخلفاً، والتيمم خلف الكل، والمسح خلف من البعض، فأخر الحيض؛ لأنه مسقط. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لما فرغ من بيان أحكام الطهارة من الأحداث أصلاً وخلفاً، شرع في بيان الطهارة عن الأنجاس، وقدم الحيض لاختصاصه بأحكام على حدة، أو لكثرة مناسبته بالأحداث من حيث حرمة الصلاة وقراءة القرآن ودخول المسجد وغير ذلك. وقال السغناقي ما حاصله: إن الأحق بالتقديم ما يكثر وقوعه وهو الحدث الأصغر والأكبر، فلذلك قدم ذكرهما مع متعلقاتهما، ثم رتب عليه ما يقل وقوعه بالنسبة إلى ذلك وهو الحيض والنفاس، والحيض لما كان أكثر وقوعاً من النفاس قدمه عليه، لا يقال: كان الأولى تأخير باب الحيض؛ لأنه بين الطهارة عن الأحداث فيحتاج إلى بيان الطهارة عن الأنجاس، ثم يرتب عليه باب الحيض باعتبار أنه طهارة من الأنجاس؛ لأنا نقول: إن حكم الحيض حكم الجنابة، فينبغي ذكره في طهارة الأحداث دون الأنجاس. فإن قلت: يصح تسمية النجاسة باعتبار أن الدم نجس مغلظ. قلت: البول والغائط يشاركان في هذا الحكم، فالطهارة عنهما طهارة عن الأحداث، فكذا الطهارة عن الحيض؛ لأن أكثر الأحكام المذكورة في هذا الباب مختصة بالأحداث لا بالأنجاس كحرمة قراءة القرآن والطواف ودخول المسجد وغيرها. فإن قلت: لم لقب هذا الباب بالحيض دون النفاس، وإن كان مشتملاً عليهما، قلت: لأن الحيض حالة معودة بين بنات آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون النفاس [ ... ] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحيض: «هذا شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم» . وقال بعضهم: كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل، رواه البخاري معلقاً. وأخرج
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: «كان الرجل والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعاً، كانت المرأة تستشرف للرجل، فألقى الله تعالى عليهن الحيض ومنعهن من المساجد» وعنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، نحوه. وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن ابتداء الحيض كان على حق حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - بعد أن هبطت من الجنة» . قلت: هذا أقرب وأوجه؛ لأن الطبري روى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وغيره: أن قَوْله تَعَالَى في قصة إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] (هود: الآية 71) ، أي حاضت، والقصة في سورة بني إسرائيل بلا ريب. ثم الكلام فيه في عشرة مواضع في: تفسيره لغة، وشرعاً، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، وحكمه. أما تفسيره لغة: فقال صاحب " الدراية ": الدم الخارج، يقال: حاضت السمرة وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم، ويقال حاضت الأرنب إذا خرج منها شيء كالدم، وقال الأترازي: الحيض في اللغة: خروج الدم، يقال: حاضت الأرنب إذا خرج منها الدم. وقال الأكمل: الحيض في اللغة الدم الخارج، ومنه حاضت الأرنب، وكذلك قال السغناقي وتاج الشريعة. قلت: ليس كذلك، بل الحيض في اللغة عبارة عن السيلان، سواء كان دماً أو ماء أو نحوهما، يقال: حاض السيل والوادي، وحاض المشجون إذا قذف شيئاً أحمر يشبه الدم. وفي " المبسوط ": حاضت السمرة: إذا خرج منا الصمغ الأحمر، قال عمار بن عقيل: حالت حضاهن الذراري وحيضت ... عليهن حيضات السيول الطواحم وقال الصاغاني: التحييض التسييل، ثم أنشد هذا البيت. والطواحم جمع طاحمة من طحمة السيل، وهي دفعة ومعظمه كذلك طحمة الليل. ويقال: حاضت الأرنب وحاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً، وعن اللحياني: حاض وحاض وحاض وجاز كلها بمعنى، وفي " المغرب ": المحيض موضع الحيض، وهو الفرج. قلت: يتصرف منه العد والموضع والزمان والهيئة، وكلها وردت في ألفاظ الحديث. والمرأة حائض، وفي اللغة الفصيحة الثابتة بغير تاء، واختلف النحاة في ذلك، فقال الخليل: لما لم تكن جائزة على الفعل كان منزلة المنسوب عنده بمعنى حائض، أي ذات حيض، كذارع وتامر وطامس ولابن، وكذا طالق وطامث وقاعد للآية: أي ذات طلاق، بمعنى أن الطلاق ثابت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفيها. وقال السروجي يرد عليه قَوْله تَعَالَى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] (الحاقة: الآية 21) قالوا: بمعنى ذات رضا وقد أتى بالتاء. قلت: راضية بمعنى مرضية فلا يرد، ومذهب سيبويه أن ذلك معنى مذكور [ ... ] أو شخص حائض وطامث وطامس وطالق، ونظيره غلام نصفة وربعة على تأويل نفس، لكنه لا يطرد؛ لأنه مقصور على السماع، ومذهب الكوفيين أنه استغنى عن علامة التأنيث؛ لأنه مخصوص بالمؤنث و [ ... ] نحو حاضت المرأة فهي حائضة، وأرضعت فهي مرضعة. وللحائض عشرة أسماء: الحائض، والطامث، والطامس، والدارس، والعارك، والضاحك، والفارك، والكابر. وقال النووي: الكبر والمصبر والنافس والطامث بالثاء المثلثة والطاء، بالهمزة في آخره، ونساء حيض وحوائض، والحيض بالفتح: المرأة، وبالكسر اسم للدم والخرقة التي تستر بها المرأة والحالة، وفي " تهذيب " النووي: إذا أقبلت الحيضة. قال الخطابي: قال المحدثون بالفتح، وهو خطأ، والصواب بالكسر؛ لأن المراد بها الحالة، ورده القاضي عياض وآخرون وقالوا: الأظهر الفتح؛ لأن المراد إذا أقبل الحيض. وأما تفسيره شرعاً، فقال صاحب " البدائع ": وهو عبارة عن الدم الخارج من الرحم، وهو موضع الجماع والولادة، لا يعقب ولادة مقداراً في وقت معلوم. وقال أبو منصور الأزهري: الحيض دم ينفض رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة من معدن الرحم. وقال ابن عرفة: الحيض اجتماع الدم، ومنه الحوض يجتمع فيه الماء. وقال السروجي: هذا حده لفظاً ومعنى؛ لأن الحيض من السيلان دون الاجتماع، وهو من معتل العين بالياء دون الواو. قلت: أخطأه المخطئ؛ لأن العرب تدخل الواو على الياء، والياء على الواو؛ لأنهما من حد واحد وهو الهواء. قال الأزهري: ومنه قيل للحوض حوض؛ لأن الماء يحيض إليه أي يسيل. وقال الكرخي: الحيض دم تصير به المرأة بالغة بابتداء خروجه. وقال صاحب " الدراية ": هو دم ممتد خارج عن موضع مخصوص وهو القبل. وقال الفضلي: هو دم ينفضه رحم المرأة السليمة من الداء والصغر، ومنه أخذ صاحب " الكافي ". قوله: رحم المرأة: احترز عن الرعاف والدماء الخارجة من الجراحات ودم الاستحاضة؛ لأنها دم عرق لا دم رحم. وقوله: السليمة من الداء احتراز عن النفاس، فإن النفاس في حكم المريضة حتى اعتبرت تبرعاتها من الثلث، وقوله: والصغر احتراز عن دم تراه الصغيرة قبل بلوغها بتسع سنين فإنه لا يعتبر في الشرع. فإن قلت: ما تراه الصغيرة ليس بدم رحم ظاهراً، وقد خرج ذلك بقوله: ينقضه رحم امرأة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: دم ولكنه فاسد، والذي يخرج من رحم المرأة ليس بفاسد. فإن قلت: الذي تراه الصغيرة استحاضة، فلذلك احترز بقوله: والصغر. قلت: لا يقال له: استحاضة؛ لأنها لا تكون إلا على أثر حيض على صفة لا يكون حيضاً، فلذلك قلنا: إنه دم فاسد. وأما سبب الحيض في الابتداء، فقيل: إن أمنا حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - لما تناولت من شجرة الخلد ابتلاها الله بذلك وبقي في بناتها إلى يوم القيامة. وأما ركنه: فامتداد دور الدم؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء، والحيض يقوم به. وأما شرطه: فتقدم نصاب الطهر حقيقة وحكماً وفراغ الرحم عن الحبل. وأما قدره: فنوعان الأقل والأكثر، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. وأما ألوانه: فسيجيء إن شاء الله تعالى عند قوله: وما تراه المرأة.. إلى آخره، وقدم الكمية على الكيفية؛ لأن الكمية: عبارة عن المقدار في الذات، والكيفية راجعة إلى الصفة، والذات مقدمة على الصفة. وأما بيان أوانه: فقد اختلف في مدة الحكم ببلوغها، فقال بعضهم: ست سنين، وقيل: سبع سنين. وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ وهو [قول] الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال أبو علي الدقاق: اثنتا عشرة سنة اعتباراً للعادة في زماننا، كذا في " المحيط ". واختلف في زمان الإياس، فقيل: ستون سنة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المولدات ستون سنة، وفي الروميات خمس وخمسون سنة، وقيل: أقرابها من قرابتها، وقيل: يعتبر تركيبها لاختلاف الطبائع باختلاف البلدان، وعن أحمد خمسون سنة في العجمية وستون في العربية. وقال الصاغاني: ستون سنة، وقيل: لم يقدر بشيء، فإذا غلب على ظنها الإياس فاعتدت بالشهور، ولو رأت دماً في أثناء الشهور وانقضى ما مضى من عدتها وبعد تمامها لا تبطل وهو المختار، وعند الأكثر: خمس وخمسون سنة، والفتوى في زماننا عليه، وهو قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وسفيان الثوري، وابن المبارك، ومحمد بن مقاتل الرازي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه أخذ نصر بن يحيي، وأبو الليث السمرقندي، والمصنف لم يذكر الوقت، وابتدأ الباب ببيان المقدار، ثم باللون، ثم بالحكم.
[مدة الحيض]
أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الاستحاضة فهو استفعال من الحيض، يقال: استحاضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة. وفي الشرع: اسم لما نقص عن أقل الحيض أو زاد على أكثره. فإن قلت: ما وجه بناء الفعل للفاعل في الحيض والمفعول في الاستحاضة. قلت: لما كان الأول معتاداً ومعروفا بني إليها، والثاني: لما كان نادراً غير معروف الوقت، وكان منسوباً إلى الشيطان، كما ذكرنا أنها ركضة من الشيطان بني لما لم يسم فاعله. فإن قلت: ما هذه السين فيه؟ قلت: يجوز أن تكون للتحول كما في استحجر الطين، ويعني أيضاً تحول دم الحيض إلى غير دمه وهو دم الاستحاضة [مدة الحيض] [أقل الحيض] م: (أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها) ش: أي أقل مدة الحيض، وإنما قيدنا هذا؛ لأن الأقل والأكثر بعض المضاف إليه، والثلاثة هي الأيام، والأيام ليست حيضاً فلا بد من التقدير ونظيره: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) أي مدة الحج أو زمانه أو وقته، ويجوز رفع ثلاثة أيام ونصبها، أما الرفع فلكونها خبر المبتدأ، وأما النصب على الظرف. ثم اعلم أن ظاهر الرواية هو الذي ذكره المصنف، وبه قال الثوري، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ثلاثة أيام وما يتخللها من الليالي، وهو الليلتان، ذكره في " المبسوط "، وقال في " الينابيع ": يريد بقوله: لياليها ليال تقع في بعض هذه الأيام، ولا يريد الثلاث ليال مقدرة لتقديره بثلاثة أيام، فعلى هذا قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو رأت في أول اليوم غدوة دما وانقطع ثم رأته في اليوم الثاني ساعة، ثم رأته في اليوم الثالث ثم انقطع بالعشي، هذا حيض كله. ثم اعلم أن كون الدم يمتد إلى ثلاثة أيام بحيث لا ينقطع ساعة حتى يكون حيضاً غير شرط؛ لأن ذلك لا يكون إلا نادراً بل انقطاع ساعة أو ساعتين فصاعداً غير مبطل للحيض، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في التقدير بيوم وليلة، وفي " الحلية ": أقل الحيض يوم، وقال في موضع آخر: يوم وليلة، فمن أصحابنا من قال: فيه قولان، ومنهم من قال قولاً واحداً يوم وليلة، وهو قول أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو الأظهر، ونص عليه الشافعي وتفرع عليه أحكام الحيض. ومنهم من قال: يوماً قولاً واحداً وهو قول داود. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا حد لأقله في العبادات، وروى عنه ابن وهب: أن أقله في العدة والاستبراء خمسة أيام بلياليها، وقال محمد بن جرير الطبري: أجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضاً كأنه لم يتصوره، بخلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: أقله دفعة، وقالت: طائفة: ليس لأقله ولا لأكثره حد بالأيام، بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة.
فما نقص من ذلك فهو استحاضة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فما نقص من ذلك) ش: أي من أقل الحيض الذي هو ثلاثة أيام ولياليها م: (فهو) ش: أي الناقص م: (استحاضة) ش: عندنا ولو بساعة، وعليه الفتوى، قاله الصدر الشهيد؛ لأن الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع انتظمت ببيان أنها من التوالي، فنقصان ساعة منها تنفي الحيض كما ذكرنا م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها» ش: هذا الحديث روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -[وعن بعض] من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الأول: حديث أبي أمامة رواه الطبراني في " معجمه ". والدارقطني في " سننه " من حديث حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء بن كثير، عن مكحول، عن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة، وأكثر ما يكون عشرة أيام، فإذا زاد فهي مستحاضة» . الثاني: حديث واثلة بن الأسقع رواه الدارقطني في " سننه " من حديث حماد بن المنهال البصري، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» . الثالث: حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن محمد بن سعيد الشامي، حدثني عبد الرحمن بن غنم، سمعت معاذ بن جبل يقول: إنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا حيض دون ثلاثة أيام، ولا حيض فوق عشرة أيام، فما زاد على ذلك فهي مستحاضة تتوضأ لكل صلاة إلا أيام أقرائها، ولا نفاس دون أسبوعين، ولا نفاس فوق أربعين يوماً، فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت وصلت، ولا يأتيها زوجها إلا بعد أربعين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرابع: حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من حديث أبي داود النخعي، حدثني أبو طوالة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» . الخامس: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة، فإذا جاوز العشر فهي مستحاضة» . السادس: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذكره ابن الجوزي في " التحقيق " قال: وروى حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أكثر الحيض عشر وأقله ثلاث» . فإن قلت: هذه الأحاديث كلها ضعيفة فلا يصح الاحتجاج بها، ففي حديث أبي أمامة: عبد الملك مجهول، والعلاء بن كثير ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة، قاله الدارقطني. وفي حديث واثلة: حماد بن المنهال، قال الطبراني: مجهول، وفيه محمد بن راشد، قال ابن حبان: كثير المناكير في روايته فاستحق الترك، وفي سنده أيضاً محمد بن أحمد بن أنس ضعيف. وفي حديث معاذ: محمد بن سعيد، فالبخاري، وابن معين، والثوري قالوا: إنه يضع الحديث. وفي حديث الخدري: أبو داود والنخعي، واسمه: سليمان، قال ابن حبان: كان سليمان يضع الحديث، وقال أحمد: كان كذاباً، وقال البخاري: هو معروف بالكذب. وفي حديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأنس: الحسن بن دينار، وقال ابن عدي: إن جميع من تكلم في الرجال أجمع على ضعفه. وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حسين بن علون، قال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه، كذبه أحمد ويحيى بن معين. قلت: أجاب القدوري في " التجريد " أن ظاهر الإسلام يكفي لعدالة الراوي ما لم يوجد فيه قادح، وضعف الراوي لا يقدح إلا أن تقوى جهة الضعف، وقد ذكر النووي في " شرح المهذب " أن الحديث إذا روي من طرق ومفرداتها ضعيفة يحتج به. وقال الدارقطني: مكحول لم يسمع أبا أمامة، غير مسلم؛ لأنه أدرك أبا أمامة وسمع في عصره، وإذا روى عنه فالظاهر السماع؛ فإن الشرط عند مسلم إمكان اللقي، ولو ثبت إرساله فالمرسل حجة عندنا. فإن قلت: قال أحمد: أخبرتني امرأة ثقة أنها تحيض سبعة عشر. وقال ابن المنذر: بلغني عن نساء الماجشون أنهن يحضن سبعة عشرة يوماً، وكذا حكى عنهن أحمد، وروى إسحاق بن راهويه أن امرأة من نساء الماجشون كانت تحيض عشرين، وعن ميمون بن مهران أن زوجته بنت سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كانت تحيض شهرين من السنة. وقال يزيد بن هارون: عندي امرأة تحيض يومين، وعن عبد الرحمن بن مهدي: كانت امرأة يقال لها: أم العلاء، تقول: حيضتي من أيام الدهر يومان. قال النووي: روينا ذلك بإسناد صحيح. قلت: [ذكر] مالك ما حكي عن نساء الماجشون، وقال إسحاق: كنت أرى ما زاد على خمسة عشر صحيحاً، وما ذكر عن إسحاق ويزيد بن هارون أنكره أبو بكر بن إسحاق الفقيه، على أنا نقول: قد شهد لمذهبنا عدة أحاديث من عدة عن الصحابة من طرق مختلفة كثيرة [يشد] بعضها بعضاً، وإن كان كل واحد ضعيفاً، لكن يحدث عند الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد، على أن بعض طرقها صحيحة، وذلك يكفي للاحتجاج؛ خصوصاً في المقدرات، والعمل به أولى من العمل بالبلاغات، والحكايات المروية عن نساء مجهولة، ولا يجوز ترك الحجة بغير الحجة، ولأنا لو فتحنا باب اتساع وجود الدم في كل ما يحدث يظهر الخطأ والاضطراب، ونحن مع هذا لا نكتفي بما ذكرنا، بل نقوي ما ذهبنا إليه بالآثار المنقولة عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه البيهقي من حديث الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك أنه قال: قرء المرأة، أو قال: حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى ينتهي إلى عشرة، فتزاد في رواية، ثم تغتسل وتصوم وتصلي، وزاد غيره: فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة. قال في " الإمام ": هذا مشهور برواية جعد عن أنس مرفوعاً، رواه جماعة من الأكابر منهم:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسفيان الثوري، وبه أخرجه الدارقطني من رواية وكيع، وأبي أحمد الزبيري عن الثوري، ففي رواية أبي أحمد: أدنى الحيض ثلاثة وأقضاه عشرة. وقال وكيع: الحيض ثلاثة إلى عشرة، فما زاد فهو استحاضة. ومنهم حماد بن زيد، ولفظه عن أنس: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر. ومنهم إسماعيل بن إبراهيم [ ... ] يكنى أبا بشر، مولى أنس بن خزيمة، بصري ثقة، ينسب إلى أمه علية، ذكر ذلك في " العلم المشهور ". ومنهم: هشام بن حسان وسعيد، أخرجه الدارقطني، ولفظه: الحائض تنتظر ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، فإذا جاوزت فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، فإن البيهقي ذكر تضعيفه عن جماعة. وقال ابن عدي: لم ير للجعد حديثاً منكراً جداً، وقد جاء لحديثه متابعات من سواهن، منها ما أخرجه الدارقطني من حديث الربيع بن صبيح بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة عمن سمع أنساً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: لا يكون الحيض أكثر من عشر، والربيع هذا وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بأس به رجل صالح. وقال شعبة: هو من سادات المسلمين. فإن قلت: قولهم: " عمن سمع أنساً ": مجهول. قلت: هو معاوية بن قرة، صرح بذلك عبد الرزاق في " مصنفه "، وله طريقان آخران عن أنس أحدهما: أخرجه الدارقطني، والآخر أخرجه البيهقي، وروي أيضاً عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني، وروي أيضاً عن عثمان بن أبي العاص أخرجه الدارقطني أنه قال: الحائض إذا جاوزت عشرة أيام فهي بمنزلة الاستحاضة تغتسل وتصلي. قال البيهقي: هذا الأثر لا بأس بإسناده. وحديث آخر رواه العقيلي عن معاذ بن جبل: لا حيض أقل من ثلاثة ولا فوق عشرة، وهو من حديث محمد بن الحسن الصدفي، وفي " الإمام ": عن جعفر بن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض ثلاث، وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضين خمسة عشر يوماً» وذكر أبو بكر الخطيب بسنده إلى يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال القدروي: وقد روي مثل قولنا عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا يعرف لقولهم مخالف، فوجب تقليدهم، أو نقول: إن ما لا يدل عليه القياس يحمل فيه قول الصحابي على أنه قاله سماعاً، فكأنه رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولنا وجه آخر من هذا الباب احتج به الطحاوي، الثلاث والعشر، وهو «حديث أم سلمة أنها سألت عن المرأة تهرق الدم، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " تنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمن الشهر، فلتترك قدر ذلك من الشهر، ثم تغتسل وتصلي» فأجابها بذكر عدد الليالي والأيام من غير مسألة لها عن مقدار حيضها قبل ذلك، وأكثر ما يتناوله الأيام عشرة وأقله ثلاثة. قلت: روى هذا الحديث أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث سليمان بن يسار عنها. قال النووي: إسناده على شرطهما. وقال البيهقي: هو حديث مشهور، إلا أن سليمان لم يسمعه منها، وفي رواية لأبي داود عن سليمان أن رجلاً أخبره عن أم سلمة، والدارقطني عن سليمان: أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت فأمرت أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وقال المنذري: لم يسمعه سليمان، وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع، عن سليمان بن يسار عنها، وساقه الدارقطني من حديث جويرية عن نافع عن سليمان، أنه حدثه رجل عنهما. قوله: تهراق على صيغة المجهول في الرواية والدم منصوب، وفي رواية: الدماء، أي تهراق هي الدماء فينصب الدماء على التمييز، وإن كان معرفة وله نظام، ويجوز رفع الدماء على تقدير تهراق دماءها وتكون الألف واللام بدلان عن الإضافة. وقوله: " لتنظر عدد الليالي والأيام "، أي تحتسب عدد الليالي والأيام التي تحيض فيها قبل أن يصيبها الذي أصابها وهو الاستحاضة فلتترك الصلاة قدر ذلك أي قدر ما كنت تراه قبل ذلك، مثلاً إن كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام، إما من أولها وإما من أوسطها وإما من آخرها تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر فغير ذلك. فإن قلت: من أين كانت تحفظ هذه المرأة عدد أيامها التي كانت تحيضها أيام الصحة. قلت: ولم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر» ، قبل أن يصيبها الذي أصابها معنى لا يجوز، يردها إلى رأيها ونظرها في أمر هي غير عارفة بكنهه. فإن قلت: كيف الأمر فيمن لم تحفظ عدد أيامها. قلت: هذه مسألة مشهور في الفروع، وهي أنه يجب من كل شهر عشرة أيام حيضها، ويكون الباقي استحاضة، واحتج الأترازي لأصحابنا بما احتج به أبو بكر الرازي في " شرح مختصر الطحاوي " على تقدير أقل الحيض وأكثره، فقال: والأصل فيه ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لفاطمة بنت أبي حبيش «دعي الصلاة أيام محيضك» وفي بعض الألفاظ: أيام أقرائك من كل شهر، وقال: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، وأقل ما يتناوله اسم الأيام ثلاثة أيام.
[أكثر الحيض]
وأكثره عشرة أيام، وهو قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير بيوم وليلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يومان، والأكثر من اليوم الثالث إقامة للأكثر مقام الكل، فقلنا: هذا نقص عن تقدير الشرع، وأكثره عشرة أيام، والزائد استحاضة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أكثر الحيض] م: (وأكثره عشرة أيام) ش: فقد أفادنا هذا الخبر مقدار الأقل والأكثر؛ لأن ما دون الثلاثة لا يسمى أياماً، ونقول ثلاثة إلى عشرة، ثم نقول أحد عشر يوماً، انتهى كلامه. قلت: لم يبين من راوي هذا الحديث من الصحابة، ومن أخرجه من أهل الحديث، ورواه أبو داود والنسائي من «حديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدم فقال: " إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري وصلي ما بين القرء إلى القرء» . ورواه النسائي من حديث الزهري، عن عمرة من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن أم حبيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانت مستحاضة، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها» ورواه ابن حبان من طريق هشام عن أبيه عنها نحوه. ورواه البيهقي موقوفاً، والطبراني في " الصغير " مرفوعاً من طريق قمير بن أبي مسروق عنها وزاد: «إلى مثل أيام أقرائها» . م: (وهو قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المذكور في الحديث المذكور قول أنس بن مالك، وليس هذا في كثير من النسخ، وقد ذكرناه عن قريب مفصلاً. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي في التقدير بيوم وليلة) ش: وعلى مالك أيضاً فيماً ذهب إليه من أن الدفعة حيض، وعلى أبي يوسف أيضاً فيما ذهب إليه من أن أقله يومان والأكثر من اليوم الثالث، ولكنه رواية عنه أشار المصنف إليه بقوله م: (وعن أبي يوسف أنه يومان والأكثر من اليوم الثالث إقامة الأكثر مقام الكل) ش: بضم الميم وإقامة نصب على أنه مفعول مطلق، والتقدير أقمنا إقامة أو أقيمت إقامة. م: (قلنا هذا نقص عن تقدير الشرع) ش: هذا جواب عما ذهب إليه أبو يوسف، تقديره: أن الشرع نص على عدد معين فلا يجوز تغييره، فلو جاز النقص فيه لجاز في إقامة اليومين مقام الثلاثة؛ لأنها أكثرها ولأن العدد بعد النص عليه، يعتبر عليه كما له، كأعداد الركعات وأيام الصيام وغيره أي يومين لمراعاة نص العدد. م: (وأكثره) ش: أي أكثر الحيض م: (عشرة أيام والزائد) ش: على العشرة م: (استحاضة) ش:
لما روينا وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير بخمسة عشر يوما ـــــــــــــــــــــــــــــQفتجري فيه أحكام الاستحاضة م: (لما روينا) ش: والمصنف لم يرو الحديث ولا يشير لأحد من الصحابة، وإنما ذكره م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير) ش: أي في تقدير أكثر الحيض م: (بخمسة عشر يوماً) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية، وأبو يوسف أيضاً في رواية، وأبو حنيفة أولاً، وداود، وأظهر الروايات عن أحمد: أنه سبعة عشر يوماً، وهو رواية عن مالك. وعنه: لا حد لقليله ولا لكثيره، ولم يذكر المصنف حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا حجة مالك. وأما حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن وافقه فهو حديث رووه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تمكث إحداكن شطر عمرها أو دهر لا تصلي» وقال الشطر: النصف، فدل على أن أكثره خمسة عشر يوماً. قلت: ذكر السغناقي هذا الحديث ولفظه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نقصان دين المرأة: " تقعد «إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» ، وذكره الأترازي فقال قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أقدر على سلب عقول ذوي الألباب، قيل: يا رسول الله! ما نقصان عقلهن ودينهن؟ فقال: أما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين شهادة رجل، وأما نقصان دينهن: فلأن إحداهن تمكث شطر عمرها لا تصلي» فعلم بهذا أن أكثر الحيض مقدر بخمسة عشر يوماً. وقال ابن منده: لا يثبت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجه من الوجوه، وقال ابن الجوزي: هذا لا يعرف. وقال النووي: هذا حديث باطل لا يعرف. وقال البيهقي في كتاب " المعرفة ": والذي يذكره بعض فقهائنا من قعودها شطر عمرها أو دهرها لا تصلي، قد طلبت كثراً فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسناداً بحال، فهذا الحديث لم يثبت، وإنما الثابت من " الصحيحين " حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قال: وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان، فهذا نقصان الدين» والعجب من الأترازي يذكر هذا الحديث ويرضى به ويسكت، مع ادعائه أن له يداً في الحديث، ولم يكن له فيه غير قوله: لا نسلم أن مكث إحداهن شطر عمرها يدل على ما قلتم، بل المكث بهذه الصفة حاصل فيما قلنا، ألا ترى أن المرأة إذا بلغت بخمسة عشر سنة ثم حاضت من كل شهر عشرة أيام ثم ماتت بعد ستين سنة تكون تاركة الصلاة نصف عمرها لا محالة. وقال السغناقي في جوابه: المراد ليس حقيقة الشطر؛ لأن في عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس، ولا يختص في شيء من ذلك، فعرفنا أن المراد به ما يقارب الشطر حيضاً، وإذا قدرنا بالعشرة بهذه الآثار فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضاً. وأما حجة مالك فإنه يقول: الكتاب
ثم الزائد والناقص استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به، وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض فهو حيض ـــــــــــــــــــــــــــــQمطلق عن التقييد بالزمان وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 22) ، والتقييد ينافي الإطلاع، والجواب عنه أن الذي استدل به مجمل يحتاج إلى البيان، فالأحاديث المذكورة إجمالاً. م: (ثم الزائد) ش: على العشرة م: (والناقص) ش: عن الثلاثة م: (استحاضة؛ لأن تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به) ش: أي غير تقدير الشرع بتقدير الشرع؛ لأن العقل لا ابتداء له في المقادير، ويقال: إن الدم الزائد والناقص إما أن يكون دم حيض، أو نفاس، أو استحاضة، فانتفى الأولان فتعين الثالث. ثم اعلم أن هذه الأيام والليالي المقدرة في أقل الحيض والمرأة تعتبر بالساعات حتى لو رأت وقد طلع نصف قرص الشمس وانقطع في الرابع وقد طلع دون نصفه فليس بحيض فتتوضأ وتقضي الصلوات، ولو طلع تمام القرص تغتسل ولا تقضي، وكذا لو رأت معتادة بخمسة وقد طلع نصف الشمس وانقطع في الحادي عشر وقد طلع أكثرها اغتسلت وقضت صلوات خمسة أيام وإلا فلا. وقال أبو إسحاق الحفاظ: هذا في أقل الحيض وأقل الطهر، وفيما سواها إن كانت المرأة أنها طهرت في الحادي عشر حد بها بعشرة وفي العاشرة سبعة وفي الطهر مثله، وما كان يتعرض للساعات وعليه الفتوى. م: (وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض) ش: بضم الكاف وهي التي لونها كلون الماء الكدر في أيام الحيض م: (فهو حيض) ش: ارتفاع حيض على أنه خبر ما الموصولة أعني الألوان التي ذكرناها في أول الباب الموعود بذكره والألوان ستة: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية، وهي التي على لون التراب وهي نوع من الكدرة فحكمها حكم الكدرة وهي بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء وبكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف. وقال التربية: نسبة إلى الترب، والتراب والترب بضم التاء وهو التراب، وقيل: التاء بدل من الواو من لفظة ورأ؛ لأنها من لفظة ترى بعد الحيض. وقيل: هي تربية على وزن تفعله من برئي بفتح الباء وسكون الراء وكسر الهمزة وفتح الياء آخر الحروف، وقيل: فعلية ذكره الفراء. وقيل: تربة بتشديد الراء وتخفيفها مع الإدغام، وفي " قاضي خان ": الربية على وزن البرية. وذكر " المغرب " هي الرية؛ لأنها على لونها. فإن قلت: لم يذكر السواد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: لا إشكال في كونه حيضاً، واستدل به صاحب " الدراية " ثم الأكمل في ذلك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دم الحيض أسود غليظ محترم» ، وذكره الأترازي أيضاً ولم بين أحد منهم راويه من هو، ولا مخرجه من هو. قلت: هذا روي من وجوه مختلفة، فروى أبو داود من حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما ذلك عرق» . وأخرجه النسائي أيضاً وزاد بعضهم فيه: و «أنه له رائحة» بعد قوله: " تعرف "، وليس كذلك بقولهما ودفع الشافعية تبعاً للنهاية بعد قوله: فإنما هو عرق انقطع، وأنكر ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة قوله: " انقطع " وليس كذلك فإنه موجود في " سنن " الدارقطني والحاكم، والبيهقي، من طريق ابن أبي مليكة: جاءت خالتي فاطمة بنت حبيش إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فذكر الحديث، وفيه: «فإنما هو داء عرض، أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع» . وذكر الشافعية في صفته الأسود؛ لأنه محترم وليس له أصل، بل وقع في " تاريخ " العقيلي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دم الحيض أحمر قاني، ودم الاستحاضة كغسالة اللحم، ووقعت الصفة المذكورة في كلام الشافعي في " الأم "، وذكروا أيضاً في صفته أنه أحمر سرق وليس له أصل، ولكن روى الدارقطني، والبيهقي، والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً: «دم الحيض أسود خاثر تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة أسود رقيق» ، وفي رواية: «دم الحيض لا يكون إلا أسود غليظا تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة دم رقيق تعلوه صفرة» ، وذكر صاحب " المحيط " حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفيه: «ليست بالحيضة، إنما هي ركضة من الشيطان، أو عرق عند، أو داء اعترض» . قلت: قوله: " عرق عند "، ليس في كتب الحديث، وقوله: " أو داء اعترض " ذكره الدارقطني، ووقع في الطحاوي: «ولكن عرق فتقه إبليس» ، وذكر أصحابنا في الحديث «عرق انفجر» ، وهذا ذكره الشيخ تقي الدين في " شرح العمدة "، والذي وقع في البخاري ومسلم: «فإنما هو عرق» أي دم عرق، وهذا العرق يسمى العاذل. وفي " المبسوط ": قالت فاطمة بنت قيس لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أستحاض فلا أطهر، هذا وهم، وليست هي فاطمة بنت قيس، وإنما هي فاطمة بنت أبي حبيش كما مر آنفا، وفاطمة بنت قيس هي التي بت طلاقها زوجها، وقالت: لم يجعل لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفقة ولا سكنى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقوله: محترم: بالحاء المهملة، قال الجوهري: احترام الدم اشتدت حمرته حتى يسود، وفسره الأكمل بقوله: أي طري شديد الحمرة إلى السواد. قلت: قوله: طري ليس له دخل تفسيره. قوله: " أو عرق عند " بفتح العين المهملة وكسر النون، ويقال له: العاذل أيضاً من عند العرق سال، ولم يرقأ. والعاذل: بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة، وسئل ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن دم الاستحاضة فقال: ذاك العاذل يغذ وتستشفر بثوب ولتصل. وقوله: يعذر أي يسيل. وأما الحمرة فهو اللون الأصلي للدم إلا عند غلبة السوداء يضرب إلى سواد. وعند غلبة الصفرة يضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن افتصد. وأما الصفرة فهي من ألوان الدم إذا رق، وقيل: هي كصفرة البيض أو كصفرة القز. وفي " قاضي خان ": الصفرة تكون كلون السبر أو لون التين. وفي " المجتبى ": وهذه الثلاثة أعني الأسود والأحمر والأصفر حيض. وعن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: السواد والحمرة والصفرة حيض. وفي " مبسوط أبي بكر " عن أبي منصور الماتريدي: لو اعتادت أن ترى أيام طهرها صفرة وأيام حيضها حمرة فحكم صفرتها حكم الطهر بدلالة الحال. وقيل: إنما اعتبر ذلك في صفرة عليها بياض ولها حكم الطهر على قول أكثر المشايخ، وعن أبي بكر الإسكاف: إن كانت الصفرة على لون البقم فهي حيض وإلا فلا، والمنقول عن الشافعي في " مختصر المزني ": الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، واختلف أصحابه في ذلك على ستة أوجه الصحيح المشهور ما قاله ابن شريح، وأبو إسحاق، المروزي، وجماعة من المتقدمين، أو من المتأخرين أن الصفرة والكدرة في زمان الإمكان، وهو خمسة عشر يوماً يكونان حيضاً سواء كانت مبتدأة أو معتادة خالف عادتها أو وافقها كما لو كان أسود أو أحمر وانقطع بخمسة عشر. الثاني: قول الإصطخري أن الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض وإن رأتهما مبتدأة أو معتادة في غير أيام العادة. قلت: محيض. الثالث: أبو علي الطبري أنه إن تقدم الصفرة، والكدرة، دم أسود قوي أو أحمر، ولو بعض يوم كان حيضا، وإن لم يتقدم منها شيء لم يكن حيضاً تبعاً للقوي، وإن تقدمها دون يوم وليلة قبلت حيضاً. الخامس: حكاه ابن كج إن تقدمها دم قوي كانت حيضاً وإلا كانت استحاضة. السادس: حكاه السرخسي إن تقدمها دم قوي يوم وليلة ولحقها دم قوي يوماً وليلة كانت حيضاً وإلا فلا.
حتى ترى البياض خالصا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تكون الكدرة من الحيض إلا بعد الدم؛ لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، ولهما ما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضا ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الكدرة فهي حيض عند أبي حنيفة ومحمد سواء رأت في أول أيامها أو آخرها. وأما الخضرة فقال في " البدائع ": اختلف المشايخ فيها، فقال الشيخ الإمام أبو منصور إذا رأتها في أول الحيض يكون حيضا، وإن رأتها في آخر الحيض واتصل بها أيام الحيض لا يكون حيضاً، وجمهور الأصحاب على كونها حيضاً كيفما كان، وفيل: الخضرة مثل الكدرة، وقيل الخضرة، والتربية، والكدرة، والصفرة إنما يكون حيضا على الإطلاق في غير العجائز، وفيهن إن وجدتها على الكرسف شدة وصفة تربية فهي حيض، وإن طالت لم تكن حيضاً؛ لأن أرحام العجائز تكون منتنة فيتغير الماء بطول المكث ودم النفاس كدم الحيض. م: (حتى ترى البياض خالصاً) ش: كلمة حتى للغاية والمعنى أنها تراه الحائض من الألوان المذكورة في أيام الحيض حيض إلى أن تري البياض خالصاً على أنه حال من البياض. م: (وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضاً إلا بعد الدم) ش: يعني إذا رأتها في آخر أيام الحيض، وإذا رأتها في أول أيام الحيض لا تكون حيضاً وبه قال أبو ثور، واختاره ابن المنذر وقال داود: لا تكون الكدرة والصفرة حيضاً بحال. وقال الشافعي: إن كانتا في زمن الإمكان بأن لا يكون أقل من يوم وليلة حيض كما أيام العادة، ونقل ذلك ابن الصباغ صاحب " الشامل " عن ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الكدرة، إنما ذكر الضمير باعتبار الكدر أو باعتبار المذكور م: (لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي) ش: لأن الكدرة من كل شيء يتبع صافيه، فلو جعلت حيضاً ولم يتقدم عليها دم كانت حيضاً مقصودة لا تبعاً. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (ما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضاً) ش: روى مالك عن محمد في " موطئهما " عن علقمة بن أبي علقمة عن أمة مولاة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض فسألتها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعلجن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض. ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر، عن علقمة بن أبي علقمة به سواء، أخرجه
وهذا لا يعرف إلا سماعا ـــــــــــــــــــــــــــــQالبخاري في " صحيحه " تعليقاً، ولفظه: قال: وكن يبعثن إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بالكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. قوله: بالدرجة: بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، مثل حرج حرجة، وترس وترسة، والدرج كالغط الصغير، تضع فيه المرأة حق متاعها وطيبها، وقيل: إنما هي الدرجة، وبالضم تأنيث درج، وجمعها الدرجة بضم الدال. والكرسف بضم الكاف، قال ابن الأثير: هو القطن، وقال غيره: الكرسف خرقة أو قطنة ونحو ذلك تدخله المرأة فرجها لتعرف هل بقي شيء من أثر الحيض أم لا، ويستحب أن تكون مطيبة بالمسك أو الغالية لتدفع رائحة دمها، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لامرأة استحيضت: «خذي فرصة ممسكة» ، والفرصة بضم الفاء قطعة من صوف أو قطن أو خرقة، والممسكة المطيبة بالمسك، وفي رواية عن بعضهم حكاه أبو داود: قرصة، بالقاف، أي شيئاً يسيراً مثل القرصة بطرف الأصبعين، وحكي عن أبي قتيبة، قرضة بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة من القرض هو القطع، والقصة بفتح القاف، وتشديد الصاد المهملة الجصة يشبة الرطوبة الصافية بعد الحيض بالجص، وقيل: القصة شيء يشبه الخيط الأبيض يخرج من قبل النساء في آخرهن أيامهن تكون علامة طهرهن، وقيل: ماء أبيض يخرج في آخر الحيض. وفي " المحيط ": القصة في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الطين الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفر، أرأيت أنها لا تخرج من الحيض حتى ترى البياض الخالص، ويخرج من الطين بالحفوف أيضاً. وفي " المبسوط ": القصة الببلون الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لون إلى الصفرة. قلت: الببلون بفتح الباء الموحدة وسكون الباء الأخيرة وضم اللام وسكون الواو وفي آخره نون وهو الذي يقال له الطفل وهو لغة بلدية. م: (وهذا لا يعرف إلا سماعاً) ش: أي هذا الذي جعلته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لا يعرف إلا من حيث السماع فيحمل على أنها سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن العقل لا يهتدي لمثل هذا، وقال الأترازي: وهذا الذي قلنا مذهب علمائنا. قلت: مقصوده هو الذي قاله لا يهتدي إليه إلا من طريق السماع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذي ذكرنا أجود وأصوب ولا يقال: إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دم الحيض أسود عبيط محترم» يدل على أن هذه الأشياء ليست بحيض وهو أقوى من فعل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فلا يجوز تركه به؛ لأنا نقول: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، وقد عرف في الأصول.
وفم الرحم منكوس فيخرج الكدر أولا كالجرة إذا ثقب أسفلها. وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون حيضا ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وفم الرحم منكوس) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف؛ لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، وتقريره أن يقال: نعم هو كذلك إذا لم يكن المخرج من أسفل، وفم الرحم منكوس: يعني من الأسفل لا من الأعلى، فيخرج الكدر أولاً ثم الصافي كالجرة إذا ثقب أسفلها فإنه يخرج الكدر أولاً، وإن من خاصة الطبيعة أنها تدفع الكدر أولاً كما في الفصد والبول والغائط. قلت: على هذا لو خرج الصافي أولاً ثم الكدر لا ينبغي أن يكون الكدر حيضاً م: (فيخرج الكدر أولاً) ش: نتيجة قوله: وفم الرحم منكوس م: (كالجرة إذا ثقب أسفلها) ش: هذا شبه فم الرحم بالجرة إذا ثقب أي يحسن أسفلها فإنه حينئذ إذا كان فيها شيء من المائعات يخرج من الكدر منها أولاً، والرحم كذلك؛ لأن فيه من أسفل، والتشبيه بالجرة الموضوعة هكذا لا بالجرة المطلقة؛ لأن التشبيه لا يكون إلا في صفة مخصوصة كما في قولك: زيد كالأسد، فإن التشبيه فيه في الشجاعة مطلقاً. واعلم أن للمرأة فرجاً داخلاً، وفرجا خارجا، فالداخل بمنزلة الدبر، والخارج بمنزلة الأليتين، فإذا وضعت الكرسفة في الخارج فابتدأ الجانب الداخل منه كان ذلك حيضاً وإن لم ينفذ إلى الخارج، وإن وضعته في الفرج الداخل فابتدأ منه لم يكن ذلك حيضاً؛ لأنه بمنزلة خصية الذكر وإن نفذت البلة إلى الجانب الخارج، فإن كان الدبر عالياً عمل على رأس الفرج أو محاذيا له يكون حيضاً لظهور البلة، وإن كان منتقلا عنه لم يكن حيضاً وعلى هذا التفصيل إذا حشى الرجل إحليله بقطنة فابتلت، وهذا كله إذا لم يسقط الكرسف، فإن سقط فهو حيض كيف ما كان لظهور البلة، وكذلك الحكم في النفاس. وعن محمد بن سلمة أنه كان يكره للمرأة أن تضع كرسفها في الفرج الداخل؛ لأنه يشبه النكاح بيدها، ولو وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت فنظرت الكرسف فرأت البياض الخالص يلزمها قضاء العشاء؛ لأنا تيقنا بطهرها من حيث وضعت الكرسف، ولو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم أصبحت ووجدت البلة على الكرسف فإنها تجعل حائضاً من أقرب الأوقات، وهو ما بعد الصبح أخذا باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء إن لم تكن صلت. م: (وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء) ش: أي الحيض م: (تكون حيضاً) ش: هذا أحد ألوان الحيض، فلذلك ذكره بكلمة التفصيلية وقد ذكرنا أنا ستة فذكر منها الثلاثة الأولى وهي الحمرة والصفرة والكدرة، وذكر هنا الرابعة وهو الخضرة ولم يذكر اللونين وهما
ويحمل على فساد الغذاء، وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة تحمل على فساد المنبت ـــــــــــــــــــــــــــــQالأسود والتربية. وقال صاحب " الدراية ": وإنما لم يذكر الثلاثة من ألوان الحيض؛ لأن الثلاث متداخلة في الثلاثة المذكورة؛ لأن الحمرة إذا اشتدت صارت سوادء والخضرة قريبة إلى الصفرة، والتربية تكون داخلة في الحمرة إذا رقت الحمرة تضرب إلى التربية. قلت: ليس الأمر كذلك، فإنه ذكر الأربعة وهي الحمرة والصفرة والكدرة والخضرة، وأما الأسود فلأنه أصل في باب الحيض معهود فاستغنى عن ذكره، وأما التربية فإنها نادرة فلذلك تركها. وأما الخضرة فقد اختلف فيها مشايخنا، فمنهم من أنكر وجودها حتى استبعده أبو نصر بن سلام حين سئل عنها فقال: كأنها أكلت فصيلاً. وذكر أبو علي الدقاق: أن الخضرة نوع من الكدرة، وأشار المصنف إلى أن الصحيح من المذهب أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون الخضرة حيضاً. ثم أشار إلى سبب كون الدم أخضر بقوله م: (ويحمل ذلك على فساد الغذاء) ش: يعني يجعل كأنها أكلت غذاء فاسداً ففسد دمها فصار لونه أخضر، ولهذا قال أبو نصر: كأنها أكلت فصيلاً. م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (كبيرة) ش: أي آيسة م: (لا ترى غير الخضرة) ش: لا يكون حيضاً م: (تحمل) ش: ما تراه من الخضرة م: (على فساد المنبت) ش: بفتح الميم وسكون النون وكسر الياء الموحدة وفي آخره تاء مثناة من فوق وهو موضع النبات، والمعنى أنه يحمل الخضرة على أنها لم تكن في الأصل دماً، فإن الدم في الأصل لا يكون أخضر. ثم اعلم أن قوله: وإن كانت كبيرة إشارة إلى الإياس، وإن لم يبين هنا حده، وقد ذكرنا في أول الباب أن الكلام في الحيض فقال أبو نصر بن سلام: ست سنين، وقيل: سبع سنين وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ، وهو قول الشافعي ومحمد، وقال أبو علي الدقاق: ثنتي عشرة سنة اعتباراً للعادة في زماننا، كذا في " المحيط "، وفي البخاري وغيره: قالت: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة، قال ابن تيمية: ورواه القاضي أبو يعلى بإسناده، يعني إذا حاضت، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة، ذكره ابن عدي، وروى الدارقطني عن عباد المهلبي قال: أدركت قبا يعني المهالبة امرأة صارت جدة وهي بنت ثماني عشرة سنة، ولدت تسع سنين بنتا، فولدت بنتها تسع سنين ابنا، وهو محمول على غير مدة الحمل فيهما، وإنما لم يذكر الراوي لنقصها عن السنة واجتماع سنة من الزيادتين لا تمنع قوله صارت جدة في ثماني عشرة سنة لا يحتمل أن تكون بترك الكسرين أو شك في قدره. وقال الأسبيجابي: ابنة لأبي مطيع البلخي صارت جدة في ثماني عشرة سنة وهو بالتفسير الذي تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQواعلم أنه بقي من الأنواع العشرة نوعان: أحدهما وقت ثبوت الحيض والآخر حكمه، والمصنف ذكر حكمه على ما يأتي عن قريب. وأما ثبوته فلا يكون إلا بالبروز، وعن محمد أنها إذا أحست بالبروز يثبت حكم الحيض والنفاس أيضاً إلا بالبروز. وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا توضأت المرأة ووضعت الكرسف ثم أحست أن الدم نزل منها فأدخلت الكرسف قبل غروب الشمس فالصوم تام عند محمد، وعندهم تقضي. ثم البروز إنما يعلم بمجاوزة موضع البكارة اعتباراً بنواقض الوضوء، والاحتشاء يسن للثيب ويستحب للكبر حالة الحيض، وأما في حالة الطهر فيستحب للثيب دون البكر، ولو صلتا بغير كرسف جاز. وفي " المفيد " قيل في بنت سبع سنين يكون ما تراه حيضاً، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرههم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً» والأمر للوجوب، والصحيح أنه استحاضة والأمر للاستحباب ليتمرنوا على الصلاة، ويتخلقوا بها كما يؤمر المراهق بالغسل من الجماع تخلقا به، ولهذا لم يؤمر بوضوئه، بخلاف التسع «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهي بنت تسع سنين» والظاهر أنه كان بعد بلوغها. وفي " الأسبيجابي " عن أبي نصر: بنت ست لو رأت الدم من غير آفة حيض، وما دون الست إجماع أنه ليس بحيض، وبنت ست اتفاق أنه حيض واختلفوا فيما بينهما، وفي " المفيد " الصغيرة جداً لو جعل ذلك منها حيضاً به بالغة وتبقى أهلاً للتكاليف الشرعية، وهي غير صالحة، وفي " المحيط ": ابنة ثنتي عشرة إذا رأت الدم من غير داء فهو حيض عند بعضهم، وفيه الكبيرة العجوز لو رأت الدم في مدة الحيض فهو حيض كما رأته على الدوام كان حيضاً فانقطاعه بينهما لا يمنع حيضاً؛ لأن في إياسها به فمتي عاودها الدم كان حيضاً ولم تكن آيسة لما تبين من عود الدم، وزوجة الخليل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاضت وولدت وهي بنت تسعين سنة أو ثنتي وثمانين، وزوجة زكريا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولدت يحيى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهي بنت ثمان وتسعين سنة، وكذا روي عن ابن عباس - رض الله عنهما. والإياس المبيح للاعتداد بالأشهر: أن لا تري الدم سن لا يحيض في مثله غالباً لا يقينا بدليل قوله: إن ارتبتم. وقال محمد بن مقاتل الرازي قاضي بغداد: حده خمسون سنة وما تراه بعده لا يكون حيضاً، وهو قول أبي عبد الله الزعفران، والثوري، وابن المبارك، واختاره أبو الليث، ونصر بن يحيى، وبه قال أحمد هذا إذا لم يحكم بإياسها، فإن حكم به ثم رأت الدم لا يكون حيضاً، قال في " المحيط ": وهو الصحيح؛ لأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله؛ لأنه يجوز أن يكون الدم بعد ذلك فاسداً، وما نقل كان معجزة فلا يجود إلا على وجه الإعجاز. وقيل: إن رأته سائلاً كما تراه في حيضها فهو حيض، وإن رأت بلة يسيرة لم يكن حيضاً بل يكون ذلك من نتن الرحم. وقيل: إن رأته أسود أو أحمر يكون حيضاً، وأصفر وأخضر لا يكون
[ما يسقطه الحيض من العبادات]
فلا يكون حيضا، والحيض يسقط عن الحائض الصلاة، ويحرم عليها الصوم، ـــــــــــــــــــــــــــــQحيضاً، ولو اختار هذا إنساناً كان حسنا إلا في بطلان الاعتداد بالأشهر، وقيل في حد الإياس تعتبر أقراؤها من قرابتها، وقيل: تركها لاختلاف الطبائع باختلاف البلدات والأهوية والأزمان، ألا ترى أن النعمة تبطئ الإياس، والفقر يسرع به. وعن محمد أنه قدره بستين سنة، وعنه في المولدات ستين سنة، وفي الروميات بخمس وخمسين سنة؛ لأن الروميات أنعم من المولدات فكن أسرع تكسراً من المولدات. وعن أحمد: خمسون في العجمية ستون في العربية. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد خمسين سنة. وقال صاحب " الإمام ": لم أقف على سنده. قلت: قال ابن تيمية: رواه الدارقطني في " مسنده " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وفي " المحيط ": أفتى عامة المشايخ بخمس وخمسين سنة وهو أعدل الأقوال في سائر الأوقات وأقرب العادات، وفي رواية يقدر للإياس مدة، فإذا غلب على ظنها آيسة اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم وفي أثناء الشهور انتقض ما مضى من عدتها وبعد تمامها لا تبطل وهو المختار، ولو أنا لم تحض قط وقد بلغت مبلغاً تحيض أمثالها فيه غالباً يحكم بإياسها. وفي " الجامع الصغير ": إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض يحكم بإياسها. م: (فلا يكون حيضاً) ش: نتيجة قوله: وإن كانت كبيرة ... وإلخ، وفي بعض النسخ: بالواو ولا يكون حيضاً ويكون عطفاً على قوله: يحمل على فساد المنبت. [ما يسقطه الحيض من العبادات] م: (والحيض يسقط) ش: من الإسقاط م: (عن الحائض الصلاة) ش: هذا شروع في بيات حكم الحيض الذي هو من العشرة التي ذكرناها في أول الباب. وقال السغناقي وغيره: أي أحكام الحيض اثنا عشر، وثمانية يشترك فيها الحيض والنفاس، وأربعة مختصة بالحيض دون النفاس. أما الثمانية: فتترك الصلاة لا إلى قضاء، وتترك الصوم إلى قضاء، وحرمة الدخول في المسجد، وحرمة الطواف بالبيت، وحرمة قراءة القرآن، وحرمة مس المصحف، وحرمة جماعها، والثامن: وجوب الغسل عند انقطاع الحيض، وأما الأربعة الخصوصة: فانقضاء العدة والاستبراء والحكم ببلوغها والفصل بين طلاقي السنة والبدعة، فالسبعة الأولى تتعلق بروز الدم عندها وبالإحساس عند محمد، والثامن: وهو الحكم ببلوغها معلق، والأربعة الباقية: تتعلق بانقضائه وهو وجوب الاغتسال مع الثلاثة من الأربعة المخصوصة. [ما يحرم على الحائض] م: (ويحرم عليها) ش: أي على الحائض م: (الصوم) ش: فإن قلت: قال في الصلاة تسقط، وفي الصوم يحرم لماذا من الفائدة. قلت: إنما تسقط في الصلاة على القاضي أبي زيد، فإن عنده نفس الوجوب ثابت على
[ما تقضيه الحائض من العبادات]
وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، «لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانت إحدانا على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة» ولأن في قضاء الصلوات إحراجا لتضاعفها، ولا حرج في قضاء ـــــــــــــــــــــــــــــQالصبي، والمجنون، والحائض لقيام الذمة الصالحة للإيجاب، ولكن يسقط بالعذر، والمسقوط يقتضي سابقة الوجوب، وأما على قول عامة المشايخ: لا يجب فيكون المراد من قوله: فيسقط: يمنع. وأما في الصوم فلم يقل يسقط إشارة إلى أن الصوم يقضى، وهل هو على التراخي أم على الفور؟ ففي " المجتبى " الأصح عند أكثر المشايخ أنه على التراخي، وعند أبي بكر الرازي على الفور، والمبتدأة إذا رأت دماً تركت الصلاة والصوم عند أكثر مشايخ بخارى، وعن أبي حنيفة: لا تترك حتى يستمر الدم ثلاثة أيام. [ما تقضيه الحائض من العبادات] م: (وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) ش: هذا فائدة الإسقاط والتحريم م: «لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانت إحدانا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم " من حديث معاذة بنت عبد الله العدوية بلفظ مسلم، «قالت - يعني معاذة -: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» . وفي رواية البخاري: «لقد كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يأمرنا، أو قالت: فلا نفعله» وفي رواية لمسلم: «قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم لا نؤمر بالقضاء» ولفظ أبي داود «عن معاذة: أن امرأة سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء» وفي رواية «فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» . وفي رواية للترمذي: «كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة» «عن معاذة العدوية أن امرأة سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أتقضي الحائض الصلاة إذا طهرت، فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نتطهر فيأمرنا بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة» . وفي رواية ابن ماجه «عن معاذة العدوية عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن امرأة سألتها أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نطهر ولم يأمرنا بقضاء الصلاة.» قولها: أحرورية أنت؟ الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار، أي هذه طريقة الحرورية،
[ما يحرم على الحائض والجنب]
الصوم ولا تدخل المسجد، وكذا الجنب؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإني لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوبئست الطريقة، والحرورية طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء قرية على ميلين من الكوفة تمد وتقصر، وكان أول اجتماعهم فيها على عهد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقيل: إنها خرجت عن الجماعة وخالفت السنة كما خرج هؤلاء عن جماعة المسلمين، وقيل: كانوا يرون على الحائض قضاء الصلاة وشددوا في ذلك، وكانوا يتعمقون في أمور الدين حتى خرجوا منه، والسائلة أيضاً كأنها تعمقت في سؤالها فكذلك قالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أحرورية أنت؟ فإن قلت: وجوب القضاء يبنى على وجود الأداء في الأحكام، فكيف تخلف هذا الحكم هاهنا. قلت: الأصل هذا، ولكنه ثبت على خلاف القياس. م: (ولأن في قضاء الصلوات إحراجا) ش: هذا دليل عقلي لوجود الحرج م: (لتضاعفها) ش: أي لتضاعف الصلاة؛ لأنها خمس صلوات في كل يوم وليلة م: (ولا حرج في قضاء الصوم) ش: لأنه في السنة مرة واحدة مع انضمام النص إليه فوجب. [ما يحرم على الحائض والجنب] [دخول الحائض والجنب المسجد] م: (ولا تدخل المسجد) ش: أي لا تدخل الحائض المسجد وبه قال مالك والثوري وابن راهويه، وهو مروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وكذا الجنب) ش: أي كالحائض لا يدخل المسجد الجنب أيضاً م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» ش: هذا شطر من حديث رواه أبو داود بإسناده من حديث دجاجة قالت: سمعت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول: «جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوه بيوت أصحابنا شارعة في المسجد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد" ثم دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم رخصة، فقام إليهم بعد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» . وأخرجه البخاري في " تاريخه الكبير " وفيه زيادة، وذكر بعده حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر» ، ثم قال: وهذا أصح، وقال ابن القطان في "كتابه ": قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة هذا أنه لا يثبت من قبل إسناده، ولم يبين ضعفه ولست أقول: إنه حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، لأن أبا داود يرويه عن مسدد وهو يرويه عن عبد الواحد ابن زياد وهو ثقة لم يذكر بقدح، وعبد الحق احتج به في غير موضع من كتابه وهو يرويه عن فليت ابن خليفة، قال أحمد: ما أرى به بأساً، وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: شيخ. وفليت بضم الفاء، ويقال: أفلت أيضاً وهو يروي عن جسرة بفتح الجيم وسكون السين المهملة بنت دجاجة بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج. قال أحمد: تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان في "الثقات ". وقال البخاري: إن فليتا سمع من جسرة بنت دجاجة.
وهو بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث، وقالوا: إن أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه. قلت: قد قال المنذري: فيما قاله نظر، فإنه فليت بن خليفة ويقال: أفلت كذا يري، ويقال: الدهلي كنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين، روى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد ويؤيد هذه الرواية ما رواه ابن ماجه في "سننه " عن أبي بكر بن أبي شيبة والطبراني في "معجمه " عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: "إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض» ". قوله: ووجوه بيوت أصحابه: البيت أبوابها ولذلك قيل لناحية البيت التي فيها الباب وجه الكعبة، ومعنى شارعة في المسجد مفتوحة فيه، يقال: شرعت الباب إلى الطريق أي أنفذته إليه فالشارع الطريق الأعظم، قوله: وجهوا هذه البيوت، أي اصرفوا وجوهها عن المسجد، يقال: وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه إليها ووجهته إذا صرفته عن وجهها إلى جهة غيرها. قوله: رجاء أن تنزل لهم رخصة أي لترجي بنزول الرخصة ونصبه على التعليل، وأن مصدرية محلها الجر بالإضافة، فخرج إليهم بعد ذلك. قوله: فإني لا أحل من الإحلال من الحل الذي هو ضد الحرام، والألف واللام في المسجد للعهد وهو مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكم غيره مثل حكمه، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه جميع المساجد وهو أولى. فإن قلت: لم قدم الحائض على الجنب. قلت: للاهتمام في المنع والحرمة لأن نجاستها أغلظ والنفساء مثل الحائض، وروى الترمذي في "جامعه " في مناقب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو نعيم: قال ضرار بن صرد: معناه لا يحل لأحد يطرقه جنباً غيري وغيرك. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (بإطلاقه) ش: يعني بكونه غير مقيد بشيء م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور) ش: أي في إباحة دخول المسجد على وجه العبور من غير مكث، والمرور بأن كان فيه طريق يمر فيه الناس، وبقوله قال أحمد، وعن أحمد: له المكث فيه إن توضأ وهو خلاف قول الجمهور، ولأنه لا أثر للوضوء في الجنابة لعدم تحريكها اتفاقاً. وعن الحسن البصري، وابن المسيب، وابن جبير، وابن دينار، مثل قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقول المزني، وداود، وابن المنذر: يجوز له المكث فيه مطلقا، ومثله عن زيد بن أسلم واعتبروه بالشرك بل أولى، وتعلقوا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المؤمن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلا ينجس» ، قلنا: معناه لا يصير نجس العين حتى لو تلطخ بالنجاسة منع عن الصلاة ودخول المسجد لتنجسه بمجاورة النجاسة. وفي " شرح الوجيز " في العبور وجهان: لو خافت تلويث الدم إما لغلبة الدم، وإما أنها لم تستوثق، فليس لها العبور صيانة له، وكذا المستحاضة ومن به سلس البول، فإن أمنت التلويث فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز لإطلاق الحديث وأصحهما الجواز. واحتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجنب بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، قلنا: إلا هاهنا بمعنى لا قاله أهل التفسير، ونظير قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) والمعنى لا خطأ. وقال الزجاج: معنى الآية: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنبا إلا عابري سبيل أي إلا مسافرين، قال: لأن المسافر قد يفوته الماء فخص المسافرين بذلك، وقال أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": روي علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن المراد بعابري السبيل المسافرين إذا لم يجدوا الماء يتيممون ويصلون به، قال: والتيمم لا يرفع الجنابة فأبيح لهم الصلاة به تخفيفا من الله تعالى عن المكلف. قلت: هذا اختياره، وظاهر المذهب أن التيمم رفع الحدث إلى غاية القدرة على استعمال الماء الكافي، ولكن لما كان يعود جنبا عند ذلك سماه جنبا باعتبار عاقبته. وقال الزمخشري من فسر الصلاة بالمسجد مع ما بعده فمعناه لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه إذا كان الطريق إلى الماء أو كان الماء فيه، وقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها وهو المسجد. قلنا عبور السبيل هو السفر، ففي الصلاة حينئذ عبور سبيل فاندفع قوله. أما إذا حملنا الصلاة على المسجد مجازاً فليس له جواب عن قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] (النساء: الآية 43) ، فإن حمل الصلاة والمسجد معاً فقد جمع بين الحقيقة والمجاز في البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم ثم رجع فاغتسل وخرج إلينا ورأسه يقطر فكبرنا وصلينا معه» . وقال ابن بطال في شرحه: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان الماء في المسجد يتيمم الجنب ويدخل المسجد فيخرج الماء عنه قال وهذا الحديث يدل على خلاف قوله لأنه لما لم يلزمه التيمم للخروج كذا من المضطر إلى المرور فيه جنب لا يحتاج إلى التيمم. قلت: هذا الحديث لم يرد في دخول المسجد وإنما ورد في خروجه منه والخروج ضد الدخول فلا يدل عليه بوجه من وجوه الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام فثبت أن الحديث لا يدخل على إباحة الدخول بوجه
[طواف الحائض والجنب]
ولا تطوف بالبيت لأن الطواف في المسجد ولا يأتيها زوجها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ـــــــــــــــــــــــــــــQوإنما يدل عليه القياس إذا لم يذكر الفرق بينهما. وقوله: وهذا الحديث يدل على خلاف قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حمل مر بالفقه وأصوله وليس في الحديث نفي التيمم بل هو مسكوت عنه فلعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تيمم ثم خرج ولا يلزم من عدم التصريح بذكره عدم وقوعه. اختلف فيمن أجنب في المسجد هل يخرج لوقته أو يتيمم ثم يخرج. فإن قلت: روى سعيد بن منصور عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنا نمر بالمسجد جنبا مجتازين، وعن عطاء قال رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلسون في المسجد وهم جنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة، رواه سعيد بن منصور، ولا حجة في ذلك على جواز مكث الجنب في المسجد ولا على جواز دخوله فيه لأنه لم ينقل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم ذلك منهم فأقرهم عليه. [طواف الحائض والجنب] م: (ولا تطوف) ش: أي الحائض م: (بالبيت) ش: أراد به الكعبة المشرفة وهو من الأسماء الغالبة كالنجم والصعق، وكذلك الجنب لا يطوف بالبيت. فإن قلت: عدم جواز طواف الحائض بالبيت فهم من قوله: "ولا يدخل المسجد" لأن الطواف لا يكون إلا فيه. قلت: نعم فهم لكن بطريق الالتزام لا بطريق المطابقة وهي الدلالة الحقيقية، وربما يختص حالة الشروع في الطواف بعد الدخول فيحتاج إلى ذكر المنع عن الطواف قصداً. وجواب آخر وهو أنه إنما ذكره مع ظهوره لئلا يتوهم أنه لما جاز فيهما الوقوف مع أنه أوقى أركان الحج فإن الطواف أولى. وجواب آخر: وهو أنه لو قدر أن الطواف لم يكن في المسجد فإنه لا يجوز مع أنه عارض لم يكن في زمان إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والحاصل أن حرمة الطواف على الحائض والجنب لدخول انتقض فيه لا لدخولهما المسجد ولهذا يجب عليهما [ ... ] . م: (لأن الطواف في المسجد) ش: هذا تعليل لقوله: "ولا يطوف". قال الأكمل ولو علل بقوله لأن الطواف بالبيت صلاة كان أشمل واندفع السؤال قلت: كون الطواف بالبيت صلاة ليس بطريق الحقيقة. ولهذا يجوز محدثا. م: (ولا يأتيها زوجها) ش: أي ولا يأتي الحائض زوجها بمعنى لا يطأها، وفيه رعاية الأدب حيث ذكره بطريق الكناية عن الشك م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222)) ش: هذا نهي عن القربان في حالة الحيض فيقتضي التحريم فلا يجوز الجماع وعليه إجماع المسلمين واليهود والمجوس خلاف النصارى. وذكر القرطبي عن مجاهد قال: كانوا في الجاهلية يجتنبون النساء ويأتونهن في إدبارهن في مدته، والنصارى يجامعوهن في فروجهن في زمان الحيض، والمجوس واليهود يتغالون في تجنب الحيض وهجرانهن في مدة الحيض فأمر الله تعالى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبالقصد بين ذلك. وقال غيره واليهود يعتزلون النساء بعد انقطاع الدم وارتفاعه سبعة أيام اعتزالاً يفرطون فيه إلى حد أن أحدهم لو لبس ثوبه مع ثوب امرأة لنجسوه مع ثوبه وإن ذلك من أحكام التوراة التي بأيديهن، وأن فيها أيضا من مص عظماً أو وطئ قبراً أو حضر ميتاً عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا يتخرج له منها إلا برباد البقرة التي كان الإمام الهاد تحرقها وهذا نص من يتداولونه. ثم اعلم أنه لو وطئ الحائض مع العلم بالتحريم فليس عليه إلا التوبة والاستغفار عندنا وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومكحول، وسعيد بن جبير، وحماد، وربيعة ويحيى بن سعيد، وأيوب السختياني، والليث، ومالك، والشافعي في الجديد وأحمد في رواية وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء. وقال بعض العلماء: تجب الكفارة ديناراً، في الإقبال ونصف في الإدبار وهو القول القديم للشافعي. وحكي ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة والحسن والأوزاعي وأحمد في رواية وإسحاق، وعن سعيد بن جبير أن عليه عتق رقبة وعن الحسن البصري أن عليه ما على المجامع في نهار رمضان. واحتج: من أوجب الدينار أو نصفه بحديث صفية عن مقسم بن بجرة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا وقع الرجل على أهله وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار» ، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، ثم أعله البيهقي بأشياء، منها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن عباس وأن شعبة رجع عن رفعه، ومنها أنه روي مفصلاً، ومنها أن في سنده اضطراباً لأنه روي بدينار أو نصف دينار على الشك، وروي يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار وروي يتصدق بخمسي دينار وروي يتصدق بنصف دينار وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في انقطاع الدم، وروي أنه إذا كان دماً أحمر فدينار وإذا كان أصفر فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار , وإن كان أصفر فنصف دينار. والجواب: عن ذلك كله أن الحاكم أخرجه في "مستدركه " وصححه، وكذا ابن القطان صححه وذكر الخلال عن أبي داود أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد، وهو ما رواه أبو داود حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينا أو بنصف دينار» قيل لأحمد أتذهب؟ إليه قال: نعم، إنما هو كفارة، ولئن سلمنا أن شعبة رجع عن رفعه، فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعاً، وعن عمرو بن قيس الملائي، إلا أنه أسقط عبد الحميد، وكذا أخرجه من طريق النسائي، وعمر هذا ثقة، وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعاً، وهو أيضاً أسقط عبد الحميد، ومقتضى القواعد أن رواية الرفع أشبه بالصواب؛ لأنه زيادة ثقة.
[قراءة القرآن للحائض والجنب]
وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: فعلى هذا يثبت الوجوب. قلت: يحمل على الاستحباب كما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ترك الجمعة بغير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد. فإن قلت: ما القرينة على أن الأمر للاستحباب. قلت: التخيير بين الدينار ونصفه إذ لا تخيير في جنس الواحد بين الأقل والأكثر وأمر أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه بالاستغفار وأن لا يعود. واحتج: من أوجب العتق بحديث ابن عباس: «جاء رجل فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبت امرأتي وهي حائض فأمره بعتق نسمة وقيمة النسمة يومئذ دينار» قلنا هذا ضعيف ولئن سلمنا صحته فالأمر للاستحباب كما ذكرنا ولا كفارة في الوطء بعد انقطاع الدم قبل الغسل عند الجميع خلافاً لقتادة والأوزاعي وهذا كله إذا وطئ عامداً عالماً بالتحريم فإن وطئها ناسياً أو جاهلاً به أو بأنها حائض لا شيء عليه. وقال بعض أصحاب الحديث يجيء على قوله القديم عليه الكفارة كذا في " شرح الوجيز "، قال أبو حنيفة وهو رواية عن أبي يوسف يجوز الاستمتاع بالحائض بما فوق السرة وما تحت الركبة. وتحرم المباشرة بين السرة والركبة بدون الإزار، وهو قول سعيد بن المسيب، وسالم، والقاسم، وشريح، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن يسار، ومالك، والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكاه البغوي عن أكثر العلماء. وقال محمد: يجوز الاستمتاع بما دون السرة بلا إزار، ويجب عليه اجتناب شعار الدم وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأحمد، وأصبغ المالكي، وأبي ثور، وإسحاق، وابن المنذر، وداود، واحتجوا بما روي عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، أي فاعتزلوا نكاح فروجهن، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ، رواه الجماعة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه: "إلا الجماع". ولهما ما روي في "الصحيحين «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباشرها أمرها أن تتزر ثم يباشرها» . وعن ميمونة نحوه، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: «كان يباشر نساءه فوق الإزار؛» يعني في الحيض، والمراد بالمباشرة التقاء البشرتين على أي وجه كان. والجواب عن الحديث المذكور: أنه محمول على القبلة ومس الوجه واليد ونحو ذلك، وفي " النوادر ": امرأة تحيض من دبرها لا تدع الصلاة لأنه ليس بحيض. ويستحب الاغتسال عند انقطاعه ويستحب للزوج أن لا يأتيها. [قراءة القرآن للحائض والجنب] م: (وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن) ش: على قصد القرآن دون قصد الذكر
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن» ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثناء، وكذلك ولا قراءة التوراة والإنجيل والزبور لأن الكل كلام الله إلا ما بدل منها وحرف وبه قال الحسن وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي والزهري وإسحاق وأبو ثور والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أصح قوليه، وهو قول عمر وعلي وجابر وأبي وائل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأباحها سعيد بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وداود وعن ابن عباس كالمذهبين، ولو علم الصبيان حرفاً حرفاً فلا بأس به لحاجة. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ش: الحديث روي عن ابن عمر، وعن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ورواه البيهقي في "سننه " وقال: قال البخاري فما بلغني عنه إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة، وأعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق، ثم قال: وقد روي عن غيره عن موسي بن عقبة وليس بصحيح، وقال ابن عرفة: هذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها، قاله أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ، وقد روي هذا عن غيره وهو ضعيف، وقال ابن أبي حاتم في "علله ": سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش هذا فقال: خطأ إنما هو من قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال ابن عدي في "الكامل ": هذا الإسناد لهذا الحديث، لا يروى عن غير إسماعيل بن عياش وضعفه أحمد والبخاري وغيرهما، وصوب أبو حاتم وقفه على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأما حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الدارقطني في "سننه " في آخر الصلاة من حديث محمد بن الفضل عن أبيه عن طاوس عن جابر مرفوعاً نحوه، ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بمحمد بن الفضل، وأغلظ في تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم يبق في الحديث المذكور وجه الاستدلال في المذهب. قلت: روي حديث صحيح في منع الجنب عن القراءة، أخرجه الأربعة من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة بكسر اللام عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحجبه أو لا تحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "المستدرك " وصححه. قوله: لا يحجبه، ورواية أبي داود ولم يكن يحجره أو يحجزه الأول من الحجر بالراء المهملة
وهو حجة على مالك في الحائض، وهو بإطلاقه يتناول ما دون الآية فيكون حجة على الطحاوي في إباحته. ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو المنع، والثاني بالزاي من حجزه بمعنى منعه أيضاً وكلاهما من باب نصر ينصر. قوله: ليس الجنابة، بمعنى غير الجنابة، وهذا الحديث يقوي الحديثين الأولين. م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحائض) ش: فإنه يجوزها للحائض لكونها معذورة محتاجة إلى القراءة عاجزة عن تحصيل الطهارة بخلاف الجنب فإنه قادر عليه بالغسل والتيمم م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور: م: (بإطلاقه) ش: أي بعمومه وشموله م: (يتناول ما دون الآية) ش: لأن قوله: شيئاً، نكره في سياق النفي يتناول ما دون الآية فتمنع قراءته كالآية م: (فيكون حجة على الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحته) ش: أي في إباحة ما دون الآية. قلت: فللطحاوي أن يقول هذا الحديث ما يثبت عندي، وعندي حديث ما يدل على ما ذهب إليه وهو ما رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " حدثنا عائذ بن حبيب حدثني عامر بن السمط «عن أبي الغريف الهمداني قال: أنبأني علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بوضوئه فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجه ثلاثا وغسل يديه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية» ورواه الدارقطني موقوفاً بغير هذا اللفظ، وفيه «ثم قرأ صدراً من القرآن، ثم قال: اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابه فلا ولا حرفاً أو قال واحداً» قال الدارقطني: هو صحيح عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قلت: كيف يساعد هذا الحديث الطحاوي. قلت: مساعدة المرفوع ظاهرة وأما الموقوف فعليه، فإن قال الطحاوي: تمنع كون ما دون الآية من القرآن لوجود هذا المقدار في كلام من لا يعرف القرآن من الأعراب أصلاً مثل قوله: الحمد لله وبسم الله إلا إذا قصد الشخص به قراءة القرآن، وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " العيون ": لا يقرأ الجنب آية كاملة، ويجوز أقل من آية، ولو أنه قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء أو شيئاً من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد به القراءة فلا بأس به. قال الأترازي: وهو المختار. وقال الهندواني: لا أفتي بهذا وإن روي في " العيون " وغيرها. وأورد الحافظ بأن العزيمة لو كانت صغيرة من القرآن لكان ينبغي إذا قرأ الفاتحة في الأوليين بنية الدعاء يجزئه، وأجاب بأنها إذا كانت في محلها لا يتغير بالعزيمة حتى لو لم يقرأ في الأوليين فقرأ في الآخرين بنية الدعاء لا تجزئه.
[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]
وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته، وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمس القرآن إلا طاهر» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مس المصحف للمحدث والحائض والجنب] م: (وليس لهم) ش: أي للحائض والجنب والنفساء م: (مس المصحف إلا بغلافه) ش: وكذا مس اللوح المكتوب عليه آية من القرآن م: (ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته) ش: أي ولا مس الدرهم المكتوب عليه آية إلا بصرته، وأراد بالسورة الآية من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء لأن السورة تشتمل على ما فوق الآية. فإذا جعل السورة قيداً يلزم منه عدم كراهة مس الدرهم الذي عليه آية، ومع هذا هو مكروه به، قال ابن عمر وعطاء والحسن ومجاهد وطاووس ومالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشعبي وابن سيرين، ورخص فيه سعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان والظاهرية، وحملوا قَوْله تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (الواقعة: الآية 79) ، على الكرام البررة، وتعلقوا بكتابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هرقل، وذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه " أن سعيد بن جبير رفع مصحفه إلى غلام وهو مجوسي ومنع الحكم بمس المصحف بباطن الكف خاصة. م: (وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه) ش: أي لا يجوز للحائض والجنب والنفساء مس المصحف إلا بغلافه كذلك لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف إلا بغلافه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يمس المصحف إلا طاهر) ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الأول: عمرو بن حزم، أخرج حديث النسائي في "سننه " في كتاب الديات وأبو داود في "المراسيل " من حديث محمد بن بكار بن بلال عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات: «ولا يمس القرآن إلا طاهر» . أورد هنا أيضاً من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة حدثنا سليمان بن داود الخولاني حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده نحوه، قال أبو داود: وهم فيه الحكم بن موسى يعني في قوله: سليمان بن داود، وإنما هو سليمان بن أرقم، وقال النسائي: الأول أشبه بالصواب، وسليمان بن أرقم: متروك. وبالسند الثاني: رواه ابن حبان وقال: سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق ثقة مأمون، وأخرجه الحاكم في "مستدركه " وقال: هو من قواعد الإسلام والطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي في "سننهما " وأحمد في "مسنده " وابن راهويه، وروي هذا الحديث من طرق أخرى بعضها مرسل. الثاني: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديث الطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في "سننهما " من حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى عن
[فروع فيما يكره للحائض والجنب]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزهري قال: سمعت سالماً يحدث عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يمس القرآن إلا طاهر» ، وسلمان بن موسى الأشدق مختلف فيه فوثقه بعضهم، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي. الثالث: حكيم بن حزام، أخرج حديثه الحاكم في "المستدرك " في كتاب الفضائل من حديث سويد بن أبي حاتم حدثنا مطر الوراق عن حسان بن بلال «عن حكيم بن حزام قال: لما بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر» وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه الطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في "سننهما ". الرابع: عثمان بن أبي العاص أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " بإسناده إلى المغيرة بن شعبة عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمس القرآن إلا طاهر» . الخامس: ثوبان أخرج حديثه علي بن عبد العزيز في "منتخبه " من حديث أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يمس القرآن إلا طاهر والعمرة هي الحج الأصغر» ، وإسناده ضعيف جداً، قلت: ولو استدل المصنف على ذلك بقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (الواقعة: الآية 79) ، لكان أولى وأقوى. وقال الأكمل. فإن قلت: ما بال المصنف لم يستدل بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فإنه ظاهر في النهي عن مس المصحف بغير الطاهر. قلت: لأن بعض العلماء حملوه على الكرام البررة فكان محتملاً فترك الاستدلال به. قلت: هذا الاحتمال البعيد لا يضر الاستدلال به، لأن حمل الآية على مس الملائكة بعيد لأنهم كلهم مطهرون، وتخصيص بعض الملائكة من بين سائر المطهرين على خلاف الأصل مع وجود الأحاديث المذكورة. [فروع فيما يكره للحائض والجنب] فروع: يكره للجنب أو الحائض أن يكتب الكتاب الذي في بعض سطوره آية من] القرآن وإن كانا لا يقرآن لأن فيه من القرآن. وفي " فتاوى أبي الليث ": الجنب لا يكتب القرآن وإن كانت الصحيفة على الأرض ولا يضع يده عليها وإن كان ما دون الآية، وفي " المحيط " لا بأس لهما بكتابة المصحف إذا كانت الصحيفة على الأرض عند أبي يوسف لأنه لا يمس القرآن بيده وإنما يكتب حرفاً فحرفاً، وليس الحرف الواحد بقرآن. وقال محمد: أحب إلي أن لا يكتب، ومشايخ بخارى أخذوا بقول محمد، كذا في " الذخيرة " ويكره لهما أن يمسكا بكمهما ما عليه سورة من القرآن. وأما الأذكار فلم ير بعضهم بمسه بأساً، والأولى عند عامة المشايخ: أن لا يمس إلا بحائل
ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس والجنابة حلت الفم دون الحدث فيفترقان في حكم القراءة وغلافه ما يكون متجافيا عنه ـــــــــــــــــــــــــــــQكما في غيره. ويكره كتاب القرآن وأسماء الله تعالى على ما يبسط ويفرش، وكتابة القرآن على المحاريب والجدران ليست بمستحبة، ويكره كتابة سورة الإخلاص على الدراهم حين تضرب. وفي " المفيد ": قيل لا يكره من حواشي المصحف والبياض الذي لا كتابة عليه، وإنما المكروه مس موضع الكتابة لا غير، والصحيح منعه لأنه تبع للقرآن، ولا بأس أن يلقن الكافر القرآن، لأنه ربما أسلم إذا عرف نجاسته ويكره المسافرة بالقرآن إلى دار الحرب. م: (ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس) ش: هذه إشارة إلى بيان اشتراك الحدث والجنابة في حرمة المس وافتراقهما في حكم القراءة بين صورة الاشتراك بقوله: ثم الحدث والجنابة حلا اليد - أي نزلا بها يعني ثبت حكم الحدث والجنابة في اليد فيستوي كلاهما في حكم المس وهو حرمته للمحدث والجنب وبين صورة الافتراق بقوله م: (والجنابة حلت الفم) ش: أي نزلت به م: (دون الحدث) ش: يعني لم ينزل الحدث بالفم م: (فيفترقان) ش: أي الحدث والجنابة م: (في حكم القراءة) ش: حيث جازت قراءة المحدث لأنه لم يثبت حكم الحدث في الفم، ولهذا لا يجب غسله ويثبت حكم الجنابة فيه، ولهذا وجب غسله فلم تجز قراءة الجنب. فإن قلت: الحدث حل الفم أيضاً لأن المرء إذا صار محدثا يحل الحدث جميع البدن لعدم التجزؤ، لكن الاقتصار على غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس ثبت تعبداً. قلت: هذا حدث ضعيف، ولهذا سقط في ضمن الغسل فلا يحل الفم لأنه باطن من وجه بخلاف الجنابة فإن حدث قوي يحل الفم لأنه ظاهر من وجه، ولهذا يجب غسله، وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": فإن غسل الجنب فمه ليقرأ أو يديه ليمس أو غسل المحدث يده ليمس لم تطلق القراءة ولا المس للجنب ولا المس للمحدث هذا هو الصحيح لأن ذلك لا يتجزأ وجوداً ولا زوالاً. م: (وغلافه) ش: أي غلاف المصحف، أشار بهذا إلى بيان الغلاف الذي يجوز مس المصحف به لأنه قال: وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه، واختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم: هو الجلد الذي عليه، وقال بعضهم: هو الكم، وقال بعضهم: هو الخريطة يعني الكيس الذي يوضع فيه المصحف وهو الصحيح، أشار إليه بقول: وغلافه م: (ما يكون متجافياً عنه) ش: أي متباعداً عن المصحف وهو الكيس وأصل مادته من الجفائف بالمد من جفا يجفو، وأصل معناه البعد والرفع، ومنه {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] (السجدة: الآية 16) ، أي
دون ما هو متصل به كالجلد المشرز، هو الصحيح. ويكره مسه بالكم هو الصحيح؛ لأنه تابع له بخلاف كتب الشريعة لأهلها، حيث يرخص في مسكها بالكم لأن فيه ضرورة، لأنه تابع لليد ـــــــــــــــــــــــــــــQبعدت عن مضاجعهم م: (دون ما هو متصل به) ش: أي بالمصحف م: (كالجلد المشرز) ش: أي اللصوق به، فيقال: مصحف مشرز أجزاؤه أي مسد وبعضها من الشيرازة وليست بعربية، وفي " العباب " مصحف مشرز أي مضموم الكراريس والأجزاء بعضها إلى بعض، مضموم الطرفين، فإن لم يضم طرفاه فهو مشرش بشينين وليس مشرز مشتق من الشيرازة وهو فارسية، والشيراز الذي يؤكل المستجد من اللبن وأصله شراز بالتشديد قلبت أحد الراءين ياء آخر الحروف كما في قيراط وديباج أصلها قراط ودباج بالتشديد. م: (هو الصحيح) ش: أي المذكور وهو كون الغلاف متباعداً من المصحف هو الصحيح لأنه منفصل عنه، ولهذا لا يدخل في بيع المصحف إلا بالذكر. م: (ويكره مسه بالكم) ش: أي مس المصحف بكم الماس م: (هو الصحيح لأنه تابع له) ش: أي كون مسه بالكم مكروهاً هو الصحيح، وفي " المحيط ": لا يكره مسه بالكم عند عامة المشايخ لعدم المس باليد؛ لأن المحرم هو المس وهو اسم للمباشرة باليد بلا حائل، ولهذا لو وقعت امرأة أجنبية في طين وردغت حل للأجنبي أن يأخذها بيدها بحائل ثوب، وكذا لا تثبت حرمة المصاهرة بالمس بحائل. وفي " الذخيرة " عن محمد أنه لا بأس بالمس بالكم، وقيل عنه روايتان. م: (بخلاف كتب الشريعة لأهلها حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم لأن فيه ضرورة) ش: وهذا قول عامة المشايخ، وكرهه بعضهم، وفي " الذخيرة " ويكره لهم مس كتب الفقه والتفسير والسنن لأنها لا تخلو عن آيات من القرآن، ولا بأس بمسها بالكم بلا خلاف. وفي " الإيضاح ": يمنع الكافر عن مسه وإن اغتسل. وفي " الفوائد الظهيرية " النظر إلى المصحف لا يكره للجنب والحائض ويكره للمحدث كتابة القرآن عند محمد وهو قول مجاهد والشعبي وابن المبارك، وبه أخذ الفقيه أبو الليث. قال تاج الشريعة: وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف: لا بأس به إذا كانت الصحفة على الأرض. م: (لأنه تابع لليد) ش: أي لأن الكم تابع لليد، ولهذا لو بسط كمه على النجاسة وسجد عليها لا يجوز، وكذا لو قام متخففاً أو مستقلاً على النجاسة، وكذا لو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على ثيابه على الأرض يحنث بخلاف كتب الشريعة مثل كتب التفسير والحديث والفقه وما فيه ذكر الله تعالى حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم؛ لأن فيه ضرورة أي لأن مسها بالكم ضرورة، وهي مدفوعة وقد ذكرناه الآن.
[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]
ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان لأن في المنع تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهر حرجا بهم، وهذا هو الصحيح، وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يحل وطؤها حتى تغتسل لأن الدم يدر تارة، وينقطع أخرى، فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين] م: (ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان) ش: المحدثين أي لا بأس للطهارة من يدفع المصحف إلى الصبيان المحدثين م: (لأن في المنع) ش: أي في منع دفع المصحف إليهم م: (تضييع حفظ القرآن) ش: لأن الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر والحفظ في الكبر كالنقش على المدر م: (وفي الأمر بالتطهر حرجاً بهم) ش: أي في أمر الأولياء بتطهر الصبيان حرجاً بهم أي مشقة وكلفة والضمير في بهم يرجع إلى الصبيان وأعاده الأكمل إلى الأولياء حيث حال حرج الأولياء أو المعلمين الدافعين والأوجه ما قلنا على ما لا يخفى. ثم اعلم أن ذكر المصنف هذه المسألة أعني دفع المصحف إلى الصبيان من أنهم غير مخاطبين بشبهة ترد وهي أن الدافع البالغ إلى الصبي المحدث يجب أن لا يدفع إليه كما يجب أن لا يلبس الذكر منهم الحرير وأن لا يسقيه الخمر ولا يوجه إلى جهة القبلة في قضاء حاجة، ثم أشار إلى دفع تلك الشبهة بقوله: لأن في المنع يضيع حفظ القرآن. أه وحاصل هذا الكلام أن كل ذلك ممنوع غير أن دفع المصحف تعلق أمر ديني وهو حفظ القرآن [ ... ] . م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي الذي ذكرناه من جواز دفع المصحف إلى الصبيان هو الصحيح، واحترز به عن قول بعض المشايخ أن ذلك مكروه بناء على أن الدافع مكلف بعدم الدفع. [انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام] قال أي القدوري م: (وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام) ش: مثلاً انقطع دمها لتسعة أيام ولثمانية أيام أو نحو ذلك، والحال أن هذه الأيام كانت عادتها م: (لم يحل وطؤها حتى تغتسل) ش: أي لم يحل لزوجها أن يطأها حتى تغتسل. م: (لأن الدم يدر) ش: بكسر الدال وضمها أي يسيل م: (تارة وينقطع تارة أخرى فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع) ش: أي انقطاع الدم بوجود ما زاد على زمان عادتها من مدة الاغتسال لصيرورتها من الطاهرات حقيقة. وفي " البدرية ": إذا كانت المرأة مبتدأة أو ذات عادة فانقطع دمها على العادة أو فوقها، أما لو انقطع إلى ما دونها يكره وطؤها إلى تمام العادة وإن اغتسلت، وفي " المحيط ": لو انقطع مما دون العشرة ولكن بعد مضي ثلاثة أيام فاغتسلت أو مضى عليها الوقت كره للزوج وطؤها حتى تأتي عادتها وتغتسل، أما لو انقطع على رأس عادتها أخرت الاغتسال إلى آخر الوقت، قال الهندواني: تأخر في هذه الحالة بطريق الاستحباب ومما دون عادتها بطريق الوجوب.
ولو لم تغتسل ومضى عليها أدنى وقت الصلاة بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة حل وطؤها؛ لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها فطهرت حكما، ولو انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث، لم يقربها حتى تمضي عادتها، وإن اغتسلت؛ لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب، وإن انقطع الدم لعشرة أيام ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولو لم تغتسل) ش: أي هذه المرأة التي انقطع دمها لأقل من عشرة أيام م: (ومضى عليها أدنى وقت الصلاة) ش: وهو قدر أن تقول فيه: الله بعد الاغتسال عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدر أن تقول: الله أكبر م: (بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة) ش: وهو قول الله أو الله أكبر على الاختلاف المذكور م: (حل وطؤها لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها) ش: لأنها إذا أدركت من الوقت ما يسع الاغتسال والتحريمة فعليها القضاء؛ لأن بالاغتسال يحكم بطهارتها، وإذا بقي من الوقت ما يسع فيه التحريمة فقد أدركت جزءا من الوقت وهي طاهرة فعليها قضاء تلك الصلاة، وإن عجزت عن الأداء؛ لأن نفس الوجوب لا يفتقر إلى القدرة على الأداء، ألا ترى أن النائم إذا استيقظ يخاطب بالقضاء بخلاف ما إذا بقي من الوقت ما يسع فيه التحريمة والاغتسال؛ لأنه لا يحكم بطهارتها. م: (فطهرت حكما) ش: أي من حيث الحكم لا من حيث الحقيقة لأن الشرع إذا حكم عليها بوجوب الصلاة ولا يصح حال كونها حائضاً إذ أنه حكم بطهارتها. وفي بعض النسخ: أو يمضي عليها وقت صلاة كامل. وقال السغناقي: فقد قلت: قوله: كامل، إن كان صفة لوقت يجب أن يكون مرفوعاً، وإن كان صفة لصلاة يجب أن يقال: كاملة، فلما وجهه؟ قلت: صفة لوقت وانجراره للجواز كما في: حجر صب حرب. قلت: هذا السؤال مع جوابه لا طائل تحته؛ لأنه لم يتعين جر كامل حتى يضطر إلى تشبيهه حجر صب حرب، وأغرب من هذا أن الأكمل أخذ هذا السؤال من السغناقي فقال: إن كان كامل صفة للوقت كان مرفوعاً، وليس بمروي بجعل الأصل أداة التشبيه المذكور عدم كونه مروياً، وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن هذا خبر ثابت في حال النسخ، والثاني: على تقدير الثبوت هو اللفظ النبوي حتى يراعى فيه الرواية فارفع أنت الكامل وأرح نفسك من الناقص. م: (ولو كان انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث) ش: أي ثلاثة أيام م: (لم يقربها حتى تمضي عادتها) ش: المعتادة، وذكر قوله: فوق الثلاث مستغنى عنه لكونه خرج مخرج الغالب م: (وإن اغتسلت) ش: واصل بما قبله: م: (لأن العود) ش: أي عود الدم م: (في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب) ش: عن القربان. م: (وإن انقطع الدم) ش: أي دم المرأة م: (لعشرة أيام) ش: قلت: قيد الانقطاع مستغن
[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]
حل وطؤها قبل الغسل لأن الحيض لا مزيد له على العشرة إلا أنه لا يستحب قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد. قال: والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم المتوالي ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه؛ لأن الدم إذا انقطع لعشرة أيام حل وطؤها قبل الغسل وكذا لو لم ينقطع لكنه ذكره؛ لأنه وقع في مقابلة قوله: وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام، وأخرجه مخرج المعتادة ثم حل القربان قبل الاغتسال لتمام العشرة، مذهبنا. وقال زفر والشافعي وأحمد ومالك وأبو ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لا يحل قبله وإن انقطع دمها لأكثر الحيض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، بالتشديد أي يغتسلن. وقال داود: لو غسلت فرجها من الدم بعد الانقطاع حل وطؤها، وعن طاوس ومجاهد: لو توضأت حل وطؤها. قلنا: قراءة التشديد تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الاغتسال، وقراءة التخفيف تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الطهر وهو انقطاع الدم، فحملنا قراءة التشديد على ما إذا كان الانقطاع لأقل من عشرة، وقراءة التخفيف على ما إذا كان الانقطاع لعشرة أيام رفعاً للتعارض بين القراءتين. م: (حل وطؤها قبل الغسل، لأن الحيض لا مزيد له على العشرة) ش: أي لا زيادة للحيض على العشرة لأنها أكثر الحيض، والمزيد مصدر بمعنى الزيادة م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: حل وطؤها والضمير في أنه للشأن م: (لا يستحب وطؤها قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد) ش: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] لأن ظاهر النهي فيما يوجب حرمة الوطء قبل الاغتسال في الحالين بإطلاقه، فما ذهب إليه زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والمراد من النهي قول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، فإنه قرئ بالتشديد والتخفيف، وقد ذكرنا الآن التوفيق بين القراءتين وفيما قلنا يكون لكل قراءة فائدة وفيما قال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فائدة واحدة في القراءتين، والأول أولى، غير أنا أوجبنا الغسل في الصورة الأولى، واستحسناه في الثانية احتياطاً فيصير نظيراً لمن توضأ ثلاثا ثلاثا فإنه أولى وأحب ممن توضأ مرة مرة. فروع: القرآنية إذا انقطع دمها فيما دون العشرة، ولم يبق من الوقت إلا قدر ما تغتسل يحل وطؤها قبل الاغتسال وتتزوج بغيره وتبطل رخصتها بنفس الانقطاع، ولو أسلمت بعده تصوم وتصلي ويأتيها زوجها، ولها أن تتزوج وتنقطع الرجعة إن كان آخر عدتها؛ لأنها خرجت من الحيض بنفس الانقطاع؛ لأن الاغتسال لا يعرض عليها لأنها لا تخاطب بالشرائع، ولكنها لا تقرأ القرآن ما لم تغتسل؛ لأنها بمنزلة الجنب، وهذه تدل على أن الكافرة إذا أجنبت ثم أسلمت يلزمها الاغتسال، ولو أسلمت ثم انقطع دمها فهي والمسألة سواء. م: (قال) ش: أي القدوري [حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض] م: (والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو) ش: أي الطهر المتخلل بينهما م: (كالدم المتوالي) ش: أي بحكم المتواصل؛ لأنه ليس بطهر معتبر، صورته: مبتدأة رأت يوماً دماً وثمانية طهراً ويوماً دماً فالكل حيض؛ لأن الطهر فاسد فيصير كله دماً، ولو
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه إحدى الروايات عن أبي حنفية - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ووجهه أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في باب الزكاة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل: هو آخر أقواله أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل، وهو كله كالدم المتوالي؛ لأنه طهر فاسد ـــــــــــــــــــــــــــــQرأت يوماً دما وتسعة طهراً ويوما دماً لم يكن شيئاً منها حيضاً، كذا في " المبسوط ". م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف م: (هذا) ش: أي هذا المذكور م: (إحدى الروايات عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: والروايات عن أبي حنيفة في هذا خمسة: رواه خمسة من أصحابه، وهم: أبو يوسف، ومحمد، وزفر، والحسن بن زياد، وعبد الله بن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فروى كل واحد منهم في هذه المسألة رواية، والمذكور هو رواية محمد عن أبي حنيفة، وأصل ذلك أن الشرط أن يكون الدم محيطاً بطرفي العشرة، فإذا كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلاً بين الدمين، وإلا كان فاصلا وعلى هذه الرواية لا تجوز بداية الحيض، ولا ختمه بالطهر، قال: لأن الطهر ضد الحيض فلا يبدأ الشيء بما ضاده ولا يختم به، ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعاً لهما كما قلنا في الزكاة، وإن كمال النصاب وحده شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال الحول لا تفرد بين هذا في المسائل كما ذكرناه الآن. م: (ووجهه) ش: أي وجه المروي في ذلك عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره) ش: نتيجة عدم اشتراط استيعاب الدم مدة الحيض م: (كالنصاب في باب الزكاة) ش: أي إذا كان الاستيعاب غير شرط فيها كمال النصاب في أول الحيض وآخره كما ذكرناه الآن. م: (وعن أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الضمير: أعني قوله: وهو يرجع إلى متعلق بكلمة عن في قوله: وعن أبي يوسف، تقديره: والمروي عن أبي يوسف وهو مروي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يقال: إنه إضمار قبل الذكر؛ لأنه في حكم الملفوظ به فيبعد عن الجار المتعلق كما عرف في موضعه. م: (وقيل هو آخر أقواله) ش هذه جملة معترضة بين قوله: عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبين قوله: أن الطهر، وكلمة "أن" مصدرية، والعامل فيه متعلق كلمة "عن" والتقدير وهو رواية تثبت عن أبي حنيفة كون الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً غير فاصل، فإذا كان كذلك يكون قوله م: (أن الطهر) ش: في محل الرفع لأنه فاعل، وقوله م: (إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً) ش: جملة ظرفية فيها معنى الشرط وقوله م: (لا يفصل) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر "أن" أي لا يفصل بين الدمين م: (وهو كله كالدم المتوالي) ش: أي المتابع والمتواصل م: (لأنه طهر فاسد
فيكون بمنزلة الدم والأخذ بهذا القول أيسر وتمامه يعرف في كتاب الحيض ـــــــــــــــــــــــــــــQفيكون بمنزلة الدم) ش: المستمر؛ لأن أقل مدة الطهر خمسة عشر يوماً، صورته: مبتدأة رأت يوما دماً وأربعة عشر يوماً طهراً، ويوماً دماً فالعشرة من أول ما رأت عند أبي يوسف حيض يحكم ببلوغها به، وكذلك إذا رأت يوماً دماً وتسعة طهراً ويوماً دماً، والطهر إذا كان بخمسة عشر يوما فصاعدا يكون فاصلا لكنه لا يتصور ذلك إلا في مدة النفاس؛ لأن أكثر الحيض عشرة م: (والأخذ بهذا القول) ش: أي الأخذ بقول أبي يوسف م: (أيسر) ش: على المفتي والمستفتي؛ لأن في قول محمد تفاصيل يشق ضبطها خصوصاً على الحيض القاصرات العقل م: (وتمامه يعرف في كتاب الحيض) ش: أي تمام ما ذكر من قوله هذا إحدى الروايات يعرف في كتاب الحيض لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنبين ذلك بتوفيق الله تعالى. وقد قلنا: إن الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة؛ وقد ذكر المصنف قولين وبقيت ثلاثة: الأول: قول زفر فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها إذا رأت في طرفي العشرة ثلاثة أيام دما فهي حيض وإلا فلا؛ لأن الطهر يجعل دما تبعا للدمين فلا بد من أن يكون من أنفسهما صالحين للحيض في وقت الحيض، وعبارة " المحيط ": قال زفر: وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا رأت أقل الحيض في العشرة يحصل حيضا، ولا عبرة بالطهر في العشرة حتى لو رأت يوما في أولها ويومين في آخرها دما وطهرا بينهما كان الكل حيضا، وكذا يومين في أولها ويوما في آخرها، وأما لو كانت رأت يوما في ألها ويوما في آخرها فلا، وكذا أقل منهما وإن رأت يوماً في أولها ويوماً في آخرها ويوماً متخللا بين أيام طهرها فهو حيض. الثاني: قول الحسن بن زيادة فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فكان كله كالدم المتوالي، فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام ولياليها كان فاصلاً، على كل حال، مثاله: مبتدأة رأت يوماً دما ويومين طهراً ويوماً دماً فالأربعة حيض، وكذا لو رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعة طهرا، وساعة دما فالكل حيض، فإن رأت يومين دما وثلاثة أيام طهراً ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على قوله؛ لأن الطهر المتخلل ثلاثة أيام، وإن رأت ثلاثة دما وثلاثة طهراً وثلاثة دما فالحيض عنده الثلاثة الأول؛ لأنه أسرعهما إمكانا. الثالث: قول ابن المبارك، فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن المروي في أكثر الحيض إذا كان مثل أقله فالطهر المتخلل لا يكون فاصلاً، وإن لم يكن شيء منه حيضا، مثاله: لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على هذه الرواية؛ لأن المروي من الدم دون الثلاث، ولو رأت يومين دما وسبعة طهرا أو يوما دما وسبعة طهرا ويومين دما فالعشرة حيض. فهذه الروايات الخمسة المروية عن أبي حنيفة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المبسوط ": اختلف المشايخ في فصل هذه الجملة على قول محمد وهو أنه إذا اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما لإحاطة الدم بطرفيه واستوائه كالدم المتوالي، ثم هل يتعدى حكمه إلى الطهر الآخر، قال أبو زيد: يتعدى، وقال أبو سهل الغزالي: لا يتعدى، وهو الأصح ذكره في " المحيط ". بيان ذلك: مبتدأة رأت يوماً دما وثلاثة طهرا، ويوما دما فعلى قول أبي زيد العشرة كلها حيض، عند محمد، وعلى قول أبي سهل: حيضها السبعة الأولى، ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما وثلاثة طهرا، ويوما دما، على قول أبي زيد: العشرة حيض لاستواء الدم والطهر، وعلى قول أبي سهل حيضها الستة الأخيرة [ ... ] ، وإن رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم، فعلى قول أبي زيد يحسب يوماً [من] أول الاستمرار إلى ما سبق، فتكون العشرة كلها حيض، وعلى قول أبي سهل حيضا عشرة بعد اليوم، والثلاثة الأولى أولى بالاستمرار [ ] حيض، ولو رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول أبي زيد حيضها من أول ما رأت فيكون أول يوم من الاستمرار من جملة حيضها، وبه تتم العشرة، وعلى قول أبي سهل: حيضها ستة أيام من أول ما رأت فلا يكون من أول الاستمرار حيضا، وكذلك لو رأت يوماً دما وثلاثة طهرا أو يومين دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم. وفي " المحيط ": رأت يوما دما، ويوما طهرا، ويوما دما فالثلاثة حيض عند الكل إلا زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الطهر قاض عن ثلاثة أيام فلم يفصل، وعند زفر: الدم قاض يتبعه فلا يتبع غيره. ولو رأت يومين دما وخمسة طهرا وثلاثة دما فالعشرة حيض عند الكل إلا الحسن فإن عنده الثلاثة حيض، واليومان استحاضة؛ لأنه وجد الفاصل عنده، وكذا لو رأت يوماً دما وثلاثة طهراً ويومين دماً فالستة حيض؛ لأنهما ثلثاه فلا يصير الطهر فاصلا بين الدمين عندهم وغيره ليس بشيء من ذلك بحيض لوجود الفاصل بينهما، أو لو رأت يوماً دماً وثلاثة طهراً ويوماً دما لم يكن شيء منه حيضا عند محمد وزفر والحسن، أما عند محمد فلأن الطهر ثلاثة أيام وهو غالب على الدمين فصار فاصلاً، وكذا عند الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد وجد الفاصل، وعند زفر لم يوجد الصالح للحيض. ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا ويوما دما، فعند محمد والحسن الثلاثة الأولى حيض؛ لأن الطهر أكثر من الدمين فيفصل بينهما لوجود الفاصل واليوم الأخير استحاضة، وكذلك لو رأت يوماً دما وستة طهرا وثلاثة دما فالثلاثة الأخيرة حيض عندهما وعند الكل حيض في المسألتين. ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا وثلاثة دما فالثلاثة حيض عندهما؛ لأن عدد الدمين في العشرة أربعة وعدد الطهر ستة فيكون الطهر أكثر فيفصل بينهما، والثلاثة الأخيرة استحاضة؛ لأنه لم يتخلل بين الدمين طهر صحيح، وعند الحسن وجد الطهر الصحيح لكن الطرف الأخير لا
[أقل الطهر]
وأقل الطهر خمسة عشر يوما، هكذا نقل عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيصلح للحيض، ولو كان يصلح لكان أولى؛ لأنه أسرعهما إمكاناً، وعندهما العشرة من أول ما رأت حيض والباقي استحاضة. وقال تاج الشريعة في الأقوال الستة: صورة تجمع هذه الأقوال الستة: مبتدأة رأت يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما وثمانية طهرا ويوما دما وسبعة طهرا، ويومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويومين دما فهذه خمسة وأربعون يوما، فالعشرة الأولى والرابعة حيض عند أبي يوسف، وأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقصور الطهر عن خمسة عشر يوما هو كالدم المتوالي عندهما، وجواز بداءة الحيض وختمه به عندهما، والعشرة بعد الطهر الأول حيض في رواية محمد لإحاطة الدم بطرفيه في العشرة، والعشرة بعد الطهر الثالث حيض عنده فيحسب. وعند الحسن الأربعة الأخيرة حيض لقصور الطهر فيها من الثلاثة. [أقل الطهر] م: (وأقل الطهر خمسة عشر يوماً) ش: أي الطهر الذي يكون بين الحيضتين، وبه قال الثوري والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قال ابن المنذر: ذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه فيما يعلم، وفي " المهذب ": لا أعرف فيه خلافاً. وقال الكامل: أقل الطهر خمسة عشر يوماً بالإجماع ونحوه في " التهذيب "، وقال القاضي أبو الطيب: أجمع الناس على أن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، قال النووي - رحمه لله -: دعوى الإجماع غير صحيحة؛ لأن الخلاف فيه بين العلماء مشهور، فإن أحمد وإسحاق أنكرا التحديد في الطهر فأول أحمد الطهر بين الحيضتين على ما يكون. وقال إسحاق: توقيتهم الطهر، بخمسة عشر يوماً غير صحيح، وقال ابن عبد البر: أما أقل الطهر، فقد اختلف فيه قول مالك وأصحابه، فروى أبو القاسم عنه عشرة أيام، وروى أيضاً عنه ثمانية أيام، وهو قول سحنون، وقال عبد الملك بن الماجشون أقل الطهر خمسة أيام وهو رواية عن مالك. م: (وهكذا نقل عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ليس هذا موجود في الكتب المتعلقة بنفس الأحاديث والأخبار، وقال بعض الشراح: الظاهر أنه سمع من الصحابي، وهو سمع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن منصبه أجل عن الكذب. قلت: هذا يسلم إذا ثبت النقل عنه، وقال الأكمل: الظاهر أنه منقول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا أيضاً إنما يصح إذا ثبت عنه أولاً، ولم يثبت، فكيف يقال: الظاهر أنه منقول؟ وهذا مثل ما يقال: اثبت العرش ثم انقشه. واحتج بعض أصحابنا في ذلك بما روى أبو طوالة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وجعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» وفيه كلام. ومثله عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن
وأنه لا يعرف إلا توقيفا ولا غاية لأكثره؛ لأنه يمتد إلى سنة وسنتين فلا يتقدر بتقدير إلا إذا استمر بها الدم، فاحتيج إلى نصب العادة ـــــــــــــــــــــــــــــQالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي داود النخعي ذكره في " الإمام " وتكلم في أبي داود. وفي " المحيط ": أنه قال: أقام الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام الطهر والحيض، وما أضيف إلى شيئين ينقسم عليهما نصفين فينبغي أن يكون نصف الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام حيضة ونصف طهر إلا أنه قام الدليل على نقصان الحيض عن النصف فيبقى الطهر على ظاهر القسمة، وهذا الاستدلال منقول عن أبي منصور الماتريدي. وفي " المبسوط ": مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إنها تعيد ما كان ساقطا من الصوم والصلاة ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض ثلاثة أيام اعتباراً بأقل مدة السفر، فإن كلاً منهما يؤثر في الصوم والصلاة، وفي كل واحد منهما نظر لا يخفى. م: (وأنه) ش: أي وأن كون أقل الطهر خمسة عشر يوماً م: (لا يعرف إلا توقيفاً) ش: أي من حيث التوقيف على السماع، لأن المقدرات لا اهتداء للعقل فيها م: (ولا غاية لأكثره) ش: أي لأكثر الطهر، ومعناه أنه تصلي وتصوم ما ترى الطهر وإن استغرق عمرها م: (لأنه) ش: أي لأن الطهر م: (يمتد إلى سنة وسنتين) ش: ومن النساء من تحيض في الشهر مرة ومرتين، ومنهن من تحيض في شهرين مرة م: (فلا يتقدر بتقدير) ش: لأنه لا يدخل تحت الضبط م: (إلا إذا استمر بها الدم) ش: استثناء من قوله: فلا يتقدر بتقدير، يعني في وقت استمرار الدم بما له غاية. م: (فاحتيج إلى نصب العادة) ش: أي فاحتيج عند الاستمرار إلى نصب العادة فتكون له عادة عند ذلك عند عامة العلماء خلافا لأبي عصمة سعد بن معاذ المروزي وأبي حازم القاضي فإنه لا غاية لأكثره عندهما على الإطلاق لأن نصب المقادير بالسماع ولا سماع هاهنا وعلى هذا إذا بلغت امرأة فرأت عشرة دماً وسنة أو سنتين طهراً ثم استمر بها الدم فعندهما طهرها ما رأت، وحيضها عشرة أيام تدع الصلاة في أول زمان الاستمرار عشرة أيام وتصلي سنة أو سنتين، فإن طلقها زوجها تنقض عدتها بثلاث سنين أو ست سنين وثلاثين يوماً. وأما العامة فاختلفوا في المقادير، فقال محمد بن شجاع: طهرها تسعة عشر يوماً، لأن أكثر الحيض في كل شهر عشرة والباقي طهره تسعة عشر بيقين. وقال محمد بن سلمة: طهرها سبعة وعشرون يوماً فما دونها لأن أقل الحيض ثلاثة أيام فيرفع عن كل شهر فيبقى سبعة وعشرون يوماً. وقال محمد بن إبراهيم الميداني: طهرها ستة أشهر إلا ساعة وعليه الأكثر، لأن أقل المدة التي يرتفع الحيض فيها ستة أشهر، وهو أقل مدة الحمل إلا أن ما عليه الأصل أن مدة الطهر أقل
[حكم دم الاستحاضة]
ويعرف ذلك في كتاب الحيض، ودم الاستحاضة كالرعاف لا يمنع الصوم ولا الصلاة ولا الوطء ـــــــــــــــــــــــــــــQمن مدة الحمل فنقص منه شيء يسير وهو ساعة فتقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات لجواز أن يكون وقوع الطلاق عليها في حالة الحيض فيحتاج إلى ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وكل حيض عشرة أيام. وقال الحاكم الشهيد: طهرها شهران، وهو راية ابن سماعة عن محمد، لأن العادة مأخوذة من المعاودة والحيض والطهر ما يتكرر في الشهرين عادة، إذ الغالب أن النساء يحضن في كل شهر مرة فإذا طهرت شهرين فقد طهرت في أيام عادتها، والعادة تنتقل بمرتين فصار ذلك الطهر عادة لها فوجب التقدير به وهو اختيار أبي سهل. قال الإمام برهان الدين عمر بن علي: الفتوى على قول الحاكم الشهيد لأنه أيسر على المفتي والنساء، وقال ابن مقاتل الرازي وأبو علي الدقاق: تقدر طهرها بنصب العادة سبعة وخمسين يوما لأنه إذا زاد على ذلك لم يبق في الشهرين ما يحصل حيضاً فتنصف هو بالكثرة. وقال الزعفراني: أكثر الطهر في حقها مقدر بسبعة وعشرين يوماً؛ لأن الشهر في الغالب يشتمل على الحيض والطهر، وأقل الحيض ثلاثة أيام فيبقى الطهر سبعة وعشرين يوماً، حتى لو رأت مبتدأة عشرة دما وستة طهراً ثم استمر بها الدم، فعند أبي عصمة تدع من أول الاستمرار عشرة وتصلي سنة، هكذا أدامها إذ لا غاية للطهر عنده. وقال في " الخلاصة ": أكثر مدة الطهر الذي يصلح لنصب العادة شهر كامل، وهو الذي ذكرناه في حق العادة. أما في حق سائر الأحكام لم يقدر الطهر بشيء بالاتفاق، بل تجتنب أبداً ما تجتنبه الحائض من قراءة القرآن ومسه ودخول المسجد ونحو ذلك، ولا يأتيها زوجها وتغتسل لكل صلاة فتصلي به الفرض والوتر وتقرأ فيهما قدر ما تجوز به الصلاة ولا تزيد، وقيل: تقرأ الفاتحة وسورة لأنهما واجبتان، وإن حجت تطوف طواف الزيارة لأنه ركن ثم تعيد بعد عشرة أيام وتطوف للصدر لأنه واجب وتصوم شهر رمضان لاحتمال أنها طاهرة ثم تقضي خمسة وعشرين يوماً لاحتمال أنها حاضت في رمضان خمسة عشر يوماً خمسة عشر في أوله وخمسة في آخره وبالعكس ولا يتصور حيضها في شهر واحد أكثر من ذلك، ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشرة فيسلم في خمسة عشر بيقين. م: (ويعرف ذلك في كتاب "الحيض") ش: لما كان الأقوال في المسألة المذكورة كثيرة قال: ويعرف ذلك في "كتاب الحيض" الذي صنفه محمد بن الحسن كتاباً مستقلاً في أحكام الحيض. [حكم دم الاستحاضة] م: (ودم الاستحاضة كالرعاف الدائم لا يمنع الصلاة ولا يمنع الصوم ولا الوطء) ش: أي ولا يمنع وطء الزوج إياها أيضاً وهو قول أكثر العلماء، ونقله ابن المنذر في " الإشراف " عن ابن عباس
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير» ـــــــــــــــــــــــــــــQوابن المسيب وعطاء وسعيد بن جبير وقتادة وحماد بن أبي سليمان وبكر بن عبد الله المزني والثوري وإسحاق وأبي ثور، وقال ابن المنذر: وبه أقول، وحكي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - والنخعي والحكم وابن سيرين منع ذلك، وقال البيهقي وغيره: إن تفصيل المنع عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ليس بصحيح عنها بل هو قول الشعبي أدرجه بعض الرواة في حديثها. وقال أحمد: لا يجوز الوطء إلا إذا خاف العنت، وفي رواية: لا يأتيها زوجها إلا أن يطول، واحتجوا بأن دم الاستحاضة كالحيض حتى يجب غسله من البدن والثوب والمنع في الحيض بمعنى الأذى وهو موجود فيها فأشبهت الحائض. واحتج المصنف لنا ولمن وافقونا بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهو قوله: م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في "سننه " من حديث وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن عروة بين الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إني امرأة مستحاضة فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليس بالحيض اجتنبي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وصلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم» . وكذا أخرجه أحمد في "مسنده " وأخرجه أبو داود ولكن لم يقل فيه: «وإن قطر الدم على الحصير» ولم ينسب عروة فيه كما نسبه ابن ماجه بأن عروة بن الزبير، وأصحاب الأطراف لم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير وإنما ذكروه في ترجمة عروة المزني، معتمدين في ذلك على قول ابن المديني أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع عن عروة بن الزبير، ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة والبزار في "مسانيدهم " ولم ينسبوا عروة. ولكن ابن ماجه والبزار أخرجاه في ترجمة ابن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وفي لفظ لابن أبي شيبة بهذا الإسناد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير» ، ورواه الدارقطني في "سننه "، وقال عروة بن الزبير في بعض ألفاظه، وضعف الحديث. قال: وزعم سفيان الثوري أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير ثم نقل عن أبي داود أنه ضعفه بأشياء منها أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش فوقفه على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأنكر أن يكون مرفوعاً. ووقفه أيضاً أسباط بن محمد عن الأعمش أيضاً رواه مرفوعاً أوله،
وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع ـــــــــــــــــــــــــــــQوأنكر أن يكون عنه الوضوء عند كل صلاة، وبأن الزهري رواه عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقال فيه: وكانت تغتسل لكل صلاة. قلت: حاصل الكلام أن قصدهم إبطال احتجاج الحنفية فيما ذهبوا إليه بهذا الحديث، ولكن لا يمشي هذا منهم لأنهم تعلقوا في هذا بأمور: الأول: أنهم قالوا: ليس فيه وإن قطر الدم على الحصير، الجواب عنه: أنه ثبت ذلك في رواية ابن أبي شيبة وفي رواية الدارقطني أيضاً. الثاني: قالوا: إن عروة لم ينسبه إلا ابن ماجه، والجواب عنه أن الدارقطني نسبه في رواية، وكذلك البزار في رواية. الثالث: قالوا: إن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير، الجواب عنه: أن أبا عمر قال: وحبيب لا شك أنه أدرك عروة، وقد روى عنه أبو داود في كتاب "السنن "، وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حديثا صحيحاً، وهذا أشد تظاهراً على أن حبيبا سمع من عروة، وهو مثبت فيقدم على من ينفي، وأيضا حبيب لا ينكر لقاءه بعروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم ثبوتا. الرابع: قالوا أنه موقوف، والجواب عنه إن كان هاهنا قد روي موقوفا من جهات ثقات مثل وكيع ومثله، فقد رواه أيضاً ثقات كرواية وكيع مرفوعاً عن الأعمش مثل الجريري وسعيد بن محمد الوراق وعبد الله بن نمير فهؤلاء كبار رووا عن الأعمش الرفع فوجب على مذهب الفقهاء، وأصل الأصول ترجيح روايتهم لأنها زيادة ثقة ويحمل رواية من وقفه على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فروته مرة، وقالت به مرة أخرى. م: (وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إنكم قلتم أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة الصوم والوطء،، ودليلكم لا يدل إلا على أحكام الصلاة فقط، فأجاب عنه بأن حكم الصلاة وهو جوازها مع سيلان دم الاستحاضة إذا عرف فإنه كالعدم في حكم الصلاة مع المنافاة الثابتة بينهما لكونه منافيا للطهارة التي هي شرط الصلاة يثبت حكم الصوم والوطء مع عدم المنافاة بينهما وبينه وذلك أن الصوم نقيضه الفطر لا الدم، والوطء نقيضه تركه لا الدم. وقال المصنف: ثبوت حكم الصوم والوطء نتيجة الإجماع. وقال صاحب " الدراية " مثله ثم قال: فإن الإجماع على أن دم العرق لا يمنع الصلاة والصوم والوطء بخلاف دم الرحم فإنه يمنع منها، فكما لم يمنع هذا الدم الصلاة على أنه دم عرق فلا يمنع الصوم والوطء بدلالة الإجماع.
ولو زاد الدم على عشرة أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها والذي زاد استحاضة ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " الكافي " تفسير نتيجة الإجماع بدلالة غير صحيح لفظاً لا معنى، والتفسير بالحكم أشد إطباقاً، وقال الشيخ عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد يجوز أنه نتيجة من حيث إن دلالة النص أو الإجماع لا يكون إلا به، ومستحيل أن يثب قبله فكأنها نتيجة والنص والإجماع أصل، ولو فسرت بالحكم لأوهم أن دلالة النص أو الإجماع لا تكون إلا لذلك فلذلك فسرت بالدلالة. قلت: حكم الصلاة لم يثبت ابتداء بالإجماع، وإنما يثبت بالنص، فكيف يكون حكم الصوم والوطء بدلالة الإجماع مع أنه ورد خبر صحيح بجواز وطء المستحاضة، ورواه أبو داود وغيره من حديث عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يغشاها، وفي لفظ له قال: كانت أم حبيش مستحاضة وكان زوجها يغشاها، ورواه البيهقي وغيره، وزوج حمنة طلحة بن عبد الله. م: (ولو زاد الدم على عشرة أيام) ش: التي أكثر الحيض فالمرأة لا تخلو إما أن تكون معتادة أو مبتدأة أو مختلفة العادة، وأشار إلى القسم الأول بقوله: (ولها عادة معروفة دونها) ش: أي دون العشرة بأن كانت عادتها ستة أيام أو سبعة أيام أو ثمانية أيام أو تسعة أيام فزاد الدم على عادتها وعلى العشرة أيضاً م: (ردت إلى أيام عادتها) ش: باتفاق أصحابنا فيكون الحيض أيام عادتها وما زاد على عادتها المعروفة إلى ما فوق العشرة إلى أن ينتهي يكون استحاضة وهو معنى قوله: م: (والذي زاد) ش: يعني على العادة المعروفة م: (استحاضة) ش: فيصير حكمها حكم المستحاضات. وأما إذا زاد على عادتها المعروفة دون العشرة فقد اختلف فيه المشايخ، فذهب أئمة بلخ إلى أنها تؤمر بالاغتسال والصلاة لأن حال الزيادة مترددة بين الحيض والاستحاضة لأنه إذا انقطع الدم قبل العشرة كان حيضا وإن جاوز العشرة كان استحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد. وقال مشايخ بخارى: لا تؤمر بالاغتسال والصلاة لأنا عرفناها حائضا بيقين، ودليل بقاء الحيض وهو رؤية الدم قائم فلا تؤمر حتى يتبين أمرها، فإن جاوز العشرة أمرت بقضاء ما تركت من الصلاة بعد أيام عادتها. وفي " المجتبي ": وهو الصحيح. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما زاد على عادتها يميز باللون. فإن كان أسود غليظا أو أحمر غليظا أو أحمر خالصا يجعل حيضها ولا عبرة للأيام، وإن لم يكن أسود كان دم الاستحاضة، وإن لم يكن التمييز باللون بأن لم يكن أسود خالصا أو أحمر خالصا بل يشبه كلاهما فحينئذ تعتبر الأيام فترد إلى أيامها. وفي " الحلية ": معتادة تميز وهي التي ترى في بعض الأيام دماً أسود، وفي بعضها دماً أحمر وجاوز الدم الأكثر فحيضها الأسود لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دم الحيض أسود» فهذا يبقى بظاهره كون غيره
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها» ـــــــــــــــــــــــــــــQحيضاً. وقال ابن حبان والإصطخري: تقدم العادة على المتميز، وقال مالك: الاعتبار للمتميز لا العادة، فإن لم يكن لها تمييزا استظهرت بقدر زمان العادة بثلاثة أيام إلى أن تجاوز خمسة عشر، وإن كانت غير مميزة فحيضها أيام عادتها. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها» ش: هذا الحديث روي عن جد عدي بن ثابت وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأم سلمة وسودة بنت زمعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. أما حديث جد عدي فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي» قال الترمذي: هذا حديث تفرد به شريك عن أبي اليقظان، قال: وسألت محمداً يعني البخاري عن هذا الحديث، فقلت له: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرفه، وذكرت له قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به. وقال أبو داود: حديث عدي بن ثابت هذا ضعيف لا يصح، ورواه أبو اليقظان عن عدي ابن ثابت عن أبيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي الكرخي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد، وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عمر الكوفي ولا يحتج بحديثه. قلت: قال أبو نعيم: وقال غير يحيى: أن جد عدي اسمه قيس الخطي، وقيل لا يعرف من جده، وذكر ابن حبان في " الثقات ": أن ثابتا هو ابن عدي بن عدي أخي البراء بن عازب، وعن يحيى بن معين قال: شريك صدوق ثقة، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي ثقة. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في "معجمه الصغير " من حديث يزيد ابن هارون أخبرنا أيوب أبو العلاء عن عبد الله بن شبرمة القاضي عن قمراء امرأة مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في المستحاضة: «تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل مرة ثم تتوضأ إلى مثل أيام أقرائها» ، ورواه ابن حبان في "صحيحه " من حديث أبي عوانة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المستحاضة فقال: «تدع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة» ". وأما حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الدارقطني في "سننه " من حديث معلى بن أسد أخبرنا وهيب حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار «أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت فأمرت أم سلمة أن تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستدفر بثوب وتصلي» وقال الدارقطني: رواته كلهم ثقات، ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده " حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حجاج عن نافع «عن سليمان بن يسار أن امرأته أتت أم سلمة لكي تسأل لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المستحاضة فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستثفر بثوب وتتوضأ لكل صلاة وتصلي إلى مثل ذلك» انتهى. وهذه المرأة هي فاطمة بنت أبي حبيش يفسره رواية الدارقطني المذكورة. وأما حديث سودة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في "معجمه الأوسط " من حديث الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر عن سودة بنت زمعة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ لكل صلاة» ". قوله: تدع: أي تترك، والأقراء: جمع قرء بمعنى الحيض. قوله: تستثفر: أي تسد فرجها بثوب وهو مأخوذ من ثفر الدابة التي تجعل تحت دنها. وقوله: تستدفر من الدفر وهو الرائحة، ومعناه تستعمل طيباً في الثوب تزيل به الرائحة، وقد يسمى الثوب طيباً، لأنه يقوم مقام الطيب. وأصح ما روي في هذا الباب ما روى أبو داود أخبرنا عبد الله بن مسلم عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستفتت لها أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل [فيه» ، رواه مالك في "موطئه "
ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على العشرة فيلحق به وإن ابتدأت ـــــــــــــــــــــــــــــQوالشافعي في "مسنده " وأحمد في "مسنده " والنسائي في "سننه " بأسانيد صحيحة على شرط البخاري ومسلم وقد مر في أول الباب بما فيه من المعاني والأحكام. م: (ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على العشرة فيلحق به) ش: هذا دليل آخر تقديره أن يقال: الزائد على العادة يجانس الدم الذي يدل على العشرة من حيث الندرة ومن حيث كونه زائداً على العادة المعروفة ولا يجانس الواقع المعروف إلا من وجه واحد وهو أنهما وقعا في المدة الأصلية للحيض وهي العشرة فكان إلحاقها لما وقع خارج العشرة أولى، وهو معنى قوله: فيلحق أي يلحق بالزائد على العشرة. وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر عندي لأن للقائل أن يقول: كما أن النجاسة حاصلة بين الزائدتين فكذلك حاصلة بين ما رأت في معرفتها وبين الزائد إلى العشرة لأن كل واحد منهما في مدة الحيض لا بل المجانسة هنا أكثر لأن أحد الزائدين في مدة الحيض والآخر في غيرها. قلت: لو تأمل الأترازي في هذا وقدح فكره لم يقل: في هذا التعليل نظر عندي والتأمل فيه يحدث عن هذا النظر بما قررناه الآن. وقال الأكمل وعورض فإن الزائد على العادة يمكن أن يكون حيضا بخلاف الزائد على العشرة فإنهما يتجانسان. قلت: هذا الذي ذكره سأله صاحب " الدراية " بقوله فإن قيل: الزائد على العشرة لا يمكن أن يكون حيضاً والزائد على العادة يمكن أن يكون حيضاً فكيف يتجانسان ثم أجاب بقوله: قلت: في مسألتنا لا يمكن أن يكون عليها حيضاً لأن ما زاد على العشرة استحاضة بيقين، وأما في أيام حيضها حيض يقينا، ففيما زاد إلى تمام العشرة إن ألحقناه بما بعده كان استحاضة، وإن ألحقناه بما قبله كان حيضا فوقع الشك في كونه حيضا فلا تترك الصلاة بالشك لأن وجوب الصلاة كان ثابتا بيقين فلا تترك إلا بيقين فحينئذ يتجانسان من حيث عدم منع الصلاة. وجواب الأكمل غير هذا، وملخصه أن التجانس بين الزائد من الوجهين وبين الزائد والعادة من وجه فكان الأول أولى، وهذا محصل بما قررناه أولاً. وقال صاحب " الدراية ": فإن قيل: كيف يكون وجوب الصلاة بيقين، فإنها لا تجب عليها في الأصح في أيام حيضها. قلنا وجوبها عليها بيقين نظراً إلى انقضاء العدة وفي كون ما زاد على العادة حيضا شك فلا يزول ذلك اليقين. م: (وإن ابتدأت) ش: أي المرأة هذا شروع في بيان حالة المرأة المبتدأة وقد ذكرنا أن المرأة لا يخلو إما أن تكون معتادة أو مبتدأة أو مختلفة العادة، وقد ذكر حال العادة وهذا في بيان المبتدأة.
مع البلوغ مستحاضة ـــــــــــــــــــــــــــــQوقوله: ابتدأت على صيغة المبني للفاعل، ويروى على صيغة المبني للمفعول بضم التاء. وقال الأترازي: والأول أوجه عندي من الثاني لأن المرأة مبتدأة على صيغة المفعول فلذلك اختار صاحب " النهاية " صيغة المفعول في ابتدأت. م: (مع البلوغ) ش: يعني كما بلغت استمر عليها الدم وهو معنى قوله م: (مستحاضة) ش: وهو نصب على الحال المقدرة، أي حال كونها مقدرة للاستحاضة، وذلك لأنه لم تثبت الاستحاضة حال ابتداء رؤيتها الدم ولكن يعلم عند الزيادة على العشرة فحينئذ تكون العشرة في كل شهر أيضاً والباقي وهو الزائد على العشرة استحاضة. وعند زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ترد إلى أقل الحيض لأنه متيقن والباقي مشكوك وبه قال أحمد، وفي قول للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعتبر حيضها بنساء عشيرتها وفي قوله الآخر بالوسط وهو ست أو سبع وبه قال الثوري وأحمد في رواية، وعند مالك تقعد ما دام يأتيها ولتستظهر بعد ذلك بثلاثة أيام ما لم يتجاوز ذلك مجموع خمسة عشر يوماً، وعن مالك رواية أخرى أنها تجلس ما دام الدم بثلاثة أيام إلى أن يبقى خمسة عشر يوماً وهو رواية عن أحمد. فإن قلت: كيف يكون نصب العادة في المبتدأة؟. قلت: أول ما رأت المبتدأة دما تترك الصلاة كما رأيته عند مشايخنا، وعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها لا تترك حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام، والأول أصح، ولو رأت خمسة دما خمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فإنها تترك الصلاة من أول الاستمرار خمسة ثم تصلي خمسة عشر يوما وذلك عادتها لأن الانتقال عن حالة الصغر عادة في النساء فتحصل بمرة واحدة، وأما الانتقال عن العادة الثانية في العادة ليس بعادة لها فلا يحصل بالمرة عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وبه قال بعض الشافعية وهو رواية عن أحمد، وفي أشهر الروايتين لا يثبت إلا بالتكرار ثلاثا. وقال أبو يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ثبت بمرة واحدة. وقال مالك: يثبت بمرة لكن إذا اختلف بالزيادة والنقصان ثم استحيضت جلست أكثر ما كانت تجلسه ثم تستظهر بالثلاث. ثم اعلم أن العادة على نوعين أصلية وجعلية، فالأصلية على نوعين: أحدهما أن ترى دمين خالصين وطهرين خالصين متعقبين على التوالي بأن رأت مبتدأة ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثا وتصلي خمسة عشر يوماً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلأن ذلك صار عادة لها بالتكرار وكذا لو رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً أو أربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فحيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر عادة أصلية لها فتصلي من أول الاستمرار ستة عشر لأنها حين رأت أربعة دما فثلاثة منها مدة حيضها ويوم من حساب طهرها، فلما طهرت ستة عشر فأربعة عشر تمام طهرها ويومان من حيضها لم تر فيهما الدم فتصلي إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر ثم تدع الصلاة وتصلي خمسة عشر. والثاني: أن ترى دمين وطهرين مختلفين بأن رأت مبتدأة ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً، ثم استمر بها الدم فعند أبي يوسف أيام حيضها وطهرها ما رأت آخر مدة، واختلفوا على قولهما: قبل عادتها ما رأته أول مدة لأن العادة لا تنتقل برؤية الخالف مرة واحدة عندهما فيكون حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر فلما رأت في المرة الثانية فاليوم الرابع من طهرها ولما رأت ستة عشر فأربعة عشر منها بقية طهرها ويومان من حيضها الثاني وذلك ستة عشر. وقيل: عادتها أقل المرتين فتترك من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر لأن العادة في المبتدأة تحصل بمرة واحدة. وأما العادة الجعلية فهي أن ترى ثلاثة دما وأطهاراً مختلفة ثم استمر بها الدم بأن رأت خمسة دماً وسبعة عشر طهرا أو أربعة دما وستة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا، قال بعضهم: تجعل عادتها أوسط الاعتداد فتدع من أول الاستمرار أربعة وتصلي ستة عشر. وقال بعضهم: أقل المدتين الأخيرتين تدع من أول الاستمرار [ ... ] وتصلي خمسة عشر والفتوى على هذا لأنه أيسر على النساء. مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا وخمسة دما وسبعة عشر طهرا، ثم استمر بها الدم فعادتها أربعة في الدم وستة عشر في الطهر اتفاقا، مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً، وأربعة دما وستة عشر طهراً، وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر، وتلك العادة جعلية لها فإن طرأت الجعلية على العادة الأصلية لأنها دونها والشيء لا ينقض بما هو دونه كالوطن الأصلي لا ينقضه الوطن الإقامة. وقال مشايخ بخارى: تنقض العادة بالجعلية، ومثاله إن كانت العادة الأصلية في الحيض خمسة لا تثبت الجعلية إلا برؤية ستة وسبعة وثمانية ويتكرر فيها بخلاف العادة الأصلية مراراً لأن سبعة وثمانية بتكرارها ستة والعادة الأصلية تنقض بالتكرار بخلافها لكونها مختلفة متفاوتة في نفسها بكون العادة الثانية جعلية لا أصلية.
فحيضها عشرة أيام من كل شهر وباقي الشهر استحاضة لأنا عرفناه حيضا فلا يخرج عنه بالشك والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فحيضها عشرة أيام من كل شهر) ش: ففي الشهر الأول تكون العشرة من أول ما رأت حيضا م: (وباقي الشهر استحاضة) ش: فحكمها حكم الطاهرات لكنها تتوضأ لوقت كل صلاة ثم بعد ذلك حيضها أيام من كل شهر م: (لأنا عرفناه حيضا فلا يخرج عنه بالشك) ش: أي عرفنا الدم المرئي في العشرة حيضا فلا يخرج عن كونه حيضا بالشك لأنا تيقنا بالدخول فيه والأيام صالحة له، فإذا تجاوز الدم العشرة تيقنا بخروجها فكانت طاهرة حكما.
[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم]
فصل والمستحاضة ومن به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كل صلاة، فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول والرعاف الدائم] م: (فصل) ش: الفصل منها فصل لا ينون ومنها فصل ينون لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب وعقد هذا الفصل لأحكام الاستحاضة وقدمها على النفاس لأنها أكثر وقوعاً. م: (والمستحاضة) ش: مبتدأ وقد تكلمنا فيها أول الباب مستقصى م: (ومن به سلس البول) ش: وكلمة "من" موصولة عطف على ما قبله، وسلس البول كلام إضافي مبتدأ وخبره مقدم وهو قوله: (به) ، والجملة صلة الموصول. وسلس البول بفتح اللام، والرجل سلس البول بالكسر يقال: شيء سلس أي سهل، وأصل سلس بالكسر أي لين معتاد وفلان سلس البول بالكسر إذا كان لا يستمسك، وسلس بوله بالكسر يسلس بالفتح من باب علم يعلم. م: (والرعاف الدائم) ش: بالرفع عطف على ما قبله وهو دم الأنف لا يرقأ أي لا يسكن م: (والجرح الذي لا يرقأ) ش: بالرفع أيضاً عطف على ما قبله يقال: رقأ الدمع يرقأ رقاء ورقوا أي سكن وكذلك الدم. م: (يتوضؤون) ش: جملة في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ المذكورة أعني قوله: المستحاضة وما أضيف إليه م: (لوقت كل صلاة) ش: اللام فيه للتعليل م: (فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل) ش: وبه قال الأوزاعي والليث وأحمد هكذا ذكره عنه أبو الخطاب في الهداية، ولم يحك خلافاً، وفي " المغني " لابن قدامة تتوضأ لكل صلاة وبه قال الشافعي وأبو ثور، وعزى هذا إلى أصحابنا أيضاً وهو غلط منه. وقال ابن تيمية الحراني في هذه رواية عن أحمد، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجب الوضوء على المستحاضة ومن به سلسل البول ونحوه، وهو قول ربيعة وعكرمة وأيوب، وأما الوضوء به مستحب لكل صلاة عنده ذكره في " التمهيد " وذكر كثير من أصحابنا في كتبهم عنه أنها تتوضأ لكل صلاة. وقال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمستحاضة تتوضأ لكل فريضة وهو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا كما نذكره الآن. وقال النخعي: تغتسل في آخر وقت الظهر، أول وقت العصر، والعصر في آخر وقته، وكذلك تغتسل في آخر وقت المغرب فتصلي وكذلك في العشاء والفجر، وعن ابن عمر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوب الغسل عليها لكل صلاة وعندنا لا يجب عليها الغسل إلا مرة واحدة لخروجها عن الحيض وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كعلي وابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمسعود وابن عباس وعائشة وعروة وأبي سلمة وعبد الرحمن والشافعي وأحمد ومالك في رواية. وقال بعضهم: تغتسل كل يوم غسلا، روي ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب. وقال بعضهم: تجمع بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء وتصلي الصبح بغسل. احتج من قال بوجوب الغسل لكل صلاة بما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها أن تغتسل لكل صلاة» والجواب عن ذلك أن هذا لم يرفعه إلا محمد بن إسحاق عن الزهري، وأما سائر أصحاب الزهري فإنهم يقولون فيه عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عن أم حبيبة بنت جحش [أنها] استحيضت فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "إنما هو عرق وليس بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلي» ففهمت ذلك عنه فكانت تغتسل لكل صلاة. وقال أبو عمر في " التمهيد " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها استفتت بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة، فأفتوها بذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، دلت على نسخ ما روت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ لا يسوغ لها خلاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحمل ذلك على الاستحباب أو على الثانية [أي] أيام عادتها فافهم. فإن قلت: روي أبو داود: «أن امرأة كانت تهريق على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها أن تغتسل عند كل صلاة» . قلت: أجاب النووي عن ذلك أن الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها بالغسل لكل صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، واحتج من قال: تغتسل في كل يوم مرة في أي وقت شاءت من النهار، بما رواه أبو داود في "سننه " من حديث معقل الخثعمي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم لأجل الاحتياط، وأما الصوف التي فيها السمن أو الزيت فإن بها يدفع الدم وينشفه. ومعقل بالعين المهملة وبالقاف.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» ـــــــــــــــــــــــــــــQواحتج من قال بأنها تغتسل من طهر إلى طهر بما رواه مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن المستحاضة فقال: تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها الدم استثفرت. الجواب عن ذلك أن أبا داود قال: قال مالك: إني لا أظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة، إنما هو من طهر إلى طهر بالطاء المهملة ولكن الوهم دخل فيه، فعليه الناس من ظهر إلى ظهر بالمعجمة. وقال الخطابي: لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها ولا أعلمه قولاً لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر إلى طهر بالمهملة فيهما وهو انقطاع دم الحيض، وقد يجيء بما روي من الاغتسال من ظهر إلى ظهر بالمعجمة فيهما في بعض الأحوال لبعض النساء، وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي كانت عادتها ونسيت الوقت أيضاً، إلا أنها تعلم أنها كلما انقطع دمها في أيام العادة كانت وقت الطهر فهل يلزمها أن تغتسل عند كل طهر وتتوضأ لكل صلاة وما بينهما وبين الطهر من اليوم الثاني، فقد يحتمل أن يكون سعيد بن المسيب إنما سئل عن امرأة هذه حالها فنقل الراوي الجواب ولم ينقل السؤال على التفصيل. وفي " الاستذكار " ليس في ذلك وهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه في الاستحاضة تغتسل كل يوم من ظهر إلى ظهر، وكذلك رواه ابن عيينة عن موسى مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن قالت: سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة فقال: تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها استثفرت وصلت. واحتج مالك فيما ذهب إليه من أن المستحاضة ليس عليها وضوء بما رواه في الموطأ عن هشام ابن عروة عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة [فإذا أقبلت] فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي» وأخرجه الجماعة. وجه التمسك به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لها: "فاغتسلي وصلي" ولم يذكر الوضوء لكل صلاة. والجواب عنه الوضوء مذكور في غيره على ما نذكره. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» ش: الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وتصوم» رواه أبو داود، ولفظه: والوضوء عند كل صلاة، وله شواهد، منها ما أخرجه أبو داود، وابن ماجه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: جاءت فاطمة بنت أبي
ولأن اعتبار طهارتها لضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى بعد الفراغ منها ـــــــــــــــــــــــــــــQحبيش.. الحديث، وفي آخره: «اغتسلي وتوضئي لكل صلاة» . ومنها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفي آخره: «فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة» ". ومنها: ما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " من حديث جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة» . م: (ولأن اعتبار طهارتها) ش: دليل عقلي، أي طهارة المستحاضة م: (لضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى) ش: أي الضرورة م: (بعد الفراغ منها) ش: أي من المكتوبة، وقال الأترازي في جواب دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن طهارة المستحاضة ضرورية لكن لا نسلم أن لا ضرورة لها في حكم أداء مكتوبة أخرى. قلت: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقول بعد التسليم أنها ضرورية كيف يمنع عدم الضرورة في حقها مكتوبة أخرى، ومطلق الضرورة موجود عند كل مكتوبة، وتقدير الطهارة في المكتوبة والنافلة يقدر بتلك الضرورة لأنه ليس من المعقول التجاوز عن قدر الضرورة، ثم منع الأترازي هذا بقوله: ولا نسلم أنها تقدر بقدر الضرورة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد جاز لها أداء النوافل ما شاءت بالاتفاق، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أن يقول: لا ضرورة في النوافل بعد أداء الفرض، ولكن هي تابعة للفرض فيدخل في حكم المتبوع بعد الشروع بخلاف مكتوبة أخرى، لأنها عبادة أخرى مستقلة تحتاج إلى طهارة أخرى، لكون الطهارة ضرورية في حق الأولى فلم يجاوز إلى غيرها. ثم قال الأترازي: إنا نقول: هل بقيت الطهارة بعد المكتوبة الواحدة أم لا؟ فإن قلت: نعم، فقل: تصلي الفرائض والنوافل، وإن قلت: لا، فقل لا تصلي الفرائض والنوافل أصلاً، إلا بوضوء جديد، فالشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هذه الترديد مردود، فإني لم أقل إلا أنها تصلي فرضاً واحدا مع تبعية النفل ثم لا تصلي فرضا آخر إلا بوضوء جديد، لأن الشارع لما أسقط حكم سيلان الدم لضرورة الحاجة إلى أداء فرض الوقت الذي هو الأصل سقط كذلك في حق التبع بخلاف فرض آخر كما ذكرنا، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الأترازي وهذا الإلزام شيء يسكت الخصم.
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» وهو المراد بالأول، لأن اللام تستعار للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي وقتها، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقد أورد الأكمل هاهنا إيرادا على الشافعية ملخصه: أن الصلاة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لكل صلاة، أعم من أن تكون مكتوبة أو غيرها فاختصاصها بالمكتوبة تحكم. ثم أجاب عن ذلك بأن الصلاة مطلق وهو منصرف إلى الكمال والكامل هو المكتوبة ثم رد هذا بأن الصلاة عام بدخل كلمة كل فليس كما ذكرتم. قلت: فلهم أن يقولوا سلمنا العموم ولكنه يحتمل التخصيص، وهاهنا التخصيص موجود وهو الضرورة المؤخرة للصلاة مع سيلان الدم، مع أن القياس لا يقتضي الجواز أصلاً ولكن النص حكم عليه للضرورة فيقتصر علها ويتقدر بقدرها. والجواب المسكت ورود لفظة: هذه الصلاة مقيدة بالوقت في حديث آخر على ما نقرره عن قريب. ثم أجاب الأكمل بجواب آخر وهو أن الطهارة بعد أداء المكتوبة إن كانت باقية تساوت الفرائض والنوافل في جواز الأداء بها وإلا فلا، ثم قال: وفيه نظر. وجه التنظير هو أن يقال: نعم باقية بالنسبة إلى النوافل دون الفرائض. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ش: قال بعضهم: هذا غريب يعني بلفظ: لوقت كل صلاة، قلت: ليس كذلك لأنه لا يلزم من عدم اطلاعه عليه أن يكون غريباً، بل روي هذا الحديث بهذه اللفظة في بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش: "وتوضئي لوقت كل صلاة" ذكره ابن قدامة في " المغني "، ورواه الإمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ، ذكره السرخسي في " المبسوط "، وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة، والغسل يغني عن الوضوء فبطل الاشتراك لكل صلاة. م: (وهو المراد بالأول) ش: هذه إشارة إلى الجواب عما احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كون الوضوء للصلاة أي لوقت الصلاة وهو المراد بالحديث الأول وهو ما احتج به الشافعي م: (لأن اللام تستعار للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها) ش: لأن اللام كثير الاستعمال في الوقت. ورد ذلك في الكتاب والسنة ومتعارف الناس. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] (مريم: الآية 59) ، أي وقت الصلاة، وأما السنة فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأينما أدركتني الصلاة تيممت» أراد وقت الصلاة لأنه فعله وفعله لا يسبقه لأن المدرك هو الوقت لا الصلاة، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن للصلاة أولا وآخرا كوقتها» ، وأما تعارف الناس فيقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها، فحينئذ يكون ما
ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرا فيدار الحكم عليه ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه الشافعي محتملاً، وما رواه الحنفي مفسراً بالوقت فيحمل المحتمل على المفسر، وهذا هو التوفيق بين الحديثين دفعاً للتعارض. فإن قلت: لم لا ينعكس الحمل. قلت: لأنه يلزم ترجيح المحتمل على المفسر. م: (ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيراً) ش: هذا دليل عقلي تقريره أن الشرع أسقط اعتبار الحدث للحاجة إلى الأداء، والناس يختلفون فيه، فمنهم المطول، ومنهم المقتصر، ومنهم من يرى الأداء في أول الوقت، ومنهم بالعكس، ومنهم من يحتاج إلى تأخيره لمانع منه لبعد الماء منه، ومنهم من يوسوس إلى إعادة الصلاة دفعاً للوسوسة فلذلك جعل الوقت مقام الأداء ليستوي الكل في بقاء [الأداء] تيسيراً للأمر على المأمور، فأدير الحكم على الوقت وسقط اعتبار الحدث، وإذا أقيم شيء مقام شيء آخر يكون المنظور إليه بذلك الشيء فيكون المنظور إليه هنا الوقت فتكون الطهارة باقية ما دام الوقت باقياً، فتقدير الطهارة بالوقت دفعاً للحرج. فإن قلت: إذا قدرت طهارة كل شخص بأدائه ارتفع الحرج. قلت: هذا ممنوع، لأنه إذ قدر ذلك وفرض الفراغ منه وأوجب عليه وضوء آخر كل ما يصلي من قضاء أو واجب أو نذر في وقته أو مكتوبة أخرى في وقت آخر تحقق الحرج في موضع التخفيف وذلك باطل، ولأن الوقت معلوم ولا يتفاوت والأداء غير معلوم فيكون في تقدير الطهارة به بعض الجهالة. م: (فيدار الحكم عليه) ش: أي على الوقت وأراد بالحكم جواز الصلاة، ودليل آخر أن الأصول شاهدة لاعتبار الوقت دون فعل الصلاة، لأنا فيها رخصة مقدرة بالوقت وهي المسح على الخفين، ولم نجد رخصة مقدرة بفعل الصلاة. وقال الطحاوي: [ومذهبنا قوي من جهة النظر وذلك أنا عهدنا للأحداث إما خروج خارج أو خروج وقت، فخروج الخارج معروف، وخروج الوقت وانقضاء المدة حدث في المسح على الخفين، فرجعنا في هذا الحديث المختلف فيه، فجعلناه كالحديث المختلف فيه الذي أجمع عليه ووجد له أصل ولم يجعله كما لم يجمع عليه، ولم نجد له أصلاً لأنها لم يعهد الفراغ من الصلاة حدثا قط] . وأجاب بعضهم عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضعيف، وقال: اتفق الحفاظ عل ضعف الحديث الذي فيه الوضوء لكل صلاة، حكاه النووي في " المهذب ". قلت: هذه اللفظة: أعني قوله: وتتوضأ لكل صلاة، معلقة عند البخاري عن عروة في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ"صحيحه " وأخرجها الترمذي عن أبي معاوية متصلاً، ثم قال في آخره: حديث حسن صحيح. وقال ابن رشد في قواعده: وصحح قوم من أهل الحديث هذه الزيادة يعني تتوضأ لكل صلاة، وقال في موضع آخر: صححها أبو عمر بن عبد البر، وذكر البيهقي عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قيل له روينا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، قال: نعم، قد رويتم ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الوضوء مما خرج من دبر أو ذكر أو فرج ولو كان محفوظاً لكان أحب إلينا من القياس. قلت: يلزم على قياس الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن لا تختص المستحاضة بفرض واحد كالوضوء مما يخرج من أحد السبيلين. فإن قلت: الفرق أن حديث المستحاضة بعد الفرض موجود قائم. قلت: فواجب أن لا تصلي بعد ذلك نافلة، ثم إنه خصص العموم وجوز من النوافل ما شاءت، وجعل التقدير لكل صلاة فرض، فكما أضمر ذلك فلزمه أن يضمر الوقت ويقول التقدير لوقت كل صلاة على أنا نقول قد روى ذلك على ما ذكرنا. فإن قلت: ذكر البيهقي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» وحكي عن أبي بكر الفقيه أنه قال: أخبر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن الله تعالى أمره بالوضوء إذا قام إلى الصلاة لا دخول وقت الصلاة أو خروجه. قلت: ظاهره متروك بالإجماع بين الفقهاء، وإنما يؤمر بالوضوء من قام إلى الصلاة وهو فرض، ومن قال: بانتقاض طهارتها عند خروج الوقت أو دخوله لا يأمرها بالوضوء عند ذلك، وإنما يقول: طهارتها مقيدة بالوقت على مقتضى ما مر، فإذا خرج الوقت أو دخل على حسب اختلافهم عمل على حكم الحديث السابق. فإذا أرادت الصلاة بعد ذلك فقد أرادتها وهي محدثة فتؤمر بالوضوء عملاً بذلك الحديث، ونظير هذا الماسح على الخف إذا انقضت مدته فإنه تنقض طهارته بلا خلاف وإن كان لم يقم إلى الصلاة، ولما ألغى الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طهارتها في حق النوافل وإن كان في ذلك مخالفة لطرد هذا الحديث أعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» فلذلك خصه بنفي طهارتها في حق الصلاة كلها ما دام الوقت باقياً عملاً بحديث المستحاضة "تتوضأ لكل صلاة" بإضمار الوقت كما ذكرنا. 1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفروع: المستحاضة تستوثق بالشد والثلجم وحشو فرجها بقطنة أو خرقة دفعاً للنجاسة أو تقليلاً لها إلا أن تكون صائمة أو يضرها ذلك، «وفي حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتستثفر بثوب» وهو أن تشد ثوباً تحتجز به تمسك موضع الدم، «وفي حديث حمنة بنت جحش قال: فتلجمي قالت: إنما أشج شجاً» . الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه أحمد. وفي " المبسوط " و " شرح مختصر الكرخي " للقدوري: قال: فاطمة بنت قيس لم تذكر في المستحاضات، والتي قالت: أشج، هي حمنة لا فاطمة، فالوهم بينهما في موضعين في جعل فاطمة بنت قيس المستحاضة، وفي نسبة شدها وتعصيب جسمها تيسير ولأنه نجس وحدث، فإن غلب الدم وخرج بعد الشد لم يقر في الوقت لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: اعتكفت امرأة من أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانت ترى الدم الصفرة والطست تحتها وهي تصلي، رواه البخاري، وكان زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به سلس البول وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ولا يبالي بما أصاب ثوبه، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يصلي يثعب دما، رواه أحمد والدارقطني. وفي " الذخيرة ": إذا حشت فرجها ومنعته من الخروج لا ينتقض وضوءها في إحدى الروايتين، وفي " الحاوي " قال: لا ينتقض، ولم يحك خلافا. وفي " المبسوط " و" المحيط " وغيرهما: إذا أصاب ثوبها من ذلك الدم فعليها أن تغسله إن كان مقيداً بأن لا يصيبه مرة أخرى حتى لو لم تغسله وهو أكثر من قدر الدرهم لم يجزها، وإن لم يكن مقيداً بأن كان يصيبها مرة بعد مرة أخرى أجزأها ولا يجب غسله ما دام القدر قائماً، ومثله سلس البول والجرح السائل. وفي " المحيط ": وقيل: إذا أصابه خارج الصلاة يغسله لأنه قادر على أن يفتتح الصلاة في ثوب طاهر وفي الصلاة لا يمكنه التحرز منه فسقط عنه. وفي " الحاوي ": الرباط إذا امتنع منه السيلان لا ينتقض الوضوء وأجزأه من الحدث، فإن نشف الدم في الخرقة فهو سائل، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول في الدم ونحوه: عليه غسل ثوبه عند وقت كل صلاة مرة كالوضوء. وغيره من المشايخ قال: لا يلزمه ذلك، وكذا لا يلزم عندنا إعادة الشد وغسل الدم ولا إبداله ولا الاستنجاء لوقت كل صلاة للحرج. ثم الطهارة إذا وقعت للسيلان لا ينتقض به في الوقت. وينتقض بحدث آخر عند خروج الوقت، وشرط وقوعها السيلان بأن لا يكون السيلان مقارناً لها أو طارئاً عليها وهو يحتاج إليها لأجله، وعند خروج الوقت يظهر حكم الحدث السابق حتى يغسل التي هو فيها عند خروجه ويتوضأ ويستقبل ولا يبني، ولو كانت نافلة يجب القضاء لصحة
وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى ـــــــــــــــــــــــــــــQالشروع فيها، ولو توضأ لأجل مكتوبة وسال من الأجزاء انتقض، ولو توضأ لهما فانقطع أحدهما فهو على وضوئه ما بقي الوقت. وعلى هذا القروح إن تجدد فيها زيادة بعد الوضوء أو انقطع الدم من بعضها. م: (وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى) ش: أي إذا خرج وقت صلاة المعذورين بطل وضوؤهم، وإضافة البطلان إلى الخروج مجاز لأنه لا يوصف بذلك فضلاً عن أن يكون حدثا، وإنما الانتقاض بالحدث السابق لكن أثره يظهر عنده، لأن الوقت مانع، فإذا زال أثره ظهر والشرط يقام مقام العلة في حق إضافة الحكم. وقال: الأكمل: قيل قوله: واستأنفوا الوضوء مستدرك لأن بطلان الوضوء يستلزمه. قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي ولكنه قال في الجواب قال شيخي في جوابه: جاز أن يبطل الوضوء بحق صلاة ولا يبطل بحق صلاة أخرى، ولا يجب عليهم الاستئناف في حق تلك الصلاة كما قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ببطلان طهارة المستحاضة للمكتوبة بعد أدائها وبقاء طهارتها للنوافل وكذلك قوله في التيمم أيضاً، وكما قال بعض أصحابنا في حق المتيمم لصلاة الجنازة، وفي المضطر ببقاء تيممه في حق جنازة أخرى لو حضرت هناك على وجه لو اشتغل بالوضوء تفوته صلاة الجنازة ويبطل في حق غيرها. وذكر صاحب " الدراية " أيضاً هذا السؤال ثم قال في جوابه: قال مولانا حافظ الدين في جوابه ما قاله الشيخ السغناقي وهو الشيخ عبد العزيز ولكنه لم يذكر من قوله وكما قال أصحابنا إلى آخره، ثم قال الأكمل: وفيه تمحل كما ترى أراد بالتمحل أن الكلام في الوضوء لا في التيمم. قلت: فيما قاله تمحل لأنه نظر في ذلك بما قاله الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الوضوء، وأما التيمم فإنه كالوضوء لأنه خلف عنه قائم مقامه، ثم قال الأكمل: يجوز أن يكون تأكيداً. قلت: إنما يصح ذلك لو كان في قوله: بطل وضوؤه احتمال لعدم البطلان بوجه من الوجوه، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون كالتفسير الأول، ثم علله بعلة لا تجدي، قلت: إنما يصح ذلك لو كان قوله: بطل وضوؤهم احتمالاً أو إبهاماً، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون الأول لبيان المذهب والثاني نفي لقول زفر فإنه يقول بقوله إذا دخل الوقت. قلت: وهذا صادر من غير تدور لأنه لا خلاف في الاستئناف المستلزم للبطلان وإنما الخلاف في أن البطلان بدخول الوقت أو خروجه أو بكليهما على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، فكيف يقول بنفي قول زفر وهو لا يقول بالاستئناف حتى ينفي قوله، ولئن سلمنا ما ذكره وأنه لا يحتاج إلى نفي قول زفر بقوله واستأنفوا لأنه خرج بقول زفر بقوله: وقال زفر:
وهذا عند أصحابنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال زفر: استأنفوا إذا دخل الوقت، فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر، وحاصله أن طهارة المعذور تنتقض بخروج الوقت بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ـــــــــــــــــــــــــــــQاستأنفوا على ما نذكره الآن. م: (وهذا عند علمائنا الثلاثة) ش: أي بطلان الوضوء بخروج الوقت عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال: زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - استأنفوا) ش: أي وضوءهم م: (إذا دخل الوقت) ش: أي وقت صلاة أخرى م: (فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر) ش: أي فإن توضأ هؤلاء المعذورون وقت طلوع الشمس كفاهم هذا الوضوء إلى خروج وقت الظهر، وأصل هذا أن طهارة هؤلاء تبطل بخروج الوقت عند علمائنا الثلاثة، وعند أبي يوسف تبطل بالدخول أيضاً، وعند زفر لا تبطل بالدخول لا غير على رواية الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد وبالدخول والخروج جمعاً على رواية الشيخ الإمام أبي عبد الله الخراجي كما هو قول أبي يوسف ذكر الروايتين عن زفر في " شرح الجامع الكبير " لأبي بكر محمد بن الحسين البخاري المعروف بخواهر زاده، وخواهر زاده ابن [ ... ] القاضي نائب قاضي سمرقند، ولأن سير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الأصل المذكور، وإنما قدم هذه الصورة لكون أبي يوسف مع زفر أشار إليه بقوله م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: أي هذا الذي ذكرنا ذكرنا من بقاء وضوئهم إلى أن يذهب وقت الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله. م: (وقال أبو يوسف وزفر - رحمهما الله - أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر) ش: أي كفاهم لوجود الدخول عندهما، وإنما ذكرنا هذه الصورة عقيب تلك الصورة إشارة لكون أبي يوسف مع زفر لا يخالفهما فيهما إلا أبو حنيفة ومحمد. م: (وحاصله) ش: أي حاصل ما ذكرنا من الاختلاف في المسألة المذكورة م: (أن طهارة المعذور تنتقض) ش: محلا رفع لأنها مع اسمها وخبرها أعني قوله: تنتقض خبر المبتدأ أعني قوله: حاصله، م: (بخروج الوقت) ش: أي وقت المكتوبة أي عنده هذا تفسير لقوله: خروج الوقت يعني المراد بخروج الوقت عند الخروج م: (بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: لأن الخروج شرط الانتقاض والعلة هي الحدث السابق، وإنما لم يظهر أثره في الوقت للضرورة، فإذا خرج الوقت زالت الضرورة فظهر أثره، ولهذا لم يجز مسح المستحاضة بعد خروج الوقت على الخفين إذا كان الدم سائلاً وقت الوضوء أو اللبس.
وبدخول الوقت عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبأيهما كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفائدة الاختلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا أو قبل طلوع الشمس ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الأكمل: وإنما قال: أي عنده لأن خروج الوقت ليس من مقدور الإنسان فضلاً أن يكون حدثا، فكان الانتقاض بالحدث السابق لكن الوقت مانع، فإذا زال ظهر أثر الحدث فكانت السببية إلى الخروج مجازاً واعترض بأن الانتقاض لو أسند إلى الحدث السابق لما وجب القضاء على ما شرع في التطوع ثم خرج الوقت لأنه ظهر أنه شرع فيه بلا طهارة. قلت: أخذ هذا كله من " الغاية " و" الذخيرة "، وتقدير الجواب ليس هذا بظهور من وجه أيضاً ومن وجه فأظهرنا الاقتصار في القضاء والظهور في حق المسح، وإنما لم يعكس الاقتصار والظهور لما ذكرنا ليكون عملاً بالاحتياط وفي عكسه لا يكون عملاً به. م: (وبدخول الوقت عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي تنتقض بدخول الوقت فقط عند زفر م: (وبأيهما كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني تنتقض بأي شيء كان من الدخول والخروج عنده م: (وفائدة الخلاف لا تظهر إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا) ش: يعني ثمرة الاختلاف إنما تظهر في الصورتين، إحداهما: فيمن توضأ قبل الزوال، ثم دخل الوقت لا تنتقض طهارته ويصلي بها الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف وزفر - رحمهما الله - لوجود الدخول بلا خروج. والثانية: هي قوله م: (أو قبل طلوع الشمس) ش: أي لو توضأ قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر ثم طلعت الشمس تنتقض طهارته عندهما لوجود الخروج وكذا عند أبي يوسف لوجود أحد الأمرين خلافاً لزفر لعدم الدخول. فإن قلت: لم حصرت الفائدة في الصورتين؟ لأن في الأول دخولاً بلا خروج، وفي الثانية خروجا بلا دخول، هذا ظاهر كلام المصنف، وقال المحققون من مشايخنا مثل فخر الإسلام ومن تابعه على قول أبي يوسف: لا تنتقض طهارته بدخول بلا خروج، وإنما تنتقض بخروج بلا دخول كما هو قولهما وفيما إذا توضأت المستحاضة قبل الزوال ودخل وقت الظهر إنما يحتاج إلى الطهارة لأجل الظهر عنده لا لكون طهارتها انتقضت بدخول الوقت بلا طهارة، لأن طهارتها ضرورية ولا ضرورة في تقديم الطهارة على الوقت. وكذا ذكر فخر الإسلام أيضاً في طرق عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً، وقال: فظن السائل أن زفر لم يجعل الخروج حدثا بل جعل الدخول حدثا وليس كذلك، بل الصحيح من مذهبه أن شيئاً من ذلك ليس بحدث، وإنما لم تنتقض الطهارة بطلوع الشمس عنده، لأن قيام الوقت جعل عذراً وقد بقيت شبهته حتى لو قضى صلاة الفجر قضاها مع سنتها فكان كمال الخروج بدخول وقت
لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اعتبار الطهارة مع المنافي للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده، ولهما أنه لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء كما دخل الوقت ـــــــــــــــــــــــــــــQآخر، ولم يوجد فبقيت شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تخفيفاً. وقال السغناقي: وبهذا التقدير يعلم أن العلماء الأربعة كلهم متفقون على أن الحدث السابق إنما يعمل عند خروج الوقت لا غير إلا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقديم الطهارة غير معتبر لعدم الحاجة فيجب عليها الوضوء ثانياً بعد خروج الوقت، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يوجد الخروج من كل وجه ما لم يدخل وقت مكتوبة أخرى، فلذلك يجب عليها الوضوء بعد خول الوقت عنه. م: (لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اعتبار الطهارة مع المنافي) ش: وهو سيلان الدم م: (للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر) ش: أي الطهارة قبل الوقت. فإن قيل: فغير المعتبر كيف يوصف بالانتقاض عند دخول الوقت. أجيب بأن عدم الاعتبار قبل الوقت إنما هو بالنسبة إلى الوقتية لقيامه مقام الأداء فلا تعتبر قبله وبعده. قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ذكرهما الأكمل في شرحه. م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة) ش: إلى الأداء م: (مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده) ش: أي فلا تعتبر الطهارة قبل الوقت ولا بعد الوقت. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء) ش: لأن الشرع أمر بالصلاة في أول الوقت، ولهذا استغرق جملة الوقت بالصلاة. فيجب أن يتمكن من ذلك ولا يتمكن منه إلا بتقديم الطهارة على الوقت، فلو كان دخول الوقت ناقضاً للطهارة لما انتفع بالتقديم. فإن قلت: قوله: لا بد من تقديم الطهارة يورث وجوب التقديم، لأن لفظة لا بد تستعمل في الوجوب وليس كذلك. قلت: فيه تسامح، والمضاف محذوف تقديره لا بد من جواز تقديم الطهارة. م: (كما دخل الوقت) ش: الكاف فيه للمفاجأة، وكلمة ما مصدرية وليست الكاف للتشبيه أي لتفاجئ تمكن الأداء بدخول الوقت، لأن الوقت قائم مقام الأداء وتقديمها على الأداء واجب فكان تقديمها على خلفه وهو وقت الأداء جائز. ولهذا قال بعضهم على قياس قولهما لو توضأت للعصر قبل العصر جاز أن تصلي العصر
وخروج الوقت دليل زوال الحاجة فظهر اعتبار الحدث عنده، والمراد بالوقت وقت المفروضة حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به عندهما وهو الصحيح، لأنها بمنزلة صلاة الضحى، ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه للعصر فعندهما ليس له أن يصلي العصر به لانتقاضه بخروج وقت المفروضة ـــــــــــــــــــــــــــــQبه، وقال بعضهم: لا يجوز، لأن هذا دخول مشتمل على الخروج وبه تنتقض لا بالدخول، وإليه أشار المصنف بقوله: وعندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد ليس له أن يصلي العصر به على ما يجيء عن قريب. م: (وخروج الوقت دليل زوال الحاجة) ش: يعني أن خروج الوقت يدل على انقضاء الطهارة وانقضاؤها لا يستدعي بقاء الطهارة فنجعل الحدث السابق في انقضاء الطهارة، وأما دخول الوقت فيدل على تحقق الحاجة، وتحقق الحاجة يستدعي ثبوت الطهارة، فكان خروج الوقت الذي لا يستدعي بقاء الطهارة أحق بأن يضاف إليه انتقاض الطهارة من الدخول الذي يستدعي بقاؤها م: (فظهر اعتبار الحدث عنده) ش: أي عند خروج الوقت. م: (والمراد بالوقت وقت المفروضة) ش: أي المراد بالوقت الذي اعتبر خروجه ودخوله وقت الصلاة المفروضة م: (حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن يصلي الظهر به) ش: أي بذلك الوضوء وليس هذا بإضمار قبل الذكر، لأن قوله: توضأ يدل على الوضوء، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) ، م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد، وإنما خصهما بالذكر مع أن الحكم عند الكل كذلك لما أن الشبهة ترد على قولهما حيث جوز تقديم الوضوء على الوقت، وما قالا بالانتقاض بالدخول م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعضهم أنه ليس له أن يصلي الظهر به لأن خروج وقت صلاة واجبة لأن صلاة العيد واجبة م: (لأنها) ش: أي لأن صلاة العيد. وإنما ذكر الضمير إما باعتبار المذكور، وإما باعتبار لفظ العيد م: (بمنزلة صلاة الضحى) ش: من حيث إنها ليست بمفروضة. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": فإن توضأ صاحب العذر يوم العيد بعد طلوع الشمس لصلاة العيد هل يصلي به الظهر؟ فقد قيل: ليس له ذلك، ثم قال: ولا رواية فيه، وقيل: بل هي صلاة الضحى في الأصل فأشبه سائر الأيام. م: (ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه) ش: أي توضأ مرة أخرى في وقت الظهر م: (للعصر) ش: أي لأجل صلاة العصر م: (فعندهما) ش: أي فعند أبي حنيفة ومحمد م: (ليس له أن يصلي العصر به) ش: أي بذلك الوضوء م: (لانتقاضه) ش: أي لانتقاض ذلك الوضوء م: (بخروج وقت المفروضة) ش: وهو صلاة الظهر.
والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: ما الفائدة في وضع المسألة في وقت الظهر؟ قلت: لتبيين أنه ليس بين وقت العصر وبين وقت الظهر وقت مهمل، كما هو مذهب الحسن بن زياد فإنه روى عن أبي حنيفة أنه إذا صار الظل قائما يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر وهو الذي تسميته بين الصلاتين وليس هذا بصحيح. م: (والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت الصلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه) ش: أي في الوقت هذا تعريف المستحاضة بعد ذكر أحكامها، وكان ينبغي تقديم تعريفها على بيان أحكامها ثم هذا الحد في حق الدوام والبقاء، وأما اشتراط استيعاب الوقت بالسيلان لثبوت العذر ليس بشرط عند المصنف، وهو الذي ذهب إليه صاحب " البدائع " و" فتاوى قاضي خان " و" المفيد " و" المزيد " و" الينابيع "، وإنما قلنا هكذا لئلا يرد عليه ما لو رأت الدم في أول الوقت ثم انقطع فتوضأت على الانقطاع ودام الانقطاع حتى خرج الوقت فإنه لا تنقض طهارتها، ولو لم يؤول كلامه إلى ما ذكرنا لما كانت طهارة المستحاضة تنتقض بخروج الوقت فلا بد من العناية المذكورة لدفع هذا الإيراد. وذكر في " الذخيرة " و" فتاوى المرغيناني " و" الواقعات و" الحاوي " و" خير مطلوب " و" جامع الخلاطي " و" المنافع " و" الحواشي " أنه يشترط استيعاب الوقت بالسيلان فلا يثبت حكم الاستحاضة حتى يستمر الدم في وقت صلاة كامل. وذكر في " الذخيرة ": ولو سال الدم في وقت صلاة فتوضأت وصلت ثم خرج الوقت ودخل وقت صلاة أخرى، وانقطع دمها ودام الانقطاع إلى آخر الوقت توضأت وأعادت تلك الصلاة، وإن لم ينقطع في وقت الصلاة الثانية حتى يخرج الوقت لا تعيدها لأن في الوجه الأول لم يستوعب السيلان وقت صلاة، فلم يحكم باستحاضتها وفي الوجه الثاني تستوعبه فيحكم باستحاضتها. وقال تاج الشريعة في حد المصنف للاستحاضة: هذا حد المستحاضة بقاء، ولم يتعرض إلى شيء غير ذلك، وكذلك السغناقي وصاحب " الدراية "، ولم يتعرض إليه إلا الأترازي فإنه قال: هذا الذي قاله صاحب " الهداية " فيه نظر عندي، لأن التعريف ينبغي أن يكون جامعا ومانعا وهو ليس بجامع، لأن حقيقة المستحاضة لا يوجد بهذا القدر، قال: حتى يوجد الاستغراق في الابتداء وليس بمانع لدخول الحائض تحته، لأن الحائض قد تكون بهذه المثابة بأن لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه. قلت: نظره ضعيف، لأنه إنما يلزم ما ذكره لو لم يحمل كلامه على ما بعد الثبوت أي بعد ما ثبت أنها مستحاضة، لأنا ذكرنا أن حده الذي ذكره في حق الدوام والبقاء، وكذا قال الإمام حميد الدين الضرير في "شرحه " هذا حد المستحاضة بقاء، أما في قوله: مستحاضة ابتداء، فالشرط أن
وكذا كل من هو في معناها وهو من ذكرناه ومن به استطلاق بطن وانفلات ريح، لأن الضرورة بهذا تتحقق وهي تعم الكل. والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQيكون الحدث مستغرقا لجميع الوقت حتى لو لم تستغرق كل الوقت لا تكون مستحاضة، وإنما استغرق مدة لا تحتاج إلى الاستغراق بعد ذلك بل وجوده في الوقت مرة كاف، وقال الأترازي وبعد أن قال فيه نظر، وهذا الذي قال الإمام حميد الدين لأنه قال: هذا حد المستحاضة بقاء.. إلخ، وذلك يقتضي تعدد حقيقة الشيء وهو فاسد، وأخذ الأكمل منه فقال: يلزم اختلاف حقيقة الشيء بالنسبة إلى الحالتين والحقائق لا تختلف. قلت: هذا أعجب من العجب لأن عدم وجواز اختلاف الحقائق بالنظر إلى ذات الشيء، وأما بالنظر إلى صفاته فلا مانع منه، لأن ذات المستحاضة من سال دمها في غير أوقات معلومة، ومن غير عرق الحيض. وأما صفتها التي هي التعريف الشرعي فهو الذي ذكره المصنف مع قيد في الدوام والبقاء، وأما كونه مستحاضة ابتداء فله شرط آخر على ما ذكرناه، ثم طول الأترازي في حد الاستحاضة، وادعى أنه وقع في خاطره من الأنوار الربانية والأسرار الإلهية، وكذلك طول الأكمل فيه، وقال ولعل الصواب أن يقال في تعريفها إلى آخر ما ذكره، وطوينا ذكرهما خوفاً من التطويل لما فيهما من التعسف. م: (وكذلك كل من هو في معناها) ش: أي في معنى المستحاضة أن يكون حكمه حكم المستحاضة م: (وهو من ذكرناه) ش: أراد به قوله: ومن به سلس البول الرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ م: (ومن به استطلاق بطن) ش: عطف على قوله: من ذكرناه، واستطلاق البطن عبارة عن الإسهال. وقال الجوهري: استطلاق البطن فيه م: (وانفلات ريح) ش: عطف على ما قبله، والانفلات خروج الشيء فلتة أي بغتة، كذا قاله المطرزي م: (لأن الضرورة بهذا) ش: أي بما ذكر من الانفلات أو بما ذكر من الأحداث م: (تتحقق وهي) ش: أي الضرورة م: (تعم الكل والله أعلم) ش: أي تشمل كل ما ذكر فيكون حكم الكل حكم المستحاضة، ويعرف المعذور بمن حصل به دوام حدث وقت صلاة كاملة ثم لا يخلو عنه منذ توضأ فيه.
[فصل في النفاس]
فصل في النفاس والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في النفاس] [تعريف النفاس] م: (فصل في النفاس) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام النفاس، أخره عن الحيض والاستحاضة لقلة وقوعه، والنفس بكسر النون ولادة المرأة، مصدر، سمي به الدم كما يسمى بالحيض ذكره المطرزي وهو مأخوذ من تنفس الرحم بخروج النفس الذي هو الدم، ومنه قول إبراهيم النخعي ما ليس له نفس سائلة إذا مات في الماء لا يفسده، أي وليس له دم سائل وهو عربي فصيح وفي الصحاح جعله حديثا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنه قول الشاعر: تسيل على حد السيول نفسوسنا ... وليس على غير السيوف تسيل والنفس ذات الشيء ومنه جاء زيد نفسه، في التأكيد، فسمي المولود نفسا، ومنه ما من نفس منفوسة، والنفس الروح، يقال خرجت نفسه، أي روحه، والنفس العين، يقال أصابته نفس أي عين، والنافس العائن، والنفس قدر دبغة يدبغ بها الأديم من قرظ وغيره، والنفس بالتحريك واحد الأنفاس، والنفس الجرعة. وفي " المغرب ": النفاس مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي نفساء وهن نفاس، وقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن أسماء نفست أي حاضت، والضم فيها خطأ. وفي " الدراية " وأما اشتقاقه من تنفس الرحم أو خروج النفس بمعنى الولد فليس بذلك، وفي " المجتبى " مشتق من تنفس الرحم أو خروج النفس أو الولادة على ما قال الشاعر: إذا نفس المولود من آل خالد ... بدا كرم للناظرين قريب وأما النفساء فهي الوالدة، قال الجوهري: ليس في الكلام من فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء وهي الحامل من البهائم. قلت: ويجمع أيضا على نفسوان بضم النون. وقال صاحب " المطالع ": وبالفتح أيضاً، ويجمع أيضاً على نفس بضم النون، والفاء ويقال في الواحد: نفسى مثل يسرى نفسى بفتح النون أيضاً وامرأتان نفساوان: م: (والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة) ش: الواو في - والنفاس - واو الاستفتاح كذا سمعته من أساتذتي الكبار، ولم أره في الكتب ولا مانع من كونها للعطف، وقد يعترض شيء بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا الذي ذكره المصنف هو حد النفاس، اصطلاحاً قول: عقيب الولادة، وفي بعض النسخ - عقيب الولد - وفي بعضها - هو الدم الخارج يعقب الولد -
لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس بمعنى الولد، أو بمعنى الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة وإن كان ممتدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيض ـــــــــــــــــــــــــــــQلأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس بمعنى الولد، أو بمعنى الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة وإن كان ممتدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيض وهذه الجملة صف الدم لأنه لم يرد به تفسير معين فهو في معنى النكرة قاله الأكمل. قلت: إنما قال هكذا لدفع قول من قال لأن الدم معرف بالألف واللام، والجملة لا تكون صفة للمعرف. م: (لأنه) ش: أي لأن النفاس م: (مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس) ش: بالسكون م: (بمعنى الولد أو بمعنى الدم) ش: وقد ذكرنا هذا عن قريب م: (والدم الذي تراه الحامل ابتداء) ش: أي قبل خروج الولد م: (أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة) ش: وليس بحيض. م: (وإن كان ممتدا) ش: أي وإن بلغ نصاب الحيض وهو ثلاثة أيام فليس بحيض، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والأوزاعي وعطاء ومحمد بن المنكدر وجابر بن زيد والشعبي ومكحول والزهري والحكم وحماد والثوري وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيض) ش: وهو قوله الأصح، وبه قال قتادة ومالك والليث، وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله - إنه دم فاسد - وفي " شرح الوجيز ": ما تراه الحامل على ترتيب الحيض في القديم هو دم فاسد أي استحاضة، وفي الجديد هو حيض ولا فرق على القولين بين ما تراه قبل حركة الحمل أو بعدها، وقيل القولان فيما بعد حركة الحمل أما قبل حركته فهي كالحبالى وفق الخلية، والذي يخرج مع الولد فيه وجهان: أحدهما: أنه نفاس، والثاني: أنه حيض. وفي " شرح الهداية " لأبي الخطاب ما تراه قبل الوضع باليومين والثلاثة نفاس تترك له الصلاة والصوم وبه قال إسحاق. وقال الحسن والأوزاعي: دم المطلق المتتابع نفاس وما قبله فاسد، وإن خرج بعض الولد فالدم قبل انفصاله نفاس عند أحمد وإن قل، وإن ألقته مضغة أو علقة فليس بنفاس، وفي المضغة عنه روايتان إذا لم يستبن بعض خلقه، وعندنا إن خرج أكثر الولد يكون نفاساً وإلا فلا. وفي " المفيد ": والنفاس يثبت بخروج أقل الولد عند أبي يوسف وعند محمد بخروج أكثره، وكذا إن انقطع الولد منها وخرج فهي نفساء، وخروج أكثره كخروج أقله، وعند محمد وزفر: لا تكون نفساء والسقط إن استبان بعض خلقه تكون به نفساء على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى. وقالت الشافعية: في " شرح المهذب " إن وضعت لحما لم يتصور بعد صورة آدمي والقوابل قلن: إن لحم آدمي يثبت حكم النفاس، ولو شرب دواء فأسقطت جنينا ميتا حتى صارت نفساء لا تقضي صلاة مدة نفاسها، وإن كانت عاصية عندهم على الأصح ذكره في " شرح المهذب " للنووي وهو ينقض قاعدتهم في منع الرخصة بالمعصية.
اعتبارا بالنفاس إذ هما جميعا من الرحم، ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم كذا العادة والنفاس بعد انفتاحه بخروج الولد، ولهذا كان نفاسا بعد خروج بعض الولد فيما يروى عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأنه ينفتح فيتنفس به، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (اعتباراً بالنفاس) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعتبر ما تراه الحامل حيضا اعتبارا بالنفاس يعني أن بقاء الولد في البطن لا يمنع كون الدم نفاسا، ولهذا يكون المرئي بين الولدين نفاسا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف فلا يمنع كونه حيضا م: (إذ هما جميعا من الرحم) ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الدم الذي تراه الحامل ودم النفاس كلاهما من الرحم والدم من الرحم حيض. م: (ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم) ش: حفظا للولد، لأن النقب من السفل فلا يخرج مع وجود الانسداد م: (كذا العادة) ش: أي كذا عادة الله جرت بذلك لئلا يترك ما فيه م: (والنفاس بعد انفتاحه) ش: أي بعد انفتاح فم الرحم م: (بخروج الولد) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحيض بالنفاس م: (ولهذا) ش: أي ولكون النفاس بعد انفتاح فم الرحم بخروج الولد م: (كان نفاسا بعد خروج بعض الولد) ش: ولهذا كان ابتداء النفاس من خروج بعض الولد م: (فيما يروى عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: رواه المعلى عن أبي حنيفة وبه قال أحمد، وفي رواية خلف عن أبي يوسف عن أبي حنيفة إذا خرج أكثره، وعن محمد مثله، وعنه كله. واختار القدوري الأكثر حيث قال وما تراه الحامل حال ولادتها قبل خروج أكثر الولد استحاضة، وروى هشام عن محمد: بعد خروج الرأس ونصف البدن أو الرجلين وأكثر من نصف البدن، ولأجل هذه الاختلافات أبهم المصنف البعض. م: (لأنه) ش: أي في فم الرحم م: (ينفتح فيتنفس به) ش: أي بالدم، ولنا في هذا الباب أحاديث وأخبار، منها «حدث سالم عن أبيه وهو ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس» ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق بها النساء، متفق عليه. ومنها حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورفعه أنه قال في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» ، رواه أبو داود.
[السقط الذي استبان بعض خلقه]
والسقط الذي استبان بعض خلقه ولد حتى تصير المرأة به نفساء وتصير الأمة أم ولد به، وكذا العدة تنقضي به ـــــــــــــــــــــــــــــQومنها حديث رويفع بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لأحد أن يسقي ماءه زرع غيره ولا يقع على أمة حتى تحيض أو تتبين حملها» . رواه أحمد، فجعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجود الحيض علماً على براءة الرحم من الحبل في الحديثين، ولو جاز اجتماعهما لم يكن دليلاً على إبقائه، ولو كان بعد الاستبراء بحيض احتمال الحل لم يحل وطؤها للاحتياط في أمر الإبضاع. ومن الأخبار ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: "إن الله تعالى رفع الحيض من الحبل وجعل الدم رزقا للولد "، رواهما أبو حفص بن شاهين، وما روى الأرقم والدارقطني بإسنادهما عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الحامل ترى الدم فقالت الحامل لا تحيض وتغتسل وتصلي. وقولها: - تغتسل - استحباب لكونها مستحاضة ولا يعرف عن غيرهم خلافه إلا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فإنه قد ثبت عنها رواية أخرى أنها قالت: الحامل لا تصليِ، وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يدل أن الحائض قد تحبل ونحن نقول به، ولكنه يقطع حيضها ويدفعه، والخلاف في طرآن الحيض على الحبل، ولهذا لم يكن الذي تراه الحامل قبل الوضع حيضاً ولا نفاساً عند جمهور الشافعية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هكذا ذكره في العدة والخلاطي منهما لا تنقضي به العدة إلا في صورة غريبة في أحد الوجهين أن من طلق الحامل ثم وطئها بشبهة وجبت العدة في القول الذي لا تتداخل العدتان، فلو حاضت وهي حامل تنقضي العدة للشبهة. [السقط الذي استبان بعض خلقه] م: (والسقط) ش: بالحركات الثلاث في السين م: (الذي استبان) ش: أي ظهر م: (بعض خلفه ولد) ش: وارتفاع ولد على أنه خبر للمبتدأ، أعني قوله - والسقط - وبعض خلقه كالأصبع والشعر والظفر م: (حتى تصير المرأة به) ش: أي بالسقط م: (نفساء وتصير الأمة أم ولد به وكذا العدة تنقضي به) ش: أما في أمومية الولد إذا وجد الدعوة من المولى. وأما انقضاء العدة ففي تعليق الطلاق بالولادة لأنه ولد ولأنه ناقص الخلقة، ونقصان الخلقة لا يمنع ثبوت أحكام الولد كما لو ولدت ولداً ليس له بعض أطرافه، فإن لم يظهر شيء من خلقه فلا نفاس لأن هذه علقة أو مضغة فلم يكن الدم الذي عنه نفاساً، ولكن أن أمكن جعله المرئي من الحيض وسمي الدم حيضاً بأن تقدمه طهر تام جعل حيضها إن كان ثلاثة أيام وإلا فهو استحاضة.
[أقل النفاس وأكثره]
وأقل النفاس لا حد له ـــــــــــــــــــــــــــــQثم المسألة على وجهين، إما أن ترى الدم قبل إسقاط السقط أو بعده، فإن رأت قبله وقد استبان بعض خلقه ما تركت من الصلاة والصوم لأنه يتبين أنها كانت حاملاً، وإن لم يستبين خلقه فإن كانت رأت قبل السقط ثلاثة أيام وقد وافق أيام عادتها أو كان مرئياً عقيب طهر صحيح فهو حيض لأنه يتبين أنها لم تكن حاملا، وما رأته بعد السقط استحاضة، وإن رأت قبل السقط يوماً أو يومين تكمل ثلاث أيام مما رأت بعد السقط والباقي استحاضة. وأما إذا رأت الدم بعد إسقاط السقط ولم تر ما قبله فإن أمكن جعله حيضاً يجعل حيضاً وإلا فهو استحاضة، وإن كان السقط لا يدرى بأنه كان مستبين الخلقة أو لم يكن بأن السقط في المخرج فهو على وجهين. أما إن رأت الدم قبل إسقاط السقط أو بعده فإن رأت بعده واستمر الدم فهي مبتدأة في النفاس وصاحبة عادة في الحيض والطهر كان عادتها في الحيض عشرة وفي الطهر عشرين فنقول على تقدير السقط مستبين الخلق هي نفساء ونفاسها يكون أربعين يوما، وعلى تقدير أن السقط لم يكن مستبين الخلق لا تكون نفساء ويكون عشرة أيام عقيب الإسقاط حيضاً، وإذا وافق عادتها أو كان ذلك عقيب طهر صحيح فتترك هي الصلاة عقيب الإسقاط عشرة أيام بيقين، لأنها إما حائض أو نفساء، لأن السقط إن كان مستبين الخلق فهي نفساء وإلا فهي حائض، فلم تجب عليها الصلاة بكل حال، ثم تغتسل وتصلي عشرين بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والنفاس ثم تترك عشرة أيام بيقين، لأن فيها إما حائض أو نفساء ثم تغتسل لتمام عدة النفاس أو الحيض. فإن رأت الدم قبل الإسقاط تنظر إن رأت ثلاثة أيام دما قدر ما يتم به حيضها لا تدع الصلاة فيما رأته قبل الإسقاط بكل حال، لأنه إن كان السقط مستبين الخلق لم يكن ما رأته قبله حيضاً، وإن لم يكن كان حيضا فتردد حالها بين الطهر والحيض فلا تترك الصلاة بالشك. ولو رأت قبل الإسقاط عشرة دما ثم أسقطت، صلت تلك العشرة بالوضوء ثم اغتسلت وصلت بعد السقط عشرين يوماً بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر والنفاس، ثم تدع الصلاة عشرة بيقين لأنها فيها إما حائض أو نفساء ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر والنفاس، ثم تغتسل وتصلي عشرة لتردد حالها فيها بين الطهر والحيض، ثم تغتسل وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت لتوهم أنه وقت خروجها من الحيض من الحيض أو النفاس. [أقل النفاس وأكثره] م: (وأقل النفاس لا حد له) ش: وهو قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والشعبي ومالك
لأن تقدم الولد علم على الخروج ـــــــــــــــــــــــــــــQوالشافعي وأحمد وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال الثوري: معنى قولهم - لا حد لأقله - أنه لا يتقيد بساعة ولا بنصفها بل يكون مجرد حجة، وقال أما إطلاق جماعة من أصحابنا أن أقله ساعة ليس معناه الساعة التي هي جزء من اثني عشر جزءا من النهار، بل المراد اللحظة فيما ذكره الجمهور هذا هو الصحيح، وحكي أبو ثور عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أقله ساعة، وكذا وقع في بعض نسخ المزني وأشار ابن المنذر إلى أن للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ذلك قولين. وقال الثوري أقله ثلاثة أيام كأقل الحيض. وقال المزني: أقله أربعة أيام كأقل الحيض أربع مرات. وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أقله خمسة وعشرون يوماً، ذكره أبو موسى في "مختصره "، قال وليس المراد به أنه إذا انقطع دونها لا يكون نفاسا بل المراد أنه إذا وقعت حاجة إلى نصب العادة في النفاس لا ينقص عن ذلك إذا كان عادتها في الطهر خمسة عشر يوما، إذ لو نصب لها دون ذلك أدى إلى نقص العادة فمن أصله أن الدم إذا كان محيطاً بطرفي الأربعين المتخلل بينها لا يكون فاصلاً طال الطهر أو قصر حتى لو رأت ساعة دما وأربعين يوماً إلا ساعتين طهراً ثم ساعة كان الأربعون يوما نفاسا عنده، وعندهما إن لم يكن الطهر خمسة عشر يوماً فكذلك، وكان خمسة عشر يوما فصاعدا يكون الأول نفاسا والآخر حيضا إن أمكن ثلاثة أيام وإلا كان استحاضة وهو رواية ابن المبارك عنه. وعن أبي يوسف أنه قدر أقله بأحد عشر يوماً ليكون أكثر من أكثر الحيض في حق الأخبار بانقضاء العدة، أما لو انقطع دون ذلك فلا خلاف أنه نفاس. وذكر شيخ الإسلام في "مبسوطه " اتفق أصحابنا أن أقل مدة النفاس ما يوجد، فإنها كما ولدت إذا رأت الدم ساعة ثم انقطع عنها الدم فإنها تصوم وتصلي فكان ما رأت نفاساً لا خلاف في هذا بين أصحابنا، إنما الخلاف فيما إذا وجب اعتبار أقل النفاس في انقضاء العدة بأن قال لها إذا ولدت فأنت طالق، فقالت انقضت عدتي أي مقدار [ما] يعتبر لأقل النفاس مع ثلاث حِيض عند أبي حنيفة يعتبر أقله بخمسة وعشرين يوماً، وعند أبي يوسف بأحد عشر يوما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بساعة. وأما في حق الصوم والصلاة فأقله ما يوجد. ولو ولدت امرأة ولدا ولم تر دما فعند أبي حنيفة وزفر هي نفساء وعليها الغسل احتياطا لأن خروج الولد لا يخلو عن قليل الدم ظاهراً فيحتاط في إيجاب الغسل، وأكثر المشايخ أخذوا بقول أبي حنيفة وبه كان يفتي الصدر الشهيد وهو الأصح عند مالك والشافعي - رحمهما الله - وفي رواية الحسن عن أبي يوسف هي طاهرة ذكره في "إملائه" فلا غسل عليها لعدم الدم، هكذا نقل عن محمد وبعضهم أخذوا بقوله، وفي " المفيد " و" الحاوي " هو الصحيح. م: (لأن تقدم الولد علم) ش: أي أمارة ظاهرة م: (على الخروج) ش: أي على خروج الدم م:
من الرحم، فأغنى عن امتداد ما جعل علما عليه بخلاف الحيض وأكثره أربعون يوما، والزائد عليه استحاضة، لحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقت للنفساء أربعين يوما» ـــــــــــــــــــــــــــــQ (من الرحم فأغنى) ش: أي تقدمه م: (عن امتداد ما جعل علما عليه بخلاف الحيض) ش: هكذا وقع في بعض النسخ بإضافة امتداد إلى قوله - ما جعل كلمة موصولة - وقوله بخلف الحيض جملة وقعت حالا من قوله - علما - والنتيجة الصحيحة هكذا عن امتداد جعل علما عليه بخلاف الحيض، فقوله - عن امتداد - بالتنوين، أي عن امتداد دم، وقوله - جعل علما - جملة وقعت صفة لقوله - امتداد -، و (جعل) على صيغة المجهول و (علماً) نصب على أنه مفعول بأن يجعل قوله - عليه - أي على خروج الدم من الرحم يعني لا يشترط الامتداد في النفاس لأن خروج الولد عن ذلك بخلاف الحيض، حيث يشترط فيه امتداد الدم ثلاثة أيام شرعا ليعلم بذلك أن الدم من الرحم، إذ لا دليل على كونه من الرحم إلا بالامتداد. م: (وأكثره) ش: أي أكثر النفاس م: (أربعون يوماً) ش: وبه قال الثوري وابن المبارك وأحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه، وهو قول أكثر أهل العلم وحكى الليث بن سعد عن بعض أهل العلم أنه سبعون يوماً، وفي " المحيط " وهو قول مالك ولا أصل له. وفي " البدائع " عن مالك والشافعي - رحمهما الله - ستون، وذكر الترمذي عن الشافعي أربعين، قال ابن القاسم: ثم رجع مالك فقال تسأل النساء عن ذلك فأحال على عادتهن، وعن الحسن البصري: خمسون، وعن الأوزاعي من الغلام خمسة وثلاثون، وعنه ثلاثون، ومن الجارية أربعون، وعن الضحك أربعة عشر يوماً. م: (والزائد عليه) ش: على الأربعين م: (استحاضة) ش: كالزائد في الحيض على عشرة أيام م: (لحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنفساء أربعين يوماً» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه فرواه أبو داود في "سننه " عن أحمد بن يونس عن زهير عن علي بن عبد الأعلى عن سهل عن مسة عن أم سلمة: «كانت النساء على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً وأربعين ليلة وكنا نطلي على وجوهنا الورس يعني من الكلف» ، ورواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه الدارقطني والبيهقي في "سننهما "، وقال الخطابي: وحديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل، وقال عبد الحق في "أحكامه " أحاديث هذا الباب معلولة وأحسنها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحديث مسة الأزدية ولا يلتفت إلى كلام ابن القطان حيث قال: وحديث مسة معلول، لأن مسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث ولا إلى كلام ابن حبان في كتاب الضعفاء أن كثير بن زياد يروي الأشياء المقلوبات فاستحق مجانبة ما انفرد به من الروايات، لأن البخاري أفتى على هذا الحديث، وقال: مسة هذه الأزدية وكثير بن زياد ثقة، وكذا قال ابن معين: ثقة. قلت: كثير بن زياد في رواية أخرى لأبي داود حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن زياد أبي سهل قال حدثتني الأزدية قالت: "حججت فدخلت على أم سلمة فقلت يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض فقالت لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقضاء صلاة النفاس ". فإن قلت: أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن منهن نفساء معه إلا خديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ونكاحها كان قبل البعثة فلا معنى لقولها قد كانت المرأة.. إلخ. قلت: أرادت بنسائه من غير أزواجه من بنات، وقريبات وسرية عارية. ومسة بضم الميم وتشديد السين المهملة وتكنى أم بسة بفتح الباء الموحدة. قوله: على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي في زمانه وأيامه. قوله - بعد نفاسها - أي بعد ولادتها. قوله - وكنا نطلي - من طلت الشيء بالدهن وغيره طليا وتطليت به، فأطليت به. والورس بفتح الواو وسكون الراء في آخره سين مهملة نبت يكون باليمن يخرج على الرمث بين الشتاء والصيف يتخذ منه الحمرة للوجه. وقال ابن الورس: نبت أصفر يصبغ به. والرمث بكسر الراء وسكون الميم وفي آخره ثاء مثلثة يرى في مراعي الإبل وهو من الحمض بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفي آخره ضاد معجمة وهو من النبات وهو للإبل كالفاكهة للإنسان. قوله - كالكلف - بفتح الكاف واللام وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم وهو لون بين السواد والحمرة، وروي في هذا الباب أحاديث أخر: منها ما رواه ابن ماجه بإسناده عن أنس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنفساء أربعين يوماً إلا إن ترى الطهر قبل ذلك» ، ورواه الدارقطني في "سننه " ثم قال: لم يروه عن حميد غير سلام بن سليم وهو ضعيف. ومنها ما رواه الحاكم في "مستدركه " عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: «وقت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء في نفاسهن أربعين يوماً» وهو مرسل لأن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص. ومنها ما رواه الحاكم أيضاً عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تنتظر النفساء أربعين ليلة، فإذا رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهرة، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم توضأ لكل صلاة» ، رواه الدارقطني أيضاً، وقال: عمرو بن الحصين وابن علاثة متروكان ضعيفان وهما من رواة هذا الحديث. ومنهما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الدارقطني: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنساء في نفاسهن أربعين يوماً» وأخرجه ابن حبان في " كتاب الضعفاء "، قالت: «وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر فتغتسل وتصلي، ولا يقربها زوجها في الأربعين» ، وفي إسناده عطاء بن عجلان، وهو كوفي ضعيف. ومنها حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطبراني في "الأوسط " قال: «وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين يوماً» . ومنها حديث أبي الدرداء وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه ابن عدي في " الكامل " قالا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تنتظر النفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت أربعين يوماً ولم تر الطهر فلتغسل وهي بمنزلة المستحاضة» ، وفي إسناده العلاء بن كثير، [وهو] ضعيف.
وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتباره الستين، وإن جاوز الدم الأربعين وكانت قد ولدت قبل ذلك ولها عادة في النفاس ردت إلى أيام عادتها ـــــــــــــــــــــــــــــQوهذه الأحاديث يسند بعضها بعضا وهي حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن وافقه من أن أكثر النفاس ستون يوماً، وعلى كل من قال غير الأربعين، وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عمر وابن عباس وأنس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأم سلمة، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم. وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة المسلمين، وقال إسحاق هو السنة المجمع عليها ولا يصح في مذهب من جعله إلى شهرين نسبة، وإنما يروى عن بعض التابعين، وقال الطحاوي ولم يقل بالستين أحد من الصحابة، وإنما قاله بعض من بعدهم، وروي أيضاً مثل مذهبنا عن أبي الدرداء [ ... ] وأنس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وهو) ش: أي حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتباره) ش: أي في اعتبار النفاس م: (الستين) ش: يوماً وعلى من ذهب إلى غيره أيضاً، وقال النووي تضعيف حديث أم سلمة مردود، والحديث جيد، وبقية الأحاديث ضعفها البيهقي. قلت: قد قلنا إن بعضها يشد بعضاً فلا يفيد قوله ذلك. م: (وإن جاوز الدم الأربعين وكانت) ش: أي والحال أنها قد كانت م: (وقد ولدت قبل ذلك ولها عادة) ش: أي والحال أن لها عادة معينة م: (في النفاس ردت إلى أيام عادتها) ش: فإن كانت عادتها في النفاس عشرين أو ثلاثين أو خمسة وعشرين فرأت أكثر من عادتها، فإن لم تجاوز الأربعين فالكل نفاس. وإن جاوزت الأربعين بأن رأت خمسة وأربعين فنفاسها ما كانت عادتها، والباقي استحاضة سواء كانت ختم بعروقها بالدم أو بالطهر إذا كان بعدهم عند أبي يوسف، وعند محمد إن ختم بعروقها بالدم فكذلك وإن ختمها بالطهر فلإتيانه كانت عادتها في النفاس ثلاثين فولدت فرأت الدم عشرون وانقطع فرأت الطهر عشرة أيام تمام عادتها في النفاس ثم رأت الدم حتى جاوز الأربعين فإنها ترد إلى معرفتها ويجعل ذلك نفاساً في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن حصل ختمه بالطهر وعند محمد نفاسها عشرون يوماً من أيام الرؤية لأنه لا يختم النفاس بالطهر. وإن كانت مبتدأة بأن كان ذلك أول ما ولدت والدم مستمر فنفاسها أربعون يوماً، والزائد عليها استحاضة، ولو انقطع الدم دون الأربعين، فإن جميع ذلك نفاس سواء كانت مبتدأة أو معتادة، وإذا انقطع الدم دون الأربعين، اغتسلت وصلت بناء على الظاهر، فإن عاد الدم في الأربعين أعادت الصوم، وعند الإمام مالك النقاء الفاصل بين الدمين في مدة النفاس طهر، تصلي وتصوم ولا تقضي بعود الدم، وبه قال أحمد، وإن انقطع دون اليوم وعنه إذا كان يوما كاملاً، وللشافعي قولان أحدهما أنه طهر، والثاني: نفاس، وهو المشهور، وبه قطع
لما بينا في الحيض، وإن لم تكن لها عادة فابتداء نفاسها أربعون يوما لأنه أمكن جعله نفاسا، فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وإن كان بين الولدين أربعون يوما ـــــــــــــــــــــــــــــQجمهورهم. وقال النووي: في الدم الثاني وجهان. أصحهما: مثل قول أبي يوسف ومحمد، وفي الوجه الآخر - وهو قول أبي العباس -: شرع الدمان نفاس كما لو كان الطهر أقل من خمسة عشر. وعن مالك: إن كان النقاء يومين أو ثلاثة فهو نفاس، وإن تطاول فهو حيض، ثم قيل في حالة الطلق يؤتى بقدر فيجعل تحتها، وقيل: يحفر لها حفيرة وتجلس عليها وتصلي كيلا يؤذي ولدها. م: (لما بينا في الحيض) ش: وهو قوله في فصل الحيض إذا تجاوز الدم على عشرة أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها، والذي زاد استحاضة م: (وإن لم تكن لها عادة) ش: بأن كانت مبتدأة م: (فابتداء نفاسها أربعون يوماً، لأنه أمكن جعله نفاسا) ش: أي جعل الأربعين، فلو انقطع الدم دون الأربعين فالكل نفاس، سواء كانت مبتدأة أو معتادة، وعند الانقطاع فيما دون الأربعين فتغتسل وتصلي بناء على الظاهر، فإن عاد الدم في الأربعين أعادت الصوم. م: (فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله) ش: وبه قال مالك، وأحمد في أصح روايتيه، وهو أصح الوجوه عند الشافعية، وصححه [......] وإمام الحرمين والغزالي وفي " الهداية ": وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: وهو الأصح أنه يعتبر من الأول ابتداء المدة، وبه قال أبو إسحاق ومالك وأحمد في الأصح. والثاني: أنه يعتبر ابتداء المدة من الثاني وبه قال داود. والثالث: أنه يعتبر ابتداؤها من الأول، ثم تستأنف من الثاني. م: (وإن كان بين الولدين أربعون يوماً) ش: احترز به عما قال بعض المشايخ فيما إذا كان بين الولدين أربعون يوماً أن النفاس فيه يكون من الولد الثاني عند أبي حنيفة، وليس هذا بصحيح، وإنما الصحيح ما اختاره المصنف، لأن أكثر مدة النفاس أربعون يوما وقد مضت فلا يجب النفاس بعده، ولو كان بين الولدين ثلاثون يوما فمن الولد الثاني عشرة أيام، وإن ولدت ثلاثة أولاد بين الأول والثاني أقل من ستة أشهر وبين الثاني والثالث كذلك، ولكن بين الأول والثالث أكثر من ستة أشهر، والصحيح أن يجعل كحمل واحد.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الولد الأخير وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها حامل بعد وضع الأول فلا تصير نفساء كما أنها لا تحيض، ولهذا تنقضي العدة بالأخير بالإجماع، ولهما أن الحامل إنما لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا وقد انفتح بخروج الأول وتنفس بالدم فكان نفاسا، والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها فيتناول الجميع ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الولد الأخير) ش: أي نفاسها من الولد الثاني م: (وهو) ش: أي قول محمد هو م: (قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقول داود وبه قال بعض الشافعية م: (لأنها حامل بعد وضع الأول) ش: أي الولد الأول م: (فلا تصير نفساء) ش: لأن الحمل من الثاني واقع [حال] خروج الدم من الرحم فلا تكون نفساء بالولد الأول م: (كما أنها لا تحيض، ولهذا تنقضي العدة بالأخير) ش: أي بالولد الأخير م: (بالإجماع) ش: لأن الولد الأخير هو المعتبر في انقضاء العدة فكذا النفاس. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن الحامل إنما لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا) ش: عندنا خلافا للشافعي م: (وقد انفتح) ش: أي فم الرحم م: (بخروج الولد) ش: أي الولد الأول م: (وتنفس) ش: أي الرحم م:) بالدم فكان نفاسا) ش: لأن الخارج من الرحم بعد الولادة يكون نفاساً م: (والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها) ش: أي إلى المرأة، وهذا جواب عن قياس محمد: [أن] النفاس على انقضاء العدة، ووجهه أن العدة تنقضي بوضع الحمل، لقول تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، والحمل اسم لكل ما في البطن، ولما بقي الولد في بطنها موجوداً كانت حاملاً فلا تنقضي العدة حتى تضع الجميع، ولهذا لو قال: إن كان حملك غلاما فأنت حرة، فولدت غلاماً وجارية لم تعتق، لأن الغلام صار بعض الحمل، والشرط كونه كل الحمل م: (فيتناول الجمع) ش: أي كل الحمل فما لم تضع الجميع لا تنقضي العدة. 1 - فروع: امرأة ولدت في غرة رمضان فصامت رمضان كله ثم ولدت آخر فيما بعد رمضان لأقل من ستة أشهر من رمضان قضت صوم النصف الأول وصلاة النصف الأخير، لأن الولد الثاني من علوق حادث لأنه تخلل بين ولادة الولدين أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، والمرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر فعلم أنها حبلت في النصف الأخير من رمضان ودم الحامل لا يكون نفاساً وكانت طاهرة في النصف الأخير فتقضي ما تركت من الصلاة فيه إلا أن تكون اغتسلت على رأس النصف الأخير، لأن الاغتسال يشترط لجواز الصلاة وتقضي صيام النصف الأول لأن صومها لم يصح فيه، ولا تقضي صلاتها لأنها كانت حائض فيه، وإن كانت اغتسلت يوم الفطر وصامت شوال بنية رمضان وصلت قضت صوم يوم واحد وصلاة خمسة عشر يوماً، لأنها قضت صيام رمضان في شوال وهي طاهرة فيجزئها إلى يوم الفطر وعليها قضاء صلوات النصف الأخير من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرمضان لأنها كانت طاهرة ولم تصل أو صلت من غير اغتسال. 1 - فروع أخر: ولو خرج ولدها ميتا من قبل أو دبر لا تصير نفساء، ولو سال الدم من الأسفل صارت نفساء لأنه وجد خروج الدم من الرحم عقيب الولادة، ولو كانت معتدة تنقضي عدتها لأنها وضعت حملها وتصير الجارية أم ولد له.
[باب الأنجاس وتطهيرها]
باب الأنجاس وتطهيرها ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب الأنجاس وتطهيرها] [حكم تطهير النجاسة] م: (باب الأنجاس وتطهيرها) ش: أي هذا باب بيان أحكام الأنجاس وبيان أحكام تطهيرها، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا، ويجوز نصبه بتقدير: خذ باب الأنجاس، قال تاج الشريعة: قد يحذف المضاف كما في قَوْله تَعَالَى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] (طه: الآية 36) وقوله: باب الأنجاس: من قبيل القسم الثاني، أي باب بيان أنواع الأنجاس. قلت: لا حاجة إلى هذا التعسف، لأن لفظ الأنجاس يشمل الأنواع، وكونه من القسم الأول أولى. ولما فرغ من بيان النجاسة الحكمية وتطهيرها شرع في بيان النجاسة الحقيقية وتطهيرها، ولما كانت الأولى أقوى وأكثر قدمها على الثانية، والأنجاس جمع نجس بفتح النون وكسر الجيم وبسكونها مع فتح النون، وبكسر النون مع سكون الجيم وكلها مستعملة في اللغة، قاله على بعض الشراح. قال: الأكمل: والأنجاس جمع نجس بفتحتين وهو كل مستقذر وهو في الأصل مصدر ثم استعمل اسما، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] (التوبة: الآية 28) ، وقال تاج الشريعة: الأنجاس جمع نجس بكسر الجيم وهو الشيء الذي أصابته النجاسة، والنجس بالفتح كل ما استقذرته، وقال صاحب " الدراية ": وهو في الأصل مصدر، والمراد هاهنا الاسم. قلت: قد رأيت ما بين أحد منهم حقيقة هذه المادة، وهو من باب علم يعلم، تقول: نجس ينجس نجساً بفتح فهو نجس بكسر الجيم وفتحها، وفي دستور اللغة: نجس بكسر الجيم ينجس بفتح النون وسكون الجيم وهو مصدر، وكذلك نجس نجاسة. وكذلك ذكره في باب فعل يفعل بالضم فيهما. وفي " العباب ": والنجَس والنجِس والنَجْس والنِجْس والنجُس ضد الطهارة، ونجس ينجس مثال سمع يسمع، ونجس ينجس مثال كرم يكرم، وإذا قلت: رجل نجس بكسر الجيم ثنيت وجمعت، وإذا قلت: نجس بفتحها لم تثن ولم تجمع وقلت: رجل نجس ورجلان نجس ورجال نجس وامرأة نجس ونساء نجس، ويقال: أنجسه ونجسه تنجيسا فعن هذا أن قول الأكمل: الأنجاس جمع نجس بفتحتين غير صحيح والصحيح ما قاله تاج الشريعة فافهم. ثم الخبث يطلق على الحقيقي والحدث على الحكمي والنجس يطلق عليهما. قوله: وتطهيرها: أي وفي بيان تطهير الأنجاس، والتطهير إن فسرها بالإزالة فحسن إضافة التطهير إليها، وإن فسر بإثبات الطهارة فالمراد طهارة محلها كالبدن والثوب والمكان، لأن نجاسة هذه الأشياء مجاورة النجاسة، فإذا زالت ظهرت الطهارة الأصلية، وهذا لأنه لا يمكن تطهير عين
[حكم تطهير النجاسة]
تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه ـــــــــــــــــــــــــــــQالنجاسة فلا بد من التأويل فذكر الحال وأراد به المحل عكس قوله في البئر نزحت فإنه ذكر المحل وأراد به الحال، والنجاسة محل معنى إذا حلت بالمحل يوجب الاختلال بالثوب إلى المعبود ويمنع كمال التعظيم له سبحانه وتعالى. [حكم تطهير النجاسة] م: (تطهير النجاسة) ش: أي تطهير محل النجاسة، لأن النجاسة لا تثبت فيها صفة الطهارة أصلاً بل تثبت في محلها بإزالتها عنه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وإنما أنشأ الضمير لأنه إضافة إلى ضمير الأنجاس. م: (واجب) ش: أي فرض، وهذا كما قالوا: الزكاة واجبة، وإنما ذكر لفظ الواجب ليشمل الكل إذ الفرض هو الأصل م: (من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه) ش: كلمة من تتعلق بقوله: تطهير النجاسة وهو في الأصل لابتداء الغاية، لكن اللائق هاهنا أن تكون للمجاورة، وهذه ثلاثة أشياء: الأول: بدن المصلي، فإن كان عليه نجاسة أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وفيما دونه تجوز وتكره. الثاني: الثوب كذلك ويحتسب بغلظ النجاسة وتخفيفها، وقال أبو عمر: ذهب مالك وأصحابه [إلى] أن إزالة النجاسة من البدن والثوب سنة وليست بفرض، وقال هشام: يعيد صلاته في النجاسة والجنابة في الوقت وبعده، وهو قول أبي قلابة والشافعي وأحمد وأبي ثور والطبري. وقال أبو عمر: روى ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري ويحيى بن سعيد في الذي يصلي في الثوب النجس ولا يعلم إلا بعد الصلاة أنه لا إعادة عليه، وبه قال إسحاق بن راهويه، وعن الحسن في الثوب يعيد في الوقت وفي جسده في الوقت وبعده. الثالث: المكان، والمعتبر في طهارة المكان [ما] تحت قدم المصلي، حتى لو افتتح الصلاة وتحت قدميه أكثر من قدر الدرهم من النجاسة فصلاته فاسدة، فكذا إذا كان تحت إحدى قدميه وهو الأصح، وقيل يجزئه، وإذا كان في موضع السجود دون القدم ففي رواية محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز، وهو الأصح وهو قولهما. وفي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة: أنه يجوز، وإن كان في موضع يديه أو ركبتيه يجزئه عندنا خلافاً للشافعي وزفر - رحمهما الله -، ولو صلى على مكان طاهر، وسجد عليه، لكن إذا سجد وقعت ثيابه على الأرض النجسة جازت صلاته ولو افتتحها على مكان طاهر ثم تحول إلى مكان نجس ثم تحول منه إلى مكان طاهر جازت صلاته، إلا أن يمكث. ولو صلى على بساط
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حتيّه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره» ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي طرف منه نجاسة، قيل: يجوز في الكبير دون الصغير وحده إذا رفع أحد طرفيه لا يتحرك الطرف الآخر وإن تحرك الصغير، والأصح أنه يجوز مطلقاً. ولو قام على النجاسة وفي رجله جوربان أو نعلان لم تجز صلاته، ولو فرش نعليه وصلى عليهما جازت لأنه بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليها جازت واللبنة والآجر إذا كان أحد وجهيها نجساً وقام على الوجه الطاهر وصلى عليها إن كانت مفروشة جازت، وإن لم تكن مفروشة روي عن محمد أنه لا يجوز. وعن أبي يوسف أنه يجوز، ولو سجد على مكان نجس ثم أعاد السجدة على مكان طاهر جاز، وعن محمد: لو سجد على ميت وعليه لبد إن كان لا يجد حجم الميت جاز، وإن وجد حجمه لا يجوز: م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ش: أي طهرها من النجاسة، والأمر للوجوب، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن زيد والحسن وابن سيرين: اغسلها بالماء ونقها من الدرن ومن القذر. وقال الأكمل: فإن قيل: قال المفسرون: معناه فقصر فلا يتم دليلاً على إزالة النجاسة. أجيب بأن ذلك مجاز والأصل هو الحقيقة، على أن تقصير الثياب يستلزم الطهر عادة فيكون أمراً بتطهير الثوب اقتضاء: قلت: أخذ هذا من " الدراية "، وقوله: قال المفسرون، من هم هؤلاء المفسرون حتى يؤخذ هذا عنهم؟ ثم يحتاج إلى الجواب مع أنه قيل: وما نقل من هذا في تفسير الآية لا يوافق ظاهر اللغة. فإن قلت: نقل ذلك عن الفراء ذكره أبو الليث في تفسيره. قلت: الأصل في التفسير تفسير ابن عباس و [من] مثله من الصحابة ومن بعدهم من التابعين الكبار كالحسن وابن سيرين وغيرهما، والفراء ومثله أئمة اللغة والنحو، مع أن تفسيره هذا خلاف اللغة. م: (وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حتيه اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره» ش: هذا أصل [له] في الحديث الصحيح، ولكن ما روي بهذا اللفظ، و [إنما] روى الأئمة الستة في "كتبهم" واللفظ لمسلم من حديث هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ قال: "تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» وفي رواية لأبي داود: «حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه» . وفي رواية له: «فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء ولتنضح ما لم تر وتصلي فيه» . رواه
إذا وجب التطهير في الثوب وجب في البدن والمكان، لأن الاستعمال في حالة الصلاة يشتمل الكل ـــــــــــــــــــــــــــــQابن أبي شيبة في "مصنفه "، وفيه قال: «اقرصيه بالماء واغسليه وصلي فيه» ، ورواه الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود في كتاب " المنتقى ": «حتيه واقرصيه ورشيه بالماء» . قوله: حتيه: من حت يحت من باب نصر ينصر إذا قشر بيده. قوله: واقرصيه، من قرص يقرص من باب نصر ينصر أيضا، وهو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع يده. وقال الخطابي: أصل القرص أن يقبض بأصبعيه على الشيء ثم يغمزه غمزاً جيدا. وقال أبو عمر في " التمهيد ": ويروى: "فلتقرصه" بفتح التاء وضم الراء وكسرها، ويروى فلتقرصه بالتشديد على التكثير أي فلتقطعه بالماء، ومنه تقريص الطحين، والنضح الرش. وقال الخطابي: وقد يكون بمعنى الصب والغسل، وقال المهلب: النضح: كثرة الصب وهو بالحاء المهملة، هي الرواية، ولو قال: بالخاء المعجمة لكان أقرب إلى معنى الغسل لأنه أكثر من المهملة، وقيل: النضح هو الرش في موضع الشك لدفع الوسوسة. وجه الاستدلال بالحديث المذكور: أنه يدل على وجوب الطهارة في الثياب، وفيه دلالة على نجاسة الدم، وهو إجماع المسلمين ودلالة على أن العدد لا يشترط في إزالة النجاسات، بل المراد الإنقاء. فإن قلت: استدل به البيهقي في "سننه " على أصحابنا في وجوب الطهارة بالماء دون غيره من المائعات الطاهرة. قلت: هو مفهوم لقب لا يقول به إمامه. فإن قلت: الحدث ورد في أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حين سألت عن دم الحيض يصيب الثوب فيقتصر عليه. قلت: قال في " الدراية ": العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم قال: كذا قيل، وفيه تأمل ظاهر، والأوجه أن يقال: الموجب لوجوب تطهير الحيض كونه نجساً فلا خصوصية له بذلك فكل من كان نجساً يلحق به. ثم إن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - استدل بالآية والحديث المذكور على وجوب طهارة ثياب المصلي ويأتي وجه وجوب طهارة البدن والمكان. م: (إذا وجب التطهير) ش: أي تطهير المصلي بما ذكرنا م: (في الثوب) ش: أي في اشتراط طهارة ثوب المصلي بما ذكره من الآية والحديث م: (وجب في البدن) ش: أي وجب التطهير في بدن المصلي م: (والمكان) ش: أي وفي المكان الذي يصلي عليه م: (لأن الاستعمال) ش: أي استعمال المصلي م: (في حالة الصلاة يشتمل الكل) ش: أي الثوب والبدن والمكان، وجه ذلك أن التمسك بالنص يكون بطرق أربعة: بالعبارة والدلالة والإشارة والاقتضاء، ثم وجوب تطهير الثوب ثبت
[ما يجوز التطهير به وما لا يجوز]
ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به ـــــــــــــــــــــــــــــQبالعبارة والبدن والمكان بالدلالة، وهذا لأن تطهير الثوب إنما وجب للصلاة لأنها مناجاة مع الرب وهي أعلى حالة العبد، فيجب أن يكون المصلي على أحسن حاله وذلك في طهارته وطهارة ما حل به، وقد وجب عليه تطهير الثوب بالنص مع قصور اتصاله به وتصور الصلاة بدونه في الجملة فلأن يجب عليه تطهير بدنه ومكانه مع كمال اتصالهما به لقيامه بهما وعدم تصور الصلاة بدونهما بطريق الأولى. ويستدل أيضاً في وجوب طهارة الثوب بما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال - حين أجنب في ثوبه -: أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أره، ومثله عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكرهما أبو عمر في " التمهيد ". واستدل في وجوب طهارة بدن المصلي بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي [أمذى] : «توضأ وانضح فرجك» رواه مسلم، والمراد من النضح الغسل، والدليل عليه ما رواه البخاري: «اغسل ذكرك وتوضأ» ، وقد ذكرنا أن النضح كثرة الصب مستدل في وجوب طهارة المكان بما رواه عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا» . قال في " الإمام ": هذا حديث صحيح أخرجه الإمام أبو بكر بن [أبي شيبة في "مصنفه "] ، فدل على اشتراط طهارة مكان الصلاة كطهارة الثياب للمتيمم ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الأماكن السبعة، رواه ابن ماجه لأنها مظنة النجاسات، ولما حمل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن صخرة بيت المقدس التراب والزبل الذي كان عليها نهى الناس أن يصلوا عليها حتى يصبها ثلاث مطرات، رواه حرب بإسناده، فأفاد نجاسة الزبل وأنها مانعة من جواز الصلاة عليها. [ما يجوز التطهير به وما لا يجوز] م: (ويجوز تطهيرها) ش: أي تطهير النجاسة، وقد ذكرنا أن المراد به إما المحل أو الإزالة، وإنما قال: ويجوز ولم يقل ويجب لأن استعمال عين الماء ليس بواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - بل إزالة النجاسة واجبة بأي مائع طاهر مزيل كان على ما يأتي الآن م: (بالماء) ش: الباء متعلق بالتطهير م: (وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به) ش: أي إزالة النجاسة بالمائع الطاهر، وشرط ثلاثة أشياء في جواز استعمال غير الماء في إزالة النجاسة: الأول: كونه مائعا يسيل كالخل ونحوه، لأنه إذا كان نجسا ليبقا كالدبس ونحوه لا يجوز. الشرط الثاني: أن يكون المائع طاهرا لأن النجس لا يزيل النجاسة، وقال الأكمل: قوله طاهرا، احتراز من بول ما يؤكل لحمه فإن الأصح أن التطهير لا يحصل به، وقيل: يحصل حتى لو غسل الدم بذلك رخصنا فيه ما لم يفحش. قلت: لا وجه لتخصيص الاحتراز بالطاهر عن بول
كالخل وماء الورد ونحو ذلك مما إذا عصر انعصر وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا بالماء؛ لأنه يتنجس بأول الملاقاة، والنجس لا يفيد الطهارة ـــــــــــــــــــــــــــــQما يؤكل لحمه، فإن الماء المستعمل أيضاً مائع، ولكنه غير طاهر على إحدى الروايات عن أبي حنيفة كما مر بيانه فيما مضى. الشرط الثالث: أن يكون المائع الطاهر مزيلاً كالخل وماء الورد ونحوهما، واحترز به عن الدهن والدبس واللبن ونحوها، فإن بها يبسط النجاسة ولا تزول، وفي " الذخيرة ": روى الحسن عن أبي يوسف لو غسل الدم من الثوب بدهن أو سمن أو زيت حتى أذهب أثره جاز، ومثله رواية بشر عنه في اللبن، وفي بول ما يؤكل لحمه اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه لا يطهر، ذكره السرخسي. وفي " المحيط ": في اللبن روايتان، وفي بعض نسخ " المحيط ": والماء المستعمل ولا حجة له إلا على رواية عن أبي حنيفة أنه طاهر. وفي " شرح أبي ذر " ويجوز إزالة النجاسة بالماء المستعمل ونحو ذلك مما إذا عصر انعصر كشراب التفاح وسائر الثمار والأشجار والبطيخ والقثاء والصابون والباقلاء والأنبذة وماء الخلاف والبنوفة واللبسان وكل ما اختلط به طاهر وغلب عليه وأخرجه عن طبع الماء وصار مقيداً فهو في حكم المائع ذكره الطحاوي. وفي " المغني ": عن أحمد ما يدل على ذلك، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز في البدن إلا الماء ومثله عن أبي حنيفة ذكره في " العيون ". ثم إن المصنف ذكر هاهنا ما ذكره القدوري وهو أنه لم يفرق بين الثوب والبدن، قال: ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع على ما يأتي الآن. م: (كالخل وماء الورد) ش: والماء المستعمل بين به الطاهر المائع المزيل م: (ونحو ذلك) ش: بالجر عطف على قوله: كالخل وإنما أفرد الضمير وإن كان المعطوف عليه اثنان باعتبار كل واحد منهما م: (مما إذا عصر انعصر) ش: كماء البطيخ وسائر الثمار وقد ذكرناه. وقوله: وانعصر من باب الانفعال وهو للمطاوعة بقوله عصر مطاوع بفتح الواو، وقوله: انعصر مطاوع بالكسر لأنه طاوع الأول وهو بالفتح لأنه طاوعه الثاني. م: (وهذا) ش: أي جواز تطهير النجاسة بالمائع الطاهر المزيل م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد وزفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا بالماء) ش: وبه قال مالك وعامة الفقهاء م: (لأنه) ش: أي لأن الماء م: (يتنجس بأول الملاقاة) ش: يعني لاختلاطه بالنجاسة م: (والنجس لا يفيد الطهارة) ش: لأن الماء صار نجساً بملاقاته النجاسة، فلم يبق له قوة الإزالة. م:
إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة، ولهما أن المائع قالع والطهورية في الماء بعلة القلع والإزالة والنجاسة للمجاورة، فإذا انتهت أجزاء النجاسة يبقى طاهرا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة) ش: هذا جواب عما أورد على ما قاله محمد تقرير الإيراد أن يقال: إن الذي قلته هو القياس في الماء أيضاً وينبغي أن لا يجوز إزالة النجاسة بالماء أيضاً. وتقرير الجواب أن الحكم في الماء ثبت بخلاف القياس؛ لأجل الضرورة وللنظافة وسرعة اتصاله. وسائر هذه المائعات لا نص فيها فبقي على أصل القياس يؤيده قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسليه بالماء" فلا يجوز بغيره لأن الأمر للوجوب، ولأن الله تعالى ذكر الماء في معرض الامتنان والإنعام فقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] (الأنفال: الآية 11) ، فدل على اختصاص الطهر به، ولأن النجاسة الحقيقية تمنع جواز الصلاة فلا تزول بغير الماء قياسا على النجاسة الحكمية. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن المائع قالع) ش: من قلع الشيء واقتلعه إذا أزاله من موضعه من باب فعل يفعل بالفتح فيهما، وكانت العلة في الماء الإزالة م: (والطهورية في الماء بعلة القلع والإزالة) ش: وغير الماء كالخل يشاكله في الإزالة بل أولى وأقوى: لأن الخل أقلع للنجاسة من الماء لأنه يزيل اللون والدسومة لما فيه من الشدة والحموضة، وفي الألوان ما لا يزول بالماء وماء الورد يزيل العين والرائحة. م: (والنجاسة للمجاورة) ش: هذا جواب عن استدلال محمد ومن معه بقولهم: لأن الماء [يتنجس] بأول الملاقاة، تقديره: أن النجاسة لم تنجس المحل بعينه بل كانت للمجاورة وإن كانت نجسة بأول الملاقاة. م: (فإذا انتهت أجزاء النجاسة) ش: بانتهاء أجزائها المتناهية لتركبها من جواهر لا يتجزأ م: (يبقى) ش: أي المحل م: (طاهراً) ش: لزوال النجاسة بالعصر، لأنه إذا عصر يخرج منه ويصحبه ما يلاقيه من أجزاء النجاسة هكذا في المرة الثانية والثالثة إلى أن يزول محل الأجزاء فيبقى المحل طاهراً لانتقال النجس إلى الماء جزءاً فجزء، لأن الشيء الواحد محال أن يكون في محلين في حالة واحدة، والحكم إذا ثبت لمعنى يزول بزوال ذلك المعنى، ولهذا لو قلع محل النجاسة بقي الثوب طاهراً. وقال الأكمل: لا يقال التعليل بالقلع لا يجوز، لأن النص يقتضي الغسل بالماء، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسليه بالماء"، قلت: هذا السؤال للأترازي، وتقرير الجواب أن يقال: إن اقتضاء النص الغسل بالماء لذاته أم لغيره؟
[الماء القليل إذا ورد على النجاسة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: لذاته فلا نسلم لأن المصلي إذا قرض موضع النجاسة وصلى بذلك الثوب جاز، فعلم أن استعمال عين الماء ليس بواجب، وإن قلت: لغيره وهو التطهير فنقول نعم، ولكن يحصل الطهارة بغيره كالخل، فإنه إذا استعمل مكررا يحصل التطهير كما يحصل بالماء. وقال تاج الشريعة: فإن قلت: لو كان القلع علة لوجب أن يجوز بشيء نجس. قلت: ولهذا إذا زالت النجاسة الغليظة ببول ما يؤكل لحمه يكون حكم ذلك الشيء بعد الغسل حكم بول ما يؤكل لحمه حتى لا يمنع جواز الصلاة ما لم يبلغ ربع الثوب. فإن قلت: محمد ومن معه احتجوا بالحديث أيضاً وهما لا يحتجا إلا بالمعقول. قلت: ما اكتفيا بذلك بل احتجا بالحديث أيضاً وهو ما رواه البخاري في "صحيحه " عن مجاهد قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فقصعته بظفرها. وروى أبو داود عن مجاهد قال: قالت: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض، فإذا أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بظفرها، ولو كان الدم بالدلك بريقها لا يطهر لكان ذلك تكثراً للنجاسة، ومع الكثرة لا تصفى والمضغ والقصع: الحك بالظفر، ومنه قصع القملة. فإن قلت: يعد قوله بالأمر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اغسليه" وقالوا الأمر للوجوب، قلت: لا نسلم أنه أمر بالغسل بالماء بل الأمر متعلق بنفس الغسل والإباحة بوصف الماء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) ، فعلق الأمر بالإذن والإباحة بنفس النكاح فثبت بهذا أن يجوز أن يكون أحدهما واجباً والآخر مباحاً. فإن قلت: نص على الغسل بالماء. قلت: هو مفهوم اللقب وهو غير حجة، ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط، ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه عندنا. فإن قلت: غسله بالخل وماء الورد والخلاف إضاعة للمال وهي منهي عنها. قلت: إنفاق المال لغرض صحيح يجوز فلا يكون إضاعة، والماء بعد الإحراز في الأواني يكون مملوكاً، وقال: فلا يجوز استعمال إضاعة المال ويفرض المال فيما إذا كان للماء عزة فوق الخل، ولو سلم منع استعمال الخل في إزالة النجاسة فإذا استعمل فيها [ما] يزيلها كالماء الممنوع من استعماله لأجل العطش لو توضأ به وترك التيمم جاز، وكذا المغصوب. [الماء القليل إذا ورد على النجاسة] فروع: الماء القليل إذا ورد على النجاسة تنجس بها الماء، وقال أحمد: إن كان أرضاً فهو طاهر، وفي غير الأرض وجهان، وقال الإمام مالك: لا فرق بين ورود الماء على النجاسة وورود النجاسة على الماء، لا ينجس فيهما إلا بالتغيير، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن ورود الماء على النجاسة يوجب تنجيسه، وورود النجاسة على الماء دون القلتين ينجسه وإن كانت النجاسة
[كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة]
وجواب الكتاب لا يفرق بين الثوب والبدن، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه أنه فرق بينهما فلم يجز في البدن بغير الماء، وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث والعذرة والدم والمني فجفت فدلكه بالأرض جاز، وهذا استحسان. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وجواب الكتاب) ش: أي " مختصر القدوري " وهو قوله: ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع ... إلخ م: (لا يفرق بين الثوب والبدن) ش: لأنه أطلق في قوله: ويجوز إلخ. ولم يقيد الثوب م: (وهذا) ش: أي عدم الفرق م: (قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإحدى الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (أنه فرق بينهما) ش: أي بين الثوب والبدن بغير الماء م: (فلم يجز في البدن بغير الماء) ش: وهو راوية لخبر ابن أبي مالك عنه لأن غسل البدن طريقة العبادة، فاختص بالماء كالوضوء وغسل الثوب، طريقه إزالة النجاسة لإبعاده فلا يختص بالماء. وقال الأترازي: وذكر في بعض نسخ القدوري الماء المستعمل فقال: كالخل وماء الورد والماء المستعمل، وقال أبو نصر البغدادي في " الشرح الكبير " للقدوري: وأما جوازه بالماء المستعمل فلأنه طاهر على رواية محمد عن أبي حنيفة بمنزلة الخل. [كيفية تطهير الخف الذي لحقته نجاسة] م: (وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم) ش: أي حبسته والجملة حالية وقعت بدون الواو وهو جائز على العلة م: (كالروث والعذرة) ش: بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وهي الغائط التي لقيها الناس م: (والدم والمني فجفت) ش: أي يبست م: (فدلكه بالأرض جاز) ش: وهنا قيود: الأول: قيد بالخف لأن الثوب لا يطهر إلا بالغسل إلا في المني. الثاني: قيد بالجرم لأن ما لا جرم له لا يطهر بالدلك، وإن جف إلا إذا التصق به من التراب أو رمل فجف بعد ذلك. الثالث: قيد بالجفاف لأن ما له جرم من النجس إذا أصاب الخف ولم يجف لا يطهر بالدلك إلا في رواية عن أبي يوسف. الرابع: قيد بالدلك لأنه بالغسل يطهر اتفاقاً. وقال محمد: لا يطهر بالدلك إلا في المني على ما يجيء. م: (وهذا استحسان) ش: أي الجواز في الصورة المذكورة استحسان، أي مستحسن بالأثر على ما يأتي. وفي " المحيط ": ذكر في " الجان ": النجاسة التي لها جرم إذا أصابت الخف فحكها أو حتها بعدما يبست بطهر في قولهما، قال القدوري: هذا في حق الصلاة، وأما لو أصاب الماء بعد ذلك يعود نجسا في رواية، وفي الأصل إذا مسحها بالتراب تطهر، وقيل: الدلك رواية
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز وهو القياس إلا في المني خاصة، لأن المتداخل في الخف لا يزيله الجفاف والدلك بخلاف المني على ما نذكره، ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فإن الأرض لهما طهور» ـــــــــــــــــــــــــــــQالأصل. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال زفر والشافعي في الجديد، ومالك في العذرة والبول. وأما في أرواث الدواب له روايتان إحداهما: الغسل، والثانية: يمسح، وقال الشافعي في القديم: إذا دلكه بالأرض كان عفواً. وقال أحمد: يجب غسل جميع النجاسات إلا الأرض إذا أصابها نجاسة. واختلف أصحابه في ضم التراب. وفي " المحيط ": والصحيح أن محمدا رجع عن هذا القول لما رأى من كثرة السرقين في الطرق. م: (وهو القياس) ش: أي قول محمد هو القياس كما في الثوب م: (إلا في المني خاصة) ش: الاستثناء من قوله: لا يجوز، فإنه قال: يطهر في المني بالدلك والفرك إذا جف على الثوب. فإن قلت: لفظ خاصة منصوب بماذا وما [في] معناه. قلت: خاصة اسم بمعنى اختصاصاً من قولهم: خص بالشيء يختصه خصاً وخصوصاً بفتح الخاء وخصوصاً بالضم وخصوصية وخصيصي وخصيصاً عن ابن الأعرابي وخصه يخصه عن ابن عباد إذا فضله واختار ثعلب الخصوصية بفتح الخاء وخصه بالرد لذلك، وأما انتصابه فعلى أنه قائم مقام المصدر. م: (لأن المتداخل في الخف لا يزيله الجفاف والدلك) ش: لأن الجلد يتشرب فيصير كالثوب والبدن فإنهما لا يطهران إلا بالغسل فكذلك الخف م: (بخلاف المني على ما نذكره) ش: لأنه خص بالنص على القياس فلا يقاس عليه غيره. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فإن كان بهما أذى فليمسحهما بالأرض فإن الأرض لهما طهور» ش: هذا الحديث روي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود من طريقين: أحدهما: عن محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب» ، رواه ابن حبان في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ"صحيحه ". وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال النووي في " الخلاصة ": رواه أبو داود بإسناد صحيح. الثاني: عن عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: أنبئت أن سعيدا المقبري حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور» . فإن قلت: قال ابن القطان في "كتابه" عن الطريق الأول: هذا الحديث رواه أبو داود من طريق لا يظن بها الصحة، فإنه رواه من حديث محمد بن كثير عن الأوزاعي، ومحمد بن كثير: الصنعاني الأصل المصيصي الدار أبو يوسف ضعيف، وأضعف ما هو من الأوزاعي، قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: هو منكر الحديث يروي أشياء منكرة. وقال صالح بن محمد بن حنبل: قال أبي: هو عندي ليس بثقة. وقال المنذري في "مختصره ": الأول: فيه محمد بن عجلان، وفيه مقال لم يحتجا به، والثاني: فيه مجهول. قلت: محمد بن كثير سئل عنه يحيى بن معين فقال: كان صدوقاً ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة، ومحمد بن عجلان وثقه يحيى وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وصحح الطريق من ذكرناهم، والثاني قائل بالأول. ولنا حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود أيضاً في " الصلاة " عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: «بينما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم" قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمحه وليصل فيهما» ورواه ابن حبان أيضاً في "صحيحه "، ولم يقل: "وليصل فيهما"، ورواه عبد بن حميد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم " بنحو أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو نعامة اسمه [......] ، وأبو نضرة اسمه المنذر بن مالك البصري. وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه أبو داود أيضاً عن محمد بن الوليد أخبرني
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسعيد بن أبي سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه ولم يذكر لفظه، ورواه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الله بن زياد بن سمعان القرشي مولى أم سلمة عن سعيد المقبري عن القعقاع بن حكيم عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرجل يطأ بنعله في الأذى، قال: "التراب لهما طهور» ، وعبد الله بن زياد ضعفه البخاري ومالك وأحمد وابن معين، ورواه الدارقطني مسنداً إلى ابن سمعان وهو ضعيف، وقال ابن الجوزي: قال مالك: هو كذاب، وقال أحمد: متروك الحديث. قوله: الأذى، أراد به النجاسة، وينحل النعل: الحذاء مؤنثة وتصغيرها فعيلة، وقال ابن الأثير: وهي التي تلبس في المشي مملوة. وجه الاستدلال بالأحاديث المذكورة ظاهر، فإنه قال فإن طهورهما التراب أي يزيل نجاستهما، وكان الأوزاعي يستعمل هذا الحديث على ظاهره وقال: يجزئه أن يمسح القذر في نعله أو خفه بتراب ويصلي فيه، وروي مثله عن عروة بن الزبير وكان النخعي يمسح النعل والخف يكون فيه السرقين عن باب المسجد ويصلي بالقوم. وقال أبو ثور في الخف والنعل: إذا مسحهما بالأرض حتى لا يجد له ريحاً ولا أثراً رجوت أن يجزئه. فإن قلت: الحديث مطلق فلم قيده أبو حنيفة بقوله النجاسة التي لها جرم؟ قلت: التي لا جرم لها خرجت بالتعليل، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن التراب لهما طهور» أي مزيل نجاسته، ونحن نعلم يقيناً أن النعل والخف إذا شرب البول أو الخمر لا يزيله المسح ولا يخرجه من أجزاء الجلد فكان الخلاف في الحديث مصروفاً إلى الأذى الذي يقبل الإزالة بالمسح حتى إن البول أو الخمر لو استجر بالرمل أو التراب فجف فإنه يطهر أيضاً بالمسح على ما قال شمس الأئمة وهو الصحيح فلا فرق بين أن يكون جرر النجاسة منهما أو من غيرهما، هكذا ذكر الفقيه أبو جعفر والشيخ الإمام أبو بكر بن محمد ابن الفضل عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن أبي يوسف مثل ذلك إلا أنه لم يشترط الجفاف. فإن قلت: لعل الأذى المذكور في الحديث كان طيناً. قلت: الأذى في لسان الشرع يحمل على النجاسة كناية عن عينها، ولو كان طيناً لصرح باسمه ولم يذكره بالكناية لما فيه من اللبس، ويدل عليه قوله: «فإن الأرض لهما طهور» .
ولأن الجلد لصلابته لا يتداخله أجزاء النجاسة إلا قليلا، ثم يجتذبه الجرم إذا جف، فإذا زال زل ما قام به، وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله لأن المسح بالأرض يكثره ولا يطهره. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا مسحه بالأرض حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى، وعليه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وإطلاق ما يروى: فإن أصابه بول فيبس لم يجز حتى يغسله ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: لم يفصل بين النجاسة التي لا جرم لها وبين التي لها جرم، فإن اسم الأذى يطلق عليهما وكذلك لم يفصل بين الرطب واليابس وأنتم قد فصلتم؟ قلت: بل فصل الحديث بين الرطب واليابس بالتعليل الذي ذكرناه أيضاً. فإن قلت: حديث أبي سعيد ساقط العبرة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يستقبل الصلاة. قلت: يحتمل أن الحظر مع النجاسة ترك في ذلك الوقت ويحتمل أن يكون لأقل من قدر الدرهم كذا في " المبسوط " و " الأسرار ". م: (ولأنه الجلد لصلابته لا يتداخله أجزاء النجاسة إلا قليلاً) ش: لأن صلبة الجلد وكثافة النجاسة يمنعان شربها فيه، ورخاوتها بعد اليسير، حذف إليها، فلا يبقى فيها إلا قليل وهو معفو م: (ثم يجتذبه الجرم إذا جف) ش: يعني يجذبه الجرم إلى نفسه م: (فإذا زال) ش: أي الجرم م: (زال ما قام به) ش: أي بالجرم، لأنه لما جذبه إلى نفسه فيبس مع الجرم فلا يبقى إلا اليسير وهو عفو بخلاف البدن، لأن رطوبته ولينه وما به من العرق يمنع من الجفاف، وبخلاف الثوب لأن النجاسة متداخلة فلا يخرجها إلا الماء والاحتراز عن النجاسة فيه ممكن. م: (وفي الرطب) ش: أي وفي النجس الرطب م: (لا يجوز حتى يغسله، لأن المسح بالأرض يكثره) ش: أي يكثر النجس بالرطب، لأنه ينشر ويتلوث ما لم يصبه أيضاً م: (ولا يطهره) ش: أي لا يطهر الخف لانتشار النجس فيه. م: (وعن أبي يوسف أنه إذا مسحه بالأرض) ش: أي إذا مسح النجس بالأرض يعني إذا دلكه على سبيل المبالغة م: (حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى) ش: أي البلية، وكذلك البلية بكسر الباء وسكون اللام، والبلوى بالكسر أيضاً، والبلاء كلها أسماء وهذه من المواد الناقصة الواوية م: (وعليه مشايخنا) ش: أي على قول أبي يوسف مشايخ ما وراء النهر م: (وإطلاق ما يروى) ش: يعني إطلاق قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن كان بهما أذى، حيث لم يفصل بين الرطب واليابس، والجواب عن هذا الإطلاق قد مر آنفاً. وفي " فتاوى أهل المصر " ذكر الجلائي في صلاته لو أصابت النجاسة الخف أو الكعب أو الجرموق فأمر الماء عليه ثلاث مرات تطهر من جفاف. م: (فإن أصابه بول) ش: أي فإن أصاب الخف بول م: (فيبس لم يجز حتى يغسله) ش: لتمكن
[كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة]
وكذا كل ما لا جرم له كالخمر، لأن الأجزاء تتشرب فيه ولا جاذب يجذبها، وعن أبي يوسف أن ما يتصل به من الرمل، والرماد والتراب الناعم جرم له، والثوب لا يجزئ فيه إلا الغسل وإن يبس، لأن الثوب لتخلخله يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها إلا الغسل، والمني نجس يجب غسله رطبا فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك ـــــــــــــــــــــــــــــQالبول فيه بالجفاف م: (وكذا كل ما لا جرم له) ش: أي وكذا لا يجوز إذا أصاب الخف كل ما لا يجرم له م: (كالخمر لأن الأجزاء) ش: لأن أجزاء الخمر أو البول م: (تتشرب فيه) ش: أي في الخف م: (ولا جاذب يجذبها) ش: أي يجذب أجزاء النجاسة [......] . م: (وعن أبي يوسف أن ما يتصل به) ش: أي بالخف الذي أصابته النجاسة الرطبة م: (من الرمل والرماد والتراب الناعم جرم له) ش: أي الذي أصابه، فإذا جف فدلكه بالأرض طهر كالتي لها جرم. [كيفية تطهير الثوب الذي لحقته نجاسة] م: (والثوب لا يجزئ فيه إلا الغسل وإن يبس؛ لأن الثوب لتخلخله) ش: أي لكون فرج في خلاله، وقولهم - أجزاء الثوب يخلخله - أي في خلالها فرج لرخاوتها وتكون مجوفة غير يسيرة م: (يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها) ش: أي أجزاء النجاسة م: (إلا الغسل) ش: بالماء أو بمائع طاهر مزيل. وقال النسفي: الخف الخرساني الذي ضرمه توسخ فالقول حكمه حكم الثوب لا يطهر بالدلك بل يغسل ثلاثاً ويجفف في كل مرة. [حكم المني وكيفية تطهيره] م: (والمني نجس) ش: وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأحمد في رواية. إلا أن مالكا قال: يغسل رطبه ويابسه، وهو قول الحسن البصري، وقول بعض مشايخ بلخ مثل: محمد بن الأزهري وأبي معاذ البلخي م: (يجب غسله رطباً) ش: أي حال كونه رطباً. م: (فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك) ش: أي كفى فيه الدلك والحك، وقوله - أجزأ - من الإجزاء، يقال أجزأني الشيء أي كفاني وهي لغة بني تميم، وعن الأزهري: [قال] بعض الفقهاء: أجزى بمعنى قضى، والمعنى على هذا أجزى الفرك عن الغسل أي ناب عنه وأغنى. قلت: الأول مهموز، والثاني ناقص. وقال أبو إسحاق الحافظ: المني اليابس إنما يطهر بالفرك إذا كان رأس الذكر طاهراً وقت خروجه بأن كان بال واستنجى، أما إذا لم يكن طاهراً فلا. وهكذا روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الفقيه أحمد بن إبراهيم: وعندي أن المني إذا خرج في رأس الإحليل عل سبيل الدفق ولم ينشر على رأسه فإنه يطهر بالفرك، لأن البول الذي هو داخل الإحليل غير معتبر، ومرور المني عليه غير مؤثر.
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا» ـــــــــــــــــــــــــــــQفأما إذا انتشر المني على رأس الإحليل لا يكتفي بالفرك، فعلى هذا القول إذا بال ولم يتجاوز البول ثقب الإحليل حتى لم يصل رأس الإحليل شيء من البول ثم احتلم يكفي فيه الفرك. قيل: أيضاً إذا كان رأس الإحليل طاهراً وإنما يطهر المضاف بالفرك إذا خرج المذي قبل خروج المني على رأس الإحليل ثم خرج المني لا يطهر الثوب بالفرك إلا أن يقال إنه مغلوب بالمني فيجعل تبعاً له، وروي عن محمد: إن كان المني غليظاً فجف يطهر بالفرك أعلاه، و [أما] أسفله فلا يطهر إلا بالغسل. كذا في " المبسوط ". وفي " فتاوى قاضي خان ": الثوب إذا أصابه المني ويبس وفرك يحكم بطهارته في قولهما، وعن أبي حنيفة روايتان، وأظهرهما أن بالفرك فعل النجاسة تجوز الصلاة فيه. وإذا أصابه الماء يعود نجساً في أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وعندهما لا يعود نجسا، وعن الفضل أن مني المرأة لا يطهر بالفرك لأنه رقيق، وعن محمد: أن المني إذا كان غليظاً فجف يطهر بالفرك، وإن كان رقيقاً لا يطهر إلا بالغسل، وعن محمد: أن المني إذا كان غليظاً فجف يطهر بالفرك، وإن كان رقيقاً لا يطهر إلا بالغسل، والصحيح أنه لا فرق بين مني المرأة ومني الرجل كذا لو نفذ المني إلى البطانة يطهر بالفرك قال المرغناني: هو الصحيح. واختلف المتأخرون في الطار الباقي من الثوب، والصحيح أنه يطهر بالفرك كالأعلى بخلاف لعابة الخف، ذكره في " المبسوط ". وفي " شرح بكر ": أصاب الثوب دم عبيط فجف [فحينئذ] طهر الثوب كالمني. م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "فاغسليه إن كان رطباً وافركيه إن كان يابساً» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، قال ابن الجوزي في " التحقيق ": والحنفية يحتجون على نجاسة المني بحديث رووه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - "اغسليه إن كان رطباً وافركيه إن كان يابساً» قال: هذا الحديث لا يعرف، وإنما روي نحوه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قلت: عدم المعرفة منه أو من غيره لا يستلزم نفي معرفة غيره مع أن أصل الحديث في الصحاح، وقد روى مسلم والأربعة «من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه، وقالت أيضاً: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلى فيه» . أخرجه مسلم وأبو داود.
وقال الشافعي: المني طاهر ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى الدارقطني والبيهقي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "كنت أغسل المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان رطباً وأفركه إذا كان يابساً» ، ورواه البزار في "مسنده " وقال: لا نعلم أحداً أسنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلا عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ورواه غيره عن حمزة مرسلاً، ومن الناس من حمل فرك الثوب على غير الثوب الذي يصلى فيه. ورد هذا ما وقع في صحيح مسلم «كنت أفركه من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيصلي فيه» وعند أبي داود - ويصلي فيه - والفاء ترفع احتمال غسله بعد الفرك، وحمله بعض المالكية على الفرك بالماء، ويرده ما صح أيضاً: لقد رأيتني وإن لأحكه من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يابساً بظفري. وأما الآثار في ذلك فكثيرة روى ابن أبي شيبة في "مصنفه " سأل رجل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال إني احتلمت على طنفسة، فقال: إن كان رطباً فاغسله، وإن كان يابساً فاحككه، وإن خفي عليك فارششه [بالماء] . وعن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما يغسلان المني من الثوب، وعن أبي هريرة في المني يصيب الثوب: إن رأيته فاغسله وإلا فاغسل الثوب كله، ورواه الطحاوي، وعن جابر بن سمرة أنه سئل عن الثوب الذي يجامع أهله فيه قال صل فيه إلا أن ترى منه شيئاً فتغسله ولا تنضحه، قال لأن النضح لا يزيل الأثر، وسئل أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن قطيفة أصابها نجاسة لا يدري موضعها قال: اغسلها، وعن الحسن أن المني بمنزلة البول، فهؤلاء الصحابة والتابعون قد غسلوا المني، وأمروا بغسل الثياب منه، وهذا لإزالة النجاسة. م: (وقال الشافعي المني طاهر) ش: هذا نص الشافعي، وحكى صاحب " البيان " وبعض الخراسانيين قولين، ومنهم من قال قولين في مني المرأة فقط، قال النووي: الصواب الجزم بطهارة منيه ومنيها والمسلم والكافر فيه سواء ينجس منيها برطوبة فرجها إن قلنا بنجاستها، كما لو بال الرجل ولم يغسل ذكره، وفي مني غير الآدمي ثلاثة أوجه أحدها: الجميع طاهر إلا مني الكلب والخنزير. الثاني: أن الجميع نجس. الثالث: أن مني ما يؤكل لحمه طاهر وغيره نجس. وأحمد مع الشافعي في أصح قوليه. واحتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يصلي فيه ولا يغسله» ، رواه الطحاوي وأخرجه البزار [عنها] ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما أغسله، وروى أبو بكر بن خزيمة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله، وهو يصلي» «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تحت المني من ثيابه وهو في الصلاة» قال البيهقي: ولو كان المني نجساً لما جازت الصلاة معه، «وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "يسل المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه» رواه أحمد. وعن ابن عباس، قال: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المني يصيب الثوب فقال: هو بمنزلة المخاط والبصاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة» رواه الدارقطني وقال: ولم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي في المني عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طاهر لأنه أصل الأنبياء، ولم يذكر له شيئاً غير ذلك من حديث أو أثر. ثم قال في جوابه قلنا: أصل الأعداء أيضاً فنمرود وفرعون وغيرهما. وهذا ليس بشديد، والذي قاله غيره، أن المني أصل البشر والطين خلق منه البشر فكان طاهراً كالطين وأيضاً هو في بني آدم كماء البيض في الطيور وهو خارج من حيوان فكان المني طاهراً كالبيض، وأيضاً أن حرمة الرضاع شبهت بحرمة النسب كاللبن الذي يحصل به الرضاع طاهر، والمني الذي يحصل به النسب أولى لأنه أصل، والرضاع مجلوبة، ومن ذلك قالت المالكية: المني [......] الشافعية. وقال النووي في " شرح المهذب " أن المني يحل أكله في وجه، فعارضهم فقالوا: الكلب يحلله بعض المالكية. [و] الجواب عن هذه الأشياء فنقول: أما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الذي فيه: ولا يغسله، فقد قال الطحاوي: وليس في هذا عندنا دليل على طهارته، وقد يجوز أن يكون كانت تفعل به هذا فيطهر بذلك الثوب والمني في نفسه نجس. كما قد روي فيما أصاب الفعل من الأذى حيث قال: فطهورهما التراب فكان ذلك التراب يجري في غسلها وليس في ذلك دليل على طهارة الأذى في نفسه فكذلك ما روي في المني على أنه قد روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ما يدل على أن المني كان عندها نجساً وهو ما رواه الطحاوي ثنا ابن أبي داود قال: ثنا منذر قال: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت في المني إذا أصاب الثوب: إذا رأيته فاغسله وإن لم تره فانضح، وهذا إسناد صحيح. قلت: هذا لا يجري دعوى [الطحاوي] ، لأن الطحاوي بعد أن روى هذا الحديث قال: ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفي ذلك دليل لأنه لو كان حكمه عندها حكم سائر النجاسات من الغائط والبول والدم لأمرت بغسل الثوب كله، ولما كان الحكم عندها إذا كان موضعه من الثوب غير معلوم النضح، ثبت بذلك أن حكمه كان عندها بخلاف سائر النجاسات. قلت: قد روي في ذلك آثار كثيرة من الصحابة وهي التي ذكرناها عن قريب فكلها تدل على نجاسته كما ذكرنا على أنا نقول أن النضح يأتي بمعنى الصب والغسل، وفي حديث دم الحيض: «تقرصيه بالماء ثم تنضحيه» أي تغسله. فإن قلت: لما اختلفت الأحاديث والآثار في حكم المني لم يدل دليل قطعاً على نجاسته ولا على طهارته. قلت: في مثل ذلك يرجع إلى النظر والقياس، فنقول المني حدث لأنه خارج عن السبيل وكل خارج عن سبيل نجس، فالمني نجس. فإن قلت: إذا ثبت كونه نجساً كان الواجب غسله مطلقاً رطباً كان أو يابساً كسائر النجاسات. قلت: نعم كان القياس يقتضي ذلك، ولكنه ترك، بالأحاديث الواردة بالفرك في يابسه. وأما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي فيه «إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق» فالجواب عنه أنه موقوف، ولئن ثبت أنه مرفوع، فإنه يشهد لنا من وجه لأنه أمر بالإماطة، ومطلق الأمر للوجوب، والتشبيه بالبزاق والمخاط يشهد له فسقط الاحتجاج به. وأما الجواب عن كونه أصل البشر فإنه لا ينفي النجاسة كالمضغة والعلقة. وقال النووي: المني يستحيل في الرحم فيصير علقة وهي الدم الغليظ، ففي نجاستها وجهان، قال أبو إسحاق: نجسة، وقال الصيرفي: طاهرة، فإذا استحال بعده وصار قطعة لحم وهي المضغة فالمذهب عندهم القطع بطهارتها كالولد، وقيل فيها الوجهان. فإن قلت: لم يسمع هذا الذي ذكرتم في الجواب ولا يلزم إلزامكم بالعلقة والمضغة قطعاً. قلت: قال أبو إسحاق العراقي: المني يجري من الدماغ بعد نضجه ويصير دماً أحمر في فقار الظهر إلى أن يصل إلى الكليتين فتنضجانه ثم تبعثانه إلى الأنثيين فينضجانه منياً أبيضاً، فإذا كان كذلك ثبت أنه متولد من الدم وهو نجس، والنجس لا ينقلب عندهم طاهراً إلا الماء النجس إذا صار قلتين، والخمر إذا تخللت بنفسها، وذكر الأكمل للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث ابن عباس أنه قال: المني كالمخاط فأمطه عنك ولو بإذخرة، لم يحصل جوابه أنه موقوف فلا يصح الاحتجاج به. قلت: يعني عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان ينبغي أن يستدل بحديث من الأحاديث المرفوعة الصحيحة التي ذكرها، ثم يجيب عنه، فكيف يذكر له أثر وهو لا يقول به؟ وهذا عجيب وقصور ممن يتصدى لترجيح مذهبه.
والحجة عليه ما رويناه، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما يغسل الثوب من خمس، وذكر منها: المني» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ما رويناه) ش: وهو حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - المذكور، وقال الأكمل: فإن قيل: إذا استدل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحديث ونحن بحديث فما وجه قول المصنف والحجة عليه ما رويناه. فالجواب أن وجه ذلك أن حديثه لا يدل عليه، لأن قوله كالمخاط لا يقتضي أن يكون طاهراً لجواز أن يكون التشبيه في اللزوجية وقلة التداخل وطهارته بالفرك والأمر بالإماطة مع كونه للوجوب يستدعي أن يكون نجساً لأن إزالة ما ليس بنجس ليست بواجبة. قلت: هذا السؤال إنما يرد لو كان الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يرى بالأثر المذكور، ويقول به، نعم لو ذكر له حديثاً من الأحاديث كان يتوجه السؤال، وتشبيه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - له بالمخاط إنما كان في النظر والبشاعة لا في الحكم بدليل ما ذكرنا من أدلة نجاسته، والأمر بالإماطة ليتمكن من غسل محله. م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يغسل الثوب من خمس وذكر منها المني» ش: هذا دليل آخر عل نجاسة المني، وهذا قطعة من حديث رواه الدارقطني من حديث ثابت بن حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب «عن عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: مربي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أسقي راحلة لي في ركوة إذ انتخمت فأصابت نخامتي ثوبي، فأقبلت أغسلها، فقال: "يا عمار ما نخامتك ولا دموعك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك إنما يغسل الثوب من خمس: من البول، والغائط، والمني، والدم، والقيء» وفي " الأسرار ": الخمر مكان القيء، وجه الاستدلال به ظاهر وهو أنه يدل على نجاسة المني. فإن قالت: الاستدلال به يقتضي غسله رطباً ويابساً، ولستم قائلين به فكان متروكاً. قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في جواز فرك اليابس، ويحمل هذا على الرطب توفيقاً بين الحديثين، والنخامة بضم النون ما يخرج من الخيشوم. فإن قلت: قال الدارقطني: لم يرو حديث عمار غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جداً، ورواه ابن عدي في " الكامل " قال: لا أعلم روى هذا الحديث عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد، وله أحاديث في أسانيد الثقات يخالف فيها وهي مناكير ومقلوبات. وقال البيهقي: هذا حديثه باطل، إنما رواه ثابت بن حماد، وهو متهم بالوضع عن علي بن زيد وهو غير محتج به.
[الحكم لو أصاب المني البدن]
ولو أصاب المني البدن قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يطهر إلا بالغسل، لأن حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلا الجرم، والبدن لا يمكن فركه، والنجاسة إذا أصابت المرآة والسيف اكتفي بمسحهما لأنه لا تتداخلهما النجاسة. وما على ظاهره يزول بالمسح ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: علي بن زيد روى له مسلم مقروناً به، وقال العجلي: لا بأس به، وفي موضع آخر قال: يكتب حديثه، وروى له الحاكم في " المستدرك ". وقال الترمذي: صدوق، وأما ثابت فلم يتهمه أحد بالوضع غير البيهقي مع أنه ذكره في كتابه " المعرفة " ولم ينسبه إلى الوضع، وإنما حكى فيه قول الدارقطني وابن عدي، وقال البزار: وثابت بن حماد: كان ثقة ولا يعرف أنه روى غير هذا الحديث، وله متابع، رواه الطبراني في معجمه الكبير " حدثنا الحسن بن إسحاق التستري ثنا علي بن بحر ثنا إبراهيم بن زكريا العجلي ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد به سنداً ومتناً. فإن قلت: كلمة إنما تخصيص ولا حصر فيها، لأن الغسل يجب في غيرها كالخمر. قلت: غيرها في معناها فيلحق بها كما في قوله: لا قود إلا بالسيف، وقد ألحق الخنجر وغيره لما أنه في معناه. [الحكم لو أصاب المني البدن] م: (ولو أصاب المني البدن قال مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أراد بهم مشايخ بخارى وسمرقند م: (يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد) ش: أي لأن البلية في البدن أشد من البلية في الثوب، فلما طهر الثوب بالفرك طهر البدن بطريق الأولى دفعاً للحرج. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ورواه الحسن عنه م: (أنه) ش: أي أن البدن م: (لا يطهر إلا بالغسل) ش: ذكر هذا شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط " م: (لأن حرارة البدن جاذبة) ش: تجذب رطوبة المني م: (فلا يعود إلى الجرم) ش: [......] فلا يزول بالفرك مثل ما يزول في الثوب، لأن المني لزج لا يتداخل أجزاء الثوب منه إلا قليل، فإذا يبس يجذبه إلى نفسه فإذا فرك زال بالكلية. فإن بقي بقي منه قليل وإنه ممنوع بخلاف رطبه لأنه لم يوجد فيه الجذب كذا في " جامع الكردري " م: (والبدن لا يمكن فركه) ش: لأنه متعذر فاحتيج إلى الماء لاستخراجه. [النجاسة إذا أصابت المرآة والسيف] م: (والنجاسة إذا أصابت المرآة والسيف اكتفي بمسحهما لأنه لا تتداخلهما النجاسة) ش: لصقل تام لأنه صقيل بل بقي على ظاهره م: (وما على ظاهره يزول بالمسح) ش: ولا يبقى إلا القليل، وهو
[كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة]
وإن أصابت الأرض النجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها. ـــــــــــــــــــــــــــــQغير معتبر، ولا فرق بين الرطب واليابس والعذرة والبول، ذكره الكرخي في "مختصره ". وذكر في الأصل: أن السيف والسكين إذا أصابه بول أو دم لا يطهر إلا بالغسل، وإن أصابه عذرة إن كانت رطبة فكذلك، وإن كانت يابسة طهرت بالحت عندهما، وبه قال مالك، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يطهر إلا بالغسل، وبه قال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - والإمام مالك، وقال الأترازي قال شيخي برهان الدين الحريفعي: إنما وضع المسألة في المرآة والسيف احترازاً عن الحديد الذي عليه الجار بأنه لا يطهر إلا بالغسل. قلت: ذكر في " البدرية " و " الذخيرة " و " المنافع ": خصهما بالذكر لكونهما مصقولين ولا مدخل للشرب فيهما حتى لو كانت قطعة غير مصقولة وأصابتها نجاسة لا يكتفي بمسحها، وفي " جامع الكردري ": الشرط أن يمسح مخففاً من غير مشقة للرطوبة، وعن أبي القاسم: ذبح شاة ومسح السكين على صوفها أو ما يزيل تطهر. وفي " الحلية ": ذكر القاضي حسين: لو سقى السكين بماء نجس ثم غسل يطهر ظاهره دون باطنه، والحد في تطهيره أن يسقيه بماء طاهر مرة أخرى، ومجرد الغسل يكفي في تطهير الذهب والفضة وزبر الحديد وهذا عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعند أبي يوسف يمر السكين بالماء الطاهر ثلاثاً ويجفف في كل مرة. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يطهر أبداً، وفي " الإيضاح ": السيف يطهر بالمسح، لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون معها، ولأن الغسل يفسدها فكان في تركها ضرورة. وفي " الفتاوى " أيضاً: وكذا لو لحس السكين بلسانه حتى ذهب أثر الدم طهر. وعند أبي يوسف: السيف إذا أصابه دم أو عذرة فمسحه بخرقة أو تراب حتى لو قطع به بطيخة أو غيره كان طاهراً وأباح أكله. وفي " المبسوط ": وسكين القصاب تطهر بالمسح بالتراب. وفي " المحيط " و" القنية ": ما دامت النجاسة رطبة لا تطهر إلا بالغسل، فإن جفت أو جففها بالمسح بالتراب أو غيره تطهر بالحت أو تطهر بالمسح. [كيفية تطهير الأرض التي أصابتها نجاسة] م: (وإن أصابت الأرض النجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها) ش: قيد الجفاف بالشمس وقع اتفاقاً، لأن الغالب جفاف الأرض بالشمس، وليس باحتراز على الجفاف بأمر آخر، لأن الأرض إذا جفت بالنار أو بالريح م: (جازت الصلاة على مكانها) ش: أي مكان النجاسة التي جفت، وهذا الكلام يشير إلى أنه لا يجوز التيمم به وهو ظاهر الرواية. وروى ابن طاوس والنخعي عن أصحابنا أنه يجوز التيمم به لأنه حكم بطهارته كذا في " المبسوط "، ومذهب علمائنا
وقال زفر والشافعي - رحمهما الله - لا تجوز لأن لم يوجد المزيل. ولهذا لا يجوز التيمم بها، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «زكاة الأرض يبسها» ـــــــــــــــــــــــــــــQالثلاثة وهو قول أبي قلابة والحسن البصري ومحمد بن الحنفية. وقال النووي: إذا جف لا بأس بالصلاة عليه. م: (وقال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد، وللشافعي قولان في القديم، وفي " الإملاء ": يطهر، وفي " الأم ": لا يطهر، وقيل: القطع بأنها تطهر، والقولان فيما إذا لم يبق للنجاسة طعم ولا ريح ولا لون، وعند أحمد: لا يطهر، وقال إمام الحرمين: إنهم أطردوا القولين في الثوب كالأرض، وهل يطهر الثوب بالجفاف. وفي الظل وجهان ذلك كله للنووي في " شرح المهذب ". واختلفوا في الشجر، والكلام [معناه أنه] ما دام قائماً على الأرض يطهر بالجفاف وبعد القطع لا يطهر إلا بالغسل م: (لأنه لم يوجد المزيل) ش: للنجاسة إذا أصابت فلا يطهر م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم المزيل م: (لا يجوز التيمم بها) ش: أي بمكان النجاسة التي أصابت وجفت. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زكاة الأرض يبسها» ش: هذا لم يرفعه أحد إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما هو مروي عن أبي جعفر محمد بن علي أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " عنه، قال: "زكاة الأرض يبسها "، وأخرج عن ابن الحنفية وأبي قلابة قال: "إذا جفت الأرض فقد زكت". وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة، قال: "جفوف الأرض طهورها "، في " الأسرار ": الحديث المذكور موقوف على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وقال صاحب " الدراية ": هذا الحديث لم يوجد في كتب الحديث، وهذا لا أصل له لأنه [لم] يثبت بنقل العدل أو يكون ذلك النقل بالمعنى عند من جوزه. وقال الأكمل: ولقائل أن يقول: معناهما واحد فيجوز أن يكون نقلاً بالمعنى فيكون مرفوعاً. قلت: إنما يجوز نقل الحديث بالمعنى عند من يجوزه إذا كان حديثان معناهما واحد، وكيف يقال فيكون مرفوعاً والمنقول عنه لم يعرف، ولكن يقال: محمد بن الحنفية الذي انتصب مفتياً في زمان الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تقلد عنه بعض مشايخنا كذا في " التقويم ". وعند ابن إسحاق [......] ثم يروي في كتاب " طبقات الفقهاء " عن محمد بن الحنفية من فقهاء التابعين بالمدينة. وقال فيه: روي عن محمد بن الحنفية أنه قال: الحسن والحسين خير مني وأنا أعلم بحديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأبي منهما، وذلك لأن الصحابة لما قرروه على الفتوى منهم صار كواحد منهم [ ... ] ، كما إذا فعل فعل بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسكت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما روي عنه أن زكاة الأرض يبسها ولم يرو عن غيره خلافه حل محل الإجماع ولا سيما وقد وافقه أبو جعفر محمد بن علي وأبو قلابة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومحمد بن الحنفية مات سنة ثمانين. وقيل: سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة. ولد في خلافة أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومع هذا استدل أكثر أصحابنا في هذه المسألة بما رواه أبو داود عن أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكنت فتى شاباً، عزباً، فكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، وأخرجه أيضاً أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه ". فإن قلت: قال الخطابي: يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها وتقبل وتدبر في المسجد [......] وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة، ولم يكن على المسجد أبواب حتى تمنع عن عبورها فيه. قلت: هذا تأويل بعيد جداً، لأن قوله في المسجد ليس ظرفاً لقوله: تقبل وتدبر، بل إنما هو ظرف لقوله: تبول وتقبل وتدبر، كلها وأيضاً قوله: يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، يمنع التأويل لأنها كانت تبول في موطنها ما كان يحتاج إلى ذكر الرش وغيره إذ لا فائدة فيه. وأبو داود بوب على هذا بقوله: باب طهور الأرض إذا يبست، فهذا أيضاً يرد عليه هذا التأويل الظاهر أنها كانت تبول في المسجد، ولكنها تنشف فتطهر فلا يحتاج إلى رش الماء، وإنما حمل الخطابي على هاذ التأويل الفاسدة منعه هذا الحديث أن لا يكون حجة للحنفية عليهم. فإن قلت: احتجوا علينا بما رواه مسلم «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مه مه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزرموه" فتركوه حتى بال، ثم أمر رجلاً فدعا بدلو من ماء فسنه عليه» . وأخرجه البخاري أيضاً ولفظه: «فبال في طائفة من المسجد فزجره الناس فنهاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قضى بوله، أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذنوب من ماء فأهريق عليه» . وأخرجه النسائي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضاً. قوله: مه، أمر فعل من مونة، ومعناه اكفف، [و] مه الثاني تأكيد له. وقوله: لا تزرموه
وإنما لا يجوز التيمم لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطًا بنص الكتاب فلا تتأدى بما ثبت بالحديث ـــــــــــــــــــــــــــــQبتقديم الزاي على الراء المهملة أي لا تقطعوا عليه بوله. فسنه بالسين المهملة، ويروى بالمعجمة، فمعنى الأول الصب المتصل، ومعنى الثاني: الصب المنقطع، قوله: في طائفة من المسجد أي قطعة منه، والذنوب بفتح الذال المعجمة الدلو الكبير، وقيل: لا يسمى ذنوباً إلا إذا كان فيه ماء. قلت: نحن ما تركنا العمل، ونحن نقول أيضاً بصب الماء إذا كانت الأرض رخوة حتى ينتقل منها، فإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وانتقل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيه العدد، فإن كانت الأرض صلبة، أو كانت صعبة الحفر [حفر] في أسفلها حفيرة ويصب عليها ثلاث مرات، وينقل [التراب] إلى الحفيرة حتى تيبس الحفيرة، وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة بل يحفر. وعند أبي حنيفة لا تحفر الأرض حتى تجف الأرض إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة، وينقل التراب. ودليلنا على الحفر ما رواه الدارقطني بإسناده إلى عبد الله بن الزبير قال: «جاء أعرابي فبال في المسجد، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكانه فاحتفر فصب عليه دلو من ماء» وما رواه عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس: قال: «بال أعرابي في المسجد فأرادوا أن يضربوه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "احفروا مكانه واطرحوا عليه من ماء علموا ويسروا ولا تعسروا» ". فإن قلت: الأول مرفوع ضعيف لأن في إسناده سمعان بن مالك ليس بالقوي، وقال ابن خراش مجهول. والثاني مرسل وتركتم الحديث الصحيح. قلت: لا نسلم ذلك فإنا قد عملنا بالكل، فعملنا بالصحيح كما إذا كانت الأرض صلبة، وعملنا بالضعيف على زعمكم فيما إذا كانت الأرض رخوة، والعمل بالكل أولى من العمل بالبعض والإجمال بالبعض. فإن قلت: كيف تحملون الأرض فيه على الصلب، وقد ورد الأمر بالحفر يدل على أنها كانت رخوة. قلت: يحتمل أن يكون يصبان في الواحدة كانت الأرض صلبة وفي الأخرى كانت رخوة. م: (وإنما لا يجوز التيمم، لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطاً بنص الكتاب فلا تتأدى بما ثبت بالحديث) ش: هذا جواب عن قول زفر والشافعي ولهذا لا يجوز التيمم به، تقرير الجواب أن طهارة الصعيد الذي هو وجه الأرض تثبت ببعض الكتاب وهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (النساء:
[ما يعفى عنه من النجاسات]
وقدر الدرهم ـــــــــــــــــــــــــــــQالآية 43) . فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد، كما لا يجوز التوجه إلى الحطيم. وإن كان ورد فيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحطيم من البيت» ولأن التيمم قائم مقام الوصف، فلما كان قليل النجاسة مانعاً بلا خلو صار مانعاً للخلو بطريق الأولى، والمراد من النص عبارة الكتاب فلا يعارض ما ثبت بخبر الواحد، بخلاف اشتراطه طهارة، فإن ذلك ثبت بدلالة النص فحينئذ يعارض بما ثبت بخبر الواحد، لأن العبارة فوق الدلالة. فإن قلت: الثابت بها قطعي كالثابت بالعبارة فكيف يجوز معارضة خبر الواحد للدلالة. قلت: النص الوارد في طهارة المكان مخصوص، لأنه خص من النجاسة القليلة بالإجماع فعارضه خبر الواحد بخلاف النص الوارد في التيمم قطعي بلا معارضة خبر الواحد. وقال الأكمل: فإن قلت: أليس قد تقدم أن طهارة المكان ثبتت بدلالة قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] والثابت بالدلالة كالثابت بالعبارة في كونه قطعياً حتى ثبت الحد والكفارات بدلالة النصوص فوجب أن لا تجوز الصلاة عليها كما يجوز التيمم بها. أجيب بأن الآية هنا ظنية، لأن المفسرين اختلفوا في تفسيرها، فقيل: المراد به تطهير الثوب، وقيل: تقصيره للمنع عن التكبر والخيلاء، فإن العرب كانوا يجرون أذيالهم تكبرا، وقيل المراد تطهير النفوس عن المعائب. والأخلاق الرديئة، وإذا كان كذلك كان ظني الدلالة ولهذا لا يكفر من أنكر اشتراط طهارة الثوب وهو خطأ، وتكون الدلالة لذلك. قلت: لا يوافق معنى الآية هاهنا، لأن من فسر بتطهير الثوب وهو الذي تقتضيه اللغة وبقية التفاسير لا تساعدها اللغة بل فيها تفسير أهل التصوف، فكيف يكون هذا ظني الدلالة، وكل واحد من هذه المعاني خلاف المعنى اللغوي غير قطعي، فكيف يصير القطعي بهذا ظنياً. والجواب السديد أن يقال: خص من هذه الآية غير حالة الصلاة والنجاسة القليلة والثياب التي أعدت للدخول والبروز وإعمام المخصوص ظني فيجوز تخصيصه بخبر الواحد. فإن قلت: النص لا عموم له في الأحوال، لأنها غير داخلة فيه وإنما يثبت ضرورة ولا عموم لما ثبت في الضرورة والخصوص يستدعي بسبق العموم. قلت: لا عموم له في الأحوال لأنه لما قال: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) تناول تطهير الثياب في كل حالة يلحقها الخصوص بعد ذلك فصارت ظنية الدلالة فافهم. [ما يعفى عنه من النجاسات] م: (وقدر الدرهم) ش: كلام إضافي مبتدأ وخبره يأتي، والمراد به الدرهم الشهليلي نسبة إلى موضع يسمى الشهليل، وفي " المغرب ": الشهليلي من الدراهم: مقدار عرض الكف، وفي " المحيط ": الدرهم ما يكون مثل عرض الكف، وفي "صلاة الأحد": الدرهم الكبير المثقال،
وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار جازت الصلاة معه، وإن زاد لم تجز. وقال زفر والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قليل النجاسة وكثيرها سواء ـــــــــــــــــــــــــــــQومعناه ما يبلغ وزنه مثقالاً، وفي بعض الكتب: قدره بالدرهم البغلي. وعند السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعتبر بدرهم زمانه، وفي " الأسرار ": دون الدرهم لا يمنع جواز الصلاة لكن تكره الصلاة معها م: (وما دونه) ش: أي ما دون قدر الدرهم وهذا الخبر لا يخفى م: (من النجس المغلظ) ش: كلمة من للبيان. م: (كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار) ش: وخرء الحية وبولها ومرارة كل شيء كبوله م: (جازت الصلاة معه) ش: جازت الصلاة جملة فعلية في محل الرفع على أنها خبر المبتدأ، لا عن قوله: وقدر الدرهم، قوله: معه، أي مع قدر الدرهم وما دونه م: (وإن زاد لم تجز) ش: يعني: وإن زاد النجس المغلظ على قدر الدرهم لم تجز صلاته. م: (وقال زفر والشافعي: قليل النجاسة وكثيرها سواء) ش: وفي " المبسوط ": وقال الشافعي: إذا كانت النجاسة بحيث يقع البصر عليها يمنعه، وفي " الحلية ": النجاسة دم وغير دم، فغير الدم إذا لم يدركه البصر فيه ثلاثة طرق: أحدها: يعفى، والثاني: لا يعفى، والثالث: قولان: أما الدم فيعفى عن القليل من دم البراغيث والكثير فيه وجهان: أصحهما أنه يعفى عنه. وقال الإصطخري: لا يعفى، وفي دم غيرها ثلاثة أقوال، أصحها: أنه يعفى عن المقدار الذي يتعافاه الناس بينهم. والثاني: لا يعفى عن شيء منه، وفي القديم: يعفى عما دون الكف، وعن مالك: يعفى عن يسير الدم ولا يعفى عما تفاحش، وغيره في دم الحيض روايتان، إحداهما: أنه كغيره، والثانية: أنه يستوي فيه قليله وكثيره. وحكي عن أحمد أنه قال: الكثير ما تفاحش وحكي عنه أيضاً أنه يعفى عن النقطة والنقطتين، واختلف عنه فيما بين ذلك. وقال النووي: اتفق أصحابنا أنه يعفى عن قليل الدم، وفي كثيره وجهان مشهوران، أحدهما: قاله الإصطخري: لا يعفى عنه، وأصحهما باتفاق الأصحاب يعفى عنه، وهو قول ابن شريح وأبي إسحاق وسائر أصحبانا، والقليل ما يعفوه الناس أي عدوه عفواً، والكثير ما غلب على الثوب وطبعه، وقيل في القليل قدر ما دون الكف، وفي الجديد وجهان: أحدهما: الكثير ما يظهر للناظر من غير تأمل، والقليل دونه وأصحهما الرجوع إلى العادة، وهذه الأقاويل في دم غيره، وأما في دم نفسه فضربان: أحدهما: ما يخرج من بثره فله حكم دم البراغيث بالاتفاق، والثاني: ما يخرج من الفصد ففيه طريقان.
لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل، ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا، وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن النص الموجب للتطهير) ش: النص هو قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ، وغيره من الأحاديث م: (لم يفصل) ش: بين القليل والكثير، إلا أن الشافعي ومن معه لم يعتبروا إلا ما تراه العين لعدم إمكان الاحتراز عنه. م: (ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفواً) ش: إجماعاً لأن ما عمت بليته سقطت قضيته. وأما الحدث فإنه لا يتجزأ ولا حرج في تكليف إزالته م: (وقدرناه) ش: أي القليل الذي هو خلاف الكثير م: (بقدر الدرهم) ش: المثقالي إن كان النجس ذا جرم وقدر عرض الكف إن كان مائعاً على ما يأتي م: (أخذا عن موضع الاستنجاء) ش: أخذاً منصوب، لأنه مفعول مطلق، قال الأكمل: مفعول مطلق من قدرناه، لأن فيه معنى الأخذ، قلت: الأحسن أن يقول: تقديره وقدرناه حال كوننا آخذين أخذاً في موضع الاستنجاء، والمراد من مواضع الاستنجاء موضع خروج الحدث، روي عن إبراهيم النخعي أرادوا أن يقولوا مقدار المقعد، واستقبحوا ذلك فقالوا مقدار الدرهم. فإن قلت: النص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) ، لم يفصل بين القليل والكثير فلا يعفى عن القليل، قلت: القليل غير مراد منه بالإجماع، بدليل عفو موضع الاستنجاء فيتعين الكثير. وأجاب بعضهم بما روي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في الدم إذا كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، فشرط إعادتها في الزيادة على قدر الدرهم. قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه " عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» . وفي لفظ: «إذا كان في الثوب قدر الدرهم غسل الثوب وأعيدت الصلاة» . وقال البخاري: هذا حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث. وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن اخترعه عنه أهل الكوفة وكان روح ابن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات. ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي، وأغلط في نوح بن أبي مريم. وروى البيهقي عن ابن عمر: أنه رأى دماً في ثوبه وعليه ثياب فرمى بالثوب الذي فيه الدم وأقبل على صلاته، وروي عن القاسم بن محمد أنه رأى دماً في ثوبه وهو في الصلاة فخلعه ولم يستقبل، فدل على أن منع الدم دون القليل منه.
ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة وهو قدر عرض الكف في الصحيح، ويروى من حيث الوزن وهو الدرهم الكبير المثقال وهو ما يبلغ وزنه مثقالا ـــــــــــــــــــــــــــــQوذكر في " الأسرار " عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما قدرا النجاسة بالدرهم. وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كساء فقال رجل: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه لمعة من دم، فقبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما يليها، فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام فقال: "اغسلي هذه ولم يعد صلاته» " فدل على أن القليل من النجاسة محتمل، وأمر بغسلها لأنه يستحسن إزالة القليل منها وإيضاعه بنظر الدم. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قدرها بظفره، قال في " المحيط ": وكان ظفره قريباً من كفنا، فدل على أن ما دونه لا يمنع، قال: وقول عمر يبطل قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في منع التقدير. م: (ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة) ش: أشار بهذا إلى بيان اختلاف عبارات عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في اعتبار الدرهم، فروي عن محمد أن اعتباره بالمساحة م: (وهو قدر عرض الكف) ش: أي ما وراء مفاصل الأصابع، وهذا الاعتبار يروى عن الكرخي عن محمد م: (في الصحيح) ش: أشار به إلى أن هذا الاعتبار هو الصحيح ذكره محمد في " النوادر "، وقال: الدرهم الكبير هو ما يكن مثل عرض الكف. م: (ويروى من حيث الوزن وهو الدرهم الكبير المثقال) ش: أي اعتبار الوزن في الدرهم، هو الدرهم الكبير المثقال، ذكر هذا عن محمد أنه ذكره في كتاب " الصلاة " إلى اعتبار الدرهم الكبير المثقال. قال الأترازي: وقوله: الكبير المثقال يجوز برفع اللام على أنه صفة بعد صفة، أي الدرهم الموصوف بأنه مثقال، ويجوز بجر اللام للإضافة كما في الحسن الوجه، فافهم. و [قال] بعض المتقلدين الفقه في الدين: الأحسن لم [ ... ] ،، ومن لا يعلم الإعراب يظن أن المثقال لا يجوز جره لأنه يلزم حينئذ دخول اللام في المضاف ولهذا [ذلك] إلا من سوء فهمه وقلة علمه وعدم إدراكه؛ لأن الإضافة اللفظية يجوز فيها دخول اللام في المضاف م: (وهو ما يبلغ وزنه مثقالاً) ش: أي الدرهم الكبير هو الذي يبلغ وزنه مثقالاً وانتصاب مثقالاً على أنه مفعول يبلغ ومعناه ما يصل إليه كما في قولك: بلغت لمكان كذا، معناه: وصلت إليه، وكذلك إذا شارفت عليه، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ، أي قاربنه وشارفن عليه.
وقيل في التوفيق بينهما أن الأولى في الرقيق والثاني في الكثيف، وإنما كانت نجاسة هذه الأشياء مغلظة لأنها ثبتت بدليل مقطوع به ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقيل) ش: قائله أبو جعفر الهندواني م: (في التوفيق بينهما) ش: أي بين الروايتين المذكورتين م: (أن الأولى في الرقيق) ش: أي أن الرواية الأولى وهي اعتبار الدرهم من حيث المساحة في النجس الرطب والمائع م: (والثانية في الكثيف) ش: أي: والرواية الثانية، وهي اعتبار الوزن في النجس [في] المسجد كالعذرة، وهو الصحيح نص عليه في " المحيط "، لأن التقدير بالعرض في المسجد قبيح. وفي جامع " الكردري " وهو المختار في " المبسوط " و " الخلاصة " الدرهم يكون من القدر المعروف في البلد، وأما النقود المنقطع عملها كالبشهيلي وغيره، قيل: يعتبر، وهو ضعيف. م: (وإنما كانت نجاسة هذه الأشياء) ش: يعني الأشياء المذكورة كالدم والبول والخمر ونحوها م: (مغلظة) ش: يعني موصوفة بالتغليظ م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء أي نجاستها م: (ثبتت بدليل مقطوع فيه) ش: أي بنص وارد فيه بلا معارضة نص آخر كالخمر مثلاً، فإن نجاسته بنص القرآن لقوله (رجس) أي نجس ولم يعارضه نص آخر. فإن قلت: لا يظهر من الآية دلالة ظاهرة على نجاسة الخمر، لأن الرجس عند أهل اللغة القذر، ولا يلزم ذلك النجاسة. وكذا الأمر الوارد بالاجتناب لا يلزمه فيه النجاسة. قلت: لما رمى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالروثة وقال: "إنها رجس، أو ركس) دل على أن الرجس النجس. فإن قلت: حكي عن ربيعة وداود أنهما قالا: الخمر طاهرة فأقل [ ... ] أن يكون نجساً مخففاً. قلت: نقل أبو جسامة الإجماع على نجاستها وأراد بها النجاسة المغلظة. فإن قلت: يلزم بما ذكرت أن يكون ما عطف على الخمر في الآية نجساً. قلت: القران في النظم لا يوجب القران في الحكم، ويكون المراد من قوله بدليل مقطوع به الإجماع، كالدم مثلاً فإنه حرمه فأشبه بنص القرآن، ونجاسته مجمع عليها بلا خلاف وهو حجة قطعية. والمراد من الدم: الدم المسفوح، وفي " الجنازية ": والمراد بكونه قطعياً أن يكون سالماً عن الأسباب الموجبة للتخفيف من معارض النصين، [ ... ] الاجتهاد والضرورات المحققة. قلت: لا يلزم منه سلامته عما ذكر أن يكون مقطوعاً به، لأن خبر الواحد السالم عن ذلك لا يكون الحكم الثابت به وحده متطوعاً به، وعلى هذا الأصل الاختلاف بين أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وإن كان مخففا كبول ما يؤكل لحمه جازت ـــــــــــــــــــــــــــــQوصاحبيه، فإن التغليظ عند أبي حنيفة يثبته بنص، فعلى نجاسته من غير معارضة نص آخر في طهارته، والتخفيف يثبت بتعارض النصين، وعندهما التغليظ يثبت بما وقع الإجماع على نجاسته، والتخفيف بما وقع الاختلاف. وفائدة الخلاف تظهر في مثل الروث، فعنده نجس مغلظ لحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة الجن، ولم يعارضه غيره، وعندهما: مخفف لأنه عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - طاهر، ومن الأشياء المذكورة فيما مضى البول وهو على أنواع أربعة: الأول: بول الآدمي الكبير فحكمه أنه نجس مغلظ بإجماع المسلمين من أهل الحل والعقد، وابن المنذر نقل الإجماع عن أصحابنا وأصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الثاني: بول الصبي الذي لم يطعم فكذلك عند جميع أهل العلم قاطبة إلا ما نقل عن داود الظاهري بطهارتها ولا يعتبر خلافه، وعند الشافعي نجاسة خفيفة، وقال الأوزاعي: لا بأس ببول الصبي ما دام يشرب اللبن ولا يأكل الطعام، وهو قول عبد الله بن وهب صاحب الإمام مالك، واحتجوا في ذلك بأحاديث منها: ما رواه البخاري ومسلم واللفظ له عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم، فأتي بصبي فبال عليه فدعى بماء فأتبعه بوله ولم يغسله» . قلنا: لم يغسله محمول على نفي المبالغة فيه، وما ورد في الأحاديث من النضح المراد به الصب، وقال في " المعلم في شرح صحيح مسلم ": بال في ثوبه - عائد إلى الصبي - وهو في حجره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على ثوب نفسه فنضح ثوبه خوفاً من أن يكون طار منه على ثوبه، وهو بعيد، لأن الآثار جاءت صريحة بأن المراد به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والثالث: بول الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، فحكمه أنه نجس مغلظ عندنا، وعند الشافعي وعند الإمام مالك والفقهاء كافة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "استنزهوا" وحكي عن النخعي طهارته، وهو مردود، وحكى ابن حزم الظاهري عن داود: أن الأبوال كلها والأرواث كلها طاهرة من كل حيوان إلا الآدمي، وهذا في نهاية الفساد. والرابع: بول الحيوان الذي يؤكل لحمه فحكمه أنه نجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وغيرهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على ما يأتي تفصيله في "النجاسة". وقال مالك وعطاء والثوري والنخعي وزفر وأحمد: بوله وروثه طاهران، واختاره الروياني وابن خزيمة من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا حكاه النووي، والصواب في مذهب زفر: أن روثه نجس مخفف كمذهب أبي يوسف ومحمد، وعند محمد والليث بوله طاهر وروثه. م: (وإن كان) ش: النجس م: (مخففاً كبول ما يؤكل لحمه) ش: كالإبل والبقر والغنم م: (جازت
الصلاة معه حتى يبلغ ربع الثوب، يروى ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش والربع يلحق بالكل في بعض الأحكام، وعنه ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر، وقيل: ربع الموضع الذي أصابه كالذيل والدخريص، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - شبر في شبر ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة معه حتى يبلغ ربع الثوب) ش: أي إلى أن يبلغ النجس المخفف ربع الثوب م: (يروى ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يروى جواز الصلاة مع النجس المخفف ما لم يبلغ ربع الثوب، رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (لأن التقدير فيه) ش: أي في النجس المخفف م: (بالكثير الفاحش) ش: في منع الصلاة، وذلك لأن الكثير ما يستكثره الناظر ويستفحشه م: (والربع يلحق بالكل في بعض الأحكام) ش: كمسح الرأس وانكشاف العورة، وفي حق المحرم وغيرها. م: (وعنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر) ش: لأنه أقصر الثياب، وفيه الاحتياط، ويقرب منه ما قال أبو بكر الرازي: يعتبر السراويل احتياطاً م: (وقيل ربع الموضع الذي أصابه كالذبل والدخريص) ش: قال في " المحيط ": وهو الأصح، وكذا قال في " التحفة ". م: (وعن أبي يوسف: شبر في شبر) ش: أي شبر طولاً، وشبر عرضاً، أخذا في باطن الخفين يعني ما يلي الأرض من الخف، فإن باطنهما يبلغ شبراً في شبر، فيجوز تقديم الكثير الفاحش به، وعن محمد: مقدار القدمين يعني قدم في قدم، قاله في " شرح الطحاوي "، وعن أبي يوسف: ذراع في ذراع ذكره في " المفيد ". وفي " الذخيرة ": ما روى إبراهيم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الكثير الفاحش في الخف [ ... ] ، وإنما خص الخف والقدمين لاستدامة الضرورة في ذلك، لاسيما في حق [ ] . وفي " المبسوط ": روي عن محمد: أن الروث لا يمنع إن كان كثيراً فاحشاً، وقال في آخر أقواله: يمنع حتى كان بالري مع الخليفة هارون الرشيد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فرأى في الطرق والخانات الأرواث، وللناس فيها بلوى عظيمة، وقال: سواء عليها طين بخارى، وإنما خصها لأن شني الناس والدواب يختلط فيها مثل ديار مصر، بخلاف المدائن وغيرها في أزقها يمشي على حدة ابن آدم، فإن البلوى فيها أقل. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه كره أن يحد لذلك حداً، وقال: الفاحش يختلف باختلاف طباع الناس، [و] توقف الأمر فيه على العادة وما يستفحشه المتبلى به كما هو دأبه. م:
[حكم الروث أو أخثاء البقر]
وإنما كان مخففا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لمكان الاختلاف في نجاسته أو لتعارض النصين على اختلاف الأصلين، وإذا أصاب الثوب من الروث أو من أخثاء البقر أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النص الوارد في نجاسته وهو ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رمى بالروثة وقال هذا رجس أو» ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وإنما كان) ش: يعني بول ما يؤكل لحمه م: (مخففاً عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف لمكان الاختلاف في نجاسته) ش: على أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن تخفيفها عنده إنما ينشأ من سوغ الاجتهاد م: (أو لتعارض النصين) ش: على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهاهنا حديث الاستنزاه من البول وحديث العرنيين، فإن تخفيفها عنده ينشأ من تعارض النصين م: (على اختلاف الأصلين) ش: أي أصل أبي يوسف وأصل أبي حنيفة في بول ما يؤكل لحمه تعارض النصين، وأصل أبي يوسف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اختلاف العلماء وكل منهما على أصله في تخفيف بول ما يؤكل لحمه. فإن قلت: أصل محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً مثل أصل أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلم لم يذكر محمداً معه؟ قلت: لأن الكلام في بول ما يؤكل لحمه وهو ليس بنجس عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان أصل أبي يوسف وحده في هذه المسائل، فلذلك لم يذكره معه، وقال السغناقي: وإنما أخر أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رعاية لفواصل الألفاظ، فإنها ما تراعى، ألا ترى أن الله تعالى أخر خلق السموات عن خلق الأرض في سورة طه في قوله: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} [طه: 4] وفي غيرها استمر ذلك، وذكر خلق السموات فتدخل الأرض نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 1] (الأنعام: الآية 1) وغير ذلك من الآيات. وقال الأكمل: وأرى أن تقديمه ما كان ينافي ذلك، ولعله من باب الترقي. قلت: هذا الذي ذكره إنما يراعى في كلام الفصحاء البلغاء ولا يراعى ذلك في عبارات الفقهاء، بل هم مسامحون في عباراتهم بذكر ألفاظ مخالفة لقواعد الصرف واصطلاحات النحاة، [......] على ذلك في مواضع من الكتاب إن شاء الله تعالى. [حكم الروث أو أخثاء البقر] م: (وإذا أصاب الثوب من الروث أو من أخثاء البقر) ش: والأخثاء جمع خثي بكسر الخاء المعجمة وسكون المثلثة. قال الجوهري: الخثي للبقر. قلت: ولكل حيوان ذو ظلف، والخثي بالفتح مصدر خثي البقر يخثي خثياً من باب ضرب يضرب ضرباً م: (أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة فيه عند أبي حنيفة لأن النص الوارد في نجاسته) ش: أي نجاسة الخثي م: (وهو) ش: أي النص م: (ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى بالروثة وقال: هذا رجس أو
[بول الحمار]
ركس لم يعارضه غيره ولهذا يثبت التغليظ عنده والتخفيف بالتعارض، وقالا يجزئه حتى يفحش، لأن للاجتهاد فيه مساغا وبهذا يثبت التخفيف عندهما، ولأن فيه ضرورة لامتلاء الطرق بها وهي مؤثرة في التخفيف، بخلاف بول الحمار، ـــــــــــــــــــــــــــــQركس» ش: الحديث أخرجه البخاري، وتمامه عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى الغائط فأمرني أن آتيه بثلاث أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: "هذا ركس» . ورواه ابن ماجه وقال: "هذا رجس" بالجيم. ورواه الدارقطني ثم البيهقي فزاد فيه: "ائتني بحجر" محتجين بذلك على وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار، وسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (لم يعارضه غيره) ش: جملة في محل الرفع لأنها خبر إن في قوله: لأن النص قوله: غيره ما روي من الحديث المذكور م: (ولهذا) ش: أي بورود نص على التنجيس لم يعارضه نص آخر م: (يثبت التغليظ عنده) ش: في النجاسة فحينئذ يكون الروث والخثي من النجاسة الغليظة عند أبي حنيفة بناء على أصله م: (والتخفيف بالتعارض) ش: أي يثبت التخفيف في النجاسة بتعارض النصين كما في حديث الاستنزاه عن البول بحديث العرنيين. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (يجزئه) ش: أي يجزئ المصلي إن أصاب ثوبه من الروث والخثي أكثر من قدر الدرهم م: (حتى يفحش) ش: أي حتى يصير فاحشاً وهو أن يبلغ ربع الثوب كما ذكرنا م: (لأن للاجتهاد فيه) ش: أي التخفيف م: (مساغاً) ش: أي جوازاً، حاصله أن الاجتهاد كالنص، قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] (الحشر: الآية 2) . فلما ثبت التخفيف بالنص ثبت بالاجتهاد أيضاً، فالروث عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - طاهر وعند ابن أبي ليلى السرقين ليس بشيء قليله وكثيره لا يمنع الصلاة لأنه وقود أهل الحرمين، ولو كان نجساً لما استعملوه كالعذرة. م: (وبهذا) ش: أي ويجوز الاجتهاد في هذا الحكم م: (يثبت التخفيف عندهما) ش: أي يثبت تخفيف النجاسة عند أبي يوسف ومحمد م: (ولأن فيه ضرورة) ش: إشارة إلى التخفيف يثبت عندهما بشيء آخر وهو الضرورة، والضمير فيه يرجع إلى الروث م: (لامتلاء الطرق بها) ش: هذا بيان الضرورة أي لأجل امتلاء طرق الناس بها، أي بالروث والخثي م: (وهي) ش: أي الضرورة م: (مؤثرة في التخفيف) ش: أي في تخفيف النجاسة، ألا ترى أنها مؤثرة في سقوط النجاسة في الهرة، إلا أن الضرورة هاهنا دون الضرورة هناك فأوجبنا التخفيف دون الإسقاط. [بول الحمار] م: (بخلاف بول الحمار) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: أن الضرورة في
لأن الأرض تنشفه. قلنا الضرورة في النعال وقد أثرت في التخفيف مرة حتى تطهر بالمسح فيكتفى بمؤنتها ولا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرق بينهما، فوافق أبا حنيفة في غير المأكول، ووافقهما في المأكول، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لما دخل الري ـــــــــــــــــــــــــــــQبول الحمار كالضرورة في روثه، وقد قلتم بتغليظه، وتقرير الجواب أنا لا نسلم ذلك م: (لأن الأرض تنشفه) ش: أي تشربه من تنشف الثوب العرق، تنشف بكسر الشين في الماضي وفتحها في المستقبل فإذا كان كذلك قد يبقى على وجه الأرض منه شيء يبتل به الماء بخلاف الروث. م: (قلنا إن الضرورة) ش: التي ذكرها في الروث إشارة إلى الجواب عما قالا في ثبوت التخفيف في الروث إنما هي م: (في النعال وقد أثرت في التخفيف مرة حتى تطهر بالمسح فيكتفي بمؤنتها) ش: أي بمؤنة الضرورة فلا يخفف في نجاستها ثانياً إلحاقاً للروث بالعذرة، فإن الحكم فيها كذلك بالاتفاق. فإن قلت: هذا التعليل يخالف التعليل الذي ذكره في قدر القراءة في السفر في فصل القراءة وهو قوله لأن للسفر أثر في إسقاط الصلاة، فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى حيث يستدل بوجود التخفيف مرة على تخفيفه ثانياً هناك، ومنعه هاهنا فما وجه. قلت: لا مخالفة بينهما في المعنى بل كل منهما في نجس، وذلك لأن سقوط شرط الصلاة في السفر من قبل رخصة الإسقاط والحكم فيها وهو أن لا يبقى العزيمة مشروعة أصلاً لسقوط العينية في المسلم، فلما كان كذلك الساقط كأن لم يكن أصلاً شيء لو أتى بالأربع كان الفرض هو الركعتين فقط، فكان في القراءة حينئذ ابتداء لا ثانياً، فلذلك راعى المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لفظ الإسقاط في الركعتين، ولفظ التخفيف في قدر القراءة إشارة إلى ما قلنا. م: (ولا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم) ش: أراد بيان [أن] الأرواث كلها نجسة نجاسة خفيفة، وحال ذلك أنه لا فرق بين علمائنا الثلاثة في أصل نجاسة الروث، غير أن اختلافهم في الصفة، ولم يفرق في ذلك إلا زفر أشار إليه بقوله م: (وزفر فرق بينهما) ش: أي بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم م: (فوافق) ش: أي زفر وافق م: (أبا حنيفة في غير المأكول) ش: أي غير مأكول اللحم حيث قال: إن الروث إن كان من غير مأكول اللحم فهو نجس مغلظ كما قال أبو حنفية مطلقاً م: (ووافقهما) ش: أي وافق أبا يوسف ومحمداً - رحمهما الله - م: (في المأكول) ش: أي في مأكول اللحم، حيث قال: إن الروث إن كان من مأكول اللحم فهو نجس مخفف كما قالا مطلقاً، لأن حل الأكل مؤثر في حق النجاسة كما في الأبوال، ولنا ما مر. م: (وعن محمد أنه لما دخل الري) ش: بفتح الراء وتشديد الياء اسم مدينة في عراق العجم
[حكم بول الفرس]
ورأى البلوى أفتى أن الكثير الفاحش لا يمنع أيضا، وقاسوا عليه طين بخارى أو عند ذلك رجوعه في الخف يروى وإن أصابه بول الفرس لم يفسده حتى يفحش عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع وإن فحش لأن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده مخفف نجاسته عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولحمه مأكول عندهما. ـــــــــــــــــــــــــــــQكبيرة، ويكون قدر عمارتها فرسخاً ونصفاً في مثله، وفيها نهران جاريان وهي أيضاً بها قبر محمد بن الحسن والكسائي وبها ولد الرشيد، لأن المهدي تركه في خلافة المنصور [......] . فلذلك سمى الري المحمدية، والنسبة إليها الرازي بزيادة الزاي في آخرها على غير القياس، وكان دخول محمد الري مع هارون الرشيد م: (ورأى البلوى) ش: أي بلية الناس في الأرواث م: (أفتى بأن الكثير الفاحش لا يمنع أيضاً) ش: لما فيه من البلوى م: (وقاسوا عليه) ش: أي قياس مشايخ بخارى على قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (طين بخارى) ش: وإن فحش لما فيه من الضرورة، وإن كان ترابه مختلطاً بالعذرات، ويبتنى على هذا مسألة معروفة وهي أن الماء والتراب إذا اختلطا وصارا طيناً وأحدهما نجس، فقيل: العبرة فيه بالماء، وقيل: بالتراب، وقيل: بالغالب، وقيل: أيهما كان طاهراً فالطين طاهر، وبه قال الأكثر، وقيل: إن كانا نجسين فالطين طاهر، لأنه صار شيئاً آخر كالخمر إذا تخللت، والكلب والخنزير إذا صارا ملحاً في المملحة م: (أو عند ذلك) ش: أي عند دخول محمد الري وقرينة البلوى م: (رجوعه في الخف يروى) ش: أي رجوعه عن قوله في الخف بأنه لا يطهر به بالدلك يروى عنه وقد تقدم أن مذهبه أن النجاسة التي لها جرم إذا أصابت الخف لا يجزئ فيها الدلك، بل يشترط فيها الغسل فرجع عن قوله هذا إلى قولهما فقال: لا يجزئ فيها الدلك، ولا يحتاج إلى الغسل لما رأى من كثرة السرقين في طريق الري وكثر الزحام. [حكم بول الفرس] م: (وإن أصابه) ش: أي الثوب م: (بول الفرس لم يفسده) ش: أي الثوب يعني لم يضره م: (حتى يفحش) ش: أي حتى يصير فاحشاً بأن يبلغ ربع الثوب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وكل واحد منهما مشى على أصله، أما عند أبي حنيفة فالفرس غير مأكول وبوله نجس مخفف لتعارض الآثار، ولولا التعارض لكان نجساً مغلظاً على أصله، وأما عند أبي يوسف فلأنه مأكول وبوله مخفف وبقي الكلام في قول محمد فعنده بول الفرس طاهر. أشار إليه بقوله م: (وعند محمد لا يمنع) ش: أي لا يمنع جواز الصلاة م: (وإن فحش) ش: يعني وإن صار فاحشاً بأن زاد على الربع م: (لأن بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فخفف نجاسته) ش: أي نجاسة بول الفرس م: (عند أبي يوسف) ش: على ما ذكرنا، وأشار إلى مبنى كلامهم بقوله م: (ولحمه مأكول عندهما) ش: أي لحم الفرس مأكول عند أبي يوسف ومحمد وكل منهما على أصله.
[حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور]
وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فالتخفيف لتعارض الآثار. وإن أصابه خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز، وقد قيل أن الاختلاف في النجاسة وقد قيل في المقدار. ـــــــــــــــــــــــــــــQوبقي الكلام في قول أبي حنيفة أشار إليه بقوله (وأما عند أبي حنيفة فالتخفيف) ش: في بول الفرس م: (لتعارض الآثار) ش: فإن حديث العرنيين يدل على طهارة البول في الجملة، وحديث: استنزهوا من البول، يدل بعمومه على نجاسة البول مطلقاً. فإن قلت: التعارض إنما يتحقق إن جهل التاريخ، وفي حديث العرنيين دلالة التقدم، لأن فيه المثلة فيكون منسوخاً، فلا تعارض بين الناسخ والمنسوخ. قلت: أجاب الأكمل أخذاً من كلام السغناقي بقوله: سلمنا أن فيها تعارضاً ولكنه في بول ما يؤكل لحمه، والفرس عنده غير مأكول، والكراهة فيه كراهة التحريم فيكون بوله نجساً مغلظاً، ثم أجاب عنه بما ملخصه بأن حرمة الفرس لم تكن لنجاسته، بل تحرزاً عن تقليل مادة الجهاد فكان لحمه طاهراً، ولهذا قال بطهارة سؤره، ولكن يتحقق التعارض في بوله فيكون مخففاً. قلت: طول الأكمل بما يشوش الناظر وخلاصة الجواب أن يقال: ذكر فخر الإسلام في الجامع الصغير: أن الفرس يؤكل لحمها، وهو قولهم جميعاً يعني عند أبي حنيفة أيضاً يؤكل، وإنما كره للتنزيه وهو المحابي عن قطع مادة الجهاد، والكراهة لا تمنع الإباحة كأكل لحم البقرة الجلالة قبل التنقية، فإن بوله كبول ما يؤكل لحمه. وقيل: أراد بالتعارض تعارض الآثار في لحمه، فإنه روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لحوم الخيل والبغال» وروي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن في لحوم الخيل» فهذا يوجب قولاً في تخفيف بوله لأنه مأكول من وجه فلا يكون كبول الكلب والحمار. [حكم خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور] م: (وإن أصابه خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور) ش: أي وإن أصاب الثوب خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور مثل الصقر والبازي والشاهين ونحوها م: (أكثر من قدر الدرهم) ش: أكثر منصوب، لأنه حال من الخرء م: (أجزأت الصلاة فيه) ش: أي في ذلك الثوب م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يجوز، وقد قيل) ش: قائله الكرخي م: (أن الاختلاف في النجاسة) ش: يعني أنه طاهر عندهما ونجس عند محمد كاللحوم. م: (وقد قيل) ش: قائله أبو جعفر الهندواني م: (في المقدار) ش: يعني أنه نجس بالاتفاق، لكنه خفيف عند أبي حنيفة غليظ عندهما، وأبو يوسف مع أبي حنيفة - رحمهما الله - على رواية
وهو الأصح هو يقول إن التخفيف للضرورة، ولا ضرورة هاهنا لعدم المخالطة فلا تخفف، ولهما أنها تذوق من الهواء والتحامي عنه متعذر فتحققت الضرورة، ولو وقع في الإناء قيل: يفسده وقيل لا يفسده لتعذر صون الأواني عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــQالكرخي ومع محمد على رواية الهندواني كما هو صريح في " المنظومة "، و " المختلف " ولا يفهم هذا من لفظ " الهداية "، بل الذي يفهم منه أن أبا يوسف في " الجامع الصغير " مع أبي حنيفة على الروايتين جميعاً، وجعل فخر الإسلام قول أبي يوسف في " الجامع الصغير " مع أبي حنيفة على رواية خفة نجاسة الخرء. وعلى رواية طهارته م: (وهو الأصح) ش: أي كون الاختلاف في المقدار هو الأصح، نص عليه في " جامع قاضي خان " و " المحيط "، لأنه مما حاله طبع الحيوان إلى نتن وفساد، ولكن ذكر في " المبسوطين " و " محيط السرخسي " خلاف هذا فقال: ليس لما ينفصل من الطيور نتن وخبث رائحة ولا ينحى شيء من الطيور عن المساجد، فعرفنا أن خرء الجميع طاهر، ولأنه لا فرق في الخرء بين ما يؤكل لحمه وبين ما لا يؤكل لحمه. وفي " المجتبى " قيل: خرء الحمار نجس إن كان سلطاً لكثرة علفها. وقال النووي: خرء الدجاج طاهر للبلوى، وخرء دود القز والفأرة وبولها نجس، وعن محمد: لا بأس ببولها وبول السنور الذي يعتاد من البول على الثياب لا بأس به للبلوى، وعن محمد: بوله طاهر وبه قال أبو نصر، وقيل: خفيفه، وفي " الإيضاح ": وبول الخنافس وخرؤها ليس بشيء لتعذر الاحتراز عنه، وخرء الحمام والعصفور طاهر. م: (هو يقول أن التخفيف للضرورة) ش: أي محمد يقول بتخفيف النجاسة إنما يكون للضرورة م: (ولا ضرورة هاهنا لعدم المخالطة) ش: أي لعدم مخالطة هذه الطيور التي لا يؤكل لحمها مع الناس ولا تأوي البيوت م: (فلا تخفف) ش: بل تغلظ بخلاف الحمام والعصفور لوجود المخالطة فيهما. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنها) ش: أي أن هذه الطيور م: (تذرق من الهواء) ش: بالذال المعجمة، من ذرق يذرق، ويذرق من باب نصر ينصر وضرب يضرب، ومعناه [رمى بسَلحِه] ، وذرق الطائر خرؤه (والتحامي عنه متعذر) أي التحفظ عنه صعب، لأنه يأتي بغتة من غير روية (فتحققت الضرورة) فتحققت للبلوى. م: (ولو وقع) ش: خرء طير من هذه الطيور م: (في الإناء قيل: يفسده) ش: أي يفسد ما في الإناء، سواء كان ماء أو غيره من المائعات، وقال هذا أبو بكر الأعمش لإمكان صون الإناء بالتغطية ونحوها م: (وقيل: لا يفسده) ش: قائله الكرخي م: (لتعذر صون الأواني عنه) ش: أي عن
[قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار]
وإن أصابه من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه، أما دم السمك فليس بدم على التحقيق. فلا يكون نجسا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر فيه الكثير الفاحش فاعتبره نجسا. وأما لعاب البغل والحمار فلأنه مشكوك فيه فلا يتنجس به الطاهر، ـــــــــــــــــــــــــــــQالخرء المذكور، ولهذا قالوا يفسده خرء الدجاج لأنه لا ضرورة فيه حيث يمكن صون الأواني عنه. [قدر الدرهم من دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار] م: (وإن أصابه) ش: أي الثوب م: (دم السمك أو لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه) ش: أي في ذلك الثوب م: (أما دم السمك فليس بدم على التحقيق) ش: لأن الدم على التحقيق يسود إذا شمس، ودم السمك يبيض، ولهذا يحل تناوله من غير ذكاة، ولأن طبع الدم حار وطبع الماء بارد، فلو كان للسمك دم لم يدم سكونه في الماء. وفي " مبسوط شيخ الإسلام " أنه ما أخذ أي ما يتغير، وقال بعضهم: هو دم ولكنه طاهر، لأنه لو كان نجساً لأمر بالطهارة فصار حكمه حكم الكبد والطحال ودم يبقى في العروق كذا في " الإيضاح "، وفيه: أنه ما يلون، لأن الدم لا يمكن فيه. فإن قلت: أثبت المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاً أنه دم ثم نفاه وهذا تناقض. قلت: أجاب الأترازي بأنه أراد بالإثبات صورة الدم وبالنفي حقيقة الدم، قلت: يجوز أن يقال إن الإثبات بالنسبة إلى قول من قال: إنه دم حقيقة والنفي بالنسبة إلى قول الجمهور: أنه ليس بدم على التحقيق. وقال أبو يوسف في قول الشافعي: هو نجس إلحاقاً بسائر الدماء، وهو ضعيف، ودم البق والبراغيث ليس بشيء، وبه قال مالك وأحمد في رواية لأنه ليس بمسفوح، ودم الحدأة والأوزاغ نجس؛ لأنه دم سائل وما يبقى في العروق واللحم طاهر لا يمنع جواز الصلاة وإن كثر لأنه ليس بمسفوح، ولهذا حل تناوله. وعن أبي يوسف أنه معفو عنه في الثياب لعدم الاحتراز فيه دون الثوب. م: (فلا يكون نجساً) ش: هذا نتيجة قوله - فلأنه ليس بدم على التحقيق - فإذا لم يكن دماً حقيقة فلا يكون نجساً فلا يمنع الصلاة. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر فيه) ش: أي في السمك م: (الكثير الفاحش فاعتبره نجساً) ش: مخففاً للضرورة، وهذه رواية المعلى عنه. [لعاب البغل والحمار] م: (وأما لعاب البغل والحمار فلأنه مشكوك فيه) ش: كسؤرها، ومعنى الشك تقدم م: (فلا يتنجس به الطاهر) ش: أي لا يتنجس بالمشكوك فيه الثوب الطاهر، فلا يمنع جواز الصلاة وإن كثر، وعن أبي يوسف أن لعاب البغل والحمار يمنعان جواز الصلاة إذا كثر، لأن اللعاب يتولد من
[أنواع النجاسة]
وإن انتضح عليه البول مثل رءوس الإبر فذلك ليس بشيء، لأنه لا يستطاع الامتناع عنه. قال: والنجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئيا فطهارتها بزوال عينها، لأن النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته لأن الحرج مدفوع. ـــــــــــــــــــــــــــــQاللحم النجس. م: (وإن انتضح) ش: أي وإن ترشرش، وهو بالضاد المعجمة والحاء المهملة م: (عليه) ش: أي على المصلي م: (البول) ش: أراد به البول الذي أجمع على نجاسته بالتغليظ م: (مثل رءوس الإبر) ش: بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة جمع إبرة الخياط م: (فذلك ليس بشيء) ش: أي ليس بشيء معتبر، ولا مانع من جواز الصلاة معه. فإن قلت: هذا شيء موجود فكيف يصح نفيه؟ قلت: من التفسير يعلم جوابه. وفي " الكافي " أما لو انتضح مثل رءوس المسلة يمنع لعدم الضرورة، وعن الفقيه أبي جعفر ما قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكتاب مثل رءوس الإبر دليل على أن الجانب الآخر من الإبر معتبر، وغيره من المشايخ لا يعتبر الجانبين دفعاً للحرج. ولو انتضح ويرى أثره لا بد من غسله، وإن لم يغسل حتى صلى به وهو بحال لو جمع كان أكثر من الدرهم أعاد كذا ذكر البقالي والمحبوبي في "جامعه ". م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يستطاع الامتناع عنه) ش: خصوصاً في مهب الرياح. [أنواع النجاسة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (والنجاسة ضربان) ش: أي نوعان م: (مرئية) ش: أي يرى بالعين ويدرك بالنظر كالدم والعذرة، والآخر لا يرى ولا يدرك بالنظر وهو معني قوله م: (وغير مرئية) ش: كالبول ونحوه م: (فما كان منها) ش: أي من النجاسة م: (مرئياً فطهارتها بزوال عينها) ش: أي عين النجاسة من غير اشتراط عدد فيه م: (لأن النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها) ش: أي بزوال العين، وفي بعض النسخ بزواله بالضمير المذكر، أي بزوال العين أيضاً. م: (إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته لأن الحرج مدفوع) ش: الكلام فيه في مواضع: الأول: في الاستثناء. قال السغناقي ما ملخصه: أن المستثنى منه محذوف غير مذكور لفظاً، لأن استثناء الأثر من العين لا يصح، لأنه ليس من جنسه فكان تقديره؛ فطهارته زوال عينه وأثره، إلا أن يبقى من أثره ما يشق إزالته، ثم استشكل بأن حذف المستثنى منه في المثبت فلا يجوز، فلا يقال: ضربني إلا زيد، ثم استدرك ذلك بأن هذا لا يجوز عند استقامة المعنى، وعند عدم الاستقامة يجوز بقولك: قرأت إلا يوم كذا، لأنه يجوز أن يقرأ الأيام كلها إلا يوماً، بخلاف: ضربني إلا زيد، فإنه لا يستقيم أن يضربه كل ويستثني زيداً، وهذا من قبيل ما يستقيم فيه المعنى، فإن قولك: فطهارته زوال عينه وأثره في جميع الصور إلا في صورة تشق إزالة أثره، مستقيم، وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصاحب " الدراية " أخذ هذا يومئذ في شرحه. وأما الأكمل فإنه قال: وهذا استثناء العرض من العين فيكون منقطعاً. قلت: لم يكن له حاجة إلى ادعاء حذف المستثنى منه ولا الاستشكال، والجواب عنه بل الأوجه هنا أن يقول: إلا هاهنا استثناء من قوله: فتزول بزوالها. والمعنى: فالنجاسة لا تبقى بزوال عينها كما حمل لفظ يأبى في قَوْله تَعَالَى {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] (التوبة: 32) ، على معنى: لا يريد بهما بمعنى واحد، وكذلك هنا معنى قوله: فتزول، فلا تبقى، فحينئذ وجد الشرط في هذا الاستثناء وهو كون الكلام غير إيجاب، فيكون معنى فتزول النجاسة فلا تبقى النجاسة فتزول عنها إلا بقاء أثرها الذي يشق إزالته، فإنه معنوي فيجيء كلام الأكمل وهو استثناء العرض من العين فانتفى قول السغناقي، لأن استثناء الأثر من العين لا يصح. الثاني: أن المراد من الأثر هو اللون والرائحة وتعريفهم المشقة بالاحتياج في قلعه إلى شيء أخر نحو الصابون والحرص وغيرها، ومنه قال الأكمل: ما يشق إزالته بالاحتياج إلى الإزالة إلى غير الماء كالصابون والأشنان. قلت: هذا التفسير ليس بشيء لأن المعنى ليس على هذا، بل المعنى الذي يقتضيه التركيب؛ عدم إزالة الأثر بالماء لا يضر، والدليل عليه «حديث خولة بنت يسار سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن دم الحيض، فقال: "اغسليه" فقلت: فإن لم يخرج الدم؟، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يضرك أثره» ، أخرجه أبو داود في رواية ابن الأعرابي والبيهقي من طريقين. وقال إبراهيم الحربي: لم يسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث. ورواه الطبراني في "الكبير " من حديث خولة بنت حكيم، ووهم ابن الأعرابي حيث عزاه إلى أبي داود، وليس كذلك، فإن أبا داود إنما رواه من حديث خولة بنت يسار كما ذكرنا، ولأن الأثر إذا لم يزل كان ذلك ضرورة فيسقط بهم حكم النجاسة، ولأن الأثر عبارة عن اللون والنجاسة ما كانت باعتبار اللون بل باعتبار العين والنتن وقدر الأقل. فإن قلت: روى أبو داود عن معاذة قالت: سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة، وفي رواية الدارمي: باصفرار الزعفران، فهذا يدل أن الاحتياج إلى شيء غير الماء. قلت هذا موقوف، وأيضاً فلا يدل على أن الاحتياج المذكور ضروري، وإنما أمرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بذلك لتغيير اللون لا للإزالة، فإن ذلك يشق وفيه حرج وهو مدفوع.
وهذا يشير إلى أنه لا يشترط الغسل بعد زوال العين وإن زالت بالغسل مرة واحدة، وفيه كلام، وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر، لأن التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة، وإنما قدروا بالثلاث ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت روى أبو داود وغيره من «حديث أم قيس بنت محصن تقول: سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن دم الحيض يكون في الثوب، قال: "حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر" ففيه إضافة سدر إلى الماء» . قلت: إنما أمرها مبالغة في الإنقاء وقطع أثر دم الحيض لا غير، واسم أم قيس: أميمة، قاله السهيلي، وقيل خزامة، ويعفى بقاء ريحه بعد زوال العين، قال الكرخي في " شرح الجامع الصغير ": الثوب أصابته نجاسة كثيرة فغسل وبقيت رائحتها لم يكن لها حكم، وقال الأترازي: في هذا الموضع إلا إذا بقي ما في إزالته مشقة بأن لا يزول بالماء الصرف كاللون فيعفى عن ذلك «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دم الحيض: "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره» . قلت: ولم يبين أحد هذا الحديث ولا من خرجه ويحتج به تماماً. والحديث رواه أبو داود من «حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: سألت امرأة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ قال: "إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل» " وليس فيه ولا يضرك أثره. الموضوع الثالث: فيه إشارة إلى أن عين النجاسة إذا زالت بمرة واحدة لا يحتاج إلى غسل بعده، أشار إليه بقول م: (وهذا) ش: أي لفظ القدوري م: (يشير إلى أنه لا يشترط الغسل بعد زوال العين) ش: أي عين النجاسة م: (وإن زالت بالغسل مرة واحدة) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، والمعطوف عليه في الحقيقة محذوف تقديره إن لم يزل وإن زالت م: (وفيه كلام) ش: أي اختلاف المشايخ. وقال الهندواني والطحاوي: يغسل مرتين بعد زوال العين، وقال بعضهم: يطهر وإن كانت بمرة واحدة كذا في " المبسوط " وفي " الجامع الكردري ": يغسل ثلاثاً بعده، وكذا في فخر الإسلام: يغسل ثلاثاً بعد زوال العين، ذكره في " الجامع الكبير " م: (وما ليس بمرئي) ش: أي النجس الذي لا يرى بالعين م: (فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر) ش: لأن الظن أصل في الشرع. فإن قلت: لو غسل الصبي أو المجنون طهر ولا ظن. قلت: غسلهما مثل الماء الذي جرى على الثوب النجس وغلب على ظنهما زوال نجاسته بزوال استعماله ولا نجاسة هاهنا. م: (لأن التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله) ش: يعني لا يعلم قطعاً ويقيناً بزوال ما ليس بمرئي م: (فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة) ش: إذا اشتبهت م: (وإنما قدروا بالثلاث) ش:
لأن غالب الظن يحصل عندهم فأقيم السبب الظاهر مقامه تيسيرا، ويتأيد ذلك بحديث المستيقظ من منامه ثم لا بد من العصر في كل مرة في ظاهر الرواية لأنه هو المستخرج ـــــــــــــــــــــــــــــQيعني إنما قدر المشايخ المتقدمون بالثلاث م: (لأن غالب الظن يحصل عندهم) ش: أي عند الثلاث م: (فأقيم السبب الظاهر) ش: وهو الثلاث م: (مقامه) ش: بضم الميم، أي مقام غالب الظن م: (تيسيراً) ش: أي جرى التيسير لأجل التيسير وهو منصوب لأنه مفعول م: (ويتأيد ذلك) ش: أي يتأيد تقدير الثلاث م: (بحديث المستيقظ من منامه) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً» وقد مر هذا مع ما فيه من الأحكام والأبحاث في أول الكتاب، وقد شرط ثلاث في النجاسة الموهومة، ففي النجاسة المتحققة أولى. م: (ثم لا بد من العصر في كل مرة) ش: لأن العصر له قوة الاستخراج م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما روي عن محمد في غير رواية الأصول أنه إذا غسل ثلاثاً وعصر في الثالثة يطهر. ثم اعلم أن اشتراط العصر فيما ينعصر بالعصر، أما فيما لا ينعصر كالحنطة إذا تنجست بمائع والجرد والحديد والسكين المموه مما ينجس والحصير إذا تنجس فعند أبي يوسف يغسل ثلاثاً ويجفف في كل مرة فيطهر، وقال محمد: لا يطهر أبداً لأن النجاسة لا تزول إلا بالعصر، ولأبي يوسف أن التجفيف يقوم مقام العصر في الاستخراج إذ لا طريق سواه. م: (لأنه هو المستخرج) ش: أي لأن العصر هو الذي يستخرج النجاسة. 1 - فروع: إذا انتضح من الغسالة المنفصلة من المرة الأولى وجب غسله ثلاثاً في ظاهر المذهب، وفي رواية الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل مرتين، وفي المرة الثانية يغسل مرتين بعصر، وفي الثالثة مرة، وعند الشافعي والحنابلة على اعتبار العدد، والنفع شرط عندهم في جميع النجاسات، ذكره ابن قدامة في " المغني " والنووي. وفي " شرح المهذب ": اغتسل جنب في عشر آبار أفسدها ولا يجزئه غسله عند أبي يوسف، وعند محمد يخرج من الثانية طاهراَ سواء كان على بدنه نجاسة حقيقية، أو لم يكن، فإن كانت على بدنه منها شيء فالمياه الثلاثة نجسة وما بعدها مستعملة، وإن لم يكن فالمياه الثلاثة مستعملة، وكذا لو أدخل يده في عشر أواني فطهر عندهما ولا يطهر عند أبي يوسف، وفي عشر جرار خل يطهر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يطهر عند محمد. كذا في " المحيط " وقعت فأرة في خمر وماتت ثم صارت خلاً، قيل يباح أكله، وقيل: لا، وقيل: إن انتفخت لا يحل وإلا حل، هذا إذا أخرجت قبل أن يصير الخمر خلاً، ولو صارت خلاً والفأرة فيها لا تحل. ولو وقع الكلب في العصير ثم تخمر ثم تخلل يجب أن يكون نجساً، ولو وقع خرء الفأرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفي قفيز حنطة وطحنت لم يجز أكلها، ويفسد الدهن عند الحسن بن زياد. وقال محمد بن مقاتل الرازي: لا يفسد الدهن ولا الحنطة ما لم يتغير طعمه. وفي " المرغيناني ": يرمى خرء الفأرة من الخبز ويؤكل إذا كان صلباً. ولو وقع في الدهن أو الماء لا يفسده، وكذا في الحنطة إذا كان قليلاً، وفي " مسائل الشيخ الزاهد أبي حفص ": لا يفسد الخل ولا الزيت، وعن أبي إسحاق الضرير: لو كان لي لشربته. وبول الهرة نجس إلا قولاً شاذاً، والدودة الساقطة من السبيلين نجسة، وذكر الفقيه أبو حفص في "غرائب الرواية ": أنها طاهرة، وإن سقطت من اللحم فهي طاهرة أيضاً. وجرة البعير بكسر الجيم وتشديد الراء ما يخرج من جوفه من الاجترار نجسة، وبه قال الشافعي، والحمار لو شرب من العصير لا يجوز شربه، وقال محمد بن مقاتل: لا بأس بشربه، وقال أبو الليث: هذا خلاف قول أصحابنا، وبخار النجاسة إذا تجمد ثم سال نجس. وقال في " المرغيناني ": لا ينجس في الصحيح. موضع الحجامة يمسح بثلاث خروق رطاب، ويجزئه عن الغسل ذكره أبو الليث وعن أبي يوسف: يشترط غسله. الحصير النجس إن كانت نجاسته يابسة دلكه، وإن كانت رطبة أجرى عليه الماء ثلاث مرات، وفي " الذخيرة ": يطهر عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لمحمد. والبساط يجعل في نهر جار ليلة ليطهر العذرة إذا صارت تراباً، قيل: تطهر كالحمار الميت إذا وقع في المملحة حتى صار ملحاً عند محمد. قال في الذخيرة: عندهما وعند قول أبي يوسف نجس، وكذا السرقين والعذرة إذا أحرقت بالنار وصارت رماداً فهي على هذا الخلاف. وفي " الفتاوى ": رأس الشاة إذا أحرق حتى زال الدم تطهر، وكذا بلة التنور النجسة تزول بالإحراق، وعند الشافعي: الأعيان النجسة لا تطهر بالإحراق بالنار. وقال في الحضري منهم: رماد هذه الأشياء طاهرة، وفي دخان النجاسة وجهان مشهوران عندهم. وفي " الذخيرة ": لا توقيت في إزالة النجاسة إذا أصابت الحجر أو الآجر أو الأواني بل يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل طهارتها ولا يبقى لها رائحة ولا طعم ولا لون وسواء كانت الآنية من خذف أو غيره أو كانت قديمة أو حديثة، وعن محمد أن الخذف الجديد لا يطهر أبداً. وفي " المرغيناني " حانة الخمر لو غسلت ثلاث مرات تطهر إذا لم تبق لها رائحة الخمر، وإن بقيت فلا. ولو صب الماء في الخمر ثم صارت خلاً تطهر في الصحيح. الحنطة المتنجسة قبل أن تنتفخ تغسل ثلاثاً وتؤكل إذا لم يبق لها رائحة، ولا طعم. وفي " شرح الطحاوي ": لا يحل وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن طبخت بالخمر حتى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ ... ] يطبخ بعده ثلاث مرات تنتفخ في كل مرة ويجفف بعد كل طبخة. وعند أبي حنيفة: إذا طبخت بالخمر لا تطهر أبداً لقول محمد. ولو وقعت الحنطة في الخمر ثم قلبت لا تطهر أبداً. والدقيق إذا أصابته الخمر لا يؤكل وليس له حيلة. وفي " الذخيرة ": صب خمر في قدر [به لحم] قبل الغليان يطهر اللحم بالغسل ثلاثاً وبعده لا يطهر، وقيل: يغلى ثلاث مرات كل مرة بماء طاهر، ويجفف في كل مرة ويجففه بالزبد. والخبز الذي عجن بالخمر لا يطهر بالغسل، ولو صب فيه الخل وذهب أثرها يطهر. ولو صبغ يده بحناء نجس أو شعره بأن خلط ببول أو خمر أو دم فغسله فزالت العين وبقي اللون فهو طاهر وهو الصحيح. قال صاحب " الحاوي ": فإن قلنا: لا يطهر وكان عليها شعر كاللحية لا يلزمه حلقها بل يصلي، فإذا اتصل أعاد الصلاة وكذا على البدن، وإن كان مما لا يصل كالوسم فإن أمن التلف يلزمه قطعه، وإن جاوز وكان غيره أكرهه عليه تركه، وإن كان هو الذي فعل فوجهان، ولو غسل يده من دهن نجس طهرت ولا يضره أثر الدهن على الأصح. ولو تنجس العسل يكفأ ويصب عليه الماء ويغلى حتى يعود إلى المقدار الأول، هكذا يفعل ثلاثاً، وعلى هذا الدبس [ ... ] إذا اتزر في الحمام وصب الماء على جسده ثم صب الماء على الإزار يحكم بطهارته. امرأة سجرت التنور ثم مسحته بخرقة مبتلة نجسة ثم حرقت فيه، فإن أكلت حرارة النار البلة قبل إلصاق الخبز بالتنور لا ينجس الخبز. المسك حلال على كل حال يؤكل في الطعام ويجعل في الأدوية وإن كان أصله دماً على ما قيل بعد. وأما الزناد إن كان لبن سنور، وفي " البحر ": طاهر عرق سنور بري كما قيل: فهو عرق غير مأكول اللحم. الذي صلى ومعه جلد حية أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وإن كانت مذبوحة، وأما قميص الحية ففيه اختلاف المشايخ، فقيل: إنه نجس، وقيل: إنه طاهر. وأشار شمس الأئمة إلى الصحيح أنه طاهر. الماء الذي يسيل من فم النائم طاهر في الأصح.
[فصل في الاستنجاء]
فصل في الاستنجاء ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في الاستنجاء] م: (فصل في الاستنجاء) ش: أي: هذا فصل في بيان الاستنجاء وأحكام الكلام، فيه أنواع: الأول: أنه ذكر هذا الفصل في هذا الباب، لأن الاستنجاء إزالة النجاسة العينية، فذكره أشق، وأيضاً اتبع المصنف فيه القدوري وهو اتبع محمداً في أنه لم يورده عند ذكر سنن الوضوء. وقيل فيه أوجه أخرى لا طائل تحتها. الثاني: في معنى الاستنجاء وهو على وزن استفعال، تقول: استنجى يستنجي استنجاء، والسين فيه للطلب وهو على قسمين: أحدهما: صريح نحو استكتبته، أي طلبت منه الكتابة. والثاني: أن يكون تقديراً نحو استخرجت الوتد من الحائط، فليس هنا طلب صريح بل المعنى له أول المطلق، والحبلى حتى تخرج، ونزل ذلك منزلة الطلب. فإن قلت: الاستنجاء من أيهما. قلت: من الثاني، فإن المستنجي لم يزل يتلطف حتى يزول النجو عن موضعه، وهذا هو التحقيق هنا. وأكثر الشراح قالوا: السين للطلب وسكتوا عليه، وليس ذلك يفيد المقصود على ما لا يخفى، والنجو ما يخرج من البطن، يقال: نجى وأنجى إذا أحدث، يقال: نجى الغائطة نفسه ينجو، وقال الأصمعي: استنجى أي مسح موضع النجو أو غسله ولهذه المادة معان، يقال: نجا من كذا ينجو نجاءً بالمد، ونجاة بالقصر ونجوت أيضاً نجاء ممدوداً أي أسرعت وانبعثت، واستنجى: أي أسرع، ونجوت فلاناً [.....] النحل إذا التقطت رطبها، عن الأصمعي، وقال أيضاً: نجوت غصون الشجرة إذا قطعتها، والنجاة بالقصر، والجمع نجا، والنجو السحاب [ ..] والجمع نجا بكسر النون، والنجا المكان المرتفع لا يعلوه السيل [.....] ، قال: نجوته نجواً ساررته، وكذلك ناجيته، والنجوى اسم ومصدر. وفي المغرب: نجا وأنجى إذا أحدث وأصله من النجوة وهو المكان المرتفع لأنه يتستر بها وقت قضاء الحاجة، ثم قالوا: استنجى إذا مسح موضع النجو وهو ما يخرج من البطن أو غسله، وقيل: من نجى الجلد إذا مر، قلت: يمكن أن تراعى المعاني المشهورة في لفظ الاستنجاء في هذا الباب. الثاني: أن معنى الاستنجاء والاستطابة والاستجمار كلها عبارة عن إزالة الجاري من السبيلين عن مخرجه، فالاستنجاء والاستطابة يكونان بالماء وغيره كالحجر ونحوه، والاستجمار يختص
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبالأحجار مأخوذ من الجمار، وهي الحصى الصغار، والاستطابة أعم من الطيب لأنه يطيب نفسه بإزالة الخبث، قلت: فعلى هذا الاستطابة أعم وبقي الاستنجاء والاستنقاء والاستبراء والاستنزاه. فالاستنجاء قد ذكرناه. والاستنقاء طلب النقاوة بالحجر والمدر أو نحوهما. وقال بعضهم: هو أن يدلك مقعدته حتى تذهب الرائحة الكريهة وذلك بيده اليسرى. وقال بعضهم: هو أن يدلك مقعدته حتى يتيقن أنها قربت للجفاف. وقال بعضهم: هو أن ينشف بالمنشفة أو بالخرقة حتى لا يقطر منه شيء من الماء المستعمل على الثوب. وأما الاستبراء فهو طلب البراءة وهو أن يركض برجله على الأرض حتى يزول عنه [.....] . وأما الاستنزاه فهو طلب النزه بضم النون وسكون الزاء المعجمة وهو البعد عن البول. النوع الثالث: في آداب الاستنجاء وقضاء الحاجة الإبعاد: روى مسلم من «حديث المغيرة، قال: انطلق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى توارى عنا فقضى حاجته» . وروى أبو داود والترمذي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان إذا ذهب المذهب أبعد» روى محمد بن الحسن عن عيسى بن أبي عيسى الخياط عن الشعبي عن عمر سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «اتقوا الملاعن الثلاث وأعدوا النبل» رواه أبو عبيد عن محمد بن الحسن، وقال: سمعته يقول: النبل: هي الحجارة للاستنجاء وهو بضم النون وفتح الباء الموحدة، قاله الأصمعي، وقال أبو عبيد: والمحدثون يقولون: النبل بالفتح سميت نبلاً لصغرها، وهذا من الأضداد، يقال للعظام نبل، وللصغار نبل، والكبير لقضاء الحاجة. وعن عبد الله بن جعفر قال: «كان أحب ما استنزه به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقضاء حاجته هدف أو حائش نخل» رواه مسلم. وقال "الفارس": الهدف كل شيء عظيم، وقيل ما ارتفع من الأرض [.....] ، والحائش بالحاء المهملة والشين المعجمة جماعة النخل وإدامة الستر حتى يدنو من الأرض، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد قضاء الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه أبو داود [ ... ] المكان للبول عن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال، ثم قال: «إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله» الدمث: بفتح الدال المهملة والميم، المكان اللين السهل، وكراهة البول في الهواء عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكره البول في الهواء» . وفي مسند أبي يوسف النعر وهو ضعيف، وفي حديث الحضرمي وكان من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا بال أحدكم فلا يستقبل الريح ببوله فيرد عليه» ، ذكره في " الإمام ". والخاتم عليه اسم الله، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» رواه أبو داود، وقال: منكر ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وكراهة ذكر الله في الخلاء، روي عن ابن عباس هكذا، وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي وعكرمة، وبه قال أصحابنا وهو الاحتياط بتركها لاسم الله تعالى واحتراما له. وروي عن مالك والنخعي إباحته واتقاء الملاعن، روى أبو داود من حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل» ، والبراز بكسر الباء الموحدة الموحدة كناية عن الغائط. وروى أبو داود أيضاً عن عبد الله بن سرجس: «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يبال في الجحر» "، قال قتادة: كان يقال: إنها مساكن الجن، وفي " المراسيل " عن مكحول «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبال في أبواب المساجد» وعن أبي مجلز «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عمر أن ينهى عن أن يبال في قبلة المسجد» وعن أبي هريرة: «لا يبولن أحدكم في الماء الناقع» ، أخرجه ابن ماجه، الناقع بالنون والقاف الماء المجتمع، وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن البول في المغتسل» ، رواه أبو داود والنسائي والدارمي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوعن عبد الله بن مغفل قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه، فإن عامة الوسواس منه» أخرجه الأربعة، ويجتنب القعي في قضاء الحاجة، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من جلس على قبر يتغوط أو يبول [عليه] فكأنما جلس على جمرة» ، أخرجه أبو جعفر البغوي، ما جاء من الذكر عند دخول الخلاء فليقل: «إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» ، أخرجه الجماعة. والخبث بضمتين جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، فاستعاذ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من ذكران الجن وإناثهم، وقال الخطابي: وعامة المحدثين يقولون بسكون الباء وهو غلط والصواب الضم. قلت: يجوز تسكينها تخفيفا، وذكر أبو عبيد بالسكون ومعناه الرد والكفر أو الشيطان. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله» ، أخرجه ابن ماجه، الستر بكسر السين الحجاب: وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من الخلاء قال: "غفران» ، أخرجه الأربعة. وروى البيهقي من جهة ابن خزيمة زيادة: " غفرانك ربنا وإليك المصير "، وقال الخطابي: قيل في سبب غفرانك في هذا الموضوع قولان: أحدهما: أنه استغفر من تركه ذكر الله
[حكم الاستنجاء]
والاستنجاء سنة، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليه ـــــــــــــــــــــــــــــQحال لبثه على الخلاء. فإن قيل: فتركه مأمور به فكيف يسأل المغفرة قيل: المخرج إلى الخلاء من قبل نفسه، الثاني: استغفر خوفا من تقصيره في شكر نعمة الله تعالى من خلاصه من الأذى وغفرانك مصدر منصوب بتقدير: أسألك أو اغفر بغفرانك، وعن أميمة بنت رقيقة قالت: «كان له - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل» رواه أبو داود والنسائي والبيهقي، والعيدان بفتح العين المهملة، وواحدة عيدانة وهي النخل الطوال المتجردة. [حكم الاستنجاء] م: (والاستنجاء سنة) ش: وبه قال مالك وابن سيرين وسعيد بن جبير والمزني، وقال الشافعي: واجب من البول والغائط وكل خارج ملوث من السبيلين وهو شرط في حصة الصلاة وبه قال أحمد والحسن وداود وأبو ثور، والخلاف مبني على عفو القليل من النجاسة وعدم عفوه، وقد تقدم م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه) ش: أي على الاستنجاء، والدليل على مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحاديث كثيرة. منها ما رواه ابن ماجه في "سننه " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من غائط قط إلا مس ماء» ". ومنها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى ثم مسح يده على الأرض ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ» . ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل الخلاء فأحمل أن وغلام نحوي إدواة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء» . فإن قلت: مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فعل يدل على وجوبه فكيف قال المصنف: الاستنجاء سنة؟، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه فكان ينبغي أن يكون واجبا. قلت: عادة المصنف على هذا الاصطلاح أنه يجعل مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دليلاً على السنة، لكن مراده السنة المؤكدة وهي في قوة الواجب، ولكنه ليس بواجب مطلقا بل تارة يكون واجبا وتارة يكون فرضاً وتارة يكون سنة وتارة يكون مستحبا وتارة يكون بدعة، وأما الواجب فهو ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذا كانت النجاسة مقدار الدرهم. وأما الفرض فهي ما إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم، وأما السنة فهي ما إذا كانت النجاسة أقل من قدر الدرهم فالاستنجاء حينئذ سنة، وأما المستحب فهو ما إذا بال ولم يتغوط فإنه يغسل قبله دون دبره، وأما البدعة فهي ما إذا خرج من غير السبيلين شيء أو خرج ريح من دبره أو دودة فالاستنجاء فيه بدعة. ثم إن المصنف أطلق كلامه ولم يبين أي نوع من الاستنجاء سنة، وكذلك لم يبين أنه بالماء أو بالحجر ونحوه. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": الاستنجاء نوعان نوع بالحجر والمدر، ونوع بالماء والاستنجاء بالحجر أو ما يقوم مقامه كالأعيان الطاهرة والعود والخرقة سنة، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله على سبيل المواظبة وكذلك الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتباع الماء أدب لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يستنجي بالماء مرة وتركه أخرى وهو حد الأدب، وهكذا روي عن بعض الصحابة قال مشايخنا: إنما كان ذلك أدبا في الزمان الأول. وأما في زماننا سنة حتى قيل للحسن البصري: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كيف يكون سنة وقد فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرة وتركه أخرى، وكذا الصحابة كعمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقال: إنهم كانوا يبعرون بعراً وأنتم تثلطون، ولا خلاف في الأفضلية. قلت: فعلى هذا قول المصنف الاستنجاء سنة محمول على الاستنجاء بالحجر ونحوه، ومع هذا تجاوزت النجاسة المخرج أكثر من قدر الدرهم لا يجوز إلا بالماء كما يصرح به عن قريب. قال الأكمل في هذا الموضع: وهو سنة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه، والمواظبة على ذلك والترك دليل السنة. قلت: من ذكر من الصحابة والتابعين أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترك الاستنجاء في الجملة حتى قيد بهذا القيد، ولم ينقل الترك عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي " الكافي ": أجاب عن هذا السؤال، وقال: والدليل أن المراد عدم الوجوب؛ لأن قدر الدرهم معفو يعلم أن الاستنجاء ليس بواجب. وقال صاحب " الدراية " وفيه تأمل، فإن عند الخصم قدر الدرهم غير معفو، بل نقول: نفس المواظبة دليل السنة، وعدم الترك لم يثبت فلا يدل على الوجوب، وعدم فعل الترك لا يدل على عدمه. قلت: الإشكال يأتي لأن المواظبة مع عدم الترك تدل على الوجوب، وقوله نفس المواظبة دليل السنة وعدم الترك لم يثبت فيه نظر، لأن نفس المواظبة قليل الوجوب، وإن لم يثبت عدم الترك لم يثبت الترك أيضاً، وذكر المواظبة من غير قيد يفهم منه الوجوب وإن كان نفس الأمر يحتمل الترك وعدمه، والاحتمال الثاني عند غيره دليل لا يعتبر ولا يترك دلالة صريح اللفظ بأمر
[ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز]
ويجوز فيه الحجر وما قام مقامه يمسحه حتى ينقيه لأن المقصود هو الإنقاء فيعتبر ما هو المقصود ـــــــــــــــــــــــــــــQموهوم فافهم. [ما يجوز به الاستنجاء به وما لا يجوز] م: (ويجوز فيه الحجر) ش: أي يجوز في الاستنجاء استعمال الحجر م: (وما قام مقامه) ش: أي ويجوز أيضاً بما قام مقام الحجر كالمدر والتراب والعود والخرقة والقطن والجلد ونحو ذلك. وفي " المفيد ": وكل شيء طاهر غير مطعوم يعمل عمل الحجر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من الترب» ، رواه الدارقطني وبه قال مالك والشافعي، وقال أهل الظاهر: لا يجوز بغير الأحجار وضبط في " تهذيب الشافعية " بكل جامد طاهر مزيل للعين ليس له جرم ولا جزء من حيوان، قالوا: وسواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخذف والآجر ليس من سرقين وما أشبه ذلك، ولا يشترط اتحاد جنسيته بل يجوز في الغسل جنس آخر، ويجوز أن يكون الثلاثة حجر أو خشبة أو خرقة نص عليه الشافعي. م: (يمسحه حتى ينقيه) ش: أي يمسح الموضع إلى أن ينقيه وهو بضم الياء من الإنقاء وهو التنظيف، وأصله من نقي الشيء بالكسر ينقى بالفتح نقاوة بفتح النون فهو نقي أي نظيف، والنقاء ممدود: النظافة، والنقاء مقصور: الكثيب من الرمل، ونقاوة الشيء بضم النون: خياره، كذلك النقاية. فإن قلت: يمسحه فيه ضميران، أحدهما: ضمير مرفوع مستتر والآخر منصوب ظاهر، وليس لهما موجع وهو إضمار قبل الذكر، وهو لا يجوز. قلت: يجوز إذا قامت لعدم الالتباس، وهاهنا فصل الاستنجاء وهو مستلزم المستنجي، وموضع الاستنجاء، وليس لهذه الجملة محل من الإعراب لأنها ابتدائية. م: (لأن المقصود) ش: من الاستنجاء م: (هو الإنقاء) ش: أي التنظيف م: (فيعتبر ما هو المقصود) ش: فلا حاجة إلى غير المقصود، وكيفية الاستنجاء: أن يجلس معتمداً على يساره، منحرفاً عن القبلة، والريح والشمس والقمر، ومعه ثلاثة أحجار، يدبر بأحدهما ويقبل الثاني ويدبر بالثالث وقال الفقيه أبو جعفر: هذا في الصيف وفي الشتاء يقبل بالأول ويدبر بالثاني، ويقبل بالثالث؛ لأن خصيتيه في الصيف مدلتان دون الشتاء، والمرأة تفعل في الأوقات كلها كما يفعل الرجل في الشتاء، وفي " المجتبى ": المقصود هو الإنقاء، فيختار ما هو أبلغ فيه والأسلم من زيادة التلوث، وفي " الدراية ": ولنا كيفية الاستنجاء هو أن يأخذ الذكر بشماله ويمره على حجر أو مدر، يأتي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمن الأرض ولا يأخذ الحجر بيمينه ولا الذكر به لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن الاستنجاء باليمنى ومسح الذكر به» . وأما صفته بالماء فهو أن يستنجي بيده اليسرى بعدما ترخى موضع الاستنجاء مع الإدخال حتى يتم التنظيف إذا لم يكن صائما ويستنجى بأصبع أو أصبعين أو بثلاثة أصابع عرضاً ببطونها لا برؤوسها احترازاً عن الاستمتاع بها، ويصعد أصبعه الوسطى على سائر أصابعه صعوداً قليلا في ابتداء الاستنجاء ويغسل موضعه ثم يصعد بنصره ويغسل موضعه ثم يصعد خنصره ثم سبابته ويغسل حتى يطمئن قلبه أنه قد طهر، وعن محمد: من لم يدخل أصبعه في دبره لا تطفأ. قال " الأسبيجابي ": هذا غير معروف، وقيل ذلك يورث الباسور وينقض صومه، لأن أصبعه لا يخلو عن بلة ويبدأ فيه بالغسل حتى لا تتلوث يده، فإن كان لا ينبغي أن يقوم من موضع الاستنجاء حتى ينشف الموضع بخرقة كيلا يصل الماء باطنه فيفسد صومه. والمرأة كالرجل إلا أنها تقعد بين رجليها وتغسل ما ظهر منها ولا تدخل الأصابع في فرجها. وقيل: تستنجي برؤوس أصابعها؛ لأنها تحتاج في تطهير فرجها الخارج، وقيل: يكفيها مزاجها. وقيل تعرض أصابعها، والعذر ألا تستنجي بإصبعها خوفا لزوال عذرتها. وفي " النظم ": المرأة تصعد ينصرها ووسطاها أولاً معا دون الواحد كيلا يقع في قبلها فتنزل فيجب الغسل، وفي "الجامع الأصغر": لها أن تغسل ما يقع من فرجها على راحتها، قاله أبو مطيع، وقد تدير أصبعها في فرجها. قال محمد بن سلمة: قول أبي مطيع أحب إلي، ولو جرى بالاستنجاء على الخف يحكم بطهارته، وكذا لو دخل من جانب وخرج من جانب آخر وفي موضع احتاج إلى كشف العورة ليستنجي بالحجر لا بالماء، ولو كشف العورة للاستنجاء صار فاسقاً، وكشفه عند الشافعي وجهان، قال علي بن أبي هريرة: يضع حجراً على مقدم الصفحة اليمنى ويمره إلى مؤخرها ثم يدبرها إلى مؤخرها ويمره عليها إلى الموضع الذي بدأ ويأخذ الثاني فيمره مرة من مقدم صفحته اليسرى ويمره إلى مؤخرها ويدبرها إلى على ما ذكرناه، ويأخذ الثالث فيمره على الصفحتين ويمس به. وقال عبد الحق: يأخذ حجرين للصفحتين وحجراً للمس والأول أصح، وينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بالقرب من النجاسة، وإن كان يستنجي من البول أمسك ذكره باليسار ومسحه على الحجر والثيب والبكر سواء، والصحيح والواجب أن تغسل ما ظهر من فرجها عند جلوسها وذلك دون البكر كذا في " الحلية ". والاستنجاء على شط النهر يجوز عند مشايخ بخارى خلافا لمشايخ العراق، ولو أخرج دبره وهو صائم فغسله لا يقوم من مقامه حتى ينشفه بخرقة قبل
وليس فيه عدد مسنون. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا بد من الثلاث لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار» ـــــــــــــــــــــــــــــQرده، وهو جائز في الدم والماء وغير ذلك إذا خرج من السبيلين، وفي " جوامع الفقه ": إن خرج من فرجه قيح أو دم يجب غسله، وقيل: يجوز الحجر في الكل، وفي " العتبية ": إذا أصاب موضع الاستنجاء نجاسة من الخارج أكثر من قدر الدرهم يطهر بالحجر، وقيل: الصحيح أن لا يطهر إلا بالغسل والاستنجاء من الريح والنوم بالإجماع. م: (وليس فيه) ش: أي في الاستنجاء بالحجر ونحوه م: (عدد مسنون) ش: أي عدد فيه سنة، لأن النجاسة مرئية فكان المقصود زوال عينها أو حقيقتها فلا يعتبر بالعدد في ذلك، والحاصل أن عندنا المقصود هو التنقية دون العدد، حتى إذا حصلت التنقية بالمرة الواحدة لا يحتاج إلى الثانية، وإذا لم تحصل التنقية بثلاث مرات يزاد على الثلاث. م: (وقال الشافعي: لا بد من الثلاثة) ش: أي من ثلاثة أحجار م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأحمد في "مسنده " كلهم بلفظ: «وكان يأمر بثلاثة أحجار» وتمام الحديث عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما أن لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار "، ونهى عن الروث والرمة وأن يستنجي الرجل بيمينه» وأخرجه البيهقي أيضاً في "سننه " بلفظ الكتاب. وروى الدارقطني أيضاً بلفظ الكتاب من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب» ، قال زمعة بن صالح وهو أحد رواته: فحدثت به ابن طاوس فقال: أخبرني أبي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: - بهذا سواء. قال الدارقطني: لم يسنده عن غير المضري وهو كذاب، والمضري أحد رواته وهو أحمد بن الحسن وغيره يرويه عن طاوس مرسلاً ليس فيه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقد رواه ابن عيينة عن سلمة عن طاوس قوله. وحديث آخر في هذا الباب رواه ابن عدي في " الكامل " عن حماد بن الجعد حدثنا قتادة حدثني خلاد الجهني عن أبيه السائب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دخل أحدكم الخلاء فليستنج بثلاثة أحجار» ، وضعف حماد بن الجعد عن ابن معين. والنسائي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فليستطب بها
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من استجمر فليوتر فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج» ـــــــــــــــــــــــــــــQفإنها تجزئ عنه» وقال: إسناده صحيح. وآخر رواه الطبراني في "معجمه " من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار فإن ذلك كافيه» ". م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج» ش: الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» ، وأخرجه أحمد في "مسنده " والبيهقي في "سننه " وابن حبان في "صحيحه " والحديث في " الصحيحين " دون هذه الزيادة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً: «من استجمر فليوتر» ، وفي لفظ لمسلم: «فليستجمر وترا» ". قوله: - ومن لا فلا حرج - أي فلا إثم عليه، ولفظ الحديث - فقد أحسن - ولفظ الكتاب - فحسن - والمعنى صحيح قريب. فإن قلت: قال البيهقي: بعد أن روى هذا الحديث: إن صح، فإنما أراد وترا بعد الثلاث، ثم استدل على هذا التأويل بحديث أخرجه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعاً: «إذا استجمر أحدكم فليوتر، فإن الله وتر يحب الوتر، أما ترى السموات سبعاً والأراضين سبعاً والطواف؟!!» وذكر أشياء. قلت: هذا مكابرة، فكيف يقول إن صح وقد رواه ابن حبان وصححه؟ وتأويله بوتر يكون بعد الثلاث غير صحيح لأن دعوى من غير دليل، ولو صح ذلك يلزم منه أن يكون الوتر بعد الثلاث مستحباً؛ لأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - به على مقتضى هذا التأويل، وعندهم لو حصل النقاء بالثلاث فالزيادة عليها ليست بمستحبة بل هي بدعة، وإن لم يحصل النقاء بالثلاث فالزيادة عليها واجبة لا يجوز تركها. ثم حديث: «أما ترى السموات سبعاً» على تقدير صحته لا يدل على أن المراد بالوتر ما يكون بعد الثلاث؛ لأنه ذكر فردا من أفراد الوتر، إذا لو أريد بذلك السبع بخصوصها للزم بذلك وجوب الاستنجاء بالسبع؛ لأنها المأمور به في ذلك الحديث. فإن قلت: قال الخطابي: وفيه وجه آخر وهو رفع الحرج بالزيادة على الثلاث، وذلك أن مجاوزة الثلاث في الماء عدوان وترك للسنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا الوجه لا يفهم من هذا الكلام على ما لا يخفى على الفطن، وأيضاً مجاوزة الثلاث في الماء كيف يكون عدوانا إذا لم تحصل الطهارة بالثلاث والزيادة بالأحجار وإن كانت شفعا كيف لا يصير عدوانا وقد نص عليه الأنباري فافهم. قلت: نحن نستدل بحديث أخرجه البخاري في "صحيحه ": حدثنا أبو نعيم حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه سمع عبد الله يقول: «أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هذا ركس» ". وجه الاستدلال به ظاهر لأنه أنقى بالحجرين ولم يبتغ ثالثاً. وقال الطحاوي: حديث عبد الله دليل على أن الثلاثة ليست بشرط، بيانه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قعد للغائط في مكان لم يكن فيه حجارة لقوله لعبد الله: "ناولني ثلاث"، ولو كان بحضرة حجارة لما احتاج أن يناوله غيره من غير ذلك المكان، ولما اقتصر على الحجرين دل ذلك على أن الاستنجاء يجزئ بهما ما يجزئ منه الثلاثة إذ لو لم تجزئ الثلاثة لما اكتفى بالحجرين ولأمر عبد الله أن يأتيه بالثلاث، وقال ابن القصار: وقد روي في بعض الآثار التي لا تصح: أنه أتى بحجر ثالث. قال: ولو صح ذلك فالاستدلال لنا به صحيح لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقتصر للموضعين على حجرين أو ثلاثة يحصل لكل واحد منهما أقل من ثلاثة أحجار ضرورة ولا يقتصر على الاستنجاء لأحد الموضعين ويترك الآخر، ولعل ذكر الثلاثة خرج مخرج الغالب في الاكتفاء بحصول الإنقاء بها لا مخرج الشرط أو تحمل الثلاث على الاستحباب، ولأن الثلاثة متروكة عندهم حتى إنه بالحجر الواحد إذا كان له ثلاثة أحرف فيقوم مقام الثلاث فكذا يقوم الحجر أو الحجران إذا حصل الإنقاء مقام الثلاثة لحصول المقصود من الإنقاء فلا معنى للمحمول على لفظة الثلاثة مع حصول المقصود المفهوم من الشرع. وعن محمد لا يجزئه حجر له ثلاثة أحرف. فإن قلت: يحمل الوتر المطلق، على المقيد وهو الثلاثة. قلت: هذا النوع على أصلنا، ولئن سلمنا فقد يقع الحرج على تاركه فانتفى وجوب الاستنجاء بثلاثة أحجار، وبين أن المراد بالأمر الاستحباب والندب فإن قلت: قد فهمنا أن النهي لمعنى الكراهة وتركها لا يمنع الجواز. قلت: ونحن فهمنا أيضا أن المقصود من الأمر بالتثليث تحصيل إزالة النجاسة وجعلها وتحقيقها، فإذا حصل ذلك كفى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: يحمل قوله - ومن لا فلا حرج - على ترك الوتر بعد الثلاث. قلت: هذا فاسد لأنه إن حصل النقاء بالثلاث، فإن زاد على الثلاث لا تكون مستحبة عندكم، وإن لم يحصل بالثلاثة فالزيادة واجبة عندكم كما قررناه عن قريب. فإن قلت: قال ابن المنذر: قد ثبت أنه قال لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار. قلت: لا نسلم ذلك، ولئن سلمناه فمعناه لا يكفي لإقامة الأمر المستحب، وأيضاً قد تركوه في الحجر له ثلاثة أحرف، وأيضاً فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اكتفى بحجرين ولم يطلب الثالث، ولأنه إذا زالت بالأول لا يكون الثاني والثالث استنجاء، لأنه أزاله، ولم يزله. فإن قلت: الثلاثة يعد كالإقرار في العدة، لأن فراغ الرحم يحصل بالواحد. قلت: نحوه يفسد ما في باب العدة بالصغير والآيسة وعدة الوفاة قبل الدخول بخلاف ما نحن فيه، فإنه لا يجب بخروج الصوت والريح والدودة والحصاة. وجواب آخر أن العدة على خلاف القياس. فإن قلت: الآخر لا يستعمل إلا في الواجب. قتل: باطل بدليل ما أخرجه البخاري عن أبي بردة في الأضحية، «قال: عندي جذعة قال: "اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك» "، والأضحية غير واجبة عندكم بل هي سنة. فإن قلت: حديث البخاري الذي استدل به فيه ثلاثة أشياء. الأول: أن فيه الانقطاع بين أبي إسحاق وعبد الرحمن بن الأسود. الثاني: فيه التدليس من أبي إسحاق ذكره البيهقي [في] الخلافات عن ابن الشاذكوني قال: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى، قال أبو عبيدة: لم يحدثني ولكن عبد الرحمن عن فلان [عن فلان] ولم يقل: حدثني، فجاز الحديث وسار الاعتراض. الثالث: الاختلاف في إسناده، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول في حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استنجى بحجرين وألقى الروثة» فقال أبو زرعة: اختلفوا في إسناده، فمنهم من يقول: عن أبي إسحاق عن أبي الأسود عن عبد الله، ومنهم من يقول: عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله. ومنهم من يقول: عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، والصحيح عندي حديث أبي عبيدة وكذلك روى إسرئيل عن أبي عبيدة، وإسرائيل أحفظهم [....] .
[ما يكون به الاستنجاء]
وما رواه متروك الظاهر، فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع وغسله بالماء أفضل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] (التوبة: الآية 108) ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [و] روى الدارقطني ثم البيهقي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن علقمة ابن قيس عن ابن مسعود «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذهب في حاجته فأمر ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأتاه بحجرين وروثة فألقي الروثة وقال: "إنها ركس ائتني بحجر» . الجواب عن الأول والثاني: أن البخاري لما خرج هذا الحديث قال: وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق: حدثني عبد الرحمن هذا، فزال الانقطاع والتدليس أيضاً، ودليل آخر على رفع التدليس ما ذكره الإسماعيلي في "صحيحه " المستخرج على البخاري بعد رواية الحديث من جهة يحيى بن سعيد عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير عن أبي إسحاق ما ليس بسماع لأبي إسحاق. والجواب الثالث: إن البخاري لم ير ذلك متعارضا وجعلهما إسنادين أو أسانيد، ورجح رواية زهير لكونه أحفظ وأتقن من إسرائيل. والجواب عن الرابع: أن الحديث في البخاري وليس فيه الزيادة المذكورة، والإيتار يقع على الواحد يعني لما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من استجمر فليوتر» ، أمر بالإيتار، والإيتار قد يقع على الواحد ولا يلزم أن يكون ثلاثاً أو خمساً؛ وأصل الإيتار أوتار، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليستنج بثلاثة أحجار» م: (متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف) ش: والأحرف جمع حرف، وحرف كل شيء طرفه وشفره وحده م: (جاز بالإجماع) ش: فلا يصح استدلاله به على الخصم أو يقول ما رواه يحتمل الاستحباب، وما رويناه محكم فيحمل المجمل على المحكم توفيقا بين الحديثين م: (وغسله) ش: أي غسل موضع الاستنجاء م: (بالماء أفضل) ش: من الاستنجاء بالحجر. [ما يكون به الاستنجاء] واختلف السلف في الاستنجاء، أما المهاجرون فكانوا يستنجون بالأحجار، وأنكر الاستنجاء بالماء سعد بن أبي وقاص وحذيفة وابن الزبير وابن المسيب قالوا: إنما ذلك وصف للنساء، وكان الغسل لا يتغسل بالماء. وقال عطاء: وكان الأنصار يستنجون بالماء، وكان ابن عمير بعد أن لم يكن يراه، وقال: جربناه ووجدناه دواء وطهوراً، وبه قال رافع بن خديج وعن أنس كان يستنجي بالحرض. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] (التوبة: الآية 108) ش: وأنزلت في أقوام كانوا يتبعون الحجارة بالماء) أراد بالأقوام: أهل قباء، «وقال الشعبي: لما نزلت هذه الآية، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أهل قباء ما هذا الشأن الذي أثني عليكم» ، قالوا: ما من أحد منا إلا وهو يستنجي
وأنزلت في أقوام كانوا يتبعون الحجارة بالماء، ثم هو أدب وقيل هو سنة في زماننا. ويستعمل الماء إلى أن يقع في غالب ظنه أنه قد طهر ولا يقدر بالمرات إلا إذا كان موسوسا ـــــــــــــــــــــــــــــQبالماء، وفي رواية قال: «يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء أو عند الغائط"، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نتبع الغائط بالأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء، فتلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] » ، واحتج الطحاوي الاستنجاء بالماء بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، يعني المتطهرين بالماء، قال بهذا عطاء ومثله عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبى الجواز. م: (ثم هو أدب) ش: أي الغسل بالماء بعد استعمال الحجر أو المدر أدب لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - "أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغسل مقعدته ثلاثاً» ، رواه ابن ماجه، «وعن عائشة قالت: "مروا أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط والبول بالماء، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله وأن أستحييهم» ، رواه أحمد والترمذي وصححه، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " [إن من كان قبلكم] كانوا يبعرون بعرا وأنتم تثلطون ثلطا فأتبعوا الحجارة الماء "، رواه أبو بكر بن أبي شيبة. وفي " المحيط ": ليس فيه عدد لازم بالماء، وكان أدبا في عصره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم صار سنة أشار إليه بقوله (وقيل هو سنة في زماننا) ش: رواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكورة آنفا في " الحلية ": الأفضل الجمع بينهما، فإذا اقتصر على أحدهما فالماء أولى، وإن اقتصر على الحجر جاز. وفي " شرح الوجيز ": لو كان الخارج من السبيلين نادراً كالدم والقيح ففيه قولان: أحدهما أنه يتعين إزالته بالماء لأن الاقتصار على الحجر تخفيف على خلاف القياس فيقتصر على ما تعم به البلوى، فلا يلحق به غيره. الثاني أنه يجوز الاقتصار على الحجر وهو الأصح نظرا إلى المخرج. وفي " المبسوط ": استنجى من الغائط والبول والمذي والودي والمني والدم الخارج من السبيلين دون سائر الأحداث، وفي " الدراية ": كون الغسل أفضل إذا أنقاه بالأحجار، لأن النص ورد على هذا الوجه. م: (ويستعمل الماء إلى أن يقع في غالب ظنه أنه قد طهر) ش: أي يستعمل المستنجي الماء إلى وقوع غلبة ظنه أن الموضع قد طهر، وأشار بهذا إلى أن العدد فيه ليس بشرط، ونبه عليه أيضاً بقوله: م: (ولا يقدر بالمرات) ش: أي ولا يقدر استعمال الماء بالعدد، بل الاعتبار غلبة الظن م: (إلا إذ كان) ش: أي المستنجي م: (موسوسا) ش: بكسر السين على صيغة الفاعل لأنه هو الذي يلقي الوسوسة في خلده، والوسوسة حديث النفس. وقال الأترازي: ولا يقال بالفتح. قلت: لا مانع من ذلك، لأن صاحب " الكافي " قال: الوسوسة [ ... ] الذي يرى في المرأة كإيقاع الشيطان شيئاً في قلب المؤمن فهي وسوسة فتأمل، وتجد للفتح باباً، والشيطان الذي يوسوس في هذا
فيقدر بالثلاث في حقه وقيل بالسبع، ولو جاوزت النجاسة مخرجها لم يجز إلا الماء ـــــــــــــــــــــــــــــQالحالة يسمى ولهان م: (فيقدر بالثلاث في حقه) ش: أي في حق الموسوس وذلك كما في غير الرؤية. م: (وقيل بالسبع) ش: وقيل يقدر في حقه سبع مرات اعتباراً بالحديث الذي ورد في ولوغ الكلب، كذا قاله الأترازي والأكمل أيضاً. قلت: أصحابنا ما اعتبروا السبع هناك فكيف يعتبرونه هاهنا، وقيل: بالتسع وقيل: بالعشر، وقيل: يقدر في القبل بالثلاث وفي المقعدة بالخمس. وروى صالح بن أحمد عن أبيه أنه قال: أقل ما يقدر من الماء في الاستنجاء سبع مرات، وفي " المجتبى " يفوض ذلك إلى رأي المبتلى به. م: (ولو جاوزت النجاسة مخرجها لم يجز إلا الماء) ش: هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الماء لإزالة النجاسة. وفي " المحيط ": إنما يجب غسلها عند محمد، ولأنه يزيد على قدر الدرهم. وفي " الذخيرة ": وما جاوز موضع الفرج وزاد على قدر الدرهم فإنه يغسل إجماعاً ولا تكفيه الأحجار، وكذا لو زاد على قدر الدرهم من البول في طرف الإحليل، وإن كانت الزيادة على قدر الدرهم على موضع الفرج يجوز فيه الحجر عندهما، وعند محمد لا يجوز إلا الماء، وكذا روي عن أبي يوسف أيضاً، وإن كانت النجاسة في موضع الاستنجاء أكثر من قدر الدرهم فإنقاؤها بالأحجار ولم يغسلها بالماء، قال الفقيه أبو بكر: لا يجوز به، وعن أبي شجاع: يجزئه، وهكذا في النجاسة فصلاته فاسدة، فكذا إذا كانت تحت إحدى قدميه وهو الأصح، وقيل: ينجسه، وإذا كان في موضع السجود دون القدم ففي رواية عن محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز، وهو الأصح، وهو قولهما. وفي رواية أبي يوسف وأبي حنيفة أنه لا يجوز، وإن كان موضع يديه أو ركبتيه يجزئه عندنا خلافاً للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزفر. ولو صلى على مكان طاهر وسجد عليه لكن إذا سجد وقعت ثيابه على الأرض النجسة جازت صلاته، ولو افتتحها على مكان طاهر ثم تحول إلى مكان نجس ثم تحول منه إلى مكان طاهر جازت صلاته إلا أن يمكث. ولو صلى على بساط وعلى طرف منه نجاسة قد يجوز في الكبير دون الصغير، وحده إذا رفع أحد طرفيه [لم يتحرك الآخر] إلا إذا كان أحد وجهيها نجسا فقام بالماء "ثم نضحه". وفي وراية له: «فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشيء من ماء ولتنضح ما لم تر، وتصلي فيه» ، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " وفيه قال: «اقرصيه بالماء واغسليه وصلي فيه» . ورواه الإمام أبو عبد الله بن علي بن الجارود في كتاب " المنتقى "، في رواية: «حتيه واقرصيه ورشيه بالماء» .
[الاستنجاء بالعظم والروث]
وفي بعض النسخ إلا المائع، وهذا يحقق اختلاف الروايتين في تطهير العضو بغير الماء على ما بينا، وهذا لأن المسح غير مزيل، إلا أنه اكتفي به في موضع الاستنجاء فلا يتعداه، ثم يعتبر المقدار المانع وراء موضع الاستنجاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لسقوط اعتبار ذلك الموضع وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع موضع الاستنجاء اعتبارا بسائر المواضع ولا يستنجي بعظم ولا بروث، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله: - حتيه - من حت يحت من باب نصر ينصر، عن الطحاوي، قال الفقيه في " التساوي ": وبه نأخذ. وفي " الملتقطات ": لو أصاب موضع الاستنجاء نجاسة من خارج الدبر قدر الدرهم يطهر بالحجر، وقيل: الصحيح أنه لا يطهر، ذكره المرغيناني. واتفق المتأخرون على سقوط اعتبار ما بقي من النجاسة في حق الفرد، وإن زاد عل قدر الدرهم ولم يرو عنهم فيما إذا جلس هذا المستنجي فيها قليلاً فهل تنجس؟ حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه قال: لا ينجس فله وجه، وإن قيل: ينجس، فله وجه، وهو الصحيح، وذكر في " المبسوط ": أنه يتنجس ولم يذكر خلافاً. م: (وفي بعض النسخ) أي وفي بعض نسخ القدوري لم يجز م: (إلا المائع) ش: أي الطاهر المزيل وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي قاله إلا الماء وإلا المائع م: (يحقق اختلاف الروايتين في تطهير العضو بغير الماء) ش: فقوله الماء يدل على أن إزالة النجس الحقيقي عن البدن لا يجوز إلا بالماء، وقوله - إلا المائع - يدل على أن إزالته يجوز بالمائع المزيل م: (على ما بينا) ش: في أول باب الأنجاس. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قنا من اشتراط المائع إذا جاوزت النجاسة مخرجها م: (لأن المسح غير مزيل) ش: بالكلية م: (إلا أنه اكتفي به) ش: أي بالمسح م: (في موضع الاستنجاء) ش: بضرورة، والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها م: (فلا يتعداه) ش: أي فلا يتعدى موضع الاستنجاء إلى غيره م: (ثم يعتبر المقدار المانع وراء موضع الاستنجاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف لسقوط اعتبار ذلك الموضع) ش: فكان طاهراً حكما، فبقيت العبرة لما عداها، فإن كان أقل من درهم لا يمنع، وإن كان أكثر يمنع، [وفي] موضع آخر: فإنه لم يسقط اعتباره شرعاً. م: (وعند محمد مع موضع الاستنجاء) ش: أي المعتبر عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في المقدار المانع موضع الاستنجاء م: (اعتباراً بسائر المواضع) ش: يعني أن في سائر المواضع قدر الدرهم عفواً، فإذا زاد عليه يكون مانعاً، فكذا في موضع الاستنجاء. [الاستنجاء بالعظم والروث] م: (ولا يستنجي بعظم ولا بروث، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك) ش: أي عن الاستنجاء بالعظم والروث، وفيه أحاديث، فروى البخاري في "بدء الخلق" من «حديث أبي هريرة، قال له النبي
ولو فعل يجزئه لحصول المقصود، ومعنى النهي في الروث النجاسة، وفي العظم كونه زاد الجن، ولا يستنجي بطعام لأنه إضاعة وإسراف ولا بيمينه «لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاستنجاء باليمين» ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ابغني أحجارا استنفض بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة"، قلت: ما بال العظام والروثة، قال: "إنهما من طعام الجن» . وروى الجماعة غير البخاري من حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي برجيع أو عظم» ، وفي لفظ: «ونهى عن الروث والعظام» . وروى مسلم من حديث ابن مسعود حديث الوضوء بالنبيذ وفيه: "وسألوه الزاد، فقال: «لكم كل عظم ولكم بعرة علف لدوابكم"، ثم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنهما زاد أخوانكم من الجن» . م: (ولو فعل يجزئه) ش: أي ولو فعل الاستنجاء بالعظم أو بالروث يجزئه، ولكن يكره وبه قال مالك إذا كان العظم طاهراً، وقال الشافعي: لا يجزئه م: (لحصول المقصود) ش: وهو إنقاء الموضوع م: (ومعنى النهي في الروث: النجاسة، وفي العظم: كونه زاد الجن) ش: أشار بهذا إلى أن النهي يعد في غيره فلا ينفي المشروعية، كما لو توضأ بماء مغصوب واستنجى بحجر مغصوب. م: (ولا يستنجى بطعام لأنه إضاعة وإسراف) ش: وهما حرام، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الاستنجاء بالعظم لكونه زاد الجن، فهي زاد الإنس بطريق الأولى، ويكره الاستنجاء بعشرة أشياء: العظم والرجيع والروث والطعام واللحم والزجاج وورق الشجر والشعر، ولو استنجى بها يجزئه مع الكراهة خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد في الطعام والعظم والروث. وفي سقوط الغرض بالطعام وجهان عند الشافعي [ ... ] . وفي " المبسوط ": يكره الاستنجاء بالآجر والخزف والفحم، وليس له قيمة أو حرمة كحرمة الديباج والأطارش، وفي " النظم ": ويستنجى بثلاثة الماء، فإن لم يجد فالأحجار، فإن لم يجد فثلاثة أكف من تراب، ولا يستنجى بما سواها من القرفة والقطن ونحوهما؛ لأنه روي في الحديث أنه يورث النقرس، وعنده يجوز الاستنجاء بقطعة من الخشب ومن الذهب والفضة في أظهر الروايتين كما يجوز بالقطعة من الديباج عنه، وروى الدارقطني من حديث رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى أن يستطيبه أحدكم بعظم أو روثة أو جلد» قال الدارقطني: لا يصح ذكر الجلد. وقال ابن القطان في رواية: مجهول م: (ولا بيمينه) ش: أي ولا يستنجي بيمينه م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن الاستنجاء باليمين» ش: أخرجه الجماعة في "كتبهم" ومختصراً من حديث أبي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقتادة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحدا» . وللجماعة غير البخاري من حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: «نهى عن الاستنجاء باليمين» . قوله: - لا يمس ذكره - هذا إذا كان في الخلاء، وعلى الإطلاق ما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ما تعنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا إكرام اليمين وإجلال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو من باب الآداب عند الفقهاء، [فمني] أكل بالشمال لا يحرم عليه طعامه. انتهى المجلد الأول ويليه المجلد الثاني وأوله كتاب الصلاة
[كتاب الصلاة]
كتاب الصلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كتاب الصلاة] [تعريف الصلاة] م: (كتاب الصلاة) ش: أي: هذا كتاب في بيان أحكام الصلاة، فارتفاع كتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، أي كتاب الصلاة هذا، ويجوز نصب الكتاب على تقدير: خذ كتاب الصلاة. وقد مضى تفسير الكتاب في أول الكتاب. ولما فرغ من بيان الطهارات التي فيها شروط الصلاة، شرع في بيان الصلاة التي هي مشروطة، فلذلك أخرها عن الطهارات لأن شرط الشيء يسبقه وحكمه تبع، ثم معنى الصلاة في اللغة العامة: الدعاء؛ قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) أي ادع لهم، وفي حديث إجابة الدعوة: «وإن كان صائما فليصل» أي فليدع بالخير والبركة، ومنه قول الأعشى: وصهباء طاف يهود بها ... وأبرزها وعليها ختم وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم يصف الخمرة ودعا لها بالسلامة والبركة، والصهباء اسم من أسماء الخمر سميت بها للونها في الشعر، فإن الصهبة [حمرة] بين الشعر، قوله أبرزها أي أظهرها، قوله: وارتسم ضبطه الأترازي بالشين المعجمة وهو غلط، وإنما هو بالسين المهملة. قال الجوهري: في فصل: ارتسم الرجل كبر ودعى. ثم قال الأعشى: وقابلها الريح إلى آخره، ومادته من الرسوم بالمهملة، وأما الرشم بالمعجمة فمعناه الختم، وهو قريب من معنى الرسم بالمهملة، ولكن هاهنا لا يصلح أن يكون قوله ارتشم بالمعجمة لأن معناه دعا عطفا على قوله: وصلى، ومضى أيضا معنى الختم في آخر البيت الأول، وسميت الصلاة الشرعية صلاة؛ لاشتمالها عليه، قالوا: هذا هو الصحيح، وبه قال الجمهور من أهل اللغة. وقيل هي مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته، قال النووي: وهذا باطل لأن لام الكلمة من الصلاة واو؛ بدليل الصلوات، وفي صليت ياء فكيف يصح الاشتقاق مع اختلاف الحروف الأصلية. قلت: دعواه بالبطلان غير صحيحة لأن اشتراط اتفاق الحروف الأصلية في الاشتقاق الصغير دون الكبير والأكبر، وأيضا فإن الجوهري ذكر مادة صلى ثم قال: الصلاة الدعاء هو اسم يوضع موضع المصدر، تقول صليت صلاة، ولا يقال تصلية، وصليت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوصليت العصا بالنار إذا لينتها وقومتها، وقال قيس بن هير: فلا تعجل بأمرك واستدمه ... فما صلى عصاك المستقيم والمصلي تالي السابق، وصليت اللحم وغيره أصليه صليا مثال رميته رميا إذا شويته، وصلي فلان بالنار بالكسر يصلي صليا أحرق واصطليت بالنار وتصليت بها، وذكر غير ذلك، ولم يفرق بين الواوية والمادة اليائية، وفي الحقيقة ما يفرق بينهما إلا برد الكلمة إلى الجمع والتصغير. فإن قلت: الصلاة لو كانت واوية كان ينبغي أن يقال صلوات ولم يقل ذلك. قلت: هذا لا ينبغي أن تكون واوية لأنهم يقلبون الواو ياء إذا وقعت رابعة. وقيل: الصلاة مشتقة من الصلوين تثنية الصلاة وهو ما عن يمين الذنب وشماله. قال الجوهري: قلت: هما العظمان الناتئان عن العجيزة. وقال المطرزي: الصلا هو العظم الذي عليه الأليتان، لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود. وقيل: مشتقة من المصلي وهو الفرس الثاني من خيل السباق، لأن رأسه قد تكون [عند صلا] السابق، وقيل: إن أصلها في اللغة التعظيم، وسميت المادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب عز وجل، وقيل: من الرحمة، وقيل: من الشواء من قولهم شاة مصلية وهي التي قربت إلى النار، وقيل: من اللزوم. قال الزجاج: يقال صلي واصطلى إذا لزم. وقيل: هي الإقبال على الشيء وأنكر غير واحد بعض هذه الاشتقاقات لأن لام الكلمة في الصلاة واو. وفي بعض هذه الأقوال ياء فلا يصح الاشتقاق مع اختلاف الحروف. قلت: الجواب عنه ما ذكرته. وأما معناها الشرعي: فهو أنها عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سميت بالصلاة لاشتمالها على المعنى اللغوي فهو من المنقولات الشرعية. قلت: إذا كان فيها زيادة مع بقاء اللغة تكون تفسيرا لا نقلا لأنه لا يراعى المعنى اللغوي في النقل، وفي المعنيين يكون باقيا ولكنه زيد عليه شيء آخر. 1 - وسبب وجوب الصلوات الخمس أوقاتها، وشرائطها ستة، الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، والوقت، والنية، وتكبيرة الإحرام. وإنما عد الوقت من الشروط مع أنه سبب لأنه شرط للأداء وسبب للوجوب. وأركانها، القيام والقراءة والركوع والسجود والقعدة الأخيرة مقدار
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتشهد، وحكمها سقوط الواجب بالأداء في الدنيا، وحصول الثواب الموعود في الآخرة. وحكمتها تعظيم الله تعالى بجميع الأركان بالأعضاء ظاهرها وباطنها تنزها عن عبادة الأوثان قولا وفعلا وهيئة وثبوت نفس الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] (النساء: الآية 102) ، أي فرضا مؤقتا، وغيرها من الآيات. وأما السنة: فحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» . متفق عليه. وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة من زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا رد راد، فمن أنكر شرعيتها فقد كفر بلا خلاف. وأما فرضية الخمس فقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ، وهذه الآية قاطعة الدلالة على فرضية الخمس لأنه تعالى فرض جمعا من الصلوات والصلاة الوسطى معها وأقل جمع صحيح معه وسطى هو الأربع دون الثلاث، وما قيل: إن اللام إذا دخلت على الجمع يراد بها الجنس، لا يستقيم هاهنا لأنه إنما يراد به الجنس إذا لم يكن ثمة معهودة فهو منه، وهاهنا يرجع إلى المفروضات في الشرع. ولئن سلم حمله على الجنس لا يمكن حمله على أقل الجنس، هاهنا بالإجماع ولا على كله بالإجماع، فعلم أن المراد أقل الجمع الذي يصح به الوسطى خمس، وعلى قول أكثر أهل اللغة لا تصير للجنس بدخول اللام بل يبقى جمعا عاما في أنواع الجموع، وهو اختيار صاحب " الكشاف " و " المفتاح "، فحينئذ لا يرد الإشكال وهو قَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] (الروم: الآية 17) أراد به المغرب والعشاء، وحين تصبحون أراد به الصبح وعشيا أراد به صلاة العصر وحين تظهرون الظهر. وأما من السنة، فحديث طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب قال: «جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفهم ما يقول حتى دنى من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خمس صلوات في اليوم والليلة "، فقال: هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع.» رواه البخاري ومسلم. قوله ثائر الرأس أي منتفش الشعر، وطلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة، قتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، ودفن بالبصرة. 1 - فإن قلت: متى فرضت الصلاة؟ وكيف فرضت؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: جاء في " مسند الحارث بن أبي أسامة " من حديث أسامة بن زيد «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أتاه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة» . وابن ماجه بلفظ: «علمني جبريل الوضوء» . وذكر الحربي أن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها. قال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55] (غافر: الآية 55) . وذكر الحكيم الترمذي: أن أول فرض كتب على هذه الأمة الصلاة، وأهلها مسئولون عنها يوم القيامة، في أول حشر من الحشور السبعة. وفي " صحيح البخاري " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر» . وفي " الصحيح «فرضت الصلاة بمكة ركعتين ركعتين فلما هاجر فرضت أربعا وأقرت في صلاة السفر ". وفي رواية " بعد الهجرة بسنة» ، وفي " مسند أحمد ": «فرضت ركعتان ركعتان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا» ". وقال ابن عمر وروي «عن ابن عباس أن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين» وبذلك قال نافع، وابن جبير، والحسن، وابن جريج، ولا خلاف في أن فرض الصلوات الخمس كانت ليلة المعراج، وروي البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال: أمر بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وعن [......] : فرض على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخمس ببيت المقدس ليلة أسري به قبل ثمانية عشر شهرا، وقال القرطبي، وعياض: لا خلاف أن خديجة صلت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فرض الصلاة وأنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بخمس سنين. والعلماء مجمعون أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. فإن قلت: ما الحكم في كون الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، والصبح ركعتين، والمغرب ثلاثا؟ قلت: كل صلاة صلاها نبي؛ فالفجر صلاها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين خرج من الجنة، وأظلمت الدنيا عليه وجن الليل، فلما انشق الفجر صلى ركعتين الأولى: شكرا للنجاة من ظلمة الليل، والثانية: شكرا لرجوع ضوء ذلك النهار، فكان متطوعا عليه وفرضا علينا. والظهر صلاها إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أمر بذبح الولد وذلك عند الزوال. الأولى: شكرا لزوال غم الولد، والثانية لمجيء الفداء، والثالثة لرضى الله تعالى، والرابعة شكرا لصبر ولده، وكان متطوعا وفرض علينا. والعصر صلاها يونس - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أنجاه الله تعالى من أربع ظلمات: ظلمة الذلة، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الليل. والمغرب صلاها عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الأولى لنفي الألوهية عن نفسه، والثانية: لنفي الألوهية عن أمه، والثالثة: لإثبات الألوهية لله
.. .... .... .... .. ـــــــــــــــــــــــــــــQتعالى. والعشاء صلاها موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين خرج من اليابس ودخل الطريق، وكان في غم المرأة، وغم أخيه هارون، وغم غرق فرعون، وغم أولاده، وشكرا لله تعالى حيث نجاه من الغرق وأغرق عدوه، فلما نجاه الله من ذلك كله، ونودي من شاطئ الوادي صلى أربعا شكرا تطوعا، فأمرنا بذلك لينجينا الله من شر الشيطان.
[باب المواقيت]
باب المواقيت أول وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب المواقيت] م: (باب المواقيت) ش: أي: هذا باب في بيان مواقيت الصلاة؛ فإعرابه مثل إعراب كتاب الصلاة، والمواقيت جمع ميقات والميقات ما وقت به أي حدد من زمان، كمواقيت الصلاة، أو مكان كمواقيت الإحرام، ويقال: المواقيت جمع وقت على غير القياس، يقال: وقت الشيء بوقته ووقته: إذا بين حده. والتوقيت والتأقيت: أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة، وأصل ميقات موقاة، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. قال الجوهري: الميقات الوقت المضروب للمصلي والموضع أيضا، يقال هذا ميقات أهل الشام. للموضع الذي يحرمون منه. ولما كانت الصلوات قسمين، الأول: لازمة كالخمس والجمعة والعيدين، والثاني عارضة كصلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء ونحوها، واللازمة يلزم بأوقاتها، ووقت بعضها يتكرر في السنة مرة، وبعضها في الجمعة مرة وبعضها في كل يوم خمسا، كان معرفة الأوقات أهم معالم الصلوات. ولأن التوقيت سبب، والسبب يقدم على المسبب؛ فلذلك بدأ المصنف بباب المواقيت، وله جهتان: جهة أنه وجه الشرط لأنه سبب للوجوب، وشرط للأداء فلذلك استحق التقديم. [وقت صلاة الفجر] [أول وقت الفجر] م: (أول وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني) ش: قدم بيان وقت الفجر وكان الواجب أن يبتدئ وقت الظهر، لأنها أول صلاة أمه فيها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولكن وقت الفجر وقت متفق في أوله وآخره، ولأنه صلاة وجبت بعد النوم، والنوم أخو الموت فكان إيراده بأول وقت يخاطب المرء بأدائها إذ الخطاب على اليقظان لا على النائم، ولأن صلاة الفجر أول من صلاها آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أهبط من الجنة كما ذكرنا عن قريب. فإن قلت: كيف قلت وقت الفجر وقت اختلف في أوله وآخره، وقد قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: إذا أسفر يخرج الوقت وتكون الصلاة بعد طلوع الشمس قضاء؟. قلت: هذا القول خارق للإجماع فلا يلتفت إليه. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على من يصلي الصبح قبل طلوع الشمس أنه يصليها في وقتها، ولأن صلاة الفجر أول الخمس في الوجوب، إذ لم يختلفوا في أن الصلوات الخمس فرضت في ليلة الإسراء، فالفجر صبيحة ليلة وجوبها، وذلك لما روى أنس بن مالك قال: « [فرضت] على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات ليلة الإسراء، خمسين صلاة ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين» . رواه النسائي وأحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[آخر وقت صلاة الفجر]
وهو البياض المعترض في الأفق وآخر وقتها ما لم تطلع الشمس؛ لحديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإنه أم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيها في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا وكادت الشمس تطلع، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [آخر وقت صلاة الفجر] وقال السروجي: والشافعية بدءوا بصلاة الظهر لإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم قال: ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بدأ بالفجر للسائل بالمدينة، وهو متأخر عن الأول الذي هو فعل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وناسخ لبعضه فلهذا استحسنوا ترتيبه. قلت: بدأ محمد في أصل " الجامع الصغير " بصلاة الظهر. وقال الأترازي: لأن أول صلاة الفجر فالمضاف محذوف. قوله: إذا طلع الفجر الثاني أي الصادق. وفي " الجمهرة ": اختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوعه أو لاستطارته وانتشاره. م: (وهو) ش: أي الفجر الثاني م: (البياض المعترض في الأفق) ش: أي في أفق السماء وهو طرفه وناحيته. قال الجوهري: الآفاق النواحي. الواحد أفق وأفق مثل عشر وعشر، قال الأكمل: احترز به عن الفجر الكاذب، وفسره أيضا على ما يأتي عن قريب، ومقصوده هاهنا بيان الفجر الثاني، وهو الفجر الصادق الذي يدخل به وقت صلاة الصبح، وهو الفجر المعترض أي المنتشر في الأفق عرضا لا يزال يزداد، وسمي الصادق به لأنه صدق عن الصبح. م: (وآخر وقتها) ش: أي آخر وقت صلاة الفجر م: (ما لم تطلع الشمس) ش: المراد به جزء قبل طلوع الشمس. وفي " البداية " في قوله ما لم تطلع الشمس إطلاق اسم الكل على البعض لأن قوله ما لم تطلع للشمس يتناول من أول الوقت إلى ما قبل طلوع الشمس، والمراد به الجزء كما ذكرنا. م: (لحديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه أم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها في اليوم الأول حين طلع الفجر، وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا، وكادت الشمس تطلع) ش: حديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم ابن عباس، [وأبو] مسعود، وأبو هريرة، وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر، وبريدة، وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب. أما حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود، والترمذي عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت مرتين فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلى جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين» . قال الترمذيِ: حديث حسن. ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وأبو بكر بن خزيمة في " صحيحه ". فإن قلت: في إسناده عبد الرحمن بن الحارث تكلم فيه أحمد وقال: متروك الحديث، ولينه النسائي، وابن معين، وأبو حاتم الرازي. قلت: هذا الحديث هو العمدة في هذا الباب، ومثل هؤلاء الأئمة صححوه، وعبد الرحمن بن الحارث وثقه ابن سعد وابن حبان. وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": وقد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم مشهورون بالعلم، وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده عن العمري عن عمر بن نافع بن حبيب بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه. وأما حديث جابر فرواه الترمذي والنسائي عنه واللفظ له: «جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مالت الشمس فقال: " قم يا محمد فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشفق جاءه فقال: قم فصل المغرب فقام فصلاها، حين غابت الشمس، ثم مكث حتى إذا غاب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء فقام فصلاها ثم جاءه حين سطع الفجر بالصبح فقال: قم يا محمد فصل فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد فصل الظهر، ثم جاءه حين كان فيء الرجل مثليه فقال: قم يا محمد فصل العصر، ثم جاءه المغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه فقال: قم يا محمد فصل المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم يا محمد فصل العشاء، ثم جاءه الصبح حين أسفر جدا فقال: قم يا محمد فصل فصلى الصبح، ثم قال ما بين هذين وقت كله» . قال الترمذي: قال محمد يعني البخاري: حديث جابر أصح شيء في المواقيت، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه لعله حديث الحسين الأصغر، وهو من جملة رواته، وثقه النسائي وابن حبان. رواه أحمد وإسحاق بن راهويه. فإن قلت: قال ابن القطان في " كتابه ": هذا الحديث يجب أن يكون مرسلا، لأن جابرا لم يذكر من حدثه بذلك، وجابر لم يشاهد ذلك، صحة الأمر لما علم أنه أنصاري، وإنما صحت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبالمدينة، ولا يلزم بذلك من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي هريرة، فإنهما رويا إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: هذا إرسال غير ضار، فمن ثم يبعد أن يكون جابر سمعه من تابعي غير صحابي. وقد اشتهر أن مراسيل الصحابة مقبولة والجهالة غير ضارة. وأما حديث أبي مسعود فرواه ابن راهويه مطولا في " مسنده "، ورواه [البيهقي] في " سننه "، ثم قال: إنه منقطع، لم يسمع أبو بكر من أبي مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما هو بلاغ. قلت: أبو بكر هو ابن عمرو بن حزم، وأبو مسعود اسمه عقبة بن عمرو الأنصاري. وحديث أبي مسعود هذا في " الصحيحين " إلا أنه غير مفسر، ولفظهما عن أبي مسعود الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأمني فصليت معه، ثم جاء مرة أخرى فأمني فصليت معه ويحسب بأصابعه خمس صلوات ثم قال: بهذا أمرت» . وليس في " الصحيحين " غير ذلك. وأما حديث أبي هريرة فعند البزار والنسائي والحاكم في " مستدركه " وأما حديث عمرو بن حزم فعند عبد الرزاق في " مصنفه "، وعنه رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده ". وأما حديث أبي سعيد الخدري فعند أحمد في " مسنده " والطحاوي في " شرح الآثار ". وأما حديث أنس فعند الدارقطني في " سننه "، وقال ابن القطان: في إسناده محمد بن سعيد وهو مجهول، والراوي عنه أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء ولا يعرف حاله. وأما حديث ابن عمر فعند الدارقطني أيضا، ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء "، وأعله بمحبوب بن الجهم أحد رواته. وأما حديث بريدة فعند مسلم أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن وقت الصلاة أخرجه مطولا. وأما حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعند مسلم، إلا أن فيه أنه أخر المغرب في اليوم الثاني وأن ذلك كان في صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة، ثم الكلام في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقوله: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت» أراد به الكعبة شرفها الله تعالى. واعترض النووي على الغزالي في قوله هذا الخبر عند باب البيت، وقال: المعروف عند البيت وليس له وجه، لأن الشافعي هكذا رواه فقال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن الحارث، وفيه: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند باب البيت» . وهكذا رواه البيهقي والطحاوي أيضا في " شرح الآثار ": «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرتين عند باب البيت» . 1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله: حين زالت الشمس، ورد أن انحطاطها عن كبد السماء يسير. قوله: قدر الشراك، هو أحد سواري النعل التي تكون على وجهها، وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد، ولكن زوال الشمس لا يتبين إلا بأقل ما يرى من الظل، وكان حينئذ يمكن تحديد هذا القدر، والظل يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي ينتقل فيها الظل، فإذا كان أطول النهار، واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير شيء من جوانبها، وظل كل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء، وعدل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكل ما بعد عنها إلى جهة الشمال يكون الظل فيه أطول. قوله: حين كان ظله مثله، وفي بعض الرواية حين صار كل شيء مثله. قوله: حين غاب الشفق، وهو البياض عند أبي حنيفة على ما يأتي. قوله: حين حرم الطعام والشراب على الصائم، وهو أول طلوع الفجر الثاني الصادق. قوله: حين كان ظله مثليه، وهو آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة على ما يأتي إن شاء الله تعالى. قوله: وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، يعني حين غابت الشمس، والإجماع على أن وقت المغرب غروب الشمس. واختلفوا في آخر وقتها فقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأوزاعي والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لا وقت للمغرب إلا وقت واحد. وعن الشافعي: ووقت المغرب بقدر وقوع فعلها فيه مع شروطها حتى لو بقي ما يسع فيه ذلك فقد انقضى الوقت. وعند أبي حنيفة وأصحابه: وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق، وبه قال أحمد والثوري وإسحاق بن راهويه وهو قول الشافعي في القديم، وقال الثوري: هو الصحيح واختاره النووي والخطابي والبيهقي والغزالي. وعن مالك ثلاث روايات أحدها: كقولنا. والثانية: كقول الشافعي في الجديد. والثالثة: تبقى إلى طلوع الفجر، وهو قول عطاء وطاوس. وقوله: وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، يجوز أن يكون إلى هاهنا بمعنى في، أي صلى في ثلث الليل ومنه قَوْله تَعَالَى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87] (النساء: الآية 87) أي في يوم القيامة، وهذا وقت الاستحباب، أما وقت الجواز ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي ومالك وأحمد: هو وقت الفجر. وأما آخره عند أصحابنا ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي: إلى الإنقاء لأصحاب الرفاهية ولمن لا عذر له. وقال: ومن صلى ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس لم يفته الصبح، وهذا في أصحاب الأعذار والضرورات. وقال مالك وأحمد وإسحاق: من صلى ركعة من الصبح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوطلعت الشمس أضاف إليها أخرى وقد أدرك الصبح. قوله: هذا وقت الأنبياء قبلك، هذا يدل على أن الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كانوا يصلون في هذه الأوقات، ولكن لا يلزم أن يكون قد صلى كل منهم في جميع هذه الأوقات. والمعنى أن صلاتهم كانت في هذه الأوقات [.... .....] ، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذه المواقيت إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قدره لهم في بعضها. ألا ترى أن ما روى أبو داود في القسمة وفيه: «اغتنموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم» . قوله: والوقت مبتدأ. وقوله: ما بين هذين الوقتين إشارة إلى وقت اليوم الأول والثاني الذي أم فيها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فإن قلت: هذا يقتضي أن لا يكون الأول والآخر وقتا لها. قلت: لما صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان منه فعلا وبقي الاحتياج إلى ما بين الأول والآخر فتبين ما يقول. وجواب آخر أن هذا بيان للوقت المستحب إذ الأداء في أول الوقت ما يتعين على الناس، ويؤدي أيضا إلى تقليل الجماعة، وفي التأخير إلى آخر الوقت خشية الفوات، فكان المستحب ما بينهما مع قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خير الأمور أوساطها» ، ثم إن الشافعية استدلوا بإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على صحة إمامة المفترض بالمنتفل، وقالوا: إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان متنفلا معلما والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفترض. قلنا: هذه دعوى فمن أين لهم أنه كان متنفلا أو مفترضا؟ أما كونه معلما فبين: قالوا: لا تكليف على ملك في هذه الشريعة، وإنما هو على الجن والإنس. قلنا: هذا لا يعلم عقلا وإنما علم بالشرع، وجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مأمور بالإمامة بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يؤمر غيره من الملائكة ملك، فلما خص بالإمامة جاز أن يخص بالفرضية، وروي في حديث أبي مسعود في " الصحيحين " الذي مضى ذكره، بهذا أمرت بضم التاء وفتحها، أما الفتح فظاهر، وأما الضم فيدل على أن جبريل كان مأمورا ولكن لم يعلم كيفية أمر الله تعالى له، هل قال له بلغ قولا أو فعلا أو كيف شئت، ولا يقال أمره أن يبلغه قولا ويبلغ فعلا لأنه يكون مخالفا غير ممتثل. فإن قلت: لا شك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مقتديا بجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والناس صلوا سواء. قلت: في حديث عمرو بن حزم قال: جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى النبي
ثم قال في آخر الحديث: «ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك» . ولا معتبر بالفجر الكاذب، وهو البياض الذي يبدو طولا ثم يعقبه الظلام؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، وإنما الفجر المستطير في الأفق» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناس الحديث. م: (ثم قال في آخر الحديث) ش: أي قال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في أخر حديث إمامته. م: (" ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك ") ش: أشار بهذين إلى الوقتين اللذين صلى فيهما جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول واليوم الثاني، وقد مر أن هذا الحديث أخرجه جماعة من الصاحبة، وليس في حديث واحد منهم هذا اللفظ بهذه العبارة، فعبارة حديث ابن عباس: «والوقت فيما بين هذين الوقتين» وعبارة حديث جابر: «ما بين هذين وقت كله» ، وعبارة حديث أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما بين هذين وقت صلاة» . وعبارة حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما بين هذين وقت، بدون لفظة كله مما في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي طريق آخر لأبي هريرة أخرجه النسائي ثم قال: " الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم ". وفي حديث أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سائلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث، وفي آخره ثم قال أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت: فيما بين هذين» . وفي حديث أبي بريدة: «وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم» قوله: وقت مرفوع على الابتداء وخيره مقدم هو قوله: ما بين هذين، محل لك من الإعراب رفع لأنه صفة لقوله -: وقت - ومتعلق اللام محذوف تقديره وقت كائن لك. م: (ولا معتبر بالفجر الكاذب) ش: يعني الاعتبار بدخول وقت الصبح، ولا في خروج وقت العشاء. م: (وهو البياض الذي يبدو طولا ثم يعقبه الظلام) ش: هذا تفسير الفجر الكاذب وهو الذي يبدأ يظهر ضوؤه مستطيلا ذاهبا في السماء كذنب السرحان وهو الذي يعقبه ظلمة. يعني: يمضي أثره ويصير الجو أظلم ما كان، ويسمى كاذبا لأنه يضيء ثم يسود ويذهب النور فيختلف ويعقبه ظلمة فكان كاذبا، والعرب تشبهه بذنب السرحان لمعنيين: أحدهما طوله. والثاني: أن ضوءه يكون في الأعلى دون الأسفل، كما أن الذنب يكثر شعره في أعلاه لا في أسفله، والأحكام متعلقة بالفجر الثاني دون الأول، به يدخل وقت صلاة الصبح، ويخرج وقت العشاء، ويحرم الأكل والشرب والجماع على الصائم، وينقضي الليل ويدخل النهار، ولا يتعلق [بالأول] شيء من الأحكام بإجماع المسلمين. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يغرنكم أذان بلال، ولا الفجر المستطير، إنما الفجر المستطير في الأفق» هذا
[وقت صلاة الظهر]
أي المنتشر فيها. وأول وقت الظهر إذا زالت الشمس؛ لإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول حين زالت الشمس. ـــــــــــــــــــــــــــــQالحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كلهم - في الصوم، واللفظ للترمذي من حديث سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق» . ولفظ مسلم: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هذا حتى يستطير هكذا» . وحكى حماد قال: يعني مفترضا، وبلفظ الترمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن راهويه وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم، والطبراني في " معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه ". قوله - الفجر المستطيل هو الفجر الكاذب، والفجر المستطير هو الفجر الصادق، وقد فسره المصنف بقوله م: (أي المنتشر فيها) ش: أي في الأفق، وإنما أنث الضمير فيها إلى معنى الناحية وعليه قوله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يمدح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأنت لما ولدت أشرقت الأرض ... وضاءت بنورك الأفق قوله: ضاءت، لغة في أضاءت. ويجوز أن يكون الأفق واحدا وجمعا كالفلك، والمستطير المنتشر المتفرق في نواحيها، والاستطارة والتطاير: التفرق والذهاب. والسين فيه للطلب كأنه يطلب الطيران في نواحي الأفق. [وقت صلاة الظهر] [أول وقت الظهر] م: (وأول وقت الظهر) ش: أي أول وقت صلاة الظهر م: (إذا زالت الشمس) ش: وزوال الشمس عبارة عن ميلانها من جانب الشمال إلى اليمين لمستقبل القبلة، وفي " المبسوط ": لا خلاف في أول وقت الظهر أنه يدخل بزوال الشمس إلا شيء نقل عن بعض الناس أنه يدخل إذا صار الفيء بقدر الشراك. وقال النووي عن أبي الطيب: هو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء. م: (لإمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول حين زالت الشمس) ش: قد تقدم في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس» . وقد تقدم أيضا حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين زالت الشمس» . أخرجه الترمذي وغيره. وفي حديث عمرو بن حزم قال: «جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى النبي بالناس من حين زالت الشمس الظهر» . وفي حديث بريدة: «ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء» . رواه عبد الرزاق -
[آخر وقت الظهر]
وآخر وقتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا صار ظل كل شيء مثليه ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: «وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر وقت العصر» . وروى الترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «أن للصلاة أولا وآخرًا وأول وقت صلاة الظهر حين زوال الشمس» . وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «ثم أمر فأقام بالظهر حين زالت الشمس» . فإن قلت: جاء عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أمني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند البيت مرتين فصلى الظهر في المرة الأولى حين كان الفيء مثل الشراك» . قلت: هذا محمول على الفراغ منها، والأحاديث المذكورة محمولة على الشروع فيها، توفيقا بين الأحاديث، ويدل عليه قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) أي لزوالها، وهو قول ابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة والحسن البصري. وقال النووي: المراد به أنه حين زالت الشمس كان الفيء حينئذ مثل الشراك من ورائه، لا أنه أخر إلى أن صار مثل الشراك، وهو أحد سيور النعل، وهو يكون على وجهها، والمعنى أن الظل قد رجع حين وقع النعل، والظل من أول النهار إلخ. والفيء لا يكون إلا بعد الزوال لأنه ظل فاء أي رجع، والفيء مهموز معناه الرجوع، والمراد هاهنا رجوع الظل من جانب المغرب إلى جانب المشرق. [آخر وقت الظهر] م: (وآخر وقتها) ش: أي آخر وقت الظهر م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا صار ظل كل شيء مثليه) ش: قال الأكمل: قوله آخر الوقت إذا صار ظل كل شيء مثليه فيه تسامح لأن آخر الشيء منه، فماذا صار ظل كل شيء مثليه خروج وقت الظهر عنده، وكذا إذا صار مثله عندهما قال: وتأويله آخر الوقت الذي يتحقق عنده خروج الظهر بدليل قوله فيما بعد - وآخر وقت المغرب حين يغيب الشفق يتحقق الخروج. قلت: هذا كلام السغناقي فإنه أخذ منه، وملخص كلامه: أن آخر الشيء من أجزاء ذلك الشيء فيكون وقت الظهر باقيا عنده عند المثلين، وعندهما المثل. ورواية " المنظومة " يقتضي أن لا يبقى وقت الظهر على القولين على هذا التقدير، والذي في المنظومة هو قوله: والعصر حين المرء يلقى ظله ... قد صار مثليه وقالا مثله فيحتاج إلى التوفيق بينهما. فأجاب عنه بجوابين: أحدهما ما ذكرناه، والآخر أن المراد بآخر الوقت هو القرب منه الذي يتحقق الخروج عنده وهو نظير قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] (البقرة: الآية 234) أي قارب بلوغ أجلهن، فكان لفظة آخر بمنزلة لفظ الأجل لأن كل منهما اسم لتمام الشيء، ثم يذكر الأجل ويراد به القرب، ويذكر ويراد به الانقضاء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثم اعلم أن قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا رواية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه وهي المشهورة. وفي تأويل رواية الحسن وأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: حتى يصير ظل كل شيء مثله وبه قال أبو يوسف ومحمد وزفر والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واختاره الطحاوي. وفي رواية أسد ين عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء سوى فيء الزوال. وروى المعلى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه إذا صار الظل أقل من قامتين يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين، وصححه الشيخ أبو الحسن الكرخي. وفي " المبسوط " جعل رواية الحسن رواية محمد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وجعل المثلين رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال: وروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الحسن إذا صار ظل كل شيء قامته خرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وبينهما وقت مهمل وهو الذي سمته الناس بين الصلاتين. وقال مالك: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، ولم يخرج وقت الظهر، يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحا للظهر والعصر أداء. وحكي في " المغني " عن ربيعة: أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس. وعن عطاء وطاوس: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، وما بعده وقت لهما على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس. وقال إسحاق بن راهويه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبو ثور والمزني وابن جرير الطبري: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر وبقي وقت الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات، ثم يتمحض الوقت للعصر وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن المبارك، حتى لو صلى رجل الظهر حين صار الظل مثل الشخص وآخر [صلى] فيه العصر كانا مؤديين. وروى أبو نصير عن مالك: وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وقت المختار، وأما وقت الأداء يؤخر إلى أن يبقى إلى غروب الشمس قدر أربع ركعات في " المبسوط ". وقال مالك: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، فإذا مضى مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات، دخل وقت العصر ولم يخرج وقت الظهر وكان الوقت مشتركا بينهما إلى أن يصير الظل قامتين، وهو فاسد لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يدخل وقت صلاة حتى تخرج وقت صلاة أخرى» . وفي " الوجيز " ويروى هذا عن المزني أيضا، [و] عن ابن جرير وعطاء أنه لا يكون تأخير الظهر إلى صفرة الشمس مفرطا. وعن طاوس: لا تفوت حتى الليل.
سوى فيء الزوال، وقالا: إذا صار الظل مثله، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيء الزوال هو الفيء الذي يكون للأشياء وقت الزوال، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (سوى فيء الزوال) ش: وهو الظل الذي يكون للأشياء وقت الزوال. وفي " المجتبى ": زوال الشمس بفيء الزوال، وقد مر أن الفيء مهموز، وهو في اللغة الرجوع، فلا يكون إلا بعد الزوال. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (إذا صار الظل مثله) ش: أي إذا صار ظل كل شيء مثله. م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه الحسن عنه. م: (وفيء الزوال هو الفيء الذي يكون للأشياء وقت الزوال) ش: أي وقت زوال الشمس عن كبد السماء. وقال المرغيناني: قال أبو حنيفة: ما دام القرص في كبد السماء فإنه لم يزل وإن انحط يسيرا فقد زال. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقوم الرجل مستقبل القبلة، فإذا زالت الشمس عن يساره فهو الزوال. وأصح ما قيل في معرفة الزوال: قول محمد بن شجاع: أنه يغرز خشبة في أرض مستوية وتخط على رأس الظل خطا، فيجعل ما بلغ الظل علامة، [و] ما دام الظل ينقص عن الخط والعلامة فإنها لم تزل فإذا وقف ولم يزدد ولم ينقص فهو وقت الزوال والاستواء، فإذا أخذ في الزيادة فقد زالت الشمس. وقال السرخسي والمرغيناني: هذا هو الصحيح. وفي " المبسوط ": الزوال يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، وقد قيل: لا بد أن يبقى لكل شيء فيء الزوال في كل موضع إلا مكة وصنعاء والمدينة في أطول أيام السنة، فلا يبقى بمكة وصنعاء ظل على الأرض، وبالمدينة يأخذ الشمس الحيطان الأربعة، وحكي عن أبي جعفر: أن عند أطول النهار في الصيف لا يكون بمكة ظل من الأشخاص عند الزوال بستة وعشرين يوما قبل انتهاء الطول، وستة وعشرين يوما بعد انتهاء الطول، وفي هذه الأيام إذا لم ير للشخص ظل فإن الشمس لم تزل، فإذا رأى الظل بعد ذلك فإن الشمس قد زالت. وعن أبي حامد: إنما يكون الظل في يوم واحد في السنة، وأما الزوال في نفس الأمر الذي لا يظهر فإنه يتقدم على ما يظهر لنا فلا اعتبار له ولا يتعلق به الحكم، ولو لم يجد ما تقرر لمعرفة الوقت والفيء والأمثال فيعتبر بقامته وقامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه. وقال الطحاوي: عامة المشايخ سبعة أقدام من طرف سمت الساق، وستة ونصف من طرف الإبهام، وإليه أشار البقالي في " الأربعين ". وحكى ابن قدامة في " المغني " عن أبي العباس السبخي على وجه التقريب: أن الشمس
لهما إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول في هذا الوقت، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ، وأشد الحر في ديارهم في هذا الوقت، وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك. ـــــــــــــــــــــــــــــQتزول في نصف حزيران وهو بئونة على قدم وثلث، وهو أقل ما تزول عليه الشمس، وفي نصف تموز وهو أبيب ونصف آذار وهو بشنس على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب وهو مسري ونيسان وهو برمودة على ثلاثة أقدام، وفي نصف آذار وأيلول وهما برمهات وتوت على أربعة أقدام ونصف، وفي نصف تشرين الأول وشباط وهما بابة وأمشير على ستة أقدام، وفي نصف تشرين ثاني وكانون ثاني وهما هاتور وطوبة على تسع أقدام، وفي نصف كانون الأول وهو كهيك على عشرة أقدام وسدس. وهذا انتهى ما تزول عليه الشمس في إقليم العراق والشام وما بينهما من البلدان، فإذا أردت معرفة ذلك فقف على أرض مستوية وعلم الموضع الذي انتهى إليه ذلك، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى وألصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت ساعة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو الوقت الذي زالت عليه الشمس ووجبت صلاة الظهر قبل طول الآبار من ستة أقدام ونصف بقدم نفسه. م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الأول في العصر في هذا الوقت) ش: أي الوقت الذي جعل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقت الظهر، وهو ما إذا صار ظل كل شيء مثله. واختلفت نسخ " الهداية " في هذا الموضع ففي بعضها في اليوم الأول في هذا الوقت، وفي بعضها في اليوم الثاني أي إمامته للظهر وفي بعضها إمامته للعصر في اليوم الثاني. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة عن خلق كثير من الصحابة وسنبين جميع ذلك في فصل بيان الأوقات المستحبة. وبلفظ المصنف رواه البخاري في " صحيحه " من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» . قوله: أبردوا، أمر من الإبراد والفيح بالفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء وهو سطوع الحر وزفراته. ويقال بالواو فاحت القدر تفوح إذا غلت. وقد أخرجه مخرج التنبيه والتمثيل أي كأنه نار جهنم في حرها. م: (وأشد الحر في ديارهم في هذا الوقت) ش: يعني وقت صيرورة ظل كل شيء مثله. وأراد
[وقت صلاة العصر]
وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين ـــــــــــــــــــــــــــــQبديارهم ديار الحجاز. 1 - م: (وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال يعارض حديث الإبراد حديث إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأن إمامته في صلاة العصر في اليوم الأول فيما إذا صار ظل كل شيء مثله، فدل ذلك على خروج وقت الظهر. وحديث الإبراد دل على خروج وقت الظهر؛ لأن اشتداد الحر في ديارهم في ذلك الوقت، وتقرير الجواب أن الآثار أي الأحاديث إذا تعارضت لا ينقضي الوقت الثابت بيقين بالشك، ما لم يكن ثابتا بيقين أنه وقت العصر، ولا يثبت بالشك. فإذا قلت: هل في الإبراد تحديد. قلت: روى أبو داود والنسائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان قدر صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للظهر في الصيف ثلاثة أقدام» . هذا يدل على التحديد. اعلم أن هذا الأثر يختلف في الأقاليم والبلدان، ولا يستوي فيه جميع المدن والأمصار، وذلك لأن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها، فكلما كانت إلى محاذاة الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر، وكلما كانت أخفض ومحاذاتها الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أطول، كذلك ظلال الشيء في الشتاء أبدا أطول من ظلال الصيف في كل مكان، وكانت صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة والمدينة ثلاثة أقدام وهما من الإقليم الثاني، ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف في شهر آذار ثلاثة أقدام وشيء، ويثبت أن تكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله، فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام. وأما الظل في الشتاء فإنهم يذكرون أنه في تشرين الأول خمسة أقدام أو خمسة وشيء، وفي كانون سبعة أقدام أو سبعة وشيء، فبقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ينزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني. [وقت صلاة العصر] [أول وقت العصر] م: (وأول وقت العصر) ش: أي أول وقت صلاة] العصر (إذا خرج وقت الظهر على القولين) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرواية المشهورة عنه، وقول صاحبيه، فعنده إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال ودخل وقت العصر، وعندهما إذا صار ظل كل شيء مثله، وإنما قيدنا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالرواية المشهورة عنه احترازا عن رواية أسد عنه حيث يخرج الظهر ولا يدخل العصر، فلا يكون أول العصر إذا خرج الظهر على تلك الرواية. وفي " المحيط ": الخلاف في وقت الظهر خلاف في أول وقت العصر. قلت: هذا على المشهور من القولين.
[آخر وقت العصر]
وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إذا زاد على المثل أنى يدخل أول وقت العصر. واختلف الشافعية في هذه الزيادة على ثلاثة أوجه: أحدها: الظل إلى المثل وإلا فالوقت قد دخل قبل حصول الزيادة بمجرد المثل، فتكون الزيادة من وقت العصر. والثاني: أنها من وقت الظهر وإنما يدخل وقت العصر بعدها وهذا مخالف لقول جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوقت فيما بين هذين» . الثالث: أنها ليست من وقت الظهر، ولا من وقت العصر بل هي وقت مهمل فاصل بين الوقتين. [آخر وقت العصر] م: (وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس) ش: أي آخر وقت العصر غروب الشمس، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي في الصحيح الذي نص عليه. وقال الحسن بن زياد: بتغير الشمس إلى الصفرة، حكاه عنه قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال السرخسي: العبرة بتغير القرص عندنا، وهو قول الشعبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال النخعي: تغير الضوء. وقال الإصطخري: إذا صار ظل كل شيء مثليه خرج وقت العصر ويأثم بالتأخير بعدها ويكون قضاء. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة. فالبخاري عن عبد الله بن مسلم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وبشر بن سعيد وعبد الرحمن بن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» . ومسلم عن يحيى قال: قرأت على مالك إلى آخره بنحوه. والترمذي عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن معن عن مالك إلى آخره. وابن ماجه عن محمد بن صالح عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بشر بن سعيد وعن الأعرج يحدثون عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وأبو داود من حديث ابن عباس عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك، ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتطلع الشمس فقد أدركها» . والنسائي من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. وأخرجه ابن ماجه أيضا من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ومسلم أيضا، وابن حبان بعدة ألفاظ فمنها: «من صلى الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس لم تفته الصلاة، ومن صلى من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس لم تفته الصلاة» ، وفي لفظ: «فقد أدرك الصلاة كلها» ، وفي لفظ: " وليتم ما بقي "، وفي لفظ: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها» . وأخرج النسائي عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى» . وأخرج أيضا عن همام قال: سئل قتادة عن رجل صلى ركعة من صلاة الصبح، ثم طلعت الشمس فقال: حدثني جلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " يتم صلاته ". وجه الاستدلال بهذا الحديث على وجوه: الأول: أنه يدل على أن آخر وقت العصر هو غروب الشمس، وأن الذي يؤخر صلاة العصر عن صيرورة ظل كل شيء مثليه غير مفرط، وبه قال زفر ومالك في رواية ابن وهب عنه، وذلك أن معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فقط أدركها» أي أدرك وجوبها حتى إذا أدرك الصبي قبل غروب الشمس، أو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو طهرت الحائض يجب عليه صلاة العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزءا يسيرا لا يسع فيه الأداء، وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس. فإن قلت: قيل في الحديث: " ركعة " فينبغي أن لا يعتبر أقل منها. قلت: قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة ونحوها، حتى قال بعض الشافعية: إنما أراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذكر الركعة البعض من الصلاة لأنه قد روي عنه أنه من أدرك ركعة من العصر، ومن أدرك ركعتين من العصر، ومن أدرك سجدة من العصر، وأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة ومرة بركعتين ومرة بسجدة، والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة، فمن أدركها فكأنه أدرك الركعة. فإن قلت: المراد من السجدة الركعة على ما روى مسلم: حدثني أبو طاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب والسياق كله لحرملة قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أدركها» ، والسجدة إنما هي الركعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: فسر السجدة حرملة، وكذا فسر الإمام لأنه يعبر بكل واحد منهما عن الآخر، وأيا ما كان فالمراد بعض الصلاة، وأدرك بشيء منها، وهو يطلق على الركعة والسجدة وما دونهما مثل تكبيرة الإحرام. وحديث: «من أدرك سجدة» رواه أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الوجه الثاني: أن الوقت الذي يدرك فيه قبل غروب الشمس، ولو كان جزءا يسيرا لا يسع فيه الأداء وقت وجوب الصلاة عليه، لأن معنى قوله: " فقد أدرك وجوبها " كما ذكرنا. وقال زفر: ما لم يجد وقتا يسع فيه الأداء حقيقة. وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلا أحدهما لا يلزمه، والآخر يلزمه وهو أصحهما. الوجه الثالث: فيه دليل صريح في أن من صلى ركعة من العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته وهذا بالإجماع، وأما في الصحيح فكذلك عند الشافعي ومالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها، وقالت الشافعية: الحديث حجة على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث عمل به في العصر ولم يعمل به في الصبح. قلت: من وقف على ما مر عليه أبو حنيفة عرف أن الحديث ليس بحجة عليه بل الحديث حجة عليهم، فنقول: لا شك أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببا؛ لأنه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يحصل بعض الوقت سببا وهو الجزء الأول لسلامته عن الزحام، فإن اتصل به الأداء تقرر السبب، ولا ينتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى ما يمكن منه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن كان صحيحا بحيث لا ينسب إلى الشيطان ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملا، حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع الشمس في خلال الفجر فسد خلافا لهم، لأن ما وجب كاملا لا يتأدى بالناقص كالصوم المنذور المطلق، أو صوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر والتشريق، وإن كان هذا الجزء ناقصا بأن صار منسوبا إلى الشيطان، كالعصر في وقت الاحمرار وجب ناقصا لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب، فساوى نصف النقصان؛ لأنه ما لزم كما إذا نذر من صوم يوم النحر وأداءه فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم يفسد العصر؛ لأنه ما بعد الغروب كامل كما دل فيه لأن ما وجب ناقصا يتادى كاملا بطريق الأولى. فإن قلت: يلزم أن يفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدتها إلى أن غربت. قلت: لما كان الوقت تبعا جاز له قبله كل الوقت فينتفي الفساد الذي يصل فيه بالبناء، لأن
[وقت صلاة المغرب]
وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس ـــــــــــــــــــــــــــــQالاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر. وأما الحديث الذي هو حجة عليه فهو ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت صلاة الصبح من صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني الشيطان» وقال الطحاوي: ورد هذا الحديث أي حديث من أدرك كان قبل نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في الأوقات المكروهة. [وقت صلاة المغرب] [أول وقت المغرب وآخره] م: (وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس) ش: أي أول وقت صلاة المغرب وقت غروب الشمس، قال بعض الشراح: وهذا إجماع، وعند الشيعة: لا يدخل وقتها حتى تشتبك النجوم. قلت: وعند طاوس وعطاء بن رباح ووهب بن منبه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أول وقت المغرب حين طلوع النجم، وإنما احتجت الشيعة بما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى المغرب عند اشتباك النجوم، واحتج طاوس ومن معه بما رواه مسلم من حديث أبي بصرة الغفاري قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر بالمحمض فقال: " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له من الأجر مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» والشاهد النجم، وأخرجه النسائي والطحاوي أيضا، وأبو بصرة بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة، واسمه حميل بضم الحاء والمهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف، وقيل: جميل بالجيم والأول أصح. قوله: بالمَحْمَض، بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفي آخره ضاد معجمة، وهو الموضع الذي ترى فيه الإبل الحمض وهو ما ملح وأمر من النبات. والجواب: عن حديث الشيعة ما قال النووي: باطل لا يعرف، ولو عرف يحمل على الجواز، وعن حديث مسلم ما قاله الطحاوي، وكان قوله عندنا والله أعلم: ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد، يحتمل أن يكون هذا هو آخر الحديث من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكره الليث، وهو من روايته، ويكون الشاهد هو الليل، ولكن الذي رواه عن الليث فأول أن الشاهد هو النجم، فقال ذلك من رأيه لا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يصلي المغرب إذا تواترت الشمس بالحجاب. فإن قلت: إذا كانت الزيادة عن ثقة يعمل بها حينئذ إذا لم تخالفها الآثار الصحيحة، وقد تكاثرت الآثار الصحيحة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي المغرب عقيب غروب الشمس، وحث أمته على تعجيله حيث قال ": «لا تزال أمتي بخير أو قال: على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» رواه أبو داود والحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط مسلم، وآخر وقتها ما
وآخر وقتها ما لم يغب الشفق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات، لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أم في اليومين في وقت واحد، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وآخر وقتها حين يغيب الشفق» . ـــــــــــــــــــــــــــــQلم يغب الشفق. [وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات] . وبه قال الثوري وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وابن المنذر، وهو قول الشافعي في القديم، واختاره من نسب إلى الحديث من أصحابه كابن خزيمة والخطابي والبيهقي والبغوي في " التهذيب " والغزالي في " الأخبار " وصححه العجلي وابن الصلاح، وقال النووي: وهو الصحيح. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مقدار ما يصلي فيه ثلاث ركعات) ش: أي قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقت صلاة المغرب قدر ما يصلي فيه ثلاث ركعات وهو قوله الجديد. وقال الغزالي: في وقت المغرب قولان: أحدهما: أنه يمتد إلى غروب الشفق، وإليه ذهب أحمد. والثاني: إذا مضى بعد الغروب وقت وضوئه وأذان وإقامة وقدر خمس ركعات فقد انقضى الوقت كذا في " الوسيط "، ويقال: وينبغي أن يكون سبع ركعات؛ لأنه يصلي ركعتين عندهم قبل فرض المغرب، ومقدار ما يكسر سورة الجوع من الأكل في حق الصائم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدءوا به قبل أن تصلوا» وهو قول الأوزاعي، وقال الأكمل: ما ذكره المصنف من جهة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس بكاف. قلت: ما التزم المصنف أن يذكر مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره من المخالفين على وجه الكفاية على أن الذي ذكره هو الذي ذكره في " الحلية "، وعن الإمام مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاث روايات أحدها: كقولنا، والثانية: كقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجديد، والثالثة: تبقى إلى طلوع الفجر وهي قول عطاء وطاووس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (لأن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أم في اليومين في وقت واحد) ش: " ولو كان الوقت يمتد لم يؤم جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليومين في وقت واحد؛ لأنه كان يعلم أول الوقت وآخره. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وآخر وقتها حين يغيب الشفق» ش: هذا الحديث بهذه العبارة لم يذكره أحد، ولكن بمعناه رواه مسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عن وقت الصلاة. الحديث، وفيه: «ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق» ، وفي رواية: «ما لم يغب الشفق» .
وما رواه كان للتحرز عن الكراهة. ثم الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: وهو الحمرة، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQولمسلم أيضا من حديث أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سائلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن مواقيت الصلاة الحديث، فأقام المغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، وله أيضا من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس» الحديث، وفيه «ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق» . م: (وما رواه) ش: أي والذي رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليومين في وقت واحد. م: (كان للتحرز عن الكراهة) ش: لأن تأخير المغرب إلى آخر الوقت مكروه فسقط التعلق به. وجواب آخر أن معناه بدأها في اليوم الثاني حتى غربت الشمس، ولم يذكر وقت الفراغ فيحتمل أن يكون الفراغ عند مغيب الشفق، ويكون بين هذين إشارة إلى ابتداء الفعل في اليومين وإلى آخر الفعل في اليوم الثاني، وفي " المبسوط " و " الأسرار ": وحجتنا ما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق» - بالثاء المثلثة - أي ثورانه وانتشاره، وفي رواية أبي داود: " فور الشفق " - بالفاء - وهو بمعناه، وهو صريح في امتداد وقت المغرب حتى يغيب الشفق. قال النووي: وهو الصواب الذي لا يجوز غيره إلا أن التأخير عن أول الغروب مكروه، فلذلك لم يؤخره جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه أتاه ليعلمه المباح من الأوقات، ألا ترى أنه لم يؤخر العصر إلى الغروب والوقت باق، ولا العشاء إلى الثلث فكان بعد وقت العشاء بالإجماع على أن المصير على ما روينا أولى لأنه كان بالمدينة، وما رواه كان بمكة، وآخر ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواها حتى يرى نجما طالعا أعتق رقبة، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى نجمتين أعتق رقبتين. م: (ثم الشفق هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول أبي بكر الصديق وأنس ومعاذ بن جبل وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - ورواية ابن عباس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وزفر والمزني وابن المنذر والخطابي واختاره المبرد وثعلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وهو) أي الشفق هو (الحمرة) وبه قال مالك وأحمد وداود وعن أحمد أنه في البياض والحمرة في الصحراء. م: (وهو) ش: أي قولهما هو كون الشفق حمرة م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه عنه أسد بن عمرو. م: (وهو) ش: أي قولهما هو م: (قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وعن الصحابة قول عمر
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الشفق الحمرة» . ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وآخر وقت المغرب إذا اسود الأفق» ـــــــــــــــــــــــــــــQوابنه عبد الله وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والصفرة التي بين البياض والحمرة، المذهب عندهم أنها تلحقه بالبياض، وقيل الشفق اسم للحمرة والبياض لكن يطلق على أحمر غير قاني، وبياض غير واضح كالفراء، ونقل الحربي عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر والبياض في الحضر، ونقلوا عن الخليل: والفراء أنه الحمرة، وقال الأزهري: الشفق عند العرب الحمرة، وقال الفراء: يقول العرب على فلان ثوب مصبوغ كأنه الشفق. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفق الحمرة» ش: هذا الحديث رواه الدارقطني في " سننه " من حديث عتيق بن يعقوب حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفق الحمرة» وذكره كذلك في كتابه " غرائب مالك " غير موصول بالإسناد، فقال: قرأت في أصل أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر المكي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بخط يده نبأ علي بن عبد الله الطالبي ثنا هارون بن سفيان السلمي حدثني عتيق به. وقال: حديث غريب، ورواته كلهم ثقات. وأخرجه في " سننه " موقوفا على ابن عمر وعلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال البيهقي في " المعرفة ": روي هذا الحديث عن عمر وعلي [وابن] ابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولا يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه شيء. ورواه ابن عساكر من حديث ابن [عمر] خلافه وجعله مثالا لما رفعه المخرجون من الموقوفات. وقال النووي: وروي هذا الحديث مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس بثابت. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وآخر وقت المغرب إذا اسود الأفق» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، لم يرد هكذا، وإنما روى أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأخبرني بوقت الصلاة» الحديث، وفيه يصلي العشاء حين اسود الأفق. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وقد استدل غيره لأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحديث النعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة - صلاة العشاء - كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليها حين يسقط القمر لثالثه» . رواه أبو داود والنسائي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويروى بسقوط القمر لثالثه. اللام في الموضعين للتوقيت أي: لوقت سقوط القمر ليلة ثالثة كما في قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]
وما رواه موقوف على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الإسراء: الآية 78) أي: لوقت دلوكها. وسقوط القمر: وقوعه للغروب ويغرب القمر في الليلة الثالثة من الشهر على مضي ستة وعشرين درجة من غروب الشمس. وقال السروجي: وقد جاء في الحديث وقت العشاء إذا ملأ الظلام الضراب، قيل هي الجبال الصغار. وقال صاحب " الدراية ": وفي رواية إذا داراهم الليل يستوي الأفق في الظلام، وإنما يكون ذلك إذا ذهب البياض كله. قلت: لم يبين كل منهما حال الحديث الذي رواه ولا من رواه، وقال: الشفق بالبياض أليق لأنه مشتق من الرقة، ومنه شفقة القلب، وهي رقة القلب، ويقال ثوب شفيق إذا كان رقيقا، ولأن الفجر يكون قبله حمرة يتلوها بياض الفجر فكانت الحمرة والبياض في ذلك وقتا لصلاة واحدة وهي الفجر فإذا خرجا خرج وقتها، فالنظر على ذلك أن تكون الحمرة والبياض في ذلك المغرب وقتا واحدا، وقالوا: البياض يبقى إلى نصف الليل، وقيل لا يذهب البياض في ليالي الصيف بل يتفرق في الأفق ثم يجتمع عند الصبح. وقال الخليل بن أحمد: رأيت البياض بمكة ليلا فما ذهب إلا بعد نصف الليل: قلنا إن صح هذا فهو محمول على بياض الجو وذلك يغيب آخر الليل. وأما البياض الذي هو رقيق الحمرة فذلك يتأخر بعدها ثم يغيب، وفي " المبسوط " قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الحمرة أثر الشمس، والبياض أثر النهار، فما لم يذهب قبل ذلك لا يصير ليلا مطلقا، وقولهما أوسع للناس، وقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحوط. وقيل: يؤخذ بقولهما في الصيف لقصر الليل، ويقال البياض إلى ثلث الليل أو نصفه وفي الشتاء لقوله بطولها وعدم بقاء البياض البتة كذا في " المجتبى ". م: (وما رواه موقوف على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: أي وما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوف على عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير مرفوع على ما ذكرناه. قال الأترازي: وإنما قال المصنف، وما رواه ولم يقل وما رووه بضمير الجمع، وإن كان أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا يرويان هذا الحديث إلزاما للحجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لأن المرسل عنده ليس بحجة فكيف يحتج بما ليس بحجة على الخصم، بخلاف أبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنهما يقولان بحجة المرسل والمسند جميعا فإن كونه موقوفا على الصحابي لا يكون قادحا عندهما. وأيضا قول الصحابي محمول على السماع عندنا وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقلد أحدا منهم أصلا فافهمه فقد غفل عنه الشارحون.
[وقت صلاة العشاء]
ذكره مالك في الموطأ. وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر الثاني؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: أبو يوسف ومحمد والشافعي - رحمة الله عليهم أجمعين - متفقون معه في هذه المسألة، والثلاثة احتجوا بهذا الحديث بناء على أنه مرفوع، والإلزام فيه للحجة ليس على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحده بل الإلزام على الكل من جهة أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ثم إن الحديث لما ظهر أنه موقوف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خصه بذكر الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه ليس بحجة عنده، فلذلك أفرد الضمير الذي في - روى - وأما عند أبي يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فهو حجة وليس في هذا الموضع أمر مشكل حتى يقول قد غفل عنه الشارحون. وقال الأكمل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشفق هو الحمرة. موقوف على ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والموقوف لا يصلح حجة. قلت: هذا الكلام منه بعيد جدا لأن مذهبه حجية الموقوف وهو أيضا في حكم المرفوع لأنا لا نظن في الصحابة إلا صدقا وخيرا. م: (ذكره مالك في " الموطأ ") ش: أي ذكر هذا الموقف الإمام مالك بن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " موطئه ". وقال الأترازي: ولم يصح في هذا النقل عن " الموطأ " نظر، لأن مالكا لم يذكر فيه هذا الحديث بل قال: قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الشفق هو الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة خرج وقت المغرب. قلت: هذا الذي ذكره في " موطأ مالك " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من رواية يحيى، ولو نظر في غيره لما أنكر لأن له كذا وكذا موطأ، منها " الموطأ " من رواية محمد بن الحسن الشيباني - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي وفي الشفق اختلاف الصحابة، وقد ذكرناه عن قريب. [وقت صلاة العشاء] [أول وقت العشاء] م: (وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق) ش: وأي وأول وقت الآخرة عند غيبوبة الشفق، هذا إجماع على الخلاف في الشفق. م: (وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر) ش: أي وآخر وقت صلاة العشاء عند طلوع الفجر الصادق وهو أيضا إجماع لم يخالف فيه غير الأترازي فإنه قال: بذهاب الثلث أو النصف يخرج الوقت، وتكون الصلاة بعدها قضاء.
[آخر وقت العشاء]
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر» . وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في تقديره بذهاب ثلث الليل. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر» ش: هذا الحديث الذي بهذه العبارة لم يرد وهو غريب. وفي " المبسوط " روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «آخر وقت العشاء حين طلوع الفجر الثاني» ، والعجب من أكثر الشراح أنهم يستدلون بهذا الحديث ينسبون روايته إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولم يصح هذا الإسناد. وتكلم الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " هاهنا كلاما حسنا ملخصه أنه قال: يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر، وذلك أن ابن عباس، وأبا موسى الأشعري وأبا سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رووا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرها إلى ثلث الليل. وروي أبو هريرة وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أخرها حين أنصف الليل. وروي ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أخرها حين ذهب ثلثا الليل. وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل، وكل هذه الروايات في " الصحيح ". قال: فثبت بذلك أن الليل كله وقت له، ولكنه على أوقات ثلاثة، فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث فاضر وقت صليت فيه. وأما بعد ذلك إلى أن يتم نصف الليل ففي الفضل دون ذلك. وأما بعد نصف الليل فدونه، ثم ساق سنده عن نافع بن جبير قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصل العشاء إلى الليل ولا يفصلها. ولمسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في النوم تفريط» أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى فدل بقاء الأولى إلي أن يدخل وقت الأخرى وهو طلوع الفجر الثاني. [آخر وقت العشاء] م: (وهو) ش: أي قوله وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر م: (حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في التقدير بذهاب ثلث الليل) ش: أي في تقدير آخر وقت العشاء بذهاب ثلث الليل. قال الأكمل: ووجه ذلك أنه يدل على قيام الوقت إلى الفجر، وحديث إمامة جبريل عليه
[وقت صلاة الوتر]
وأول وقت الوتر بعد العشاء، وآخره ما لم يطلع الفجر؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلام يدل على آخر الوقت هو ثلث الليل فتعارضا، فإذا تعارضت الآثار لا ينفي الوقت الثابت يقينا بالشك أو يقول إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لنفي ما وراء وقت الإمامة عن وقت الصلاة بل لإثبات ما كان فيه، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم في اليوم الثاني حين أسفر، والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس، وإذا لم يكن للنفي بقى ما روينا سالما عن المعارض فيكون حجة. قلت: الذي قاله كله غير محرر ولا مطابق لنفس الأمر من وجوه: الأول: أن يمنع المعارضة لأن الحديث الذي ذكره المصنف غريب، والذي استدل به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، من إمامة جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اليوم الثاني من ثلث الليل صحيح فكيف يتأتى فيه المعارضة. الثاني: أن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يقل أن وقت العشاء مقدر بذهاب ثلث الليل في الجواز. وتحرير مذهبه ما ذكر في " الحلية " أن آخر وقت العشاء المختار إلى نصف الليل في القديم، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وفي الجديد " إلى ثلث الليل " وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - في رواية - وقت الجواز إلى طلوع الفجر ما لم يكن بيننا وبينه خلاف في الجواز، فكيف يكون ذلك الحديث الغريب حجة عليه. وذكر في " شرح الوجيز " أن وقت العشاء ممتد إلى طلوع فجر. وقال السروجي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وآخر وقت العشاء إلى طلوع الفجر الثاني إجماع لم يخالف فيه غير الاصطخري فلا يعتبر خلافه. فإن قلت: قالوا قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في باب استقبال القبلة إذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة، وهو يؤيد قول الاصطخري. قلت: في خلوه على فوات وقت الاختياري وما مراد الأكمل إلا قول المصنف وهو حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يتأمل فيه ورجع فيه إلى كتب مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بما قاله من غير تحقيق. الثالث: أن قوله وإذا لم يكن للنفي بقي ما روينا سالما عن المعارض، وما بقي بالمعارض من المعارضة التي هي مقابلة الشيء بالشيء بالرد والمنع، وإنما بقي معنى الرد والمنع فافهم، والأترازي أيضا حكم هاهنا قريبا من كلام الأكمل، وما قلنا فيه نفي ذلك كذلك. [وقت صلاة الوتر] م: (وأول وقت الوتر بعد العشاء وآخره ما لم يطلع الفجر) ش: قال في " الينابيع " و " المنافع " و " المنتقى ": قوله - أول وقت الوتر بعد العشاء - على قولهما أما عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأول وقتها إذا غاب الشفق ووقتها واحد، فالفرض فرض على حدة عملا عنده، وأما عندهما
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الوتر: «فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقته وقت العشاء إلا أنه لا يقدم عليه عند التذكير؛ للترتيب. ـــــــــــــــــــــــــــــQسنة على ما يجيء البحث فيه محررا في باب الوتر. (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الوتر: «فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ش: الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من حديث خارجة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن الله أمركم بصلاة خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر» وبقريب من لفظ المصنف، أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل من طريق ابن لهيعة حدثني عبد الله بن هبيرة أن أبا تميم أتى إلى عبد الله بن مالك رحمهما الله أخبره أنه سمع عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول سمعت أبا بصرة الغفاري يقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح» وسيجيء مزيد الكلام في باب الوتر إن شاء الله تعالى. م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هذا عندهما وأما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقته وقت العشاء) ش: أي وقت الوتر وقت العشاء، والوقت إذا جمع صلاتين واجبتين كان وقتا لهما إلا أنه يرد عليه سؤال وهو أن وقت الوتر لو كان وقت العشاء لجاز تقديمه على العشاء، فأجاب عن ذلك بقوله م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الوتر م: (لا يقدم عليه) ش: أي على العشاء م: (عند التذكير للترتيب) ش: يعني إذا لم يكن ناسيا للترتيب، وعلى هذا إذا أوتر قبل العشاء متعمدا أعاد الوتر بلا خلاف، وإن أوتر ناسيا للعشاء ثم تذكر لا يعيد عنده؛ لأن بالنسيان يسقط الترتيب ويعيده عندهما، لأنه سنة العشاء، ولو قدم الركعتين على العشاء لم يجز عامدا كان أو ناسيا فكذلك الوتر. وقال السغناقي: عدم جواز تقديم الوتر على صلاة العشاء لأجل وجوب الترتيب عنده لا لأن وقت الوتر لم يدخل، وهذا الاختلاف يبقى على اختلاف آخر بينهما وهو أن الوتر فرض عملا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والترتيب بين الفرائض واجب عند التذكير عندنا، وعندهم الوتر سنة فكان تبعا للعشاء.
[فصل ويستحب الإسفار بالفجر]
فصل ويستحب الإسفار بالفجر ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل ويستحب الإسفار بالفجر] م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الأوقات التي تستحب فيها الصلوات، وقد قلنا: إن الفصل مهما قصر لا ينون، ومهما وصل ينون لأن الإعراب بعد العقد والتركيب. ولما فرغ من بيان مطلق الأوقات وأصلها شرع في بيان الأوقات التي بها الكامل وبها الناقص، وجعل لكل منهما فصلا على حدة، وقدم الأوقات المستحبة على الأوقات المكروهة وهذه هي المناسبة، أو القول أن الاستحباب والكراهة صفتان للصلاة والموصوف ينبغي تقديمه على الصفة، والصفة المستحبة مقدمة على الصفة المكروهة، وهذا هو الوجه في تقديم مطلق الوقت، ثم ذكر الوقت المستحب بعده، ثم ذكر الوقت المكروه بعده. م: (ويستحب الإسفار بالفجر) ش: الإسفار بكسر الهمزة من أسفر الصبح إذا أضاء، وأسفر بالصلاة: إذا صلاها في الإسفار، وفي المعارضة الإسفار: قوة السفر من سفر أي يكشف وتبين وسفرت المرأة وجهها أي: كشفت، ويقال: الإسفار قوة الضوء مأخوذ من الإسفار، يقال أسفر مقدم رأسه من الشعر: إذا بقي أصلع، والسفر: بياض النهار، وأسفر وجه حسنا: أي أشرق. قلت: أسفر يجيء متعديا إلى ما يصله، ويجيء لازما فأسفر الصبح لازم، وأسفر بالصلاة متعد لأن الباء للتعدية ثم إن المصنف أطلق الإسفار بالفجر بناء على ما ذكره في " المبسوط " فإنه قال فيه وفي " المفيد " أيضا و " التحفة " و " القنية ": الإسفار بالفجر أفضل من التغليس في الأوقات كلها. وفي " المحيط " و " البدائع " إذا كانت السماء مصحية الإسفار أفضل إلا للحاج بمزدلفة فإن التغليس هناك أفضل ولا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس بل صفرتها حتى لو ظهر فساد صلاة أمكنه أداؤها في وقتها، وفي " فتاوى قاضي خان " قراءته مسنونة ما بين أربعين آية إلى ستين مع ترتيل القراءة، وقيل تؤخر جدا لأن الفساد موهوم فلا يترك المستحب لأجله. وروى الطحاوي بإسناده عن السائب بن يزيد قال: صليت خلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصبح فقرأ بالبقرة فلما انصرفوا استشرفوا الشمس فقالوا: طلعت، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، ثم أطلق المصنف بقوله أيضا يدل على أن الدور الأحمر بالإسفار، ويجمع بينهما تطويل القراءة. وفي " المبسوط " و " البدائع " قال الطحاوي: إن كان من عزمه التطويل بالقراءة شرع بالتغليس، ويخرج منها بالإسفار، وإلا يشرع بالإسفار، وزعم أنه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» . ـــــــــــــــــــــــــــــQرحمهما الله -، وظاهر الرواية هو الأول وفي " الأسرار " لا يسع التأخير على أن ينام في بيته بعد الفجر بل يحضر المسجد أول الوقت ثم ينتظر الصلاة فيكون له ثواب المصلي بالانتظار، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما إنكم في صلاة ما انتظرتم [الصلاة] » . وفي " الصحيحين " ويكف عن الكلام باللغو، والكلام فيه إثم عليه ويشتغل بالذكر والتسبيح بالخضوع ما دام متصفا بالنومة في المسجد، ثم يصلي آخر الوقت فسلمت الدعاء قليلا عادة فتطلع الشمس. م: (لقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة وبلفظ المصنف رواه البزار في " مسنده " من حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» . وأخرجه الطبراني ولفظه: «يا بلال أصبحوا بالصبح فإنه خير لكم» في رواية أيوب بن سيار قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. فإن قلت: كيف أخرج الطحاوي هذا واحتج به في مذهبه؟ قلت: كان مرضيا عنده. وقال ابن عدي: أظنه مزنيا. قلت: ليست أحاديثه بمنكرة جدا، ونقول هذه زيادة وتأكيد لأن الأحاديث الصحيحة كثيرة، ومن الصحابة الذين رووا حديث هذا الباب أبو برزة الأسلمي أخرجه الطحاوي والنسائي والطبراني - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولفظه قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ينصرف من الصبح فينظر الرجل إلى الجليس الذي يعرفه فيعرفه» . وأبو برزة بالزاي المعجمة اسمه نضلة بن عبيد بن برزة. ومنهم محمود بن لبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو نعيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب الصلاة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أصبحوا بالصبح فكلما أصبحتم بالصبح كان أعظم لأجوركم أو لأجرها» . وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال: محمود بن لبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - له صحبة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال [......] لا تعرف صحبته، وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وقول البخاري أولى. ومنهم قتادة بن النعمان أخرج حديثه البزار والطبراني في الكبير من حديث فليح بن سليمان ثنا عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجركم أو للأجور» . ورجاله ثقات. ومنهم أبو الدرداء أخرجه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد ثنا أبو زرعة ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن محمد بن شعيب سمعت سعيد بن يسار يحدث عن أبي الزاهرية عن [جبير بن نفير عن] أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أسفروا بالفجر تغنموا» . ومنهم رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطحاوي والطبراني في الكبير والترمذي عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أسفروا بصلاة الفجر فإنه أعظم للأجر» ولفظ الطحاوي: «أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر أو لأجركم» ، وفي لفظ له: «نوروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» ، وأخرجه أبو داود ولفظه: «أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر» ، وأخرجه ابن ماجه مثل أبي داود. وقال الترمذي: حديث رافع حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. ومنهم رجال من الأنصار من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج حديثهم الطحاوي والنسائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كلاهما عن زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر وعن رجال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من قومه من الأنصار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما أصبحتم بالصبح فهو أعظم للأجر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQومنهم ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني مرفوعا: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجركم أو لأجوركم» . ومنهم حواء الأنصارية أخرج حديثها الطبراني في الكبير قالت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وحواء هي بنت زيد بن السكن أخت أسماء بنت زيد بن السكن. ومنهم مرة بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسفروا بصلاة الصبح فإنه أعظم للأجر» . قوله: - أسفروا - أمر من الإسفار وقد فسرناه عن قريب، والأمر يفيد الوجوب فلا يترك عن الاستحباب. قوله - أعظم - أفعل التفضيل فيقتضي أجرين أحدهما أكمل من الآخر، فإن صيغة أفعل تقتضي المشاركة في الأصل مع رجحان أحد الطرفين، ولفظ الإسفار يحمل على التبيين والظهور. قلت: قد يخرج أول الوقت من أيديهم إلا اشتقاق الفجر وطلوعه يكون خفيا جدا لا يدركه الأطراف ممن يعلم علم المواقيت ثم يدركه الأمثل فالأمثل ثم يظهر لعموم الناس. وقال أبو بكر بن العربي: من صلاها بالمنازل قبل تبينه وظهوره للإبصار فهو مبتدع فإن أوقات الصلاة علقت بالأوقات المتبينة للعامة والخاصة، والعالم والجاهل والحر والعبد، وإنما جعلت المنازل ليعلم أقرب الصباح فيكف الصائم ويتأهب المصلي، ولأنه لم يوجد من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالتغليس قط، وأما الموجود منه فعل والفعل يتطرق إليه احتمالات كثيرة ووجد الأمر بالإسفار والأمر أولى بالعمل به. فإن قلت: الأمر بالإسفار محمول على ليالي الفجر فإنه لا يتأتى الفجر إلا بالانتظار في الإسفار. قلت: التقييد على خلاف الدليل ولا يجوز التخصيص بدون المخصص، ويبطل هذا أيضا ما رواه ابن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن إبراهيم النخعي ما أجمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستحب التعجيل في كل صلاة، ـــــــــــــــــــــــــــــQشيء ما اجتمعوا على التنوير بالفجر. فإن قلت: قال الخطابي: يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبا للصواب، وقيل إنهم صلوا بعد الفجر الثاني وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجوركم. قلت: هذا باطل لا أصل له إذ لم يقل أنهم أمروا بالتعجيل ولم يقل أنهم صلوا صلاة الصبح قبل طلوع الفجر الثاني بعد الفجر الكاذب، ولو صلوا قبل الفجر لا يعتد بها فكيف يكون له أجر؟ فإن قلت: قال النووي: يؤجر على نيته ولا تصح صلاته. قلت: رتب الأجر على الصلاة دون النية، والصلاة إذا لم تصح فلا أجر له فيها وعليه الوزر لبقاء الفرض، ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وتوسع الحلال على النائم والضعيف في إدراك فضل الجماعة فكان أفضل وأولى. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يستحب التعجيل في كل صلاة) ش: يعني إقامتها في أول وقتها وهو إذا تحقق طلوع الفجر وبه قال أحمد: وفي " الحلية " الأفضل تقديم الفجر في أول الوقت وبه قال مالك وداود وأبو ثور ومحمد والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. في رواية. وفي " شرح الوجيز ": الأفضل عندنا تعجيل الصلوات ويستحب تعجيل العشاء على أحد القولين. احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (آل عمران: الآية 133) وفيما قلنا إظهار المسارعة، وبحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «إن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصلي العشاء فتنصرف النساء متلففات بمروطهن ثم يظهرن لا يعرفن من الغلس» . رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، ويروى متلفعات بالعين المهملة بعد الفاء، والمعنى متقاربات إلا أن التلفع مستعمل مع تغطية الرأس، والمروط جمع مرط بكسر الميم وسكون الراء وهي ألبسة من صوف أو خز مربعة. وقيل سداها شعر، قوله - إن كان - كلمة إن مخففة من الثقيلة عند البصريين، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وقال الكوفيون: إن نافية، واللام بمعنى إلا كقوله: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] (الأعراف: الآية 102) . والغلس: بفتحتين بقايا ظلمة الليل يخالطها بياض الفجر، والغليس مثله إلا أن الغلس لا يكون إلا في آخر الليل والغلس يكون في أوله وآخره، وهذا الحديث معتمد مذهبهم. واحتج أيضاً بحديث أسامة بن زيد عن الزهري يسنده إلى أبي مسعود الأنصاري - رضي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالله عنه - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأخبرني بوقت الصلاة - الحديث - وفيه صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصبح مرة بغلس ثم صلى أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر» ، رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الخطابي: هذا حديث صحيح الإسناد. وبحديث هشام عن قتادة عن أنس عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - قال: «تسحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما قال: خمسون آية» رواه مسلم. وبحديث القاسم بن غنام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أم فروة وكانت ممن بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها» . وبحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا» . وبحديث نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوقت الأول رضوان الله ووسطه رحمة الله وآخر الوقت عفو الله» . والجواب: عن الآية أن المسارعة لهذا أسباب العبادة لا لتعجيل فيها في غير وقتها الحسن، وأيضا المسارعة إلى المغفرة تكون في المسارعة إلى الشيء الذي هو أفضل عند الله. وذلك في تكثير الجماعة لا في تقليلها وذلك لا يكون إلا في التنوير لا في التغليس. وعن مشايخنا أن للمرأة أن تصلي الفجر بغلس لأنه أقرب إلى الستر، وفي سائر الصلوات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQينتظرون حتى يفرغ الرجال من الجماعة، وقيل الأفضل لها في الصلوات كلها أن تنتظر فراغ جماعة الرجال، كذا في " القنية "، وعن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أجوبة: الأول: أنه لا حجة لهم فيه لأنهم كانوا يصلون صلاة الصبح بمسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن له مصابيح يعرف بها الرجل جليسه في نصف الليل، والغلس حينئذ يتم إلى وقت الإسفار في الأبنية. ويقال هذا بيت غلس في النهار إذا كانت فيه غلسة وظلمة يسيرة، والمرأة إذا تلفعت بمرطها وغطت رأسها لا تعرف فلذلك إذا كان مع قليل ظلمة الليل وهو الغلس المذكور. الثاني: أن العلة لعدم معرفتهن التستر بالمرط لا الغلس دل عليه ما رواه البخاري من هذا الحديث فيه «يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد» . الثالث: أن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اختلف في النقل في الإسفار كما ذكرنا من الأحاديث للطرفين فرجعت إلى الأمر بالإسفار في الصبح، والأمر يفيد الوجوب فلا يترك للاستحباب. الرابع: أن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كان في الابتداء حين يحضر النساء الجماعة ثم انتسخ ذلك حين أمرن بالقرار في البيوت، وقول إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما اجتمع أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شيء مما اجتمعوا على التنوير يدل على النسخ لأن اجتماعهم على خلاف ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله لم يكن إلا بعد نسخ ذلك وثبوته بخلافه. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي والدارقطني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: ليس بالقوي. وعن الثاني أن يحيى بن سعيد حدث عن أسامة بن زيد ثم تركه بآخره فلم يبق حجة. فإن قلت: قال الحازمي في كتاب " الناسخ والمنسوخ ": حديث الغلس ثابت وأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم [عليه] إلى أن فارق الدنيا ولم يكن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يداوم إلا على ما هو الأفضل، ثم روى حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي رواه أسامة بن زيد المذكور. قلت: يرد هذا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن زيد عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - قال: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة لغير وقتها إلا جمع فإنه يجمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد» . قيل: قالت العلماء ففي وقتها المعتاد كل يوم إلا أنه صلى الصبح قبل الفجر دائما غلس بها جدا ويوضحه رواية البخاري والفجر حتى
[الإبراد بالظهر وأخير العصر في الصيف]
والحجة عليه ما رويناه وما نرويه، قال: والإبراد بالظهر في الصيف، وتقديمه في الشتاء لما روينا، ـــــــــــــــــــــــــــــQشرع، وهذا دليل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسفر بالفجر دائما صلاها بغلس على أن أسامة قدر فيه ما ذكرنا. والجواب: عن حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حكاه فعل واحد فيه تغليس، ونحن لا ننكر ذلك، وقد كان يفعله أحيانا تعليما للجواز وغير ذلك من الأسباب، ولأنه يجوز أن يكون قد أخروا السحور إلى آخر الوقت وهو المستحب، ثم يكثر قدر قراءته خمسين آية مرتلة بعد الوضوء ودخول الخلاء ونحو ذلك فيدخل حينئذ وقت الإسفار. والجواب: عن حديث أم فروة أنه ضعيف مضطرب لأنه يرويه القاسم بن غنام والقاسم لم يدرك أم فروة وهي بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبيه، وقيل: فيه نظر لأنها أنصارية، وقيل في كونها أنصارية نظر. والجواب: عن حديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يرويه عبد الله بن معبد الجهني. قال أبو حاتم: هو مجهول غريب. والجواب: عن حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن في رواته يعقوب بن الوليد وهو ضعيف. وقال أحمد: كان يعقوب بن الوليد من الكذابين الكبار يضع الحديث، وقال: متروك الحديث. والجواب: عن حديث أبي محذورة أن في رواته إبراهيم بن زكريا، قال أبو حاتم: هو مجهول، وحديثه هو منكر. وقال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل. وقال أحمد: هذا لا يثبت. م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ما رويناه) ش: يعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» . وقال الأكمل: قال المصنف: والحجة عليه ما رويناه، بل الجواب يعني من حديث رافع بن خديج. قلت: ليس لرافع بن خديج ذكر هاهنا فمن أين تعتد به؟، والحديث رواه جماعة غير رافع بن خديج بل الجواب الذي فسرناه وكونه حجة عليه أنه أمر، وأقله الندب وقد ذكرناه. م: (وما نرويه) ش: أي والذي نرويه أيضا حجة عليه وهو حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي نذكره الآن في الإبراد بالظهر. [الإبراد بالظهر وأخير العصر في الصيف] م: (والإبراد بالظهر في الصيف وتقديمه) ش: في أيام. م: (في الشتاء لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» وقد
ولرواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في الشتاء بكر بالظهر، وإذا كان في الصيف أبرد بها» . ـــــــــــــــــــــــــــــQمر ذكره في الباب الذي قبل هذا الفصل، وحديث الإبراد بالظهر رواه جماعة من الصحابة أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أخرج حديثه الأئمة الستة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم» . وأبو سعيد الخدري: روى حديثه البخاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» . وعمرو بن عقبة: روى حديثه الطبراني، والمغيرة بن شعبة: روى حديثه أحمد وابن ماجه، وابن حبان وتفرد به ابن إسحاق الأزرق وشريك بن طارق عن قيس عنه، وفي رواية للخلال وكان آخر الأمرين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإبراد، وسئل البخاري عنه فعده محفوظا، وذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته. وقال أبو حاتم الرازي: وهو عندي صحيح، وأعله ابن معين بما رواه أبو عوانة عن طارق عن قيس عن المغيرة موقفا قال: ولو كان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن يحدث به عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا، وقوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك. وصفوان: روى حديثه ابن أبي شيبة والحاكم والبغوي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - من طريق القاسم بن صفوان عن أبيه بلفظ: «أبرودوا بصلاة الظهر» . والحديث عن ابن عباس: روى حديثه البزار بلفظ «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك يؤخر الظهر حتى تبرد، ثم يصلي الظهر والعصر» . الحديث، وفيه عمرو بن صهبان. وعبد الله بن عمر: روى حديثه البخاري وابن ماجه ولفظه «أبردوا بالظهر» ، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -: روى حديثها ابن خزيمة بلفظ: «أبردوا بالظهر في الحر» . م: (ولرواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في الشتاء بكر بالظهر وإذا كان في الصيف أبرد بها» ش: أخرجه البخاري من حديث خالد بن دينار قال: «صلى بنا أميرنا الجمعة ثم قلت لأنس: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الفرض؟ قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اشتد البرد عجل بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالظهر» . فإن قلت: يعارض هذه حديث أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب بن الأرت قال:
وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الصيف والشتاء؛ لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده، ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشكونا إليه حر الرمضاء فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا» . والهمزة فيه للسلب. قلت: هذا منسوخ بين نسخه البيهقي. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يدل على النسخ حديث المغيرة كنا نصلي بالهاجرة فقال لنا أبردوا فتبين أن الإبراد كان بعد التهجير. م: (وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الشتاء والصيف) ش: أي ويستحب تأخير صلاة العصر وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة وأبي قلابة عبد الملك بن محمد، وإبراهيم النخعي، والثوري، وابن شبرمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، ورواية عن أحمد وقال الليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق: الأفضل تعجيلها وهو ظاهر قول أحمد، احتجوا بما رواه أنس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس مرتفعة حينئذ؛ فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة» أخرجوه، والعوالي: أربعة أميال من المدينة، وقيل ستة أميال وعند مالك: يستحب تأخيرها قليلا. م: (لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده) ش: أي لما في تأخير العصر من التمكن على تكثير النوافل وبعده يكره التنفل، وتكثير النوافل أفضل من المبادرة إلى الأداء في أول الوقت، واكتفى المصنف بالدليل العقلي: ما رواه أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن جده قال: «قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية» وروى رافع بن خديج «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر بتأخير هذه الصلاة يعني العصر» . أخرجه الدارقطني وغيره. وعن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أشد تعجيلا للظهر منكم] ،
والمعتبر فيه تغير القرص، وهو أن يصير بحال لا تحار فيه الأعين، هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQوأنتم أشد تعجيلا للعصر منه» أخرجه الترمذي من حديث إسماعيل بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواه أيضا عن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - نحوه، فدل على أنه كان يعجل الظهر ويؤخر العصر عكس ما يفعل أولئك. وروى الطحاوي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي» . قال الطحاوي الشمس لا ينقطع منها إلا عند قرب الغروب. وعن أنس: " كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس بيضاء ". رواه الطحاوي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وقال: تواترت الأخبار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الصحابة من بعده التأخير ما لم تتغير الشمس. والجواب: عن حديثهم أن الطحاوي وغيره قال: أدنى العوالي ميلان أو ثلاثة فيمكن أن يصلي العصر في وسط الوقت، ويأتي العوالي والشمس مرتفعة. وفي " المبسوط " وحديث أنس قد كان في الصيف ويأتي مثله للتعجيل، أو كان ذلك في وقت مخصوص لعذر. م: (والمعتبر فيه تغير القرص) ش: أي العبرة في تغير الشمس هو تغير قرصها، واختلفوا فيه فذهب المصنف إلى أن تغير القرص بأن لا تحار فيه الأبصار، وهو معنى قوله. م: (وهو) ش: أي القرص. م: (أن يصير بحال لا تحار فيه الأعين) ش: يعني لا تحار الأعين في النظر إليه لذهاب ضوئه، وعن النخعي تغير الضوء. قلنا: تغير الضوء يتحقق بعد الزوال، وقيل: أن يتغير الشعاع على الحيطان، وقيل: توضع طشت ماء الأرض المستوية فإن ارتفعت الشمس على جوانبه فقد يتغير الشمس وإن وقعت في الشمس فلم يتغير. وفي " المحيط " تغيرها بصفرة أو حمرة، وفي " المرغيناني ": إذا كانت الشمس، مقدار رمح لم يتغير ودونه قد تغيرت، وقيل: إن كان يمكن النظر إلى القرص من غير كلفة ومشقة فقد تغيرت. م: (وهو الصحيح) ش " أي تغير القرص وهو الذي فسره، وهو قول الشعبي هو الصحيح واحترز به عن بقية الأقوال التي ذكرناها.
والتأخير إليه مكروه. ويستحب تعجيل المغرب لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الأكمل: هو الصريح واحترز عن قول سفيان وإبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن المعتبر تغير الضوء الذي يقع على الجدار، فإن قلت: أخذ هذا من صاحب " الدراية " فإنه قال: وبه أخذ الحاكم الشهيد. والصواب: أن المصنف احترز به عن بقية الأقوال كما ذكرنا، ولا يقيد تعيين أحد الأقوال المذكورة في الاحتراز. م: (والتأخير إليه مكروه) ش: أي إلى تغير القرص مكروه، وفي " القنية " هذه الكراهة هي كراهة تحريم، قالوا: أما الفعل فغير مكروه لأنه مأمور بالفعل ولا تستقيم إثبات الكراهة للشيء مع الأمر به. م: (ويستحب تعجيل المغرب) ش: أعاد الفعل لما بعد المعطوف عليه ويستثنى منه ليلة النحر إذا قصد للمزدلفة فإنه لا يستحب تعجيلها وفي الآخر اختلاف، ويقال إلا أن يكون التأخير قليلا، وفي السنة لا يكره في البقرة والمائدة، أو كان يوم غيم ولو أخره لتطويل القراءة فيه خلاف. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يكره التأخير ما لم يغب الشفق. وفي " المبسوط " كان عيسى بن أبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول الأولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره تأخيره مطلقا، ألا ترى أن تعذر السفر والمرض يؤخر المغرب ليجمع بينها وبين العشاء فعلا، فلو كان المذهب التأخير مطلقا لما أبيح ذلك بعد السفر والمرض كما لا يباح تأخير العصر إلى تغير الشمس. واستدل فيه بما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب ليلة. والجواب: عن هذا أن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا كان من باب المد، والمد من أول الوقت إلى آخره معفو. م: (لأن تأخيرها مكروه) ش: أي لأن تأخير المغرب مكروه للحديث الذي يأتي. م: (لما فيه من التشبه باليهود) ش: أي لما في تأخير المغرب من التشبه باليهود والرافضة يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم. وقد أورد على قوله ويستحب تأخير المغرب لأن تأخيرها مكروه، بأن كل ما كان يكون تأخيرها مكروها لا يستلزم أن يكون تعجيلها مستحبا لجواز أن يكون مباحا، ألا ترى أن تأخير العشاء إلى النصف الأخير مكروه، ويلزم من تركه الاستحباب لأن التأخير إلى نصف الليل مباح، ولما فطن المصنف ذلك أراد أن يبرهن فقال: لما فيه من التشبه باليهود لأن ما فيه التشبه باليهود فتركه مستحب؛ لأن الإباحة فيه قد تنصرف إلى المسامحة. وذكر الأترازي: الإيراد المذكور بقوله لا نسلم ثبوت الاستحباب من نفي الكراهية، ثم أجاب بقوله: لا شك أن انتفاء أحد
[تعجيل المغرب]
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنقيضين مستلزم لوجود الآخر، وهنا بالتعجيل إذا انتفت الكراهة ثبت الاستحباب ضرورة. وأجاب السغناقي: بأن الاستدلال على ثبوت المدعي بحكم الضد مستقيم فيما لا واسطة بينهما ولا يستقيم فيما فيه الواسطة وعن هذا افتراق الاستدلال في حق المغرب والعشاء، ألا ترى أنك لو قلت: هذا متحرك لأنه ليس بساكن يصح، ولو قلتك: هذا أبيض لأنه ليس بأسود لا يصح لجواز أن يكون أصفر أو غيره. وقال الأكمل: وما ذكره في " النهاية " وغيره في جواب هذا السؤال مبنيا على أمر الضدين والنقيضين لا يتمشى. قلت: من يقول الضدين على جواب السغناقي رد بقوله، أو النقيضين على كلام الأترازي. [تعجيل المغرب] م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء» ش: هذا الحديث له أصل ولكن بغير هذه العبارة، روى أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " سننه " من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن أبي أيوب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» . مختصرا وتمامه عن مرثد بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قدم علينا أبو أيوب غازيا، وعقبة بن عامر يومئذ على مصر، فأخر المغرب فقام إليه أبو أيوب فقالوا له ما هذه الصلاة يا عقبة؟ قال: شغلنا، قال: أما سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «لا تزال أمتي بخير» اهـ. ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال صحيح على شرط مسلم، وأخرجه ابن ماجه عن العباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» . والمراد من الفطرة السنة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عشرة من الفطرة» . وقوله: «إلى أن تشتبك النجوم» ، فكلمة " أن " مصدرية والتقدير إلى أن اشتباك النجوم يقال اشتبك النجوم إذا ظهرت جميعها واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها، وجه التمسك أن التأخير لما كان سببا لزوال الخير كان التعجيل سببا لاستجلائه وكلمة ما في المتن توقيت الفعل بمعنى المصدر إلى زمان تعجيلهم للمغرب. وقال الأكمل: واعترض على المصنف في تأخير الحديث عن الدليل العقلي وأجيب بأنه فعل ذلك لأن الحديث فيه دلالة على تأخير العشاء، فكره الفصل بينه وبين المدلول بدليل عقلي ثم
[تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل]
قال: وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقال: وليس بطائل. قلت: هذا الاعتراض وجوابه للأترازي فإنه قال: فإن قلت: قدم صاحب " الهداية " الدليل العقلي على النقلي وكان حقه أن يعكس. قلت: وقع في خاطري الإلهام الرباني أن صاحب " الهداية " إنما أخر الحديث عن الدليل العقلي وذكره متصلا بما له تأخير العشاء، لأن الحديث فيه استحباب تأخير العشاء أيضا فكره أن يفصل بين الحديث وبين مسألة تأخير العشاء. قلت: وقع في خاطري بالإلهام الرباني أن هذا الجواب غير طائل كما أشار إليه الأكمل، والجواب الطائل هو أنه إنما أخر الدليل العقلي لأنه دليل استحباب تعجيل المغرب ودليل أيضا للدليل اللفظي، لأنه علل كراهة التأخير لأجل التشبه باليهود؛ فإنهم يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم، كما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عجلوا بالمغرب ولا تشبهوا باليهود» ، فأخروا عنه حتى يشمل المدلول ودليله العقلي أيضا، وكان ذكره على الطريقة المعهودة من تقديم المدلول وتأخير الدليل فافهم. [تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل] م: (قال) ش " أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل) ش " أي يستحب تأخير صلاة العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وفي بعض نسخ القدوري إلى نصف الليل، وعن الطحاوي: التأخير إلى ثلث الليل مستحب وبه قال مالك، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأكثر أصحابه والتابعين ومن بعدهم قاله الأترازي، وإلى النصف مباح وما بعده مكروه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: تقديمها أفضل، وهو لا يصح كسائر الصلوات، وفي الجديد: تأخيرها أفضل ما لم يجاز وقت الاختيار. وحكى ابن المنذر: أن المنقول عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما إلى ما قبل ثلث الليل وهو مذهب إسحاق والليث أيضا، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتبه الجديدة. وفي الإملاء القيم تقديمها، وقال النووي: وهو الأصح، وقطع الأترازي في " الكافي " بتفصيل التأخير، قال: وهو أقوى دليلا. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» ش: روي هذا عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وعلي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، وروي أيضا في هذا الباب: عن ابن عباس وابن عمر وأنس وأبي هريرة وجابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفحديث أبي هريرة: رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وحديث زيد بن خالد رواه الترمذي في " الطهارة " والنسائي في " الصوم " قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، وأخرت العشاء إلى ثلث الليل» الحديث، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكره الشيخ علاء الدين التركماني فعزى هذا الحديث بتمامه لأبي داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يخرج منه إلا فضل السواك ولم يذكر فيه تأخير العشاء، والعجب من أصحاب الأطراف كابن عساكر والحافظ المزني حيث لم يتنبها إلى ذلك وما قصر الحافظ المنذري حيث بين ذلك، وقال: حديث الترمذي مشتمل فيه على الفضلين فضل السواك وفضل الصلاة. وأعجب من ذلك ما ذكره النووي في " الخلاصة " مقتصرا على فضل تأخير العشاء وعزاه لأبي داود والتزمذي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وحديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رواه البزار بسنده عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل» قال: ولا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد. وحديث أبي سعيد: قال ابن أبي حاتم سمعت أبي وذكر حديث مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل» قال أبي: إنما هو عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى ابن ماجه هذا الحديث من رواية داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صلى المغرب ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل ثم خرج فصلى بهم، وقال: لولا الضعيف والسقيم لأحببت أن أؤخر هذه الصلاة
ولأن فيه قطع السمر ـــــــــــــــــــــــــــــQإلى شطر الليل» وحديث ابن عباس: رواه البخاري ومسلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أخر العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء فقال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا رسول الله نام النساء والصبيان والولدان، فقال حين خرج لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هذه الساعة» . وحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه مسلم قال: «مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعضه، فلا يدري أي شيء شغله في أهله أو غير ذلك، فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى» . وحديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه البخاري ومسلم قال: «أخر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» . وحديث أبي بردة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه البخاري ومسلم قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة» . وحديث جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رواه مسلم قال: «كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤخر العتمة» . فإن قلت: كيف ثبت الاستحباب هاهنا والسنة في السواك مع أن " لولا " فيهما على شق واحد. قلت: انتفى الأمر في السواك لمانع المشقة، ولو أمر لكان واجبا، فلما انتفى الأمر لمانع المشقة، يلزم فوات ما دون نقص الأمر وهو السنة، والمنتفى لمانع هو التأخير، ومفسر التأخير لم يدل على الوجوب بل يدل على الندب والاستحباب. وقال الأترازي وصاحب " الدراية ": وأيضا وجدت المواظبة في السواك ولم توجد في التأخير. قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يكون السواك واجبا على مذهب بعضهم. م: (ولأن فيه) ش: إي في تأخير العشاء م: (قطع السمر) ش: بفتح الميم وهو المحادثة لأجل المؤانسة. وقال ابن الأثير: السمر من المسامرة وهي الحديث بالليل، وأصل السمر ضوء القمر وسموه بضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه، وجاء بسكون الميم فيكون مصدرا.
المنهي عنه بعده، وقيل: في الصيف تعجل كيلا تتقلل الجماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (المنهي عنه) ش: أي السمر هو الذي نهى عنه. (بعده) ش: أي بعد العشاء، والحديث الذي فيه النهي عن السمر رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أبي برزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها» . وقال الطحاوي: إنما يكره النوم بعدها لمن حشي فوت وقتها أو فوت الجماعة منها، وأما من دخل [ ... ] من يوقظه لوقتها يباح له النوم. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جدب لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السمر بعد العشاء» ، رواه ابن ماجه وقال: يعني زجرنا عنه، ونهانا عنه، وجدب بالجيم والدال المهملة وفي آخرها باء موحدة. قال ابن الأثير: وفي حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جدب السمر ذمه وعابه، وكل غائب جادب. 1 - وقد أجاز العلماء السمر بعد العشاء في الخير، واستدلوا على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم عن سالم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض [أحد] ".» وروى الترمذي في الصلاة والنسائي في المناقب عن إبراهيم عن علقمة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمر عند أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما» . م: (وقيل في الصيف تعجل) ش: أي العشاء، وفي " المحيط " و " البدائع " ويؤخر العشاء إلى ثلث الليل أفضل وتعجل في الصيف. م: (كيلا تتقلل الجماعة) ش: قال شيخ الإسلام: وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل عند علمائنا في الشتاء من التعجيل في الوقت، وفي الصيف التعجيل من التأخير. وكذلك ذكر التفضيل بين الشتاء والصيف في " فتاوي قاضي خان " م: (كيلا تتقلل الجماعة) ش: لأن الليل قصير والنوم غالب. وقال الأترازي: قال بعض الشارحين كان من حق هذا القول أن يؤخر عن التقاسم أجمع من قوله وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل، وقوله والتأخير إلى نصف الليل وقوله وإلى نصف الأخير مكروه، أو يقوم على القاسم أجمع. أقول: ليس كما قال الشارح، بل كلام المصنف وقع موقعه، وأجاب نحوه لأنه لو أخر عن
والتأخير إلى نصف الليل مباح؛ لأن دليل الكراهة - وهو تقليل الجماعة - عارضه دليل الندب وهو قطع السمر بواحدة، فتثبت الإباحة إلى النصف، وإلى النصف الأخير مكروه؛ لما فيه من تقليل الجماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQجميع التقاسم يظن ظان أن المراد من هذا التعجيل هو التأخير إلى ما قبل ثلث الليل، لأنه تعجيل أيضا بالسنة إلى نصف الليل وإلى نصف الأخير، فلما ذكر هذا القول بعد ذكر ثلث الليل لأنه تعجيل لم يفهم منه إلا التعجيل في أول الوقت، أما التقديم فلا معنى له، لأن المصنف إنما قال بلفظ قيل في المصنف، وإنما يستعمل لفظ قيل إذا سبق قبله قوله آخر، يعني أن تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل مستحب في الصيف والشتاء، وقيل في الصيف يعجل ولا يؤخر انتهى. قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي فإنه قال: نقل ما نقله عنه لكنه قال في آخر كلامه: لما أن هذه التقاسم في حق الشتاء لا في حق الصيف، وترك بقية كلام السنغاقي وبقي كلامه، وليس كذلك على ما لا يخفى. م: (لأن دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة عارضه دليل الندب وهو قطع السمر بواحدة) ش: بتاء التأنيث أي سمرة واحدها بالخلاف للموصوف، وفسره تاج الشريعة بقوله: أي بالكلية ومعناه بالفارسية - يكبار - وأخذ عنه هذا التفسير الأكمل وصاحب " الدراية ". وفي بعض النسخ بواحد بغير تاء التأنيث. وقال صاحب " الدراية ": أي بواحد من الناس وهذا عبارة عن المبالغة في قطع السمر، لأنه لما انقطع بواحد كان منقطعا باثنين وما فوقه أيضا. وقال الأترازي: بواحد أراد به نفي السمر عن شخص واحد، مبالغة في نفي السمر على وجه العموم، لأن السمر إذا كان منفيا عن واحد كان منفيا عن الجميع لأن النكرة إذا وقعت في موضع النفي عمت. قلت: هذه التفاسير كلها ليست بظاهرة، أما تفسير " تاج الشريعة " فإنه ليس مما يقتضيه معنى الكلمة إلا إذا قدرنا الموصوف كما ذكرنا. وأما تفسير صاحب " الدراية " لفظ بواحد بغير التاء بقوله بغير واحد من الناس فهو أيضا خلاف الظاهر، وأما تفسير الأترازي فأبعد من الكل لأنه أين النكرة التي وقعت في موضع النفي حتى تعم. م: (فتثبت الإباحة إلى النصف) ش: هذه نتيجة الكلام الذي قبله، أي إباحة التأخير إلى نصف الليل. م: (وإلى النصف الأخير مكروه) ش: أي تأخيره إلى النصف الأخير من الليل مكروه. م: (لما فيه) ش: أي في التأخير إلى نصف الليل الأخير م: (من تقليل الجماعة) ش: وفي
وقد انقطع السمر قبله، ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل أن يؤخره إلى آخر الليل، فإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل النوم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فيوتر آخره» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ" القنية ": كراهة التأخير إلى النصف الأخير للتحريم م: (وقد انقطع السمر قبله) ش: الواو فيه للحال، والغالب أن السمر لا يكون في النصف الأخير يثبت الكراهة لبقاء دليلها سالما عن المعارض. وقال الأكمل: واعترض بتعجيل النحر في أول الوقت فإنه مباح ودليل الكراهة وهو تقليل الجماعة سالم عن معارضة دليل النجم. وأجيب: بأن المعارض هناك أيضا موجود وهو قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] (آل عمران: الآية 133) فإن المسارعة إلى العبادة بعد وجوب السبب مندوب إليها لو لم يكن فيها التأخير يعني تكثير الجماعة، فكان فيه تعارض دليل الندب وهو المسارعة إلى العبادة مع دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة؛ فثبتت الإباحة لذلك بخلاف تأخير العشاء إلى النصف الأخير، فإن دليل الكراهة فيه سالم عن معارضة دليل الندب أصلا؛ لأنه ليس فيه المنازعة لأداء العبادة ولا تكثير الجماعة ولا قطع السمر لانقطاعه قبله. قلت: أخذ الأكمل هذا من السغناقي. وقال صاحب " الدراية ": فيه تأمل. م: (ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل) ش: أي لمن له إلفة وعادة بالصلاة في الليل أن يؤخر الوتر إلى: م: (آخر الليل) ش: في غالب النسخ، ويستحب في الوتر لمن يألف الصلاة آخر الليل فعلى هذا يجوز في لفظ آخر النصب على الظرفية، والتقدير، يوتر في آخر الليل وهذا روي، ويجوز الرفع أيضا بأن يكون مفعولا أقيم مقام فاعل يستحب، وهذا روي أيضا. وقال الأترازي وغيره: عندي الأول هو الأولى لأن في الثاني يحتاج إلى التأويل والأصل عدم التأويل. قلت: أراد بالأول: الرفع، وبالثاني: النصب ونحوه من كلامه بأن الإسناد في الأول على وجه المجاز، فلا يخرج عن التأويل. م: (وإن لم يثق بالانتباه أوتر قبل النوم) ش: لأن من ليس له إلفة بصلاة الليل آناء آخر الوقت لا بأس من الفوات لغلبة النوم. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره» ش: الحديث رواه مسلم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " متى توتر؟ قال: أول الليل بعد العتمة قال
فإذا كان يوم غيم، فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب تأخيرها، وفي العصر والعشاء تعجيلهما؛ لأن في تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار المطر، وفي تأخير العصر توهم الوقوع في الوقت المكروه، ولا توهم في الفجر؛ لأن تلك المدة مديدة وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - التأخير في الكل للاحتياط، ـــــــــــــــــــــــــــــQأخذت بالوثقى، ثم قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - متى توتر؟ قال آخر الليل. قال: أخذت بالقوة» . م: (فإذا كان يوم غيم) ش: يوم: مرفوع لأنه اسم كان، والغيم: السحاب، وفيه إشارة إلى أن الذي ذكره قبله من استحباب فيما إذا كانت السماء مضحية، أما إذا كان يوم غيم م: (فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب تأخيرها) ش: قوله فالمستحب خبر كان ودخول الفاء عليه لتوهم معنى الشرط في كلمة. أما قوله تأخير الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة. وفي " الينابيع " " والمحيط " " والتحفة " " والقنية " وغيرها: إن كانت السماء مغيبة فكل صلاة أولها حين عجلت، يقال: غابت السماء وأغامت بالإعلال، وأغمته بالتصحيح على الأصل إذا كان بها غيم. وفي " المبسوط ": المستحب تعجيل المغرب في كل وقت ولم يذكر التأخير في يوم الغيم، وقال القاضي: نص العمل في رواية الجماعة على استحباب تأخير الظهر والمغرب في الغيم وتعجيل العصر والعشاء. قال ابن المنذر: عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر. وقال المهلب: لا يصح التبكير في الغيم إلا بصلاة العصر والعشاء. م: (وفي العصر والعشاء تعجيلهما) ش: أي يستحب في صلاة العصر والعشاء تعجيلها، وتوحيد الضمير باعتبار لفظ الصلاة المقدرة وفي العصر والعشاء كما قدرنا. (لأن في تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار المطر) ش: أي على اعتبار وقوع المطر، وحصول الطين والغيم الرطب سبب المطر وتكاسل الناس في الخروج إلى المسجد مترخصين بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بلت النعال فالصلاة في الرحال» . م: (وفي تأخير العصر توهم الوقوع في الوقت المكروه) ش: وهو وقت اصفرار الشمس. " ولا توهم في الفجر لأن تلك المدة مديدة " يعني ما بين التنوير وطلوع الشمس مدة مديدة يؤمن أن يقع الأداء وقت طلوع الشمس. م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التأخير في الكل) ش: أي في الصلاة، روى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذا كان يوم غيم فالمستحب في جميع الصلوات التأخير كذا في " المبسوط "، وفي " البدائع " وهو اختيار الفقيه الجليل أبي أحمد العياضي لأن في التردد ترددا بين الأداء والقضاء، وفي التعجيل بين الصحة والفساد وأشار إلى ذلك بقوله (للاحتياط) ش: في
ألا ترى أنه يجوز الأداء بعد الوقت لا قبله. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصحة والفساد. م: (ألا ترى أنه يجوز الأداء بعد الوقت لا قبله) ش: وصح بذلك وجه الاحتياط وذلك لأنه إذا أخر في يوم الغيم صلاة من الصلوات بوقت بعد خروج الوقت، فصلاته جائزة تسقط عنه الفرض، بخلاف ما إذا عجل ووقعت قبل دخول الوقت فإنها فاسدة فيجب عليه الإعادة.
[فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة]
فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس، ولا عند قيامها في الظهيرة، ولا عند غروبها؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة] م: (فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة) ش: أي هذا فصل في بيان الأوقات التي تكره فيها الصلاة، ولقب الفصل بما يكره مع أن فيه ما لا تجوز الصلاة فيه باعتبار الغالب، ولأن علة الجواز مستلزم الكراهة والإفراغ من بيان أحد قسمي الوقت، شرع في بيان القسم الأول. م: (لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيامها في الظهيرة ولا عند غروبها) ش: الظهيرة شدة الحر نصف النهار، ولا يقال في الشتاء ظهيرة، ويجمع على الظهائر. وقال الجوهري: الظهيرة: الهاجرة، يقال أتيته حر الظهيرة وحين قام قائم الظهيرة، وقال الهاجرة والهجر نصف النهار عند اشتداد الحر. م: (قوله: لا تجوز الصلاة) ش: قال تاج الشريعة: إذا أريد منها الفرض بها نفي الجواز مطلقا وإن يراد غيره فمعناه الكراهة، والكراهة مطلق على الجائز وعلى غيره، ويجوز إطلاقها على الفرائض والواجبات التي لا تجوز في الأوقات، وعلى الفعل الذي يجوز. وقال السروجي: والمراد من قوله لا يجوز لا نبغي أن يفعل ولو فعل يجوز. وقال صاحب " الدراية ": ففي قوله - (لا تجوز الصلاة) أي لا تجوز فعله ولو شرع يلزم كما في البيع الفاسد، لأن النهي عن الأفعال الشرعية بعض المشروعية. وفي " الزاد " أراد به ما سوى الفعل. قلت: فعلى هذا المراد من قوله لا تجوز الصلاة نوع مخصوص، وهو الفرض وليس المراد جنس الصلاة حتى لو صلى النوافل في الأوقات المكروهة يجوز، لأنه أدى كما وجبت لأن النافلة تجب بالشروع، وشروعه حصل في الأوقات المكروهة ولهذا قال الإمام الإسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو صلى التطوع في هذا الأوقات الثلاث فإنه يجوز ويكره. وقال الكرخي: ويجوز واجب البناء إذا تقدم. قال الإسبيجابي: فالأفضل له أن يقطع ويقضيها في الوقت المباح، وإنما لا تجوز الفرائض في هذه الأوقات لأنها وجبت كاملة فلا يتأدى بالناقص. فإن قلت: قوله لا يجوز إذا استعمل في عدم الجواز بالنسبة إلى الفرائض وفي الكراهة بالنسبة إلى النوافل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز. قلت: على غير هذه الرواية لا يلزم ذلك، لأن في غير ظاهر الرواية لا يجوز النفل أيضا وأما
لحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ثلاثة أوقات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» . ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى ظاهر الرواية من أن النفل يجوز مع الكراهة، فلا يستقيم إلا إذا كان رأوه عدم الجواز مطلقا كما ذهب إليه البعض. وفي " المبسوط " " والمحيط " الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة. ثلاثة منها لا يصلي فيها أحد الصلاة: عند طلوع الشمس إلى أن تبيض، وعند زوالها، وعند غروبها إلا عصر يومه، ولا تتطوع بعد طلوع الفجر إلا بركعتيه إلى أن ترتفع الشمس، ولا يتطوع بعد صلاة العصر. وذكر في " التحفة " " والقنية " " والمفيد " أن الأوقات التي تكره فيها الصلاة اثني عشر وقتا ثلاثة منها تكره لمعنى في الوقت وهي المذكورة آنفا، ففي هذا الثلاثة يكره التطوع التي ليس فيها سبب في جميع الأيام والأمكنة ولو شرع فيها صح شروعه وجاز أداؤها فيه. وفي " المحيط ": في الرواية المشهورة لكن الأولى قطعها وأداؤها في وقت غير مكروه، وقال في " المحيط " ولو قضاها في غير وقت مكروه جاز، وقد أساء خلافا لزفر. وكذا ما له سبب كركعتي الطواف وتحية المسجد وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة والمنذورة في هذه الأوقات، والأولى أن لا يؤخر صلاة الجنازة لأن تأخيرها مكروه. وفي " المفيد " إن حضرت في وقت مستحب لا يجوز فيها بخلاف ما ذكره، ونص الكرخي على أنه لا يجوز فيها صلاة الجنازة ولا سجدة التلاوة، ولا يقضي فرضا ولا يصلي تطوعا، وكذا يكره أداء فرض العصر عند تغير الشمس. ولا يصح الفرض عند الطلوع والزوال، وأما قضاء الفرائض والمنذورة وقضاء الواجبات الفائتة وسجدة التلاوة في وقت غير مكروه والوتر من ذلك لا يجوز في هذه الأوقات، وفي البواقي من اثني عشر بمعنى في غير الوقت وهي تسعة: بعد طلوع الفجر، وبعد فرض الفجر قبل الطلوع وقبل صلاة العصر، وبعد الغروب، قبل المغرب وعند الخطبة، وعند الإقامة، وعند خطبة العيدين، وعند خطبة الكسوف، وخطبة الاستسقاء كذا في " التحفة " ولكن بلفظ الكراهة. وفي " المجتبى " ولا تنفل بعد صلاة الجمع بعرفات والمزدلفة وذكروا أنها الصلاة قبل العيد. م: (لحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ثلاثة أوقات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» ش: هذا الحديث رواه مسلم والأربعة من حديث موسى ابن علية بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» وأن نقبر فيها: المراد منه الصلاة على الميت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى ما يذكره المصنف عن قريب. قوله: تضيف، أي تميل للغروب وقد وقعت هذه اللفظة هاهنا بتاءين وأن [......] وقعت بتاء واحدة وأصله بتاءين لأنه من تضيف، ويجوز فيه أيضا التاءين على الأصل ويجوز فيه حذف إحداهما كما في قوله: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] (سورة الليل: الآية 14) أصله: تتلظى فحذفت إحدى التاءين، وثلاثية ضاف يضيف أي مال، يقال: ضافت الشمس وضيفت وتضيفت أي مالت للغروب. قوله م: (حتى ترتفع) ش: أي الشمس، وحد الارتفاع الذي يباح فيه الصلاة اختلفوا فيه في الأصل إذا ارتفعت الشمس، قدر رمح أو رمحين تباح الصلاة. وقال الفضل: ما دام الإنسان يقدر على النظر إلى قرصها فالشمس في الطلوع، ولا تباح الصلاة فيه فإذا عجز عن النظر يباح. وقال أبو حفص السفكردري: يؤتى بطست ويوضع في أرض مستوية ما دامت الشمس تقع على حيطانها فهي في الطلوع، وإذا وقعت في وسطه فقد طلعت وحلت الصلاة كذا في " المحيط ". فإن قلت: التخصيص بالثلاث في العدد يفيد الانحصار عليه، وقد ذكرت تسعة أوقات لا يجوز فيها النفل، وتلك التسعة غير هذه الثلاثة فيلزم منه إبطال العدد. قلت: إنما يلزم هذا أن لو كان المزيد مثل حكم المزيد عليه، فالثلاثة المنصوصة حكمها أن لا يجوز الفرائض والنوافل أيضا في بعض الروايات، وأما غيرها فليس في معناها لأنه يجوز قضاء الفوائت وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة فيها بخلاف الثلاثة المذكورة فإن ذلك لا يجوز فيها، وإذا كان المعنى يختلف لا يلزم الإبطال بل يكون كل واحد منهما ثابتا بدليل على حدة. فأما الثلاثة المذكورة فبحديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأما غيرها فبأحاديث أخرى مثل «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» . فإن قلت: إذا لم تجز الفرائض في هذه الأوقات فلو شرع فيها ثم قهقه هل ينقض وضوءه؟ قلت: لا ينتقض لأن شروعه لم يصح فلا تصادق قهقهته صلاة شروعه، وقال في نوادر الصلاة ": من الصلاة لو طلعت الشمس وهو في خلال صلاة الفجر ثم قهقه قبل أن يسلم فليس عليه وضوء لصلاة أخرى. أما على قول محمد فلأنه صار خارجا عن الصلاة بطلوع الشمس، وهي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي الرواية الأخرى وإن لم يصر خارجا من حد التحريمة فقد فسدت صلاته بطلوع الشمس لأنه لا يجوز أداء الفعل في هذا الوقت كما لا يجوز أداء الفرض، فالضحك في هذه الحال دون الضحك في صلاة الجنازة فلا يجعل حدثا، وعلى قياس قول أبي
والمراد بقوله: " وأن نقبر ": صلاة الجنازة؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQيوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويلزمه الوضوء خصوصا على الرواية التي رويت عنه أنه يصير حتى تطلع الشمس ثم يتم الفريضة فعلى هذه الرواية أن ضحكه صادف حرمة صلاة مطلقة فكان حديثا. م: (والمراد بقوله - وأن نقبر - صلاة الجنازة) ش: المراد مبتدأ وخبره صلاة الجنازة، أي المراد من قول عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأن نقبر فيها - الصلاة على الجنازة يقال قبر يقبر من باب نصر ينصر ومصدره مقبر يعني مدفن الميت أيضا قبر يقال قبره إذا دفنه وأقبره إذا جعل له قبرا يوارى فيه. وقال ابن السكيت: قبرته أي جعلت له قبرا يدفن فيه وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] (سورة عبس: الآية 21) أي جعله ممن يقبر ولم يجعله يلقى للكلاب فأكرم الإنسان بالقبر. وقال ابن الأعرابي: أقبر إذا أمر إنسانا بحفر قبر. فإن قيل: قلت ذكر القبر وإرادة الصلاة من أي قبيل من المجاز أو الكناية؟ قلت: قال في " المبسوط ": وهو من باب الكناية اللازمة بينهما. وقال الأترازي: هو كناية لأنه ذكر الرديف وأراد المردوف، قلت: المراد من الملازمة المذكورة ما يكون بين اللازم والملزوم على سبيل التبعية، لأن الكناية أن يذكر في اللازمين ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف. فإن قلت: ما هذا الداعي إلى هذه الدعوى فلم لا يؤخذ بظاهره فيكون دفن الميت في هذه الأوقات الثلاثة مكروها؟ قلت: اختلف العلماء في هذا الباب فأخذت طائفة بظاهره وقالوا: يكره دفن الميت في هذه الأوقات الثلاثة. وقال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونهيه عن القبر في هذه الساعات لا يتناول الصلاة على الجنازة وهو عند كثير من أهل العلم محمول على كراهة الدفن في تلك الساعات، وكذلك حمله أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الدفن فإنه بوب عليه في كتاب الجنازة فقال: باب ما جاء من الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها، ثم روى حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور. وذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات، وروي ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قول عطاء والنخعي، والأوزاعي والثوري وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه وأحمد، وإسحاق، وكذلك حمله الترمذي على الصلاة وبوب عليه " باب ما جاء في كراهة صلاة الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها " ونقل عن ابن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: يعني أن نقبر فيها موتانا يعني صلاة الجنازة انتهى. وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه كان يرى الصلاة على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك الدفن أي وقت كان من ليل أو نهار. في أحكام ابن بريدة.
لأن الدفن غير مكروه، والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض، وبمكة في حق النوافل، ـــــــــــــــــــــــــــــQقال بعض العلماء: لا يصلى عليها في الأوقات الثلاثة المذكورة في حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أن يخاف عليها النتن، وقيل: لا يصلى عليها عند الغروب والطلوع فقط ويصلى بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم تسفر. وقال ابن عبد الحكم: يصلى عليها في كل وقت كالفرائض. وقال الليث: يكره الصلاة عليها في الأوقات التي يكره فيها الصلاة. وقال عطاء والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا يصلى عليها في الأوقات الخمسة المنهي عنها. فإن قلت: هل جاء ما يدل على هذا الحمل؟. قلت: نعم روى الإمام أبو حفص عمر بن شاهين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب الجنائز من حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن علي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قال: «نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي على موتانا عند ثلاث: طلوع الشمس..» إلى آخره. م: (لأن الدفن غير مكروه) ش: أي لأن دفن الميت في هذه الأوقات المذكورة غير مكروهة. م: (والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض وبمكة في حق النوافل) ش: واختلفت نسخ " الهداية " في هذا الموضع فلذلك تردد الشراح فيه، ولم يحرروا كما ينبغي خصوصا تحرير مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما هو المسطور في كتب أصحابه المعتمد عليها. فقال السغناقي في شرحه: قوله والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض والنوافل بمكة. وفي بعض نسخ " الهداية " لم يذكر الفرائض وذكر بمكة بالباء، وفي بعضها لم يذكر النوافل والصحيح من الرواية أن يذكر الفرائض ويذكر مكة بدون الباء. ويقال في تخصيص الفرائض وبمكة ليكون أداء الفرائض في جميع الأمكنة، وتعميم جواز الفرائض والنوافل بمكة وذلك إنما يعاد فهذا الذي ذكرت وهكذا كان بخط شيخي، فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجوز الفرائض والنوافل فإن شمس الأئمة السرخسي ذكر في " المبسوط ": حديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره من الأحاديث، ثم قال: والأمكنة في هذا النهي سواء عندنا لعموم الآثار. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بأس بالصلاة في هذه الأوقات بمكة لحديث روي في النهي إلا بمكة انتهى كلامه. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: وتخصيص الفرائض أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يقول بعدم كراهية الفرائض في هذه الأوقات، قوله ومكة أي تخصيص مكة فإن عنده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQينصرف هذا النهي إلى مكة حتى لا تكره النوافل فيها انتهى. وقال صاحب " الدراية ": قوله حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتخصيص الفرائض ومكة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في هذه الأوقات الفرائض ومن النوافل ما له سبب كتحية المسجد، وركعتي الطواف، وكذا في الجمعة بعد الزوال انتهى. وقال الأترازي: قوله والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في تخصيص الفرائض ومكة. - وفي بعض النسخ وبمكة بالباء - والصحيح أن يذكر ومكة بلا باء، بيانه أن الشافعي يخص الفرائض من جميع الصلاة ويقول: إن النهي ورد في حق النفل لا في حق الفرائض بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» فإن ذلك وقتها. نعلم أن الفرض ليس بمنهي عنه حتى تجوز الفرائض في الأوقات المكروهة بلا كراهة في جميع البلدان. أما النوافل فإنها تكره في هذه الأوقات إلا بمكة، فإن مكة مخصوصة من سائر البلدان لما روى أبو داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النهي عن الصلاة في هذه الأوقات مقرونا بقوله: " إلا بمكة، فإذن تجوز الفرائض في جميع البلدان في مكة وغيرها لأن الفرائض خصت من جميع الصلاة، وتجوز النوافل بمكة خاصة لأن مكة خصت من جميع البلدان، وعلى هذا التقدير لا يفهم إلا على رواية مكة بدون الباء فافهم، انتهى. 1 - قال الأكمل: ما يخصه إن أراد بقوله لا يجوز الفرض وحده وإن النفل جائز مكروه، ولم يستقم جعل الحديث حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تجويز النوافل وإن كان مراده عدم الجواز في الفرض والنفل جميعا لزم عليه ما نقل عن الكرخي والإسبيجابي وهو أن النوافل تجوز وتكره، وإن كان الجواز مع الكراهة فما لم يكن الحديث حجة لنا على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا إذا أثبته أن أصحابنا يقولون بالجواز مع الكراهة، وهو يقول بالجواز بلا كراهة. قال: ولم أطلع على ذلك فيما وجدته من النسخ وإن كان عدم الجواز في الفرض والجواز في النفل مع الكراهة فإن في بعض الروايات لزم اختلاف معنى اللفظ للواحد مراد نزلا على سبيل الكناية وهو غير جائز. وأرى أن المراد عدم الجواز في الفرض والنفل على بعض الروايات ولا يلزمه ما نقل عن الكرخي والإسبيجابي لأنه اختار خلافه وإذا ظهر لك ما قررناه تبين لك أن النسخة الصحيحة هو أن يقال حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخصيص الفرائض بمكة، لأنه هو الذي يقيد ما ذكرنا من مذهبه، وإن كان فيه إعلام دون ما عداه وهو ما وقع في بعضها من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله في تخصيص الفرائض والنوافل بمكة، وفي بعضها في التخصيص بمكة، وفي بعضها ولم يذكر النوافل. قلت: هذه الترديدات والتصرفات البحثية كلها من عدم الوقوف على نص مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعدم الرجوع إلى أمهات كتب أصحابه فنقول مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز الفرائض في هذه الأوقات، ومن النوافل ما له سبب كتحية المسجد وركعتي الطواف دون النوافل المطلقة، وفي مكة يجوز النوافل المطلقة أيضا. وقال النووي في " الروضة ": يجوز في هذه الأوقات قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي أخذها الإنسان وردا له وتجوز صلاة الجنازة وسجود التلاوة وسجود الشكر وركعتا الطواف وصلاة الكسوف، ولا يكره فيها صلاة الاستسقاء على الأصح. وعلى الثاني يكره كصلاة الاستخارة ويكره ركعتا الإحرام على الصحيح. فأما تحية المسجد فإن اتفق دخوله الفرض كدرس علم أو اعتكاف أو انتظار صلاة ويجوز ذلك ثم يكره، وإن دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية فوجهان أقيسهما الكراهة انتهى. فإذا عرفت هذا عرفت أن نقل السنغاقي عن مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: فإن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تجوز الفرائض في هذه الأوقات في جميع الأمكنة دون النوافل، وفي مكة تجوز الفرائض في عنده والنوافل ليس كما ينبغي، وكذلك ما قاله الأترازي، فإذا قابلت كلامهما بالذي قلنا آنفا عرفت أن نقلهما عن مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس على ذلك، وكذلك ما قاله الأكمل بقوله تبين أن النسخة الصحيحة إلى آخره والأقرب إلى المطالعة ما قاله صاحب " الدراية " ثم فسر النسخة التي هي قوله: (والحديث بإطلاقه) يعني بكونه متنا ولا للفرض والنفل حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتخصيص الفرائض بالجواز في هذه الأوقات أي فرض كان وفي أي مكان كان. قوله م: (والنوافل) ش: أي وفي تخصيص النوافل بالجواز فيها حال كونها فيها بمكة أي نفل كان ولا تدل هذه العبارة على جواز النفل الذي له سبب في غير مكة، فقلت إن النسخ كلها قاصرة على الدلالة على ما ينبغي؛ ثم حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مما ذهب إليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» ، جعلت وقت التذكير وقتا للفائتة مطلقا وله في جواز النفل بمكة شرفها الله تعالى الوارد في حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بمكة. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشاء» . وله في الجمعة حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الصلاة في نصف النهار إلا يوم الجمعة» . وروى أبو الخليل عن أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» . وقال ابن الجهم متحسر إلا يوم الجمعة. والجواب عن ذلك: أما حديث: «من نام عن صلاة» إلى آخره فهو مخصوص بحديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والدليل عليه ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قفل من غزة خيبر فسار بليلة ... » الحديث، وفيه: «فناموا فما أيقظهم إلا حر الشمس» -. وفي رواية «انتبهوا - وقد بدا جانب الشمس فأداروا رحالهم شيئا ثم نزلوا للصلاة» . وإنما نقل ذلك لترتفع الشمس فلو جاز قضاء المكتوبة في حال طلوع الشمس لما أخرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الانتباه. وعن الثاني: أن الاستثناء الوارد في حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بمكة غريب لم يرد في المشاهير فلا يزاد به عليها أو يحتمل أنه كان قبل النهي. وعن الثالث: أن أبا داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في إباحة الدعاء قرأ معنى صلى دعا قال أبو بكر ابن العربي: هذا الحديث لم يصح. وعن الرابع: أن إلا في قوله - إلا يوم الجمعة بمعنى: ولا يوم الجمعة كما في قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) . أي لا خطأ عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، منقطع لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة قاله أبو داود، وقال أبو الفرج - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف مرة. وفي " المغني " عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كنا ننهى عن ذلك يوم الجمعة. وعن سعيد المقبري: أدركت الناس وهم ينهون عن ذلك وأباحه فيها عطاء في الشتاء دون الصيف، وفي بقية الأوقات يوم الجمعة وجهان عند الشافعية أحدهما يجوز لكل واحد، وفي بقية الأوقات يوم الجمعة والآخر لا يجوز إلا في وقت الاستواء يوم الجمعة، دون بقية الأوقات يوم الجمعة روي عن بعضهم تخصيص الإنشاء من بقاء الشعائر وبترجيحه قال صاحب " المهذب " وغيره.
وحجة على أبي يوسف في إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال. قال: ولا صلاة جنازة لما روينا، ولا سجدة تلاوة؛ لأنها في معنى الصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: يعارض حديث عقبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر» . بيانه أن هذا يقتضي أنه لو شرع في صلاة الفجر وطلعت الشمس في خلالها لا تفسد الصلاة كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: إنه لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت قل أو كثر. ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا الباب أنه يقضي الفرائض في هذه الأوقات الثلاثة ولا يصلي النوافل سواء كان لها سبب أو لا، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أنه أجاز ركعتي الطواف وصلاة الجماعة مع إمام الحي لخوف الفوت. واختلفت الرواية عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه في صلاة الكسوف وسجود القرآن في وقت النهي. م: (وحجة على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة النفل يوم الجمعة) ش: وحجة عطف على قوله حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: لا بأس بالصلاة م: (وقت الزوال) ش: واستدل على ذلك بحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذكرناه عن قريب مع الجواب عنه. م: (قال) ش: أي القدروي معطوف على أول الكلام. (ولا صلاة جنازة) ش: أي ولا تجوز صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة المذكورة، هذا محمول على جنازة حضرت قبل العصر لأن الصلاة تجب بحضورها كاملة ولا تؤدى بالناقص، حتى لو حضرت جنازة في هذا الوقت جازت الصلاة مع الكراهة؛ لأنها ناقصة كما وجبت. (لما روينا) ش: وهو قوله: «وأن نقبر فيها موتانا» . م: (ولا سجدة تلاوة) ش: عطف على ما قبله، أي ولا تجوز سجدة التلاوة، وهذا إذا كان تلا أو سمع قبل هذا الزمان فسجد في هذا الزمان بعدم إجزاء الناقص عن الكامل، أما لو تلا في هذا الزمان فسجد جازت لأنها أديت ناقصة كما وجبت. م: (لأنها في معنى الصلاة) أي لأن سجدة التلاوة في معنى الصلاة من حيث إنه يشترط لها ما شرط للصلاة من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، ويقال باعتبار حصول التشبه لعبدة الشمس إزالة يحصل بعد الشمس بالحول، أيضا كذا في " المبسوط ". وقال الأكمل: فإن قيل ما بالها لم تلحق بها في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ضحك منهم فقهقه فليعد الوضوء والصلاة جميعا» ، فينتقض وضوء الضاحك في سجدة التلاوة كما في الصلاة. وأجيب بأن اللام في قوله: «فليعد الوضوء والصلاة» للعهد لأنه إنما يعيد الصلاة التي وجدت
إلا عصر يومه عند الغروب؛ لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت؛ لأنه لو تعلق بالكل لوجب الأداء بعده، ولو تعلق بالجزء الماضي فالمؤدي في آخر الوقت قاض، وإذا كان كذلك فقد أداها كما وجبت، بخلاف غيرها من الصلوات؛ لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص. ـــــــــــــــــــــــــــــQفيها القهقهة لا للجنس، والمعهود صلاة ذات تحريمة وركوع وسجود، والسجود المجرد ليس في معناه من كل وجه فلا يلحق به. قلت: هذا السؤال والجواب للسنغناقي. م: (إلا عصر يومه عند الغروب) ش: هذا استثناء من قوله - ولا عند غروبها - يعني لو صلى عصر يومه عند غروب الشمس جازت صلاته. م: (لأن السبب) ش: أي سبب وجوب الصلاة. م: (هو الجزء القائم من الوقت) ش: الذي يتصل به الأداء (لأنه لو تعلق بالكل) ش: أي لأن السبب لو تعلق بكل الوقت جملة م: (لوجب الأداء بعده) ش: أي لوجب أداء الصلاة بعد ذلك الوقت لوجوب تقدم السبب بجميع أجزائه على السبب فلا يكون أداء. م: (ولو تعلق بالجزء الماضي) ش: أي ولو تعلق بسبب الوجوب بالجزء الماضي من الوقت م: (فالمؤدي) ش: بكسر الدال. (في آخر الوقت قاض) ش: لأنه أدى بعد خروج الوقت فيكون قضاء. م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا كان الأمر كما ذكرنا من أن السبب هو الجزء القائم إلى آخره. (فقد أداها) ش: أي أدى الصلاة التي هي العصر. (كما وجبت) ش: أي باتصال الأداء بها فإن كان وقتها صحيحا بأن لا يكون موصوفا بالكراهة ولا منسوبا إلى الشيطان كالظهر مثلا وجب المسبب كاملا فلا يتأدى ناقصا، وإن كان فاسدا أي ناقصا بأن يكون منسوبا إلى الشيطان كالعصر يستأنف وقت الاصفرار وجب الفرض به ناقصا فيجوز أن يتأدى ناقصا، لأنه أداه كما وجب. م: (بخلاف غيرها من الصلوات) ش: يعني غير العصر. (لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص) ش: لأن ما وجب كاملا لا تتأدى بالناقص. وقال الأكمل: قوله - لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت - فيه تسامح لأن السبب إما أول جزء والذي يلي الأداء الجزء والمضيق أو كل الوقت عند خروجه. قلت: المراد بالجزء القائم من الوقت الجزء الباقي من آخر الوقت لأن السببية تنتقل من جزء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلى جزء والسبب هو الجزء القائم. وقال صاحب " الكافي ": ما قاله فالمؤدي في آخر الوقت قاضي أشكاله لأنه مؤدي باعتبار بقاء الوقت، وأيضا يلزمه على تقدير جواز قضاء العصر في هذا الوقت لأن الجزء القائم من الوقت ناقص فيجب به العصر ناقصا فينبغي أن يجوز كعصر يومه، وأجاب عنه الشيخ عبد العزيز عن الأول بأن كلامه فيمن أخر العصر إلى الغروب، ولا شك أن السبب في حقه هو الجزء القائم من الوقت هو المعبر عنه بالجزء المضيق. وعن الثاني بأن الجزء إذا تعين السببية بحيث لا ينتقل إلى غيره كان التأخير عنه تفويتا للواجب كالجزء الأخير من الوقت في الصلاة، والجزء الأول من اليوم في الصوم. قال الأكمل: ورد عليه بأن الفوات والتفويت عن الجزء الأخير من الوقت إنما هو باعتبار خروج الوقت لا باعتبار تعينه للسببية، وكذلك الجزء الأول من اليوم لأن وقت الصوم كل النهار فإذا فات البعض فات الكل. قلت: لا نسلم أن التفويت بمجرد اعتبار خروج الوقت بل به، وباعتبار الجزء الأخير للسبب ألا ترى أنه إذا شرع في صلاة الظهر أو المغرب أو العشاء في الجزء الأخير ثم خرج الوقت كان ذلك أداء لا قضاء، فلو أسلم الكافر عند غروب الشمس يلزمه أداء العصر، فإن لم يتمكن حتى غربت الشمس هل تلزمه أم لا؟ فهو مبني على خلاف في ذلك. 1 - ثم اعلم أنه لا بد من جعل جزء من الوقت سببا للوجوب فقال شمس الأئمة السرخسي: سبب الوجوب الجزء الأول من الوقت فصار السبب حكم الوجوب، وصحة أداء الواجب ولكنه وجوب موسع وهو الأصح وهكذا نقله علاء الدين الحاكم السمرقندي فيش " الميزان والتقويم " لأبي زيد، ومن الناس من ظن أن الأداء لما لم يلزم في أول الوقت لم يكن وجوب الصلاة متعلقا بأوله وأنه غلط ويتعاين وقته بالفعل كالكفارة. وفي " مختصر البزدوي ": الوجوب بأول الجزئية من أول الوقت خلافا لبعض مشايخنا، والقاضي عبد الجبار أنكر أن قوله: من قال الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، قال: وهذا لا يصح. وقال شمس الأئمة: ومن مشايخ العراق من يقول الوجوب لا يثبت في أول الوقت وإنما تعلق الوجوب بآخره ومستدلون عليها بما لو حاضت في آخر الوقت فصلى ركعتين، فلو كان الوجوب بأول الوقت لما سقطت الصلاة بذلك، وكذا لو مات قبل خروج الوقت لا تكون الصلاة دينا في ذمته ولا شيء عليه. ثم عند مشايخ العراق اختلاف في صفة المروي في أول الوقت فمنهم من يقول: هو نفل يمنع لزوم الفرض في آخر الوقت إذا بقي على حال يلزمه الأداء بأن لا يعارضه جنون أو حيض وغير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذلك فيه لأنه يمكن، ثم نزل الأداء في أول الوقت لا إلى القضاء. ومنهم من قال: المؤدي في أول الوقت وقوف على ما يظهر من حاله في آخر الوقت فاعتبروه بتعجيل الزكاة قبل الحول. وفي " المرغيناني " قال: أكثر أصحابنا الوجوب يتعلق بمقدار التحريمة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمقدار ما يؤدي الصلاة وهذا القول مختار القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأول اختيار القاضي أبي زيد الدبوسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وذكر عن الكرخي ثلاث روايات عن أصحابنا فروى الشيخ أبو بكر الجصاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الوقت كله وقت العرض وعليه أداؤه في وقت مطلق من جميع الوقت وهو مخير في الأداء فيتعين الواجب بالأداء ويضيق الوقت، فإن أدى في أول الوقت يكون واجبا، وإن أخر لا يأثم وهو الرواية على المعتمد عليها. ويروى أيضا أن الأداء في أوله موقوف إن بقي إلى آخر الوقت بصفة التكليف يقع واجبا فإن فات شيء من شرائط التكليف يكون نفلا، وفي رواية أخرى عنه يقع نفلا في أول الوقت فإذا بقي إلى آخر الوقت وصفة المكلفين يكون ذلك سقطا للغير من قال، وهذا الرواية مهجورة. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما يفرد الوجوب في أول الوقت لزمه الأداء على وجه لا تتغير بتغير حال فيعد ذلك تعارض الحيض والقرء. وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب الصلاة بأول الوقت وجوبا موسعا ويستقر الوجوب بإمكانه فعلها قاله. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية كمذهبنا وهي غريبة. قلت: إن أراد به تعلق الوجوب بأول الوقت وجوبا موسعا فهو المذهب الصحيح عندنا وليست هذه الرواية بغريبة، وإن أراد استقرار الوجوب بإمكان فعلها فليس هذا رواية عن أصحابنا لا غريبة ولا مشهورة. وقال ابن بطال: حكى ابن القضاء عن الكرخي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلا، قال: والفقهاء بأسرهم على خلاف قوله. قلت: هذا قول ضعيف نقل عن بعض الأصحاب كما ذكرنا وليس منقولا عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثم اعلم أيضا أن الواجب الموسع الذي هو الفاضل عن الواجب لا يتعين بعض أجزائه بتعين العذر، رضا بأن يقول عينت هذا للسببية ولا قصدا بأن ينوي ذلك، وذلك لأن تعيين الأسباب والشرائط من وضع الشارع، وليس للعبد ذلك، وإنما للعبد اختيار فعل فيه رفيق وليس ذلك بتعيين جزء لأنه ربما لا يتيسر فيه الأداء بل له الاختيار في تعينه فعلا بأن يؤدي الصلاة في أي جزء يريد فيتعين بذلك الفعل ذلك الجزء وقتا لفعله كما في خصال الكفارة فإن الواجب أحد الأمور من الإعتاق والكسوة والإطعام لا يتعين شيء منها بتعيين المكلف قصدا ولا قضاء بل يختار أيها شاء.
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة، وسجدة التلاوة الكراهة، حتى لو صلاها فيه أو تلا آية السجدة. فسجدها جاز لأنها أديت ناقصة كما وجبت، إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة. ويكره أن يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــQفيفعله هو الواجب بالنسبة إليه. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة) ش: أي في قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا صلاة جنازة ولا سجدة تلاوة - م: (الكراهة) ش: مرفوع لأنه خبر المبتدأ وهو قوله والمراد. م: (حتى لو صلاها فيه) ش: نتيجة الكراهة، أي لو صلى الجنازة في وقت من الأوقات الثلاثة، م: (أو تلا سجدة فيه) ش: أي أو قرأ آية في وقت من هذه الأوقات م: (فسجدها جاز) ش: أي فسجد لتلاوته وفيه جازت. م: (لأنها أديت ناقصة) ش: أي لأن كل واحدة من صلاة الجنازة وسجدة التلاوة أديت حال كونها ناقصة. م: (كما وجبت) ش: أي كما وجبت ناقصة. م: (إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة) ش: كلمة إذ للتعليل أي لأن الوجوب حصل بحضور الجنازة وبوقوع التلاوة في الوقت الناقص وقد مر الكلام فيه مستوفى عند قوله - ولا صلاة جنازة ولا سجدة تلاوة. م: (ويكره أن يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس) ش: أراد أنه إذا طلع الجر وصلى صلاة الفجر يكره، لا أن يصلي إلى أن تطلع وبعد صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس. م: (لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك) ش: لما روى مسلم من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وفيه: «فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرني عن الصلاة، قال: صل الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها، ثم صلى فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل كالرمح، ثم اقصر عن الصلاة فإنها حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان» . الحديث بطوله وروى إسحاق بن راهويه - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في " مسنده " ثم البيهقي من جهة حدثنا وكيع ثنا سفيان الثوري أخبرني أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالله عنه: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي ركعتين دبر كل صلاة مكتوبة إلا الفجر والعصر» . وأخرج البخاري عن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «إنكم لتصلون صلاة لقد صحبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها» يعني الركعتين بعد العصر. وروى مسلم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين» "، روى أبو داود عن يسار مولى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال رآني ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: «ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين» . وأخرج الطبراني عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا طلع الفجر فلا تصلوا إلا ركعتين الفجر» . وأخرج أيضا عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة إذا طلع الفجر إلا ركعتين» ومثله عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال ابن بطال - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح البخاري ": تواترت الأحاديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدل أن صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصوصة به دون أمته، وكره ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وسمرة بن جندب وزيد بن ثابت وسلمة بن عمرو وكعب بن مرة وأبو أمامة وعمرو بن عيينة وعائشة والصالحي واسمه عبد الرحمن بن عقيلة وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والحسن البصري وسعيد بن المسيب والعلاء بن زياد وحميد بن عبد الرحمن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى أجمعين. وقال النخعي: كانوا يكرهون ذلك. 1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «لم يكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعهما سرا ولا علانية ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد العصر» . وفي لفظ لهما: «ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يأتي في يوم بعد العصر إلا [صلى] ركعتين» . وروى أبو داود من حديث قيس بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال: «رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الصبح ركعتان فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» هكذا رواه أبو داود وقال قيس بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية قيس بن قهر بالقاف. قلت: استوت القاعدة أن المبيح والحاظر إذا تعارضا جعل الحاظر متأخرا، وقد ورد نهي كثير في الأحاديث التي ذكرناها آنفا بالعمل عليها. وأما حديث الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فإن صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه مخصوصة به والدليل عليه ما ذكرنا أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير. وذكر الماوردي من الشافعية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره أيضا أن ذلك من خصوصيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصوصا بهذا دون الخلق. قال ابن عقيل: لا وجه له إلا هذا الوجه. وقال الطبري: فعل ذلك تنبيها لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم. وقال الطحاوي: الذي يدل على الخصوصية أن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - هي التي روت صلاته إياها قيل لها أفنقضيهما إذا فاتتا بعد العصر. قالت: لا. وأما حديث قيس بن عمر قال [في] " الإمام ": إسناده غير متصل ومحمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج [به] . ثم نفسر بعض ألفاظ الأحاديث المذكورة. قوله - «تطلع بين قرني شيطان» - اختلفوا فيه على وجوه فقيل: معناه مقارنة الشيطان عند رؤيتها للطلوع والغروب. وقيل: قرنه قوته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أي بطوله يرى عليه، وذلك لأن الشيطان إنما يتولى أمره في هذه الأوقات لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات. وقيل: قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس يقال هؤلاء قوم قرن، أي قوم بعد قرن
ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين من الفوائت، ويسجد للتلاوة، ويصلي على الجنازة؛ لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به، لا لمعنى في الوقت، فلم تظهر في حق الفرائض، وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة. ـــــــــــــــــــــــــــــQآخر. وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه، وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان وتزيينه ذلك في قلوبهم، وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها، وكأنهم لما دفعوها وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس صار ذلك لهم بمنزلة ما يعالجه، وذوات القرون بقرونها وتدفعه بأرواقها. قلت: يمكن حمل الكلام على حقيقته ويكون المراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه ولأعوانه إنما يسجدون له فيكون له ولنفسه تسلط. قوله - مشهودة - أي تشهدها الملائكة وتحضرها. م: (ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين) ش: أراد بالوقتين ما بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وما بعد صلاة العصر قبل غروب الشمس. م: (الفوائت) ش: بالنصب مفعول يصلي. م: (ويسجد للتلاوة ويصلي على الجنازة لأن الكراهة) ش: الحاصلة في هذين الوقتين. م: (كانت لحق الفرض ليصير الوقت) ش: من بعده، م: (كالمشغول به) ش: أي بالفرض فلم يجز النفل فيهما لأن الثقل التقديري بالفرض أولى من الثقل الحقيقي بالنفل م: (لا لمعنى في الوقت) ش: يعني ليست الكراهة في هذين الوقتين بالنفل لا لمعنى في الوقت، يعني ليست الكراهة في هذين الوقتين لمعنى في نفس الوقت، بل لثقل الوقت بالفرض، ولهذا لو ابتدأ العصر في أول الوقت ومده إلى المغرب لا يكره بالاتفاق، فلو كانت الكراهة لمعنى في الوقت لكان هذا مكروها. وقوله - لا بمعنى في الوقت - تأكيد لقوله - لحق الفرض - وفيه إشارة إلى أن يفرق بين النهي الوارد في هذين، والوارد في الأوقات الثلاثة المذكورة بأن ذلك لمعنى في الوقت، وهو كونه منسوبا إلى الشيطان فيظهر في حق الفرائض والنوافل وغيرها، وهذا المعنى لثقل الوقت بالفرض كما ذكرنا. م: (فلم يظهر في حق الفرائض) ش: هذه نتيجة ما قبله فلذلك ذكره بالفاء، أي فلم تظهر الكراهة في حق الفرائض فجازت الفوائت فيها. م: (وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة) ش: لكون وجوبها غير موقوف على فعل العبد بدليل وجوبها بالسماع فصارت كسائر الفرائض. فإن قلت: قد ذكر في الأصول أن سجدة التلاوة وجبت بقربة مقصودة حتى جاز إقامة
فظهرت في حق المنذور؛ لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته وفي حق ركعتي الطواف، وفي الذي شرع فيه ثم أفسده؛ لأن الوجوب لغيره ـــــــــــــــــــــــــــــQالركوع مقامها بخلاف سجود الصلاة، وهذا يوهم أنها واجبة لغيرها. قلت: أراد بما وجب بعينه هاهنا ما شرع واجبا ابتداء لأنه شرع نفلا في الأصل ثم صار واجبا بعارض كالنذر، ثم هذا الواجب قد يكون قربة مقصودة بذاتها وقد لا يكون: كالصلاة، والصوم، وسجدة التلاوة من حيث إنها وجبت ابتداء كانت واجبة بعينها، ومن حيث إنها وجبت موافقة للأبرار ومخالفة للكفار، ولم تكن مقصودة بنفسها فكانت واجبة مقصودة لنفسها لعدم التنافي، ألا ترى أن صلاة الجنازة عرفت من هذا أن الفعل مع أنها وجبت بغيرها وهو لصاحب الميت، ولكنها لما شرعت ابتداء صح جعلها واجبة بعينها من هذا الوجه. م: (فظهرت في حق المنذور) ش: أي ظهرت الكراهة في حق المنذور من الصلاة في هذين الوقتين م: (لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته) ش: أي من جهة الناذر لا من جهة الشرع فصار كالصلاة التي شرعت فيها متطوعا، فإذا كان كذلك يكره أداء المنذور في هذين الوقتين، لا يقال الضمير في جهته إضمار قبل الذكر، لأنا نقول قوله المنذور يدل على الناذر، لأن النذر قائم به. وعن أبي يوسف: لا يكره المنذور في هذين الوقتين لأنه واجب بالنذر. م: (وفي حق ركعتي الطواف) ش: أي فظهرت الكراهة أيضا في حق ركعتي الطواف حتى كره أداؤها في هذين الوقتين لأن وجوبهما بغيرهما وهو ختم الطواف الحاصل بفعله. وقال الشافعي: يجوز في هذين الوقتين ركعتا الطواف، وتحية المسجد، وكل فعل له سبب: كركعتي الوضوء، وسنن الرواتب، والمنذور. قلت: في " المبسوط " أن كراهة الطواف بالأثر، وهو ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طاف بالبيت أسبوعا بعد صلاة الفجر ثم خرج من مكة حتى كان بذي طوى فطلعت الشمس فصلى ركعتين، ثم ذهب فقال: ركعتين مقام ركعتين، فقال أخر ركعتي الطواف إلى ما بعد طلوع [الشمس] . وذي طوى: ينصرف ولا ينصرف وهو بضم الطاء اسم موضع مكة. ولو أفسدته الفجر، ثم قضاها بعد صلاة الفجر لم يجز كذا في " المحيط ". وقيل يجوز ولو في شرع في النفل قبل طلوع الفجر ثم طلع قيل يقطعه، والأصح: أنه يتمه ولا ينوب عن سنة الفجر في الأصح. م: (وفي الذي شرع فيه ثم أفسده) ش: أي وكذا ظهرت الكراهة في النفل الذي شرع فيه حتى كره قضاؤه في هذين الوقتين. م: (لأن الوجوب لغيره) ش: تعليل للمسألتين جميعا، ومعنى الوجوب لغيرها أنه يجب في
وهو ختم الطواف وصيانة المؤدي عن البطلان، ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يزد عليهما مع حرصه على الصلاة. ولا يتنفل بعد الغروب قبل الفرض لما فيه من تأخير المغرب، ـــــــــــــــــــــــــــــQالأصل، فقوله م: (وهو ختم الطواف) ش: يرجع إلى قوله - وفي حق ركعتي الطواف م: (وصيانة المؤدي) ش: - يرجع إلى قوله - وفي الذي شرع فيه ثم أفسده - والمؤدى بفتح الدال. فإن قلت: ركعتا الطواف واجبتان عندنا فوجوبه من جهة الشرع بعد الطواف كوجوب سجدة التلاوة بعد التلاوة فينبغي أن يؤتى بهما كسجدة التلاوة في هذين الوقتين. وقول المصنف بأن الوجوب لختم الطواف ينتقض بسجدة التلاوة فإن وجوبها للتلاوة وهي فعله أيضا. قلت: قد تجب السجدة بتلاوة غيره إذا سمعه من غير قصد ولا كذلك ركعتا الطواف. م: (ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد عليهما) ش: أي على ركعتي الفجر اللتين هما السنة المذكورة. م: (مع حرصه على الصلاة) ش: أي مع حرص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على النافلة. قال الأترازي: ولو لم تكره تفعل، قلت: هذا يبنى على معرفة الحديث الذي فيه عدم زيادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركعتي الفجر وكذا قال الأكمل: أن الترك مع حرصه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على إحراز فضيلة النفل دليل الكراهة، وقد ذكرنا فيما مضى من حديث مسلم الذي رواه عن ابن عمر عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طلع الفجر لا يصلى إلا ركعتين خفيفتين» وهذا يدل على أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما كان يزيد على ركعتي الفجر مع حرصه على إحراز فضيلة النوافل. وفي " المجتبى " ويخفف القراءة في ركعتي الفجر لقول ابن عمر: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ فيهما ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] . وفي " المبسوط " لشيخ الإسلام: والنهي عما سوى ركعتي الفجر فيه لحق ركعتي الفجر لخلل في الوقت. وفي " التجنيس " للمصنف يتطوع آخر الليل فلما صلى ركعة طلع المفجر كان الإتمام أفضل، لأنه وقع في التطوع بعد الفجر لا عن قصد. م: (ولا يتنفل بعد الغروب قبل الفرض) ش: أي قبل صلاة المغرب. م: (لما فيه من تأخير المغرب) ش: وتأخير المغرب مكروه فيكره ما يكون سببا للتأخير. فإن قلت: روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان المؤذن إذا أذن قام الناس من أصحاب رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبتدرون السواك حتى يخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا خرج رآهم لذلك يصلون ركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء» . قلت: حمل ذلك على أن أول الأمر قبل النهي، أو قبل أن يعلم ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ولا إذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة إلى أن يفرغ من خطبته؛ لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة. ـــــــــــــــــــــــــــــQمنهم. وقال أبو بكر بن العربي: اختلف الصحابة فيها ولم يفعله بعدهم أحد. وقال النخعي: إنها بدعة. وقال عميرة: كان ذلك في أول الإسلام ليعرف خروج الوقت المنهي عنه ثم أمروا بتعجيل المغرب. وروى أبو داود عن طاووس قال سئل ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليهما، وروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بين كل أذانين صلاة إن شاء إلا المغرب» . قال الخطابي: يعني الأذان والإقامة، وعند بعض أصحاب الشافعي يستحب أن يصلي ركعتين قبل المغرب. م: (ولا إذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة) ش: أي ولا يتنفل أيضا إذا خرج الإمام من بيت الخطابة يوم الجمعة لأجل الخطبة. م: (إلى أن يفرغ) ش: من الخطبة. م: (لما فيه) ش: أي لما في التنفل، دل عليه قوله ولا يتنفل م: (لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة) ش: وهو مكروه كراهة تحريم. وقال أبو بكر بن العربي: والجمهور على أنه لا يفعل وهو الصحيح، لأن الصلاة حرام إذا شرع الإمام في الخطبة بوجوه ثلاثة من الدليل. الأول: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (الأعراف: الآية 204) فكيف يترك الفرض الذي شرع الإمام فيه إذا دخل عليه بغير فرض. الثاني: صح عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من كل طريق أنه قال: «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت، فقد لغوت» ، فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأصل أن الفرضان في المسألة يحرمان في حال الخطبة فالنفل أولى بأن يحرم. الثالث: أنه لو دخل والإمام في الصلاة لم يركع والخطبة صلاة من وجه يحرم فيها من الكلام والعمل ما يحرم في الصلاة. وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى جواز تحية المسجد بركعتين لحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب يوم الجمعة إذا جاء رجل فيه بذة فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أصليت؟ " قال: لا. قال: " قم فاركع.» وهو حديث اتفق البخاري، ومسلم عليه. وهذا الرجل هو: " سليك الغطفاني " بين ذلك مسلم وغيره. قلت: هذا الحديث لا يعارض الأصول من أوجه أحدها أنه خبر واحد يعارض أخبار أقوى منه فوجب تركه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثاني: يحتمل أن يكون في الوقت الذي كان الكلام مباحا في الصلاة لأنه لا يعلم تاريخه. الثالث: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كلم سليكا وقال له: قم وأمره سقط عنه فرض الاستماع فإنه أقوى في هذا الباب. الرابع: الحظر مقدم على الإباحة. الخامس: أن سليكا [كان به] بذاذة فأراد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يشهره فيرى حاله فيعتبر به أو يتصدق عليه لضعف حاله، والبذاذة على التواضع في اللبس وعدم الريبة، وروي «البذاذة من الإيمان» وأصله من بذ فلان الناس إذا سفههم الناس في فضل.
[باب الأذان]
باب الأذان ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب الأذان] م: (باب الأذان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الأذان. لما ذكر الأوقات التي هي تحصيل أسباب، وفي الحقيقة إعلام ذكر عقبها الأذان الذي هو: إعلام لتلك الإعلام وقيام الأوقات، لما أن فيها معنى السببية، والسبب يقدم على العلامة. ثم " الأذان " له تفسير لغة وشريعة وثبوت وسبب ووصف وكيفية محل شرع فيه ووقت وسنن وما يجب على سامعه. أما تفسيره لغة فهو: إعلام قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] (التوبة: الآية 3) من: أذن يؤذن تأذينا وأذانا، مثل كلمه يكلمه تكليما وكلاما، فالأذان والكلام اسم لمصدر قياسي. وقال الهروي: الأذان والأذين والتأذين بمعنى وقيل الأذين المؤذن فعيل بمعنى مفعل وأصله من الأذان كأنه يلقي في أذان الناس بصوته ما تدعوهم إلى الصلاة. وأما تفسيره شريعة: فهو إعلام مخصوص في أوقات مخصوصة. وأما سبب ثبوته فما رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علقمة بن مزيد عن أبي زيد عن أبيه قال: «مر أنصاري على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآه حزنا، وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يتناول الطعام فأتاه آت فقال: أتعلم حزن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ماذا؟ هو من هذا الناقوس فمره فيعلم بلالا الأذان وذكره» أه. وروى أبو داود في " سننه " قال: «اهتم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للصلاة كيف يجمع الناس لها وقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال. فذكر له القنع - يعني الشبور - فلم يعجبه ذلك فقال: هو أمر اليهود قال: فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأري الأذان في منامه فغدا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال يا رسول الله إني لبين النائم واليقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان فقال وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، ثم أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما منعك أن تخبرني فقال سبق عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " قال: فأذن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى أبو داود أيضا من حديث عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناقوس يعمل فيضرب به للناس لجمع الصلاة، قال طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: له بلى. قال: " تقول الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: ثم تقول إذا أقيمت الصلاة: " الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة. حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " فلما أصبحت أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بما رأيت، قال: " إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فلله الحمد» . ورواه أحمد وصححه الترمذي. وقال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة عن الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة، وكلها متفق على أمره عند ذلك، وكان ذلك في أول الأمر في الأذان والآثار في ذلك متواترة حسان ثابتة. قوله: فذكر له القنع - بضم القاف وسكون النون - وقيل سمي به لإيقاع الصوت وهو دفعه، وعن ابن عمر هو القثع - بالثاء المثلثة الساكنة - يعني البوقا، وهذا أثبته أبو عمر الزاهد وأبطله الأزهري، ويروي القبع بالباء الموحدة لأنه يقبع فم صاحبه أي يستره. قوله: الشبور تفسير: القنع - وهو بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة المشدودة قال في الصحاح: الشبور على وزن السنور على البوق، ويقال هو معرب. والناقوس: خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم قال الجوهري: السعي فأما الناقوس فينظر فيه أعربي هو أم لا؟ قلت: التفسير هو الضرب بالناقوس يدل على أنه عربي، وزنه فاعول كناقوس البحر فيكون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالألف والواو فيه زائدتان. قوله: مثل ما أري بضم الهمزة وكسر الراء - مثل ما رأى عب الله بن زيد وفي رواية: " مثل ما أرى " على صيغة المتكلم. فإن قلت: ما الفاء في قوله: فلله الحمد؟ قلت: يجوز أن تكون عاطفة على محذوف تقديره لله الشكر فلله الحمد، ويجوز أن يكون زائدة قد زيدت فيه للتخيير والكلام. 1 - فإن قلت: لِمَ لَمْ يأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن زيد أن يؤذن هو بنفسه؟ قلت: قال أبو بشر الواحدي أحد رواة الحديث حدثني أبو عمران الأنصاري ويزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنا، ومنهم من قال إن الأذان كان وحيا لا مناما، واستدلوا في ذلك بما رواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي ثنا داود بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما أراد الله تعالى أن يعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان أتاه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بدابة يقال لها البراق، فذهب يركبها فاستصعبت، فقال لها: اسكني فو الله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد. قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى، فبينما هو كذلك إذا خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يا جبريل من هذا؟ " قال: والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه فقال الملك: الله أكبر الله أكبر، قال فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أنا أكبر أنا أكبر ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أن لا إله إلا أنا، قال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله فقيل له من وراء حجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدا ثم قال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم قال الملك: الله أكبر الله أكبر، فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أن لا إله إلا أنا، قال: ثم أخذ الملك بيد محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقدمه، فأم أهل السماء فمنهم آدم ونوح - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -» . وقال البزار: هذا حديث لم نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بهذا الإسناد، ورواه الأصبهاني في كتاب " الترغيب والترهيب ": وقال حديث غريب لا أعرفه إلا من هذا الوجه.
[حكم الأذان]
الأذان سنة ـــــــــــــــــــــــــــــQقال في " الإمام ": والخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة. وروى ابن شاهين بسنده عن عمر قال: «لما أسري بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوحي إليه الأذان فنزل فعلمه بلالا» وفي رواته طلحة بن زيد قال النسائي: متروك. ومنهم من قال الأذان نزل مع فرض الصلاة قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) أراد بهذا النداء الأذان عند صعود الإمام على المنبر للخطبة، وقال الشعبي: وتفسير قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] امضوا إليه وكذا كان يقرأ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمراد من ذكر الله صلاة الجمعة. وعن سعيد بن المسيب موعظة الإمام. وعن بعضهم الخطبة والصلاة. ومنهم من قال: إنه أخذ من أذان إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحج {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] (الحج: الآية 27) قال: فأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل نزل به جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على النبي حتى قال له بريدة: أذن جبريل وما في السماء السابعة فسمعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا منافاة بين هذه الأسباب، فليجعل كل ذلك كذا في " المبسوط ". قال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن " ليلة أسري به كان بمكة، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بغير أذان وأما سبب الأذان، فدخول وقت المكتوبة. [حكم الأذان] وأما وصفه فقوله م: (الأذان سنة) ش " عند أكثر الفقهاء. وذكر محمد ما يدل على وجوبه، فإنه قال: لو أن أهل قرية أو بلدة اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه ولو تركه أحد ضربته وحبسته، وإنما يقاتل ويضرب على ترك الواجب كترك الصلاة ومنع الزكاة. وقيل: الأذان عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فروض الكفاية وفي " المحيط والتحفة " الأذان سنة مؤكدة. وفي " البدائع " وعامة مشايخنا قالوا: الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان، لما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في قوم صلوا في المصر جماعة بغير أذان وإقامة: أنهم أخطئوا السنة و [......] سماه سنة، والقولان متقاربان، لأن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب في الإثم. وإنما يقاتل على تركه لأنه من شعائر الإسلام وخصائص الدين. قال قاضي خان: من سنن الصلاة بالجماعة، وأنهما من الشعائر حتى لو اجتمع أهل مصر أو قرية أو محلة على تركهما أخبرهم الإمام فإن لم يفعلوا قاتلهم ولم يحك خلافا. ومذهب الشافعي وإسحاق أنه سنة، قال النووي: وهو قول جمهور العلماء. قال ابن المنذر: فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر، وقال مالك: يجب في مسجد
[ما يشرع له الأذان من الصلوات]
للصلوات الخمس والجمعة، دون ما سواها للنقل المتواتر، وصفة الأذان معروفة، ـــــــــــــــــــــــــــــQالجماعة، وفي " العارضة ": وهو على البلد وليس بواجب في كل سجدة، ولكنه يستحب في مساجد الجماعات أكثر من العدد. وقال عطاء ومجاهد: لا تصح صلاة بغير أذان، وهو قول الأوزاعي وعنه تعاد في الوقت. وقال أبو علي الأصطخري: هو فرض في الجملة، وقال العدوي: هما سنتان عند مالك فرض كفاية عند أحمد. قال المحاملي: وقالت الظاهرية: هما واجبان لكل صلاة. واختلفوا في صحة الصلاة بدونهما. وقال داود: هما فرضا الجماعة وليسا بشرط لصحتها. وقال إمام الحرمين: لا يقاتل على تركهما إلا إذا قلنا أنهما من فروض الكفاية، ويسقط الفرض عند الشافعية بالأذان لصلاة واحدة في اليوم والليلة. وعن مكحول: أنهما من سنن الهدي وتركهما ضلالة يقاتلون على الضلال كذا في " المحيط ". [ما يشرع له الأذان من الصلوات] م: (للصلوات الخمس والجمعة) ش: هذا محله الذي شرع فيه الأذان، ولا يشرع بغير الصلوات الخمس بلا خلاف وللجمعة أيضا. قال في " المنافع ": خص الجمعة بالترك لأنها تشبه العيد من حيث اشتراط الإمام أو المصر أو يكون ذكر الجمعة وإن كانت داخلة في الخمس لبقي قول بعض أصحاب الشافعي حيث قالوا: إنه فرض في الجماعة م: (دون ما سواها) ش: أي دون ما سوى الصلوات الخمس والجمعة كالوتر وصلاة العيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء وصلاة الجنازة والسنن والنوافل والتراويح والصلاة المنذورة وصلاة الضحى وفي الصلاة للزلازل والأفزاع. وقال النووي في " شرح المهذب ": ولكن ينادى للعيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح: الصلاة جامعة، ولا يستحب ذلك. وصلاة الجنازة على أصح الوجهين عندهم، وبه قطع الدلوي والمحاملي والبغوي، وقطع الغزالي باستحبابه. والمذهب الأول عندهم قاله النووي. وقول صاحب " الدفاتر ": وفي المنذورة يؤذن ويقيم إن سلك بها مسلك صاحب الشرع هو غلط منه. وعن معاوية وعمر بن عبد العزيز هما سنتان في العيدين. م: (للنقل المتواتر) ش: يعني لورود النقل المتواتر من زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن بعده من الأئمة إنهم إذا نووا الصلوات الخمس إلى يومنا هذا، ولم يؤذن - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا أحد من الأئمة بغير الصلوات الخمس والجمعة. [صفة الأذان] م: (وصفة الأذان معروفة) ش: هذا كيفية الأذان.
وهو كما أذن الملك النازل من السماء، ولا ترجيع فيه وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فيه ذلك؛ «لحديث أبي محذورة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالترجيع» . ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهو) ش: أي صفة الأذان، ويذكر الضمير باعتبار المذكور أو المراد وصف الأذان م: (كما أذن الملك النازل من السماء) ش: وقد ذكرنا كيفية أذان الملك النازل من السماء من غير زيادة ولا نقصان عند عامة أهل العلم، فنقص مالك من أوله تكبيرتين، وهو رواية الحسن عن أبي يوسف. وقال أبو الحسن: رجع أبو يوسف عن هذا. وقال أصحابنا: وزاد في آخره الله أكبر بعد لا إله إلا الله، وزاد مالك والشافعي: فيه الترجيع وحاصله أن الأذان عندنا خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه، التكبير في أوله أربع والشهادتان أربع والدعاء إلى الصلاة والفلاح أربع، والتكبير في آخره مرتان، وختم بكلمة الإخلاص مرة واحدة، وبه قال الثوري والحسن بن علي وأحمد وإسحاق وغيرهم. وقال الشافعي: هو سبع عشرة كلمة، وزاد فيه الترجيع أربع كلمات وهو إعادة الشهادتين على ما سنذكره. م: (ولا ترجيع فيه) ش: أي في الأذان. م: (وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما وقال الشافعي فيه ذلك) ش: أي في الأذان الترجيع، وبه قال مالك إلا أنه قال: لا يؤتى بالتكبير في أوله إلا مرتين، وقال أحمد: إن رجع فلا بأس به وإن لم يرجع فلا بأس به. وقال أبو إسحاق من أصحاب الشافعي: قد ثبت أذان بلال وأذان أبي محذورة فلو ترك الترجيع فالمذهب أن يعتد به، وحكى بعض أصحابنا عن الشافعي أن لا يعتد به كما لو ترك سائر كلماته وفيه نظر، كذا في " الحلية "، وفي شرح الوجيز " والأصح أنه إن ترك الترجيع لم يضر. م: (لحديث أبي محذورة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالترجيع) ش: حديث أبي محذورة رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان: «الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال لي: ارجع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» وفي بعض ألفاظهم علمه الأذان تسعة عشر كلمة فذكرها. ولفظ أبي داود قلت: يا رسول الله علمني بسنة الأذان، قال: «تقول الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله وتخفض بهما صوتك، ثم ترفع صوتك بهما» الحديث وهو لفظ ابن حبان في " صحيحه " واختصره الترمذي.
ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير، ـــــــــــــــــــــــــــــQولفظه عن أبي محذورة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال بشر: [فقلت له:] أعد علي، فوصف الأذان بالترجيع وطوله النسائي وابن ماجه عن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبي محذورة بن معير حين جهزه إلى الشام فقلت له: أي عم إني خارج إلى الشام، وإني أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال: «خرجت في نفر فلما كنا في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسمعنا صوت المؤذن فصرنا نحكيه نهزأ به فسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه فقال: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع، فأشار القوم إلى كلهم وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، وقال لي: قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألقى علي رسول الله التأذين هو بنفسه فقال: قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لي ارفع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه، ثم على ثدييه، ثم على كبده، ثم بلغت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بارك الله لك وبارك عليك " فقلت يا رسول الله: مرني بالتأذين بمكة قال. نعم قد أمرتك فذهب كل شيء كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كراهية وعاد ذلك كله محبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وهذا لفظ ابن ماجه من حديث أبي عامر عن ابن جريج ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود. وفيه «ثم قال ارجع فمد صوتك أشهد أن لا إله إلا الله» وذكرنا الأذان وأخرجه النسائي من حديث حجاج عن ابن جريح وفيه فقفل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حنين فلقيه في بعض الطريق فظللنا نحكيه ونهزأ به فأرسلهم كلهم وفيه: " ثم قال ارجع فأدره صوتك " وحكى أبو داود أن أبا محذورة، كان لا...... ولا يعرفها لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مسح عليها وفي الباب طرق أخر، فيها ضعيف نتركها لضعفها وطولها. وأبو محذورة: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبعدها ذال معجمة مضمومة وراء مفتوحة وتاء تأنيث واسمه: سمرة بن معيز بكسر الميم وسكون العين المهملة بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم راء قيل اسمه سلمان، وقيل: مسلمة وقيل أوس بن معين بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح. م: (ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير) ش: أي وحجتنا أن لا ترجيع في الآحاد والمشاهير، وهو جمع مشهور منها حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع وقد تقدم، ومنها ما رواه أبو داود
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالنسائي من حديث شعبة قال سمعت أبا جعفر مؤذن مسجد العربان - في مسجد بني هلال - يحدث عن مسلم أبي المثنى مؤذن المسجد الجامع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين مرتين والإقامة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة فكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة» . ورواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " وهذا دليل صريح على أنه لم يكن فيه ترجيع. ورواه أبو عوانة في " مسنده " بلفظ: «مثنى مثنى والإقامة فرادى» . ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي حدثنا أبو جعفر بن الفضيل حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة بقوله أنه سمع أباه أبا محذورة يقول «ألقى علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان حرفا حرفا الله أكبر، الله أكبر إلى آخره، لم يذكر فيه ترجيعا» . ومنها أذان بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مولى أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفرا وحضرا وهو مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإطلاق أهل الإسلام إلى أن توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومؤذن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أن توفي أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير ترجيع، والعجب من الأترازي حيث يقول: ولنا حديث عبد الله بن زيد الذي هو أصل الأذان ولم يذكر فيه الترجيع وهو معنى قول صاحب " الهداية " أنه لا ترجيع في المشاهير، وقد ذكرنا أن المراد من المشاهير الآثار الشهيرة، وهو جمع فوق واحدة لأن حديث عبد الله بن زيد واحد فكيف يطلق عليه المشاهير، وأعجب منه ما ذكره صاحب " الأسرار " وتبعه الأكمل حيث ذكره في شرحه وهو أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمره بذلك لحكمة رويت في قصته وهي أن أبا محذورة كان يبغض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الإسلام بغضا شديدا فلما أسلم أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعرك أذنه، وقال له «ارجع وامدد بها صوتك» إما ليعلم أنه لا حياء من الحق أو ليزيده محبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكرير كلمات الشهادة. قلت: هذا ضعيف فإنه خفض صوته عند ذكر اسم الله أيضا بعد أن رفع صوته بالتكبير، ولم ينقل في كتب الحديث أنه عرك أذنه والمشهور أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالتكرار حالة التعلم فحسن تعلمه، وهو كان عادة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في التعليم فظن أنه أمره بالترجيع.
[زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر]
وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا، ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين؛ «لأن بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الصلاة خير من النوم - مرتين -، حين وجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - راقدا. فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا يا بلال! اجعله في أذانك» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال ابن الساعاتي: هذا التأويل أشبه فإن أبا محذورة أخلص في إيمانه من أن يبقى معه حياء من قومه أو كراهة، لكن ذكر مسلم في حديثه ثم قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يأمرني به وقال: إن أبا محذورة لما لقيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان كافرا وكارها لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأذانه أعاد عليه الشهادة وكررها لتثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين، فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها وفيها من الأذان وليس الأمر كذلك بدليل أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يأمر به بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال ابن الجوزي: لا يختلف في أن بلالا كان لا يرجع ويقال أذان أبي محذورة عليه أهل مكة وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة وهو أولى بوجهين أحدهما: كون العمل على المتأخرين من الأمور. والثاني: أن أذان بلال بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطلع عليه فقرر له، وأذان أبي محذورة بمكة غائب عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فلعله لا يعلم باطنه من الأذان. ونزد عليه أن الشافعي لم يجعله من أركان الأذان بل جعله من سننه على المذهب الصحيح عندهم. فإن قلت: أذان أبي محذورة بعد فتح مكة وحديث عبد الله بن زيد في أول شروع الأذان فيكون منسوخا. قلت: أليس قد رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وبلال يؤذن معه بالمدينة بعد رجوعه إلى أن توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلا ترجيع، فقد أمره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - على الأذان الذي هو أذان عبد الله. وفي " المنافع ": تعارف من زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا - يعني أذان بلال - من غير ترجيع، والعرف ما استقر في النفوس من جملة [......] المنقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول. م: (وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا) ش: أي وكان ما رواه الشافعي من حديث أبي محذورة لأجل التعليم له حيث كرره له فظنه أبو محذورة أنه ترجيع وهو في أصل الأذان، وقد مر الكلام فيه مستوفى. [زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر] م: (ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح ... ) ش: أي المؤذن بالقرينة الحالية والمقالية دلت عليه فلا يكون إضمارا قبل الذكر م: (في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين؛ لأن بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال الصلاة خير من النوم حين وجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راقدا فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ما أحسن هذا يا بلال! اجعله في أذانك» ش: هذا الحديث رواه الطبراني في " معجمه الكبير " حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا يعقوب بن حميد ثنا عبد الله بن وهب عن يوسف بن يزيد عن أبي هريرة
وخص الفجر به؛ لأنه وقت نوم وغفلة، والإقامة مثل الأذان، إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح: قد قامت الصلاة، مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء، ـــــــــــــــــــــــــــــQعن حفص بن عمر عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه أتى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصبح فوجده راقدا فقال: الصلاة خير من النوم مرتين فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك» . وأخرجه الحافظ أبو الشيخ في " كتاب الأذان " ثم حدثنا عبدان حدثنا محمد بن موسى الجرشي حدثنا خلف الحزان يعني البكاء قال: قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «جاء بلال إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصلاة فوجده راقدا قد أغفل فقال: الصلاة خير من النوم فقال " اجعله في أذانك إذا أذنت للصبح " فجعل بلال يقولها إذا أذن للصبح» . وروى ابن ماجه في " سننه " حدثنا عمر بن رافع حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن بلال «أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه لصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين الفجر» فثبت الأمر على ذلك. وروى ابن خزيمة في " صحيحه " والدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث ابن سرين عن أنس قال: «من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم» . م: (وخص الفجر به) ش: أي بقوله الصلاة خير من النوم. م: (لأنه) ش: أي لأن الفجر. م: (وقت نوم وغفلة) ش: لأن آخر الليل يحلى النوم ولا سيما إذا سهر أول الليل. م: (والإقامة مثل) ش: أي مثل الأذان في هيئته. م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن المؤذن. م: (يزيد فيها) ش: أي في الإقامة. م: (بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء) ش: يعني أقام بعد حد الأذان مثنى وفرادى بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين. وروى أبو داود بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: الصلاة ثلاثة أحوال، قال: وحدثنا أصحابنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة، حتى لقد هممت أن أبث رجلا في الدور ينادون بخير الصلاة حتى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون المسلمين بخير الصلاة حتى يقضوا وكادوا أن ينقضوا " فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرجلا كان عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس: قال - ابن المثنى - بعد إدراك خير أو لم يقل عمر وأخذ فَمُر بلالا فليؤذن قال: فقال عمر: أما أنا فقد رأيت مثل الذي رأى ولكن لما سبقت استحييت» . وأخرجه أحمد في " مسنده " مطولا وفيه إني رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قاله غيره أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " علمها بلالا " فكان بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أول من أذن بها. الحديث. قوله: ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار. قوله: أحلت الصلاة ثلاثة أحوال، أي غيرت ثلاث تغيرات أو حولت ثلاث تحويلات، وقد فسرها كما ينبغي في " مسند أحمد " وفيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أحلت الصلاة ثلاثة أحوال فإنها أحوال الصلاة فإن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله عز وجل أنزل عليه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 55) فتوجه إلى مكة فهذا حول وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقضوا أو كادوا أن ينقضوا ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «يا رسول الله إني رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران إلى قوله فكان بلال أول من أذن بها كما ذكرنا عن قرب قال فمضى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه قد طاف بي» وهذا حولان. قوله: وحديث أصحابنا إن أراد به الصحابة فهو قد سمع من جماعة من الصحابة فيكون الحديث مسندا وإلا فهو مرسل قاله المنذري. قلت: بل أراد به الصحابة صرح بذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران، فقام على حائط فأذن مثنى مثنى» وأخرجه البيهقي في " سننه " عن وكيع به قال في " الإمام ": وهذا رجاله رجال الصحيحين، وهو متصل على مذهب الجماعة في عدالة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأن جهالة أسمائهم لا تضر.
وهو المشهور، ثم هو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في قوله: إنها فرادى فرادى، إلا قوله: قد قامت الصلاة مرتين. ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله: أو من المؤمنين شك من الراوي قوله: أن أبث أي لا فرق من البث وهو النشر وكلمة أن مصدرية. قوله: في الدور أي القبائل. قوله: يجيء الصلاة أي بوقتها. قوله: على الآطام: جمع أطم بضم الهمزة والطاء وهو بناء مرتفع وآطام المدينة أبنيتهما المرتفعة. وفي الصحاح: الآطام: حصون أهل المدينة. قوله: حتى نقض بفتح القاف من النقض وهو الضرب بالناقوس. قوله: أو كادوا أن ينقضوا بضم القاف لأنه من نَقَضَ يَنْقُضُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ وهو شك من الراوي والمعنى أو قربوا من نفس الناقوس؛ لأن كاد من أفعال المقاربة. قوله فجاء رجل من الأنصار هو عبد الله بن زيد الأنصاري وهو مفسر به في حديث أحمد. قوله: كان عليه ثوبين أخضرين وفي رواية أحمد كما ذكرنا كان عليه ثوبان أخضران وهو القياس، لأن ثوبين فاعل كان وهو اسمه فيكون مرفوعا وخبره قوله عليه ووجهه رواية أبي داود وأن صحبا أن يكون كان زائدة وهي أي التي لا تخل بالمعنى الأصلي ولا يعمل في شيء أصلا، ويكون نصب ثوبين بالفعل المقدر والتقدير: رأيت رجلا ورأيت عليه ثوبين أخضرين. قلت: إذا كان بالتشديد لا يحتاج إلى هذه المكلفات اللهم إذا صحت الرواية فكان الناقض قوله ثم قعد قعدة بفتح القاف لأنه للمرة هاهنا وأما القعدة بالكسر فللهيئة. قوله: قال ابن المثنى هو محمد بن المثنى أحد مشايخ أبي داود. وقوله: ولم يقل عمرو هو عمرو بن مروان أحد شيوخ أبي داود. قوله: فمر بلالا من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخاطب به عبد الله بن زيد الأنصاري. قوله: فقال هو عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أما أنا بفتح الهمزة في أنا وبكسرها في إني سمعت على صيغة المجهول. قوله: استحييت أن أذكر ما يأتي. فإن قلت: من هو الملك الذي قال المصنف هكذا فعل الملك النازل. قلت: قد قيل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.... غيره والأول أظهر. م: (وهو المشهور) ش: أي قيل الملك النازل من السماء هو المشهور وفيه من تكرار كلمات الإقامة كما في قوله قد قامت الصلاة مرتين. م: (ثم هو حجة على الشافعي في قوله: إنها فرادى فرداى، إلا في قوله قد قامت الصلاة مرتين)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQش: أي ثم فعل الملك النازل من السماء في الإقامة مثنى مثنى حجة على الشافعي في قوله أن الإقامة فرادى فرادى بضم الفاء جمع فرد على غير القياس كأنه جمع فردان والفرد الوتر. قوله: إلا قد قامت الصلاة يعني هي مرتان وبه قال أحمد. وقال الشافعي في القديم ثم لفظ الإقامة أيضا مرة، وبه قال مالك لما روي عن أبي محذورة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى فرادى» «وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: كان الأذان في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين مرتين والإقامة فرادى فرادى» . ولما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بلالا أن يشفع فيه ويوتر في الإقامة» . ولأن المقصود بالأذان الإعلام ومع تكراره أبلغ والمقصود من الإقامة إقامة الصلاة بالإفراد أعجل لإقامتها. ولنا ما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري ومشاهير أحاديث كبار الصحابة وما رواه محمول على الجمع بين الكلمتين في الإقامة والتفريق بينهما في الأول، وعلى إتيان قوله بحيث لا ينقطع الصوت لما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مر بمؤذن أوتر الإقامة فقال له اشفعها لا أبا لك كذا في " المحيط "، وما ذكروا من قولهم وبالإفراد إذا عجل يعني أسر إلى الشروع [......] بقد قامت وروي عن النخعي أنه قال: أول من أفرد معاوية وقال مجاهد: كانت الإقامة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى حتى استحقه بعض أمراء الجواز لحاجة. فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان عن ابن عمر قال: كان الأذان الحديث ذكرناه الآن وحديث أبي محذورة الذي احتج به الشافعي المذكور آنفا أخرجه الدارقطني في " سننه " وأخرج ابن ماجه عن معمر - بتشديد الميم - ابن محمد بن عبد الله بن أبي رافع حدثني أبي محمد عن أبيه عبد الله قال: «رأيت بلالا يؤذن بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى ويقيم» . وأخرج الدارقطني عن سلمة بن الأكوع قال: «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى والإقامة فرادى» . وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عون عن ابن أبي حنيفة عن أبيه قال «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى والإقامة مرة واحدة» . قلت: قد قلنا أحاديث مشاهير الصحابة مثل ما ذهبنا إليه، فهذا الترمذي روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال: «كان أذان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شفعا شفعا في الأذان والإقامة» وروى أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان» . وقال النسائي فيه: «ثم عدها أبو محذورة تسع عشرة كلمة» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ولفظه: «فعلمه الأذان والإقامة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمثنى مثنى» وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه ". فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث عندي غير محفوظ بوجوه أحدها أن مسلما لم يخرجه، ولو كان محفوظا لم يتركه لأن هذا الحديث قد رواه هشام الدستوائي عن عامر الأحول دون ذكر الإقامة كما أخرجه مسلم في " صحيحه ". والثاني: أن أبا محذورة قد روي عنه خلافه. والثالث: أن هذا الخبر لم يدم عليه أبو محذورة، ولا أولاده ولو كان هذا حكما ثابتا لما فعل بخلافه. قلت: عدم تخريج مسلم إياه لا يدل على عدم صحته، لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح، ويتعين العدد بتسعة عشر وسبعة عشر ينفي الغلط في العدد بخلاف غيره من الروايات لأنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط وأيضا قد وجدت متابعة لهما. ثم في رواية عن عامر كما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروة عن عامر بن عبد الواحد عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة» . والجواب عن الثالث أن هذا داخل في باب الترجيح لا في باب التضعيف؛ لأن عمدة التصحيح عدالة الراوي وترك العمل بالحديث لوجود ما هو أرجح منه لا يلزم منه ضعفه ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة يحكم بصحتها إذا كانت رواتها عدولا ولا يعمل بها لوجود الناسخ، وإذا قال الأمر إلى الترجيح فقد يختلف الناس فيه. قلت: وله طريق أخرى عند أبي داود أخرجه عن ابن جريج عن عثمان بن السائب وفيه «وعلمني الإقامة مرتين» ثم ذكرها مفسرة، وله طريق آخر عند الطحاوي أخرجه عن شريك بن عبد العزيز بن رفيع قال سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى. وقال [في] الإمام عن يحيى بن معين عن عبد العزيز بن رفيع ثقة، وحديث [آخر] أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن حماد عن إبراهيم عن الأسود «أن بلالا كان يثني الإقامة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوكان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير» . ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني في " مصنفه " والطحاوي في " شرح الآثار ". فإن قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق " والأسود: لم يدرك بلالا. قلت: قال صاحب " التنقيح ": وفيما قاله نظر. وقد روى النسائي للأسود عن بلال حديثا. وحديث آخر أخرجه الدارقطني في " سننه " بإسناده إلى بلال «أنه كان يؤذن للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثني مثنى، ويقيم مثنى مثنى» وفيه زياد البكاء وثقه أحمد، وقال أبو زرعة: صدوق واحتج به مسلم. ويرد بهذا تعليل ابن حبان في كتاب " الضعفاء " هذا الحديث بزياد وأيضا روى الطحاوي من حديث وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن مجمع بن حارثة عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع أن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يثني الأذان والإقامة. حدثنا محمد عن خزيمة ثنا محمد بن سنان ثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم قال: كان ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يؤذن مثنى ويقيم مثنى. حدثنا يزيد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا فطر بن خليفة عن مجاهد قال: في الإقامة مرة مرة إنما هو شيء أحدثه الأمراء وأن الأصل التثنية. قلت: قد ظهر لك بهذه الدلائل أن قول النووي في " شرح مسلم ": وقال أبو حنيفة الإقامة سبعة عشرة كلمة. وهذا المذهب شاذ. قلت: رأيه لا يلتفت إليه، وكيف يكون شاذا مع وجود هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة؟ فإن قلت: قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلال الحديث في حكم المرفوع. وقال النووي قول الصحابي أمرنا هكذا ونهينا عن كذا وأمر الناس بكذا ونحوه كلمة مرفوع سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بعد وفاته. قلت: من الإطلاق هنا وجوه الاحتمالات. قوله: - سواء - اهـ غير مسلم، لجواز أن يقول الصحابي بعد رسول الله أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا ويكون الآمر والناهي أحد الخلفاء الراشدين. فإن قلت: حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس هذا من جهة واحدة، فضلا عن الجهات كلها مع أن الجماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ثم رووا عن طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي محذورة أنه سمع أباه أبا محذورة يقول: إن
[ما يسن في الأذان والإقامة]
ويترسل في الأذان ويحدر في الإقامة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» وهذا بيان الاستحباب، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قلت: قد ذكرنا أن الترمذي وابن خزيمة وابن حبان صححوا هذه اللفظة. فإن قلت: سلمنا أن هذه محفوظة وأن الحديث ثابت، ولكن نقول إنه منسوخ لأن أذان بلال هو آخر الأذانين. قلت: لا نسلم أنه منسوخ لأن حديث بلال إنما كان في أول ما شرع الأذان كما يدل عليه حديث أنس، وأبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة. [ما يسن في الأذان والإقامة] م: (ويترسل في الأذان) ش: الترسل: ترك التعجيل، يقال ترسل في قرابة إذا لم يعجل، ومنه على رسلك: أي أشد وحقيقة الترسيل طلب الرسل، ومنه الرسل وهي الهينة والسكون. م: (ويحدر في الإقامة) ش: من الحدر، وهو السرعة وهو من باب نصر ينصر وفي " الفتاوى الظاهرية " الترسل أن يفصل بين كلمتين، والأحرى أن يفصل بينهما ولا يفصل. ولو ترسل فيهما أو حدر فيه أو ترسل في الإقامة وحدر في الأذان جاز لحصول المقصود. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عبد المنعم بن نعيم ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» وأريد المتغوط، قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول وانتهى. وعبد المنعم هذا ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به وأخرجه الحاكم في " مستدركه " عن عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم به سواء ثم قال: هذا الحديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، ولم يخرجاه، قال الذهبي: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك، وروى أحمد بن عدي «وإذا أقمت فاحذر» بالحاء المهملة وكسر الذال المعجمة أي أسرع قال ابن فارس: كل شيء أسرعت فيه فقد حدرته ولتعلمه أنها الروح والأرواح. وقد روى الأترازي هذا الحديث في شرحه وقال رواه الترمذي وغيره ولم يبين حاله. م: (وهذا بيان الاستحباب) ش: أي هذا الذي ذكر من ترسل الأذان والحدر في الإقامة بيان
ويستقبل بهما القبلة؛ لأن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة، ولو ترك الاستقبال جاز؛ لحصول المقصود، ويكره لمخالفة السنة، ويحول وجهه للصلاة والفلاح يمنة ويسرة؛ لأنه خطاب للقوم فيواجههم به، ـــــــــــــــــــــــــــــQالاستحباب. وفي " الكافي " وسأذكره في المتن مشيرا إلى عدم الكراهة حيث قال: وهذا بيان الاستحباب وفيه نظر. م: (ويستقبل بهما القبلة) ش: أي بالأذان والإقامة، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن السنة في الأذان استقبال القبلة لأن كل واحد منهما مشتمل على الدعاء والثناء والشهادة بالوحدانية والرسالة، وأحسن أحوال الداعين والذاكرين استقبال القبلة ولأنهما يشبهان الصلاة فيستقبل بهما القبلة كما في الصلاة ويجوز أن يكون التبع مقدما كسنة الظهر وحجاب الملوك. م: (لأن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة) ش: بعده في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ وقال فيه «فاستقبل القبلة وقال الله أكبر الله أكبر» أخرجه أحمد في " مسنده " وأبو داود في " سننه ". قوله مستقبل القبلة حال من الضمير الذي في أذن. م: (ولو ترك الاستقبال) ش: أي استقبال القبلة. م: (جاز لحصول المقصود) ش: وهو الإعلام. م: (ويكره لمخافة السنة) ش: أراد بالسنة ما روي من حديث الرؤيا الذي تقدم. م: (ويحول) ش: أي المؤذن وليس بإضمار قبل الذكر للعلم به. م: (وجهه للصلاة والفلاح) ش: يعني عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح. م: (يمنة ويسرة) ش: بسكون الميم في يمنة وسكون السين في يسرة وبفتح الأول فيهما، والميمنة خلاف الميسرة وهما منصوبان على الظرفية. وقيل: فيه لف ونشر مرتب وذلك لأن يمنة يرجع إلى حي على الصلاة ويسرة يرجع إلى حي على الفلاح، وقيل كل واحد من الميمنة والميسرة ينصرف إلى الصلاة والفلاح، جميعا بأن يقول حي على الصلاة يمنة ثم يقول يسرة حي على الفلاح يمنة ثم يقول يسرة وقيل الأصح هو الأول. م: (لأنه خطاب للقوم فيواجههم به) ش: فيه. فإن قلت: فإن كانت أذان المواجهة للقوم كان ينبغي أن يوجه من كان وراءه م القوم لأنهم يخصون به. قلت: في ذلك استدار للقبلة والنفي فيه بما يحصل لهم من بلوغ الصوت عند تحويل الوجه يمنة ويسرة. وعن الخلال: لو صلى وحده لا يحول والصحيح أنه تحول لأنه سنة فيؤتى بها على
وإن استدار في صومعته فحسن ـــــــــــــــــــــــــــــQكل حال، قالوا لو أذن لمولود يؤتى به يحول وجهه يمنة ويسرة كذا في " المحيط " وذكر التمرتاشي أنه لا يحول في الإقامة إلا لأناس ينظرون. م: (وإن استدار في صومعته فحسن) ش: أي وإن استدار المؤذن في صومعته وهي الموضع العالي على رأس المئذنة يقف فيها المؤذن يؤذن. وقال الأترازي: الصومعة ما على رأس المنارة من المئذنة. قلت الصومعة في الأصل للنصارى والواو فيه زائدة والشيء الدقيق المحدد الرأس يسمى مصمعا، ومنه الصومعة لأنها دقيقة الرأس. وروى حوقلة وقال الأكمل: واستدار في صومعته فهو ظاهر قلت: الظهور من أين أتى والكلام في الاستدارة حسن والحسن يرجع إلى شيء آخر في نفس الأمر. أما الأول فقد روى الترمذي حدثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وأصبعاه في أذنيه» وقال الحديث حسن صحيح. فإن قلت: روى أبو داود من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وهو في قبة حمراء من أدم» . الحديث وفيه «رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر» . وقال البيهقي الاستدارة في الأذان ليست من الطرق الصحيحة في حديث أبي جحيفة ونحن نتوهم بأن سفيان رواه عن حجاج بن أرطاة عن عروة، والحجاج غير محتج به. وعبد الرزاق وهم فيه، ثم أسند عن عبد الله بن وليد عن سفيان به وليس فيه الاستدارة. وقد رويناه من حديث قيس بن الربيع عن عون فيه وفيه ولم يستدر قلت: كونه مخرجا في " الصحيح " غير لازم. وقد صححه الترمذي كما ذكرناه وهو أتمه اللسان، وأما نسبة الوهم إلى عبد الرزاق متروك بمتابعة مؤمل إياه، كما أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " عن مؤمل عن سفيان به نحوه وتابعه أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أبو نعيم في " مستخرجه " على " كتاب البخاري " وإن توهمه أن سفيان سمع من حجاج بن أرطاة فقد جاء مصرحا به مما أخرجه الطبراني عن يحيى بن آدم عن سفيان عن عروة بن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت بلالا أذن فأصبع فاه هاهنا وهاهنا. وقال يحيى قال سفيان: كان حجاج بن أرطاة يذكر عن عون أنه قال: واستدار في أذانه فلما لقينا عونا لم يذكر فيه واستدار. وأيضا فقد جاءت الاستدارة من غير جهة الحجاج. أخرجه الطبراني أيضا عن زيد بن عبد الله عن إدريس الأودي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحضرت
ومراده إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا، مع ثبات قدميه مكانهما كما هو السنة بأن كانت الصومعة متسعة، فأما من غير حاجة فلا، والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه، بذلك أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة فقام بلال فأذن وجعل أصبعيه في أذنيه وجعل يستدير» . وأخرج أبو الشيخ الأصبهاني «أن بلالا أذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبطحاء فجعل فوضع أصبعيه في أذنيه، وجعل يستدير يمينا وشمالا» . وأخرج ابن ماجه بلفظ يخالف عن حجاج بن أرطاة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأبطح وهو في قبة حمراء فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه وجعل أصبعيه في أذنيه» . وفي " سنن الدارقطني " من حديث كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أمر أبا محذورة أن يستدير في أذانه» . وأما الكلام في الثاني وهو قوله فحسن يحتمل أن يكون معناه وإن استدار في صومعته، فأذانه أحسن ويحتمل أن يكون معناه فاستدارته وهو أقرب في الوجه. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يقول إن استدار في صومعته فسنة للأحاديث التي ذكرناها. قلت: لما كان فيه تفصيل على مسائل لم يحسن على أن الحسن من لوازم السنة فذكر اللازم وأراد الملزوم فافهم. م: (ومراده) ش: أي مراد محمد بن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير " في قوله وإن استدار فحسن. م: (إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا مع ثبات قدميه مكانهما) ش: يعني إذا لم يستطع إخراج رأسه من الصومعة بدون الاستدارة مع ثبات قدميه. م: (كما هو السنة) ش: يعني كما هو تحويل الوجه في الأذان يمينا وشمالا بدون الاستدارة، وعدم الاستدارة يدل على ثبات القدمين ثم بين المصنف اتساع الصومعة بقوله. م: (بأن كانت الصومعة متسعة) ش: لأن عند الاتساع لا يمكن الاستدارة مع ثبات القدمين. م: (فأما من غير حاجة فلا) ش: أي ما في غير حاجة الاستدارة فلا يكون حسنا وهذا إنما يكون إذا كانت الصومعة صغيرة بحيث يمكن تحويل الوجه وإخراج الرأس فيها يمينا وشمالا مع ثبات القدمين، وبه قال النخعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد في رواية. وقال ابن سيرين يكره الالتفاف، وهو قول الإمام مالك إلا أن يريد إسماع الناس. وعند الحسن والشافعي لا يستدير. م: (والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه، بذلك) ش: أي يجعل أصبعيه في أذنيه. م: (أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن
ولأنه أبلغ في الإعلام فإن لم يفعل فحسن؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQعبد الرحمن بن سعيد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بلالا أن يجمع أصبعيه في أذنيه وقال: " إنه أرفع لصوتك» وأخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن عبد الله بن عمار بن سعد القرظي حدثني أبي عن جدي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه، وقال: " إنه أرفع لصوتك» مختصرا، وسكت عنه. وأخرجه الطبراني في " معجمه " من حديث بلال «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك» . وقال ابن القطان: عبد الرحمن هذا وأبوه وجده كلهم لا يعرف لهم حال. وقال السروجي في " الغاية ": روى ابن حبان «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه» . قلت: ليس هذا بابن حبان صاحب " الصحيح " وإنما هو ابن حيان بالياء آخر الحروف وهو أبو الشيخ الأصبهاني رواه في كتاب الأذان وأبو حاتم بن حبان بالباء الموحدة صاحب " الصحيح ". وروى أبو بكر بن خزيمة من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «رأيت بلالا يؤذن وقد جعل أصبعيه في أذنيه» . وروى أبو الشيخ الأصبهاني في " كتاب الأذان " عن زيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: «اهتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأذان بالصلاة» . الحديث وفيه: «حتى إذا كان قبيل الفجر رأيت رجلا عليه ثوبين أخضرين وأنا بين النائم واليقظان فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى» . الحديث ويزيد بن أبي زياد متكلم فيه. م: (ولأنه) ش: أي ولأن جعل أصبعيه في أذنيه. م: (أبلغ في الإعلام) ش: لأنه أندى لصوته، كما ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه فائدة أخرى وهي أنه إنما لا يسمع صوت الأذان والإقامة لصمم أو لبعد فيستدل بوضع أصبعيه على أذنيه على ذلك وإن جعل يديه على أذنيه فحسن لأن في حديث أبي محذورة ضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه. ورواه أحمد ومثله عن ابن عمر وحكاه في " المغني ". وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنيه فحسن. م: (وإن لم يفعل فحسن) ش: قال صاحب " الدراية " أي الأذان حسن لا ترك الفعل لأنه أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فلا يليق به أن يوصف تركه بالحسن لكن لما لم يكن من السنن الأصلية لم يؤثر زواله في زوال حسن الأذان فكان معناه أن الأذان به أحسن ومع تركه حسن، وتبعه الأكمل على ذلك وقال السروجي: إن الأذان بدونه أحسن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقال تاج الشريعة قريبا منه، ثم قال: وإنما كان كذلك لأنه ليس من السنن المشهورة في الأذان وهو غير مذكور في حديث الرؤيا وهو السبب الظاهر فشرع الأذان والكل أخذوه من كلام السغناقي وإسناد الحسن إلى الأذان مذكور في " الفوائد الظهيرية " قال الشيخ نظير هذا ما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار «إن عادوا فعد» أي عادوا إلى الإكراه فعد إلى تخليص نفسك لا لسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني به يظهر من حيث إن العدول بالضمير عن الظاهر إلى مدلول الظاهر. وقال الأترازي: ويجوز أن يقال إن الأفضل جعل الإصبعين في الأذنين وذاك يقتضي الفاضل والفاضل حسن، فإذا كان فعله أفضل يكون تركه فاضلا حسنا. قلت: الكل أخرجوه من الدائرة، لأن التركيب وإن كان غريبا فلا يقتضي معناه هذا لتأويلات بيانه أن قوم لم يفعل فيه ضمير مرفوع يرجع إلى المؤذن ومفعوله محذوف. والتقدير: وإن لم يفعل المؤذن جعل أصبعيه في أذنيه. وقوله: فحسن جواب الشرط تقديره فهو حسن والمعنى عدم فعله حسن لأن الجزاء يترتب على الشرط، والشرط هنا عدم الفعل. فكيف يكون ذا حسن؟ فيكون نظير ما ذكروا إن لم يفعل خيرا فالماء موجود وهذا في غاية الهجانة. وقوله من قال لم يكن من السنن الأصلية إلى آخره غير موجه لأن مراد هذا القائل أن السنة على نوعين: سنن أصلية، وسنن فرعية. وهذا لم يقل به أحد بل كما أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ فعله سنة أصلية وكيف لا يكون من السنن الأصلية؟ وقد روى جماعة من أهل الحديث أخبارا كثيرة وفيها أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك. وقد ذكرنا نبذة من ذلك. وقال السروجي: أي الأذان بدونه حسن أيضا غير موجه لأنه كيف يكون بدونه حسنا، وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل بذلك أحد. وكذلك قول تاج الشريعة: لأنه ليس من السنن المشهورة في الأذان غير سديد، لأنه كيف لا يكون من السنن المشهورة وقد رواه جماعة من الصحابة. وقول السغناقي وأشار الحسن الأذان مذكور في كلام " الفوائد الظهيرية " كلام لا طائل تحته؛ لأن نسبة الحسن إلى الأذان غير مستبعد ولا مستغرب حين ثبت ذلك في " الفوائد الظهيرية ". ثم قوله: وقال الشيخ إلى آخره كلام واه ولا يخفى ذلك على من له أدن ذوق من أحوال التركيب، وكيف يكون نظير هذا ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن عادوا فعد» ، لأن معناه إن عاد الكفار أي أكثر أهل ما يتكلم بكلمة الكفر فعد إليها، وأنت مطمئن بالإيمان. وتفسره بقوله إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى تخليص نفسك تأويل بعيد. ولئن سلمنا أن تقدير الخبر مثل ما قال، ولكنه لا يقدر على تخليص نفسه بالإتيان ما هو أكرهوه به من أي مكان.
لأنها ليست بسنة أصلية، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقول الأترازي ويجوز أن يقال إلى آخره خارج عن الدائرة بالكلية، لأن الذي ذكره قط لا يقتضي التركيب فكأنه لمح ما قاله من قول المصنف. والأفضل للمؤذن أن يجعل، وذلك لأن الأفضل أفعل التفضيل وهو يقتضي الفاضل فإذا كان فعله ذاك أفضل كان فاضلا ونحن نقول تركه غير فاضل لأنه مأمور به. فكيف يكون تركه فاضلا ولا مخلص هاهنا إلا أن يقول تقدير التركيب وإن لم يفعل وضع أصبعيه في أذنيه بل وضعهما عليهما فحسن ذلك لأنه روى أحمد في حديث أبي محذورة ضم أصابعه الأربعة ووضعها على أذنيه. وقد ذكرنا هذا فيما مضى، وذكرنا أيضا أن أبا يوسف روى عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنيه حسن فهذا يزيل الإشكال. م: (لأنها ليست بسنة أصلية) ش: أي لأن هذه الفعلة ليست سنة أصلية قال تاج الشريعة، وغيره لأنه لم يذكر في أصل الحديث وهو حديث الرؤيا. قلت: هذا غير صحيح لأنا قد ذكرنا أن الشيخ الأصبهاني روى حديث عبد الله بن زيد وفيه " فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى "، وقال الأترازي السنة نوعان: الهدى وتاركها مبتدع فلا يكون تركها حسنا وزائدة وتركها لا يكون بدعة لأن الإنسان ينتقل من تركها وفعلها، وما لا يكون بدعة لا يكون حسنا، وهذا معنى قوله لأنها ليست بسنة أصلية، أي: ليست من سنة الهدى إلى آخره. قلت: تفسيره قول المصنف لأنها ليست بسنة أصلية. فقوله: أي ليست من سنن الهدى غير صحيح فإذا لم يكن من سنن الهدى يكون فعله بدعة، ولم يقل به أحد لأنه مأمور به في أحاديث وردت به. وكيف يكون اتصافها بأنها ليست من سنن الهدى؟ بل تفسير كلامه هو الذي ذكرناه ثم اعلم أن ما قد ذكرنا في أول الباب أن للأذان تفسير لغة وشرعا، وثبوت، وسبب، ووصف، وكيفية، ومحل شرع فيه ووقت وسنن وفيما يجب على سامعه. أما الوقت للأذان فدخول وقت المكتوبة. وأما سننه فستة أنواع: نوع يرجع إلى صفة الأذان، ونوع يرجع إلى صفة المؤذن، فالذي يرجع إلى نفس الأذان أن يرتفع المؤذن صوته وجاء في حديث أبي محذورة «ارفع من صوتك ومد من صوتك» وفي حديث عبد الله بن زيد «ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك» ولأن المقصود منه الإعلام وهو أتم فيه ولهذا كان الأفضل أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها لحديث أبي بردة الأسلمي، قال «من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد» . رواه أبو الشيخ الأصبهاني والحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي، ولا ينبغي أن يحمل نفسه لأنه يخاف حدوث الفتق والضعف في الصوت قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبي محذورة أما خشيت أن تفيق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمريطا وهو ما بين السرة والعانة، والمريط، بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف يمد ويقصر. وذكر النووي في " شرح المهذب " ويجهر بالإقامة دون الجهر بالأذان، وأن يفصل بين كملتي الأذان بسكتة بخلاف الإقامة. روى مالك موقوفا قال الجوهري: وعوام الناس يقولون الله أكبر بضم الراء، وكان أبو العباس المبرد: يفتح الراء في الأولى ويسكنها في الثانية فيحركها بالأول لالتقاء الساكنين بقوله تعالى: " أَمِ اللهُ " وذكر ابن بطة عن أبي نعيم النخعي قال ابن شيبان مجزومان كانوا لا يعرفونهما الأذان والإقامة، وحكاه ابن الأنباري: عن أهل اللغة قال: يعني لأهل الكلام بعضه بعض مقدما بل بالإسكان على نية الوقف، لكن يقف في كلمات الأذان حقيقة وفي الإقامة ينوي الوقف. وفي " المجتبى ": المد في أول التكبير كفر وفي آخره خطأ. ولا بأس بالتطريب في الأذان وهو تحسين الصوت من غير تغيير وإن تغير لحن وإن مد كره، وعن الحلواني: إنما يكره التلحين في الثناء دون الدعاء والفلاح، وإذا كره التلحين في الأذان ففي قراءة القرآن أولى أن يترتب بين كلمات الأذان والإقامة حتى لو قدم البعض على البعض يعيد [......] ، ثم يؤذن وكذا لو ثوب بين الأذان والإقامة في الفجر يظن أنه في الإقامة فأتمها. ثم تذكر قبل الشروع في الصلاة فالأفضل أن يأتي بالإقامة من أولها إلى آخرها، ولو أذن فظنه الإقامة ثم علم بعد الفراغ فالأفضل أن يعيد الأذان وليستقبل الإقامة مراعاة للموالاة، وكذا إذا أخذ في الإقامة فظن أنها الأذان ثم علم يبتدئ بالإقامة فإن علم بعد قوله قد قامت الصلاة أنه في الأذان يتم الأذان ثم يقيم. وفي " المحيط " لو جعل الأذان الإقامة لا يستقبل ولو جعل الإقامة، أذانا استقبل وفي " البدائع " لو غشي عليه في الأذان والإقامة ساعة أو ارتد عن الإسلام - والعياذ بالله - ثم أسلم أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فالأفضل هو الاستقبال، ولو أذن ثم ارتد فإن تبادر أعاد وإن لم يبادر اعتدوا به بحصول الإعلام به. ويكره له أن يتكلم في أذانه وإقامته، لأنه ذكر معظم كالخطبة، قال الأوزاعي: لم نعلم أحدا مقتدى به فعله، ورخص فيه الحسن وعطاء وقتادة وعروة. وروى عن سليمان بن حرب حكى عنه الأثرم أن اليسير من الكلام جائز دون الطويل وعن أحمد إباحته في الأذان دون الإقامة وأبطله الزهري بالكلام وهو ضعيف، ويكره له رد السلام فيه، وقال النووي: يرده وأن يؤذن قائما للجماعة ويكره أذان القاعد. قال صاحب " المحيط " والإسبيجابي والوتري: القيام سنة أذان الجماعة ويكره تركه من غير عذر وبه قال عطاء، وقال الإمام مالك: لم أر أحدا فعله وإن أذن لنفسه فلا بأس بأن يؤذن قاعدا من غير عذر موافقا لسنة الأذان وعدم الحاجة إلى إعلام الناس ولا بأس أن يؤذن راكبا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أذن يا أخا صداء قال وأنا راكب على راحلة فأذنت» رواه
[شروط المؤذن]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالطبراني. وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر كان يؤذن على البعير وينزل للإقامة، ويكره في ظاهر الرواية في الحضر أن يؤذن راكبا، وعن أبي يوسف لا بأس به. ثم المؤذن يختم الإقامة على مكانه ويتمها ماشيا، اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يختمها على مكانه سواء كان المؤذن إماما أو غيره، كذا روي عن أبي يوسف وقيل يتمها ماشيا. وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني فيه إذا بلغ قد قامت الصلاة فهو بالخيار إن شاء مشى وإن شاء وقف إماما كان أو غيره، وبه أخذ أبو الليث وما روي عن أبي يوسف أصح ذكره في " البدائع " ويكره أن يؤذن في مسجدين لأن التنقل بالأذان غير مشروع. والثاني نافلة وفي " الذخيرة " أذن رجل وأقام آخر إن غاب الأول لا يكره وإن كان حاضرا ويلحقه الوحشة بذلك يكره. وفي " القدوري " إن أذن واحد وأقام آخر فلا بأس به وروي عن أبي حنيفة أنه يكره من غير فصل. وإن رضي به لا يكره عندنا. وفي " الوبري " الذي أذن أولى بالإقامة والحق له. وإن أقام غيره بإذنه جاز. فإن قلت: روى الترمذي وابن ماجه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم» . قلت: في رواته عبد الرحمن الأفريقي ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. وقال أحمد: لا أكتب حديثه الأفريقي واسم الصدائي يزيد بن الحارث. وقيل زياد نسبة إلى الصدا بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد وهو حي من اليمن. وقال الشافعي يستحب أن يكون المؤذن هو الذي يقيم. [شروط المؤذن] 1 وأما الذي يرجع إلى المؤذن، فهو أن يكون ذكرا بالغا عاقلا صحيحا تقيا عالما بالسنة، ومواقيت الصلاة جهرا بصوت مواظبا على الأذان في الصلوات الخمس ولا يستأجر عليها، ولو فعل لا يستحق الأجرة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعثمان بن أبي العاص، «وإن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وبه قال الأوزاعي وأحمد وابن المنذر. ورخص فيه مالك وبعض الشافعية ولو علموا حاجته فلا بأس بأن يعينوه من غير شرط، ولو قسم القوم لم يجيز ولو فعلوا ذلك ضربوا بينهما حائطا وصار مسجدين، ويشترط أن يكون لكل واحد إمام ومؤذن وإن أذن صبي لا يعقل أو مجنون يعاد، لأنه لم يعتد به كصوت الطير ولا يعاد
[ما يستحب لمن سمع الأذان]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأذان الصبي العاقل. وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في غير ظاهر الرواية أنه قال: أكره أن يؤذن من لم يحتلم، لأن الناس لا يعتدون بأذانه. وبه قال مالك والثوري، ورخص عطاء والشعبي وابن أبي ليلى فيه ويكره أذان السكران ويستحب إعادته، وكذا يكره أذان الفاسق ولا يعاد وإن اشترط عليه أجرا فهو فاسق. وفي العبد والأعرابي وولد الزنا والأعمى وغيرهم أحب، ذكره في " الذخيرة " " والبدائع " وفي " المحيط " يكره أذان الأعمى وبه قال الشافعي، وقال النووي لا يصح أذان الأعمى عند أبي حنيفة وداود ومالك والشافعي. قلت: نقله عن أبي حنيفة غير صحيح. فإن قلت: ابن أم مكتوم أحد مؤذني الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان أعمى. قلت: هو كان يعرف الوقت بأذان بلال لأنه كان إذا نزل بلال صعد هو. وأما الذي يرجع إلى سامعه فهو أنه يجب عليه الإجابة. قال بعضهم: الإجابة بالقدم لا باللسان، وهو المشي إلى المسجد ولو كان حاضرا في المسجد حين سمع الأذان فليس عليه إجابة، فإن قال ما يقوله نال الثواب، وإن لم يقله فلا إثم عليه ولا يكره له ذلك. [ما يستحب لمن سمع الأذان] 1 وفي " قاضي خان " يستحب لمن سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وفيه وفي " الذخيرة " إلا عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول عند هاتين الكلمتين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله حي على الفلاح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وعند قوله الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت. وجه الوجوب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا سمعتم الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه الجماعة من حديث أبي سعيد الخدري، وعن معاوية مثله إلى قوله أشهد أن محمدًا رسول الله وإذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله رواه البخاري. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «إذا سمعتم الأذان» مثل رواية معاوية رواه مسلم وحديث عمرو ومعاوية تفسير حديث الخدري وبه قال مالك والشافعي. ومنهم من قال: يقول في الكل مثل ما يقول المؤذن منهم الخرقي، وروى غيره أن أحمد معنا. وقيل: يجمع بينهما للحديثين، ولو سمعه في الصلاة قال مالك يقول مثل قوله في التكبير والشهادتين في النافلة دون الفريضة. وهو قول الليث وقال سحنون لا يقوله في فريضة ولا نافلة، وهو قول الشافعي. وروى أبو مصعب عن مالك يقوله فيهما. وقال الطحاوي عن
[التثويب في أذان الفجر]
والتثويب في الفجر: حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة ـــــــــــــــــــــــــــــQأصحابنا ما يدل على أنه لا يقوله المصلي لأن كلامه يحرم في الفريضة والنافلة، وفي " المنية " إجابة المؤذن بعد الصلاة، ووجه الاستحباب رواية عبد الله بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «كنا نسمع مناد يقول الله أكبر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الفطرة فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من النار فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة فصلى» . قال الطحاوي: فهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع المنادي فأجاب غير ما قال فدل على أن الأمر للاستحباب وإصابة الفضل ويستحب له أن يتابع المؤذن في ألفاظ الإقامة إلا في الحيعلة وفي كلمة قد قامت الصلاة يقول أقامها الله وأدامها وفي " المفيد " ما دامت السماوات والأرض وفي حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقامها وأدامها. وقال في باب الإقامة بنحو حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأذان، رواه أبو داود. والمتابعة لكل سامع من محدث وجنب وحائض وكبير وكذا الصغير على وجه الاستحباب لأنه ذكر. وكذا في الطواف ويستثنى منه المصلي ومن هو على الخلاء والجماع. وفي " المحيط " " والبدائع " لا ينبغي للسامع أن يتكلم في حال الأذان ويشتغل بالاستماع والإجابة. وفي " المرغيناني " لو كان يقرأ القرآن في المسجد لا يقطع ويقطع في بيته ولا يرد السلام. وفي " الخطبة" يرد سرا وجواب العطسة يكون سرا. ولو سمع مؤذنا بعد مؤذن قال النووي لم أر فيه شيئا لأصحابنا، قال: والمختار أن يقال: يخص الأول، قلنا زيادة الفضل والثواب في المبالغة لا يختص. [التثويب في أذان الفجر] م: (والتثويب في الفجر) ش: أي التثويب في صلاة الفجر، وهو مبتدأ والتثويب في اللغة: الرجوع، ومنه الثواب لأنه منفعة عمله يعود إليه وهو عود إلى الإعلام بعد الإعلام، وتفسيره عند المصنف أن يقول المؤذن. م: (حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة) ش: هذا الذي ذكر محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة، وهذا التثويب محدث أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة لظهور التواني وتغير أحوال الناس ولم يبين التثويب القديم. وفي الأصل كان التثويب في صلاة الفجر بعد الأذان الصلاة خير من النوم مرتين. وفي " المحيط " روي عن أبي حنيفة هكذا. وقال الطحاوي: التثويب القديم للشافعي والمسألة فيما يفتي على القديم وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي في الجديد: أنه بين الأذان والإقامة، وهو المروي عن أبي حنيفة ومحمد. وعن أبي حنيفة قوله الصلاة خير من النوم بعد الأذان لما فيه وهو اختيار أبي بكر بن الفضل البخاري. وفي رواية البخاري عن أصحابنا أنه في الأذان، وكذلك عن الطحاوي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ما أحسن هذا، اجعله في أذانك» .
حسن؛ لأنه وقت نوم وغفلة، وكره في سائر الصلوات، ومعناه ـــــــــــــــــــــــــــــQقال فخر الإسلام البزدوي: الصحيح أنه كان بعد الأذان. م: (حسن) ش: خبر المبتدأ، أعني قوله والتثويب. فإن قلت: هذا الذي ذكره محدث كما قلنا وكيف سمي حسنا؟ قلت: لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» . م: (وكره) ش: أي التثويب بين الأذان والإقامة. م: (في سائر الصلوات) ش: وقال الأترازي: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال «ثوب في الفجر، ولا تثوب في العشاء» . قلت: هذا الحديث لم يرد على هذا الوصف ومع هذا هو لا يصلح دليلا إلا لترك التثويب في العشاء فقط فكيف يستدل بهذا على ترك التثويب في الظهر والعصر والمغرب؟ والذي ورد فيه حديثان ضعيفان: أحدهما: للترمذي وابن ماجه عن أبي إسرائيل عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر» . قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي وليس بالقوي، ولم يسمعه من الحكم، إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم. والثاني أخرجه البيهقي عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب إلا في الفجر» . قال البيهقي: وعبد الرحمن لم يلق بلالا وقال ابن السكن: لا يصح إسناده. ورواه الدارقطني من طرق أخرى عن عبد الرحمن وفيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف. وفي " المبسوط " روى أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى مؤذنا يثوب للعشاء فقال: أخرجوا هذا المبتدع من المسجد. وقال مجاهد: دخلت مع ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مسجدا فصلى الظهر فسمع المؤذن يثوب فغضب وقال: قم حتى تخرج من هذا الموضع هذا المبتدع، وما كان التثويب على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في صلاة الفجر. وفي " الحلية " ولا يستحب في قول الشافعي في غير أذان الصبح. م: (ومعناه) : أي معنى التثويب.
العود إلى الإعلام بعد الإعلام، وهو على حسب ما تعارفوه، وهذا التثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لتغير أحوال الناس، وخصوا الفجر به لما ذكرنا، والمتأخرون استحسنوه في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أرى بأسا أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (العود إلى الإعلام بعد الإعلام) ش: وهذا معناه الشرعي، وفي اللغة التثويب الرجوع مطلقا كما ذكرناه. م: (وهو) ش: أي التثويب م: (على حسب ما تعارفوه) ش: أي ما تعارفه أهل كل بلدة من التنحنح، أو قوله الصلاة، الصلاة أو قوله قامت قامت لأنه للمبالغة في الإعلام وإنما يحصل ذلك بما تعارفوه. م: (وهذا التثويب) ش: إشارة إلى قوله والتثويب في الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين الأذان والإقامة م: (والتثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة) ش: أي بعد زمانهم م: (لتغير أحول الناس) ش: وهو توانيهم وكسلهم في باب العبادة. م: (وخصوا الفجر به) ش: أي خص علماء الكوفة الفجر به التثويب، يعني لم يثوبوا إلا في الفجر خاصة. م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله لأنه وقت نوم وغفلة. م: (والمتأخرون استحسنوه) ش: أي العلماء المتأخرون استحسنوا التثويب م: (في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية) ش: فعلى هذا استحباب المتأخرين أحداثا بعد أحداث وفي " جامع البرهاني " ترك سائر الأوقات في زماننا بتركه وقت الفجر في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: استحسان المتأخرين التثويب في كل الصلوات ليس بلفظ معين، ولا شرطوا غير ذلك اللفظ، بل ما ذكروا متعارف. وفي " شرح مختصر الكرخي " للقدوري ويثوب وهو قائم كالأذان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. قال الحسن: وفيه قول يسكت بعد الأذان ساعة ثم يقول حي على الصلاة حي على الفلاح وبه نأخذ، وإن صلوا ركعتي الفجر بين الأذان والتثويب فلا بأس به. وفي قول أبي حنيفة: وقال ابن شجاع عن أبي حنيفة التثويب الأول في نفس هذا الأذان وهو الصلاة خير من النوم مرتين. والثاني: فيما بين الأذان والإقامة. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أرى بأسا أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله) ش: قول
[الفصل بين الأذان والإقامة]
واستبعده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الناس سواسية في أمر الجماعة، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خصهم بذلك، لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين، كيلا تفوتهم الجماعة، وعلى هذا القاضي والمفتي، ويجلس بين الأذان والإقامة، ـــــــــــــــــــــــــــــQأبي يوسف هذا متعلق بالتثويب المحدث في سائر الصلوات بزيادة اختصاص بمن يكون مشتغلا بأمور المسلمين قال السرخسي والقدوري: عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كثر اشتغاله نصب من يحفظ عليه صلاته. وفي " جامع قاضي خان " ما قاله أبو يوسف في أمراء زمانه لا في أمراء زماننا، لأنهم مشغولون بالظلم لا بأمور المسلمين. م: (واستبعده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي استبعد محمد ما قاله أبو يوسف حتى قال: أنى لأبي يوسف، حيث خص الأمر بالتثويب والذكر ومال إليه. وقيل: إنما استبعده محمد لما بينهما من الوحشة، ويؤيده ما قال في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب ولم يقل عن أبي يوسف، ولكن لا يظن أنه لقي الله وهو كما قال بل تاب ورجع، والبشر لا يخلو عن هذه الحالات كذا في " الحميدية ". م: (لأن الناس سواسية في أمر الجماعة) ش: أي متساوون في أمر الجماعة فلا يختص به الأمراء، وفي " المغرب " يقول هم سواسية أي سواء وهما سيان أي مثلان. وفي " الصحاح " هم سواء فلا يختص به الأمراء. وفي الجمع وأسواء وسواسية أي أشباه مثل ثمانية على غير قياس، وتقول هما في هذا الأمر سوى وإن شئت تقول أسواء وهم سوان للجميع وهم سواسية. م: (وأبو يوسف خصهم بذلك) ش: هذا اعتذار من جهة أبي يوسف، يعني تخصيصه الأمراء بذلك أي يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير إلى آخره. م: (لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين كيلا تفوتهم الجماعة) ش: أي الصلاة بالجماعة. وإنما قيد بقوله بأمور المسلمين لأن الأمراء المشتغلين باللهو والطرب، لا يثوب لهم إلا على وجه الأمر بالمعروف والنصيحة. م: (وعلى هذا) ش: أي عل ما ذكره أبو يوسف من زيادة اشتغال الأمراء بأمور المسلمين م: (القاضي والمفتي) ش: لأنهما مشغولان بأمور المسلمين، القاضي: بفصل الأحكام والمفتي بكتابة الفتاوى والمراجعة إلى الكتب يثوب لهم كيلا تفوتهم الجماعة. [الفصل بين الأذان والإقامة] م: (ويجلس) ش: أي المؤذن م: (بين الأذان والإقامة) ش: أراد أن الوصل بينهما مكروه لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود. وذكر التمرتاشي في " جامعه " أنه يقعد مقدار ركعتين أو أربع أو مقدار ما يفرغ الآكل من
إلا في المغرب، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة؛ لأنه لا بد من الفصل، إذ الوصل مكروه، ولا يقع الفصل بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان، فيفصل بالجلسة كما بين الخطبتين، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التأخير مكروه، فيكتفي بأدنى الفصل احترازا عنه، والمكان في مسألتنا مختلف، وكذا النغمة، فيقع الفصل بالسكتة، ـــــــــــــــــــــــــــــQأكله، والشارب من شربه، والحاقن من قضاء حاجته. وقيل " مقدار ما يقرأ عشر آيات ثم يثوب ثم يقيم كذا في " المجتبى ". وفي " شرح الطحاوي " يفصل بين الأذان والإقامة مقدار ركعتين أو أربع، يقرأ في كل ركعة نحو عشر آيات وينظر المؤذن للناس ويقيم للضعيف المستعجل، ولا ينظر رئيس المحلة، ولا كبيرها، ولا يؤذن إلا في فناء المسجد وناحيته. م: (إلا في المغرب) ش: يعني لا يفصل بين الأذان والإقامة في وقت صلاة المغرب لأن تأخيرها مكروه م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي استثناء المغرب عند أبي حنيفة م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد. م: (يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة) ش: وهي مقدار الجلسة بين الخطبة. م: (لأنه لا بد من الفصل إذ الوصل مكروه) ش: اتفاقا. م: (ولا يقع الفصل بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان فيفصل بالجلسة كما بين الخطبتين) ش: وحاصل المذهب أن العلماء اتفقوا على أنه لا يفصل الإقامة بالأذان، بل يفصل بينهما لكنهم اختلفوا في مقدار الفصل. فعند أبي حنيفة المستحب أن يفصل بينهما بسكتة يسكت قائما ساعة ثم يقيم، ومقدار السكتة عنده قدر ما يتمكن فيه بقراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة. وروي عنه مقدار ما يخطو ثلاث خطوات. وعندهما يفصل بينهما بجلسة خفيفة مقدار الجلسة بين الخطبتين. وذكر الإمام الحلوائي الخلاف في الأفضلية حتى عند أبي حنيفة إن جلس جاز فالأفضل أن لا يجلس، وعندهما على العكس ذكره الإمام التمرتاشي. م: (ولأبي حنيفة أن التأخير مكروه) ش: أي تأخير صلاة المغرب مكروه بلا خلاف. م: (فيكتفي بأدنى الفصل) ش: بين الأذان والإقامة وحده ما ذكرناه عن قريب. م: (احترازا عنه) ش: أي عن التأخير المكروه واحترازا منصوب على أنه مفعول مطلق بتقدير احتراز احترازا ونحو ذلك. م: (والمكان في مسألتنا مختلف) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة عن قولهما في الفصل بين الأذان والإقامة مقدار الجلسة بين الخطبتين، وتقديره أن القياس غير صحيح لأن المكان أي مكان الأذان والإقامة فيما نحن فيه، وهو معنى قوله في مسألتنا مختلف بكسر اللام، لأن مكان الأذان غير مكان الإقامة والمكان بين الخطبتين متحد فلا يقاس عليه. م: (وكذا النغمة) ش: وهي الترسيل في الأذان والحدر في الإقامة شيئان مختلفان. م: (فيقع الفصل) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيقع الفصل بينهما م: (بالسكتة) ش: لوقوعها بين شيئين
ولا كذلك الخطبة. وقال الشافعي: يفصل بركعتين اعتبارا بسائر الصلوات، والفرق قد ذكرناه. قال يعقوب: ـــــــــــــــــــــــــــــQمختلفين. م: (ولا كذلك الخبطة) ش: لأن مكانها متحد فلا يقع الفصل بين الخطبتين بمجرد السكتة لأنها توجد بين كلماتها أيضا فلا بد من الجلسة. م: (وقال الشافعي: يفصل بركعتين) ش: أي يفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين. م: (اعتبارا بسائر الصلوات) ش: أي قياسا عليها، ومذهب الشافعي ما ذكره النووي فإنه قال: ويستحب أن يفصل بين أذان المغرب وإقامتها فصلا يسيرا بقعدة أو سكوت أو نحوها، هذا لا خلاف فيه عندنا. ونقل المصنف عن الشافعي ما ذكره فيه نظر. فإن قلت: ما مقدار الفصل بين الأذان والإقامة في سائر الصلوات غير المغرب. قلت: لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل. وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر مقدار عشرين آية، وفي الظهر مقدار ما يصلح أربع ركعات يقرأ في كل ركعة قدر عشر آيات وفي العصر مقدار ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية، والعشاء كالظهر. وإن لم يصل يجلس مقدار ذلك، وهذا ليس بتقدير لازم فينبغي أن يؤخر الإقامة مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحب. وروى محمد بن حبان الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك وقتا بقدر ما يفرغ المتوضئ من وضوئه في مهل والمتعشي من عشائه» . م: (والفرق قد ذكرناه) ش: هذا إشارة إلى قوله أن التأخير مكروه بخلاف سائر الصلوات فإن التأخير فيها ليس بمكروه، والاشتغال بالركعتين يؤدي إلى التأخير فلذلك لا يفصل بينهما. وعن هذا قلنا أيضا ويتنفل بعد الغروب قبل الفرض لما فيه من تأخير المغرب. وذكر الإمام المحبوبي والمراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بين كل أذانين صلاة ما سوى المغرب. قلت: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن عبد الله بن المغفل قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بين كل أذان صلاة قال في الثالثة: لمن شاء» . وفي لفظ البخاري: «صلوا قبل المغرب ثم قال: صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء» كراهة أن يتخذها الناس سنة وليس فيه هذا المغرب. والذي فيه إلا المغرب رواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " عن ابن حبان بن عبد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن عند كل أذانين ركعتين إلا المغرب» . ورواه البزار في " مسنده "، فقال: لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا حبان بن عبد الله، وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس به. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " ونقل سفيان القلاس أنه قال كان حبان هذا كذابا. م: (قال يعقوب) ش: هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن بحير بن
رأيت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يؤذن في المغرب ويقيم، ولا يجلس بين الأذان والإقامة، وهذا يفيد ما قلناه، وأن المستحب كون المؤذن عالما بالسنة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ويؤذن لكم خياركم» ، ويؤذن للفائتة، ويقيم، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة، ـــــــــــــــــــــــــــــQمعاوية البجلي، وأم سعد حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف، وسعد بن حبتة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وإنما ذكر أبا يوسف باسمه دون كنيته لأنه ذكر محمد في " الجامع الصغير " كذلك حتى لا يتوهم التسوية في التعظيم بين الشيخين بذكر أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (رأيت أبا حنيفة يؤذن في المغرب ويقيم، ولا يجلس بين الأذان والإقامة، وهذا يفيد ما قلناه) ش: أي يفيد ما رواه عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من عدم جلوسه في أذان المغرب ما قلنا، وهو أن لا جلوس عنده في أذان المغرب. م: (وأن المستحب) ش: ويفيد أيضا أن المستحب م: (كون المؤذن عالما بالسنة) ش: أي بأحكام الشرع. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ويؤذن لكم خياركم» ش: هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث حسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» . وفي " الإمام " وروى إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا يؤذن لكم غلام حتى يحتلم وليؤذن لكم خياركم» . ولم يعزه. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لو أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت " والخليفي: الخلافة، وذكره في " الفائق " " والمغربين "، قوله خياركم من كان عالما بأحكام الشرع. م: (ويؤذن للفائتة ويقيم) ش: يعني إذا فاتته صلاة وأراد أن يقضيها يؤذن ويقيم. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة) ش: وروى هذا الحديث أبو هريرة وعمران بن حصين وعمرو بن أمية الضميري وذو مخبر وعبد الله بن مسعود وبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحديث أبي هريرة رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل [ثنا أبان] ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر يعني قصة التعريس قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحولوا من مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة» قال: فأمر بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأذن وأقام وصلى. وحديث عمران [بن حصين] رواه أبو داود أيضا، وفيه «ثم أمر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمؤذنا فأذن وصلى ركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلى الفجر» وحديث عمرو بن أمية رواه أبو داود أيضا وفيه «ثم أمر بلالا فأذان ثم توضئوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم صلاة الصبح» . وحديث ذي مخبر رواه أبو داود أيضا وفيه «ثم أمر بلالا فأذن ثم قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع ركعتين غير عجل، ثم قال لبلال: " أقم الصلاة " ثم صلى وهو غير عجل» . وحديث ابن مسعود رواه ابن حبان في " صحيحه " وفيه «ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى بنا» . وحديث بلال رواه البزار في " مسنده " عن بلال «أنهم ناموا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر حتى طلعت الشمس فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قاموا بلالا فأذن، ثم صلى ركعتين، ثم أقام بلال فصلى بهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر بعدما طلعت الشمس» . فهذه الأحاديث كلها تدل صريحا على الأذان والإقامة معا. واستشهد الأترازي في " شرحه " بحديث أبي قتادة، وكذلك الأكمل في شرحه أخرجه البخاري، وفيه: «قم يا بلال فأذن بالصلاة " فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وأضاءت: قام فصلى بالناس جماعة» قلت: وليس فيه إلا الأذان واستشهادهما به غير واف. فإن قلت: قد جاء في حديث أخرجه النسائي يدل على الاقتصار على الإقامة وهو ما رواه عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال «شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس فأنزل الله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] (الأحزاب: الآية 25) ، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما يصليها لوقتها» . قلت: هذه لا يمنع الأذان، لجواز أن يكون قد اقتصر على بعضهم، والزيادة أولى بالقبول. وفيه إشارة إلى الأذان حيث قال كما كان يصليها لوقتها، وصلاته - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لوقتها بالأذان والإقامة لكل صلاة. ثم اعلم أن - التعريس - هو النزول في آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال منه عرس تعريسا، ويقال فيه أعرس، والمعرس بفتح الراء موضع التعريس. فإن قلت: هذه القصة أين وقعت [وهل] وقعت مرة أو أكثر. قلت: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يدل على أن القصة كانت بخيبر، وبذلك صرح ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، وقالوا إن ذلك كان حين قفل من خيبر، وقال ابن
وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اكتفائه بالإقامة، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، لما روينا وكان مخيرا في الباقي؛ إن شاء أذن وأقام، ليكون القضاء على حسب الأداء، وإن شاء اقتصر على الإقامة. ـــــــــــــــــــــــــــــQعبد البر هو الصحيح. وقيل مرجعه من حنين. وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان عام الحديبية. وفي حديث عطاء بن يسار أن ذلك في غزوة تبوك. قال ابن عبد البر: حسبه وهما، قال الأصل لم يعرض ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا مرة. وقال ابن الحصاد: هي ثلاث نوازل مختلفة. م: (وهو حجة على الشافعي في اكتفائه بالإقامة) ش: أي الحديث المذكور الذي فيه قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأذان وإقامة حجة عليه فيما ذهب إليه. فإن قلت: فللشافعي أن يستدل بما رواه النسائي الذي فيه الاكتفاء بالإقامة، وقد ذكرناه آنفا. قلت: قد مر في حديث الصحابة المذكورة من ذكر الأذان والإقامة والعمل بالزيادة أولى. والجواب عن حديث النسائي قد ذكرناه آنفا. وقال الأكمل: لا يقال قد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالا فأقام بدون ذكر الأذان، لأنا نقول العمل بالزيادة أولى لأن القصة واحدة وفيه نظر، لأن ذلك إنما يكون إذا كان راويهما واحد، ولم يثبت هاهنا ذلك. والجواب: أن الراوي إذا كان متعددا إنما يعمل بالخبرين إذا كان يمكن العمل بهما، وهاهنا لا يمكن ذلك لكون القصة واحدة. قلت: كون القصة واحدة غير صحيح لأن القصة متعددة كما ذكرنا آنفا. قوله: وفيه نظر لأن أحدا لم يشترط في العمل بالزيادة عند اتحاد الراوي، بل الزيادة مقبولة إذا ثبت سواء كان الراوي واحدا أو متعددا. م: (فإن فاتته صلاة أذن للأولى، وأقام لما روينا) ش: أشار به إلى الحديث الذي فيه قضاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة. م: (وكان مخيرا في الباقي إن شاء أذن وأقام) ش: يعني إن شاء أذن وأقام لكل صلاة من الفوائت. م: (ليكون القضاء على حسب الأداء) ش: لأن القضاء على الأداء. م: (وإن شاء اقتصر على الإقامة) ش: لما روى الترمذي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتته يوم الخندق أربع صلوات حتى ذهب ما شاء الله من الليل، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العشاء» .
لأن الأذان للاستحضار وهم حضور. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقيم لما بعدها ولا يؤذن، قالوا: يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا. ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فالتخيير من أين؟ قلت: جاء في رواية فصلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأذان وإقامة. وفي رواية بأذان وإقامة للأول وإقامة لكل واحد من البواقي. وقال: الاختلاف خيرنا في ذلك. فإن قلت: إذا كان الرفق متعينا في أحد الجانبين لا يخير بينهما، كما في قصر صلاة المسافر، وهاهنا الرفق متعين في الإقامة، فكيف يبقى التخيير؟ قلت: فإن ذلك في الواجب لا في السنن والتطوعات. م: (لأن الأذان للاستحضار) ش: أي لاستحضار القوم إلى الصلاة بالجماعة. م: (وهم حضور) ش: أي والحال أنهم حاضرون فلا يحتاجون إلى الإعلام. م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقيم لما بعدها) ش: أي من غير اختيار الجمع بينهما وبين إفراد الإقامة. وفي " التحفة " وروي في غير رواية الأصول عن محمد: إذا فاتت صلوات يقضي الأول بأذان وإقامة والثاني بالإقامة لا الأذان. م: (قالوا: يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا) ش: أي قال المشايخ عن أبي بكر الرازي: يجوز أن يكون ما قاله محمد قولهم جميعا. والمذكور في الكتاب محمول على الصلاة الواحدة فيرتفع الخلاف بين أصحابنا. وقال الشافعي في " الإمام ": يقيم لهما ولا يؤذن وفي القديم يؤذن للأول ويقيم ويكفي في البواقي على الإقامة وبه قال أبو ثور. وقال النووي في " شرح المهذب " يقيم لواحدة بلا خلاف، ولا يؤذن لغير الأولى منهن، وفي الأولى ثلاثة أقوال: في الأذان أصحها أنه يؤذن ولا يعتبر تصحيح الرافعي منع الأذان والإقامة، الأول: مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور. وقال ابن بطال: لم يذكر الأذان في الأول عن مالك والشافعي والأول قال أبو حامد. وقال الثوري والأوزاعي وإسحاق: لا يؤذن لفائتة. وفي " البدائع " للشافعي قولان في قوله يصلي بغير أذان وإقامة. قلت: هذا لا يصح عنده. وفي قول يقضي بالإقامة لا غير ولو صلى الرجل في بيته وحده فاكتفى بأذان الناس وإقامتهم جاز، وإن أقام فحسن، ذكره في الأصل.
[ما ينبغي للمؤذن والمقيم]
وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر، فإن أذن على غير وضوء جاز؛ لأنه ذكر وليس بصلاة، فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة. ـــــــــــــــــــــــــــــQوروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة وقال يكفينا أذان الحي وإقامتهم. وروي أبو يوسف عن أبي حنيفة في قوم صلوا في المصر في المنزل أو في مسجد منزل فأخبروا بأذان الناس وإقامتهم أجزأهم وقد أساءوا في تركهما. هذا في المقيمين، وأما المسافرون فالأفضل لهم أن يؤذنوا ويقيموا ويصلوا بالجماعة إذ السفر لا يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها ولا يكره لهم ترك الإقامة. والمسافر وحده لو ترك الإقامة يكره له. والمقيم لو تركها لا يكره لأن المقيم قد وجد الأذان في حقه والمسافر لم يوجد في حقه شيء من ذلك لأنه عزر في ترك الأذان دون الإقامة. وفي " المغني " الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وإقامتها، وبه قال الشعبي والنخعي وعكرمة ومجاهد والأسود وأحمد. وقال ميمون تكفيه الإقامة. وهو قول مالك والأوزاعي وسعيد بن جبير. وعند الشافعي يؤذن على المنصوص. ولو صلى في مسجد بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدهما، وعند الشافعي لا يكره إن كان مسجدا ليس له أهل بأن كان على شوارع الطريق لا يكره له تكرار الأذان والإقامة فيه. وفي " المجتبى " قوم ذكروا فساد صلاتهم في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه لا يعيدون الأذان والإقامة، وإن قضوها بعد الوقت في ذلك المسجد بأذان وإقامة. [ما ينبغي للمؤذن والمقيم] م: (وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر) ش: لأن الأذان والإقامة ذكر شريف فيستحب الطهارة. م: (فإن أذان على غير وضوء جاز) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم. وعن مالك أن الطهارة شرط في الإقامة دون الأذان. وقال الأوزاعي وعطاء وبعض أصحاب الشافعي يشترط فيهما. م: (لأنه ذكر وليس بصلاة فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة) ش: أي لأن الأذان ذكر فكان الوضوء فيه مستحبا كما في قراءة القرآن. ولا شك أن القراءة أفضل من الأذان فإذا جاز بلا طهارة فالأذان أولى. قوله - استحبابا - بمعنى مستحبا، وذكر المصدر وإرادة الفاعل والمفعول من باب المبالغة. فإن قلت: روى الترمذي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
ويكره أن يقيم على غير وضوء؛ لما فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة. ويروى: أنه لا تكره الإقامة أيضا، لأنه أحد الأذانين، ويروى: أنه يكره الأذان أيضا، لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه. ويكره أن يؤذن وهو جنب، رواية واحدة، ووجه الفرق على إحدى الروايتين أن للأذان شبها بالصلاة، فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين لا دون أخفهما؛ عملا بالشبهين. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لا يؤذن إلى متوضئ» . قلت: قال الترمذي: الأصح أنه موقوف على أبي هريرة، وهو منقطع أيضا لأن الزهري لم يدرك أبا هريرة. ويعارضه أيضا ما رواه الشيخ الأصبهاني الحافظ عن وائل قال حق أو سنة ألا يؤذن إلا وهو طاهر وهذا يقتضي الاستحباب. م: (ويكره أن يقيم على غير وضوء لما فيه) ش: أي لما في فعل الإقامة بغير وضوء. م: (من الفصل بين الإقامة والصلاة) ش: بالاشتغال بأعمال الوضوء والإقامة شرعت متصلا بالشروع في الصلاة. م: (ويروى) ش: الراوي وهو الكرخي م: (أنه) ش: أي ضمير الشأن م: (لا تكره الإقامة أيضا لأنه أحد الأذانين) ش: فالأذان لا يكره بلا وضوء وكذا الإقامة. م: (ويروى) ش: الراوي هو الكرخي م: (أنه يكره الأذان أيضا لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه) ش: لأن المؤذن يدعو الناس إلى التأهب إلى الصلاة فإذا لم يكن متأهبا دخل تحت قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] (البقرة: آية 44) . م: (ويكره أن يؤذن وهو جنب رواية واحدة) ش: قد ذكرنا أنه ذكر شريف فيكره مع أغلظ الحدثين. والواو في - وهو - للحال. ورواية منصوبة على المصدرية، وإنما وضعها بواحدة إشارة إلى أنه لم يرو عن أحد من الأصحاب عدم كراهة أذان الجنب. م: (ووجه الفرق على إحدى الروايتين هو) ش: أي بين أذان الجنب والمحدث على الرواية التي لا يكره أذانه م: (أن للأذان شبها بالصلاة) ش: في أنهما يفتتحان بالتكبير، ويؤديان مع الاستقبال، وترتب كلمات الأذان كأركان الصلاة، ويختصان بالوقت ولا يتكلم فيها م: (فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين) ش: وهو الجنابة م: (دون أخفهما) ش: وهو الحدث م: (عملا بالشبهين) ش: لم أر أحدا من الشراح بين الشبهين ما هو غاية ما في الباب أنهم قالوا ما ملخصه أن الأذان لا يكره مع الحدث فعمل بشبهه الصلاة مع الجنابة، فكره معها ولم يكره مع الحدث اعتبارا لجانب الحقيقة لأنه ليس بصلاة على الحقيقة.
[أذان الجنب]
في " الجامع الصغير ": إذا أذن على غير وضوء وأقام لا يعيد، والجنب أحب إلي أن يعيد، ولو لم يعد أجزأه أما الأول فلخفة الحدث، وأما الثاني ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان، والأشبه أن يعاد الأذان دون الإقامة؛ لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة، وقوله: ولو لم يعد أجزأه؛ يعني الصلاة؛ لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة. قال: وكذلك المرأة تؤذن، معناه يستحب أن يعاد ـــــــــــــــــــــــــــــQولو اعتبر الشبه في الحدث لاعتبر في جانب الحقيقة بالطريق الأولى لأنها أغلظ. والذي يظهر لي أن أحدهما أشبه بالصلاة وهو الذي ذكرناه، والآخر أشبه بالذكر، فبالنظر إلى شبهه بالصلاة كره مع الجنابة، وبالنظر إلى شبهه بالذكر لم يكره مع الحدث. فإن قلت: الأذان ذكر فكيف يقول إنه شبه الذكر وشبه الشيء غيره. قلتك: هو ليس بذكر خالص على ما لا يخفى، وإنما أطلق اسم الذكر عليه باعتبار أن أكثر ألفاظه ذكر. م: (وفي " الجامع الصغير ": إذا أذن على غير وضوء وأقام لا يعيد) ش: إنما ذكر رواية " الجامع الصغير " لاشتمالها على الإعادة وعدمها. [أذان الجنب] م: (والجنب أحب إلي أن يعيد الأذان وإن لم يعد أجزأه) ش: أي وإن لم يعد الجنب أذانه أجزأه لأن المقصود من الأذان الإعلام وقد حصل، وهذا التعليل يشير إلى أن معنى قوله أجزأه أي الأذان ولكنه فسره فيما بعده بقوله وقوله فإن لم يعد أجزأه يعني الصلاة. م: (أما الأول) ش: وهو قوله: إذا أذن على غير وضوء وإقامة لا يعيد. م: (فلخفة الحدث وأما الثاني) ش: وهو قوله والجنب أحب إلي أن يعيد. م: (ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان) ش: يعني أنه يعاد إذا أذن الجنب وأقام، ففي رواية على طريق الاستحباب، لأن الأذان ذكر معظم لأنه من شعائر الدين وبسبب الجنابة ينتقص معنى التعظيم، فيستحب إعادته كما يستحب إعادة الخطبة للجنب يوم الجمعة. وفي رواية لا تعاد لحصول المقصود. م: (والأشبه) ش: بالحق م: (أن يعاد الأذان دون الإقامة لأن تكرار الأذان مشروع) ش: في الجملة فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قد استحسنوه حين أحدثه عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الجمعة على الزوراء، واستمر العمل عليه إلى اليوم. والزوراء اسم دار عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالمدينة، ومن فسرها بالمنارة فله وجه كذا ذكره تاج الشريعة. م: (دون الإقامة) ش: يعني تكرارها غير مشروع م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ". م: (ولو لم يعد أجزأه يعني الصلاة لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة) ش: لأنه قال في " الإيضاح " ويحتمل أن يكون المراد من الجواز أصل الأذان، لأن رفع الصوت زائد في الباب. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وكذلك المرأة تؤذن، معناه يستحب أن يعاد
[الأذان قبل دخول الوقت]
ليقع على وجه السنة. ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها، وتعاد في وقتها؛ لأن الأذان للإعلام، وقبل الوقت تجهيل وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQليقع على وجه السنة) ش: هذا عطف على قوله والجنب أحب إلي أن يعيد. وأذان المرأة لا يقع على وجه السنة، لأنها إن رفعت صوتها ارتكبت حراما وإن خفضت اختلت بالمقصود. قلت: قيل في ظاهر الرواية لا يستحب أذان الأربعة، الجنب والمرأة والسكران والمعتوه الذي لا يعقل وفي غير رواية الأصول يعاد أذان هؤلاء الأربعة: وفي " المبسوط " وليس على النساء أذان وإقامة وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وجماعة من التابعين، وكذا لو صلين بجماعة لحديث بالياء آخر الحروف قال كان جماعة من النساء أمتهن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بلا أذان وإقامة، وللشافعي في جماعة النساء ثلاثة أقوال أصحها وهو ما نصه في الأم أنه يستحب لهن الإقامة دون الأذان. والثاني: أنه لا أذان ولا إقامة. والثالث: أنه يستحب الأذان والإقامة. وفي " شرح الوجيز " ولا يختص هذا الخلاف فيما إذا صلين بجماعة أو وحدهن. [الأذان قبل دخول الوقت] م: (ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها وتعاد في وقتها) ش: إن وقع قبلت م: (لأن الأذان للإعلام، وقبل الوقت تجهيل) ش: وهذا بالإجماع إلى في أذان الفجر فإنهم اختلفوا فيه أشار إليه بقوله م: (وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل) ش: وهو الأصح من أقوال الشافعي، وبه قال مالك وأحمد. وقال في " العارضة " عند المالكية: يؤذن لها عند انقضاء صلاة العتمة، وقيل: عند ثلث الليل، وقيل: عند سدسه، قال: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في " الصحيح «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين ينصف الليل» . وروي «إذا ذهب ثلث الليل» ، وروي «إذا بقي ثلث الليل» فيؤذن المؤذن بينهما على نداء الغفلة، قيل فيكون هذا الأذان بينهما إعلام بوقت نزوله سبحانه إلى سماء الدنيا لا لصلاة الصبح. والقول الثاني للشافعي: قبل طلوع الفجر في السحر، وبه قطع البغوي وصححه القاضي الحسين والمتولي. وقال النووي " وهذا ظاهر المنقول عن بلال وابن أم مكتوم. والقول الثالث: يؤذن لها في الشتاء لسبع تبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سبع يبقى منه. والرابع: من ثلث الليل آخر الوقت المختار. والخامس: جميع الليل وقت لأذان الصبح، حكاه إمام الحرمين وصاحب " العدة ".
لتوارث أهل الحرمين، والحجة على الكل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا» ومد يده عرضا ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ما أعلم أي الأذانين تقدم عندهم أذان المغرب أم أذان الصبح؟ إذا كان جميع الليل محلا لأذان الصبح فحينئذ لا يعرف أحدهما من الآخر. قال النووي: وهذا القول ضعيف الرواية بل هو غلط. وقال إمام الحرمين: لولا حكاية أبي علي له، وأنه لا ينقل إلا ما صح عنده لما استحب نقله، وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب؟ م: (لتوارث أهل الحرمين) ش: أي أهل مكة والمدينة ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما روى ابن عمر «أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» رواه الشعبي عن مالك، ورواه جماعة غيره مرسلا. قال صاحب الإمام: هو الصحيح. م: (والحجة على الكل) ش: أراد بالكل أبا يوسف والشافعي ومن تابعهما. وقال الأترازي: الحجة على أبي يوسف والشافعي وأهل الحرمين. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا» ش: أخرج هذا الحديث أبو داود عن شداد عن بلال اه. وسكت عنه، وقال ابن القطان: وشداد مجهول لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان وأعله البيهقي بالانقطاع. ومعنى قول أبي داود شداد لم يدرك بلالا. قوله: - حتى يتبين لك الفجر - أي حتى يظهر. وروى أبو داود عن حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرجع فينادي ألا أن العبد نام ثلاث مرات فرجع فنادى ألا إن العبد نام» . فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «إن بلالا يؤذن بليل» الحديث وقد مضى الآن. وفي " الصحيحين " أيضا عن ابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» واسمه عمرو بن قيس وقيل عبد الله بن زائدة القرشي العامري ابن خال خديجة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - استخلفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث عشرة مرة في غزواته وشهد القادسية واستشهد بها في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: قال الطحاوي: وكان ذلك من بلال خطأ على ظن طلوع الفجر، والدليل عليه حديث «لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره سواد» استدل عليه بحديث أخرجه وهو من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبلال: " إنك تؤذن إذا كان الفجر سادلها وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا معترضا ". قال الطحاوي: فأخبر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه كان يؤذن بطلوع ما يرى أنه الفجر، وليس في الحقيقة بفجر، وروى الطحاوي أيضا من حديث حفصة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كان
[المسافر يؤذن ويقيم]
والمسافر يؤذن ويقيم؛ «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لابني أبي مليكة: " إذا سافرتما فأذنا وأقيما» . ـــــــــــــــــــــــــــــQلا يؤذن حتى يصبح» . فإن قلت أخرج ابن خزيمة في " صحيحه " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر» . فإن قلت: قال ابن خزيمة: هذا الخبر لا يضاد خبر ابن عمر لجواز أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل الأذان بين بلال وابن أم مكتوم نوابة فأمر في بعض الليالي بلالا أن يؤذن بليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم فأذن في الوقت فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ فنزل فأذن بليل، فإذا صعد بلال، فأذان في الوقت. [المسافر يؤذن ويقيم] م: (والمسافر يؤذن ويقيم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابني أبي مليكة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذا سافرتم فأذنا وأقيما» ش: هذا حديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم مختصرا ومطولا عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وصاحب لي. وفي رواية ابن عم لي وفي رواية للنسائي وابن عمر قال فلما أردنا الانصراف قال لنا: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» . قلت: انظره في كلام الشراح ما قالوا هاهنا. وقال السغناقي: ذكر هذا الحديث في " المبسوط " بخطاب غيرها، قال: وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لمالك بن الحويرث وابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما قرآنا» ، وكذا ذكر في " الجامع الصغير " لفخر الإسلام والإمام المحبوبي ما يوافق " المبسوط " ولكن ذكر فخر الإسلام «وليؤمكما أكبركما سنا» . ثم إن الأكمل نقل هذا عن السغناقي وسكت راضيا به ونقل صاحب " الدراية " ما ذكره في " المبسوط " وسكت، وقال الأترازي: روى أبو داود في " سننه " بإسناده إلى أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال له ولصاحب له: «إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما» ثم قال: ويجوز أن يسمي أحد الأخوين صاحبا للآخر، ويجوز أن يكون كنية الحويرث أبا ملكية ولكن لفظ " مبسوط شمس الأئمة "، ولفظ " الجامع الصغير " لفخر الإسلام غير ذلك حيث قالا يروى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال لمالك بن الحويرث وابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما سنا» فعلى هذا يجوز تسمية الابنين للابن ولابن عمه في قول صاحب " الهداية " بطريق التغليب على اعتبار أن ابن العم يجوز أن يسمى ابنا لأن العم يجوز أن يسمى أبا مجازا. قلت: هذا الكلام لا يصدر إلا ممن ليس له أدنى حسن من فن الحديث. أما السغناقي فإنه صدر كلامه بما ليس في الحديث. ثم لو حمل الحديث الذي وقع في الكتب الستة بصيغة التمريض، وأما الأكمل فإنه قلده ومضى. وأما صاحب " الدراية " لأنه قصر هاهنا لأنه يمشي على طريق المحدثين، وهاهنا لم يحرز أصلا.
فإن تركهما جميعا يكره، ولو اكتفى بالإقامة جاز؛ لأن الأذان لاستحضار الغائبين، والرفقة حاضرون. والإقامة لإعلام الافتتاح، وهم إليه محتاجون، فإن صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة، ليكون الأداء على هيئة الجماعة، وإن تركهما جميعا جاز ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الأترازي فإن مع دعواه الفريضة حفظ كثيرا لأنه ذكر الحديث أولا على أصله ثم كلام صاحب " الهداية " عليه بتأويل أعجبه غير مقبولة، فقال ويجوز أن يسمي أحد الأخوين صاحبا من الناس الأجانب، وإما ابن عمه وإما عبد الله بن عمر على الروايات الثلاثة وليس مراده أصلا أنه كان أخاه من النسب، وإنما حمل الأترازي على ذلك قول صاحب " الهداية " لأبي مليكة فأوله بالتأويل المذكور تصحيحا لكلام الهداية وهو غلط في نفس الأمر، والصواب مالك بن الحويرث وصاحب له وابن عم له أو ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الروايات الثلاث. ثم أكد الأترازي غلطه بقوله ويجوز أن يكون كنية الحويرث أبا مليكة وهذا لم يقل به أحدا فزاد غلطا على غلط ثم استدرك كلامه بقوله ولكن لفظ " مبسوط شمس الأئمة " إلى آخره هو الصواب، وأوله بقوله فعلى هذا يجوز تسمية الابنين إلى آخره توفيقا للفظ الحديث. ولفظ صاحب " الهداية " ولا جواز هاهنا ولا توفيق لا كل وقوع الأصل على الغلط على أن صاحب " الهداية " ذكر هذا الحديث في كتاب الصرف على الصواب فقال في مسألة السيف المحلى لأن الاثنين قد يراد بهما الواحد. قال الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: آية 22) ، والمراد أحدهما وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لمالك بن الحويرث وابن عمه: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما» ، والمراد بهما أحدهما وفيه نظر أيضا. م: (فإن تركهما جميعا يكره) ش: أي فإن ترك المسافر الأذان والإقامة جميعا يكره تركه إياهما لمخالفة السنة م: (ولو اكتفى بالإقامة جاز؛ لأن الأذان لاستحضار الغائبين والرفقة حاضرون والإقامة لإعلام الافتتاح) ش: أي لافتتاح الصلاة والشروع فيها م: (وهم) ش: أي الرفقة بضم الراء جمع رفيق. م: (إليه محتاجون) ش: أي إلى إعلام الافتتاح يحتاجون. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المسافر بالخيار إن شاء أذن وإن شاء أقام ولم يؤذن والقوم حاضرون في السفر بخلاف الحضر؛ لأن الناس في المصر لتفرقهم واشتغالهم بأنواع المكاسب والحرف لا يعرفون وقت الصلاة، وفي الإقامة لا فرق بين المسافر والمقيم. م: (فإن صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة ليكون الأداء على هيئة الجماعة) ش: بالأذان والإقامة م: (وإن تركهما جميعا جاز) ش: أي وإن ترك المصلي في بيته الأذان والإقامة جميعا جاز، لأن مؤذن الحي نائب عن أهل المحلة في الأذان والإقامة لأنهم هم الذين نصبوه لها فكان أذانه وإقامته كأذان الكل وإقامتهم، وهذا يوجد الفرق بينه وبين المسافر الذي يصلي وحده وترك
لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذان الحي يكفينا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالإقامة فإنه يكره له ذلك. وعن عطاء من نسي الإقامة أعاد. وقال الأوزاعي: يعيد ما بقي الوقت، وقال مجاهد: من نسي الإقامة في السفر يعيد. وعن علي بن الجعد عن أبي حنيفة وأبي يوسف صلوا في المصر الظهر والعصر جماعة بلا أذان ولا إقامة أخطئوا السنة وأتموا، هذا يدل على وجوب الأذان. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذان الحي يكفينا) ش: هذا غريب والمصنف أخذه من " المبسوط " وفيه روي عن ابن مسعود: أنه صلى بعلقمة والأسود في بيته فقيل له: ألا تؤذن وتقيم؟ قال: أذان الحي يكفينا. وروى الطبراني في " معجمه " حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبوسي عن عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود وعلقمة والأسود صلوا بغير أذان ولا إقامة. قال سفيان: كفته إقامة المصر. وذكر التمرتاشي: إذا لم يكن أقيم في محلته يكره ترك الإقامة. وقال السرخسي له أن يصلي في بيته بلا أذان وإقامة إن شاء، وإن كانوا جماعة. وعن أبي يوسف إن شاء ترك ذلك، وفي " جامع الكردري " رخص له ذلك. ولو أذن وأقام فحسن وكذا إن أقام ولم يؤذن وفي " المحيط " والذي يصلي في المسجد وحده لا يؤذن إجماعا لأن أذان الحي يكفيه وعند الشافعي سن الأذان في حالة الجماعة والانفراد في الجديد لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأبي سعيد الخدري «إنك تحب البادية والغنم فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك» ، وقال أبو عبيد في كتابه " غريب الحديث " وفي حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «من صلى بأرض قي فأذن وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه» . قال: القي القطر هو بكسر القاف: وتشديد الياء والقطر بضم القاف الجانب وقطر كل شيء جانبه.
[باب شروط الصلاة التي تتقدمها]
باب شروط الصلاة التي تتقدمها ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب شروط الصلاة التي تتقدمها] م: (باب شروط الصلاة التي تتقدمها) ش: أي هذا باب في بيان الشروط التي تتقدم الصلاة، والشروط جمع شرط وهو العلامة، وفي الاصطلاح: الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ولم يكن داخلا فيه، وقيل: يلزم من انتفائه انتفاء المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، وقال السرخسي في " أصوله ": الحكم يضاف إلى الشرط وجودا عنده لا به ويضاف إلى العلة وهو ما بها والشرط والركن لا بد بهما ويفترقان كافتراق العام والخاص، فعلى هذا كل ركن شرط يعني يلزم من وجود الركن وجود الشرط ولا يلزم من انتفاء الركن وجود الشرط، ولا يلزم من انتفاء الركن انتفاء الشرط. وكذا يلزم من وجود العام وجود الخاص، ولا يلزم من عدم العام عدم الخاص والأعم والأخص على العكس يلزم من عدم الأعم عدم الأخص، فإنه يلزم من عدم الحيوان عدم الإنسان، ولا يلزم من وجود الأعم وجود الأخص فإنه لا يلزم من وجود الحيوان وجود الإنسان ثم الشرط على ثلاثة أنواع، عقلي كالقدوم للنجار، وشرعي: كالطهارة للصلاة، وجعلي كالدخول المعلق به الطلاق. وفي " الحواشي ": شرط الصلاة مسموعة ثلاثة أنواع: شرط الانعقاد كالنية والتحريمة والوقت، والخطبة في الجمعة والجماعة للجمعة عندهما، وشرط الدوام كالطهارة، واستقبال القبلة، والوقت في الجمعة، والثالث: ما شرط وجوده في حالة البقاء، ولا يشترط فيه عدم ولا المقارنة لابتداء الصلاة وهو القراءة فإنها ركن في نفسها ويشترط في سائر الأركان، لأن القراءة موجودة في جميع الصلاة تقديرا. قلت: ولهذا لو استخلف الإمام القارئ في الأخيرين أميا لا يجوز وبقي هنا ما هو شرط التمام كالقعدة الأخيرة فإنها شرط لتمام الأركان عند البعض. وقال السروجي: يقتضي ما ذكره أن يكون الوقت والتحريمة من شروط الصلاة التي تقدمها فينبغي أن يكونا مذكورين في هذا الباب ولم يذكرا فيه. قلت: عقد للوقت بابا مستقلا لكثرة أحكامه فلا يحتاج إلى ذكره هنا. وأما التحريمة ففيها خلاف هل هي من الشروط أو من الأركان فافهم. قوله: التي تتقدمها من الصفات المذكورة لا من الصفات المميزة إذ ليس من الشروط ما لا يكون متقدما حتى يكون احترازا عنه، وهو قريب من أسلوب قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] (المائدة: الآية 44) . وقال صاحب " الدراية ": احترز بقوله تتقدمها عن القعدة الأخيرة فإنه اختلف في ركنيتها. كذا ذكره شيخ الإسلام. وعن ترتيب أفعال الصلاة فيما لم يشرع مكررا كترتيب الركوع على القراءة والسجود على الركوع فإنه شرط الجميع فلو ترك
[الطهارة من الأحداث والأنجاس]
يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمنا، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] . ـــــــــــــــــــــــــــــQالترتيب لا تجوز صلاته. وعن مراعاة المقتدي مقام الإمام وعن عدم تذكر فائتته قبلها وهو صاحب ترتيب؛ وعن عدم محاذاة المرأة، فإن هذه الأشياء شروط ولا تتقدمها، وفي " الهداية ": هذا قيد قصدي لا اتفاقي لأن في هذا الباب ذكر الشروط المتقدمة لا المتوسطة. فإن قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب وبين ما قبله؟ قلت: لما ذكر الطهارة وهي شرط الصلاة وذكر الأوقات عقيبها لكونها أسبابا وشروطا وذكر الأذان لكونه إعلاما على الأوقات شرع في بيان بقيته. [الطهارة من الأحداث والأنجاس] م: (يجب على المصلي أن يقدم الطهارة من الأحداث والأنجاس على ما قدمنا) ش: الأحداث جمع حدث، والأنجاس جمع نجس. فإن قلت: ما لنا إلا حدثان الأصغر والأكبر والجمع من أين جاء؟ قلت ذكر مع الأنجاس لمناسبة إياها، ويجوز أن يذكر الجمع ويراد به الاثنان وهو كثير لا ينكر، وإنما جمعه باعتبار تعدد أسبابه. وقال الأترازي: قيل: إنما ذكر الأحداث لأنها أقوى، لأن قليلها ليس بعفو بخلاف القليل من الأنجاس، وفيه نظر عندي لأن القطرة من الخمر أو الدم أو البول إذا وقعت في البئر نجس، والجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء لا ينجس، والأولى أن يقال ليس فيه تقديم لأن الواو لمطلق الجمع. قلت: نظره فيه نظر لأن مراد القائل من كون الأحداث لا يعفى قليلها هو ما إذا بقيت لمعة، ولو كانت يسيرة في بدن الجنب أو في أعضاء المحدث لا يعفى بخلاف القليل من الأنجاس وأن ما دون الدرهم منه عفو كما عرف في موضعه فتكون الأحداث أقوى من الأنجاس، من هذه الحيثية. وقوله: والأولى أن يقال ليس فيه تقديم ليس بجيد لأنه يقدم في الذكر، وفائدة التقديم لا تتطلب ما ذكره فيما مضى من بيان الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وما ذكره في بيان الطهارة من النجاسة المغلظة والمخففة على الثوب والمكان. فإن قلت: لما كان علم مما تقدم كونها شرط للصلاة فلم أعادها؟ قلت: ليكون الباب مشتملا على جملة الشروط. (قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] ش: (المدثر: الآية 4) إنما ذكر هذه الآية الكريمة لأنها تدل بعبارتها على تقديم الطهارة من الأنجاس وبدلالتها على تقديمها على الأحداث.
[ستر العورة]
وقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ويستر عورته لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . أي ما يواري عوراتكم عند كل صلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " تفسيره ": وأمر الله أن تكون ثيابه طاهرة لأن طهارة الثياب شرط في الصلاة لا تصح إلا بها، وهي الأولى والأحب في غير الصلاة. ويقبح للمؤمن الطيب أن يحمل نجسا. وقيل: أمر بتقصيرها ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول، وذلك مما لا يؤمن معه إصابة النجاسة. وقال إبراهيم وقتادة والضحاك والشعبي والزهري: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] من الرجس والإثم والمعصية. وقيل أراد طهر نفسك من الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه. وقال ابن سيرين وابن زيد: نق ثيابك واغسلها بالماء وطهرها من النجاسة، وذلك المشركين كانوا لا يتطهرون فأمر بتطهير ثيابه، وذكر فيها وجوها كثيرة. م: (وقال الله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ش: (المائدة: الآية 6) ذكر هذه الدلالة بعبارته على تقديم الطهارة على الأحداث. وقال الأترازي: لو لم يورد صاحب الهداية قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (المدثر: الآية 4) وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] لكان أحسن للاختصار يفهم ذلك من قوله على ما قدمناه وكان من حقه حيث أورد أن يورد الدليل على مجموع مدعاه لئلا يكون البيان متنافيا وهو ليس كذلك لأن قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] دليل تقديم الطهارة من الأنجاس وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] دليل تقديم الطهارة من الحدث الأكبر، وبقي تقديم الطهارة من الحدث الأصغر ولم يذكره وهو أنه الوضوء. قلت: الدليل على جميع مدعاه قائم وبيانه شاف، وذلك فهم من قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] لأنا قلنا إن بعباراته تدل على تقديم الطهارة من الأنجاس، وبدلالته على تقديمها على الأحداث، وهي تتناول الحدث الأصغر والأكبر، وقوله: ولم يذكره ليس كذلك بل ذكره على طريقة ما ذكرنا ولكنه لم يتذكره. [ستر العورة] م: (ويستر عورته) ش: بنصب الراء، لأنه عطف على قوله أن يقدم وتقديره وأن يستر. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي ما يواري عوراتكم عند كل صلاة) ش: (الأعراف: 31) أراد بالزينة ما يواري العورة وبالمسجد والصلاة. ففي الأول: إطلاق اسم الحال على المحل. وفي الثاني: إطلاق اسم المحل على الحال لوجود الاتصال الذي بين الحال والمحل، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض بحال فأريد محلها وهو الثوب مجازا. وكانوا يطوفون عراة يقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت. لا يقال: نزول الآية في الطواف فكيف يثبت الحكم في الصلاة لأنا نقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهنا اللفظ عام لأنه قال: {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ولم يقل عند مسجد الحرام فدل بعمومه، ويقال: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] من قبيل إطلاق المسبب على السبب لأن الثوب سبب الزينة ومحل الزينة الشخص.
وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة لحائض إلا بخمار» أي لبالغة. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقيل: الزينة ما يتزين به من ثوب وغيره كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] (النور: آية 31) فعلى هذا يصح ما ذكروه من التأويل. وقال الزمخشري: الزينة ما زينت به المرأة من حلي أو كحل وإنما نهى عن ابتداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر لم يحل إليها. وقيل: أراد موضع الزينة لأن النظر إلى الزينة حلال بالإجماع والستر لا يجب لغير المسجد بدليل جواز الطواف عريانا هنا فعلم من هذا أن ستره للصلاة لا لأجل الناس، حتى لو صلى وحده ولم يستر عورته لا تجوز صلاته وإن لم يكن عنده أحد. م: (وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة لحائض إلا بخمار» أي لبالغة) ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» . وقال الترمذي: حديث حسن. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " ولفظهما: «لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار» . رواه الحاكم في " المستدرك "، وقال حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وأظنه بخلاف فيه على قتادة ثم أخرجه عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «لا صلاة لحائض إلا بخمار» . قلت: هذا مثل لفظ المصنف وهذا قد دل على افتراض ستر العورة في الصلاة وستر العورة شرط لصحة الصلاة فرضها ونفلها عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة الفقهاء وأهل الحديث. وقال بعض المالكية: هو واجب وليس بشرط لصحة الصلاة. وقال ابن رشيد في " القواعد ": ظاهر مذهب مالك أن ستر العورة من سنن الصلاة. وقال بعضهم: هو شرط عند الذكر دون النسيان. وعن أشهب: من صلى عريانا أعاد في الوقت. وحكى أبو الفرج المالكي: أنه يجب ستر جميع الجسد، قالوا: وجوابه لا يخص الصلاة. قلت: ستر العورة عن العيوب واجب بلا خلاف.
[عورة الرجل]
عورة الرجل ما تحت السرة إلى الركبة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: الحديث خبر الواحد فلا يفيد الفرض. قلت: هو قطعي الدلالة لأداة الحصر ظني الثبوت لكونه خبر الواحد، فبالمجموع تحصل الدلالة على الافتراض، وأما الآية فهي قطعية الثبوت دون الدلالة، ولهذا يرد ما قيل أن الآية تفيد الوجوب في حق الطواف فلو أفادت الفريضة في حق الصلاة لكان لفظ خذوا مستعملا في الوجوب والافتراض، وهذا لا يجوز. قوله: بخمار بكسر الخاء المعجمة هو ما تغطي به المرأة رأسها. قوله: أي - البالغة - تفسير الحائض، وليس من متن الحديث، وهو مجاز عن البالغة لأن الحديث يستلزم البلوغ فيكون هذا إطلاق اسم الملزوم على اللازم. ويقال إن حقيقة الحائض مهجورة حيث لا يجوز للحائض الصلاة أصلا، فيصير إلى المجاز بطريق إطلاق اسم السبب وهو الحيض على المسبب وهو البلوغ. [عورة الرجل] م: (وعورة الرجل ما تحت السرة إلى الركبة) ش: سميت العورة عورة لقبح ظهورها، ومنه الكلمة العوراء وهي القبيحة. وعور العين نقص وعيب فيها. قوله: عورة الرجل كلام إضافي مبتدأ. وقوله: ما تحت السرة خبره. وكلمة إلى بمعنى مع على ما يذكر وجهه عن قريب. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته» ش: في هذا الباب أحاديث كثيرة منها ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن سوار بن داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مروا صبيانكم» . الحديث، وفيه: «فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة من العورة» وهذا المعنى يقرب لفظ نقل المصنف. ورواه أحمد في " مسنده " ولفظه: «فإن ما أسفل من سرته إلى ركبته من العورة» . وسوار بن داود كنية العقيلي، ورفعه ابن معين وابن حبان. وقال أحمد: شيخ بصري لا بأس به. ومنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " من حديث عبد الله بن جعفر قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ما بين السرة إلى الركبة عورة» وسكت عنه. وقال: الذهبي في " مختصره ": أظنه مرفوعا فإن إسحاق بن واصل متروك، وأصرم بن حوشب متهم بالكذب، وهما من رواته. ومنها ما أخرجه
ويروى: «ما دون سرته حتى تجاوز ركبته» وبهذا يتبين أن السرة ليست من العورة خلافا لما يقوله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والركبة من العورة، خلافا له أيضا، وكلمة " إلى " نحملها على كلمة مع، عملا بكلمة حتى، ـــــــــــــــــــــــــــــQالدارقطني في " سننه " من حديث أبي أيوب قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقول ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة من العورة» . م: (ويروى ما دون سرته حتى تجاوز ركبته) ش: هذا غريب بهذا اللفظ ولكن معناه لا يخرج من الأحاديث المذكورة. م: (وبهذا) ش: أي وبالحديث المذكور م: (يتبين أن السرة ليست من العورة) ش: لأنه قال: ما بين سرته إلى ركبتيه ما دون سرته والمقصود من ذلك أن لا تكون السرة عورة م: (خلافا لما يقوله الشافعي في أن السرة من العورة) ش: قال النووي: في عورة الرجل خمسة أوجه: صحيحها المنصوص أنها ما بين السرة والركبة وليست من العورة. ثانيها: أنها عورة أيضا كالرواية عن أبي حنيفة. ثالثها: السرة دون الركبة. رابعها: عكسه الظاهر قول الثلاثة من أصحابنا. خامسها: القبل والدبر فقط، حكاه الرافعي عن الإصطخري. قال النووي: هو شاذ منكر، وهو رواية عن أحمد حكاه عنه في " المغني " وقال: وهو قول ابن أبي ذئب، وداود، ومحمد بن جرير. قال ابن حزم: الذكر وخلفه الدبر. م: (والركبة من العورة خلافا له أيضا) ش: أي خلافا للشافعي، فإن الركبة ليست من العورة عنده في قوله كما ذكرنا. م: (وكلمة إلى نحملها على كلمة مع عملا بكلمة حتى) ش: وكلمة إلى كلام إضافي مبتدأ وقوله نحملها جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الجزئية. قوله: على كلمة مع التي هي للمصاحبة. قوله: عملا منصوب على المصدرية، وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره: أن يقال إن كلمة إلى في قوله - إلى ركبته - في الحديث للغاية وهي في هذا الموضع لمد الحكم إليها فلا يدخل، وتقرير الجواب أن إلى هاهنا تحمل على معنى مع، كما في قَوْله تَعَالَى: {أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]
أو عملا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (النساء: آية 2) أي مع أموالكم، دفعا للتعارض عن كلام صاحب الشرع، والتعارض ظاهر بين قوله ما بين سرته إلى ركبتيه، وبين قوله ما دون سرته حتى يجاوز ركبته. وقال بعض المشايخ: قوله إلى ركبتيه غاية للإسقاط لأن قوله ما بين سرته، يتناول ما تحت السرة فأخرجه ما تحتها فبقيت الركبة تحت العورة. وفي " شرح المجمع " و " الغاية " قد تدخل وقد لا تدخل والوضع موضع الاحتياط. فقلنا بأنها عورة تخرج بتغطيتها عن العهدة بيقين. وفي " الدراية " " وجامع الكردي " الركبة مركبة من عظم الساق والفخذ فيكون المحرم مختلطا مع المبيع والمباح فرجح المحرم. وقال المصنف في " التجنيس ": الركبة إلى آخر القدم عضو واحد، والأول أصح، لأنها في الحقيقة لنفي عظم الفخذ والساق، وإنما حرم النظر إليها من الرجال لتعذر التمييز أو عملا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . م: (أو عملا) ش: عطف على قوله عملا بكلمة حتى، وهذا جواب ثان، وتقديره أن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما بين سرته إلى ركبته» يدل على أن الركبة ليست من العورة لقضية إلى وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حتى يجاوز ركبته» يدل على أن الركبة من العورة وبينهما تعارض ظاهر، فإذا أبقينا إلى على حالها تساقطا ويعمل حينئذ في كون الركبة من العورة بحديث آخر وهو م: (بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الركبة من العورة» ش: وقال الأكمل: وفيه نظر لأن حتى إذا دخلت على الفعل كانت بمعنى إلى في مثل هذا الموضع، فلا فرق بينهما، وكان ينبغي أن يقول وعملا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالواو؛ لأن المعارضة قائمة بكل منهما. والجواب عن الأول: أنه بمعنى إلى لكن مع دخول الغاية. وعن الثاني: بأن كلمة أو لمنع الخلو، لا لمنع الجمع فلا يكون منافيا. قلت: لحتى الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان مرادفة إلى نحو {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] (طه: آية 91) ، ومرادفة في التعليلية نحو أسلم حتى تدخل الجنة، ومرادفة إلا في الاستثناء. وقوله: مع دخول الغاية لا طائل تحته لأنه إذا كان بمعنى إلى يكون للغاية، ثم عند كونها للغاية لا بد من قرينة على دخول ما بعدها وعلى عدم الدخول أيضا، وإن لم تكن قرينة، الأصح أن لا يدخل كما عرف في موضعه. ثم الفرق بينهما بجواز وقوع المنصوب بعدها كما في الحديث وعدمه في إلى، والنصب بأن مضمرة لا بنفس حتى لا ينتصب إذا كان مستقبلا. ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمان المتكلم فالنصب واجب وإلا فيجوز الرفع أيضا. وفي الحديث النصب
[عورة الحرة]
وبدن الحرة كلها عورة، إلا وجهها وكفيها، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المرأة عورة مستورة» ـــــــــــــــــــــــــــــQمتعين لأن الرفع إنما يجوز بثلاثة شروط: الأول: أن يكون حالا أو مأولا بالحال. والثاني: أن يكون سببا عما قبلها. والثالث: أن يكون فضلة فإن أردت التحقيق فليرجع إلى مكانه. ثم الحديث وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . أخرجه الدارقطني في سننه عن النضر بن منصور الفزاري عن عقبة بن علقمة سمعت عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الركبة من العورة» . وقال الذهبي: النضر بن منصور: واه وقال ابن حبان: لا يحتج به. وعقبة بن علقمة ضعفه أبو حاتم الرازي. وأخرج البيهقي في " الخلافيات " من جهة إبراهيم بن إسحاق القاضي عن بقية عن سفيان عن ابن جريج عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «السرة من العورة» قال: هذا مفصل مرسل. [عورة الحرة] م: (وبدن الحرة كلها عورة) ش: وفي بعض النسخ كله عورة، والأول بالنظر إلى الحرة والثاني بالنظر إلى البدن، ويذكر ضمير الأول لأن التأكيد للبدن والتأنيث باعتبار تأنيث المضاف إليه كما في قولهم خنصرة أصابعه. م: (إلا وجهها وكفيها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المرأة عورة مستورة» ش: أخرجه الترمذي في آخر الرضاع عن همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه قال: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» . وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي الأحوص به وزاد أنها لا تكون إلى الله أقرب منها في تعزيتها. وأخرجه البزار أيضا في مسنده وليس لفظ مستورة عند أحد منهم. وقال الأكمل: وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المرأة عورة مستورة» خبر بمعنى الأمر، ومثله يفيد التأكيد. وقيل معناه من حقها أن تستر. قلت: لا حاجة إلى هذا التأويل لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أخبر أن المرأة عورة فمن ضرورة ذلك أن يكون النظر إليها حراما. قال صاحب " الدراية ": قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عورة مستورة إخبار ونحن نشاهدها غير مستورة
واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا تنصيص على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقد عصم عن الكذب والخلف فيحمل بإخباره على معنى آخر للاحتراز عنهما فحملناه على إيجاب الستر أي يجب عليها الستر. وفي " الجنازية " " والكافي " معناه من حقها أن تستر كما يقال الله معبود أي من حقه أن يعبد لا لأجل الجنة. وإن قلت: الخبر آكد لأنه يدل على المبالغة ومعناه قد ذكرناه. والتأويل الذي ذكروه إنما هو بعد صحة قوله مستورة ولم يصح ذلك. وقوله: وكفيها يشير إلى أن ظهر الكف عورة وهو ظاهر الرواية لأن الكف عرفا لا يتناول ظهره، قاله الأكمل. قلت: الكف اسم لظاهر اليد وباطنها إلى الرسغ وكونه لا يتناول ظهر اليد عرفا لا يبنى عليه شيء من حيث العرف والاعتبار لما قاله الشارع. وقد روى أبو داود في المراسيل عن قتادة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الجارية إذا حاضت لم تصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها» أي العضد. ولفظ اليد يتناول ظاهر الكف وباطنه. م: (واستثناء العضوين) ش: أي استثنى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العضوين وهما الوجه والكفين. وقوله المرأة عورة وعود الضمير إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما يصح إذا ثبت في الحديث إلا وجهها وكفيها. م: (للابتلاء بإبدائهما) ش: هذا تعليل الاستثناء أي لوجود الابتلاء بإظهار الوجه والكفين عندنا. وله الابتلاء في يدها وفي كشف وجهها خصوصا عند الشهادة والمحاكمة والنكاح. وفي " المحيط " إلا الوجه واليدين إلى الرسغين والقدمين إلى الكعبين. وفي " الوتري ": جميع بدن الحرة عورة إلا ثلاثة أعضاء الوجه واليدان إلى الرسغين والقدمين. وفي " جامع البرامكة " عن أبي يوسف يباح النظر إلى ذراعيها، وكذا يباح النظر إلى ثيابها لأنها يرونها. وفي الحديث مع الرجل، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن الشافعي: الحرة كلها عورة حتى ظفرها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المرأة عورة» . وعن أحمد في الكفين روايتان. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وهذا) ش: أي لفظ القدوري في قوله وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها م: (تنصيص) ش: أي نص م: (على أن القدم عورة) ش: لأنها ليست بمستثناة. م: (ويروى) ش: الراوي هو الحسن عن أبي حنيفة م: (أنها) ش: أي أن القدم م: (ليست بعورة) ش: لأنها تبتلى بإبداء القدم إذا مشت حافية أو منتعلة فربما لا تجد الخف على أن الاشتهاء لا يحصل بالنظر إلى القدم كما يحصل بالنظر إلى الوجه فإن لم يكن الوجه عورة مع كثرة
وهو الأصح. فإن صلت وثلث ساقها أو ربعه ـــــــــــــــــــــــــــــQالاشتهاء فالقدم أولى م: (وهو الأصح) ش: أي كون القدم ليست بعورة هو الأصح. وفي " شرح الأقطع ": والصحيح أنها عورة بظاهر الخبر. وقال المرغيناني والأسبيجابي في " شرح مختصر الطحاوي ": وقدماها فيها عورة. قال الأسبيجابي: في حق النظر. والطحاوي لم يجعلها عورة في حق الصلاة. وقال الكرخي: ليست بعورة في حق النظر. وقيل لا تكون عورة في حق الصلاة أيضا. وفي " المفيد " في القدمين اختلاف المشايخ. وقال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - والمزني: القدمان ليستا من العورة. وقال الثوري في قول عند الخراسانيين: وقيل وجهه أن باطن قدميها ليست بعورة. م: (فإن صلت) ش: ذكر بالفاء لترتيب هذه المسألة التي هي من مسائل الجامع الصغير على ما قاله المصنف من قوله ويروى أن القدم ليس بعورة وهو الأصح، لأن مسألة " الجامع الصغير " تدل على جواز الصلاة مع كشف ما دون ربع الساق، فكانت القدم مكشوفة لا محالة م: (وثلث ساقها) ش: أي والحال أن ثلث ساقها م: (أو ربعه) ش: أي أو ربع ساقها قيل إذا كان الربع مانعا فإنه يغني عن ذكر الثلث فما فائدة ذكره، وأجيب بأجوبة: الأول قاله الأترازي المانع هو الكثير لا القليل والثلث كثير استدلالا بحديث الوصية وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «والثلث كثير» أما الربع ففي كثرته شك لثبوته بالرأي ولهذا ذكره بكلمة أو وهي للشك. قلت: هذا ليس بسديد لأن الربع سواء شك بكثرته أو لم يشك فإنه أقل من الثلث، لأن الشيء لا يوصف بالكثرة إلا إذا كان مقابله صحيحه. الثاني: قاله صاحب " الهداية " أنه أورد على هذا الوجه لبيان قول أبي يوسف لما أن عنده الربع الثلث غير مانع. قلت: هذا ليس بشيء لأن عنده إذا لم يمنع الثلث فالربع بالطريق الأولى. الثالث: قاله هو أيضا أن محمدا تردد في الكثير، لأنه يروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الربع كثير "، وروي أيضا عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «الثلث كثير» كما في الوصية فتردد بينهما فذكرهما. قلت: هذا أيضا فيه نظر لأنه مبنى على صحة رواية كثرة الربع قاله في " الفوائد الظهيرية " فإن أبا حنيفة سئل عن هذه المسألة على هذا الوجه فأورده كذلك في الكتاب. قلت: هذا ليس بشيء لأنه كان ينبغي أن يكون إيراده على ما أجاب أبو حنيفة فإن فخر الإسلام والفقيه أبو الليث لم يذكرا لفظ الثلث في " الجامع الصغير "، وقال: ينقل عن يعقوب عن أبي حنيفة في المرأة تصلي وربع ساقها مكشوف أنها تعيد.
مكشوف تعيد الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وإن كان أقل من الربع لا تعيد، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان أقل من النصف لا تعيد الصلاة؛ لأن الشيء إنما يوصف بالكثير إذا كان ما يقابله أقل منه، إذ هما ـــــــــــــــــــــــــــــQالخامس: ما قاله في " الجنازية " قيل هذا غلط من الكاتب، وكذا ذكر صدر الأكمل جوابا من الأجوبة بأن قال: إنه سهو من الكاتب، ولهذا لم يكتب فخر الإسلام وعامة المشايخ لعدم الفائدة. قلت: لا يلزم من عدم كتابة فخر الإسلام وعامة المشايخ عدم الفائدة عند غيرهم. السادس: قاله الأكمل بأنه شك وقع من الراوي عن محمد. قلت: وقوع الشك من الراوي عن محمد لا يستلزم وقوعه عن المصنف حتى يذكره على هذا الوجه. السابع: نقل صاحب " الدراية " من أن الربع مانع فإذا كان كذلك كانت مانعية الثلث بطريق الدلالة، وما ثبت بالدلالة بالتنصيص عليه لا يكون قبيحا قال الله تعالى: {يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 9] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] (سورة: المدثر: الآية 9: 10) ونقله الأكمل منه أيضا. قلت: هذا القياس غير صحيح لأن قوله غير يسير ليس بالمعنى الذي ذكروه، وإنما معناه غير يسير على الكافرين كما هو يسير على المؤمنين فلأجل هذه النكتة ذكر وإن كان مستغنى عنه عند ذكر عسير في الحقيقة، أو هو عسير لا يرجى أن يكون يسيرا لما يرجى بتيسير العسير من أمور الدين وإليهما لمح الزمخشري في تفسيره. الثامن: قاله صاحب " الدراية " وأخذ عنه الأكمل بأن الربع مانع قياسا والثلث استحسانا فأورده عن القياس والاستحسان. التاسع: أورده أيضا بأن الربع مانع مع القدم والثلث مانع لا مع القدم. قلت: هذان الوجهان لا بأس بهما. م: (مكشوف) ش: خبر لقوله وثلث ساقها م: (تعيد الصلاة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن كان أقل من الربع لا تعيد) ش: وإن كان الذي انكشف من ساقيها أقل من ربعها لا تعيد الصلاة. والأصل أن الكثير من انكشاف العورة مانع، والقليل غير مانع، والربع ما فوقه كثير وما دونه قليل عندهما. وقال الشافعي: لو انكشف شيء من العورة في الصلاة بطلت صلاتها ولا يعفى عن شيء منها ولو شعرة من رأس الحرة أو ظفرة منها. وعند أحمد: يعفى عن القليل ولم يحده بشيء بل جعل الكثير فاحشا في النظر والقليل لا يفحش ويرجع فيه إلى العادة. م: (وقال أبو يوسف: إذا كان) ش: أي الانكشاف م: (أقل من النصف لا تعيد الصلاة؛ لأن الشيء إنما يوصف بالكثير إذا كان ما يقابله أقل منه إذ هما) ش: كلمة إذ للتعليل وهما أي القلة
من أسماء المقابلة، وفي النصف عنه روايتان، فاعتبر الخروج عن حد القلة أو عدم الدخول في ضده، ولهما أن الربع يحكي حكاية الكمال، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالكثرة م: (من أسماء المقابلة) ش: قال الأكمل: يريد به التقابل لا التضايف فسره هكذا لأنه احترز به عن تقابل التضاد، ولهذا قال في " الشروح " أن التقابل بينهما تقابل الضدين ليس بشيء لاجتماعهما في محل واحد، فإن الشيء الواحد يجوز أن يكون قليلا بالنسبة إلى شيء، وكثيرا بالنسبة إلى غيره. قلت: التقابل بالذات في أقسام أربعة تقابل العدم والملكة، وتقابل السلب والإيجاب، وتقابل التضاد وتقابل التضايف، هكذا ذكر في معنى التقابل بالغرض وهو التقابل بين الوحدة والكثرة فإن تقابلهما ليس بالذات بل بالعرض وما ذكرناه من الأربعة تقابل بالذات على ما عرف في موضعه. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط ": القلة والكثرة من الأسماء المشتركة فإن الشيء إذا قوبل بما هو أكثر منه يكون قليلا، وإذا قوبل بما هو أقل منه يكون كثيرا فكلتا العبارتين صحيح لأن الكثير إنما استحق القليل باعتبار المقابل، وإلا ليس له هذا الاسم، فكذا الكثير فكانت القلة والكثرة من أسماء المقابلة، وكذلك الشيء الواحد لما أطلق على معنيين مختلفين باعتبارين مقابلين كان مشتركا بينهما. قلت: أما إطلاق المقابلة بينهما فنعم ولكن الكلام في أن المراد فيها ما هو وأما الصحيحة في كون القلة والكثرة من الأسماء المشتركة فلا وجه له أصلا لا لغة ولا اصطلاحا؛ لأن قوله لأن الشيء الواحد.. الخ. رد ما قاله لأن مراده من الشيء الواحد إن كان قليلا فهو ليس بمشترك في تفسيره. وكذا إذا كان مراده هو الكثير فكذلك، وهذا ظاهر لا يخفى. م: (وفي النصف عنه) ش: أي عن أبي يوسف، م (روايتان) ش: في رواية " الجامع الصغير " جعل النصف في حكم القليل، وفي رواية الأصل جعله في حكم الكثير. م: (فاعتبر الخروج عن حد القلة) ش: هذا بيان جهة الروايتين فلذلك ذكره بالفاء أي اعتبر أبو يوسف الخروج أي خروج النصف عن حد القلة في كونه مانعا، وهذا ليس بخارج عنه، لأن القليل اسم لما يقابله الكثير وما يقابله هاهنا ليس بكثير، لأنه نصف والنصف اسم لأحد الجزءين المتساوين فلا يكون قليلا والقليل عفو، فإذا لم يكن قليلا يكون خارجا عن حد القلة فيكون مانعا. م: (أو عدم الدخول في ضده) ش: أن أبا يوسف اعتبر عدم دخول النصف في ضده أي في ضد القليل وهو الكثير فيكون غير كثير لأن الكثير اسم مباين. وقول المصنف في ضده هو حد الشارحين على نفس المقابلة بالضد، وليس كذلك كما ذكر بل تقابل التضايف. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن الربع يحكي حكاية الكمال) ش: وفي بعض النسخ حكاية الكل أي يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة من الأحكام واستعمال
كما في مسح الرأس والحلق في الإحرام، ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته، وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة، والشعر والبطن والفخذ كذلك؛ يعني على هذا الاختلاف؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQالكلام. م: (كما في مسح الرأس) ش: فإن مسح ربع الرأس يقوم مقام مسح كل الرأس في الفرض م: (والحلق في الإحرام) ش: فإن المحرم إذا حلق ربع رأسه تجب الفدية كاملا، كما إذا حلق كله، وكما في الثوب الذي ربعه طاهر لا تجوز صلاته عريانا، كما لو كان كله طاهرا، وإذا كان أقل من الربع، كما لو كان كله نجسا. ومحمد مع أبي يوسف في الأضحية في اعتبار ما زاد عليه نصف العضو في المبالغة، وفي فوات النصف بينهما روايتان. وقال الأكمل: واعترض بأن اعتبار هذا بمسح الرأس غير مستقيم؛ لأن مسح كل الرأس لم يكن واجبا حتى يقوم الربع مقامه، بل الواجب منه بعض الرأس. أجيب: بأن الأصل في الرأس غسل كله كما في غسل الوجه؛ لأن الطهر المقصود بالوضوء يحصل به لأن الشارع اكتفى بالمسح عن الغسل ثم اكتفى بالبعض عن الكل دفعا للضرورة، فكان الربع قائما مقام الكل. قلت: هذا أخذه من كلام صاحب " الدراية " وفيه نظر، فلذلك لما أورد صاحب " الدراية " هذا السؤال والجواب قال: كذا قيل، فهذا يشير إلى أن هذا ما أعجبه كما ينبغي وجه النظر بأنا لا نسلم أن الأصل في الرأس غسل كله، بل الأصل مسح كله؛ لأن الله تعالى شرع في الوضوء وظيفة الرأس بالمسح، ووظيفة بقية الأعضاء بالغسل، كما نطق به النص، ولكنه لما ذكر المسح بالماء وقع الاختلاف في المقدار لا في أصل المسح كما هو مقرر في موضعه. وقال الأكمل أيضا: وقيل: هذا تشبيه القدر بالقدر لا تشبيه الواجب بالواجب، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنكم سترون ربكم» . الحديث، فإن فيه تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي. قلت: هذا أخذه من كلام صاحب " الدراية " وفيه أيضا نظر لأنه ليس المراد منه مجرد تشبيه القدر بالقدر، بل المراد تشبيه الحكم بالحكم، وإلا فلا يصح التشبيه. م: (ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة) ش: ذكر هذا تمثيلا في المحسوسات وهو أزين الأربع، وهذا من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء الذي هو الربع. م: (والشعر والبطن والفخذ كذلك) ش: أي حكم شعر المرأة وبطنها وفخذها كذلك، وقد فسره بقوله: م: (يعني على هذا الخلاف) ش: يعني إذا انكشف ربع شعر المرأة يكون مانعا للصلاة عندهما. وعند أبي يوسف: إذا زاد على النصف يكون مانعا، وفي النصف روايتان، وكذا الخلاف في البطن والفخذ على هذا الوجه. وإذا انكشف سدس شعرها وسدس بطنها وسدس
لأن كل واحد منها عضو على حدة، والمراد به النازل من الرأس، هو الصحيح، وإنما وضع غسله في الجنابة لمكان الحرج، ـــــــــــــــــــــــــــــQفخذها يجمع، فإن كان يبلغ الربع من هذه الأعضاء يكون مانعا عندهما، وإلا فلا. وذكر في " شرح الزيادات " لو كان سدس عورتها مكشوفا وسدس ساقها وسدس فخذها، وذلك يبلغ ربع الساق فلا تجزئها صلاتها، وكذا الحكم لو كان ينكشف من كل ساق أقل من الربع، ولو جمع بلغ الربع، وفي " الذخيرة ": امرأة صلت وشعرها من تحت أذنها مكشوف قدر ربعه تعيد صلاتها. م: (لأن كل واحد منها) ش: أي من الشعر والبطن والفخذ م: (عضو على حدة) ش: أي كل واحد منها عضو وحده، فإن قلت: الشعر ليس بعضو، قلت: هذا إما من باب التغليب لأنه جزء من الآدمي حتى لا يجوز بيعه، فأطلق عليه العضو. فإن قلت: ما الدليل على أن حكم الشعر حكم العضو؟ . قلت: إذا حلق شعرها ولم ينبت تجب كل الدية. م: (والمراد به النازل من الرأس) ش: أي المراد بالشعر هو الشعر النازل من الرأس لا المسترسل إلى أسفل الأذنين. وفي " الذخيرة " امرأة صلت وشعرها من تحت أذنها مكشوف قدر ربعه فسدت صلاتها. والدليل على كون الشعر النازل عورة أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جمع في الأصل بين الرأس والشعر، لأن المراد من الرأس ما عليه من الشعر، فثبت أن الشعر النازل منه عورة. م: (هو الصحيح) ش: وهو اختيار الشيخ الإمام محمد بن الفضل البخاري. وقال فخر الإسلام: وهو الأصح عندنا، واحترز بقوله هو الصحيح عن قول صدر الشهيد، فإن عنده الشعر النازل ليس بعورة، وهو رواية المتقي، ذكره المحبوبي. وأما الشعر المسترسل إلى أسفل من الأذنين ففي كونها عورة روايتان، واختيار أبي الليث أنه عورة احتياطا. وعند أبي عبد الله البلخي ليس بعورة، والاحتياط فيما ذهب إليه أبو الليث وما ذهب إليه البلخي يقتضي جواز النظر إلى صدغ الأجنبية وطرف ناصيتها، وهو أمر يؤدي إلى الفتنة. وثدي المرأة الحرة إن كانت ناهدة فهي تبع لصدرها، وإن تدلت فهي عورة على حدة فيعتبر ربعها. م: (وإنما وضع غسله في الجنابة لمكان الحرج) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لو كان الشعر النازل عورة باعتبار أنه من بدنها لوجوب غسلها في حالة الجنابة، وتقريره الجواب: أن سقوط غسله ليس باعتبار أنه ليس من بدنها، بل هو من بدنها لاتصاله بها، ولكن غسله في الجنابة إنما سقط لأجل الخروج في بعضها إياها، بخلاف الرجل فإن الخروج فيها يسيرا، إما لقلته وإما ليسر الغسل على الرجل فوق يسره على النساء، لا لغسله الحياض والأنهار جهارا ودخوله الحمام بلا خشية في الخروج من البيوت.
والعورة الغليظة على هذا الاختلاف، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: ما ذكر الساعد وهو عورة. قلت: لأنها لم تدخل في الاستثناء لأن العادة لم تجر بإبرازها. م: (والعورة الغليظة على هذا الاختلاف) ش: العورة الغليظة هي القبل والدبر، وأراد بهذا الاختلاف المذكور فيما تقدم من انكشاف النصف والربع، يعني إذا لم يكن المكشوف منها زائدا على النصف لا يكون مانعا عند أبي يوسف، وعندهما إذا لم يكن ربعها مكشوفا لا يكون مانعا. واعلم أن عند عامة العلماء العورة الغليظة حكمها حكم الخفيفة، والخلاف في الكل واحد. والعورة الخفيفة: ما عدا القبل والدبر، وبعض المشايخ قدروا في الغليظة بما زاد على قدر الدرهم؛ احتياطا، كما في النجاسة الغليظة، وكذا في الخفيفة بالربع، والأصح الأول. ولو نظر إلى داخل فرج امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وبنتها، ويصير مراجعا ولا تفسد صلاته. وفي " الأجناس ": تفسد صلاته أيضا. وذكر ابن شجاع أن من نظر من ربقه إلى فرجه لم تجز صلاته. وفي نوادر هشام: إذا كان قميصه محلول الجيب فانفتح حتى رأى عورة نفسه، تبطل صلاته وأعاد، وإن لم يلتزق الثوب ببردة حتى لا يراها لو نظر، لا تفسد، فعلى هذه الرواية جعل سترها من نفسه شرطا، ومن الأصحاب من قال: إن كان كثيف اللحية تجوز صلاته لأنها تسترها. وقال بعضهم: لا تجوز ولا تنفعه لحيته. وفي " الذخيرة ": وعامة الأصحاب جعلوا الستر شرطا عن غيره لا عن نفسه؛ لأنها ليست بعورة في حق نفسه لأنه يحل له مسها والنظر إليها، وبالأول قال الشافعي وأحمد. وروى ابن شجاع نصا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لو كان محلول الجيب فنظر إلى عورة نفسه لا تفسد صلاته، ولو نظر المصلي إلى عورة غيره لا تفسد صلاته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال المرغيناني: هو قولهما، ولو صلى في قميص واحد لا يرى أحد عورته، لكن لو نظر إنسان من تحته فرأى عورته، فهذا ليس بشيء. والثوب الرقيق الذي يصف ما تحته لا تجوز فيه، وهو قول الشافعي وأحمد لأنه مكشوف العورة معنى. مراهقة صلت بغير قناع جازت استحبابا لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة لحائض إلا بقناع» ، مفهومه أن غير الحائض صلاتها صحيحة بغير قناع، ولو كانت عريانة تؤمر بإعادتها، والصغيرة جدا لا بأس بالنظر إليها ومنها. وقال الشافعي: يستوي في العورة الحر والعبد والصبي، حكاه النووي. ولنا ما رواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرج بين فخذي الحسن وقبل زبيرته» ذكره الطبراني في معجمه الكبير. لا يجب ستر المنكب في الصلاة ولا في غيرها، وبه قال مالك والشافعي وعامة أهل العلم. وقال أحمد: لا تصح صلاته بدونه ستر بعض المنكبين ولو بثوب رقيق يصف ما تحته، في ظاهر
[عورة الأمة]
والذكر يعتبر بانفراده، وكذا الأنثيان، وهذا هو الصحيح دون الضم. قال: وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة، وظهرها وبطنها عورة، ـــــــــــــــــــــــــــــQمذهبه، وعنه ابن قدامة في " المغني ". وقال ابن المنذر: يجب ستر العاتق في الصلاة مع القدرة عليه بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» أخرجاه. قلنا: قد عارضه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به» رواه البخاري. «وسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة في ثوب واحد فقال: "ولكل منكم ثوبان» رواه مسلم. م: (والذكر يعتبر بانفراده) ش: من غير أن يضم إلى الأنثيين، احتياطا، كما في الدية. م: (وكذا الأنثيان) ش: أي وكذا حكم الخصيتين مثل حكم الذكر، حيث لا يضم كل منهما إلى الآخر حتى يمنع انكشاف الربع من كل واحد من الذكر والأنثيين. م: (وهذا هو الصحيح) ش: يعني اعتبار كل واحد منهما بانفراده من غير ضم إلى آخر هو الصحيح من المذهب، واحترز به عما ذكر بعض المشايخ أن الأنثيين مع الذكر عضو واحد فجعلوهما تبعا للذكر. وأذن المرأة عضو على حدة، والركبة تبع للفخذ على ما هو المختار في الفتاوى، حتى إن ربع الركبة لو كان مكشوفا لا يمنع الصلاة. وكعب المرأة حكمها حكم الركبة. وما بين سرة الرجل وعانته حول جميع البدن عضو على حدة. م: (دون الضم) ش: أي دون ضم الذكر إلى أنثيين على ما ذكرناه [عورة الأمة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة) ش: عورة منصوب لأنه خبر كان، قاله بعض الشراح. قلت: يجوز الرفع أيضا على أن تكون (كان) تامة وإن كانت عورة الأمة، ما هو عورة الرجل؟ لأن حكم العورة في الإناث أغلظ، فإذا كان الشيء من الرجال عورة كان من الإناث عورة بالطريق الأولى م: (وظهرها وبطنها عورة) ش: يعني: هذان العضوان أيضا عورة من الأمة لأنهما محل من الشهوة. وقال المرغيناني: العورة من الأمة أربع: الظهر والبطن والفخذ والركبة. قلت: ويضاف إليها المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة، ومن كان في رقبتها شيء من الرق فهي في معنى الأمة، والمستسعاة عندهما حرة، والمستسعاة المرهونة إذا أعتقها الراهن وهو معسر حرة بالاتفاق، ذكره في " الجامع "، وقال الشافعي في أصح أقواله: الأمة كالرجل، والتي بعضها حر فيها وجهان في " الحاوي " أحدهما: كالحرة، وعند أحمد فيما حكاه عن أبي حامد: عورة الأمة كعورة الرجل، وهو الأظهر عندهم، حتى لو انكشف فيها ما بين سرتها وركبتها فصلاتها باطلة، وإن انكشف ما عدا ذلك صحت.
وما سوى ذلك من بدنها ليس بعورة؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " الجامع ": عورة الأمة ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين. وعن ابن سيرين: أم الولد يلزمها ستر رأسها في الصلاة، وإذا زوج الأمة سيدها أو سواها قال الحسن البصري: يلزمها ستر رأسها، ولم يوافقه أحد من العلماء. وفي " المبسوط ": عتقت الأمة أو المدبرة أو المكاتبة أو أم الولد في صلاتها، فأخذت قناعها بعمل يسير قبل أن تؤدي ركنا، لا تفسد صلاتها وإلا فسدت، وكذا لو سقط قناع الحرة في صلاتها وإزار الرجل. وقال زفر: تفسد في الكل، ولو صلت شهرا بغير قناع ثم علمت بالعتق منذ شهر تعيدها. وفي فتاوى العتابي السغناقي: ولو كان عليها ثوب أو مقنعة تصف ما تحته فهي عريانة، وبه قال الشافعي. وفي " الحلية ": عورة الأمة كعورة الرجل، على ظاهر المذهب. وبعض أصحابنا قال: جميع بدنها عورة إلا موضع التقليب منها في الشراء كالرأس والساعد والساق. وقال بعضهم: عورتها كعورة الحرة، إلا أنها يجوز لها كشف رأسها ولو كان نصفها حرا ونصفها رقيقا فهي كالحرة على ظاهر المذهب. وعن ابن سيرين: أم الولد تصلي بخمار وهي عورة، رواية عن أحمد، ويحكى عن مالك أيضا: ولو أعتقت الأمة في الصلاة ورأسها مكشوف وهنا سترة بعيدة، بطلت صلاتها، وفي " الحاوي ": فيه اختلاف، والصحيح أنها تبطل لقدرتها على أخذ الثوب في الحال. والثاني يبطل بالمضي وبطول العمل، وإذا انتظرت من يناولها الستر فناولها من غير أن تحدث عملا ففيه وجهان، أحدهما: لا تبطل صلاتها، والثاني: تبطل. ولو علمت بالعتق بعد الصلاة ففي وجوب الإعادة قولان، وقيل: يجب الإعادة قولا واحدا، والأول أصح. م: (وما سوى ذلك من بدنها) ش: أي وما سوى ذلك من عورتها مثل عورة الرجل وبطنها وظهرها م: (ليس بعورة لقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألق عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر) ش: هذا الأثر غريب، قال السروجي: وفي الكتاب وغيره من كتب الفقه عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه قال لأمة: ألقي عنك الخمار.. إلخ. لم أجده في كتب الحديث والأثر. قلت: معناه رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب أمة لآل أنس رأسها متقنعة فقال: اكشفي رأسك لا تتشبهي بالحرائر. وعن ابن جريج عن عطاء عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان نهى الإماء عن الجلابيب أن يتشبهن بالحرائر. قال ابن جريج: وجد أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب عقيلة أمة أبي موسى الأشعري في الجلباب أن تتجلبب. وعن ابن جريج عن نافع أن صفية بنت عبيد حدثته قالت: خرجت امرأة مخمرة سجلة فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من هذه المرأة؟ فقيل له: جارية لفلان، رجل من بنيه
ولأنها تخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها عادة، فاعتبر حالها بذوات المحارم في حق جميع الرجال دفعا للحرج. قال: ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد، ـــــــــــــــــــــــــــــQفأرسل إلى حفصة فقال: ما حملك على أن تخرجي هذه الأمة وتجليها حتى هممت أن أقع لها [.... ] لا تشبه الإماء من المحصنات. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن سليمان عن إبراهيم النخغي أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضرب الإماء أن يتقنعن ويقول: لا يتشبهن بالحرائر. وقال البيهقي: الآثار بذلك صحيحة. قوله يا دفار، بفتح الدال المهملة، وفي آخره راء مكسورة، ومعناه: يا منتنة، وهي معدولة عن دفرة أي منتنة وهي مبنية من الكسر، ويقال للدنيا: أم دفر. قوله: ألقي، مجزوم عند الكوفيين وعلامة جزمه حذف النون، وعند البصريين مبني على الجزم. م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأمة م: (تخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها) ش: بفتح الميم وكسرها، قاله صاحب " الدراية ". قال في " المغربين ": المهنة: الخدمة، بنصب الميم، وخفضه خطأ، قاله شمس الأئمة عن مشايخه. قال الأصمعي: المهنة بفتح الميم هي الخدمة، ولا يقال: مهنة بكسر، نقله الزمخشري عنه وهو من: مهن القوم خدمهم م: (عادة) ش: أي في عادة أصحاب الإمام. م: (فاعتبر حالها بذوات المحارم في حق جميع الرجال) ش: يعني يجوز أن ينظر الرجل من ذوات محارمه إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين، فكذا يجوز أن ينظر الأجنبي من الأمة إلى هذه المواضع م: (دفعا للحرج) ش: لأن البعض من غير استئذان واحتشام م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها) ش: أي مع النجاسة. وكلمة ما بالقصر ليتناول المائعات، كذا ذكره الشراح، ويجوز أن يكون بالمد، ولكن الأول أولى للعموم م: (ولم يعد) ش: أي الصلاة. وقال الشافعي: يعيد، وفي قول: يصلي عريانا، وهو ظاهر مذهبه. وقال مالك: يصلي في الثياب النجسة ولا يعيد، ثم المذهب عندنا أن إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمكان شرط لصحة الصلاة عند القدرة، ولا فرق بين العلم والجهل والنسيان في الفرض والنفل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر. وبه قال الشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء من السلف والخلف. وقال النووي: عن مالك فيها ثلاث روايات، أشهرها أنه لا تصح مع النسيان والجهل، وهو
وهذا على وجهين: إن كان ربع الثوب أو أكثر منه طاهرا يصلي فيه، ولو صلى عريانا لا يجزئه؛ لأن ربع الشيء يقوم مقام كله؛ وإن كان الطاهر أقل من الربع فكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن في الصلاة فيه ترك فرض واحد، وفي الصلاة عريانا ترك للفروض، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: يتخير بين أن يصلي عريانا وبين أن يصلي فيه، وهو الأفضل؛ لأن كل واحد منهما مانع جواز الصلاة حالة الاختيار، ويستويان ـــــــــــــــــــــــــــــQقول الشافعي في القديم وفي الثانية معنا، وفي الثالثة إزالتها سنة عنده، ونقل عن ابن عباس وابن جبير وعطاء مثله. م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور أو الجواب المذكور م: (على وجهين) ش: أحدهما هو قوله: م: (إن كان ربع الثوب أو أكثر منه) ش: أي أكثر من الربع م: (طاهرا يصلي فيه) ش: أي في هذا الثوب م: (ولو صلى عريانا لا يجزئه) ش: ولو قال فلو صلى، بالفاء، لكان أولى على ما لا يخفى م: (لأن ربع الشيء يقوم مقام كله) ش: فحينئذ عاره، وهو ظاهر، والوجه الثاني هو قوله: م: (وإن كان الطاهر أقل من الربع فكذلك) ش: أي فالحكم فيه كالحكم في الأول م: (عند محمد وهو أحد قولي الشافعي) ش: وقول مالك وأحمد. وقال النووي: فإن وجد ما يستر به القبل أو الدبر ففيه وجهان، أصحهما يستر به القبل لأن الدبر يستر بالأليتين. والثاني: يستر به الدبر لأنه أفحش في حالة الركوع والسجود، ومثله في " المغني " عن الحنابلة حكما وتعليلا، وأصول أصحابنا يقتضي التخيير في ذلك لأن كل واحد منهما عورة غليظة. م: (لأن في الصلاة فيه) ش: أي في الثوب الذي الطاهر منه أقل من الربع م: (ترك فرض واحد) ش: وهو إزالة النجاسة م: (وفي الصلاة عريانا) ش: أي حال كونه عريانا م: (ترك للفروض) ش: وهو ستر العورة والقيام والركوع والسجود، ولأن الستر أقوى لوجوبه في الصلاة وغيرها بخلاف النجاسة حيث لا يلزم إزالتها إلا للصلاة، ولهذا إذا طاف عرايا يلزمه دم، ولا يلزمه إذا طاف بثوب نجس. م: (وعند أبي حنيفة وأبي يوسف: يتخير بين أن يصلي عريانا وبين أن يصلي فيه) ش: أي في الثوب الذي أقل من ربعه طاهر م: (وهو الأفضل) ش: أي فعله هذا هو الأفضل، وهو الصلاة بعد م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من ترك ستر العورة وإزالة النجاسة م: (مانع جواز الصلاة حالة الاختيار) ش: أي في حالة القدرة عليهما م: (ويستويان) ش: جملة في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، تقديره: وهما يستويان، وإنما قدرنا هكذا ليكون عطف جملة اسمية على جملة اسمية؛ أي تساوي العورة والنجاسة.
[صلاة العريان]
في حق المقدار، فيستويان في حكم الصلاة، وترك الشيء إلى خلف لا يكون تركا، والأفضلية لعدم اختصاص الستر بالصلاة واختصاص الطهارة بها. ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا يومئ بالركوع والسجود، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (في حق المقدار) ش: هذا الكلام له وجهان، أحدهما أن يكون معناه أن القليل من كل واحد غير مانع والكثير مانع، فلما كان كذلك ثبت المساواة بينهما في الماهية من غير رجحان أحدهما على الآخر، فيختار أيها شاء. والوجه الثاني: أن يكون معناه: في مقدار الربع، فإن المانع في النجاسة الخفيفة مقدر بالربع، وكذا المانع في العورة الربع، فلما استويا في المانع وفي المقدار استوى اختيار المصلي أيضا في أن يصلي فيه أو يصلي عريانا، وأشار إليه بقوله: م: (فيستويان في حكم الصلاة) ش: فيكون مخيرا بين الصلاة في ذلك الثوب وبين الصلاة عريانا م: (وترك الشيء إلى خلف لا يكون تركا) ش: هذا جواب عما قاله محمد أن في ترك الصلاة عاريا ترك الفروض، يعني لا نسلم أن فيها تركا لوجود الخلف وهو الإيماء. م: (والأفضلية) ش: هذا جواب عن قول السائل سلمنا أنه أتى بفرض وترك فرضا ولكن لا نسلم المساواة بينهما، فإن فرضية الستر أقوى من فرضية ترك استعمال النجاسة، ومن أين الأفضلية، فأجاب عن ذلك وأقام دليلا على قوله، وهو الأفضل، بقوله: والأفضلية؛ أي كون الصلاة في ذلك الثوب أفضل. م: (لعدم اختصاص الستر بالصلاة) ش: يعني ستر العورة لا يختص بالصلاة حيث يجب سترها في غير الصلاة، وكانت رعاية ما كان واجبا دائما أولى مما كان واجبا في حال دون حال [صلاة العريان] م: (ومن لم يجد ثوبا) ش: أي لم يجد ثوبا أصلا لا طاهرا ولا نجسا م: (صلى عريانا) ش: أي صلى حال كونه عريانا. م: (قاعدا يومئ بالركوع والسجود) ش: قاعدا أيضا حال، وكذا قوله: يومئ. فهذه ثلاثة أحوال، إما متداخلة أو مترادفة، وتغير القعود عن ركن الإسلام على الصفة بأن يمد رجليه نحو القبلة ليكون أقرب إلى الستر، وما ذكره المصنف هو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعطاء وعكرمة وقتادة والأوزاعي وأحمد. وقال المزني: يصلي قاعدا حتما، وقال مجاهد وزفر وبشير ومالك والشافعي وابن المنذر: يصلي قائما يركع ويسجد. وقال النووي: حكى الخراسانيون فيه ثلاثة أوجه، أحدها وجوب القيام، كما ذكرنا عن الشافعي. الثاني: وجوب القعود كقول المزني. الثالث: التخيير.
[النية من شروط الصلاة]
هكذا فعله أصحاب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإن صلى قائما أجزأه، لأن في القعود ستر العورة الغليظة وفي القيام أداء هذه الأركان، فيميل إلى أيهما شاء، إلا أن الأول أفضل؛ لأن الستر واجب لحق الصلاة وحق الناس، ولأنه لا خلف له، والإيماء خلف له عن الأركان. قال: وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالمذهب الصحيح عندهم الأول. م: (هكذا فعله أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: قال الزيلعي: غريب. قلت: روى الخلال بإسناده عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن قوما انكسرت بهم السفينة فخرجوا عراة وكانوا يصلون جلوسا يومئون بالركوع والسجود دائما برؤوسهم، ولم ينقل خلافه، وروى عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا إبراهيم ابن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: الذي يصلي في السفينة والذي يصلي عريانا يصلي جالسا. أخبرنا إبراهيم عنه عن صلاة العريان فقال: إن كان حيث يراه الناس صلى جالسا، وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائما. م: (فإن صلى قائما أجزأه لأن في القعود ستر العورة الغليظة، وفي القيام أداء هذه الأركان، فيميل إلى أيهما شاء) ش: أي إلى أي الوجهين، أحدهما الصلاة قاعدا مومئا بالركوع، والآخر قائما م: (إلا أن الأول) ش: أي الصلاة قاعدا مومئا بالركوع والسجود م: (أفضل) ش: من الصلاة قائما م: (لأن الستر واجب لحق الصلاة وحق الناس) ش: لأن ستر العورة فرض، سواء كان في الصلاة أو خارجها. م: (ولأنه) ش: دليل بأن في أفضلية الصلاة قاعدا بالإيماء، ولأن فعله قائما م: (لا خلف له) ش: لأنه عريان والستر لا خلف له م: (والإيماء خلف له عن الأركان) ش: فالترك إلى خلف كلا ترك، كما عرف، ولا إعادة عليه. قال أبو حامد: لا أعلم خلافا بين المسلمين، ذكره النووي. وذكر الحسام وقاضي خان في الزيادات وأبو نصر في شرح " القدوري " أنه يصلي قائما، ولم يذكروا جوازها قائما، وعللوا أن ترك القيام جائز في حالة الاختيار كصلاة القاعد وعلى الدابة بالإيماء في النفل. وكشف العورة لا يجوز في حال الاختيار حتى إنها لو صلت قائمة تنكشف قائمة ربع ساقها، وقاعدة لا تنكشف، تصلي قاعدة، وذكر جوازه قائما بالركوع والسجود في " المبسوط " " والمحيط " وغيرهما. [النية من شروط الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وينوي الصلاة التي يدخل فيها بنية لا يفصل بينها وبين التحريمة بعمل) ش: اجتمعت الأمة على أن الصلاة لا تصح بدون النية، وقطع الجمهور أن نية القلب كافية دون اللفظ، وفي قول أبي عبد الله الترمذي من الشافعية أنه لا يجوز حتى يجمع بين نية القلب
والأصل فيه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الأعمال بالنيات» . ولأن ابتداء الصلاة بالقيام إليها، وهو متردد بين العبادة والعادة، ولا يقع التمييز إلا بالنية، والمتقدم من النية على التكبير كالقائم عنده ـــــــــــــــــــــــــــــQوفعل اللسان، وليس بشيء. وفي " المفيد ": كره بعض مشايخنا النطق باللسان، ورواه الآخرون به. وفي " المحيط ": النية شرط لصحة الصلاة، وهي إرادتها بالقلب فرض والذكر باللسان سنة، فينبغي أن يقول: اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها وتقبلها مني؛، فعلها مني، كما يقول في الحج من معرفة أي صلاة يؤديها، كذا في " المبسوط " قوله: بنية، إلى آخره، إشارة إلى أن الأصل في النية المقارنة بالشروع، والمراد بقوله: بعمل، أي عمل ينافي الصلاة حتى لم يكن المشي إليها فاصلا لعدم منافاته، وإذا فصل بينهما فعل مناف لا تكون النية موجودة عند التحريمة، فبقي بلا نية فلا يصح. وفي " الينابيع ": يشترط اتصال النية بالصلاة؛ تحقيقا لمعنى الإخلاص، وشرطت في ابتدائها لتقع كلها مستويا، ولم يشترط في حالته البقاء للحرج. والشرط أن يعلم بقلبه أية صلاة يصليها. وقيل: أدناها أنه لو سئل عنها لأمكنه أن يجيب بديهة من غير فكر. م: (والأصل فيه) ش: أي في اشتراط النية م: (قوله عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» ولفظ مسلم: «الأعمال بالنيات» ، مثل لفظ الكتاب، وفي رواية: «الأعمال بالنية» ومعنى الأعمال بالنيات: حكم الأعمال وثوابها يلصق بها، ومن جملة الأعمال عمل الصلاة، ولا يمتاز إلا بالنية، لأن ابتداء الصلاة بالقيام وهو يوجد كثيرا ولا عبادة، فاحتاج إلى النية المميزة للعبادة عن العادة، فاشترطت النية. فإن قلت: كيف يصح الاستدلال على شرطية النية أو على عدم الفصل بينها وبين التحريمة بهذا الحديث؛ فإن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الأعمال، من قبيل الاقتضاء، على مذهب أبي يزيد، ومن قبيل المحذوف على مذهب الشيخين. وعلى التقديرين لا عموم له، وحكم الآخرة وهو الثواب مراد بالإجماع، فلا يكون حكم الدنيا وهو الجواز والفساد مرادا لأنه لا عموم له ولا للمقتضي ولا للمنزل. قلت: الجواز في حكم الآخرة أيضا؛ إذ الثواب يتعلق بالجواز، إذ لا ثواب بدونه. وقيل بعد كون العمل معتبرا بالنية: الحكم نوعان، فقلنا: يحتاج إلى النية بوقوعه معتبرا شرعا. م: (ولأن ابتداء الصلاة بالقيام إليها، وهو متردد بين العبادة والعادة، ولا يقع التمييز إلا بالنية، والمتقدم من النية على التكبير كالقائم عنده) ش: أي كالموجود عند التكبير.
إذ لم يوجد ما يقطعه، وهو عمل لا يليق بالصلاة، فلا يعتبر بالمتأخرة منها عنه؛ لأن ما مضى لا يقع عبادة لعدم النية، وفي الصوم جوزت للضرورة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (إذ لم يوجد ما يقطعه) ش: أي ما يقطع المتقدم من النية م: (وهو) ش: أي الذي يقطعه م: (عمل لا يليق بالصلاة) ش: مثل أن ينوي فيشتري شيئا مثلا م: (فلا يعتبر بالمتأخرة) ش: أي بالنية المتأخرة م: (منها) ش: أي من التحريمة م: (عنه) ش: أي عن التكبير، وفي بعض النسخ لم يذكر لفظة عنه، ومعناه على هذه النسخة: لا معتبر بالنية المتأخرة من التحريمة، وعلى النسخة الأولى جعل المتأخرة صفة مطلقة، ثم بينها بقوله: منها، كذا قاله الأترازي. قلت: الأوجه ما ذكرته فلا يحتاج إلى التكلف. فإن قلت: لفظة (عنه) تنافي ما ذكرته. قلت: لا، لأن لفظة (عنه) على تقدير كونها من النسخة تكون بدلا عن الضمير الذي في (منها) الذي هو كناية عن التحريمة، فافهم. م: (لأن ما مضى) ش: يعني من الأجزاء م: (لا يقع عبادة لعدم النية) ش: والأجزاء الباقية مبنية عليه فلم يجز، وبه قال الشافعي. وعن الكرخي: يجوز بالمتأخرة ما دام في الثناء. وقيل: إلى التعوذ. وقيل: إلى ما بعد الفاتحة. وقيل: إلى الركوع، وهو مروي عن محمد. وفي " القنية " عن الحلوائي: كبر ثم غفل عن النية ثم نواها يجوز. وفي " المحيط ": لو نوى بعد قوله: الله، قبل قوله: أكبر، لا يجزئه عند أبي حنيفة، وفيه أيضا عن محمد: لو خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة، فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية وقت الشروع، يجوز. ومثله عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وذكر الطحاوي أن النية تكون مخالطة للتكبير باللسان، قال: وهو الأحوط، ولا يجوز بعد التكبير ويكون متطوعا. وقال الشافعي: يجب أن تكون النية مقارنة للتكبير لا قبله ولا بعده. وقال النووي: وفي كيفية المقارنة وجهان، أحدهما بحيث يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان، ويفرغ منها مع فراغه منه. قال: وأصحهما لا يجب هذا، بل لا يجو لئلا يخلو أول التكبير عن إتمام النية. واختيار إمام الحرمين والغزالي أنه لا يجب التدقيق وتحقيق المقارنة، وأنه تكفي المقارنة العرفية العامية، حيث يعد مستحضر الصلاة غير غافل عنها. م: (وفي الصوم جوزت للضرورة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: كان القياس على ما ذكرت في الصلاة أن لا تجوز النية المتأخرة في الصوم أيضا؛ لاشتراط النية منهما، وتقرير الجواب أن ما ذكرت في الصوم جوزت النية المتأخرة لأجل الضرورة لأن قران النية بوقت انفجار الصبح فيه حرج عظيم لكونه وقت نوم وغفلة بخلاف الصلاة، فإن الشروع فيها حال اليقظة
[تعريف النية]
والنية هي الإرادة، والشرط: أن يعلم بقلبه أي صلاة هي، أما الذكر باللسان فلا يعتبر به، ويحسن ذلك لاجتماع عزيمته ثم إن كانت الصلاة نفلا يكفيه مطلق النية، وكذا إن كانت سنة في الصحيح ـــــــــــــــــــــــــــــQفبقي الحكم على القياس، وهو أن تكون النية مقارنة بالشروع. [تعريف النية] م: (والنية هي الإرادة) ش: هذا تفسير النية؛ أي الإرادة الجازمة القاطعة م: (والشرط: أن يعلم بقلبه أي صلاة هي) ش: لأن النية الإرادة كما ذكره، والإرادة لا بد أن تكون بشيء مخصوص ليقع التميز بينه وبين غيره، والتمييز لا يكون إلا بعلمه، وعلامة علمه أنه إذا سئل عن ذلك أمكنه أن يجيب على الفور، فإن توقف في الجواب لم يكن عالما به، فعلم من ذلك أن العلم غير النية، ولكن شرطها، وقال شيخ الإسلام: الأصح أن العلم لا يكون نية لأنه غيرها، ألا ترى أن من علم الكفر لا يكفر ولو نواه يكفر، فتناول قول المصنف والشرط قصد بعد العلم. قلت: ما في كلام المصنف ما يشير إلى هذا، والأحسن ما ذكرته أولا. م: (أما الذكر باللسان فلا يعتبر به) ش: يعني في الجواز لأنه كلام وليس بنية ومن عمل القلب، واللسان يوجه عن ذلك م: (ويحسن ذلك) ش: أي الذكر باللسان م: (لاجتماع عزيمته) ش: أي لاجتماع نيته به. وذكر في بعض الكتب أن الذكر باللسان يستحب، وعبارة " المبسوط " أنه حتم، وعند بعضهم أنه سنة مؤكدة ومكملة. وذكر في " جامع الكردري " أنه يكره الذكر باللسان عند البعض لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنكر على من يسمع ذلك منه، ولأن النية عمل القلب والله مطلع على الضمائر، فالإيضاح في حقه غير مفيد، فيكره. م: (ثم إن كانت الصلاة نفلا يكفيه مطلق النية) ش: وهذا بيان لكيفية النية، لأن النية لها أصل ووقت وكيفية، وقد بين المصنف أصلها بقوله: والأصل فيه بين وقتها بقوله: والمتقدم على التكبير، إلى آخر، وشرع هذا في بيان كيفيتها لأن الصلاة التي يدخل فيها إما فرض أو غيره، فإن كان غير الفرض بأن كان نفلا يكفيه مطلق النية لأنها للتمييز عن العادة، وهو يحصل بمطلق النية بأن يقول: نويت أن أصلي، ولأن العمل لعموم أفرادها متعذر إذ الجمع بين الفرائض والنوافل في تحريمة واحدة لا يجوز، فيكون المراد أحدهما، فكان صرف اسم الصلاة إلى النفل أولى لأنه أدنى لأن النفل مشروع في كل الأوقات، فكان بمنزلة الحقيقة وغيره بمنزلة المجاز، والكلام على الحقيقة، كذا ذكره شيخ الإسلام. م: (وكذا إن كانت سنة) ش: أي وكذا يكفيه مطلق النية إن كانت الصلاة سنة لأن السنة نفل أيضا لكونها زيادة عبادة شرعت لتكميل الفرائض. وقوله: سنة، يشتمل سائر السنن وكذا التراويح. م: (في الصحيح) ش: احترز به عما ذكره بعض المشايخ لأنه لا بد من أن ينوي سنة الرسول، إذ فيها صفة زائدة على النفل المطلق كما في الفرض. وفي " التجنيس " والاحتياط أن ينوي
وإن كانت فرضا فلا بد من تعيين الفرض كالظهر مثلا لاختلاف الفروض، ـــــــــــــــــــــــــــــQمتابعة الرسول، وبه قال الشافعي، فإنه ذكر في شرح " الوجيز " و " الحلية ": النوافل ضربان: ما يتعلق بسبب أو وقت، فيشترط فيه نية فعل الصلاة والتعيين فينوي، كسنة الاستسقاء والخسوف والعيد والتراويح والضحى وغيرها. وفي الرواية يتعين بالإضافة فيقول: سنة الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، وفيما عداها يكفي مطلق النية. م: (وإن كانت فرضا) ش: أي وإن كانت الصلاة فرضا من الفرائض م: (فلا بد من تعيين الفرض كالظهر مثلا) ش: فيقول: نويت ظهر اليوم وعصر اليوم أو فرض الوقت أو ظهر الوقت، فإن نوى الظهر لا غير لا يجوز م: (لاختلاف الفروض) ش: لأنها متنوعة فلا يحصل له التمييز. وفي " المحيط ": لو نوى الظهر بدون ذكر اليوم والوقت لا يجزئه لأنه ربما كانت عليه صلاة فائتة فلا يتعين، أما لو نوى فرض الوقت يجزئه وخارج الوقت لا، والأولى أن يقول: ظهر اليوم، سواء كان الوقت خارجا أو لا. وفي " المجتبى " لا بد من نية الصلاة ونية الفرض ونية التعيين، حتى لو نوى الفرض لا تجزئه، ولو نوى فرض الوقت أو فرض الظهر يجزئه، وإن ظهر أنه خرج الوقت. والصحيح أنه لا يجزئه ولو نوى الظهر لا غير. قيل: لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه، وإن ظهر أنه خرج الوقت، فالصحيح أنه لا يجزئه. ولو نوى الظهر لا غير قيل: لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه، ذكره في فتاوى السغناقي. وعند الشافعي ينوي الظهر المفروضة. وقال ابن أبي هريرة من أصحابه: يجزئه نية الظهر أو العصر كما هو مذهبنا. وفي " المجتبى ": وفي اشتراط نية فرض الصلاة ونية استقبال القبلة اختلاف المشايخ، ولم يذكره في ظاهر الرواية فعند الفضلي شرط وعند الحامدي إن أتى به فحسن، وإن تركه لا يضر، في " الخزانة ": وهو الصحيح. وبعض المشايخ قالوا: إن كان يصلي في المحراب فكما قال الحامدي، وإن كان يصلي في الصحراء فكما قال الفضلي، كذا في " شرح الطحاوي ". ولو نوى فرض الوقت بعدما خرج الوقت لا يجوز، وإن شك في خروجه فنوى فرض الوقت جاز. وعند الشافعي لا يجوز في أصح الوجهين. وفي " جامع الكردري " ينوي الجمعة ولا ينوي فرض الوقت لأنه مختلف فيه، وينوي الوتر لا الوتر الواجب لأنه مختلف فيه، وفي صلاة الجنازة ينوي الصلاة لله تعالى والدعاء للميت.
وإن كان مقتديا بغيره ينوي الصلاة ومتابعته؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وإن كان) ش: المصلي م: (مقتديا بغيره ينوي الصلاة) ش: التي شرع فيها م: (ومتابعته) ش: أي نوى أيضا متابعة الإمام، فإذا نوى صلاة الإمام هل تجزئه؟ قال في " الخلاصة ": لا تجزئه، وقال في " شرح الطحاوي ": أجزأه، وقام مقام نيتين. وقيل: يحتاج المقتدي إلى أربعة أشياء: نية الصلاة، وتعيينها، ونية الاقتداء، ونية القبلة، والصحيح ما ذكر أولا. وفي " المرغيناني ": يحتاج المنفرد إلى ثلاث نيات، أولها: ينوي أي هي، ثانيها ينوي لله تعالى، ثالثها ينوي استقبال عرصة القبلة، والمقتدي يحتاج إلى أربع نيات، الثلاثة منها تقدمت، والرابعة ينوي أنه اقتدى بفلان، والأفضل أن يقول من هو إمامي أو بهذا الإمام، جاز، ولا يجوز تركه نية الاقتداء، ونية الإمامة للإمام ليست بشرط عند عامة الفقهاء. وقال أبو حفص الكبير والكرخي: لا بد منه، وبه قال أحمد. وأما نية إمامة النساء ففيها خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإمامة. وفي " المفيد ": ويقول المقتدي: اللهم إني أريد أن أصلي فرض الوقت مستقبل القبلة مقتديا بهذا الإمام، أو بالإمام. ولو نوى الاقتداء بهذا الإمام ولم يعين الظهر أو نوى الشروع في صلاة الإمام، اختلف فيه المشايخ، قيل: لا يجزئه، والأصح أنه يجزئه. وفي " المحيط ": لو نوى الظهر ولم ينو ظهر الوقت قيل: لا يجزئه التطوع، وقيل: يجزئه إذ الفائتة عارضة. ونية عدد الركعات والسجدات ليست بشرط عندنا، وهو المذهب عند الشافعي، وكذا نية استقبال القبلة عندهم. ولو نوى الظهر ثلاثا أو خمسا لا تنعقد صلاته عنده، وعندنا تصح صلاته ويلغو نية التفسير، ولو افتتح المكتوبة فظن أنها تطوع فأتمها على نية التطوع، فالصلاة هي المكتوبة لأن الشرط قران العزيمة بأول العبادة إذ قرانها بجميعها متعذر، ولو شرع فيها على أنها مثنية فإذا هي أحدية لا تصح، ولو ظن أنها أحدية فإذا هي مثنية يصح. وفي " المبسوط " " والذخيرة ": ولو اقتدى بالإمام ينوي صلاته ولم يدر أنها ظهر أو جمعة تجزئه، ولو لم ينو صلاته ولكن نوى الظهر والاقتداء به فإذا هو في الجمعة، لا يصح لأنه نوى غير صلاة الإمام. وفي غير رواية أبي سليمان: إذا نوى الإمام الجمعة فإذا هي ظهر جازت، قال شمس الأئمة: وهو الصحيح. ولو نوى الإمام ولم يخطر بباله أنه زيد أو عمرو جاز الاقتداء، ولو نوى الاقتداء به ويظن أنه زيد فإذا هو عمرو صح. ولو مقال: اقتديت بزيد، أو نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو، لا يصح اقتداؤه. وفي " الذخيرة ": قال مشايخنا: الأفضل أن ينوي الاقتداء بعد تكبيرة الإمام حتى يكون مقتديا بالمصلي، ولو نواه حتى وقف الإمام موقف الإمامة جاز عند عامة علمائنا، وبه كان يفتي الشيخ أبو إسماعيل الزاهد، والحاكم عبد الرحمن، وقال أبو سهل الكبير، والفقيه عبد الواحد،
[استقبال القبلة من شروط الصلاة]
لأنه يلزم فساد الصلاة من جهة الإمام، فلا بد من التزامه. قال: ويستقبل القبلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144، 150) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالقاضي أبو حزم وكثير من أئمة بخارى أنه لا يجوز. وقال الفقيه الزاهد الجواليقي: ينوي الاقتداء بعد قوله: الله، قبل التكبير، وإن كان الإمام قال: الله أكبر، قبل أن يكبروا، ثم كبروا بعد قوله: الله، أجزأهم، وإن فرغوا قبله، عن أبي يوسف في رواية خلف بن أيوب عنه أنه قال: إن مد الإمام التكبير وجذبه رجل خلفه ففرغ منه قبل الإمام قال: يعيد بعده، ولا تجزئه تلك التحريمة، وهذا يقتضي أنه لو مد وفرغ معه يجوز. م: (لأنه يلزم فساد الصلاة من جهة الإمام فلا بد من التزامه) ش: أي يلزم فساد صلاة المقتدي من جهة الإمام لأنه ضامن، فلا بد من التزام الضروري وضرر الفساد لا يجوز أن يلحقه بدون التزامه فيشترط نية المتابعة. [استقبال القبلة من شروط الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويستقبل القبلة) ش: استقبال القبلة شرط لصحة الفرض والواجبة إلا في حال الخوف. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144، 150) ش: أي شطر المسجد الحرام. وشطره: نحوه وجهته، وقرئ: إلى تلقاه. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: شطره: قبله، قال الله تعالى {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 144) . ثم أمر بالتوجه شطر المسجد الحرام، فدل على أن استقبال القبلة فرض. ويقال: حيثما كنتم في بر أو بحر وأردتم الصلاة فولوا وجوهكم تلقاءه، أي ثمة وجهته. وعن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما قدم المدينة صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبلة البيت، وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، وقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت.» أخرجاه في الصحيحين. وقال أبو البقاء: وقيل ثلاثة عشر شهرا، وقيل: عشرة أشهر، وقيل: تسعة أشهر، وفي رواية أخرجاه في صلاة الصبح، ويتعلق بها مسائل أصولية وفروعية. أما الأصولية فقبلوا خبر الواحد وجواز نسخ الكتاب والسنة المتواترة عند الظاهرية، وجواز نسخ السنة بالكتاب عند الشافعي وليس بظاهر، وحكم النسخ لا يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب، وجواز مطلق النسخ، وجواز الاجتهاد في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالضرب منه. وأما الفروعية: فالوكيل إذا لم يعلم بعزله فهو باق على وكالته، والأمة إذا صلت مكشوفة الرأس وعلمت بالعتق في أثناء صلاتها إذا سترت رأسها من غير تراخ لأنه لم يبطل ما مضى من صلاتها قبل علمها بالعتق، وجواز الاجتهاد في أمر القبلة، ومن لم يعلم بفرض الله تعالى ولم يبلغه الدعوة ولا أمكنه الاستعلام من غيره، لا يلزمه الفرض، قاله الطحاوي، ونزلت على هذا أن
ثم من كان بمكة، ففرضه إصابة عينها، ومن كان غائبا ففرضه إصابة جهتها، ـــــــــــــــــــــــــــــQمن أسلم في دار الحرب أو أطراف بلاد الإسلام، بحيث لا يجد من غيره شرائع الإسلام، لا يجب عليه أن يقضي الصلاة والصيام، وفيه خلاف الشافعي ومالك. م: (ثم من كان بمكة ففرضه إصابة عينها) ش: أي ثم المصلي الذي كان حاضرا في مكة ففرضه في استقبال [القبلة] إصابة عين الكعبة، سواء كان بين المصلي وبينها حائل، كجدار ونحوه، أم لم يكن، حتى لو اجتهد وصلى وبان خطؤه، قال: قال الرازي: يعيد. وذكر ابن رستم عن محمد فيمن بان خطؤه بمكة وبالمدينة أنه لا إعادة عليه، وهو الأقيس. ويجب أن يكون بالمدينة والمواضع التي عرفت صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قطعا فيها كذلك؛ لأن قبلتها معلومة بيقين لإخباره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بذلك أو نقله. وقال أبو البقاء: قبلة المدينة حين وضع جبرائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - محراب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرفه أنه مناسب الكعبة. وقيل: كان ذلك بالمعاينة بأن كشفت الجبال وأزيلت الحوائل، فرأى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الكعبة فوضع القبلة عليها. وقال أبو عبد الله الجرجاني وهو شيخ القدوري: الفرض إصابة عينها في حق الحاضر والغائب، ذكره في " الذخيرة " وغيرها. م: (ومن كان غائبا عنها) ش: أي عن الكعبة م: (ففرضه إصابة جهتها) ش: أي جهة الكعبة، لأن الطاعة بحسب الطاقة، وبه قال جمهور أهل العلم، منهم الثوري، ومالك، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو داود، والمزني، والشافعي في قول، أخرجه الترمذي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " الحلية ": من كان غائبا ولم يجد من يخبره بالقبلة اجتهد في طلبها. وفي فرضه قولان: قال في " الإمام ": فرضه إصابة العين بالاجتهاد. والثاني ما نقله المزني: إصابة الجهة، وهو قول الباقين من أصحابه. وفي " الدراية ": ومن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل يمنع المشاهدة كالأبنية، فالأصح أن حكمه حكم الغائب، ولو كان الحائل أصليا كالجبل، فله أن يجتهد، والأولى أن يصعد على الجبل حتى تكون صلاته إلى الكعبة يقينا. وفي " النظم ": الكعبة قبلة من في المسجد الحرام، والمسجد قبلة من بمكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة العالم، وبه قال مالك. قيل: هذا على التقريب، فأما على التحقيق فالكعبة قبلة العالم. وروى الحسن عن أبي حنيفة وجوب نية استقبال القبلة. والصحيح أن استقبالها يغني عن النية، ذكره في " المبسوط " وغيره. وفي " الذخيرة ": كان الشيخ أبو بكر بن محمد بن الفضل يشترط نية الكعبة مع استقبال القبلة، وكان الشيخ أبو بكر بن حامد لا يشترطها، وبعضهم اختار ما قاله ابن حامد فيما إذا صلى إلى المحراب، وما قاله الفضلي في الصحراء.
[حكم من اشتبهت عليه القبلة]
هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب الوسع ومن كان خائفا يصلي إلى أي جهة قدر؛ لتحقق العجز والعذر، فلا يكلف إلى التوجه، فأشبه حالة الاشتباه، وإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها اجتهد وصلى، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالمختار أنه لا يشترط، وفي " البدائع ": هو الصحيح. ولا تجزئه نية بناء الكعبة ولا نية الحجر الأسود لأن القبلة العرصة إلى عنان السماء لا البناء، لأن البناء لو وضع في مكان آخر فصلى إليه لا يجزئه وإلى العرصة يجزئه. وكذا لو صلى على أبي قبيس يجوز وإن لم يقابل البناء، ولو نوى مقام إبراهيم أو الحجر وقد أتى مكة لا يجزئه، وإن كان لم يأتها وعنده المقام والحجر والبيت واحد، أجزأه، قاله أبو أحمد العياضي. وقال أبو نصر: لا يجزئه. وفي " الجامع الأصغر ": لو نوى أن يصلي إلى المقام أو البيت لا يجزئه، وكذا لو نوى أن قبلته محراب مسجده لم يجزئه لأنه علامة القبلة. قال خواهر زادة: لو نوى بالمقام الجهة دون عينه لا يجزئه. قلت: يشترط مسامتة القبلة. م: (هو الصحيح) ش: يعني كون فرض الغائب إصابة جهة القبلة هو الصحيح، واحترز به عن قول الشيخ أبي عبد الله الجرجاني أن فرضه إصابة عينها، ويريد بذلك اشتراط عين الكعبة، وقد تقدم. م: (لأن التكليف بحسب الوسع) ش: وليس في وسع الغائب إصابة عينها م: (ومن كان خائفا) ش: من عدو أو سبع، أو الغرق بأن بقي على لوح م: (يصلي إلى أي جهة قدر لتحقق العجز والعذر، فلا يكلف إلى التوجه، فأشبه حالة الاشتباه) ش: أي فأشبه حكم هذا الخائف حكم من اشتبهت عليه القبلة في تحقيق العذر، فيتوجه إلى أي جهة قدر، لأن الكعبة تعتبر بعينها ليتحقق المقصود بالتوجه إلى أي جهة قدر. [حكم من اشتبهت عليه القبلة] م: (وإن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها، اجتهد وصلى) ش: الواو في وليس للحال، وقوله: من، في محل الرفع لأنها اسم ليس، والضمير المنصوب في يسأله يرجع إلى من، وفي عنها إلى القبلة. وقوله: اجتهد، جواب إنما قيد بالاشتباه لأنه لو لم يشتبه لا تجوز صلاته إلى جهة التحري بل يجب التوجه إلى جهة الكعبة، وقد يعدم من يسأله لأنه إذا كان عنده من يسأله لا تجوز صلاته بالتحري، ويجب عليه الاستخبار. وإنما قيد بالحضرة إشارة إلى أنه لا يجب عليه أن يطلب من يسأله. وقيد بقوله: اجتهد وصلى؛ لأنه إذا صلى بدون الاجتهاد لا تجوز صلاته، حتى روي عن أبي حنيفة أنه يكفر لاستخفافه بالدين. وفي " النوازل ": رجل صلى إلى غير القبلة متعمدا فوافق ذلك الكعبة، قال أبو حنيفة: هو كافر، وقال أبو يوسف: جازت صلاته، قال الفقيه أبو الليث: القول ما قاله أبو حنيفة إن كان
لأن الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تحروا وصلوا، ولم ينكر عليهم النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفعل ذلك على وجه الاعتقاد. م: (لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تحروا وصلوا ولم ينكر عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: فيه حديثان، أحدهما عن عامر بن ربيعة قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر. زاد الترمذي: في "ليلة مظلمة" قال: "قال: فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وأعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا لغير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأنزل الله عز وجل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » (البقرة: الآية 115) . قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك ولا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وهو يضعف في الحديث. ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده " وزاد فيه: " فقال: قد مضت صلاتكم، وأنزل الله الآية ". وقال ابن القطان في "كتابه": الحديث معلول بأشعث وعاصم، فأشعث مضطرب الحديث ينكر عليه أحاديث، وأشعث السمان سيئ الحفظ يروي المنكرات عن الثقات، وقال: فيه عمرو بن على وهو متروك. والحديث الثاني عن جابر: فروي من ثلاثة طرق: أحدها: أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن محمد بن سالم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: «كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية فأظل لنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة، فصلى كل واحد منا على حدة فجعل كل واحد منا يخط بين يديه ليعلم مكانه، فذكرنا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يأمرنا بالإعادة وقال لنا: "قد أجزأت صلاتكم» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح، ومحمد بن سالم لا أعرفه بعدالة ولا جرح. وقال الذهبي: محمد بن سالم يكنى أبا سهيل وهو واه، ورواه الدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما"، فقال: محمد بن سالم ضعيف. الطريق الثاني: أخرجه الدارقطني ثم البيهقي ولفظهما: قال: «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فصلوا وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فسكت فأنزل
ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب عند انعدام دليل فوقه، ـــــــــــــــــــــــــــــQالله تعالى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » (البقرة: الآية 115) . قال ابن القطان: فيه انقطاع ومجهول الحال. والطريق الثالث: عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن جابر نحوه. فإن قلت: في حديث جابر اختلاف؛ لأن في أحد الطريقين: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية، وفي الآخر: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية كنت فيها. قلت: التوفيق بينهما أن السرية كانت جريدة جردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العسكر فمر فيها جابر واعتراهم ما ذكر، ولما قفلوا منها إلى عسكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سألوه، أو تكون الجريدة لم تجتمع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في المدينة، حتى يكون قوله: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقوله: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرية، صادقين. م: (ولأن العمل بالدليل الظاهر واجب) ش: هو الدليل الراجح وهو غلبة الظن م: (عند انعدام دليل فوقه) ش: أي فوق الدليل الظاهر. اعلم أن المجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها وإن كان عاميا. قال تاج الشريعة: ومن الأدلة المحاريب القديمة المنصوبة في كل موضع؛ لأن نصبها كان باتفاق من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فإن الصحابة فتحوا العراق وجعلوا القبلة لأهلها بين المشرق والمغرب، ثم فتحوا خراسان وجعلوا قبلة أهلها بين مسوى الصيف والشتاء، ومنهم من توفي فجعل قبره إليها من غير إنكار من أحدهم، وكفى باجتماعهم حجة، فيلزمنا اتباعهم في ذلك. ومن الأدلة السؤال في كل موضع عن أهله عنها لأنهم أعرف بقبلتهم عادة من غيرهم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (النحل: الآية 43) . ومن الأدلة عند فقد هذه النجوم على ما حكي عن عبد الله بن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أهل الكوفة يجعلون الجدي خلف القضاء استقبال القبلة، وهو نجم إلى جنب القطب يعرف القبلة. قال: ونحن نجعل الجدي خلف الأذن اليمنى. وكان الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: انظر إلى مغرب الشمس في أطول أيام السنة وإلى مغربها في أقصر أيام السنة، ثم دع الثلثين عن يمينك والثلث عن يسارك، فتكون مستقبل القبلة، فذلك الوضع، انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQويقال: أدلة معرفة القبلة كثير، منها الشمس من مطلعها ومغربها، والقمر في سيره ومنازله والنجوم في طلوعها وأفولها، والرياح في مهابها، والأنهار في مجاريها، والجبال في وجوهها، والمجرة. أما الشمس: فمن أشكلت عليه القبلة وكان بالمشرق يجعل الشمس خلفه في أول النهار وتلقاء وجهه في آخره، وإن كان في المغرب فعلى العكس، وإن كان بالشام يجعلها في أول النهار على جانبه الأيسر، وفي آخر النهار على جانبه الأيمن، وإن كان باليمن فعلى العكس يجعلها. وأما القمر: فإنه يطلع في أول الشهر على يمنة المصلي، ويختلف مطلعه في اليمنة، فربما كان مع قرب شقه اليسرى، وربما كان إلى مدائرها أقرب، ويطلع في ليلة ثمان وعشرين رفيعا لحظة ثم يغيب على يسرة المصلي. وقيل: في الليلة السابعة يكون في القبلة، ويغيب الهلال في الليلة الأولى على مضي ستة [......] . وأما النجوم: فأقوى الدلائل وأقواها القطب الشمالي، وهو نجم صغير في بنات النعش الصغرى بين الفرقدين في مهب الشمالي على مرتفع لا يغيب شتاء ولا صيفا. وأكثر استدلال الناس على الجهات في البر والبحر لكونه غير "زائل" عن مكانه، وحوله كواكب جلبة وخفيفة تسمى السمكة، وفاس الرحى تدور حول القطب أبدا لقطب الرحى، والفرقدان يكونان أعلاه في أول الليل ثم ينزلان عنه كلما تصرم الليل، وإذا قوي نور القمر خفي، ويعرف بوضعه في الفرقدين. وأما سهيل اليماني فإنه لا يرى بالأندلس ولا بخراسان لانخفاضه، ويرى مع الفجر في آخر السماء في السادس والعشرين بين سوى بمصر ويطلع فيه ظهوره [كان يصلي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل هجرته إلى المدينة، وهو ما بين الركنين اليماني والعراقي] ويقال القطب الشمالي في داخل السفينة عند رجل الفرقدين عند رتبة الجدي، وهو مقابل القطب الجنوبي والقطب الذي بين الجدي والفرقدين يكون خلف أذن المصلي اليمنى إذا كان بالمشرق، وخلف أذنه اليسرى إذا كان بالمغرب، وبين كتفيه إذا كان بالشام، وخلف كتفه اليسرى إذا كان بأرض جصة، وغروب بنات النعش خلف ظهره. ومطلع العقرب تلقاء وجهه. ويصلي أهل ديار مصر على حد أسوان مشرق الشتاء، إلا أهل أسوان فإنها أشد سريعا من البلاد الشمالية، تقرب من الجنوب والقطب قبالة وجهه إذا كان باليمين. وأما الرياح الأربعة: ريح الشمال، والجنوب، والصبا، والدبور، فيقابل أركان الكعبة، فالصبا شرقية تقابل الركن العراقي الذي به الحجر الأسود، سميت الصبا لأنها تصير إلى وجه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالكعبة، ومهبها ما بين الركن اليماني والركن العراقي إلى مصلى آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو وسط الكعبة. والشمال شامية تقابل الركن الشامي والركن الغربي، والدبور غربية لأنها تقابل الركن العراقي، ومهبها جبال الميزاب إلى ما بين الركن اليماني والغربي، سميت بالدبور لأنها تأتي من دبر الكعبة. والجنوب جبالية لأنها تقابل الركن اليماني ومهبها حيال الركن الغربي والركن اليماني إلى مصلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قبل الهجرة، وسميت الجنوب لأنها تستقبل الجانب الأيمن من الكعبة، فالصبا تقابل الدبور والشمال تقابل الجنوب وكل ريح بين ريحين من هذه الأرياح الأربعة تسمى ريحا. وأما الأنهار والمياه: فإنها تحل جارية من يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل يقرب من كتفه اليمنى، وتنفذ من الماء في اليسرى، كدجلة والفرات، والنهرين وغيرها من الأنهار، أحدها بخراسان، والأخرى: بالشام يسمى العاصي، ويقال لهما العارض لأنهما يخالفان لجريان الماء لأنهما يجريان عن يسرة المصلي إلى يمينه، ولا اعتبار بالأنهار المحدثة والسواقي لأنها بحسب الحاجات، ونيل مصر أيضا يجري إلى الشمال على خلاف الأنهار. وأما الجبال فوجوهها مستقبل البيت. وأما المجرة فإنها تكون ممتدة على كتف المصلي اليسرى إلى القبلة، ثم تلتوي رأسها حتى يصير آخر الليل على كتفه اليمنى. وقال المرغيناني: قيل: قبلة البشر الكعبة، وقبلة أهل السماء البيت المعمور، وقبلة الكروبيين: الكرسي، وقبلة حملة العرش العرش، ومطلوب الكل وجه الله تعالى. م: (والاستخبار فوق التحري) ش: أي طلب خبر القبلة من غيره فوق التحري إذا كان المخبر من ذلك الموضع، وأما إذا كان مسافرا لا يلتفت إلى الخبر، وفي " التحفة ": إذا كان في المفازة والسماء مضحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة، لا يجوز له التحري، والتحري في اللغة طلب أحد الأمرين وهو أولاهما، وفي الشرع يقع على أخف الأمرين وأولاهما بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته. قلت: الخبر قد يكون حجة [......] ، فلذلك قلنا: إن الاستخبار فوق التحري، كما في خبر رواية الهلال ورواية الحديث، والتحري حجة حقة لا في غيره، ولا يجوز التحري مع المحاريب، وقال النووي: أحب اعتمادها ولا يجوز معها الاجتهاد، وقال: ونقل صاحب " الشمائل " إجماع المسلمين على هذا.
والاستخبار فوق التحري، فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يعيدها إذا استدبر لتيقنه بالخطأ، ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري والتكليف مقيد بالوسع. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها) ش: أي الصلاة التي صلاها، وبه قال مالك وأحمد والمزني م: (وقال الشافعي: يعيدها إذا استدبر) ش: وهو ظاهر مذهبه وقوله الآخر كمذهبنا. وفي " الحلية ": هو المختار، وقيد بالاستدبار لأن في التيامن والقياس لا يعيد اتفاقا. م: (لتيقنه بالخطأ) ش: وتمكنه من أداء الفرض بيقين، فيعيدها كما لو تحرى في ثوبين، أحدهما نجس، ثم ظهر بعد الصلاة في أحدهما بالتحري أنه نجس فيها أنه يعيد الصلاة إجماعا، وكذا التحري في الأواني. قلنا: الاجتهاد يقوم مقام إصابة الكعبة عند العجز عن التوجه إلى عينها، بخلاف الثوب النجس والماء النجس إذا تنجس ما أقيم مقامه الظاهر فظاهر. ولأن الحاجة إلى الاجتهاد في القبلة أمس إذ لولاه صحت الصلاة أصلا، بخلاف الثوب والماء فإنه يمكنه أن يصلي عاريا وبالتيمم، فللصلاة وجود بدونها. م: (ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري) ش: إذ ليس في وسع هذا المجتهد إلا التوجه إلى جهة التحري لأن المقصود من طلب الجهة رضاء الله عنه لا عين الجهة، إلا إذا أمر بالطلب تحقق معنى الابتداء، والابتداء قد تم بالتحري فسقط عنه ما لزمه من الفرض. م: (والتكليف مقيد بالوسع) ش: قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) . قال الأكمل: قيل هذا لا يصح جوابا للشافعي اه. قلت: هذا هو كلام السغناقي، فإنه قال: فإن قلت: هذا التعليل لا يكون جوابا كما ذكره الشافعي، فإن له أن يقول: سلمنا أن التكليف مقيد بالوسع، لكن هذا حال العمل، فإن له أن يعمل حال توجه الخطاب بالعقل لما في وسعه، ولا يأثم بما فعل عند ظهور الخطأ، فأما إذا ظهر خطؤه يقينا فكان فعله كلا فعل في حق وجوب الإعادة، كما في التحري في ثوبين أحدهما نجس، فإنه يعيد الصلاة هنا. وملخص جوابه بأن القبلة من قبيل ما يحتمل الانتقال لأنها انتقلت من بيت المقدس إلى الكعبة ومن الكعبة إلى الجهة ومنها إلى سائر الجهات إذا كان راكبا، فإن فعل حيثما توجهت إليه راحلته فيعيد ما صلى إلى الجهة بالتحري إذا تحرك رأسه، فينتقل فرض التوجه إلى تلك الجهة، فكما يبدل الرأي فيه بمنزلة الفسخ فيعمل به في المستقبل، ولا يعمل به بطلان ما مضى، كما في النسخ الحقيقي، بخلاف النجاسة ونحوها مما لا يحتمل الانتقال من محل إلى محل، فلم يحركه العمل إلا بظاهر ما أدى إليه تحريه، فإذا ظهر ما هو أقوى منه أبطله لأنه غير قابل للانتقال.
فإن علم ذلك وهو في الصلاة استدار إلى القبلة وبنى عليه؛ لأن أهل قباء لما سمعوا بتحول القبلة استداروا كهيأتهم في الصلاة، واستحسنه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وكذا إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها؛ لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقض المؤدى قبله. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فإن علم ذلك) ش: يعني خطأه م: (وهو في الصلاة) ش: أي والحال أنه في نفس الصلاة م: (استدار إلى القبلة) ش: بلا استئناف. م: (لأن أهل قباء لما سمعوا بتحول القبلة استداروا كهيأتهم، واستحسنه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا الحدث أخرجه البخاري ومسلم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أنزل عليه الليلة قرآنا، وقد أمرنا أن نستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» وأخرجه مسلم عن أنس وفيه: " وهم ركوع في صلاة الفجر ". وأخرج البخاري عن البراء قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، فإنه صلى أول صلاة صلاها العصر ومعه قوم» . الحديث. وفي لفظ آخر له: «وهم ركوع في صلاة العصر» . وروى ابن سعد عن الواقدي: ثنا عمر بن صالح مولى التوأمة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن سعد يقول: «صليت القبلتين مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر فاستدار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستدرنا معه» . قوله: بقباء بصم القاف والمد: قرية من قرى المدينة، قال أبو حاتم: من العرب من يصرفه ويجعله مذكرا، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه. قوله: استداروا؛ أي داروا من الدوران. وفي " الكافي " كيفية الاستدارة أن يبدأ من الجانب الأيمن لا من الجانب الأيسر. م: (وكذا إذا تحول رأيه إلى جهة أخرى توجه إليها) ش: صورته: صلى بالتحري ركعة إلى جهة ثم تبين خطؤه في الصلاة، حول وجهه إلى تلك الناحية وبقي على الأول، ولا يجب عليه شيء فيها، وبه قال ابن أبي موسى والأسدلي من الحنابلة. م: (لوجوب العمل بالاجتهاد فيما يستقبل من غير نقص المؤدى قبله) ش: المؤدى بفتح الدال. قوله: قبله؛ أي قبل تحريه إلى جهة أخرى وهو في الصلاة، لأن تبدل الرأي بمنزلة النسخ فيعمل في المستقبل لا في الماضي، كما في النسخ. وكذلك الأمة إذا] أعتقت في الصلاة أنها تأخذ قناعا وتبني، ولو شك وصلى من غير تحر فهو على الفساد ما لم يتبين الصواب بعد الفراغ. ولو علم في الصلاة أنه أصاب القبلة فعليه أن يستقبل صلاته لأن حاله قويت بالعلم، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، ذكر ذلك الأسبيجابي والمرغيناني.
ومن أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة، وكلهم خلفه، لا يعلمون ما صنع الإمام، أجزأهم؛ لوجود التوجه إلى جهة التحري، وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة بالجماعة، ومن علم منهم بحال الإمام تفسد صلاته؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوروي عن أبي يوسف جواز البناء، ولو كان في الزاوية إلى جهة فتركها وصلى إلى غيرها، فإنه لا تجوز صلاته وإن أصاب القبلة، لأنه تولى القبلة المتعينة عليه، وكذا لو أصاب في أثنائها يستقبل. وفي رواية أبي سليمان عن أبي يوسف أنه يجزئه لأنه أدرك المطلوب من الاجتهاد. وفي " المحيط ": لو كان بحضرته من يسأله عنها فصلى بالتحري، لا يجزئه إلا إذا أصاب القبلة، لحصول المقصود، ولو قام إلى الصلاة إلى جهة من غير شك ثم شك بعد ذلك، فهو على الجواز حتى يعلم يقينا فساده، فتجب عليه الإعادة، وإن علم فيها استقبل صلاته، ولو صلى بالتحري في أحد ثوبين ثم تحول تحريه إلى الثوب الآخر، فكل صلاة صلاها في الثوب الأول تجزئه، وإن علم النجاسة في الثوب الأول أعاد. وفي " المرغيناني ": صلى بالتحري في المفازة والسماء مصحية وهو لا يعرف النجوم، فتبين أنه أخطأ القبلة، قال ظهير الدين: يجوز، وقال غيره: لا يجوز. وفي " فتاوى السغناقي ": يجزئه ولم يقع تحريه على شيء، قيل: يؤخر الصلاة، وقيل: يصلي إلى أربع جهات، وقيل: يخير. وفي " المحيط ": دخل مصرا وعاين المحاريب لا يتحرى، وبه قال الشافعي، ولو دخل مسجدا لا محراب له وبحضرته أهله، لا يجزئه التحري إلا إن أصاب، ولو سألهم ولم يخبروه فتحرى وصلى جاز. م: (ومن أم قوما في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهة وكلهم خلفه لا يعلمون ما صنع الإمام أجزأهم) ش: أي الصلاة. فإن قلت: قوله: لا يعلمون ما صنع الإمام، مشكل، لأنه يجوز أن يعلموا حال الإمام بصوته لأنهم في صلاة الليل بدليل قوله: في ليلة مظلمة. قلت: يحتمل أن تكون الصلاة قضاء، أو يترك الإمام الجهر ناسيا، أو يكونوا قد عرفوا الإمام بصوته أنه قدامهم ولكن لم يميزوا من صوته إلى أي جهة توجه. م: (لوجود التوجه إلى جهة التحري) ش: وجهة التحري هي المتعينة، وقد وجدت م: (وهذه المخالفة غير مانعة) ش: لأن جهة تحري كل واحد قبلة له، فلا بأس بالاختلاف. م: (كما في جوف الكعبة بالجماعة) ش: فإنه لا يضر، فكذا ذاك، وبه قال الشافعي. وقال بعض أصحابه: عليهم الإعادة، كذا قال الأترازي وأخذ عنه الأكمل م: (ومن علم منهم) ش: أي من القوم المقتدين م: (بحال الإمام تفسد صلاته) ش: قال السغناقي: وهذا القيد وهو علم المقتدي حال
فكذا لو كان متقدما على الإمام؛ لتركه فرض المقام. ـــــــــــــــــــــــــــــQكونهم مأمومين ليس بلازم في سبق فساد صلاتهم، فإنه لو علم حال الإمام قبل الاقتداء فالحكم كذلك، وإن كان الإمام في وقت الاقتداء على الصحة، قال الأكمل: فيه نظر لأن قوله: ومن علم منهم حال إمامه، أعم من أن يكون علم قبل الاقتداء به أو بعده. قلت: في نظره مخالفة إمامه في الكعبة، لأن صلاة الكل إلى القبلة. م: (فكذا لو كان متقدما عليه) ش: أي فكذا الحكم لو كان المأموم متقدما على الإمام م: (لتركه فرض المقام) ش: أي لترك المأموم فرض مقامه، وهو تأخره عن الإمام.
[باب في صفة الصلاة]
باب في صفة الصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب في صفة الصلاة] م: (باب في صفة الصلاة) ش: أي هذا باب في بيان صفة الصلاة. ولما فرغ من ذكر الوسائل وهي الشروط والأسباب، شرع في بيان ما هو المقصود من ذكره وهو صفة الصلاة، والوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة والوزن والزنة، من يصف وصفا وصفة، من باب فعل يفعل، بفتح العين من الماضي وكسرها في المستقبل. وأصل يصف: يوصف، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، وأصل صفة: وصف، حذفت الواو تبعا لفعله وعوض عنها التاء، فصار صفة على وزن عدة، وجعلت التاء في آخره لأن العوض لا يكون موضع المعوض. فإن قلت: ما تقول في تخمة وتراث، فإن أصله وخمة ووراث. قلت: هذا بدل وليس بعوض كما عرفت في موضعه. فإن قلت: لم لا يجوز أن يقول وحده لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، فإن قلت: ما تقول في وجهة مع أن فيه الجمع بين العوض والمعوض. قلت: هذا ليس بمصدر جار على فعله، ويجوز أن يقال وإن كان مصدرا لم يحذف منه المعوض؛ تنبيها على أصله كما في قود واستحوذ. ثم إن الصفة والوصف مترادفان عند أهل اللغة وعند المتكلمين الوصف، كما في قولك: زيد عالم، وإلحاقه بالموصوف، أعني المعنى القائم بذاته. فإن قلت: قال: باب صفة الصلاة، ولم يقل: باب وصف الصلاة. قلت: ظهر لك جوابه بما ذكرنا إن كنت في ذكر منه، وقال الأكمل: الظاهر أن المراد بالصفة هنا الهيئة الحاصلة للصلاة بأركانها وعوارضها. قلت: ليس المراد الحاصلة، وإنما المراد وصف تلك الهيئة، والوصف هو لفظ الواصف مدلوله، فأطلق الصفة وأريد به الوصف إطلاقا لاسم المدلول على الدال. فإن قلت: ما هذه الإضافة في صفة الصلاة؟ قلت: إضافة الجزء إلى الكل لأن كل صفة من هذه الصفات جزء الصلاة. فإن قلت: الصفة عرض والصلاة كذلك فكيف يقوم العرض بالعرض؟ قلت: جاز أن يوصف العرض بالصفات الذاتية كاللونية واستحالة البقاء، فيقال: السواد عرض، ولون مستقبل البقاء، وإنما لا يوصف بالصفات الزائدة على الذات، كالبقاء والحياة والقدرة، مع أن الأفعال الشرعية لها حكم الجواهر، فلذلك يوصف بالصحة والفساد والجواز
[فرائض الصلاة]
فرائض الصلاة ستة: التحريمة ـــــــــــــــــــــــــــــQوالبطلان ونحو ذلك، على أن هذا الباب مختلف فيه. [فرائض الصلاة] [تكبيرة الإحرام] م: (فرائض الصلاة ستة) ش: الفرائض جمع فريضة، وهي ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه. قوله: ستة؛ أي ستة أشياء، فيقال للمذكر بتاء التأنيث وللمؤنث بدون التاء، تقول ثلاثة رجال وثلاث نسوة إلى عشرة رجال وعشر نسوة. وفي بعض النسخ فرائض الصلاة ست، وهي على القياس، وتؤول النسخة الأولى على أن المراد بالفرائض الفروض، جمع فرض، والمراد من الصلاة الفرض لأن القيام في النافلة ليس بفرض. فإن قلت: لم لم يقل: أركان الصلاة. قلت: لأن الفرض أعم من الأركان، لأن الفرض يطلق على الركن والشرط أيضا، وأيضا لو قال: أركان الصلاة لكان خرج منها التحريمة؛ لأنها شرط على قول عامة المشايخ لا ركن. ونقل عن فخر الإسلام أنها ركن، ولذلك اختلفوا في ركنية القعدة الأخيرة. فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يذكر التحريمة مع الشروط. قلت: إنما هو ذكرها مع الأركان لشدة اتصالها بالصلاة، فحيث تنفك عنها وليست كسائر الشروط. فإن قلت: كان ينبغي أن تكون الفروض سبعة؛ لأن الخروج عن الصلاة بفعل المصلي فرض. قلت: أراد بها الفرائض التي اتفق عليها أصحابنا الثلاثة، على أن الكرخي نقل عن أبي حنيفة أنه ليس بفرض. والشرط ما يتوقف عليه المشروط وهو خارج عن ماهيته، والركن ما يتوقف عليه وهو داخل في ماهيته، والفرض أعم منهما. ونقل عن مولانا حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - يشترط لثبوت الشيء ستة أشياء: العين، وهو عبارة عن ماهية الشيء، والركن، وهو عبارة عن جزء الماهية، والحكم وهو الأثر الثابت به، والمحل، والشرط، والسبب. فالعين الصلاة ههنا، والأركان: القيام والقراءة، إلى آخر ما ذكر، والمحل: الآدمي المكلف، والشرط: ما تقدم من طهارة البدن والثوب وغير ذلك، والسبب: الأوقات. م: (التحريمة) ش: أي أول الفرائض التحريمة، وهي تكبيرة الافتتاح. والتحريمة جعل الشيء محرما، والهاء فيها لتحقيق الاسمية، قاله الأكمل أحسن من صاحب " الدراية ". قلت: الظاهر أن يكون للأفراد، وإنما اختصت التكبيرة الأولى بهذا الاسم لأنها تحرم
[القيام في صلاة الفرض]
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) . والمراد: تكبيرة الافتتاح، والقيام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ـــــــــــــــــــــــــــــQالأشياء المباحة قبلها بخلاف سائر التكبيرات، كذا في " المستصفى ". م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية: 3) والمراد تكبيرة الافتتاح) ش: الفاء فيه للتنبيه؛ كأنه قال: والذي رباك فكبر. وقال الأكمل: دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قال: أي شيء كان فلا تدع تكبيره. وقلت: نقله عن " الكشاف "، والأمر للوجوب وإلا لكان يجب فيه إلا في افتتاح الصلاة، والمعنى على الحقيقة: خص ربك بالتكبير، وهو الوصف بالكبرياء، وأن يقال: الله أكبر. اعلم أنه ثبت فرضية التكبيرة الأولى بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] (الأعلى: الآية 15) نزلت هذه الآية في التكبيرة الأولى، وقَوْله تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) والمراد به في الصلاة إذ لا يجب خارج الصلاة بإجماع أهل التفسير. أما بالسنة: فما روي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» . رواه الترمذي وابن ماجه، على ما نذكره إن شاء الله تعالى. وأما الإجماع فلأنه لم يخالف أحد في وجوبه، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " قلت: ما ذكر في " مبسوط السرخسي " أنه التكبير، فلا بد فيه للشروع في الصلاة، إلا على قول أبي بكر الأصم وإسماعيل بن علية، فإنما يقولان: يصير تنازعا بمجرد النية والأذكار التكبيرية والقراءة عندهما ونية الصلاة؛ والمراد تكبيرة الافتتاح؛ أي بإجماع أئمة التفسير. ولأن سائر التكبيرات ليس بفرض بالإجماع، فتعين هذا الفرضية فلا يؤدي إلى تعطيل النص. [القيام في صلاة الفرض] م: (والقيام) ش: الفريضة الثانية هي القيام في الصلاة الفرض، لأن القيام في النافلة ليس بفرض على ما تقدم. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ش: وجه الاستدلال أن الله عز وجل أمر بالقيام، والأمر للوجوب، وليس القيام واجبا خارج الصلاة، فكان واجبا فيها ضرورة، والنفل خارج لعدم تناول الأمر إليه. قوله: قانتين، حال من الضمير الذي في قوموا، ومعناه ساكتين وتاركين الكلام، يدل عليه حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قَوْله تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» رواه الجماعة غير ابن ماجه، وقيل: معنى القنوت
[قراءة القرآن والركوع والسجود في الصلاة]
والقراءة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . والركوع والسجود؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: و {اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) والقعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد؛ «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين علمه التشهد: "إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك".» ـــــــــــــــــــــــــــــQالطاعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب: 35] (الأحزاب: الآية 35) . وقيل: القنوت الخشوع؛ أي خاشعين. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - القنوت: طول القيام في الصلاة. [قراءة القرآن والركوع والسجود في الصلاة] م: (والقراءة) ش: أي الفريضة الثالثة قراءة القرآن. م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] المزمل: الآية 20) ش: وجه الاستدلال أنه أمر بالقراءة، والأمر للوجوب، فلا وجوب خارج الصلاة بالإجماع، فثبت في الصلاة والاعتبار كما تقدم عن أبي بكر الأصم أن القراءة ليست بفرض في الصلاة لأنه خرق للإجماع، وكذا نقل عن الحسن، وسيجيء مزيد الكلام في آخر باب النوافل، وكذلك يجيء هل هي فرض في جميع الصلاة أو ههنا؟ ثم الأمر بالقراءة أعم من أن تكون قراءة الفاتحة أو غيرها، فلأن تشترط قراءة الفاتحة للجواز لأن مطلق القراءة كما يوجد في ضمن الفاتحة يوجد في ضمن غيرها من السور. م: (والركوع) ش: أي الفريضة الرابعة الركوع م: (والسجود) ش: أي الفريضة الخامسة السجود م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا} [الحج: 77] الحج: الآية 77) ش: الواو في قوله: واركعوا، سهو؛ لأنها ليست من القرآن، وجب الاستدلال على ما مر الآن، وقيل: كان الناس أول ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) . أي اقصدوا بعبادتكم في ركوعكم وسجودكم وجه الله تعالى، كذا قال الزمخشري. [القعدة في آخر الصلاة والتشهد والسلام] م: (والقعدة في آخر الصلاة) ش: أي الفريضة السادسة: القعود في آخر الصلاة. م: (مقدار التشهد) ش: أي مقدار ما يأتي فيه بكلمتي التشهد، والأصح قدر ما يمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله: عبده ورسوله، وذكر القولين في " الينابيع ". وقال في " المحيط ": هو من جملة الفروض دون الأركان، وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما، وقيل: هو سنة، وبه قال مالك م: «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين علمه التشهد: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا، فقد تمت صلاتك» ش: أخرجه أبو داود في "سننه " حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير ثنا الحسن عن القاسم بن مخيمرة قال: «أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذه بيده وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل حديث دعاء الأعمش: "إذا قلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد» ، وكذا رواه أحمد في مسنده: ثنا الفضل بن دكين الملائي ويحيى بن آدم قالا: حدثنا زهير بن معاوية بن خديج به، فذكر التشهد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبحروفه وفي آخره: «فإذا قلت هذا فقد قضيت ما عليك، إن شئت أن تقوم فقم» . وقول أبي داود: فذكر مثل دعاء حديث الأعمش، أراد به ما رواه أولا: حدثنا مسدد ثنا يحيى عن سليمان الأعمش قال: حدثني سفيان بن سليمان عن عبد الله بن مسعود قال: «كنا إذا جلسنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتخذ أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» . ثم اعلم أن أصحابنا استدلوا بالحديث الذي ذكره في الكتاب في مسائل، الأولى استدلوا به على فرضية القعدة الأخيرة، وذلك لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - علق الصلاة بالقعود، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وهو حجة على مالك حيث لم يفرض القعدة الأخيرة. فإن قلت: كلمة أو لأجل السبق وليس فيه دلالة على ما ادعيتم. قلت: معناه: إذا قلت هذا وأنت قاعد أو قعدت ولم تقل، فصار الخبر في القول لا في الفعل؛ إذ الفعل ثانيه في الحالين، وتحقيق وجه الاستدلال به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالفعل قراءة ولم يقرأ لأنه علق بأحد الأمرين من قراءة التشهد والقعود، وأحدهما وهو القراءة لم تشرع بدون الآخر، حيث لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا فيه، وانعقد على ذلك الإجماع، فكان الفعل موجودا على تقدير القراءة البتة، وكان هو المعلق به في الحقيقة لاستلزامه الآخر، وكلما علق بشيء لا يوجد بدون الفعل، وتمام الصلاة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالقعدة واجبة؛ أي فرض. فإن قلت: هذا خبر واحد، وهو بظاهره لا يقيد الفرضية، فكيف مع هذا التكلف العظيم. قلت: إن قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] (البقرة: الآية 43) مجمل، وخبر الواحد لحق بيانا له، والمجمل من الكتاب إذا لحقه البيان الظني يفيد الفرضية، لأن الحكم بعده يكون مضافا إلى الكتاب لا إلى البيان في الصحيح. فإن قلت: لم لا يكون الأمر في القراءة ويكون فرضا؟ قلت: لأن نص القراءة ليس بمجمل بل هو خاص، فتكون الزيادة عليه نسخا بخبر الواحد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو لا يجوز. وههنا جواب آخر، وهو أن خبر الواحد إن كان متعلقا بالقبول جاز إثبات الركنية به، فبالطريق الأولى أن يثبت به الفرضية لأن درجات الركنية أعلى، وقد بينا ركنية الوقوف بعرفات لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحج عرفة» ، والوقوف معظم أركان الحج لا محالة، والقعدة الأخيرة فرض والمصنف صرح به حيث ذكرها في الفرائض، فجاز أن تثبت بخبر تُلقي بالقبول. وذكر في " الإيضاح ": أما القعدة الأخيرة فمن جملة الفروض وليست من الأركان، لأن ركن الشيء ما يفسر به ذلك الشيء، وتفسير الصلاة لا يقع بالقعدة وإنما يقع بالقيام والقراءة والركوع والسجود، ووجه القعدة من جملة الأركان لتوقف الحنث عليها، وإنما تقدمت الركنية في القعدة لأنها اعتبرت بغيرها لا بعينها لأن الصلاة التعظيم وهو بالقيام، ويزداد بالركوع ويتناهى بالسجود والقعدة للخروج، فافهم. فإن قلت: هذا الكلام، أعني قوله: إذا قلت هذا إلخ. مدرج وليس من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال البيهقي: بين ذلك شبابة بن سوار في رواية عن زهير بن معاوية، وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أصح من قول من جعله من كلام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ورواه ابن ثوبان عن الحسن بن الحر أنه من كلام ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال ابن حبان بعد أن أخرج هذا الحديث في " صحيحه ": وقد أوهم هذا الحديث من لم يحكم الصناعة أن الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست بفرض، فإنه قوله. إذا قلت: هذه زيادة أخرجها زهير بن معاوية في الخبر عن الحسن بن الحر قال: ذكر بيان أن هذه الزيادة من قول ابن مسعود لا من قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأن زهيرا أدرجه في الحديث، ثم أخرجه عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة به سندا ومتنا، وفي آخره قال ابن مسعود: فإذا فرغت من صلاتك فإن شئت فاثبت وإن شئت فانصرف. ثم أخرجه عن حسين بن على الجعفي عن الحسن بن الحر، وفي آخره قال الحسن: وزاد محمد بن أبان بهذا الإسناد قال: فإذا قلت هذا فإن شئت فقم، قال: محمد بن أبان ضعيف. وقال الدارقطني في " سننه ": هذان أخرجا هذا الحديث هكذا، أدرجه بعضهم في الحديث عن زهير ووصله بكلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفصله شبابة بن سوار عن زهير بجعله من كلام ابن مسعود وهو أشبه بالصواب. قلت: الجواب عن جميع ما ذكروه من وجوه: الأول: أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، ولو كان فيه ما ذكره لبينه، لأن عادته في كتابه أن يلوح على مثل هذه الأشياء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثاني: أن أبا زيد الدبوسي من عم هو وغيره، وأن هذه الزيادة رواها أبو داود الطيالسي. وروى ابن داود العتبي وهشام بن القاسم ويحيى بن أبي بكر كثير، ويحيى بن يحيى النيسابوري في آخرين متصلا، فرواية من رواه مفصولا لا يقطع بكونه مدرجا؛ لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره، فسمعه هؤلاء متصلا وهذا منفصلا، وجدنا في كتاب النسائي من حديث الإفريقي عن عبد الله بن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا أحدث الرجل في آخر صلاته قبل أن يسلم فجازت صلاته» . الثالث: أن عبد الرحمن بن ثابت الذي ذكره البيهقي قد ضعفه ابن معين هو بنفسه، ذكره في باب التكبير أربعا. وكذلك عنان بن الربيع الذي روى عن عبد الرحمن بن ثابت، ضعفه الدارقطني وغيره، فمثل هذا لا يعلل رواية " الجامع الصغير " الذي جعلوا هذا الكلام بالحديث، وعلى تقدير صحة السند الذي روي فيه موقوفا، فرواية من وقف لا يعلل بها رواية من رفع؛ لأن الرفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل الفقه والأصول، فيحمل على أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمعه من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرواه بذلك مرة وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى من جعله من كلامه، إذ فيه تخطئة الجماعة الذين وصلوا. ولئن سلمنا وصوله، فالوهم في رواية من أدرجه لا يتعين أن يكون الوهم من زهير، بل ممن رواه عنه موقوفا، والثانية أن هذا ينافي فرضية الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصلاة؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - علق التمام بالقول، وهو حجة على الشافعي، وأيضا أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم التشهد لعبد الله بن مسعود ثم أمره عقبه أن يتخذ من الدعاء ما شاء ولم يعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضا لعلمه، إذ موضع التعلم لا يؤخر لبيان الواجب. وأيضا علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأعرابي أركان الصلاة، ولم يعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضا لعلمه. وكذا لم يرو في تشهد أحد من الصحابة، فمن أوجبها فقد خالف الآثار. وقد قال جماعة من أهل العلم أن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة مقتدى به، منهم ابن المنذر وابن جرير الطبري والطحاوي، وسيأتي مزيد الكلام فيه. الثالثة: أن هذا ينافي فرضية السلام في الصلاة؛ لأنه عزم أمر المصلي بعد القعود بقوله: إن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد، وهو حجة على الشافعي أيضا، حيث افترض السلام. الرابعة: استدل به أبو يوسف ومحمد في المسائل الاثني عشرية أن الصلاة لا تبطل فيها لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالقعود ولم يعلق عليه شيئا. واعتراض العوارض قبل السلام كاعتراضها بعد.
[سنن الصلاة]
علق التمام بالفعل، قرأ أو لم يقرأ. قال: وما سوى ذلك فهو سنة، أطلق اسم السنة وفيها واجبات: كقراءة الفاتحة، وضم السورة إليها. ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأفعال، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (علق التمام بالفعل) ش: أي علق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إتمام الصلاة بالفعل م: (قرأ أو لم يقرأ) ش: قرأ التشهد أو لم يقرأ، فكان الفعل هو اللازم دون القول، لأن الفعل أقوى من القول، فكان اعتباره أولى، بدليل أن القادر على الفعل والعاجز عن القول يلزمه الفعل، كالأمي، والعاجز عن الفعل والقادر على القول لا يلزمه القول، كالعاجز عن القعدة، فتعلقت الفرضية بالأقوى وهو الفعل دون القول، ولأنه ثبت باتفاق الأخبار أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما سلم إلا بعد القعدة، والأمر بالصلاة مجمل، فيكون فعله بيانا، كذا في " الأسرار " وفي " الجنازية ": ذكر في القرآن: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: 72] ولم يعلم تمامها في أي وقت، فالحديث يبين تمامها في القعدة. فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن تكون القعدة الأولى فرضا أيضا لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بها وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلى» فصار بيانا لمجمل الكتاب أيضا. قلت: روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سها عن القعدة الأولى، فأعلم بذلك فلم يفعل فسجد للسهو، فدل على أنها ليست بفرض. وفي " الدراية ": أن الفريضة لا تثبت ابتداء بخبر الواحد، أما البيان به فيصح، كما في مسح الرأس، والتحقيق في هذا الموضع أن القعدة فرض، عملا لا اعتقادا؛ إذ بخبر الواحد يثبت هذا الفرض، كالوتر عند أبي حنيفة لأنه في درجة الواجب، ولهذا لا يكفر منكر فرضيتها، كمالك وأبي بكر الأصم والزهري؛ لأنه عندهم سنة إلا مقدار إيقاع السلام، ولأن الإتيان بالسلام واجب ومحله القعدة، فيراد القعود لغيره فيتعذر به. [سنن الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما سوى ذلك فهو سنة) ش: أي وما سوى ما ذكرنا من الفرائض الستة فهو سنة. وفي " المجتبى " يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الفرائض المذكورة، وإليه ذهب أكثر الشارحين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قدر التشهد، فيكون إخبارا عن القعود الذي يصلي فيه على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدعو ويسلم وهو الأشبه، لأن الفقهاء جعلوا أفعال الصلاة أقساما وواجبات. فالواجبات ثمانية، وهي مذكورة في الكتاب، والسنن ما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المواظبة ولم يترك إلا بعذر: كالثناء والتعوذ في تكبيرات الركوع والسجود، والآداب ما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة أو مرتين، كزيادة التسبيحات فيها والزيادة على القراءة المستوية. م: (أطلق) ش: أي القدوري م: (اسم السنة وفيها) ش: أي والحال أن في السنة م: (واجبات كقراءة الفاتحة وضم السورة إليها) ش: أي إلى الفاتحة أو ثلاث آيات، ويكره ضم آية أو آيتين إليها، نص على ذلك في " الذخيرة " و " المرغيناني " م: (ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأفعال) ش: أي في الذي شرع حال كونه مكررا، أراد به السجود؛ لأنه شرع في كل ركعة مكررا ومراعاة الترتيب فيه واجبة، حتى ترك سجدة من الركعة الأولى لا تفسد صلاته، ويجوز قضاؤه في الثانية.
والقعدة الأولى، وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة، والقنوت في الوتر، وتكبيرات العيدين، والجهر فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت فيه، ولهذا تجب عليه سجدتا السهو بتركها، هذا هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " الحواشي ": لو تذكر في الركوع الثاني: أنه ترك سجدة من الركعة الأولى، فانحط من ركوعه فسجد، لا يلزمه إعادة الركوع، وكذا الترتيب فيما بين الركعات ليس بفرض، فإن المسبوق إذا قام إلى قضاء ما سبق به يصلي أول الثانية عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وفي " الجنازية ": الترتيب فرض فيها، اتخذت شرعيته في كل ركعة، كالقيام والركوع، أو اتخذت شرعيته في جميع الصلاة كالقعدة، حتى لو قعد قدر التشهد ثم عاد إلى السجدة الثانية، أو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ السورة نقض ما أدى قبله من الركوع. م: (والقعدة الأولى) ش: عند المتأخرين وعند الطحاوي والكرخي سنة. وفي " التحرير " القعدة الأولى في الفرض واجبة، وكذا قراءة التشهد فيها، وهو المختار، وقيل: سنة، وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة. قال في " المحيط ": وهو الأصح، وقال مالك: الجلسة الأولى سنة، ولو تعمد تركها تفسد صلاته، ذكره في " التمهيد ". فإن قلت: لو لم يذكر قراءة التشهد في القعدة الأولى، وهي واجبة أيضا، كذا ذكره في باب سجود السهو من الكتاب. قلت: لم يلزم ذلك جميع الواجبات، قاله السغناقي. قلت: يجوز أن يكون تركه ههنا إشارة إلى أنها سنة، كما قاله البعض، كما ذكرنا. م: (وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة) ش: وكعن أبي يوسف روايتان م: (والقنوت في الوتر) ش: في " المبسوط ": قنوت الوتر سنة م: (وتكبيرات العيدين) ش: وفي " المبسوط " سنة م: (والجهر فيما يجهر) ش: أي في الصلاة التي يجهر فيها، كالمغرب والعشاء والصبح م: (والمخافتة فيما يخافت فيه) ش: أي في الصلاة التي يخافت فيها بالقراءة، كالظهر والعصر، هذا في حق الإمام دون المنفرد. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجوب هذه الأشياء المذكورة م: (تجب سجدة السهو بتركها) ش: أي بترك هذه الأشياء المذكورة ساهيا تجب سجدتا السهو لأن سجود السهو لا يجب إلا بترك الواجب. م: (هذا هو الصحيح) ش: أي وجوب سجود السهو بترك كل واحد من الأشياء المذكورة هو الصحيح. واحترز به عما ذكر في " المبسوط " من جواب القياس في تكبيرات العيدين والقنوت إذا تركهما لا يجب سجود السهو. وكذا القياس في قراءة التشهد في القعدة الأولى لما أنها أذكار، وبنى الصلاة على الأفعال فلا يدخل كثير نقصان. وفي " الاستحسان " وجوب سجود السهو تضاف إلى الصلاة، حيث قال: تكبيرات العيد
وتسميتها سنة في الكتاب لما أنه ثبت وجوبها بالسنة. قال: وإذا شرع في الصلاة كبر؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوقنوت الوتر وتشهد الصلاة. فإذا تحصل النقصان بتركها فتجبر بالسهو، وثناء الافتتاح لا يضاف إلى الصلاة. وفي " الجنازية ": قوله: هو الصحيح، احتراز عن قول البعض: إن ترك الجهر والمخافتة مما يجهر ويخافت، لا يجب السهو؛ لأنهما ليسا بمقصودين، فكانا كالقومة بين الركوع والسجود، وقيل: تعلق بالجهر الاستماع، وهو مقصود، وبالمخافتة دفع إيذاء الكفرة، فإذا تعلق بهما معنى مقصود فصارا مقصودين بنفسيهما فيتعلق بتركهما سجود السهو، وفيه نظر. ونص أيضا في " المحيط " على وجوب سجود السهو بترك القومة، ولم يحك فيه خلافا. م: (وتسميتها سنة) ش: أي تسمية هذه الواجبات سنة م: (في الكتاب) ش: أي في القدوري (لما أنه ثبت وجوبها بالسنة) ش: أي لأجل أن الشأن يثبت وجوب هذه الأشياء معنى بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب مجازا. وقال الأكمل: وقيل: قوله: وتسميتها سنة اهـ. ليس بجيد لأنه يلزم منه الجمع بين الحقيقة والمجاز، لأنه حينئذ يكون المراد السنة والواجب أيضا لأنه ثبت بالسنة أيضا. قلت: هذا السؤال للأترازي، حيث قال في شرح بيانه، أن لفظ السنة إذا أريد به السنة تكون الحقيقة، وإذا أريد به الواجب يكون مجازا. وههنا أراد صاحب القدوري بقوله: وما سوى ذلك فهو سنة، الواجب والسنة جميعها؛ لأنه لم يرد به الواجب وحده أو السنة وحدها، فالجواب عنه، وقد سكت عنه الشارحون، ثم قال الأكمل: وأجيب، إلى آخره، هو جواب الأترازي، فقال: قلت: والجمع بين الحقيقة والمجاز في محلين مختلفين يجوز على مذهب بعض العراقيين من أصحابنا، والشيخ أبو الحسن العراقي منهم، فلا يرد على هذا السؤال أيضا، ثم قال الأكمل: وخلله ظاهر، والحق أنه ليس من باب الجمع بينهما، بل المراد بقوله: فهو سنة، ثابتة بالسنة والواجبات، والسنن المذكورة في هذا الباب داخلة تحت هذه اللفظة بطريق الحقيقة. م: (قال: وإذا شرع في الصلاة كبر) ش: أي إذا أراد الشروع في الصلاة قال: الله أكبر، لأن التحريمة ليست بعد الشروع بل الشروع يتحقق بها. وقوله: في الصلاة، أعم من أن تكون فرضا أو نفلا، وهذا عند العامة. وقال ابن المنذر: وشذ الزهري وقال: يدخل فيها بمجرد النية، قال: ولم يقله أحد. قلت: قال في " المبسوط " و " شرح مختصر الكرخي ": هو قول إسماعيل بن علي وأبي بكر الأصم، وقال أبو عمر في" التمهيد ": وهو قول الأوزاعي وطائفة، قال في " المبسوط " و " الوتري ": الأخرس والأمي الذي لا يحسن شيئا فيصير شارعا فيها بالنية ولا يلزمه تحريك اللسان، وهو الصحيح من قول أحمد خلافا للشافعي. وعن الحسن وعطاء وابن المسيب وقتادة والحكم والأوزاعي فيمن نسي التكبير أن تكبير الركوع يقوم مقامه.
لما تلونا، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تحريمها التكبير» ـــــــــــــــــــــــــــــQ\ وللأترازي هنا سؤال، وهو أن استعارة المسبب للسبب لا يجوز، فكيف جاز ههنا، وأجاب بأن عدم الجواز إنما يكون إذا لم يكن المسبب خاصا بذلك. وأما إذا اختص به فيجوز، والشروع في الصلاة تختص بالإرادة، لا يكون بدونها، فجاز إرادة الإرادة منه مجازا. قلت: هذا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [الإسراء: 45] (الإسراء: الآية 45) أي إذا أردت قراءته، فيكون إطلاق اسم الملزوم على اللازم. م: (لما تلونا) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) . م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تحريمها التكبير» ش: هو عطف على قوله: لما تلونا. والحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الأول: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» . وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبيل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه، قال محمد: هو مقارب الحديث. رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في "مسانيدهم"، وقال النووي في " الخلاصة ": وهو حديث حسن. الثاني: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي وابن ماجه من حديث طريف بن شهاب، أبي سفيان السعدي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. الثالث: عبد الله بن زيد، أخرج حديثه الدارقطني في سننه والطبراني في " معجمه الأوسط " عنه نحوه، وفيه الواقدي، وتفرد به، ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وفيه محمد بن موسى بن
وهو شرط عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى إن من يحرم للفرض كان له أن يؤدي بها التطوع عندنا، ـــــــــــــــــــــــــــــQسليمان قاضي المدينة وأعله به، وقال أنس: يسرق الحديث، ويروي الموضوعات عن الأثبات. الرابع: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد والبزار والطبراني من حديث مجاهد عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه أبو يحيى العتاب وهو ضعيف. قوله: تحريمها، مبتدأ، وخبره: التسليم، والتحريم مصدر من حرم بالتشديد، وهو مضاف إلى فاعله، وهو الصلاة، ولا يقدر له مفعول، لأن المقصود إثبات التحريم لها لا إيقاعه على شيء آخر لأن ذلك غير شرط، وكذلك الكلام في قوله: وتحليلها التسليم. فإن قلت: كيف قلت: إنه مضاف إلي فاعله. قلت: لأن الصلاة هي التي تحرم وتحلل. وقال الأزهري: أصل التحريم المنع، يسمى التكبير تحريما لأنه يمنع المصلي من الكلام والأكل والشراب وغيرهما. م: (وهو شرط عندنا) ش: أي تكبير الشروع شرط في خارج الصلاة م: (خلافا للشافعي) ش: فإنه عنده ركن، وبه قال مالك وأحمد وآخرون م: (حتى إن من يحرم للفرض جاز أن يؤدي بها) ش: أي بتلك التحريمة م: (التطوع) ش: لأن التحريمة لما كانت شرطا جاز أداء النفل بتحريمة الفرض، وعند الشافعي لما كانت ركنا فلم يجز به، وكذلك إذا كبر وفي يده نجاسة فألقاها عند فراغه منها، أو شرع في التكبيرة قبل ظهور زوال الشمس ثم ظهر الزوال عند فراغه منها، أو مكشوف العورة فسترها بعمل يسير عند الفراغ منها، أو شرع في السنة قبل السلام من غير تحريمة يصير شارعا فيها عندنا، خلافا له. وقال شرف الأئمة: يصح بناء العصر على تحريمة الظهر وبناء الفرض على تحريمة النفل، وعلى العكس، والقضاء على الأداء لأن التكبير شرط، وبما قاله شرف الأئمة يحصل الجواب عما قاله الأكمل ناقلا عن السغناقي، وهو أن الأقسام العقلية أربعة: بناء الفرض على الفرض، وبناء النفل على النفل، وبناء النفل على الفرض، وهو المذكور في الكتاب، فهل يجوز غيره من الأقسام
وهو يقول: إنه يشترط لها ما يشترط لسائر الأركان، وهذا آية الركنية، ولنا أنه عطف الصلاة عليه في قَوْله تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] ومقتضاه المغايرة، ولهذا لا يتكرر كتكرار الأركان ومراعاة الشرائط لما يتصل به من القيام. ـــــــــــــــــــــــــــــQالباقية أو لا؟. وأما قوله: وأما بناء الفرض على النفل، قيل: لم توجد فيه رواية، والظاهر عدم الجواز، فرد أيضا بما ذكرنا. وقوله: لم توجد فيه رواية، غير صحيح؛ لأنه روي عن أبي الرجاء جواز ذلك، ذكره في " الدراية ". م: (وهو يقول) ش: أي الشافعي يقول: الاستدلال فيما ذهب إليه م: (إنه يشترط لها) ش: أي للتحريمة م: (ما يشترط لسائر الأركان) ش: مثل استقبال القبلة وستر العورة والطهارة والنية والوقت م: (وهذا آية الركنية) ش: أي الاشتراط لها مثل ما يشترط لسائر أركان الصلاة علامة كونها ركنا كسائر الأركان. م: (ولنا أنه عطف الصلاة عليه) ش: الضمير في أنه يجوز أن يعود إلى الله، وعطف أيضا على صيغة المعلوم؛ أي ولنا أن الله تعالى عطف الصلاة عليه، أي على التكبير، ويجوز أن يكون الضمير ضمير الشأن وعطف على صيغة المجهول في النص، م: (في قَوْله تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] ش: (الأعلى: 15) وعطف الصلاة بحرف الفاء على الذكر، والذكر الذي تعقبه الصلاة بلا فصل ليس إلا التحريمة بالاتفاق، فيقتضي هذا النص أن يكون التكبير خارج الصلاة، إذ التكبير لا يجب مرتين بالإجماع فتكون الصلاة المعطوفة خارجة عنه، وهو معنى قوله. م: (ومقتضاه المغايرة) ش: بين المعطوف والمعطوف عليه، ولو كان ركنا لما جاز ذلك لأنه يلزم عطف الكل على الجزء، وفيه عطف الشيء على نفسه لاشتمال الكل على جزئه م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن تكبير الشروع شرط م: (لا يتكرر كتكرار الأركان) ش: في كل صلاة كالركوع والسجود، فلو كان ركنا تكرر كما تكرر الأركان. فإن قلت: القراءة ركن فلا يشترط تكرارها. قلت: القراءة متكررة أيضا بدليل افتراضها في الركعة الثانية كما في الأولى في الفرض وفي غيره كل الركعات. م: (ومراعاة الشرائط لما يتصل به من القيام) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي يشترط للتكبير ما يشترط لسائر الأركان، يعني مراعاة الشرائط لأجل القيام الذي يتصل بالتكبير لأجله عملا بموجب الفاء في النص، فلو لم يشترط فيه ما يشترط في الصلاة يؤدي ذلك إلى الفصل بينه وبينها، وهذا كعبد اشتراه الهاشمي فإنه يأخذ حكم المولى في حرمان الزكاة للاتصال به لا لذاته
[رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام]
قال: ويرفع يديه مع التكبير وهو سنة، لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - واظب عليه، ـــــــــــــــــــــــــــــQكذا في " الجنازية "، قال صاحب " الدراية ": وهذا منقوض بالنية فإنها شرط بالإجماع، ويشترط لها ما يشترط لسائر الأركان. قلت: النية أمر باطني فلا يورد لها على الأمور الظاهرة. [رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويرفع يديه مع التكبير) ش: أي يرفع المصلي يديه مصاحبا للتكبير، وقال في " المحيط ": يجعل باطن يديه مستقبل القبلة ناشرا أصابع يديه؛ لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كبر للصلاة نشر أصابعه» ، ورواه الترمذي وابن خزيمة في " صحيحه " وفي " المبسوط ": لا يكلف بتفريج الأصابع عند الرفع، ومعنى الحديث المذكور ناشر إلى الكف، وقال شيخ الإسلام: فمن الناس من ظن أنه أراد بنشر الأصابع أن يفرج بين الأصابع تفريجا، وهو غلط، ولكن أراد به [......] كما يكون في الثوب أي لا يرفع يديه مضمومتين بل يرفعهما منصوبتين حتى تكون الأصابع مستقبل القبلة بالكفين، ونشر الأصابع فيه سنة , وإخراج اليدين عن الكمين سنة [ ... ] وفي " الحاوي " للماوردي: يجعل بطن كل كف إلى القبلة. وقيل: يجعل بطن كل كف إلى الأخرى. م: (وهو سنة) ش: أي رفع اليدين سنة في أول الصلاة عنه وهو الصحيح، روي ذلك عن أبي حنيفة نصا، فإن تركه قيل: يأثم، وروي عن أبي حنيفة ما يدل على هذا القول فإنه قال: إن تركه جاز وإن رفع كان أفضل، وقال الصفار: إن اعتاد تركه أثم. ونقل القدوري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا نقل بخلافهم. ونقل عن الحسن المروزي أن ترك رفع اليد في تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة، وهو مردود بالإجماع. وذكر في " القواعد " لابن رشد من المالكية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن رفع اليدين فرض. وعند داود وجماعة من أصحابه الظاهرية، فمنهم من أوجبه في تكبيرة الافتتاح فقط، ومنهم من أوجبه فيه وعند الانحطاط للركوع والارتفاع منه، ومنهم من أضاف إلى ذلك السجود، أيضا يجب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها. م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - واظب عليه) ش: أي رفع اليدين في أول الصلاة، ومواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معروفة في أحاديث صفة صلاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حديث ابن عمر، أخرج حديثه الأئمة الستة في كتبهم عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استفتح الصلاة رفع يديه» . الحديث، ومنها حديث أبي حميد الساعدي قال: «كان
وهذا اللفظ يشير إلى اشتراط المقارنة، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمحكي عن الطحاوي، ـــــــــــــــــــــــــــــQرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه» وسيأتي قريبا، أخرجه الجماعة إلا مسلما، ومنها ما أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه» ، والعجب من الأكمل يقول: رفع اليدين في أول الصلاة سنة بلا خلاف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه مع الترك، وهو علامة السنة، بخلاف ما إذا كان بلا ترك، فإن ذلك دليل الوجوب. قلت: كيف يقول: واظب عليه مع الترك، فمن أين أخذ هذا وجميع الأحاديث التي رويت في صفة صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدل صريحا على رفع اليدين في أول الصلاة، حتى قال ابن المنذر: لم يختلف أهل العلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه إذا افتتح، فلذلك ذهب قوم إلى وجوبه كما ذكرنا. وقال قوم: بلا خلاف، يدل على عدم اطلاعه؛ فإن فيه خلافا، وإن كان الجمهور على خلافه، والعجب من الأترازي أيضا أنه يقول: رفع اليدين سنة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم الأعرابي واجبات الصلاة، ولم يذكر رفع اليدين. قلت: كيف يدل هذه على سنية رفع اليدين؟ بل يدل هذا صريحا على كونه غير سنة، ولا يلزم من عدم ذكره الرفع فيه عدم كونه سنة، ومع هذا شارح الكتاب وصاحب الكتاب في واد وهو في واد. قال السغناقي: فإن قلت: المواظبة دليل الوجوب، فكيف استدل بها على السنية؟ ثم أجاب بما حاصله: أن المصنف قال في آخر باب إدراك الفريضة: لا سنية دون المواظبة، ثم قال: المواظبة إنما تكون دليل الوجوب إذا كانت من غير ترك، وثبت الترك ههنا، فإن شمس الأئمة السرخسي قال في تعليل هذه المسألة: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم الأعرابي الصلاة ولم يذكر رفع اليدين، لأنه ذكر الواجبات وواظب على رفع اليدين عند التكبير، فدل على أنه سنة. قلت: هذا أعجب مما ذكر الأكمل والأترازي، فإنه يقول: وثبت، ففي أي موضع ثبت ذلك؟ ومن رواه من الصحابة؟ وقد قلنا أيضا ما في قصة الأعرابي. م: (وهذا اللفظ) ش: أي لفظ القدوري في قوله: ويرفع يديه مع التكبير م: (يشير إلى اشتراط المقارنة) ش: أي مقارنة الرفع مع التكبير لأن كلمة مع للقران، وقال الصفار وشيخ الإسلام خواهر زادة: ويرفع مقارنا للتكبير. م: (وهو المروي عن أبي يوسف) ش: أي الرفع مع التكبير مروي عن أبي يوسف، أي كان يقول ذلك فيما روي عنه م: (والمحكي عن الطحاوي) ش: أي عن الإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المحكي عبارة عن الفعل يعني أنه كان يفعل كذلك فيما حكي
والأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر، لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى، والنفي مقدم على الإثبات. ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفع إلى منكبيه، ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه، وبه قال أحمد، وهو المشهور عن مذهب مالك. م: (والأصح أنه يرفع أولا ثم يكبر) ش: أي الأصح في المذهب أن المصلي يرفع يديه أولا ثم يكبر، قال في " المبسوط ": وعليه أكثر مشايخنا. وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يبتدئ بالتكبير هذا الدال، الثاني: أن يرفع التكبير، والثالث: يكبر ويداه قارنتان حذو منكبيه. م: (لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى) ش: لأن في تقلب الرفع نفي الكبرياء عما سوى الله تعالى، وبالتكبير يثبت لله تعالى. م: (والنفي مقدم على الإثبات) ش: كما في كلمة التوحيد، ولقائل أن يقول: ثبت التقدم في كلمة التوحيد ضرورة، لأنه لا يمكن التكلم بالنفي والإثبات معا بخلاف ما نحن فيه، فإن النفي بالفعل والإثبات بالقول يمكن القران، ثم الحكم في رفع اليدين الإشارة إلى نقل ما سوى الله وراء ظهره، كأنه يشير بيده اليمنى إلى الآخرة، وباليسرى إلى الدنيا، قائلا بلسان حاله: نبذت ما سوى الله، الدنيا والآخرة، وراء ظهري، وأعرضت عنهما، وأقبلت إلى عبادة الله عز وجل، والله أكبر، أبي وهو أعظم من أن يؤدى حقه بهذا المقدار. وقال محمد بن أبي جمرة المالكي: حكم رفع اليدين أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، وقال ابن بطال: رفعهما تعبد، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل: هو انقياد في خبر مطلوب، يكبر بعد استقرار اليدين ويكبر للافتتاح مرة واحدة. وقالت الرافضة: يكبر ثلاث مرات، وهو باطل، وقال الوبري: يأتي بالتكبير بنية تعظيم الله تعالى، قيل: يحصل بنية التعظيم باختصاص ذكر الله تعالى عند الافتتاح، ويكون ذلك بنية لوجود نية التعظيم. م: (ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه) ش: شحمة الأذن معلق القرط، وفي " المحيط ": ويرفع يديه حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمة أذنيه، ويروى: أصابعه فروع أذنيه. م: (وعند الشافعي يرفع إلى منكبيه) ش: وعنه يحاذي أطراف أصابعه أذنيه وكفيه ومنكبيه، وإبهاماه شحمة أذنيه، وقال أبو محمد من المالكية: يرفعهما إلى المنكبين. واختار المتأخرون منهم: أن يحاذي بكوعه صدره، وبطرف كفه المنكب وأطراف أصابعه أذنيه، وهذا إنما يتهيأ إذا كانت يداه قائمتين ورؤوس أصابعهما مما يلي السماء، وهي صفة التائب، وقال سحنون: يكونان مبسوطين، بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما مما يلي السماء، وهي صفة الخائف، وعند أحمد: يخير بين الرفع إلى الأذنين والمنكب لصحة الحديث فيهما، وعنده يضم الأصابع بعضها إلى بعض مع المد. وعند الشافعي ينشرها، وعن طاوس: أنه يرفع حتى يحاذيهما رأسه،
وعلى هذا تكبيرات القنوت والأعياد والجنازة. له حديث أبي حميد الساعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه» . ولنا ما رواه وائل بن حجر والبراء بن عازب وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي عيه السلام كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقال النووي: ولا أصل له. م: (وعلى هذا) ش: يعني وعلى هذا الخلاف م (تكبيرات الأعياد وتكبيرة القنوت وتكبيرة الجنازة) ش: فعندنا يرفع يديه إلى شحمتي أذنيه في هذه التكبيرات، وعند الشافعي: إلى المنكبين كما في تكبيرة الافتتاح، وكان ينبغي أن يقول: تكبيرة الجنازة، بلا جمع لأن عندنا لا يعرف اليد في الجنازة إلا في تكبيرة الأولى. م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (حديث أبي حميد الساعدى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه» ش: حديث أبي حميد رواه الجماعة إلا مسلما من حديث محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم أبو قتادة، «قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: ولم فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة. قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. الحديث. وفي آخره: "قالوا: صدقت هكذا كان يصلي» ، أخرجوه مطولا ومختصرا. وأبو حميد اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن سعيد، وقيل: ابن المنذر بن سعد الخزرجي، توفي في آخر خلافة معاوية، وأبو قتادة، واسمه الحارث بن ربعي، قوله: عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي بين عشرة، وكلمة في تجيء بمعنى بين، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] [الفجر: الآية 29] أي بين عبادي، ومحلها النصب على الحال، أي سمعه حال كونه جالسا بين عشرة أنفس من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قوله: تبعة، أي اتباعا وهي بضم التاء المثناة من فوق، وسكون الباء الموحدة، وكذلك التبعة بفتح التاء وكسر الباء بمعناه، والتباعة أيضا بالفتح، وانتصابها على التمييز، وكذلك صحبة. م: (ولهنا ما رواه وائل بن حجر والبراء بن عازب وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه» ش: أما حديث وائل فأخرجه مسلم في " صحيحه " عن عبد الجبار عن وائل عن علقمة عن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه «عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حتى دخل في الصلاة كبر وصفهما حيال أذنيه» الحديث. وهذا الحديث رواه أيضا أبو داود، والنسائي، والطبراني، والدارقطني، وحجر بضم الحاء وسكون الجيم.
ولأن رفع اليد لإعلام الأصم ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما حديث البراء فأخرجه أحمد، وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " والدارقطني في " سننه " والطحاوي في " شرح الآثار " كلهم من حديث يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلي رفع يديه حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه» . وزاد الدارقطني فيه: «ثم لم يعد» ويجيء الكلام فيه مستقصى. وأما حديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الحاكم في " المستدرك " والدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " من حديث العلاء بن إسماعيل العطار، حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه ثم ركع» الحديث. وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة ولم يخرجاه. وفي هذا الباب حديث مالك به الحويرث وأبي هريرة أيضا. وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه أبو داود عنه قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغ بهما فروع أذنيه» وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والدارقطني. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وأبو داود من حديث بشر بن سعد، قال: قال أبو هريرة: «لو كنت قدام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرأيت إبطه، يعني إذا كبر فرفع يديه» . ووجه الاستدلال به أن من رفع يديه إلى منكبيه لا يرى إبطه، ولا يرى إلا ممن يرفع يديه إلى أذنيه. م: (ولأن رفع اليد لإعلام الأصم) ش: يعني الأصم لا يسمع تكبير الإمام، ولا يعرف شروعه، فيكون رفع اليد لإعلامه، وهذا هو الحكم في الرفع. وقال السغناقي: قلت: كان يجب عليه أن يقول: ورفع اليد لإعلام الأصم أيضا، بزيادة قوله: أيضا؛ لرفع التناقض صورة، لأنه ذكر أولا أن معنى رفع اليد نفي الكبرياء عن غير الله تعالى فلا يكون لغيره، حتى يكون لتخصيصه فائدة، وإنما يكون هو لغيره معه إذا كان له معنيان وهو التقى والإعلام، وهو يحصل بذكر قوله: أيضا، إلا أن المصنف اتبع شمس الأئمة السرخسي، كذلك ذكره، فإن دأبهم ترك التكلف لتفهم المعاني، والمعنيان يحصلان بما ذكروا، فلا حاجة بعد ذلك إلى زيادة
وهو بما قلناه، وما رواه يحمل على حاله العذر، والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها، ـــــــــــــــــــــــــــــQالتكليف. ونقل الأكمل هذا الكلام منه ثم قال: فكأنه يحوم حول أن المعلول الواحد لا يكون له علتان مستقلتان. قلت: لا حاجة إلى ما ذكره لأن الكلام إن كان في العلة فالحكم يثبت بعلل شتى، وإن كان في الحكم فيجوز أن تكون واحدة وثنتين وما فوقهما. قال الأكمل: وقيل: لو كان لإعلام الأصم لما أتى به المنفرد، وأجيب بأن الأصل هو الأداء بالجماعة، قال الله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) فيكون الانفراد نادرا، على أن حكمة الحكم لا تراعى في كل فرد. فإن قيل: فعلى هذا يجب أن لا يأتي به المقتدي، أجيب بأن الأصم يجوز أن يكون في آخر الصفوف. قلت: هذان السؤالان مع جوابهما لتاج الشريعة. م: (وهو بما قلناه) ش: من رفع اليدين إلى أصل الأذين. م: (وما رواه يحمل على حالة العذر) ش: أي ما رواه الشافعي من حديث أبي حميد محمول على العذر وهو عند البرد. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرفع إلى المنكبين كان لعذر لأن وائلا قال: «ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها» وأشار شريك إلى صلاة فأخبر وائل بن حجر في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم كانت حينئذ في ثيابهم، وأخبر أنهم كانوا يرفعون إذا كانت أيديهم ليست في ثيابهم إلى حذو آذانهم، فأعلمنا روايتيه كلتيهما، فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في الثياب لعلة البرد إلى ما انتهى ما استطاع إليه وهو المكان. وإذا كانتا باديتين رفعهما إلى الأذنين، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: لا حاجة إلى هذه التكلفات، وقد صح الخبر فيما قلنا وما قاله الشافعي، فاختار الشافعي حديث أبي حميد واختار أصحابنا حديث وائل في غيره، وقد قال أبو عمر بن عبد البر: اختلفت الآثار عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وعن الصحابة ومن بعدهم في كيفية رفع اليدين في الصلاة، فروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هذا فوق الأذنين مع الرأس، وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذاء أذنيه، وروي عنه أنه كان يرفعهما حذو منكبيه، وروي عنه أن كان يرفعهما إلى صدره، وكلها آثار محفوظة مشهورة، انتهى. وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وقال الأترازي بعد أن ذكر حديث البراء بن عازب: ولهذا ثبت قول الشافعي في رفع اليدين إلى المنكبين. قلت: هذا كلام غير موجه، وكيف ثبت هذا الضعف؟ وقد يثبت ذلك في الحديث وشبه هذا الضعف في الحقيقة إلى الحديث، والحديث صحيح كما ذكرناه. م: (والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها) ش: وفي " التحفة " لم يذكر في ظاهر الرواية حكم المرأة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل؛ لأن كفيها ليسا بعورة، وروى محمد بن مقاتل عن
وهو الصحيح لأنه أستر لها. فإن قال بدل التكبير: الله أجل أو عظم، أو الرحمن أكبر أو لا إله إلا الله، أو غيره من أسماء الله تعالى، أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا قوله: الله أكبر، أو الله الأكبر، أو الله الكبير، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز إلا بالأولين. ـــــــــــــــــــــــــــــQأصحابنا: أنها ترفع يديها حذاء منكبيها كالرجل عند الشافعي، وقال في " الروضة ": لأنها لا تفتح إبطيها في السجود، فكذا في الافتتاح، وعن أم الدرداء وعطاء والزهري وحماد وغيرهم: أن المرأة ترفع يديها إلى ثدييها، ويبقى حال المرأة على القبض، ويبقى حال الرجل على البسط والتفرج، وعن أحمد في رواية: ترفع المرأة دون رفع الرجل، وفي أخرى لا ترفع عنده. م: (وهو الصحيح) ش: يعني رفع يديها حذاء منكبيها هو الصحيح، واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل م: (لأنه أستر لها) ش: أي لأن رفع يديها حذو منكبيها أستر للمرأة لأن مبنى أمرها على الستر. م: (فإن قال بدل التكبير) ش: يعني إن قال المصلي عوض قوله: الله أكبر، وفيه إشارة إلى أن الأصل فيه التكبير م: (الله أجل وأعظم) ش: كلاهما أفعل التفضيل من الجليل والعظيم ومعناهما واحد (أو الرحمن أكبر) أي قال: الرحمن أكبر، موضع الله أكبر؛ أي أو قال بدل الله أكبر: لا إله إلا الله م: (أو غيره من أسماء الله تعالى) ش: أي أو قال غير ما ذكر من الألفاظ المذكورة بأن قال: لا إله غيره، أو قال: تبارك الله، أو قال: سبحان الله، أو ذكر اسما من أسماء الله التسعة والتسعين. م: (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وهذا جواب قوله: الله أكبر م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا الله أكبر أو الله الأكبر أو الله الكبير) ش: يعني لم يجز إلا أن يأتي بأحد من هذه الألفاظ الثلاثة، وإن لم يحسن جاز. ولم يذكر المصنف إلا هذه الألفاظ الثلاثة، وهكذا ذكره في " البدائع " و" المفيد " " والأسبيجابي " " والتحفة " " والينابيع "، وذكر في " المبسوط " أربعة ألفاظ: هذه الثلاثة، والرابع: الله كبير، بدون الألف واللام، والحق ما ذكره فيه، وفي " قاضي خان " روى الحسن عن أبي حنيفة: إن كان يحسن التكبير يكره، وقال السرخسي: الأصح أنه لا يكره، وذكر القدوري أيضا أنه كره الافتتاح إلا بقوله: الله أكبر، وفي " الذخيرة ": لو افتتح الصلاة بالتهليل أو التحميد أو التسبيح، يصير شارعا في الصلاة عندهما ويكره، قال: وهو الأصح لترك السنة المتواترة، وقيل: لا يكره، ذكره المرغيناني. م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالأولين) ش: وهما الله أكبر، والله الأكبر، وهو الصحيح من مذهبه، ولو قال: الله أكبر وأجل وأعظم، جاز عند الشافعي، وكذا الله أكبر كبيرا، والله أكبر من كل شيء، ولو قال: الله الجليل أكبر، أجزأه في أصح الوجهين، ولو قال: الله الذي لا إله إلا هو
وقال الإمام مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لا يجوز إلا بالأول، لأنه هو المنقول، والأصل فيه التوقيف. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إدخال الألف واللام فيه أبلغ في الثناء، فقام مقامه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن أفعل وفعيلا في صفات الله تعالى سواء، بخلاف ما إذا كان لا يحسن أن يقول: الله أكبر؛ لأنه لا يقدر إلا على المعنى، ولهم أن التكبير هو التعظيم لغة ـــــــــــــــــــــــــــــQالملك القدوس الأكبر، لا يجوز بلا خلاف عندهم، وحكى الرافعي وغيره وجها أنه يتعذر بقوله: الرحمن أكبر أو الرحيم أكبر، ولو قال: الأكبر الله، منكوسا بغير ترتيب، جاز عندهم، وعند أحمد لا يجوز، وذكر في " وسيط الشافعية " أنه لا يجوز كما قال أحمد. م: (وقال الإمام مالك: لا يجوز إلا بالأول) ش: وهو قوله: الله أكبر، وبه قال أحمد وداود م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ الله أكبر م: (هو المنقول) ش: أي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة والتابعين م: (والأصل فيه التوقيف) ش: أي الأصل في المنقول التوقيف على الفعل، ولم ينقل غير لفظ الله أكبر. فإن قلت: أخرج الطبراني ما يؤيد ما ذهب إليه مالك من حديث رفاعة بن رافع " أن رجلا دخل المسجد فصلى "، الحديث. وفيه: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة ثم يقول: الله أكبر» ، قلت: قد ثبتها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة ونفى قبولها، وتجوز أن تكون الصلاة جائزة ولا تكون مقبولة إذ لا يلزم من الجواز القبول، وعندهم لا تكون صلاة، ولا حجة في هذا. م: وقال الشافعي: إدخال الألف واللام فيه) ش: يعني في لفظ أكبر الذي هو الخبر م: (أبلغ في الثناء) ش: لأنه يفيد الحصر م: (فقام مقامه) ش: أي فقام المعرف مقام المنكر م: (وأبو يوسف يقول: إن أفعل) ش: أي صيغة أفعل التي للتفضيل م: (وفعيلا) ش: أي وإن صيغة فعيلا. م: (في صفات الله سواء) ش: لأنه لا يراد بالأفعل إثبات الزيادة بعد الاشتراك في أصل المعنى، كما يراد ذلك في قولك: زيد أفضل من عمرو، ولما كان حكمه الأفعل في صفاته كذلك وهو جائز، جاز الفعيل أيضا ش: (بخلاف ما إذا كان لا يحسن أن يقول: الله أكبر؛ لأنه لا يقدر إلا على المعنى) ش: يعني الله أكبر. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أن التكبير هو التعظيم لغة) ش: أي من حيث اللغة، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] (يوسف: الآية 31) أي عظمنه {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] (المدثر: الآية 3) أي فعظم، فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يجوز الشروع به، ولأن التكبير ما وجب بعينه حتى يقتصر على لغة أكبر، بل الواجب تعظيم الله تعالى بجميع البدن واللسان، فصرفناه إلى جميع الألفاظ الدالة على الثناء والتعظيم لله تعالى، والأصل في خطاب الشرع أن يكون مفهوما معلوما مقبولا، والبقية على خلاف الأصل على ما عرف في الأصول، وقال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الأعلى: الآية 15) وذكر اسم، أعم من أن يكون باسم الله أو باسم الرحمن، فجاز الرحمن أعظم، كما جاز الله أكبر لأنهما في كونهما ذكرا سواء، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] (الأعراف: الآية 180) فأي اسم من أسمائه افتتح الصلاة به جاز. وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» ، ثم لو قال: لا إله إلا الرحمن أو العزيز، كان مسلما، فإذا جاز في الإيمان الذي هو أصل، ففي فروعه أولى، وفي " سنن" أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي العالية أنه سئل بأي شيء كان الأنبياء يفتتحون الصلاة؟ قال: بالتوحيد والتسبيح والتهليل، وعن الشعبي قال: بأي اسم من أسماء الله تعالى فتحت الصلاة أجزأك، ومثله عن النخعي، وعن إبراهيم: إذا سبح أو كبر أو هلل أجزأ في الافتتاح، ولو افتتحها بقوله: سبحانك اللهم، يصير شارعا، كما إذا قال: سبحان الله، ذكره في فتاوى النسفي ". ولو قال: يا ألله، يصير شارعا، وكذا لو قال: لا إله غيره، ولا يصح شارعا بقوله: اللهم اغفر لي، وأستغفر الله، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أو ما شاء الله كان، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو باسم الله الرحمن الرحيم، لأن التعوذ في نفي الداء، والمسألة للتبرك، فكأنه قال: اللهم بارك لي في هذا، وفي " المرغيناني ": قيل: يجوز، وعن محمد بن الفضل: يجوز بقوله بسم الله الرحمن، عند أبي حنيفة، والصحيح الأول، ولو قال: الله أو الرب أو الرحمن، ولم يرد، يصير شارعا عند أبي حنيفة، خلافا لمحمد. وفي " المرغيناني ": وعلى هذا الكبير والأكبر أو أكبر عند أبي حنيفة، وفي " فتاوى الفضلي " بالرحمن يصير شارعا وبالرحيم لا، لأن الرحيم مشترك، وذكر في " الذخيرة " و " البدائع " أن صحة الشروع بالاسم وحده رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وفي ظاهر الرواية يصير شارعا. قلت: لأن الحكم بشيء على شيء إنما يتم بالخبر، والتعظيم حكم على التعظيم، فلا بد من لفظ يدل عليه، وفائدة الاختلاف تظهر في حائض طهرت في آخر الوقت، فإن اتسع للاسم فقط تجب الصلاة عليها عنده، خلافا لأبي يوسف ومحمد، ولو قال: الله الكابر، يصح شارعا لأنه لغة في الكبير. ولو افتتحها باللهم اختلف أهل الحق فيه على قولين: قال البصريون: يصير شارعا لأن الميم بدل من حرف النداء، قال في " الذخيرة ": وفي " المحيط ": وهو الأصح. وقال الكوفيون: لا يصير شارعا. قال في " الأسبيجابي " و " الينابيع ": وهو الأظهر، ولو كبر متعجبا ولم يرد به التعظيم لم يجز، ولو كبر في الركوع لا يصير شارعا،
وهو حاصل. فإن افتتح الصلاة بالفارسية أو قرأ فيها بالفارسية، أو ذبح وسمى بالفارسية، وهو يحسن العربية، أجزأه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجزئه إلا في الذبيحة خاصة، وإن لم يحسن أجزأه، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقيل: عند أبي حنيفة يجوز إذا كان إلى القيام أقرب، ولو وقع (الله) قبل ركوعه، و (أكبر) في ركوعه، لا يصير شارعا، قال في " المرغيناني ": يصير شارعا على قياس قول أبي حنيفة ومحمد، وفي " العيون ": لو مد الإمام التكبير وجزم رجل خلفه، ووقع قبله يجوز عند أبي حنيفة ومحمد، لأنه لو قال: الله، ولم يزد، يجوز، فكذا هذا، وفي " المحيط ": لو أدرك الإمام في الركوع فكبر قائما ويريد به تكبيرة الركوع جاز لأن نيته تلغو. وإن لم يحسن العربية كبر بلغته عندنا، وبه قال الشافعي وأحمد في " المجرد "، وقال في " الجامع ": لا يكبر بغير العربية، بل يكون حكمه حكم الأخرس، والأخرس لا يلزمه تحريك لسانه وشفتيه عنده خلافا للشافعي، وفي وجه: السريانية والعربية يتعين؛ لنزول الكتب بهما، وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية. وفي " الجواهر ": الأبكم يدخل بالنية والعاجز بمثله باللغة ليس عليه نطق آخر يفتح الصلاة به عوضا عن التكبير، قاله أبو بكر من المالكية، وقال أبو الفرج: يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام، وقيل: يدخل بلسانه. م: (وهو حاصل) ش: أي التعظيم حاصل بما ذكر من الألفاظ م: (فإن افتتح الصلاة بالفارسية) ش: أي اللغة الفارسية وهي اللغة التي تسمى في ألسن الناس بالعجمية بأن قال موضع الله أكبر حذاي برزك م: (أو قرأ فيها) ش: أي في الصلاة م: (بالفارسية) ش: بأن قرأ تنكا موضع ضنكا، وسزا موضع جزاء، وسك أطل موضع عند، ونحو ذلك م: (أو ذبح وسمى بالفارسية) ش: بأن قال بنام حذاي برزك م: (وهو يحسن العربية) ش: أي والحال أن المصلي المكبر أو القارئ في الصلاة أو الذابح للشاة متمكن من التلفظ باللغة العربية م: (أجزأه عند أبي حنيفة، وقالا: لا يجزئه إلا في الذبيحة خاصة) ش: يعني عندهما لا يجزئه في الافتتاح والقراءة عند القدرة إلا في الذبيحة وأنها تجوز. م: (وإن لم يحسن) ش: أي وإن لم يحسن العربية م: (أجزأه) ش: لعجزه، وقيل: الخلاف في الاعتداد بها، ولا تفسد صلاته بالاتفاق، ولو لم يكن ذلك تلاوة القرآن لما جاز عند العجز كالتفسير وإنشاد الشعر، قال في " المحيط ": ولهذا لا يجوز للجنب والحائض قراءة القرآن على نظم القرآن بالفارسية. وقال أبو سعيد البراذعي: إنما جوز أبو حنيفة القراءة بالفارسية لا بغيرها من الألسن لقرب الفارسية بالعربية لأنه ورد أنهما لسان أهل الجنة، والصحيح أن الخلاف في الكل، وقال بعض مشايخنا: إنما يجوز إذا كان على نظم القرآن، وقيل: يجوز كيف ما كان نقله الصفار، وقيل: إنما يجوز إذا كان ثناء، كسورة الإخلاص، أما إذا كان ممن ينقص لا يجوز
أما الكلام في الافتتاح، فمحمد مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في العربية، ومع أبي يوسف في الفارسية؛ لأن لغة العرب لها من المزية ما ليس لغيرها. ـــــــــــــــــــــــــــــQكقوله: {اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: 9] (يوسف: الآية 9) فقرأ يكشت يوسفرا تفسد صلاته، والأصح أنه يجوز في الكل. وفي " المستصفى ": الشرط أن لا يحذف منها حرفا وتيقن أنه معنى العربية، قال فخر الإسلام: الشأن فيمن لا يتهم في دينه، وقال محمد بن الفضل البخاري: هذا الخلاف فيما إذا جرى على لسانه من غير قصد، فمن تعمد ذلك فهو زنديق أو مجنون، فالمجنون يداوى والزنديق يقتل، لأن الإخلال بالنظم يخل بالقرآن كالإخلال بالمعنى، حتى لو لم يضم معناه شعرا أو قراءة فسدت صلاته لأنه من كلام الناس، وعلى هذا لو خطب يوم الجمعة أو كبر أو تشهد أو قنت. ولو أذن أو أقام بالفارسية، قيل: على الخلاف، وقيل: لا يجوز بلا خلاف، إلا أن يكونوا قد اعتادوا ذلك، وأجمعوا جواز الأيمان والذبح، والسلام ورده بأي لسان كان، ذكره في " الينابيع ". وفي " المبسوط ": روى الحسن عن أبي حنيفة أن من أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإلا فلا. وفي " المحيط ": وفي التشهد روايتان عن أبي حنيفة، وبتفسير القرآن لا يجوز لأنه غير مقطوع به، ولو قرأ مثل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ربه «الصوم لي وأنا أجزي به» ، ومثل قوله: «ما تقرب المتقربون إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليهم» لا يجوز، ولو قرأ من التوراة والإنجيل والزبور لم يجز، سواء كان يحسن العربية أو لا لأنه ليس بقرآن، هكذا علل محمد، وقالوا: هذا يشير إلى أنه لا بأس للجنب أن يقرأها، وفي " النوادر ": لا يكره، وقيل: إن كان معناه معنى القرآن يجوز عنده، وإن كان معناه معنى التسبيح لا يجوز ولو بعد صلاته، وإن كان يعلم معناه فسدت صلاته، وفي " الروضة ": لو قرأ من التوراة والإنجيل والزبور ما كان تسبيحا وتحميدا وتهليلا أجزأه، ومن غيره لا يجزئه. وعند الشافعي يبدأ بالقراءة بالفارسية وعند العجز وعدمه، وبه قال مالك وأحمد. وفي " الكافي ": لو قرأ بقراءة شاذة لا تفسد صلاته بالاتفاق، ولو قرأ بقراءة ليست في مصحف العامة كقراءة ابن مسعود وأبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تفسد صلاته عند أبي يوسف، والأصح أنه لا يفسد ولكن لا يعتد به من القراءة. م: (أما الكلام في الافتتاح) ش: أي في افتتاح الصلاة م: (فمحمد مع أبي حنيفة في العربية ومع أبي يوسف في الفارسية) ش: يعني يجوز عند محمد لكل اسم من أسمائه تعالى، ومع أبي يوسف في الفارسية، يعني لا يجوز عند أبي يوسف إلا إذا كان عاجزا عن العربية م: (لأن لغة العرب لها من المزية) ش: أي من الفضيلة، يقال: له عليه مزية، ولا ينهى منه فعل، والميم أصلية م: (ما ليس لغيرها)
وأما الكلام في القراءة فوجه قولهما أن القرآن اسم لمنظوم عربي كما نطق به النص، إلا أن عند العجز عن القراءة بالعربية يكتفى بالمعنى كالإيماء، بخلاف التسمية؛ لأن الذكر يحصل بكل لسان. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] ولم يكن فيها بهذه اللغة، ـــــــــــــــــــــــــــــQش: أي لغة العرب، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي» ، ذكره السغناقي ثم قال: ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في معرض الأثر وتفضيل لسان العرب على سائر الألسنة. م: (وأما الكلام في القراءة فوجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (أن القرآن اسم لمنظوم عربي) ش: والعربي اسم لشيء مخصوص بلسان العرب، لأن المعنى لا اختصاص له بلسان دون لسان، فكما كان مخصوصا بلسان العرب، لم تجز القراءة بالفارسي م: (كما نطق به النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (يوسف: الآية 2) والمراد بالعربي نظمه م: (إلا أن عند العجز عن القراءة بالعربية يكتفى بالمعنى) ش: للضرورة كيلا يلزم تكليف بالشيء في الوسع، وصار كمن عجز عن الركوع والسجود فإنه جاز له الإيماء. م: (كالإيماء بخلاف التسمية) ش: عند الذبيحة وهذا في الحقيقة جواب عن إيراد يرد على قوليهما، وهو أن القرآن لما كان اسما لمنظوم عربي كان الأمر يقتضي أن لا تجوز التسمية أيضا عند الذبح بغير العربية، وتقرير الجواب أن المراد بالتسمية الذكر، قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] (الأنعام: الآية 121) فلا يتوقف على العربية. م: (لأن الذكر يحصل بكل لسان) ش: سواء كان يحسن العربية أو لم يحسن، في قولهم جميعا، وكذلك الشهادة عند الحكام، واللعان والعقود تصح بالإجماع م: (ولأبي حنيفة قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] [الشعراء: الآية 196] ولم يكن فيها بهذه اللغة) ش: العربية، فتعين أن يكون بمعناه فيها، والمقروء بالفارسية على سبيل الترجمة يشتمل على معناه، فكان جائزا إلحاقا به. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (يوسف: الآية 2) محكم لا يقبل التأويل، وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] [الشعراء: الآية 196] محتمل لأن بعض المفسرين ذهب إلى أن الضمير للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يترك المحكم به؟ قلت: هذا بعيد يفضي إلى التعقيد اللفظي بتفكيك الضمائر في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] (الشعراء: الآية 192) والكلام المعجز مصون عن ذلك. فإن قلت: سلمنا تساويهما في الأحكام لكي يكونا متعارضين، فمن أين تقوم الحجة. قلت: إعمال الدليلين ولو كان بوجه أولى من إعمال أحدهما، فيحتمل قوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] (الشعراء: الآية 196) على حالة الصلاة لأنها حالة المناجاة والاشتغال بنظم خاص
ولهذا تجوز عند العجز، إلا أنه يصير مسيئا لمخالفته السنة المتواترة، ويجوز القراءة بأي لسان كان سوى الفارسية، هو الصحيح لما تلونا. والمعنى لا يختلف باختلاف اللغات، والخلاف في الاعتداد، ولا خلاف بينهم أنه لا فساد، ويروى رجوعه في أصل المسألة إلى قولهما وعليه الاعتماد، والخطبة والتشهد على هذا ـــــــــــــــــــــــــــــQيذهب بالرقة ويحمل قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (يوسف: الآية 2) على غير حالة الصلاة. م: (ولهذا) ش: أي ولكون القرآن لم يكن في الزبر بهذا النظم م: (تجوز) ش: القراءة بالفارسية م: (عند العجز) ش: عن العربية، ولا شك أن العجز لا يجعل غير القرآن قرآنا م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: أجزأه عند أبي حنيفة، أي إلا أن المصلي بالقراءة الفارسية م: (يصير مسيئا لمخالفته السنة المتواترة) ش: وهي القراءة بالعربية. م: (ويجوز القراءة بأي لسان كان) ش: بالتركية أو الهندية وغيرهما من أي لسان كان، على قوله الأول م: (سوى الفارسية) ش: يعني غير اللغة الفارسية، وهذا ليس باستثناء، بل معناه: كما يجوز عنده بالفارسية يجوز بغيرها أيضا من أي لسان كان، لكن هذا على قوله الأول م: (وهو الصحيح) ش: أي جواز القراءة بأي لغة كانت، واحترز به عن قول أبي سعيد البرذعي فإنه قال: إنما يجوز أبو حنيفة القراءة بالفارسية دون غيرها من الألسنة لقرب الفارسية من العربية. م: (لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] (الشعراء: الآية 196) فإنه لما لم يكن فيها بلغة العرب كذلك لم يكن بالفارسية م: (والمعنى لا يختلف باختلاف اللغات) ش: ولأن الاعتماد على المعنى عند النقل م: (والخلاف في الاعتداد) ش: أي أن الخلاف المذكور في أن القرآن بالفارسية هل يعتد عن القراءة بالعربية أم لا؟ فعند أبي حنيفة على قوله الأول يعتد عنها، وعندهما لا م: (ولا خلاف بينهم أنه لا فساد) ش: للصلاة. قال الأترازي: ولي فيه نظر لأن القراءة بالفارسي ليست بقراءة القرآن عندهما، فإذا لم يكن قراءة القرآن كانت من كلام الناس وهو مفسد للصلاة. قلت: هذا نظر غير صحيح؛ لأن كون القراءة بالفارسية غير قراءة القرآن، ليس على إطلاقه، ولهذا يجوز عند العجز عندهما أيضا، فلم يكن من كلام الناس من كل وجه. م: (ويروى رجوعه) ش: أي رجوع أبي حنيفة م: (في أصل المسألة) ش: يعني القراءة بالفارسية م: (إلى قولهما) ش: أي إلى قول أبي يوسف ومحمد، رواه أبو بكر الرازي وغيره م: (وعليه الاعتماد) ش: أي على القول بالرجوع الاعتماد، ولتنزيله منزلة الإجماع، فإن القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا بالإجماع. م: (والخطبة) ش: يوم الجمعة م: (والتشهد) ش: أي قراءة التحيات في القعدات م: (على هذا
[وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]
الاختلاف، وفي الأذان يعتبر التعارف. ولو افتتح الصلاة باللهم اغفر لي لم يجز؛ لأنه مشوب بحاجته، فلم يكن تعظيما خالصا، ولو افتتح بقوله: "اللهم" فقد قيل: يجزئه؛ لأن معناه يا ألله، وقيل: لا يجزئه لأنه معناه يا ألله آمنا بخير، فكان سؤالا. قال: ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى ـــــــــــــــــــــــــــــQالاختلاف) ش: يعني يجوز عند أبي حنيفة خلافا لهما م: (وفي الأذان يعتبر التعارف) ش: يعني عرف الناس، فإن كان عربيا فهو المعتبر، وإن كان بلسان آخر فذاك المعتبر لأن المقصود من الأذان الإعلام، وهو يحصل بما هو المتعارف، وقال الأكمل: قوله: وفي الأذان المعتبر المتعارف، قيل: جواب عما يقال: قراءة القرآن في الصلاة لكونها ركنا أعظم خطرا من الأذان لكونه سنة، والأذان لا يجوز بغير العربية، فكيف جازت قراءة القرآن؟ ووجهه أنا لا نسلم عدم جواز الأذان مطلقا، بل يعتبر فيه المتعارف، فإن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى عن أبي حنيفة: لو أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإن كانوا لا يعلمون لا يجوز لعدم حصول المقصود، وهو الإعلام. قلت: نقله من كلام صاحب الدراية. م: (قال) ش: أي المصنف، أو قال محمد في " الجامع " والقدوري لم يذكر هذه المسألة وليس في بعض النسخ: قال م: (ولو افتتح الصلاة باللهم اغفر لي لم يجز) ش: افتتاحه م: (لأنه) ش: أي لأن افتتاحه بهذا م: (مشوب) ش: أي مختلط م: (بحاجته فلم يكن تعظيما خالصا) ش: والاعتبار للتعظيم الخالص م: (ولو قال: اللهم) ش: يعني افتتح بقوله: اللهم م: (فقد قيل: يجزئه) ش: وهو قول أهل البصرة م: (لأن معناه يا ألله) ش: فيتمحض ذكرا م: (وقيل: لا يجزئه) ش: وهو قول أهل الكوفة م: (لأن معناه يا ألله آمنا بخير) ش: أي اقصدنا بالخير م: (فكان سؤالا) ش: فلم يكن تعظيما، وقد حققناه فيما مضى عن قريب. [وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويعتمد بيده اليمنى على اليسرى) ش: الاعتماد: الاتكاء، قال الجوهري: اعتمدت على الشيء: اتكأت، وتفسير اعتماد هناك: وضع وسط كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى، وقال الأترازي: وما قيل يعتمد يعني يقصد والباء زائدة عند الأترازي، وما قيل يعتمد بمعنى يقصد وضع يده اليمنى، ففيه نظر. قلت: قائله السغناقي، وفي هذا النظر ضعف لأن السغناقي نقل عن الديوان، يعني اعتمد قصد، وقصد يتعدى بدون الباء، فإذن تكون الباء زائدة، وزاغ النظر عن محله، ثم إن لوضع اليد أربعة أوجه: أصل الوضع، وصفته، ومكانه، ووقته. أما الأول: فعندنا يضع، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل العلم، وهو قول علي وأبي هريرة والنخعي والثوري، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وأشار المصنف إلى هذا بقوله: ويعتمد يده اليمنى على اليسرى، وعند مالك في المشهور: يرسل يديه، وهو قول ابن الزبير والحسن وابن سيرين، وعليه عمل أهل المغرب، وقال الأوزاعي: يخير بين الوضع والإرسال،
تحت السرة، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة» ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الليث بن سعد بن سلمة: فإن طال على ذلك وضع اليمنى على اليسرى للاستراح. وأما الثاني: وهو صفة الوضع، وهي أن المصلي يضع بطن كفه اليمنى على رسغه اليسرى، يكون الرسغ وسط الكف، وقال الوبري: لم يذكر في ظاهر الرواية الوضع، قيل: يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وقيل: ذراعه الأيسر، والأصح وضعها على المفصل، وقال الأسبيجابي: عن أبي يوسف يضع يده اليمنى على رسغ يده اليسرى، وقال محمد: يضعها كذلك ويكون الرسغ وسط الكف، وقال أبو جعفر الهندواني: قول أبي يوسف أحب إلي لأن فيه وضعا وزيادة، وفي " المفيد ": ويأخذ بالخنصر والإبهام وهو المختار لأنه يلزم من الأخذ الوضع، وفي " الدراية " يأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن، وبه قال الشافعي وأحمد وداود، وقال أبو يوسف ومحمد: يضع باطن أصابعه على الرسغ طولا ولا يقبض، واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بينهما بأن يضع باطن كفه اليمنى على اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ. وأما الثالث: فكأنه أشار إليه بقوله: ويضعهما؛ أي يضع يديه م: (تحت السرة) ش: وعند الشافعي على الصدر، ذكره في " الحاوي "، وفي " الوسيط " تحت صدره، وفي رواية ابن الماجشون عن مالك: يضع اليمنى على المعصم والكوع من اليسرى تحت صدره، وهو مخير في رواية أشهب م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة) ش: هذا قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإسناده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير صحيح. وإنما رواه أحمد في " مسنده " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في " سننيهما " وعزاه عند إسحاق في أحكامه لأبي داود وليس بموجود في أحد نسخ أبي داود، فلذلك لم يعزه ابن عساكر في " الأطراف " إليه ولا ذكره المنذر في " مختصره " وإنما يوجد في النسخة التي هي من رواية ابن داسة، ومن حديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي عن زيادة بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «السنة وضع الكف على الكف تحت السرة» ، وقال أحمد وأبو حاتم: عبد الرحمن بن الحارث أبو شيبة الواسطي، منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: فيه نظر، وزيادة بن زيد لا يعرف، وقال النووي في الخلاصة في " شرح مسلم ": هو حديث ضعيف متفق على ضعفه، وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أي من السنة هذا اللفظ يدخل في المرفوع عندهم، وقال ابن عبد البر في " التقصي ": واعلم أن الصحابي إذا أطلق اسم السنة فالمراد به سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذا إذا أطلقها غيره ما لم تضف إلى صاحبها كقولهم: سنة العمرين، وما أشبه ذلك.
وهو حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الإرسال، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهو) ش: أي حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (حجة على مالك في الإرسال) ش: أي في إرسال اليدين، وحجة على الشافعي في الوضع على الصدر، أي في وضع اليدين على الصدر. فإن قلت: كيف يكون الحديث حجة على الشافعي وهو حديث ضعيف لا يقاوم الحديث الصحيح والآثار التي احتج بها مالك والشافعي، هو حديث وائل بن حجر أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " قال: «صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره» ". وفي " الإمام ": روى سليمان بن موسى عن طاوس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع يده اليمنى على صدره في الصلاة» . وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع يده على السرة» ومنها قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] (الكوثر: الآية 2) أي ضع يدك على صدرك، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قرأ هذه الآية ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، وأخرج الطبراني من حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "كان إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه، فإذا كبر أرسلهما ثم سكت، وربما أنه يضع يمينه على شماله» . قلت: أما نفس الوضع فإنه ثبت من طرق كثيرة وكونه حجة على مالك، والحديث الذي تعلق به الذي أخرجه الطبراني عن الحصب بن جحد وكذبه شعبة ويحيى القطان، وأما كون الشافعي محجوجا بها فظاهر، لأن تعلقه بحديث وائل تعارضه الأحاديث الأخر، وحديث طاوس مرسل وهو لا يرى الاستدلال به، على أن حديث سليمان بن موسى يتكلم فيه، وحديث أبي هريرة غير ظاهر في كونه نصا في هذا الباب، واستدلاله بالآية غير ظاهر لأن المراد من قوله: (وانحر) الأضحية بعد صلاة العيد، والذي رواه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعارضه حديث الكتاب، وروى البيهقي من حديث عمر بن ميمونة [بن] مالك البكري عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عباس: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] (الكوثر: الآية 2) وضع اليمنى على الشمال في الصلاة. وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث قبيصة بن هلب عن أبيه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤمنا فيأخذ شماله بيمنه» : حديث هلب حسن، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتابعين ومن بعدهم، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى
وعلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوضع على الصدر، لأن الوضع تحت السرة أقرب إلى التعظيم، وهو المقصود، ثم الاعتماد سنة القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى حتى لا يرسل حالة الثناء. والأصل أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد فيه وما لا فلا، وهو الصحيح، فيعتمد في حالة القنوت، وصلاة الجنازة، ـــــــــــــــــــــــــــــQبعضهم أن يضعهما فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم، وهلب بضم الهاء واسمه يزيد بن قتادة، قاله الأترازي. قلت: يزيد بن قتادة، ويقال: زيد وقنافة، بضم القاف بعدها النون وبعد الألف فاء، ويقال قتادة. فإن قلت: الوضع على الصدر أبلغ في الخشوع، وفيه حفظ نور الإيمان في الصلاة فكان أولى من إشارته إلى العورة بالوضع تحت السرة، وقال الماوردي في " الحاوي ": وضع اليدين على الصدر أبلغ في الخضوع والخشوع من وضعهما على العورة. قلت: الوضع تحت السرة أقرب إلى التعظيم وأبعد من التشبيه بأهل الكتاب وأقرب إلى سترة العورة وحفظ الإزار عن السقوط، وما قاله الماوردي ممنوع، ووضعهما على العورة لا يضر فوق الثياب، وكذا لو كان بغير حائل لأن العورة ليس لها حكم العورة في حق نفسه، ولهذا تضع المرأة يديها على صدرها، وإن كان عورة، وما قلنا أقرب إلى التعظيم كما يفعل بين يدي الملوك، وفي وضعهما على الصدر تشبه بالنساء قد يسن. وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (لأن الوضع) ش: أي وضع اليدين م: (تحت السرة أقرب إلى التعظيم وهو المقصود) ش: أي التعظيم من وضع اليدين، وهو المقصود في هذا الباب. م: (ثم الاعتماد) ش: هذه إشارة إلى بيان القسم الرابع وهو وقت وضع اليدين، وقد ذكرنا أن لوضع اليدين أربعة أوجه: نفس الوضع، وصفته، ومكانه، وقد ذكرناه، والرابع وقت الوضع، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: ثم الاعتماد؛ أي اعتماد يده اليمنى على اليسرى م: (سنة القيام عند أبي حنيفة وأبي يوسف، حتى لا يرسل حالة الثناء) ش: أي حالة قراءة سبحانك اللهم، وعن محمد: أنه سنة القراءة فإذا أخذ في القراءة اعتمد. م: (والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن كل قيام فيه ذكر مسنون يعتمد فيه وما لا فلا) ش: أي وما لا يكون فيه ذكر مسنون لا يعتمد فيه م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول أصحاب الفضلي كأبي علي النسفي والإمام أبي عبد الله الخيري وغيرهما، حيث قالوا: إنه يعتمد في كل قيام، سواء كان فيه ذكر مسنون أو لا؛ تحقيقا لخلاف الروافض لعنهم الله فإن مذهبهم إرسال اليد من أول الصلاة، فنحن نخالفهم من أول الصلاة م: (فيعتمد في حالة القنوت وصلاة الجنازة) ش: هذا بحسب الأصل المذكور، فلذلك ذكره بالفاء؛ أي فيضع يديه ولا يرسلهما في حالة قراءة القنوت
[دعاء الاستفتاح]
ويرسل في القومة وبين تكبيرات الأعياد. ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، إلى آخره. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضم إليه قوله: "وجهت وجهي" إلى آخره؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQلأنه ذكر مسنون، وكذلك في صلاة الجنازة. م: (ويرسل في القومة) ش: أي في القومة من الركوع لأنه ليس فيه ذكر مسنون م: (وبين تكبيرات الأعياد) ش: أي يرسل أيضا بين تكبيرات العيدين، وأراد به التكبيرات الزوائد التي لا ذكر فيها بينها ولا قراءة، فلا يضع يديه بينهم باتفاق بين علمائنا الثلاثة، وفي " الذخيرة ": يرسل في القومة عنده لعمل محمد، وعليه الاعتماد، وقيل: يعتمد، وبه قال أبو علي النسفي، والحاكم عبد الرحمن الكاتب وإسماعيل الزاهد، أصحاب محمد بن أسفل، وقيل: معنى الإرسال أن لا يضع يمينه على يساره في القنوت والقومة وصلاة الجنازة، وقيل: أن يبطلهما حالة الداء، وعند بعضهم هو سنة القيام مطلقا، وقال أبو القاسم الصفار: يرسل إلى أن يشرع في الثناء والتسبيح، واختار الطحاوي أنه يضع يمينه على شماله لما يفرغ من التكبير، وفي صلاة الجنازة وعند القنوت عن أبي حنيفة، وعن أبي يوسف ومحمد أن يضعهما، وهو اختيار مشايخ سمرقند. وذكر الكرخي: وعن أصحابنا أنه يرسلهما، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي " الجامع الأصغر ": عن أبي سليمة إذا رفع رأسه من الركوع يطمئن قائما ويضع يده اليمنى على اليسرى حتى ينحط للسجود، وقيل: إذا طال القيام يعتمد؛ مخالفة للشيعة. [دعاء الاستفتاح] م: (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره) ش: أي ثم يقول المصلي بعد الشروع بالتكبير: سبحانك اللهم، وبه قال أكثر العلماء، منهم: أبو بكر الصديق وعمر وابن مسعود والنخعي وأحمد وإسحاق، قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم، وقال محمد في كتاب الحج على أهل المدينة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. م: (وعن أبي يوسف أنه يضم إليه) ش: أي أن المصلي يضم إلى قوله: سبحانك اللهم، إلى آخره، قوله: م: (وجهت وجهي إلى آخره) ش: وتمامه: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها إنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يدك والشر ليس إليك، وأنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك» . رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه، ولكن عند أبي يوسف يقول: وجهت، إلى قوله: " وأنا أول المسلمين "، ولم يصرح المصنف أن المصلي يقول: وجهت، بعد الثناء أو قبل الثناء بعد الكبير. وقال في " المختلف ": والحصر يقول المصلي بعد الثناء قبل القراءة، وقال في " شرح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالطحاوي ": إن شاء قدم ذلك على التسبيح أو أخر، وكذا في شرح الأقطع حيث قال: قال أبو يوسف: يجمع بين هذا وبين هذا وبين قوله: وجهت، يقدم أيهما شاء، وفي " الدراية ": وجعل البداية سبحانك اللهم أولى، وفي رواية: مخير، وفي رواية: يبدأ بأيهما شاء. قوله: سبحانك، منصوب على المصدرية، سبحان: علم للتسبيح لا ينصرف، ومعناه نسبحك بجميع آلائك ونحمدك سبحانك، والأصل: أسبح سبحان الله، إلا أنه ترك فعله وجعل علما للتسبيح فلم ينون ولم يرفع كغيره من المصادر، والتسبيح تنزيه من صفات النقص. فإن قلت: لو كان سبحان علما ما أضيف إذ العلم لا يضاف إلى إذا كان مؤولا بواحد. قلت: إنما يكون علما إذا لم يكن مضافا، أما إذا أضيف فلا، واستعماله مفرد غير مضاف قليل، قوله: وبحمدك سبحت. وعن أبي حنيفة: إذا قال: سبحانك اللهم بحمدك، بحذف الواو فقد أصاب، كذا في " فتاوى الظهيرية ". قوله: تبارك اسمك. أي تعاظم عن أسماء المخلوقين وصفاتهم، والبركة: الخير الكثير الدائم، قيل: هي مشتقة من برك الماء في الحوض: إذا دام وكثر، ومن بروك الإبل وهو الثبوت والاستمرار، كأنه قال: دام خيرك وكثر وتزايد، قوله: وتعالى جدك؛ أي علا جلالك وعظمتك وعز ملكك وسلطانك، وقيل: غناك. قوله: وجهت وجهي، الموجه إليه محذوف. وقوله: للذي، حال من الياء، وكذا حنيفا، كأنه قيل: أقبلت خاشعا أو منقادا. قوله: فطر؛ أي خلق، والفطر: اتخاذ الشيء واختراعه. قوله: حنيفا؛ الحنيف: المائل، والمراد: المائل إلى الحق، وقال أبو عبيد: الحنيف من كان على دين إبراهيم. قوله: ونسكي، بضم النون والسين: الطاعة والعبادة وكل ما تقرب به إلى لله تعالى، والنسك بسكون السين ما أمرت به الشريعة. والناسك: العابد، وقد نسك ينسك نسكا مثل نصر ينصر نصرا: إذا دفع، والنسك الذبيحة. والمحيا والممات مصدران. قوله: وأنا من المسلمين، إنما يقول كذلك لئلا يلزم الكذب، ومن قال: أنا أول المسلمين، قيل: تفسد صلاته للكذب، وقيل: لا تفسد لإرادة ما في القرآن. قوله: لبيك، من التلبية، وهي إجابة المنادي؛ أي إجابتي لك يا رب، وهو مأخوذ من لب بالمكان وألب على كذا: إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة، وهو منصوب على المصدرية بعامل لا يظهر، كأنك قلت: إلبابا بعد إلباب، والتلبية من لبيك كالتهليل من لا إله إلا الله. قوله: سعديك؛ أي ساعدت طاعتك. ساعدت بعد، مساعدة وإسعادا بعد إسعاد، وهو
لرواية علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــQمن المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال، قال المزني: لم يسمع سعديك منفردا. قوله: والشر ليس إليك قال النووي: فيه خمسة أقوال للعلماء: أحدها: لا يتقرب به إليك، قاله الخليل والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين والأزهري. الثاني: لا يضاف إليك على انفراده، فلا يقال يا خالق القردة والخنازير ورب الشر، وإن كان يقال: يا خالق كل شيء، وهو مروي عن المزني وغيره. قلت: هذا قول أصحابنا. الثالث: الشر لا يصعد إليك، وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح. الرابع: الشر ليس شرا بالنسبة إليك، فإنك أوجدته بحكمة بالغة، وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين والخائفين، حكاه الخطابي، إن قولك: فلان بني فلان، إذا كان عداده فيهم. قوله: وأنا بك، مبتدأ في محل الرفع على الخبرية. قوله: وإليك، عطف على قوله: بك، أي وأنا إليك. والمعنى: وأنا ملتجئ إليك ومتوجه إليك ونحو ذلك. م: (لرواية علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: هذا غريب من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأنه مع هذا لا يدل على الجمع بين سبحانك اللهم وبين وجهت، وإنما يدل على وجهت وحده لأن معنى قوله: م: (كان يقول ذلك) ش: أي كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: وجهت، ولا يلزم من ذلك قوله: سبحانك، معه، وكان ينبغي أن يستدل المصنف لأبي يوسف فيما ذهب إليه من الجمع بينهما بحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن السكن عنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» وفي إسناده عبد الله بن عامر، ضعفه جماعة كثيرة. وعن ابن معين: ليس بشيء، وروى البيهقي من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وجهت وجهي» اه. وروى إسحاق بن راهويه في كتابه " الجامع " عن علي بن أبي طالب رضي الله
ولهما رواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ سبحانك اللهم وبحمدك» إلى آخره" ولا يزيد على هذا، وما رواه محمول على التهجد، وقوله: "وجل ثناؤك" لم يذكر في المشاهير فلا يأتي به في الفرائض، ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يجمع في أول صلاته بين سبحانك اللهم وبحمدك، وبين وجهت وجهي» إلى آخرها. قال إسحاق: والجمع بينهما أحب إلي، انتهى. وقال أبو حاتم: هذا حديث باطل موضوع لا أصل له لأنه من رواية خالد بن القاسم المدائني، وأحاديثه معتلة. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (رواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ سبحانك اللهم وبحمدك» إلى آخره) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني من حديث حميد عن أنس: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهامه أذنيه ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك» إلخ، وأخرج من طريق آخر عن عابد بن شريح عن أنس بن مالك «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم يقول: سبحانك اللهم» إلخ. نحوه م: (ولا يزيد على هذا) ش: أي ولا يزيد المصلي على سبحانك اللهم إلخ. م: (وما رواه) ش: أي وما رواه أبو يوسف م: (محمول على التهجد) ش: وهو الاستقبال بالنوافل بالليل، وفي النوافل سعة، وأصل التهجد: السهر، وما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد مروي عن أنس وعمر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وجابر وبريدة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة كبر قال: سبحانك اللهم» . فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين» . قلت: هذا محمول على افتتاح القراءة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معناه أنهم كانوا لا يقرأون م: (وجل ثناؤك لم يذكر في المشاهير) ش: أي لفظ جل ثناؤك، فيما روي سبحانك اللهم اه. لم يذكر في الأخبار المشهورة، وفي " شرح الطحاوي ": وليس عن المتقدمين قول في جل ثناؤك، ولو قال لا بأس به. م: (فلا يأتي به في الفرائض) ش: نتيجة لما قبله، أي فلا يأتي بلفظ وجل ثناؤك في الفرائض
[حكم الاستعاذة في الصلاة]
والأولى أن لا يأتي بالتوجه قبل التكبير لتتصل النية به، هو الصحيح. ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] معناه: إذا أردت قراءة القرآن. ـــــــــــــــــــــــــــــQاحترازا عن الزيادة فيها ما ليس منها م: (والأولى أن لا يأتي بالتوجه) ش: أي الأولى للمصلي أن لا يقول: وجهت وجهي. اه. م: (قبل التكبير لتتصل النية به) ش: أي بالتكبير م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ المتأخرين، فإنهم قالوا: يأتي به قبل التكبير، فيكون أجمع للعزيمة، وهو اختيار الفقيه أبي الليث، فقالوا أيضا: إنه يؤدي إلى أن يطول مكثه في المحراب قائما يستقبل القبلة ولا يصلي، وهذا مذموم شرعا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما لي أراكم سامدين» أي متحيرين، كذا في " المبسوط " وفي " النظم ": لا يقرأ: وجهت إلخ، في الفرائض عندهما، لا قبله ولا بعده ولا بعد الثناء، هو قول أبي يوسف في الأصل، وعنه أنه يقرأ بعد الثناء قبل التعوذ، واتفقوا أنه يقرأ في النفل إجماعا، واختار المتأخرون أنه يقوله قبل الافتتاح. [حكم الاستعاذة في الصلاة] م: (ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) ش: أي بعد قراءة سبحانك اللهم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، خلافا لمالك فإن عنده لا يقول، واستدل بحديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور عن قريب، وعنه أنه يتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ. م: (لقول تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] (النحل الآية 98) معناه: إذا أردت قراءة الْقُرْآن) ش: ظاهر الأمر يقتضي أن يكون التعوذ فرضا كما قال به عطاء، إلا أن السلف أجمعوا على أنه سنة مؤكدة، وإنما قال: معناه: إذا أردت القراءة؛ نفيا لقول بعض أصحاب الظواهر أنه يتعوذ بعد القراءة عملا بحرف الفاء؛ فإنه ليس بصحيح لما روى أبو سيعد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، كذا ذكر الأترازي لفظ الحديث. قلت: الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله، ثلاثا، ثم يقول: الله أكبر كبيرا، ثلاثا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم يقرأ» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، قال الترمذي: حديث أبي سعيد أشهر حديث في الباب وقد تكلم في إسناده، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث. وقال ابن خزيمة: لا نعلم في الافتتاح بسبحانك اللهم خبرا ثابتا عند أهل المعرفة بالحديث،
والأولى أن يقول: أستعيذ بالله، ليوافق القرآن، ـــــــــــــــــــــــــــــQوأحسن أسانيده حديث أبي سعيد، ثم قال: لا نعلم أحدا ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه، وروى أحمد نحوه وفيه: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» . وفي إسناده من لم يسم، وروى ابن ماجه وابن خزيمة من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» . رواه الحاكم بلفظ: «كان إذا دخل في الصلاة» وعن أنس نحوه، ورواه الدارقطني وفيه الحسين بن علي بن الأسود، وفيه اتصال. وروي عن جبير بن مطعم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتعوذ قبل القراءة» رواه أحمد. ومعنى أعوذ بالله: أتوجه وأعتصم به وألجأ إليه، والشيطان اسم لكل متمرد عات لشطوته على الخير؛ أي تباعده، وقيل: لتشيطه؛ أي هلاكه واحتراقه. فعلى الأول النون أصلية والياء والألف زائدة، وعلى الثاني الياء أصلية والنون والألف زائدتان، يمنع الصرف، والرجيم المطرود، وقيل المرجوم بالشهب. قوله: " من همزه " بدل اشتمال من الشيطان وهو جمع همزة وهي ما يوسوس به، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] (المؤمنون: الآية 97) ، وهمزاته خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان. وقرأ أبو داود بالمغربة فقال: وهمزه: الموتة بضم الميم وسكون الواو وفتح التاء المثناة من فوق، وهي الجنون. قوله: ونفخه، بالخاء المعجمة: الكبر، كأن قوله للإنسان من الاستكبار والخيلاء فيتعاظم في نفسه كالذي نفخ فيه. قوله: ونفثه، قال أبو داود: ونفثه الشعر، وإنما سمي به لأنه كالشيء ينفثه للإنسان من فيه كالرقية، قيل: أراد به السحر، وهو الأشبه لما في التنزيل، قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] (الفلق: الآية 4) . م: (والأولى: أن يقول: أستعيذ بالله، ليوافق القرآن) ش: لأن المذكور في القرآن: فاستعذ، وهو أمر من الاستعاذة، فإذا قال: أستعيذ، يحصل الموافقة للقرآن، واختلف القراء في صفة الاستعاذة، واختار أبو عمرو وعاصم وابن كثير: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبه أخذ أصحابنا والشافعي وأكثر أهل العلم، نص الشافعي أنه الأفضل، وزاد حفص من طريق هبيرة: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وهو قول أحمد لكن زاد في آخره أنه هو السميع العليم. واختار نافع وابن عامر والكسائي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، وهو قول
[البسملة في الصلاة]
ويقرب منه: أعوذ بالله، ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لما تلونا، حتى يأتي به المسبوق دون المقتدي، ويؤخر عن تكبيرات العيد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هكذا نقل في المشاهير. ـــــــــــــــــــــــــــــQسفيان الثوري، واختار حمزة: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو قول ابن سيرين، وبكل ذلك ورد الأثر، وفي " المجتبى " وبقول حمزة نفتي، ولكن ورد في أكثر الأخبار والآثار: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلذلك قال المصنف: م: (ويقرب منه: أعوذ بالله) ش: أي يقرب من أستعيذ، أعوذ بالله لأن المزيد قريب من الثلاثي، ومعنى كل منهما طلب الإعاذة منهما، قاله بعض الشراح. قلت: معنى الطيب في أستعيذ ظاهر بخلاف أعوذ. م: (ثم التعوذ تبع للقراءة دون الثناء عند أبي حنيفة ومحمد لما تلونا) ش: أي وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] جعل الاستعاذة جزاء لقراءة القرآن فيكون تابعا للقراءة لا للثناء. وعند أبي يوسف تبع للثناء لأنها شرعت بعد الثناء م: (حتى يأتي به المسبوق دون المقتدي) ش: ثمرة ما قبله في قوله تبع للقراءة، فالمسبوق عليه القراءة فيأتي به. وعند أبي يوسف يأتي به المقتدي لأنه يسبح. م: (ويؤخر عن تكبيرات العيد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: أي يؤخر الاستعاذة عن تكبيرات الزوائد فيأتي بها بعد التكبيرات عندهما، وعند أبي يوسف يؤتي بها عقيب الثناء بعد تكبيرة الافتتاح. وقال صاحب " الخلاصة ": الأصح قول أبي يوسف، وهذا الخلاف كما رأيت بين أبي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف كما ذكره المصنف، وفي بعض نسخ الفقه وفي عامة النسخ " كالمبسوط " و " المنظومة " وشروحها بين أبي يوسف ومحمد، ولم يذكر قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والتعوذ في الركعة الأولي لا غير، إلا عند ابن سيرين والشافعي على المذهب، ذكره النووي. ولا يجهر بالثناء والتعوذ اتفاقا، وعند أبي ليلى يخير، وقال أبو هريرة: يجهر وخارج الصلاة يجهر اتفاقا. وعند أحمد: المسبوق لا يستفتح ولا يتعوذ مع الإمام، فإذا قام ليقضي استفتح واستعاذ لأن ما يقضيه أول صلاته وما أدرك آخرها. [البسملة في الصلاة] م قال: (ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ش: أي بعد التعوذ يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ م: (وهكذا نقل في المشاهير) ش: أي في الأخبار المشهور، منها ما روى نعيم بن المجمر: «والذي نفسي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبيده لأنا أشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - ". رواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ومنها: ما رواه ابن عباس قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم» ، أخرجه الترمذي وقال: ليس إسناده بذاك، فكأنه قال هكذا لأجل أبي خالد الوالبي الكوفي، وهو من رواته. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات" واسم أبي خالد هرمز ويقال هرم، ومنها ما رواه علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في صلاته» وأخرجه الدارقطني فقال: "إسناده علوي لا بأس به، ومنها ما روته أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الفاتحة في الصلاة» . وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه ". ومنها ما رواه عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «كان إذا افتتح الصلاة يبتدئ ببسم الله الرحمن الرحيم» . أخرجه الدارقطني في "سننه ". ومنها: ما روي عن بريدة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية، أو بسورة لم تنزل على نبي بعد سليمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غيري، فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد، فأخرج رجله وبقيت الأخرى فقلت: أنسي؟ فأقبل علي بوجهه فقال: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قلت: ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: هي هي ثم خرج» وفي إسناده صالح وعبد الكريم، قال أحمد ويحيى: ليسا بشيء، وفيه يزيد أبو خالد، قال النسائي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمتروك الحديث. اعلم أن الكلام في التسمية على وجوه، الأول في كونها من القرآن أم لا؟ والثاني أنها من الفاتحة أم لا؟ والثالث أنها من أول كل سورة أم لا؟ والرابع: يجهر بها أم لا؟. أما الأول: فالصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن لأن الأمة اجتمعت على أن ما كان مكتوبا بين الدفتين بقلم الوتر، فهو من القرآن والتسمية كذلك. وكذلك روى المعلى عن محمد فقال: قلت لمحمد: التسمية آية من القرآن؟ فقال: ما بين الدفتين كله من القرآن، وكذا روى الجصاص عن محمد أنه قال: التسمية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور والبداية منها تبركا، وليست بآية من كل واحدة منها، ويبنى على هذا أن فرض القراءة يتأدى بها عند أبي حنيفة إذا قرأها على قصد القراءة دون الثناء لأنها آية من القرآن. وقال بعض أصحابنا: لا يتأدى لأن في كونها آية تامة احتمال، فإنه روي عن الأوزاعي أنه قال: ما أنزل الله تعالى في القرآن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلا في سورة النمل وحدها، وليست بآية تامة، في قوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] (النمل: الآية 30) ، فوقع الشك في كونها آية تامة، فلا يجوز بالشك، ولذا يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءتها على قصد القرآن. أما على قول الكرخي فظاهر لأن ما دون الآية محرم عليهم، وكذا على رواية الطحاوي؛ لاحتمال كونها آية تامة، فيحرم عليهم قراءتها احتياطا. الثاني: أنها من الفاتحة أم لا؟ قال الشيخ أبو بكر الرازي: عن أصحابنا رواية منصوصة أنها من الفاتحة أو ليست منها. وذكر السرخسي في " أصول الفقه " عن الرازي أن الصحيح من المذهب عندنا: آية منزلة للفصل لا من أول السورة ولا من آخرها. وقال الشافعي: إنها من الفاتحة قولا واحدا، وبه قال أبو ثور. وقال أحمد في رواية: إنها من الفاتحة دون غيرها تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة، وفي رواية وهي الأصح، أنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وإن قرأ بها في أول القراءة كقراءتها في أول السورة وللفصل بين السور وليست من القرآن إلا في النمل، فإنها بعض آية منها. 1 - الثالث: أنها ليست من أول كل سورة عندنا. وقال الشافعي وأصحابنا: هي من أول كل سورة على الصحيح من المذهب عندهم، وبه قال عطاء والزهري وعبد الله بن المبارك، وهو مذهب ابن كثير وعاصم والكسائي من القراء، ووافقهم حمزة على أنها من الفاتحة خاصة، وبه قال الشافعي في قول في " المجتبى ". قال الأسبيجابي: أكثر مشايخنا على أنها من الفاتحة، ومذهب باقي القراء كمذهب مالك لكن يلزم قراءتها قالون ومن تابعه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQواحتج الشافعي ومن تابعه بحديث أبي الجوزاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الفاتحة فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وعدها آية منها» . واحتج أصحابه بما رواه الشافعي عن مسلم عن ابن جريح عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: «قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتحة الكتاب فعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية والحمد لله رب العلمين آية، الرحمن الرحيم آية، إياك نعبد وإياك نستعين آية، اهدنا الصراط المستقيم آية، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» ذكره فخر الدين الرازي في " تفسيره الكبير ". واحتجوا أيضا بما رواه الشعبي في تفسيره عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ألا أخبرك بحديث. وقد ذكرناه عن قريب. والجواب عن هذه الأحاديث، أما حديث عائشة فالصحيح ما رواه مسلم عن بديل بن مسلمة عن أبي الجوزاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» وهذا ظاهر في كون التسمية من الفاتحة. فإن قلت: تأويله على إرادة اسم السورة. قلت: لا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلا بدليل. فإن قلت: أبو الجوزاء لا يعرف له سماع عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ولئن سلم فإنه روي عنها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر بها. قلت: يكفينا أنه حديث أودعه مسلم في "صحيحه ". وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي، ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقد احتج به جماعة، وبديل بن ميسرة تابعي صغير مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث عنه هذا الحديث الأئمة الكبار وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد، وهو كذاب دجال لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل. وأما حديث أم سلمة فليس بصحيح لأنه يرويه عمر بن مروان البلخي عن ابن جريج قال يحيى: ليس بشيء. وأما حديث أبي هريرة فقد ذكرنا ما فيه من العلل، وإنما استدللنا به فيما مضى لأنه يدل على أن التسمية من القرآن وهو المختار عند بعضهم، ولا يدل على أنها من الفاتحة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQونقل الخطب عدة أحاديث في ذلك من تفسير الثعلبي وليس لها صحة ولا يثبت شيء منها، والثعلبي حاطب ليل يذكر الغث والسمين. وأما احتجاجات أصحابنا فيما ذهبوا إليه فأحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم في "صحيحه " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها إلي ونصفها لعبدي، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي، يقول العبد: الرحمن الرحيم، يقول الله: أثنى علي عبدي، يقول العبد: مالك يوم الدين، يقول الله: مجدني عبدي، يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، يقول الله: هذه بيني وبين عبدي، يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: فهؤلاء لعبدي» . قال ابن عبد البر: هذا حديث قد رفع الإشكال في سقوط بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من الفاتحة، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه. قلت: وجه التمسك به أنه ابتدأ القسمة بالحمد لله رب العالمين دون البسملة، فلو كانت منها لابتدأ بها. وأيضا فقد جعل النصف {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فيكون ثلاث آيات لله تعالى في الثناء عليه وثلاث آيات للعبد، وآية بينهما، وفي جعل التسمية منها إبطال هذه القسمة فيكون باطلا. وأيضا أنه قال: يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها، ثم قال: هؤلاء لعبدي، هكذا ذكره أبو داود والنسائي بإسنادين صحيحين، وهو جمع، فيقتضي ثلاث آيات، وعلى قول الشافعي يكون اثنين وللباري أربع ونصف إذا لم يعدوا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] آية، وإن عدوها آية تصير ثماني آيات، وهذا كله خلاف تصريح الحديث بالنصف. والمراد بالصلاة القراءة، ألا تراه كيف فسر القراءة وقسم الآيات، ولم الأفعال. فإن قلت: لم لا يراد بالقسمة المعنى لا الآي؟ فيكون لله الحمد والثناء والتحميد، وللعبد الخضوع والتذلل. قلت: هذا باطل، فإن الله تعالى منفرد بالحمد والثناء، والحمد لله الذي لا يكيف بالعبد، والعبد ينفرد بالخضوع والتذلل الذي ينزه الباري عنه، ولا يجوز أن يراد ذلك بقوله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، مثاله إذا كان ثوب لزيد وعبد لعمرو لا يجوز أن يقول: قسمت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثوب والعبد بين زيد وعمرو إذا لم يشتركا فيهما. فإن قلت: ما المانع أن يكون قسمة الألفاظ والحروف؟. قلت: لا يجوز لأن القسمة لا تصح مع ذلك، فلم يبق إلا عدد الآيات، على أن قسمة المعاني داخلة في قسمة الآيات. فإن قالوا: إنما لم يذكر البسملة لأنه أدرجها في الاثنين بعدها. قلنا: هذا ظاهر الفساد ويدعيه مكابر. فإن قالوا في مثل العلاء بن عبد الرحمن: وتكلم فيه ابن معين فقال: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث، ليس بذاك، هو حديث، وروي عنه هذه الألفاظ كلها. وقال ابن عدي: ليس بالقوي، وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به. قلنا: هذا جهل وفرط وتعصب ورداءة فكر ورأي، حيث يترك الحديث الصحيح والضعيف لكونه غير موافق لمذهبهم، وكيف وقد رواه عن العلاء الأئمة الثقات الأثبات كمالك، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق، والوليد ابن كثير، وغيرهم، والعلاء نفسه ثقة صدوق. فإن قالوا: سلمنا ما قلتم ولكن جاء في بعض الروايات عنه ذكر التسمية، كما أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها له يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول: حمدني عبدي» " إلى آخره، فهذه الرواية وإن كان فيها ضعف ولكنها تفسر بحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية. قلنا: هذا أيضا مكابرة وفساد وفرط ونقص مع علمهم بحال ابن سمعان، فقال عمر بن عبد العزيز الواحدي: سألت مالكا عنه فقال: كان كذابا، وقال يحيى بن أبي بكر: قال هشام بن عروة: لقد كذب علي وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها. وعن أحمد بن حنبل: متروك الحديث. وسئل ابن معين عنه فقال: كان كذابا. وقيل لابن إسحاق: إن ابن سمعان يقول: سمعت مجاهدا فقال: لا إله إلا الله، أنا والله أكبر منه ما رأيت مجاهدا ولا سمعت منه. وقال ابن حبان: كان يروي عمن لم يره ويحدث بما لم يسمع. وقال أبو داود: متروك الحديث كان يروي عن الكذابين. وقال النسائي: متروك فكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه بالحديث الضعيف؟ إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح كما
ويسر بهما، لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أربع يخفيهن الإمام، وذكر منها التعوذ والتسمية وآمين وربنا لك الحمد. ـــــــــــــــــــــــــــــQيفعل. ونحن نذكر من الأحاديث الصحيحة التي استدللنا بها ما رواه البخاري في "صحيحه " من حديث أبي هريرة قال: «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم أجبه فقلت: يا رسول الله كنت أصلي فقال: "ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ، ثم قال لي: ألا أعلمك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قلت: ما هي؟ قال: الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» . فأخبر أنها السبع المثاني، ولو كانت البسملة آية منها لكانت ثمانيا، لأنها سبع آيات بدون البسملة. ومنها ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له وهي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] » قال الترمذي: حديث حسن، ورواه أحمد في "مسنده " وابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وصححه، وعباس وثقه ابن حبان، ولم يتكلم فيه أحد. وجه الاستدلال به أن هذه السورة ثلاثون آية بدون البسملة بلا خلاف بين العادين، وأيضا فافتتاحه بقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] (الملك: الآية 1) دليل على أن البسملة ليست منها. وأما القسم الرابع فنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (ويسر بهما) ش: أي يخفي بالاستعاذة والتسمية. قال الأترازي: قال المطردي: أسر الحديث: أخفاء، وزيادة الباء سهو، وكذا قال السغناقي. قلت: يستعمل باب أفعل بالباء أيضا. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أربع يخفيهن الإمام، وذكر منها التعوذ، والتسمية وآمين، وربنا لك الحمد) ش: وهذا غريب، ولكن معناه رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه " ثنا هشيم عن سعيد بن المرزبان ثنا أبو وائل عن ابن مسعود أنه كان يخفي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والاستعاذة وربنا لك الحمد. وروى سعد بن الحسن في كتاب "الآثار " ثنا أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: أربع يخفيهن الإمام: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم وبحمدك، وآمين. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " ثنا معمر عن حماد، فذكره إلا أنه قال عوض سبحانك اللهم ربنا لك الحمد، ثم قال: أنا الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: خمس يخفيهن الإمام، فذكرها، وزاد سبحانك اللهم وبحمدك. وروى أبو معمر عن عمر بن الخطاب أنه قال: يخفي الإمام أربعا: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، وربنا لك الحمد.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة، لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "جهر في صلاته بالتسمية» . ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجهر بالتسمية عند الجهر بالقراءة) ش: وبه قال أبو ثور، قال الثوري: يجهر بالبسملة حيث يجهر بالقراءة في الفاتحة والسورة جميعا، قال: وعلى هذا أكثر علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأكابر. أما الصحابة فرواه أبو بكر الخطيب البغدادي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعمار بن ياسر وأنس وأبي هريرة وغيرهم، حتى ذكر عبد الله بن المغفل الذي ذكر الجهر به على ابنه. وأما التابعون ومن بعدهم، فمن قال بالجهر فهم لا يمكن أن يذكروا أو أن يحصوا. قال عمر بن عبد البر في " الاتفاق ": وقد روي عن عمر وعلي وعمار الجهر بها، والطرق عنهم ليست بالقوية، قال: وكذا اختلف عن أبي هريرة وابن عباس، والأشهر عن ابن عباس الجهر بها. وقال ابن أبي ليلى: إن شاء جهر بها وإن شاء خافت. قلت: قال الترمذي: والعمل عليه؛ أي على ترك الجهر بالبسملة عند ذكر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومن بعدهم من التابعين، وقال أبو عمرو بن المنذر: هو قول ابن مسعود وابن الزبير وعمار بن ياسر وعبد الله بن المغفل والحكم والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي وسعيد بن جبير وعبد الله بن المبارك وقتادة وعمر بن عبد العزيز وسليمان الأعمش والزهري ومجاهد ويحيى بن جعدة وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد والإمام مالك وأحمد وإسحاق. وقال أبو الخطاب: والعمل عليه عند أهل المدينة، وهذا نقل خلاف قد يلتفت إلى العصبية. م: (لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر في صلاته بالتسمية) ش: عن أكثر الشراح هذا الحديث إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وروى الدارقطني عن العلاء عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أم الناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . ورواه ابن عدي فقال فيه: " أسر " عوض " جهر ". وروى النسائي في "سننه " من حديث يعلمه التمرتاشي قال: «صليت وراء أبي هريرة فقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. وفي آخره: فلما سلم قال: إني أشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. ورواه ابن حبان في "صحيحه "، وابن خزيمة في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه " وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والدارقطني في "سننه " وقال: حديث صحيح ورواته كلهم ثقات مجمع على [ ... ] ، يحتج بهم في الصحيح. وروى الدارقطني أيضا عن خالد بن إلياس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «علمني جبرائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة» . وروى الطبراني في "الأوسط " عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هزأ منه المشركون ويقولون: محمد يذكر إله اليمامة» . وروى الحاكم في "مستدركه " من حديث علي وعمار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم» . وقال: صحيح الإسناد، ورواه الدارقطني في "سننه " من حديث جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار نحوه. وروى الدارقطني أيضا عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . وأخرجه الخطيب من طريق آخر من حديث مسلم بن حسان قال: «صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين" فقيل له، فقال: صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قبض، وخلف أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض، وخلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض، فكانوا يجهرون بها في السورتين فلا أدع الجهر بها حتى أموت» . وأخرج الدارقطني عن أبي الصخر عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمني جبرائيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند الكعبة فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . وأخرج أيضا من حديث الحكم بن عمير وكان بدريا قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة» . وروى الحاكم في "مستدركه " والدارقطني في "سننه «من حديث محمد بن أبي المتوكل بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأبي السري قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها، الصبح والمغرب، فكان يجهر ببسم الله الرحمن قبل فاتحة الكتاب وبعدها. وقال المعتمر: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي بكر. وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وأخرجه الحاكم من طريق آخر عن محمد بن السري ثنا إسماعيل ابن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «صليت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فكلهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . قال الحاكم: وأخرجته شاهدا. أخرجه الخطيب من طريق آخر من حديث حميد عن أنس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. الرد عن هذه الأحاديث: أما حديث أبي هريرة الذي روى عنه العلاء، وروى عنه أويس، واسمه عبد الله بن أويس، وهو غير محتج به لأنه لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه، مع أنه متكلم فيه، وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم الرازي. فإن قلت: أخرج له مسلم في صحيحه، قلت: بناء على أن مجرد الكلام في الرجال لا يسقط العدالة ولا حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة إذ لم يسلم من كلام إلا من عصمه الله، بل خرج في الصحيح ممن تكلم فيهم، ومع هذا لم يترك حديثه لكلام الناس فيه، بل للتفرد به ومخالفة الثقات له، ولرواية مسلم الحديث في "صحيحه" من طريقه وليس فيه ذكر البسملة. وأما رواية نعيم المجهول عنه فهي معلولة، البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حديث عن أبي هريرة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر بالبسملة في الصلاة، فالبخاري ومسلم أعرضا عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة الذي رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع، الحديث ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها لصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوليس في هذا الحديث ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر للتسمية، وهذا فيما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة. فإن قلت: نعيم المجمر ثقة والزيادة من الثقة مقبولة. قلت: ليس ذلك مجمعا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقول: زيادة الثقة مطلقا غير مقبولة، ومنهم من يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع إذا كان راويها ثقة حافظا ثبتا، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: من المسلمين، في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها يجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، وفي موضع يجزم بخطئها كزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها بالجهر لأنه قال: فقرأ أو فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وذلك أعم من قراءتها سرا أو جهرا على من لا يرى قراءتها. فإن قلت: قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت: أراد به أصل الصلاة، ومقاديرها، وهيآتها، والتشبه لا يقتضي أن يكون من كل وجه بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك محقق في التكبير وغيره دون البسملة. وأما الحديث الذي فيه: علمني جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن إسناده ساقط، وإن خالد بن إلياس مجمع على ضعفه، فعن أحمد: منكر الحديث، وعن ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. وعن النسائي: متروك الحديث. وعن ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وأما حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس فإنه لم يذكر هل كان في فرض أو نفل. فإن قلت: ذكر الدارقطني حديثين عن ابن عباس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: كان يفتتح الصلاة ببسم الله. قلت: قال الترمذي: إسناده ليس بذاك، والأول لا حجة فيه. فإن قلت: قال النووي في " صحيح مسلم ": قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أنزلت علي آنفا سورة، فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] » . اه. قال: وهذا تصريح بالجهر خارج الصلاة، فكذا في الصلاة كسائر الآيات. قلت: هذا الاحتجاج في غاية السقوط فهل يحتج بالقياس مع مخالفة النصوص الصحاح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما حديث علي وعمار، ففي الأول عبد الرحمن بن سعد المؤذن، وقد ضعفه ابن معين لما قال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي فقال: هذا جزاؤه، كأنه موضوع. وفي الطريق الثاني: جابر الجعفي، وقد كذبه أيوب وليث بن أبي سليمان الخزرجاني. وعن أبي حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر. وأما حديث ابن عمر فله طريقان، الأول رواه الدارقطني وفيه شيخه عمر بن الحسن، وقد ضعفه الدارقطني، وفيه جعفر بن محمد بن مروان فقال فيه الدارقطني: لا يحتج به، فظهر بذلك بطلان هذا الحديث. والطريق الثاني رواه الخطيب، فهو أيضا باطل لأن فيه عباد بن زياد الأسدي، وقال الحافظ محمد بن النيسابوري: هو مجمع على كذبه، وقال أبو حاتم: كان من رؤساء الشيعة. وأما حديث النعمان بن بشير فإنه حديث منكر بل موضوع، ومن رواته يعقوب بن يوسف الضبي، وهو ليس بمشهور، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني، وسكوت الدارقطني والخطيب وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا، ولم يعلق ابن الجوزي في هذا الحديث إلا عن فطر بن خليفة، وهو تقصير منه، فإن البخاري روى له في صحيحه ووثقه أحمد وابن معين ويحيى القطان، فكأنه اعتمد على قول السعدي فيه: هو زائغ غير ثقة، وليس كذلك لما ذكرنا. وأما حديث الحكم بن عمير فهو حديث باطل لوجوه: الأول: أنه ليس بدريا ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير، بل لا نعرف له راويا سوى ابن حبيب الراوي عنه، لم يلق صحابيا بل هو مجهول لا يحتج بحديثه. وقد ذكر الطبراني في "معجمه الكبير " الحكم بن عمير وقال في نسبته: الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثا منكرا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه. وروى له ابن عدي في "الكامل " قريبا من عشرين حديثا ولم يذكر فيها هذا الحديث. والراوي عن موسى هو إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي، قال الدارقطني: متروك الحديث. الثاني: يحتمل أن يكون هذا الحديث صنعه، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها كبقي بن مخلد وابن عدي والطبراني، وإنما رواه مما علمنا الدارقطني ثم الخطيب. الثالث: أن الدارقطني وهم فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، ورواه وزاد وهما ثانيا، فقال: الضبي، بالضاد المعجمة والباء الموحدة، وإنما الصيني بصاد مهملة ونون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فهو معارض بما رواه ابن خزيمة في "صحيحه " والطبراني في "معجمه" عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وأبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» وقوله: في الصلاة، زادها ابن خزيمة. والحديث الذي رواه الحاكم وقال: إنما ذكرته شاهدا، فقال الذهبي في "مختصره ": أما استحى الحاكم يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع، فأنا أشهد بالله والله إنه لكذب. وقال ابن عبد الهادي: سقط منه (لا) وتوثيق الحاكم لا يعارض ما يثبت في الصحيح خلافه؛ لما عرف من تساهله، وكيف وأصحاب أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى إن شعبة سأل قتادة عن هذا، فقال: أنت سمعت أنسا يذكر ذلك؟ فقال: نعم. وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر. واحتجت الشافعية أيضا بالآثار، ومنها ما رواه البيهقي في "الخلافيات " من حديث عمر بن ذر عن أبيه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: صليت خلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان أبي يجهر بها. قلنا: هذا مخالف للصحيح الثابت عن عمر أنه كان لا يجهر، وروى الطحاوي بإسناده عن أبي وائل قال: كان عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا يجهران. وقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن أبيه أيضا عدم الجهر، فإن ثبت الجهر يحمل على أنه فعله مرة لتعليم أو بسبب من الأسباب. ومنها: ما رواه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قلنا: هذا باطل، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي، أجمعوا على ترك الاحتجاج به. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كذاب ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الأشياء والموضوعات لا يحل الاحتجاج به، وقال النسائي: متروك الحديث. ومنها ما أخرجه الخطيب أيضا، عن يعقوب عن عطاء بن أبي رباح عن أبيه، قال: «صليت خلف علي بن أبي طالب، وعدة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . قلنا: وهذا أيضا لا يثبت، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليا، ولا صلى خلفه قط، والحمل فيه على ابنه يعقوب، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، قال أحمد: منكر الحديث. وأما شيخ الخطيب فيه فهو أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الأهوازي، ويعرف بابن أبي علي، فقد تكلموا فيه، وذكروا أنه كان يركب الأسانيد. ونقل الخطيب عن أحمد بن علي الجصاص قال: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب!. ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضا من قوله من طريق الدارقطني عن الحسن بن محمد بن عبد الواحد
قلنا: هو محمول على التعليم؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQثنا الحسن بن الحسين ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح بن نبهان قال: صليت خلف أبي سعيد الخدري وابن عباس وأبي قتادة وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. قلنا: وهذا أيضا لا يثبت، والحسن بن الحسين هو العربي إن شاء الله. وهو شيعي ضعيف، أو هو الحسين بن الحسن الأشقر، وانقلب اسمه، وهو أيضا شيعي ضعيف أو مجهول. وإبراهيم بن أبي يحيى قد رمي بالرفض والكذب. وصالح بن نبهان مولى التوأمة قد تكلم فيه مالك وغيره من الأئمة، وفي إدراكه الصلاة خلف أبي قتادة نظر. وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به. وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه لأن الشيعة ترى الجهر وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث، وكان أبو علي بن أبي هريرة أحد أعيان أصحاب الشافعي يترك الجهر بها، وهو يقول: الجهر بها صار من شعار الروافض. وغالب أحاديث الجهر نجد في روايتها من هو منسوب إلى التشيع. وأما أقوال التابعين في ذلك فليست بحجة مع أنها قد اختلفت، فروي عن غير واحد منهم الجهر، وروي عن غير واحد منهم تركه، والواجب في ذلك الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال. م: (قلنا: هو محمول على التعليم) ش: هذا جواب عما احتج به الشافعي فيما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهر في صلاته بالتسمية، ويريد أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما جهر بها لأجل تعليم أنه بها يسر، أو يقال: إنه محمول على الجهر الذي يسمعه القارئ، ويقال: إنه محمول على وقوعها اتفاقا، ويقال: كان الجهر ابتداء قبل نزول قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) فكأنهم كانوا يجهرون بالثناء والقراءة أيضا حتى نزل قوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ} [الإسراء: 110] (الإسراء: الآية 110) . قلت: كل هذا لا يجزئ ولا يرضى به الخصم ولا يندفع. وكانت الطريقة في هذا أن يحتج المصنف نصرة لمذهبه بما روى من الأحاديث الصحيحة، ثم يجيب عما احتج به الخصم بما يجاب به عند ورود الأحاديث والأخبار المتناقضة، فنقول وبالله التوفيق: قد ذكرنا أن للتسمية أربعة أحوال: هل هي من القرآن أم لا؟ وهل هي من الفاتحة أم لا؟ وهل هي من أول كل سورة أم لا؟ فهذه الثلاثة قد ذكرناها وبقى الرابع وهو أنها هل يجهر بها أم لا؟ فقال الشافعي ومن معه: يجهر بها، ونحن نقول: لا يجهر؛ لما روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث شعبة: سمعت قتادة يحدث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي لفظ لمسلم «فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرب العالمين، ولا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، في أول القراءة ولا في آخرها.» رواه النسائي في "سننه " وأحمد في "مسنده " وابن حبان في "صحيحه " والدارقطني في "سننه ". وقالوا فيه: «كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» وزاد ابن حبان: ويجهرون بالحمد لله رب العالمين. وفي لفظ لابن حبان والنسائي أيضا: «فلم نسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في "مسنده ": «فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين» . وفي لفظ للطبراني في "معجمه " وأبي نعيم في "الحلية " وابن خزيمة في مختصر "صحيحه " والطحاوي في "شرح الآثار ": «فكانوا يسرون في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في " الصحيحين ". وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضا وهي سبعة ألفاظ: فالأول: كانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم. والثاني: فلم أسمع أحدا يقول أو يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. والثالث: فلم يكونوا يقرأون ببسم الله الرحمن الرحيم. والرابع: فلم أسمع أحدا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. والخامس: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. والسادس: كانوا يسرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. والسابع: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حدث أبي نعامة الحنفي، واسمه قيس بن عباية: حدثنا ابن عبد الله بن مغفل قال: «سمعني أبي وأنا أقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال: أي بني إياك والحدث! فإني لم أر أحدا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعنى منه. قال: وصليت مع أبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها أنت، إذا صليت فقل: الحمد لله رب العالمين» . قال الترمذي: حديث حسن. فإن قلت: قال النووي في "الخلاصة ": وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن المغفل وهو مجهول. قلت: رواه أحمد في "مسنده " من حديث أبي نعامة عن بني عبد الله بن المغفل قال: «كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأبونا إذا سمع أحدا منا يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يقول: أي بني صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم أسمع أحدا منهم يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . ورواه الطبراني في "معجمه " عن عبد الله بن بريدة عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه مثله. ثم أخرجه عن أبي سفيان طريف بن شهاب عن يزيد بن عبد الله بن مغفل عن أبيه قال: «صليت خلف إمام فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فلما فرغ من صلاته قلت: ما هذا؟! غيب عنا هذه التي أراك تجهر بها! فإني قد صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع أبي بكر وعمر فلم يجهروا بها» . فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد الله بن المغفل عن أبيه، وهم أبو نعامة وأبو سفيان السعدي. أما أبو نعامة فقد وثقه ابن معين وغيره، وأما عبد الله بن بريدة فأشهر من أن يثنى عليه، وأما أبو سفيان مهران وإن تكلم فيه ولكنه يعتبر به ما تابعه عليه غيره من الثقات، وهو الذي سمى ابن عبد الله بن المغفل يزيد، كما هو عند الطبراني فقط، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه. وقد تقدم في " مسند أحمد " عن أبي نعامة عن بني عبد الله بن المغفل، وبنوه الذي يروي عنهم يزيد وزياد ومحمد، والنسائي وابن حبان وغيرهم يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو أحد منهم حديثا منكرا ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه. وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات. فأما يزيد فهو الذي سمي في هذا الحديث. وأما محمد فروى له الطبراني عنه عن أبيه قال: سمعت النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يقول: «ما من إمام يبيت غاشا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» . وأما زياد فروى له الطبراني عنه عن أبيه مرفوعا: «لا تحذفوا فإنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين» . وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به لاسيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته. فإن قلت: تركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل. [قلت] : قد احتجوا بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع. والبيهقي لم يحسن في تضعيفه هذا الحديث، غير أنه بعد أن رواه في كتابه " المعرفة " قال: تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية، وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا " الصحيح "، وكل ذلك لأجل التعصب والتحامل. وقوله: تفرد به، غير صحيح، فقد تابعه عبد الله بن بريدة وأبو سفيان
لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان لا يجهر بها، ـــــــــــــــــــــــــــــQكما ذكرنا، وعدم احتجاج صاحبي الصحيح لا يستلزم تضعيف هذا الحديث الصحيح، وهما لم يلتزما إحاطة الأحاديث الصحيحة، ومع هذا فالبخاري كثيرا ما يتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة، فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا، يشير به إليه ويشنع به عليه، ولم يجد حديثا صحيحا في الجهر حتى يذكره في "صحيحه". فهذا أبو داود والترمذي وابن ماجه مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة والأسانيد الضعيفة، لم يخرجوا منها شيئا، ولولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد بينا ضعفه من وجوه. م: (لأن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يجهر بها) ش: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم، وقد ذكرناه عن قريب. فإن قلت: روي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن ذلك كان في الجملة، فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن زهد بن سلمة قال: «سألت أنسا أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو الحمد لله رب العالمين؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني أحد قبلك.» قال الدارقطني: إسناده صحيح. قلت: ما روي من إنكاره لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في " الصحيح " ويحتمل أن يكون أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نسي في تلك الحالة لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرا، كما سئل يوما عن مسألة فقال: عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي. ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها. فإن قلت: يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده، لأنه كان صبيا يومئذ. قلت: هذا مردود لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وله عشرون سنة فكيف يتصور أنه يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر؟! هذا بعيد بل يستحيل. ثم قد روي هذا في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف وهو رجل في زمان أبي بكر وعمر، وكهل في زمان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث؟! فإن قلت: أحاديث الإخفاء شهادة على النفي، وأحاديث الجهر شهادة على الإثبات، والإثبات مقدم على النفي. قلت: هذه الشهادة وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات، وعند البعض سواء، وعند البعض النافي يقدم على المثبت وإليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذهب الأزدي وغيره. فإن قلت: روى الإخفاء اثنان من الصحابة أنس وعبد الله بن المغفل، وروى الجهر أربعة عشر صحابيا، فيقدم الجهر بكثرة الرواة. قلت: الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين. فأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف ما روي في الإخفاء، فإنه حديث ثابت صحيح مخرج في الصحيح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة. وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة، ولم يرو أحاديث الجهر إلا الحاكم وقد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة. وقال ابن دحية في كتابه " المعلم " المشهور: يجب على أهل الحديث أن لا يحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط ظاهر، وقد غفل عن ذلك كثير من مخالفيه، وقلده في ذلك الدارقطني وملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة والغريبة والشاذة والمعللة، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره. وحكي أنه لما دخل مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة [فصنف فيه جزءا] فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجهر فليس بصحيح. وأما عن الصحابة فمنه صحيح وضعيف. والخطيب فإنه قد جاوز عن حد التحامل والتعصب، واحتج بالأحاديث الموضوعة مع علمه بذلك، وروى الخطيب عن عكرمة أنه قال: لا يصلى خلف من لا يجهر بالبسملة، وعارضته رواية الطحاوي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال: ذلك فعل الأعراب. وسئل الحسن عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: إنما يفعل ذلك الأعراب. وقال أبو عمر عن ابن عباس: الجهر فيها قراءة الأعراب، وأراد جهلتهم. وعن النخعي: أن الجهر بها بدعة. ونقل السروجي عن ابن الجوزي: والخطيب لا ينبغي أن يقبل جرحه ولا تعديله، لأن قوله ونقله يدل على قلة دين. والعجب من الثوري أيضا كيف ذكر الأحاديث الضعيفة وانتصر لها وصححها، ولم يذكر ما قيل فيها. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم وقال الأكمل في هذا الموضع: فإن قيل: خبر الإخفاء بالبسملة مما تعم به البلوى، إلى آخر ما ذكره في شرحه، قلت: أخذ جميع ذلك عن السغناقي، ومع هذا فليس ما ذكره توفيقا بين الأحاديث الواردة في الجهر والإخفاء على طريقة أهل هذا الفن، وقد ذكرنا الذي هو الأصل
ثم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يأتي بها في أول كل ركعة كالتعوذ، وعنه أنه يأتي بها احتياطا، وهو قولهما، ولا يأتي بها بين السورة والفاتحة إلا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة، ـــــــــــــــــــــــــــــQفللناظر فيه نظر. م: (ثم عند أبي حنيفة أنه) ش: أي أن المصلي م: (لا يأتي بها) ش: أي بالتسمية م: (في أول كل ركعة) ش: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة أن المصلي إذا سمى أول صلاته فإنه لا يعيدها لأنها شرعت لافتتاح الصلاة م: (كالتعوذ) ش: أي كقراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه يقرأها مرة في أول السورة اتفاقا. م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة (أنه يأتي بها) ش: أي أن المصلي يأتي بالتسمية في أول كل ركعة، وهذه الرواية رواها أبو يوسف عن أبي حنيفة. وفي " قنية الفتاوى ": والأحسن أن يأتي بها في أول كل ركعة عند أصحابنا جميعا لا اختلاف فيه، ولا تختلف الرواية عنهم، ومن قال، مرة، فقد غلط على أصحابنا غلطا فاحشا عرفه من تأمل كتب أصحابنا، لكن الخلاف في الوجوب، فعندهما في رواية المعلى عن أبي حنيفة أنها تجب في الثانية كوجوبها في الأولى. ورواية الحسن عنه أنها لا تجب إلا عند افتتاح الصلاة وإن قرأها في غيره فحسن، والصحيح أنها تجب في كل ركعة حتى لو سها عنها قبل الفاتحة سجد للسهو. وفي " المجتبى ": وأما وجوبها خارج الصلاة، فالصحيح أنها تجب، وأجمع القراء أن يقرأها أول الفاتحة وكذا في سائر السور إلا عند غيره وأبي عمرو. م: (احتياطا) ش: أي على سبيل الاحتياط، لأنها أقرب إلى متابعة المصحف لأن عليه إعادة الفاتحة، فكذا إعادتها. وروى الحسن عن أبي حنيفة: إن قرأها عند السورة فحسن. م: (وهو قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (ولا يأتي بها) ش: أي بالتسمية م: (بين السورة والفاتحة) ش: لأن محلها أول الصلاة م: (إلا عند محمد فإنه يأتي بها في صلاة المخافتة) ش: أي فإن المصلي يأتي بالتسمية بين الفاتحة والسورة في الصلاة التي يخافت فيها القراءة اتباعا للمصحف، وأما إذا جهر فلا، وعند الشافعي: لا تجوز الصلاة بدون التسمية، فلذلك قالوا: الأجود أن يأتي بها في كل ركعة، وهو المنقول عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومجاهد، وذلك للاحتياط. وقال حميد الدين: لا احتياط فيه، لأن عند سعد بن أبي وقاص تسمية المقتدي مفسدة لصلاته، لكن لم يفند هذا الخلاف إذ فساد الصلاة لها بعيد، حتى إنه استحسن قراءة البعيد خلف الإمام فيما يخافت.
[الواجب من القراءة في الصلاة]
قال: ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أو ثلاث آيات من أي سورة شاء، وقراءة الفاتحة لا تتعين ركنا عندنا، وكذا ضم السورة، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفاتحة، ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فيهما، له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها» . ـــــــــــــــــــــــــــــQواعتبر خلاف الشافعي لأن معه غيره ولم يعتد بخلافه في الجهر لانفراده، ومخالفة النصوص على ما ذكرنا. [الواجب من القراءة في الصلاة] م: (قال) : أي القدوري: (ثم يقرأ فاتحة الكتاب) ش: أي ثم بعد قراءة الثناء والتعوذ والتسمية يقرأ سورة فاتحة الكتاب، هذا بيان الواجب من القراءة دون الركن والسنة على ما يأتي إن شاء الله تعالى م: (وسورة) ش: أي ويقرأ سورة من القرآن (أو ثلاث آيات من أي سورة شاء) ش: أي ويقرأ ثلاث آيات مع الفاتحة، والخيار فيها من أي سورة شاء، وهذا أيضا بيان الواجب من القراءة. م: (وقراءة الفاتحة لا تتعين ركنا عندنا) ش: أي من حيث الركنية، ويجوز أن ينصب على الحال. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلاة مع الفاتحة وحدها، ويروى مثل مذهبنا عن ابن عباس والحسن وإبراهيم والشعبي وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وداود ومالك في رواية. م: (وكذا ضم السورة إليها) ش: أي إلى الفاتحة م: (خلافا للشافعي في الفاتحة) ش: يعنى قراءة الفاتحة عنده فرض حتى لو لم يقرأها تبطل صلاته، ولو ترك حرفا منها وتشديدا عمدا لا تجوز صلاته، ولو ترك التشديد من لفظ الله، فإن كان عمدا تبطل صلاته، وإن كان ناسيا فيؤمر بسجود السهو، ولو ترك من "إياك نعبد" فإن تعمد ذلك وعرف معناه يكفر، وإن كان ساهيا أو جاهلا يسجد للسهو، كذا في تتمتهم. وعند عامة مشايخنا لو ترك التشديد من إياك ومن رب العالمين يعيد، والمختار أنه لا يعيد صلاته، ذكره في " الخلاصة ". م: (ولمالك فيهما) ش: أي خلافا لمالك في قراءة الفاتحة وضم السورة إليها ونصب خلاف مالك على هذا الوجه غير صحيح، لأن " صاحب الجواهر " قال: وضم السورة إلى الفاتحة سنة عند مالك خلاف ما نقله عنه أصحابنا. وقال غيره: المشهور عن مالك جعل أم القرآن ركنا، ولم يقل أحد أن ضم السورة إلى الفاتحة ركن فيما علمته. وأكثر الشراح سكتوا عن هذا ونسبوا إلى مالك قولا وهو لم يقل به، على أنه روي عنه أن مذهبه في هذا كمذهبنا لمالك. م: (له قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها» ش: هذا الحديث روي بوجوه مختلفة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعن أبي سعيد بلفظ الكتاب رواه ابن عدي في " الكامل "، وفي لفظ: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نقرأ الفاتحة وما تيسر» . وفي لفظ: «لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها» ، وفي لفظ: «وسورة، في فريضة أو غيرها» ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا صلاة لمن لا يقرأ بالحمد لله وسورة في فريضة وغيرها» . هذا لفظ الترمذي، واقتصر ابن ماجه على قوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بالجهر» وسكت عنه الترمذي، وهذا معلول بأبي سفيان. وقال عبد الحق في "أحكامه ": لا يصح هذا الحديث من أجله. ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في "مسنديهما" والطبراني في " مسند الشاميين " من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد: «لا صلاة إلا بأم القرآن ومعها غيرها» وروى أبو داود عن أبي نضرة عنه قال: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» . ورواه أحمد وأبو يعلى في "مسنديهما". قال الدارقطني في "علله ": هذا يرويه قتادة وأبو سفيان السعدي عن أبي نضرة مرفوعا، ووقفه أبو سلمة عن أبي نضرة هكذا. قال أصحاب شعبة عنه: ورواه ربيعة عن عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي سلمة مرفوعا، ولا يصح رفعه من شعبة. وروى الطبراني في " مسند الشاميين " من حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وآيتين من القرآن» . ورواه ابن عدي من حديث عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا «تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعدا» . وفيه عمرو بن يزيد، قال ابن عدي: ضعيف منكر الحديث، ورواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها» .
وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى أبو داود من حديث رفاعة بن رافع قال: جاء رجل ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس في المسجد. الحديث. وفي رواية: «إذا قمت وتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله» . ورواه أحمد أيضا في "مسنده". م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم من حديث محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب» . ورواه الدارقطني بلفظ: «لا تجزئ الصلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب» وقال: إسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" قلت: وإن كنت خلف الإمام، قال: فأخذ بيدي وقال: "اقرأ في نفسك» وجه الاستدلال بالحديث المذكور ظاهر وهو نفي حسن الصلاة عن الجواز إلا بقراءة فاتحة الكتاب. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ش: وجه الاستدلال بهذه أن الله تعالى أمر بقراءة ما تيسر من القرآن مطلقا وتقييده بفاتحة الكتاب زيادة على مطلق النص، وهذا لا يجوز، لأنه نسخ، فيكون أدنى ما يطلق على القرآن فرضا لكونه مأمورا به فإن قراءته لصلاة ليست بفرض يتعين أن يكون في الصلاة. فإن قلت: هذه الآية في صلاة الليل وقد نسخت فرضيتها وكيف يصح التمسك بها؟ قلت: ما شرع ركنا لم يصر منسوخا، وإنما نسخ وجوب قيام الليل دون فروض الصلاة وشرائطها وسائر أحكامها. ويدل عليه أنه أمر بالقراءة بعد النسخ بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، والصلاة بعد النسخ تثبت نفلا. وكل من شرط الفاتحة في الفرض لعدم المقابل بالفصل، وأيضا الاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على القول المنقول على ما عرف في موضعه. فإن قلت: كلمة ما مجملة والحديث مبين والمبين يقضي على المبهم. قلت: كل من قال هذا يدل قوله على عدم معرفته بأصول الفقه لأن كلمة من من ألفاظ العموم، يجب العمل بعمومها من غير توقف، ولو كانت مجملة لما جاز العمل بها قبل البيان كسائر مجملات يسير القراءة، والحديث معناه أي شيء يسير، ولا يسوغ ذلك فيما ذكروه فيلزم الترك بالقرآن والحديث، والعام عندنا لا يحمل على الخاص مع ما في الخاص من الاحتمالات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: هذا الحديث مشهور فإن العلماء تلقته بالقبول فيجوز الزيادة بمثله. قلنا: لا نسلم ذلك لأن المشهور ما تلقاه التابعون بالقبول. وقد اختلف التابعون في هذه المسألة، ولئن سلمنا أنه مشهور، فالزيادة بالخبر المشهور إنما يجوز إذا كان محكما، أما إذا كان محتملا فلا. وهذا الحديث محتمل لأن مثله نفي الجواز ويستعمل لنفي الفضيلة كقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ، ولأنه معارض لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب أو غيرها» . وروي: «لا صلاة إلا بقراءة ولو بفاتحة الكتاب» وقد ذكرناه عن قريب. وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علم الأعرابي الصلاة إلى أن قال: «الله أكبر ثم اقرأ ما تيسر أو ما معك من القرآن» . فإن قلت: نفي الجواز أصل فيكون هذا المراد. قلت: لا نسلم أن الأصل هو المراد بالحديث لجواز ترك الأصل بدليل يقتضي الترك. فإن قلت: أخرج مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام» . فهذا يدل على الركنية. قلت: لا نسلم ذلك لأن معناه ذات خداج أي نقصان صلاة ناقصة، وهذا لا يوافق مذهبنا لأنه ثبت النقصان لا الفساد، ونحن نقول: لأن النقصان في الوصف لا في الذات، ولهذا قلنا بوجوب الفاتحة. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ} [المزمل: 20] عام خص منه البعض وهو ما دون الآية، فإن المصنف ذكر في فصل القراءة أدنى ما يجزئ من القراءة عند أبي حنيفة أنه آية، لأن ما دون الآية خارج بالإجماع، فإذا كان كذلك يجوز تخصيصه بخبر الواحد بل القياس أيضا. قلت: القرآن يتناول ما هو معجز عرفا فلا يتناول ما دون الآية. فإن قلت: هذا مستقيم على قولهما لأنهما قالا: فرض القراءة ثلاث آيات قصار وآية طويلة. أما على قول أبي حنيفة لا يستقيم، لأن الفرض يتأدى عنده بالآية القصيرة وهي ليست بمعجزة. قلت: الشرط فيه أن تكون الآية القصيرة كلمتين أو أكثر، ولا يتأدى الفرض بآية هي كلمة واحدة ك "ص" و "ن"، وقال: مذهنبا بائن في الصحيح، فإذا كان كذلك لم يدخل ما دون الآية في النص. وقال الأترازي: فإن قلت: إن مالكا مستدل على ركنية الفاتحة وضم السورة جميعا بقوله:
والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز، لكنه يوجب العمل فقلنا بوجوبهما. ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها» فما جوابه؟ قلت: جوابه هو الذي سمع من ردنا على الشافعي فلا نعيده، انتهى. قلت: هذا السؤال غير موجه أيضا، لأن مالكا لم يقل بركنية ضم السورة إلى الفاتحة كما ذكرنا. م: (والزيادة عليه) ش: أي على النص (بخبر الواحد) ش: وهو الحديث المذكور (لا تجوز) ش: لأنه نسخ كما ذكرنا، لأن خبر الواحد دون نص الكتاب والنسخ لا يجوز بما دون المنسوخ كقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] (البقرة: الآية 106) . فإن قلت: ما معنى النسخ هاهنا؟ قلت: الذي كان مشروعا قبل الزيادة لما كان بعضه بعد الزيادة لزم تبدله من الكل إلى البعض وليس معنى النسخ إلا التبديل. فإن قلت: ما تيسر عام، فقال المصنف بالزيادة عليه، وهذا يدل على أنه مطلق، والمطلق خاص لا عام عندنا. قلت: كأنه أراد العام المطلق وهو العام غير المخصوص. م: (لكنه يوجب العمل) ش: أي لكن الحديث المذكور يوجب العمل به وبين ذلك بقوله: م: (فقلنا بوجوبهما) ش: أي قلنا بوجوب قراءة الفاتحة وضم السورة حتى يأثم تاركهما إذا عمد ويلزمه سجود السهو إذا سها، والحاصل أنما نحن عملنا بالعدل باستعمالنا بالقرآن والحديث، وأثبتنا فريضة مطلق القراءة بالنص ووجوبية قراءة الفاتحة وضم السورة بالحديث، وهذا هو العدل في باب إعمال الأخبار، وليس من العدل أن يعمل بأحدهما ويهمل الآخر، وهاهنا دقيقة وهي أن الحديث الذي رواه أبو هريرة وهو الذي أخرجه أبو داود والطبراني في " الأوسط " أنه قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أنادي: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب» عما إذا ترك على فريضة ما زاد على الفاتحة وليس ذلك مذهب الخصم. ولنا جواب وهو أن الحكم يثبت بقدر دليله وخبر الواحد ليس بقطعي، فلا تثبت به الفرضية. نعم يثبت به الوجوب، ونحن نقول به. فإن قلت: الخصم يقول: الفرض والواجب عندي سواء. قلت: النزاع لفظي. فإن قلت: الحديث مجمل، لأن نصبه يقتضي نفي الذات ومعلوم ثبوتها حسا.
[قول المأموم آمين]
وإذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين، ويقولها المؤتم؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا أمن الإمام فأمنوا» ، ولا متمسك لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا قال الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقولوا: آمين» من حيث القسمة؛ لأنه قال في آخره: "فإن الإمام يقولها". ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: قد أجيب عن هذا، والتحقيق أن قدر نفي الإجزاء يلزم به نفي الكمال أيضا، فيلزم نفي شيئين قبله للمخالفة، فتعين به نفي الكمال. [قول المأموم آمين] م: (وإذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] ، قال: آمين) ش: أي قال الإمام عقيب ولا الضالين آمين. قال الأترازي: خلافا لمالك. قلت: لم يقل مالك بأن الإمام لا يقول آمين ولكن يقولها على وجه الفضيلة دون السنة على ما حكاه القاضي أبو محمد عنه، ذكره في " الجواهر ". م: (ويقولها المؤتم) ش: أي يقول المقتدي أيضا: آمين. والأترازي يقول: هذا ما كان المقتدي في علم التصريف بقوله وهو أن المؤتم به؛ أي اقتدى به، يجوز أن يكون اسم الفاعل ويجوز أن يكون اسم المفعول، لأن التقدير يختلف، وإن كان اللفظ يحتاج إلى تقدير اسم الفاعل مؤتم بكسر الميم الأولى وتقدير اسم المفعول مؤتم بفتح الميم الأولى والمراد هنا هو الثاني وهو الإمام لمناسبة الكلام. قلت: هذا إنما يصح إذا كان الضمير في قال في قوله آمين كما ذهب إليه بعض الشراح، ويفهم من كلامه هذا أيضا وليس كذلك، وإنما الضمير فيه للإمام، ويكون من قوله ويقولها المؤتم هو المقتدي كما ذكرنا. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا أمن الإمام فأمنوا» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» ، قال ابن شهاب: «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول آمين» . ولفظ النسائي وابن ماجه فيه: «إذا أمن القارئ» وزاد فيه البخاري في كتاب الدعوات: «فإن الملائكة تقول آمين» . قال ابن حبان: يريد أنه إذا أمن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء خالصا لله تعالى، فإنه حينئذ يغفر له. م: (ولا متمسك لمالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين» من حيث القسمة لأنه قال في آخره: فإن الإمام يقولها) ش: أي ولا حجة لغير مالك في هذا الحديث فيما ذهب إليه من أن الإمام لا يقول عند فراغه من قراءة الفاتحة آمين من حيث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم ذلك بينه وبين القوم، لأن القسمة تنافي الشركة. ثم بين المصنف عدم احتجاجه بذلك بقوله: (لأنه قال) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في آخر
قال: ويخفونها ـــــــــــــــــــــــــــــQالحديث المذكور: «فإن الإمام يقولها» أي يقول لفظ آمين، ولفظ الحديث: «فإن الإمام يقول آمين» كما نذكره يقطع بتلك الشركة، فصار الإمام والقوم مشتركين في الإتيان بلفظ آمين. ثم إن المالكية حملوا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا أمن الإمام، على بلوغ موضع التأمين وقالوا: سنة الدعاء تأمين السامع دون الداعي، وآخر الفاتحة دعاء فلا يؤمن الإمام لأنه داع. وقال القاضي أبو الطيب: هذا غلط بل الداعي أولى بالاستيجاب. واستبعد أبو بكر بن العربي تأويلهم لغة وشرعا، وقال: الإمام أحسن الداعين وأولهم وأولاهم. وفي " المعارضة ": قال الإمام مالك: لا يؤمن الإمام في صلاة الجهر. وقال ابن حبيب: يؤمن. وقال ابن كليب: هو ما يختار. وروى الحسن عن أبي حنيفة مثل قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإمام لا يأتي بها. وفي " المبسوط ": قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخفي الإمام آمين، ثم قال: وقد طعنوا فيه، وقالوا: إن مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإمام لا يقوله أصلا فكيف يستقيم جوابه: ويخفي به، لكنا نقول: عرف أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن بعض الأئمة لا يأخذون بقوله لحرمة قول علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ففرع الجواب على قولهما كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها. فإن قلت: إذا كان مذهب أبي حنيفة أن الإمام لا يقول آمين، كما روى عنه الحسن فما جوابه عن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا أمن الإمام؟ قلت: جوابه أنه إنما سمى الإمام مؤمنا باعتبار المسبب والمسبب يجوز أن يسمى باسم المباشر كما يقال بنى الأمير داره. ثم الحديث الذي في آخره: فإن الإمام يقولها، أخرجه النسائي في "سننه " من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» . ورواه عنه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن الزهري، ومن طريقه رواه ابن حبان في "صحيحه " بسنده، والحديث في " الصحيحين " وليس فيه: فإن الإمام يقول: آمين. م: (ويخفونها) ش: أي يخفي الإمام والقوم جميعا لفظة آمين، وبه قال الشافعي في قوله الجديد، ومالك في رواية. وعند الشافعي يجهر الإمام، وبه قال أحمد وعطاء وداود لما روي عن أبي هريرة أنه قال: «كان إذا أمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمن من خلفه حتى كان في المسجد ضجة» . وفي رواية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبجة، وهو اختلاف الأصوات. وروي عن بعض أصحابه أنه قال: كنت أسمع من الأئمة كابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ويقول من خلفهم آمين، حتى يكون في المسجد ضجة. وكذا روي عن عكرمة، كذا ذكره صاحب " الدارية " عنهم. قلت: حديث الجهر بالتأمين رواه أبو داود والترمذي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر، واللفظ لأبي داود قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته» ، وقال: حديث حسن. وأخرج أبو داود والترمذي من طريق آخر عن علي بن صالح، ويقال العلاء بن صالح، الأسدي عن سلمة بن كهيل عن عمر عن عنبس عن وائل بن حجر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه صلى فجهر بآمين وسلم عن يمينه وشماله» انتهى وحكى عنه. وروى النسائي أنا قتيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق «عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: "صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتى حاذيا أذنيه ثم قرأ فاتحة الكتاب، فلما فرغ منها قال: آمين، رفع بها صوته» . وروى أبو داود وابن ماجه عن ميسر بن رافع عن أبي عبد الله بن عمر عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا تلى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين حتى تسمع من الصف الأول» وزاد ابن ماجه: «فيرتج بها المسجد» . ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وقال: على شرط الشيخين. رواه الدارقطني في "سننه " قال: إسناده حسن. وروى إسحاق بن راهويه في "مسنده " أخبرنا النضر بن شميل حدثنا هارون الأعور عن إسماعيل بن مسلم عن أبي إسحاق «عن ابن أم الحصين عن أمه: أنها صلت خلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: آمين، فسمعته وهي في صف النساء» . قلت: أما الحديث الأول الذي رواه الشافعية من حديث أبي هريرة وفيه: «حتى كان في المسجد ضجة» فليس كذلك لفظه، بل لفظه في زيادة ابن ماجه: «فيرتج بها المسجد» كما ذكرناه، وهو حديث ضعيف، وفي إسناده بشر بن رافع الحارثي، ضعفه البخاري والترمذي والنسائي وأحمد
لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه دعاء فيكون مبناه على الإخفاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQوابن معين، وقال ابن القطان في كتابه: بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي، ضعيف، وهو يروي هذا الحديث عن أبي عبد الله ابن [عم] أبي هريرة، وأبو عبد الله هذا لا يعرف له حال ولا روى عنه غير بشر، والحديث لا يصح من أجله فقط بذلك [.... ... ] قول الحاكم: على شرط الشيخين، وتحسين الدارقطني إياه. وأما قولهم: وروي عن بعض أصحابه؛ أي بعض أصحاب الشافعي، فإن الذي رواه هو الشافعي في " الأم " أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال: كنت أسمع الأئمة كابن الزبير ومن بعده أه. ومسلم بن خالد شيخ الشافعي ضعيف. فإن قلت: قال النووي: ذكر البخاري هذا الأثر عن ابن الزبير تعليقا. قلت: التعليق ليس بحجة. وأما الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي من حديث وائل بن حجر فيعارضه ما رواه الترمذي أيضا عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر بن العنبس عن وائل عن أبيه وقال فيه: «وخفض لها صوته» . فإن قلت: قال الترمذي: سمعت محمدا يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة، وأخطأ شعبة في مواضع فقال: عن حجر أبي العنبس، وإنما هو حجر بن العنبس، ويكنى أبا السكن، وزاد فيه علقمة وليس فيه علقمة وإنما هو حجر عن وائل، وقال: خفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته. قلت: تخطئه مثل شعبة خطأ، وكيف وهو أمير المؤمنين في الحديث وقوله حجة هو ابن عنبس وليس بأبي عنبس، وليس هو كما قاله بل هو ابن عنبس، وجزم به ابن حبان في " الثقات "، فقال: كنيته كاسم أبيه. وقول محمد: كونه أبا السكن لا ينافي أن يكون كنيته أيضا أبا عنبس؛ لأنه لا مانع أن يكون لشخص كنيتان المختار، زاد فيه علقمة لا يضر لأن الزيادة كانت من الثقة مقبولة، ولا سيما من قبل شعبة. وقوله: قال وخفض بها صوته وإنما هو ومد بها صوته، يؤيده ما رواه الدارقطني عن وائل بن حجر قال: «صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجمعة حين قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين، وأخفى صوته» . وحجر بضم الجيم. وعنبس بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة. م: (لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهو الذي ذكره فيما تقدم عن قريب عند قوله: ويلزمها، وقد مر الكلام فيه مستقصى م: (ولأنه) ش: أي ولأن التأمين أي التلفظ به. (دعاء فيكون مبناه على الإخفاء) ش: أي الأصل فيه الإخفاء، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خير الدعاء ما خفي وخير الرزق ما يكفي» ولأن بإخفائها يقع التمييز بين القرآن وغيره، فإنه إذا جهر بها مع الجهر بالفاتحة يلبس أنها
والمد والقصر فيه وجهان والتشديد فيه خطأ فاحش. ـــــــــــــــــــــــــــــQمن القرآن. فإن قلت: ورد الجهر والإخفاء فماذا يعمل؟. قلت: إذا تعارضت الأخبار والآثار يعمل بالأصل [والأصل] في الدعاء الإخفاء كما ذكرنا، أو يحمل ما فيه على أنه وقع اتفاقا وعلى التعليم أو على أصل الأمر. وفي " المحيط " و " فتاوى الظاهرية ": لو سمع المقتدي من الإمام: ولا الضالين، في صلاته يجهر بها، هل يؤمن؟ قال بعض مشايخنا: لا يؤمن لأن ذلك الجهر لغو فلا يتبع وعن الهندواني: يؤمن لظاهر الحديث. م: (والمد والقصر فيها وجهان) ش: أي مد ألف آمين وقصرها فيه لغتان، وفي " الخلاصة ": المد اختيار الفقهاء لموافقته للمروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والقصر اختيار الأصوليين، وعلى الوجهين هو مبني على الفتح قطعا كيف كان لاجتماع الساكنين. وفي " الجنازية ": فيه أربع لغات: فتح الألف ومدها وقصرها، وفتح النون في الوجهين وتسكينه، وحكى الواحدي فيه لغة أخرى وهو إمالة مع. وحكي أيضا المد والتشديد. قال: وروي ذلك عن الحسن. وحكى القاضي عياض عنه أنها مردودة. وقال ابن السكيت وغيره من أهل اللغة: على أن التشديد لغة العوام وهو خلاف المذاهب الأربعة. واختلف الشافعية في بطلان الصلاة بذلك، وفي " التجنيس ": ولو قال آمين بتشديد الميم في آمين لا تفسد، أشار إليه المصنف بقوله: م: (والتشديد فيه خطأ فاحش) ش: أي تشديد الميم فيه، ولكنه لم يذكر هنا فساد الصلاة به ها هنا لأن فيه خلافا، وهو أن الفساد، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا تفسد لأنه يوجد في القرآن مثله وهو قَوْله تَعَالَى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] م: (المائدة: الآية 2) وعلى قولهما الفتوى، فلذلك لم يتعرض إلى الفساد هنا. وأما معنى آمين رواية وأصله فوزنه ليس من أوزان كلام العرب وهي مثل هابيل وقابيل، وأصله يا ألله استجب دعاءنا، اسم من أسماء الله تعالى، إلا أنه أسقط ياء النداء فأقيم المد مقامه، فلذلك أنكر جماعة القصر فيه، وقالوا: المعروف فيه المد، وهو اسم فعل مثل صه بمعنى اسكت، ويوقف عليه بالسكون، فإن وصل بغيره تحرك لالتقاء الساكنين، ويفتح طلبا للخفة لأجل البناء كأين وكيف، أو معناه، فقيل: لكن كذلك، وقيل: أعقل، وقيل: لا يخيب رجانا. وقيل: لا يقدر على هذا غيرك. وقيل: طالع الله على عباده يدفع به عنهم الآفات. وقيل: هو كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلا الله، وقيل: اسم من أسماء الله تعالى.
[التكبير قبل الركوع وبعد الرفع منه]
قال: ثم يكبر ويركع، وفي " الجامع الصغير ": ويكبر مع الانحطاط، ـــــــــــــــــــــــــــــQقال النووي: وهو ضعيف. وفي " المنافع ": قيل: هو معرب همين وعن أبي زهير البحتري قال: «وقف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على رجل ألح في الدعاء فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "وجب؛ أي ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ فقال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد وجب» رواه أبو داود، وأبو زهير اسمه معاذ. وفي " المجتبى ": لا خلاف أن آمين ليس من القرآن حتى قالوا بارتداد من قال: إنه منه، وأنه مسنون في حق المنفرد والإمام والمأموم والقارئ خارج الصلاة. واختلف القراء في التأمين بعد الفاتحة إذا أراد ضم السورة إليها، والأصح أنه يأتي بها. فروع: ينبغي أن يراوح المصلي بين قدميه في القيام، وهو أفضل من أن ينصبهما نصبا، والرواية إن تمكن على هذا القدم مرة وعلى الأخرى مرة، نص عليه عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في صلاة الأكثر، ولم يرو عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه. وفي " النسفي " أي الاستراحة من رجل إلى رجل أخرى مكروهة ومثله في " المرغيناني "، وكذا القيام على إحدى الرجلين إلا لعذر. وفي " الواقعات ": ينبغي أن يكون بين قدمي المصلي قدر أربع أصابع اليد لأنه أقرب إلى الخشوع، والمراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصقوا الكعاب بالكعاب» اجتماعهما. [التكبير قبل الركوع وبعد الرفع منه] م: (قال: ثم يكبر ويركع) ش: أي بعد الفراغ من قراءة الفاتحة وضم السورة يكبر ويركع، وهذا يقتضي أن يكون التكبير في محل القيام، وهذه رواية القدوري، وبه قال بعض مشايخنا. (وفي " الجامع الصغير " ويكبر مع الانحطاط) ش: وهذا يقتضي مقارنة التكبير للركوع لأن كلمة مع للمقارنة، وبه قال بعض مشايخنا، وإنما صرح " بالجامع الصغير " لأن دأبه إذا وقع نوع مخالفة بين رواية " الجامع الصغير " ورواية " القدوري " التصريح بلفظ الجامع الصغير. وفي " شرح الإرشاد ": ينبغي أن يكون بين حالة الانحناء وحالة الرفع لا في حالة الاستواء ولا في حالة تمام الانحناء. وقال بنو أمية: لا يكبر حال ما يركع بل يكبر حال ما يرفع رأسه من الركوع لأنه روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل هذا، وأن الحديث الذي يأتي لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع، المراد بالخفض والرفع ابتداء كل ركن وانتهاؤه، ومعناه: الله أعظم من أن يؤدى حقه بهذا القدر من العبادة، لا يقال: إذا كان المعنى هذا فلم لا يكبر عند رفع الرأس من الركوع، لأنا نقول: المراد من التكبير أن لا يخلو جزء من أجزاء الصلاة خاليا عن الذكر، فبعد الركوع الإمام يسمع والمقتدي يحمد والمنفرد يأتي بهما، فلا يخلو ذلك الجزء عن الذكر، فلم يسن التكبير لأجل هذا.
«لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، كان يكبر عند كل خفض ورفع، ويحذف التكبير حذفا؛» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع) ش: هذا دليل قوله ثم يكبر، والحديث رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرحمن بن الأسود بن علقمة، رواه الأسود عن عبد الله بن مسعود قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والدارقطني في "مسانيدهم" والطبراني في "معجمه ". وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سلمة «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع، فلما انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وفي " الموطأ " عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عن ابن شهاب الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله عز وجل» . وقد قلت: ينبغي الخفض والرفع، ومذهب الشافعي في هذا كما ذكر في " الجامع الصغير ". وقال الطحاوي: يخر راكعا مكبرا، وفي " خزانة الأكمل ": لا يكره وصل القراءة بتكبير الركوع. وعن أبي يوسف: ربما فعلت وربما تركت. وقال أبو حفص: فعلها وصلا وربما أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك الأفضل خلافا للرافضة. وفي " المجتبى ": واختلف في وقت الركوع والأصح أنه بعد الفراغ من القراءة، وقال: إنه في حالة الخروج حرف أو كلمة عن القراءة لا بأس به، ثم هذه التكبيرات كلها سنة عند الجمهور من الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم. وقال ابن المنذر: وبه قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وجابر والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وروي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري: أنه لا يشرع إلا بتكبيرة الإحرام بلفظه، ونقله ابن المنذر أيضا عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، ونقله ابن بطال في "شرح البخاري " عن جماعة منهم معاوية وابن سيرين وسعيد بن جبير. وقال البغوي: اتفقت الأمة أنها سنة وليس كما قاله، وقد قالت الظاهرية وأحمد في رواية أنها واجبات. م: (ويحذف التكبير حذفا) ش: أي لا يمد في غير موضع المد، والحذف في الأصل الإسقاط،
لأن المد في أوله خطأ من حيث الدين، لكونه استفهاما، وفي آخره لحن من حيث اللغة. ويعتمد بيديه على ركبتيه ويفرج بين أصابعه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQويعتبر به عن ترك التطويل والتخليط في القراءة. (لأن المد في أوله خطأ من حيث الدين لكونه استفهاما) ش: أي في أول التكبير، وهو الهمزة، فإذا مدها عامدا يكفر، ولا تجوز صلاته لكونه شاكا في كبرياء الله تعالى باستفهامه، هكذا قاله الأترازي، والذي قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو الحق لأن الهمزة للإنكار، لكن من حيث إنها تجوز أن تكون للتقرير لا يلزمه الكفر. وفي " الخلاصة ": لو قال: الله أكبر، بمد الألف من أكبر، تكلموا في كفره، ولا تجوز صلاته لأنه إن لزمه الكفر فظاهر، وإن لم يلزمه يكون كلاما فيه احتمال الكفر فيخشى عليه الكفر، وهو خطأ أيضا شرعا، لأن الهمزة إذا دخلت على كلام منفي كما في قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] (الانشراح: آية1) ، تكون للتقرير بخلاف الكلام المثبت، وفيه ضعف من حيث اللغة وذلك لأن العرف بالقرآن. م: (وفي آخره لحن من حيث اللغة) ش: أي المد في آخر التكبير، وهو أن يمد الباء؛ أي خطأ من لحن الكلام فيه في كلامه إذا أخطأ، يقال: فلان لحان ولحانة؛ أي مخطئ، ولكن لا تفسد صلاته. وعن بعض المشايخ: لا يصير شارعا، ولو شرع تفسد صلاته، وبه قال الفقيه أبو جعفر. وفي " المبسوط ": ولو مد ألف الله لا يصير شارعا، وخيف عليه الكفر إن كان قاصدا، وكذا لو مد ألف أكبر، وكذا لو مد باءه لا يصير شارعا، لأن إكبار جمع كبر، فكان فيه إثبات الشركة. وقيل: إكبار اسم للشيطان. وقيل: إكبار جمع كبر وهو الطبل. فإن قلت: يجوز أن تشبع فتحة الباء، فصارت ألفا. قلت: هذا في ضرورة الشعر، ويجزم الراء في أكبر، وإن كان أصله الرفع بالخبرية، لأنه روي عن إبراهيم التكبير جزم والسلام جزم، وفي رواية: والإقامة جزم أيضا، وهو بالجيم والزاي، وروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حزم بالحاء المهملة والزاء المعجمة، ومعناه سريع، والجزام في اللسان السرعة ومنه حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاجزم. م: (ويعتمد بيديه على ركبتيه) ش: أي يعتمد المصلي بيديه على ركبتيه في الركوع (ويفرج بين أصابعه) ش: يعني لا يضمها، وبه قال الثوري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق. وذهب جماعة إلى التطبيق بين ركبتيهم إذا ركعوا، وصورته أن يضم إحدى ركبتيه إلى الأخرى ويرسلهما إلى بين فخذيه. وفي " المبسوط ": كان ابن مسعود وأصحابه يقولون بالتطبيق. وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على ركبتيه في الركوع، ونقله عمر
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك» ، ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة، ليكون أمكن من الأخذ، ولا إلى الضم إلا في حالة السجود وفيما وراء ذلك يترك على العادة. ويبسط ظهره؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كان إذا ركع بسط ظهره» ـــــــــــــــــــــــــــــQوعلي وسعيد وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وجماعة، وقد ثبت نسخ التطبيق. قال مصعب بن سعيد بن أبي وقاص: «فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني أبي فقال: "كنا نفعل هذا فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب» متفق عليه. وفي " شرح الإرشاد ": عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ما فعل التطبيق إلا مرة واحدة. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك» ش: هذا الحديث أخرجه الطبراني في "معجمه الصغير" و "الأوسط " من طريق سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وأنا يؤمئذ ابن ثمان سنين، الحديث مطولا، وفيه: «يا بني إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وفرج بين أصابعك وارفع يديك عن جنبيك» ورواه أبو سعيد الموصلي أيضا في "مسنده ". وعن أبي مسعود وعقبة بن عامر: «أنه ركع فجافى يديه ووضعهما على ركبتيه وفرج بين أصابعه من وراء ركبته، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي» رواه أبو داود والترمذي وأحمد. م: (ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة) ش: أي لا يستحب تفريج الأصابع أي كشفها إلا في حالة الركوع. (ليكون أمكن من الأخذ) ش: بالركب وبه يأمن السقوط (ولا إلى الضم إلا في حالة السجود) ش: أي ولا يندب إلى ضم الأصابع إلا في حالة السجود، ولأن اليد أقوى في الإقعاد عليها وازدياد قوتها عند الضم، ولتقع رؤوس الأصابع مواجهة إلى القبلة. م: (وفيما وراء ذلك يترك على العادة) ش: أي فيما وراء الركوع والسجود ترك الأصابع على العادة، يعني لا يفرج كل التفريج ولا يضم كل الضم كما هو العادة، وما روي من نشر الأصابع في رفع اليدين عند التحريمة فهو عندنا محمول على النشر الذي هو ضد الطي لا التفريج بين الأصابع. م: (ويبسط ظهره) ش: في الركوع م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان إذا ركع بسط ظهره)
[قول سبحان ربي العظيم في الركوع]
ولا يرفع رأسه ولا ينكسه؛ «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه» ، ويقول: سبحان ربي العظيم، ثلاثا، وذلك أدناه، ـــــــــــــــــــــــــــــQش: الحديث رواه أبو العباس محمد بن السراج في "مسنده " من حديث البراء قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ركع بسط ظهره وإذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة» . وروى ابن ماجه من حديث راشد قال: سمعت وابصة بن معبد يقول: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر» . وروى الطبراني من حديث ابن عباس مثل وابصة سواء، وروى أيضا من حديث أبي بردة الأسلمي مثله. م: (ولا يرفع رأسه) ش: أعلى من عجزه ولا عجزه أعلى من رأسه م: (ولا ينكسه) ش: أي ولا ينكس رأسه أي لا يطأطئه، يقال: نكست الشيء أنكسه نسكا: إذا قلبته على رأسه ونكسته تنكسيا، وإنما يسمى المطأطئ رأسه. وحاصله أنه يسوي رأسه بعجزه. م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه) ش: والحديث رواه الترمذي من حديث أبي حميد الساعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مطولا وفيه: «ثم قال: الله أكبر، ثم اعتدل ولم يصوب رأسه ولم يقنع» وقال: حديث حسن صحيح. رواه ابن حبان في "صحيحه ". وروى مسلم من حديث عائشة مطولا وفيه: «وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك» . وفي البخاري في حديث: «ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا ينصب رأسه ولا يقنع» . قوله: ولا يصوب، من صوب رأسه: إذا خفضه، وكذلك صبى، وفي رواية: لا يصبي رأسه، يقال: صبى رأسه يصبيه: إذا خفضه جدا. قوله: ولا يقنعه، من " الإقناع " يقال: أقنع رأسه: إذا رفعه، ومنه قَوْله تَعَالَى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} [إبراهيم: 43] (إبراهيم: الآية 43) . [قول سبحان ربي العظيم في الركوع] م: (ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثا) ش: أي ثلاث مرات، هذا قول عامة أهل العلم، يختارون التسبيح للركوع، وأن لا ينتقص عن ثلاث، وهو مذهب أحمد، وأشار إلى ذلك بقوله: م: (وذلك أدناه) ش: أي القول ثلاث مرات أدناه. واختلفوا في الضمير الذي في أدناه فقيل: يرجع إلى المصدر الذي دل عليه قوله: ويقول في أدنى القول المسنون، وقال الشيخ حافظ الدين: راجع إلى الاستحباب أو الندب، فإن الركوع بدون هذا الذكر جائز، وقيل: أدنى كمال التسبيح
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه: سبحان ربي العظيم» ، ثلاثا، وذلك أدناه، ـــــــــــــــــــــــــــــQالمسنون. وقيل: أدنى التسبيح المسنون. قلت: على كل، التقدير هو إضمار قبل الذكر، ولكن يفتقر إلى هذا إذا دلت قرينة على ذلك كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» . أي فبالسنة أحسن ونعمت الخصلة. وفي " الذخيرة ": إذا زاد على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود فهو أفضل، هذا إن كان الختم على وتر فيقول خمسا أو سبعا، هذا في حق المنفرد، وأما الإمام فلا ينبغي له أن يطول على وجه يمل القوم. وقال الثوري: يقول الإمام خمسا ليتمكن القوم أن يقولوا ثلاثا. وفي " شرح الطحاوي ": قيل: يقول الإمام ثلاثا، وقيل: يقول أربعا ليتمكن المقتدي من أن يقول ثلاثا. وفي " التحفة ": المقتدي يسبح إلى أن يرفع الإمام رأسه. وفي " الغزنوي ": إن زاد على الثلاث حتى ينتهي إلى اثنتي عشرة فهو أفضل عند الإمام ليكون جمع الجمع. قلت: ينبغي أن يكون تسعا. قال: وعند صاحبيه إلى سبع لأنها عدد كامل. وعند الشافعي: عشرة لانتهاء الركعة، وإذا ترك التسبيح أصلا أو أتى به مرة فقد روي عن محمد أنه يكره. وفي " الحاوي ": التسبيح في الركوع لا يكون أقل من ثلاث، حتى لو رفع الإمام رأسه أتم المقتدي تسبيحه ثلاثا، روي كذا عن المرغيناني. وقال أبو الليث: الصحيح أنه تابع للإمام، وقال الوبري: يقول الإمام في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثا على تؤدة حتى يتمكن القوم من أن يقولوا ثلاثا قبل رفع رأسه، وعن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التسبيح التام سبع والوسط خمس وأدناه ثلاث، وكان عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يسبح عشر تسبيحات. وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله: واحدة، ولو سبح مرة كان آتيا بسنة التسبيح عندهما، والكمال عند الشافعي أحد عشر. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاثا، وذلك أدناه» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم
أي أدنى كمال الجمع. ـــــــــــــــــــــــــــــQوذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات، وذلك أدناه» هذا لفظ أبي داود وابن ماجه. ولفظ الترمذي: «إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه» . وقال أبو داود: وهذا مرسل، وعون بن عبد الله لم يدرك عبد الله بن مسعود. وقال الترمذي: هذا الحديث ليس إسناده بمتصل، عون لم يلق عبد الله. م: (أي أدنى كمال الجمع) ش: هذا تفسير المصنف معنى قوله: وذلك أدناه، بقوله: أي كمال الجمع؛ جمعا بين لفظي " المبسوطين "، فإن شمس الأئمة في "مبسوطه " لم يرد بهذا اللفظ أدنى الجواز إنما المراد به أدنى الكمال، فإن الركوع والسجود يجوز بدون هذا الذكر. وقال شيخ الإسلام في "مبسوطه": يريد به أدنى من حيث جمع العدد؛ فإن أقل جمع العدد ثلاثا، والمصنف جمع بينهما فقال: إن كمال الجمع قلته أخذ كلام السغناقي، وليس له وجه لأن الجمع ليس له ذكر في الحديث ولا له معنى، بل الصواب أدنى كمال السنة، أو أدنى كمال التسبيح، ثم قال الأكمل: فإن قيل: المشهور في مثله أدنى الجمع ثلاثة فما معنى كمال الجمع، فالجواب: أن أدنى الجمع لغة يتصور في الاثنين لأن فيه جمع واحد مع واحد، وأما كماله فهو ثلاثة لأن فيه معنى الجمع لغة واصطلاحا وشرعا. فإن قيل: كمال الجمع ليس بمذكور ولا يحكمه فيرجع إلى غير مذكور، أجيب بأنه سبق ذكره دلالة بذكر الثلاث. قلت: إذا أطلق الجمع لا يراد به المعنى اللغوي، وقوله: وأما كماله فهو ثلاثة. ليس كذلك بل الثلاث أقل الجمع وكماله ليس له نهاية. فروع متعلقة بالركوع: قال مالك: ليس عندنا ذكر محدود في الركوع والسجود، وأنكر قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وقال: لا أعرفه وإن قاله جاز، قال صاحب " المنظومة " في مقالة مالك: وترك تسبيح السجود يفسد، ليس مذهبه والنقل به عنه غير صحيح. وعند أبي صالح البلخي تلميذ أبي حنيفة: ذكر التسبيحتين في الركوع والسجود ثلاث مرات فرض، وتكره قراءة القرآن في الركوع والسجود بإجماع الأئمة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأربعة. وفي " المحيط ": متى محل القعدة؟ قال محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: محلها عند الركوع، وقال أبو يوسف: عند السجود، وقيل: هذان بعيدان لأن وضع اليدين على الركبتين سنة فلا بد من محلها للوضع. وفي " الروضة ": يكره أن يجيء ركبته فيها شبه القوس عند أهل العلم. وفي " الذخيرة ": سمع الإمام في الركوع خفق النعال ينتشر، قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن أبي ليلى عن ذلك فكرهاه، وقال أبو حنيفة: أخشى عليه أمرا عظيما، يعني الشرك. وروى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كره ذلك، وعن مطيع أنه كان لا يرى به بأسا، وبه قال الشعبي إذا كان ذلك مقدار التسبيحة أو التسبيحتين، وقال بعضهم: يطول التسبيحات ولا يزيد في العدد. وقال أبو القاسم الصفار: إن كان الجائي غريبا لا يجوز وإن كان مقيما يجوز انتظاره. وقال أبو الليث: إن كان الإمام عرف الجائي لا ينتظره، وإن لم يعرفه فلا بأس به إذ فيه إعانة على الطاعة، وقيل: إن طال الركوع لإدراك الجائي خاصة، ولا يزيد إطالة الركوع للتقرب إلى الله تعالى، فهذا مكروه، وقيل: إن كان الجائي شريرا ظالما لا يكره دفعا لشره، ومن أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة بخلاف القومة. وفي قول ابن أبي ليلى ورواية عن الحسن وظاهر قول أحمد: إذا أدركه في طمأنينة الركوع يصير مدركا للركعة. وعن ابن عمر، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالا: إن وجدهم وقد رفعوا رءوسهم من الركوع كبر وسجد ولم يعتد بها. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن المسيب وميمون: من يكبر قبل أن يرفعوا رءوسهم فقد أدرك الركعة، ويأتي بتكبيرة أخرى للركوع، فإن اقتصر على الأولى جاز، وروي ذلك عن عمر، وزيد بن ثابت، وابن المسيب، وعطاء، والحسن، والنخعي، وميمون بن مهران، والحكم، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد. وعن عمر بن عبد العزيز أن عليه تكبيرتين، وهو قول حماد بن سليمان، شيخ الإمام، هذا إذا نوى بالأولى الافتتاح، وكذا لو نوى بها الركوع عندنا جاز ولغت نيته، ذكره في " المحيط " و " المرغيناني ". وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز، وإن لم ينو الركوع ولا الافتتاح جاز عنده، وإن نواهما جاز اتفاقا. وفي " الذخيرة ": إذا أدرك الإمام في السجدة الأولى والثانية أتى بالبناء وترك التعوذ ثم خر ساجدا.
[قول سمع الله لمن حمده]
ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد، ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقالا: يقولها في نفسه، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قول سمع الله لمن حمده] م: (ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده) ش: أي ثم يرفع المصلي رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، يقال له: استمعت، وتسمعت إليه وسمعت له، وكل بمعنى أي أضيفت إليه، قال الله تعالى: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} [فصلت: 26] (فصلت: الآية 26) ، وقال الله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8] (الصافات: الآية 8) ، المراد منه التسميع مجاز بطريق إطلاق اسم السبب وهو الإصغاء على المسبب وهو القبول والإجابة، أي أجاب له، وقيل: يعني قبل الله حمد من حمده، يقال: سمع الأمير كلام فلان: إذا قبله، ويقال: ما سمع كلامه؛ أي رده ولم يقبله وإن سمعه حقيقة. وفي الحديث: «أعوذ بك من دعاء لا يسمع» أي لا يستجاب. وفي " الفوائد الحميدية ": الهاء في حمده للسكتة والاستراحة لا للكناية، كذا نقل عن الثقات. وفي " المستصفى ": الهاء للكناية كما في قوله: واشكروا له. م: (ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) ش: أي المقتدي يقول: ربنا لك الحمد؛ ليوافق مبدأ الركعة بالحمد لله رب العالمين، ويختمها بربنا لك الحمد، وفي " شرح الطحاوي ": اختلفت الأخبار في التحميد، في بعضها يقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد، والأول أظهر. وقلت: ثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة: ربنا لك الحمد، ولك الحمد بالواو، واللهم ربنا لك الحمد، والكل صحيح. قال في " المحيط " و " الذخيرة ": اللهم ربنا لك الحمد أفضل لزيادة الثناء. وعن الفقيه أبي جعفر أنه قال: هذه زائدة، يقول العرب يعني هذا الشراب فيقول المخاطب: نعم، وهو لك بدرهم، فالواو زائدة، وقيل: يحتمل أن تكون عاطفة على محذوف أي: ربنا حمدناك ولك الحمد. م: (ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة) ش: أي لا يقول الإمام: ربنا لك الحمد عند أبي حنيفة، وبه قال مالك وأحمد وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي، قال: وبه أقول. م: (وقالا: يقولها في نفسه) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: يقول الإمام: ربنا لك الحمد، سرا، وهو معنى قوله في نفسه، وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد في رواية، ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد، وقال الشافعي: يستحب له أن يقول: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى فإنما يستحب له أن يقول: "ربنا [لك] الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، هذا في كتبهم، والذي في الحديث أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد بالواو في كلنا.
لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كان يجمع بين الذكرين» ، ولأنه حرض غيره فلا ينسى نفسه. وله قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: في " سنن النسائي ": يحذفها، ويستوي عندهم في استحباب الأذكار الإمام والمأموم والمنفرد، وبه قال عطاء وابن سيرين وداود وجد أصحابنا هذا وأمثاله في النوافل، ويدل عليه حديث ابن أبي ليلى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زاد بعد ذلك: «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» رواه مسلم، هذا كله لا يقال في الفرض اتفاقا. م: (لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجمع بين الذكرين» ش: يعني سمع الله لمن حمده، وربنا لك الحمد. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «كان النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذا أقام الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا» . وأخرج البخاري عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا افتتح رفع يديه حذو منكبيه" وفيه: "وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» . وأخرج مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإمام م: (حرض غيره فلا ينسى نفسه) ش: لئلا يدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] (البقرة: الآية 44) وفى " فتاوى الظاهرية ": كان الفضلي والطحاوي وجماعة من المتأخرين يميلون إلى قوله، وهو قول أهل المدينة، فاختاروا قولهما، وفي " المحيط ": قولهما رواية إسحاق عن أبي حنيفة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام: سمع لله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد» ش: روي هذا الحديث عن أنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد الخدري، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أما حديث أنس وأبي هريرة فرواه البخاري ومسلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد» . وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد عنه أن رسول الله
هذه قسمة، وأنها تنافي الشركة، ولهذا لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولأنه يقع تحميده بعد تحميد المقتدي، وهو خلاف موضوع الإمامة، ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قال الإمام سمع الله من حمده فقولوا: ربنا لك الحمد يسمع الله لكم» . وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه الحاكم في "مستدركه " عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام الله أكبر، فقولوا: الله أكبر، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد» : وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. م: (هذه قسمة) ش: أي هذه الكلمات المذكورة وهي الحديث قسمة؛ أي ذات قسمة لأنه قسم التسميع والتحميد فجعل التسميع للإمام والتحميد للمأموم (وأنها) ش: أي ولأن القسمة (تنافي الشركة) ش: أي تقطعها، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وقال الأكمل: فإن قيل: هذا الحديث يعارضه ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أربع يخفيهن الإمام، وعد منها التحميد". أجيب: بأنه قال في " الأسرار " أنه غريب. قلت: هذا أخذه من السغناقي، ولكن الآخذ والمأخوذ منه لو تأمل هذا الموضوع لم يورد هذا السؤال ولا الجواب عنه لأنه ساقط جدا، فمن أين المعارضة هاهنا والحديث مذكور في " الصحيحين ". وما روي عن ابن مسعود موقوف عليه، مع أنه لم يصل إلى الصحة عنده. وقال الأكمل أيضا: أو بأن الرجحان بحديث القسمة لأنه مرفوع إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - برواية أبي موسى الأشعرى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: إنما يطلب الرجحان من الخبرين إذا كانا ثابتين فظهر التعارض بينهما، وأما إذا كان أحدهما مرفوعا صحيحا والآخر موقوفا لم تثبت صحته، فكيف يقال بالرجحان؟. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون القسمة تنافي الشركة (لا يأتي المؤتم بالتسميع عندنا) ش: لأن الذي أصابه من القسمة التحميد لا التسميع معه م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده المؤتم يجمع بينهما، وروي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الإمام والمؤتم يجمعان بين التسميع والتحميد كما هو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكر الأقطع هذه الرواية في " شرحه للقدوري " وهذه رواية شاذة. م: (ولأنه يقع تحميده) ش: دليل آخر؛ أي ولأن الشأن يقع تحميد الإمام م: (بعد تحميد المقتدي وهو خلاف موضوع الإمامة) ش: لأن الاقتداء عقد موافقة ومتابعة لا مسابقة، وفيه نظر لإمكان
والذي رواه محمول على حالة الانفراد، والمنفرد يجمع بينهما في الأصح، وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع، ويروى بالتحميد، والإمام بالدلالة عليه آت به معنى. قال: ثم إذا استوى قائما كبر وسجد، أما التكبير والسجود فلما بينا، ـــــــــــــــــــــــــــــQمقارنة تحميد المقتدي، وفيه نظر م: (والذي رواه) ش: أي الحديث الذي رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يجمع بين الذكرين» (محمول على حالة الانفراد) ش: أي على حالة انفراد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة النقل توفيقا بين الحديثين (والمنفرد يجمع بينهما) ش: أي بين التسميع والتحميد (في الأصح) ش: أي في الأصح من الروايات عن أبي حنيفة، فإنه جاء عنه في رواية ذكرها الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير " أن المنفرد يأتي بالتسميع لا غير، وجاء في رواية رواها الحسن عنه أنه يأتي بهما، كما هو مذهبنا، وجاء عنه في رواية أنه لا يجمع بينهما، وأشار المصنف إلى أن الأصح من هذه الروايات هو رواية الجمع بينهما. وفي "شرح الأقطع ": الصحيح أنه لا يأتي بهما. وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يأتي بالتحميد لا غير، قال في " المبسوط ": وهو الأصح، قال قاضي خان: وعليه أكثر مشايخنا. م: (وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع ويروى بالتحميد) ش: كلمة إن واصلة لما قبلها، وأشار بهذا إلى أن ها هنا روايتين أخريين، إحداهما: الاكتفاء بالتسميع والأخرى بالتحميد، وأن الرواية التي رويت بالجمع بينهما هي الأصح من هاتين الروايتين، ورواية الاكتفاء بالتسميع هي رواية " النوادر "، ورواية الاكتفاء بالتحميد هي رواية " الجامع الصغير ". م: (والإمام بالدلالة عليه آت به معنى) ش: هذا جواب عن قولهما أنه حرض غيره فلا ينسى نفسه، تقريره: لا نسلم أن الإمام ينسى نفسه، لأنه أتى بالتحميد أيضا بدلالة غيره عليه؛ أي على التحميد لأن الدال على الخير كفاعله بالحديث. فإن قلت: مثل هذه الدلالة موجود في حق المنفرد أيضا فينبغي أن يكتفي هو بالتسميع. قلت: لا دلالة على اكتفاء المنفرد بالتسميع من جهة الشارع بخلاف الإمام، فإنه قام الدليل على ترك التحميد في حقه، وفي " المجتبى " ثم في الرواية التي يجمع بينهما يأتي بالتسميع حال الرفع. م: (ثم إذا استوى قائما) ش: قال: ربنا لك الحمد ثم إذا استوى قائما (كبر وسجد) ش: أي بعد فراغ المصلي عن الركوع إذا استوى حال كونه قائما منتصبا يقول الله أكبر ويهوي للسجود م: (أما التكبير والسجود فلما بينا) ش: أراد به بين التكبير قبل هذا بقوله: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع، وبين السجود في أول الباب بقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] (الحج: الآية 77) .
وأما الاستواء قائما فليس بفرض، وكذا الجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في الركوع والسجود، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف: يفترض ذلك كله، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وأما الاستواء قائما فليس بفرض) ش: وهو الذي يسمى القومة (وكذا الجلسة بين السجدتين) ش: أي ليست بفرض (والطمأنينة في الركوع والسجود) ش: أي وكذا الطمأنينة في الركوع ليس بفرض في نفس الركوع ونفس السجود، والطمأنينة مصدر من اطمأن الرجل اطمئنانا وطمأنينة، أي سكن، وهو مطمئن إلى كذا وكذا طبأن بالباء الموحدة على الإبدال، وهذا مزيد الرباعي وأصله طمأن على وزن فعلل فنقل إلى باب افعلل بالتشديد في اللام الأخيرة، فصار اطمأن، وأصله اطمأن، فنقلت حركة النون الأولى إلى الهمزة، وأدغمت النون في النون مثل اقشعر، أصله اقشعرر ورباعيه قشعر على ما عرف في موضعه. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من عدم فرضية القومة والجلسة والطمأنينة (عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: وبه قال بعض أصحاب مالك، فإذا لم تكن هذه الأشياء فرضا عندهما فهي سنة، وهذا في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي واجبة، ويجب سجود السهو بتركها. وفي " الجواهر" للمالكية: لو لم يرفع رأسه من ركوعه، وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم عن مالك، ولم يجز في رواية علي بن زياد. وقال ابن القاسم: من يرفع من الركوع والسجود رأسه ولم يعتدل يجزئه ويستغفر الله ولا يعود، وقال أشهب: لا يجزئه. قال أبو حنيفة: إن من كان إلى القيام أقرب الأولى أن يجب، فإن قلنا بوجوب الاعتدال يجب الطمأنينة وقيل: لا تجب. م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفترض ذلك كله) ش: أي المذكور من القومة والجلسة والطمأنينة، وفي " التحفة ": فقال أبو يوسف: فرض طمأنينة الركوع والسجود مقدار تسبيحة واحدة. وفي " الأسبيجابي ": الطمأنينة ليست بفرض في ظاهر الرواية، وروي عن أبي يوسف أنها فرض. قال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر الاختلاف في الكتاب ولكن تلقيناه من أبي جعفر وكذلك لم يذكر في " الأسرار ". م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ما ذهب إليه أبو يوسف هو قول الشافعي وبه قال أحمد أيضا. وقال إمام الحرمين: في قلبي شيء من وجوب الطمأنينة في الاعتدال، وسببه أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يذكرها في الاعتدال قائما وإنما ذكرها في غيره، فلو أتى بالركوع الواجب فعرضت علة منعته من الانتصاب، سجد في ركوعه وسقط عنه الاعتدال، فإن زالت العلة قبل بلوغ جبهته الأرض وجب أن يرفع وينتصب قائما ويعتدل ثم يسجد، وإن زالت بعد قطع صلاته كان عالما بتحريمه.
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قم فصل فإنك لم تصل» قاله لأعرابي حين أخف الصلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال في " المفيد " و " المنافع ": وهذه المسألة بلغت بتعديل الأركان. وقال السرخسي: من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة، وقال أبو الليث: تلزمه الإعادة وتكون الثانية هي الفرض. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قم فصل فإنك لم تصل، قاله لأعرابي حين أخف الصلاة» ش: الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله، قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» . وقال القعنبي: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري [عن أبيه] عن أبي هريرة، وقال في آخره «فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك» . والترمذي رواه عن رفاعة بن رافع «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينما هو جالس في المسجد يوما، قال رفاعة: ونحن معه، إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال له: "وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل» . الحديث، وقال: حديث حسن. والنسائي رواه عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، حدثني أبي عن عم له بدري قال: «كنت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسا في المسجد فدخل رجل فصلى ركعتين ثم جاء فسلم على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وقد كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرمقه في الصلاة فرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل» .. الحديث. وأصل الحديث في " الصحيحين " عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ أبي داود في المسيء الصلاة، وليس فيه: إذا انتقصت من هذا فإنما ينقصه من صلاتك، والعجب من شراح " الهداية " كيف يتركون الكلام في الحديث الذي احتج به المصنف ويذكرون الأحاديث من الخارج، ومع هذا لا يتعرضون إلى بيان حالها ولا إلى مخرجها من الصحابة والرواة. وأما الأترازي: فإنه ذكر حديث الأعرابي بقوله لأبي يوسف قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للأعرابي حين خفض الركوع والسجود قم فصل فإنك لم تصل، ولم يروه أحد من المحدثين بهذه العبارة. وقال أيضا وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن أسوأ الناس سرقة من سرق من صلاته، ولم ينسبه إلى أحد.
ولهما أن الركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض لغة فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما، وكذا في الانتقال، ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الأكمل فإنه قال: وأعدل أبو يوسف حديث الأعرابي وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين رآه ينقر نقر الديك: قم فصل فإنك لم تصل، ولم يرو أحد في الكتب المشهورة بهذه العبارة. وأما صاحب " الدراية " فإنه قال ولأبي يوسف ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: لا يقبل الله صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، وما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رأى رجلا تاركا للتعديل فلما فرغ قال له: «إن أسوأ الناس سرقة من سرق من صلاته» ، وما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال للمسيء صلاته: «أقم الركوع حتى تعتدل قائما» . وما روي أنه رأى حذيفة بن اليمان رجلا يصلي ولا يتم الركوع والسجود فقال له: مذ كم تصلي هكذا؟ فقال: مذ كذا، فقال له: ما صليت لله صلاة، فإنك لم تصل بكذا وكذا، ومثل هذا كما ترى وليس فيه نسبة حديث إلى مخرجه ولا يتعرض إلى حاله. وأما السغناقي فكذلك سلك مسلكهم. وأما حديث: لا يقبل الله صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، فقد رواه الأربعة عن عبد الله بن سخبرة عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأما حديث حذيفة فأخرجه البخاري وبعد قوله مذ كذا، قال حذيفة: ما صليت لله صلاة، وأحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد (أن الركوع هو الانحناء) ش: يقال ركع الشيخ: انحنى من الكبر، وركعت النخلة: إذا مالت إلى الأرض م: (والسجود هو الانخفاض) ش: وإمساس جبهته بالأرض عندهم أو أنفه عند أبي حنيفة، والمزيد على ذلك للأكمل وترك الأكمل لا يكون مفسدا، وهذا لأن الأمر بالفعل يوجب أصل الفعل دون الدوام عليه، ولهذا يحنث إذا حلف لا يركع بالانحناء. م: (لغة) ش: أي من حيث اللغة، وهو يرجع إلى المذكورين (فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما) ش: أي بأدنى الانحناء والانخفاض في الركوع والسجود، والركنية لا تثبت إلا بالنص، وإنما ورد النص بالركوع وهو الانحناء والسجود وهو الانخفاض. م: (وكذا في الانتقال) ش: أي وكذا الطمأنينة في حال الانتقال من ركن إلى ركن، يعنى ليست
إذ هو غير مقصود، وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة حيث قال: «وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبفرض (إذ هو) ش: أي الانتقال م: (غير مقصود) ش: يعني لذاته، وإنما المقصود أداء الركن، وفي " الخلاصة ": والاعتدال في الانتقال سنة بالاتفاق. م: (وفي آخر ما روي تسميته إياه صلاة حيث قال: «وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك» ش: أي تسمية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مبتدأ والضمير في إياه يرجع إلى الأعرابي، وقوله صلاة منصوب لأنه مفعول ثان للتسمية، وقوله في آخر ما روي جملة في محل الرفع لأنها وقعت خبرا للمبتدأ، وروي، يجوز أن يكون صفة المعلوم؛ أي ما رواه أبو يوسف، ويجوز أن يكون على صيغة المجهول أي فيما روي من حديث الأعرابي، وتقرير الجواب عنه أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سمى ما صنعه الأعرابي في صلاته حيث قال: وما نقصت من هذا فقد نقصت من صلاتك، فلو كان ترك التعديل مفسدا لما سماه صلاة، كما لو ترك الركوع والسجود. وقال الأكمل: ولأنه لو كان فاسدا كان الاشتغال به عبثا وكان تركه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الفراغ منه حراما، فكان الحديث بمنزلة الإكرام من الوجهين، قلت: لقائل أن يقول: لا نسلم أن تسميته إياه صلاة يرجع إلى ما صلاه الأعرابي أولا بل يرجع إلى الصلاة التي صلاها بعد قوله: «والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر» إلى آخره، وقد ذكرناه عن قريب، على أن أصل الحديث في " الصحيحين " وليس فيهما ذكر تسمية الصلاة كما ذكرناه، ولئن سلمنا ذلك فيجوز أن يكون تسميته صلاة باعتبار ما عند الأعرابي من زعمه أنه صلاة، وتعليل الأكمل بقوله: ولأنه لو كان فاسدا إلى آخره، غير سديد ولا موجه من وجوه: الأول: أن قوله: لو كان فاسدا لعلة غير صحيح لأنه كان فاسدا، ولهذا أمره بإتيان صلاة صحيحة بعد تعليمه إياه. الثاني: أن قوله: كان الاشتغال به عبثا وتركه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبالفراغ منه حراما ليس كذلك لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منزه عن تقرير آخر عن الاشتغال بالعبث أو بتركه على الحرام، وإنما كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرمقه حتى ينظر كيف يصلي كما ذكرناه فيما مضى عن قريب، وفي الحديث: حتى فعل ذلك ثلاث مرات، ولو كان فعل الأعرابي عبثا وتقريره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليه غير جائز لكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - منعه في المرة الأولى وعلمه الصلاة الكاملة بعدها، وإنما صبر عليه لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة ولم ينكر عليه لأنه كان من أهل البادية وعندهم جفاء وغلظ، فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شيء وكان المقام مقام تعليم وإرشاد، ففي تمكينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في فعله ذلك ثلاث مرات لذلك المعنى.
ثم القومة والجلسة سنة عندهما، وكذا الطمأنينة في تخريج الجرجاني - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وفي تخريج الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - واجبة حتى تجب سجدتا السهو بتركها ساهيا عنده. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثالث: أن قوله: فكان الحديث مشترك الالتزام، بطل بما ذكرنا، ومن جملة ما قال أبو يوسف في هذا الموضع: إن القومة والجلسة والطمأنينة فرض لأنها ركن من أركان الصلاة فوجبت أن لا تتأدى بأدنى ما يطلق عليه الاسم بل بزيادة توجد بعد قياسا على القيام والقراءة والقعدة الأخيرة، ولأن الركوع ركن شرع فيه تسبيح فوجب أن يكون رفع الرأس ركنا قياسا على السجدة، وأجابوا بأن اعتباره بالقيام، فالركن في القيام عندنا ما يطلق عليه اسم القيام وإنما التقدير بسبب القراءة، ألا ترى أنه متى سقطت القراءة كان نفس القيام يكفيه كما في الثالثة والرابعة وفيمن أدرك الإمام في الركوع. وأما القراءة فالركن عندنا فيها أدنى ما يطلق عليها اسم القراءة وذلك آية وما دونها، وإن كان قرآنا حقيقة فليس بقرآن حكما حتى حلت قراءته للجنب والحائض. وأما القعدة فإنما لم يكتف فيها بأدنى ما يطلق عليه الاسم لأن الخروج يلاقي القعدة ويتصل بها، والجزء الذي يلاقيه القطع يخرج من أن يكون صلاة، والباقي مما يطلق عليه اسم القطع، وإذا وجبت الزيادة فقدرت بالتقدير الذي ورد به الشرع بخلاف غيرها من الأركان، فإنه لا يتصل بها، فيبقى القدر الذي وجد تاركا. وأما قوله: لأن الركوع ركن شرع فيه تسبيح، فقلنا: رفع الرأس في السجدة ليس بفرض وإنما الفرض هو الاشتغال لأنه لا يمكنه أداء الثانية إلا به، إلا أنه لا يمكنه الاشتغال، حتى لو أمكنه الاشتغال من غير الرفع بأن سجد على وسادة فأزيلت الوسادة حتى سقطت جبهته على الأرض أجزأه، هكذا قال القدوري في " التجريد ". وأما في الركوع فالاشتغال إلى السجود يمكن من غير الرفع فلا يحصل الرفع ركنا. م: (ثم القومة) ش: أي بعد الركوع (والجلسة) ش: أي بين السجدتين (سنة عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد باتفاق الروايات. وفي " المحيط ": الاعتدال في القومة والجلسة سنة قدر التسبيحة (وكذا الطمأنينة) ش: أي وكذا الاطمئنان في الركوع والسجود سنة عندهما م: (في تخريج الجرجاني) ش: وهو الشيخ أبو عبد الله الجرجاني تلميذ الشيخ أبي بكر الرازي وهو تلميذ الشيخ أبي الحسن الكرخي، وجه تخريجه أن الطمأنينة شرعت لإكمال ركن، وما كان مشروعيته للإكمال فهو سنة لا واجبة كطمأنينة الاشتغال، فعلى هذا لا يجب سجود السهو بتركها. م: (وفي تخريج الكرخي واجبة) ش: أي الطمأنينة لأنها شرعت لإكمال ركن مقصود فصارت كطمأنينة القراءة. (حتى تجب سجدت السهو بتركها ساهيا) ش: أي بترك الطمأنينة (عنده) ش: أي عند الكرخي، وسئل الزهري عمن لا يتم الركوع والسجود أيشتغل بالتطوع أم بقضاء ما صلى
ويعتمد بيديه على الأرض؛ «لأن وائل بن حجر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصف صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبلا اعتدال على قول أبي يوسف والشافعي؟ . قال: ما دام في الوقت يؤمر بالإعادة، فإذا خرج لا يؤمر، ولكن يثاب بها. قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الاشتغال بقضائها أولى في الحالتين، كذا في " التتمة ". م: (ويعتمد بيديه على الأرض) ش: يعني في حالة السجود، وفي " شرح الطحاوي " كيفية الانتقال إلى السجود والقيام منه أول ما يكون يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته، فقال بعضهم: يضع أنفه ثم جبهته، والأولى أن يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض، وإذا رفع يرفع ما كان أقرب إلى السماء، وبه قال الشافعي وأحمد، هذا إذا كان حافيا، فلو كان ذا خف ولا يمكنه ما قلنا، يضع يديه أولا ويقدم اليمنى على اليسرى. وقال الأوزاعي: يضع يديه ثم ركبتيه، قال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا سجد أحدكم فلا ببرك بروك الجمل وليضع يديه قبل ركبتيه» رواه النسائي وأبو داود، وقال أصحاب مالك: إن شاء وضع يديه وركبتيه أولا، وإن شاء يديه، والبداءة بوضع اليدين أحسن. م: (لأن وائل بن حجر وصف صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فسجد وادعم على راحتيه ورفع عجيزته» ش: هذا الحديث لم يرو عن وائل بن حجر وإنما روي عن البراء بن عازب، رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال: «وصف البراء بن عازب السجود فسجد وادعم على كفه ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد» ورواه أبو داود عن أبي توبة عن شريك، والنسائي عن علي بن حجر عن شريك به. وقال النووي في " الخلاصة ": ورواه ابن حبان والبيهقي، وهو حديث حسن ولم أر أحدا من الشراح تعرض لهذا الحديث، وإنما فسروا معنى ادعم والعجيزة، وسكتوا ومضوا، وادعم بتشديد الدال من يدعم، يقال: أدعمت الشيء دعما: إذا جعلته دعامة، فنقل إلى باب الافتعال فصار اتدعم أي أتكأ. والراحة: الكف، والعجيزة بفتح العين وكسر الجيم وسكون الباء للمرأة، وقد يستعار للرجل. والعجز بفتح العين وضم الجيم وهو ما بين الوركين. وقال الأترازي: وكأن صاحب " الهداية " استعار العجيزة للعجزاء، ويحتمل أنها جاءت كالعجز سواء. قلت: لم يستعر صاحب " الهداية " ذلك أيضا، وإنما هو وقع هكذا في حديث البراء كما ذكرناه الآن. وقوله: أو يحتمل إلخ، ليس كذلك لأن العجز خاص للمرأة نص عليه أصحاب اللغة وإنما
قال: ووضع وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك قال: وسجد على أنفه وجبهته؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQاستعماله في موضع العجز بطريق الاستعارة كما ذكرنا. م: (قال) ش: أي القدوري (ووضع وجهه بين كفيه ويديه) ش: أي وضع يديه (حذاء أذنيه) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن آخر الركعة معتبر بأولها، فكما يجعل رأسه بين يديه في أول ركعة عند التكبير، فكذلك في آخرها. وفي " الكافي ": لو وضع وجهه بين كفيه يكون واضعا يديه حذاء أذنيه، فلهذا صرح بلفظ اليد، وذكر اليد لأجل التأكد كما في قَوْله تَعَالَى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وقال الشافعي: يضع يديه حذو منكبيه. م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل كذلك) ش: يعني لما سجد وضع وجهه بين كفيه ويديه حذاء أذنيه، فهذا لا يوجد إلا معرفا ففي " صحيح مسلم " من حديث وائل «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد فوضع وجهه بين كفيه مختصرا» . وفي " مسند إسحاق بن راهويه " عن وائل «رمقت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما سجد وضع يديه حذاء أذنيه» وكذلك رواه الطحاوي في " شرح الآثار ". ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الثوري به، ولفظه: «كانت يداه حذو أذنيه» . والعجب من الأترازي أنه يقول في هذا الموضع: قال في " شرح الأقطع ": روى وائل بن حجر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا سجد وضع جبهته بين كفيه» وهذا التقصير منه [له] وجهان، الأول: أنه نسب الحديث إلى ما ذكره الأقطع في شرحه ولم ينسبه إلى مخرجه. والثاني: المذكور ها هنا اثنتان: وضع الوجه بين الكفين في السجدة، ووضع اليدين حذو الأذنين، فذكر دليل أحدهما وترك الآخر، ثم قال: والذي روي أنه وضع يديه حذاء منكبيه يحتمل أنه فعل ذلك حالة التكبير. قلت: هذا رواه البخاري في حديث أبي حميد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه» . ورواه أبو داود والترمذي ولفظهما: «كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه» ، وإليه ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والجواب الذي قاله الأترازي عن هذا الحديث ليس بكاف، والأحسن يقال: إن الذي روينا أولى بالأخذ من حديث أبي حميد، لأن في سنده فليح بن سليمان وهو وإن أخرج له الأئمة الستة وهو من كبار العلماء، فقد تكلم فيه، فضعفه النسائي وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويحيى القطان والساجي، قاله الذهبي في "ميزانه ". م: (قال) ش: أي القدوري (وسجد على أنفه وجبهته) ش: والجمع بينهما مستحب عندنا، وبه
لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليه. فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQقال الشافعي وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير والنخغي وإسحاق: يجب السجود عليهما. وعن مالك وأحمد رحمهما الله روايتان كالمذهبين، ثم إذا جمع بينهما قيل يقدم الجبهة على الأنف، وقيل يقدم الأنف عليهما، حكاه الأسبيجابي. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واظب عليه) ش: أي على السجود على الأنف والجبهة، ومواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك تفهم من أحاديث جاءت في هذا الباب، منها حديث أبي حميد رواه البخاري في "صحيحه "، وفيه: «ثم سجد فأمكن أنفه من جبهته من الأرض» ، ورواه أبو داود والنسائي كذلك. ومنها حديث وائل رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، والطبراني في "معجمه " وفيه: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضع أنفه على الأرض مع جبهته» . ومنها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه ابن عدي في "الكامل " وفيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته» وفيه الضحاك بن حمزة، قال ابن معين: ليس بشيء. ومنها حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الدارقطني قالت: «أبصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من أهله تصلي ولا تضع أنفها بالأرض فقال: "ما هذا؟ ضعي أنفك بالأرض فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصلاة» وفيه ثابت بن عمرو الشيباني، وهو ضعيف. (فإن اقتصر على أحدهما جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) الاقتصار على الأنف والجبهة يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مطلقا، لكن بلا عذر يكره. وفي " المبسوط ": السجدة جائزة عند أبي حنيفة وتكره في " التجنيس " لو وضع جبهته على حجره. غير أن وضع أيسرها على الأرض يجوز وإلا فلا. أبو حنيفة يقول: ينبغي أن يضع مع جبهته مقدار الأنف حتى جاز وإلا فلا. وفي " البدائع " و " التحفة ": إن وضع الجبهة وحدها من غير عذر تجوز عند أبي حنيفة بلا كراهة، وفي الأنف وحده يجوز مع الكراهة، والمستحب الجمع بينهما في حالة الاختيار بلا خلاف، وفي " المفيد " و " المزيد " وضع الجبهة وحدها والأنف وحده يكره ويجزي عنده. فإن قلت: قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولا تابعه عليه، حكي ذلك عن النووي في " شرح المهذب " وابن قدامة في " المغني ".
وقالا: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر، وهو رواية عنه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» وعد منها الجبهة، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ذكر الطحاوي في " شرح الآثار " أن حكم الجبهة والأنف سواء. وقال أبو يوسف عن طاووس أنه سئل عن السجود على الأنف وقال: أليس أكرم للوجه؟ قال أبو هلال: سئل ابن سيرين عن الرجل يسجد على أنفه فقال: أوما تقرأ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] (الإسراء: الآية 107) ، فالله مدحهم بخرورهم على الأذقان في السجود، فإذا يسقط السجود على الذقن بالإجماع بصرف الجواز إلى الأنف لأنه أقرب إلى الحقيقة لعدم الفصل بينهما بخلاف الجبهة، إذ الأنف فاصل بينهما فكان من الجبهة، وقال تقي الدين العبدي: وهو قول مالك. وذكر في " المبسوط " جواز الاقتصار على الأنف عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال في العارض: في بعض طرق حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسجد على سبعة أعظم، الجبهة أو الأنف» وقال بعض شراح مسلم أن المراد من ذكر الجبهة أو الأنف لئلا تصير ثمانية، ويدل عليه أو الأنف في الرواية المذكورة. وقول ابن المنذر: لا أعلم أيضا فيه منه إذ ما جهله أكثر مما علمه. وما ذكر تحامل منه وتعصب، وقد بينا من قال بقوله قبله وبعده من السلف والخلف. م: (وقالا: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر وهو رواية عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية أسد بن عمرو عنه، وفي " الوبري ": لو كان على أحدهما عذر جاز السجود على الآخر بلا كراهية في قولهم جميعا، ولو ترك السجود على المعذور منها وأدى لا يجوز اتفاقا، وإن كان بهما عذر يومئ ولا يسجد على غيرهما كالخد والذقن، ويومئ قاعدا وإن قدر على القيام، وبقولهما قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية، وقال أحمد في رواية: يجب السجود، وقال إسحاق وبعض أصحاب مالك: إن اقتصر على وضع الجبهة أعاد في الوقت، وإن اقتصر على الأنف أعاد أبدا، وفي " المجمع ": وعلى قولهما الفتوى. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وعد منها الجبهة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن طاووس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين» ، وفي لفظ لهم: «أمر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن يسجد على سبعة أعضاء» فذكرها. وجه الاستدلال به ظاهر لأنه ذكر الجبهة من السبعة. فإن قلت: لا يتم الاستدلال لهما بهذا الحديث، ألا ترى أنه لو ترك وضع اليدين والركبتين جازت سجدته بالإجماع، وهذه الأعضاء الأربعة من تلك السبعة، فحينئذ يستقيم لأبي حنيفة أن
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه، وهو المأمور به، إلا أن الخد والذقن خارج بالإجماع، والمذكور فيما روي الوجه في المشهور، ـــــــــــــــــــــــــــــQيحتج عليهما بجواز ترك الجبهة بهذا الحديث، لأن كونها فيها في كونه مأمور به سواء. قلت: أورد الحديث لبيان أن هذه الأعضاء هي محل السجدة؛ لأنه غيرها لا لبيان أن وضع هذه الأعضاء السبعة لازم لا محالة، والأنف غير هذه الأعضاء المذكورة، فيجب أن لا يتأدى الفرض بوضع الأنف مجردا كما لو وضع الذقن مجردا، لأن نص الحديث لم يتناوله، فلم يكن الأنف محلا للسجدة، فلذلك تعرض في الكتاب لتصريح الجبهة بقوله: وعد منها الجبهة، ولم يعد الأنف، فكان نفيا لمحلية الأنف للسجدة ليفيد التخصيص، فلما لم يكن محلا لا يقع الفرض بوضعه منفردا. م: (ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه) ش: لأن السجود ينبئ عن الوضع على الأرض، يقال: سجدت الناقة: إذا وضعت جرانها على الأرض، فإذا كان كذلك يتحقق بوضع بعض الوجه على الأرض (وهو المأمور به) ش: أي وضع بعض الوجه على الأرض هو المأمور به لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين أن محل السجدة هو الوجه، ولا يمكن بكله فيكون بالبعض مأمورا بها والأنف بعضه م: (إلا أن الخد والذقن خارج) ش: عن إرادة البعض (بالإجماع) ش: فتعين الجبهة والأنف، والاقتصار على الجبهة يجوز بالاتفاق لكونها بعض الوجه وسجد، أثم الاقتصار على الأنف لأنها بعض الوجه، وسجد إلا أنه يكره لمخالفة السنة. م: (والمذكور فيما روي الوجه في المشهور) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تقريره أن الذي ذكره في الحديث الذي رواه لفظ الوجه موضع الجبهة، وهو الذي رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه، وركبتاه، وقدماه» . ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " وسكت عنه. ورواه البزار في "مسنده " بلفظ: «أمر العبد أن يسجد على سبعة» قال البزار: وقد روى هذا الحديث سعد، وابن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم ولا نعلم أحدا قال: آراب، إلا العباس. قلت: قد قالها ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، أخرجه أبو داود في "سننه " عنه مرفوعا: «أمرت أن أسجد، وربما قال: أمر نبيكم أن يسجد على سبعة آراب» . وقالها سعد أيضا كما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " والطحاوي في " شرح الآثار " من حديث عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب» فذكرها بلفظ السنن وزاد:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أيها لم يضعه فقد انتقص» . وأخطأ المنذري أن عزاه في " مختصره " هذا الحديث للبخاري ومسلم إذ ليس فيهما لفظة الآراب أصلا. وقول المصنف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في المشهور عنه، نظر، لأن المشهور هو ذكر الجبهة، ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع. فإن قلت: ذكر الأنف في رواية مسلم حيث قال: «أمرت أن أسجد على سبعة: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين» ". قلت: الأنف تابع للجبهة، ألا ترى كيف أصحاب التشريح قالوا: إن عظمي الأنف يبتدآن من قرنة الحاجب وينتهيان إلى الموضع الذي فوق الثنايا والرباعيات، فعلى هذا يكون الأنف والجبهة التي هي أعلى الخد واحدا، وهو المعنى المشار إليه في حديث عبد الله بن طاوس عن أبيه قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه والرجلين وأطراف القدمين ولا تكفت الثياب ولا الشعر» فقد سوى بينهما، ولأن أعضاء السجود سبعة إجماعا، ولا تكون سبعة إلا إذا كانت الجبهة والأنف عضوا واحدا. والآراب: جمع إرب بكسر الهمزة وسكون الراء وهو العضو. فإن قلت: حديث العباس بن عبد المطلب خبر ومعناه الأمر وإلا يلزم الكذب. قلت: لا نسلم ذلك، ويجوز أن يكون خرج مخرج الغالب إذ الظاهر من حال المصلي الإتيان بالسنة فلا يلزم منه الأمر، وجعل الخبر معنى الأمر خلاف الأصل فيه، في " الواقعات ": لو لم يضع يديه وركبتيه على الأرض عند سجوده لا يجزئه. قال: كذا قاله أبو الليث، قال: وفتوى مشايخنا على الجواز حتى لو كان موضع ركبته نجسا يجوز. وقال في " الذخيرة ": لم يصحح أبو الليث هذه الرواية. وفي عمدة الفتاوى ": الصحيح أن موضع الركبة لو كان نجسا لا يجوز وكذا موضع اليد. قال: هذه العلة غير سديدة فإنه لو صلى واقفا إحدى رجليه يجوز، وواضعها على النجاسة لا يجوز، ولو رفع أصابع رجليه في سجوده لا يجوز. وقال في " الذخيرة ": كذا ذكره الكرخي في "كتابه " والجصاص في "مختصره "، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجوب هذه الأعضاء قولان، أشهرهما: أنه لا يجب، أي لا يجب الإتمام بها إذا عجز كالجبهة. ونص في " الأمالي ": إن وضعها مستحب، قال أبو الطيب: مذهب الشافعي أنه لا يجب، وهو قول عامة العلماء، وقال صاحب " المهذب " والبغوي: هذا القول الأشهر وصححه الجرجاني في التحرير والروياني في " الحلية "، وعند زفر وأحمد: واجب، وعند أحمد في
ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا، لتحقق السجود بدونهما، وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه فريضة في السجود. قال: فإن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز، ـــــــــــــــــــــــــــــQالأنف روايتان. وروى الترمذي عن أحمد أن وضع منه كقولنا. م: (ووضع اليدين والركبتين سنة عندنا) ش: احترز بقوله: عندنا، عن قول زفر. فإنه عنده واجب، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد استوفينا الكلام فيه آنفا. (لتحقق السجود بدونهما) ش: أي دون وضع اليدين، وأما الركبتان فإذا تحقق فلا يشترط وضعهما م: (وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري أنه فريضة في السجود) ش: فقد ذكره القدوري والكرخي والجصاص، ووضع القدمين على الأرض حال السجود فرض. وذكر الجلالي في صلاته سنة، وما ذكره القدوري يقتضي أنه إذا رفع إحدى رجليه لا يجوز. وفي " الخلاصة ": لو رفع إحدى رجليه يجوز، ولم يذكر الكراهة، وذكر الكراهة في " فتاوى قاضي خان " وفي " الجامع مع التمرتاشي ": لو لم يضع القدمين واليدين جاز. وفي " المحيط ": لو لم يضع ركبتيه على الأرض عند السجود لا يجوز. م: (فإن سجد على كور عمامته) ش: كور العمائم: دورها إذا أدارها على رأسه، كذا في " المغرب ". وفي " الصحاح ": الكور مصدر كار العمامة على رأسه أي لفها، وكل دور كور م: (أو فاضل ثوبه) ش: أي أو سجد على فاضل ثوبه من ذيله أو أكمامه (جاز) ش: فعل ذلك فلا يضر صلاته، وقال بالجواز على كور العمامة والقلنسوة والكم والذيل والذؤابة الحسن وعبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي ومسروق وشريح والنخغي والأوزاعي وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول والإمام مالك وإسحاق وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في أصح الروايتين عنه. قال صاحب " التهذيب " من الشافعية: وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعي وأحمد رحمهما الله في رواية: لا يجوز على كورها، وكذا طرتها وطرفها وعلى كمه. وفي " التجنيس " و " المختلف ": والخلاف فيما إذا وجد حر الأرض، أما بدونه فلا يجوز إجماعا، وتفسير وجدان الحر ما قالوا أنه لو بالغ [......] رأسه أبلغ من ذلك. وفي " المفيد ": لو سجد على الجبهة بحائل يتصل به يتحرك بحركته في القيام أو القعود لا يجوز، واتفقوا على سقوط مباشرة الأرض في بقية الأعضاء غير الجبهة لحديث ابن مسعود
«لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "كان يسجد على كور عمامته» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في النعلين والخفين» رواه ابن ماجه، «وسئل أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في النعلين؟ قال: نعم» متفق عليه، وفي الركبتين أولى لأنهما عورة فلا يكشفان. وقال ابن تيمية: سقوط مباشرة اليدين قول أكثر أهل العلم، واحتج الشافعي بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مكن جبهتك وأنفك من الأرض» وفي رواية: «ألصق جبهتك من الأرض» . وعما روى خباب قال: «شكونا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حر الرمضاء في جباهنا، فلم يشكنا" أي لم يزل شكوانا [.... ... ] إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ترب جبينك يا رباح» فأمره بتتريب جبينه، ودليلنا يأتي الآن مع الجواب عن أحاديثهم. م: (لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يسجد على كور عمامته) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث أبي هريرة رواه عبد الرزاق في "مصنفه "، أخبرنا عبد الله بن محرر أخبرنى يزيد بن الأصم أنه سمع أبا هريرة يقول: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد على كور عمامته» . وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة إبراهيم بن أدهم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وحديث عبد الله بن أبي أوفى رواه الطبراني في "معجمه الأوسط " عنه «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد على كور عمامته» . وحديث جابر رواه ابن عدي في " الكامل " نحوه. وحديث أنس رواه ابن أبي حاتم في كتابه " العلل " عنه «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سجد على كور عمامته» .
ويروى «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث ابن عمر رواه الحافظ أبو القاسم همام بن محمد الرازي في "فوائده " عنه «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسجد على كور عامته» . فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": وأما ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسجد على كور عمامته، فلا يثبت منه شيء. وفي حديث أبي هريرة: عبد الله بن محرر، ضعيف، وفي حديث جابر: عمرو بن شمر ضعيف. وقال أبو حاتم: حديث أنس منكر. قلت: حديث ابن عباس وابن أبي أوفى والضعيف يسند بالقوي. وأخرج البيهقي في "سننه " عن هشام عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته، وذكر البخاري في صحيحه تعليقا فقال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن أبي الورقاء قال: رأيت ابن أبي ليلى يسجد على كور عمامته. م: (ويروى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها) ش: هذا الحديث رواه ابن عباس ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عنه أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه. ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى في "مسانيدهم" والطبراني في "معجمه " وابن عدي في "كامله "، وبمعناه أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن بكر بن عبد الله المزني «عن أنس قال: كنا نصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شدة الحر، فإذا لم نستطع أخذنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود» . والجواب عن أحاديث الشافعي أنها مجملة، وما روينا بحكم المجمل المحتمل على الحكم، أو يقول بموجبها وهو وجدان أحجم الأرض حتى إذا بيع حجمها لا يجوز إلا بدليل ما لو سجد على البساط يجوز بالإجماع. وحديث ابن حبان ليس فيه ذكر الجبهة والأنف في المسانيد المشهورة، وإن ثبت فهو محمول على التأخير الكثير حتى يبرد للرمضاء، وذلك يكون في أرض الحجاز ليعط الصغير، ويقال: إنه منسوخ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» ويدل عليه ما رواه عبد الله بن عبد الرحمن قال: «حيانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى في بيتي في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد» . رواه أحمد وابن ماجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: هذا محمول على الثوب المنفصل الذي لا يتحرك بحركته. قلت: هذا بعيد لقلة الثياب عندهم، وبقوله: بسط ثوبه فسجد عليه، إذ الفاء فيه للتعقيب. فروع: لو وضع كفيه وسجد عليهما جاز، ذكره في " عدة المفتي "، وروى ابن عساكر ذلك عن عبد الله بن عمر. وفي " الذخيرة ": قال عبد الكريم الفقيه: لا يجوز، وقال غيره: يجوز، قال المرغيناني: هو الأصح، ولو بسط كمه على النجاسة وسجد عليه قيل: يجوز وهو الصحيح، وقيل: لا يجوز، وفي " الذخيرة " و " الواقعات ": لو سجد على ظهر من هو في صلاته يجوز للضرورة، وعلى ظهر من يصلي صلاة أخرى لا يجوز لعدم الضرورة، وسجود على فخذيه من غير حاجة لا يجوز على المختار، وبعذر يجوز على المختار، وإن سجد على ركبتيه لا يجوز بعذر وبغيره، لكن يكفيه الإيماء. وفي " الذخيرة ": لو سجد على ظهر غيره بسبب الزحام، ذكر في الأصل أنه يجوز، وقال الحسن بن زياد: لا يجوز، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إنما يجوز إذا سجد على ظهر المصلي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على ذيل غيره أو ظهر رجل أو امرأة أو شاة أو حمار أو كلب عليه ثوب، تصح صلاته، وكذا إن سجد على ميت وعليه لبد لا يجد حجم الميت يجوز. وفي " المجتبى ": إذا سجد على الثلج أو الحشيش الكثير أو القطن المحلوج يجوز إن اعتمد حتى إذا استقرت جبهته ووجد حجم الأرض جاز وإلا فلا. وفي "فتاوى أبي حفص ": لا بأس بأن يصلي على الحمل أو البرد والشعير والكدس والتبن والذرة، ولا يصلي على الأرز لأنه لا يستمسك، ولا يجوز على الثلج المنحال والجص وما أشبهه حتى تلبده يجد حجمه. ولو سجد على ظهر ميت عليه لبد وجد حجمه جاز وإلا فلا. وقيل: إن كان مغسولا جاز وإن لم يكن عليه إزار. وفي " النظم: لو تبدل الإزار والبساط عليه الأشجار الأربعة وصلى عليه لا يجوز، وعلى قطنة جمد يجري في الماء كالسفينة، وقيل: إنما يجوز إذا أبطلت طرفاه، وفي " المبسوط ": يكبر ولو كان موضع السجود أرفع من موضع القدمين بعد ركبتيه أو بشين منصوبتين يجوز، وإن زاد لم يجز، ويجوز السجود على جلد وسخ خلافا لمالك، وقالت الرافضة: لا يجوز إلا على ما أخرجته الأرض من قطن أو كتان أو خشب أو قصب أو حشيش، ولا يجوز على ما يتخذ من الحيوان فافهم.
ويبدي ضبعيه، لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وأبد ضبعيك» . ويروى: "وأبد" من الإبداد وهو المد، والأول من الإبداء، وهو الإظهار. ويجافي بطنه عن فخذيه؛ «لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كان إذا سجد جافى حتى إن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت» . ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ويبدي ضبعيه) ش: من الابتداء، وفي " المغرب ": ابتداء الضبعين: تفريجهما، والضبع بسكون الباء، قال الأترازي: بالسكون لا غير، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": فيه لغتان الضم والسكون، وهو العضد، وهي ضبع الرجل وسطه وباطه. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأبد ضبعيك") ش: هذا غريب لم يرد مرفوعا هكذا، وإنما روى عبد الرزاق في "مصنفه " عن سفيان الثوري عن آدم بن علي البكري قال: «رآني ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأنا أصلي لا أتجافى عن الأرض بذراعي، فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع، وادعم على راحتيك وأبد ضبعيك، فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك» . ورفعه ابن حبان في "صحيحه " بلفظ: «وجاف بين ضبعيك» . وكذلك الحاكم في " المستدرك " وصححه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «لا تبسط بسط السبع» إلى آخره. م: (ويروى وأبد من الإبداد وهو المد) ش: هذه الرواية ليست لها أصل، ولا لها وجود في كتب الحديث، وكان ينبغي أن يحتج في هذا بما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مالك بن بحينة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سجد يتحلج في سجوده حتى يرى وضح إبطيه» ، والوضح: البياض. وروي أيضا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كان إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه» وينون مالك لأن ابن بحينة ليس صفة لمالك، وبحينة اسم أم عبد الله، وقيل: أم مالك، والأول أصح، وهي بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة. وبما رواه أنس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» رواه الجماعة، وبما رواه أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "وإذا «سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه» رواه أبو داود، وروى مسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يفترش المصلي ذراعيه افتراش السبع» . وفي " سنن أبي داود " وابن ماجه «نهى عن فرشة السبع» . م: (والأول) ش: وهو قوله: وأبد ضبعيك (من الإبداء وهو الإظهار) ش: يقال: أبدى يبدي إبداء، من باب الإفعال بالكسر. م: (ويجافي بطنه عن فخذيه) ش: أي يباعد، وثلاثيه جفى يقال: جفى السرج عن ظهر الفرس، وأجفيته أنا: إذا رفعته، وجافاه عنه يتجافى ويجافي عليه عن الفراش؛ أي ما قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16] (السجدة: الآية 16) ، أي تتباعد م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان إذا سجد جافى» ش: بطنه عن فخذيه (حتى إن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت) ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن زيد بن الأصم عن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان إذا سجد» .. الحديث، وهو في " مسند أبي يعلى " أن تمر تحت يديه، ورواه الحاكم
[قول سبحان ربي الأعلى في السجود]
وقيل: إذا كان في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره. ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه، فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع» ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه. ـــــــــــــــــــــــــــــQفي "مستدركه " والطبراني في "معجمه " وقالا فيه: بهيمة بالياء الساكنة بعد الهاء المكسورة، والصواب: بهيمة بضم الباء تصغير بهمة، والبهمة واحدة البهم وهي صغار الضأن والمعز جميعا، وربما خص الضأن بذلك، كذا في " الجهيرة "، واقتصر الجوهري على أولاد الضأن، وخصه القاضي عياض بأولاد المعز. م: (وقيل: إذا كان) ش: أي المصلي (في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره) ش: هذا إذا كان في الصف ازدحام وقرب البعض من البعض، وإذا لم يكن كذلك لا يترك السنة لأنه حينئذ لا إيذاء، وفي " الروضة ": إن أعيا فاستعان بركبتيه فوضع ذارعيه عليهما فلا بأس به. م: (ويوجه أصابع رجليه نحو القبلة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا سجد المؤمن سجد كل عضو منه، فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع» ش: هذا الحديث غريب، نعم جاء في رواية النسائي عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: «من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ما استطاع والجلوس على اليسرى» وبوب على باب الاستقبال بأطراف الأصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد. وجاء في حديث أبي حميد الذي أخرجه البخاري: «واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة» . [قول سبحان ربي الأعلى في السجود] (ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه) ش: أي ثلاث مرات، وقال الشافعي: يضيف إلى ذلك وهو الأفضل: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» لحديث على - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان إذا سجد قال ذلك، رواه مسلم، قلنا: هذا وأمثاله محمولة على النوافل لأن بابها أوسع. قوله: شق سمعه وبصره أي فتقهما ومعنى تبارك وتعالى قال ابن الأنباري: يتبرك العباد بتوحيده وذكر اسمه، وقال الخليل: تمجيده، وقال إسحاق: أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين. فروع: وفي الأسبيجابي: لو خفف سجوده وهو إلى القعود أقرب يجوز، وإن كان إلى السجود والأرض أقرب لا يجوز، روي ذلك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد بن
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه» أي ـــــــــــــــــــــــــــــQسلمة: لو رفع رأسه وهو لا يشكل على الناظر أنه رفع رأسه، يجوز، ذكرها في " العيون ". وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا رفع رأسه من السجود مقدار ما يمر الريح بينه وبين الأرض جازت صلاته. وروى أبو يوسف عنه إذا رفع مقدار ما سمي به رافعا جاز لوجود الفصل بين السجدتين، قال في " المحيط: وهو الأصح بخلاف الركوع، حيث ترجح بالأكثر، وقيل: إذا أزيلت جبهته عن الأرض ثم عادت جاز، ذكره المرغيناني، وفي " الروضة ": لا يجوز ذلك عندهما. وفي " جمل النوازل ": يستحب البكاء في السجود لأنه تعالى أثنى بقوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (مريم: الآية 58) ، ويسن النظر إلى أرنبة الأنف فيه، وفي " فتاوى الظاهرية ": وليس بين السجدتين ذكر مسنون. وعن الحسن بن أبي مطيع أنه يقول: سبحان الله والحمد لله أستغفر الله العظيم. وعند الشافعي: يستحب أن يدعو في جلوسه بين السجدتين لما روى حذيفة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني» وفي "تتمتهم": ولا يتعين عليه دعاء، ولكن يستحب أن يدعو كما وردت به السنة. قلنا: هذا كله وارد في التهجد لا في الفرائض والأمر فيه واسع. فإن قلت: ما الحكمة في تكرار السجود دون الركوع. قلت: مذهب الفقهاء أنه تعبد لا يطلب فيه المعنى كعدد الركعات، والسجدة الثانية فرض كالأولى بالإجماع، والجلوس بينهما قدر التسبيح، وأما عند أهل الحكمة فقد اختلفوا فيه فقيل: ترغيما للشيطان؛ فإنه أمر بالسجود فلم يفعل، فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وإليه أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سجود السهو، وقال: هما سجدتان ترغيما للشيطان، وقيل: الأولى إشارة إلى أنه خلق من الأرض والثانية إشارة إلى أنه يعود إليها، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] (طه: الآية 55) وقيل: لما أخذ الله الميثاق على ذرية آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] (الأعراف: الآية 172) ، أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا، فسجد الملائكة والمؤمنون كلهم ولم يسجد الكفار، فلما رفعوا رؤوسهم ورأوهم لم يسجدوا، سجدوا ثانيا شكرا لما وفقهم الله تعالى، صار المفروض سجدتين وذلك أدناه، وقد استقصينا الكلام فيه عند ذكر الركوع. (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثا، وذلك أدناه؛» أي
أدنى كمال الجمع. ويستحب أن يزيد على الثلاث في الركوع والسجود بعد أن يختم بالوتر؛ «لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كان يختم بالوتر» وإن كان إماما لا يزيد على وجه يمل القوم حتى لا يؤدي إلى التنفير، ثم تسبيحات الركوع والسجود سنة لأن النص تناولهما دون تسبيحاتهما، فلا يزاد على النص. والمرأة تنخفض في سجودها وتلزق بطنها بفخذيها؛ لأن ذلك أستر لها. قال: ثم يرفع رأسه من السجدة ـــــــــــــــــــــــــــــQأدنى كمال الجمع) ش: وقد تقدم الحديث هناك، ووقع في أكثر النسخ: وإذا سجد أحدكم، بواو العطف، عطف على قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا ركع أحدكم؛ لأنها في حديث واحد وإنما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مقطعا لأن نصفه الركوع ونصفه السجود. (ويستحب أن يزيد على الثلاث) ش: أي ثلاث تسبيحات بأن يقول خمسا أو سبعا أو تسعا، وهي سنة عند أكثر العلماء، وقال أبو مطيع تلميذ أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فرض، ولم يجزه أقل من ثلاث، فقال أحمد وداود: ويستحب مرة إذ الأمر لا يوجب التكرار، إلا أن عند أحمد إذا تركه ناسيا لا تبطل صلاته، وعنه ولو كان عامدا. (في الركوع والسجود بعد أن يختم بالوتر) ش: أي بعد أن يختم تسبيحه بالأوتار كما قلنا م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يختم بالوتر) ش: يعني في تسبيحات الركوع والسجود، وهذا الحديث غريب جدا م: (وإن كان المصلي إماما لا يزيد على وجه يمل القوم) ش: بضم الياء من الإملال، والقوم منصوب على المفعولية (حتى لا يؤدي إلى التنفير) ش: أي حتى لا يؤدي مجاوزته عن الثلاث إلى تنفير الجماعة، وعن سفيان: يقول الإمام خمسا حتى يمكن القوم من الثلاث. م: (ثم تسبيحات الركوع والسجود سنة) ش: عند أكثر العلماء، والآن مضى الكلام فيه (لأن النص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] م: (الحج: الآية 77) . م: (تناولهما) ش: أي تناول الركوع والسجود م: (دون تسبيحاتهما) ش: أي لم يتناول تسبيحات الركوع والسجود. م: (فلا يزداد على النص) ش: بخبر الواحد وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اجعلوها في ركوعكم واجعلوها في سجودكم» قالوا: إنما قال ذلك حين نزل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] (الأعلى: الآية 1) ، وإنما لا يزاد على النص بخبر الواحد لأنها تكون نسخا فلا يجوز، ويؤيده أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما علم الأعرابي واجبات الصلاة لم يعلمه تسبيحات الركوع والسجود، ولأنه ذكر جائز على كل حال فيكون كالتأمين، وهذا لأن مبنى الفرائض على الشهرة والإعلان، ومبنى التطوعات على الخفية والكتمان. م: (والمرأة تنخفض في سجودها وتلزق بطنها) ش: أي تلصق بطنها (بفخذيها لأن ذلك) ش: أي الانخفاض والإلزاق (أستر لها) ش: أي لأن مبنى حالها على الستر. م: (قال) ش: أي القدوري (ثم يرفع رأسه من السجدة) ش: وقد بينا مقدار الرفع، ويذكره
ويكبر؛ لما روينا، فإذا اطمأن جالسا كبر وسجد؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث الأعرابي: «ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا» ولو لم يستو جالسا وكبر وسجد أخرى أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقد ذكرناه، وتكلموا في مقدار الرفع. والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز؛ لأنه يعد ساجدا، وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز؛ لأنه يعد جالسا، فتتحقق الثانية، قال: فإذا اطمأن ساجدا كبر، وقد ذكرناه، واستوى قائما على صدور قدميه، ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض، ـــــــــــــــــــــــــــــQالمصنف على ما يجيء الآن، وقوله (ويكبر) ش: حال (لما روينا) : أشار به إلى قوله «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع» . م: (فإذا اطمأن جالسا) ش: أي حال كونه جالسا عقيب السجدة الأولى (كبر وسجد) ش: السجدة الثانية، وقد ذكرنا أن الجلوس بين السجدتين قدر تسبيحة (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث الأعرابي: «ثم ارفع رأسك حتى تستوي جالسا» ش: وقد تقدم حديث الأعرابي مستقصى، وفيه: ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، وعند النسائي: «ثم ارفع رأسك حتى تطمئن قاعدا» وعند البيهقي: «حتى تطمئن جالسا» . م: (ولو لم يستو جالسا وسجد أخرى) ش: أي لو لم يستو في الجلوس بعد السجدة الأخرى (أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقد ذكرناه) ش: أي في قوله: وأما الاستواء قائما فليس بفرض، وكذا الجلسة بين السجدتين. م: (وتكلموا في مقدار الرفع) ش: يعنى قد تكلم علماؤنا في مقدار الرفع الذي يكون فاصلا بين السجدتين فقال بعضهم: إذا زالت جبهته عن الأرض ثم أعادها جاز، وعن القدوري: أدنى ما يطلق عليه اسم الرفع، وهو رواية عن أبي يوسف، وفيه أقوال أخرى قد ذكرناها عن قريب، وأشار المصنف إلى الأصح من ذلك بقوله: م: (والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز) ش: أي سجوده م: (لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد ساجدا وإن كان إلى الجلوس أقرب جاز لأنه يعد جالسا) ش: فتتحقق السجدة الثانية. م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإذا اطمأن ساجدا كبر، وقد ذكرناه) ش: أراد بأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يكبر عند كل خفض ورفع، وفي حديث مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك» م: (واستوى قائما على صدور قدميه ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض) ش: يعني بعد رفع رأسه من السجدة الثانية، وفي " جمل النوازل ": جلسة الاستراحة مكروهة عندنا لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا ينهضون على صدور أقدامهم. م: (ولا يعتمد بيديه على الأرض) ش: بأن يعتمد براحتيه على الأرض، منصوص عليه عن أبي
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجلس جلسة خفيفة، ثم ينهض معتمدا على يديه على الأرض، لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فعل ذلك. ولنا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه» . ـــــــــــــــــــــــــــــQحنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الوبري ": لا بأس بأن يعتمد على الأرض عند النهوض من غير فصل، وقال مالك: ينهض على صدور قدميه من غير اعتماد، وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي يجلس جلسة خفيفة ثم ينهض معتمدا على يديه على الأرض لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك) ش: أي الاعتماد على الأرض، والمروي هنا ما أخرجه البخاري «عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في الوتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا» . وقال النووي: وقال الأكثر: لا يستحب ذلك؛ أي الجلسة بعد السجدة الثانية، قال: حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأبي الزناد والثوري والنخعي ومالك وإسحاق وأحمد، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل هذا، وقال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، ولم يذكر ذلك في حديث المسيء في صلاته. وقال أبو إسحاق المروزي والشافعي: إن كان ضعيفا جلس للاستراحة وإن كان قويا لا يجلس، وقال الإمام حميد الدين في "شرحه " ناقلا عن شمس الأئمة الحلوائي: الخلاف في الأفضلية حتى إذا جلس لا بأس به عندنا، وإذا لم يجلس لا بأس به عند الشافعي. م: (ولنا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه» ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن خالد بن إياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهض في الصلاة على صدور قدميه» وقال الترمذي: هذا حديث عليه العمل عند أهل العلم. فإن قلت: خالد ويقال ابن إياس وقيل إلياس، ضعيف ضعفه البخاري والنسائي وأحمد وابن معين. قلت: قاله الترمذي، ومع ضعفه يكتب حديثه، ويقويه ما روي عن الصحابة في ذلك، فأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه ولم يجلس، وأخرج نحوه عن علي وابن الزبير وعمر بن الخطاب رضي الله
وما رواه محمول على حالة الكبر، ولأن هذه قعدة استراحة، والصلاة ما وضعت لها. ويفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الركعة الأولى؛ لأنه تكرار الأركان، إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ، لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة. ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركوع وفي الرفع منه؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين» . وذكر الأربع في الحج والذي يروى من الرفع محمول على الابتداء. كذا نقل عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQتعالى عنهم وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر وعلي وأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم. وأخرج عن النعمان عن ابن عباس قال: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا رفع أحدهم رأسه من السجود الثاني في الركعة الأولى ينهض كما هو ولم يجلس. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر نحوه. وأخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولم يجلس إذا صلى في أول ركعة حتى يقضي السجود. م: (وما رواه محمول على حالة الكبر) ش: وما رواه الشافعي وهو حديث مالك بن الحويرث محمول على فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعدما كبر وأسن، وفيه تأمل، لأن نهاية عمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثلاث وستون سنة، وفي هذا القدر لا يعجز الرجل عن النهوض، اللهم إذا كان لعذر مرض أو جراحة أو نحوها. والدليل الثاني أوجه وهو قوله: م: (ولأن هذه قعدة استراحة والصلاة ما وضعت لها) ش: أي للاستراحة، بل هي مشقة في نفسها، ولأنه اعتمد على غيره في صلاته فيكون مسيئا قياسا على ما قالوا: لو اتكأ على حائط أو على عصا، بخلاف ما لو اعتمد على ركبتيه. م: (ويفعل في الركعة الثانية) ش: أي يفعل المصلي في الركعة الثانية م: (مثل ما فعل في الأولى) ش: أي في الركعة الأولى (لأنه) ش: أي لأن الركعة الثانية، وذكر الضمير باعتبار الخبر وهو قوله: (تكرار الأركان) ش: والتكرار يقتضي إعادة الأولى، وكان ينبغي أن يزاد عليه ولا ينوي ولا يكبر للإحرام. م: (إلا أنه لا يستفتح ولا يتعوذ لأنهما لم يشرعا إلا مرة واحدة، ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى؛ خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركوع والرفع منه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين» . وذكر الأربع في الحج، والذي يروى من الرفع محمول على الابتداء، كذا نقل عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي إلا أن المصلي لا يقول: سبحانك اللهم، اهـ. وهذا الدعاء يسمى الاستفتاح، وعلى هذا قيل: لكل صلاة مفتاح وافتتاح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQواستفتاح، فمفتاح الصلاة الطهور، وافتتاحها تكبيرة الإحرام، واستفتاحها سبحانك اللهم اهـ، وأخرجه الترمذي أيضا. وبحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن ماجه والطحاوي عنه، قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في الصلاة حذاء منكبيه حين يفتتح الصلاة وحين يركع وحين يسجد» . وبحديث وائل بن حجر قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين يكبر للصلاة وحين يركع وحين يرفع رأسه من الركوع يرفع يديه حذاء أذنيه» أخرجه أبو داود والنسائي. وبحديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الأربعة وفيه: «ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته إذا أراد أن يركع، ويضعه إذا فرغ ورفع من الركوع» واحتج أصحابنا بحديث البراء بن عازب قال: «كان النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه ثم لا يعود» أخرجه أبو داود والطحاوي من ثلاث طرق، وابن أبي شيبة في "مصنفه " ومحمد بن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود» أخرجه أبو داود والطحاوي وابن أبي شيبة في "مصنفه ". وبالحديث الذي ذكره المصنف ولكنه بغير اللفظ الذي ذكره، فروى البخاري معلقا في كتابه المفرد في "رفع اليدين" وقال: قال وكيع: عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: في افتتاح الصلاة، وفي استقبال الكعبة، وعلى الصفا والمروة وبجمع، وفي المقامين، وعند الجمرتين» ، رواه البزار عن نعيم عن ابن عباس. وعن نافع عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ترفع الأيدي في سبع مواطن: افتتاح الصلاة واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين وعند الحجر» . ورواه الطبراني في "معجمه " عن نعيم عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على الصفا والمروة مع الناس عشية عرفة وبجمع والمقامين حين يرمي الجمرة» ورواه ابن أبي شيبة موقوفا في "مصنفه" حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «ترفع الأيدي في سبع مواطن: إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وفي جمع، وفي عرفات، وعند الجمار» . وقال السروجي: ورواية أصحابنا في كتب الفقه: لا يرفع الأيدي إلا في سبع مواطن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ليس كما قاله؛ فإن اللفظين رويا كما ذكرناه، قول المصنف، وذكر الأربع في الحج: وهي عند استلام الحجر، وعند الصفا والمروة، وفي الموقفين، وعند الجمرتين، وعند المقامين، والمتنازع فيه خارج عن السبع على ما ذكره البخاري والبزار والطبراني وغيرهم، فانظر إلى باقي رواياتهم هل تجد فيها ذكر رفع اليدين عند القنوت؟ وإنما يوجد هذا عند أصحابنا في كتبهم، منهم المصنف، ويذكر رفع اليدين عند تكبيرة تكون المواطن ثمانية، وسنذكر بقية الكلام فيه في باب صلاة الوتر إن شاء الله تعالى. واستدل أصحابنا بحديث جابر بن سمرة قال: «خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما لي أراكم رافعين أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة» ، أخرجه مسلم. فإن قالوا في حديث البراء: قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم وخالد بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن البراء، ولم يذكروا: ثم لا يعود، وقال الخطابي: لم يقل رجل في هذا: ثم لا يعود، غير شريك، وقال أبو عمر في " التمهيد ": تفرد به يزيد ورواه عنه الحفاظ فلم يذكر واحد منهم قوله: ثم لا يعود وقال البراز: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين: ثم لا يعود، وقال عباس الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد. وقال البيهقي عن أحمد: هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به لا يذكر: ثم لا يعود، فلما كبر أخذ يذكره فيه. وقال جماعة: إن يزيد يحدث به لا يذكر: ثم لا يعود، فلما لقن أخذ يذكره فيه. وقال غيره: إن يزيد كان تغير بآخره وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم: ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه» فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد، قال: لا أحفظ هذا، ثم عاودته فقال: لا أحفظه. وقال البيهقي: سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: يزيد بن أبي زياد كان يذكر الحفظ، فلما كبر نسي حفظه، وكان يقلب عليه الأسانيد ويزيد في المتون ولا يميز. قلت: تعارض قول أبي داود وقول ابن عدي في " الكامل " رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد بإسناده، وقالوا فيه: لم يعد، يظهر أن شريكا لم يتفرد برواية هذه الزيادة، فسقط
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأيضا بذلك كلام الخطابي: لم يقل في هذا: ثم لا يعود غير شريك؛ لأن شريكا قد توقع عليها كما أخرجه الدارقطني عن إسماعيل بن زكريا ثنا يزيد بن أبي زياد نحوه، أخرجه البيهقي في " الخلافيات " من طريق النضر بن شميل عن إسرائيل، هو ابن يونس بن إسحاق عن يزيد بلفظ: «رفع يديه حذو أذنيه ثم لم يعد» وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث حفص بن عمر: ثنا حمزة الزيات كذلك، وقال: لم يروه عنه إلا حفص، تفرد به محمد بن حرب. فإن قلت: تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف. قلت: لا نسلم ذلك لأن عيسي بن عبد الرحمن رواه أيضا عن ابن أبي ليلى، فلذلك أخرجه الطحاوي إشارة إلى أن يزيد قد توقف في هذا، وأما يزيد في نفسه فهو ثقة يقال جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: هو وإن تكلم فيه لتغيره فهو مقبول القول عدل ثقة. وقال أبو داود: ثبت لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه. وقال ابن معين في كتاب " الثقات ": قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه. وخرج حديثه ابن خزيمة في "صحيحه". وقال الساجي: صدوق، وكذا قال ابن حبان، وخرج مسلم حديثه في "صحيحه" واستشهد به البخاري، فإذا كان حاله كذلك جاز أن يحمل أمره على أنه حدث ببعض الحديث تارة وبجملة أخرى، أو يكون قد نسي أولا ثم ذكر. فإن قلت: إن عارضونا برواية إبراهيم بن بشار عن سفيان: ثنا يزيد بن أبي زياد بمكة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع» . قال سفيان: فلما أتيت الكوفة سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود، فظننت أنه يخيره. قلت: هذا لا يخير لأنه لم يرو هذا المتن بهذه الزيادة غير إبراهيم بن بشار، كذا قال الشيخ في " الإمام " عن الحاكم، وابن بشار، قال النسائي فيه: ليس بالقوي، وذمه أحمد ذما شديدا. وقال ابن معين: ليس بشيء، لم يكن يكتب عند سفيان وما رأيت في يده قلما قط، وكان يحكي على الناس ما لم يقله سفيان، وما رواه البخاري وابن الجارود بالوهم فجاز أن يكون وهم في هذا. فإن قلت: قال ابن قدامة في " المغني " ما ملخصه: حديث يزيد بن أبي زياد ضعيف، ولئن سلمنا فأحاديثنا ترجح عليه بصحة الإسناد وعند أكثر الرواة، وظن الصدق في الكثير أقوى والغلط منهم أبعد والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه، والنافي لم ير شيئا فلا يؤخذ بقوله، ورواه حديثا فصلوا في روايتهم ونصبوا في الرفع على الحالتين المختلف فيهما، والمخالف لهم عمم رواية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالمختلف فيه وغيره، فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها على أحاديثهم العامة التي لا نص فيها، كما يقدم الخاص على العام والنص على الظاهر المحتمل، والسلف من الصحابة والتابعين تحملوا بها، فدل ذلك كله على قولنا. قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيح، نص عليه الترمذي وغيره، وما يذكره الرواة في الترجيح إنما يكون إذا كان راوي الخبر واحدا، وراوي الخبر الذي يعارضه صفة اثنان أو أكثر، فالذي نحن فيه روي عن جماعة، وهم عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحينئذ تساوت الأخبار في ظن الصدق بقولهم وبعدم الغلط، ولا نسلم تقديم خبر المثبت على خبر النافي مطلقا، وإذا كان خبر النفي عن دليل يوجب العلم به يتساوى مع المثبت فتتحقق المعارضة بينهما، ثم يجب طلب المخلص، فإن كان خبر النافي لا عن دليل يوجب العلم، يقدم خبر المثبت كما في حديث بلال أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يصل في الكعبة، مع حديث ابن عمر أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى فيها عام الفتح، فإنهم اتفقوا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ما دخلها يومئذ إلا مرة واحدة، ومن آخر أنه لم يصل فيها فإنه لم يعتمد دليلا موجبا للعلم لأنه لم يعاين صلاته فيها، والآخر عاين ذلك، وكان المثبت أولى من النافي. وأما الذي نحن فيه عن دليل يوجب العلم به لأن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شاهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعاينه أنه رفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد، فحينئذ تساويا في القوة والضعف، فكيف يرجح الإثبات على النفي، وكما أن الخاص يوجب الحكم فيما تناوله مطلقا، فكذلك العام يوجب له فيما تناوله مطلقا، وكل واحد من الحديثين نص، فكيف يقال: والنص يقدم على الظاهر المحتمل؟ وأحاديثنا أيضا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين، وقد ذكرناه عن قريب. فإن قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معترض فيه بما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع وعند الرفع وعند القيام من الركعتين. وقال المنذري: وعبد الرحمن لم يسمع من علقمة قاله. وقال الحاكم: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في " الصحيحين " وكان يختصر الأحكام فيؤديها بالمعنى، وأن لفظة: ثم لا يعود غير محفوظة، قاله البيهقي عن الحاكم. قلت: عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع ثبوته عند غيره، فقد قال الترمذي: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حديث صحيح، وصححه ابن حزم في " المحلى " وهو يدور على عاصم بن كليب وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به، وقول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالمنذري غير قادح عن رجل مجهول وهو قول عجيب؛ لأنه تعليل برجل مجهول شهد على النفي، وقال الشيخ في " الإمام " تتبعت هذا القائل فلم أجده، وقد صرح في كتاب " المتفق والمفترق " في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة وكذا قال في الحمال سمع عائشة وأباه وعلقمة بن قيس، وعاصم بن كليب وثقه ابن معين، وأنه من رجال الصحيح وقول الحاكم أن حديثه لم يخرج في الصحيح غير صحيح فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة عن الهذلي. فإن قلت: الحديث الذي ذكره المصنف فيه الحكم عن نعيم قال البخاري: قال شعبة لم يسمع الحكم من نعيم إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها فهو مرسل وغير محفوظ؛ لأن أصحاب نافع خالفوا، وأيضا فهم قد خالفوا هذا الحديث ولم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت. قلت: قول شعبة مجرد دعوى ولئن سلمنا فمرسل الثقات مقبول يحتج به، وكونهم لم يعتمدوا عليه في تكبيرات العيدين وتكبيرة القنوت لا توجب المخالفة؛ لأن الحديث لا يدل على الحصر. فإن قالوا: هذا الحديث رواه غير واحد موقوفا وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ. قلنا: ابن أبي ليلى من كبار التابعين أدرك مائة وعشرين رجلا من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فإن لم يعمل يرفع مثله يعمل يرفع من. إن قلت: حديث جابر بن سلمة لا يدل على ما ادعيتم؛ لأنه لم يرو لما ذكرتم وإنما ورد لمنع الإشارة؛ لأنهم كانوا يشيرون بأيديهم إلى الجانبين يرون بذلك السلام على من على الجانبين، والدليل على رواية مسلم أيضا عن جابر بن سمرة أنه قال: «كنا إذ صلينا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علام تفعلون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من يمينه وشماله» . وقال النووي: واحتجاجهم بحديث جابر بن سمرة من أعظم الأشياء وأقبح أنواع الجهالة بالسنة؛ لأن الحديث لم يرو في رفع الأيدي في الركوع والرفع عنه، ولكنهم كانوا يرفعون أيديهم في حالة السلام من الصلاة ويشيرون بها إلى الجانبين يريدون بذلك السلام، وهذا لا خلاف بين أهل الحديث ومن له أدنى اختلاط بأهل الحديث، قال ومثله عن البخاري. قلت: في الحديث الأول إنكار لرفع اليد في الصلاة وأمر بالسكون فيها فكيف يحمل هذا على الإيماء باليد والإشارة بهما بعد السلام كما في الحديث الثاني؟ وليس فيه ذكر رفع الأيدي ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأمر بالسكون إذا خرجوا من الصلاة بالسلام، وحديث إنكار رفع اليدين والأمر بالسكون مقيد بداخل الصلاة، وحديث إنكار الإيماء والإشارة بالأيدي مقيد بحال السلام الذي قد خرجوا به من الصلاة، والمقيد بقيد لا يندرج تحته مقيد آخر بقيد آخر، فالحديث الثاني غير الحديث الأول قطعا، فكيف يجعل هو فاتحة بيان يختلفان في الحكم الذي يحمل أحدهما على الآخر بلا دليل مع إنكار إفادتهما تأييد بين منقلبين هو الذي أتي بأعظم الأشياء وأقبح أنواع الجهالة بالسنة، على أن الثوري، ومالك بن أنس شيخ إمام، وأجيد بالحديث، وأعلم بالسنة، وقد رفع اليدين في الصلاة إلا عند التحريمة وهي رواية ابن القاسم عنه ورواية متقدمة على المالكية على جميع أصحابه حتى كانت القضاة بالضرب يكتبون في تقاليدهم أن لا يحكموا إلا برواية ابن القاسم الذي روى من الرفع محمول على الابتداء. هذا جواب عما احتج به الشافعي من الذي روي من رفع اليدين في الركوع وفي الرفع سنة. وأراد بقوله: - محمول على الابتداء - أنه كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ كذا نقل عن ابن الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وابن الزبير من الأسماء العالية على بعض [.....] المسلمين به كابن عمر وابن عباس والذي نقل عن ابن الزبير هو ما نقله البعض «أن ابن الزبير رأى رجلا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فقال له: لا تفعل فإن هذا شيء فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم تركه» قال ابن الجوزي في " التحقيق ": زعمت الحنفية أن أحاديث الرفع منسوخة بحديثين رووا. أحدهما: عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة ترك ما سوى ذلك» . والثاني: رووه «عن ابن الزبير أنه رأى رجلا يرفع يديه من الركوع فقال: مه فإن هذا شيء فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم تركه» وهذان الحديثان لا يعرفان أصلا، وإنما المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خلاف ذلك فأخرج أبو داود عن ميمون، لكن أنه رأى ابن الزبير وصلى بهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد، قال: فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير، ولو صح ذلك لم يصح دعوى النسخ؛ لأن شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ. قلت: قوله: لا يعرفان أصلا لا يستلزم عدم معرفة أصحابنا هذا ودعوى النافي ليست بحجة على المثبت وأصحابنا أيضا ثقات لا يرون الاحتجاج بما لم يثبت عندهم صحته،؛ لأن هذا أمر الدين، فالمسلم لا يستهزئ فيه، ويؤيد ما روي من عدم الرفع عند الركوع وعند الرفع منه ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث ابن أبي داود قال: أنبأ أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ثنا أبو بكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبن عياش، عن حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يكن يرفع يديه في التكبير الأول من الصلاة. قال الطحاوي: فهذا ابن عمر قد رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع ثم ترك هو الرفع بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد كان رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله، وإسناد ما رواه الطحاوي صحيح وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة في "مصنفه " ثنا أبو بكر بن عياش، عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتح. فإن قلت: هذا حديث مسند؛ لأن طاوسا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما روي عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك. قلت: يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رواه طاوس يفعلها قبل أن تقوم الحجة عنده بنسخه، ثم قامت الحجة عنده بنسخه فيه له وفعل ما ذكره عنه مجاهد وهكذا ينبغي أن يحمل ما روى عنهم وينفي عنهم الوهم حتى يتحقق ذلك، ولا يكثر أكثر الروايات. وأما الجواب عن أحاديث الخصم فنقول: أما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه روي عنه خلاف ذلك فقال الطحاوي: أما ابن أبي داود إلى آخر ما ذكرناه الآن. أما حديث أبي حميد الساعدي، فإن أبا داود وقد أخرجه من وجوه كثيرة أحدها عن أحمد بن حنبل، وليس فيه ذكر رفع اليدين عند الركوع والطريق الذي فيه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد في عشر من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الحديث، وعبد الحميد عندهم ضعيف فكيف يحتجون به في مثل هذا الموضع في معرض الاحتجاج على خصمهم؟ وقالوا: عبد الحق مطعون في حديثه، روى ذلك عن يحيى بن معين، وهو إمام في هذا الباب. فإن قلت: عبد الحميد من رجال مسلم، واحتجت به الأربعة، واستشهد به البخاري في "الصحيح "، وعن أحمد ويحيى: ثقة. قلت: إن سلمنا ذلك ولكن الحديث معلول بحجة أخرى، وهو محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع هذا الحديث من أبي حميد بن عدي، ولا ممن ذكر معه في هذا الحديث مثل: أبي قتادة وغيره، وذلك؛ لأن سنده لا يحتمل ذلك؛ لأن أبا قتادة قتل مع على - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصلي عليه كذا قال الهيثم بن عدي. وقال ابن عبد البر: هو الصحيح، وقيل: توفى بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، ومحمد بن عمرو بن عطاء توفي في خلافة وليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانت خلافته في سنة خمس وعشرين ومائة، ولهذا قاله ابن حزم ولعله وهم يعني عبد الحميد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حكم البخاري في "تاريخه " أنه سمع أبا حميد، وأبا قتادة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقوله: - قتل مع على - رواية شاذة رواه الشعبي، والصحيح الذي أجمع عليه أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي، والواقدي، والليث، وابن منده. قلت: القائل بأنه لم يسمع من أبي حميد هو بين الحجة في هذا الباب، وهو قول الهيثم بن عدي، وهذا صححه ابن عبد البر، فكيف يقول البيهقي هذه رواية شاذة، فلم لا يجوز أن تكون رواية البخاري شاذة؟ بل هي شاذة بلا شك؛ لأن قوله لا يرجح على قول الشعبي، والهيثم بن عدي، وفي هذا الحديث علة أخرى وهي أن بين محمد بن عمرو بن عطاء، وبين أبي حميد رجل مجهول، بين ذلك الطحاوي، فقال: حدثنا سهيل بن سليمان، ثنا يحيى وسعيد بن أبي مريم، قال: ثنا عطاف بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال حدثنا رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جلوسا.. الحديث. وعطاف وثقة ابن معين، وعنه صالح، وليس به بأس. وقال أحمد: من أهل مكة ثقة صحيح الحديث. والدليل على أن بينهما واسطة أن أبا حاتم بن حبان أخرج هذا الحديث في "صحيحه" من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي. الحديث، وذكر المزني، ومحمد بن طاهر المقدسي في أطرافها، عن أبي داود أخرجه من هذا الطريق، فظهر من ذلك أن هذا الحديث منقطع ومضطرب السند والمتن أيضا. وأما حديث أبي هريرة فإنه من طريق إسماعيل بن عياش عن صالح بن كيسان وهم لا يجعلون إسماعيل فيما روى عن غير الشاميين حجة، فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج بمثله عليهم لم يسوغني إياه، وقال [......] إسماعيل في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه، فخرج عن حد الاحتجاج به. وقال ابن خزيمة لا يحتج به. وأما حديث وائل بن حجر فقد ضاده ما رواه إبراهيم النخغي، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه لم يكن رأى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نقل مما ذكرنا من رفع اليدين من غير تكبيرة الإحرام فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفهم بأفعاله من وائل، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه، وكان عبد الله أكثر الولوج على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ووائل بن حجر أسلم في المدينة في سنة تسع من الهجرة وبين إسلامهما اثنان وعشرون سنة، فحينئذ حفظ ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لم يحفظه وائل وأمثاله، ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقال: إن وائلا حدث أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك. فإن قلت: ما ذكرتموه عن إبراهيم لم يدرك عبد الله؛ لأن عبد الله توفي سنة اثنين وثلاثين من الهجرة بالمدينة، وقيل: بالكوفة وولد إبراهيم سنة خمسين كما صرح به ابن حبان. قلت: كانت عادة إبراهيم إذا أرسل حديثا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه بعد تكاثر الرواة عنه، ولا شك أن خبر الجماعة أقوى من خبر الواحد وأولى. وأما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور فقد روي عنه ما ينافيه ويعارضه أيضا فإن عاصم بن كليب روى عن أبيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يرفع يديه في تكبيره من الصلاة، ثم لا يرفعه فقد رواه الطحاوي، وأبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه "، ولا يجوز لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يرى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع ثم يترك هو الرفع بعده، ولا يجوز ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ الرفع في غير تكبيرة الإحرام؛ لأن هذا هو حسن الظن بالصحابة، وحديث عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم. وفي سنن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن المبارك، عن الأعمش، عن الشعبي أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يرفعهما فيما بقي. وعن شعبة، عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله وأصحاب علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة. وقال وكيع: ثم لا يعودون، وعن إبراهيم أنه كان يقول: إذا كبرت في فاتحة الكتاب فارفع يديك، ثم لا ترفعهما فيما بقي وبغيره عن إبراهيم: لا ترفع يديك إلا في افتتاح الأولى. وعن طلحة، عن خيثمة كان لا يرفع يديه إلا في بدء الصلاة. وعن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل كان قيس يرفع يديه أول ما يدخل في الصلاة، ثم لا يرفعهما. وعن مسلم الجهني قال كان ابن أبي ليلى يرفع يديه في أول شيء إذا كبر، قال عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم، وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلا حين يفتتحون الصلاة، ذكر ذلك كله أبو بكر بن أبي شيبة. ويحكى في " المبسوط " أن الأوزاعي لقي أبا حنيفة في المسجد الحرام فقال: ما بال أهل العراق لا يرفعون أيديهم عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، وقد حدثني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يرفع يديه عندهما، فقال أبو حنيفة حدثني حماد، عن إبراهيم النخغي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يرفع يديه عند تكبيرة الافتتاح ثم لا يعود» . قال عجبا من أبي حنيفة أحدثه بحديث الزهري عن سالم، وهو يحدثني بحديث حماد عن إبراهيم، فأشار إلى علو إسناده.
[الافتراش عند التشهد الأوسط]
وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية افترش رجله اليسرى وجلس عليها، ونصب اليمنى نصبا، ووجه أصابعه نحو القبلة، هكذا وصفت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــQفقال أبو حنيفة: أما حماد فكان أفقه من الزهري، وأما إبراهيم فكان أفقه من سالم، ولولا سبق ابن عمر لقلت بأن علقمة أفقه منه. أما عبد الله فرجح بفقه رواته فسكت الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: لأبي حنيفة ترجيح آخر وهو أن ابن عمر راوي الحديث في الرفع كان لا يرفع إلا عند الإحرام للوجه الذي ذكرناه. [الافتراش عند التشهد الأوسط] (وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الثانية افترش رجله اليسرى) ش: وفي " المبسوط " يجعلها بين إليتيه م: (وجلس عليها ونصب اليمني) ش: أي رجله اليمني (نصبا ووجه أصابعه نحو القبلة) ش: وباطنها على الأرض في القعدتين، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه قال الثوري، وابن المبارك، والحسن بن حي، وأهل الكوفة، وقال مالك: يجلس متوركا فيهما ويفضي بإليتيه إلى الأرض، وينصب رجله اليمني، ويثني اليسرى كجلوس المرأة وكذا بين السجدتين. والشافعي أخذ بقولنا في التشهد الأول ويقول بقول مالك في الأخيرة. وقال مالك يتورك في كل تشهد أول وثان، وعند الشافعي في كل تشهد يعقبه السلام ولا يتورك عند أحمد في الصبح والجمعة والعيدين، وعند الشافعي يتورك. م: (هكذا وصفت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة) ش: توصيف عائشة قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته في حديث أخرجه مسلم، عن أبي الجوزاء، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» .. الحديث، وفيه كان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى إلى آخره. قوله: - يفرش - بفتح الياء وضم الراء هو المشهور. قال النووي وضبطه صاحب " مشارق الأنوار " بكسر الراء، وذكره أبو حفص بن أعلى في " لحن العوام "، وروى أبو داود، والنسائي، وأحمد «عن وائل بن حجر: أنه نظر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى ونصب اليمنى» . وروى أحمد من حديث رفاعة بن رافع «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال للأعرابي: فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى» .
قال ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه وتشهد، ويروى ذلك في حديث وائل بن حجر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ ولأن فيه توجيه أصابع يديه إلى القبلة، فإن كانت امرأة. ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى النسائي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: «من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى» . م: (قال) ش: أي القدوري (ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه) ش: وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول: السنة أن يضع اليمنى على فخذه الأيمن، وكفه اليسرى على فخذه الأيسر. وقال الطحاوي يضع يديه على ركبتيه كما في حالة الركوع. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينبغي أن يكون أطراف الأصابع عند الركبة. (وتشهد) ش: أي قرأ التحيات إلى آخره وسمى هذه الثناء تشهدا إطلاقا لاسم البعض على الكل؛ لأن فيه ذكر الشهادتين كما في الأذان فإنه في الحقيقة حي على الصلاة، حي على الفلاح مع إطلاق الأذان على الكل. م: (ويروى ذلك في حديث وائل بن حجر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ذلك إشارة إلى وضع اليدين على الفخذين، وبسط الأصابع، وقراءة التشهد باعتبار المذكور، ولكن ليس كل ذلك في حديث وائل بن حجر، وقد تقدم حديثه. فإن قلت: فعلى هذا لا يتم استدلال المصنف بهذا. قلت: أما وضع اليدين على الفخذين في " صحيح مسلم " من رواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أن فيه كان قبض أصابعه، وأما بسط الأصابع فليس في حديث وائل، وإنما فيه أن يعقد أصابعه ويجعل حلقة الإبهام والوسطى. قال الفقيه أبو جعفر: هكذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول المصنف -: وبسط أصابعه - مخالف لما في حديث وائل، وكذلك ما ذكره صاحب " المحيط "، وعن محمد أنه يضع يديه على فخذيه؛ لأن فيه توجه الأصابع إلى القبلة أكثر. وعن بعضهم أنه يفرق أصابعه وهذا كله مخالف لما في حديث وائل. م: (ولأن فيه) ش: أي في بسط الأصابع على الفخذين (توجيه أصابع يديه إلى القبلة) ش: هذا ظاهر وما رأيت أحدا من الشراح استقصى بيان هذا الموضع، لا من جهة الحديث الذي هو العمدة في الاستدلال، ولا من جهة صحة المنقول عن الأصحاب في هذا الموضع. م: (فإن كانت امرأة) ش: ذكره بالفاء التفريعية لأنه ذكر أولا صفة جلوس الرجل في القعدة، ثم عقب ذلك ببيان صفة جلوس المرأة، وضبط بعضهم امرأة بالنصب فوجهه أن يكون التقدير، فإن كانت المصلية امرأة والأوجه على أن تكون كانت ناقصة. وقوله: - جلست - جواب إن في الوجهين.
[التشهد الأوسط وصيغته]
جلست على إليتها اليسرى وأخرجت رجليها من الجانب الأيمن؛ لأنه أستر لها. والتشهد: التحيات لله، والصلوات ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (جلست على إليتها اليسرى وأخرجت رجليها من الجانب الأيمن؛ لأنه أستر لها) ش: لأن مراعاة فرض الستر أولى من مراعاة سنية القعدة. وفي " المرغيناني " وجهت ما فيها، وكانت أم الدرداء تجلس كالرجل، وكانت فقيهة، ذكره ابن بطال، وهو قول النخعي ومالك ومن الصحابة أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكانت صفية، ونساء ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يجلسن متربعات؛ لأن ذلك أستر لهن. وعن سلمة: الأمة كالرجل في رفع اليد، وكالحرة في الركوع والسجود والقعود. [التشهد الأوسط وصيغته] م: (والتشهد التحيات لله) ش: أي التشهد الذي هو جزء أطلق عليه الكل، قراءة التحيات هذا، وهو جمع تحية من حي يحيي تحية. وعن الليث معان: الأول: البقاء من قولهم: حياك الله، أي أبقاك الله، روي ذلك عن الأزهري، الثاني: الملك أي الملك لله من قولهم: حياك الله أي ملك الله، وروى ذلك الأزهري عن أبي علي. الثالث: السلامة من الآفات، كما قاله خالد بن يزيد. الرابع: السلام على الله من قولهم: حياك الله أي سلام الله عليك. قال الأترازي: فيه نظر عندي لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى في صدر حديثي ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أن يقال: السلام على الله. قلت: وجه النهي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فمن هذا الوجه لا يوجه القول بالسلام على الله، وأما إذا قصد معنى السلامات من الآفات والزوالات والعوارض لله تعالى فلا يبعد. فإن قلت: ما معنى الجمع فيه؟ قلت: لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم: أبيت اللعن، ولبعضهم: أسلم وأنعم صباحا، ولبعضهم عش ألف سنة، فقيل لنا: قولوا: التحيات لله أي: الألفاظ التي تدل على الملك والبقاء والسلامة عن الآفات لله عز وجل، نقل ذلك عن العقبي، وعن الخطابي. روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في تفسير التحيات لله والصلوات والطيبات. فقيل: هي أسماء الله السلام المؤمن المهيمن الحي القيوم العزيز الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء وهي الطيبات التي لا يحيا بها غيره. م: (والصلوات) ش: أي الأدعية وهي جمع صلاة وهي الدعاء الذي أصل معناه هذا في كلام العرب، وفي " المغربين " الصلاة رحمة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) أي يترحمون. وعن الأزهري الصلاة من الملائكة دعاء واستغفار ومن الله رحمة. وعن ابن المبارك في قوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 157] (البقرة: الآية 157) ، أي رحمات، وقوله في التشهد التحيات لله والصلوات أي: الثناء
والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره، وهذا تشهد عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: «أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل: التحيات لله إلى آخره» ـــــــــــــــــــــــــــــQالحسن والحمد والتسبيح لله تعالى. م: (والطيبات) ش: أي الطيبات من الكلام مصروفات إلى الله تعالى. وعن الليث: وأحسن الكلام وأفضله لله تعالى. وعن مشايخنا الفقهاء: التحيات لله أي: العبادات القولية لله تعالى لا يستحقها غيره، والصلوات أي: العبادات البدنية لله تعالى، والطيبات أي: العبادات المالية لله تعالى، يعني الجميع لله تعالى لا يستحقها غيره. وهذا على مثال من يدخل على الملوك يقدم السلام والثناء أولا، ثم يقوم في الخدمة، ثم يبذل المال. م: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلى آخره) ش: هذا من الله تعالى على نبيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة المعراج فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما قال: التحيات لله، والصلوات والطيبات، رد الله تعالى من مقابلته بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والزيادة، ولما زاد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذه الألفاظ أشرك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمته فيه بقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم لما سمعت الملائكة بذلك فرحوا وقالوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وذكر زين الأئمة الفرودي في ثواب العبادات عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لما عرج بي ليلة المعراج إلى السماء أمرني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن أسلم على ربي فقلت: كيف أسلم؟ فقال: قل: التحيات لله والصلوات والطيبات، قال: قلت: فقال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". م: (وهذا تشهد عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: «أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي وعلمني التشهد كما كان يعلمني سورة من القرآن، وقال: قل: التحيات لله إلى آخره» ش: تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الأئمة الستة عن ابن مسعود واللفظ لمسلم، قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد كما يعلمني السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» . زاد في رواية [إلا] الترمذي وابن ماجه «ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» .
والأخذ بهذا أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو قوله: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا.. إلى آخره؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والأخذ بهذا) ش: أي بتشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أولى من الأخذ بتشهد ابن عباس -- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) - ش: ولهذا قال الترمذي أصح حديث عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في التشهد حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثم أخرج عن معمر عن خصيف قال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المنام فقلت له: إن الناس قد اختلفوا في التشهد، فقال: عليك بتشهد ابن مسعود. وأخرج الطبراني في "معجمه " عن بشر بن المهاجر عن ابن بريدة عن أبيه قال: ما سمعت من التشهد أحسن من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذلك لأنه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووافق ابن مسعود في روايته عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا التشهد جماعة من الصحابة والتابعين - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. فمنهم معاوية وحديثه عند الطبراني في "معجمه " أخرجه عن إسماعيل بن عياش، عن حريز ابن عثمان، عن راشد بن سعد، «عن معاوية بن أبي سفيان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحيات لله والصلوات والطيبات..» الخ سواء. ومنهم سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحديثه عند البزار في "مسنده "، والطبراني في "معجمه " أيضا عن سلمة بن الصلت، عن عمر بن يزيد الأزدي «عن أبي راشد قال: سألت سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن التشهد، فقال: أعلمكم كما علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، التحيات لله والصلوات والطيبات» .. إلخ سواء. ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحديثها عند البيهقي في "سننه" عن القاسم عنها قالت: «هذا تشهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحيات لله.. الخ» . وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده جيد. م: (وهو قوله) ش: أي تشهد ابن عباس هو قوله. م: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله إلخ) ش: تشهد ابن عباس أخرجه الجماعة إلا البخاري عن سعيد بن جبير وطاوس «عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". وهاهنا تشهد آخر لأبي موسى الأشعرى، وتشهد لجابر، وتشهد لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وتشهد أبي موسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن عطاء بن عبد الله الرقاشي، «عن أبي موسى قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صليتم فكان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» ". الرابع: تشهد جابر، أخرجه النسائي وابن ماجه عن أيمن بن نابل، ثنا أبو الزبير، «عن جابر قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن "بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أسأل الله الجنة أعوذ بالله من النار» . رواه الحاكم في "مستدركه " وصححه، وضعفه جماعة من الحفاظ أجل من الحاكم، وأتقى منهم: البخاري، والترمذي، والبيهقي، وقال الترمذي: سألت البخاري [عنه] فقال: هو خطأ. والخامس: تشهد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه مالك في " الموطأ " أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو على المنبر ويعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهذا إسناد صحيح. والسادس: تشهد ابن عمر رواه الطحاوي، بسم الله التحيات لله والصلوات لله، الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله. السابع: تشهد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكره الكرخي، التحيات لله والصلوات والطيبات الغاديات الزاكيات. والثامن: تشهد سمرة، التحيات الطيبات الصلوات، السلام والملك لله.
لأن فيه الأمر، وأقله الاستحباب والألف واللام وهما للاستغراق، وزيادة الواو وهي لتجديد الكلام، كما في القسم وتأكيد التعليم ـــــــــــــــــــــــــــــQوالتاسع: تشهد ابن الزبير، بسم الله وبالله خير الأسماء التحيات الصلوات الطيبات لله أشهد أن لا إله إلا الله. م: (لأن فيه الأمر وأقله الاستحباب) ش: هذا شروع في تشهد ابن مسعود، أي؛ لأن في تشهد ابن مسعود صيغة الأمر، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قل التحيات لله إلى آخره، وللأمر مراتب وأقلها الاستحباب، ولترجيح تشهد ابن مسعود وجوه كثيرة: الأول: هو ما ذكره. والثاني هو قوله: م: (والألف واللام) ش: أي ولأن فيه الألف واللام وهو معطوف على قوله: الأمر فلذلك نصب (وهما للاستغراق) ش: أي والألف واللام لاستغراق الجنس، وسلام بدون الألف واللام نكرة. والثالث: فيه زيادة أشار إليه بقوله: م: (وزيادة الواو) ش: أي واو العطف فيها يصير كل كلام على حدة؛ لأن العطف للمغايرة، وبغير الواو يصير الكل ثناء واحدا بعضه صفة بعض م: (وهي) ش: أي الواو م: (لتجديد الكلام) ش: أي الاستئنافية يعني: أن الكل لفظ ثناء بنفسه م: (كما في القسم) ش: يعني إذا قال الرجل: والله الرحمن الرحيم يكون يمينا واحدة، وإذا قال: والله والرحمن والرحيم بثلاث واوات يكون ثلاثة أيمان. والرابع: فيه التأكيد أشار إليه بقوله: م: (وتأكيد التعليم) ش: بنصب تأكيد أي ولأن فيه تأكيد التعليم وهو قوله: - علمني التشهد كما يعلمني سورة من القرآن - وهذه الوجوه الأربعة التي ذكرها المصنف. وهاهنا وجوه أخر الأول فيه الأخذ باليد فإن أبا حنيفة قال: «أخذ حماد بيدي، فقال حماد: أخذ إبراهيم بيدي، وقال إبراهيم: أخذ علقمة بيدي، وقال علقمة: أخذ ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بيدي، وقال ابن مسعود: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي وعلمني التشهد» . الثاني: أنه علق تمام الصلاة به، فدل على أن التمام لا يوجد بدونه. الثالث: أن تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحسن إسنادا كذا قال أئمة الحديث وهم يجمعون عليه، وقد ذكر في " الصحيحين ". الرابع: أن عامة الصحابة أخذوا به فإنه روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - علم الناس على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمنبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهكذا روى سلمان الفارسي، وجابر، ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. الخامس: أن في تشهد غيره نقصانا. السادس: تقديم اسم الله تعالى فإنه إذا تقدم على الممدوح في ابتداء الكلام ومتى أخر كان مجملا وإزالة الإجمال بأول الكلام أولى. السابع: أن التحيات عام شمل كل [.....] الصلاة، وغيرها وذلك عند وجود الواو، فإن كان بغير الواو صارت الصلاة مخصصة أو ما [ ..] فلا يكون عاما. الثامن: أنه موافق للقياس؛ لأن ذكره ممتد مشروع في آخر طرفي الصلاة فيكون بالواو كالاستفتاح اعتبارا لآخر المذكورين للآخر. التاسع: ليس فيه اضطراب ولا وقف، وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مضطرب جدا وهو أن مسلما وأبا داود ورياه مثل ما ذكرنا، والترمذي ذكر السلام منكرا، والشافعي وأحمد روياه مثل الترمذي ولم يذكرا وأشهد، وروى ابن ماجه كمسلم، لكنه قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والنسائي كمسلم، لكنه صح نكر السلام، وقال: وأن محمدا عبده ورسوله، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وهو موقوف أيضا. قال الطحاوي: رواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفا، والذي رواه مرفوعا أبو الزبير ولا يكافئ الأعمش، ولا منصور، ولا مغيرة، ولا أشباههم ممن روى حديث ابن مسعود. العاشر: فيه تشهد به عبد الله على أصحابه حين أخذ عليهم بالواو والألف واللام ليوافق لفظ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال عبد الرحمن بن يزيد كنا نحفظ عن عبد الله التشهد كما نحفظ حروف القرآن، وهذا يدل على ضبطه ولا يوجد مثله بغيره، فصارت الوجوه في ترجيح تشهد ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أربعة عشر وجها. فإن قلت: قالت الشافعية: تشهد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الذي اختاره الشافعي رواه مسلم. قلت: ليس الأمر كما زعموا؛ لأن مسلما روى السلام معرفا في الكتابين، ومذهبهم تنكيره فيهما. ورواه الترمذي والشافعي وأحمد، ولم يخرجه لذلك من التزم إخراج الصحيح في كتابه، فكيف يعارض الجمع على صحة مثل هذا؟ فإن قلت: قالوا: فيه زيادة المباركات، وهي موافقة للفظة القرآن في قَوْله تَعَالَى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]
ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى؛ «لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: علمنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وآخرها» فإذا كان وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - زيادات، فإن كانت علة الترجيح هي الزيادات، فحديث جابر أولى. فإن قلت: حجة البيهقي بتعليم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو حديث أنس متأخر عن تعليم ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: هذا لا شيء؛ لأن أحدا من الفقهاء وأهل الأثر لم يقل بترجيح رواية ابن عباس والعبادلة صغار الصحابة وأحدثهم على رواية أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود وغيرهم من كبار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عند التعارض ويجوز أن يكون تعليم ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد تعليم ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولا يلزم من صغر سنة تأخر تعلمه وسماعه من غيره، قد أخذوا برواية غيره وتركوا روايته في عدة مواضع. منها أنهم أخذوا الحديث عن أبي قتادة في القراءة في الظهر والعصر، ورجحوه على رواية ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولا يزيد على هذا في القعدة الأولى) ش: أي لا يزيد المصلي على التشهد المذكور في القعدة الأولى من الثلاثية والرباعية، وبه قال أحمد إسحاق، وهذا مذهب عطاء، والشعبي، والنخغي، والثوري في القديم. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان إذا تشهد قال: بسم الله خير الأسماء، وعن ابنه أنه أباح الدعاء فيه بما بدا له، وقال: زدت فيه وحده لا شريك له. وقال أيوب، وسعيد، وهشام: يقول عمر فيه التسمية، وبه قال مالك وأهل المدينة. وقال الشافعي في الجديد: يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه وفي الصلاة على الأول خلاف عندهم. م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وآخرها، فإن كانت وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء» ش: من الدعاء، الحديث رواه أحمد في "مسنده" من حديث ابن مسعود أنه قال: علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. إلخ، وهذا حجة على الشافعي فيما ذهب إليه. فإن قلت: روي عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في كل ركعتين تشهد وسلام على المرسلين، وعلى من يتبعهم من عباد الله الصالحين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هذا محمول على التطوع إذا كل شفع منه صلاة على حدة. قوله: - وإن كان في آخر الصلاة - إلى آخره لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» . 1 - فروع: هل يشير بالمسبحة إذا انتهى إلى قوله - أشهد أن لا إله إلا الله؟ - فقال بعض مشايخنا: لا يشير؛ لأن في الإشارة زيادة لا يحتاج إليها فيكون تركه أولى. وفي " المنية " و " الواقعات " وعليه الفتوى لا إشارة في الصلاة إلا عند الشهادة في التشهد وأنه حسن. وفي " الذخيرة " لم يذكر محمد الإشارة في الأصل، وذكر محمد في غير رواية الأصول حديثا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشير، قال محمد نصنع بصنع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وهو قول أبي حنيفة ومثله في " المحيط " وفي " الفتاوى ". قال أبو بكر بن سعيد: الإشارة عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله حسن. 1 - واتفق الأئمة الثلاثة على أصل الإشارة بالمسبحة، ثم كيف يشير يقبض خنصره والتي تليها، ويحلق الوسطى بالإبهام، ويقيم السبابة ويشير بها، هكذا روى الفقيه أبو جعفر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعله هكذا وهو أحد وجوه قول الشافعي، وفي تتمة أصحاب الشافعي لما في كيفية قبض الأصابع ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يقبض الأصابع كلها إلا المسبحة ويشير بها، فعلى هذا في كيفية القبض وجهان: أحدهما: يقبض كأنه يعقد ثلاثة وخمسين، وهو رواية ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والثاني يقبض كأنه يعقد ثلاثة وعشرين، وهو رواية ابن الزبير عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والثاني: أنه يقبض الخنصر والوسطى ويرسل الإبهام والمسبحة، وهذه رواية أبي حميد الساعدي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والقول الثالث: أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويرسل المسبحة، وهذه رواية وائل بن حجر عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهذه الأخبار تدل على أن فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يختلف فكيف ما فعل أجزأه، ولو ترك لا شيء عليه. وفي " المجتبى " العمل بها أولى من الترك، ويكره أن يشير بالسبابة من اليدين؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحد أحد ولا يستحب تحريك الأصابع وعن بعضهم يقيم أصبعيه عند قوله لا إله، ويضعها عند قوله إلا الله؛ ليكون النصب كالنفي، والوضع كالإثبات والمسبحة بكسر الباء سميت بها؛ لأنها يشار بها إلى التوحيد، ويقال لها: السبابة أيضا؛ لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب في الخصومات ونحوها.
[القراءة في الأخيرتين بفاتحة الكتاب فقط]
قال: ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها؛ «لحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "قرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب» وهذا بيان الأفضل، وهو الصحيح؛ لأن القراءة فرض في الركعتين. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [القراءة في الأخيرتين بفاتحة الكتاب فقط] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها) ش: ولا يضم السورة معها فيهما وبه قال الشافعي على الأظهر، وهو قول أحمد لكن قراءة الفاتحة عندهما واجبة. وعند مالك تجب في كل ركعة على الأظهر، وهو قول أحمد في الرواية المشهورة، وفي الأكثر في رواية وبه قال إسحاق، وقال المغيرة تجب ويكفي وجودها وفي ركعة واحدة. وفي " المغني " وعن أحمد والنخعي والثوري لا يجب إلا في ركعتين. م: (لحديث أبي قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قرأ في الأخيرين بفاتحة الكتاب» ش: وقتادة اسمه الحارث بن ربعي السلمي الأنصاري، وقال الكلبي، وابن إسحاق: اسمه نعمان توفي بالكوفة في سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحديثه هذا أخرجه البخاري ومسلم، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن أبي قتادة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا، ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية، وهكذا في الصبح» ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه أيضا. وروى إسحاق بن راهويه في "مسنده " عن رفاعة بن رافع الأنصاري قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» وروى الطبراني في "معجمه الأوسط «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سنة القراءة في الصلاة أن يقرأ في الأوليين بأم القرآن وسورة في الأخريين بأم القرآن» . وأخرج أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعتين بفاتحة الكتاب» . م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره القدوري من أنه يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها. م: (بيان الأفضل) ش: وأشار به إلى أنه ليس سنة فإن قرأ فقد أتى بالأفضل وإن ترك فلا شيء عليه. م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عما روى الحسن، عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة واجبة فيهما حتى يجب بتركها ساهيا سجود السهو م: (لأن القراءة فرض في الركعتين) ش: الأوليين دون الأخريين.
على ما يأتيك من بعد إن شاء الله تعالى. قال: وجلس في الأخيرة كما جلس في الأولى؛ لما روينا من حديث وائل وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: ظاهر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» يقتضي أن تكون قراءة القرآن واجبة في الأخريين كما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: خص من النص الركوع والسجود فكذا الأخريان مع أن القراءة التقديرية موجودة في جميع الصلاة على ما قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين، كذا في " الجنازية "، وفي " المحيط " عن الحسن، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يسبح في الأخريين ثلاث تسبيحات وقراءة الفاتحة أفضل، ولو لم يقرأ، أو لم يسبح كان مسيئا إن كان متعمدا، ولو كان ساهيا فعليه السهو؛ لأن القيام في الأخريين مفقود قبلها إخلاؤه عن الذكر والقراءة جميعا، كما في الركوع والسجود. وعن أبي يوسف: يسبح فيها ولا يسكت إلا أنه إذا أراد قراءتها جميعا كما في الركوع فليقرأها على جهة الثناء لا القراءة. وقال أبو جعفر: قرأ الدعاء، وفي " المجتبى ": ويخير المصلي بين قراءتها والتسبيح والسكوت ولا يلزمها السهو. م: (على ما يأتيك من بعد إن شاء الله تعالى) ش: في باب النوافل. فإن قلت: كلمة على هاهنا معناها وبذلك متعلق. قلت: لكلمة على معان: منها أن تكون للاستدراك والإخبار كما في قولك: فلان فقير جدا على أنه كريم وهاهنا كذلك؛ لأنه أخبر أولا أن القراءة فرض في الركعتين ولكنه لم يبين وجهه، ثم استدرك أنه يبينه فيما يأتي، وأما متعلقه فمحذوف تقديره والتحقيق على ما يأتيك، أو البيان في فريضة القراءة في الركعتين على ما يأتيك فافهم، فإن هذا الكلام في هذا المقام من الأنوار الإلهية التي يخص بها بعض الأنام. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجلس في الأخيرة) ش: أي في القعدة الأخيرة م: (كما جلس في الأولى) ش: أي كجلوسه في القعدة الأولى مفترشا غير متورك، وإنما قال في الأخيرة دون الثانية يشمل قعدة الفجر وقعدة المسافر؛ لأنها آخره وليست ثانية، وفيه خلاف الشافعي ومالك - رحمهما الله - كما بيناه. م: (لما روينا من حديث وائل) ش: بن حجر م: (وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: عند قوله هكذا وصفت عائشة قعود رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإن قلت: هذا سهو من المصنف؛ لأنه لم يذكر فيما تقدم إلا عن عائشة. قلت: ذكر المصنف فيما تقدم في الجلوس شيئين ذكر بعضها عن عائشة وبعضها عن وائل وهاهنا كذلك. فإن قلت: إنما أراد بذلك هيئة الجلوس، وافتراش اليسرى، ونصب اليمني، وهذا لم يتقدم إلا عن
[الصلاة على النبي في التشهد الأخير]
ولأنها أشق على البدن، فكان أولى من التورك الذي يميل إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي يرويه «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قعد متوركا» ضعفه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو يحمل على حالة الكبر، وتشهد، وهو واجب عندنا، وصلى على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وهو ليس بفرض عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما ـــــــــــــــــــــــــــــQعائشة. قلت: لا يمنع أن يريد بقوله: كما جلس في الأولى عدم الحالات التي أذكرها. ثم خصص في التعليل منها هيئة الجلوس. م: (ولأنها) ش: أي؛ ولأن الجلسة على تلك الصفة م: (اشق على البدن فكان أولى من التورك) ش: وهو أن يضع إليتيه على الأرض ويخرج رجليه من الجانب الأيمن، وهذه الهيئة أخف من الهيئة التي اختارها وأفضل العبادة أشقها. م: (الذي يميل إليه) ش: أي إلى التورك م: (مالك) ش: بن أنس وهو مذهبه كما ذكرنا. م: (والذي يرويه أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (قعد متوركا) ش: يعني في قعدته في الصلاة م: (ضعفه الطحاوي) ش: هذه الجملة خبر المبتدأ، أعني قوله: والذي وهو جواب عن حديث الثوري الذي رواه عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الزهري، وفي حديثه حتى إذا كان السجدة التي في آخرها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر، وضعفه الطحاوي؛ لأن عبد الحميد ضعيف عند نقلة الحديث، وقد بيناه مستقصى فيما تقدم. م: (أو يحمل على حالة الكبر) ش: جواب آخر عن الحديث المذكور وهو على طريق التسليم يعني ولئن سلمنا أن حديث عبد الحميد صحيح فهو محمول على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما تورك بعدما كبر وأسن. م: (وتشهد) ش: يعني قرأ التحيات لله.. إلخ في القعدة الأخيرة أيضا م: (وهو واجب عندنا) ش: أي التشهد واجب عندنا، وعند مالك سنة فيه وفي القعود الأول معه، وعند الشافعي ركن فيه مع جلوسه بخلاف التشهد الأول، فإنه سنة عنده مع جلوسه. وقال أحمد: التشهد واجب ولم يقل ركن كالثاني عنده، وقال أبو البقاء: الواجب دون الركن عند أحمد، وكل ركن واجب وليس كل واجب ركنا. [الصلاة على النبي في التشهد الأخير] م: (وصلى على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) : ش: أي على طريق السنة، وهو عطف على قوله: وتشهد م: (وهو ليس بفرض عندنا) ش: في الصلاة وتذكير الضمير باعتبار المذكور، وهو قوله - وصلى على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما) ش: أي في التشهد والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ودل على التشهد قوله: - وتشهد - وعلى الصلاة قوله: وصلى.
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قلت هذا أو فعلت فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا قلت هذا أو فعلت فقد تمت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "سننه " واستقصينا الكلام فيه جدا في أول باب صفة الصلاة، والخطاب في - وقلت، وفعلت، وشئت، شئت - لابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فيه الصلاة عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولأنه لما علم الأعرابي فرائض الصلاة لم يعلمه إياها، ولو كانت فرضا لعلمه. فإن احتج الشافعي بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) . فنقول الأمر مطلق فلا يجوز تقييده بحالة الصلاة لئلا يلزم بطلان صيغة الإطلاق، والأمر لا يقتضي التكرار فيجب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العمر مرة واحدة سواء كانت في الصلاة أو في غيرها، وإن احتج بما رواه ابن ماجه، عن ابن عباس بن سهل الساعدي، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار» ، رواه الحاكم في " المستدرك ". فنقول: هذا حديث ضعيف، وعبد المهيمن ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وأخرجه الدارقطني، عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده مرفوعا بنحوه، قالوا: هذا وحديث عيد المهيمن سواء، وتكلم في أبي بن عباس، فمنهم الإمام أحمد، والنسائي، وابن معين، والعقيلي، والدولابي وليس علمنا صحته فهو محمول على نفي الكمال. فإن احتج بحديث أبي سعيد الأنصاري، أخرجه الداراقطني عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر [عن أبي مسعود الأنصاري] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاة لم يصل علي فيها ولا على أهل بيتي لم يتقبل منه» " فنقول: جابر ضعيف، وقد اختلف عليه فوقفه تارة، ورفعه أخرى. فإن احتج بما رواه البيهقي، عن يحيى بن السباق، عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"، ورواه الحاكم في " المستدرك» "
[حكم الصلاة على النبي خارج الصلاة]
والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خارج الصلاة واجبة إما مرة واحدة كما قال الكرخي، أو كلما ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما اختاره الطحاوي، فكفينا مؤنة الأمر والفرض المروي في التشهد هو التقدير. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال: إسناده صحيح متصل. فنقول فيه رجل مجهول، وقال القاضي عياض في " الشفاء " وقد شذ الشافعي فقال من لم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأخير فصلاته فاسدة وعليه الإعادة ولا سلف له في هذا القول، ولا سنة يتبعها، وقد أنكر عليه هذا القول جماعة وشنعوا عليه منهم الطبري والقشيري، وخالفه من أهل مذهبه الخطابي، وقال: لا أعلم له فيها قدوة. [حكم الصلاة على النبي خارج الصلاة] م: (والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خارج الصلاة واجبة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: م: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) ، لكن م: (إما مرة واحدة كما قاله الكرخي) ش: لأن الأمر لا يقتضي التكرار م: (أو كلما ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أو واجبة كلما ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وسمعه م: (كما اختاره الطحاوي) ش: وفي " شرح المجمع " و"الفتوى" عند عامة العلماء بالاستحباب كلما ذكر - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال فخر الإسلام في " الجامع الكبير ": تكرار اسمه واجب لحفظ السنة، إذا به قوام الدين والشرائع وفي إيجاب الصلاة عليه مدة العمر، وقيل في جوابه يجب التدخل كما في سجدة التلاوة إذا اتحد المجلس إلا أنه يستحب تكرار الصلاة بخلاف السجود. وفي " المجتبى " واختلف في تكرار الوجوب في الصلاة عليه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا تكرر ذكره في مجلس واحد، والصحيح أنه يتكرر الوجوب وإن كرر، في " الجامع الأصغر " كرواية السجدة في مجلس واحد، وكذا في الصلاة، ولا يسن التهجد في المسجد لكل مرة، وفي الصلاة لكل مرة ولو تكرر اسم الله في مجلس واحد يكفيه ثناء واحد، وفي مجلسين لكل مجلس، ولو تركه لا يبقى عليه دينا لكن الصلاة علي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو ترك يبقى عليه دينا لأنه مأمور بالصلاة وغير مأمور بالثناء. قلت: كونه مأمورا بالثناء أظهر ولا يجب على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي على نفسه فكفينا مؤنة الأمر، هذا جواب عما قاله الشافعي أن الأمر للوجوب وخارج الصلاة غير مراد فتعين الصلاة. وتقريره أن يقال: نعم الأمر للوجوب ونحن نعمل بموجبه وهو الوجوب. إما بالصلاة عليه في العمر مرة كما قال الكرخي، أو كلما ذكر اسمه كما قال الطحاوي م: (فكفينا مؤنة الأمر) ش: يعني علمنا بموجبه والمؤنة الثقل. م: (والفرض المروي في التشهد هو التقدير) ش: أي لفظ الفرض الذي روي في تشهد ابن مسعود في حديثه الآخر هو بمعني التقدير، وهذا جواب عما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاء في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على
[الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام]
قال: ودعا بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة؛ لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثم اختر من ـــــــــــــــــــــــــــــQالله السلام على جبريل وميكائيل، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فقولوا التحيات لله..» إلى آخره فعلم بهذا أن التشهد فرض. وتقدير الجواب أن المراد بقوله: قبل أن يفرض، أي قبل أن يقدر لأن الفرض يأتي لمعان كثيرة منها: معني التقدير، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (البقرة: الآية 237) ، أي قدرتم. م: (قال: ودعا) ش: عطف على قوله وصلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بما شاء) ش: أي بالذي شاء م: (مما يشبه ألفاظ القرآن) ش: أراد به كون لفظ الدعاء موجودا في القرآن، وليس المراد حقيقة المشابهة؛ لأن القرآن معجز لا يشابهه شيء من كلام الناس، ومن ذلك قال في " المحيط و" الجامع الصغير " ادع في الصلاة بكل شيء من القرآن، ونقل عن الفضل أنه كان يقول: دعاء في القرآن إذا دعا بذلك لا يفسد صلاته ونقل عن الفضل أنه كان يقول: كل دعاء في القرآن إذا دعا بذلك لا يفسد صلاته، ونقل عن الفضل أنه كان يقول: كل دعاء في القرآن إذا دعا بذلك لا يفسد صلاته، كما إذا قال اللهم: اغفر لي ولوالدي؛ لأنه في القرآن. وكذلك إذا قال: اللهم اغفر لأبي، ولو قال؛ اغفر لأخي واغفر لزيد تفسد؛ لأنه ليس فيه. وعن الحلوائي لو قال: اللهم اغفر لأخي لا تفسد، ولو قال: اللهم ارزقني عدسا وبصلا تفسد؛ لأن عين اللفظ ليس فيه، ولو قال: اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها لا تفسد؛ لأن عينه في القرآن. وفي " المجتبى ": عما يشبه ألفاظ القرآن من الدعوات اللهم اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب، وقوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] (إبراهيم: الآية 40) وقوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] (الحشر: الآية 10) ، وقوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] (الأعراف: الآية 23) ، وقوله {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ} [آل عمران: 192] (آل عمران: الآية 192) . قلت: هذه كلها من القرآن، وكيف يقال فيها بما يشبه ألفاظ القرآن، اللهم أن يراد بها نفس الدعاء لا قراءة القرآن. [الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام] م: (والأدعية المأثورة) ش: بالنصب عطفا على ألفاظ القرآن، أي وبما يشبه الأدعية المأثورة أي المروية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويجوز جر الأدعية عطفا على القرآن؛ لأنه مجرور بإضافة ألفاظ إليه. ومن الأدعية المأثورة ما روي في " السنن " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول بعد التشهد: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» "، والأدعية المأثورة كثيرة. م: (لما روينا من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثم اختر من
الدعاء أطيبها وأعجبها إليك» ويبدأ بالصلاة على النبي عليه الصلاة السلام؛ ليكون أقرب إلى الإجابة، ولا يدعو بما يشبه كلام العباد، ـــــــــــــــــــــــــــــQالدعاء أطيبها وأعجبها إليك» ش: أشار بهذا إلى الحديث المتقدم عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها» فإذا كان وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخر الصلاة دعا لنفسه بما شاء، لا يتم دليله. وإن أراد بما في حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآخر ثم التخير من الدعاء أعجبه إليك فتدعو به، وفي رواية ثم يخير في المسألة ما شاء، فذلك لم يتم دليله ولا سيما عند البخاري لم يتخذ يعمل من الكلام ما شاء ذكره في الدعوات وفي الاستئذان، بل كل دليل للشافعي وحجة له في إباحة الدعاء بكلام الناس نحو: اللهم زوجني امرأة حسناء، أعطني بستانا أنيقا، ولو استدل المصنف بحديث أن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس لكان أصوب، ولم أر أحدا من الشراح حقق هذا الموضع، فأكثرهم يذكروا شيئا من ذلك، واعتذر بعضهم وقال: ولعله سقط من النسخ، وأراد به حديث: إن صلاتنا هذه.. الحديث. وهاهنا شيء آخر من السهو وهو تأنيث الضمير في قوله: - أطيبها وأعجبها - والصحيح من الروايات أطيبه وأعجبه - وقال الأترازي: ولئن صح بالتأنيث فعلى تأويل الدعوات أو الأدعية. قلت: عدم صحة الروايات بالتأنيث يمنع هذا التأويل، وكذلك أول الأكمل وقال صاحب " الدراية " تذكير الضمير في الرواية الموثوق بها وكذا بها وكذا لفظ " المبسوطين "، وفي بعض نسخ " الهداية " أطيبها وأعجبها بالتأنيث على تأويل الكلمة وليس بصحيح. قلت: هذا اعتذار حسن، والظاهر أن الأمر كما قال، ثم معنى قوله: أطيبه أحسنه، ومعنى أعجبه الذي يليق بخاطره. م: (ويبدأ بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ليكون أقرب إلى الإجابة) ش: أي دعائه بعد فراغه من التشهد بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ليكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابدأ بالثناء على الله بما هو أهله، ثم بالصلاة على محمد وسل حاجتك بعد ذلك؛ ولأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من خواص حضرته تعالى، ومن أتى باب الملك لسؤال شيء فلا بد من تحفة لخواص حضرته لينال شرف القبول، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من خواص خواصه، فلا بد من تحفة صلوات عليه. م: (ولا يدعو بما يشبه كلام العباد) ش: فسره أصحابنا لما لا يستحيل سؤاله من غير الله تعالى، نحو أعطني كذا، وزوجني امرأة، وما لا يشبه كلام الناس ما يستحيل سؤاله عنهم كقوله: الله اغفر لي، كذا في " الإيضاح ". وقال الفضلي: ما لا يوجد في القرآن تفسد صلاته، واستحال سؤاله من العباد أولا كذا في " الجنازية ".
تحرزا عن الفساد، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال بعض الشراح في قوله: ولا يدعو بما يشبه كلام العباد إشكال وهو أنه بعد ما قعد للتشهد لا يلحقها فساد، ويخرج منها بكلام الناس، قيل: يريد به فساد التحريمة حتى لا يجوز لغيره الاقتداء به بعده، وتقوية إصابة السلام أو فساد أصل الصلاة لو كان ترك سجدة. قلت: مراده إذا كان وجود ذلك قبل أن يقعد جاز التشهد؛ ولهذا قال في " الينابيع ": إن وجد ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد بطلت صلاته، وإن وجد بعده تمت وعليه يحمل إطلاق غيره. وقال ابن بطال: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز أن يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، أورد عليه «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سجوده أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» قال: وهذا مما ليس في القرآن، فسقط قول المخالف. قلت: ما أبعده من ذوق الفقيه، وما أقل ورعه، وأبو حنيفة لا يشترط أن يوجد ما يدعو به في القرآن، بل يشترط أن يدعو بما يشبه ألفاظه، ومن كان بهذا الفهم، وعدم علم الفقه خصمه كيف يقدم على ذكر مذاهب العلماء، فلا ينبغي لأحد أن يعتمد على نقله ولا يوثق بقوله. فإن قلت: روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إني لأدعو في صلاتي [......] حماري و [ .] . قلت: إن صح ذلك عنه يحمل على أنه ما بلغه الحديث أو تأوله. وقال أحمد: لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة والموافقة للقرآن، وإن لم تكن في القرآن، وهو قول النخعي، وطاوس. قال العذري من الشافعية: قيل: لا يجوز بما يطلب من الآدميين، وحكى إمام الحرمين عن والده أنه كان يميل إلى منع أن يقول: اللهم ارزقني خادمة صفتها كذا، وبه تبطل الصلاة. وقال النووي في " شرح المهذب ": يجوز أن يدعو في الصلاة بكل ما يجوز خارجها من أمر الدنيا ويقول: اللهم ارزقني مالا ودارا وبستانا أنيقا، وكسبا طيبا، جارية حسناء صفتها كذا وكذا حيثما يريد هو يطلبه ويشتهيه، وخلص فلانا من السجن وأهلك فلانا ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك، وبه قال أبو ثور، وإسحاق، ومالك. وقال ابن سيرين: يجوز الدعاء في المكتوبة بأمر الآخرة، فأما الدنيا فلا. م: (تحرزا عن الفساد) ش: أي تحرزا عن فساد الصلاة أو فساد التحريمة. وقال السغناقي: أي تحرزا عن فساد الجزء الملاقي لكلام الناس لا جميع الصلاة بالاتفاق؛ لأنه بعد التشهد، هذا عندهما ظاهر، وكذا عند أبي حنيفة؛ لأن كلام الناس صنع منه فتعم صلاته لوجود الصنع.
[كيفية الصلاة على النبي]
ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ، وما لا يستحيل سؤاله من العباد كقوله: اللهم زوجني فلانة يشبه كلامهم، وما يستحيل كقوله: "اللهم اغفر لي" ليس من كلامهم، وقوله: "اللهم ارزقني" من قبيل الأول، هو الصحيح، لاستعمالها فيما بين العباد، يقال: رزق الأمير الجيش. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ) ش: عند الرواة المقبول بينهم. م: (وما لا يستحيل سؤاله من العباد كقوله: اللهم زوجني فلانة) ش: أشار بهذا إلى بيان ما يستحيل وما لا يستحيل، ونظر لما لا يستحيل بقوله: اللهم زوجني فلانة فإنه لا يستحيل سؤاله من العباد. م: (يشبه كلامهم) ش: أي فيه كلام العباد فتبطل صلاته بذلك إذا كان قبل قعوده قدر التشهد كما ذكرنا. م: (وما يستحيل كقوله: "اللهم اغفر لي" ليس من كلامهم) ش: فلا تبطل صلاته م: (وقوله: "اللهم ارزقني" من قبيل الأول) ش: أي من قبيل مالا يستحيل سؤاله من العباد فلا يجوز الدعاء بهذا اللفظ م: (هو الصحيح) ش: فإذا كان من قبيل الأول تفسد صلاته، وقيل لا تفسد؛ لأن الرزاق هو الله تعالى وهو موجود في القرآن، وذكره في " المبسوط " م: (لاستعمالها فيما بين العباد) ش: أي لاستعمال هذه الكلمة بين العباد وبين ذلك بقوله م: (يقال: رزق الأمير الجيش) ش: فإذا كان كذلك فلا يجوز الدعاء به. وقال الأترازي فيه نظر عندي؛ لأن ما بعد التشهد موضع الدعاء، وهذا دعاء فيجوز بخلاف قوله: اللهم زوجني فلانة؛ لأنه يشبه كلام الناس فاعتبر من كلامهم. قلت: فيه نظر؛ لأن ما بعد التشهد لا يضر اللهم زوجني فلانة ونحوه كما قررناه عن قريب. وقال الأترازي أيضا: أما قولهم: رزق الأمير الجيش فلا نسلم أن إسناد الرزق إلى الأمير حقيقة، بل هو مجاز، قلنا: الرزق في اللغة ما ينتفع به قاله الجوهري، والرزق: العطاء أيضا فعلى هذا الإسناد المذكور حقيقة لا مجازا. [كيفية الصلاة على النبي] 1 فروع اختلفوا في كيفية الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وعن كعب بن عجرة قال: قلنا: يا رسول الله أمرنا أن نصلي عليك، وأن نسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: "اللهم صلي على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» رواه الجماعة. «وعن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك قال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه. «وعن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فسكت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولوا» :.. فذكر بمعني حديث كعب بن عجرة، زاد في آخره: «في العالمين إنك حميد مجيد» أخرجه مسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عدهن في يدي وقال: عدهن جبريل في يدي، وقال: "هكذا نزلت من عند ربي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ... إلى اللهم سلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . «وعن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد» . وحكي عن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره قول المصلي: وارحم محمدا إلخ، وكان يقول: هذا نوع ظن بنقص الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فإن أحدا لا يستحق الرحمة إلا ما سيأتي قائلا عليه ونحن أمرنا بتعظيمهم؛ ولهذا لو ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يقال: رحمة الله عليه، بل يصلي عليه، وفي " مبسوط السرخسي ": لا بأس به؛ لأن الأمر ورد به من طريق أبي هريرة، ولا عيبة على من اتبع الأثر؛ ولأن أحدا لا يستغني عن رحمة الله. فإن قلت: كيف قال: كما صليت على إبراهيم المشبه دون المشبه به، وهو أكرم على الله من إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟. قلت: أجابوا بأجوبة. الأول: كان ذلك قبل أن يبين الله حاله ومنزلته، وإذا قال له رجل: يا خير البرية، فقال له: "ذلك إبراهيم" فلما أثنى الله منزلته، وكشف عن مرتبته في الدعوة، وإن كان قد أظهر المزيد. الثاني: أن ذلك تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر، كما في قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] (البقرة: الآية 183) ، أن المراد بأصل الصيام لا عليه ولا وقته. الثالث: أنه سؤال للتسوية مع إبراهيم فيها ويزيد عليه بغيرها. الرابع: أن التشبيه وقع في الصلاة على الأول لا عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان قوله: اللهم صل على محمد مقطوعا من التشبيه، وقوله: وعلى آل محمد متصلا بقوله: كما صليت على إبراهيم وعلى آل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإبراهيم. الخامس: أشبه الصلاة على محمد بالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، ومعظم الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - هم آل إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإذا تقابلت الجملة بالجملة، وتعذر أن يكون لآل الرسول بآل إبراهيم الذين هم الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كان ما يعرفه من ذلك حاصلا للرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فيكون زائدا على الحاصل لإبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان ومن كان في حقه البشر كان أفضل. السادس: أن التشبيه وقع في دعاء لا خبر. السابع: أنه في الدوام. الثامن: أنه سأل صلاة [....] خليل فلم يمت حتى أعطيها قبل موته. التاسع: شرع ذلك لأمته لينالوا بذلك فضله. العاشر: أن هذه الصلاة أمر بها التكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصل، فإذا اقتصر في حق كل صلاة حصول صلاة مستوية للصلاة على إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان الحاصل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنسبة إلى مجموع الصلوات أضعافا مضاعفة، فلا ينتهي إليه العدد والإحصاء. فإن قلت: لم خص إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من بين سائر الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وذكرها في الصلاة؟ قلت: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين وسلم على كل نبي ولم يسلم منهم أحد على أمته غير إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأمرنا النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة مجازاة على إحسانه. فإن قلت: نحن أمرنا بالصلاة عليه، ثم نقول: اللهم صل على محمد، فأين صلاتنا نحن بأنفسنا. قلت: النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طاهر لا عيب فيه، ونحن فينا العيوب والنقائص فكيف يثني من فيه عيب على طاهر، فقال: أمرنا الله أن نصلي عليه؛ لتكون الصلاة من غير طاهر على نبي طاهر. فإن قلت: ما معني سؤالنا الصلاة عليه من الله تعالى؟ قلت: معناها اللهم أعظمه في الدنيا بإعلام كلمته ودوام شريعته، وفي الآخرة برفع درجته وتعظيم أجره.
[الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض]
ثم يسلم عن يمينه، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويسلم عن يساره مثل ذلك، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الحكم لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض] 1 فروع أخر: لو ترك بعض التشهد وأتى بالبعض يجوز في ظاهر الرواية، وقيل: يجوز على قول أبي يوسف، ولا يجوز على قول محمد ذكره المرغيناني، وإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دعا لنفسه وللمؤمنين وللمؤمنات، ولوالديه المؤمنين ولا يخص نفسه بالدعاء، وقراءة الأدعية المأثورة التي فيها صورة الأمر مستحبة. وقالت الظاهرية: تعد الصلاة بذكرها عندهم رجوعا إلى ظاهر الأمر. م: (ثم يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله) ش: أي بعد فراغ المصلي من التشهد والصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والدعاء لنفسه وللمؤمنين يسلم، والحكمة فيه أن السلام سنة لمن حضر القوم بعد غيبة عنهم، والقادم على حضرة رب العالمين مشتغلا بمناجاته بمنزلة الغائب عن الخلق، ويحضرهم عند التحليل، والسلام سنة من حضرهم بعد الغيبة عنهم، وشرطوا كل مقيم بفرض أو سنة أن يقول العمل بالسنة؛ لأن يؤم الأعمال بها وأنه مخاطب القوم المشاركين له في الصلاة فينوبهم على ما يجيء مزيد الكلام فيه عن قريب. وفي " المحيط" و" المرغيناني ": المختار أن يكون السلام في التشهد والتسليم بالألف واللام، وتكون الثانية أخفض من الأولى، ولو سلم عن يساره أولا يسلم عن يمينه ما لم يتكلم، ولا يعيد التسليم عن يساره، ولو سلم تلقاء وجهه يسلم على يساره وهو مروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الصحيح من قول أحمد، وقال النووي: لو سلم عن يساره أولا أجزأه، ويكره. ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره، أو تلقاء وجهه أجزأه، ويكون تاركا للسنة. ولو نكر السلام قال القاضي أبو محمد وغيره من المالكية: لا يجزئه وقيل: يجزئه. وفي " جمل النوازل ": لو قال: السلام ودخل رجل في صلاته لا يصير داخلا، فثبت بهذا أن الخروج لا يتوقف على عليكم، ولو سلم تلقاء وجهه يعيده. م: (ويسلم عن يساره مثل ذلك) ش: أي ويسلم عن يساره مثل ما سلم عن يمينه، وقال ابن المنذر: هذا قول أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال الشعبي، والثوري، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ونافع بن عبد الحارث، وإسحاق بن أبي ليلى، وأبو ثور، وأحمد. وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة فقط تلقاء وجهه، يميل به إلى يمينه شيئا قليلا، وروي ذلك عن ابن عمر، وأنس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهو قول مالك، والليث، والأوزاعي. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: والصحيح المشهور ونصه في الجديد مثل قول الجماعة، والثاني: تسليمة واحدة، قاله في القديم، والثالث: إن كان منفردا، أو في جماعة قليلة، ولفظه عندهم فواحدة، والاثنان قاله في القديم، والواحدة تلقاء وجهه حكي ذلك عن النووي.
لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المبسوط " عن ابن سيرين أن المقتدي يسلم ثلاث تسليمات إحداهن يرد سلام الإمام، وهذا ضعيف. م: (لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة واللفظ للنسائي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر» وفي لفظ أبي داود، وابن ماجه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى يرى بياض خده السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» وهو لفظ الترمذي إلا أنه ترك - «حتى يرى بياض خده» - ورواه ابن حبان " في صحيحه " ولفظه: «ثم يسلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن يمينه وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله، وكأني أنظر إلى بياض خديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. ورواه مسلم في "صحيحه «عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: كنت أرى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده» . وروي أحاديث في التسليمة الواحدة منها: ما أخرجه ابن ماجه، عن عبد المهيمن بن عباس، عن أبيه، عن جده «سهل بن سعد أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها» وقال الدارقطني: عبد المهيمن ليس بالقوي. وقال ابن حبان: بطل الاحتجاج به. ومنها: ما أخرجه ابن عدي في " الكامل "، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن الحسن، عن سمرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها» قال الدارقطني: قبل وجهه. وقال عبد الحق: عطاء ضعيف قدري. ومنها ما أخرجه البيهقي في " المعرفة " من حديث حميد عن أنس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم تسليمة واحدة» . ومنها: ما أخرجه الترمذي، وابن ماجه، عن زهير بن محمد، عن هشام بن عروة، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة بتلقاء وجهه»
وينوي في الأولى من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة، وكذلك في الثانية؛ لأن الأعمال بالنيات، ـــــــــــــــــــــــــــــQورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرط الشيخين، قال صاحب " التنقيح ": وزهير بن محمد وإن كان من رجال الصحيحين لكن له مناكير، وهذا الحديث منها. وقال أبو حاتم: هو حديث منكر، وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": وزهير بن محمد وإن كان معه ثقة، لكن عمرو بن سلمة يضعفه قاله ابن معين، والحديث أصله الوقف على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هكذا رواه الحفاظ، وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": لم يرفعه إلا زهير بن محمد وحده، وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به. وأجاب بعض أصحابنا عن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بأنها كانت تقف في صف النساء. وعن حديث سهل بأنه كان من جملة الصبيان فيحمل على أنهما لم يسمعا التسليمة الثانية مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسلم الثانية أخفض من الأولى. وقال النووي: لا يقبل تصحيح الحاكم حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة شيء ثابت. وأجاب بعضهم عن أحاديث التسليمة الواحدة بأنها محمولة على الجواز، وأحاديث التسليمتين على بيان الفضل والكمال، وبعضهم قال في أحاديث التسليمتين زيادة صحيحة وهي مقبولة من العدل: م: (وينوي في الأولى) ش: أي في التسليمة الأولى ولا بد من النية؛ لأن السلام قربة وهي لا تكون إلا بالنية م: (من على يمينه) ش: بفتح الميم في محل النصب؛ لأنه مفعول ينوي م: (من الرجال والنساء والحفظة) ش: كلمة من للبيان، والحفظة جمع حافظ وهم الملائكة، وإنما قدم بني آدم على الحفظة اتباعا " للجامع الصغير " و" القدوري " وفي الأصل قدم الحفظة على بني آدم. وقال الأترازي: وفي تقديم بني آدم تنبيه على أنهم أفضل من الملائكة وهو المذهب عند أهل السنة خلافا للمعتزلة. قلت: هذا ليس على الخلاف، وإنما فيه تفصيل على ما عرف في موضعه، وفي " الدراية ": ظن بعض مشايخنا أن ما ذكر في " المبسوط " بناء على قول أبي حنيفة الأول في تفضيل الملائكة على البشر، وما ذكر في " الجامع الصغير " بناء على قوله الآخر في تفضيل البشر عليهم، وليس كما ظن؛ لأن الواو لا توجب الترتيب، وإن سلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب النية. م: (وكذلك في الثانية) ش: أي وكذلك ينوي من عن يساره من الرجال والنساء والحفظة في التسليمة الثانية م: (لأن الأعمال بالنيات) ش: والسلام عمل فلا بد من النية.
ولا ينوي النساء في زماننا ولا من لا شركة له في صلاته، هو الصحيح؛ لأن الخطاب حظ الحاضرين. ولا بد للمقتدي من نية إمامه، فإن كان الإمام من الجانب الأيمن أو الأيسر نواه فيهم، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: منعتم اشتراط النية في الوضوء مع وجود هذا الحديث، فكيف استدللتم به. قلت: إما استئنافا عن العمل به هناك لاستلزمه الزيادة على الكتاب، وهاهنا ما جعلناها شرطا، وإنما أخذنا بظاهر لفظه على النية فلا يلزم ذلك المحذور. م: (ولا ينوي النساء في زماننا) ش: لعدم حضورهن الجماعات؛ لأنهن منعن من ذلك في هذا الزمان؛ لظهور الفساد. فلا يصح خطاب الغائبين، وقيل: ينوي بالتسليمتين جميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأن بالتحريم حرم عليه الكلام، وهو اختيار الحاكم الشهيد، وفي " التحفة ": وهو اختيار الحاكم الخليل. قال شمس الأئمة: هذا عندنا في سلام التشهد، أما سلام التحليل فيخص الحاضرين لأجل الخطاب. قلت: وعلى هذا ينبغي أن ينوي المؤمنين من الجن أيضا، وقد مضت الشافعية على هذا في كتبهم، ومذهب أهل السنة اعتقاد وجودهم. م: (ولا من لا شركة له في صلاته) ش: أي ولا ينوي أيضا من لا شركة له في صلاته م: (هو الصحيح) ش: واحترز به عن قول الحاكم الخليل: أنه ينوي من يشارك ومن لا يشاركه في صلاته. وقال ابن عبد البر في "جامعه ": هذا شيء تركه جميع الناس؛ لأنه قل ما ينوي أحد قط. وفي " المجتبى ": قيل: ينوي بالسلام الأول الحضور. وفي الثاني جميع عباد الله الصالحين. وقيل: ينوي بهما جميع عباد الله المؤمنين. وقيل: لا ينوي الفسقة وكفى بالفسقة مبعدة وشنأ حيث لا نصيب لهم في الدنيا من سلام المصلين، والأولى أن يقدم الحفظة لفضلهم أو لقربهم أو لكونهم أحق بالدعاء لعصمتهم عن الكبائر والصغائر. قلت: هذا مذهب المعتزلة. م: (لأن الخطاب حظ الحاضرين) ش: هذا التعليل يتأتى في النساء لأنهن منعن عن الحضور في هذا الزمان، ولا يتأتى فيمن لا شركة له في الصلاة؛ لأن عدم الشركة في الصلاة لا يستلزم الغيبة. م: (ولا بد للمتقدي من نية إمامه) ش: لأنه قدامه وهو أكثر استحقاقا من غيره، وقوله: "لا بد" ليس للدلالة على وجوب نية إمامه وتخصيص الإمام بالذكر، يؤيد قول من يقول: إنه ينوي من يشاركه في الصلاة دون غيره كذا في " الجامع الصغير " للقاضي خان، وابن سيرين شرط التسليمة لرد سلام الإمام، وقلنا: إنه ضعيف فإن مقصود الرجل حاصل بالتسليمتين؛ إذ لا فرق في الجواب بين أن يقول: عليكم السلام وبين أن يقول السلام عليكم، قال السغناقي: في هذه الرواية مما تحفظ فإن جواب السلام لا يفارق بين تقديم السلام عليكم وبين تأخيره. م: (فإن كان الإمام من الجانب الإيمن) ش: الفاء للتفصيل أي في الجانب الأيمن من المقتدي م: (أو الأيسر) ش: أي أو كان الإمام في الجانب الأيسر من المتقدي م: (نواه فيهم) ش: أي نوى الإمامة
وإن كان بحذائه نواه في الأولى عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترجيحا للجانب الأيمن، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - نواه فيهما؛ لأنه ذو حظ من الجانبين، والمنفرد ينوي الحفظة لا غير؛ لأنه ليس معه سواهم. والإمام ينوي بالتسليمتين، هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQفي الجملة القوم الذين في الجانب الأيمن أو الأيسر م: (وإن كان بحذائه) ش: أي وإن كان المقتدي بحذاء الإمام لم يذكر في " الجامع الصغير " ذكره المصنف بقوله م: (نواه في الأولى عند أبي يوسف) ش: أي نوى الإمام في التسليمة الأولى عند أبي يوسف م: (ترجيحا لجانب الأيمن) ش: إذ اليمين في الأيمن، وكذلك كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب التيامن في كل شيء، وكذلك يؤتى أهل الجنة الصحف بأيمانهم وهو اختيار الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - نواه فيهما) ش: أي نوى المقتدي الإمام فيهما أي في اليمين واليسار، وقال الشافعي: ينويه في أيهما شاء، ويستحب جانب الأيمن م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (ذو حظ من الجانبين) ش: يعني له جانبان يستوجب الحظ من كل منهما. م: (والمنفرد ينوي الحفظة لا غير؛ لأنه ليس معه سواهم) ش: وقال الحاكم: ينوي جميع المسلمين في الدنيا، ثم قيل: الحفظة اثنان: أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي يكتب عن يمينه بغير شهادة صاحبه، والذي عن يساره لا يكتب إلا بشهادة من صاحبه إن قعد فأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وإن مشى فأحدهما أمامه والآخر خلفه، وإن قام فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يذكر صيغة اثنين، ولم يذكرهما بالجمع وأعاد الضمير إليهم بالجمع. قلت: إما باعتبار ما قيل: إنهم أربعة: اثنان بالنهار واثنان بالليل، وعن عبد الله بن المبارك خمسة: اثنان بالنهار، واثنان بالليل، والخامس لا يفارقه ليلا، ولا نهارا، وإما باعتبار أن الاثنين يطلق عليهما الجمع كما في قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (التحريم: الآية 4) والمراد قلباكما ومع هذا المراد من قوله: الحفظة هم الملائكة الموكلون ببني آدم بدليل قوله فيما بعد: وينوي في الملائكة عددا محصورا، غير أن أعمالهم مختلفة منهم الكتبة، ومنهم الحفظة على ما نبينه. م: (والإمام ينوي بالتسليمتين) ش: أي ينوي القوم والحفظة في التسليمة الأولى والثانية م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما قال بعضهم في " الجامع الصغير " أنه ينوي بالتسليمة الأولى ترجيحا لجانب الأيمن والأصح الجمع؛ لأنه لا يمكن فلا يصار إلى الترجيح. وقال أبو اليسر: لا يجب أن ينوي الإمام؛ لأنه يجهر بالتسليمتين ويشير إليهم، وهو فوق النية فلا حاجة إليها.
ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا؛ لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت، فأشبه الإيمان بالأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا) ش: لاختلاف العدد الواقع في عدد الملائكة الذين وكلوا ببني آدم، وأخرج الطبراني في "معجمه " عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر له من ذلك، عليه سبعة أملاك يذبون عنه كما يذبون عن قصعة العسل الذباب في اليوم الصائف، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» ". وروى الطبراني أيضا عن بعضهم قال: «دخل عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه ملك؟ فقال: "على يمينك ملك؟ وعلى حسناتك وهو أمين على الملك الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أكتب؟ فيقول: لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثا، قال: نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين ما أقل مراقبته إلى الله، وأقل استحياؤه منا، يقول الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] (ق: الآية 18) ، وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] (الرعد: الآية 11) ، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان منك إلا الصلاة على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل بني آدم يتبدلون ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل» " انتهى. م: (لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت) ش: أي في عدد الملائكة الموكلين ببني آدم كما ذكرنا م: (فأشبه الإيمان بالأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -) ش: أي فأشبه حكم هذا حكم الإيمان بالأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - حيث يقال في كلمة الإيمان آمنت بجميع الأنبياء أولهم آدم وآخرهم محمد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - ولا يعد عددا محصورا لئلا يلزم دخول من لم يكن منهم فيهم. لأن في نبوة بعض الأنبياء خلافا كما في ذي القرنين ولقمان، قيل: هما نبيان وأكثرهم على أنهما ليسا بنبيين، ولقمان حكيم، وذو القرنين ملك صالح. وقيل: عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت: في تعليله نظر، وروي «عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: "مائة وأربعة وعشرون ألفا» . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن مردويه في
ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا، وليست بفرض. خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يتمسك بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» ، ولنا ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ"تفسيره ". م: (ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا) ش: قال في " المحيط ": وهو الأصح، وقيل: سنة وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال سعيد بن المسيب، والنخعي، والثوري، والأوزاعي ويصح الخروج من الصلاة بدونها، وعن ابن القاسم إذا أحدث الإمام متعمدا قبل السلام صحت صلاته. م: (وليست بفرض خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنها عنده فرض وبه قال أحمد، وقال الثوري: لو أحدث بحرف من حروف السلام عليكم لم يصح سلامه كما لو قال: السلام عليك، أو سلامي عليك أو سلام الله عليكم، أو السلام عليهم، فإنه لا يجزئه بلا خلاف، وتبطل صلاته إن تعمد، وهذا منه ظاهر محض، ولو قال: عليكم السلام ففيه وجهان، وقال الوردي قولان، والصحيح أنه يجزؤه، ولو سلم التسليمتين واحدة أو بدأ باليسار قبل اليمين أجزأه مع الكراهة فقد ترك الظاهرية في هذه الصورة واعتبر المعنى. م: (وهو يتمسك) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحتج م: (بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ش: فقد تقدم في أول باب صفة الصلاة أن هذا الحديث رواه علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن زيد، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - واحتج به المصنف هناك على شرطية تكبيرة الإحرام، وهنا احتج به الشافعي على فرضية السلام ووجه ذلك أنه لما قال: تحريمها التكبير كان لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالتكبير فكذلك قوله: وتحليلها التسليم - أي لا يخرج من الصلاة إلا به، وأجاب عنه السروجي بأنه ضعيف وكذلك قال صاحب " الدراية " وتعلق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا الحديث لا يصح إذا مداره، على عبد الله بن محمد بن عقيل، وعلى أبي سيعد طريف بن شهاب، وكلاهما ضعيف الرواية عند نقلة الحديث. قلت: ليس كذلك فإن الترمذي لما رواه قال هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسنه، وأيضا فلا وجه أن يستدل بحديث في موضع ويتركه في موضع آخر مدعيا ضعفه ويتبين عن قريب الوجه في ذلك. م: (ولنا ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وقد ذكره في أول باب الصلاة عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذكرنا هناك أن أبا داود أخرجه في "سننه " وأحمد في "مسنده " والحاكم في "مستدركه"، واستدل به المصنف هناك في فرضية القعدة الأخيرة في الصلاة واستدل به هاهنا على أن إصابة لفظه واجب فقال:
والتخيير ينافي الفرضية والوجوب إلا أنا أثبتنا الوجوب بما رواه احتياطا وبمثله لا تثبت الفرضية والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والتخيير ينافي الفرضية والوجوب) ش: أي التخيير الذي يفهم من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك ينافي بقاء الفرض أو الواجب عليه م: (إلا أنا أثبتنا الوجوب) ش: أي وجوب السلام في آخر الصلاة م: (بما رواه) ش: أي بما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بالحديث المذكور م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط في ترك العمل به بالكلية فقلنا بوجوب السلام به ولم يقل بفرضيته؛ لأنها تثبت بخبر الواحد، وهو معني قوله م: (وبمثله) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي هو خبر واحد م: (لا تثبت الفرضية) ش: لأن الفرض لا يثبت إلا بدليل قطعي والواجب دون الفرض فيثبت بخبر الواحد، وقد استدل الأترازي في وجوب السلام بقوله: وإنما قلنا بوجوب إصابة لفظ السلام لمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يبين وجه استدلال المصنف به - وبحديث ما قاله ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر خمسا فلما أخبر - ثنى رجله فسجد سجدتين فقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم» . فإن قلت: لم لا تقيس التحليل على التحريم نجعل كليهما فرضا. قلت: لا يصح القياس؛ لأن الذي يقع به التحريم وهو التكبير عبادة خالصة، وثناء محض مخصوص بصيغته ومحله؛ لأنه يؤدى مع استقبال القبلة فصلح فرضا. وأما السلام فتردد الشارحان [......] صلح ثناء لكن كونه خطابا للقوم أخرجه إلى كلام الناس، وكذلك كان محظورا في محظور في الصلاة، ويؤدى مع الانحراف عن القبلة، وأمره خروج من العبارة، فلما تردد أمره جعله فوق النفل دون الفرض، فكان واجبا، فلم يصح قياسه بالتكبير. فإن قلت: هاهنا إشكال على قول أبي حنيفة يقول الخروج من الصلاة بفعل المصلي فرض، وقد قال المصنف والتخيير ينافيه، فيكف يتم الاستدلال على مذهبه، قلت: قال الكرخي الخروج عنها بفعل المصلي ليس بفرض عنده، إذ لو كان فرضا لاختص بما هو قربة كالخروج من الحج، ولما كان الحدث العمد مخرجا قال شمس الأئمة: والصحيح ما قاله الكرخي، وقول أبي سعيد البردعي وأكثر المشايخ وهو أن الخروج منها بفعل المصلي فرض ليس بمنصوص عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والجواب على قول أبي سعيد إنما صار فرضا لأداء صلاة أخرى؛ لأن الأداء لا يمكن إلا بالخروج منها، فقال: فرضا لأجل صلاة أخرى لا لأجل هذا الاستدلال على مذهبهما فوق مذهب أبي حنيفة، وأبو حنفية يتمسك في المسألة بحديث الأعرابي حيث علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يذكر لفظ السلام، وبالقياس على التسليم الثاني فإنه ليس بفرض إجماعا. 1 - فروع: المسبوق يتابع الإمام في التشهد إلى قوله: عبده ورسوله بلا خلاف، وفي الزيادة ذكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالقدوري أنه لا يتابعه وإليه مال الكرخي وخواهر زاده، وروى إبراهيم بن رستم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يدعو بدعوات القرآن، وروى هشام عنه أنه يدعو بذلك ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: يسكت، وعنه هشام في قوله ومحمد بن شجاع البلخي أن يكرر التشهد إلى أن يسلم الإمام، قال: لا معنى للسكوت في الصلاة بلا استماع فينبغي أن يكرر التشهد مرة بعد مرة. قلت: يشكل عليهما بالقيام فإن المقتدي يسكت فيه من غير استماع، وقيل يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال بعضهم هو بالخيار إن شاء يأتي بالدعوات المذكورة في القرآن مثل الآيات التي أولها ربنا، وإن شاء صلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إذا سلم الإمام لا بالقيام وينظر هل يفعل الإمام بعض ما يشبه فإذا تيقن فراغه يقوم إلى قضاء ما سبق به ولا يسلم مع الإمام، قال البريد في نظمه: تمكث حتى تقوم الإمام إلى أن ... تطوعه إن كان بعدها تطوع ويستند إلى المحراب إن كان لا يتطوع بعدها، ولو قام قبل سلامه جازت صلاته ويكون مسيئا. وعند الشافعي يقوم بعد التسليمتين، نص عليه في " مختصر البويطي "، ولو قام بعد التسليمة الأولى جاز. ولم يذكر المصنف أن المقتدي متى يسلم، فعن أبي حنيفة روايتان، في رواية: يسلم مع الإمام كالتكبير، وفي رواية: يسلم بعد سلام إمامه، وقال الشافعي: المقتدي يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى، فلو سلم مقارنا بسلامه إن قلنا: إن نية الخروج بالسلام شرط لا يجزئه، كما لو كبر مع الإمام لا تنعقد له صلاة الجماعة، فعلى هذا تبطل صلاته، وإن قلنا: إن نية الخروج غير واجبة فتجزئه كما لو ركع معه، وفي وجوب نية الخروج عن الصلاة بالسلام وجهان، أحدهما: يجب، والثاني: لا يجب، كذا في "تتمتهم". وذكر في " المبسوط ": المقتدي يخرج من الصلاة بسلام الإمام، وقيل: هو قول محمد، أما عندهما يخرج بسلام نفسه. وتظهر ثمرة الخلاف من انتقاض الوضوء بسلام الإمام قبل سلام نفسه بالقهقهة، فعنده لا ينتقض.
[فصل في القراءة]
فصل في القراءة قال: ويجهر بالقراءة في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماما، ويخفي في الأخريين، هذا هو المأثور المتوارث، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في القراءة] [الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة والتي يسر فيها] م: (فصل في القراءة) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام القراءة في الصلاة، إنما جعل أحكام القراءة بفصل على حدة لزيادة أحكام تعلقت بها دون غيرها، ومن أحكامها: الجهر، ومنها: القرب، فالأول: يرجع إلى الصفات، والثاني: إلى الذات. وكان ينبغي تقديم ما بالذات على ما بالصفات، وهاهنا قدم بالعكس؛ لأن الجهر يتعلق بالأداء الكامل، والقدر يشتمل الكامل والناقص، فكان التعلق بالكامل الذي هو الأصل أولى بالتقديم. م: (ويجهر بالقراءة) ش: أي يجهر المصلي بالقراءة م: (في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان) ش: أي المصلي م: (إماما ويخفي في الأخريين) ش: أي في الركعتين الأخريين من العشاء، ولم يبينه على الأكثر من المغرب؛ لأنه يفهم من قوله: الأوليين في المغرب؛ لأن التنصيص عليه ينفي القراءة بالجهر في الثالثة. فإن قلت: فعلى هذا ما كان يحتاج إلى ذكر قوله: ويخفي في الأخريين. قلت: يكون ذلك للتأكيد. م: (هذا هو المأثور المتوارث) ش: أي الجهر في المواضع المذكورة والإخفاء فيما يخفى هو المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المتوارث من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، كما روى الدارقطني في "سننه " من حديث قتادة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أتى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بمكة حين زالت الشمس فأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت الصلاة عليهم، فقام جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمام النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقام الناس خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة، فأتم الناس برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يأتم بجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثم أمهل حتى دخل وقت العصر فصلى بهم أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة يأتم المسلمون برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأتم رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بجبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم أمهل حتى وجبت الشمس حتى صلى بهم ثلاث ركعات يجهر في الركعتين بالقراءة، ولا يجهر في الثالثة، ثم أمهل حتى ذهب ثلث الليل فصلى بهم أربع ركعات، يجهر في الأوليين بالقراءة، ولا يجهر في الأخريين بها، ثم أمهل حتى إذا طلع الفجر صلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة» .
[المنفرد هل يجهر بصلاته أم يسر فيها]
وإن كان منفردا فهو مخير إن شاء جهر وأسمع نفسه؛ لأنه إمام في حق نفسه، وإن شاء خافت؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه، والأفضل هو الجهر ليكون الأداء على هيئة الجماعة، ويخفيها الإمام في الظهر والعصر، ـــــــــــــــــــــــــــــQقال الدارقطني: ورواه سعيد عن قتادة مرسلا، وفيه مرسلان آخران أخرجهما أبو داود في "مراسليه " أحدهما عن الحسن، والآخر عن الزهري، وذكرهما عبد الحق في "أحكامه " من جهة أبي داود وقال: إن مرسل الحسن أصح. [المنفرد هل يجهر بصلاته أم يسر فيها] م: (وإن كان) ش: أي المصلي م: (منفردا فهو مخير إن شاء جهر وأسمع نفسه) ش: أسمع نفسه تفسير لقوله: "جهر"، قال تاج الشريعة: وقال السغناقي: إنما ذكر قوله: وأسمع نفسه معنيين أحدهما: لجواب سؤال مقدر، وهو أنه لما قال: إن شاء جهر أو رد عليه فقيل: يجب أن لا يجهر لعدم فائدة الجهر، فإنه للإسماع، وليس معه أحد يسمعه، فأجيب بأن فائدة الجهر حاصلة هاهنا أيضا بقدره وهو أن يسمع نفسه فيجهر لذلك. والثاني: ما ذكره فخر الإسلام في "مبسوطه ": لا يجهر كل الجهر؛ لأنه ليس معه أحد يسمعه، بل يأتي بأدنى الجهر فكان معناه على هذا إن شاء جهر وأسمع نفسه ولا يسمع غيره؛ لما أن التخصيص في الرواية يدل على نفي ما عداه في الغالب. قلت: كلام تاج الشريعة أوجه وأسد على ما لا يخفى. م: (لأنه) ش: أي المنفرد م: (إمام في حق نفسه) ش:؛ لأن الإمام يقرأ وهو أيضا يقرأ، والإمام غير مقتد بغيره فكذلك هذا م: (وإن شاء خافت؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه) ش: فليتخير ويسمع بضم الياء من الإسماع والضمير المستكن فيه يرجع إلى المنفرد والبارز يرجع إلى من. م: (والأفضل هو الجهر؛ ليكون الأداء على هيئة الجماعة) ش: وهذا لو أذن وأقام كان أفضل، وفي " الذخيرة ": الأفضل أن يجهر بها في الأصح، وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": لا يبالغ في الجهر مثل الإمام؛ لأنه لا يسمع غيره، وفي النوافل النهارية يخافت ويخير بالليل، وفي " المحيط ": والجهر أفضل؛ لأنها اتباع للفرائض فلا يتميز عليها، وفي " الذخيرة ": الأفضل في نوافل الليل بأن تكون بين الجهر والمخافتة. فإن قلت: إذا كان المنفرد إماما في حق نفسه، فلما أذن جازت المخافتة في حقه. قلت: لأن القراءة له دون غيره، فكانت مخافتته كجهره. [الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر] م: (ويخفيها الإمام) ش: القراءة م: (في الظهر والعصر) ش: لأن الأصل فيه أن الكفار كانوا مستعدين للأذى في الظهر والعصر فترك الجهر فيهما لهذا العذر، ثم ثبتت هذه السنة وإن زال
وإن كان بعرفة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة النهار عجماء» أي ليست فيها قراءة مسموعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQالعذر بكثرة المسلمين. فإن قلت: لماذا جهر في الجمعة والعيدين؟ قلت لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما صلاها إلا بالمدينة. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه " أن خباب بن الأرت كان يجهر بالقراءة في الظهر والعصر. وعن محمد بن مزاحم قال: صليت خلف سعيد بن جبير فكان الصف الأول يفقهون قراءته في الظهر والعصر، وكان الأسود وعلقمة يجهران بالقراءة في الظهر والعصر ولا يخفيان. وعن جابر سألت الشعبي والحكم وسالما والقاسم ومحمدا ومجاهدا وعطاء عن الرجل يجهر في الظهر والعصر؟ فقالوا: ليس عليه سهو. وعن قتادة: إن شاء جهر في الظهر والعصر ولم يسجد. وروى أبو حفص بن شاهين بإسناده عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالتفذ» ". وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن يحيى بن بشير «قالوا: يا رسول الله، إن هاهنا قوما يجهرون بالقراءة بالنهار، فقال: "ارموهم بالبعر» ". م: (وإن كان بعرفة) ش: كلمة إن للوصل أي وإن كان الإمام يصلي بعرفة، وعن مالك يجهر بالجمع بعرفات؛ لأنه يؤدي بجمع عظيم كما في الجمعة، والآن يأتي مستوفيا. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلاة النهار عجماء» ش: هذا ليس بحديث مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال النووي في " الروضة ": هذا باطل ليس له أصل، ورواه عبد الرزاق في مصنفه من قول مجاهد وأبي عبيدة قال معمر عن عبد الكريم الجزري قال: سمعت أبا عبيدة يقول: صلاة النهار عجماء، وقال مجاهد: صلاة النهار عجماء. وفي " الذخيرة " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: صلاة النهار عجماء، وجعل في المغربين، وفي " الفائق ": صلاة النهار عجماء من كلام الحسن البصرى، وإنما استدل به أصحابنا؛ لأن الحسن لما كان من القرن الأول وممن أدرك أكابر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جعلوا كلامه كالمسموع من الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. م: (أي ليست فيها قراءة مسموعة) ش: أي ليست في قراءة النهار قراءة بالجهر، والعجماء بالمد تأنيث الأعجم، شبهت بالعجماء من كونها أن الأعجم الذي لا يتكلم وتفسيره لهذا الاحتراز من قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه قال: لا قراءة في هاتين الصلاتين، فسر الحديث [لا] قراءة فيهما، ولنا رواية البخاري في "صحيحه «عن عبد الله بن سخبرة، قال: قلنا لخباب: هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بم كنتم تعرفون ذلك؟
[الجهر في الجمع بعرفة]
وفي عرفة خلاف لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحجة عليه ما رويناه. ويجهر في الجمعة والعيدين، لورود النقل المستفيض بالجهر وفي التطوع بالنهار يخافت، وفي الليل يتخير، اعتبارا بالفرد في حق المنفرد، وهذا لأنه مكمل له. ـــــــــــــــــــــــــــــQقال باضطراب لحيته» . [الجهر في الجمع بعرفة] م: (وفي عرفة خلاف لمالك) ش: هو يقول بالجهر بالجميع بعرفات م: (والحجة عليه ما رويناه) ش: أي الحجة على مالك ما رويناه وهو الذي ذكره صلاة النهار عجماء. قال الأكمل وأورد عليه بأنه ليس بحديث، وإنما هو من كلام الحسن البصري، ولئن سلم فهو عام خص منه الجمعة والعيدين فيجوز تخصيصها بالقياس على الجمعة وأجيب بأن أصحابنا ملأوا كتبهم ونقلوا أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يفسره بعدم القراءة وليسوا من أهل الأهواء والبدع، ولو ثبت إسناده عندهم لما فعلوا ذلك، فليس العيدان والجمعة مخصوصة؛ لأن الجمعة فرضت بالمدينة وكان نسخا لا تخصيصا، والنسخ بالقياس لا يجوز وكذا الأعياد. قلت: فيه نظر؛ لأن أهل الحديث أطبقوا على أن المذكور ليس بحديث مرفوع كما ذكرنا. [الجهر في الجمعة والعيدين] م: (ويجهر في الجمعة والعيدين لورود النقل المستفيض بالجهر) ش: أي النقل الشائع المنتشر، يقال: هذا حديث مستفيض أي منتشر، فمنه ما رواه الجماعة إلا البخاري من حديث حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » . ومنه ما رواه مسلم «عن أبي واقد الليثي قال سألني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما كان يقرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأضحى والفطر، فقال: كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد، واقتربت الساعة» وفي الثاني: كان يصلي خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الظهر فسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات. ومنه ما رواه البيهقي عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «الجهر في صلاة العيدين من السنة، والخروج في العيدين إلى الجبانة من السنة» . [تطوعات النهار سرية] م: (وفي التطوع بالنهار يخافت) ش: أي يخفي حتما حتى يكره الجهر للأثر المذكور م: (وفي الليل يتخير اعتبارا بالفرد في حق المنفرد) ش: أي وفي التطوع بالليل يخير المتطوع بين الجهر والإخفاء، ولكن الجهر أفضل، كذا في " المبسوط ". قلت: المنفرد كذلك أعني التخيير مع أفضلية الجهر فكذا هاهنا. م: (وهذا) ش: أي اعتبار المتطوع بالليل بفرض المنفرد م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التطوع م: (مكمل له) ش: أي للفرض. وروي أن العبد أول ما يحاسب عن الصلاة فإن كان ترك منها شيئا يقال: انظروا إلى عبدي هل تجدون له نافلة؟ فإن وجدت كملت الفرائض منها وأدخل الجنة.
فيكون تبعا له. ومن فاتته العشاء فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم فيها جهر، كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين قضى الفجر غداة ليلة التعريس بجماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فيكون تبعا له) ش: أي إذا كان التطوع مكملا للفرض، فيكون التطوع تبعا للفرض، والتبعية تستدعي أن يكون الحكم في التابع كالحكم في المتبوع فيما يصلح تبعا له، كالجندي يصير مقيما في المفازة لإقامة إمامه في المصر، وإنما قيدنا بقولنا فيما يصلح تبعا له احترازا عن حكم الجواز والفساد، فإنه إذا صلى الأربع قبل الظهر ثم شرع في الظهر وأفسدها لا يرى ذلك إلى فساد السنة قبلها، وإن كانت شرعيتها لتكميل الفرض أيضا لما كان لكل واحدة منهما تحريمة مبتدأة غير مبنية أحدهما على الأخرى. وقولنا غير مبنية احترازا عن صلاة المقتدي حيث تفسد بفساد صلاة الإمام وإن كانت لصلاة كل واحد منهما تحريمة مبتدأة. م: (ومن فاتته العشاء) ش: هذا إلى قوله: ومن قرأ في العشاء ليس في بعض النسخ، والصواب ذكرها، لما أن ذلك من أصل مسائل " الجامع الصغير " حيث قال فخر الإسلام في "جامعه ": هذه مسألة الكتاب والمصنف التزم ذكر مسائل قوله - ومن فاتته العشاء - أي صلاة العشاء م: (فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم فيها جهر) ش: أي بالقراءة وبه قال أبو ثور وأحمد وابن المنذر. م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حين قضى الفجر غداة ليلة التعريس بجماعة» ش: أي كما جهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقراءة حين صلى صلاة الفجر قضى غداة ليلة التعريس بجماعة، كما في حديث أبي قتادة، «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر بعد طلوع الشمس فيه وما أيقظهم إلا حرها، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين ثم صلى الغداة، فصنع كما صنع كل يوم» رواه مسلم وأحمد وفيه دليل على الجهر في قضاء الفوائت. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار "، أخبرنا أبو جعفر، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي قال: «عرس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال من يحرسنا الليلة؟ فقال رجل من الأنصار شاب: أنا يا رسول الله أحرسكم فحرسهم حتى إذا كان من الصبح غلبته عيناه فما استيقظوا إلا بحر الشمس فقام رسول الله فتوضأ وتوضأ أصحابه وأمر المؤذن فأذن وصلى ركعتين، ثم أقيمت الصلاة، فصلى الفجر بأصحابه وجهر فيها بالقراءة كما كان يصلي بها في وقتها» . وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم قال: «عرس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة بطريق مكة. فذكر الحديث في نومهم وقيامهم وصلاتهم، ثم قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء ما ردها، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فرغ إليها فليصلها في
وإن كان وحده خافت حتما، ولا يتخير، هو الصحيح؛ لأن الجهر يختص إما بالجماعة حتما، أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير، ولم يوجد أحدهما. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقتها» هذا والذي رواه محمد بن الحسن مرسلان، ففي رواية محمد التصريح بالجهر، وفي رواية مالك يمكن حمله على الجهر، ويمكن على استيفاء الأركان. قوله: - التعريس - نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال منه: عرس يعرس تعريسا، ويقال فيه: أعرس والعرس موضع التعريس، وبه سمي معرس ذي الحليفة عرس به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصلى فيه الصبح ثم رحل. م: (وإن كان وحده) ش: أي وإن كان الذي فاتته صلاة العشاء وصلى بعد طلوع الشمس وحده م: (خافت) ش: أي أخفى بالقراءة م: (حتما) ش: أي على وجه الحتم، أي الوجوب، والحتم مصدر حتمت عليه الشيء أي أوجبته م: (ولا يتخير) ش: أي بين الجهر والمخافتة. م: (وهو الصحيح) ش: أي الإخفاء هو الصحيح، واحترز به عما ذكر فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " أن المخافتة ليست بحتم، بل له أن يجهر إن شاء، والجهر أفضل وكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي، والتمرتاشي، والمحبوبي، وقاضي خان في شروحهم " للجامع الصغير "، وقال قاضي خان: ولو صلى وحده خافت؛ لأن الجهر سنة الجماعة والأداء في الوقت، ولا يجهر بعد خروج الوقت. وقال بعضهم: يخير فيها والجهر أفضل كما في الوقت وهو الصحيح؛ لأن القضاء يكون على وفق الأداء، وفي الأداء المنفرد يتخير والجهر أفضل، فكذا في القضاء، وقال الشافعي: لو فاتته صلاة الليل وأراد قضاءها بالنهار أو على العكس يعتبر وقت القضاء وهو ظاهر مذهبه، فإن قضى بالنهار يسر، وإن قضى بالليل يجهر. وقال بعض أصحابه يعتبر وقت الفوات، فإن كان في صلاة الليل جهر فيها، وإن كان في صلاة النهار أسر فيها كذا في تتمتهم. م: (لأن الجهر يختص إما بالجماعة حتما) ش: أي؛ لأن الجهر بالقراءة مخصوص أما في الصلاة بالجماعة على سبيل الحتم أي الوجوب م: (أو بالوقت) ش: أي وإما أن يختص بوقت الصلاة م: (في حق المنفرد وعلى وجه التخيير) ش: بين الجهر والإخفاء م: (ولم يوجد أحدهما) ش: أي أحد المذكورين وهما أي الجماعة والوقت في حق المنفرد وحاصله أن سبب الجهر إما الجماعة وذلك حتم، وإما الوقت وذلك فيه خيار للمنفرد بين الأمرين الجهر، والمخافتة، والمنفرد القاضي لا يوجد في حقه لا الجماعة ولا الوقت فلا يجهر. وقال الأترازي: قول صاحب " الهداية " ممنوع عندي بأن يقال: لا نسلم أن الجهر ينبغي مانعا
[حكم من قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بالفاتحة]
ومن قرأ في العشاء في الأوليين السورة، ولم يقرأ بفاتحة الكتاب، لم يعد في الأخريين، وإن قرأ الفاتحة ولم يزد عليها قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة. ـــــــــــــــــــــــــــــQما قال من السبب؛ لأن الحكم جاز أن يكون معلولا بعلل شتى، وكيف يقال مثل هذا؟ والقضاء يحكي الفائت والمنفرد كما سئل عن الجهر حال الأداء فكذا حال القضاء ألا ترى أنه يؤذن ويقيم في القضاء فكما في الأداء، قلت: أخذ الأكمل كلام الأترازي هذا ثم أجاب عنه بعبارة غير عبارته، فقال بعد ذكر تعليل المصنف: ويمنع بأن السبب ليس بمنحصر في ذلك لم لا يجوز أن يكون موافقة القضاء الأداء سببا للجواز أيضا في حق المنفرد؟ ويمكن أن يجاب عنه بأن ما ذكره المصنف من سبب الجهر ثابت بالإجماع ولا نص يدل عليها فجعلها سببا يكون إثبات سبب بالرأي ابتداء وهو ينزع إلى الشركة في وضع الشرع وهذا باطل، ولعل هذا حمل المصنف على الحكم بكونه حتما، وهو الصحيح فيكون معنى قوله: هو الصحيح يعنى الصحيح دراية لا رواية، فإن أكثر الروايات على الجواز. قلت: في دعوى الإجماع في الأول نظر لا يخفى، وفي بقية من الثاني كذلك، فإن عند الشافعي الاعتبار لوقت القضاء، وعند الحلوائي الاعتبار لوقت الأداء. وقال بعضهم: القول بأن الجهر سنة الوقت مردود بفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقوله: فإن أكثر الروايات على الجواز يدل على وجود الرواية على الجواز، فكيف يقول: معنى الصحيح دراية لا رواية. [حكم من قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بالفاتحة] م: (ومن قرأ في العشاء في الأوليين السورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب لم يعد في الأخريين) ش: أي لم يعد قراءة الفاتحة في الركعتين الأخريين. وفي " الذخيرة" يعني قوله: - لم يعد - أي لم يقض. وقال عيسى بن أبان: ينبغي أن يكون الجواب على العكس؛ لأن قراءة الفاتحة واجبة فيقضي، وقراءة السورة سنة فلا تقضى إلا تبعا، فالواجب أولى بالقضاء. وعن الحسن أنه روى عن أبي حنيفة أنه يقضيهما، أما الفاتحة فكما قال عيسى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأما السورة فلأنها مرتبة على الفاتحة على وفق السنة وهي واجبة أيضا بدليل وجوب سجود السهو بتركها. م: (وإن قرأ الفاتحة ولم يزد عليها) ش: أي على الفاتحة يعنى لم يقرأ السورة م: (قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة وجهر) ش: يعني بالفاتحة والسورة في ظاهر الرواية. وروى ابن سماعة عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه جهر بالسورة خاصة؛ لأنه في الفاتحة مؤد فراعى صفة أدائها، وفي السورة قاض فيجهر بالسورة كما يجهر في الأداء ولا يكون جمعا بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة صورة وحقيقة، وذلك غير مشروع، ووجه ظاهر الرواية وهو الجهر بهما أن قراءة السورة واجبة، وقراءة الفاتحة في الشفع الثاني غير واجبة، فكان مراعاة صفة الواجب أولى، فإذا جهر بالسورة يجهر بالفاتحة كيف يختلف صورة القراءة في قيام واحد، كذا في " الجامع الصغير " للقاضي خان، وذكر شيخ الإسلام في " المبسوط " أن الظاهر من الجواب الجهر بالسورة والمخافتة
وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقضي واحدة منهما؛ لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل، ولهما وهو الفرق بين الوجهين: أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليها السورة فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة، وهذا خلاف الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة؛ لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع، ـــــــــــــــــــــــــــــQبالفاتحة؛ لأن السورة قضاء وقد قامت بصفة الجهر فيقضي كذلك، والفاتحة أداء وقد شرع أداؤها على سبيل المخافتة وكذلك ذكره الإمام التمرتاشي فقال: وهو الصحيح ما ذكره البلخي وهو جهر السورة دون الفاتحة، فكان ما ذكره المصنف من الجهر بهما جميعا مخالفا لرواية هذين الكتابين ورواية فخر الإسلام أيضا، وموافقا لما ذكره الإمام قاضي خان " ومبسوط شمس الأئمة ". م: (وهذا) ش: أي قضاء السورة دون قضاء الفاتحة م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لا يقضي واحدة منهما) ش: أي من الفاتحة والسورة م: (لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل) ش: وهاهنا لم يوجد الدليل؛ لأن من شرط الدليل أن يكون له مثل حتى يصرف ما له إلى ما عليه، والسورة غير مشروعة في الأخريين حتى يصرف إلى ما عليه، ألا ترى أن الصلاة إذا فاتت عن أيام التشريق يقضيها في غير أيام التشريق بلا تكبير له في سائر الأيام. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (وهو الفرق بين الوجهين) ش: أحد الوجهين هو قراءة السورة في أول العشاء دون الفاتحة، والوجه الأخير هو قراءة الفاتحة وحدها في الأوليين. م: (أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليها السورة) ش: يعني شرعت قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين على وجه يترتب على قراءتها قراءة السورة، ألا ترى أنه إذا نسي الفاتحة فذكرها قبل الركوع أو فيه يقرأها ويعيد السورة. م: (فلو قضاها) ش: أي الفاتحة م: (في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة) ش: يعني تقع الفاتحة عقيب السورة م: (وهذا) ش: أي ترتب الفاتحة على السورة م: (خلاف الموضوع) ش: لأن الموضوع ترتب السورة على الفاتحة، قال الأكمل: ونوقض بترتب الفاتحة التي في الشفع الثاني أي آخره. قلت: هذا أخذ من السغناقي ملخص بيان النقض في منع قوله خلاف الموضوع هو أن ترتيب الفاتحة في الشفع الثاني على السورة في الركعة الثانية من الشفع الأول مشروع، وملخص الجواب أن الذي ذكرتم على وجه الدعاء، وليس الكلام فيه وإنما الكلام في قراءة الفاتحة على وجه قراءة القرآن. م: (بخلاف ما إذا ترك السورة) ش: في الأوليين، فإنه يقرأ في الأخريين الفاتحة والسورة أيضا م: (لأنه أمكن قضاؤها) ش: أي قضاء السورة في الأخريين م: (على الوجه المشروع) ش:
ثم ذكر هاهنا ما يدل على الوجوب، وفي الأصل بلفظة الاستحباب؛ لأنها إذا كانت مؤخرة فغير موصولة بالفاتحة فلم يمكن مراعاة موضوعها من كل وجه، ويجهر بهما، هو الصحيح؛ لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع، وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى، ثم المخافتة: أن يسمع نفسه والجهر: أن يسمع غيره، وهذا عند الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو أن ترتب السور على الفاتحة وانضمامها إليها. م: (ثم ذكر) ش: أي ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير " م: (ما يدل على الوجوب) ش: وهو قوله: قرأ في الأخريين الفاتحة والسورة. فإن قلت: كيف يدل هذا على الوجوب؟ قلت: لأنه ذكر بلفظ الخبر والأخبار في الوجوب دليل الأمر على ما عرف، فدل على أن قضاء السورة في الشفع الثاني واجب. م: (وفي الأصل بلفظ الاستحباب) ش: أي وذكر في " المبسوط "، وهو قوله: أحب إلي أن يقضي السورة في الأخريين م: (لأنها) ش: أي؛ لأن السورة، وهذا بيان وجه الاستحباب، وهو أن السورة م: (إذا كانت مؤخرة) ش: عن الفاتحة م: (فغير موصولة بالفاتحة) ش: الأولى لوقوع الفصل بالفاتحة الثانية، أي فهي غير موصولة بالفاتحة؛ لأن السورة في الثانية والفاتحة في الأولى. م: (فلم يمكن مراعاتها) ش: أي مراعاة السورة م: (من كل وجه) ش: في القضاء ولم يذكر الوجه الآخر وهو أن تكون متقدمة على الفاتحة لبعده؛ لأنه يفضي إلى أمر غير مشروع آخر وهو تقديم السورة على الفاتحة، وإن ذهب إليه بعضهم. م: (ويجهر بهما) ش: أي بالفاتحة والسورة إذا قضى السورة في الشفع الثاني م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روى ابن سماعة عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يجهر بالسورة لا الفاتحة، وقد مر الكلام فيه مستقصى م: (لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع) ش: أي غير موجه بحسب الظاهر م: (وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: سلمنا أن الجمع بين الأمرين شنيع. لكن لا نسلم أن ارتفاع هذا الشنيع ينحصر فيما قلتم؛ لأنه لا يلزم الجمع بينهما فيما قال هشام في روايته عن محمد: أنه لا يجهر أصلا. وتقرير الجواب أن فيما قال هشام تغيير صفة الواجب إلى صفة النفل، وفيما قلتم تغيير صفة النفل إلى الواجب وتغيير صفة النفل أحق، فكان هذا التغيير أولى من ذلك التغيير. م: (ثم المخافتة أن يسمع نفسه) ش: أشار بهذا إلى بيان الاختلاف. في حد المخافتة والجهر فقال: حد المخافتة أن يسمع القارئ نفسه؛ لأن ما دون ذلك حمحمة وليس بقراءة م: (والجهر أن يسمع غيره) ش: سواء كان ذلك الغير في الصلاة بجنبه أو خارج الصلاة م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا من حد المخافتة والجهر م: (عند الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي عند الإمام أبي جعفر، ونسبته إلى هِنْدوان بكسر الهاء قلعة ببلخ.
لأن مجرد حركة اللسان لا يسمى قراءة بدون الصوت، وقال الكرخي: أدنى الجهر أن يسمع نفسه، وأدنى المخافتة تصحيح الحروف؛ لأن القراءة فعل اللسان دون الصماخ، وفي لفظ الكتاب إشارة إلى هذا. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن مجرد حركة اللسان لا تسمى قراءة بدون الصوت) ش: الواصل إلى أذنه فهو كما ترى جعل كل واحد من المخافتة والجهر من الكيفيات المسموعة. وقال الأكمل: قال الهندواني: مجرد حركة اللسان لا يسمى بدون الصوت قراءة، يعني لا لغة ولا عرفا وفيه نظر، فإن من رأى المصلي الأطرش يحرك شفتيه يخبر عنه أنه يقرأ، وإن لم يسمع منه شيئا. قلت: في نظره نظر؛ لأن الهندواني ما قيد قوله باللغة، ولا بالعرف كليهما؛ لأنه ليس المراد من القراءة إفادة المخاطب. والأطرش قارئ وإن لم يفهم المخاطب قراءته، وبقول الهندواني قال الفضل، والشافعي، وشرط بشر المريسي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خروج الصوت من الفم وإن لم يصل إلى أذنه، ولكن بشرط أن يكون مسموعا في الجملة حتى لو أدنى أحدهما عنه إلى فيه يسمع. م: (وقال الكرخي: أدنى الجهر أن يسمع نفسه، وأدنى المخافتة تصحيح الحروف) ش: وبه قال أبو بكر البلخي المعروف بالأعمش، وهو قول مالك أيضا، واكتفوا بتصحيح الحروف. وفي " الذخيرة " ولا بد من تحريك اللسان وتصحيح الحروف حتى قال الكرخي: لا يجزئه بلا تحريك اللسان. قالوا: وقول الكرخي أقيس وأصح. م: (لأن القراءة فعل اللسان دون الصماخ) ش: بكسر الصاد وتخفيف الميم، وهو خرق الأذن، ويقال الأذن نفسها. قال الجوهري: وبالسين نفسه، فالكرخي كما ترى جعل المخافتة من الكيفيات المبصرة، والجهر من الكيفيات المسموعة. قال الأكمل: واعترض عليه بأن الكتابة يوجد بها تصحيح الحروف ولا تسمى قراءة لعدم الصوت، وهذا فاسد؛ لأنه لم تجعل تصحيح الحروف مطلقا قراءة بل تصحيح الحروف باللسان قراءة، ألا ترى إلى قوله: لأن القراءة فعل اللسان قلت: المراد من فعل اللسان تحريكه كما ذكرنا. م: (وفي لفظ الكتاب) ش: أي وفي لفظ " مختصر القدوري "، وقيل: المراد منه " المبسوط "، وقيل: " الجامع الصغير " والأول أظهر م: (إشارة إلى هذا) ش: أي قول الكرخي حيث قال في " مختصر القدوري ": وإن كان مفردا فهو مخير، إن شاء جهر وأسمع نفسه، وإن شاء خافت. وجه الإشارة إليه أنه جعل أدنى المخافتة ما دون إسماع النفس كما ترى فعلم أن تصحيح الحروف كاف. وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا صحح الحروف ولم يسمع نفسه هل تجوز صلاته أم لا؟ فعند الكرخي يجوز وعند الهندواني لا. وأما عبارة محمد في الأصل إن شاء قرأ في نفسه، وإن شاء جهر وأسمع نفسه، وهذا يدل على أن القراءة في نفسه غير إسماع نفسه لوجهين:
[أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة]
وعلى هذا الأصل كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق والعتاق والاستثناء، وغير ذلك. وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأنه لا يسمى قارئا بدونه، فأشبه قراءة ما دون الآية، ـــــــــــــــــــــــــــــQأحدهما: أنه جعل إسماع نفسه جهرا والقراءة في نفسه مخافتة، والجهر ليس قسما من المخافتة فلا يمكن حمل الأول على كلا الجملتين، أو نقول: جعل إسماع نفسه قسيما للقراءة في نفسه، وقسيم الشيء لا يكون قسما له. والثاني: لو كان إسماع نفسه داخلا في القراءة في نفسه لكان مستفادا من قوله: إن شاء قرأ في نفسه فيكون قوله: - وإن شاء أسمع نفسه - تكرارا خاليا عن الفائدة، والعرف غير معتبر في هذا الباب؛ لأنه أمر بينه وبين ربه. وقال الحلوائي: الأصح أنه لا يجوز ما لم يسمع نفسه ويسمع من يقربه. وفي " المرغيناني " قال أبو جعفر: إسماع نفسه لا بد منه. م: (وعلى هذا الأصل) ش: أي وعلى هذا الاختلاف المذكور م: (كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق) ش: بأن قال لامرأته: أنت طالق ولم يسمع نفسه يقع الطلاق عند الكرخي خلافا للهندواني م: (والعتاق) ش: بأن قال لعبده: أنت حر ولم يسمع نفسه يعتق عند الكرخي خلافا للهندواني م: (والاستثناء) ش: بأن قال لامرأته: أنت طالق إن شاء الله، أو قال لعبده: أنت حر إن شاء الله، وخافت إن شاء الله ولم يسمع نفسه لا يقع الطلاق ولا العتاق عند الكرخي، وعند الهندواني يقعان في الحال. وكذلك الخلاف في الشرط. م: (وغير ذلك) ش: مثل الإيلاء واليمين والتكبير وإحرام الحج والتسمية ووجوب سجدة التلاوة ونحو ذلك مما يتعلق بالنطق، وإن تكلم في صلاته ولم يصحح الحروف لا يفسد، وإن صحح الحروف لا يفسد، وعلى قول محمد بن الفضل لا يفسد، والبيع على الخلاف المذكور. وقيل: الصحيح في البيع أن يسمع المشتري. وفي النصاب [.... .....] الإمام يسمع قراءة رجل أو رجلين في صلاة المخافتة، قال: لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل. [أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة] م: (وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية) ش: أي قراءة آية سواء كانت طويل أو قصيرة م: (عند أبي حنيفة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكرها في " المغني ". م: (وقالا: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد أدنى ما يجوز من القراءة في الصلاة قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، وهو رواية عن أبي حنيفة م: (لأنه لا يسمى قارئا بدونه فأشبه قراءة ما دون الآية) ش: أي؛ لأن المصلي لا يسمى قارئا عرفا بدون المذكور من ثلاث آيات، أو آية طويلة؛ لأنه مأمور بالقراءة المطلقة، والمطلق ينصرف إلى المتعارف، وقارئ الآية القصيرة لا يسمى قارئا عرفا، فلا تجوز الصلاة بذلك القدر، كما لا تجوز إذا قرأ ما دون الآية.
وله قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] [المزمل: الآية 20] من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] [المزمل: الآية 20] من غير فصل) ش: بيانه أن الله تعالى أمرنا بالقراءة مطلقا وبإطلاقه يتناول ما يطلق عليه اسم القراءة مقصودة لا يشعر بها قصد الخطاب لأحد ولا جوابه ولا قصد التلقين من غيره، وفي رواية عنه آية واحدة؛ لأن ما دونها يوجد في كلام الناس فلا يطلق عليه اسم القرآن، وهذه الرواية هي المذكورة في المتن، والحاصل أن في ذلك عن أبي حنيفة ثلاث روايات: الأولى: رواية الأصل كقول الصاحبين. والثانية: رواية القدوري وهو ما يتناوله اسم القراءة، قال القدوري: هو الصحيح، وهو قول ابن عباس فإنه قال: اقرأ ما معك من القرآن فليس شيء من القرآن بقليل. والثالثة: ما قاله في " الينابيع " وهو قراءة آية أي آية كانت قصيرة أو طويلة، ولو كانت الآية قصيرة كلمة واحدة مثل مدهامتان أو حرفا واحدا مثل قاف أو صاد أو نون، فإن كل واحد منها آية عند بعض القراء. اختلف المشايخ فيه، قال المرغيناني: الأصح أنه لا يجزئه، وقال الحلوائي: لأنه يسمى عادا لا قارئا. وفي " نوادر المغني " عن أبي يوسف: إذا كان الرجل لا يحسن إلا قوله: الحمد لله رب العالمين يقرؤها مرة واحدة في كل ركعة ولا يكررها، وتجوز صلاته وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي " فتاوى المرغيناني ": لو قرأ آية الكرسي أو المداينة بدون الفاتحة الصحيح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجزئه، فإن ذلك عند القاضي عماد الدين، وعامة المشايخ على جوازها. ولو قرأ آية الكرسي أو المداينة في ركعتين اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة، قيل: لا يجزئه؛ لأنه لم يقرأ في كل ركعة آية تامة. وقيل: يجوز؛ لأن بعضها يزيد على ثلاث آيات قصار. ولو قرأ نصف آية مرتين أو كلمة واحدة من آية مرارا حتى بلغ قدر آية تامة لا يجوز، وفي " فتاوى النسفي " قراءة ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة واحدة بالإجماع. وقد ثبت رجوع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن آية. وفي " البدرية " هذا أحد الجواز، أما الكراهية ثابتة ما لم يقرأ الفاتحة مع ثلاث آيات. وفي " شرح الطحاوي ": قراءة الفاتحة وحدها ومعها آية أو آيتان مكروه. وفي " المبسوط ": تكرار آية طويلة بمنزلة ثلاث آيات في حق إقامة السنة. م: (إلا أن ما دون الآية خارج) : ش: هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال: لو كان المراد من قوله: ما تيسر من القرآن مطلقة من غير فصل لجاز ما دون الآية كما جاز بالآية؛ لأن إطلاق ما دون الآية خارج عن الإطلاق؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، والكامل من القراءة ما هو قرآن حقيقة وحكما، وما دون الآية وإن كان قرآنا حقيقة فليس بقرآن حكما، ألا ترى أنه يجوز قراءته للجنب والحائض، نص بذلك في " العيون "، و" المختلف " فلا ينصرف المطلق إليه.
والآية ليست في معناه. وفي السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء؛ لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - "قرأ في صلاة الفجر في سفر بالمعوذتين» ؛ ولأن للسفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والآية ليست في معناه) ش: أي في معنى ما دون الآية، فإذا كان كذلك لم يجز قياسها م: (وفي السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء) ش: قدم حكم القراءة في السفر مع أنه من العوارض وهو أليق بالتأخير؛ لأنه مظنة قلة القراءة فكانت له مناسبة للحكم التي قبله وهو قراءة الآية الواحدة، أو؛ لأن أحكام قراءة الحضر كثيرة فأراد أن يدخلها فيها بعد الفراغ من القليل. م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في صلاة الفجر في سفر بالمعوذتين» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه " في فضائل القرآن، والنسائي في الاستعاذة من حديث القاسم مولى معاوية، «عن عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت أقود لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقته في السفر، فقال لي: "يا عقبة لأعلمك خير سورتين قرئتا فعلمني: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ الناس. قال: فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس» . الحديث. والقاسم هو عبد الرحمن القرشي الأموي مولاهم الشامي وثقه ابن معين وتكلم فيه غير واحد قاله المنذري، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه ". م: (ولأن للسفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى) ش: السفر مظنة التخفيف فأدير الحكم عليه وخففت القراءة، وإن كان المسافر أميا؛ لأن للسفر أثرا في إسقاط الركعتين من الرباعيات للتخفيف، وتأثيره في تخفيف القراءة التي هي جزء من الصلاة أظهر وادعى إلى التخفيف. قال الأكمل: فإن قيل: هذا التعليل مخالف لما ذكر في طرق أبي حنيفة في مسألة الأرواث في باب الأنجاس حيث استدل هاهنا بوجود التخفيف ثانيا وما ذاك هنا أجيب بالفرق بين الموضعين بأن العمل بتخفيف القراءة عملا بالدلالة؛ لأن كل شيء ظهر تأثيره في الأصل كان ظهور تأثيره في الوصف أولى؛ لكونه تابعا للأصل بخلاف الأدوات فإن الضرورة عملت في وصف التخفيف مدة وكفت مؤنتها بها فلا تعمل ثانية. قلت: هذا ذكره العتابي وله جواب آخر، وهو أن الحكم يدور مع العلة، لا مع الجملة ألا ترى أنه يباح الفطر في السفر مع الأمن والقرار لوجود العلة، وقيل: في تعليل المصنف نظر؛ لأن السفر ما أثر في إسقاطه على مذهبنا؛ بل صلاة السفر من الأصل وجبت ركعتين؛ لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن الصلاة فرضت ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر» . رواه مسلم. قلت: زيادته في الحضر أمر تعبدي، وتركه على السفر في ركعتين؛ لأجل التخفيف، وإن كان في الأصل شرع ركعتين قال: الأمر في ذلك مع كل وجه إلى التخفيف.
[مقدار القراءة في الصلوات الخمس]
وهذا إذا كان على عجلة من السير، وإن كان في أمنة وقرار يقرأ في الفجر نحو سورة البروج، وانشقت؛ لأنه يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف. ويقرأ في الحضر في الفجر الركعتين بأربعين آية، أو خمسية آية سوى فاتحة الكتاب، ويروى من أربعين إلى ستين ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهذا) ش: يعني ما ذكرنا من قوله: وفي السفر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء. م: (إذا كان) ش: أي المسافر الذي يصلي م: (على عجلة من السير) ش: أي على استعجال في سيره لوصول المنزل، أو كان وراءه عدو، أو سبع يخافه، فيستعجل للحوق بجماعته. م: (وإن كان في أمنة) ش: بفتح الميم أي أمن ومنه قَوْله تَعَالَى: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] (آل عمران: الآية 154) ، والأمنة أيضا الذي يثق بكل أحد، وكذلك الأُمنة بضم الهمزة م: (وقرار) ش: وفي مكان م: (يقرأ في الفجر سورة البروج وانشقت) ش: يعني {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] وهي ثنتان وعشرون آية، وسورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وهي خمس وعشرون آية. م: (لأنه يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف) ش: مراعاة السنة هي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قرأ في الحضر بمثل سورة (البروج) ، و (انشقت) في صلاة الفجر، فإذا كان المسافر في أمن يقرأ بمثل هذه السورة في صلاة الفجر، فيكون مراعيا للسنة مع حصول التخفيف المطلوب في السفر، الذي هو عين المشقة. [مقدار القراءة في الصلوات الخمس] م: (ويقرأ في الحضر في الفجر في الركعتين بأربعين آية، أو خمسين آية سوى فاتحة الكتاب) ش: في هذه العبارة إشارة إلى أن الأربعين آية، أو الخمسين تكون في الركعتين، لا في ركعة واحدة، فيكون في كل ركعة من الفجر عشرون آية في رواية الأربعين، وخمسة وعشرين آية في رواية الخمسين. فإن قلت: هذا خلاف الآثار فإنه ذكر في " المبسوط " عن «مسروق العجلي قال: بلغت سورة "ق" و {اقْتَرَبَتِ} [القمر: 1] من فيّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكثرة قراءته إياهما في صلاة الفجر» ولا يمكن حمله على أنه قرأ بعض سورة (ق) في ركعة؛ لأن المستحب قراءة سورة تامة في ركعة، وقد أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: يحمل على ما رواه العجلي على ما في الكتاب من ستين إلى مائة فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قرأ سورة (ق) في الركعة الأولى وهي أربع وخمسون آية كأن يقرأ في الثانية ما يعادلها أو يقاربها، فكان مجموعهما يقرب إلى مائة؛ ولهذا فسر في " مبسوط شيخ الإسلام " وقال: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ سورة (ق) ، أو {اقْتَرَبَتِ} [القمر: 1] في الركعة الأولى. والحاصل أن الاختلاف الواقع في هذا الباب لاختلاف الأخبار والآثار، على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (ويرى من أربعين إلى ستين) ش: أراد بهذا أنه روي عن أبي حنيفة أنه يقرأ في الفجر في
ومن ستين إلى مائة وبكل ذلك ورد الأثر ووجه التوفيق أنه يقرأ بالراغبين مائة وبالكسالى أربعين، وبالأوساط ما بين خمسين إلى ستين، وقيل: ينظر إلى طول الليالي وقصرها، وإلى كثرة الأشغال وقلتها ـــــــــــــــــــــــــــــQالحضر في الركعتين من أربعين آية إلى ستين: م: (ومن ستين إلى مائة) ش: أي ويروى عن أبي حنيفة أيضا رواها الحسن عنه أنه يقرأ من ستين آية إلى مائة آية م: (وبكل ذلك ورد الأثر) ش: أي بكل ما ذكرنا من المقادير في القراءة في الفجر في السفر والحضر ورد الأثر، ألا ترى أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قرأ في الفجر سورة البقرة، فلما قال له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كادت الشمس تطلع يا خليفة رسول الله، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قرأ سورة يوسف، فلما انتهى {أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] (يوسف: الآية 86) ، خنقته العبرة فركع، وروي عن أبي سويد أنه قال: خرجنا مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حجاجا فصلى بنا الفجر ب {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل: 1] ، {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] . وعن ابن ميمون قال: صلى بنا عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الفجر في السفر فقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وعن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأون في السفر بالسور القصار. وعن أبي وائل قال: صلى بنا ابن مسعود في السفر الفجر بآخر بني إسرائيل {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] (الإسراء: الآية 111) ، ثم ركع، كذا ذكر ذلك ابن أبي شيبة. م: (ووجه التوفيق) ش: أي بين الروايات التي رويت، وقد ذكر وجه ذلك بثلاثة أوجه: أحدها: قوله م: (أنه) ش: أي الإمام م: (يقرأ بالراغبين) ش: في سماع طول القراءة والإمام م: (مائة) ش: أي مائة آية أو أكثر؛ لأن الراغبين هم الزهاد والعباد، فلا يثقل عليهم التطويل، ويجمع الإمام في هذا بين التغليس والإسفار. م: (وبالكسالى) ش: أي ويقرأ بالكسالى، وهو جمع كسلان م: (من أربعين إلى خمسين) ش: أي من أربعين آية إلى خمسين آية، ولا يزيد على هذا؛ لأنه يثقل عليهم، لقلة رغبتهم م: (وبالأوساط) ش: أي ويقرأ بأوساط الناس، وهم لا راغبون ولا كسالى جدا، بل بين هؤلاء وهؤلاء، وهو جمع وسط م: (ما بين خمسين إلى ستين) ش: أي ما بين خمسين آية إلى ستين آية. م: (وقيل: ينظر إلى طول الليالي وقصرها) ش: وأقصرها ليالي الصيف، ويقرأ فيها أربعين آية. وفي الخريف خمسين آية أو ستين آية م: (وإلى كثرة الأشغال وقلتها) ش: هو الوجه الثالث من وجوه التوفيق، وهو أنه ينظر إلى كثرة أشغال الناس وقلتها؛ لأن التطويل عند الاشتغال الكثير يؤدي إلى ترك السنة، وهاهنا وجوه أخرى.
قال وفي الظهر مثل ذلك لاستوائهما في سعة الوقت وقال في الأصل أو دونه لأنه وقت الاشتغال فينقص عنه تحرزا عن الملال والعصر والعشاء سواء يقرأ فيهما بأوساط المفصل وفي المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار المفصل، والأصل فيه كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل، ـــــــــــــــــــــــــــــQالأول: ينظر إلى حال الإمام في الطول والقصر بحسب القدرة. الثاني: ينظر إن كان الإمام حسن الصوت يقرأ مائة، وإن كان خلاف ذلك لا يزيد على الأربعين. الثالث: ينظر إلى حال الوقت بحسب الأمن والخوف. م: (قال) ش: أي في " الجامع " م (وفي الظهر مثل ذلك) ش: أي يقرأ في صلاة الظهر مثل ما قرأ في صلاة الفجر، وقد روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] السجدة، وروي أنه كان يقرأ في الفجر {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] فدل على أنه كان يقرأ في ركعتي الظهر مثل ما يقرأ في الفجر م (لاستوائهما في سعة الوقت) ش: أي لاستواء الظهر والعصر في سعة الوقت. م: (وقال في الأصل) ش: أي قال محمد في " المبسوط " م: (أو دونه) ش: أي أو يقرأ في الظهر دون ما يقرأ في الفجر م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الظهر م: (وقت الاشتغال) ش: بخلاف الفجر م: (فينقص عنه) ش: أي عن الفجر م: (تحرزا عن الملال) ش: أي احتراز عن الملالة المفضية إلى تقليل الجماعة. م: (والعصر والعشاء سواء) ش: يعني يتساويان في حكم القراءة م: (يقرأ فيهما بأوساط المفصل) ش: وأوساط المفصل من كورت إلى الضحى، وطوال المفصل من الحجرات إلى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] والقصار من الضحى إلى آخر القرآن، كذا في " جامع المحبوبي " و " قاضي خان " إلا أنه ذكر في " جامع قاضي خان " قيل: أول الطوال من قاف، قال الخطابي: روي هذا في حديث مرفوع. وحكى القاضي عياض أنه من الجاثية وهو غريب، وسمي المفصل؛ لكثرة الفصول فيه، وقيل: لقلة المنسوخ فيه. م: (وفي المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار المفصل والأصل فيه) ش: أي في تقدير القراءة في الصلاة م: (كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل) ش: هذا له أصل، ولكن بغير هذا الوجه، فروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره قال: كتب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أبي
ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها، والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير، وقد يقعان بالتطويل في وقت غير مستحب، فيوقف فيهما بالأوساط. ـــــــــــــــــــــــــــــQموسى الأشعري أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأوساط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل. وروى ابن شاهين ولفظه: أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل. وقال الترمذي في كتابه في آيات القراءة في الصبح، وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس، مات سنة اثنين وأربعين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. م: (ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها، والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير) ش: أراد بالعجلة الاستعجال خوفا من وقوعها إلى اشتباك النجوم، وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في المغرب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » رواه ابن ماجه. فإن قلت: في حديث «جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في المغرب بالطور» وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قرأ في المغرب الأعراف وقسمها في ركعتين» رواه النسائي. قلت: هذا بحسب الأحوال، فكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم من أحوال المؤمنين في وقت أنهم يؤثرون التطويل فيطول، وفي وقت غير مستحب قد ذكر المصنف في باب المواقيت، ويستحب تأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الشتاء والصيف؛ لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده، وذكر في العشاء أنه يستحب تأخيره إلى ما قبل ثلث الليل. ثم تعليل المصنف حينئذ بقوله م: (وقد يقعان بالتطويل في وقت غير مستحب) ش: ماش ظاهر في العصر وغير ماش في العشاء؛ لأن تأخيره إلى نصف الليل مباح والتعليل الصحيح فيه أن وقتها وقت النوم فبالتطويل في القراءة يحصل التأخير، وبالتأخير يحصل التنفير والتقليل في الجماعة لغلبة النوم عليهم حينئذ م: (فيوقت فيهما) ش: أي في وقت العصر والعشاء م: (بالأوساط) ش: أي بأوساط المفصل، وعن أبي بريدة: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العشاء الآخرة: والشمس وضحاها ونحوها» ، ورواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن. وعن جابر بن سمرة: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر والعصر {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] » رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه. م:
وقال: ويطيل الركعة الأولى من الفجر على الثانية، إعانة للناس على إدراك الجماعة. قال: وركعتا الظهر سواء، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إلي أن يطيل الركعة الأولى على غيرها في الصلوات كلها؛ لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "كان يطيل الركعة الأولى على غيرها في الصلوات كلها» ، ولهما أن الركعتين استويا في استحقاق القراءة فيستويان في المقدار، بخلاف الفجر؛ لأنه وقت نوم وغفلة ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وقال) ش: أي محمد في الأصل م: (ويطيل الركعة الأولى من الفجر على الثانية) ش: وفي بعض النسخ ويطول وهذا بالاتفاق بين أصحابنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسوي بين الركعتين في الصلاة كلها ذكر في " المهذب " وبه قال الأكثرون من الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واختار النووي قول محمد وفي " الروضة " والأصح التسوية بينهما وبين الثالثة والرابعة، واتفقوا على كراهية إطالة الثانية على الأولى إلا مالكا، فإنه قال: لا بأس بأن يطول الثانية على الأولى. م: (إعانة للناس على إدراك الجماعة) ش: أي لأجل الإعانة للناس على إدراك الجماعة؛ لأن وقت الفجر وقت نوم وغفلة، فاستحب تطويل الركعة الأولى ليدرك الناس الجماعة. م: (قال: وركعتا الظهر سواء) ش: أي الركعتان الأوليان من الظهر مستويتان في الإطالة والقصر، لأنهما استويا في وجوب القراءة ويستويان في مقدارها إذ الترجيح خلاف الأصل بخلاف صلاة الفجر لما ذكرنا وقد ذكرنا عن قريب حديث جابر بن سمرة وقراءته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الظهر والعصر {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] وهما متقاربتان. م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: يعني استواء ركعتي الظهر وغيره م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحب إلي أن يطول الركعة الأولى على الثانية في الصلوات كلها) ش: وبه قال الثوري وأحمد - رحمهما الله - م: (لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطيل الركعة الأولى على الثانية في الصلوات كلها) ش: روى البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة، واللفظ للبخاري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في العصر» وهكذا في الصبح وزاد أبو داود والعشاء؛ لأنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن الركعتين استويا في حق استحقاق القراءة فيستويان في المقدار) ش: يعني أن القراءة كما فرضت في الأولى فرضت في الثانية، فثبت استواؤهما في استحقاق القراءة، فينبغي أن يستويا في حق المقدار أيضا. م: (بخلاف الفجر؛ لأنه وقت نوم وغفلة) ش: هذا جواب عن قياس محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قاس سائر الصلوات بالفجر، فإن إطالة الأولى على الثانية مسنونة بالإجماع، وأما الفجر فإنه في وقت نوم وغفلة بخلاف غيرها، فإن الناس فيها على علم ويقظة، فلا يقاس على الفجر
والحديث محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ والتسمية، ولا معتبر بالزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات؛ لعدم إمكان الاحتراز عنه من غير حرج. ـــــــــــــــــــــــــــــQلوجود الفارق، وفي " جامع المحبوبي ": الجمعة والعيد وغيرهما في هذا الحكم سواء. م: (والحديث محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ والتسمية) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة وأبي يوسف عن الحديث الذي احتج به محمد وهو ظاهر، وفيه نظر من وجهين، أحدهما: أنه احتج لمحمد بالحديث المذكور، ولم يحتج لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - إلا بالمعقول، وكان ينبغي له أن يذكر لهما حديثا ثم يجيب عن حجته. والثاني: أن المراد من الإطالة هي الإطالة في نفس القراءة، والثناء، والتعوذ، والتسمية ليست من القراءة، وهذا جواب شاف. وقد احتج أبو حنيفة وأبو يوسف بما رواه أبو سعيد الخدري «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين خمس عشرة آية، وقال: نصف ذلك في العصر، في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك» . رواه مسلم وأحمد - رحمهما الله. م: (ولا معتبر بالزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات؛ لعدم إمكان الاحتراز عنه من غير حرج) ش: أي ولا عبرة في زيادة آية أو آيتين في الركعة الأولى على القراءة في الركعة الثانية، وكذلك على العكس وكذا لا عبرة في نقصان آية أو آيتين عن ذلك، والحاصل أن المقدار في الزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات من غير حرج في اعتبار التساوي على الحقيقة، «وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في المغرب بالمعوذتين» والثانية أطول من الأولى بآية، وإطالة الركعة الثانية على الأولى بثلاث آيات فصاعدا في الفرائض مكروه بالإجماع، وفي السنن والنوافل لا يكره؛ لأن أمرها أسهل كذا في " جامع المحبوبي "، وفي " جامع التمرتاشي " هكذا إذا كان إماما، أما إذا كان منفردا قرأ ما شاء؛ لأن على الإمام أن يراعي حق القوم، قال المرغيناني: في التطويل يعتبر بالآي إن كان بينهما مقاربة، بأن كانت الآيات متقاربة من حيث الطول والقصر معتبرا بالكلمات والحروف، وقيل: ينبغي أن يكون التقرب بالثلاث والثلاثين. وقال الطحاوي: يقرأ في الأولى ثلاثين آية، وفي الثانية عشر آيات، أو عشرين آية، وهذا بيان الأولوية. وفي " المجرد " قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: المنفرد كالإمام في جميع ما وصفنا من القراءة إلا أنه ليس عليه الجهر، وقيل: يستحب للمنفرد رجلا كان أو امرأة تطويل القراءة؛ لقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طول القراءة أحب إلي من كثرة الركوع والسجود، وقَوْله تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ، قيل: القنوت طول القيام، وفي " القنية ": القراءة المسنونة يستوي
[قراءة نفس السورة مع الفاتحة في الركعة الثانية]
وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها بحيث لا تجوز غيرها ـــــــــــــــــــــــــــــQفيها الإمام والمنفرد والناس عنها غافلون. [قراءة نفس السورة مع الفاتحة في الركعة الثانية] فروع: إذا قرأ الفاتحة وسورة معها، ثم قرأ في الثانية تلك السورة مع الفاتحة فلا بأس به، حتى قال الأصحاب لو قرأ (قل أعوذ برب الناس) في الأولى، ثم قام إلى الثانية يقرأها بعينها. وعن أبي الحويرث: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ في المغرب بأم القرآن وقرأ معها (إذا زلزلت الأرض) ثم قام فقرأ بأم القرآن وقرأ (إذا زلزلت الأرض» أيضا" رواه أبو داود. وفي " البخاري «أن رجلا كان يقرأ في كل ركعة ب (قل هو الله أحد) فرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقره عليه» وكره جماعة الجمع بين سورتين غير الفاتحة في ركعة واحدة، وعندنا لا يكره ذلك، وقال الطحاوي: وثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه فعله، وذكر في " الحديقة " أن أربعة من العلماء ختموا القرآن في ركعة واحدة، وهم عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير وأبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وإن جمع بين سورتين في ركعة، وبينهما سور أو سورة يكره. وإن قرأ في الركعتين من وسط السورة وآخرها في الأولى، وفي الثانية وسط سورة وآخر سورة أخرى لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به، وإن انتقل من آية إلى آية وبينهما آيات يكره في ركعة واحدة، وفي الركعتين إن كان بينهما سورة لا يكره، وإن كان سور يكره، وقيل: لا يكره إذا كانت السورة طويلة، وقيل: لا يكره على الإطلاق. ويكره أن يقرأ سورة أو آية في ركعة، ثم يقرأ في الثانية ما فوقها، وعليه جمهور الفقهاء. قال ابن بطال في " شرح البخاري " وعن عبد الله أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا قال: ذلك منكوس القلب، وفسر بأن يقرأ سورة ثم يقرأ بعدها سورة قبلها في النظم، وبه قال أحمد، ولم يكرهها مالك، وكذا ترديد السورة في ركعة، نص مالك: لا بأس به وروى ابن القاسم عنه أنه سئل عن تكرير {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فكره وقال: هذا مما أحدثوه. وفي " الذخيرة ": ولو قرأ آية في التطوع لا يكره ذلك فقد ثبت عن جماعة من السلف أنهم كانوا يحيون ليلتهم بآية العذاب، أو الرحمة، أو الرجاء. م: (وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينها بحيث لا تجوز غيرها) ش: أي ليس في صلاة من الصلوات أي صلاة كانت قراءة سورة من القرآن بعينها للمصلي، بحيث أنه لا تجوز غيرها إذا قرأ ذلك الغير، وفيه نفي قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده الفاتحة فرض على التعيين في الصلوات، حتى إذا ترك الفاتحة لا تجوز الصلاة. وقوله: - لا يجوز غيرها - يجوز فيه الوجهان:
[تعيين سورة أو آية من القرآن لشيء من الصلوات]
لإطلاق ما تلونا. ويكره أن يوقت بشيء من القرآن لشيء من الصلوات لما فيه من هجر الباقي وإيهام التفضيل. ـــــــــــــــــــــــــــــQأحدهما: أن يكون يجوز بالتخفيف، وغيرها بالرفع فاعله، والجملة بقيت في محل النصب على الحال، والآخر: أن يكون من باب التفعيل وغيرها بالنصب على المفعولية، والضمير في لا يجوز على هذا يرجع إلى المصلي الذي يدل عليه قوله: - قرأ سورة -؛ لأن التقدير قراءة المصلي سورة، فالمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل. م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) ، فإنه مطلق ولا يجوز تقييده بخبر الواحد. [تعيين سورة أو آية من القرآن لشيء من الصلوات] م: (ويكره أن يوقت) ش: أي يعين م: (بشيء من القرآن لشيء من الصلوات) ش: مثل ما أخذ عين قراءة السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] في فجر كل جمعة، ومثل تعيين قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة م: (لما فيه) ش: أي في توقيت السورة من القرآن بشيء من الصلوات م: (من هجر الباقي) ش:؛ لأن المواظبة على تعيين شيء من القرآن لشيء من الصلوات هجر لباقي القرآن من غير المعين، فيدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] (الفرقان: الآية 30) ، أي متروكا وأعرضوا عنه م: (وإيهام التفضيل) ش: أي ولما فيه من إيهام تفضيل المعين على غيره، والقرآن كلام الله تعالى كله سواء في التفضيل. وقال السغناقي: هاهنا سؤال، وملخصه أن هذه المسألة والتي قبلها في إبداء حكم واحد بحسب الظاهر، فحينئذ يصير هذا تكرارا ولا فائدة فيه. وأجابوا بجوابين ملخصهما: الأول: أن المسألة الأولى من مسائل القدوري. والثانية: من مسائل " الجامع الصغير "، والمصنف التزم ذكر مسائلهما. قلت: فيه نظر لا يخفى. والثاني: أن في الأولى تعيين السورة في مطلق الصلوات ولا يقرأ غيرها في كلها، وفي الثانية تعيين سورة معينة [في] صلاة معينة كما ذكرنا مثلها. وأورد الأكمل هذا في شرحه ناقلا عنه، وذكر في الجواب الأول أن المصنف قد التزم الإتيان بمسائل القدوري، ومسائل " الجامع الصغير " إذا اختلفت الروايتان. قلت: ليس هاهنا اختلاف الروايتين، وإنما هو اختلاف الحكمين. وقال الأترازي: فافهم فرق ما بين هذه المسألة وبين المسألة المتقدمة، وقد خبط خبط عشواء إذ ركب متن في فرقهما كثير ممن تصدى للتدريس. قلت: هو فيما ذكره؛ لأنه لم يفرق بينهما بوجه ما، وأظن أنه حل المسألة الثانية على أنه إذا
[قراءة المؤتم خلف الإمام]
ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام ـــــــــــــــــــــــــــــQواظب على البعض، وأما إذا قرأ أحيانا تبركا، روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] في صلاة الفجر» فيكون مستحبا لا مكروها، فلذلك قال: ممن تصدى للتدريس ولم يقل من تصدى للشرح. ثم ذكر السغناقي سؤالا آخر ملخصه: أنه علم كراهة التعيين من جانب واحد فعلمه من الجانبين بالطريق الأولى؛ لأن الكراهة ما جاءت إلا من جانب التقديم وأجاب بما ملخصه بطريق المنع؛ لأنه يجوز أن يكون للتعيين من الجانبين فائدة لزيادة التبرك بفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك دون الآخر، حتى إن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرى استحباب الثاني دون الأول؛ لأن فيه هجرا للباقي من غير تضمن معنى التبرك، فيكره الأول دون الثاني، وقد تكلم هاهنا من غير تحريم يعلم ذلك بالوقوف عليه والتأويل فيه. ثم قال الإسبيجابي والطحاوي: هذا الذي ذكر رآه حتما واجبا، لا يجزي غيرها أو رأى القراءة بغيرها مكروهة، أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركا بقراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها أو تأسيا به، أو لأجل التيسير عليه، فلا كراهة في ذلك، لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل الغبي أن لا يجوز غير ذلك، وغالب العوام على اعتقاد بطلان سورة السجدة دون سورة (هل أتى) ، وما تحملهم على هذا إلا التزام الشافعية - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قراءة سورة السجدة. وقال الطحاوي: قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة بغير ما ذكر فيها. وعن النعمان بن بشير: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في الركعة الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » ، فيحمل على أنه قرأ هذا مرة، وبهذا مرة، واستدل النووي بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] » على سنية قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة. وكذلك استدل بما رواه مسلم وأبو داود والنسائي بحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] » "، وقال: فيه دليل لمذهبنا، ومذهب موافقينا، وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة المروية من طريق ابن عباس، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قلت: ولا خلاف بيننا وبينهم في الحقيقة؛ لأن أبا حنيفة إنما كره الملازمة إذا لم يعتقد الجواز بغيره، والشافعي أيضا يكره مثل هذا، أما إذا اعتقد الجواز بغيره ولازم على سورة معينة لأحد الوجوه التي ذكرناها الآن فلا يكره. [قراءة المؤتم خلف الإمام] م: (ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) ش: سواء جهر الإمام أو أسر به.
خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفاتحة، له أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والزهري، والشعبي، والثوري، والنخعي، والأسود، وابن أبي ليلى، والحسن بن جني: إذا كان يسمع قراءة الإمام. وقال ابن تيمية: وبه قال الأوزاعي، وابن عيينة، وابن المبارك، والإمام مالك، وأحمد، وفي " الجواهر " يستحب قراءتها في السر دون الجهر. وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب: لا يقرأها في الجهر ولا في السر. م: (خلافا للشافعي في الفاتحة) ش: فعنده يجب على المأموم قراءة الفاتحة في السرية والجهرية وبه قال الليث وأبو ثور، وفي القديم لا يجب في الجهرية نقله أبو حامد في تعليقه. وحكى الرافعي وجها أنه لا يجب في السرية، وقال الثوري فإنه يجب فيهما. م: (له) ش: أي للشافعي م: (أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه) ش: أي يشترك الإمام والمقتدي في هذا الركن كما يشتركان في سائر الأركان بخلاف ما لو أدرك الإمام في الركوع؛ لأن تلك الحالة حالة الضرورة ولم يذكر المصنف إلا الدليل العقلي؛ لأنه ذكر في باب صفة الصلاة ما احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الحديث وقد بسطنا الكلام فيه هناك، ومن جملة ما احتج به من المنقول ما رواه عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للمأمومين الذين قرأوا خلفه: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها» ، رواه أبو داود والترمذي وحسنه. واحتج له البيهقي بحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"، فقيل لأبي هريرة إذا يكون وراء الإمام، فقال اقرأها في نفسك يا فارسي» . الحديث رواه أبو داود بلفظ: فهي خداج غير تام. وفي لفظ ابن عدي: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج» وفي رواية الطبراني: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي مخدجة» . وفي رواية أخرى لابن عدي بإسناده إلى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا» . وقد أجبنا عن هذه الأحاديث وما جاء في هذا الباب من نحو ذلك في باب صفة الصلاة. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ش: هذا الحديث رواه من الصحابة جابر بن عبد الله وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن عباس وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه في "سننه " عن جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة» ". وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» " وعن إبراهيم بن عامر الأصبهاني حدثنا أبي عن جدي عن النضر بن عبد الله ثنا الحسن بن صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وثنا العدوي عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» . وأما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فأخرجه الدارقطني في "سننه " عن محمد بن عباد الرازي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا نحوه سواء. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني أيضا من حديث عاصم بن عبد العزيز المدني، عن أبي سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تكفيك قراءة الإمام خافت أو جهر» ". وأما حديث أنس فأخرجه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " عن غنيم بن سالم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ". فإن قلت: حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه جابر الجعفي وهو مجروح وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وحديث ابن عمر موقوف وفيه وهم قاله الدارقطني. وحديث أبي سعيد أخرجه ابن عدي أيضا فيه إسماعيل بن عمرو بن نجيح وهو ضعيف. وقال ابن عدى: هذا لا يتابع عليه. وحديث أبي هريرة، قال الدارقطني: لا يصح هذا عن سهيل، وتفرد به محمد بن عباد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو ضعيف. وحديث ابن عباس قال أحمد: هو حديث منكر، وقال الدارقطني: فيه عاصم بن عبد العزيز وليس بالقوي ورفعه وهم وحديث أنس بن مالك فيه غنيم بن سالم قال ابن حبان: هو يخالف في الروايات ولا تعجبني الرواية عنه فكيف الاحتجاج به؟. قلت: أما حديث جابر فله طرق أخرى وهي وإن كانت مدخولة ولكن يشد بعضها بعضا، فمنها ما رواه محمد بن الحسن في "موطئه " أخبرنا الأمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام قراءة له» ". ومنها ما رواه ابن عدي والدارقطني، عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعا نحوه، ومنها ما رواه الدارقطني في "سننه "، والطبراني في "معجمه الأوسط "، عن سهل بن العباس المروزي، ثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير [عن جابر] قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ". فإن قلت: أخرج هذا الحديث الدارقطني في "سننه "، ثم البيهقي عن أبي حنيفة مقرونا بالحسن بن عمارة، وعن الحسن بن عمارة وحده بالإسناد المذكور، قال الدارقطني: وهذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله غير أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن بن عمارة وهما ضعيفان، وقد رواه سفيان الثوري وأبو الأحوص، وشعبة، وإسرائيل، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وسفيان بن عيينة وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرسلا وهو الصواب. قلت: سئل يحيى بن معين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: ثقة ما سمعت أحدا ضعفه، هذا شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يحدث ويأمره شعبة وسعيد وقال أيضا: كان أبو حنيفة ثقة من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب، وكان مأمونا على دين الله صدوقا في الحديث، وأثنى عليه جماعة من الأئمة الكبار، مثل عبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، والأعمش، وسفيان الثوري، وعبد الرزاق، وحماد بن زيد، ووكيع وكان يفتي برأيه والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وآخرون كثيرون فقد ظهر لنا من هذا تحامل الدارقطني عليه وتعصبه الفاسد، فمن أين له تضعيف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو مستحق التضعيف، وقد روى في "مسنده" أحاديث سقيمة ومعلولة ومنكرة وغريبة وموضوعة، ولقد صدق القائل في قوله حينئذ والمعنى:
وعليه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإذا لم ينالوا شأنه ووقاره ... فالقوم أعداء له وخصوم وفي المثل السائر: البحر لا يكدره وقوع الذباب ولا ينجسه ولوغ الكلاب وحديث أبي حنيفة حيث صحيح، وأما أبو حنيفة فأبو حنيفة، وأبو الحسن موسى بن أبي عائشة الكوفي من الثقات الأثبات ومن رجال الصحيحين، وعبد الله بن شداد من كبار الثلاثة وثقاتهم. فإن قلت: هذا الحديث زاد فيه أبو حنيفة جابر بن عبد الله وقد رواه جرير، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبو الأحوص، وشعبة، وزائدة وزهير، وأبو عوانة، وابن أبي ليلى، وقيس، وشريك وغيرهم فأرسلوه. فقلت: الزيادة من الثقة مقبولة، ولئن سلمنا فالمراسيل عندنا حجة. فإن قلت: حديث ابن عمر فيه محمد بن الفضل وهو متروك، وقال الدارقطني رفعه وهم. قلت: نحن نحتج بالموقوف؛ لأن الصحابة عدول. فإن قلت: حديث أبي سعيد أخرجه ابن عدي عن إسماعيل بن عمرو وهو ضعيف. قلت: هو من طريق الطبراني والضعيف ما كذبه. فإن قلت: حديث أبي هريرة فيه محمد بن عباد الرازي وهو ضعيف، وكذلك حديث ابن عباس وحديث أنس. قلت: قد ذكرنا أن الضعيف قد يتقوى بالصحيح ويقوي بعضها بعضا. م: (وعليه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي على ترك القراءة خلف الإمام كما مر في حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكيف ينعقد الإجماع مع خلف بعض؟ قلت: سماه إجماعا باعتبار اتفاق الأكثر فإنه يسمى إجماعا عندنا. وقد روي منع القراءة عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة منهم المرتضى والعبادلة الثلاثة، وأسانيدهم عند أهل الحديث. وقيل ما يجاوزه عدد من أفتى في ذلك الزمان عن الثمانين فكان اتفاقهم بمنزلة الإجماع، وذكر الشيخ الإمام عبد الله بن يعقوب الحارثي السنديوتي في كتاب " كشف الأسرار "، عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: عشرة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهون عن القراءة خلف الإمام أشد النهي: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن
وهو ركن مشترك بينهما، لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع. ـــــــــــــــــــــــــــــQعوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جميعا. أو نقول إجماع ثبت بنقل الآحاد، ولهذا لم يعد مخالفة جاهلا فلا يمنعه نقل البعض بخلافه كنقل حديث بالآحاد لا يتبع نقل حديث آخر معارض له، ثم لما ثبت نقل الأمرين ترجح ما قلنا؛ لأنه موافق لقول العامة وظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة، ويجوز أن يكون رجوع المخالف ثابتا فتم الإجماع. إن قلت: لما ثبت نهي العشرة المذكورة ولم يثبت رد واحد عليهم عند توفر الصحابة كان إجماعا سكوتيا. فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قراءة الإمام له قراءة معارض بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] فلا يجوز تركه بخبر الواحد. قلت: جعل المقتدي قارئا بقراءة الإمام إلا ما يأتم فلا يلزم الترك، أو نقول: إنه خصه منه المقتدي الذي أدرك الإمام في الركوع، فإنه لا يجب عليه القراءة بالإجماع، فيجوز الزيادة عليه حينئذ بخبر الواحد. فإن قلت: قد حمل البيهقي في كتاب " المعرفة " حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» على ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام، وعلى قراءة الفاتحة دون السورة، واستدل عليه بحديث عبادة بن الصامت المذكور فيما مضى. قلت: ليس في شيء من الأحاديث بيان القراءة خلف الإمام فيما جهر، والفرق بين الإسرار والجهر لا يصح؛ لأن فيه إسقاط الواجب بمسنون على زعمهم قاله إبراهيم بن الحارث. وفي حديث عبادة محمد بن إسحاق بن يسار وهو مدلس. قال النووي: ليس فيه إلا التدليس، قلنا: المدلس إذا قال عن فلان لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين، مع أنه قد كذبه مالك وضعفه أحمد، وقال: لا يصح الحديث عنه، وقال أبو زرعة الرازي: لا يقضى له بشيء. م: (وهو ركن مشترك بينهما) ش: جواب عن قول الشافعي القراءة ركن وتقريره سلمنا أنها ركن لكن مشترك بينهما أي بين المقتدي والإمام م (لكن حظ المقتدي الإنصات) ش: أي السكوت م: (والاستماع) ش: بمعنى، فعلى قوله: لا فرق بينهما فحينئذ يكون قوله: - والاستماع - عطف تفسيري. وقال ابن الأثير: يقال: أنصت ينصت إنصاتا إذا سكت فسمع، وقد نصت انتصاتا وأنصته إذا سكته فهو لازم ومتعد ويقال: الإنصات والسكوت والاستماع شغل السمع بالسماع.
قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وإذا قرأ فأنصتوا» . ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكره عندهما؛ لما فيه من الوعيد. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وإذا قرأ فأنصتوا» ش: وتمام الحديث قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده قولوا: ربنا لك الحمد» ، رواه أبو هريرة، وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. فإن قلت: قال أبو داود: هذه الزيادة فأنصتوا [ليست] بمحفوظة والتوهم عندنا من أبي خالد. قلت: تعقبه المنذري في "مختصره "، وقال: وهذا فيه نظر، فإن أبا خالد الأحمر هذا هو سليمان بن حيان وهو من الثقات الذي احتج بهم البخاري ومسلم، ومع هذا لم ينفرد بهذه الزيادة بل تابعه عليها أبو سعيد محمد بن سعيد الأنصاري الأسلمي المدني، نزيل بغداد، وقد أخرج مسلم هذه الزيادة في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث سليمان التيمي عن متابعة أبي سعيد أبا خالد مما رواه النسائي في "سننه " أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، ثنا محمد بن سعيد الأنصاري، حدثني محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا» . فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " بعد أن روى حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي موسى: قد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في حديث أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن معين، والحاكم والدارقطني وقالوا: إنها ليست بمحفوظة. قلت: يرد هذا كله ما يوجد في بعض النسخ مسلما هذه الزيادة عقيب هذا الحديث، وصحح ابن خزيمة حديث ابن عجلان المذكور في تلك الزيادة، فقال مسلم: هو صحيح عندي يعني الحديث الذي رواه أبو هريرة المذكور، فقيل له: لم يضعفه هاهنا، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح، وضعفه هاهنا إنما وضعت هاهنا وأجمعوا عليه، وهذا مسلم جبل من جبال أئمة الحديث، وأهل النقل قد حكم بصحة هذا الحديث ورد بهذا كلام البيهقي وأمثاله. م: (ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد) ش: أي يستحسن قراءة المقتدي الفاتحة احتياطا، ورفعا للخلاف فيما روى بعض المشايخ عن محمد. وفي " الذخيرة ": لو قرأ المقتدي خلف الإمام في صلاة لا يجب فيها، اختلف المشايخ فيه، فقال أبو حفص - وهو من بعض مشايخنا -: لا يكره في قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأطلق المصنف كلامه ومراده في حالة المخافتة دون الجهر. وفي " شرح الجامع " للإمام ركن الدين علي السعدي عن بعض مشايخنا أن الإمام لا يتحمل القراءة عن المقتدي في الصلاة المخافتة. م: (ويكره عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لما فيه من الوعيد) ش: أي لما في هذا الصنع وهو القراءة خلف الإمام، فقد أخطأ طريق الفطرة رواه ابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأبي شيبة، وروي عن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة. رواه عبد الرزاق في "مصنفه "، إلا أنه قال: في فيه حجرا. وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا، رواه عبد الرزاق، ومحمد بن الحسن أيضا. وروي عن عبد الله: من قرأ خلف الإمام ملئ فيه ترابا. وروي عن زيد بن ثابت: من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له. وقال السروجي: تفسد صلاته في قول عدة من الصحابة، وعن البلخي أحب إلي أن يملأ فمه من التراب. وقيل: يستحب أن يكسر أسنانه، ذكر ذلك الرازي في "أحكام القرآن". وفي " شرح التأويلات " عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قرأ خلف الإمام لا صلاة له. وروي أيضا نهى عن ذلك جماعة من الصحابة. وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عروة بن شريح، عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن عبد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله فقالوا: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة. وروى محمد بن الحسن في "موطئه" عن سفيان بن عيينة، عن أبي منصور، عن أبي وائل قال: سئل عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن القراءة خلف الإمام، قال: أنصت، فإن في الصلاة ثقلا ويكفي في الإمام. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن جابر قال: لا يقرأ خلف الإمام إن جهر وإن خافت. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي مرة حديث أبي هريرة «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله فيما يجهر فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - من قول الزهري فلم يجعل الحديث حجة، قال أحمد: ما سمعنا أحدا من أهل الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهر بالقراءة لا يجزئ صلاة المأموم ما لم يقرأ، وهذا النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في أهل مصر، قالوا: الرجل إن قرأ إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة. وفي المعارضة: يقال للشافعي: عجبا لك كيف تقدر المأموم على القراءة في الجهر أينازع القرآن الإمام أم لا يعرض عن إسماعه، أم يقرأ إذا سكت؟ فإن قال: يقرأ إذا سكت، قيل له: فإن لم يسكت الإمام وقد اجتمعت الأمة أن سكوت الإمام غير واجب، فمتى يقرأ؟ ثم يقال: ليس في استماعه لقراءة القرآن قراءة منه، وهذا كاف لمن أنصف، وفيهم قد كان ابن عمر لا يقرأ
ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب؛ لأن الاستماع والإنصات فرض بالنص، ـــــــــــــــــــــــــــــQخلف الإمام، وكان أعظم الناس اقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (ويستمع وينصت وإن قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب) ش: أي يستمع المقتدي وينصت وكلمة إن واصلة بما قبله، والمعطوف عليه محذوف وتقديره يستمع المقتدي وينصت وإن لم يقرأ الإمام آية الترغيب وإن قرأ آية الترغيب مثل الآية التي فيها ذكر الجنة، وآية الترهيب مثل الآية التي فيها ذكر النار، وفي ذكر المصنف هذا التركيب على هذه العبارة رعاية حسن الأدب حيث لم يقل: ولا يسأل المتقدي الجنة، أو لا يتعوذ من النار إذا قرأ الإمام آية الترغيب والترهيب، فإن فيه التصريح بالنهي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن تحذيره، وذكره بطريق الكناية عن النهي هو طريق حسن، ولكنه اقتصر فيه على بيان حكم المقتدي في هذا الباب، فإن في هذا المقام ثلاثة أحكام: حكم المقتدي، وحكم الإمام، وحكم المنفرد، أما حكم المقتدي فهو الذي ذكره، وهو أنه يستمع وينصت ولا ينشغل بالدعاء. م: (لأن الإنصات والاستماع فرض بالنص) ش: هو قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (الأعراف: الآية 204) . وأما حكم الإمام فإنه لا يفعل ذلك في التطوع، ولا في الفرض؛ لأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة على القوم وإنه مكروه. وقال الشافعي: إذا قرأ الإمام آية الرحمة فيستحب له أن يسأل الله تعالى، أو آية العذاب يستحب له أن يستعيذ، أو آية تنزيه يستحب له أن يسبح؛ لما «روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ما مر بآية رحمة إلا سألها، أو آية عذاب إلا استعاذ منها» ويستحب للمقتدي أن يتابعه على ذلك نقله المزني في "المختصر "؛ لأن كل ذكر يسن للإمام فيسن للمقتدي كسائر الأذكار، وكذا لو قرأ بقوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] (القيامة: الآية 40) ، يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين: أو قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] (التين: الآية 8) ، يقول بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، أو قرأ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] (الملك: الآية 30) يستحب أن يقول: الله رب العالمين، ولو قرأ قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185] (الأعراف: الآية 185) ، يقول: آمنت بالله، ويقول: لا إله إلا الله، وبجميع ذلك ورد الأثر والخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والكل سنة في حق المقتدي أيضا كذا في الصلاة تفسد والدعاء فيها مندوب إليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فإنه أحرى أن يستجاب لكم» . وأما حكم المنفرد فإنه وإن كان في التطوع فهو حسن للحديث المذكور، وفي أن يسن له ذلك؛ لأنه لم ينقل عن ذلك في الخبر، ولا عن الأئمة بعده، فكان محدثا، وشر الأمور محدثاتها.
والقراءة وسؤال الجنة والتعوذ من النار، كل ذلك مخل به وكذلك في الخطبة، وكذلك إن صلى على النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لفريضة الاستماع، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والقراءة) ش: وراء الإمام م: (وسؤال الجنة) ش: عند قراءة آية الترغيب م: (والتعوذ من النار) ش: عند قراءة آية الترهيب م: (كل ذلك) ش: أشار به إلى الأشياء المذكورة م: (مخل به) ش: أي بكل واحد من الإنصات والاستماع. م: (وكذلك في الخطبة) ش: أي كذلك يسمع وينصت عند الخطبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» رواه البخاري ومسلم، وآخرون، وبمعنى لغوت. قلت: اللغو وهو الكلام الساقط الباطل المردود وقيل معناه: قلة الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي، وفي رواية: لقد لغيت. قال: الزيادة هي لغة أبي هريرة، وإنما هي: لغوت، قال أهل اللغة: لغى يلغو لغوا، يقال: بمعنى يلغي كعمي يعمى لغتان والأول أفصح، والظاهر أن القراءة تقتضي الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] (فصلت: الآية 26) وهذا من لغى يلغي، ولو كان من الأول لقال: والغو بضم الغين. وقال ابن السكيت وغيره: مصدر الأول: اللغو ومصدر الثاني: اللغي، ففي هذا الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وطريقه إذا أراد النهي عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فليفهمه بكلام مختصر، ولا يزيد على أقل ممكن. واختلفوا فيه: هل هو حرام أم مكروه كراهة تنزيه؟ فيهما قولان للشافعي، وقال القاضي: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة، وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف: أنه لا يجب إلا إذا تلا فيها القرآن. م: (وكذلك إن صلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي وكذلك يستمع وينصت إن صلى الخطيب على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطبة م: (لفريضة الاستماع) ش: في الخطبة والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس بفرض إلا في العمر مرة واستماع الخطبة فرض لا يجوز ترك الفرض لإقامة ما ليس بفرض. وسأل أبو حنيفة أبا يوسف: إذا ذكر الإمام فهل يذكرون ويصلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: أحب إليّ أن يستمعوا وينصتوا، ولم يقل: لا يذكرون ولا يصلون فقد أحسن في العبارة وأحسن من أن يقول: ولا يذكرون ولا يصلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن أبي يوسف: يصلي في نفسه، واختاره الطحاوي كذا ذكره في " المحيط ". قلت: عند الطحاوي تجب الصلاة عليه كلما سمع فلهذا اختار قول أبي يوسف، وكذا حكم التشميت ورد السلام لا يأتي بهما حال الخطبة، والمسلم ممنوع عن السلام فلا يكون الجواب فرضا، وكذا لو قرأ القرآن فسلم عليه لا يرد الجواب، وكذا لو سلم على المدرس في حال التدريس له أن لا يرد.
إلا أن يقرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) فيصلي السامع في نفسه. واختلفوا في النائي عن المنبر، والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الإنصات والله أعلم بالصواب. ـــــــــــــــــــــــــــــQالجواب، كذا لو سلم السائل على إنسان لا يرد الجواب؛ لأن مقصوده المال دون إفشاء السلام ذكره المحبوبي. وقال النووي: قوله: - والإمام يخطب - دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة فهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور. وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام. قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يكرهون الصلاة. وفي " الموطأ " عن الزهري قال: خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. م: (إلا أن يقرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فيصلي السامع في نفسه) ش: هذا استثناء من قوله: وكذلك إن صلى - يعني إذا قرأ الخطيب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (الأحزاب: الآية 56) يصلي السامع في نفسه؛ لأن الخطيب حكى عن الله، وعن ملائكته أنهم يصلون، وحكى أمر الله بذلك وهو قد اشتغل بذلك فكان على القوم أن ينشغلوا. فإن قلت: توجه عليه أمران: أحدهما {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] والأمر الآخر قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] (الأعراف: الآية 204) . قال مجاهد: نزلت في الخطبة الاشتغال بأحدهما يفوت الآخر، قلت: إذا صلى في نفسه وأنصت وسكت يكون إيتاء بموجب الأمرين. فإن قلت: الجمهور على أن الآية نزلت في استماع القراءة في الصلاة. قلت: الخطبة بآيات من القرآن والخطبة كالصلاة لأنها تقوم مقام الركعتين. م: (واختلفوا في النائي عن المنبر) ش: أي اختلف المشايخ المتأخرون في البعيد عن المنبر وهو الذي لا يسمع الصوت فعن فضيل بن يحيى يحرك شفتيه ويقرأ القرآن، وعن محمد بن سلمة الأنصاري: الإنصات أولى واختاره المصنف؛ فلذلك قال: (والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الانصات والله أعلم بالصواب) ش: وكذا روي عن أبي يوسف وقوله: الأحوط، أفعل التفضيل، وقال المطرزي: قولهم: أحوط. أي أدخل في الاحتياط شاذا أو نظيره أخصر من الاختصار. قلت: وجه الشذوذ أنه مخالف للقياس؛ لأن القياس أن يقال فيه أشد احتياطا.
[باب في الإمامة]
باب في الإمامة الجماعة سنة مؤكدة ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب في الإمامة] [حكم صلاة الجماعة] م: (باب في الإمامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الإمامة، وجه المناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله هو أن المذكور هناك أفعال الإمامة، من وجوب الجهر، والمخافتة، وسنة قراءة الإمام وهاهنا يذكر مشروعية الإمامة بأنها على أي صفة شرعت. فإن قلت: لم ذكر هاهنا بالباب وهناك بالفصل. قلت: لأن الباب يجمع الفصول، وفيه أحكام كثيرة تابعة للإمامة، وأحوال المقتدي بين، فلذلك ذكره بالباب. م: (الجماعة سنة مؤكدة) ش: قال الاترازي: يعني سنة في قوة الواجب، وهي التي تسميها الفقهاء سنة الهدى، وهي التي أخذها هدى وتركها ضلال، وتاركها يستوجب إساءة وكراهية. وقال صاحب " الدراية ": تشبه الواجب في القوة وكذا قال الأكمل وكلاهما أخذا من السغناقي. قلت: هذه التأويلات غير طائلة؛ لأن هذه مسألة مختلف فيها بين العلماء، وذهب المصنف إلى أنها سنة مؤكدة وهو قول الكرخي والقدوري وكذا قال في " شرح بكر" خواهر زاده. وفي " المفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة، وفي " البدائع ": تجب الجماعة على الرجال العقلاء، البالغين، الأحرار، القادرين على الصلاة بالجماعة من غير حرج. وقيل: إنها فرض كفاية وبه قال الطحاوي، وهو قول الشافعي. وقال النووي: هو الصحيح نص عليه الشافعي، وهو قول ابن شريح وأبي إسحاق وجمهور المتقدمين من الشافعية. وقال النووي: وفي وجه سنة، وفي وجه فرض عين لكن ليست شرطا لصحة الفرض، وبه قال ابن خزيمة، وابن المنذر، والرافعي وهو قول عطاء، والأوزاعي، وأبي ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد، وقوله الآخر: لا تصح الصلاة بتركها وبه قال داود الظاهري وأصحابه، وفي " الجواهر " عن مالك: سنة مؤكدة وليست بواجبة إلا في الجمعة. وحكى قاضي خان أبو الوليد، وأبو بكر عن بعض أهل مذهبهم أنها فرض كفاية. وفي " التحفة ": الجماعة إنما تجب على من قدر عليها من غير حرج وتسقط بالعذر حتى لا تجب على المريض والأعمى والزمن ونحوهم هذا إذا لم يجد الأعمى قائدا، والزمن من يحمله، وكذا إذا وجد عند أبي حنيفة، وعندهما تجب، قال محمد: لا تجب الجمعة ولا الجماعة على المريض، والمقعد، والزمن والأعمى، ومقطوع اليد والرجل من خلاف أو مقطوع الرجل، والمقطوع الرجل، والمفلوج الذي لا يستطيع المشي وإن لم يكن به ألم، والشيخ الكبير العاجز.
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين ومدر، فقال: لا أحب تركها، والصحيح أنها تسقط بعذر المطر والطين وإن فاتته الجماعة جمع بأهله وصلى بهم، وإن صلى وحده جاز. وفي صلاة الجلابي إذا كان مطر أو برد شديد أو ظلة أو خوف فذلك كله يمنع لزوم الجماعة. وقال شرف الأئمة: الوحل عذر، وقال أيضا [......] والحافظ وغيرهما: ترك الجماعة بغير عذر يجب به التعزير ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وقال نجم الأئمة: من يشتغل بالفقه ليلا ونهارا لا يعذر الإمام والمؤذن والجيران في السكوت عنه، ولا تقبل شهادته، وقال أيضا: من يشغل بتكرار اللغة فتفوته الجماعة لا يعذر، وتكرار الفقه ومطالعة كتبه يعذر. وعن أبي حفص من لا يحضر الجماعة للمؤذن أن يرفعه إلى السلطان فيأمره بذلك فإن أبى عزر، وفي [ ... ] : له الاشتغال بالعمل ويختار مسجد حيه، ولو كان مسجدان يختار أقدمهما وإن استويا يختار الأقرب. وقيل: جماعة الجامع أفضل بالاتفاق، ولو فاتته صلاة جماعة فصلاها في مسجده وحده، أو بجماعة في مسجد آخر، أو في بيته فذلك حسن، وتكره الجماعة في مسجد بأذان وإقامة بعدما صلى أهله بجماعة، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك. وقال أحمد وداود: لا يكره تكرار الجماعة، ولو صلى فيه من ليس بأهل للجماعة كان لأهله أن يصلوا فيه بأذان وإقامة. وعن أبي يوسف: إنما يكره تكرار الجماعة لقوم كثير، أما إذا صلى واحد بواحد أو باثنين فلا بأس به مطلقا إذا صلى في غير مقام الإمام. وقال قاضي خان: مسجد لا إمام له ولا مؤذن يصلي الناس فيه فردانا فالأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة وصلى بعض أهل المسجد بأذان وإقامة مخافتة، ثم حضر بقيتهم فلهم أن يصلوا على وجه الإعلان كذا في " المجتبى ". (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» ش: هذا من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير صحيح. وأخرجه مسلم عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله بن مسعود: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه» . وأخرج عنه أيضا قال: «من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما تخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» فدل هذا الأثر أن الجماعة سنة مؤكدة؛ لأن إلحاق الوعيد إنما يكون بترك الواجب أو بترك السنة، ودل على أن الجماعة ليست بواجبة؛ لقوله: وإن في سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، فتكون سنة مؤكدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أهل بلد لو اجتمعوا على ترك الجماعة نضربهم ونقاتلهم، وقال السغناقي: والدليل على أن الجماعة سنة ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل بجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة» ، وفي رواية: «سبع وعشرين درجة» ولم يقل صلاة الرجل وحده فاسدة، فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الجماعة للفضيلة لا للجواز، إذ دل على أنها سنة إلا أنها مؤكدة؛ لأنها من شعائر الإسلام، ومن خصائص هذا الدين، فإنها لم تكن مشروعة في دين من الأديان، وما كان من شعائر الإسلام فالتمسك فيه الإظهار. قلت: الحديث الذي ذكره في " الصحيح " ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» " وفي لفظ: «تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة» . وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعا: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا» ، وفي لفظ: «تفضل صلاة الجمع على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين درجة» . وأخرج البخاري عن أبي سعيد نحوه، وزاد أبو داود فيه: «فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة» وإسناده جيد. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وفي لفظ آخر للبخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا» . وفي رواية لهما: «بخمسة وعشرين جزءا» وفي رواية لمسلم " درجة ". وأخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما زاد فهو أحب إلى الله» ". وقوله: أفضل يقتضي الاشتراك في الفضل وترجيح أحد الجانبين، وما لا يصح لا فضيلة فيه، ولا يجوز أن يقال: إن أفضل قد تستعمل بمعنى الفاضل؛ لأن ذلك إنما يجوز على سبيل العلة عند الإطلاق، لا عند التفاضل بزيادة عدد، ويؤيد هذا ما جاء في لفظ: «يزيد على صلاته وحده» وفي لفظ: " يضعف " فإن ذلك يقتضي ثبوت صلاة زاد عليها وعدد تضاعف. والعجب من الشراح لم يتعرضوا إلى الأثر الذي ذكره المصنف هل هو موقوف أو مرفوع، صحيح أو غير صحيح؟ وعلى كل تقدير منه من هو الراوي والمروي عنه. وأعجب من ذلك قول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالأكمل حيث نسب هذا الأثر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الديار التي أكثرها علماء الحديث، وجل طلابها المحدثون، ثم قال: وليس المراد بالمنافق المصطلح عليه وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، وإلا لكانت الجماعة فريضة؛ لأن المنافق كافر، ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، وكان آخر الكلام منافقا لا أوله، فيكون المراد به العاصي. قلت: قوله منافق خرج مخرج المبالغة في التهديد، وشدة الوعيد، وهذا كما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلا سأله عمن يقوم الليل، ويصوم بالنهار، ولا يحضر الجماعة، قال: هو في النار، وليس مراده أنه في النار لأجل كفره، وإنما مراده التخويف والتهديد، والمنافق [في] المصطلح الذي ذكره الأكمل إنما يسمى اليوم زنديقا، ولا يمكن أن يحمل لفظ المنافق في الأثر المذكور على هذا المعنى الذي يستحق بها النار من الأمور الثلاثة والأربعة وتارك الجماعة غير داخل فيها فلم يبق إلا المعنى الذي ذكرناه الآن. وقول الأكمل: لأن المنافق كافر، ليس على إطلاقه، والمنافق له معنيان كما ذكرنا، ولا يصح أن يكون المراد منه هاهنا أحد المعنيين على ما ذكرنا، وقوله: ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، يشير إلى أن تارك الفريضة كافر وليس كذلك، وإنما يكفر بالجحد على ما لا يخفى. فإن قلت: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلقت برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» ". يدل على أن الجماعة فرض كما ذهب إليه طائفة؛ لأن تارك السنة لا يحرق عليه بيته، ولو كانت سنة ما استحق تاركها هذا الوعيد الشديد. وحديث جابر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . قلت: لا نسلم دلالة ذلك على ما قالوا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يشهدون الصلاة» ولم يقل: لا يشهدون الجماعة. وفي رواية: «إلى قوم متخلفين عن الصلاة» ولم يقل يتخلفون عن الجماعة، والصلاة فرض وتاركها مستحق الوعيد على أنه جاء في رواية لمسلم عن ابن مسعود: «يتخلفون عن الجمعة» الحديث يفسر بعضه بعضا. فإن قلت: قال: البيهقي: والذي تدل عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة. قلت: قال النووي في " الخلاصة ": بل هما روايتان، رواية في الجمعة، ورواية في الجماعة، وكلاهما صحيح، ولئن سلمنا ذلك فالحديث خبر واحد، فلا يزداد به على إطلاق الكتاب. وأما حديث جابر فالمراد به نفي الكمال والفضيلة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة للعبد الآبق ولا
[أولى الناس بالإمامة]
وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أقرؤهم؛ لأن القراءة لا بد منها، والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها لركن واحد، والعلم سائر أركان الصلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــQللمرأة الناشزة» . فإن قلت: لو لم يكن فرضا لما هم بالإحراق. قلت: ترك الإحراق يدل على عدم الفرضية. فإن قلت: ما فائدة الهم إذا لم يكن فرضا؟ قلت: لقد هم بالاجتهاد ثم منع بالوحي أو بتغير الاجتهاد على المختار في جواز الاجتهاد له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، يدل على أن الجماعة فرض؛ لأنه قيل: إن المراد به الجماعة. قلت: الخطاب لليهود فإنه لا ركوع في صلاتهم، وقيل: المراد بالركوع الخضوع، وفي الآية أقاويل فلا تثبت الفرضية. [أولى الناس بالإمامة] م: (وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة) ش: أي بالفقه والأحكام الشرعية إذا كان يحسن من القرآن ما يجوز به الصلاة، وهو قول الجمهور، وإليه ذهب عطاء والأوزاعي ومالك الشافعي. فإن قلت: في الحديث الذي يأتي الأقرأ مقدم وهاهنا على العكس. قلت: عن قريب يأتي وجه ذلك إن شاء الله تعالى. م: (وعن أبي يوسف أقرؤهم) ش: أي وروي عن أبي يوسف أن أقرأ للناس أولى بالإمامة؛ يعني أعلمهم بالقراءة، وكيفية أداء حروفها، وما يتعلق بالقراءة، وبه قال ابن سيرين وأحمد وإسحاق وابن المنذر، وهو أحد الوجوه عند الشافعية. م: (لأن القراءة لا بد منها) ش: لأنها ركن في الصلاة يحتاج إليها لا محالة في الصلاة م: (والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة) ش: المعنى إنما يحتاج إلى العلم بالسنة. إذا وقعت واقعة من العوارض ليمكنه من صلاته، وربما لا يفرض فيكون الأقرأ أولى من العالم بالسنة. م: (ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها في ركن واحد) ش: وهو القيام م: (والعلم) ش: يحتاج إليها لأجل م: (سائر أركان الصلاة) ش: جواب عما قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقريره أن القراءة محتاج إليها في الصلاة في ركن واحد وهو القيام، والعلم محتاج إليه لأجل سائر أركان الصلاة، فكان العلم أولى. وفي " المجتبى ": الأعلم بالسنة أولى إذا كان يحذر الفواحش الظاهرة، وإن كان غيره أورع منه، وفي " الشفاء " عن أبي حفص: الأمي الذي يقرأ القليل أحب إلي من الفاسق
فإن تساووا فأقرؤهم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة» وأقرؤهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه. ـــــــــــــــــــــــــــــQالقارئ. وفي " شرح الإرشاد ": لو كان عالما بمسائل الصلاة متبحرا فيها، غير متبحر في سائر العلوم، فإنه أولى من المتجر في سائر العلوم. م: (فإن تساووا) ش: في القراءة أو العلم م: (فأقرؤهم) ش: أي فأولاهم بالإمامة أقرؤهم م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة) ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري واللفظ لمسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» . قال: الأصح في الرواية مَكَانَ "إسْلَامًا": "سِنًّا"، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " إلا أن الحاكم قال عوض قوله: «فأعلمهم بالسنة» ، «فأفقههم فقها، فإن كانوا في الفقه سواء فأكثرهم سنا» ، وقد أخرج مسلم في "صحيحه " هذا الحديث، ولم يذكر فأفقههم فقها، وهي لفظة عزيزة غريبة بهذا الإسناد، وسنده عن يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود، فذكره، ثم أخرج الحاكم، عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل ابن رجاء به، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن كانوا سواء فأفقههم في الدين، فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه» " وسكت عنه، والباقون من الأئمة يخالفونه في هذه المسألة، ويقولون: إن الأقرأ لكتاب الله مقدم على العالم كما هو لفظ الحديث، قال: إذا اجتمع من يحفظ القرآن وهو غير عالم وفقيه يحفظ يسيرا من القرآن، قدم حافظ القرآن عندهم، ونحن نقول: يقدم الفقيه. وأجاب المصنف عن الحديث بقوله: (وأقرؤهم كان أعلمهم) ش: يعني في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان أعلم الصحابة أقرأهم م: (لأنهم كانوا يتلقونه) ش: أي القرآن م: (بأحكامه) ش: أي بأحكام القرآن. وفي " المبسوط " وغيره: إنما قدم الأقرأ في الحديث؛ لأنهم كانوا في ذلك يتلقونه بأحكامه، حتى روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حفظ سورة البقرة في اثنتى عشرة سنة، فكان الأقرأ فيهم هو الأعلم بالسنة والأحكام. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ما كانت تنزل السورة على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلا ونحن نعلم أمرها ونهيها، وزجرها، وحلالها وحرامها، والرجل اليوم يقرأ السورة، ولا يعرف من أحكامها شيئا.
فقدم في الحديث، ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم. فإن تساووا فأورعهم ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: لما كان أقرؤهم أعلمهم فما معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» ، وأقرؤهم هو أعلمهم بالسنة في ذلك الوقت لا محالة على ما قالوا. قلت: المساواة في القرآن مع التفاوت في الأحكام، ألا ترى أن أبي بن كعب كان أقرأ وابن مسعود كان أفقه وأعلم، وفي " النهاية ": اشتغل بحفظ القرآن سنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد وأُبَي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان أعلم وأفقه من عثمان، ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن فجرى كلامه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الأعم الأغلب. م: (فقدم في الحديث) ش: هذا نتيجة قوله: وأقرؤهم كان أعلمهم أي فقدم الأقرأ في لفظ الحديث المذكور م: (ولا كذلك في زماننا) ش: أي وليس الأقرأ في زماننا أعلم؛ لأن الشخص ربما يكون أقرأ وليس له علم بالكتاب أصلا م: (فقدمنا الأعلم) ش: نتيجة النفي المذكور. فإن قلت: الكلام في الأفضلية مع الاتفاق على الجواز على أي وجه كان، والحديث بصيغته يدل على عدم جواز إمامة الثاني عند وجود الأول؛ لأن صيغته صيغة إخبار وهو في اقتضاء الوجوب آكد من الأمر، وأيضا فإنه ذكره بالشرط والجزاء على طريق الترتيب، فكان اعتبار الثاني إنما كان بعد وجود الأول لا قبله. قلت: صيغة الإخبار لبيان المشروعية، لا أنه لا يجوز غيره؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسح المقيم يوما وليلة» . ولئن سلمنا أن صيغة الإخبار محمولة على معنى الأمر يحمل على الاستحباب لوجود الجواز بدون الاقتداء بالإجماع. فإن قلت: لو كان المراد من الإقراء قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يؤم القوم أقرؤهم» هو الأعلم لكان يلزم تكرار الأقرأ في الحديث، ويكون التقدير: يؤم القوم أعلمهم، فإن استووا فأعلمهم. قلت: المراد من قوله: أعلمهم بأحكام كتاب الله دون السنة، ومن قوله: أعلمهم بالسنة أعلمهم بأحكام الكتاب والسنة جميعا، فكان الأعلم الثاني غير الأعلم الأول. فإن قلت: يعارض حديث ابن مسعود المذكور قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» إذا كان من هو أقرأ منه للقرآن مثل أبي وغيره وهو أولى. قلت: حديث ابن مسعود كان في أول الهجرة، وحديث أبي بكر كان في آخر الأمر، وقد تفقهوا في القرآن، وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعلمهم وأفقههم في كل أمره، ألا ترى أن قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا. واسم أبي مسعود هو عقبة بن عامر الأنصاري. م: (فإن تساووا فأورعهم) ش: فإن تساووا في العلم والقراءة فأولاهم بالإمامة أورعهم، في " البدرية " الورع الاجتناب عن الشبهات، والتقوى الاجتناب عن الحرم، وفي " الكافي ":
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» فإن تساووا فأسنهم؛ «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لابني أبي مليكة: "وليؤمكما أكبركما سنا» ؛ ولأن في تقديمه تكثير الجماعة. ـــــــــــــــــــــــــــــQالمتقي الذي لا يأكل الربا، والورع: الذي لا يدفع المال بدل الإجارة، والورع ليس في لفظ الحديث في ترتيب الإمام، وإنما فيه بعد ذكر الأعلم، أقدم هجرة، ولكن أصحابنا وأكثر أصحاب الشافعي معنا، ومكان الهجرة الورع؛ لأن الهجرة منقطعة في زماننا، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا هجرة بعد الفتح، وإنما المهاجر من هجر السيئات» فجعلوا الهجرة عن المعاصي مكان تلك الهجرة، فإن هجرتهم لتعلم الأحكام وعند ذلك يزداد الورع. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» ش: هذا الحديث غريب ليس في كتب الحديث، لكن روى الطبراني ما في معناه من حديث مرثد بن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» . ورواه الحاكم في "مستدركه " في فضائل الأعمال عن يحيى بن يعلى به سندا ومتنا، إلا أنه قال: «فليؤمكم خياركم» وسكت عنه. وروى الدارقطني ثم البيهقي في "سننهما" عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله تعالى» ، قال البيهقي: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان: فيه الحسين بن نصر لا يعرف. م: (فإن تساووا فأسنهم) ش: أي فإن تساووا في القراءة والعلم والورع فأسنهم أولى بالإمامة م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابني أبي مليكة وليؤمكما أكبركما سنا» ش: هذا الحديث قد تقدم في باب الأذان وهو من حديث مالك بن الحارث أخرجه الأئمة الستة، قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وصاحب لي فلما أردنا الانتقال من عنده قال لنا: "إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما» وأخرجه الجماعة مطولا ومختصرا. م: (ولأن في تقديمه) ش: أي في تقديم الأسن م: (تكثير الجماعة) ش:؛ لأن رغبة الناس في الاقتداء به أكثر فيكون سببا لتكثير الجماعة، وكلما كثرت الجماعة كان الأجر أكثر، وفي " المحيط و " التحفة ": الأسن من الورع إذا لم يكن فيه فسق؛ لأن الكبير أخشع في الصلاة، وأقرب إلى الإجابة، وأكثر عبادة. وقال النووي: المراد بالسن سن من يصير في الإسلام فلا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله، وفي " خير مطلوب " و " التحفة ": زاد
[إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا]
ويكره تقديم العبد؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم، والأعرابي؛ لأن الغالب فيهم الجهل ـــــــــــــــــــــــــــــQبعضهم فإن تساووا فأحسنهم خلقا، وزاد بعضهم: فإن تساووا فأحسنهم وجها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» ، وفي " المحيط ": اعتبر الحسب في المال على الأحسن وجها. وفي " مختصر الجواهر ": يرجح بالفضائل الشرعية والخلقية والمكاتبية وكمال الصورة كالشرف في النسب والسن ويلحق بذلك حسن اللباس، وقيل: ونظافة الوجه وحسن الخلق وتملك رقبة المكان أو منفعته، قال المرغيناني: المستأجر أولى من المالك. وفي " الخلاصة ": فإن تساووا في هذه الخصال يقرع أو الخيار إلى القوم، وقيل: إمامة المقيم أولى من العكس. وقال أبو الفضل الكرماني: هما سواء. وللشافعي قولان في القديم: يقدم الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن وهو الأصح. والقول الثاني: يقدم الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة، وفي "تتمتهم" ثم بعد الكبر والشرف تقدم نظافة الثوب، والمراد النظافة عن الوسخ، والنجاسات؛ لأن الصلاة مع النجاسة لا تصح، ثم بعد ذلك حسن الصوت؛ لأن به تميل الناس إلى الصلاة خلفه فتكثر الجماعة ثم حسن الصورة. وفي " المبسوط " و " المحيط " و " شرح الأقطع " لم تعتبر الهجرة لسقوط وجوبها على جميع الحاضرين، الأفقه والأقرأ والأورع والأسن وصاحب البيت وإمام المسجد. قلت: هذا في الزمان الماضي؛ لأن الولاة كانوا علماء وغالبهم كانوا صلحاء، وفي زماننا أكثر الولاة ظلمة وجهلة. [إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا] م: (ويكره تقديم العبد؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم) ش: فيغلب عليه الجهل، وقال مالك: لا يؤتم به في جمعة ولا عيد. وقال الأوزاعي: لا يجوز أن يؤم الأحرار، قلنا: الإمامة أمر ديني فيستوي فيه الحر والعبد، ولهذا جوز الشافعي إمامته بلا كراهة، وقال: الحر أولى. وفي "تتمتهم" تكره إمامته، ووجه الكراهة أن في تقديمه تقليل الجماعة؛ لأن الناس يستنكفون متابعته. م: (والأعرابي) ش: عطف على قوله العبد أي ويكره أيضا تقديم الأعرابي، وهو بفتح الهمزة البدوي، وهو من يسكن البادية عربيا كان أو أعجميا. وفي " الكافي ": ويستحب تقديم العربي؛ لأنه يسكن البدو م: (لأن الغالب فيهم الجهل) ش: وهو معنى: من بدا جفا. فإن قلت: ما وجه رفع الضمير في قوله: فيهم، مع أن المذكور واحد، وإن كان مراده عود الضمير إلى الأعرابي والعبد، وما كان ينبغي أن يقول فيها بضمير التثنية؟ قلت: كان الأولى أن يقول: فيه أو فيهما، ولكن كأنه ينظر إلى أن في الأعرابي معنى الجمع؛ لأنه محلى بالألف واللام فيصدق على كل من يسكن البادية.
والفاسق؛ لأنه لا يتهم لأمر دينه ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والفاسق؛ لأنه لا يهتم لأمر دينه) ش: فيرد فيه الناس، وفيه تقليل الجماعة، وقال مالك: لا تجوز إمامة الفاسق بلا تأويل كالزاني وشارب الخمر، أما الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح، فعنه فيه روايتان، وعن أحمد: فيه روايتان في جواز الاقتداء به مطلقا أصحهما المنع، وقلنا نحن والشافعي بجواز إمامته؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» ؛ ولأن ابن عمر وأنسا وغيرهما من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين صلوا خلف الحجاج الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه. وروي أن الحجاج كان يخطب يوم الجمعة، فأطال الجمعة حتى كاد يدخل وقت العصر فقام ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال: أقصر يا مكار هداك الله، فلما فرغ الحجاج دعا ابن عمر ليقتله وقال: أما تخشى أن الله يسلطني على مالك ودمك فأهريقه، أو على نفسك فأخترمها، فقال ابن عمر: أما يكفيني أني صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أبي بكر وعمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والآن أصلي خلفك، وأنت من أفسق الناس. وأما وجه الكراهية فلما قلنا؛ ولهذا قال أصحابنا: لا ينبغي أن يقتدى بالفاسق إلا في الجمعة؛ لأن في سائر الصلوات يجد إماما غيره بخلاف الجمعة، وكان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي خلف الوليد بن عقبة في صلاة الجمعة وسائر الصلوات، وكان الوليد واليا بالكوفة وكان فاسقا حتى صلى بالناس يوما وهو سكران، كذا في " شرح الإرشاد ". وفي " المحيط ": لو صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرزا ثواب الجماعة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» . وأما لا ينال ثواب من صلى خلف التقي، ثم الفاسق إذا كان يؤم، وعجز القوم عن منعه تكلموا فيه، قيل: يقتدى به في صلاة الجمعة، ولا يترك الجمعة بإمامته، أما في غيرها من المكتوبات فلا بأس بأن يتحول إلى مسجد آخر، ولا يصلي خلفه ولا يأثم بذلك، وفي " المجتبى " و" المبسوط ": يكره الاقتداء بصاحب البدعة، وفي " شرح بكر " فأصل الجواب أن من كان من أهل قبلتنا، ولم يعمل بقوله لم يحكم بكفره، وتجوز الصلاة خلفه، وإن كان يكفي حتى يكفر أهلها؛ كالجهمي والقدري الذي قال بخلق القرآن، والرافضي الغالي الذي ينكر خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمشبهة لا تجوز، وبه قال أكثر أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال القفال ومن تابعه: يجوز الاقتداء بهم وأنهم لا يكفرون وهو ظاهر مذهب الشافعي كذا في " شرح الوجيز "، وعن أبي يوسف: من اتخذ من هذه الأهواء شيئا فهو صاحب بدعة. وروى محمد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز. أما الصلاة خلف الشافعي إذا انحرف عن القبلة لا يجوز، أو لم يتوضأ من الخارج من غير
والأعمى؛ لأنه لا يتوقى النجاسة، " وولد الزنا؛ لأنه ليس له أب يثقفه فيغلب عليه الجهل؛ ولأن في تقديم هؤلاء تنفير الجماعة، فيكره وإن تقدموا جاز؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل برّ وفاجر» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسبيلين، أو لم يغسل المني الذي هو أكثر من الدرهم لا تجوز على الأصح، وإلا فتجوز، وقيل: لكنه يكره، وقال أبو يوسف: لا تجوز الصلاة خلف المتكلم وإن تكلم بحق، وقال ابن حبيب من المالكية: من صلى وراء من شرب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون واليا. وقال أبو بكر: من صلى خلف الفاسق من غير تأويل يعيد أبدا، وتكره إمامة الخصي والأقلف والمأبون وولد الزنا، وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين تصح الصلاة خلف الفاسق، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يؤمهم صاحب خصومة في الدين، ولو صلى خلفهم جازت. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طلب الدين بالخصومات دعي زنديقا، ومن طلب الكساد دعي زعليا، ومن طلب غريب الحديث دعي كذابا، ولا بأس بأن يصلى وراء من في يديه تصاوير، وقيل: إن كانت مكشوفة يكره. وفي " الفتاوى الظهيرية ": لا تصح إمامة الأحدب للقائم هكذا ذكره محمد بن شجاع في " النوازل "، وقيل: يجوز والأول أصح. وفي " الذخيرة ": ويؤم الأحدب القائم، كما يؤم القاعد القائم، ولا يؤم الراكب النازل. م: (والأعمى) ش: عطف على قوله: والأعرابي أي: ويكره أيضا تقديم الأعمى م: (لأنه لا يتوقى النجاسة) ش: أي لا يتحفظ على النجاسة ولا يهتدي إلى القبلة، ولا يقدر على استيعاب الوضوء في أعضاء الطهارة غالبا، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كيف أؤمهم وهم بعيد، يعني إلى القبلة، وقال القاضي من الحنابلة: هو كالبصير إذ هو أخشع في الصلاة، قال: البصير يشغله ما يراه وقد ينظر إلى ما لا يحل. وفي " المحيط ": إذا لم يوجد غيره من البصير فهو أولى بالإمامة. وفي " البدائع " إذا كان لا يوازيه غيره في الفضل في المسجد فهو أولى. م: (وولد الزنا) ش: عطف على قوله: والأعمى، أي: ويكره أيضا تقديم ولد الزنا م: (لأنه ليس له أب يثقفه) ش: أي يؤدبه ويعلمه فيبقى على ما حمل جاهلا م: (فيغلب عليه الجهل) ش: وبقولنا قال الشافعي ومالك، وقال أحمد: لا يكره، ورواه ابن المنذر عن مالك واختاره. م: (ولأن في تقديم هؤلاء) ش: هذا دليل ثان يشتمل الكل، أي ولأن في تقديم العبد والأعرابي والفاسق والأعمى وولد الزنا م: (تنفير الجماعة فيكره) ش: لأن القوم يؤذون بهم ولا يرضون بهم أئمة فيكره. وفي " المجتبي " والمراد من الكراهة في هذا الموضع كراهة تنزيه، فإنه قال محمد في الأصل: إمامة غيرهم أحب إلي، وأما الجواز فلا كلام فيه أشار إليه بقوله: م: (وإن تقدموا جاز؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» ش: وهذا الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه " عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن
[تخفيف الإمام في الصلاة]
ولا يطول الإمام بهم الصلاة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم، فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة» ، ويكره للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة ـــــــــــــــــــــــــــــQرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلوا خلف كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر» . قال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن دونه ثقات، ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية "، وأعله بمعاوية بن صالح مع ما فيه من الانقطاع وتعقبه ابن عبد الهادي، وقال: إنه من رجال الصحيح، وجه الاستدلال بهذا الحديث في حق الفاسق ظاهر، وفي حق العبد والأعمى يتمسك بدلالته؛ لأنه لما جوز الاقتداء بالفاسق مع الموجب للتميز، فيجوز في حقهما بالطريق الأولى ونقول: كل واحد منهما لا يخلوا إما أن يكون برا أو فاجرا، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوز الاقتداء بكل منهما. [تخفيف الإمام في الصلاة] م: (ولا يطول الإمام بهم الصلاة) ش: أي بالجماعة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم، فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» وفي لفظ لمسلم: «الصغير والكبير والضعيف والمريض» . وروى البخاري أيضا «من حديث أبي مسعود الأنصاري فقال: يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بها فلان، فقال: فما رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في موعظة أشد غضبا من يومئذ، ثم قال: "يا أيها الناس إن منكم منفرين، من صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير وذا الحاجة» "، فهذا يدل على أن الإمام ينبغي له أن يراعي حال قومه، وهذا لا خلاف فيه. [إمامة المرأة للنساء في صلاة الجماعة] م: (ويكره للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة) ش: الكلام في هذا الموضع على وجوه: الأول: قال السغناقي في اللفظ صورة المناقضة، حيث ذكر الوحدة مع كونهن جماعة، ثم أجاب عن هذا بقوله: لكن المراد من الوحدة توحدهن عن الرجال، وهن في أنفسهن جماعة النساء. قلت: لا مناقضة فيه، ولا يصدق حد عليه؛ لأن المعنى: ويكره للنساء المنفردات عن الرجال أن يصلين بجماعة عنهن. الثاني قال الأترازي وهذا عندنا وعند الشافعي يستحب لنا أنها لو كانت مستحبة لبينها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتكون جماعتهن بدعة ويكره. قلت: قول الشافعي هو قول الأوزاعي والثوري وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإذا كان كذلك فكيف تكون جماعتهن بدعة؟ والبدعة
لأنها لا تخلو من ارتكاب المحرم وهو قيام الإمام وسط الصف فيكره كالعراة ـــــــــــــــــــــــــــــQاسم لإحداث أمر لم يكن في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روى أبو داود في "سننه " في باب إمامة النساء من «حديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل، وفيه كانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها» . وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: تؤم المرأة النساء تقوم في وسطهن. وروى ابن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن امرأة من قومه اسمها حجيرة، قالت: أمتنا أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قائمة وسط النساء. حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تؤم النساء تقوم معهن في وسطهن. وروت عظمة الحنفية قالت: أمتنا عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة، رواه الدارقطني وهو حجة على الشعبي والنخعي حيث قال: تؤمهن في النفل دون الفرض، وشذ أبو ثور والمزني ومحمد بن جرير الطبري فأجازوا إمامة النساء على الإطلاق للرجال والنساء. وعن سليمان بن بشار والحسن البصري ومالك: لا تؤم المرأة أحدا في فرض أو نفل. الثالث: قول المصنف في كراهته جماعة النساء: م: (لأنها لا تخلو عن ارتكاب المحرم وهو قيام الإمام وسط الصف) ش: فكيف يكون قيام الإمام وسطهن محرما، وقد فعلته عائشة وأم سلمة، وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما ذكرناه الآن، وأيضا فلقائل أن يقول: ارتكاب المحرم فيه في حق الرجال دون النساء، إذ لو كان مطلقا لما كان يجوز الصلاة. الرابع: قوله: م: (فيكره) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك يكره فعلهن الجماعة وكيف يكره، وقد ذكر في " المحلى ": صلت عائشة بهن المغرب جهرت بالقراءة، وصلت أم سلمة العصر. الخامس: قوله: م: (كالعراة) ش: هو جمع عار كالقضاة جمع قاض، والتشبيه فيه من كل الوجوه ظاهر، ولكن كلام الشارح يختلف في وجه الشبه، فقال تاج الشريعة: يعني يكره للعراة الجماعة؛ لأنها لا تخلو عن مباشرة إحدى الروايتين. أما قيام الإمام وسط الصف، أو زيادة الاطلاع على العورات كما هاهنا، وقال السغناقي قوله: فيكره كالعراة، وفي العراة عندنا أن يصلوا وحدانا قعودا بإيماء، وإنما أمرناهم بترك الجماعة لتشاغل بعضهم عن بعض، ولا يقع بصر بعضهم على عورة البعض؛ لأن الستر يحصل، وإن الأولى لإمامهم إذا صلوا الجماعة أن يقوم وسطهن؛ لئلا يقع بصرهم على عورته، وإن تقدمهم جاز أيضا، وحالهم في هذا الموضع كحال النساء في الصلاة، فالأولى أن يصلين
فإن فعلن قامت الإمام وسطهن؛ لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فعلت كذلك، وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام ـــــــــــــــــــــــــــــQوحدهن، وإن صلين بجماعة قامت إمامتهن وسطهن، وإن تقدمن جاز فكذلك حال العراة، وكلام الأكمل هاهنا قريب منه بل أخذ منه. وقال الأترازي: قوله: فيكره كالعراة، أي تكره جماعة النساء كجماعة العراة، وقال صاحب " الدراية ": التشبيه بالعراة ليس من كل الوجوه بل في أفضلية الأذان وأفضلية قيام الإمام وسطهن، وأما العراة فيصلون قعودا وهو أفضل من صلاة النساء قائمات. قلت: المصنف جعل العراة مشبها به، وتاج الشريعة عكس فيه، وجعل وجه التشبيه الحرمة، والسغناقي جعله في الأفضلية، وصاحب " الدراية " كذلك ولكنه زاد في الأفضلية الأذان أيضا، والأترازي جعله في الكراهة. السادس: قوله: م: (وإن فعلن قامت الإمام وسطهن) ش: فيه تناقض وهو أنه أولا قال: قيام الإمام وسط الصف ارتكاب محرم، فعلم منه عدم جواز صلاتهن بالجماعة، وهنا يقول بجواز ذلك، ويمكن أن يجاب عنه بأن يكون المراد بالحرمة أيضا هنا اللغوي وهو المنع، ووجه الكراهة لا يمنع ذلك الجواز مع الكراهة. فإن قلت: كيف قال: قامت الإمام، بتاء تأنيث الفعل. قلت: قال المطرزي في " المغرب ": الإمام من يؤم به أي يقتدى به ذكرا كان أو أنثى، ومنه قامت الإمام في وسطهن، وفي بعض النسخ: فإن فعلن قامت الإمامة وسطهن، وهو غير صواب؛ لأن لفظة الإمام اسم لا وصف. قوله: م: (وسطهن) ش: بسكون السين؛ لأنه ظرف بخلاف جلست وسط الدار بالفتح، وكل موضع صلح فيه بين فهو ساكن، وما لا يصلح فهو بالفتح ومنه يشد في وسطه الهميان. وقال الأزهري: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط القلادة والصف والسبحة فهو بالإسكان وما كان منضما لا يبين كالدار والساحة فهو بالفتح، وأجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح. السابع: قوله: م: (لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فعلت كذلك) ش: أي صلت بجماعة النساء، وقامت وسطهن وقد ذكرناه عن قريب، وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسطا، وقد ذكرنا عن أم سلمة أيضا، وفيه أيضا رد على الأترازي حيث قال: إنها بدعة، وعلى المصنف أيضا في أنها ارتكاب المحرم. الثامن: قوله: م: (وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام) ش: قال الأترازي: أي حمل فعل
ولأن في التقدم زيادة الكشف. ـــــــــــــــــــــــــــــQعائشة الجماعة على ابتداء الإسلام يعني كان ذلك ثم نسخ حين أمرن بالوقار والقرار في البيوت، وهذا جواب سؤال مقدر بأن يقال: لما فعلت عائشة الجماعة دل على أنها مستحبة فلا يكره. فأجاب عنه وقال: وحمل ذلك على ابتداء الإسلام. قلت: هذا كلام من لم يطلع في كتب القوم، وأمضى فيه لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة كما رواه البخاري ومسلم ثم تزوج عائشة بالمدينة وبنى بها وهي بنت تسع وبقيت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع سنين، وما صلت إماما إلا بعد بلوغها، فكيف يستقيم حمله على ابتداء الإسلام، وتصدى الأكمل للجواب عن هذا وقال: يجوز أن يكون المراد بابتداء الإسلام ما قبل بيان الانتساخ، فإنه ابتدأ بالنسبة إليه. قلت: هذا أبعد من الأول؛ لأن هذا لم يكن في ابتداء الإسلام على ما دلت عليه الأخبار المذكورة، فإذا كان كذلك كيف يحمل هذا على ما قبل الانتساخ. التاسع: قوله: م: (ولأن في التقدم زيادة الكشف) ش: هذا الدليل توكيد يمنع المتقدم بالنسبة؛ لأنه بين بالنسبة في الأصل لا بالتعليل، واعترض عليه بأن المرأة إذا كانت لابسة من فوقها إلى قدمها، ولم يكن بينهن أحد من الرجال، فإن التقدم يكره مع أنه لا كشف فيها، فلو كانت الكراهية لزيادة الكشف ينبغي أن يجوز هناك لانعدام العلة. فأجاب عنه الأكمل أخذا من كلام السغناقي بما ملخصه: أن ذلك نادر لا حكم له على أن ترك التقديم بالسنة والتعليل لا يضاهيها. قلت: لا نسلم أنه نادر؛ لأن المرأة شأنها التستر في كل الأحوال ولا سيما في الصلاة خصوصا إذا أمت، فإنها تحترز عن انكشاف شيء من أعضائها غاية الاحتراز، فحينئذ لا يوجد كشف أصلا فضلا عن زيادته وقوله: على أن يترك التقدم.. إلى آخره، فيه نظر لأنه لم يبين النسبة التي دلت على ترك التقدم. وقال الأكمل: وهنا بحث من أوجه، وذكر منها: أن المذهب عندنا أن انتفاء صفة الوجوب تستلزم انتفاء صفة الجواز، ثم أجاب عنه بما حاصله أن الجواز ليس بمنسوخ بالإجماع، وإنما المنسوخ هو كون جماعتهن سنة وفيه نظر؛ لأن من ادعى النسخ فعليه البيان. وقال صاحب " الدراية ": ولأن جماعتهن لو كانت مشروعة لزم تركها ولشاعت كما شاعت جماعة الرجال على أنها من الشعائر فيختص بالأذان والخطب والجمع والأعياد؛ ولأن جماعتهن لا تخلو عن ارتكاب محرم؛ لأن في التقدم زيادة كشف، وفي الوسط تركه القيام وكل ذلك حرام. أما زيادة الكشف؛ فلقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] (النور: الآية 31) ، وأما ترك القيام
[موقف الإمام والمأموم في الصلاة]
ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه ـــــــــــــــــــــــــــــQفلأنه خلاف السنة؛ لأنه لم يعمل به النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا واحد من الصحابة. وأما حديث أم ورقة ورايطة كان في ابتداء الإسلام أو تعلما للجواز مع أن في حديث أم ورقة مقالا عند أهل الحديث. قلت: هذا كله مخدوش، أما قوله: لو كانت جماعتهن مشروعة كره تركها، فغير سديد؛ لأنه لا يلزم من كون الشيء مشروعا أن يكره تركه؛ لأن هذا ليس بكلي، فإن المشروع إذا كان فرضا يكون تركه حراما، وإن سنة يكون تركه مكروها، وإن كان ندبا يجوز تركه ولا يكره. وأما قوله: فتختص بالأذان.. إلخ. فيرده ما رواه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الله بن إدريس عن عطاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء فتقوم وسطهن. وأما قوله: وكل ذلك حرام، غير مسلم؛ لأن الحرمة غير مقتصرة على زيادة الكشف. وأما قوله: فلأنه خلاف السنة، مردود؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها كما ذكرنا من رواية أبي داود، وفي الحديث وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وقال عبد الرحمن بن خلاد: فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا. وقوله: ولا واحد من الصحابة مردود، فإنا ذكرنا عن عائشة وأم سلمة بأنهما فعلتا ذلك. وقوله: مع النساء في حديث أم ورقة مقالا، إشارة إلى ما قاله المنذري في "مختصره " لسنن أبي داود في سنده الوليد بن جميع وفيه مقال ولا يضره ذلك، فإن مسلما أخرج له وكفى هذا في عدالته وصدقه. فإن قلت: قد قال ابن بطال في كتابه: الوليد بن جميع، وعبد الرحمن بن خلاد لا يعرف حاليهما. قلت: ذكرهما ابن حبان في " الثقات " فالحديث إذا صحيح. فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب "الأذان" من حديث أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال، ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم وسطهن» ". قلت: في سنده الحاكم بن عبد الله قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وعن البخاري: تركوه، وعن النسائي: متروك الحديث، وكان ابن المبارك يوهنه، وأنكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتابه " التحقيق " ولا يعرف مرفوعا إنما هو شيء يروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي. [موقف الإمام والمأموم في الصلاة] م: (ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه) ش: مساويا له وهو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابنه وعروة بن الزبير، وبه قال الثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وعن الشافعي: يستحب أن يتأخر عن الإمام قليلا، وعن سعيد بن المسيب أنه يقيمه عن يساره، وفيه قول رابع مروي عن النخغي
«لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى به وأقامه عن يمينه» ولا يتأخر عن الإمام، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام والأول هو الظاهر، فإن صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء؛ لأنه خالف السنة ـــــــــــــــــــــــــــــQأنه يقوم خلفه إلى أن يركع، فإذا جاء أخذ الإمام عن يمينه. م: (لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى به وأقامه عن يمينه» ش: حديث ابن عباس أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن كريب مولى ابن عباس. قال: «نمت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الليل، فأطلق القربة فتوضأ ثم أوكأ القربة، ثم قام إلى الصلاة فقمت وتوضأت كما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فأخذني جنبه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمنيه، فصليت معه» . أخرجوه مختصرا ومطولا. فإن قلت: كيف يجوز أداء النفل بالجماعة وإنه بدعة. قلت: أداء النفل بالجماعة بلا أذان ولا إقامة بواحد أو اثنين، يجوز على أنا نقول: التهجد كان فرضا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكون اقتداء المتنفل بالمفترض مع أن ابن عباس كان صبيا فلا يكون مخالطا. م: (ولا يتأخر عن الإمام) ش:؛ لأن التأخر خلاف السنة، وإن كان المقتدي أطول وسجوده قدام الإمام لا يضره؛ لأن العبرة بموضع الوقوف، كما لو وقف في الصف فوقوع سجود الإمام يطوله. م: (وعن محمد أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام) ش: كما هو المشهور من عمل العامة م: (والأول هو الظاهر) ش: أي قيام المقتدي عن يمين الإمام بدون التأخر هو ظاهر الرواية ووجهه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. م: (فإن صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء) ش: أي وإن صلى المقتدي خلف الإمام أو عن يساره، والحال أنه وحده جاز والحال أنه مسيء أي فاعل فعل السيئ م: (لأنه خالف السنة) ش: وهو ما ذكر حديث ابن عباس آنفا، وعن شيخ الإسلام من مشايخنا من قال: الجواب في الفصلين وهو ما لو قام عن يساره أو خلفه واحد؛ لأنه ترك السنة في القيام فيكون مكروها. ومنهم من فرق وقال: لا يكون عن يساره إذا قام خلفه؛ لأنه لا يصير تاركا للسنة من كل وجه؛ لأنه عمل به واحد من الصحابة وهو ابن عباس فإنه قام خلفه، ودعا له بالفقه والعلم، وعند أحمد لو وقف على يساره تبطل صلاته، وقال أحمد: لو كان اثنان وكان أحدهما صبيا فوقفا عن يمينه فلا بأس به، ولو وقفا خلفه توقف أحمد، وأكثرهم على أنه لا يصح بل الصبي يقف على يساره.
وإن أم اثنين تقدم عليهما، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوسطهما، ونقل ذلك عن عبد الله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وإن أم اثنين تقدم عليهما) ش: أي وإن أم رجلين تقدم عليهما وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتوسطهما) ش: أي الإمام يتوسط اثنين؛ لأن الاصطفاف خلف الإمام سنة الجماعة والاثنين ليسا بجماعة حقيقة. م: (ونقل ذلك عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي نقل التوسط بين الاثنين عن عبد الله بن مسعود، هذا موقوف على ابن مسعود كما ترى، وقد رواه مسلم من ثلاث طرق ولم يرفعه في الأوليين ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال فيه: «هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقال الترمذي في "جامعه " عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فقام بينهما، قال: ورواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح عندهم التوقيف على ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود، وقال الحارثي: حديث ابن مسعود منسوخ وأراد به الحديث الذي أخرجه مسلم عنه في "صحيحه "، وعن إبراهيم «عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال: أصلي من خلفكم؟ قالا: نعم، فقام بينهما فجعل أحدهما بيمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبتينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - لأنه إنما تعلم هذه الصورة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة وفيهما التطبيق وأحكام أخرى وهي متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة تركه. فإن قلت: ما أجاب المصنف عن حديث ابن مسعود هذا. قلت: أجيب بثلاثة أجوبة. الأول: أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآتي ذكره عقيب هذا الحديث. والثاني: أنه قال لضيق المسجد وبعذر آخر لا على أنه من السنة. والثالث: ذكر البيهقي في " المعرفة «أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وأبو ذر عن يمينه كل واحد يصلي لنفسه، فقام ابن مسعود خلفهما فأومأ إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشماله فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف، ولم يعلم أنه يؤمهما وعلمه أبو ذر حتى قال فيما روي عنه يصلي كل رجل منا لنفسه» . م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما» ش: وهذا الحديث أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة «عن أنس بن مالك
[إمامة المرأة والصبي في الصلاة]
فهذا للأفضلية والأثر دليل الإباحة. ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة أو صبي، أما المرأة فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله» ، فلا يجوز تقديمها ـــــــــــــــــــــــــــــQأن جدته مليكه دعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصل لكم" [قال أنس:] فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقمت أنا واليتيم من ورائه والعجوز وأنس وراءنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف» واليتيم هو ضمير بن أبي ضميرة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له ولأبيه صحبة، وقيل: اليتيم أخو أنس لأبيه واسمه ضمير واليتيم علم غالب له كالنجم للثريا. وقال أبو عمر: قوله: جدته مليكة، والضمير عائد على إسحاق وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة، وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري، وهي أم أنس بن مالك، وقال غيره: الضمير يعود إلى أنس وهو القائل: إن جدته، وهي جدة أنس بن مالك أم أمه واسمها مليكة بنت مالك بن عدي، ويؤيد ما قال أبو عمر أن في بعض طرق الحديث أن أم سلمة سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يؤمها، أخرجه النسائي عن يحيى بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله فذكره وأم سليم وهي أم أنس جاء ذلك مصرحا في البخاري. م: (فهذا دليل للأفضلية) ش: أي فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقدمه على الاثنين دليل الأفضلية م: (والأثر دليل الإباحة) ش: أراد بالأثر الذي رواه أبو يوسف عن ابن مسعود. فإن قلت: لم يعكس قلت: ترجيحا لفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على فعل غيره. 1 - فروع: ولو قام واحد بجنب الإمام وخلفه صف يكره بالإجماع، كذا في " شرح الإرشاد "، وفي " المجتبى ": السنة أن يقوم في المحراب ليعدل الطرفين ولو قام في أحد جانبي الصف يكره، ولو كان المسجد الصيفي بجنب الشتوي، وإملاء المسجد ليقوم الإمام في جانب الحائط يستوي القوم من جانبيه، والأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: أكره أن يقوم الإمام بين الساريتين، وفي رواية: أو ناحية المسجد أو إلى سارية؛ لأنه خلاف لعمل الأمة، ومتى استوى جانباه يقوم عن يمين الإمام إن أمكنه وإن وجد في الصف فرجة سدها ولا ينتظر حتى يجيء آخر فيقفان خلفه، ولو لم يجد عالما يقف خلف الصف بحذاء الإمام للضرورة، ولو وقف منفردا بغير عذر تصح صلاته عندنا، وعند الشافعي ومالك. وقال أحمد وأصحاب الحديث: لا تصح صلاته واحتجوا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة للمنفرد خلف الصف» ، ولنا حديث أنس واليتيم والعجوز، وقد جوزوا اقتداءها وهي منفردة خلف الصف، وما رواه من الحديث المذكور أريد به نفي الكمال. [إمامة المرأة والصبي في الصلاة] م: (ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة ولا صبي، أما المرأة فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله، فلا يجوز تقديمها» ش: هذا غير مرفوع، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في "معجمه " ولم أر أحدا من شراح " الهداية " تعرض لحال هذا الخبر، وكتب أصحابنا معتبرة، وذكره الكبائر أي من الشافعية في كتاب بعض ما تفرد به أحمد بن حنبل، وذكره أيضا ابن قدامة في " المغني " وابن حزم في " المحلى "، وجه الاستدلال بقوله: من حيث أخرهن الله، ما قال أبو زيد في " الأسرار ": إن حيث عبارة عن المكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، وقيل: يجوز أن يكون حيث للتعليل يعني كما أخرهن الله تعالى في الشهادة والإرث والسلطنة وسائر الولايات. قلت: أصل حيث أنه ظرف مكان مضاف إلى الجملة تقول: اجلس حيث الأمير جالس، وحيث جلس الأمير، وقد يضاف إلى المفرد كقول الشاعر: تمضي المواضي حيث لي العمائم .... .... قال أبو الفتح: من أضاف حيث إلى المفرد أعربها، ومن ذلك ضبط بعضهم، أما ترى حيث سهيل طالعا، بفتح ثاء حيث وخفض سهيل، وأصله حيث سهيل بضم الثاء ورفع سهيل، والخبر محذوف أي موجود إذا اتصلت بها ما النافية فضمنت معنى الشرط وجزمت الفعلين، وفيه ست لغات بالحركات الثلاث وبالواو معها، ومن العرب من يعرب حيث، وعليه قراءة من قرأ {من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182] بالكسر وهي للمكان اتفاقا. وقال الأخفش: وقد ترد للزمان، أقول في الخبر أمرا تبركا بتأخيرهن من حيث العام في الصلاة؛ لعدم وجوب تأخيرهن خارج الصلاة إجماعا، وحيث تأخيرهن في الصلاة إظهار لتعيينهن في الجماعة؛ لأن الرجال هم الأصول في إقامة الجماعة، فإن جماعة النساء ليست مستحبة عن الانفراد. وعند الشافعي: دون استحباب الرجال والرجل هو المخاطب بالتأخير، فإذا ترك ما هو يخاطب به فسدت صلاته كما لو تقدم على إمامه. يظهر من هذا كله أنه أمر بتأخيرها وهو نهي عن الصلاة خلفها وإلى جانبها أيضا، والنهي يقتضي فساد المنهي؛ ولأن في تأخيرها صيانة للصلاة عن الفساد، وهي واجبة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (محمد: الآية 33) ، وإليه أشار المصنف بقوله: فلا يجوز تقديمها، هذه نتيجة قوله: ولا يجوز أن يقتدوا بامرأة، تقدير الكلام: لما جاء الأمر بتأخيرها فلا يجوز تقديمها، فلم يجز الاقتداء بها. وفي الأترازي: فإن قيل: هذا الحديث خبر الواحد وبمثله ثبت الوجوب لا الفرض فلا تفسد الصلاة بتركه. قلنا: هذا حديث مشهور تثبت الفرضية به، فتركه مفسد، وفي " المجتبى ": يمسك في المسألة بالإجماع، والمراد به إجماع المجتهدين، لأنه حكي عن ابن جرير الطبري أنه يجوز إمامتها
[إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها]
وأما الصبي فلأنه متنفل، فلا يجوز اقتداء المفترض به، وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولم يجوزه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ومنهم من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - والمختار أنه لا يجوز في الصلوات كلها؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبالتراويح إذا لم يكن هناك قارئ غيرها. م: (وأما الصبي فلأنه متنفل) ش: أي وأما عدم جواز الاقتداء بالصبي فلأنه متنفل والذي يقتدي به مفترض م: (فلا يجوز اقتداء المقترض به) ش: أي بالمتنفل؛ لأن صلاة الإمام متضمنة صلاة المقتدي صحة وفسادا، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإمام ضامن» ولا شك أن الشيء إنما يتضمن ما هو دونه لا ما هو فوقه، فلم يجز اقتداء البالغ بالصبي لهذا، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأحمد وإسحاق، وفي النفل روايتان. وقال ابن المنذر: وكرهها عطاء والشعبي ومجاهد، وقال الحسن والشافعي: تصح إمامته، وفي الجمعة له قولان، قال في " الأم ": لا تجوز، وقال في " الإملاء ": تجوز لما روى البخاري عن عمرو بن سلمة قال: «أممت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا غلام ابن ست سنين أو ابن سبع سنين» وسلمة صحابي، والأشهر أن عمرا لم يسمع من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يرو عنه، وقال الخطابي: كان الحسن يضعف حديث عمرو بن سلمة، وقال مرة: دعه ليس بشيء بين. وقال أبو داود: وقيل لأحمد حديث عمرو قال: لا أدري ما هذا، فلعله لم يتحقق بلوغ أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وقد خالفه أمثال الصحابة، وقد قال عمرو: كنت إذا سجدت خرجت استي، وهذا غير بالغ، والعجيب أنهم لم يجعلوا قول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وكبار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأفعالهم حجة، واستدلوا بفعل [صبي] عمره ست سنين، ولا يعرف فرائض الوضوء والصلاة، فكيف يتقدم في الإمامة؟ ومنعه أحوط في الدين، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يؤم الغلام حتى يحتلم، وعن ابن مسعود: لا يؤم الغلام الذي لا تجب عليه الحدود، رواهما الأثرم في "سننه ". [إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها] م: (وفي التراويح والسنن المطلقة) ش: السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها م: (جوزه) ش: أي الاقتداء بالصبي م: (مشايخ بلخ ولم يجوزه مشايخنا) ش: أي ولم يجوز الاقتداء بالصبي علماء أهل بخارى وسمرقند. م: (ومنهم) ش: أي ومن مشايخ بخارى وسمرقند م: (من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد) ش: فقال عند أبي يوسف: لا يجوز الاقتداء، وعند محمد يجوز م: (والمختار) ش: أي للفتوى م: (أنه) ش: أي أن الاقتداء بالصبي م: (لا يجوز في الصلوات كلها؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ) ش:؛ لأن نفل البالغ مضمون حيث يجب القضاء إذا أفسده، ونفل الصبي غير
[كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة]
حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد بالإجماع، ولا يبني القوي على الضعيف، بخلاف المظنون؛ لأنه مجتهد فيه، فاعتبر العارض عدما، وبخلاف اقتداء الصبي بالصبي؛ لأن الصلاة متحدة ويصف الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ـــــــــــــــــــــــــــــQمضمون م: (حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد بالإجماع) ش: فيكون نفل الصبي دون نفل البالغ فلا يجوز أن يكون الأدنى متضمنا للأعلى. م: (ولا يبني القوي على الضعيف) ش: لأن نفل البالغ القوي حيث يلزمه بالشروع، ونفل الصبي ضعيف حيث لا يلزمه بالشروع، وعلى هذا لا يجوز الاقتداء به أيضا في النفل. م: (بخلاف المظنون) ش: هذا جواب عن قياس مشايخ بلخ عن المظنون وتقديره قياس اقتداء البالغ بالصبي على الاقتداء بالظان فاسد، صورة المظنون أن يقتدي المتنفل بمن يصلي صلاة عليه يجوز الاقتداء، وإن كانت غير مضمونة بالقضاء عندنا، لأنه شرع فيه على قصد التزام فرض آخر عليه، وصورة أخرى شرع في صلاة على ظن أنها عليه فاقتدى به متنفل ثم أفسده يلزمه القضاء، وإن لم يلزم الإمام على تقدير الإفساد م: (لأنه مجتهد فيه) ش: أي؛ لأن المظنون مجتهد فيه؛ لأن عند زفر القضاء واجب على الظان، فصار كأن الإمام ضامن فاتحد حال الإمام والمقتدي فجاز الاقتداء به. م: (فاعتبر العارض) ش: وهو للظان م: (عدما) ش: في حق المقتدي بالنظر إلى اجتهاد زفر مع احتمال صحة قول المجتهد؛ لأن في زعمه مضمونة صلاة الإمام، فكان هذا اقتداء بمصلي المضمونة، أما الصبي فليس من أهل الضمان حتى يسري حكم ضمانه إلى المقتدي فكان اقتداء البالغ به في معنى اقتداء المفترض بالمتنفل. م: (وبخلاف اقتداء الصبي بالصبي؛ لأن الصلاة متحدة) ش: لعدم الضمان على واحد منهما وكان بناء الضعيف على الضعيف. [كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة] م: (ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء) ش: هذا ترتيب القيام خلف الإمام، وفي " المحيط " و " الإسبيجابي ": يلي الإمام الرجال ثم الصبيان الكبار ثم الخناثى ثم النساء ثم الصبيات والمراهقات م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ش: روي هذا الحديث عن ابن مسعود وأبي مسعود والبراء بن عازب، فحديث ابن مسعود أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم» . وحديث البراء بن عازب أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل من حديث عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتينا إذا أقيمت الصلاة فيمسح عواتقنا ويقول: "أقيموا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالنهى» وسكت عنه. وقال الزيلعي في تخريج أحاديث " الهداية " للمصنف: استدل بهذا الحديث على قوله ويصف الرجال.. إلخ، ولا ينهض ذلك إلا على تقديم الرجال فقط، ويمكن أن يستدل بحديث أبي مالك الأشعري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصفهم في الصلاة فيجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان» رواه الحارث ابن أبي أسامة في "مسنده ". وأخرج ابن أبي شيبة عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام الرجال يلونه وأقام الصبيان خلف ذلك» . قال الأكمل: الصبيان تابعة للرجال لاحتمال رجوليتهم. قلت: إذا سلمنا هذا فما الدليل منه على كون النساء بعد الصبيان، قوله: ليلني بكسر اللامين وتخفيف النون من ولي يلي وليا وهو القرب، وأصل يلي يولي حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسر وأمر الغائب منه ليل؛ لأن الياء تسقط للجزم، وأمر الحاضر مثل ق على وزن ع، وقال النووي: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد. قلت: القاعدة في ذلك أن النون المؤكدة إذا دخلت الناقص تعود الياء والواو المحذوفتان فيصير ليليني. قوله: أولو الأحلام حلم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم تقول منه: حلم بفتح اللام، واحتلم تقول: حلمت هكذا وحلمته أيضا ولكن غلبت استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ، فكان المراد هاهنا ليلني البالغون. قوله: النهى بضم النون جمع نهية بضم النون وسكون الهاء وهي العقل، يقال بفتح النون أيضا؛ لأنه نهى صاحبه عن الرذائل وكذلك العقل لعقله من عقال البعير، ويقال: رجل نه ونهى من قوم نهى، وقال أبو علي الفارسي: يجوز ألا يكون النهى مصدر كالهدى وأن يكون جمعا قال: ومعناه في اللغة الشاب والحسن. وقال السغناقي في تعبير الحلم بالعقل غلط من وجهين: أحدهما: أن الثقات لم يفسروه. الثاني: إثبات التكرار في الحديث، ففي تفسير العقل من غير قابل؛ لأن النهى جمع نهية وهي العقل. قلت: قد فسر بعضهم بالحلم وليس فيه التكرار، وإنما هو التأكيد؛ لأن اللفظ مختلف والمعنى واحد، وقد وقع من غير فائدة مثل هذا في الكلام الفصيح. قوله: وإياكم، من المنصوبات بالإلزام كما في قوله: إياكم والأسد، والمعنى: اتقوا
[محاذاة المرأة للرجل في الصلاة]
ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن. وإن حاذته امرأة وهما مشتركان في صلاة واحدة ـــــــــــــــــــــــــــــQأنفسكم أن تعرضوا لهيشات الأسواق، وهو بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف، وبالشين المعجمة وروي هوشان وأصله من الهوش وهو الاختلاط والهوشة الفتنة وبينهم تهاوش أي اختلاط واختلاف. فإن قلت: ما وجه تخصيص أولي الأحلام والنهى بذلك. قلت: لاختلافها من احتياج إليه ولتبليغ ما سمعوه منه وضبط ما يحدث عنه والتنبيه على سهو إن وقع؛ لأنهم أحق بالتقديم وليقتدي بهم من بعدهم، وكذا ينبغي لسائر الأئمة الاقتداء برأيه وسيرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل حال من جموع الصلاة، وتجانس العلم والذكر وبحال الرأي [.... ..] ، قوله: ثم الذين يلونهم، معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف. م: (ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن) ش: هذا دليل معقول وتمهيد لذلك مسألة المحاذاة، أي ولأن محاذاة النساء الرجال مفسدة لصلاتهم فيؤخرون دفعا لفسادهم. [محاذاة المرأة للرجل في الصلاة] م: (وإن حاذته امرأة) ش: أي وإن حاذت المصلي امرأة، والمحاذاة في اللغة هي المقابلة بالحذاء، يقال: حاذاه يحذوه وفلان جلس بحذاء فلان، وفلان يحتذي فلانا أي يقتدي به، ويقال: احتذى شماله وانتحى فعاله أي: اقتدى به وحذوه النعل بالنعل حذوا إذا أقدرت كل واحدة على صاحبها، وفي " المغرب " حذوته وحاذيته إذا ضربت بحذائه وحذا بي الفلان عليهما م: (وهما مشتركان في صلاة واحدة) ش: أي والحال الرجل والمرأة المحاذية له يشتركان في صلاة واحدة، وهاهنا شروط: الأول: أن يكون المحاذاة بين الرجل والمرأة، فلو كان المحاذي صبيا لا تفسد صلاة الرجل، وكذلك لو كان معتوها. الثاني: أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة بأن كانت بنت سبع، وقيل: بنت تسع نظرا إلى بنائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهذا يبلغ في التاسع والأصح أن السن التي ذكرت لا تفسد بها بل المعتبر أن تكون ضخمة تتحمل الجماع، وإن لم تكن كذلك لا تكون مشتهاة بالسن الذي ذكر، أما لو بلغت سن البلوغ ولم تكن ضخمة ينبغي أن تكون مشتهاة بالسن، وهذا لا تراع فيه وسواء كانت المرأة المحاذية أجنبية أو ذات رحم محرم أو عجوزة ينفر الناس منها وتكرهها. الثالث: أن تكون المرأة عاقلة. الرابع: أن لا يكون بينهما حائل؛ لأن الحائل يرفع المحاذاة والحائل أن تكون بينهما أسطوانة أو كانت في قبة في وسط الصف، وفي " التحرير " أو مقدار ما يقوم به رجل آخر، وفي " المحيط " و " المفيد ": أو كان أحدهما على دكان قدر قامة الرجل والآخر أسفل وفي " المحيط " أو بينهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحائل أدناه مثل مؤخرة الرجل أو مقدمته، وفي " الحواشي ": غلظ من غلظ الأصبع ثم المساءة لأكثر القوم كذا في " مختصر المحيط "، قال أبو الليث: هو الأصح، وقيل: الأصح أن الاعتبار بالساق والكعب. الخامس: أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود حتى تكون صلاة من كل وجه، وإن كان ما يصليان بالإيماء لعذر؛ لأنها مطلقة في الأصل ولا تكون المحاذاة مفسدة في صلاة الجنازة. السادس: أن تكون المحاذاة في ركن كامل، وينبغي للحال أن يشترط أن يكون الأداء في ركن كامل عند محمد، وعند أبي يوسف لو وقعت مقدار الركن فسدت، وإن لم تؤد، وفي " مختصر بحر المحيط " لو حاذته أقل من مقدار أفسدت عند أبي يوسف وعند محمد لا تفسد إلا مقدار الركن. وفي " المحيط " ذكر الجرجاني أن امرأة لو كبرت في الصف الأول، وركعت في الصف الثاني وسجدت في الصف الثالث، فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها في كل صف؛ لأنها أدت ركنا كاملا من أركان صلاتها في كل صف، فصار كالمدفوع إلى صف النساء. السابع: أن يكون فيه نوى الإمام إمامتها، أو نوى إمامته النساء إلا امرأة بعينها تحاذيه لا تفسد صلاته ذكره صاحب " المحيط عن أبي يوسف، وقال شمس الأئمة السرخسي: لو صححنا اقتداء المرأة بالرجل بغير سنة قدرت على إفساد صلاة الرجل كل امرأة متى شاءت، بأن تقتدي به فتقف إلى جنبه وفيه من الضرر ما لا يخفى، وإن كان الجواب مطلقا في الكتاب يعني يجوز اقتداء المرأة بالرجل في الجمعة والعيدين، ولكن هو محمول عند أكثر المشايخ على وجود النية من الإمام، ومنهم من سلم ولكن يفرق بينهما وبين سائر الصلوات، فنقول: الضرر هاهنا في جانبها؛ لأنها لا تقدر على صلاة العيدين والجمعة وحدها، ولا تجد إماما آخر يقتدى به مع أنها لا تقدر على الوقوف بجنب الإمام؛ لكثرة الازدحام في هذه الصلوات، وصححنا اقتداءها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات. الثامن: شرط ذكره صاحب " الينابيع " وهو أن يكون الإمام قد نوى إمامتها، وهي معه قد اقتدت به من أول صلاته، ولو نوى إمامتها إلا أنها لم تقتد به في أول صلاته فصلاتهما جائزة؛ لأن الركن لا يوجد في كل واحد من كل وجه حيث انفرد في بعضها، وإذا وجدت الشركة من أول الصلاة فوقفت بجنب الإمام فسدت صلاته وصلاتهما مع القوم؛ لفساد صلاة إمامهم، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فإنه ذكر في " الذخيرة " وعزاه في كتاب " الغنية " فقال: اقتدى رجل وامرأة برجل في الركعة الثالثة ثم أحدثا فذهبا وتوضآ ثم جاءا فيصليان فحاذته إن حاذته في الثالثة والرابعة للإمام وهي الأولى والثانية لهما تفسد صلاة الرجل، وإن حاذته في الثالثة والرابعة لهما لا تفسد صلاة الرجل؛ لأنهما متسويان فيها
فسدت صلاة إن نوى الإمام إمامتها، والقياس أن لا تفسد، وهو قول الشافعي - رحمة الله عليه - اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " مختصر بحر المحيط " نية إمامة النساء تعتبر وقت الشروع لا بعده، وتصح نية النساء بدون حضورهن، وقيل: يشترط حضرتها، وفي " الذخيرة " ذكر في بعض الفتاوى لو أن رجلا صلى ولم ينو إمامة النساء فاقتدت به امرأة، قال أبو نصر: إن لم تقم بجنبه يصح اقتداؤها، وقال أبو القاسم: لا يصح اقتداؤها في الوجهين. وفي الأسبيجابي: لو تقدمت أمامه لا يصح اقتداؤها وتصح صلاته. وفي " المرغيناني ": لو تقدمت المرأة فالصحيح أن صلاة الرجل لا تفسد؛ لأنه لم يرض بإمامتها، وعن أبي يوسف تفسد. وفي " الذخيرة " حكي عن مشايخ العراق صورة في المحاذاة تفسد صلاة المرأة ولا تفسد صلاة الرجل، وبيانها جاءت امرأة فشرعت في الصلاة بعدما شرع الرجل ناويا إمامة النساء فحاذته تفسد صلاة الرجل، وإذا كانت حاضرة فقامت بحذائه وكان يمكنه أن يؤخرها بالتقدم عليها خطوة أو خطوتين، فلم يتقدم فسدت صلاته؛ لأنه لم يوجد منه التأخير لها وقد ترك فرض المقام. التاسع: أن تكون الصلاة مشتركة يعني تحريمة وأداء بأن يكونا وراء الإمام حقيقة أو تقديرا، أما حقيقة فظاهر، وأما تقديرا فبالتأخير. والعاشر: حد المحاذاة أن يكون عضو منها يحاذي عضوا من الرجل؛ لأنهم شرطوا المحاذاة مطلقا فيتناول كل الأعضاء أو بعضها، ونص في " قاضي خان " أن محاذاة غير قدمها بشيء من الرجل لا يوجب فساد صلاة الرجل، وقال: المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت إن كان قدمها محل أقدام الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة، وإن كان قدمها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة تقع رأس المرأة في السجود قبل رأس الزوج جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم، وفي " الجامع " لو أدركا أول الصلاة مع الإمام ثم أحدث أو نام، وقد فرغ الإمام فحاذته المرأة تفسد صلاته؛ لأن اللاحق خلف الإمام تقديرا، ولهذا لو وافقها يقضي، ولو سها لا يسجد للسهو فكانت الصلاة مشتركة، ولو كانا مسبوقين فحاذته في قضاء ما سبق لم تفسد صلاته؛ لعدم الاشتراك لا حقيقة ولا حكما، ثم الشركة قد تكون باتحاد الفرضين وباقتداء المشروعة بالمتطوعة أو المفترض. م: (فسدت صلاته) ش: جواب الشرط أي صلاة الرجل دون صلاة المرأة ولكن يشترط وهو م: (إن نوى الإمام إمامتها) ش: وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يأتي عن قريب إن شاء الله. م: (والقياس أن لا تفسد) ش: أي أن لا تفسد صلاة الرجل، ويجوز أن تقرأ لا تفسد بضم التاء من الإفساد يعني ومقتضى أن لا تفسد المحاذاة صلاة الرجل م: (وهو قول الشافعي) ش: أي القيام، وهو عدم الفساد قول الشافعي م: (اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد) ش: أي اعتبر الشافعي اعتبارا بصلاة المرأة حيث لا تفسد؛ لأنهما مشتركين تفسد صلاة أحدهما دون الآخر؛ لأن فساد
وجه الاستحسان ما رويناه، وإنه من المشاهير، وهو المخاطب به دونها فيكون هو التارك لفرض القيام، فتفسد صلاته دون صلاتها كالمأموم إذا تقدم على الإمام، وإن لم ينو إمامتها لم تضره ولا تجوز صلاتها؛ لأن الاشتراك لا يثبت دونها عندنا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة لترك الركن أو لوجود ما يناقضها ولم يوجد. م: (وجه الاستحسان ما رويناه) ش: وهو قول أبي مسعود أخروهن من حيث أخرهن الله. وجه الاستدلال به أن الرجل إن أخطأ مكانه ففسدت صلاته كما إذا تقدم على الإمام، وهذا لأن مقامه قدام المرأة للخبر المذكور، فلما حاذته لزم ترك فرض الإمام وهو تأخير المرأة عنه فسدت صلاته دون صلاة المرأة؛ لأن المأمور بالتأخير الرجل دون المرأة. م: (وأنه من المشاهير) ش: أي وإن الخبر المذكور من الأخبار المشهورة. هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: هذا خبر الواحد لا يثبت به الفرض فكيف أثبتم به فرض القيام؟ فأجاب عنه بقوله: وأنه من المشاهير، وليس بخبر الواحد فيجوز به الزيادة على الكتاب، ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أن الفرض يثبت به ابتداء، بل يثبت باعتبار أنه وقع بيانا لما تضمنه كتاب الله بقوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، فألحق بالكتاب فأخذ حكمه. أقول: هذا كله إذا ثبت كون الخبر المذكور حديثا مرفوعا ولم يثبت ذلك كما ذكرنا. م: (وهو المخاطب به دونها) ش: هذا جواب عن وجه القياس وتقريره أن يقال: لا يلزم من عدم فساد صلاتها عدم فساد صلاته؛ لأنه المخاطب به أي؛ لقوله أخروهن من حيث أخرهن الله م: (دون المرأة) ش:. فإن قلت: إذا كان هو مأمورا بتأخيرها وتكون هي أيضا مأمورة بالتأخير؛ لأن التأخير لازم التأخر فينبغي أن تفسد صلاتها. فإن قلت: لا نسلم أنها مأمورة قصدا بل هي مأمورة ضمنا، وما ثبت ضمنا دون ما ثبت قصدا، ففسدت صلاته دون صلاتها، وأيضا كان يمكن له أن يتقدم خطوة أو خطوتين، ولا يتأخرها، فيكون هو المقصر وإلى هذا أشار بقوله: (فيكون هو التارك لفرض القيام) ش: وهو تقديمه عليها م: (فتفسد صلاته دون صلاتها) ش: لعدم التقصير منها م: (كالمأموم إذا تقدم على الإمام) ش: وهذا القياس مستقيم على قول الشافعي وأحمد؛ لأنهما يقولان بفساد المأموم إذا تقدم على إمامه خلافا لمالك وإسحاق. وقال الثوري: المناولة بالعقب على المذهب، وفي الوسط الاعتبار بالكعب. م: (وإن لم ينو إمامتها لم تضره) ش: أي لم ينو الإمام إمامته المرأة تضره المحاذاة لعدم الاشتراك م: (ولا تجوز صلاتها) ش: أي صلاة المرأة م: (لأن الاشتراك) ش: بين الإمام وبينها م: (لا يثبت دونها عندنا) ش: أي دون النية؛ لأن نيته إمامتها يشترط لفساد صلاة الرجل عند المحاذاة عندنا.
خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى أنه يلزمه الترتيب في المقام فيتوقف على التزامه كالاقتداء، وإنما يشترط نية الإمامة إذا ائتمت محاذية، وإن لم يكن بجنبها رجل ففيه روايتان، والفرق على إحداهما أن الفساد في الأول لازم، وفي الثاني محتمل. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده نية إمامتها ليست بشرط؛ لفساد صلاة الرجل بعدما دخلت في صلاته؛ لأن الرجل صالح لإمامة الرجال والنساء ثم اقتداء الرجل به صحيح بلا نية إمامته وكذا اقتداء المرأة. م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله: لأن الاشتراك لا يثبت دونها، وتقريره م: (أنه يلزمه الترتيب في المقام) ش: أي؛ لأن الإمام لا يلزمه الترتيب في المقام أي في التقديم بالنص، وكل من يلزمه شيء توقف على التزامه فلا يسر به الشريك في المقام م: (فيتوقف على التزامه كالاقتداء) ش: فإن الاقتداء لما بقي يلزم فساد صلاته من صلاة الإمام توقف لزوم الفساد على إلزام المقتدي بنية الشروع في صلاة الإمام. فإن قلت: يشكل على هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في اقتداء القارئ بالأمي فإن صلاة الأمي تفسد بسبب اقتداء القارئ به، ومع ذلك لا يشترط للأمي نية إمامة القارئ مع أنه يلحق صلاته فساد من جهة عنده. قلت: يمنع اشتراط النية على قول الكرخي، فإن عنده لا يصح بلا نية أيضا، ولئن فيه لا يلحقه الفساد بسبب الاقتداء، وأما فساد صلاة الإمام في المحاذاة بسبب الاقتداء لا غير فيتوقف على إلزامه كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و " المحيط " ولكن ذكر في الكتاب الصحيح أنه تجوز صلاة الأمي فيما إذا صلى القارئ منفردا على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وفي " جامع المحبوبي ": محاذاة الأمرد تفسد الصلاة عند البعض؛ لأنه ذكر في الملتقط أن الأمرد من قرنه إلى قدمه عورة. م: (وإنما يشترط نية الإمامة إذا ائتمت محاذية) ش: أي إذا اقتدت بالإمام حال كونها محاذية أراد بهذا أن النية إنما تشترط إذا كانت المحاذاة ثابتة وقت الاقتداء بأن قامت أولا بجنب رجل. م: (وإن لم يكن بجنبها رجل) ش: أو كان ولكن المرأة قامت خلفه هل يشترط نية الإمام أو لا؟ م: (ففيه روايتان) ش: في رواية: يشترط لاحتمال تقدم المرأة فتحقق المحاذاة، وفي رواية لا يشترط؛ لأنه لا فساد في الحال وتحققه موهوم م: (والفرق على إحداهما) ش: أي إحدى الروايتين: وهي رواية الصحة م: (أن الفساد في الأول) ش: وهو ما إذا كان بجنبها رجل م: (لازم) ش: لوجود ملزومه وهو المحاذاة في الحال، فلا بد من النية ليكون الفساد بالتزامه م: (وفي الثاني) ش: وهو ما إذا لم يكن بجنبه رجل فالفساد فيه م: (محتمل) ش: بأن تمشي فتحاذي فتفسد، ولكن الظاهر أن لا تمشي في الصلاة ولا تحاذي، فلم يشترط نية الإمام لعدم التحقق بلزوم الفساد.
ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة، وأن تكون مطلقة، وأن تكون المرأة من أهل الشهوة، وأن لا يكون بينهما حائل، لأنها عرفت مفسدة بالنص، بخلاف القياس فيراعي جميع ما ورد به النص ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة) ش: أشار بهذا إلى شرائط المحاذاة المفسدة وقد ذكرنا أنها عشرة، والمصنف ذكر بعضها وأشار بكلمة من التي هي للتبعيض، فمنها أن تكون الصلاة مشتركة يعني تحريمة وأداء بأن يكون خلف الإمام حقيقة أو تقديرا، أما حقيقة فظاهر، وأما تقديرا فمثل رجل وامرأة خلف الإمام أحدثا فتوضآ ثم جاء أو قد فرغ الإمام فحاذته المرأة في الأداء فسدت صلاة الرجل؛ لأنها خلف الإمام تقديرا، ولهذا لم يكن عليهما قراءة ولا سهو، وإنما يبنيان على رأي الإمام في صلاة العيد في عدد التكبيرات ومحلها، ولو كانا مسبوقين فحاذته على قضاء ما سبقها لم تفسد لعدم الاشتراك حقيقة ولا حكما. أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فإن المسبوق منفرد في قضاء ما سبق، وهذا كان عليه السهو والقراءة، وأنه مقيس على صلاة نفسه في صلاة العيد في التكبيرات عددا ومحلا ثم الاشتراك قد يكون باتحاد الفرضين واقتداء المتطوعة بالمتطوع أو المفترض. م: (وأن تكون مطلقة) ش: أي ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مطلقة أي كاملة ذات ركوع وسجود، واحترز بذلك عن صلاة الجنازة، فإن المحاذاة فيها ليست بمفسدة؛ لأنه دعاء وقضاء حق الميت لا غير م: (وأن تكون المرأة من أهل الشهوة) ش: أي ومن شرائط المحاذاة أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة في الحال أو في الماضي، حتى إن محاذاة الصغيرة ليست بمفسدة م: (وأن لا يكون بينهما حائل) ش: أي ومن شرائطها أن لا يكون بين الرجل والمرأة المحاذية حائل أي فاصل، واعتبره في " المحيط " بقدر ذراع، وإن كان أقل منه لا تكون سترة، وقد استقصينا الكلام في هذه الشروط فيما مضى. م: (لأنها) ش: أي؛ لأن المحاذاة م: (عرفت مفسدة) ش: للصلاة م: (بالنص) ش: وهو قوله: أخروهن من حيث أخرهن الله م: (بخلاف القياس) ش: لأن القياس المحاذاة غير مفسدة كما قال زفر والشافعي؛ لأن الصلاة لا تفسد إلا بترك ركن، ولو جردت ساقها فلم يوجد فيها ذلك م: (فيراعي جميع ما ورد به النص) ش: وهذا نتيجة قوله: بخلاف القياس، فحينئذ يراعي فيه ما ورد به النص وهو الخبر المذكور. ثم المرأة الواحدة تفسد صلاة ثلاثة: واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وآخر عن خلفها، والثنتان صلاة أربعة، واحد عن يمينهما، وآخر عن يسارهما، و [اثنان خلفهما] وهذا لفظ " الذخيرة " و " التحرير "، وفي " المبسوط ": واحد عن يمين أحدهما، والآخر عن يسار الأخرى، وهذه العبارة أولى، وصلاة اثنين خلفهما بهما. وإن كن ثلاثا ووقفن في الصف أفسدت صلاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخمسة: واحد عن يمينهن، وآخر عن يسارهن، وثلاثة خلفهن، وثلاثة إلى آخر الصفوف. ولو كان صف تام من النساء خلف الإمام ووراءهن صفوف من الرجال فسدت صلاة تلك الصفوف كلها. وفي " الذخيرة " و " المحيط " و " التحرير ": وهذا استحسان، وفي القياس: تفسد صلاة واحد من الرجال خلف النساء للحائل في حق باقي الصفوف. قلت: هذا استحسان في الاستحسان؛ لأن الفساد في الأصل المحاذاة استحسان، والأصل في الحائل وصف النساء قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من كان بينه وبين الإمام طريق أو نهر أو صف من نساء فليس هو مع الإمام، ذكره في " المحيط و " الذخيرة " وغيرهما، وقال: يرويه كعب بن أبي سليم وهو ضعيف عن تميم وهو مجهول، ورفعه لا أصل له. وفي " المحلى " لابن حزم عن عمر من كان بينه وبين الإمام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الإمام. قال الأسبيجابي: الصف التام من النساء يفسد صلاة من خلفهن ولو كانوا عشرين صفا. وفي " المفيد " و " المزيد ": ولو كان ألف صف إذا كن في صلاة الإمام، وهو الذي يمنع صحة الاقتداء هو الذي لا يغير إلا بحيلة كالبحر وغيره. وقيل: ما تجري فيه سواء كان فيه ماء أو لم يكن ذكره في " المفيد ". وفي " المختصر " و " البحر المحيط ": السواقي تمنع كالأنهار عند أبي يوسف، ورواية عن أبي حنيفة، وقال محمد: لا يمنع إلا ما تجري فيه السفينة والزورق وهكذا ذكر الحاكم الشهيد في " المنتقى "، قال صاحب " الذخيرة ": وهو الصحيح، وفي " المحيط ": وهو الأصح. وعن أبي يوسف إن كان يمكن الشمس في بطنه كان عظيما، ومن المشايخ من قال: إذا كان لا يمكن الرجل القوي أن يحاذه بوثبة فهو مانع، ولو كان على عدة صفوف متصلة لا يمنع عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وفي الحوض إن وصلت النجاسة إلى الجانب الآخر يمنع، ذكره الإمام أبو نصر الصفار، والطريق العريضة ما تمر به العامة ويمر به الواحد أو الاثنان خاصة، وقيل ما تمر به العجلة وحمل البعير والمحمل. 1 - فروع أخرى: وفي " المحيط ": إذا كان يصلي في الصحراء وبينه وبين إمامه قدر صفين يمنع وأقل لا، وفي " الذخيرة " عن الفقيه أبي القاسم الصفار: مانع والبعد بينه وبين إمامه في المسجد لا يمنع إذا لم يشتبه حال إمامه عليه، والمصلي بمنزلة المسجد في هذا وفي جوامع الفقيه: البيت والدار ومصلى العيد والجنازة بمنزلة المسجد كذا عن أبي يوسف بخلاف الصحراء. وقال أبو الحسن علي الصفدي: البيت لها كالمسجد للرجل كما في سجدة التلاوة، وفي " مختصر البحر المحيط ": المسافة التي تمنع الاقتداء في الصحراء تمنعه في البيت. قال: والأصح أنه يجوز صلاة جماعة في خان القاضي، أو خان السبيل والباب المغلق يجوز الاقتداء، وإن لم تتصل الصفوف، وهو جواب القاضي الحاكم ببخارى، وقيل: لا يجوز به لو
[حضور النساء للجماعات]
ويكره لهن حضور الجماعات يعني الشواب منهن؛ لما فيه من خوف الفتنة، ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQكان بينه وبين الإمام حائط تجوز صلاته، قال في " المحيط " و " الذخيرة ": أطلق محمد الجواب في الأصل في الحائط قالوا: هذا إذا كان الحائط قصيرا مثل قامة الرجل لا يمنعه من الوصول إلى الإمام، وإن كان طويلا منع، وإن لم يشتبه عليه حال الإمام كالنهر العظيم والطريق العريضة. وفي " الذخيرة ": اختلف المشايخ في الفاصل القصير وغيره، فقال أبو طاهر الدباس: القصير ما يصعد عليه بغير كلفة بأن يخطو الرجل خطوة ويضع قدمه عليه. وعن محمد بن سلمة: القصير ما لا يشتبه حال الإمام عليه به. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: القصير حائط المقصورة بحيث لا يمنع المقتدي من الوصول إلى الإمام، وإن [كان] في الطويل ثقب كبير مثل الباب فيصح الاقتداء، وإن كان صغيرا لا يمكنه الوصول إلى مكان الإمام قيل: لا يصح، وقيل: يصح، والباب الكبير إن كان مسدودا قيل: لا يصح الاقتداء به، وبه قال الفقيه أبو بكر الإسكاف، وقيل: يصح وبه قال الفقيه أبو بكر الأعمش، وإن كان الحائط الطويل عليه شباك فمن اعتبر الوصول قال يمنع، ومن اعتبر حال اشتباه الإمام قال: لا يمنع، فإن كان الإمام على الأرض والقوم على سطح المسجد أو العكس، قال: إن كان له منعه يصح وإلا فلا. وقيل: إن كان لا يشتبه عليهم حال إمامهم يصح وإلا فلا. ويجوز الاقتداء من المأذنة بالإمام وهو المسجد كالسطح، ولو كان على سطح داره بجنب المسجد لا يصح. قال في " المحيط ": وهو الصحيح. وفي " الذخيرة ": قال الحلوائي: يجوز كما لو صلى بمنزله تحت المسجد وهو يسمع التكبير من الإمام أو المكبر. وقال القاضي علاء الدين في " شرح المختلفات ": لا يجوز، ولو قام على رأس الحائط الذي هو المسجد ومنزله قالوا: يجوز؛ لأنه لا حائل هناك، وفي فناء المسجد لا يشترط اتصال الصفوف ولا يلي المسجد؛ لأنه في حكم المسجد، وإليه أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السفينتين المتلاصقتين يشترط اتصال الصفوف. [حضور النساء للجماعات] م: (قال: ويكره لهن حضور الجماعات) ش: أي يكره للنساء م: (يعني الشواب منهن) ش: وهي جمع شابة، وهذه اللفظة بإطلاقها تتناول الجُمَع والأعياد والكسوف والاستسقاء. وعن الشافعي: يباح لهن الخروج م: (لما فيه) ش: أي في حضورهن الجماعة م: (من خوف الفتنة) ش: عليهن من الفساق، وخروجهن سبب للحرام وما يفضي إلى الحرام فحرام. وذكر في كتاب الصلوات مكان الكراهة الإساءة والكراهة فحش. قلت: المراد من الكراهة التحريم ولا سيما في هذا الزمان لفساد أهله. م: (ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء) ش: لحصول الأمن، وفي المغرب اختلاف الروايات، وفي " المنظومة ": ألحق المغرب بالعشاء كما ذكره المصنف والمبسوط لشمس
وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يخرجن في الصلوات كلها؛ لأنه لا فتنة لقلة الرغبة إليها فلا يكره كما في العيد، وله أن فرط الشبق حامل؛ فتقع الفتنة، غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة، أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون، والجبانة متسعة فيمكنها الاعتزال عن الرجال فلا يكره. ـــــــــــــــــــــــــــــQالأئمة. وفي " المختلف ": والعصر ألحق المغرب بالظهر كما في " مبسوط " شيخ الإسلام، ويحتمل أن ذلك بناء أن المغرب تنتشر فيه الفسقة أيضا كالعصر في بعض البلاد، قيل: هذا كله في زمانهم، أما في زماننا فيكره خروج النساء إلى الجماعة لغلبة الفسق والفساد، فإذا كره خروجهن للصلاة فلأن يكره حضورهن مجالس العلم خصوصا عند هؤلاء الجهال الذين تحلوا بحلية أهل العلم. م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي هذا الذي ذكرنا عند أبي حنيفة م: (وقالا: يخرجن في الصلوات كلها) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: العجائز تخرجن في جميع الصلوات م: (لأنه لا فتنة لقلة الرغبة إليها) ش: أي لقلة رغبة الرجال فيهن، كذا علل في بعض الشروح، وفيه نظر؛ لأن الحريص منهم من يرغب في العجائز فيصير خروجهن سببا للوقوع في الفتنة. م: (فلا يكره) ش: نتيجة ما قيل يعني فإذا أمن من الفتنة فلا يكره م: (كما في العيد) ش: أي لا يكره خروجهن في العيد وهذا مجمع عليه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن فرط الشبق) ش: بفتح الباء وهو شدة الغلبة من شبق الفحل بالكسر إذا اشتدت عليه، والفرط بالتسكين مجاوزة الحد م: (حامل) ش: أي على الفتنة م (فتقع الفتنة) ش: بسبب غلبان الشهوة، فعند ذلك يمنعن من الخروج إلى جميع الصلوات نظرا إلى ذلك. م: (غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة) ش: فلا يحصل إلا في هذه الأوقات؛ لأن الحريص منهم يرغب العجائز، وفيهن من يرغب بلا خلاف. م: (أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون) ش: فيحصل الأمن منهم م: (والجبانة متسعة) ش: جواب عن قياسهما بقولهما كما في العيد والجبانة بتشديد الباء الموحدة بعد الجيم م: (فيمكنها الاعتزال عن الرجال) ش: لاتصال الجبانة ولغلبة أهل الصلح يومئذ م: (فلا يكره) ش: نتيجة ما قبله، وتكلموا أن حضورهن للصلاة أو لتكثير الجمع، فروى الحسن عن أبي حنيفة أن خروجهن للصلاة يقمن في آخر الصفوف فيصلين من وراء الرجال؛ لأنهن من أهل الجماعة تبعا للرجل، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن خروجهن لتكثير العراء ويقمن في ناحية ولا يصلين؛ لأنه قد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الحيض بذلك فإنهن ليس من أهل الصلاة.
[صلاة الصحيح خلف صاحب العذر]
قال: ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة ولا الطاهرة خلف المستحاضة؛ لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور، والشيء لا يتضمن ما هو فوقه، والإمام ضامن بمعنى؛ أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» . رواه الجماعة إلا ابن ماجه. قلت: هذا محمول على العجائز، ويؤيده ما رواه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن مسعود «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء عن الخروج إلا عجوزا في منقليها» . والأصح أنه موقوف عليه، والمنقلان الحقان بفتح الميم وهو الأشهر وبكسرها أيضا، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يحبس النساء إلا يوم الجمعة ويخرجن من المسجد، وقال أبو عمرو الشيباني: ابن مسعود حلف فبالغ في اليمين ما صلت امرأة أحب إلى الله من صلاتها في بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من بعولتها، وعن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» رواه أحمد. [صلاة الصحيح خلف صاحب العذر] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة) ش: أراد به من به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ، ومن به استطلاق بطن وانفلات الريح، يعني لا يجوز اقتداء الطاهر بواحد من هؤلاء. م: (ولا الطاهرة خلف المستحاضة) ش: أي: ولا تصلي النساء الطاهرات خلف المستحاضة وهي التي يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه. م: (لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور) ش: فلا يجوز اقتداء الصحيح به؛ لأنه بناء القوي على الضعيف، وهو لا يجوز، وللشافعي في صلاة الطاهر خلف المستحاضة وجهان، والصحيح: أنه لا يجوز كالمتوضئ خلف المتيمم، والغاسل خلف الماسح، وبه قال زفر خلف كل معذور؛ لأنه آت بما هو مأمور به. والثاني: لا يجوز؛ لأن طهارتها ضرورة ولا ضرورة في الاقتداء. م: (والشيء لا يتضمن ما هو فوقه) ش: وإنما قلنا أنها تتضمن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «والإمام ضامن» ش: والضمان ليس في الذمة، فإن صلاة المقتدي لا تصير في ذمته فثبت معناه أن صلاة الإمام في ضمنه صلاة المقتدي وإليه أشار بقوله م: (بمعنى أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي) ش: هذا معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» ومن المعلوم أن صلاة القوم ليست في ذمة الإمام كما ذكرنا، فيكون معنى ضامن لصلاته لتبعية صلاتهم صحة وفسادا، والتضمن إنما يتحقق إذا كان التضمن مثله أو فوقه، أما إذا كان دونه فلا.
[صلاة القارئ خلف الأمي]
ولا يصلي القارئ خلف الأمي، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال تاج الشريعة: قوله: ضامن، من ضمن الشيء يضمنه إذا جعله تحت ضمنه أي كشحه ووقع ثقله عليه. قلت: الضبين بكسر الضاد المعجمة وسكون الباء الموحدة. قال الجوهري: ما بين الإبط والكشح وأول الحمل الإبط ثم الضبين ثم الحص. [صلاة القارئ خلف الأمي] م: (ولا يصلي القارئ خلف الأمي) ش: وللشافعي فيه قولان منصوصان، وثالث مخرج أصحهما الجديد أنه لا يصح، وفي القديم يصح في السرية دون الجهرية، وفي المخرج: يصح مطلقا، وشذ صاحب " الحاوي "، فقال الأقوال الثلاثة إذا كان جاهلا فإن علم لا يصح قطعا، والمذهب ما قدمناه، والصحيح بطلان الاقتداء وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهم واختاره المزني وأبو ثور وابن المنذر وصححه مطلقا، وهو مذهب عطاء وقتادة، والأمي عندهم هو الذي لا يحفظ الفاتحة بكمالها، ولو حفظ جميع القرآن حتى الفاتحة إلا تشديدة منها أمي عندهم، وهذا بعيد من اللغة والعرب، وفي " المغرب ": الأمي في اللغة منسوب إلى أمه من العرب، وهي لم تكتب ولم تقرأ فاستقر لكل من لا يعرف الكتابة ولا القراءة، ومن يعرف الكتابة ويحفظ جميع القرآن إلا حرفا من الفاتحة. فكيف يكون أميا والأمي عندنا من لا يحفظ من القرآن ما تصح به صلاته. وقال تاج الشريعة: الأمي هنا من لا يحسن قراءة شيء من القرآن، منسوب إلى الأم أي هو كما ولدته أمه، وهو في التنزيل والحديث ولسان العرب من لا يحسن التحفظ، وإذا عرف ذلك فمن أحسن قراءة آية من القرآن أن لا يكون أميا حتى يجوز اقتداء من يحفظ التنزيل عند أبي حنيفة وعند ذلك حكم من يحسن ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأن فرض القراءة إنما تقام بهذا القدر، وما رواه فصل في بابه، فقال صاحب " الدراية ": الأمي عند الشافعي من لا يحسن القراءة. وفي " المحيط ": ولا يؤم الأخرس الأمي ذكره الكرخي؛ لأن الأمي يقدر على التحريمة بخلاف الأخرس. وفي " الذخيرة ": لا يجوز لعلمائنا الثلاثة، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلاة أن الأخرس والأمي إذا أرادا الصلاة كان الأمي أولى بالإمامة، فهذا دليل على جواز اقتداء الأمي بالأخرس، والأمي إذا أم الأخرس فصلاتهما جائزة بلا خلاف. وفي " جوامع الفقه " وغيره: إذا قرأ في الأوليين ثم خرس أو صار أميا فسدت صلاة القوم وأتم هو صلاته، ولو اقتدى الأمي بالقارئ فعلم سورة في وسط الصلاة قال الفضل: لا تفسد صلاته، وقال غيره: تفسد، وعن أبي يوسف: من يجن ويفيق لا يجوز إمامته في حال إفاقته إذا كان أكثر حاله الغيبة.
[صلاة المكتسي خلف العاري]
ولا المكتسي خلف العاري؛ لقوة حالهما ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه طهارة ضرورية، والطهارة بالماء أصلية، ولهما أنه طهارة مطلقة، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صلاة المكتسي خلف العاري] م: (ولا المكتسي خلف العاري) ش: أي لا يصلي من عليه الثوب خلف العريان ولو قال: ولا المستور العورة خلف العاري لكان أجود؛ لأن من ستر عورته بالسراويل وغيرها يسمى عاريا في العرف هكذا ذكره المصنف في كفارة اليمين وفي " جوامع الفقه " لا يصح اقتداء الصحيح الذي ثوبه نجسة بالمبتلى بالحدث الدائم م: (لقوة حالهما) ش: أي لقوة حال القارئ والمكتسي وهذا ظاهر، ولا تظن أن الضمير يرجع إلى المكتسي والعاري، لفساد المعنى والمراد بقوة الحال الاشتمال على ما لم تشتمل عليه صلاة الإمام مما تتوقف عليه الصلاة، ثم في كل موضع لا يجوز الاقتداء هل يكون شارعا في صلاة نفسه، في رواية باب الحدث لا يكون شارعا، وكذا في روايات الزيادات حتى لو ضحك قهقهة لا تنتقض طهارته، وفي رواية باب الأذان يصير شارعا وقيل: ما ذكر في باب الحدث قول محمد وما ذكر في باب الأذان قولهما بناء على أن فساد التحريمة يوجب فساد التحريمة في قول محمد وعلى قولهما لا يوجب. وذكر في " المحيط " أن القارئ إذا اقتدى بالأمي قال بعضهم لا يصير شارعا حتى لو كان في التطوع يجب القضاء، والصحيح هو الأول نص عليه محمد في الأصل، وقيل: إنما لا يلزمه القضاء؛ لأن الشروع بمنزلة النذر، ولو نذر المصلي بأن يصلي بغير قراءة لا يلزمه فكذا الشروع. [إمام المتيمم للمتوضئين] م: (ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال جمهور الفقهاء، وحكاه ابن المنذر، عن ابن عباس، وعمار بن ياسر، وجماعة من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. م: (وقال محمد: لا يجوز) ش: وبه قال النخعي ويحيى الأنصاري. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكروه، وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا أن يكون أميرا م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التيمم م: (طهارة ضرورية) ش: يعني لا يصار إليها إلا عند عدم الماء، ويزول كونها طهارة بوجود الماء كما قال الشافعي أنه طهارة ضرورية مع قيام الحدث؛ ولهذا لا يؤدى به فرضان عنده ولا يعتبر قبل الوقت م: (والطهارة بالماء أصلية) ش: لأنه خلف عن الماء ولا شك أن حال من اشتمل على الطهارة الأصلية أقوى من حال من اشتمل على الطهارة الضرورية. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي أن الماء م: (طهارة مطلقة) ش: أي غير مؤقتة بوقت كطهارة المستحاضة.
ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة) ش: أي ولكونه طهارة مطلقة لا يتقدر بقدر الحاجة كالتيمم، ولم يذكر المصنف استدلال أصحابنا بالأخبار فنقول: أصبح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يؤم المتيمم المتوضئين، ولا المقيد المطلقين، ولم يرو عن أقرانه خلاف ذلك فوجب اتباعه، ولهما «حديث عمرو بن العاص أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعله أميرا على سرية فلما انصرفوا سألهم عن سرية فقالوا: كان حسن السرية، ولكنه صلى بنا يوما وهو جنب فسأله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: احتلمت في ليلة باردة حيث الهلاك إن اغتسلت فقرأت قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: الآية 159) ، فتيممت وصليت بهم فتبسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقال مالك: من فقه عمرو بن العاص، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، رواه أبو داود وبغير هذا اللفظ، وقال في آخره: فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل شيئا، ورواه البخاري تعليقا. والجواب عما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أراد به نفي الفضيلة والكمال بدليل عطف المقيد عليه، وهناك المراد في الفضيلة بالاتفاق، وفي الحقيقة هذا الخلاف بناء على ما ذكر في الأصول، وهو أن التراب خلف عن الماء على قولهما، وعنده التيمم خلف عن الوضوء فيكون المتيمم صاحب الخلف والمتوضئ صاحب الأصل عنده فلا يؤمه، وعندهما لما كان التراب خلفا عن الماء في حصول الطهارة فعند حصول الطهارة كان شرط الصلاة موجودا في حق كل واحد منهما بكماله بمنزلة الماسح يؤم الغاسلين. فإن قلت: يرد إشكال على أصل كل واحد منهما بمسألة انقطاع الرجعة، فإن محمدا جعل التيمم هنا طهارة ضرورية، وفي باب الرجعة طهارة مطلقة حتى تنقطع الرجعة بمجرد التيمم من غير أن تصلي، وهما جعلاه قطعا هاهنا وضرورة هناك حتى قالا: لا تنقطع الرجعة بمجرد التيمم فيلزمه التناقض. قلت: لا تناقض أصلا فإنهم اتفقوا على أن التيمم طهارة ضرورية؛ لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز ومطلقة باتفاقهم؛ لعدم توقيته بوقت غير أن الذي يظن هذا إذا وقف على تعليلهم اندفع ذلك عنه فيما اختارا جهة الضرورة في انقطاع الرجعة إذا انقطع دمها في الحقيقة الثالثة بما دون العشرة، وقالا: لم تنقطع الرجعة الإطلاق في حق الصلاة لدفع الحرج، وفي حق انقطاع الرجعة جهة بمجرد التيمم من غير أن تصلي؛ لأن الشرع لم يذكر كونها طهارة في باب الرجعة وكان المقصود من طهارتها أداء الصلاة فما لم يترتب ما هو المقصود منه لم يكن طهارة بالنسبة إليه، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد عمل في البابين جميعا بالاحتياط، ففي باب الصلاة القول بعدم
[صلاة القائم خلف القاعد]
ويؤم الماسح الغاسلين؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم، وما حل بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة؛ لأن الحدث لم يعتبر شرعا مع قيامه حقيقة. ويصلي القائم خلف القاعد، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وهو القياس لقوة حال القائم، ـــــــــــــــــــــــــــــQجواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فخرج عن العهدة على الوجه الأكمل، وفي باب الرجعة القول بالانقطاع؛ لأنه لما انقطعت الرجعة لم يكن لها أن يراجعها ولا يحل له وطؤها وانقطاع الرجعة مما لا يؤخذ فيه بالاحتياط إجماعا، ألا ترى أنه إذا بقيت لمعة من بدنها بعد الاغتسال تنقطع الرجعة عنها احتياطا. م: (ويؤم الماسح الغاسلين) ش: أي يؤم الماسح على الخف الذين غسلوا أرجلهم وهذا بلا خلاف فيه والمفتصد، والماسح على الجيرة كالماسح على الخف، وقيل لا يجوز، ذكر القولين في " المحيط ". م: (لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم) ش: أي؛ لأن خف الماسح يمنع سراية الحدث فيكون هو باقيا على كونه غاسلا م: (وما حل بالخف يزيله المسح) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إنه باق؛ لأنه على كونه غاسلا؛ لأن الخف قام مقام بشرة القدم، والحدث قد حله، وتقرير الجواب أن الذي قد حل بالخف يزيله المسح؛ ولأن المسح على الخف كغسل الرجل وكلمة ما موصولة ومحلها الرفع على الابتداء وخبره الجملة أعني قوله: يزيله المسح م: (بخلاف المستحاضة) ش: يعني لا يجوز إمامة المستحاضة للطاهرة للضرورة وفي القدم ليس بقائم لمنع الخف سراية الحدث. [صلاة القائم خلف القاعد] م: (ويصلي القائم خلف القاعد) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف، والمراد من القاعد الذي يركع ويسجد أما القاعد الذي يومئ فلا يجوز اقتداء القائم به اتفاقا، وبه قال الشافعي ومالك في رواية استحسانا، وقال أحمد والأوزاعي: يصلون خلفه قعودا وبه قال حماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر، وهو المروي عن أربعة من الصحابة وهم جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن فهر حتى لو صلوا قياما لا يجزئهم، ولكن عند أحمد شرطين: الأول: أن يكون المريض إمام حي. الثاني: أن يكون المرض مما يرجى زواله بخلاف الزمانة، واحتجوا على ذلك بحديث أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما جعل الإمام» الحديث، وفي آخره: «وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين» رواه البخاري ومسلم. م: (وقال محمد: لا يجوز) ش: وبه قال مالك في رواية ابن القاسم عنه وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قياسا، أشار إليه بقوله م: (وهو القياس) ش: أي الذي قال محمد هو القياس م: (لقوة حال القائم)
ونحن تركناه بالنص، وهو ما روي: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى آخر صلاته قاعدا والقوم خلفه قيام» ـــــــــــــــــــــــــــــQش: والقاعد ليس كالقائم فيكون اقتداء كامل الحال بناقص الحال فلا يجوز اقتداء القارئ بالأمي م: (ونحن تركناه بالنص) ش: أي تركنا القياس بالنص. فإن قلت: ما وجه قوله ونحن تركناه بالنص ولم يقل: قال ونحوه؟ قلت: أشار بهذه العبارة أن هذا مما اختاره فأشرك نفسه مع أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وهو) ش: أي النص م: (ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى آخر صلاته قاعدا، والقوم خلفه قيام» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر في مرضه الذي توفي فيه أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يصلي بالناس فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض، فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائم، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر» . وهذا صريح في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان الإمام، إذ أجلس عن يسار أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولقوله: «فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس» - ولقوله: «- يقتدي به أبو بكر» - وقال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس وكان أبو بكر مبلغا» - لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان. ويدل عليه حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: «اشتكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره» . رواه مسلم بلفظه والبخاري بمعناه، وكانت هذه صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين والبيهقي وغيره. وقال الماوردي في " الحاوي " روي أنه توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يومه. واعلم أن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قد روي بطرق كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما وفيه اضطراب غير قادح، منهم من ادعى فيه التعارض؛ لأن في رواية شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خلف أبي بكر،» وروى شعبة أيضا عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خلف أبي بكر جالسا في مرضه الذي توفي فيه» فهذا كله يدل على أن أبا بكر كان إماما. وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر أن يصلي بالناس» ... الحديث. وفي آخره فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروى أحمد بن يونس، عن زائدة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله قال: «دخلت على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعائشة فسألتها عن مرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - ... الحديث، وفي آخره، «فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم يصلي بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاعد» . وهذا كله يدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إماما. وقال البيهقي: لا تعارض بين الخبرين، فإن الصلاة التي كان فيها النبي إماما هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حتى خرج من الدنيا. وقال ابن حبان في "صحيحه " بعد أن روى حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من رواية زائدة عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن عبد الله، عن عائشة بلفظ " الصحيحين "، ثم روى من حديث شعبة عن موسى بن أبي عائشة «أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصف خلفه» هذا شعبة قد خالف زائدة في هذا الخبر وهما ثقتان ثبتان حافظان. ثم أخرج عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: أغمي «على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، الحديث، إلى أن قال: فخرج بين ثويبة وبريرة فأجلساه إلى جنب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو جالس وأبو بكر قائم وهو يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر» . ثم أخرج عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا» قال: وعاصم بن أبي النجود ونعيم بن أبي هند حافظان ثقتان. قال: وأقول وبالله التوفيق: إن هذه الأخبار كلها صحيحة ليس فيها تعارض، فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في مرضه الذي توفي فيه صلاتين في المسجد في إحداهما كان إماما وفي الأخرى كان مأموما، قال: والدليل على ذلك أن في خبر عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة أنه خرج - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج بين رجلين العباس وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وفي خبر مسروق عنها أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج بين بريرة وثويبة، وفي كلام البخاري ما يقتضي الميل إلى أن حديث «إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» منسوخ، فإنه قال بعد روايته: قال الحميدي هذا حديث منسوخ بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخر ما صلى صلى قاعدا والناس خلفه قيام وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
ويصلي المومئ خلف مثله لاستوائهما في الحال، إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام مضطجعا؛ لأن القعود معتبر، فتثبت به القوة. ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ؛ لأن حال المتقدي أقوى، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ويصلي المومئ خلف مثله) ش: أي مثله المومئ وهذا لا خلاف فيه م: (لاستوائهما في الحال) ش: أي لاستواء المأمومين في هذه الحالة، وقال التمرتاشي: لو كان الإمام يصلي قاعدا بالإيماء والمقتدي قائما بالإيماء يصح اقتداؤه به أيضا؛ لأن هذا القيام ليس بركن حتى كان الأولى تركه، دل عليه ما لو عجز عن السجود وقدر على غيره من الأفعال أنه يصلي قاعدا بالإيماء فيستوي حاليهما. م: (إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام مضطجعا) ش: هذا استثناء من قوله يصلي: المومئ، أي فحينئذ لا يجوز، وذكر التمرتاشي حكم هذه المسألة على خلاف هذا، فإنه قال: واختلف من يصلي قاعدا مؤمئا، بمن يصلي مضطجعا والأصح أنه يجوز على قول محمد، وكذا الأظهر على قولهما الجواز، وذكر في " المحيط " ما يوافق رواية " الهداية "، ثم ذكر التمرتاشي، وعلى هذا الخلاف اقتداء السليم بالأحدب الذي بلغ حد الركوع. م: (لأن القعود معتبر فتثبت به القوة) ش: دليله أن صلاة المتطوع مستلقيا بالإيماء مع القدرة على القعود لا يجوز. م: (ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ؛ لأن حال المقتدي أقوى) ش: من حال الإمام بقدرته على الركوع والسجود دون الإمام، وحاصله أن حال الراكع والساجد أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف. وفي " الذخيرة ": لو صلى الإمام قاعدا بركوع وسجود وصلى خلفه قوم قعودا بالإيماء وقوم قياما بالإيماء فصلاة الكل جائزة؛ لأن صلاة القاعد بالركوع والسجود أقوى من صلاة القاعد والقائم بالإيماء، ولو كان الإمام يصلي قاعدا بالإيماء يجوز أيضا، وإن كان يصلي مستلقيا بالإيماء لا تجوز صلاة القاعد المومئ خلفه لقوة القاعد؛ لأن حال المستلقي دون حال القاعد، ولهذا لا تجوز صلاة المتنفل مستلقيا، ولو كان الإمام صلى قائما بركوع وسجود خلفه مثله وآخرون يصلون قعودا بركوع وسجود وقوم يصلون بالإيماء مستلقين على أقفيتهم فصلاة الكل جائزة. م: (وفيه خلاف زفر) ش: يعني يجوز عند زفر إمامة المومئ للذي يركع ويسجد؛ لأن صاحب الخلف كصحاب الأصل، ولهذا جازت إمامة المتيمم المتوضئ، وبه قال الشافعي، وقال الماوردي: عجز الإمام عن الأركان لا يمنع من الاقتداء به كالقائم، وفي " المغني " لا يؤم المضطجع والعاجز عن الركوع والسجود لمن يقدر عليهما في قول مالك وأحمد خلافا لزفر والشافعي.
[صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]
ولا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم، قال: ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة ـــــــــــــــــــــــــــــQقلنا: في جواب زفر لا نسلم أن الإيماء كالخلف، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أنه كان في الحقيقة كالمتيمم؛ لأن التيمم خلف يؤدي به أركان الصلاة، كما شرعت وهذا لا يؤدي به كما شرعت. [صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس] م: (ولا يصلي المفترض خلف المتنفل) ش: وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية أبي الحارث عنه، وقال ابن قدامة: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا وهو قول الزهري والحسن وسعيد بن المسيب والنخعي وأبي قلابة ويحيى بن سعيد الأنصاري. قال الطحاوي: وبه قال مجاهد وطاوس. م: (لأن الاقتداء بناء) ش: أي بناء أمر وجودي لأنه عبارة عن متابعة الشخص لآخر في أفعاله بصفاتها وهو مفهوم وجودي لا سلب فيه، وبناء الأمر الوجودي على المعدوم بصفاتها غير متحقق م: (ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام) ش: فلا يمكن بناء الموجود على المعدوم م: (فلا يتحقق البناء على المعدوم) ش: لاستحالة ذلك. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر) ش: أي ولا يصلي من يريد صلاة فرض مثلا صلاة الظهر خلف من يصلي فرضا آخر نحو من يصلي عصرا أو عشاء م: (لأن الاقتداء شركة) ش: يعني في التحريمة م: (وموافقة) ش: يعني في الأفعال فلا بد من الاتحاد في الشركة والموافقة؛ لأنهما لا يوجدان إلا عند اتحاد ما يحرما له وفعلاه. فإن قلت: الشركة تقتضي المعية في الاشتراك، والبناء يقتضي التعاقب وبينهما منافاة. قلت: الاشتراك بالنسبة إلى التحريمة، والبناء بالنسبة إلى الأفعال، فلا منافاة بينهما، وحاصل الأمر أن اتحاد الصلاتين شرط لصحة الاقتداء فلا يصح اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر، وعلى العكس ولا اقتداء من يصلي ظهرا بمن يصلي ظهر يوم آخر، ويجوز اقتداء القاضي بالقاضي إذا فاتتهما صلاة واحدة من يوم واحد كالأداء، ولا يجوز أداء الناذر بالناذر إلا إذا نذر الثاني عين ما نذر الأول لاتحادهما، ولو أفسد كل واحد تطوعه ثم اقتدى أحدهما بالآخر صح كما قبل الإفساد. ويجوز اقتداء الحالف بالحالف؛ لأن وجوبها عارض لتحقيق البرء فبقيت نفلا، ولا يجوز اقتداء الناذر بالحالف لقوة النذر، ويجوز اقتداء الحالف بالناذر، ولو اقتدى مقلد أبي حنيفة في الوتر مقلد أبي يوسف ومحمد جاز لاتحاد الصلاة.
فلا بد من الاتحاد. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في جميع ذلك؛ لأن الاقتداء عنه أداء على سبيل الموافقة، وعندنا معنى التضمن مراعى. ـــــــــــــــــــــــــــــQقال المرغيناني: وعندي نظيره من صلى ركعتين من العصر فغربت الشمس فاقتدى به إنسان في الأخيرتين يجوز، وإن كان هذا قضاء في حق المتقدي؛ لأن الصلاة واحدة ثم إذا لم يصح الاقتداء في هذه المسائل عندنا يصير شارعا في التطوع أم لا؟ فيه روايتان. وقال الصدر الشهيد: الاعتماد على أنه لا يصير شارعا، ولو كان اقتداء المفترض بالمتنفل في فعل واحد. قيل: لا يجوز كما لو كان في جميع الأفعال لأنه بناء الموجود على المعدوم. وقال بعضهم: لا يجوز في فعل واحد ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع فجاء إنسان واقتدى به فقبل أن يسجد السجدتين سبق الإمام الحدث فاستخلف هذا المسبوق صح الاستخلاف ويأتي الخليفة بالسجدتين ويكونان له نفلا حتى يعتد بهما فرضا في حق من أدرك أولا الصلاة ومع هذا صح الاقتداء به، وكذا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض في الركعتين الأخيرتين وهو اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة، والصحيح الأول الذي عليه عامة الأصحاب. والجواب عن الأول: بأن السجدتين فرض في حق الخليفة حتى لو لم يأت بهما حتى خرج من صلاته فسدت صلاته وإن لم يعتد له بهما. وعن الثانية: أن صلاة المقتدي المتنفل أخذت حكم صلاة المفترض بسبب الاقتداء؛ ولهذا لزمه قضاء ما لم يدرك مع الإمام من الشفع الأول، ولذا لو أفسد صلاته يلزم قضاء الأربع فتكون القراءة نفلا في حقه في الركعتين الأخيرتين كما كانت نفلا في حق إمامه، فكان اقتداء المتنفل بالمتنفل في حق القراءة في الأخيرتين. م: (وعند الشافعي يصح في جميع ذلك) ش: يعني يصح عنده اقتداء الذي يركع ويسجد بالمومئ والمفترض بالمتنفل، واقتداء من يصلي فرضا آخر وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن المنذر وهو قول عطاء وطاووس وسليمان بن حرب وداود م: (لأن الاقتداء عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أداء على سبيل الموافقة) ش: وقد حصل التوافق في الأفعال فجاز. م: (وعندنا معنى التضمن مراعى) ش: يعني التضمن الذي دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» مراعى عندنا وهو الصحة والفساد، وإنما تصير صلاتهم في ضمن صلاته صحة وفسادا إذ تبنى صلاتهم على صلاته، والابتناء لا يصح ما لم يكن أصل الفرض بحيث يمكن الإمام أداء ما على المقتدي بتحريمه أداء صلاته صح أداء المقتدي بناء على صلاته فيراعى الاتحاد بين صلاتهم وصلاته، فلا يحصل مراعاة الاتحاد مع تغاير الفرضين؛ ولهذا لا يجوز اقتداء مصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة أو على العكس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى البخاري ومسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن معاذا كان يصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري فيصلي بهم الصلاة المكتوبة. قلت: الجواب عنه من وجوه: الأول: أن الاحتجاج من باب ترك الإنكار من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشرط ذلك علمه بالواقعة وجاز أن لا يكون علم بها، ويدل عليه ما رواه أحمد في "مسنده " عن معاذ بن رفاعة «عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج عليه فيطول علينا فقال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك» "، فدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين، ولم يكن يجمعهما بأنه قال: «إما أن تصلي معي» أي ولا تصلي بقومك، «وإما أن تخفف على قومك» ولا تصلي معنا. الثاني: أن النية أمر مبطن لا يطلع عليه إلا بإخبار الباري، ومن الجائز أن يكون معاذ كان يجعل صلاته معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنية النفل ليتعلم سنة القراءة منه وأفعال الصلاة، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض ويؤيده أيضا حديث أحمد المذكور. فإن قلت: معاذ إن ترك فضيلة الفرض خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويأتي به مع قومه وكيف يظن معاذ بعد سماعه قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ولعل الصلاة الواحدة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير من كل صلاة صلاها في عمره، وأيضا وقع في رواية الشافعي، ومن طريقه روى الدارقطني ثم البيهقي «هي له تطوع ولهم فريضة» رواه الشافعي في "مسنده ". قلت: قال الشيخ تقي الدين: يمكن أن يقال في الحديث المذكور: إن مفهومه أن لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام؛ لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة، وهذا المحذور سبق مع الاتفاق في الصلاة المقامة، ويؤيد هذا اتفاقهم على جواز اقتداء المتنفل بالمفترض، ولو تناوله النهي لما جاز مطلقا. وقولهم: وكيف يظن بمعاذ إلخ غير موجه؛ لأنه ليس تفوته الفضيلة معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سائر أئمة مساجد المدينة وفضيلة النافلة خلفه مع أداء الفرض مع قومه تقوم مقام أداء الفريضة خلفه وامتثال أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إمامة قومه زيادة طاعة.
ويصلي المتنفل خلف المفترض؛ لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة، وهو موجود في حق الإمام، فيتحقق البناء ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما الزيادة في رواية الشافعي فليس من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هي من الرواة، ولعلها من الشافعي فإنها دائرة عليه، ولا يعرف إلا من جهته فيكون منه ظنا واجتهادا. وعن ابن قدامة وابن تيمية الحراني من الحنابلة: أن أحمد قد ضعف هذه الزيادة، فقال: وقد سئل عن حديث معاذ: أخشى أن لا يكون محفوظا؛ لأن ابن عيينة زاد فيه كلاما لا يقوله أحد. قال في " المغني " عنه: وقد روى الحديث منصور بن زاذان وشعبة، ولم يقولا ما قال ابن عيينة يعني زيادته هي له تطوع ولهم فريضة. الثالث: أنه منسوخ، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل في أول الإسلام، ثم ذكر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لا تصلى صلاة في يوم مرتين» وقال ابن دقيق العيد: هذا مدخول من وجهين: أحدهما: أنه أثبت النسخ بالاحتمال. الثاني: أنه لم يقم دليل على أن ذكره كان واقعا أعني صلاة الفريضة في يوم مرتين. قلت: الاحتمال إذا كان ثابتا عن الدليل يعمل به، وقد ذكر الطحاوي بإسناده أنهم كانوا يصلون الفريضة الواحدة في اليوم مرتين حتى نهوا عنه وكذا ذكره المهلب، والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة، والدليل عليه أن إسلام معاذ متقدم، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد سنين من الهجرة صلاة الخوف مرة فلو جاز ما ذكروه لما يحملها مع المعدات، فلو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل يصلي بهم الصلاة مرتين فيصلي بالطائفة الأولى صلاة كاملة فلما لم يصل دل على عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل. الرابع: يحتمل أنه يكون كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة النهار ومع قومه صلاة الليل؛ لأنهم كانوا أهل خدمة لا يحضرون صلاة النهار في إسناد لهم، فأخبر الراوي بحال معاذ في وقتين لا في وقت واحد. م: (ويصلي المتنفل خلف المفترض) ش: وهذا بالاتفاق، وفي شرح " العمدة " وفيهم من لا يجوز ذلك لاختلاف النية م: (لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة) ش: أي في حق المتنفل المقتدي، وذلك أن المفترض يشتمل على أصل الصلاة والصفة، والمتنفل مشتمل على أصل الصلاة، ففي هذه الصورة تشتمل صلاة الإمام على صلاة المقتدي وزيادة فيصح اقتداؤه به. م: (وهو موجود) ش: أي أصل الصلاة موجود م: (في حق الإمام) ش: لأنه مفترض م: (فيتحقق البناء) ش: أي بناء صلاة المتنفل على صلاة المفترض، وتفسير البناء أن تجعل التحريمتان
[اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث]
ومن اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أمّ قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا» ـــــــــــــــــــــــــــــQتحريمة واحدة، وقال مالك والزهري: لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة، والمغايرة بين النفل والفرض ثابتة، ويرد ذلك بحديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فإن قلت: صفة النفل موجودة في حق المقتدي، ومعدومة في حق الإمام فيثبت التغاير فلا يجوز الاقتداء. قلت: تلك ليست بصفة زائدة هل هي عبارة عن عدم الوجوب فبقي أصل الصلاة وهو موجود في حق الإمام فيثبت الاتحاد، فيجوز الاقتداء أو يفهم هذا الجواب عن السؤال المذكور من أمعن نظره في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فإن قلت: القراءة فرض في صلاة النفل والأخيرتين نفل في صلاة الفرض فيكون اقتداء المفترض وذا لا يجوز قلت: القراءة في الأخيرتين في النفل إنما يكون فرضا إذا كان المصلي منفردا، أما إذا كان مقتديا فلا لأنه ممنوع من ذلك. [اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث] م: (ومن اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد) ش: أي أعاد صلاته، قيد بالعلم بعد الاقتداء، لأنه لو علم أن إمامه محدث قبل الاقتداء لا يصح اقتداؤه بالإجماع. وقال النووي: اجتمعت الأئمة على أن من صلى محدثا مع إمكان الوضوء فصلاته باطلة وتجب عليه الإعادة بالإجماع، سواء تعمد ذلك أو نسيه أو جهله على المذهب، وفي " الوسيط " النجاسة مثله في الجديد فلا يعذر؛ لأنه شرط وإن بان إمامه مشركا أو مجنونا أو صلى بغير إحرام أو امرأة أو خنثى أو صلى القارئ خلف الأمي أعاد عند الشافعي وبه قال أحمد، وإن بان أنه محدث أو جنب أو في ثوبه نجاسة خفيفة أو ببدنه لا يعيد، وإن تعمد الإمام ذلك ففي الإعادة قولان عند الشافعي، وفي الجنابة يعيد عندهم، وعند مالك إن كان عالما بجنابته يعيد وإلا فلا. وقال أبو ثور والمزني: في الكل لا يعيد إذا لم يعلم، وقال عطاء: إن كان حدثه جنابة بطلت صلاة المأموم، وإن كان غيره أعاد في الوقت وبعده لا. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا» ش: هذا الحديث لا يعرف ولكن جاءت فيه الآثار، وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عثمان بن دينار أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في الرجل يصلي بالقوم جنبا قال: يعيد ويعيدون. ورواه عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " عن إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدينار عن أبي جعفر أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى بالناس وهو جنب أو محدث على غير وضوء فأعادوا وأمرهم أن يعيدوا. وروى عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبرنا حسين بن وهران عن مطرح عن أبي المهلب عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: صلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالناس وهو جنب فأعاد ولم يعد الناس فقال له علي: قد كان ينبغي من صلى معك أن يعيد، وقال: فرجعوا إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولو احتج المصنف بما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» . لكان أولى وأوجه لأنه يخبر أن ضمان الإمام في الجواز والفساد، بيانه أنه لم يرد أنه ضامن لنفسه؛ لأن كل مصل ضامن بصلاة نفسه فتعين أن يكون الإمام ضامنا للقوم، ولا يجوز أن يكون ضامنا للقوم وجوبا وأداء؛ لأنه غير مراد بالإجماع فتعين أن يكون صحة وفسادا. فإن قلت: في سنده اضطراب. قلت: رواه أحمد في "مسنده " حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وهذا سند صحيح. وقال في " التنقيح ": رواه مسلم في "صحيحه " بهذا الإسناد نحوا من أربعة عشر حديثا. فإن قلت: الخصم احتج بما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته فكبر وكبرنا معه ثم أشار إلى القوم أن امكثوا كما أنتم، فلم نزل قياما حتى أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اغتسل ورأسه تقطر ماء فصلى بهم» ولو لم تكن صلاتهم منعقدة لم يكلف استدامة القيام مع قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت» فدل على أن عدم طهارة الإمام لا تمنع انعقاد صلاة المقتدي الذي لم يعلم بحال الإمام. قلت: هذا كان في بدء الأمر قبل تعلق القوم بصلاة الإمام، ألا ترى أن في هذا الحديث جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبر ولم يأمرهم بإعادة التكبير فيكون القوم مصلين بصلاة بتكبيرة قبل تكبير الإمام، وهذا لا يصح بلا إشكال؛ ولأن ابن سيرين ذكر هذه القصة، وذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أومأ إليهم أن اقعدوا، ولو انعقدت صلاتهم لم يأمرهم بالقعود، ولم يحتمل أن الأمر بالمكث كي لا يتفرقوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحتى يجيء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث حكاية حال لا عموم له، فلا يجوز ترك القياس بمثله. فإن قلت: يرد عليكم مسألة الترتيب والقهقهة حيث علمتم بهما بخلاف القياس. قلت: هذه حكاية قول وليس بحكاية فعل فيصح العموم فيه؛ لأن العموم من أوصاف اللفظ. فإن قلت: هو منسوب إلى التفريط بهذا الإتمام: دليله ما لو ارتد الإمام بعدما صلى. قلت: يشكل هذا بما لو ظهر أنه كافر أو امرأة حيث لا يصح، وإن هو غير منسوب إليه هناك أيضا. وفي " المجتبى " أم قوما مدة، ثم قال: صليت بغير طهارة أو مع العلم بالنجاسة المانعة أو قال: كنت مجوسيا لا يلزمهم الإعادة لأنه صرح بكفره وقول الفاسق غير مقبول في الديانات. واستدل الأترازي في المسألة المذكورة: بما روي عن سعيد بن المسيب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالناس فأعاد وأعادوا» . قلت: العجب منه مع دعواه الفرضية يستدل بحديث ضعيف ومرسل، ورواه الدارقطني والبيهقي عن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب به. وقال البيهقي: أبو جابر البياضي متروك الحديث، وكان مالك لا يرضى به، وكان ابن معين يرميه بالكذب. وقال الشافعي: من روى عن البياضي بيض الله عينه. فإن قلت: روى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى بالناس وأعاد ولم يأمر القوم بالإعادة. قلت: لم يتيقن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالجنابة قبل الدخول في الصلاة وإنما أخذ لنفسه بالاحتياط، ويدل عليه ما رواه مالك في " الموطأ " أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج إلى الحرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، قال: ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت. قال: وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم يره وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا. وروى الطحاوي بإسناده أن عمر نسي القراءة في صلاة المغرب وأعاد بهم الصلاة لترك القراءة، وفي فساد الصلاة بترك القراءة اختلاف، فإذا صلى جنبا أحرى أن يعيد، وعنه عن طاوس ومجاهد في إمام صلى وهو على غير وضوء أعادوا جميعا. فإن قلت: روى الدارقطني بإسناده عن البراء بن عازب أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما إمام صلى بالقوم
[إمامة الأمي]
وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على ما تقدم، ونحن نعتبر معنى التضمن، وذلك في الجواز والفساد وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقالا: صلاة الإمام ومن لم يقرأ تامة؛ لأنه معذور أم قوما معذورين وغير معذورين، فصار كما إذا أم العاري عراة ولابسين، وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته، وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته له ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم يغتسل هو ثم ليعد صلاته، فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك» ". قلت: قال أبو الفرج: لا يصح هذا الحديث؛ لأن في طريقه بقية وهو مدلس، وعيسى بن إبراهيم وهو ضعيف وجرير وهو متروك، والضحاك بن مزاحم ضعفه الأكثرون وهو لم يلق البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (وفيه خلاف الشافعي بناء على ما تقدم) ش: أي وفي حكم هذه المسألة خلاف الشافعي بناء على ما تقدم عن قريب، وهو أن الاقتداء عنده على سبيل الموافقة لا بناء على صلاة الغير م: (ونحن نعتبر معنى التضمن) ش: في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» م: (وذلك) ش: أي معنى التضمن م: (وفي الجواز والفساد) ش: أي لا في الوجوب والأداء وقد قررناه عن قريب. [إمامة الأمي] م: (وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة) ش: قد قررنا الأمي عند قوله: ولا يصلي القارئ خلف الأمي، مع خلاف الشافعي فيه. م: (وقالا: صلاة الأمي ومن لم يقرأ تامة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد صلاة الأمي وصلاة من لا يقرأ تامة م: (لأنه معذور) ش: أي؛ لأن الأمي معذور م: (أم قوما معذورين) ش: وهم الأميون م: (وغير معذورين) ش: وهم القارئون م: (فصار) ش: أي فصار حكم هذه المسألة م: (كما إذا أم العاري عراة) ش: جمع عار كقضاة جمع قاض م: (ولابسين) ش: بالنصب عطف على عراة أي وقوما عليهم الثياب، هما قاسا المسألة المذكورة على هذه المسألة، فإن في هذه كان لكل فريق حكم نفسه اعتبار الكل بالبعض، فتصح صلاة العراة فكذلك في تلك المسألة تصح صلاة الأميين. والحاصل أن صلاة من يمثل هذا الإمام تصح، ولا تصح ممن هو أعلى منه. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها) ش: أي على القراءة بتقديم القارئ م: (فتفسد صلاته) ش: أي صلاة الإمام ثم بين وجه ذلك بقوله م: (وهذا) ش: أي ترك الإمام فرض القراءة الذي هو موجب لفساد صلاته م: (لأنه) ش: أي؛ لأن هذا الإمام الأمي م: (لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته) ش: أي قراءة القارئ م: (قراءة له) ش: أي لهذا الإمام
بخلاف تلك المسألة وأمثالها؛ لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي، ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز ـــــــــــــــــــــــــــــQوذلك بالحديث فلما لم يقدمه لزم ترك القراءة مع القدرة، ففسدت صلاته كما لو كان قارئا فلم يقرأ، فإذا فسدت صلاته فسدت صلاة الكل، وعن الشيخ أبي الحسن الكرخي أنه كان يقول القارئ والأمي يتساويان في فرض التحريمة ويختلفان في القراءة، فإذا اقتدى القارئ صحت تحريمته وقد ألزم الإمام تصحيح صلاة المؤتم فصار ملزوما للقراءة التي تصح صلاة المؤتم بها وقد تركناها فتبطل صلاته. فإن قلت: كيف يلزم فرض القراءة على الأمي وهو غير قادر؟ قلت: يلزمه بالتزامه وإن لم يلزمه الشرع كنذر القراءة. فإن قلت: لم لا يلزم القضاء على المقتدي إذا أفسد وقد صح شروعه؟. قلت: لما شرع في صلاة الأمي أوجبها على نفسه بغير قراءة فلم يلزمه القضاء كنذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه إلا في رواية أبي يوسف في ظاهر الرواية، لأنه فصل بين العلم وعدمه، وعن الشيخ أبي عبد الله الجرجاني أن صلاة الأمي إنما تفسد عنده إذا علم أن خلفه قارئا، أما إذا لم يعلم فلا على ما يجيء عن قريب. م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها مسألة إمامة العاري للعراة واللابسين م: (وأمثالها) ش: أي وبخلاف أمثال تلك المسألة كإمامة الجريح بمثله والصحيح، وإمامة المومئ بمثله والقادر على الأركان وإمامة المستحاضة بمثلها والطاهرة م: (لأن الموجود في حق الإمام) ش: في هذه الصورة وهو الجراحة والإيماء والاستحاضة م: (لا يكون موجودا في حق المقتدي) ش: لأن أصحاب هذه الأعذار لا يكونون قادرين على إزالة هذه بتقديم من لا عذر له، بخلاف مسألة إمامة الأمي لأميين والقارئين. فإن قلت: هذا على أصل أبي حنيفة لا يستقيم؛ لأنه لا يعتبر قدرة الغير حتى لا يوجب الحج والجمعة على الأعمى، وإن وجد قائدا. قلت: الفرق أن الأعمى لا يقدر على إتيان الحج والجمعة بدون اختيار القائد، وهاهنا قادر على الاقتداء بالقارئ بدون اختيار، ولأبي حنيفة وجه آخر وهو أن افتتاح الكل قد صح؛ لأنه أوان التكبير والأمي قادر عليه فيصح الاقتداء وصار الأمي متحملا فرض القراءة عن القارئ، فإذا جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته، وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم بخلاف سائر الأعذار فإنها قائمة عند الافتتاح فلا يصح اقتداء من عذر به ابتداء. م: (ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز) ش: لأن الأصل أن لا تكون قراءة الإمام
هو الصحيح؛ لأنه لم يظهر منهما رغبة في الجماعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQقراءة المقتدي إلا أن الشرع جعل قراءة المقتدي إذا اقتدى، فإذا لم يقتد فلا فإذا لا يلزم ترك فرض القراءة فيجوز صلاة الأمي م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عن أبي حازم أن قياس قول أبي حنيفة لا تجوز صلاته ثم علل المصنف وجه التصحيح بقوله م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لم يظهر منهما) ش: أي من الأمي والقارئ م: (رغبة في الجماعة) ش: لأنهما لم يرغبا في الجماعة، وصلى كل واحد وحده، لم يعتبر وجوب القارئ في حق الأمي؛ لأن تضمن قراءة الإمام قراءة المقتدي مقصور على الجماعة وحضور من ليس بينه وبين المصلي جامع الاقتداء كلا حضور، والمراد من صلاة الأمي وحده والقارئ وحده أن يكونا في مكان واحد بأن صلى الأمي وحده بجنب القارئ فحينئذ تفسد صلاته، وقيل: لا، وبه قال مالك. وفي " الذخيرة ": القارئ إذا كان على باب المسجد أو بجوار المسجد والأمي في المسجد يصلي فصلاة الأمي جائزة بلا خلاف، وكذا إذا كان القارئ في غير صلاة الأمي جاز للأمي أن يصلي وحده ولا ينتظر فراغ الإمام. وفي " المحيط ": ذكر الكرخي في "مختصره" لو اقتدى القارئ بالأمي، ولم ينو إمامته لا تفسد صلاته؛ لأنه يلحقه فساد صلاته من جهة القارئ فلا بد من التزامه كالمرأة، وقيل: تفسد وإن لم ينو إمامته. وفي " المحيط " لو تعلم الأمي سورة في خلال صلاته تفسد صلاته خلافا للشافعي، ولو اقتدى بالقارئ ثم تعلم سورة قيل: لا تفسد، وقيل: تفسد عند عامة المشايخ. وفي " الذخيرة " ذكر لهذه المسألة في الكتب المشهورة. فالأول: قاله أبو بكر بن محمد بن الفضل. والثاني: قاله أبو بكر محمد بن حامد وعامة المشايخ. وإن كان إماما أو منفردا فتعلم سورة في وسط صلاته لا يبني، وروى هشام عن محمد أنه قال: عامة أصحابنا على أن الأخرس إذا أم الأميين والقارئين فصلاتهم تامة، وقال الفقيه أبو جعفر: لم ير ذلك أبا حنيفة؛ لأنه خالفهم في ذلك القارئ إذا اقتدى بالأمي هل يصير شارعا في الصلاة، ذكر محمد هذا في " الجامع الصغير " وهذا فصل اختلف فيه الأصحاب، قال بعضهم: لا يصير شارعا حتى لو كان في التطوع لا يجب القضاء، وقال بعضهم: يصير شارعا ولم تفسد ويجب قضاء التطوع. قال في " الذخيرة ": والصحيح هو الأول، وذكر القدوري في "شرحه " أن القارئ إذا دخل في صلاة الأمي متطوعا ثم أفسدها يلزمه القضاء عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ولا رواية عن أبي حنيفة، يعني سبقه الحدث فقدم الأمي في الركعتين الأخيرتين. وقال زفر: لا تفسد في هذا الفصل.
فإن قرأ الإمام في الأوليين، ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تفسد لتأدي فرض القراءة. ولنا أن كل ركعة صلاة حقيقة فلا تخلو من القراءة إما تحقيقا أو تقديرا، ولا تقدير في حق الأمي، لانعدام الأهلية، وكذا على هذا لو قدمه في التشهد، جائزة عند الكل. والله تعالى أعلم بالصواب. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فإن قرأ الإمام في الأوليين ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم) ش: وكذا روي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول. م: (وقال زفر: لا تفسد لتأدي فرض القراءة) ش: يعني أن القراءة فرض في الأوليين وقد تأدى فصار الأمي والقارئ بعده سواء. م: (ولنا أن كل ركعة صلاة حقيقة فلا تخلو من القراءة إما تحقيقا أو تقديرا) ش: يعنى لا يجوز خلوها من القراءة بالحدث فتشترط فيها القراءة إما حقيقة وإما تقديرا وكلاهما منتف في حق الأمي فصار استخلافه استخلاف من لا يصح للإمامة فأشبه استخلاف الصبي والمرأة ففسدت صلاتهم. م: (ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية) ش: أي لا يمكن تقدير القراءة في حق الأمي ولا شيء منها موجود في حق الأمي إما حقيقة فظاهر وإما تقديرا فلعدم الأهلية والشيء إنما يقدر إذا أمكن تقديره م: (وكذا على هذا لو قدمه في التشهد) ش: أي وكذا على هذا الاختلاف لو قدم الأمي في التشهد يعني فسدت صلاتهم خلافا لزفر، هذا إذا لم يقعد قدر التشهد، أما إذا قعد قدر التشهد فصحيح بالإجماع كذا ذكر فخر الإسلام؛ لأن هذا من فعله وهو مناف فانقطعت صلاته، وإنما الاختلاف فيما ليس من فعله مثل طلوع الشمس، وقيل تفسد صلاتهم عند أبي حنيفة وعندهما لا تفسد والصحيح هو الأول. ولو أن القارئ قرأ في الأوليين ثم نسي القراءة في الأخريين وصار أميا فسدت صلاته عند أبي حنيفة ويستقبلها، وعلى قولهما لا تفسد ويبني عليهما استحسانا وهو قول زفر. وفي الأصل: الأمي إذا افتتح صلاته قعد قدر التشهد وسلم ثم تعلم السورة ثم تذكر أن عليه سجود السهو فإنه لا يعيد صلاته. م: (جائزة عند الكل) ش: يجب أن لا يترك الأمي الاجتهاد إن ليله أو نهاره حتى يعلم مقدار ما تجوز به الصلاة، فإن قصر لم يعذر عند الله تعالى وبه قالت الأئمة الثلاثة، ذكر التمرتاشي ولو حضر الأمي على قارئ يصلي فلم يقتد به وصلى وحده اختلفوا فيه: والأصح أن صلاته فاسدة، نوى الاقتداء بإمام على ظن أنه صلى فإذا هو خليفة جاز، ولو نوى الاقتداء بالأصلي فإذا هو خليفة لم يجز. وفي " فتاوى الصغرى ": اقتدى بإمام وفي زعمه أنه فلان ثم ظهر أنه غيره يجزئه، وإن اقتدى بفلان بعينه ثم ظهر أنه غيره لا يجزئه، اقتدى مسبوق بمسبوق في قضاء ما سبق لا يجوز،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوكذا لا يجوز اقتداء اللاحق باللاحق كذا في " الخلاصة "، شك في إتمام وضوء إمامه جاز اقتداؤه به. اشتركا في نافلة ثم أفسدها صح اقتداء أحدهما بصاحبه وإن لم يشتركا لم يصح شرع في ظهر الإمام متطوعا ثم قطعها واقتدى يصلي ظهر ذلك اليوم جاز. تكلم الإمام في شفع التراويح، ثم أمهم في ذلك جاز، وكذا لو اقتدى في سنة العشاء بمن يصلي التراويح وفي سنته بعد الظهر بمن يصلي الأربع قبل الظهر صح، ولو صليا الظهر ونوى كل واحد إمامة صاحبه صحت صلاتهما، ولو نويا الاقتداء فسدت. وفي " الخلاصة " و " الخزانة " أربعة مواضع لا يتابع المقتدي الإمام إذا فعله، لو زاد سجدة في صلاته لا يتابعه، ولو زاد في تكبيرات العيد يتابعه ما لم يخرج عن أقاويل الصحابة، ولو خرج لا يتابعه ولو كبر خمسا في صلاة الجنازة لا يتابعه، ولو قام إلى الخامسة ساهيا بعدما قعد قدر التشهد على الرابعة لا يتابعه، فإن لم يقيد الإمام الخامسة بالسجدة وعاد وسلم سلم المقتدي معه، وإن قيد الإمام الخامسة بالسجدة سلم المقتدي ولا يتابعه، ولو لم يقعد على الرابعة وقام إلى الخامسة ساهيا وتشهد المقتدي وسلم ثم قيد الإمام الخامسة بالسجدة فسدت صلاتهم، وتسعة أشياء إذا لم يفعلها الإمام يفعلها المقتدي إذا لم يرفع يديه عند الافتتاح يرفعهما وركع ولم يكبر يكبر المقتدي ولم يسبح في الركوع والسجود يسبح المقتدي ولم يقل سمع الله لمن حمده يقولها المقتدي ولم يكبر عند الانحطاط يكبر المقتدي ولم يقرأ التشهد يتشهد المقتدي، ولم يسلم يسلم المقتدي، ونسي الإمام تكبيرة التشريق يكبر المقتدي والله تعالى أعلم بالصدق والصواب.
[باب الحدث في الصلاة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي باب الحدث في الصلاة ومن سبقه الحدث في الصلاة انصرف ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب الحدث في الصلاة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي م: (باب الحدث في الصلاة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحدث الواقع في الصلاة، وجه المناسبة بين البابين أن الباب الأول في بيان أحكام الإمامة والإمام، ومن جملة الأحكام المتعلقة بالإمام سبق الحدث إياه فنحتاج إلى بيان أحكامه، وأما وجه المناسبة بينه وبين الفصول السابقة، هي أن المذكور فيها أحكام السلامة عن العوارض في الصلاة في حق الإمام والمنفرد والجماعة، والمذكور هاهنا بيان أحكام العوارض العارضة المانعة من المضي في الصلاة والسلامة هي الأصل فلذلك أخر هذا الباب. م: (ومن سبقه الحدث) ش: كلمة من موصولة تضمنت معنى الشرط والمعنى سبقه بدون اختياره، ويسمى ذلك حدثا سماويا، والحاصل أن الشرط سبق الحدث الخارج من بدنه الموجب للوضوء دون الغسل، ومن غير قصد منه للحدث أو بسببه أو من غيره، ولم يأت بعده بما ينافي الصلاة من توقف في موضع الصلاة أو كلام أو كشف عورة من غير ضرورة أو فعل فعل ينافي الصلاة مما له منه بد، فعلى هذا لا يجوز له البناء فيما إذا انتضح البول عن بدنه أو ثوبه أكثر من قدر الدرهم؛ لأنه ليس من الأحداث، وكذا إذا انتقض وضوءه بالإغماء أو الجنون أو القهقهة؛ لأنها ليست خارجة من البدن، وكذا في الاحتلام، وإن كان خارجا من البدن؛ لأنه موجب للغسل والنص ورد في موجب الوضوء، وكذا في الحدث العمد؛ لأنه قصده والشرط المسبق كما ذكرنا، وكذا إذا كانت به جراحة أو فعل فغمزها بيده فسال منها الدم؛ لأنه وجد منه القصد بسبب الحدث، وكذا فيما إذا رماه إنسان ببندقة أو حجر من السقف فأصابه فسال الدم؛ لأن الحدث منه بسبب غيره. وعن أبي يوسف يبني في البندقة كالسماوي لعدم صبغه، ولو عثر بحشيش المسجد فأدماه
أو تنحنح فخرجت ريح بقوته في الصلاة انصرف فإن كان إماما استخلف وتوضأ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقيل يبني، وقيل على الاختلاف بينهما وبين أبي يوسف فعنده يبني، ولو عطس فسبقه الحدث من عطاسه. م: (أو تنحنح فخرجت ريح بقوته) ش: قيل: يبني وقيل لا ولو سقط منها الكرسف بغير فعلها مبلولا بنت في قولهم وبتحريكها بنت عند أبي يوسف وعندهما لا تبني م: (في الصلاة) ش: في محل النصب على الحال م: (انصرف) ش: جواب من، والمعنى من غير توقف بعد سبق الحدث؛ لأنه إذا توقف يصير مؤديا جزء الصلاة مع الحدث فتنقطع صلاته فلا يبني حينئذ وأشار إليه بقوله: انصرف وهو جزاء الشرط والجزاء لا يتراخى عن الشرط، ولو مكث في مكانه قدر ما يؤدي ركنا فسدت صلاته. وفي (المنتقى) : إن لم ينو بمقامه الصلاة لا يفسد؛ لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة بالحدث، وفي جوامع الفقه: إلا إذا أحدث في نومه ومكث حتى انتبه وذهب يبني. وعن محمد: لو ركع وسجد في حال نومه ثم انتبه وذهب جاز له البناء؛ لأن ما أتى به في حال نومه كالعدم، وعن أبي يوسف: لو أحدث في سجوده فرفع رأسه وكبر يريد به إتمام سجوده أو لم ينو شيئا فسدت، وإن أراد الانصراف لا تفسد ولو قرأ ذاهبا إلى الوضوء تفسد وإتيانه لا تفسد، وقيل على العكس والصحيح الفساد فيهما؛ لأن في الأول أدى ركنا مع الحدث، وفي الثاني مع المشي والتسبيح والتهليل لا يمنع البناء في الأصح. وقيل: لو رفع رأسه من الكوع وقال: سمع الله لمن حمده وهو محدث لا يبني. قال المرغيناني: نص عليه في المنتقى واعلم أن صورة ذهابه إلى الوضوء به يتأخر محدودا بالخفض كذا قاله في مختصر البحر المحيط. وقال صاحب الطراز: يضع يده على أنفه يوهم أنه قد رعف فينقطع عنه الظنون. قال: هو مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: ذكره المصنف على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى. م: (فإن كان إماما) ش: تفصيل حكم الذي سبقه الحدث في الصلاة فلذلك ذكره بالفاء، أي فإن كان الذي سبقه الحدث إماما م: (استخلف) ش: خليفة في موضعه، وتفسير الاستخلاف هو أن يأخذه بثوبه ويجره إلى المحراب كذا في الخلاصة ويكون استخلافه بالإشارة، وفي جوامع الفقه يشير لركعة واحدة بإصبع واحدة والسجدة يضع إصبعه على جبهته إن كان واحدا بإصبع واحدة وفي اثنين بأصبعين، وفي سجدة التلاوة يضع أصبعه على جبهته ولسانه، وفي السهو يشير بذلك بعد السلام وبتحويل رأسه يمينا وشمالا، ولو استخلف بالكلام فسدت صلاته وصلاتهم سواء كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا، وذكر في الذخيرة للمالكية أن عند مالك إذا استخلف بالكلام يجوز، وقال ابن حبيب: إن استخلف [بالكلام جاهلا أو عمدا تبطل، وإن كان ساهيا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفعليه فقط ويقدم من الصف] الذي يليه لقربه ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» . وفي (المفيد) : لو قدم امرأة فسدت صلاته وصلاة القوم. وقال زفر: لا تفسد صلاة المقدمة والنساء، وتفسد صلاة الرجال. وفي (مختصر البحر) : استخلف محدثا فسدت صلاتهم وفي الجمعة يجوز ويقدم غيره فيصلي بهم. وفي " الأجناس ": لو قدم جنبا أو محدثا أو امرأة فسدت صلاة الكل، ولو استخلف صبيا أو مجنونا أو أخرس أو امرأة أو كافرا فاستخلف أهله غيره لم يجز، ولو استخلف رجلا جاثيا حينئذ وكان كبر قبل سبق حدث الإمام صح وكذا بعده ونوى الاقتداء به، وعند بشر المريسي لا يصح اقتداؤه، ولو قدم الإمام رجلا وتقدم آخر بنفسه أو بتقديم القوم وأتم بكل طائفة فهو والأول سواء، ولو قدم الإمام رجلا والقوم رجلا فالإمام من قدمه الإمام إلا أن ينوي القوم أن يأتموا بالآخر قبل أن ينوي ذلك. وقال إمام الحرمين: ليس عندي نقل في هذه المسألة، ولعل الأظهر أن المتبع من قدمه القوم [إلا أن ينوي القوم أن يؤموا بآخر قبل أن ينوي ذلك] . وفي " جوامع الفقه ": لو تقدم واحد بنفسه تشترط نية القوم الاقتداء به. ولو قدمه الإمام أو القوم لا يشترط بذلك. قال المرغيناني: هذا خلاف ما ذكره في الأصل، وفي " الذخيرة ": الإمام المحدث على إمامته ولم يخرج من المسجد فإن استخلف وأقام خليفته مقامه في مكانه ونوى أن يؤم الناس فيها، أو استخلف القوم غيره خرج من إمامته، وفي " جوامع الفقه ": لا يخرج من إمامته، إلا بالخروج من المسجد أو بقيام الخليفة مقامه إن نوى أن يؤم في ذلك المكان أو باستخلاف الناس غيره. وفي " التحفة ": وإن لم يستخلف وخرج من المسجد تفسد صلاة القوم إذا لم يكن خارج المسجد صفوف متصلة، فإن كانت وخرج ولم يجاوز الصفوف تبطل صلاتهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا تبطل، قال: والصحيح قولهما وكذا لو استخلف من الصفوف المتصلة الخارجة من المسجد لم يجز عندهما ويجوز عند محمد. وفي " مختصر البحر المحيط ": وفي المسجد يستخلف والكبير والصغير فيه سواء إلا إذا كان مثل جامع المنصور وجامع البيت المقدس، وإذا لم يوجد شيء من ذلك فتوضأ في جانب المسجد والقوم ينتظرون ورجع إلى مكانه وأتم صلاته أجزأهم، وإن لم يستخلفوا حتى خرج الإمام من المسجد بطلت صلاتهم والإمام يتوضأ ويبني؛ لأنه منفرد في حق نفسه. ذكر الطحاوي أن صلاته تفسد أيضا. وفي " جوامع الفقه " في فساد صلاة الإمام روايتان. وفي " المفيد ": في المشهور من الرواية أنها لا تفسد. وذكر أبو عصمت من أصحابنا أنها تفسد والصحيح الأول، ولو لم يكن مع الإمام إلا رجل واحد فهو إمام قدمه أولا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال في " الوبري ": تقدم بنفسه أو لم يتقدم وقام مقام الأول أو لم يقم حتى لو فسدت صلاة الثاني فسدت صلاته لنفسه. قال في " المفيد ": كالإمامة الكبرى إذا لم يكن في العالم من يصلح غيره، ولو اقتدى إنسان بالإمام المحدث قبل خروجه من المسجد صح، وإن كان بعد انصرافه، ثم ينظر إن قدم المحدث خليفة جازت صلاة الداخل ولا تفسد، وإن كان خلفه من لا يصلح للإمامة كالصبي والمرأة والأمي والأخرس إن استخلفه تفسد بلا خلاف كما ذكرنا. وإن لم يستخلف وخرج من المسجد اختلف المشايخ فيه، ففيل: تفسد، وقيل لا تفسد، وتفسد صلاة المقتدي، وهذا أصح، ولو قدم المحدث واحدا من آخر ثاني الصفوف وخرج من المسجد قبل أن يقوم الثاني مقام الأول، نظر إن نوى الثاني الإمامة من ساعته لا تفسد ويحول الإمام إلى الثاني، وإن لم ينو من ساعته وإنما نوى أن يكون إماما مقام الأول [وخرج الأول من المسجد قبل أن يصلي إلى مقام الأول فسدت صلاة القوم] ؛ لأن الإمامة لم تحول إليه بعد، والأول يبني على صلاته بكل حال، فإن تقدم رجلان [فالسابق إلى مكان الأول متعين] ، فإن بقي إلى مكان الإمام وإن استويا في التقدم واقتدى بعضهم بهذا وبعضهم بذاك فصلاة الذي ائتم به الأكثر صحيحة وصلاة الأقل فاسدة، وعند الاستواء لا يمكن الترجيح وإتمامها بإمامين غير ممكن فتفسد صلاتهم كذا في " الذخيرة ". وفي " جوامع الفقه ": يقدم كل طائفة رجلا فالعبرة للأكثر وعند الاستواء تفسد. وفي " المبسوط ": يقدم كل فريق رجلا فاقتدوا بأحدهما إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالآخر فصلاة الجماعة صحيحة وصلاة الآخرين فاسدة، وإن كانت إحدى الجماعتين أكثر فقد قال بعض أصحابنا: وصلاة الأكثرين صحيحة ويتعين الفساد في حق الآخرين في الواحد والمثنى. قال: والأصح أنه تفسد صلاة الفريقين، وفي متعرقات الفقيه أبي جعفر إذا ظن الحدث فاستخلف ثم تبين أنه لم يحدث قبل خروجه، وإن كان الخليفة لم يأت بالركوع جازت وإلا فسدت. قال الفقيه: وفي رواية ابن سماعة عن محمد إن قام الخليفة مقام الإمام فسدت صلاتهم، وفي " جوامع الفقه " كبر الخليفة ينوي الاستقبال جازت صلاة من استقبل وفسدت صلاة من لم يستقبل، وتفسد صلاة المتخلف أن يبني على صلاة نفسه. وسئل أبو نصر عمن استخلف فقدم الخليفة غيره من غير أن يحدث؟ إن قدمه قبل أن يقوم في موضع الإمام الأول في المسجد جاز، ولو اقتدى المقيم بالمسافر خارج الوقت أو المتنفل بالمفترض فأحدث المسافر أو المفترض تفسد صلاتهما؛ لأنهما لا يصلحان لإقامتها، ولو أحدث الإمام والقوم فخرجوا معا تفسد صلاة القوم دون الإمام لخلو مكان الإمام وتفرد الإمام. ثم أعلم أن الذي سبقه الحدث يتوضأ ثلاثا ثلاثا، قال في " التحفة ": ويستوعب رأسه
وبنى ـــــــــــــــــــــــــــــQوبنى بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر سنن الوضوء وهو الصحيح. وفي " الحاوي ": عن أبي القاسم أنه يتوضأ مرة مرة ولا يزيد على ذلك وإن زاد فسدت صلاته. وفي " الجوامع " المتيمم للجنابة إذا أحدث فذهب فوجد ما يكفي لوضوئه يبني بخلاف ما إذا وجد ما يكفيه لجنابته. وفي " الذخيرة ": المرأة كالرجل في الوضوء والبناء؛ لأن كلمة "من" تتناول الرجل والمرأة. وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول: إن أمكنها الوضوء من غير كشف عورتها بأن يمكنها غسل ذراعيها في الكمين ومسح مع الخمار بأن كان ذلك رقيقا يصل الماء إلى ما تحت ذلك فكشفتها لا شيء، وإن لم يمكنها بأن كان عليها جبة وخمار ثخينين لا يصل إلى ما تحت ذلك جاز وهو نظر الرجل إذا كشف عورته في الاستنجاء عند مجاوزة النجاسة مخرجها أكثر من قدر الدرهم. وعن إبراهيم بن رستم: لا يجوز للمرأة البناء؛ لأنها عورة. وفي " مختصر البحر المحيط ": لو سبقه الحدث من صلاة الجنازة ينبغي له أن ينبي وفي الاستخلاف خلاف. م: (وبنى) ش: أي على صلاته ما لم يوجد منه ما ينافي صلاته مما له منه بد كالكلام، والأكل، والشرب، والبول، والتغوط ونحو ذلك. وفي السغناقي يمنع البناء الحدث العمد والإغماء والجنون والقهقهة عمدا أو لا والاحتلام والإمناء، والنظر بشهوة أو تفكر أو النحة أو عضة زنبور أو ظهرت عورته عند الاستنجاء ولو لم يظهر بنى. وروى أبو سليمان أنه يبني مطلقا، وفي " شرح القدوري " لأبي نصير: لا يبني في ظاهر المذهب. وذكر في " المحيط " عن محمد أنه يستنجي من تحت ثيابه، وروى أبو سليمان أن الاستيفاء من البئر لا يمنع البناء، ولو جاوز الماء فذهب إلى غيره فسدت صلاته. وفي " مختصر عن المحيط ": يبني ولو استفاء بوضوء أو حزز دبره فسدت صلاته. وفي " المرغيناني ": ما يسقي من البئر ويبني. وقال الكرخي والقدوري: لا يبني. وفي " التحفة ": أنه يبني، ولم يجد خلافا ولو طلب الماء بإشارة أو اشتراه بالتعاطي أو نسي ثوبه في موضع الوضوء فرجع واحدة لا يبني، ولو تذكر أنه لم يمسح برأسه فرجع ومسح يجزئه؛ لأنه لا بد منه. ولو أحدث فأصاب منه ثوبه أو بدنه يغسل ويبني، ولو انتضح عليه من البول أكثر من قدر الدرهم وهو في الصلاة فذهب وغسله لا يبني عندهما، وعند أبي يوسف يبني، وإن كان له ثوبان نزع النجس منهما من ساعته وصلى، وكذا لو وقع ثوبه فأخذه من ساعته فستر عورته تفسد صلاته، وإن سكت عريانا إن عجز عن رفع ثوبه لا تفسد ما لم يؤد ركنا مع الكشف، وإن قدر على رفعه تفسد عندهما خلافا لأبي يوسف. فإن قلت: ما وجه تخصيص الإمام بالبناء مع جوازه للمقتدي والمنفرد. قلت: لأنه أعلم بشرائط البناء غالبا من غيره.
والقياس أن يستقبل وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لأن الحدث ينافيهما والمشي والانحراف يفسدها فأشبه الحدث العمد. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والقياس أن يستقبل) ش: أي صلاته هذه م: (وهو قول الشافعي) ش: أي استقبال الصلاة في هذه الحالة قول الشافعي في الجديد وبه قال مالك في قول وأحمد في رواية، وعن أحمد: أن صلاة المأمومين تبطل، وعنه: لا يستخلف ويتيممون وحدانا، والمسبوق تبطل صلاته، وعنه يتوضأ ويبني. وفي " المبسوط " كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: يبني ثم رجع وعاب عليه محمد في كتاب الحج لرجوعه من الآثار إلى القياس، وفي " الجواهر " من كتب المالكية أنه يستخلف سواء شرع طاهرأ أو محدثا أو جنبا، وإن صلوا وحدانا بطلت في المشهور. وقال الزهري في إمام بثوبه دم أو رعف أو سجد للسهو] بالتصرف وليقل أتموا صلاتكم. وروي أن معاوية لما طعن أتم الصلاة وحدانا، وذكر في " النهاية " لإمام الحرمين في باب الجمعة لو أحدث الإمام عامدا أو أخرج نفسه من الصلاة [تفسد أو سبقه] الحدث فالاستخلاف يجزئ في هذه الصورة عندهم مع بطلان صلاة الإمام. م: (لأن الحدث ينافيهما) ش: أي ينافي الصلاة، والطهارة شرط لبقاء الصلاة كما هي شرط لابتدائها فلا تبقى مع وجود الحدث المنافي لشرطها. م: (والمشي) ش: إلى الوضوء م: (والانحراف) ش: عن القبلة م: (يفسدها) ش: أي الصلاة لأنهما متنافيان م: (فأشبه الحدث العمد) ش: أي أشبه الحدث السابق وهو الحدث السماوي الحدث العمد، فكما أن في الحدث العمد تبطل الصلاة فكذلك في الحدث السماوي، وهو الذي ذكره وجه القياس الذي أخذ به الشافعي ومن اتبعه، ولم يذكر المصنف له دليلا من الآثار واحتجوا في ذلك بالأحاديث: منها: ما رواه الأثرم بإسناده عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان قائما يصلي بهم فانصرف ثم أتى ورأسه تقطر ماء، فقال: "إني قمت بكم ثم تذكرت أني جنب ولم أغتسل فانصرفت واغتسلت، فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني فلينصرف وليغتسل وليستقبل صلاته» . ومنها: ما رواه مالك في " الموطأ «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة وذكر أنه جنب فقال لأصحابه: "كما أنتم" ومضى ورجع ورأسه تقطر ماء ولم يستخلف» فدل أن تقدم الجنابة لم تمنع الاقتداء فإنه قال: كما أنتم. ومنها: ما رواه علي بن طلق عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا نسي أحدكم في
ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» . ـــــــــــــــــــــــــــــQصلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته» أخرجه الترمذي وأبو داود، وقال الترمذي: [هذا] حديث حسن ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ومنها: ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا رعف أحدكم في الصلاة فلينصرف وليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته» وأخرجه الطبراني في "معجمه " والدارقطنى في "سننه " وابن عدي في " الكامل ". والجواب عن هذه الأحاديث: أن حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو مذهبنا فإنه أمر بالاستقبال فدل أن شروعه فيها لم يصح، ونحن إنما قلنا بالاستخلاف والبناء في الحدث الطارئ السابق دون العمد القارن والجنابة، وأن حديث " الموطأ " يخالفه الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم فإنهما رويا بإسنادهما «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما قام في مصلاه ولم يشرع في الصلاة وقد تكلم ثم جاء وكبر للشروع في الصلاة» . ومعنى قوله: كما أنتم أي لا تتفرقوا حتى أجيء، ولهذا استقبل وأمرهم بالاستقبال، ويدل عليه ما رواه أبو داود «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قام في مصلاه فانتظرنا أن يكبر فانصرف، فقال: "كما أنتم» فمن المحال أن يصلوا بصلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل شروعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يكونوا شرعوا في الصلاة قبل شروعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وأن حديث علي بن طلق محمول على العمد أو على الأفضلية توفيقا بين الأحاديث على أن ابن القطان [كان يقول] في كتابه: هذا حديث لا يصح فإن فيه مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك وهو مجهول الحال. وأن حديث ابن عباس فيه سليمان بن أرقم، وقال أحمد وأبو داود والنسائي وابن معين والبخاري: إنه متروك. م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن إسماعيل عن [ابن جريج] عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف وليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» ، وأخرجه الدارقطني في "سننه ".
وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه، وليقدم من لم يسبق بشيء» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال: الحفاظ يروونه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، ثم أخرجه عن عبد الرزاق عن ابن جريج به مرسلا وقال: هذا هو الصحيح. وقال إمام الحرمين في " النهاية " والغزالي في " الوسيط ": إن هذا الحديث مروي في الكتب الصحاح وهو وهم منهما، وإنما لم يقل به الشافعي؛ لأنه مرسل وابن أبي مليكة لم يلق عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدم من لم يسبق بشيء» ش: هذا بهذا اللفظ غريب، ولكن أخرج أبو داود وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فأحدث فليأخذ بأنفه ثم لينصرف» . وأخرج الدارقطني في "سننه " عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا: [إذا أم القوم فوجد في بطنه رزءا أو رعافا أو قيئا فليضع ثوبه على أنفه وليأخذ بيد رجل من القوم فليقدم] . قوله: رعف، قال المطرزي: رعف أنفه سال رعافه. قلت: الرعاف هو الدم يخرج من الأنف، ورعف من باب نصر ينصر، وجاء رعف بالضم وهي لغة ضعيفة، وجاء رعف يرعف بالفتح فيهما، ويقال: رعف الفرس يرعف ويرعف بالفتح والضم أي سبق وتقدم واسترعف مثله. قوله: أو أمذى: أي صار ذا مذي، قوله: وليبن: أمر وأدنى درجاته الإباحة فيثبت شرعية البناء. فإن قلت" وليتوضأ أمر أيضا، وهو للوجوب فينبغي أن يكون وليبن كذلك. قلت: لا يضرنا ذلك، لأنه حينئذ يكون أثبت للمدعي. قوله: من لم يسبق بشيء مفعول وليقدم وأراد به من لم يسبقه حدث مثله، وقد فسره بعضهم بقوله: المراد المسبوق بالصلاة وليس كذلك لأن المسبوق يجوز أن [يكون] يجعل خليفة لمن سبقه الحدث، وقال تاج الشريعة: قوله: من لم يسبق بشيء لبيان الأفضل؛ لأنه أقدر على إتمام الصلاة من المسبوق. قوله: رزءا بكسر الراء وتشديد الزاء وهو في الأصل الصوت الخفي ويريد به القرقرة وقيل: هي غمز الحدث وحركته للخروج.
والبلوى فيما سبق، دون ما يتعمده، فلا يلحق به، والاستئناف أفضل تحرزا عن شبهة الخلاف ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرج الطبراني عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد في بطنه رزءا فلينصرف وليتوضأ» وأمره بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين وإلا فليس بواجب إن لم يخرج الحدث. فإن قلتم: استدللتم بحديثين أحدهما مرسل والآخر ضعيف. قلت: لا يضرنا إرساله؛ لأن المرسل عندنا حجة ويقوي الضعيف بما نقل عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهو ما أخرجه ابن أبي شيبه في "مصنفه" عن علي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق وسلمان وابن عمرو ابن مسعود. وروي من التابعين عن علقمة، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، مكحول، وسعيد بن المسيب، وكيف يذهب إلى القياس بترك قول هؤلاء وقولهم فيما لا يدرك بالقياس كالنص في كونه راجحا على القياس حتى قال بعضهم في المسألة إجماع الصحابة، فإنه روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعبادلة الثلاثة، وأنس، وسلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين - جواز البناء، والمراد إجماع فقهائهم وبقولهم يترك القياس، هذا والنووي اجتهد في هذا وقال: منع البناء المسور بن مخرمة من الصحابة وهو لا يقاوي هؤلاء الأجلاء من الصحابة، والأئمة الكبار من التابعين والرجوع إلى الحق واجب، وروي أيضا مثلما قلنا عن الأوزاعي وابن أبي ليلى وسلمان بن يسار والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي سلمة بن عبد الرحمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. م: (والبلوى فيما سبق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي فأشبه الحدث العمد، تقريره أن البلوى أي البلية في الحدث يقال: لحصوله بغير فعله فيجعل فيه مقدورا م: (دون ما يتعمده) ش: أي يقصده ويفعله باختياره وليس فيه بلوى فلا يجعل معذورا فلا يجوز القياس لوجود الفارق وهو معنى قوله م: (فلا يلحق به) ش: أي لا يلحق بما يسبق مما يتعمد وهذا في نفس الأمر منع المشابهة ومن قوله: فأشبه الحدث العمد، وكيف يشابه الذي بلا اختيار بالذي باختيار. م: (والاستئناف أفضل) ش: أي استقبال الصلاة أفضل من البناء م: (تحرزا عن شبهة الخلاف) ش: لأنه أقرب إلى الاحتياط؛ لأن البناء عمل بخبر الواحد والاستئناف بالإجماع، والإجماع أقوى من خبر الواحد كذا قاله بعض الشراح وفيه نظر؛ لأنه قيل: إن البناء إجماع الصحابة، فإن روي عن جماعة كثيرين كما ذكرنا، وبه يترك القياس؛ لأن قولهم فيما لا يدرك بالقياس، كالنص في كونه راجحا على القياس مع أنه مؤيد بالأمر في الحديث المذكور.
وقيل: إن المنفرد يستقبل، والإمام والمقتدي يبني صيانة لفضيلة الجماعة، والمنفرد إن شاء أتم في منزله، وإن شاء عاد إلى مكانه، والمقتدي يعود إلى مكانه، إلا أن يكون إمامه قد فرغ أو لا يكون بينهما حائل. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقيل: إن المنفرد يستقبل) ش: أي الأفضل له ذلك للاحتياط م: (والإمام والمقتدي يبني) ش: يعني الإمام إذا سبقه الحدث يبني على صلاته، والمقتدي أيضا إذا سبقه الحدث يبني م: (صيانة لفضيلة الجماعة) ش: أي حفظا لفضيلة الجماعة، وانتصاب صيانة على التعليل. م: (والمنفرد إن شاء أتم في منزله) ش: يعني الذي يصلي وحده إذا سبقه الحدث فذهب وتوضأ إن شاء أتم صلاته في منزله وهو الموضع الذي توضأ فيه بعد الانصراف م: [ (وإن شاء عاد إلى مكانه) ] ش: وإنما صار مخيرا بين الأمرين لأنه إذا أتم في منزله صار مؤديا صلاته في مكانه مع قلة المشي، وإن عاد إلى مكانه صار مؤديا لها في مكان واحد مع كثرة المشي فوجد في كل واحد من الأمرين جهة الكراهة وجهة الفضيلة فصار مخيرا. م: (والمقتدي يعود إلى مكانه) ش: وهو الموضع الذي سبقه الحدث فيه، ولا يجوز له أن يبني في منزله الذي توضأ فيه لوجوب متابعة الإمام. وقال المرغيناني: المقتدي يعود لا محالة إذا لم يفرغ إمامه. وقال الأسبيجاني: يعود إلى موضع يجوز له الاقتداء بإمامه، وقال في " المفيد ": وكذا إذا لم يعلم بفراغ إمامه وإن فرغ يتخير بين العود والإتمام في مسجد آخر. م: (إلا أن يكون إمامه قد فرغ) ش: هذا مبينا من قوله يعود إلى مكانه أراد أن إمامه إذا فرغ عن الصلاة يجوز له أن يبني في منزله لزوال الداعي. وإذا عاد بعد فراغ الإمام، فعن ابن سماعة: أنه يفسد صلاته بحصول المشي بلا حاجة. واختيار السرخسي وشيخ الإسلام خواهر زاده: لا يفسد صلاته. فإن قلت: اللاحق في حكم المقتدي فيما يتم من صلاته، فإذا كان بينه وبين الإمام ما يمنع صحة الاقتداء من طريق أو نهر فينبغي أن لا يجوز في بيته. قلت: هم بمنزلة المقتدي، ولكن الإمام قد خرج من حرمة الصلاة، فلا يراعى ترتيب القيام بينه وبين إمامه، وربما خرج أو أحدث أو نام. م: (أو لا يكون بينهما حائل) ش: عطف على المستثنى؛ يعني أن المقتدي يعود إلى مكانه إلا إذا فرغ إمامه فحينئذ لا يعود، وإلا إذا لم يكن بين الإمام والمقتدي حائل؛ أي مانع لجواز الاقتداء كالطريق والنهر الكبير فحينئذ لا يعود إلى مكانه، وإن لم يفرغ الإمام عن الصلاة لجواز المتابعة من حيث هو. فإن قلت: المقتدي إذا عاد إلى مكانه قبل فراغ الإمام كيف يصنع؟ قلت: قال في " شرح الطحاوي ": يشتغل أولا بقضاء ما سبقه الإمام في حالة اشتغاله بالوضوء بغير قراءة؛ لأنه لاحق،
[حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث]
ومن ظن أنه أحدث فخرج من المسجد، ثم علم أنه لم يحدث استقبل الصلاة، فإن لم يكن خرج من المسجد يصلي ما بقي، والقياس فيهما الاستقبال، وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الانصراف من غير عذر، وجه الاستحسان أنه انصرف على قصد الإصلاح، ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه بنى على صلاته، وألحق قصد الإصلاح بحقيقته. ـــــــــــــــــــــــــــــQويقوم مقدم قيام الإمام ومقدار ركوعه وسجوده، ولو زاد أو نقص فلا يضره ولا يلزمه السهو لأنه لاحق، إلا إذا انتهى إمامه فيتابعه في الموضع الذي سجد إمامه، ثم يقضي آخر صلاته، ولو لم يشتغل بقضاء ما سبق أولا فيتابع الإمام جاز فيقضي ما سبق الإمام بعد تسليم الإمام؛ لأن ترتيب أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث] م: (ومن ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث استقبل الصلاة) ش: لأن الانصراف عن القبلة بلا عذر مفسد فيلزمه الاستقبال م: (فإن لم يكن خرج من المسجد يصلي ما بقي) ش: من صلاته؛ لأن السجود وإن تباعدت أطرافه بمنزلة مكان واحد. بدليل صحة الاقتداء وعدم تكرر وجود سجدة التلاوة. م: (والقياس فيهما الاستقبال) ش: أي فيما إذا خرج من المسجد وفيما إذا لم يخرج م: (وهو) ش: أي القياس م: (رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الانصراف) ش: أي الانصراف عن الصلاة. وفي " الذخيرة ": أي الانحراف عن القبلة م: (من غير عذر) ش: وهذا وجه القياس. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: إذا كان يمشي في المسجد ووجهه إلى القبلة بأن كان باب المسجد على حائط القبلة، فأما إذا أعرض عن القبلة فسدت صلاته، وإن كان في المسجد إذ هو انحراف عن القبلة بغير عذر. وفي ظاهر الرواية لم يفصل بينهما إذا مشى في المسجد مستقبل القبلة أو انحرف عن القبلة وإطلاق صاحب الكتاب يحمل على هذا. م: (وجه الاستحسان أنه انصرف على قصد الإصلاح) ش: أي على قصد إصلاح صلاته لا رفضها م: (ألا ترى) ش: تنبيه على ما ذكره من أن انصرافه على قصد الصلاح م: (أنه) ش: أي أن [الظن] الذي ظن أنه أحدث م: (لو تحقق ما توهمه) ش: من ظن حصوله الحدث م: (يبني على صلاته) ش: ولا يقطعها، والتأويل أن بين خطأ في آخر الأمر قد يعتبر في بعض الأحكام، كتأويل أهل البغي في دماء أهل الحق وأموالهم إذا كانت لهم قوة ومنعة حتى لا يضمنون شيئا من ذلك م: (وألحق قصد الإصلاح بحقيقته) ش: أي ألحق قصد الإصلاح بحقيقة الإصلاح، أعني أن الحدث المتوهم لو كان متحققا كان يبني فكذا في هذه الصورة. فإن قلت: إذا كان قصد الإلحاق ملحقا بحقيقته ينبغي أن يبني إذا خرج من المسجد أيضا. قلت: هذا ليس بمطلق بل في هذه الصورة لأنه إذا خرج يختلف المكان من غير عذر وهو يبطل لتحريمه أشار إليه بقوله.
ما لم يختلف المكان بالخروج، وإن كان استخلف فسدت؛ لأنه عمل كثير من غير عذر، وهذا بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح الصلاة على غير وضوء فانصرف، ثم اعلم أنه على وضوء حيث تفسد صلاته وإن لم يخرج؛ لأن الانصراف على سبيل الغرض، ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه يستقبله، فهذا هو الحرف، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ما لم يختلف المكان بالخروج) ش: من المسجد لأنه مكان واحد. وفي " جامع التمرتاشي " وكذا الغازي لو ظن حضور العدو فانصرف، والأمر بخلافه لم تفسد صلاته ما لم يخرج من المسجد، وفي الصحراء ما لم يجاوز مكان الصفوف وإلا تفسد، والبيت كالمسجد، والمرأة إذا نزلت من مصلاها فسدت لأنه بمنزلة المسجد في حق الرجل، ولو ذهب قدامه في الصحراء بمقدار الصفوف حده إن لم يكن سترة وإن كانت فحده سترة. م: (وإن كان استخلف) ش: أي وإن كان الذي ظن أنه أحدث استخلف ثم علم أنه لم يحدث م: (فسدت) ش: أي صلاته وإن لم يخرج من المسجد م: (لأنه) ش: أي لأن الذي فعله م: (عمل كثير) ش: لأنه استخلاف ومشى والعمل الكثير م: (من غير عذر) ش: يفسد الصلاة م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح (الصلاة) على غير وضوء فانصرف) ش: من صلاته أو من القبلة م: (حيث تفسد صلاته وإن لم يخرج) ش: من المسجد ثم أشار إلى الفرق بين المسألتين بقوله م: (لأن الانصراف) ش: أي في هذه المسألة م: (على سبيل الغرض) ش: والأغراض والانصراف من هذا الوجه ملحق بحقيقته. ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه) ش: من ظنه افتتاح صلاته بغير وضوء م: (يستقبله) ش: صلاته، لأنه انصرافه كان على سبيل الرفض م: (وهناك) ش: أي في المسألة الأولى م: (لو تحقق ما توهمه) ش: من سبق الحدث م: (لا يستقبلها) ش: أي الصلاة، لأن انصرافه كان على سبيل الإصلاح كما ذكرناه م: (فهذا هو الحرف) ش: أي هو الأصل في البناء والاستقبال، أو هذا هو الأصل بين المسألتين وهو أن الانصراف إذا كان على سبيل قصد الإصلاح لا يستقبل ما لم يخرج من المسجد، وإذا كان عل سبيل الرفض والترك يستقبل بمجرد الانصراف وإن لم يخرج من المسجد ولم يستخلف، وعلى هذا إذا أقبل سواد فظنوه عدوا فانحرف قوم، فإذا هي بقر أو غنم أو إبل إن لم يجاوزوا الصفوف بنوا استحسانا، وإن جاوزوا استقبلوا، وإذا ظن أنه لم يمسح فانصرف ثم علم أنه كان ماسحا فسدت صلاته، وإن لم يخرج من المسجد وكذلك متيمم رأى سرابا فظنه ماء فانحرف فظهر أن سراب، وكذلك إذا رأى في ثوبه لونا فظن أنه [نجاسة] فانحرف ثم علم أنه ليس بنجاسة لم يبن، وكذلك ماسح الخف إذا ظن أن المدة قد تمت فانحرف لغسل الرجلين يستقبل وإن لم يخرج لأنه في الجميع قصد رفض الصلاة فانقطعت صلاته.
[حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء]
ومكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد؛ ولو تقدم قدامه فالحد السترة، وإن لم تكن فمقدار الصفوف خلفه، وإن كان منفردا فموضع سجوده من كل جانب، وإن جن أو نام فاحتلم أو أغمي عليه استقبل؛ لأنه يندر وجود هذه العوارض، فلم يكن في معنى ما ورد به النص، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء] م: (ومكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد) ش: هذا لبيان أنه لم يكن في المسجد ماذا يكون حكمه، وهو أنه إذا كان يصلي في الصحراء لا يخلو، إما أن يكون إماما أو منفردا وعلى التقديرين، لا يخلو إما أن يكون بينه سترة أو لا يكون، فإن كان إماما وكان الصفوف كالمسجد في حقه فإذا سبقه الحدث فإنه ينصرف ويستخلف ما دام في مكان الصفوف، فإن خرج من الصفوف ولم يستخلف، فقد بطلت صلاته لاختلاف المكانين من غير عذر، هذا إذا لم يكن سترة، فإن كانت بين يديه سترة فالمعتبر حد السترة إذا مشى قدامه وهو معنى قوله. م: (ولو تقدم قدامه) ش: أي ولو مشى قدامه سجد في الجواز والفساد السترة، وهو معنى قوله م: (فالحد السترة) ش: فإن جاوزها بطلت صلاته م: (وإن لم تكن) ش: أي سترة بين يديه م: (فمقدار الصفوف خلفه) ش: أي فالمعتبر مقدار الصفوف التي خلفه؛ أي خلف الإمام حتى إذا كان من آخر الصفوف إلى الإمام خمسة أذرع مثلا، فالحد قدام الإمام خمسة أذرع، فإن لم يخرج عن هذا المقدار يبنِ ولا يستقبل، وإن خرج عن هذا المقدار ولم يستخلف بطلت صلاته؛ لأن الإمام بعد سبقه الحدث كان عليه الاستخلاف ليصير هو في حكم المقتدين به لأنه صار مقتديا، فإن قلت: ذكر الصفوف [بالجمع باعتبار الغالب م: (وإن كان) ش: أن المصلي الذي سبقه الحدث م: (منفردا] فموضع سجوده) ش: أي فالمعتبر موضع سجوده م: (من كل جانب) ش: من جوانبه، فإذا لم يتجاوز المصلي في أثناء الصلاة [ذلك المقدار يبني فيما كان قصد الإصلاح وإلا فلا، وإن لم يتجاوزه م: وإن جن) ش: أي المصلي في أثناء الصلاة] م: أو نام فاحتلم) ش: إنما قال فاحتلم؛ لأن مجرد النوم في الصلاة لا يفسدها. فإن قلت: هلا اكتفى بقوله: أو احتلم من غير ذكر نام؛ لأن الاحتلام لا يكون إلا في النوم. قلت: احتلم يستعمل في البلوغ أيضا، فقال: احتلم الغلام أي بلغ وعقل، ولو اكتفى بقوله: أو احتلم لكان يوهم أنه بمعنى عقل بقرينة قوله: جن. م: (أو أغمي عليه) ش: الإغماء مرض يحصل في الدماغ بسبب الامتلاء من بلغم بارد غليظ، هذا عند أهل الطب، وعند المتكلمين هو سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعصاب، والجنون زوال العقل وفساده، ولهذا يمكن الإغماء في الأنبياء دون الجنون م (استقبل) ش: جواب إن؛ أي استقبل صلاته م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يندر وجود هذه العوارض) ش: أي الجنون والاحتلام والإغماء م: (فلم يكن) ش: أي هذه العوارض م: (في معنى ما ورد به النص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته» ومعنى ما ورد به النص هو القيء والرعاف
[الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره]
وكذلك إذا قهقه؛ لأنه بمنزلة الكلام وهو قاطع، وإن حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره أجزأهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجزئهم؛ لأنه يندر وجوده، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإذا لم يكن في معنى ما ورد به النص بقيت على أصل القياس. أما الجنون والإغماء فإن الشخص يبقى على حاله بعد حدوثهما فيصير مؤديا جزءًا من الصلاة مع الحدث فتفسد بخلاف القيء والرعاف فإنه ينصرف على الفور [حال] وقوعهما. وأما الاحتلام فإنه يوجب الغسل بخلاف القيء والرعاف، فإن وجوبهما بالفرض، هذا إذا وجدت هذه الأشياء قبل أن يقعد مقدار التشهد، أما لو حدث بعده فصلاته وصلاة القوم تامة؛ لأنه يصير خارجا عنها لهذه الأشياء. فإن قلت: الخروج بفعله فرض عند أبي حنيفة، ولم يوجد. قلت: وجد؛ لأنه صار محدثا بها؛ لأنه لا بد من اضطراب ومكث بعد الحدث، فبالمكث إذا الخروج من الصلاة مع الحدث، وهو صنع كيف ما كان من حيث الاضطراب أو من حيث المكث. م: (وكذلك إذا قهقه لأنه بمنزلة الكلام) ش: فصار كأنه تكلم بعد الحدث، وشرط البناء أن لا يتكلم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليبن على صلاته ما لم يتكلم» . فإن قلت: ما معنى قوله: إن القهقهة بمنزلة الكلام. قلت: لأن كلا منهما ينقل المعنى من الضمير إلى فهم السامع. م: (وهو قاطع) ش: أي الكلام قاطع للصلاة والقهقهة أقطع لأنها أفحش، ولهذا سوى بين النسيان والعمد، هذا أيضا إذا وجدت قبل ما قعد قدر التشهد، وأما إذا وجدت بعده فلا تفسد صلاته كما لو تكلم بعده ولكن يلزمه الوضوء عندنا لصلاة أخرى، وعند زفر: لا يلزمه هذا كله أيضا على قولنا، فأما على قول الشافعي: تفسد صلاة الإمام لا صلاة القوم. [الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره] م: (وإن حصر الإمام عن القراءة) ش: حصر بكسر الصاد، يقال: حصر يحصر حصرا بفتحتين من باب علم يعلم، والحصر، والحصر القيء وضيق الصدر، قال تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] [النساء: الآية 90] ، ومعناه: ضاق صدر الإمام عن القراءة، ويجوز أن يقرأ على صيغة المجهول من حصره إذا حبسه من باب نصر ينصر، ومعناه: ومنع حبس عن القراءة بسبب خجل أو خوف. م: (فقدم غيره أجزأهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد، وفي " المفيد ": جعل قول أبي يوسف مع أبي حنيفة م: (وقالا: لا يجزئهم لأنه يندر وجوده) ش: أي لأن الحصر يندر وجوده، والاستخلاف ثبت بخلاف القياس، في أمر غالب الوجود وهو الحدث، فلا يجوز الاستخلاف فيه. وفي " الفوائد الظهيرية " ليس الحصر في معنى الحدث من وجوه:
فأشبه الجنابة في الصلاة، وله أن الاستخلاف لعلة العجز وهو هنا ألزم، والعجز عن القراءة غير نادر، ولو قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع لعدم الحاجة إلى الاستخلاف، وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم؛ لأن التسليم واجب فلا بد من التوضؤ ليأتي به، ـــــــــــــــــــــــــــــQأحدها: أن الطهارة شرط بجميع الصلاة، والقراءة شرط لبعضها. والثاني: أنه لا جواز للصلاة بدون الطهارة، ولها جواز بدون القراءة كما في الأمي. والثالث: أن القراءة تجزئ لها النيابة بخلاف الطهارة. وقال الأترازي: ونقل شيخنا عن شيخه العلامة حميد الدين الضرير أنه قال في شرحه صورة المسألة: إذا لم يعقد الإمام [على] القراءة لأجل خجل يعتريه، أما إنه إذا نسي القراءة أصلا لا يجوز الاستخلاف بالإجماع لأنه يصير أميا، واستخلاف الأمي لا يجوز. قلت: حميد الدين مسبوق في هذه، أما في السير فإنه قال: إنما يجوز الاستخلاف إذا [كان] حافظا للقراءة لكن لحقه خجل أو خوف فحصر، فأما لو نسي فصار أميا لم يجز الاستخلاف إجماعا؛ لأن إتمام القارئ صلاة الأمي غير جائز. وقال أبو بكر الرازي: إنما يستخلف إذا لم يمكنه أن يقرأ شيئا وإن أمكنه قراءة آية لا يستخلف، وإن استخلف فسدت صلاته. وقال الأترازي: ثم عندهما إذا لم يستخلف كيف يصنع، قال بعض الشارحين: يتم صلاته بلا قراءة إلحاقا له بالأمي، وهذا سهو لأن مذهبهما أنه يستقبل وبه صرح فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ". قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي، فإنه قال هكذا في شرحه، وقال الأكمل: ونسبه بعض الشارحين إلى السهو وأراد به الأترازي. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاستخلاف لعلة العجز) ش: عن المضي في الصلاة صيانة لصلاة القوم عن البطلان م: (وهو هنا ألزم) ش: أي العجز عن القراءة ألزم؛ لأنه ربما يجد الماء في المسجد فيتوضأ ويبني من غير استخلاف، والذي حصر فلا بد له من تعلمه أو تذكره وذلك يمنع المضي غالبا، فلما جاز الاستخلاف في الحدث لعلة العجز جاز في الحصر أيضا لوجود تلك العلة. م: (والعجز عن القراءة غير نادر) ش: هذا جواب عن قولهما: إنه يندر وجوده م: (ولو قرأ مقدار ما يجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع) ش: أي لا يجوز الاستخلاف بالإجماع م: (لعدم الحاجة إلى الاستخلاف) ش: لوجود قراءة ما يجوز به الصلاة، وهي آية قصيرة عنده، فإذا لم يجز له الاستخلاف يركع ويمضي في صلاته، وقال في " المحيط ": ولو استخلف تفسد صلاته. م: (وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم؛ لأن التسليم واجب فلا بد من التوضؤ ليأتي به) ش:
[رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة]
وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم أو عمل عملا ينافي الصلاة تمت صلاته؛ لأنه يتعذر البناء لوجود القاطع، لكن لا إعادة عليه؛ لأنه لم يبق عليه شيء من الأركان، فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته، وقد مر من قبل، وإن رآه بعدما قعد قدر التشهد، أو كان ماسحا فانقضت مدة مسحه، ـــــــــــــــــــــــــــــQأي بالتسليم الذي هو واجب، وعند الشافعي: التسليم فرض وقد مر بيانه م: (وإن تعمد الحدث في هذه الحالة) ش: يعني بعد التشهد م: (أو تكلم أو عمل عملا ينافي الصلاة فقد تمت صلاته لأنه يتعذر البناء لوجود القاطع) ش: وهو تعمد الحدث أو الكلام أو عمل ما ينافي الصلاة. م: (لكن لا إعادة عليه) ش: أي إعادة صلاته م: (لأنه لم يبق عليه شيء من الأركان) ش: وفساد ما بقي لا يؤثر في فساد ما مضى، وعند الشافعي ومالك وأحمد: فسدت صلاته؛ لأن السلام من الأركان أو الفرائض عندهم [رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة] م: (فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته) ش: لأنه قدر على الأصل حال قيام الخلف قبل تمام الحكم بالخلف. فإن قلت: يشكل هذا بالمتيمم إذا أحدث في صلاته فانصرف، ثم وجد ما كان له أن يتوضأ ويبني على صلاته، فلم تبطل صلاته هناك برؤية الماء. قلت: التيمم ينتقض بصفة الاستناد إلى ابتداء وجوده عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثا بالحدث السابق؛ إذ الإصابة ليست بحدث، وهاهنا ينتقض التيمم عند إصابة الماء لانتقاضه بالحدث الطارئ على التيمم لا بصفة الاستناد. م: (وقد مر من قبل) ش: أي في باب التيمم وهو قوله: وينقض رؤية الماء إذا قدر على استعماله م: (فإن رآه) ش: أي فإن رأى المتيمم الماء م: (بعدما قعد قدر التشهد) ش: هذه اثنتا عشرة مسألة تسمى باثني عشرية؛ لأنها بذلك العدد في الروايات المشهورة، قيل: هي أنها من حيث العربية لأنه لا تجوز النسبة إلى اثني عشر ولا إلى غيره من العدد المركب [إلا] إذا كان علما فحينئذ ينسب إلى صدره فيقال: خمسي في خمسة عشر كما يقال: تأبطي في تأبط شرا أو بعلي في بعلبك. قلت: إنما لم ينسب إلى خمسة عشر عددا؛ لأن الجزأين حينئذ مقصودان، فلو حذف أحدهما اختل المعنى، ولو لم يحدث استثقل. وأما إذا كان علما فالاسمان بكمالها علم لا دلالة لعشرة ولا لخمسة، فكان الثاني كتاء التأنيث، ولم يكن في الحذف إخلال، ولكن لقائل أن يقول: يجعل اثني عشر هاهنا في حكم المفرد فينسب إليها بكمالهما على أن الذي قيل: إنما هو في المركب الإسنادي والمزجي كما عرف في موضعه، وقد أشار المصنف إلى المسألة الأولى من هذه المسائل الاثني عشرية بقوله، فإن رأى المتيمم الماء بعدما قعد قدر التشهد. وأشار إلى الثانية بقوله م: (أو كان ماسحا) ش: أي على خفيه م: (فانقضت مدة مسحه) ش:
أو خلع خفيه بعمل يسير، أو كان أميا فتعلم سورة، أو عريانا فوجد ثوبا، أو مومئا، فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر فائتة عليه قبل هذه، أو أحدث الإمام القارئ، فاستخلف أميا، أو طلعت الشمس في الفجر، ـــــــــــــــــــــــــــــQبعدما قعد قدر التشهد، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها في حق المسافر. وأشار إلى الثالثة بقوله م: (أو خلع خفيه بعمل يسير) ش: أي خلع أحد خفيه وقيد باليسير؛ لأن العمل الكثير يخرج عن الصلاة فيتم صلاته حينئذ بالاتفاق، وقال في " المبسوط ": وتأويله إذا كان واسعا لا يحتاج إلى معالجة. وأشار إلى الرابعة بقوله: م: (أو كان أميا فتعلم سورة) ش: قال في " الينابيع ": يريد به إذا كان يصلي وحده، أما لو كان خلفه الإمام قيل: هي على الاختلاف، وقيل: يجوز صلاته بالاتفاق. قال أبو الليث: وبه نأخذ، وفي " المبسوط ": ذكر أبو يوسف في " الإملاء " عن أبي حنيفة أنه كان يقول: الأمي إذا تعلم سورة في خلال صلاته يقرأ ويبني كالقاعد إذا قدر على القيام، ثم رجع عن ذلك لأن صلاته ضرورية كالمومئ. وفي " المبسوط ": فتعلم سورة أي تذكرها بعد النسيان أما إذا تلقنها ابتداء فذلك صنع منه فيخرج به عنها ذكره الحلواني، وقيل: سمعها بلا اختيار وحفظها بلا صنع. وأشار إلى الخامسة بقوله: (أو عريانا) ش: أي أو كان المصلي عريانا م: فوجد ثوبا) ش: ساترا عورته. وأشار إلى السادسة بقوله: م: (أو مومئا) ش: أي: أو كان يصلي حال كونه مومئا م: فقدر على الركوع والسجود) ش: وأشار إلى السابعة بقوله: م: (أو تذكر فائتة عليه قبل هذا) ش: أي أو كان المصلي تذكر أن عليه فائتة قبل هذا الذي يصليه، قيل: معناه قبل سقوط الترتيب وفي الوقت سعة. وأشار إلى الثامنة بقوله: (أو أحدث الإمام فاستخلف أميا) ش: أي لو أحدث المصلي العاري بعدما قعد قدر التشهد فاستخلف رجلا أميا، وفساد صلاته باستخلاف الأمي في هذه الحالة عند أبي حنيفة على اختيار المصنف ومن وافقه. وأما على اختلاف فخر الإسلام فلا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع، وذكر في " كشف الغوامض ": أنه لا يفسد صلاته عند أبي حنيفة لأن هذا الفعل ليس من أفعال الصلاة فيخرج به من الصلاة كما لو تكلم أو خرج من المسجد. وفي " المبسوط ": والاستخلاف وإن كان بصنعه لكنه غير مفسد كاستخلاف العاري. وأشار إلى التاسعة بقوله: م: (أو طلعت الشمس في الفجر) ش: أي أو طلعت الشمس بعد أن قعد قدر التشهد في صلاة الفجر. وفي " المبسوط ": إن قيل طلوع الشمس مبطل لا مغير فلم كانت على الخلاف، قلنا: بل هو مغير من الفرض إلى النفل ولا يخرج به من التحريمة.
أو دخل وقت العصر وهو في الجمعة، أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء، أو كان صاحب عذر فانقطع عذره كالمستحاضة ومن بمعناها، ـــــــــــــــــــــــــــــQوأشار إلى العاشرة بقوله: م: (أو دخل وقت العصر وهو في الجمعة) ش: قال في " الينابيع ": هذا لا يتصور إلا على رواية الحسن عن أبي حنيفة إن أخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله قولهما حتى يتحقق الخلاف. وفي " المنافع ": هذا على اختلاف القولين عندهما إذا صار ظل كل شيء مثله، وعنده إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقيل: تخصيص الجمعة اتفاقي لأن الحكم في الظهر لذلك. وأشار إلى الحادية عشرة بقوله م: (أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء) ش: أي كان المصلي ماسحا على الجبيرة وهي العيدان التي يشد بها [على] الجرح ويجبر بها العظام. وأشار إلى الثانية عشرة بقوله: م: أو كان صاحب عذر فانقطع عذره) ش: بعدما قعد قدر التشهد، وفسر صاحب العذر بقوله م: (كالمستحاضة ومن بمعناها) ش: نحو من به سلس البول وانطلاق البطن وانفلات الريح والرعاف الدائم، والجرح الذي لا يرجى برؤه وانقطاع دم الاستحاضة ولا بد من استيعاب وقت كامل، فلو انقطع الدم بعد التشهد فلو سال الدم في وقت صلاة أخرى فالصلاة الأولى جائز، وإن لم يسل فالصلاة الأولى عند أبي حنيفة باطلة؛ لأنه يتحقق بعد التشهد، وأنه كالانقطاع في وسط الصلاة وعندهما جائزة؛ لأنه كالانقطاع بعد تمام الصلاة. واعلم أنه قد يزيد على هذه المسائل الاثنتي عشرة مسائل أخرى: الأولى: إذا صلى بالثوب وفيه نجاسة أكثر من قدر الدرهم، ثم وجد من الماء ما يغسل به النجاسة في هذه الحالة. الثانية: أنه كان يقضي صلاة الفجر وقد فاتته فدخل عليه وقت الزوال في هذه الحالة. الثالثة: أنه كان يقضي صلاة الظهر في وقت العصر فغربت الشمس في هذه الحالة. الرابعة: الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس فعتقت في هذه الحالة إن سترت رأسها من ساعتها لا تفسد صلاته، وإن لم تستر فصلاتها فسدت عنده ذكرها الأسبيجابي. الخامسة: لو سلم ثم تذكر أن عليه سجدتي السهو فعاد إليهما فلما سجد سجدة تعلم سورة تفسد صلاته عنده؛ لأنه عاد إلى حرمة الصلاة فصار كما لو تعلم قبل السلام، بعدما قعد قدر التشهد ذكرها في " الذخيرة "، ولو سلم ثم تذكر أن عليه سجدة تلاوة أو قراءة تشهد، قال في " الذخيرة ": لم يذكر هذا في الكتاب، قال: ويجب أن يكون من الاثني عشرية؛ لأنه سلام ساه فيجعل كالعدم، أما لو سلم ثم تذكر سجدة صلاتية فإن صلاته تفسد عندهم جميعا لأنه تعلم
بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تمت صلاته، وقيل: الأصل فيه أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس بفرض عندهما، فاعتراض هذه العوارض عنده في هذه الحالة كاعتراضها في خلال الصلاة، وعندهما كاعتراضها بعد التسليم، لهما ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وله أنه لا يمكنه أداء صلاة الأخرى إلا بالخروج من هذه وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا، ـــــــــــــــــــــــــــــQسورة وعليه ركن من أركان الصلاة. م: (بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافا لهما) ش: هذا جواب قوله: فإن رآه بعدما قعد قدر التشهد وما بعده من المسائل وهي الاثنتا عشرة مسألة. م: (وقيل) ش: قائله أبو سعيد البردعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال: م: (الأصل فيه) ش: أي في المذكور من المسائل وهي اثنتا عشرة مسألة م: (أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بدليل أنه ممنوع من البقاء على صلاته بعد التشهد حتى يدخل وقت صلاة أخرى، ولو لم يبق عليه فرض لم يمنع من البقاء كما بعد السلام، وإذا ثبت هذا فقد حدثت هذه المعاني وهي مفسدة للصلاة مع بقاء فرض من فروض الصلاة عليه فصار كما لو حدثت وسط الصلاة. م: (وليس بفرض عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، فإذا كان فرضا عند أبي حنيفة م: (فاعتراض هذه العوارض) ش: وهي العوارض التي ذكرها في هذه المسائل الاثنتي عشرة م: (في هذه الحالة) ش: أي الحالة التي كانت بعدما قعد قدر التشهد م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (كاعتراضها) ش: أي كاعتراض هذه العوارض م: (في خلال الصلاة) ش: أي في أثنائها، واعتراضها في أثنائها يبطل بالاتفاق فكذا في هذه الحالة. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (كاعتراضها بعد التسليم) ش: فاعتراضها بعده لا يبطل بالاتفاق م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك» وقد تقدم هذا في أول باب صفة الصلاة وفيه أيضا عند قوله: وتشهد وهو واجب عندنا.. إلى آخره، وجه استدلالهما به هو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بأحد الأمرين، فمن علق بثالث فقد خالف النص. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن المصلي م: (لا يمكنه أداء صلاة أخرى إلا بالخروج عن هذه) ش: أي عن هذه الصلاة التي هو فيها م: (وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا) ش: كلمة ما مبتدأ، وخبره قوله: يكون فرضا، وصورة هذا التوسل أنه إذا تحرم للظهر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمثلا فلم يخرج منها حتى دخل وقت العصر لزمه أداء العصر مثلا ولا عليه أداؤها إلا بعد الخروج عن تحريمة الظهر؛ لأن العصر لا يتأدى بهذه التحريمة، فيكون الخروج عن تحريمة الظهر سببا يتوصل به إلى أداء العصر وأداء العصر فرض، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا كالانتقال من ركن إلى ركن، في باب الصلاة عد من الأركان، وإن لم يكن ركنا في نفسه كذا هذا؛ لأنه لم يبق الأولى على الصحة لا يمكنه أداء الثانية لأن الترتيب عندنا فرض، ولا يخرج عن الأولى على وجه يبقى صحيحا إلا بصنع يوجد منه فكان فرضا، وهذه النكتة منقولة عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. 1 - فإن قلت: تشكل عليه مسألة المحاذاة، فإن المرأة لو حاذت رجلا في هذه الحالة تمت صلاته بالاتفاق ولا صنع منه. قلت: المحاذاة من باب المفاعلة فلا يتحقق إلا من فاعلين وكان منه صنع، أدناه اللبث في مكانه. فإن قلت: يشكل ما لو تعلم سورة بلا اختيار. قلت: إنه لا صنع فيه. فإن قلت: هذا جواب غير قوي. قلت: لا نسلم لأنه لم يوجد منه الصنع ابتداء وكون تعلمه صنعا منه لا يضرنا. فإن قلت: على ما قررتم يكون الخروج من الصلاة بصنعه فرضا لغيره كالسعي إلى الجمعة، فيجب إن تم صلاته في الصور المذكورة لحصول المقصود من الصنع، وهو الخروج من الأولى كما لو دخل الجامع يوم الجمعة قبل دخول الوقت. قلت: الخروج عن الأولى يجب أن يكون على وجه تبقى صحيحة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] [محمد: الآية 33] ، ولأن الترتيب فرض ولم يبق لهذا الخروج صحيحة. فإن قلت: إنما لم يبق صحيحة لأن الخروج لم يكن بصنع المصلي، وكان بقاؤها صحيحة موقوفا على الخروج على بقائها صحيحة فهذا دور. قلت: الخروج بصنعه موقوف على ما اعتبره الشرع رافعا للتحريمة، ويلزم منه بقاؤها صحيحة. ثم اعلم أن العامة على قول أبي سعيد البردعي، والمختار عند المصنف قول الكرخي، وفي كلامه إشارة إلى ذلك، ويشير قول الكرخي إلى أن الخروج بصنع المصلي ليس بفرض بالاتفاق،
ومعنى قوله: " تمت " قاربت التمام، الاستخلاف ليس بمفسد، حتى يجوز في حق القارئ، وإنما الفساد ضرورة حكم شرعي، وهو عدم صلاحية الإمامة ـــــــــــــــــــــــــــــQوإنما عند أبي حنيفة أن هذه الأشياء مغيرة للصلاة ووجود المغير بعد التشهد كوجوده قبله لما أنه في حرمة الصلاة، ولهذا إذا نوى المسافر في هذه الحالة الإقامة أتم، والمعني بالمغير ما يجب الصلاة بعد وجوده على غير الصغير الواجبة هي عليها قبله، فإن الصلاة تجب بعد رؤية الماء وانقضاء مدة المسح، ووجدان الثوب، وتعلم السورة بالوضوء والغسل واللبس والقراءة بعد أن كانت واجبة بطهارة [التيمم والمسح والعري وعدم القراءة، وقيل: المعني به كون الصلاة جائزة] بالاجتماع به وبضده، فإنها تصح بالتيمم والمسح والإيماء وأضدادها. م: (ومعنى قوله) ش: أي قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (تمت) ش: أي قاربت التمام، هذا جواب عن تمسكهما، وتقديره: أن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (تمت) في قوله: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك، يعني: قاربت التمام كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» أي قاربت التمام بالاتفاق لبقاء فرض بعده وهو طواف الزيارة بالاتفاق. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لقنوا موتاكم» ... " الحديث أي الذي شارف الموت. فإن قلت: من أي باب هذا؟ قلت: من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، كما في قوله: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] [يوسف: الآية 36] ، أي: عنبا، وإنما حملنا عليه توفيقا بين ما قلنا من الدليل العقلي وبينه، ولأن العقل حجة من حجج الله تعالى كالنقل. م: (والاستخلاف ليس بمفسد) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أميا تقديره أن يقال: ينبغي أن لا تفسد الصلاة عند أبي حنيفة باستخلاف الأمي بعد قدر التشهد؛ لأن الاستخلاف عمل كثير مفسد للصلاة، وهو صنع منه فيخرج عن الصلاة باستخلافه، وتقدير الجواب: أن الاستخلاف نفسه ليس بمفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في صلاته لم يضره وهو معنى قوله م: (حتى يجوز في حق القارئ) ش: حتى يجوز الاستخلاف في حق المصلي القارئ، فعلم أن نفس الاستخلاف ليس بمفسد. م: (وإنما الفساد ضرورة حكم شرعي) ش: يعني أن الفساد ليس لنفس الاستخلاف بل لأمر آخر وهو ضرورة حكم شرعي. م: (وهو عدم صلاحية الإمامة) ش: يعني عدم شرعية الأمي لإمامة القارئ، وقال التمرتاشي والهندواني والإمام الكاساني: يجوز صلاته بالاتفاق لوجود الصنع المفسد وهو استخلاف من لا يصلح استخلافه. وقال الأترازي: في قوله الاستخلاف ليس بمفسد نظر عندي؛ لأنا نقول: لا نسلم أن الاستخلاف ليس بمفسد، وقد صرح صاحب " الهداية " نفسه فيمن ظن أنه أحدث
ومن اقتدى بإمام بعدما صلى ركعة فأحدث الإمام فقدمه أجزأه؛ لوجود المشاركة في التحريمة والأولى للإمام أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته، وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم، فلو تقدم يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه، وإذا انتهى إلى السلام ـــــــــــــــــــــــــــــQفاستخلف حيث قال: وإن كان استخلف فسد لأنه عمل كثير، فلو لم يكن الاستخلاف مفسدا لم تفسد الصلاة في تلك المسألة لأنه استخلف القارئ لا الأمي. قلت: في كلامه وقد ذهل عنها الأترازي: وهو أن مسألة الاستخلاف على الخلاف، فكان ذكره هناك اختيار ما ذكر في " المبسوط "، وهو أن الصورة في الاستخلاف صنع منه وهو عمل كثير من غير عذر وهاهنا فرض المسألة فيما إذا كان يعذر، ولا يلزم من كونه مفسدا إذا لم يكن عذر كونه مفسدا عند العذر. م: (ومن اقتدى بالإمام بعدما صلى ركعة) ش: أي بعدما صلى الإمام من صلاته ركعة، وهذا المقتدي مسبوق بالركعة م: (فأحدث الإمام فقدمه) ش: أي فقدم هذا المقتدي الذي هو مسبوق بركعة م: (أجزأه) ش: أي أجزأ الإمام تقديمه م: (لوجود المشاركة في التحريمة) ش: يعني أن صحة الاستخلاف بالمشاركة وهي حاصلة في المسبوق فيصح استخلافه. فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز استخلاف المسبوق؛ لأن الاستخلاف عمل كثير يثبت على خلاف القياس في حق المدرك، والمسبوق ليس في معناه فلا يلحق به. قلت: لا نسلم أن الاستخلاف كان في المدرك. م: (والأولى للإمام أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته) ش: أي لأن المدرك أقدر من المسبوق فكان أولى لأن المسبوق إذا أتم صلاة الإمام يقدم مدركا آخر للسلام لعجزه عن السلام، أما المدرك فيسلم إذا أتم صلاة الإمام بدون استخلاف آخر، فيثبت أنه أقدر من المسبوق. م: (وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم) ش: لأن عليه بقية صلاته فلا يقدر على التسليم حتى يكمل ما عليه، وإن قيل يتقدم جاز فيستخلف مدركا عند تمام صلاة إمامه ليسلم بهم وليسجد لسهوه إن كان عليه سهو، فإن جاء الأول وقد سبقه الثاني ينقل بقضاء ما سبقه ثم يتابعه لأنه لاحق، وإن لم يفعل جاز، قال في " المبسوط " لأن الترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر، ومثله في الأسبيجابي. قلت: ولهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: المسبوق يصلي أولا مع الإمام آخر صلاته فإذا قام يقضي أول صلاته فقد قدم آخرها على أولها في الفعل. م: (فلو تقدم) ش: أي المسبوق م: (يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه) ش: أي لقيام المسبوق مقام الإمام وهو بفتح الميم م: (وإذا انتهى إلى السلام) ش: أي إذا انتهى إلى آخر صلاة الإمام
يقدم مدركا يسلم بهم، فلو أنه حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث متعمدا أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته وصلاة القوم تامة؛ لأن المفسد في حقه وجد في خلال الصلاة وفي حقهم بعد تمام أركانها والإمام الأول إن كان فرغ لا تفسد صلاته وإن لم يفرغ تفسد وهو الأصح، فإن لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد ثم قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول صلاته عند أبي حنيفة. وقالا: لا تفسد، وإن تكلم أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم جميعا، لهما أن صلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا ولم تفسد صلاة الإمام، فكذا صلاته وصار كالسلام والكلام، وله أن القهقهة مفسدة للجزء الذي يلاقيه من ـــــــــــــــــــــــــــــQالذي محله التسليم م: (يقدم مدركا يسلم بهم) ش: أي بالقوم م: (فلو أنه) ش: أي المسبوق م: (حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث متعمدا) ش: أي قصدا م: (أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته) ش: أي صلاة المسبوق م: (وصلاة القوم تامة؛ لأن المفسد وجد في خلال الصلاة) ش: في حق المسبوق م: (وفي حقهم) ش: أي وفي حق القوم م: (وجد بعد تمام أركانها) ش: فلا تفسد صلاتهم؛ لأن هذه الأشياء لو وجدت [في هذه الحالة من القوم أنفسهم كانت لا تفسد صلاتهم فلأن لا تفسد إذا وجدت] من إمامهم أولى وأحرى. م: (والإمام الأول) ش: وهو الذي قدم المسبوق م: (إن كان قد فرغ لا تفسد صلاته) ش: لأنه كواحد من القوم م: (وإن لم يفرغ تفسد صلاته) ش: لوقوع المنافي للصلاة في وسطها م: (وهو الأصح) ش: أي فساد صلاته هو الأصح لما ذكرنا، واحترز به عن رواية أبي حفص أن صلاته أيضا تامة لأنه يدرك أول الصلاة فيكون كالفارغ بقعدة الإمام قدر التشهد. م: (فإن لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد) ش: قبل القعود بقدر التشهد لأنه إذا وجدت القهقهة أو الحدث العمد قبله تفسد صلاة الجميع اتفاقا. م: (ثم قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول صلاته) ش: وهو المسبوق م: (عند أبي حنيفة) ش: ولا تفسد صلاة المدرك اتفاقا وفي صلاة اللاحق، روايتان. م: (وقالا: لا تفسد) ش: أي صلاة الذي لم يدرك م: (وإن تكلم) ش: الإمام الأول م: (أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن صلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا) ش: أي من حيث الجواز والفساد م: (ولم تفسد صلاة الإمام) ش: أي والحال أنه لم تفسد صلاة الإمام م: (فكذا صلاته) ش: أي صلاة المقتدي أيضا لا تفسد؛ لأن صلاته مبنية على صلاة الإمام م: (فصار كالسلام والكلام) ش: أي صار حكم هذا، كحكم السلام والكلام بعدما قعد قدر التشهد. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن القهقهة مفسدة للجزء الذي تلاقيه من
[حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده]
صلاة الإمام فيفسد مثله من صلاة المقتدي غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء والمسبوق محتاج إليه، والبناء على الفاسد فاسد بخلاف السلام؛ لأنه منه والكلام في معناه، وينتقض وضوء الإمام لوجود القهقهة في حرمة الصلاة. ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى ولا يعتد بالتي أحدث فيها؛ لأن إتمام ـــــــــــــــــــــــــــــQصلاة الإمام) ش: لأنها تبطل الطهارة، وهي شرط للصلاة م: (فتفسد) ش: بضم التاء أي فتفسد القهقهة م: (مثله) ش: أي مثل ذلك الجزء م: (من صلاة المقتدي) ش: لابتنائها عليها م: (غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء) ش: هذه إشارة إلى بيان الفرق [الذي] بين صلاة الإمام وصلاة المسبوق، مع أن القهقهة لاقت بجزء من صلاة كل واحد منهما، ومع هذا لا تفسد صلاة الإمام وتفسد [صلاة] المسبوق وذلك لأن القهقهة وجدت في حق الإمام بعد انتهاء الأركان، فجعلت عفوا فلا يحتاج إلى البناء م: (والمسبوق محتاج إليه) ش: أي إلى البناء لأنها وجدت في خلال صلاته، فتفسد ذلك الجزء الذي لاقته ففسدت صلاته أصلا لعدم قدرته على البناء. م: (والبناء على الفاسد فاسد) ش: كان هذا جواب عما يقال: لم لا يبني المسبوق أيضا؟ فقال: كيف يبني على الفاسد وهو الجزء الذي لاقته القهقهة في خلال صلاته؟ والبناء على الفاسد فاسد م: (بخلاف السلام) ش: لأنه لا يبطل شيئا من أجزاء الصلاة على الإمام لأنه لا يبطل بشرط الأداء وهو الطهارة م: (لأنه منه) ش: أي لأن السلام سنة للصلاة وهو من الإنهاء ومعناه متمم للصلاة ومحلل إذا وجد في أوان التحليل، ولهذا لا ينتقض به الطهارة، وفي " المجتبى " المراد من النهي ما يكون مستحقا بالتحريمة، إما بصفة الاتصال كالسلام أو الانفصال كالخروج. وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": السلام منه لا يفسد لأنه قاطع، والقاطع في أوانه منه، وفي غير أوانه مبطل، وهاهنا في أوانه فيكون منهيا لا مفسدا م: (والكلام في معناه) ش: أي في معنى السلام لأنه إنما جعل منهيا باعتبار أنه كلام لا باعتبار أنه ثناء فعلم أنه معناه، ولهذا لو قالوا: لو حلف لا يكلم فلانا فسلم يحنث. م: (وينتقض وضوء الإمام لوجود القهقهة في حرمة الصلاة) ش: وعند زفر لا ينتقض وهو القياس؛ لأنها إنما تنقض الوضوء إذا فسدت الصلاة، وهاهنا لم تفسد صلاة الإمام فلا ينقض وضوءه. وجه الاستحسان أنها أفسدت الجزء الملاقي لها من الصلاة لوقوعها في حرمة الصلاة فانتقض الوضوء أيضا بناء على فساد ذلك الجزء؛ لأنها لم تؤثر في فساد باقي الصلاة لانتهاء الأركان. [حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده] م: (ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى على صلاته ولا يعتد بالتي أحدث فيها) ش: أي الركعة التي أحدث فيها أو بالسجدة ولا يعتد من الاعتداد أي لا يعتبر، وفي بعض النسخ ويعيد بالتي أحدث فيها، من الإعادة والمعنى قريب لأن عدم الاعتداد يستلزم الإعادة م: (لأن إتمام
الركن بالانتقال ومع الحدث لا يتحقق فلا بد من الإعادة ولو كان إماما فقدم غيره دام المقدم على الركوع؛ لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة، ولو تذكر وهو راكع أو ساجد أن عليه سجدة فانحط من ركوعه لها أو رفع رأسه من سجوده فسجدها يعيد الركوع والسجود، وهذا بيان الأولى لتقع أفعال الصلاة مرتبة بالقدر الممكن وإن لم يعد ـــــــــــــــــــــــــــــQالركن بالانتقال) ش: تمام السجدة بالرفع عند محمد ولم يوجد، وعند أبي يوسف وإن تمت بالوضع لكن الجلسة بين السجدتين فرض عنده م: (ومع الحدث لا يتحقق) ش: أي الانتقال لا يتحقق بغير طهارة والانتقال من ركن إلى ركن فرض بالإجماع فلا يعتد بركوعه وسجوده بعد تحقق الانتقال بالطهارة م: (فلا بد من الإعادة) ش: أي من إعادة الركوع الذي أحدث فيه والسجود الذي أحدث فيه. م: (ولو كان إماما) ش: أي ولو كان الذي أحدث في ركوعه أو سجوده إماما م: (فقدم غيره دام المقدم) ش: بفتح الدال م: (على الركوع) ش: يعني يكون المقدم على هيئته م: (لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة) ش: أي بالثبات في حاله ولا يحتاج إلى رفع رأسه، ثم إنشاء الركوع لأن للدوام حكم الابتداء في الفعل الممتد، وللركوع وللسجود امتداد فلما دام المقدم صار كأنه ركع، أصله حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه ولا يركب دابة وهو راكبها يحنث بالاستدامة لوجود اللبس أو الركوب بالاستدامة. فإن قلت: لو قال لامرأته: إن جامعتك فأنت طالق فجامع ولبث في الجماع لا تثبت الرجعة عند محمد، فعلم أنه ليس للدوام حكم الابتداء. قلت: عدم ثبوت الرجعة عنده للاحتياط، ولأن الجماع هو الإيلاج والإخراج وهما ليسا بممتدين فلا تثبت الرجعة بالشك. م: (ولو ذكر) ش: أي المصلي م: (وهو راكع أو ساجد) ش: أي والحال أنه ذكر في الركوع والسجود م: أن عليه سجدة) ش: هو مفعول ذكر، يعني: في حالة الركوع أنه ترك سجدة صلاتية أو تلاوة أو ذكر في حالة السجود أنه ترك سجدة م: (فانحط من ركوعه لأجل السجدة التي ذكرها أو رفع رأسه من سجوده فسجدها) ش: أي السجدة [ويعيد السجدة] التي ذكرها. م: (يعيد الركوع والسجود) ش: يعني يعيد الركوع الذي ذكر فيه السجدة ويعيد السجود الذي ذكر فيه السجدة، وهذا بيان الأولى، يعني إعادة الركوع والسجود الذي ذكر فيهما أن عليه سجدة أولى، لأن مراعاة الترتيب ليست بركن م: (لتقع الأفعال مرتبة بالقدر الممكن) ش: لأن مراعاة الترتيب فيما شرع من الأفعال مكررا واجبة لا فرضا لما ذكرنا، والقدر الممكن إعادة الركوع والسجود لتحقق الترتيب على اعتبار أن لا يكون الأول محسوبا، ويجوز أن يكون المراد تقريب الركوع والسجود إلى محله بقدر الإمكان. م: (وإن لم يعد) ش: أي الركوع الذي ذكر فيه أن عليه سجدة، أو السجود الذي ذكر فيه
[حكم من أم رجلا واحدا فأحدث]
أجزأه؛ لأن الانتقال مع الطهارة شرط وقد وجد. وعن أبي يوسف أنه يلزمه إعادة الركوع؛ لأن القومة فرض عنده. قال: ومن أم رجلا واحدا فأحدث وخرج من المسجد فالمأموم إمام نوى أو لم ينو لما فيه من صيانة صلاته وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا مزاحمة ههنا، ـــــــــــــــــــــــــــــQكذلك م: (أجزأه) ش: لأن ذكر السجود لا يناقض الركوع ولا ينافيه، فصح الاعتداد به فلا يعيد م: (لأن الانتقال مع الطهارة شرط وقد وجد) ش: هذا إشارة إلى بيان الفرق بين هذا وبين ما تقدم وهو من وجهين: أحدهما أن تذكر السجود في الركوع لا ينقض الركوع م: (لأن الاعتداد والترتيب في أفعال الصلاة الواحدة ليس بشرط) ش: وإن لم ينقض لا يلزمه الإعادة. والثاني: أن تمام الركوع برفع الرأس؛ لأن الركن إنما يتم بالانتقال والطهارة فيه شرط وقد وجدت، وعند زفر عليه إعادة القيام والركوع الأول؛ لأن من أصوله أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة واجبة فيبطل ما أدى. م: (وعن أبي يوسف أنه يلزمه إعادة الركوع لأن القومة فرض عنده) ش: فحيث انحط من الركوع ولم يرفع رأسه فقد ترك الفرض فعليه الإعادة. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا عاد إلى السجد الأصلية بعدما قعد قدر التشهد، فإنه ترتفض القعدة وكذا لو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ القرآن، فعاد إلى قراءة القرآن ارتفض الركوع. قلت: إنما لم يرتفض القعدة بالإتيان بالسجدة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالقعدة في قوله إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فلو قلنا: يجوز تأخير غيرها عنها كان تمام الصلاة بذلك الغير وهو خلاف النص وكذلك لا يجوز تأخير القيام أو الركوع عن السجود؛ لأن القيام وسيلة إلى الركوع والركوع وسيلة إلى السجود، حتى إن من لم يقدر على الركوع والسجود لا يجب عليه القيام والوسائل متقدمة على المقاصد، والقراءة رتبة القيام فكانت تابعة له. [حكم من أم رجلا واحدا فأحدث] م: (ومن أم رجلا واحدا فأحدث) ش: أي الإمام م: (وخرج من المسجد فالمأموم إمام) ش: لتعينه بخلاف ما إذا كان أكثر من واحد حيث يحتاج إلى الاستخلاف لقطع المزاحمة. م: (نوى أو لم ينو) ش: الضمير في نوى، يحتمل أن يكون للإمام يعني نوى الإمام استخلافه أولى لتعينه، كما لو قال لعبديه: أحدكما حر، ثم مات أحدهما قبل البيان يتعين الحي للحرية لتعينه فكذا هذا، ويتحمل أن يكون للمقتدي يعني نوى هو الإمامة أولا لتعينه للاستخلاف لصلاحية الإمامة له. م: (لما فيه) ش: أي لما في كون المأموم إماما م: (من صيانة صلاته) ش: أي صلاة المقتدي الذي صار إماما لأنه لو لم يتعين المقتدي إماما لخلا موضع الإمامة عن الإمام وبهذا المعنى يوجب فساد صلاة المقتدي. م: (وتعيين الأول لقطع المزاحمة) ش: هذا جواب عما يقال: إن التعيين لا
ويتم الأول صلاته مقتديا بالثاني كما إذا استخلفه حقيقة، ولو لم يكن خلفه إلا صبي أو امرأة قيل تفسد صلاته؛ لاستخلاف من لا يصلح للإمامة. وقيل: لا تفسد لأنه لم يوجد الاستخلاف قصدا وهو لا يصلح للإمامة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQيتحقق بلا تعيين ولم يعين فأجاب بقوله وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا تزاحم هنا فكان التعيين موجودا حكما، فإذا تعين كذلك كان كالمستخلف حقيقة ينوب عنه ويتم صلاته مقيدا بالثاني وهو معنى قوله م: (ويتم الأول صلاته مقتديا بالثاني كما إذا استخلفه حقيقة) ش: فإنه حينئذ يتم صلاته مقتديا بالثاني: فكذلك في الاستخلاف حكما. م: (ولو لم يكن خلفه) ش: أي خلف من يصلي م: (إلا صبي أو امرأة قيل تفسد صلاته) ش: أي صلاة الإمام خاصة لاقتدائه لمن لا يصلح إماما له وهو معنى قوله م: (لاستخلافه من لا يصلح للإمامة) ش: لأنه لما صار مقتديا به وهو غير صالح للإمامة فسدت صلاته م: (وقيل لا تفسد ش: [أي صلاة الإمام م: (لأنه لم يوجد منه الاستخلاف قصدا) ش: أي حقيقة ولا وجد] حكما أيضا؛ لأن فيه فساد الصلاة لكون الصبي أو المرأة غير صالح للإمامة، فلما انتفى الاستخلاف أصلا لم تفسد صلاة الإمام وفسدت صلاة المقتدي لأنه بقي بلا إمام م: (وهو) ش: أي الشخص وهو الصبي أو المرأة لا يصلح للإمامة] . وقيل في هذه المسألة: تفسد صلاتهما جميعا لما أن ذلك الواحد لما صار متعينا صار كأنه استخلفه، وقال فخر الإسلام: الأصح عندنا أن تفسد صلاة المقتدي دون صلاة الإمام؛ لأنه صار كمنفرد أحدث، ولذا قال التمرتاشي: الأصح أن صلاة الإمام لا تفسد؛ لأن الإمامة انتقلت من غير صنعه وكذا لو اقتدى مقيم بالمسافر في فائتة السفر، فأحدث الإمام لا يصير المقيم إماما له لعدم صلاحية إمامته، ولو كان خلفه جماعة لا يتعين أحدهما إلا بتقديم الإمام أو القوم أو بتقدمه فيقتدون به، ولو استخلف الإمام رجلين أو هو رجلا والقوم [رجلا] أو القوم رجلين بعضهم رجلا وبعضهم رجلا آخر فسدت صلاة الكل، فإن خرج الإمام قبل تعيين الخليفة فسدت صلاة القوم والإمام المحدث على إمامته ما لم يخرج من المسجد أو خليفته أو مستخلف القوم غيره، ولو تأخر الإمام ليستخلف فلبث مكانه لينظر من يصلح، فقيل: إن يستخلف أكبر رجل من وسط الصف للخلافة، وتقدم فصلاة من كان أمامه فاسدة ومن خلفه جائزة، وكذا لو استخلف الإمام رجلا من وسط الصف قبل أن يخرج وقبل أن يؤم خليفته مكانه تفسد صلاة من كان أمامه، ولو استخلف القوم إمامين فسدت صلاة الأقل وإن استويا فسدت صلاة الكل. وعن السرخسي: أن الأقل إذا كان ثلاثة فسدت صلاة الكل، قال الحسن اتفقت الروايات على أن الخليفة لا يصير إماما حتى ينوي. وعن أبي حنيفة ومحمد إن نوى الإمامة في الحال صار إماما قبل التقدم، حتى لو أتم الصلاة في مكانه فسدت صلاة إمامه، ولو نوى أن يصير إماما إذا تقدم فهو على ما نوى قبل ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفروع: في " الأسبيجابي " أدرك مع الإمام ركعة من الظهر أو العصر أو العشاء، فإذا قضى ركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة ويتشهد؛ لأن ما يقضي آخر صلاته في حق التشهد ويقضي ركعة أخرى يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة ولا يتشهد، وفي الثالثة إن شاء قرأ وهي أفضل وإن شاء سكت، ولو أدرك منها ركعتين يقضي ركعتين ويقرأ فيهما ويتشهد عقبيهما، ولو ترك القراءة فيهما تفسد صلاته؛ لأن ما يقضيه أول صلاته في حق القراءة وإن كان إمامه ترك القراءة في الأوليين وقرأ في الأخريين لأنها قضاء عن الأوليين والقراءة فيما يقضي فرض لأنه أول صلاته في حق القراءة. وفي " المحيط ": لو أدرك الإمام في ثالثة المغرب قضى الأولى والثانية بالقراءة، حتى لو تركها في إحداهما فسدت صلاته لأن ما يقضيه أول صلاته في حق القراءة وفي حق التشهد آخر صلاته ويجلس في كل ركعة احتياطا. وفي " المبسوط ": إذا أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فلما سلم الإمام قام يقضي يصلي ركعة ويقعد وهذا استحسان، وفي القياس يصلي ركعتين ثم يقعد ثم يقضي ما يصلي المسبوق مع الإمام آخر صلاته حكما في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي قول محمد في حكم القراءة والقنوت هو آخر صلاته، وفي حكم القعدة هو أول صلاته، وجعل المرغيناني محمدا مع أبي حنيفة وجعل قول محمد المذكور أولا لأبي يوسف. وقال النووي في " شرح المهذب ": مذهب الشافعي أن ما يصلي المسبوق مع الإمام أول صلاته وما يقضيه آخرها. وروي نحوه عن عمر وعلي وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن المنذر: ولا يثبت عنهم هذا. وقال مالك والثوري وأحمد: ما أدركه مع الإمام آخر صلاته وما يدركه أولها، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمرو ومجاهد وابن سيرين، وحكاه السرخسي عن علي وأحمد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]
باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها ومن تكلم في صلاته عامدا أو ساهيا بطلت خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخطأ والنسيان، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها] [حكم الكلام في الصلاة] م: (باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها) ش: أي هذا باب في بيان ما يفسد الصلاة، وفي بيان ما يكره فيها، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على العوارض في الصلاة إلا أن الأول في العوارض التي لا اختيار للمصلي فيها فكانت سماوية وهذا في العوارض المكتسبة، وقدم السماوية لأنها أعرف في المعارضة لعدم قدرة العبد على دفعها. فإن قلت: النسيان من قبيل السماوية فكيف ذكره في هذا الباب. قلت: المناسبة بين كلام الناسي والعامد في الحكم من حيث إن كلا منهما مفسد للصلاة. م: (ومن تكلم في صلاته عامدا) ش: أي حال كونه عامدا أي قاصدا م: (أو ساهيا) ش: أي أو حال كونه ساهيا، وفي بعض النسخ أو ناسيا ولم يفرق المصنف بين السهو والنسيان لعدم التفرقة بينهما في حكم الشرع، والسهو: ما يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ: ما لا يتنبه بعد إلقائه، والنسيان: أن يخرج المدرك من الخيال. وقال الأترازي: صورة الخطأ أن يقصد القراءة والتسبيح فيجري على لسانه كلام الناس، وصورة النسيان أن يريد الكلام ناسيا لصلاته وفيه نظر لا يخفى. م: (بطلت صلاته) ش: جواب من م: (خلافا للشافعي في الخطأ والنسيان) ش: قال الشافعي: كلام الخاطئ والناسي لا يفسد، وكذا كلام الجاهل بتحريم الكلام في الصلاة بأن كان حديث عهد في الإسلام ولم يطل الكلام، فلو طال ففي ظاهر مذهبه تبطل صلاته؛ لأن الكلام الكثير مما لا يقع السهو به عادة فيمكن الاحتراز عنه، وقال بعض أصحابه: لا تبطل وإن كثر لإطلاق الحديث، وبقوله قال مالك وأحمد في رواية وعنه مثل قولنا. وقال النووي في " شرح المهذب ": إن تكلم عامدا لا لمصلحة الصلاة تبطل صلاته بالإجماع، ونقل الإجماع ابن المنذر وغيره، وكذا لمصلحة الصلاة بأن قام الإمام إلى الخامسة فقال له: صليت أربعا ونحو ذلك، وهو مذهب الجمهور، وإن تكلم مكرها فكذلك عند الشافعي على الأصح، وفي الناسي والمخطئ لا يبطلها إلا إذا طال ويعرف الطول بالعرف. وفي " الجواهر " للمالكية كما أطلق عليه اسم الكلام، من غير تجريد بحروفه ولا يتعين لها فهو مبطل للصلاة لعمده، أو أكره عليه أو وجب عليه الانتقاد سلم من مهلكه، ولا يبطلها سبق اللسان وكلام الناسي وكلام الجاهل ملحق بالعامد. وقال الأوزاعي ومالك وابن القاسم: الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وقال المغيرة: يبطلها ذكرها في " الذخيرة " للقرافي، وفي " المغني " لابن قدامة: إذا تكلم الإمام لمصلحة الصلاة
ومفزعه الحديث المعروف. ـــــــــــــــــــــــــــــQفيه ثلاث روايات: عن أحمد أحدها يبطل في حق الإمام والمقتدي واختارها الخلال، والثانية: لا يبطلها في حقهما، والثالثة: تبطل صلاة المأموم دون صلاته، وعند النخعي يفسدها كلام الناسي وبه قال قتادة. وحماد بن أبي سليمان كمذهبنا. م: (ومفزعه) ش: أي مفزع الشافعي أي ملجؤه، والمراد به مسنده فيما ذهب إليه، وهو اسم مكان من فزع إليه إذا التجأ من باب علم يعلم، يقال: فلان مفزع القوم أي ملجؤهم، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث إذا دهمهم أمر فزعوا إليه وهو مبتدأ، وخبره قوله م: (الحديث المعروف) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، والعجب من الشراح وغيرهم من أصحابنا وغيرهم أن كلهم لا يذكرونه إلا بهذا اللفظ وهذا لا يوجد بهذا اللفظ، وأقرب ما وجد بلفظ: «رفع الله عن هذه الأمة: الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه» ، رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع الله عن هذه الأمة ثلاثا» .. الحديث " وعده ابن عدي من منكرات جعفر بن جسر بن فرقد أحد رواته عن أبيه عن الحسن عن أبي بكرة. وروى ابن ماجه في " سننه " من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» : ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وروى ابن ماجه أيضا من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه. وروى الطبراني في " معجمه " من حديث ثوبان مرفوعا نحوه. وروى أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. وروى أبو نعيم في " الحلية " من حديث ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نحو حديث ابن عباس وقال: غريب من حديث مالك تفرد به ابن الصفي عن الوليد.
ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ، وما رواه محمول على رفع الإثم، ـــــــــــــــــــــــــــــQوأخرجه العقيلي في كتابه وأعلمه بأن الصفي وضعه عن أحمد، وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ... الحديث المذكور، وعن الوليد عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله، وعن الوليد عن أبي لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر مثله، فقال: إن هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة ولا يصح هذا الحديث، ولا يصح إسناده. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ش: هذا الحديث رواه مسلم في " صحيحه " من «حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: " بينا أنا أصلي [مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله، فرماني القوم] بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.. " الحديث بطوله فيه أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وأخرجه الطبراني ولفظه: إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس» وبوب عليه مسلم: باب نسخ الكلام في الصلاة. م: (وما رواه) ش: أي الذي رواه الشافعي وهو الحديث المذكور م: (محمول على رفع الإثم) ش: تقرير هذا أن الذي يراد به الحقيقة أو الحكم، فالأول ممنوع لأن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ليست بمرفوعة فتعين الثاني وهو الحكم وهو لا يخلو [إما] أن يراد به حكم الدنيا أو حكم الآخرة، فالأول ممنوع لأنه ليس بمرفوع بالإجماع، ألا ترى أن رجلا إذا قتل مسلما خطأ تجب عليه الدية والكفارة بحكم نص القرآن، وكذا لو ترك ركنا من أركان الصلاة ناسيا لا يكون معذورا فتعين الثاني وهو حكم الآخرة، وهو الإثم فلما ثبت أن المراد منه حكم الآخرة لا حكم الدنيا كان كلام الناسي والخاطئ مفسدا للصلاة؛ لأن جوازها وفسادها من أحكام الدنيا. وقال الأكمل: تقريره أن حكم الآخرة وهو الإثم مراد بالإجماع فلا يكون حكم الدنيا مرادا وإلا لزم عموم المشترك أو المقتضي وكلاهما باطل. قلت: هذا الجواب غير كاف؛ لأن الشافعي قائل بعموم المشترك على ما عرف في موضعه. فإن قلت: احتج الخصم بحديث ذي اليدين أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم " وفي رواية البخاري قال: " لم أنس ولم تقصر " وفي رواية لهما قال: " كل ذلك لم يكن، قال: قد كان بعض ذلك» وفي لفظ لهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة العصر، وفي لفظ لهما: صلى بنا ركعتين من صلاة الظهر، ثم سلم فأتاه رجل من بني سليم» . قلت: حديث ذي اليدين قد كان في وقت كان الكلام مباحا في الصلاة ثم انتسخ ذلك، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام ولم يأمرهم بالإعادة، ويدل على نسخه أيضا أن ذا اليدين لم يسبح لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باتفاقنا أن رجلا لو ترك إمامه شيئا من صلاته يسبح له ليعلم إمامه ما قد تركه فدل أن ما علمه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الناس من التسبيح في الصلاة لنائبة كان متأخرا عن ذلك، والدليل على كون الكلام مباحا ثم نسخ بحديث زيد بن أرقم وحديث ابن مسعود. «فحديث زيد أخرجه البخاري ومسلم عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقرة: الآية 238] ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» . «وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا عنه قال: " كنا نسلم على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك فترد علينا، فقال: إن في الصلاة شغلا " وأخرجه أبو داود في لفظه: أنه قد حدث أن لا تكلموا في الصلاة» ورواه ابن حبان في " صحيحه ". والدليل أيضا على النسخ أن أبا بكر وعمر وغيرهما من الناس تكلموا عامدين. فإن قلت: أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر وحرمة الكلام كانت ثابتة حين قدم من الهجرة، وفتح خيبر كانت سنة سبع من الهجرة، وقال أبو هريرة في حديثه: صلى بنا. قلت: معناه صلى بنا أي بأصحابنا وهذا جائز في اللغة كما روي عن النزال بن سبرة قال: قال لنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وإنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف.. الحديث» والنزال لم ير رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإنما أراد بذلك: قال لقومنا. وروي عن طاوس قال: قدم علينا معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يأخذ من الخضروات شيئا، وإنما أراد قدم بلدنا؛ لأن معاذا إنما قدم اليمن على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل أن يولد طاوس، وقد أشبعنا الكلام في شرحنا " لمعاني الآثار " للإمام الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذو اليدين اسمه الخرباق وكنيته أبو العريان، وقال بعض أصحابنا منهم صاحب " المبسوط ": إن ذا اليدين قتل ببدر وذلك قبل فتح خيبر بزمان طويل. قلت: هذا غير صحيح، والذي عليه أهل الأثر المحققون أنه عاش بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه والذي قتل في بدر هو ذو الشمالين واسمه عمير بن عمر الخزاعي، وهو غير المتكلم في حديث
بخلاف السلام ساهيًا لأنه من الأركان فيعتبر ذكرًا في حالة النسيان، وكلامًا في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب، فإن أن فيها أو تأوه ـــــــــــــــــــــــــــــQالسهو، هذا هو قول جميع الحفاظ إلا الزهري، وقد اتفقوا على تغليط الزهري في ذلك. فإن قلت: قال الخطابي: دعوى النسخ فيه لا وجه لها لأن تحريم الكلام كان بمكة، وراوي حديث ذي اليدين أبو هريرة هو متأخر الإسلام، ورواه أيضا عمران وهجرته متأخرة، قلت: هذا ليس بشيء؛ لأنا قد ذكرنا وجه النسخ، ولا سيما بحديث زيد بن أرقم الذي في الصحيح، وصحبته كانت بالمدينة بعد قدوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة، وفي حديثه {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقر: الآية 238] ، وهي في سورة البقرة، وهي مدنية بالإجماع، ومن أين للخطابي أن تحريم الكلام كان بمكة ومن روى ذلك؟ وتأخر إسلام أبي هريرة وهجرة عمران بن حصين لا يقدح في النسخ، فلا يقوم الدليل بحديث ذي اليدين ما لم يقم الدليل على أنه كان بعد نسخ الكلام. م: (بخلاف السلام ساهيا) ش: هذا جواب عما يقال: السلام كالكلام في أن كل واحد منهما قاطع، وفي السلام تفصيل بين العمد والنسيان فكذلك في الكلام، وتقرير الجواب: أن السلام ليس كالكلام م: (لأنه من الأركان) ش: إذا تشهد يسلم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو اسم من أسماء الله تعالى وله حالتان م: (فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب) ش: عملا بالشبهين، بخلاف الكلام فإنه ينافي الصلاة على كل حال وكان مبطلا لها. وقال الأكمل: وطولب الفرق بينه وبين أفعال تنافي الصلاة، فإن القليل منها غير مفسد، وأجيب بأن الاحتراز عن قليلها غير ممكن؛ إذ في الحي حركات طبيعية ليست من الصلاة، فلا تفسد حتى تدخل في حد ما يمكن الاحتراز عنه وهو الكثير، وليس في الحي كلام طبيعي لا يمكن الاحتراز عنه فاستوى القليل والكثير. قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي فسبكهما هذه العبارة، والسغناقي أخذه من كتاب " الأسرار " حاصله، لا يجوز اعتبار القول بالفعل؛ لأن الاحتراز عن أصل الفعل محال بخلاف القول فاحتيج إلى الفرق باعتبار الكثرة في الفعل لإمكان الاحتراز عنها بخلاف القول. م: فإن أنَّ فيها) ش: أي في الصلاة وأنّ فعل ماض مشدد من الأنين وهو الصوت المستوجع والمتحزن م " (أو تأوه) ش: عطف على أنّ وهو أيضا فعل ماض من باب التفعل، والتأوه أن يقول: أوه، والأنين أن يقول: آه، وفي هذه اللفظة لغات: آه بسكون الواو وكسر الهاء، وآه تقلب الواو ألفا، وأوه بتشديد الواو مع كسرها وسكون الهاء، وأو بتشديد الواو مع حذف الهاء، وأوه بالمد وفتح الواو المشددة وسكون الهاء، وفي " شرح الأقطع " قال محمد - في الأنين إذا لم يقدر على دفعه من الوجع -: لم تفسد الصلاة؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه.
أو بكى فارتفع بكاؤه، فإن كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها؛ لأنه يدل على زيادة الخشوع، وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها؛ لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قوله: آه لا يفسد في الحالين، وأوه يفسد، وقيل: الأصل عنده أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين، وهما زائدان، أو أحدهما زائد لا تفسد، وإن كانتا أصليتين ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان) ش: أي بكاؤه م: (من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها) ش: أي لم [يقطع] الصلاة م: (لأنه يدل على زيادة الخشوع) ش: لأن في البكاء من ذكر الجنة زيادة الرغبة وفي البكاء من ذكر النار زيادة الخشية، وفيه تعريض سؤال الجنة وتعوذ من النار، ولو صرح به فقال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، لم يضره فكذلك هاهنا. م: (ولو كان) ش: أي البكاء م: (من وجع) ش: في بدنه م: (أو مصيبة) ش: في ماله أو أهله م: (قطعها) ش: أي قطع الصلاة م: (لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس) ش: وكلام الناس يفسد الصلاة فكذلك ما كان منه، ولو صرح به، فقال: أغيثوني فإني مصاب، تفسد صلاته، فكذلك هاهنا، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين سواء بكاء للدنيا أو للآخرة، وفي " الدراية ": ثم إن عند الشافعي البكاء لا يفسد في الحالتين؛ لأن ما ظهر من الصوت ليس بكلام في الحالتين، ولا معبر عما في القلب فلا معنى للفصل بين الحالتين. م: (وعن أبي يوسف أن قوله آه) ش: بفتح الهمزة وسكون الهاء م: (لم يفسد في الحالتين) ش: يعني في البكاء من ذكر الجنة أو النار، والبكاء من وجع أو مصيبة. م: (وأوه يفسد) ش: يعني قوله " أوه " بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء يفسد الصلاة، وهذا القول عن أبي يوسف مبني على أن الحرفين لا تفسد، والثلاثة تفسد، والمعنى فيه: أن أقل أصل كلام العرب ثلاثة أحرف، وهو الأصل ليكون له ابتداء وانتهاء ووسطا، فكان الحرف الواحد أقل الكلمة فلا يطلق عليه الكلام، وكلك الحرفان إذا كان أحدهما من الزوائد؛ لأنه واحد على اعتبار الأصل، فكذلك لم يفسداه لأنهما من حروف الزوائد، وأوه تفسد وإن كان كلها من حروف الزوائد؛ لأنه زاد على الحرفين وهو قد قيد عدم الإفساد بالحرفين كان الزوائد عليهما مفسدا، وإن كان هو من حروف الزوائد فكان تقييده بحرفين زائدين إشارة إلى أن ليس يفسد؛ لأن له حرفين أصليين، وأوه أيضا يفسد لأنه زائد على الحرفين، وإلى ما قلنا أشار بقوله م: (وقيل الأصل فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين وهما زائدان أو أحدهما زائد) ش: من الحروف الزوائد وهي عشرة أحرف، فالآن يأتي ذكرها. م: (لا تفسد) ش: أي الصلاة م: (وإن كانتا) ش: أي الحرفان م: (أصليتين تفسد) ش: على ما
تفسد، والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: " اليوم تنساه " وهذا لا يقوى؛ لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع وجود حروف الهجاء، وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد ـــــــــــــــــــــــــــــQذكرنا الآن م: (والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: اليوم تنساه) ش: وهي عشرة أحرف من همزة اليوم إلى هاء تنساه، وسئل بعضهم عنها حين قدم على قوم فقال: هويت السمانا فشيبتني ... وقد كنت [قد ما] هويت السمانا فلم يفهموه وظنوا أنه يطلب السمين فأتوا به، فلما فرغ منه سألوه ثانيا، فقال: سألتمونيها، فلم يفهموه أيضا، فسألوه ثالثا، فقال مخاطبا لواحد منهم: اليوم تنساه، فأتى بجميع الحروف الزوائد في أجوبته الثلاثة، وقال السروجي: وسئل المازني عن حروف الزيادة، فأنشد: هويت السمان.. إلخ فلم يفهمه السائل فقال له: قد أجبتك مرتين. قلت: لم تجبه ولا مرة واحدة؛ لأنه نطق كل مرة بتسعة أحرف من حروف الزيادة؛ لأنه حذف ألف الوصل مرتين، ولهذا قال ابن الحاجب: السمان هويت، وجمعوها أيضا بكلمات أخرى، نحو: أتاه سليمان، الموت ينساه، وغير ذلك. فإن قلت: ما معنى تسميتهم هذه الأحرف حروف الزيادة. قلت: معناه [أن] الزيادة لغير الإلحاق والتضعيف، ولا يكون إلا منها لا أنها لا تقع إلا زوائد. م: (وهذا) ش: القول م: (لا يقوى) : أي هذا الذي قاله أبو يوسف ليس بقوي م: (لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع حروف الهجاء) ش: وفي بعض النسخ يتبع وجود الهجاء م: (وإفهام المعنى) ش: أي ويتبع إفهام المعنى بكسر الهمزة م: (ويتحقق ذلك) ش: أي إفهام المعنى م: (في حروف كلها زوائد) ش: فإنك إذا قلت: أنتم اليوم سألتمونيها تفسد بالاتفاق، وهذا مبتدأ وخبر وفعل وفاعل ومفعول به ومفعول فيه وكلها من حروف الزوائد، وقال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأن أبا يوسف إنما جعل حروف الزيادة كأن لم يكن إذا قل لتعذر الاحتراز عنه وشبهه بالتنحنح والتف، فأما إذا كثر فلا، فكيف يرد عليه حينئذ قوله، ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد. قلت: هو مسبوق بالسغناقي في هذا، فإنه قال: لا يرد عليه لأن كلامه في الحرفين لا في الزوائد عليهما، فإن في الزوائد عليهما قوله كقولهما، وقال الأكمل بعد أن حكى كلام السغناقي: أقول قول المصنف في حروف كلها زوائد يجوز أن يكون المراد بالجمع فيه التثنية، وحينئذ يكون معنى كلامه: كلام الناس في العرف عبارة عن وجود الهجاء وإفهام المعنى وذلك يتحقق في الكلام الذي فيه حرفان من حروف الزيادة، فيكون من كلام الناس كثيرة فيكون مفسدا. قلت: لا داعي هاهنا يذكر الجمع وأراد التثنية ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لنكتة.
[التنحنح في الصلاة]
وإن تنحنح بغير عذر بأن لم يكن مدفوعا إليه، وحصل به الحروف ينبغي أن يفسد عندهما، وإن كان بعذر فهو عفو كالعطاس والجشاء ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التنحنح في الصلاة] م: (وإن تنحنح بغير عذر) ش: التنحنح أن يقول: أح أح، وفسر قوله: لغير عذر بقوله م: (بأن لم يكن مدفوعا إليه) ش: أي بأن لم يكن مضطرا إليه بأن كان مبعوث الطبع؛ لأنه حينئذ لا يمكنه الاحتراز عنه فلا تفسد. وقال شيخ الإسلام: التنحنح لتحسين الصوت لا يقطع الصلاة؛ لأنه لإصلاح القراءة فكان من القراءة. م: (وقد حصل به الحروف) ش: جملة حالية، والضمير في " به " يرجع إلى التنحنح كما في قوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ينبغي أن يفسد عندهما جواب أن؛ أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال الأكمل: قيل: إنما قال ينبغي؛ لأن المشائخ اختلفوا فيما إذا كان التنحنح لإصلاح الصوت للقراءة. قال شيخ الإسلام وشمس الأئمة: لا تفسد لأنه بمعنى القراءة، وكان الفقيه إسماعيل الزاهد يقول: يقطع الصلاة عندهما؛ لأنه حروف مهجاة وفيه نظر؛ لأن اختلاف المشائخ لا يستلزم ذلك، ولوقع في هذا الكتاب في موضع من اختلاف المشائخ كذلك فقلت لأجل اختلاف المشائخ: لم يقطع الجواب في الكتاب، وذكر لفظ ينبغي أن يفسد عندهما؛ لأن الأصل عندهما إذا حصل به الحروف المهجاة أن تفسد، وإن [لم] تظهر به الحروف المهجاة لا تفسد سواء كان لتحسين الصوت أو غيره ويندفع نظره بذلك، ولا يلزم من عدم وقوع هذا الوضع من الكتاب أن لا يقع في هذا الموضع، وقال الأكمل: في قوله عندهما أيضا فيه نظر؛ لأنه قال: وحصل به حروف بلفظ الجمع، ومذهبه حينئذ كمذهبنا فلا وجه لإفرادهما بالذكر. قلت: إنما قال عندهما بناء على التفصيل المذكور؛ لأن في هذا عدم العذر خلاف المشايخ، فأشار بقوله: عندهما، إلى أنه يقطع عندهما، ولكن لم يقطع بالجواب لما ذكرنا، وقوله فإن حمل الجمع هاهنا أيضا على التثنية اندفع النظر الثاني قد مر جوابه عن قريب. وللشافعي في التنحنح إن ظهر له حروف قولان كما في النفخ، وفي " مختصر البحر المحيط ": التنحنح بغير سبب يكره، وبسبب الخشونة في حلقه أو لإعلام غيره أنه في الصلاة لم يفسد ولم يكره، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتنحنح تنبيها له لا يفسد، وكذا لو أخطأ الإمام فتنحنح المقتدي ليهتدي إلى الصواب لا يفسد، ولو تنحنح قاصدا إسماع شخص ففي بطلانها روايتان عند المالكية، وتبطل في أصح الوجوه عند الشافعية إن بان فيه حرفان إذا كان مختارا من غير حاجة. م: (وإن كان) ش: أي التنحنح م: (بعذر) ش: بأن يكون له سعال م: (فهو عفو) ش: يعني لا يفسد وإن حصل به حروف؛ لأنه جاء من قبل من له الحق فجعل عفوا م: (كالعطاس والجشاء) ش:
إذا حصل به حروف ـــــــــــــــــــــــــــــQأراد به أنه إذا عطس أو تجشأ م: (إذا حصل به حروف) ش: أي إذا حصل بكل واحد من العطاس والجشاء فإنه لا يفسد، وكذا التثاؤب إن ظهر له حروف مهجاة كذا في " فتاوى العتابي "، وأما النفخ فقال في " الذخيرة ": ينفخ التراب من موضع سجوده إن كان نفخا لا يسمع لا تفسد اتفاقا لأنه كالتنفس، وإن كان يسمع يفسد عندهما. 1 - قال: وظن بعض المشايخ أن المسموع ما يكون له حروف مهجاة، نحو: أف وتف ويف وغير المسموع بخلافه، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني، وبعضهم لم يشترط للنفخ المسموع أن يكون له حروف مهجاة، وإليه ذهب خواهر زاده، وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: لا يفسد إلا إذا أراد به التأفيف، يعني إظهار الكراهة والتضجر، كما في الآية، وكقول القائل: أفا وتفا لمن يؤديه به إن غبت عنه ساعة زالت إن مالت الريح هكذا وهكذا مال مع الريح أينما مالت، أما إذا أراد به تنظيف موضع سجوده وتنقيته من التراب لا يقطع ثم رجع، وقال: لا يقطع بكل حال. وقال أحمد: النفخ عندي بمنزلة الكلام، حكاه في " المغني "، وقال أيضا: تفسد به صلاته؛ لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من نفخ في الصلاة فقد تكلم، رواه سعيد بن منصور في " سننه "، ومثله عن سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة وليس بكلام، وعن مالك في النفخ قولان، وفي " الإمام «غلام يقال له رباح نفخ في سجوده، فقال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يا رباح أما علمت أن من نفخ فقد تكلم» ذكره في الإمام من طرق فيها كلام. وفي " المحيط " إذا قال المصلي: أف مخففا لا تفسد صلاته عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلا خلاف بين المشايخ، وإذا قال: أف مشددا ينبغي أن يكون فيه اختلاف المشايخ وعندهما تفسد الصلاة في المخفف والمشدد جميعا. واحتج أبو يوسف بما روي «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنه صلى صلاة الكسوف ونفخ في سجوده، وقال: " [أي رب] ألم تعدني أنك لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أنك لا تعذبهم وهم يستغفرون» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وأن لا يكون كلاما حتى يسرد والنافخ لا يسردها، وفي ملتقى البخاري أن نفخ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في سجود المناجاة بعد فراغه من صلاة الكسوف، قال: نقل الثقات الأثبات وقد ذكروا في أف ما يزيد على أربعين وجها في النطق بها. وفي " الحلل في شرح الجمل " لأبي قاسم الحاجي، وقد قرئ بها في الشواذ وغيرها، وهي: أف أفَ أفْ أفُ أفَّ أفِّ، والنافخ: أفُّ أفٌ أفا أفي أفو أفا أفا الأول بغير إمالة والثاني بإمالة والثالث بين بين، أفي أفوا أفا أفه أفه، قال: فهذه اثنتان وعشرون لغة أف أف أفي أفوا، قال: وهو لفظ مستعمل جواب عما يضجر منه ولكل ما يستقذر. وقيل: إن أف اسم لوسخ الأظافر، وتف لوسخ البراجم، ويقال لوسخ الأذن أف ولوسخ
[تشميت العاطس في الصلاة]
ومن عطس، فقال له آخر: يرحمك الله، وهو في الصلاة فسدت صلاته؛ لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطس أو السامع: " الحمد لله " على ما قالوا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظفر تف، وفي " الذخيرة " لو ساق دابة بقوله فالقول ليس يقطع عنده، وقال صاحب " الطوار ": لو نهق كالحمير أو زعق كالغراب تبطل صلاته، ولا يشترط فيه الحروف، وعندنا يشترط. [تشميت العاطس في الصلاة] م: (ومن عطس فقال له آخر) ش: أي شخص آخر م: (يرحمك الله وهو) ش: أي الحال أن الآخر م: (في الصلاة فسدت صلاته لأنه) ش: أي من قوله: يرحمك الله م: (يجري في تخاطب الناس فكان من كلامهم) ش: فإن كان الناس [....] فقد يتكلم به تفسد صلاته، م: (بخلاف ما إذا قال العاطس) ش: لنفسه يرحمك الله يا نفسي، فإنه لا تفسد صلاته؛ لأنها لم تكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلام الناس فلم يكن مفسدا. م: (أو السامع الحمد لله) ش: أي بخلاف ما قال السامع في الصلاة: الحمد لله، لا تفسد صلاته؛ لأنه لا يستعمل جوابا فلم يكن من كلام الناس وأشار بقوله م: (على ما قالوا) ش: إلى خلاف البعض من المشايخ فإنهم اختلفوا في فساد صلاة من أراد الجواب بقوله: الحمد لله، وفي " المحيط " لو حمد الله العاطس في نفسه، ولا يحرك لسانه عن أبي حنيفة لا تفسد، فلو حرك تفسد، وفي " فتاوى العتابي " لو قال السامع: الحمد لله على رجاء الثواب من غير إرادة الجواب فلا تفسد. وعن أبي حنيفة من رواية الحسن: تفسد إن أراد استفهامه، وعن محمد: أنه يحمد بعد الفراغ، ولو سمع اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وصلى عليه تفسد، وكذا لو سمع اسم الشيطان فقال: لعنه الله تفسد، وقيل على قول أبي يوسف: لا تفسد لأنه في القرآن، ولو أجاب المؤذن تفسد ولو أذن ذكر البقالي أنه تفسد خلافا لأبي يوسف، وفي الفتاوى: لا تفسد حتى يقول: حي على الصلاة، ولو قال: نعم، أو أرى لو اعتاده خارج الصلاة فسدت وإلا فلا، ولو شمت العاطس بالتحميد لا يفسد إلا في رواية عن أبي حنيفة ومحمد، والعاطس يحمد الله تعالى في نفسه وبه قال مالك وتركه أحسن، وعن مالك: الأحسن السكوت. وعن أبي يوسف يسر المقتدي التحميد، ويخير المنفرد، مصليان عطس أحدهما فشمته ثالث فقالا: آمين، فسدت صلاة العاطس لأنه أجابه دون الثاني، وقال مالك: لا يشمت العاطس، فلو شمته لا يرد بإشارة في فرض ولا نفل بخلاف رد السلام بالإشارة عنه. وفي " نوادر بشر " عن أبي يوسف أن المصلي وحده إذا عطس إن شاء أسر بالحمد وإن شاء أمكن به، وخلف الإمام يحرك به لسانه، وفي " الواقعات " الأحسن أن يسكت.
[الفتح على الإمام]
لأنه لم يتعارف جوابا، وإن استفتح ففتح عليه في صلاته تفسد، ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه؛ لأنه تعليم وتعلم فكان من جنس كلام الناس، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأنه) ش: أي لأن قول الحمد لله م: (لم يتعارف جوابا) ش: يعني ليس بجواب في العرف. م: (وإن استفتح) ش: على صيغة الفاعل والضمير فيه يرجع إلى المصلي، وهو أعم من أن يكون إماما أو منفردا، والإمام أيضا يحتمل أن يكون إمام نفسه أو إمام غيره، ولكن المراد منه هاهنا غير إمامه على ما لا يخفى على المتأمل م: (ففتح عليه) ش: على صيغة الفاعل أيضا أي: ففتح على المستفتح، م: (في صلاته فسدت صلاته) ش: أي صلاة الفاتح، ومراده: أن يفتح على غير إمامه، وأشار إلى ذلك بقوله م: (ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه لأنه) : أي لأن فتحه على غير إمامه م: (تعليم وتعلم فكان من كلام الناس) ش: فيكون مفسدا. [الفتح على الإمام] 1 ثم اعلم أن الاستفتاح على أربعة أقسام بحسب القسمة العقلية. الأول: أن لا يكون المستفتح والفاتح في الصلاة، ولهذا ليس فيما نحن فيه. الثاني: أن يكون كلا منهما في الصلاة ثم لا يخلو إما أن تكون الصلاة متحدة بأن يكون المستفتح إماما والفاتح مأموما أو لا يكون، ففي الأول الذي هو القسم الثالث لا تفسد صلاة كل منهما، وفي الثاني الذي هو القسم الرابع يفسد صلاة كل واحد منهما؛ لأنه تعليم وتعلم والاستفتاح طلب الفتح والاستبصار، قال الله تعالى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} [البقرة: 89] [البقرة: الآية 89] ، أي: يستبصرون، ويجوز أن يكون كل واحد منهما مرادا، واستفتاح المصلي طلبه الفتح بدلالة حاله حيث توقف بسبب الحصر، كل واحد من المعنيين مفسدا؛ لأن الفتح ينزل منزلة قول القائل: إذا انتهت إلى هذا فبعده هذا، والتصريح به مفسد فكذا النازل منزله، ولكن وقع العدول عن قضية هذا التأويل فيما إذا اتحدت صلاتهما بأن كان المستفتح إماما والفاتح مقتديا بالنص، وهو ما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبي: أشهدت معنا؟ قال: نعم، وقال: فما منعك أن تفتحها علي» ، رواه أبو داود وابن حبان. وروى الحاكم «عن أنس: كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقد صح عن ابن عبد الرحمن السلمي قال: قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، والاستطعام مجاز عن الاستفتاح لاشتراكهما في معنى الاستغاثة، وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لقن الإمام، وعن عطاء: لا بأس به، وعن نافع قال: صلى بنا ابن عمر فتردد ففتحت عليه فأخذ في ذكر
[حكم الفتح على الإمام]
ثم شرط التكرار في الأصل؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة فيعفى القليل منه، ولم يشترط في الجامع الصغير؛ لأن الكلام بنفسه قاطع وإن قل، وإن فتح على إمامه لم يكن كلاما مفسدا استحسانا؛ لأنه مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا من أعمال صلاته معنى وينوي الفتح على إمامه دون القراءة ـــــــــــــــــــــــــــــQذلك ابن أبي شيبة في " سننه " وهو قول الجمهور. وقال ابن قدامة: قال أبو حنيفة: إن فتح على الإمام بطلت صلاته. قلت: هذا ليس بصحيح. وقال الأترازي: بمعنى أن لا يجوز الفتح على الإمام أصلا؛ لما روي عن ابن إسحاق عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا علي لا تفتح على إمامك في الصلاة» . قلت: ذاك حديث مطعون فيه طعنه أبو داود في " السنن " وقال: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. قلت: كان قصده من إيراد مثل هذا تطويل الكلام بلا فائدة، وكان ينبغي أن يقول: وما روى الحارث عن علي.. إلى آخره غير صحيح؛ لأن الحارث ضعيف، وأيضا قد صح عن علي خلاف هذا وقد ذكرناه. 1 - م: (ثم شرط التكرار) ش: وهو أن يفتح غير مرة م: (في الأصل) ش: أي في " المبسوط " وذكر فيه إذا فتح غير مرة فسدت صلاته، وهذا إشارة إلى أنه ما لم يتكرر لا تفسد م: (لأنه) ش: أي لأن التكرار م: (ليس من أعمال الصلاة فيعفى القليل منه) ش: كالخطوة والخطوتين. م: (ولم يشترط) ش: أي التكرار م: (في " الجامع الصغير " لأن حكم الكلام نفسه قاطع وإن قل) ش: أي الفتح يكون مفسدا بنفسه. [حكم الفتح على الإمام] م: (وإن فتح على إمامه لم يكن كلاما استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان؛ لأن القياس يأباه، وإطلاق هذا دليل على أنه إذا قرأ الإمام مقدار ما تجوز به الصلاة أو لم يقرأ لا تفسد صلاتهما بالفتح، والأخذ ويؤيد هذا ما ذكره قاضي خان في فتاواه وقال: وإن قرأ الإمام مقدار ما تجوز إلا أنه توقف ولم ينتقل إلى آية أخرى حتى فتح المقتدي اختلفوا فيه والصحيح أنه تفسد صلاة الفاتح، وإن أخذ الإمام لا تفسد صلاتهم وعن قريب يجيء مزيد الكلام فيه. م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا) ش: أي الفتح م: (من أعمال صلاته معنى) ش: أي من حيث المعنى، وأراد أنه اشتغال بالقراءة، والقراءة من أعمال الصلاة م: (وينوي الفتح) ش: أي ينوي الفاتح الفتح م: (على إمامه دون القراءة) ش: لأنه ممنوع من
هو الصحيح؛ لأنه مرخص فيه وقراءته ممنوع عنها ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله لوجود التلقين والمتلقن من غير ضرورة، وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح، وللإمام أن لا يلجئهم إليه، بل يركع إذا جاء أوانه أو ينتقل إلى آية أخرى. ولو أجاب رجلا في الصلاة بلا إله إلا الله فهذا كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون مفسدا وهذا الخلاف ـــــــــــــــــــــــــــــQالقراءة دون الفتح م: (هو الصحيح) ش: أي احتراز به عن قول بعض المشايخ: إنه ينوي بالفتح على إمامه التلاوة لئلا يكون مباشرا عملا ليس من الصلاة. وقال السرخسي: هذا سهو بل ينوي الفتح م: (لأنه) ش: أي لأن الفتح م: (مرخص فيه) ش: لإصلاح الصلاة. م: (وقراءته) ش: أي قراءة المقتدي م: (ممنوع عنها) ش: أي عن القراءة م: (ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح) ش: خاصة إن لم يأخذ الإمام بقوله لعدم الضرورة إلى الفتح م: (وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله) ش: أي بقول الفاتح م: (لوجود التلقين) ش: من الفاتح م: (والمتلقن) ش: من الإمام م: (من غير ضرورة) ش: أي الفتح. م: (وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح) ش: لإمكان الاستفتاح م: (وللإمام أن لا يلجئهم إليه) ش: أي إلى الفتح والإلجاء أن يقف ساكتا يقيد الحصر أو يكرر الآية، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك م: (بل يركع إذا جاء أوانه) ش: أي أوان الركوع وهو أن يقرأ مقدار ما تجوز به الصلاة، وكلامه مطلق وبعضهم فصل فيه، لاختلاف الرواية فيه؛ ففي بعضها اعتبر الاستحباب، وفي بعضها اعتبر فيها فرض القراءة م: (أو ينتقل إلى آية أخرى) ش: لأن الفتح وإن كان إصلاحا حقيقة ولكنه يتصور بصورة التعلم والتعليم فيكره كذا في " المحيط " و " قاضي خان "، وفي " جامع التمرتاشي " لو استفتح بعدما قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة ففتح عليه اختلفوا فيه. فقيل: تفسد صلاته ولو أخذ الإمام تفسد صلاة الكل، والأصح أنه لا تفسد صلاة أحد؛ لأنه لو لم يفتح ربما يجري على لسانه ما يكون مفسدا فكان فيه إصلاح صلاته. وعن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يفتح على إمامه وإن فعل فقد أساء ولا تفسد، وعند الشافعي ومالك: لا بأس به. م: (ولو أجاب) ش: أي المصلي م: (في الصلاة رجلا بلا إله إلا الله) ش: بأن قيل عنده هل مع الله إله آخر، فأجاب: أن لا إله إلا الله م: (فهذا كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال مالك وأحمد. م: (وقال أبو يوسف: لا يكون مفسدا) ش: وبه قال الشافعي م: (وهذا الخلاف) ش: أي
فيما إذا أراد به جوابه، له أنه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته، ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كالتشميت والاسترجاع على الخلاف في الصحيح ـــــــــــــــــــــــــــــQالخلاف المذكور بينهم م: (فيما إذا أراد به جوابه) ش: أي جواب ذلك الرجل، فعندهما إذا أراد الجواب تفسد صلاته، وإن أراد الإعلام بأنه في الصلاة فلا، وعند أبي يوسف لا تفسد صلاته سواء أراد الجواب أو الإعلام، م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي قول المجيب بلا إله إلا الله م: (ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته) ش: أي ثناء لوصفه فلا يكون من كلام الناس بنيته كما أن كلام الناس لا يكون ذكرا وثناء بالعزيمة (ولهما) أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن هذا المجيب (أخرج الكلام مخرج الجواب) بضم الميم (وهو يحتمله) أي الجواب محتمل كلامه لأنه يحتمل الثناء والجواب فكان كالمشترك والمشترك يجوز تعيين أخذ مدلوليه بالقصد والعزيمة م: (فيجعل جوابا كالتشميت) فإنه لا شك أنه ذكر بصيغته ويحتمل الخطاب وقد ألحقه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بكلام الناس حين قصد به خطاب العاطس. فإن قلت: روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[قال في جواب ابن مسعود حين استأذن على الدخول وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] في الصلاة ادخلوها بسلام آمنين» أراد جوابه ولم يفسد صلاته. قلت: أجاب شمس الأئمة السرخسي بأنه محمول على أنه انتهى بالقراءة إلى هذا الموضع ويحتمل أنه أراد به الإعلام أنه في الصلاة. والتشميت مصدر من شمَّت على وزن فعل بالتشديد وفي " الصحاح " تسميت العاطس بالسين والشين. وقال ثعلب: الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والمحجة، وقال أبو عبيد: الشين المعجمة أعلى في كلامهم وأكثر، ولما وقع التشميت جوابا صار من كلام الناس وإن كان فيه ذكر الله تعالى، ولهذا لو قال لرجل اسمه يحيى - {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] تفسد صلاته لأنه أراد به الخطاب، وكذا إذا قال لرجل اسمه يوسف: يا يوسف أعرض عن هذا وكذا لو قال له: من أي موضع مررت؟ فقال وهو في الصلاة: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] وكذا لو قال لابنه [وهو] خارج السفينة {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] تفسد صلاته في الوجوه كلها. م: (والاسترجاع) ش: بالرفع مبتدأ وهو القول بإنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة وكذا الترجيع وخبره م: (على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي يوسف وبينهما يعني إذا أخبر أن فلانا مات فأجاب في الصلاة: إنا لله وإنا إليه راجعون، فعندهما تفسد صلاته وعند أبي يوسف لا تفسد. وأشار بقوله م: (في الصحيح) ش: إلى الاحتراز عن قول الفضل فإنه قال: مسألة الاسترجاع على الوفاق. وقال الشافعي: إن قصد الاسترجاع قراءة القرآن لا تفسد وإلا تفسد، وفي غريب الرواية: دُعي على ظالم أو لصالح، فقال المصلي: آمين أو أخبر بمصيبة فاسترجع أو سقط إنسان من
وإن أراد به إعلامه أنه في الصلاة لم تفسد بالإجماع؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نابت أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح» . ـــــــــــــــــــــــــــــQسطح فقال المصلي: بسم الله أو سمع رعدا أو رأى برقا أو هولا فسبح أو هلل أو استرجع أو تنحنح أو جر ثوبه لم تفسد، والصحيح في جنس المسائل قولهما، ولو عثر المصلي أو أصابه وجع فقال: بسم الله، يفسد عندهما؛ لأنه من كلام الناس، ولو قام الإمام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي: سبحان الله، قيل: لا تفسد، وقال الكرخي: تفسد عندهما. م: (وإن أراد إعلامه أنه في الصلاة) ش: أي وإن أراد المجيب إعلام ذلك الرجل القائل أنه في الصلاة م: (لم تفسد) ش: أي صلاته م: (بالإجماع) ش: بين الأئمة م: (لقول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا ناب أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مطولا، وفيه: «من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء» . قوله إذا نابت أي إذا أصابت، والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر، والتصفيق أن تضرب المرأة بظاهر كفها اليمنى باطن كفها اليسرى، ولا تضرب بباطنهما كيلا يكون شبيها باللعب. وفي " السنن " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء» . وقال الخطابي: التصفيح التصفيق باليد مأخوذ من صفحتي الكوة وضرب أحدهما على الأخرى. وفي " المحيط " إذا نادى المصلي إنسانا فسبح إعلاما أنه في الصلاة لا تفسد. وفي " الواقعات " وكذا لو كبر يعلمه أنه في الصلاة والمستحب أن يسبح. وفي " المبسوط " مرت جارية بين يدي المصلي فقال: سبحان الله أو أومأ بيده ليصرفها لم يقطع صلاته، ولا يجمع بين التسبيح والإشارة فإنا نأخذ منهما كفاية ومنهم من قال: المستحب أن لا يفعل شيئا من ذلك. وقال مالك: كلاهما يسبح يعني الرجل والمرأة، وقال أبو بكر بن العربي: وليس بصحيح لمخالفته الحديث المجمع عليه. وقال القرافي: التصفيق لا يناسب الصلاة. قلت: هذا مردود ولم ينظر الشرع إلى مناسبته وقد شرعه، ولو سمع المؤذن فأجاب وأراد به الجواب أو لم يكن له نية تفسد وإن لم يرد لا تفسد، وكذا لو أذن وعند أبي يوسف إذا قال: حي على الصلاة، تفسد، ولو سمع اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى عليه، تفسد، وإن صلى عليه لا تفسد، ولو جرى على لسانه نعم إذا كان ذلك عادة له تفسد وإلا لا لأنه من القرآن، ولو دعا أو سبح
[حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر]
ومن صلى ركعة من الظهر، ثم افتتح العصر أو المتطوع فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غيره فيخرج عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــQبالفارسية، فعن أبي يوسف أنه تفسد، ذكره العتابي في " جوامع الفقه " سمع المصلي قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 172] فرفع رأسه، وقال: لبيك ذكره يا سيدي، فالأولى أن لا يفعل ولو فعل قيل: تفسد؛ لأنه من كلام الناس، وقيل: لا تفسد [لأنه بمنزلة الثناء والدعاء، ولو قرأ الإمام آية الرحمة أو العذاب فقال المقتدي: صدق الله، لا تفسد] وقد أساء، ولو وسوس له الشيطان، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله إن كان في أمر الآخرة لا تفسد، في أمر الدنيا تفسد. وفي " الواقعات ": المريض يقول عند القيام والانحطاط: بسم الله، لما يلحقه من الوجع والألم لا تفسد، وفي " غنية المفتي " قيل: تفسد، وقيل: لا تفسد، ولو لدغته عقرب، فقال: بسم الله، تفسد عند أبي حنيفة ومحمد، ولو عوذ نفسه بشيء من القرآن للحمى ونحوها تفسد عندهم، ولو قال عند رؤية الهلال: ربي وربك الله تفسد، ذكر ذلك كله المرغيناني، ولو قال في الصلاة في أيام التشريق: الله أكبر، لا تفسد ولو سمع المصلي غير المقتدي من الإمام " {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] " فقال: آمين تفسد صلاته عند المتأخرين، وعن أبي حنيفة لا تفسد، وفي " الذخيرة " لو أمن بدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد. [حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر] م: (ومن صلى ركعة من الظهر) ش: يعني إذا صلى رجل ركعة من صلاة الظهر م: ثم افتتح العصر) ش: يعني افتتح له افتتاحا ثانيا م: (أو المتطوع) ش: أو افتتح المتطوع م: (فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غيره) ش: أي في غير الظهر وأراد بالغير العصر والتطوع، وفي بعض النسخ صح شروعه فيه أي في العصر أو التطوع م: (فيخرج عنه) ش: أي عن الظهر لأنه صح شروعه في العصر أو التطوع، فإذا صح شروعه انتقضت الركعة المؤداة من الظهر ضرورة، ومن ضرورة خروجه عن الأول بمنزلة المتبايعين إذا تبايعا بثمن آخر نقضا للبيع الأول واستئنافا للبيع الثاني. وصورته: أنه نوى العصر، وقال: الله أكبر من غير رفع اليد، وهذا في حق من لا ترتيب عليه بكثرة الفوائت أو تضيق الوقت أو بالنسيان؛ لأن صاحب الترتيب إذا انتقل من الظهر إلى العصر لا يصير منتقلا إلى العصر بل إلى النفل لأن العصر لا ينعقد عصرا قبل الظهر في حقه، وفي " الكافي ": افتتح باللسان وقال: الله أكبر، لا ينتقض ظهره، ولا بد مع النية الذكر باللسان. وفي جامع " التمرتاشي " و " شمس الأئمة ": وعلى هذا من كان في المكتوبة وكبر ينوي النافلة أو على العكس أو في الظهر فكبر ينوي الجمعة أو على العكس أو كان منفردا فكبر ينوي الاقتداء، أو مقتديا فكبر للتفرد أو للإمامة يخرج عن صلاته. وقال الشافعي وأحمد في أحد قوليهما: إن المنفرد إذا نوى الدخول في صلاة الإمام صح دخوله فيها ويجزئه ما صلى قبله بتحريمته قبل إمامه، وعندنا يخرج من صلاته وكذا لو كان منفردا فاقتدى به رجل فافتتح ثانيا لأجله فهو على الافتتاح الأول إلا أن يكون الداخل امرأة.
[حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة]
ولو افتتح الظهر بعدما صلى منها ركعة فهي هي ويجتزئ بتلك الركعة؛ لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقي المنوي على حاله. وإذا قرأ الإمام من المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هي تامة؛ لأنه عبادة انضافت إلى عبادة أخرى، إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولو افتتح الظهر بعدما صلى منها) ش: أي من الظهر م: (ركعة فهي هي) ش: أي في الركعة التي صلاها هي غير الركعة المحسوبة في الصلاة التي هو فيها م: (ويجتزئ بتلك الركعة) ش: أي ويكتفي بتلك بالركعة الأولى م: (لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقي المنوي على حاله) ش: لأنه نوى تحصيل الحاصل حتى لو صلى بعدها ثلاث ركعات يخرج عن عهد الفرض، ولو صلى أربعا على ظن أن الأولى انتقضت ولم يقعد في الثالثة فسدت صلاته لأنه ترك القعدة الأخيرة. وفي " الخلاصة " هذا وإذا نوى بقلبه. أما لو نوى بلسانه بأن قال: نويت أن أصلي الظهر ينقض ما صلى، ولا يجزئ بتلك الركعة، والأصل في المسألة المذكورة أن النية إذا صادفت ما ليس بحاصل تصح، وإذا صادفت ما هو حاصل لا تصح فعليك أن تستخرج المسألتين من هذا الأصل. م: (وإذا قرأ الإمام في المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة) ش: ذكر الإمام اتفاقا وليس بقيد؛ لأن حكم المنفرد كذلك، قاله في الأصل وفي " المحلى " لابن حزم وهو قول ابن المسيب والحسن البصري والشعبي [والسلمي] . قلت: وهو مذهب الظاهرية أيضا ولم يفصل في الكتاب بينهما إذا قرأ قليلا أو كثيرا منه، قال بعض مشايخنا: إن قرأ قدر آية تامة يفسد عنده وإلا فلا، وقال بعضهم: مقدار الفاتحة وإلا فلا. وفي " المجتبى ": قيل الخلاف فيمن لم يحفظ من القرآن شيئا ولو حفظ فسدت عندهم وقيل على العكس. م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (هي تامة) ش: أي الصلاة تامة وبه قال الشافعي وأحمد وجماعة ويكره، وذكر السرخسي عن الشافعي أنها لا تكره، وكذا لو قلب أوراقه أحيانا لا تبطل صلاته عنده ذكره النووي ومثله في الوسيط م: (لأنه) ش: أي لأن القراءة والتذكير باعتبار المذكور، وفي بعض النسخ لأنها على الأصل م: (عبادة انضافت) ش: أي انضمت م: (إلى عبادة) ش: وهي النظر في المصحف م: (إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب) ش: فإنهم يفعلون كذلك في صلاتهم، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تشبهوا باليهود ولكن خالفوهم» . [حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة] م: (ولأبي حنيفة أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير) ش: [والعمل الكثير]
ولأنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره، وعلى هذا لا فرق بين المحمول والموضوع، وعلى الأول يفترقان ـــــــــــــــــــــــــــــQيفسد الصلاة م: (ولأنه تلقن من المصحف) ش: دليل آخر: أي ولأن النظر إلى المصحف يكون [مفسدا] . وقال في " ديوان الأدب " تلقن منه أخذه وتمكن منه م: (فصار كما إذا تلقن من غيره) ش: أي فصار حكم التلقن من المصحف كحكم التلقين من معلم غيره فكان مفسدا م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى اعتبار هذا الدليل الذي هو الثاني م: (لا فرق بين الموضوع والمحمول) ش: أي بين المصحف الموضوع على شيء والمحمول على يديه حتى إذا قرأ من المصحف الموضوع أو المحمول ولم يقلب أوراقه تفسد صلاته وكذا إذا قرأ من المحراب. م: (وعلى الأول) ش: أي وعلى الاعتبار الدليل الأول م: (يفترقان) ش: أي يفترق الموضوع والمحمول، حتى إذا قرأ في المصحف الموضوع ولم يحمله ولم يقلب أوراقه لا تفسد صلاته وكذا إذا قرأ من المحراب، وهكذا روي عن الكرخي، وعن البردعي: لا يجوز أيضا على قول أبي حنيفة؛ لأن التمييز بين الحروف عمل كثير. وإذا كان يحفظه عن ظهر قلب، وهو مع ذلك ينظر في المكتوب أو على المحراب فيقرأ فلا إشكال أنه يجوز، وأما على قولهما فلأنه عبادة انضافت إلى عبادة أخرى، وأما على قوله فلعدم التعلم. فإن قلت: كان ذكوان مولى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يؤم عائشة في رمضان ويقرأ من المصحف، ذكره البخاري في باب إمامة العبد والمولى ولأنه قرأ القرآن فيجزئه كما لو قرأه عن ظهر القلب، وهذا لأن الفساد إن كان للحمل فحمل ما هو أكبر منه لا يفسد، ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فكان يضعها إذا سجد ويحملها إذا قام، وإن كان للنظر فلا يجوز لأنه عبادة انضمت إلى عبادة أخرى، ولأنه لا يكون أكثر من النظر في المنقوش في المحراب وهو لا يفسد وإن كان لتقليب الأوراق فلا يضر لأنه عمل قليل. قلت: أثر ذكوان إن صح فهو محمول على أنه كان يقرأ من المصحف قبل شروعه في الصلاة أي ينظر فيه ويتلقن منه ثم يقوم فيصلي، وقيل: تؤول بأنه كان يفعل بين كل شفعين فيحفظ مقدار ما يقرأ في الركعتين، فظن الراوي أنه كان يقرأ من المصحف فنقل ما ظن، ويؤيد ما ذكرناه أن القراءة في المصحف مكروهة، ولا نظن بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت ترضى بالمكروه، وتصلي خلف من يصلي بصلاة مكروهة. وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: " نهانا أمير المؤمنين بأن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم " ذكره أبو بكر بن أبي داود بإسناده.. وأما قصة [حديث] أمامة فقد قيل: إنه منسوخ، وقيل: إنه مخصوص بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وذكر أبو عمر في " التمهيد " عن أشهب عن مالك أن هذا كان في النافلة ومثله لا يجوز في الفرض، [وذكر عن محمد بن إسحاق أنه كان في الفرض] ، وقال أبو عمر: إني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل مكره، فيكون لغا في النافلة، وإما منسوخا قال: وروى أشهب وابن
[اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي]
ولو نظر إلى مكتوب وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد؛ لأن المقصود هناك الفهم أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير ولم يوجد، وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع صلاته؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQنافع أن مثل ذلك يجوز في حالة الضرورة فحمل على الضرورة ولم يفرق بين الفرض والنفل. وقال [شمس] الأئمة: فإذا فعلت المرأة بولدها مثل هذا تكون مسيئة؛ لأنها أشغلت نفسها بما ليس من عمل صلاتها وفيه ترك سنة الاعتماد. وفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في وقت كان العمل مباحا في الصلاة أو لم يكن الاعتماد لسنة فيها. م: (ولو نظر إلى مكتوب) ش: أي ولو نظر المصلي إلى مكتوب من الفقه وغيره، وليس المراد منه المكتوب من القرآن؛ لأنه لو نظر إلى مكتوب وهو قرآن وفهمه لا خلاف لأحد فيه أنه يجوز م: (وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع) ش: قيد بالصحيح احترازا عما قال بعضهم: ينبغي أن تفسد صلاته على قول محمد، قياسا على مسألة اليمين إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه ولم يقرأ بلسانه حيث يحنث عنده بالفهم وجعل الفهم بمنزلة القراءة، والصحيح أنه لا تفسد عند محمد كما لا تفسد عندهما. م: (بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد) ش: أشار بهذا إلى [الفرق] بين مسألة الصلاة ومسألة اليمين م: (لأن المقصود هناك) ش: أي في مسألة اليمين م: (الفهم) ش: لأن المراد من عدم قراءة كتاب فلان في العرف أن لا يفهمه، ولا يطلع على أسراره مجازا وبُني اليمين على العرف. م: (أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير) ش: أي فساد الصلاة متعلق بالعمل الكثير والفهم ليس بعمل كثير فلا تفسد الصلاة ولا يأخذ الفهم حكم النطق، ولهذا لو كان مكتوبا على جبين [امرأته أنت طالق أو على جبين] عبده أنت حر، فنظر ففهم لم يقع الطلاق ولا العتاق ما لم يتلفظ بذلك بخلاف اليمين كما ذكرنا، ولما ثبت الفرق بين المسألتين لم يصح القياس. [اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي] م: (وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع الصلاة) ش: وبه قال عامة الفقهاء، وروي عن أنس ومكحول وأبي الأحوص والحسن وعكرمة: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، وعن ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض. وعن عكرمة: يقطع الصلاة الكلب والحمار والخنزير والمرأة واليهودي والنصراني والمجوسي، وعن عطاء: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود والمرأة الحائض. ذكر ذلك ابن أبي شيبة في [" سننه " وضعفه] أبو داود، وقال أحمد في المشهور عنه: يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم، وفي رواية: يقطعها الحمار والمرأة أيضا والبهيم الذي لا يخالط لونه لون آخر، فإن كانت بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لا يخرج بذلك عن كونه
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع الصلاة مرور شيء» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبهيما في قطع الصلاة وحرمة الاصطياد به وهل وحل على مذهبه، ولا فرق بين الفرض والنفل في الصحيح، وإن كان قائما بين يديه، ولا يمر لا يقطع في إحدى الروايتين عنه ذكر ذلك كله في " المغني "، وفي " جامع شمس الأئمة " عند أهل الظاهر تفسد الصلاة بمرور المرأة بين يديه. وفي " الكافي " عند أهل العراق تفسد بمرور الكلب والمرأة والحمار، وفي " الحلية " قال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. وقال الأترازي: وإنما قيد بالمرأة وإن كان الحكم في الرجل كذلك، لما أن المرور بين يدي المصلي ينشأ من الجهل لما فيه من الإثم، والغالب في النساء الجهل. وقال الأكمل: وإنما ذكر هذه المسألة وإن لم يصدر من المصلي شيء يوجب فساد صلاته، ردا لقول أصحاب الظاهر أن مرور المرأة بين يدي المصلي يفسد صلاته. قلت: أما كلام الأترازي فإنه غير سديد، ولم يقل أحد أنه علة هذه المسألة ما ذكره، فإن المسألة لما كان فيها خلاف بين السلف والخلف ذكرها احترازًا عن خلاف الجماعة الذين ذكرناهم عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما كلام الأكمل فإنه أخذ من السغناقي وهو قريب المأخذ. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يقطع الصلاة مرور شيء» ش: هذا الحديث روي عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وأبي أمامة وأنس وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث الخدري رواه أبو داود في " سننه " عنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما [هو] شيطان» وفيه مجالد بن سعيد فيه مقال، ولكن أخرج له مسلم مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي. وحديث ابن عمر رواه الدارقطني في " سننه " عنه أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالوا: «لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما استطعتم» ووقفه مالك على ابن عمر في " موطئه " ووقفه البخاري على الزهري. وحديث أبي أمامة رواه الدارقطني عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يقطع الصلاة شيء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث أنس رواه الدارقطني أيضا عنه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالناس. الحديث، وفي آخره: فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لا يقطع الصلاة شيء» . وروى ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذه الأحاديث الثلاثة من طريق الدارقطني وقال: لا يصح منها شيء، قال في " التحقيق ": في حديث ابن عمر إبراهيم بن زيد الجوزي، قال أحمد والنسائي: هو متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء. وفي حديث أبي أمامة عفير بن معدان قال أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة. وفي حديث أنس صخر بن عبد الله، قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، تعقبه صاحب " التنقيح " وقال: إنه وهم في صحة هذا، فإن صخر [بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يتكلم فيه] ابن عدي ولا ابن حبان، بل ابن حبان ذكره في " الثقات ". وقال النسائي: هو صالح، وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما. وحديث جابر رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " عنه قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قائما يصلي فذهبت شاة تمر بين يديه فساعاها حتى ألزقها بالحائط، ثم قال: [لا يقطع] الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم» ، وقال: تفرد به عيسى بن ميمون، وقال ابن حبان: عيسى بن ميمون يروي العجائب لا يحل الاحتجاج به [إذا انفرد] . فإن قلت: الخصم احتج بما رواه مسلم عن عبيد الله بن الصامت «عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود ".. قلت: ما بال الأسود من الأحمر قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان» . وروى مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ويقي ذلك [مثل] مؤخرة الرحل» وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا: «يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب» قال يحيى بن سعيد: لم يرفعه غير شعبة أحد رواته. قلت: أخرج البخاري ومسلم في " صحيحيهما " عن عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: " كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة.» وفي لفظ لمسلم «عن عروة قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ما يقطع الصلاة؟ قال: قلنا: المرأة والحمار، فقالت: إن المرأة لدابة سوء، لقد رأيتني بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي» . وروى البخاري أيضا عنها أنها قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها، قالت: والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح» . [وروى البخاري أيضا من] حديث ابن شهاب عن عروة عنها: «كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة» . ومن حديث عروة: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه، وفي لفظ لمسلم: يصلي وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة يكون لي حاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا من قبل رجليه. وفي لفظ [له عن ميمونة] : وأنا حذاءه، وأنا حائض، وربما قالت: أصابني ثوبه إذا سجد، وفي لفظ [له عن عائشة] : وعلي مرط وعليه بعضه» . وروى أبو داود عنها أنها قالت: «كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو يصلي من الليل فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما ليسجد» ". ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن اعتراض المرأة، خصوصا الحائض بين المصلي وبين القبلة لا يقطع الصلاة والمارة بطريق الأولى، ولهذا بوب أبو داود في " سننه " باب: من قال المرأة لا تقطع الصلاة، ثم روى فيه أحاديث منها، وبوب أيضا باب: من قال الحمار لا يقطع الصلاة. ثم روى «حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: جئت على حمار، وفي رواية: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فأمرت فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت الصف فلم ينكر ذلك أحد، وأخرجه بقية الجماعة، ولفظ النسائي وابن ماجه بعرفة. وأخرج مسلم اللفظين، وفي لفظ للنسائي في آخر الحديث: ربما رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي والحمر تعترك بين يديه» وبوب أيضا باب: من قال الكلب لا يقطع الصلاة. ثم روى «عن الفضل بن العباس قال: أتانا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونحن في بادية ومعه
إلا أن المار آثم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين» . ـــــــــــــــــــــــــــــQابن عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالاه ذلك» وأخرجه النسائي أيضا، ثم لا شك أن هذه الأحاديث أقوى وأصح من أحاديث الخصوم. وقال النووي في " الخلاصة ": وتأول الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على قطع الخشوع جمعا بين الأحاديث. قلت: إذا كانت الأحاديث التي رويت في هذا الباب مستوية الأقدام يتوجه هذا التأويل، ونحن لا نسلم ذلك لما قلنا. م: (إلا أن المار آثم) ش: كلمة إلا هاهنا بمعنى غير، أي: غير أن المار آثم والإثم لا يستلزم القطع وبه قال مالك. وفي " الوسيط " للشافعية: يكره، وصرح العجلي بتحريمه، ووافقه " صاحب التهذيب " و " التتمة " من الشافعية وأصحابنا نصوا على كراهته، ذكرها في " المحيط " و " الذخيرة " وقال في " المغني ": لا يحل المرور من غير سترة أو بينه وبين السترة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين» ش: هذا الحديث رواه الجماعة من حديث أبي جهيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واسمه كنيته ابن الحارث بن الصمة إلا أن ابن ماجه ذكره بلفظ آخر، وهو: «لأن يقوم أربعين خير له من أن يمر بين يديه» . قال سفيان: لا أدري أربعين سنة أو شهرا أو صباحا أو ساعة، ورواه عن زيد بن خالد، ورواه البزار كذلك ولفظه: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه» . ورواه ابن ماجه أيضا وابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعا: «لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطا» ، وقال تاج الشريعة: وقد صح عن أبي هريرة أن المراد هو السنة. وقال صاحب " الدراية ": وفي رواية مسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «وقف مائة عام خير له من أن يمر» . وفي " سنن الدارقطني " خريفا. وقال الأكمل: وقيل: صح من حديث أبي هريرة أربعين سنة.
وإنما يأثم إذا مر في موضع سجوده على ما قيل، ولا يكون بينهما حائل، ويحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: مائة عام في رواية ابن حبان، وأربعون خريفا في رواية البزار، وأربعون خريفا هو أربعون سنة، ولكن مجيء سنة لم أره عند أحد فضلا عن صحته. م: (وإنما يأثم المار إذا مر في موضع السجود) ش: هذه إشارة إلى بيان مقدار موضع يكره المرور فيه وهو موضع السجود، والكلام هاهنا في عشرة مواضع كلها مذكورة في الكتاب، وهاهنا شيئان آخران لم يذكرهما في الكتاب الأول، ترك السترة، والآخر كون السترة مغصوبة على ما نذكرهما في آخر الفصل، الأول هو أن مرور شيء لا يقطع الصلاة وقد ذكر مستوفى، والثاني: هو مقدار موضع يكره المرور فيه وقد بينه بقوله في موضع سجوده م: (على ما قيل) ش: وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وشيخ الإسلام، وقاضي خان، وقال فخر الإسلام: إذا صلى راميا بصره إلى موضع سجوده فلم يقع عليه بصره لا يكره، ومنهم قال: مقدار صفين أو ثلاثة، ومنهم من قدره بثلاث أذرع، ومنهم من قدره بخمس أذرع، ومنهم من قدره بأربعين ذراعا. وقال التمرتاشي: والأصح إن كان بحال لو صلى صلاة خاشع بصره ولا يقع على المار فلا يكره نحو أن يكون منتهى بصره في قيامه إلى موضع سجوده، وفي ركوعه إلى صدور قدميه وفي سجوده إلى أرنبة أنفه، وفي قعوده إلى حجره، وفي السلام إلى منكبيه، وهذا كله إذا كان في الصحراء، وفي الجامع الذي له حكم الصحراء، أما في المسجد فالحد هو المسجد إلا أن يكون بينه وبين المار إسطوانة وغيرها. وفي " الكافي " أو رجل قائم أو قاعد ظهره إلى المصلي، وقال بعضهم: مارا خمسين ذراعا، وقدر بعضهم ما بين الصف الأول وحائط القبلة. وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": وإن مر عن بعد في المسجد الجامع فقد قيل بأنه يكره والأصح أنه لا يكره، وفي " الذخيرة " والمسجد الكبير مثل الجامع الصغير عند بعض المشايخ، وعند آخرين كالصحراء وفي " التتمة " للشافعية لو تستر بآدمي أو بحيوان لم تجب له لأنه يشبه عبادته وفي " مسلم " ما يرد عليه، فإن ابن عمر كان يعرض راحلته فيصلي إليها، وقال أبو بكر بن العربي: وقد غلظ بعضهم إذا لم يكن له سترة، فقال: لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم، وقيل: رمية الحجر، وقيل: رمية الرمح، وقيل: مقدار المطاعنة، وقيل: مقدار المسايفة بالسيف، أخذوه من قوله: فليقاتله، فحملوه على أنواع القتال. م: (ولا يكون بينهما حائل) ش: الواو للحال أي بين المصلي والمار يعني الإثم إذا لم يكن بينهما ما يحول كالإسطوانة والجدار، وأما إذا كان بينهما حائل فلا يأثم المار. م: (ويحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان) ش: الدكان بضم الدال وتشديد الكاف.
[اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء]
وينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقال الجوهري: الدكان الحانوت فارسي معرب، ولكن المراد هاهنا مثل الدكة أو السرير يكون المصلي عليه وقيل بالمحاذاة؛ لأنه إذا كان الدكان بقدر قامة الرجل المار لا يأثم؛ لأنه يعتبر سترة وكذا كل موضع مرتفع يعتبر سترة كالسطح والسرير، قالوا: الراكب إذا أراد أن يمر ولا يأثم ينزل عن دابته فيسيرها أو يسير هو والدابة بينه وبين المصلي، وكذا لو مر رجلان متحاذيان فإن كراهة المرور وإثمه يلحق الذي يلي المصلي كذا ذكره التمرتاشي. فإن قلت: بين قوله: عدم الحائل وقيل المحاذاة، وبين قوله: إذا مر في موضع سجوده منافاة؛ لأن الجدار والإسطوانة لا يتصور أن يكون بينه وبين موضع سجوده، وكذلك إذا صلى على الدكان لا يتصور المرور في موضع سجوده، قلت: يندفع هذا إذا قلنا: معنى قوله: في موضع سجوده، قريب من موضع سجوده. فافهم. [اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء] م: (وينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة) ش: هذا هو الثالث من المواضع العشرة التي ذكرناها م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة» ش: هذا غريب بهذا اللفظ ولكن روي فيه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عمر وسبرة بن معبد الجهني وسهل بن أبي حثمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي هريرة رواه أبو داود عنه أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ولا يضره ما مر أمامه» . وحديث الخدري رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ولا يدع أحدا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتل فإنه شيطان» . وحديث ابن عمر رواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا يمر بين يديه " وزاد ابن حبان فيه: " فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين» ، وحديث سبرة رواه البخاري في " تاريخه " عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم»
ومقدارها ذراع فصاعدا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل» وقيل: ينبغي أن تكون في غلظ الإصبع؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث سهل بن أبي حثمة رواه في " مستدركه " عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها» وقال: على شرطهما. قوله: سترة أعم من أن يكون حائطا أو سارية أو شجرة أو عودا أو ما يجري مجراه ولا يكون من مر من ورائه آثما. وقال محمد: يستحب لمن يصلي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ونحوها، فإن لم يجد يتستر بسارية أو شجرة. م: (ومقدارها ذراعا فصاعدا) ش: هذا هو الرابع من الواضع العشرة، أي مقدار السترة قدر ذراع أقلها بدليل قوله: فصاعدا، وانتصابه على الحال، والتقدير: فذهبت السترة إلى حالة الصعود على الذراع، كما في قولك: أخذته بدرهم فصاعدا؛ أي فذهب الثمن إلى حالة الصعود على الدرهم، فيقدر في كل موضع ما يلائمه من الحمل، والفاء فيه للعطف على المحذوف، وتقديره: على الذراع مقدرا فصاعدا فافهم. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، ولكن مسلما أخرجه عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر بين يديك» وأخرج أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل» ، وأخرج أيضا عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل» وأخرج أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: مثل مؤخرة الرحل» وهو بضم الميم وكسر الخاء وتشديدها خطأ، وهي الخشبة العريضة التي تحاذي رأس الراكب ومؤخرة الرحل لغة فيه، ولو تستر بإنسان جالس كان سترة وإن كان قائما اختلفوا فيه، ولو استتر بدابة فلا بأس به. م: (وقيل ينبغي أن يكون في غلظ الإصبع) ش: هذا هو الخامس من المواضع العشرة ولم أر أحدا من الشراح بين هذا القائل من هو، والظاهر أنه شيخ الإسلام فإنه قال في " مبسوطه " في «حديث أبي جحيفة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة، ومقدار العنزة طول ذراع غلظ أصبع» لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجزئ من السترة السهم، وفي " الذخيرة " طول السهم قدر ذراع وعرضه قدر أصبع. واختلف مشايخنا فيما إذا كانت السترة أقل من ذراع، وقال شيخ الإسلام: وضع قناة أو جعبة بين يديه، وارتفع قدر ذراع كان سترة بلا خلاف، وإن كان دونه ففيه خلاف، وفي غريب
لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد، فلا يحصل المقصود ويقرب من السترة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من صلى إلى سترة فليدن منها» ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر ـــــــــــــــــــــــــــــQالرواية النهر الكبير ليس بسترة كالطريق وكذا الحوض الكبير، وذكر ذلك في " مختصر البحر المحيط "، وقال المالكية: يجوز القلنسوة العالية والوسادة بخلاف السوط وجوز في العتبية التستر بالحيوان الطاهر بخلاف الخيل والبغال والحمير وجوز بظهر الرجل ومنع بوجهه، وتردد في جنبه، ومنع بالمرأة واختلفوا في المحارم ولا يتستر بنائم ولا بمجنون [.....] ولا بكافر، انتهى كلامهم. م: (لأن ما دونه) ش: أي ما دون غلظ الأصبع م: (لا يبدو للناظر من بعيد) ش: أي لا يظهر له لرقته م: (فلا يحصل المقصود) وهو الستر وعدم إيقاع المار في الإثم م: (ويقرب من السترة) ش: وهو الستر وعدم إيقاع المار في الإثم م: (ويقرب من السترة) ش: هذا هو السادس من المواضع العشرة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من صلى إلى سترة فليدن منها» ش: روى هذا الحديث خمسة من الصحابة: سهل بن أبي حثمة وأبو سعيد الخدري وجبير بن مطعم وسهل بن سعد وبريدة. فحديث سهل بن أبي حثمة أخرجه أبو داود والنسائي وعنه يبلغ به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» ورواه ابن حبان في صحيحه، قال أبو داود: واختلف في إسناده، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: على شرط البخاري ومسلم. وحديث أبي سعيد أخرجه ابن حبان في صحيحه عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها ولا يدع أحدا يمر بين يديه» . وحديث جبير بن مطعم أخرجه الطبراني في معجمه عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يمر الشيطان بينه وبينها» . ورواه البزار أيضا في مسنده [وقال على شرط البخاري ومسلم] . وحديث سهل بن سعد أخرجه الطبراني أيضا في معجمه نحوه سواء. وحديث بريدة أخرجه البزار في مسنده نحوه سواء. م: (ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر) ش: هذا هو السابع من المواضع العشرة
[وسترة الإمام سترة للقوم]
وبه ورد الأثر، ولا بأس بترك السترة إذا أمن المرور ولم يواجه الطريق وسترة الإمام سترة للقوم؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ببطحاء مكة إلى عنزة، ولم يكن للقوم سترة، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالأيمن أفضل م: (وبه ورد الأثر) ش: أي يجعل السترة على الحاجب الأيمن، أو [على] الأيسر، وهذا الحديث أخرجه أبو داود: ثنا محمود بن خالد الدمشقي، قال: ثنا علي بن عباش، ثنا أبو عبيدة الوليد بن كامل، عن المهلب بن حجر [البهراني] «عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود، عن أبيها، قال: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا» . وأخرجه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن عدي في " كامله " وأعله بالوليد بن كامل، وقال ابن القطان: فيه علتان: علة في إسناده؛ لأن فيه ثلاثة مجاهيل: ضباعة مجهولة الحال ولا أعلم أحدا ذكرها، والمهلب بن حجر مجهول الحال. والوليد بن كامل من الشيوخ الذين لم تثبت عدالتهم. وعلة في متنه، وهي أن أبا علي بن السكن رواه في سننه هكذا: حدثنا سعيد بن عبد العزيز الحلبي، ثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك، ثنا بقية، عن الوليد بن كامل، حدثنا المهلب بن حجر البهراني، عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب، عن أبيها، قال: قال رسول الله: «إذا صلى أحدكم إلى عمود أو سارية أو شيء فلا يجعله نصب عينيه وليجعله على حاجبه الأيسر» . قال ابن السكن: أخرج أبو داود هذا الحديث من رواية علي بن عباش، عن الوليد بن كامل؛ فغير إسناده ومتنه، فإنه عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب عن أبيها، وذاك فعل، وهذا قول، وقوله: لا يصمد له صمدا؛ يعني لم يقصده قصدا بالمواجهة، والصمد القصد في اللغة. [وسترة الإمام سترة للقوم] م: (وسترة الإمام سترة للقوم) ش: هذا هو الثامن من العشرة (لأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ببطحاء مكة إلى عنزة ولم يكن للقوم سترة» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم «عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة والمرأة والحمار يمرون من ورائها، قوله: ولم يكن للقوم سترة» ليس من هذا الحديث ويحتمل أن يكون من المصنف وهو الأظهر، ولم يتعرض إلى هذا أحد من الشراح عند ذكر الحديث، وهذا قصور عظيم. قوله: إلى عنزة بالتنوين لأنها اسم جنس نكرة وهي تشبه العكازة وهي عصا ذات زج، والزج الحديدة التي في أسفل الرمح. وفي " الكافي " لو أريد عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون غير منصرف للتأنيث والعلمية فيجوز بالنصب والجر. وقال الأترازي: ولما قيل في بعض الشروح: إن كان المراد منها عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون غير
ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط؛ لأن المقصود لا يحصل بهما، ـــــــــــــــــــــــــــــQمنصوب فليس بشيء لأنها لما كانت باسم جنس تناولت عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرها فلم يكن فيه العلمية قلت: يريد بها الخطأ على صاحب " الكافي ". والذي قاله ليس بشيء؛ لأن أهل السير لما ذكروا سلاح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: كانت له حربة دون الرمح يقال لها العنزة، فكأنها بالغلبة صارت علما لها، فكانت فيها العلمية والتأنيث فلا تنصرف. م: (ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط) ش: هذا هو التاسع من العشرة، أراد إذا لم يكن الغرز لكون الأرض صلبة فلا يعتبر الإلقاء، وإذا لم يعتبر الإلقاء فأولى أن لا يعتبر الخط م: (لأن المقصود لا يحصل بهما) ش: المقصود وهو الدرء فلا يحصل بالإلقاء ولا بالخط، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إنما يعذر إذا كانت الأرض رخوة، فأما إذا كانت صلبة لا يمكنه فيضع وضعا؛ لأن الوضع قد روى الغرز، لكن يضع طولا لا عرضا ليكون على مثال الغرز والخط، روي عن أبي عصمة عن محمد إذا لم يجد سترة، قال: لا يخط بين يديه فإن الخط وتركه سواء؛ لأنه لا يبدو للناظر من بعيد. وقال الشافعي بالعراق: إن لم يجد ما يغرز يخط خطا طويلا وبه أخذ بعض المتأخرين لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة، فإن لم يكن فليخط خطا آخر» وفي " جامع التمرتاشي " عن محمد يخط، وقيل في الخط: يخط طولا، وقيل: عرضا، وقيل: مدورا كالمحراب، وقال إمام الحرمين: استقرت الأئمة أن الخط يكفي. وقال السروجي: إذا لم يجد ما يغرزه أو يضعه هل يخط بين يديه خطا؟ فالمنع هو الظاهر وعليه الأكثرون من أصحابنا ومن غيرهم، وقال السرخسي: لا نأخذ بالخط. وقال المرغيناني: هو الصحيح، وفي " المحيط " الخط ليس بشيء، وفي " الواقعات " هو المختار، وكذا لا يعتبر الإلقاء وهو المختار، وفي " الذخيرة " للقرافي: الخط باطل وهو قول الجمهور، وجوزه أشهب [ ... ] وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي والشافعي بالعراق، ثم قال: يصير الحفظ [ ... ] . فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا، ثم لا يضر ما مر أمامه» ورواه ابن ماجه وابن أبي شيبة أيضا. قلت: فإن عبد الحق ضعفه جماعة، ولا يكتب هذا الحديث. وقال ابن حزم في " المحلى ": لم يصح في الخط شيء ولا يجوز القول به. وفي " الذخيرة ": هو مطعون فيه، وقال سفيان: لم يجد شيئا يشد به هذا الحديث.
[دفع المصلي المار بين يديه]
ويدرأ المار إذا لم يكن بين يديه سترة أو مر بينه وبين السترة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فادرءوا ما استطعتم» ، ويدرأ بالإشارة كما فعل رسول الله بولد أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [دفع المصلي المار بين يديه] م: (ويدرأ المار) ش: أي يدفعه م: (إذا لم يكن بين يديه سترة أو مر بينه وبين السترة) ش: هذا هو العاشرة من المواضع العشرة. وفي " المبسوط ": ينبغي أن يدفع المار عن نفسه لئلا يشغله إما بالرفع أو بأخذ طرف ثوبه على وجه ليس فيه شيء من العلاج، ومن الناس من قال: إن لم يقف بإشارته جاز دفعه بالقتال كأنهم أخذوه بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان» . وبما روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» وأخرج مسلم نحوه عن ابن عمر مرفوعا، وقال الخطابي: معناه أن الشيطان هو الذي يحمله على ذلك، ومعنى المقاتلة الدفع العنيف، ويجوز أن يراد بالشيطان نفس المار؛ لأن الشيطان هو المار والخبيث من الجن والإنس، يقال: معناه معه شيطان يأمره بذلك، بدليل حديث ابن عمر فإن معه القرين، رواه مسلم وأحمد. وقيل: فعله فعل الشيطان، ويقال: إنه كان في وقت كان العمل فيه مباحا في الصلاة، وقيل: معنى المقاتلة أن يغلظ عليه بعد فراغه، وقيل: يدعو عليه بقوله تعالى {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] [التوبة: الآية 30] . م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فادرءوا ما استطعتم» ش: قد مر هذا عند ذكر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقطع الصلاة مرور شيء ويدفع بها» وقال إمام الحرمين: لا ينتهي دفع المار إلى منع حقيقي بل يومئ ويشير برفق في صدر من يمر به. وفي " الكافي " للروياني يدفعه ويصر على ذلك، وإن أدى إلى قتله، وقيل: يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرء ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته، وهذا هو المشهور عن مالك وأحمد، وقال: انتهيت [....] إن قرب منه درأه ولا ينازعه فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته وإن يتجاوزه لا يرده لأنه [ .] وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال ابن مسعود وسالم: يرده من حيث جاء وإن مر بين يديه ما لا يؤثر فيه الإشارة كالهر، قال المالكية: دفعه برجله أو ألصقه إلى السترة. م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بولد أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في " سننه " عن أم سلمة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال بيده فرجع، فمرت زينب بنت أبي سلمة فقال بيده هكذا فمضت، فلما صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: هذا أغلب» ، وذكر السراج هذا الحديث هكذا، «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في
أو يدفع بالتسبيح لما روينا من قبل، ويكره الجمع بينهما؛ لأن بأحدهما كفاية. ـــــــــــــــــــــــــــــQبيت أم سلمة، فقام عمر بين يديه، فأشار إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قف فوقف، ثم قامت زينب تمر فأشار إليها أن قفي فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته، قال: هن أغلب، وقيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف، صواحب كرسف يغلبن الكرام ويغلبن القيام، وكرسف اسم عابد من بني إسرائيل فتنته النساء. وفي كتاب " المعجم " لابن شاهين: قالوا: يا رسول الله: من كرسف؟ قال: رجل كان يعبد الله على ساحل البحر ثلاثين عاما، فكفر بالله العظيم بسبب امرأة عشقها، فتداركه الله تعالى بما سلف منه فتاب عليه» . م: (أو يدفع بالتسبيح) ش: يعني مخير بين دفعه بالإشارة ودفعه بالتسبيح، ويمكن أن يقال: إن لم يدفع بالإشارة أو ما فهمه يدفعه بالتسبيح فيقول: سبحان الله؛ لما روينا من قبل، أراد به ما ذكره قبل هذا من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ناب أحدكم نائبة فليسبح، وهذا في حق الرجال، وأما النساء فإنهن يصفقن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فأما التصفيح للنساء.» والتصفيق والتصفيح بمعنى، ولأن في صوتهن فتنة فكره لهن التسبيح. م: (ويكره الجمع بينهما) ش: أي بين الإشارة والتسبيح م: (لأن بأحدهما كفاية) ش: وفي " المبسوط " قال في الكتاب: واجب إلى أن لا يجمع بينهما، ومنهم من قال: والمستحب أن لا يفعل شيئا، وأما الاثنان الموعود بذكرهما؛ فأحدهما: ترك السترة، والأصل فيها أنه مستحب، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون إذا صلوا في فضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم، وقال عطاء: لا بأس بترك السترة، وصلى القاسم وسالم في الصحراء إلى غير سترة، ذكر هذا كله ابن أبي شيبة في " مصنفه "، والآخر إذا كانت السترة مغصوبة فهي معتبرة عندنا وتبطل صلاته في إحدى الروايتين [العوارض] عن أحمد ذكرهما في " المغني " ومثله الصلاة في الثوب المغصوب عنده.
[فصل في العوارض التي تكره في الصلاة]
فصل في العوارض ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى كره لكم ثلاثا» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في العوارض التي تكره في الصلاة] م: (فصل في العوارض) ش: بالسكون؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، وفيه بيان العوارض التي تكره في الصلاة، وفيها مثله بيان العوارض التي تفسدها فلقوتها قدمها. م: (ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده) ش: الواو فيه واو الاستفتاح لا للعطف ولا لغيره لعدم ما تقتضيه هكذا سمعته عن بعض مشائخي الكبار. وقال السغناقي: قدم هذه المسألة لما أن هذه كلية وغيرها نوعية؛ لأن تقليب الحصى والقرقعة والتحصر من أنواع العبث، والكلي مقدم على النوعي. وقال الأترازي أيضا: وإنما قدم هذه المسألة لكونها كالكلي لما بعده. قلت: لا نسلم أنها كلية أو كالكلية؛ لأن الكلي له مفهوم مشترك بين أفراده، والعبث بالثوب أو بالجسد لا يشتمل ما بعده من تقليب الحصى وغيره، والذي يقال فيه أنه إنما قدم هذه المسألة؛ لكثرة وقوعها بالنسبة إلى غيرها، قوله أن يعبث كلمة أن مصدرية، وتقديره: ويكره العبث في الصلاة، وفي البدرية: العبث من الذي فيه غرض ولكنه ليس بشرعي، والسفه ما لا غرض فيه، وفي الحميدي: والعبث كل عمل صحيح ليس فيه غرض صحيح. فإن قلت: [ما] بين التعريفين منافاة. قلت: هذا اصطلاح ولا نزاع فيه لبدر الدين الكردري اصطلح بذلك، وحميد الدين بهذا، وقال تاج الشريعة: العبث الفعل فيه غرض غير صحيح. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله كره لكم ثلاثا) ش: وتمامه «أن الله كره لكم ثلاثا: العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر» ولم أر أحدا من الشراح بين أصل هذا الحديث وحاله، وغير أن صاحب " الدراية " قال: رواه أبو هريرة كذا في " المبسوط ". وقال السروجي: ذكر هذا الحديث في كتب الفقه " كالمبسوط " وغيره. وقلت: رواه القضاعي في " مسند الشهاب " من طريق ابن المبارك، عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار عن يحيى بن أبي كثير مرسلا قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله كره لكم.. إلخ. وذكره الذهبي في كتابه " الميزان " وعده من منكرات إسماعيل بن عياش، وقال ابن ظاهر في كلامه على أحاديث الشهاب: هذا حديث رواه إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن دينار وسعيد
[العبث في الصلاة]
وذكر منها العبث في الصلاة، ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة، ولا يقلب الحصى لأنه نوع عبث ـــــــــــــــــــــــــــــQبن يوسف عن يحيى بن أبي كثير أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.. وهذا مقطوع، وعبد الله بن دينار شامي من أهل حمص وليس بالمكي. قلت: إسماعيل بن عياش عالم الشام، وأحد مشايخ الإسلام، روى عنه مثل سفيان الثوري ومحمد بن إسحاق والليث بن سعد والأعمش وهم شيوخه، وقال يعقوب الفسوي: تكلم قوم في إسماعيل بن عياش وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام أكثر ما تكلموا فيه قالوا: يروي عن ثقات الحجاز، وعن ابن معين: ثقة، وعبد الله بن دينار النهراني، ويقال الأسدي الحمصي وعن ابن سيفان: ضعيف، وقال أبو علي النيسابوري الحافظ: وهو عندي ثقة، ويحيى بن أبي كثير أبو نصر اليماني أحد الأعلام روى عن جماعة من الصحابة مرسلا، وقد رأى أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي بمكة ولم يسمع منه، فإذا كان الأمر كذلك عد هذا الحديث من مرسلات التابعين وهي حجة عندنا. ثم المراد من العبث في الصلاة فعل ما ليس منها لعدم الخشوع، والرفث التصريح بذكر الجماع، وقال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. وقال ابن عرفة: الرفث الجماع في قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] [البقرة: الآية 187] ، وكراهة الضحك عند المقابر لكونها مواضع الاعتبار والاتعاظ وذكر الآخرة واليقظة للموت. [العبث في الصلاة] م: (وذكر منها العبث) ش: أي ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الثلاث التي كرهها الله العبث في الصلاة م: (ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة) ش: فيه نظر، فإن عبث في ثيابه أو بلحيته أو بذكره خارج الصلاة يكون تاركا للأولى ولا يحرم ذلك عليه، ولهذا قال في الحديث الذي ذكره: كره لكم ثلاثا وذكر منها العبث في الصلاة، فلم يبلغه درجة التحريم في الصلاة فما ظنك بخارجها. فإن قلت: فعلى ما ذكره ينبغي أن يكون العبث مفسدا للصلاة كالقهقهة. قلت: بلى إذا كثر العبث تفسد لا لكونه عبثا مطلقا بل لكونه عملا كثيرا، وأما القهقهة فليست بمفسدة للصلاة لا باعتبار أنها حرام بل باعتبار أنها تنقض الطهارة وهي شرط الصلاة، ولهذا لا يفسد النظر إلى الأجنبية في الصلاة وإن كان حراما. م: (ولا يقلب الحصى لأنه نوع عبث) ش: وهو خلاف الخشوع وقد مدح الله الخاشعين في الصلاة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] [المؤمنون: الآية 1 - 2] والحاصل في هذا الباب أن كل عمل يفيد مصلحة المصلي لا بأس أن يفعله، وكل عمل ليس بمفيد
إلا أن لا يمكنه من السجود فيسويه مرة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مرة يا أبا ذر وإلا فذر» ، ولأنه فيه إصلاح صلاته ولا يفرقع أصابعه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفيكره أن يشتغل به م: (إلا أن لا يمكنه من السجود) ش: هذا استثناء من قوله: ولا يقلب وهو من النفي إثبات، والضمير المرفوع في لا يمكنه يرجع إلى الحصى، والمنصوب يرجع إلى المصلي م: (فيسويه مرة) ش: سويا بالنصب أي بأن يسويه لأنه جواب النفي. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرة يا أبا ذر وإلا فذر) ش: هذا الحديث لم يرد بهذا اللفظ الذي ورد أخرجه أحمد في " مسنده " عنه قال: «سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى فقال: " واحدة أو دع» . وأخرجه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه " وابن أبي شيبة كذلك، وقال الدارقطني في " علله ": ابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي ذر مرسلا، وروى الأئمة الستة في " كتبهم " عن معيقيب، أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تمسح الحصى وأنت تصلي، وإن كنت فلا بد فاعلا فواحدة» ، ولفظ المصنف منقول عن المشايخ منهم شمس الأئمة الكردري أنه قال: «سأل أبو ذر خير البشر عن تسوية الحجر، فقال خير البشر: يا أبا ذر مرة أو ذر» . قوله: ذر؛ أي: دع أي اترك، وهو أمر من يذر، وقد أتت ماضية ولا يستعمل، وكذلك قالوا في ماضي دع لكن ورد في القرآن {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] [الضحى: الآية 3] ، بالتخفيف وهي قراءة شاذة ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي من مهاجرة الحبشة شهد بدرا، وكان على خاتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستعمله أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من بيت المال، وتوفي في خلافة عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (ولأن فيه إصلاح صلاته) ش: أي ولأن في تقليب الحصاة عند عدم التمكن من السجود إصلاح صلاته وهو تمكينه من السجدة على الأرض م: (ولا يفرقع أصابعه) ش: أي لا يفرقع المصلي وهو مضارع من الفرقعة وهي نقض أصابعه [بأن لا يمدها ويغمزها حتى تصوت، ويقال: فقع وفرقع إذا نقض أصابعه] لغمر مفاصلها، ذكره في " الفائق ". وقال تاج الشريعة: وإنما يكره لأنه عمل قوم لوط فيكره التشبيه بهم. قلت: فعلى هذا يكره خارج الصلاة أيضا، وقال شيخ الإسلام: كره من الناس الفرقعة خارج الصلاة فإنها تلقين الشيطان، ولا خلاف لأحد من الأئمة الأربعة وغيرهم في كراهة فرقعة الأصابع وتشبيكها في الصلاة، وقال ابن حزم: إن تعمد فرقعة الأصابع أو تشبيكها أو تختم في غير الخنصر فصلاته باطلة. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» ش: الحديث رواه ابن ماجه في " سننه " عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: «لا تفرقع أصابعك وأنت في
[التخصر في الصلاة]
ولا يتخصر وهو وضع اليد على الخاصرة؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاختصار في الصلاة، ولأن فيه ترك الوضع المسنون، ولا يلتفت لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لو علم المصلي من يناجي ما التفت» ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة» . والحديث معلول بالحارث. وروى أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه معاذ بن أنس عن النبي قال: «الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدة» وهو ضعيف لأن الرواة كلهم ضعفاء. [التخصر في الصلاة] م: (ولا يتخصر) ش: من باب التفعل الذي يدل على التكلف والشدة، وقد فسر التخصر بقوله م: (وهو وضع اليد على الخاصرة) ش: الخاصرة والخصر وسط الإنسان، وقيل: التخصر هو التوكؤ على عصا مأخوذ من المخصرة وهو السوط والعصا ونحوهما، وقيل: أن يختصر السورة فيقرأ آخرها، وقيل: هو أن لا يتم صلاته في ركوعها وسجودها وحدودها وإنما ينهى عنه لأنه فعل المتكبرين، وقيل: هو فعل اليهود، وقيل: فعل الشيطان، وقيل: إنه لما طرد من الجنة نزل إلى الأرض وهو متخصر، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها نهت أن يصلي الرجل متخصرا وقالت: لا تشبهوا باليهود، وكراهته متفق عليه في حق الرجل والمرأة. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاختصار في الصلاة) ش: أخرج هذا الحديث الجماعة إلا ابن ماجه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي الرجل متخصرا» وفي لفظ: نهى عن الاختصار في الصلاة. وزاد ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال ابن سيرين: وهو أن يضع الرجل يده على خاصرته وهو في الصلاة. م: (ولأن فيه) ش: أي في الاختصار م: (ترك الوضع المسنون) ش: وهو وضع اليد على اليد تحت السرة؛ لأنه علامة الخشوع والخضوع ووضعها على الخاصرة فعل المصاب، وحالة الصلاة حالة مناجاة العبد ربه ولا حالة إظهار المصيبة. م: (ولا يلتفت) ش: أي المصلي يمينا أو يسارا، وقال الشاعر فيه: ولو علم المصلي من يناجي ... لما التفت اليمين ولا الشمال والالتفات مكروه بالاتفاق بين أهل العلم م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لو علم المصلي من يناجي لما التفت) ش: لم يرد حديث بهذا اللفظ الذي ورد قريب، وما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إياكم والالتفاف في الصلاة، فإن أحدكم يناجي ربه ما
[الالتفات في الصلاة]
ولو نظر بمؤخر عينيه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه لا يكره؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يلاحظ أصحابه في صلاته بمؤق عينيه. ـــــــــــــــــــــــــــــQدام في الصلاة» «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» ، رواه البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد. وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إياكم والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يزال الله مقبلا على عبده في الصلاة ما لم يلتفت، فإذا التفت صرف عنه وجهه» رواه أبو داود والنسائي وأحمد. [الالتفات في الصلاة] م: (ولو نظر بمؤخر عينه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه لا يكره) ش: ومؤخر العين بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء طرفها الذي يلي الصدغ والمقدم بخلافه، وهذا إنما لا يكره إذا كان لحاجة، وفي " المبسوط " حد الالتفات المكروه أن يلوي عنقه حتى يخرج من جهة القبلة والالتفات يمنة ويسرة انحراف عن القبلة ببعض بدنه، فلو انحرف بجميع بدنه تفسد صلاته م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يلاحظ أصحابه في الصلاة بمؤق عينيه» ش: [هذا الحديث لم يرد بهذا اللفظ، وأخرج ابن ماجه في " سننه " من حديث] علي بن شيبان قال: «خرجنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايعناه وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لم يقم صلاته في الركوع والسجود، فقال: إنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " وأخرج الترمذي والنسائي من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يلتفت في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره» وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه ابن حبان في " صحيحه " مرفوعا، والحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. وقال جمال الدين الزيلعي: ولو قال المصنف كان يلاحظ أصحابه بؤخر عينيه لكان أقرب إلى الحديث وإلى مقصوده أيضا، إذ لا يمكن الملاحظة بمؤق العين إلا ومعها شيء من الالتفات، والمؤق مهموز العين مقدم العين، وكذلك المآق. وفي " الصحاح " في مآقي العين نعت [......] ويدل عليه ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يكتحل من قبل مؤقه مرة وموقه أخرى» . وقال الجوهري أيضا في مؤق العين: طرفها مما يلي الأنف، واللحاظ طرفها الذي يلي الأذن والجمع
[الإقعاء في الصلاة]
ولا يقعي ولا يفترش ذراعيه لقول «أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نهاني خليلي عن ثلاث: أن أنقر نقر الديك، وأن أقعي إقعاء الكلب، وأن أفترش افتراش الثعلب» . ـــــــــــــــــــــــــــــQأماقي، مثل آبار وآثار وهو فعلي وليس بمفعل، لأن الميم من نفس الكلمة وإنما زيد في آخره الياء للإلحاق، فلم يجدوا له نظيرا يلحقونه به؛ لأن فعلي بكسر اللام نادر لا أخت لها، فألحق بمفعل، فلهذا جمعوه على مآق على التوهم. وقال ابن السكيت: ليس في ذوات الأربعة يفعل بكسر العين إلا حرفان مآقي العين؛ ومآوي الإبل، وقال: سمعتها، وقال الأزهري: إجماع أهل اللغة أن الموق والمآق بمعنى المؤخر والحديث المذكور غير معروف. قلت: ذكر هذا الحديث ابن الأثير في " النهاية " ثم قال: موق العين مؤخرها ومآقيها مقدمها. وقال الخطابي: من العرب من يقول: مآق وموق بضمها وبعضهم يقول: وموق بكسرها، وبعضهم يقول: ماق بغير همز كقاض، والأفصح والأكثر مآقي بالهمزة والياء والمؤق بالهمزة والضم، وجمع موق آماق وإماق، وجمع مؤق مآقي، وقال الصنعاني: ماق العين وموقها ومآقيها، وموقها: طرفها ومحله يلي الأنف، ثم ذكر الحديث المذكور وعلى ما قاله العمدة إذا قالت حذام فصدقوها [الإقعاء في الصلاة] م: (ولا يقعي) ش: من الإقعاء والآن يأتي تفسير المصنف إياه، وقال ابن تيمية: كراهة الإقعاء مذهب علي وأبي هريرة وابن عمر وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وكان عطاء وطاوس وابن أبي مليكة وسالم ونافع يقعون على أعقابهم بين السجدتين، ونقل عن العبادلة بمثله. م: (ولا يفترش ذراعيه) ش: من الافتراش، وافتراش الذراعين إلقاؤهما على الأرض م: «لقول أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهاني خليلي عن ثلاث: أن أنقر نقر الديك، وأن أقعي إقعاء الكلب، وأن أفترش افتراش الثعلب» ش: الحديث ليس لأبي ذر، وإنما هو لغيره من جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، فروى الترمذي وابن ماجه من حديث الأعور عن علي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يقعي الرجل في صلاته» ورواه الحاكم في " المستدرك " من حديث سمرة بن جندب، وروى ابن السكن في " صحيحه " عن أبي هريرة: " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن السدل والإقعاء في الصلاة» وعن أنس بلفظ: «نهى عن التورك والإقعاء في الصلاة،» وروى مسلم في " صحيحه " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وكان ينهى عن عقبة الشيطان» . قال أبو عبيد: هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء. وقال النووي في " الخلاصة " ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح إلا حديث عائشة، وروى أحمد والبيهقي من حديث أبي هريرة: «نهاني رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن نقرة كنقرة الديك، والتفات كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء الكلب» وفي إسناده ابن أبي سليم.
والإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا، هو الصحيح ـــــــــــــــــــــــــــــQوروى ابن ماجه من حديث أنس بلفظ: «إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب، ضع إليتيك بين قدميك وألزق ظاهر قدميك بالأرض» ، وفيه العلاء بن زيد متروك، وكذبه ابن المديني. ونقر الديك: التقاطه الحب عن سرعة. وفي [......] النقر في الصلاة تخفيف السجود كنقر الديك. : (والإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا) ش: الإقعاء في اللغة انطباق الإليتين بالأرض ونصب الساقين ووضع اليدين على الأرض كما يفعل الكلب، وعند الفقهاء مختلف فيه. وفي " التحفة " اختلفوا في تفسير الإقعاء، فقيل: أن ينصب قدميه كما يفعل في السجود ويضع إليتيه على عقبيه. وقال الكرخي: هو أن يقعد على عقبيه ناصبا رجليه. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض واضعا يديه عليهما وينصب فخذيه ويجمع ركبتيه إلى صدره وهذا أشبه بإقعاء الكلب. وفي " المبسوط " وهو مراد الفقهاء وهو الأصح لأن إقعاء الكلب يكون هكذا. وفي " الكافي " إلا أن إقعاء الكلب في نصب اليدين وإقعاء الآدمي في نصب الركبتين إلى الصدر. وقال النووي: الأصح في الإقعاء أنه الجلوس على الوركين ونصب الفخذين والركبتين قال: وضم إلى ذلك أبو عبيدة وضع اليدين على الأرض والقعود على أطراف الأصابع. [قال] والصواب هو الأول وأما الثاني فغلط، فقد ثبت في " صحيح مسلم " أن الإقعاء سنة نبينا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال القاضي عياض في " مشارق الأنوار " الذي قاله أبو عبيدة أولى، والألية بالفتح ألية الشاة. قال الجوهري: ولا تقل إلية ولا لية فإذا ثنيت، قلت: إليتان فلا تلحقه التاء قال: ترتج إليتاه ارتجاج الوطب. قلت: جاء إليتاه أيضا بإلحاق التاء كما في قوله: وأنف إليتيك ويستطار الوطب بفتح الواو وسكون الطاء وفي آخره باء موحدة وهو شقا [......] خاصة وقوله: نصبا، منصوب على المصدرية. م: (هو الصحيح) ش: أي الذي ذكره في تفسير الإقعاء هو الصحيح، واحترز به عما قيل الإقعاء أن ينصب قدميه كما يفعل بالسجود ويضع إليتيه على عقبيه لأن الكلب لا يقعي كذلك، وإنما يقعي مثل ما ذكر في الكتاب إلا أنه ينصب يديه، والآدمي ينصب ركبتيه في صلاته كما ذكره في " الكافي ". وقال النووي: الإقعاء على نوعين أحدهما مستحب والآخر منهي عنه، والنهي أن يضع إليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه، والمستحب أن يضع إليتيه على عقبيه وركبتاه في الأرض فهذا الذي رواه مسلم «عن طاوس قال: قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين، فقال: هي السنة، فقلت له: أما تراه حقا يا رجل؟ فقال: بل هي سنة نبيك - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وفعلته العبادلة» . نص الشافعي على استحبابه بين السجدتين وقد غلط فيه جماعة لتوهمهم أن الإقعاء نوع واحد وأن
[رد السلام للمصلي]
ولا يرد السلام بلسانه؛ لأنه كلام، ولا بيده لأنه سلام معنى ـــــــــــــــــــــــــــــQالأحاديث فيه متعارضة حتى ادعى بعضهم أن حديث ابن عباس منسوخ، وهذا غلط فاحش فإنه لم يتعذر الجمع ولا تاريخ فكيف يصح النسخ. [رد السلام للمصلي] م: (ولا يرد السلام بلسانه لأنه كلام) ش: ولهذا لو حلف لا يكلم فلانا فسلم يحنث ولو رده به بطلت صلاته، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق وأكثر العلماء، وهو مروي عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري، وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا، وكان أبو هريرة يرد السلام في الصلاة ويسمعه، ثم هل يجب بعد الفراغ؟ ذكر الخطابي والطحاوي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رد على ابن مسعود بعد فراغه من الصلاة كذا في " المجتبى "، وفي " الغاية " للسروجي ويرده بعد السلام عند محمد وعطاء والنخعي والثوري وهو قول أبي ذر، وعند أبي حنيفة لا يرده في نفسه، وعند أبي يوسف لا يرده في الحال، ولا بعد الفراغ ويكره السلام على المصلي والقارئ والذاكر والجالس للقضاء. م: (ولا بيده لأنه سلام معنى) ش: أي من حيث المعنى، أراد أنه ينوب عن الرد باللسان، وقال الشافعي: يستحب رده بالإشارة، وعن أحمد كراهية الرد بالإشارة في الفرض دون النفل، ومالك مرة كرهه ومرة أجازه. وفي " جوامع الفقه " لو أشار لرد السلام برأسه أو بيده أو بأصبعه لا تفسد صلاته. وفي " الذخيرة " لا بأس للمصلي أن يجيبه برأسه، قيل للمصلي: تقدم فتقدم أو دخل وأخذ فرجة الصف فتجانب المصلي توسعة له فسدت صلاته؛ لأنه امتثل أمر غير الله في الصلاة، وينبغي للمصلي أن يمكث ساعة ثم يتقدم برأيه. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي «عن صهيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: مررت برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة، قال: لا أعلم إلا أنه قال: " إشارة بأصبعه» ، وصححه الترمذي. وأخرج أبو داود والترمذي «عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحهما " والدارقطني في " سننه " عن أنس «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشير في الصلاة» . قلت: يحتمل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في التشهد وهو يشير بأصبعه فظنه صهيبا ردا أو لم يذكر أنه كان في حال القيام أو القعود أو غيرهما، وما حكي عن بلال وأنس وغيرهما فلعله كان نهيا عن السلام فظنوه ردا.
[التربع للمصلي]
حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته ولا يتربع إلا من عذر لأن فيه ترك سنة القعود، ولا يعقص شعره وهو أن يجمع شعره على هامته ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد، ـــــــــــــــــــــــــــــQويؤيد ما ذكرنا ما رواه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما انصرف قال: أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي» . وقد يجاب عن هذه الأحاديث بأنها كانت قبل نسخ الكلام في [الصحيح] الصلاة، يؤيده «حديث ابن مسعود: " كنا نسلم على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا.» م: (حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته) ش: كلمة حتى هاهنا غاية لما قبلها في الزيادة من قبيل قولهم مات الناس حتى الأنبياء، وعلة الفساد هو كون المصافحة بنية التسليم عملا كثيرا. وقال البقالي وحسام المردني: فعلى هذا لو رد بالإشارة ينبغي أن يفسد لأنه كالتسليم باليد. وقال: عند أبي يوسف لا تفسد. [التربع للمصلي] م: (ولا يتربع إلا من عذر) ش: به كالألم في رجله، أما التربع فلأنه نوع تجبر وحال الصلاة حال خشوع وتضرع، وعلل المصنف بقوله م: (لأن فيه ترك سنة القعود) ش: وهي افتراش رجله اليسرى والجلوس عليها ونصب اليمنى وتوجيه أصابعه نحو القبلة، وأما في حالة العذر فلأنه ناسخ لترك الواجب فأولى أن يسبح لترك المسنون، وكان ابن عمر يتربع في الصلاة فنهاه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: إني رأيتك تفعله، فقال: في رجلي عذر. وقال شيخ الإسلام: التربع جلوس الجبابرة فلهذا كره في الصلاة. وقال السرخسي في " مبسوطه ": هذا ليس بقوي فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يتربع في جلوسه في بعض أحواله حتى إنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يأكل متربعا فينزل عليه الوحي، كل كما يأكل العبيد واشرب كما يشرب العبيد، واجلس كما يجلس العبيد» وهو - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[......] عن أخلاق الجبابرة، وكذلك كان جلوس عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان متربعا؛ لكن الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع فهو أولى في حالة الصلاة إلا من عذر.. وفي " الخلاصة " التربع خارج الصلاة مكروه أيضا. [لا يصلي وهو معقوص الشعر] م: (ولا يعقص شعره) ش: أي لا يصلي وهو معقوص الشعر؛ لأنه لو عقصه وهو في الصلاة فسدت صلاته لأنه عمل كثير م: (وهو) ش: أي عقص الشعر؛ لأن الفعل يدل على مصدره كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ، م: (أن يجمع شعره على هامته) ش: أي وسط رأسه م: (ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد) ش: أي ليلتصق.
فقد روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل وهو معقوص» ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " الصحاح " تلبد أي لصق، حاصله أن يجمع مشتدا، وفي " المحيط " العقص أن يتضفر به حول رأسه كعقد النساء أو يجمع شعره [فيعقد في مؤخر رأسه. وفي " المبسوط " عقصه [وهو] أن يجمع شعره على هامته] . وقيل: أن يشده كله على القفا كيلا يصل الأرض إذا سجد. وفي الصحاح: عقص الشعر ضفره وليه على الرأس، وللمرأة عقصته، وجمعه عقص، وفي المغرب: العقص جمع الشعر على الرأس، وقيل: كيه وإدخال أطرافه في أصوله، والعقاص ستر يجمع به الشعر، ثم إن صلاته صحيحة مع الكراهة، واحتج ابن جرير الطبري بصحتها بإجماع العلماء. وحكى ابن المنذر الإعادة عليه عن الحسن البصري. واتفق الجمهور من العلماء أن النهي لكل من صلى كذلك سواء تعمده للصلاة، أو كان كذلك قبلها لمعنى آخر. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النهي لمن يفعل ذلك [في] الصلاة، والصحيح الأول لإطلاق الحديث. م: (فقد روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يصلي الرجل وهو معقوص» ش: هذا الحديث رواه عبد الرزاق في " مصنفه "؛ أخبرنا سفيان الثوري عن محمود بن راشد عن رجل عن أبي رافع قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي الرجل وهو معقوص» ، وأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن شعبة عن مخول بن راشد «سمعت أبا سعد يقول: رأيت أبا رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد رأى الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو يصلي وقد عقص شعره فأطلقه وقال: " نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره» . ورواه أبو داود عن عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه رأى أبا رافع مولى النبي _ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مر بالحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو يصلي قائما، وقد غرز ضفرة في قفاه، فحلها أبو رافع، فالتفت إليه الحسن مغضبا، فقال له أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «ذاك كفل الشيطان» ، وروى الترمذي أيضا نحوه إلا أنه قال فيه عن أبي رافع، لم يقل إنه رأى أبا رافع، وقال حديث حسن. ورواه الطبراني في " معجمه " عن سفيان عن مخول بن راشد عن سعيد المقبري عن أبي رافع عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» ورواه إسحاق بن راهويه في " سننه "، أخبرنا المؤمل بن إسماعيل ثنا سفيان به سندا ومتنا، وزاد:
[كف الثوب في الصلاة]
ولا يكف ثوبه؛ لأنه نوع تجبر، ولا يسدل ثوبه؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن السدل، ـــــــــــــــــــــــــــــQقال إسحاق. قلت للمؤمل بن إسماعيل أفيه أم سلمة، فقال: بلا شك هكذا منه إملاء بمكة، وهذا السند رواه الدارقطني في كتاب " العلل "، قال: ووهم المؤمل في ذكر أم سلمة وغيره لا يذكرها. وفي " صحيح مسلم «عن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث وهو يصلي ورأسه معقوص من الخلف فقام وراءه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ فقال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف» قيل: الحكمة في هذا المنهي عنه أن الشعر يسجد معه ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف وقال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لرجل رآه يسجد وهو معقوص الشعر أرسله ليسجد معك. قوله: كفل الشيطان بكسر الكاف وسكون الفاء مقعده، وأصله كساء يدار حول سنام البعير، وقيل يعقد طرفاه على حجز البعير ليركبه الرديف، ويجعله تحت كفله أي عجزه. [كف الثوب في الصلاة] م: (ولا يكف ثوبه) ش: المراد من كف الثوب القبض والضم، وأن يرفعه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود، وقيل لا بأس بكف الثوب صيانة عن التلوث. وفي " مختصر الحسن " قال: كان تاج الدين الهندي [لعله أخو حسام الهندي الشهيد] يرسل لحيته في الصلاة، ويقول في إمساكها كف الثوب وإنه مكروه، وكان برهان الدين صاحب " المحيط " وقاضي خان وغيرهما يمسكونه قال: وهو الأحوط. م: (لأنه) ش: أي لأن كف الثوب م: (نوع تجبر) ش: ولا يفعله إلا المتجبرون، وروي في الصحيح عن طاوس عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوبا ولا شعرا» . م: (ولا يسدل ثوبه لأنه _ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - _ نهى عن السدل» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في " سننه " عن سليمان الأحول عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه» ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه الترمذي عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: لا نعرفه مرفوعا من حديث عطاء عن أبي هريرة إلا من حديث عسل بن سفيان وليس في روايته: وأن يغطي الرجل فاه. وعسل بكسر العين وسكون السين والمهملتين ضعفه البخاري والنسائي
وهو أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه ثم يرسل أطرافه من جوانبه ـــــــــــــــــــــــــــــQوغيرهما، وفي سند أبي داود الحسن بن ذكوان المعلم، ضعفه ابن معين وأبو حاتم، وقال النسائي ليس بالقوي، لكن أخرج له البخاري في " صحيحه " وذكره ابن حبان في " الثقات ". م: (وهو) ش: أي السدل بسكون الدال، وفي " المغرب " بفتحها وهو من باب طلب طلبا م: (أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه، ثم يرسل أطرافه من جوانبه) ش: اختلفوا في تفسير السدل، فقال في " شرح مختصر الكرخي " مثل ما قال المصنف، إلا أنه قال: يجعل ثوبه على رأسه أو كتفيه بكلمة أو، وقال المعلى: السدل أن تجمع طرفي إزارك من الجانبين جميعا فإن ضممتهما أمامك فليس بسدل. وقال الحسن: السدل أن يضع وسط ثوبه على عاتقه ويرخي طرفيه. وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة كراهة السدل على القميص وعلى الإزار وبه قال أبو يوسف؛ للتشبيه بأهل الكتاب قال: وهم يسدلون مع القميص وغيره، وقيل: هو جر الثوب على الأرض ذكره بعض المالكية، وفي " مختصر البحر المحيط ": [أن] السدل أن يلبس [......] ولا يدخل يديه في كميه ومثله عن جار الله، وفي صلاة (الجلاتي) إذا ضم طرفه أمامه فليس بسدل، واختلفوا في كراهة السدل خارج الصلاة، والعامة على كراهته في الصلاة إلا مالكا فإنه لا يكرهه فيها. 1 - فروع: ولو صلى وقد شمر كميه لعمل أو شبه ذلك يكره، وقيل لا بأس به، ويكره تغطيه الفم بلا عذر والاعتجاز وهو أن يلف العمامة حول رأسه، وقيل أن يلف بعضها على رأسه وبعضها على وجهه، وفي [" خبر مطلوب "] هو أن يشد عمامته على رأسه ويبدي هامته. وقيل: يشد بعض عمامته على رأسه وبعضها على يديه. وعن محمد أنه يلف بعضها على رأسه وطرفا منها يجعله كالمعجز للنساء. ويكره التسليم وتغطية الأنف والفم. قال في " المحيط " لأنه يشبه فعل المجوسيين حال عبادة النيران. ولا يمشط ولا يتثاءب فإن غلبه شيء من ذلك كظم نفسه ما استطاع، فإن غلبه وضع يده أو كمه على فمه، وروى مسلم «إذا تثاءب أحدكم فليسمك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل [فيه] » . ويكره أن يروح على نفسه بمروحة أو بكمه، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومسلم بن يسار والنخعي ومالك والشافعي، ورخص فيه ابن سيرين ومجاهد والحسن، وكرهه أحمد وابن راهويه إلا أن يأتي غم شديد. وفي " المحيط " ويكره أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الأخبثين أو الريح فإن ثقله الاهتمام بها قطعها، وإن مضى عليها أجزأه وقد أساء، وشدد أبو زيد المروزي والقاضي حسين من الشافعية وقالا: إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى ذهاب خشوعه لم تصح صلاته، ومذهب الظاهرية بطلان الصلاة مع مدافعة الأخبثين، والصحيح عند العلماء: صحة ذلك مع الكراهة.
[الأكل والشرب في الصلاة]
ولا يأكل ولا يشرب؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة، فإن أكل أو شرب عامدا أو ناسيا فسدت صلاته؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى مسلم من حديث عائشة عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» . قلت: هو محمول على الكراهة عند عامة العلماء. وفي " مختصر البحر المحيط " إن اشتغل الحاقن بالوضوء يفوته الوقت يصلي؛ لأن الأداء مع الكراهة أولى من القضاء، ويكره لبسة الصماء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالاضطباع، وإنما كرهها؛ لأنها من لبس أهل الأشر والبطر، وفي " البخاري «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن لبسة الصماء فقال: إنما يكون الصماء إذا لم يكن عليك إزار» . قيل: هي اشتمال اليهود. وقال الجوهري عن أبي عبيد: اشتمال الصماء أن تخلل جسدك بثوبك نحو سلمة الأعراب بأكيستهم وهي أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى أو عاتقه الأيمن فيغطيها. وقيل: أن يشتمل بثوبه فيخلل جسده كله ولا يرفع جانبا يخرج يده منه. وقيل: أن يشتمل ثوب واحد ليس عليه إزار، وفي " مشارق الأنوار " هو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه يخلل به جسده كله وهو التلفف، قال سميت بذلك والله أعلم لاشتمالها على أعضائه حتى لا يجد مستقرا كالصخرة الصماء أو يشدها وضمها جميع الجسد، ومنه صمام القارورة الذي تسد به فوها. وتكره الصلاة حاسرا رأسه تذللا، وكذا في ثياب البذلة وفي ثوب فيه تصاوير. ويستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب إزار وقميص وعمامة، والمرأة في قميص وخمار ومقنعة كذا في " المجتبى ". وفي " فتاوى السغناقي " ويكره له شد وسطه لأنه صنيع أهل الكتاب. [وفي " الخلاصة " أنه لا يكره، كذا في شرح " منية المصلي " و " البحر الرائق " وكذا في " القنية "] . [الأكل والشرب في الصلاة] م: (ولا يأكل ولا يشرب) ش: بالإجماع م: (لأنه ليس من أعمال الصلاة) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب ليس من أفعال الصلاة، وعن سعيد بن جبير أنه شرب [الماء] في النافلة، وعن طاوس لا بأس بالشرب في النافلة وهو رواية عن أحمد، وقال ابن المنذر: لا يجوز ذلك، ولعل من حكى ذلك عنه أنه كان فعله ناسيا أو سهوا، وروي أيضا عن ابن الزبير: أنه شرب في التطوع، وقال إسحاق: لا بأس به. م: (فإن أكل أو شرب عامدا) ش: أي حال كونه عامدا م: (أو ناسيا فسدت صلاته) ش: قل أكله أو كثر وهو قول الأوزاعي، وعند الشافعي: إن كان ناسيا للصلاة أو جاهلا بتحريمه إن كان قليلا لم يبطلها، وإن كان كثيرا أبطلها في أصح الوجهين، وتعرف القلة والكثرة بالعرف، ذكره
لأنه عمل كثير وحالة الصلاة مذكرة، ـــــــــــــــــــــــــــــQالنووي. وقال ابن القاسم: إن أكل أو شرب يتبدئ، قال: ولم أحفظه عن مالك، وقال ابن حبيب: يبني [عليه] ما لم يبطل، وقال أحمد: لا تبطل بهما إذا كان ناسيا وفي " الذخيرة " لو ابتلع شيئا بين أسنانه لا تفسد صلاته؛ لأنه تبع لريقه، ولهذا لا يفسد به الصوم إذا كان قليلا كالحمصة، فإن كان أكثر من ذلك يفسد، وقيل لا تفسد الصلاة بما دون ملء الفم، وفرق هذا القائل بين الصلاة والصوم، وفي " أجناس الناطقي " إذا ابتلع المصلي ما بين أسنانه أو فضل طعام أكله أو شراب شربه فصلاته تامة، وإن أخذ سمسمة فوضعها في فمه فابتلعها تفسد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا تفسد، ذكره في " جوامع الفقه ". وقال الشافعي: إن ابتلع شيئا من بين أسنانه أو نخامة من رأسه تفسد صلاته، وفي " الذخيرة " لو قاء دون ملء الفم فعاد إلى جوفه لا تفسد، وإن أعاده وهو يقدر على دفعه قال المرغيناني: يجب أن يكون على قياس الصوم، لا يفسد عند أبي يوسف، وتفسد عند محمد، وإن تقيأ أقل من ملء الفم لا تفسد وهو المختار، ولو كان في فمه سكرة فذابت ودخلت في حلقه فسدت وبه قال أحمد وهو الصحيح من وجهي الشافعية، ولو بقيت حلاوة السكر ونحوه في فمه بعد الشروع ولا يدخل حلقه مع ريقه لا تفسد، ولو كان في فمه هليلجة فلاكها فسدت صلاته وإن لم يكلها لا تفسد إلا إذا كثر ذلك، وإن مضغ علكا تفسد إذا أكثر ولو وقع في فمه بردة أو ثلج أو قطرة من مطر فابتلعه فسدت. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب م: (عمل كثير) ش: لا محالة فتفسد به م: (وحالة الصلاة مذكرة) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يكون أكل الناسي وشربه عفوا في الصلاة كما في الصيام، وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم بصحة القياس لوجود الفارق، وهو أن حالة الصوم ليست بمذكرة فجعل النسيان عذرا بخلاف حالة الصلاة فإنها مذكرة فلم يجعل عفوا، ثم اعلم أن لأصحابنا خمسة أقوال في التفرقة بين العمل الكثير والقليل في الصلاة: أحدها: أن ما يقام باليدين عادة كثير، وإن ما يقام بيد واحدة قليل ما لم يتكرر. 1 - وفي " الذخيرة ": لو فعل ما يقام باليدين بيد واحدة لا تفسد الصلاة، ولو لبس قميصا أو شد سراويل تفسد، ولو نزع القميص أو حل السراويل لا تفسد، ولو سرح لحيته أو لبس خفيه أو أسرج دابته أو نزعه أو ألجمها أو دهن رأسه بيده بأن أخذ الدهن وصبه على يده ومسح به رأسه تفسد. وفي " الأجناس ": لو نزع لجام دابته أو أمسكها أو خلع خفيه وهو واسع أو نعليه أو زرر قميصا أو قباء أو لبس قلنسوة أو نزعها أو فتح بابا أو رده أو أغلق قفلا أو جعل فتيلة في مسرجه لا تفسد لأنه عمل قليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " جوامع الفقه ": سئل أبو بكر عمن شد إزاره بيديه، قال: لا عبرة لليدين وإنما العبرة بكثرة العمل، وقيل: اعتبار اليدين، قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو أخذ قوسا فرمى به [تفسد صلاته. وقال المرغيناني: إن كان القوس بيده والسهم في الوتر فرمى به] لا تفسد، وهو اختيار الشيخ أبي بكر محمد بن الفضل. الثاني: أن الثلاث كثير، واستدل على هذا بما روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: إذا تروح مرتين لا تفسد، فإن زاد فسدت، وقليله لا يفسد، وذكر الأستاذ حسام الدين الشهيد، إذا حك موضعا من جسده ثلاث مرات بدفعة واحدة تفسد صلاته. وفي " الذخيرة ": لو عبث بلحيته أو حك بعض جسده لا تفسد، قيل: هذا إذا فعله مرة أو مرتين، وكذا لو فعله إذا فصل بين كل مرتين، فإن كان ذلك متواليا تفسد وعلى هذا قتل القملة، وعلى هذا رمي الحجار الثلاثة على الولاء، ونتف ثلاث شعرات على الولاء تفسد ذكره في " جوامع الفقه ". الثالث: أنه مفوض إلى رأي المصلي المبتلى به، فإن استكثره كان كثيرا وإن استقله كان قليلا، قال الحلواني: هذا أقرب إلى قول أبي حنيفة لأنه مفوض في مثل ذلك إلى رأي المبتلى به، ويخرج على هذا ما ذكره في " الذخيرة " أنه لو تروح بكمه ثلاثا تفسد، ولو نتف من شعره ثلاث شعرات تفسد، ولو ضرب إنسانا بيده أو بسوط تفسد، ولو رمى طيرا بحجر لا تفسد، ذكره في " المبسوط " فإن ضرب دابة مرة أو مرتين لا تفسد، وثلاثا، ولو حرك رجلا واحدة لا على الدوام لا تفسد ورجلين تفسد. الرابع: أن الكثير ما يكون مقصودا لفاعل بأن يفرد له مجلسا، قال في " الذخيرة " واستدل هذا القائل بامرأة لمسها زوجها بشهوة أو قبلها بشهوة فسدت صلاتها، وكذا لو مس صبي ثديها فخرج منها اللبن تفسد، وذكر المعلى عن أبي يوسف أن قليل المباشرة لا تفسد وكثيرها يفسد، وكذا القبلة والمباشرة عن شهوة تفسد قليلها وكثيرها، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف: أن القبلة تفسد بشهوة كانت أو بغير شهوة، وعن أبي يوسف لو مسته امرأة بشهوة ولم تشتهه أو قبلت فمه ولم يقبلها لا تفسد صلاته، وفي " المرغيناني " ولو قبل امرأة لم يشتهها لا تفسد. الخامس: أنه لو نظر إليه ناظران بعيدان إن كان لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير مفسد للصلاة، ولو شك لا يفسد، [قال المرغيناني: هو الأصح، ولو حملت امرأة صبيها فأرضعته أو قطع ثوبا أو خاطه] قال المرغيناني: فهذا كله عمل كثير على الأقوال كلها، ولو [خلع] عمامته فوضعها على الأرض أو على رأسه أو كتب خطا [......] لا تفسد إلا أن يطول فيزيد على ثلاث كلمات، وفي الملتقط فإن زاد على مرة أو هو على [ ... ] لا تفسد، وإن كثر، وحركة الأصابع عمل قليل. وروى المعلى عن أبي يوسف: إن كتب في شيء يقرأ تفسد وفي شيء لا يقرأ لا
ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق ـــــــــــــــــــــــــــــQتفسد. وذكر محمد بن الحسن في " السير الكبير " عن الأزرق بن قيس الأسلمي أنه رأى أبا برزة يصلي آخذا بقياد فرسه، حتى صلى ركعتين فانسل قياده من يده، فمضى الفرس نحو القبلة، فتبعه أبو برزة حتى أخذ بقياده ثم رجع ناكصا عن عقبيه حتى صلى الباقيتين، ثم قال محمد: وبهذا نأخذ إذا لم يستدبر القبلة بوجهه ولم يفصل بين القليل والكثير، فهذا يبين لنا أن المشي مستقبل القبلة لا تفسد وإن كثر، ومن المشايخ من روى هذا الأثر، واختلفوا في تأويله. قيل: معناه أنه لم يجاوز الصفوف أو موضع سجوده. وقال المرغيناني في " المختار " أنه إذا كثر يفسد. وقيل: تأويله أنه إذا مشى خطوة أو خطوتين فوقف ثم مشى مثل ذلك حتى أخذه وذلك قليل، أم إذا مشى متلاحقا يفسدها. وقيل: إذا كان مقدار ما يكون بين الصفين لا تفسد كما لو رأى في الصف الأول فرجة وهو في الثاني فمشى إليه فسدها لا يفسد ومن الثالث يفسد، وحكى القاضي ركن الإسلام أبو الحسن علي المفدى عن أستاذه أنه إذا مشى مستقبل القبلة وهو غاز أو حاج أو سفر طاعة وعبادة وإن كثر. قلت: الأثر المذكور رواه البخاري في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة، حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينما كنا على حرف نهر إذا رجل يصلي وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها، (قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي) الحديث. وذكر المرغيناني هذا، وقال: الذي رووه لا يصح، والصحيح أبو بردة، واسم أبي برزة نضلة بن عبيد وقيل نضلة بن عابد وقيل: ابن عبد الله والأول هو الصحيح، وأبو بردة اسمه هانئ بن دينار، ويقال: اسمه الحارث من شهداء بدر، وفي التابعين أبو بردة بن أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة، اسمه عامر، وقيل الحارث، وذكرت الشافعية في الفصل بين القليل والكثير أربعة أقوال: الأول: الكثير ما يسع زمانه فعل ركعة حكاه الرافعي. قال النووي: وهو ضعيف أو غلط. الثاني: ما يحتاج في عمله إلى بدنه كتكوير عمامته وعقد إزاره وسراويله، حكاه الرافعي. الثالث: ما يظن للثاني نظر إليه أنه كثير في الصلاة وضعفوه كقتل الحية وحمل الصبي. الرابع: وهو المشهور أن الرجوع إلى العرف في القلة والكثرة، ذكر هذا الأقوال النووي في " شرح المهذب ". م: (ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق) ش: شرع من هاهنا في مسائل " الجامع الصغير "، والمراد بمقام الإمام موضع القدم وبالطاق المحراب، وقوله وسجوده في الطاق أي ورأسه في الطاق عند السجود وهذه صورتان الأولى هذه وهي أن يقوم الإمام في المسجد بقدميه ولكن عند سجوده يكون رأسه في المحراب، فهذه لا تكره؛ لأن الاعتبار بموضع القيام
ويكره أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق ـــــــــــــــــــــــــــــQلا بموضع السجود، ألا ترى إن قدم المقتدي إذا كانت مؤخرة عن قدم الإمام ورأسه مقدما على رأس الإمام بسبب طول المقتدي تجوز صلاته، وإذا كانت قدم المقتدي مقدمة عن قدم الإمام فلا تجوز صلاته، ألا ترى أن الطير إذا كان رجله في الحرم ورأسه خارج الحرم يكون من صيد الحرم حتى يجب الجزاء بقتله، ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان فأدخل جميع أعضائه فيها دون القدمين لا يحنث، فعلم أن الاعتبار بموضع القدم. وفي " الجنازية ": طعن بعض من خالف أبا حنيفة في قوله لا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق يعني لم يجعل الطاق من المسجد وليس كذلك، فإن المراد من المسجد هاهنا مصلى الناس وموضع سجودهم، والطاق ليس بمسجد بهذا الاعتبار، وبه تندفع شبهة الصورة الثانية. هي قوله: م: (ويكره أن يقوم في الطاق) ش: أي ويكره أن يقوم الإمام وحده في المحراب وتعليل هذه الصورة بشيئين: أحدهما: ما ذكره المصنف بقوله م: (لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب) ش: أي لأن قيام الإمام في الطاق يشبه صنيع أهل الكتاب، وأشار إلى وجه التشبيه بصنيعهم بقوله م: (من حيث تخصيص الإمام بالمكان) ش: لأنهم يتخذون لإمامهم مكانا والتشبه بهم مكروه، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» ، ولهذا يكره الاعتجاز وتغطيه الفم؛ لأنه تشبيه بهم، وكذا يكره التمايل عن اليمين واليسار، وقد صح عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم فليسكن أطرافه فلا يتمايل تمايل اليهود» . والتعليل الثاني: ما حكي عن أبي جعفر أنه قال: إن حاله تشتبه على من عن يمينه وعن يساره [حتى إذا كان بجنبي الطاق عمودان، ووراء ذلك فرجة يطلع فيهما من عن يمينه أو عن يساره] على حال فلا بأس به؛ لأن الإمام إذا كان إماما ليعلم بحاله فيتحقق الائتمام به، وهذا بالعراق؛ لأن محاريبهم مجوفة مطوقة بنيت باللبن والآجر. فإن قلت: لم اختار المصنف الوجه الأول. قلت: لأنه مطرد بخلاف الثاني؛ لأنه إذا أمكن الإطلاع على حاله بالفرجة لم يطرد فيه. وقال شمس الأئمة السرخسي: من اختار الطريقة الثانية لم يكره عند عدم الاشتباه وإن كان مقام الأول في الطاق، ومن اختار الطريقة الأولى يكره في الوجهين جميعا [في الثانية] قال: هذا هو الأصح. م: (بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق) ش: أي لا يكره في هذه الصورة وهي الصورة الأولى لما قلنا إن العبرة للقدمين. وفي " فتاوى الولوالجي " إذا ضاق المسجد بمن خلف الإمام
ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان لما قلنا، وكذا على القلب في ظاهر الرواية؛ لأنه ازدراء بالإمام. ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق؛ لأنه يشتبه بقدر الأمرين، وإن لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشتبه بين المكانين. انتهى. وبالكراهة ففي هذه الصورة وهي ما إذا أقام في الطاق وحده، قال علي وابن مسعود وكعب وعلقمة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وسليمان التيمي وليث بن أبي سليم ومحمد بن جرير الطبري وابن حزم، وقال الطحاوي: هذا في محاريب الكوفة فإنها كانت خارجة عن حد المسجد؛ لأنه يشبه اختلاف المكانين، ولأنه يشتبه على من كان في جانبي الإمام، فإن كان مكشوفا لا يشتبه حاله فلا يكره، وعلى الأول يكره، وقال السرخسي: الكراهة في الوجهين؛ لأنه تشبه بأهل الكتاب، والتشبه بهم مكروه خارج الصلاة فكذا في الصلاة بل أولي. م: (ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان) ش: وقد ذكرنا أن المراد من الدكان الموضع، والموضع مبتنى يجلس عليه مثل الدكة، واختلفوا في نونه هل أصلية أم زائدة، وقيل: بقوله وحده؛ لأنه لو كان معه بعض القوم لا يكره، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي، فإن فعل بطل صلاته عند الأوزاعي وهو قول أبي حامد من الحنابلة. وقال الشافعي: يكره أن يكون موضع الإمام والمأموم أعلى من موضع الآخر، إلا إذا أراد تعليم أفعال الصلاة وأراد المأموم تبليغ القوم، فقال في " المهذب ": إذا كره أن يعلو الإمام فالمأموم أولى، ولم يذكر المصنف مقدار ارتفاع الدكان الذي يكره عليه، فقيل: قدر ارتفاع قامة الرجل الذي هو متوسط القامة فلا بأس بما دونها، ذكره في " المحيط " وكذا ذكره الطحاوي، وهكذا روي عن أبي يوسف، وقيل: إنه مقدر بقدر ما يقع الامتياز، وقيل: مقدر بقدر ذراع اعتبارا بالسترة. قال قاضي خان: وعليه الاعتماد. م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، وفي بعض النسخ لما قلنا. م: (وكذا على القلب) ش: وكذا يكره على قلب الحكم المذكور، أي عكسه وهو أن يكون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما روي عن الطحاوي أنه لا يكره لعدم التشبيه بصنع أهل الكتاب، فإنهم لا يفعلون هكذا، وعليه عامة المشايخ م: (لأنه) ش: أي لأن كون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م: (ازدراء بالإمام) ش: أي استخفافا به، يقال: ازدراه أي استخف به واحتقره. وذكر شيخ الإسلام إنما يكره هذا إذا لم يكن من عذر فلا يكره، كما في الجمعة إذا كان القوم على الرف، وبعضهم على الأرض لضيق مكان الرف بفتح الراء المهملة وتشديد الفاء. قال الجوهري: الرف شبه الطاق والجمع الرفوف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى البخاري ومسلم من حديث أبي حازم بن دينار «أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده، فسألوه عن ذاك، فقال: " والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. الحديث، وفي آخره: ثم رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» ، فهذا يدل على ما ذكره الطحاوي، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وحكاه في " المحلى " عن الشافعي وأحمد قال: وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: لا يجوز، ويجوز الاقتداء من سطح المسجد ورفه، وبه قال الشافعي وأحمد وفي " المغني " صلى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على سطح المسجد بصلاة القوم، وفعله سالم. قلت: روى أبو داود في " سننه " من حديث همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك، قال بلى قد ذكرت حين مددتني، وروى أيضا من «حديث عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم " أو نحو ذلك، قال عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقوم الإمام فوق شيء، والناس خلفه يعني أسفل منه» رواه الدارقطني. والجواب عن حديث سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان فعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للحاجة إلى تعليم القوم وقد قلنا: إنه لا يكره للضرورة، وأيضا قد يحتمل أنه كان في الدرجة السفلى؛ لأنه لا يحتاج إلى عمل كثير في النزول والصعود، والعمل الكثير مفسد للصلاة بلا خلاف، وأيضا هو فعل، والذي قاله الأكثرون قول، والقول مقدم على الفعل، وقال ابن قدامة لاحتمال اختصاصه بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قلت: هذا لا يمكن مع قوله: إنما فعلت هذا لتقتدوا بي ولتعلموا صلاتي فقد نص - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه غير مختص به، بل فعله كذلك لتقتدوا به فيما فعله، والذي نقله ابن حزم عن الشافعي وأحمد وعطاء وعن أبي حنيفة غلط.
ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث؛ لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث) ش: قاعد بالجر صفة رجل وقوله يتحدث جملة في محل النصب على الحال، ولا يقال: إن هذا الحال نكرة فكيف يجوز الحال عنه؟ لأنا نقول إنه قد اتصف بالصفة، ويجوز أن يكون في محل الجر على أنها صفة أخرى، وقيد بقوله إلى ظهر رجل لأنه لو صلى إلى وجه رجل يكره، وفيه إشارة أيضا إلى أنه لا بأس بأن يصلي وبقربه قوم يتحدثون، وبه قالت الأئمة الأربعة إلا ما روي عن مالك [فإنه يقول] في رواية: إن كان أمامه مجنونا أو صبيا أو كافرا أو امرأة غير محرمة يكره، ومن الناس من كره ذلك؛ لأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل وعنده قوم يتحدثون أو نائمون» ورواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وتأويل ذلك أنهم إذا رفعوا أصواتهم على وجه يخاف وقوع الغلط، ولهذا قال في " الجامع البرهاني ": قال: هذا إذا لم يشوشه حديثهم فإن كان يشوشه فيكره، [و] في النائمين إذا كان يخاف أن يظهر صوت من النائم فيضحك في صلاته ويخجل النائم إذا انتبه، فإن لم يكن كذلك فلا بأس به. فإن قلت: روى سعيد بن منصور في " سننه " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى عن أن يصلوا إلى قوم يتحدثون أو نائمون» . قلت: هذا محمول على ما إذا رفعوا أصواتهم بالحديث كما ذكرنا، وفي النائم لأجل ما ذكرنا. فإن قلت: هذا في النافلة أو مطلقا. قلت: قال ابن قدامة: والأشبه أنه لا فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك، يعني في عدم الكراهة. قلت: قد صح عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الصلاة إلى النائم من غير كراهة في النافلة. م: (لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ربما كان يستتر بنافع في بعض أسفاره) ش: هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن نافع ولفظه: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد، قال لي: ولني ظهرك. وروى أيضا عنه أن ابن عمر كان يقعد رجلا ويصلي خلفه والناس يمرون بين يدي ذلك الرجل. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد أن يصلي في الصحراء أمر عكرمة أن يجلس بين يديه ويصلي» . قلت: إن كان مراده عكرمة _ وهو ابن أبي جهل _ الصحابي فليس له حديث في ذلك، وإن كان مراده من عكرمة هو مولى ابن عباس فهو تابعي ليس له صحبة.
ولا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق لأنهما لا يعبدان، وباعتباره تثبت الكراهة، ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث» . قلت: في سند أبي داود رجل مجهول، وفي سند ابن ماجه أبو المقدام هشام بن زياد البصري لا يحتج بحديثه، وقال الخطابي: هذا الحديث لا يصح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقد صح «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة» . فإن قلت: روى البزار في " مسنده " من حديث محمد بن الحنفية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله إني صليت وأنت تنظر إلي» . قلت: قال البزار: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسناد، وكأن هذا المصلي كان مستقبل الرجل في وجهه فلم يتنح عن حياله. م: (ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق) ش: وهو قول الجمهور، وقال أحمد: يكره ذلك إلا أن يكون موضوعا بالأرض، وقيل: هو قول إبراهيم النخعي، وقال بعضهم يكره ذلك لأن [......] آلة الحرب والحديد فيه بأس شديد، فلا يليق تقديمه في مقام الامتهان، وقيل هو قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وفي استقبال المصحف تشبه بأهل الكتاب فإنهم يفعلون ذلك بكتبهم م: (لأنهما لا يعبدان) ش: أي لأن المصحف والسيف لا يعبدان م: (وباعتباره) ش: أي وباعتبار معنى الكراهة في الأشياء التي تعبد م: (تثبت الكراهة) ش: فالسيف لا يعبد لأنه سلاح، فلا يكره التوجه إليه، ألا ترى أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى عنزة» وهي سلاح، والموضع موضع الحرب أيضا، وكذلك سمي المحراب محرابا فبان تقديم آلة الحرب، وكيف يقال بالكراهة وقد «صلى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عنزة؟» على أنا نقول قد ورد أخذ الأسلحة في صلاة الخوف، وقال تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] (النساء: الآية 102) ، وأما المصحف فلأن في تقديمه تعظيمه وتعظيمه عبادة، فانضمت عبادة إلى عبادة فلا تكره. م: (ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير) ش: قال الجوهري: التصاوير: التماثيل، وقال غيره: التمثال ما يصور على الجدار، والصورة ما على الثوب. وفي " المغرب ": التمثال ما يصور تشبيها بخلق الله تعالى من ذوات الروح والصورة عام، وروي عن ابن عباس ما يدل على أن التمثال والصورة واحد، وهو أنه نهى مصورا عن التصوير، فقال كيف أصنع وهو كسبي؟ قال: إن لم يكن لك بد فعليك بتمثال الأشجار، والتمثال بكسر التاء في أوله وقد جاء على هذا
[الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه تصاوير]
لأن فيه استهانة بالصلاة، ولا يسجد على التصاوير؛ لأنه يشبه عبادة الصورة، وأطلق الكراهة في الأصل؛ لأن المصلى معظم، ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير أو صورة معلقة «لحديث جبريل " إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالوزن نحو عشرين كلمة وهي: التحفاف وهو [......] ، والتبيان مصدر، والتلقاء مصدر مثل اللقاء، والتمساح اسم لحيوان مشهور في نيل مصر، والتمطار اسم لماء المطر، وتنفاق للهلال، تنبال اسم يقال للقصر. م: (لأن فيه) ش: أي لأن في فعل الصلاة على البساط الذي فيه تصاوير م: (استهانة بالصلاة) ش: أي تحقيرا لها م: (ولا يسجد على التصاوير لأنه) ش: أي لأن السجود على الصورة م: (يشبه عبادة الصورة) ش: لأنه حينئذ يشبه فعل الكفار عبدة الأصنام م: (وأطلق الكراهة في الأصل) ش: أي أطلق محمد الكراهة في " المبسوط " يعني لم يفصل بين أن يكون الصورة في موضع السجود أو في غيره، فإنه قال: فإن صلى على بساط فيه تماثيل يكره، وفصل في " الجامع الصغير " حيث قال: إن كان في موضع سجوده يكره، وإن كان في موضع جلوسه أو قيامه لا يكره. قال تاج الشريعة: والأصح ما ذكره هاهنا يعني التفصيل. م: (لأنه المصلى معظم) ش: [هذا تعليل الإطلاق، والمصلى بفتح اللام وأراد به المسجد الذي يصلى فيه، قوله معظم] بفتح الظاء أي مستحق للتعظيم؛ لأنه أعد للصلاة فاستحق التعظيم من سائر البسط، فلو كان فيه صورة كان بنوع تعظيم لها ونحن أمرنا بإهانتها، فلا ينبغي أن تكون في المصلى مطلقا يسجد عليها أو لم يسجد. [الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه تصاوير] م: (ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير) ش: تصاوير مرفوع لأنه خبر يكون م (أو صورة معلقة) ش: أي أو يكون صورة معلقة في السقف ونحوه، أو كان في ستارة معلقة ونحوها م: «لحديث جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» ش: هذا الحديث روي عن ابن عمر وميمونة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث ابن عمر أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال: «واعد النبي جبريل - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فراث عليه أي أبطأ حتى شق ذلك على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلقيه، فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» . وحديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم عن ابن عباس قال: أخبرتني ميمونة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبح يوما واجما فقالت له ميمونة: قد استنكرت هيئتك منذ اليوم قال: " إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا " فأمر به فأخرج ثم أخذه بيده فنضح مكانه، فلما لقيه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأصبح النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فأمر بقتل الكلاب» . الحديث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم أيضا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها قالت: «وعد رسول الله جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصاه فألقاها من يده، وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله ثم التفت فإذا كلب تحت سريره فقال: " ما هذا يا عائشة؟ متى دخل هذا الكلب هاهنا "؟ فقالت: والله ما دريت، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " واعدتني فجلست لك فلم تأت "! فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة» وأخرج الأئمة الستة عن أبي طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» . زاد البخاري يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح. وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب.. لم يرو ابن ماجه فيه الجنب، وزاد أحمد ولا صورة ذي روح» وفي " سنده " عن عبد الله بن يحيى وفيه مقال. وعن السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذي ذكره المصنف بقوله: لما روى مجاهد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استأذن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: " ادخل " فقال: كيف أدخل بيتا وفيه ستر عليه تماثيل حيوان أو رجال؛ إما أن يقطع رؤوسها أو أن تجعل بساطا يوطأ، وإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» وذكره الأكمل في " شرحه " ناقلا عنه وذكر صاحب " الدراية " نحوه، إلا أن في موضع ستر قرام فيه تماثيل. قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أتاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أدخل إلا أنه كان في البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج " ففعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإذا الكلب للحسن أو للحسين - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج ". وفي لفظ الترمذي: ويجعل منه وسادتان منتبذتين توطآن» فانظر إلى هؤلاء الشراح كيف يذكرون الحديث على غير أصله، ولا بيان من أخرجه من أرباب فن الحديث، ولا التعرض إلى حاله، على أن هذا الحديث غير مطابق بمقصود المصنف؛ لأنه عام بالنسبة إلى كل صورة، وكلام المصنف خاص بالصورة المعلقة.
ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو للناظر لا تكره؛ لأن الصغار جدا لا تعبد، وإذا كان التمثال مقطوع الرأس أي ممحو الرأس فليس بتمثال فلا يكره؛ لأنه لا يعبد بدون الرأس، وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج على ما قالوا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقوله: قرام بكسر القاف وهو الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان والإضافة في قوله ستر كقولك ثوب قميص، وقيل: القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ وكذلك أضاف. قوله منبوذتان قال الخطابي: أي وسادتان لطيفتان وسميتا منبوذتين لخفتهما تنبذان أي تطرحان للقعود عليهما. قوله تحت نضد بفتح النون والضاد المعجمة، وهو السرير الذي تنضد عليه الثياب أي يجعل بعضها فوق بعض، وهو أيضا متاع البيت المنضود. م: (ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو) ش: أي لا تظهر م: (للناظر لا تكره؛ لأن الصغار جدا لا تعبد) ش: لأن الكراهة باعتبار شبه العبادة، فإذا كانت لا تعبد لصغرها، وقد روي أن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان اتخذ خاتما عليه ذبابتان، وكان على خاتم دانيال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسد ولبؤة بينهما صبي يلحسانه، فلما نظر عمر له _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغرورقت عيناه، ودفعه إلى أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأصل ذلك أن ألقي في غيضة وهو رضيع فقيض الله له أسدا ليحفظه ولبؤة لترضعه وهما يلحسانه، فأراد بهذا النقش أن [......] الله تعالى. م: (ولو كان التمثال مقطوع الرأس أي ممحو الرأس فليس بتمثال فلا يكره) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما فسره بممحو الرأس؛ لأنها إذا لم تكن ممحوة الرأس بل لو قطع بخيط ما بين الرأس والجسد لا ترفع الكراهة؛ [لأنه] كالطوق له فيشبه حيوانا مطوقا. قلت: هذا لا يدل على هذا، وكذا تفسير السغناقي بقوله: إنما فسر بها؛ لئلا يتوهم أن لو قطع رأسه بخيط من الحلقوم ورأسه ظاهر، فإن الكراهة فيه باقية أيضا، لأن من الطير ما هو مطوق، والأكمل نقله منه كذلك، والصواب ما قاله قاضي خان: وقطع الرأس أن يمحو رأسه حتى لا يبقى له أثر. وقال في " المحيط ": وقطعه أن يمحوه بخيط يخيط عليه حتى لا يبقى للرأس أثر ويصلي [......] . قلت: الذي دل عليه حديث أبي هريرة ما ذكره الشراح أن قطع الرأس بالكلية أو يجعل بساطا. م: (لأنه لا يعبد بدون الرأس) ش: أي لأن التمثال لا يعبد إذا كان بلا رأس؛ لأنه حينئذ يصير كغيره من الجمادات م: (وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج) ش: أي صار حكم التمثال الذي يمحى رأسه في الصلاة إليه كالصلاة إلى شمع أو سراج أمامه؛ لأنهما لا يعبدان م: (على ما قالوا) ش: أشار به إلى أن فيه اختلاف المشايخ، حيث قيل يكره التوجه إلى الشمس أو السراج أو [الشمع] ، والمختار أنه لا يكره.
ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على بساط مفروش لا يكره؛ لأنها تداس وتوطأ بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة، أو كانت على الستر؛ لأنه تعظيم لها، ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المحيط ": إن توجه إلى سراج أو قنديل أو شمع لا يكره، وكذا ذكر في قاضي خان من غير إشارة إلى خلاف ما إذا توجه إلى تنور أو كانون فيه نار تتوقد فإنه يكره؛ لأنه يشبه العبادة؛ لأنه فعل المجوس فإنهم لا يعبدون إلا نارا موقدة. وفي " الذخيرة ": ثم من المشايخ من سوى بين أن يكون التنور مفتوح الرأس مجمرا ومنهم من فرق، وفي " المغني ": لا يصلي إلى تنور وهو قول ابن سيرين وكره السراج والقنديل في رواية هاهنا. وقال ابن بطال في شرح حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ الذي رواه البخاري عنه: «انكسفت الشمس فصلى نبي الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم قال: أريت النار فلم أر منظرا كاليوم أفظع قط» فلا يضره استقبال شيء من المعبودات وغيرها كما لم يضر الرسول ما رآه في قبلته، واستدل البخاري بهذا الحديث على أنه لا يكره استقبال النار؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يصلي صلاة مكروهة. قلت: احتجاجه بذلك على عدم الكراهة غير صحيح من وجوه: الأول: أنه لا يلزم من قوله أريت النار أن يكون أمامه متوجها إليها، بل يجوز أن يكون عن يمينه أو عن يساره أو وراءه. الثاني: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أريها في جهنم، وبينه وبينها ما لا يحصى من بعد المسافة فلا يكره. الثالث: أن المكروه التوجه إلى النار التي أعدت وليست نار الآخرة هنا. الرابع: أن إراءتها كانت بعد الشروع في الصلاة فلم يكن مقصودا بالتوجه إليها. م: (ولو كانت الصورة على وسادة) ش: أي مخدة والجمع وسائد م: (ملقاة) ش: أي مطروحة على الأرض م: (أو على بساط مفروش) ش: أي أو كانت الصورة على بساط مفروش م: (لا يكره لأنها تداس وتوطأ) ش: أي لأن كل واحد من الوسادة والبساط يداس بالرجل ويوطأ عليه فيحصل الامتهان م: (بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة أو كانت) ش: أي الصورة م: (على الستر) ش: أي على الستارة م: (لأنه تعظيم لها) ش: أي لأن الصلاة إليها تعظيم لها فتكره. وقال السرخسي: ذكره بعض المتأخرين [......] على البساط الكبير من الوسائد التي توضع في صدر المجلس فيجلس عليها؛ لأن ذلك في معنى الإزار فيكره الجلوس عليها، ويحكى عن الحسن وعطاء أنهما دخلا بيتا فيه بساط عليه تصاوير، فوقف عطاء وجلس الحسن وقال: تعظيم الصورة في ترك الجلوس عليها.
وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي ثم من فوق رأسه ثم على يمينه ثم على شماله ثم خلفه، ولو لبس ثوبا فيه تصاوير يكره؛ لأنه يشبه حامل الصنم. والصلاة جائزة في جميع ذلك؛ لاستجماع شرائطها، وتعاد على وجه غير مكروه، وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وأشدها كراهة) ش: أي أشد الصورة من حيث الكراهة م: (أن تكون أمام المصلي) ش: أي قدامه م: (ثم من فوق رأسه) ش: أي ثم أن تكون من فوق رأسه م: (ثم على يمينه) ش: أي ثم أن تكون على يمينه م: (ثم على شماله) ش: أي ثم تكون على شماله م: (ثم من خلفه) ش: أي ثم أن تكون خلفه، وأشار بهذا إلى أن الكراهة مقول بالتشكيك، يختلف أحدها بالشدة والضعف. والحاصل أن ذكره بكلمه ثم مكرر إشارة إلى التنزيل لا إلى الترقي، حتى قيل إذا كانت الصورة خلف المصلي لا تكره الصلاة، ولكنه يكره كونها في البيت؛ لأن تنزيه مكان الصلاة عما يمنع من دخول الملائكة مستحب. وكذا يكره اتخاذ الصورة على البساط، ولكن الجلوس والنوم عليه لا بأس به؛ لأن فيه استهانة لها لا تعظيمها. م: (ولو لبس ثوبا فيه تصاوير يكره؛ لأنه يشبه حامل الصنم) ش: والصنم ما يعمل من خشب أو ذهب أو فضة صورة [على] إنسان، وإذا كان من حجارة فهو وثن. وفي " الذخيرة ": وكره في الكتاب الصلاة بخاتم فيه تماثيل لأنه من ذوي الأعاجم م: (والصلاة جائزة في جميع ذلك) ش: أي في جميع ما ذكرنا من صور الكراهة م: (لاستجماع شرائطها) ش: أي شرائط الصلاة لأن الكراهة ليست بمعنى يرجع إلى الصلاة م: (وتعاد على وجه غير مكروه) ش: أي تعاد الصلاة للاحتياط على وجه ليس فيه كراهة، وفي " الكشف ": إعادة الطواف بالجناية واجبة كوجوب إعادة الصلاة التي أديت مع الكراهة على وجه غير مكروه، وفي " جامع التمرتاشي ": لو صلى في ثوب فيه صورة يكره وتجب الإعادة؛ [لأنه] بمنزلة من يصلي وهو حامل الصنم. وفي " المبسوط ": ما يدل على الأولوية والاستحباب فإن ذكر فيه [والقومة] غير ركن عندهما فتركها لا يفسد الصلاة، والأولى الإعادة، وهذا في ترك الواجب فالأولى أن يكون في غيره كذلك. وقال شمس الأئمة السرخسي ثم البخاري: قال أصحابنا: لو ترك الفاتحة يؤمر بالإعادة ولو ترك القراءة لا يؤمر، فهذا يدل على وجوب الإعادة في ترك الواجب لا غير. م: (وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة) ش: ليكون الأداء على وفق الوجوب، فإن ترك واجبا من واجبات الصلاة يجب أن تعاد، وفي مختصر البحر عن القاضي [المتكلم] لو صلى في الدار المغصوبة لا يجزئه، وبه قال أحمد إلا في الجمعة، ولو صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم مغصوب صح، وعند بشر المريسي: لا يصح ما في الأرض والثوب المغصوبين. وفي " شرح القاضي الصدر ": ولو وجبت عليه في الأرض المغصوبة فأداها فيها لا يجزئه. وقال العتابي: يصح في الأرض المغصوبة، وفي " شرح العمدة " للقاضي المتكلم: غصب ثوبا وكان
[اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة]
ولا يكره تمثال غير ذي الروح؛ لأنه لا يعبد، ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفرضه أداء الصلاة بغير سترة فستر به عورته وصلى والمطالبة قائمة، فسدت إن كان الوقت متسعا وإلا لا تفسد. م: (ولا يكره تمثال غير ذي الروح؛ لأنه لا يعبد) ش: وقد جاء في " صحيح مسلم " عن ابن عباس أنه قال: إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له. [اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة] فروع: يكره اتخاذ الصور في البيوت، ويكره الدخول في مثل هذه البيوت والجلوس والزيارة، ولا يكره بيع الثوب الذي فيه تصاوير، وفي الأقضية لا تقبل شهادة الذي يبيع الثياب المصورة أو ينسجها، وفي " فتاوى الفضلي " لا يكره إمامة من في يده تصاوير؛ لأنها مستورة بالثياب لا تستبين فصارت كصورة نقش خاتم. وفي " نوادر هشام " عن محمد، الأجير لتصوير تماثيل الرجال أو ليزخرفها والأصباغ من المستأجر، قال: لا أجر له؛ لأن عمله معصية، وفي التفاريق هدم بيت مصور الأصباغ ضمن قيمة البيت والأصباغ غير مصورة. م: (ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة) ش: وبه قال الحسن والشافعي وأحمد، وقال إسحاق: وإنما تقتل الحية إذا تمكن من قتلها بضربة واحدة كالعقرب. وفي " المبسوط ": والأظهر أنه لا تفضيل فيه؛ لأنه رخصة [......] عن الحديث والاستسقاء من البئر والتوضؤ، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه لو لم يخف أذاهما لا يقتلهما، وهو قول النخعي ومالك؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن في الصلاة لشغلا» . وفي " قاضي خان " قال: وذكر في كتاب الصلاة أن قتلهما لا يفسد الصلاة ولم يذكر الإباحة، قال: وذكر هاهنا إباحة قتل العقرب ولم يذكر الحية، ومن المشايخ من سوى بينهما م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة في " سننهم " عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليس في روايتهم ولو كنتم وهذا زيادة، ولفظهم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه. وضمضم بن جوس من ثقات أهل اليمن أنه سمع جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد وثقه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمضم بضادين معجمتين، وجوس بفتح الجيم وسكون الواو في آخره سين مهملة. قلت: روى الحاكم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ولأن فيه إزالة الشغل فأشبه درء المار، ويستوي جميع أنواع الحيات هو الصحيح ـــــــــــــــــــــــــــــQقال: «إن لكل شيء شرفا، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة، واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم» ، وسكت عنه، وقد علمت عنه أن زيادة لفظة ولو كنتم في الذي ذكره المصنف موجودة في الحديث غير أنها في رواية ابن عباس لا في رواية أبي هريرة فافهم، فاندفع بهذا [ما] قاله السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأصحابنا زادوا فيه ولو كنتم وقوله الأسودين من باب العمرين والقمرين من باب التغليب؛ لأن الأسود هو العظيم من الحيات وفيه سواد، وانضم إليه العقرب لمجانسة بينهما في الأذى، وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «رأيتنا وما لنا طعام إلا الأسودين، المراد منهما التمر والماء» . م: (ولأن فيه) ش: أي في قتل الحية والعقرب م: (إزالة الشغل) ش: بفتح الشين المعجمة أي شغل القلب م: (فأشبه درء المار) ش: أي أشبه قتل الحية والعقرب دفع المار من بين يديه في الصلاة، وفيه إشارة إلى الجواب عما قاله بعض المشايخ أن قتلهما إن أمكنه بضربة أو وطأة أو مقطة فعل؛ لأنه عمل يسير، وإن احتاج إلى المشي أو للضرب يفسد الصلاة لأنه عمل كثير، وتقدير الجواب: أنه عمل رخص فيه للمصلي لإزالة شغل قلبه، وفيه إصلاح صلاته فلا حاجة إلى التفصيل. م: (ويستوي جميع أنواع الحيات) ش: يعني الحية التي تسمى جنية وغيرها م: (هو الصحيح) ش: يعني [أن [إباحة قتل جميع أنواع الحيات هو الصحيح، واحترز به عن قول الفقيه أبي جعفر، فإنه يقول: الحيات على نوعين منهما: ما يكون من سواكن البيوت [لها ضفيرتان] وهي جنية، ومنها ما لا يكون منها، والجنية صورتها بيضاء لها صفيرتان تمشي مستوية فلا يباح قتلها، [أو غير جنية وهي السوداء تمشي ملتوية فله قتلها] ، ولم يذكر في " الجامع الصغير " قتل الحية، وإنما ذكرها في كتاب الصلاة، وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقتلوا الأسودين» إشارة إلى هذا، وأيده بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إياكم والحية البيضاء فإنها من الجن» ، وفي غير الصلاة على قوله لا يحل قتلها إلا بعد الإعذار والإنذر بأن يقول له خلي طريق المسلمين فإن أبى فحينئذ يقتله. وغير الجن مما لو كان يضرب لونه إلى الاسوداد في سنه التواء، والإمام أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنه فاسد من قبل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ على الجن العهود والمواثيق بأن لا يظهروا لأمته في صورة الحية ولا يدخلوا بيوتهم، فإذا نقضوا العهد يباح قتلها. وقال الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأولى هو الإعذار رجاء العمل بالعهد. فإن قلت: روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقتلوا الحيات ذا الطفيتين والأبتر» فدل على الخصوص.
لإطلاق ما رويناه، ويكره عد الآي، والتسبيحات باليد في الصلاة، وكذلك عد السور؛ لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا بأس بذلك في الفرائض والنوافل جميعا ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: لا نسلم أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي ما عداه، وقد صح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا ما سالمناهن منذ حاربناهن» يريد به قصة آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أعانت الحية إبليس على آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال أبو عبيد: الطفية خوصة المقل، وشبه الخطين على ظهره بخوصتين من خوص المقل، والأبتر: القصير الذنب في الأصل وفسر هاهنا بأنه الأفعى، وقال النضر: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا سقطت. م: (لإطلاق ما رويناه) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» ، والحديث مطلق فلا يجوز تخصيصه بنوع من الحيات. م: (ويكره عد الآي والتسبيح في الصلاة باليد) ش: قيد بقوله في الصلاة لعدم الكراهة خارج الصلاة في الصحيح خلافا لفخر الإسلام، حيث قال: إن عد التسبيح في غير الصلاة بدعة، وكان السلف يقولون: تذنب ولا تحصي وتسبح وتحصي، وقيد باليد لأن المكروه العد بالأصابع أو بخيط يمسكه، أما العد برؤوس الأصابع والحفظ بالقلب لا يكره كذا في " المحيط " و " الخلاصة ". وفي " الإيضاح " أشار إلى أنه [لا] يكره العد بالقلب أيضا؛ لأن فيه شغل البال، وخص الآي والتسبيح بالذكر؛ لأن عد غيرهما مكروه بالاتفاق، وإطلاق الصلاة يدل على أن الخلاف في الفرائض والنوافل، واختلف المشايخ في محل الخلاف، فقيل: لا خلاف في النوافل، وإنما الخلاف في المكتوبة أنه يكره، كذا ذكره المرغيناني والمحبوبي في " المحيط " والعد باللسان مفسد، وفي ملتقى البخاري: ولو حرك أصابعه بالعد تحريكا بليغا بحيث لو نظر إليه ناظر من بعد ظن أنه في غير الصلاة تفسد صلاته، فإذا لم يكن بليغا يكره، ويكره تحريك الخاتم في الأصابع في الصلاة عندنا، وبه قال ولم يكره مالك. م: (وكذلك عد السور) ش: أي وكذا يكره عد السور من] القرآن م: (لأن ذلك) ش: أي عد الآي والتسبيح والسور م: (ليس من أعمال الصلاة) ش: فيكره، وإن استكثر تفسد. م: (وعن أبي يوسف ومحمد أنه لا بأس بذلك) ش: أي بالعد م: (في الفرائض والنوافل جميعا) ش: ذكره بكلمة عن إشارة إلى أن خلافهما ليس من ظاهر الرواية، ولهذا لم يذكر أبو اليسر خلافهما أصلا، بل قال بعضهم قالوا، وكذا في " شرح الجامع الصغير " بكلمة عن، وعن أبي يوسف لا بأس به في النفل، ومثله عن أبي حنيفة ذكره في " التحفة "، وفي " التجريد " ذكر قول محمد مع أبي حنيفة، وكذا ذكر في " الجامع الصغير "، ويروى عن بعض أصحابنا جواز عد
مراعاة لسنة القراءة والعمل بما جاءت به السنة، قلنا: يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغني عن العد بعده، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتسبيح بالنوى في الصلاة م: (مراعاة لسنة القراءة) ش: أي لأجل المراعاة لسنة القراءة في الصلاة، وهي أربعون آية أو ستون آية م: (والعمل) ش: عطفا على سنة القراءة، أي ومراعاة العمل م: (بما جاءت به السنة) ش: الشراح كلهم ذكروا أن المراد من السنة ما جاء في صلاة التسبيح في تسبيحاتها عشرا عشرا في الأركان على ما هو المعروف. قلت: لو فسروا قوله بما جاءت به السنة «بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعد الآي في الصلاة» أخرجه الإمام عن عطاء بن السائب عن أبيه عن ابن عمر به لكان أنسب وأوجه، وأجاب عنه من جهة أبي حنيفة بعضهم أنه لعله كان ذلك منه في أول الأمر حين كان العمل مباحا في الصلاة، على أن عطاء بن السائب قد اختلط في آخر عمره، فلا يحتج بحديثه إلا إذا علم أنه أخبر به قبل الاختلاط، قال أحمد: [مع] أن أبا موسى الأصبهاني قال: هذا حديث غريب. م: (قلنا: يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغني عن العد بعده) ش: هذا جواب عما روي عن أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وتقريره أن يقال: يمكن للمصلي أن يعد ما يريد عده من الآي التي يريد قراءتها في الصلاة، فيستغني بذلك عن العد إذا دخل في الصلاة. فإن قلت: هذا يمكن في عد الآي دون التسبيح. قلت: يمكن ذلك في التسبيح أيضا بأن يحفظه بقلبه وبضم الأنامل في موضعها، أو يسبح حتى يتيقن أنه أتى بذلك، والمكروه أن يعده بالأصابع هكذا ذكره في " قاضي خان "، واستدل بعضهم لأبي حنيفة ومن معه بما رواه مكحول عن أبي أمامة وواثلة بن الأسقع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالا: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عد الآي في المكتوبة، ورخص في السبحة» ، قال في " الإمام ": أخرجه أبو موسى الأصبهاني بإسناده، وعن عطاء بن أبي رباح قال: أكرهه في الفريضة، ولا أرى به بأسا في النافلة. فإن قلت: روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أعد بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات. قلت: بعد التسليم [......] فهو محمول على أنه خارج الصلاة، ولا بأس به خارجها بالاتفاق. فإن قلت: صرح في صلاة التسبيح بالعد حيث «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " للعباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن تصلي أربع ركعات فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقرأها وأنت راكع عشرا ... » الحديث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: قالوا: يعد عددها بأكثر الرأي لا بالأصابع، وفيه نظر لعدم تمكنه من ذلك على الحقيقة، ولهذا قال في " الكافي ": إنما يتأتى هذا أي العد بأكثر الرأي أو بالضبط قبل الشروع في الصلاة بالحفظ في قلبه في الآي دون التسبيحات.
[فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء]
فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: نهى عن ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء] م: (فصل) ش: قد ذكرنا أن قولهم فصل لا يكون معربا؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ولكن التقدير: هذا فصل في بيان الكراهة خارج الصلاة؛ لأنه لما فرغ من بيانها في الصلاة شرع في بيانها في خارجها. م: (ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء) ش: قد ذكرنا أن مثل هذه الواو تسمى واو الاستفتاح أو هي للعطف على ما قبله، وقوله فصل معترض بينهما واستقبال القبلة هو التوجه إليها، والخلاء ممدود بيت التغوط والمقصود النبت، ومنه الحديث ألا لا يختلى خلاها أي لا يقطع نبتها وهذه المسألة من خواص مسائل " الجامع الصغير "، وفي استقبالها بالفرج واستدبارها أربعة أقوال لأهل العلم. الأول: أنه يحرم استقبالها واستدبارها في الصحراء والبنيان، وهو قول أبي أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد النجاري شهد بدرا ومات في زمان معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سنة خمسين وقيل: سنة اثنتين وخمسين بأرض قسطنطينية، وقول مجاهد والنخعي والثوري وأبي ثور ورواية عن أحمد. القول الثاني: أنه حرام في الصحراء جائز في البنيان بشرط أن يكون بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فما دونها وارتفاعه قدر مؤخرة الرحل، فهو حرام، إلا أن يكون في بيت مبني لذلك فلا حرج فيه، وكذا لو ستر في الصحراء بشيء من ذلك، قال الثوري: وهذا قول العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي ومالك والشافعي ورواية عن أحمد. قلت: هذا الإطلاق عن الثوري خطأ؛ لأنه لا يمكنه بعد الشرطين اللذين شرطهما لمذهبه عنهم مع أنهما لا أصل لهما ولا نص عليهما دليل شرعي. والقول الثالث: يجوز ذلك فيهما، وبه قال عروة بن الزبير وربيعة وداود. والقول الرابع: يحرم استقبالها فيه. وهذا القول ذكره المصنف غير أنه روى عن أبي حنيفة عدم منع الاستدبار، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن ذلك) ش: حديث النهي أخرجه الأئمة الستة في الطهارة عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالقبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا» وأخرجه الجماعة أيضا غير البخاري «عن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قيل له علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! فقال: " أجل لقد نهانا عن أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ... » الحديث، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ لمسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» . وفي حديث آخر أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي زيد عن معقل بن أبي معقل الأسدي «نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن نستقبل القبلة ببول أو بغائط» ، وقال أبو داود: أبو زيد مولى لبني ثعلبة، وقال الذهبي: لا ندري من هو، وروى مالك في " الموطأ " عن نافع «عن رجل من الأنصار عن أبيه أنه سمع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ينهى أن يستقبلوا القبلة ببول أو غائط» فيه رجل مجهول فهو كالمنقطع. أما حديث أبي أيوب وحديث أبي هريرة فإنهما يدلان على حرمة استقبال القبلة واستدبارها مطلقا سواء كان في الصحراء أو في البنيان فلا معارضة، وإنما المعارضة في الاستدبار في البنيان، ولا اعتبار لها مع دلالة عموم الأحاديث الصحيحة المذكورة. فإن قلت: يقاس الاستقبال في البنيان على الاستدبار فيها. قلت: هذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن الاستقبال فوق الاستدبار في القبح؛ لأن ما ينحط منه لا يوجه إلى القبلة بخلاف الاستقبال فلا يجوز القياس عليه. والثاني: أن العمل باللفظ العام أولى من القياس على ما عرف. وقوله: شرقوا أو غربوا يريد البلاد التي قبلتها بين المشرق والمغرب كالمدينة والشام ونحوهما، وأما البلاد التي قبلتها المشرق أو المغرب، فلا يتأتى ذلك فيها. فإن قلت: النهي المذكور لأجل القبلة أو لأجل الملائكة. قلت: قد اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال لأجل القبلة، واحتجوا في ذلك بحديث أخرجه الطحاوي في " تهذيب الآثار " عن سماك بن الفضل عن رشدين الجندي عن سراقة بن مالك قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله عز وجل، فلا تستقبلوا القبلة» . ومنهم من قال: لأجل الملائكة واحتجوا في ذلك بما رواه البيهقي عن عيسى الخياط قال:
والاستدبار يكره في رواية لما فيه من ترك التعظيم، ولا يكره في رواية لأن المستدبر فرجه غير موازي للقبلة، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: للشعبي إني أعجب من اختلاف أبي هريرة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال نافع «عن ابن عمر دخلت بيت حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فجاءت مني التفاتة فرأيت كنيف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مستقبل القبلة» وقال أبو هريرة: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، قال الشعبي: صدقا جميعا، أما قول أبي هريرة فهو في الصحراء؛ لأن لله عبادا ملائكة، وجنا يصلون، فلا يستقبلهم أحد ببول ولا غائط ولا يستدبرهم، وأما كنفهم هذه فإنما هي بيوت بنيت لا قبلة فيها. قال البيهقي: وعيسى هذا هو ابن ميسرة وهو ضعيف، ويقال فيه الحناط بالحاء المهملة والنون، ويقال أيضا الخياط بالخاء المعجمة وتشديد الياء [والطاء] آخر الحروف، ويقال الخباط بالباء الموحدة، ومنهم من قال علة النهي حرمة المصلين وهو ضعيف، والصحيح أن ذلك لحرمة القبلة، ويدل عليه حديث سراقة كما ذكرنا، وحديث آخر أخرجه البزار عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من جلس ببول قبالة القبلة فذكر وانحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له» ، وقيل: المنع للخارج النجس، وقيل: لكشف العورة نحوها، ويبني عليه جواز الوطئ مستقبل القبلة، فمن علل بالأول أباحه، ومن علل بالثاني منعه. وفي " الروضة ": لا بأس باستقبال القبلة في حالة الإزالة والنظر، ولو تذكر بعد استقبالها فانحرف عنها فلا إثم عليه، ويكره استقبال الشمس والقمر بالفرج وكذا الريح، وفي " الروضة ": ويكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره، وكذا إلى المصحف وكتب الفقه. م: (والاستدبار يكره في رواية) : ش: يعني عن أبي هريرة وهو الأصح م: (لما فيه) ش: أي في الاستدبار م: (من ترك التعظيم) ش: للقبلة م: (ولا يكره في رواية) ش: أي عن أبي حنيفة، وفي " جامع الأسبيجابي " عن أبي حنيفة في هذه المسألة ثلاث روايات، في رواية: كره الاستقبال والاستدبار، وفي رواية كره الاستقبال دون الاستدبار، وفي رواية: لم يكرهما وبه قال داود، في كل ذلك جاءت الآثار، وذكر أبو اليسر أما الاستدبار فلا بأس به، وقال بعضهم إن كان ذلك ساقطا على الأرض فلا بأس به ولو كان رافعا [ثوبه] قالوا: ينبغي أن يكون مكروها لأن عورته تكون إلى القبلة، وأما نهيه عن الاستدبار فكأنه قال ذلك في حق أهل المدينة لأنهم إذا استدبروا صاروا متوجهين إلى بيت المقدس، فيكره الاستدبار تعظيما لبيت المقدس. م: (لأن المستدبر فرجه غير موازي للقبلة) ش: فرجه منصوب؛ لأنه بدل من المستدبر بدل البعض من الكل، وغير موازي كلام إضافي مرفوع؛ لأنه خبر إن، ومعنى غير موازي غير محاز للقبلة، والموازاة المقابلة والمواجهة، وأصله إذا كان مهموز الفاء ومعتل اللام، يقال آزيته إذا حاذيته ولا
[أحكام المساجد]
وما ينحط منه ينحط إلى الأرض بخلاف المستقبل؛ لأن فرجه مواز لها وما ينحط منه ينحط إليها، وتكره المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي؛ لأن سطح المسجد له حكم المسجد، حتى يصح الاقتداء منه بمن تحته، ولا يبطل الاعتكاف بالصعود إليه، ولا يحل للجنب الوقوف عليه، ولا بأس بالبول فوق بيت فيه مسجد، والمراد ما أعد للصلاة في البيت؛ لأنه لم يأخذ حكم المسجد، وإن ندبنا إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــQيقل وازيته، قاله الجوهري وغيره حازه على تخفيف الهمزة وقلبها م: (وما ينحط منه ينحط إلى الأرض) ش: أي وما ينزل منه من البول ينحط إلى الأرض غير محاذ للقبلة. م: (بخلاف المستقبل) ش: بكسر الباء على صيغة الفاعل م: (لأن فرجه مواز لها) ش: أي للقبلة م: (وما ينحط منه ينحط إليها) ش: أي إلى القبلة لأنه متوجه إليها، وقال الشافعي: إنما يكره ذلك كله في الفضاء، فأما في الأكنفة فلا. [أحكام المساجد] [المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي] م: (وتكره المجامعة فوق المسجد والبول والتخلي) ش: أي التغوط دون ما يقوله الناس أنه الخلوة بالمرأة، والمراد من الكراهة التحريم م: (لأن سطح المسجد له حكم المسجد) ش: لأنه ثابت في العرصة والهواء جميعا م: (حتى يصح الاقتداء منه) ش: أي من السطح م: (بمن تحته) ش: يعني يصح اقتداء من كان فوق المسجد بالإمام الذي تحته إذا كان يعلم حال الإمام م: (ولا يبطل الاعتكاف بالصعود إليه) ش: أي بالطلوع من المسجد إلى سطحه، م: (ولا يحل للجنب الوقوف عليه) ش: أي على سطح المسجد، فعلم أن حكم المسجد ثابت في الهواء كما في العرصة. فإن قلت: ما حكم المساجد التي عند السواقي وعند الحياض. قلت: قال بعضهم حكمها حكم المسجد، والأصح أنها ليس لها حرمة المسجد، فإنه لا بأس بإدخال الميت فيه مع أنا أمرنا بتجنيب المساجد الموتى، وذكر الصدر الشهيد: أن المختار للفتوى في الموضع الذي يتخذ لصلاة الجنازة والعيد أنه مسجد في حق جواز الاقتداء، وأن تفصل الصفوف رفقا بالناس، فما عدا ذلك ليس له حكم المسجد، والمسجد الجامع هو أعظم المساجد حرمة وكذلك المسجد الذي له جماعة وإمام ومؤذن [وقائمون] بأمره، والمساجد المبنية على القوارع فلها حكم المسجد، إلا أن الاعتكاف فيها لا يجوز؛ لأنه ليس لها إمام ومؤذن معلوم. م: (ولا بأس بالبول فوق بيت فيه مسجد) ش: لأنه لم يخلص لله تعالى م: (والمراد ما أعد للصلاة في البيت) ش: أي المراد من المسجد المذكور في قوله فوق بيت فيه مسجد هو الموضع الذي يعده المصلي في بيته للصلاة م: (لأنه لم يأخذ حكم المسجد) ش: لبقائه في ملكه، حتى له أن يبيعه ويهبه ويورث عنه، فكان حكمه حكم غيره من المنزل المملوك، فلا يكره المجامعة والبول في جوفه فضلا عن سطحه، وتسميته مسجدا لا يفيد حكم المساجد م: (وإن ندبنا إليه) ش: يعني وإن دعينا إلى اتخاذه في البيت؛ لأنه مستحب لكل إنسان أن يعد في بيته مكانا للصلاة يصلي فيه
[إغلاق باب المسجد]
ويكره أن يغلق باب المسجد؛ لأنه يشبه المنع من الصلاة، وقيل: لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد في غير أوان الصلاة، ولا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنوافل والسنن، قال الله تعالى في قصة موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] (يونس: الآية 87) ، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» ، رواه أبو داود [في " سننه "] ، وابن ماجه. وروى الترمذي مرسلا فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتخذوا بيوتكم قبورا» وهو عبارة عن ترك الصلاة في البيت. [إغلاق باب المسجد] م: (ويكره أن يغلق باب المسجد؛ لأنه يشبه المنع من الصلاة) ش: أي لأن الإغلاق شبه المنع فيكره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] (البقرة: الآية 114) ، وقوله أن يغلق من الإغلاق، ولا يقال: غلق فهو مغلوق إلا في لغة رديئة متروكة، وفي " الجامع الصغير " ويكره غلق باب المسجد وهو على اللغة المتروكة، وصوابه إغلاق باب المسجد. م: (وقيل: لا بأس به) ش: أي بإغلاق باب المسجد م: (إذا خيف على متاع المسجد) ش: من السرقة م: (في غير أوان الصلاة) ش: أي في غير وقتها للاحتياط وهو حسن، وقيل: إذا تقارب الوقتان كالعصر والمغرب والعشاء لا يغلق، وبعد العشاء يغلق إلى طلوع الفجر، ومن طلوع الشمس إلى وقت الزوال، ذكره شمس الأئمة وقاضي خان، والتدبير في الإغلاق وتركه إلى أهل المحلة، فإنهم إذا اجتمعوا على رجل جعلوه متوليا بغير أمر القاضي يكون متوليا. م: (ولا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب) ش: الجص بفتح الجيم وتشديد الصاد المهملة، قال الجوهري: الجص والجص ما يبنى به وهو معرب. قلت: هو معرب - كج - بالكاف والجيم وهو الكلس، وهو النورى، يقال له في لغة المصريين الجير، والساج بالجيم شجر يغلظ جدا، ينبت بالهند وله قيمة، وهذه المسألة في خواص مسائل " الجامع الصغير "، وقال فخر الإسلام البزدوي، ولفظ لا بأس دليل على أن المستحب غيره وهو الصرف إلى آخره. وقال شمس الأئمة في قوله: لا بأس إشارة إلى أنه لا يؤجر ويكفيه أن يجوز لسائر الناس. قلت: البأس: الشدة، فقوله - لا بأس - وفي الشدة روايتان والإنسان إنما يفتقر إلى نفسه حيث يتصور الشدة، وجاء في الآثار أن «من أشراط الساعة تزيين المساجد» وعلي رضي الله
وقوله: لا بأس يشير إلى أنه لا يؤجر عليه، لكنه لا يأثم به، وقيل: هو قربة ـــــــــــــــــــــــــــــQعنه بمسجد مزوق بالكوفة فقال: لمن هذه البيعة، فقيل: هذا مصلى للمسلمين، فقال: ما هكذا يكون مصلى المسلمين. وبعث الوليد بن عبد الملك بمال يزين به مسجد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فمر به على عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: المساكين أحوج من الأساطين، إلا أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفى البأس بقوله لا بأس بدلائل لاحت عنده منها قَوْله تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] (النور: الآية 36) ، ورفعها تعظيمها والتعظيم [رفع شأنها وتطهيرها من الأنجاس والأقذار لا زخرفتها] . وروي عن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى مسجد بيت المقدس، وأتم بناه سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وزينه حتى نصب على أعلى قبته الكبريت الأحمر، وكان يضيء من سبعة أميال، وقيل من اثني عشر ميلا، وكانت الغزالات يغزلن في ضوئها. وقال تاج الشريعة: الكبريت الأحمر مثل لكل ما يعز وجوده أو يتناقص، قلت: المراد هنا الياقوت الأحمر، وكذا الكعبة باطنها من خزف بماء الذهب وظاهرها مستور بالديباج، وكساها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، وفي تزيين المسجد ترغيب الناس في الجماعة، وتعظيم بيت الله، والدخول في أمارة من مدحه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] (التوبة: الآية 18) . ثم إن تزيين المسجد لما دار مرة بين الاستحباب وبين الكراهة، قال أصحابنا بالجواز، ولم يقولوا بالاستحباب كما قال به بعضهم، [ولا بلفظ الكراهة، لما ذكرنا، كما قال به بعضهم، ثم اختلفوا في كيفية التزيين، فقيل:] ولا ينبغي التكلف لدقائق النقش، وقيل: إن كان بحيث يشتغل به المصلي يكره، وإلا فلا، وقيل: إن كثر يكره، وإن قل لا، وقيل: يكره في المحراب دون السقف. م: (وقوله) ش: أي وقول محمد في " الجامع الصغير " م: (لا بأس يشير إلى أنه لا يؤجر عليه) ش: أي لا يثاب عليه م: (لكنه لا يأثم به) ش: أي تزيين المسجد لما ذكرنا م: (وقيل هو قربة) ش: أي التزيين تقرب إلى الله تعالى لما ذكرنا من الدلائل الدالة على أنه قربة. وأجاب هؤلاء عن الأثر المذكور بأن كونه من أشراط الساعة لا يدل على البطلان، وعن قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من ألزم محمول على أنه كانت فيه تماثيل أو أعاجيب نقش يشغل المصلين عن الخشوع والخضوع، وعن قول عمر بن عبد العزيز أنه عرف أنه كان من مال الصدقة، والمسجد لا يصلح مصرفا لذلك، ومنع أبو إسحاق المروزي تحلية الكعبة والمساجد والمشاهد بقناديل الذهب والفضة. وقال الغزالي: لا يبعد مخالفته حملا على الإكرام كما في تحلية المصحف ذكره في
وهذا إذا فعل من مال نفسه، أما المتولي، فيفعل من مال الوقف ما يرجع إلى أحكام البناء دون ما يرجع إلى النقش حتى لو فعل يضمن، والله أعلم بالصواب. ـــــــــــــــــــــــــــــQالوسيط، وذكر صاحب " الطراز " عن المالكية كراهة ذلك كله، وذكر في " الرعاية " عن أحمد أن المسجد يصان عن الزخرفة وهم محجوجون بما ذكرناه من إجماع المسلمين في الكعبة. م: (وهذا) ش: أشار به إلى قوله لا بأس يعني لا يكره النقش م: (إذا فعل من مال نفسه) ش: لأنه يقصد به القربة م: (أما المتولي) ش: وهو الذي ينظر في أمر المسجد وأمر أوقافه م: (فيفعل من مال الوقف ما يرجع إلى أحكام البناء) ش: مثل التجصيص م: (دون ما يرجع إلى النقش) ش: يعني ليس له أن يفعل ذلك م: (حتى لو فعل يضمن) ش: لأنه تعدى، وقيل يضمن في التجصيص أيضا، وعن الشيخ بكر الزرنجري أنه يقول: هذا في زمانهم، أما في زماننا لو صرف ما يفضل من العمارة إلى النقش يجوز قطعا؛ للأطماع الفاسدة من الظلمة.
[باب صلاة الوتر]
باب صلاة الوتر الوتر واجب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب صلاة الوتر] [حكم صلاة الوتر] م: (باب صلاة الوتر) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صلاة الوتر، قال السراج: لما فرغ من بيان الفرائض ومتعلقاتها وكيفية أداءها، شرع في بيان صلاة هي دون الفرض وفوق النفل، وهي صلاة الوتر، وقدمه على النوافل؛ لأن الواجب فوقها، وهو دون الفرض، فذكره بينهما؛ لأن حقه أن يكون بين الفرض والنفل، ولم يتعرض أحد لبيان وجه المناسبة بينه وبين جميع ما تقدم من الأبواب والفصول. قلت: لما كان المذكور في الباب الذي قبله بيان الفساد الواقع في الصلاة ذكر هذا الباب عقيبه؛ لما فيه من نوع من ذلك صريحا وغير صريح، أما صريحا: ففي المسألة التي فيها اقتداء الحنفي بالشافعي، وأما في غير الصريح: ففي صلاة الرجل الفجر مع تذكره أنه لم يصل الوتر، وهذا المقدار كاف لوجه المناسبة. م: (الوتر) ش: الفرد واحدا كان أو أكثر، وهو بفتح الواو، وعند أهل الحجاز وبكسرها الذحل والحقد، ولغة أهل العالية على العكس، وتميم بكسر الواو فيها، وقال النووي: الفتح والكسر لغتان فيه، والوتر م: (واجب عند أبي حنيفة) ش: وفي " المحيط " عن أبي حنيفة فيه ثلاث روايات: أحدها: أنه واجب وهو آخر أقواله، [قلت] : هو الصحيح، وقال قاضي خان: هو الأصح. والثاني: أنه فرض، وهو قول زفر، وأبو بكر بن العربي في " العارضة "، مال سحنون والأصبغ من المالكية إلى وجوبه يريده به الفرض. وفي " المغني ": عن أحمد من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل شهادته، وقد حكى عن أبي بكر أن الوتر واجب أي فرض. وحكى ابن بطال في " شرح البخاري " عن ابن مسعود وحذيفة والنخعي أنه واجب على أهل القرآن دون غيرهم، والمراد بالوجوب الفرض. واختار الشيخ علم الدين السخاوي المقرئ النحوي أنه فرض وصف فيه جزاء، وساق فيه الأحاديث التي دلت على فرضيتها، ثم قال: فلا يرتاب ذوقهم بعد هذا أنها ألحقت بالصلوات الخمس في المحافظة عليها.
وقالا: سنة لظهور آثار السنن فيه حيث لا يكفر جاحده ولا يؤذن له. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال صاحب " المنظومة ": والوتر فرض ونوى بذكره في فجره فساد فرض فجره، وقال شراحها: يعني فرض عملا، واجب اعتقادا، سنة سببا. وفي " شرح المجمع ": الوتر فرض في حق العمل عند أبي حنيفة، وواجب في حق الاعتقاد، وسنة باعتبار السبب؛ لظهور آثار السنن فيه، وبين عدم إكفار جاحده وعدم الأذان فيه. فإن قلت: هذه الآثار موجودة في صلاة العيد مع أنها واجبة. قلت: مجرد عدم الإكفار لا يدل على عدم الوجوب بل يدل المجموع وهو أن لا يكفر ولا يؤذن، ولا نسلم كون صلاة العيد واجبة، وقول البخاري لا نسلم أنه لا إذن لها، فإن قولهم في صلاة العيد: يرحمك الله الصلاة أذان وإعلام غير سديد ولا موجه؛ لأن المراد من الأذان المصطلح وليس فيها كذلك. والرواية الثالثة: عن أبي حنيفة أنه سنة مؤكدة وهي قول الأكثر من العلماء، وقال صاحب " الدراية ": ثم فيه ليس في الظاهر رواية منصوصة عنده، لكن روى حماد بن يزيد عن أبي حنيفة أنه فرض، وبه أخذ زفر. وروى يوسف بن خالد التميمي أنه عن أبي حنيفة واجب وهو الظاهر من مذهبه، وروى نوح بن مريم وقيل أسد بن عمر أنه سنة وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد، وفي " الحقائق " فيها ثلاث روايات ولا اختلاف في الحقيقة بين الروايات، والصحيح أنه واجب. وقال أبو بكر الأعمش: اتفقوا مع اختلافهم فيه: أنه أدون درجة من الفرض، ولا يكفر جاحده، وتجب القراءة في الركعة الثالثة، ويجب قضاؤها بالترك عامدا أو ناسيا، ولا يجوز بدون نية الوتر، ولو كان سنة لكفته نيته في الصلاة، فإن كانوا مصرين قاتلهم بالسلاح. م: (وقالا: سنة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: الوتر سنة م: (لظهور آثار السنن فيه) ش: أي في الوتر وبين ذلك بقوله م: (حيث لا يكفر جاحده) ش: بسكون الكاف من الإكفار أي لا ينسب إلى الكفر إذا قال الوتر ليس بفرض. م: (ولا يؤذن له) ش: أي للوتر، يعني لا أذان فيه وقد مر الكلام فيه آنفا، ولم يذكر المصنف لها دليلا من الآثار، ودليلها ما رواه أبو داود والنسائي من «حديث عبد الله بن محيريز " عن رجل من بني كنانة يقال له المخدجي قال: كان رجل بالشام يقال له أبو محمد قال: الوتر واجب، قال: فرجعت إلى عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقلت: إن أبا محمد يزعم أن الوتر واجب، قال: كذب أبو محمد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول خمس صلوات كتبهن الله على عباده ... » الحديث. والمخدجي بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الدال، وقيل بفتحها وبعدها جيم، قيل إن هذا لقب، وقيل نسبة إلى بطن من كنانة، واسمه رفيع الفلسطيني، وأبو محمد: أنصاري، اسمه مسعود بن زيد بن سبيع البخاري، وقيل: اسمه أوس وكان بدريا. واحتجا أيضا بحديث الأعرابي «هل علي غيرهن؟ فقال: لا، إلا أن تتطوع» وهذا ينفي الفرض والوجوب، وبقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع، الوتر والفجر وصلاة الضحى» ، رواه أحمد في " مسنده " والحاكم في " مستدركه " من حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " ثلاث.. " الحديث، والذي وقع في كتب أصحابنا: «ثلاث كتب علي ولم تكتب عليكم وهي لكم سنة، الوتر، والضحى، والأضحى» . واحتجا أيضا بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياه على الراحلة، والفرض لا يؤدى على الراحلة من غير عذر. والجواب عن حديث عبادة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر عن فرضية خمس صلوات، وأبو حنيفة لا يقول بفرضية الوتر مثل فرضية الظهر مثلا، وإنما يقول بوجوبه، والفرق بين الواجب [والفرض ظاهر قطعا فلا يكون حينئذ حجة عليه، وقوله كذب أبو محمد أي أخطأ، وسماه كذبا؛ لأنه شبهة في كونه ضدا، وإنما قاله باجتهاده رآه إلى أن الوتر واجب] والاجتهاد لا يدخله الكذب وإنما يدخله الخطأ، وقد جاء كذب بمعنى أخطأ في غير موضع. وعن حديث الأعرابي بأنه كان قبل وجوب الوتر، وفي قوله إن الله زادكم صلاة على ما يجيء، إشارة على أنه متأخر عن وجوب الصلوات الخمس، وهو نظير قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] (الأنعام: الآية 145) ، وقد حرم الله تعالى بعد ذلك أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. وحديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم وغيره، ويدل على تأخره أنه سأله عن الصلاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالزكاة والصيام وقال في آخره: «والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أفلح إن صدق» ، ولم يذكر الحج، فدل على أنه كان قبل وجوب الحج، فكذا يجوز أن يكون سؤاله قبل أن يزاد على الخمس فلا يكون حجة. وعن حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بأنه ضعيف، قال الذهبي: هو غريب منكر، وفي سنده الذي أخرجه الحاكم وأحمد وابن حبان والكلبي ضعفه النسائي والدارقطني، وفي سند آخر فيه جابر الجعفي وهو مختلف فيه، وكذا أخرجه البيهقي بسند فيه أبو حيان، وقال: هو ضعيف مدلس واسمه يحيى بن حية، وقال الثوري: إنما ذكرت هذا الحديث لما بين ضعفه والحذر من الاغترار به، وله طريق آخر عند ابن الجوزي في " العلل المتناهية " فيه وضاح بن يحيى ومندل وهما ضعيفان. وأخرج ابن الجوزي أيضا نحوه من حديث أنس وفيه عبد الله بن محيريز وهو ساقط. وقال ابن حبان: كان يكذب، وأجاب أصحابنا عنه بأن الحسن يقول: بموجبه لأن الوتر ليس من المكتوبات بل من الواجبات، والواجب مختلف في ذاته وليس كل واجب مكتوب، ألا ترى أن صلاة العيدين واجبة وليست بمكتوبة وليس وجوبها كوجوب صلاة [......] والجمعة، وغسل الميت واجب وليس كغسل الجنابة، وصدقة الفطر واجبة وليست كالزكاة، وسجدتا السهو واجبتان وليستا كسجود الصلاة؛ لأن طريق الواجبات مختلفة بنص القرآن وبالمتواتر والمشهور وبالآحاد، والوتر ليس وجوبه بطريق الآحاد. وأجيب عن قوله: وهي لكم سنة بأن تحقيق الثلاث سنة لكم؛ لأن كلا منها سنة بانفرادها. وأما احتجاجهما بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إياه على الراحلة، والفرائض لا تؤدى عليها، فغير مستقيم على أصلهما؛ لأنهما يريان الوتر فرضا على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، [ثم] الدعوى بجواز هذا الفرض دون سائر الفروض تحكم لا دليل عليه، فإن كانت شبهتهما حديث ابن عباس المذكور فقد بينا حاله، وقال القرافي في " الذخيرة " أن الوتر في السفر ليس بواجب عليه وفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الراحلة كان في السفر. قلت: هذا الأصل له، وروى الطحاوي بإسناده «عن نافع ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض، ويزعم أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يفعل ذلك» وكذا عن مجاهد أن ابن عمر كان يصلي في السفر على بعيره أينما توجه، وإذا كان السحر نزل فأوتر، ولعل ما روي عن ابن عمر ما يخالف ذلك كان قبل تأكده ووجوبه. وقال ابن العربي: قال أبو حنيفة الوتر واجب ولا يلحق بالواجب بالقران فكذلك يفعل على الراحلة.
ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: نقله هذا عن أبي حنيفة غلط وليس مذهبه كذلك، وفي " المحيط " لا يجوز أن يوتر قاعدا مع القدرة على القيام ولا على راحلته من غير عذر، أما عندهما وإن كان سنة فلأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان ينزل فيوتر على الأرض هذا الذي صح عندهما. م: (ولأبي حنيفة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر، فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر» ش: وروى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن خارجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عنه قال: «خرج علينا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال " إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر» . وقال الترمذي: غريب، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " والطبراني في " معجمه ". فإن قلت: رواه ابن عدي في " الكامل " ونقل عن البخاري أنه قال: لا نعرف سماع بعض هؤلاء من بعض يعني رواية، وأعله ابن الجوزي في " التحقيق " بابن إسحاق وبعبد الله بن راشد، ونقل عن الدارقطني أنه ضعفه. قلت: قال صاحب " التنقيح " أما تضعيفه بابن إسحاق فليس بشيء فقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب به، وأما نقله عن الدارقطني أنه ضعف عبد الله بن راشد فغلط؛ لأن الدارقطني إنما ضعف عبد الله بن راشد البصري مولى عثمان بن عفان الراوي عن أبي سعيد الخدري، وأما عبد الله بن راشد هذا فهو مصري راوي عن خارجة، عده ابن حبان في الثقات، وخارجة هو ابن حذافة العدوي [والقريشي] الصحابي، سكن مصر له هذا الحديث. قوله: حمر النعم بفتح النون والعين واحد الأنعام وهي الجمال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، والحمر بضم الحاء وسكون الميم جمع أحمر، ولما كانت الإبل الحمراء أعز الأموال عند العرب ذكر ذلك - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وعن عمرو بن العاص وعقبة أخرج حديثهما إسحاق بن راهويه في " مسنده " عنهما عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله عز وجل زادكم صلاة وهي خير لكم من حمر النعم الوتر وهي لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر» ومن طريقه رواه الطبراني في " معجمه ". وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديث الدارقطني في " سننه "، والطبراني في " معجمه " عنه قال: «خرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مستبشرا فقال: إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر» وفيه النضر أبو عمر الخزاز قال الدارقطني: ضعيف. وعن أبي بصرة بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة الغفاري واسمه جميل أو (حميل) أخرج حديثه الحاكم في المستدرك من طريق ابن لهيعة حدثني عبد الله بن هبيرة أن أبا تميم الجيشاني وعبد الله بن مالك أخبره، أنه سمع عمرو بن العاص يقول: سمعت أبا نصر الغفاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «إن الله تعالى زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح» . وسكت عنه الحاكم، وأعله الذهبي في " مختصره " بابن لهيعة، وله طريق آخر عند الطبراني في " معجمه " وأحمد في " مسنده " عن ابن المبارك. أما سعيد بن يزيد عن أبي هبيرة عن أبي تميم الجيشاني به وبطريق آخر عند الطبراني عن الليث بن سعد عن جبير بن نعيم عن ابن هبيرة به. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه الدارقطني في " غرائب مالك " عنه قال: «خرج رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - محمرا وجهه يجر رداءه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال يا أيها الناس إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم وهي الوتر» . وفيه حميد بن أبي الجون الإسكندراني، قال الدارقطني: ضعيف. وعن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الطبراني في كتابه " مسند الشاميين "، وعنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى زادكم صلاة، وهي الوتر» . وروي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: «أمرنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فاجتمعنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن الله قد زادكم صلاة فأمرنا بالوتر» . وجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن في بعضها الأمر، والأمر للوجوب وهو معنى قول المصنف.
أمر وهو للوجوب، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (أمر) ش: أي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (وهو للوجوب) ش: أي أمر الشارع فيه يدل على وجوب الوتر، والذي فيه التصريح بالأمر حديث أبي بصرة وهو قوله فصلوها، وفي حديث عمرو ابن شعيب المذكور آنفا، ونظيره ما روي عن جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أيكم خاف أن لا يقوم في آخر الليل فليوتر ثم ليرقد، ومن وثق بالقيام من آخر الليل فليوتر في آخر الليل، فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل» ، رواه مسلم والترمذي وأحمد وابن ماجه. وما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «اجعلوا آخر صلاتكم وترا» ، أخرجه البخاري ومسلم. وما روي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق» ، [رواه أبو داود والحاكم في " المستدرك " وصححه] . وقوله: حق أي واجب ثابت، والدليل عليه بقية الحديث؛ لأنها وعيد شديد، ولا يقال مثل هذا إلا في حق تارك فرض أو واجب ولاسيما وقد تأكد بالتكرار الكلام ثلاث مرات، ومثل هذا الكلام بهذه التأكيدات لم يأت في حق السنن، وبهذا [أسقط] ما قاله الخطابي من قوله، وقد دلت الأخبار الصحيحة على أنه لم يرد بإلحاق الوجوب الذي لا يسعه غيره، منها: خبر عبادة ابن الصامت، لما بلغه أن أبا محمد رجلا من الأنصار يقول: الوتر حق، فقال: كذب أبو محمد، لقد روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عدد الصلوات الخمس. ومنها: خبر طلحة بن عبد الله في سؤال الأعرابي، ومنها: خبر أنس بن مالك في فرض الصلوات ليلة الإسراء. أما خبر عبادة فقد تكلمنا فيه بما فيه الكفاية عن قريب، وأيضا فإنما كذبه في قوله كوجوب الصلاة، ولم يقل أحد أن الوتر واجب كوجوب الصلاة. وأما خبر طلحة فكان قبل وجوب الوتر بدليل أنه لم يذكر فيه الحج، وقد قررناه أيضا. وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلا نزاع فيه أنه كان قبل الوجوب، وما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر» . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: قال الخطابي: تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه، يدل على أن الوتر غير واجب، ولو كان واجبا لكان عاما، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاظ دون العوام. قلت: أهل القرآن بحسب اللغة يتناول كل من معه شيء من القرآن ولو كان آية فيدخل فيه الحفاظ وغيرهم، على أن القرآن كان في زمنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مفرقا بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولهذا التأويل الفاسد لا يبطل مقتضى الأمر الدال على الوجوب، ولا سيما تأكيد الأمر بالتقرير لمحبة الله إياه بقوله فإن الله وتر يحب الوتر. وما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أوتروا قبل أن تصبحوا» ، رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وما روي عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره» ، رواه أبو داود والترمذي، ووجوب القضاء فرع وجوب الأداء. فإن قلت: قال الخطابي: قوله: أمدكم بصلاة يدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة يخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام، فيقول ألزمكم أو فرض عليكم أو نحو ذلك من الكلام، قال: وقد روي أيضا: «إن الله قد زادكم صلاة» ومعناه الزيادة من النوافل، وذلك أن نوافل الصلاة شفع لا وتر فيها، فقد أمدكم بصلاة وزادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل على تلك الصورة والهيئة وهي الوتر. قلت: لا نسلم أن قوله أمدكم بصلاة يدل على أنها غير لازمة، فلئن سلمنا فلا ينافي ذلك [دلالة] دليل آخر على الوجوب، وقد جاء فيما ذكرناه من الأحاديث ما يدل على الوجوب. وأما وجه الاستدلال بقوله إن الله زادكم من وجوه: الأول: أنه أضاف الزيادة إلى الله تعالى، والسنن إنما تضاف إلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والثاني: أنه قال زادكم والزيادة إنما تتحقق في الواجبات لأنها محصورة بعدد لا [كما] في النوافل؛ لأنه لا نهاية لها. والثالث: أن الزيادة في الشيء إنما تتحقق إذا كان من جنس المزيد عليه لا يقال زاد في ثمنه إذا وهب هبة مبتدأة، ولا يقال زاد على الهبة إذا باع، والمزيد عليه فرض فكذا الزائد، إلا أن الدليل غير قطعي فصار واجبا. فإن قلت: السنن مقدرة أيضا فهذه كانت زائدة على السنن. قلت: إضافته إلى الواجبات أولى للأخذ بالاحتياط، وأيضا لو اعتبرت زيادة على الفرائض يكون الأمر معمولا لا بحقيقته، ولأنه لا يمكن جعل الزيادة على السنن؛ لأنه لا نظير له في الشرع، إذ السنن توابع الفرائض، ولا جائز أن يكون تبعا للسنن؛ لأنه يؤدى في آخر الوتر وهو آخر الليل، والسنن ليست كذلك، وقيل أفضل وقت الوتر هو السحر، ويكره أداء العشاء فيه أشد الكراهة، ولو كان الوتر تبعا للعشاء من حيث السنية لكان وقته المستحب وقت العشاء، ومما
ولهذا وجب القضاء بالإجماع، وإنما لا يكفر جاحده؛ لأن وجوبه ثبت بالسنة وهو المعني بما روي عنه أنه سنة، ـــــــــــــــــــــــــــــQيدل على وجوب الوتر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إلا وهي الوتر» على سبيل التعريف، فهذا دليل على أنه كان معلوما عندهم، وزيادة تعريف وزيادة وصف وهو الوجوب لا أصله. فإن قلت: جاء حديث عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا يدل على أنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزاد عليه وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر» ، أخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح. قلت: لا يمنع هذا ما ذكرنا؛ لأنه يجوز أن يكون المراد منه ركعتا الصبح ولهذا [جاء] التأكيد فيهما، وروى أبو هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» ، رواه أبو داود ولهذا رأى محمد قضاءها بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر. م: (ولهذا وجب القضاء بالإجماع) ش: أي ولأجل كون الوتر واجبا وجب القضاء بالإجماع، قال الأترازي: أي بإجماع أصحابنا، وقال الأكمل: قيل المراد بالإجماع إجماع أصحابنا على ظاهر الرواية، فإنه نقل عن أبي يوسف أنه لا يقضي خارج الوقت، وعن محمد أنه قال: أحب إلي أن يقضي، قيل: المراد بالإجماع إجماع السلف، لكنه لم يثبت إلا بطريق الآحاد. قلت: هذا من كلام (الخبازي) وعلى غير ظاهر الرواية لا يصح الاستدلال على وجوبه بوجوب قضائه بالإجماع، وذكر الحافظ أبو جعفر الطحاوي أن وجوب الوتر إجماع من الصحابة، فعلى هذا لا يحتاج إلى تفسير قوله بالإجماع أي بإجماع أصحابنا، وعلى ظاهر الرواية، ولهذا سقط زعم الأكمل أيضا. وقوله وفي الجملة وكلامه في هذا الموضع لا يخلو عن تسامح ولكل جواد كبوة. م: (وإنما لا يكفر جاحده لأن وجوبه ثبت بالسنة) ش: هذا جواب عن قولهما حيث لا يكفر جاحده أي لا كفر؛ لأن الجاحد إنما يكفر إذا كان الدليل قطعيا، وهاهنا ليس كذلك؛ لأن وجوبه ثبت بالسنة يعني بخبر الواحد، ولم يثبت بخبر التواتر ولا بالمشهور فصار دون من الذي ثبت بالمتواتر أو المشهور، فإن منكر الثابت بأحدهما يكفر م: (وهو المعني) ش: بكسر النون وتشديد الياء، أي كون وجوبه ثبت بالسنة م: (بما روي عنه أنه سنة) ش: وهو الحديث الذي رواه ابن عباس: «ثلاث كتب علي ولم تكتب عليكم وهي لكم سنة» .
[عدد ركعات الوتر]
وهو يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذانه وإقامته ولا يؤذن له. قال: الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام؛ لما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كان يوتر بثلاث» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [عدد ركعات الوتر] م: (وهو يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذان العشاء وإقامته) ش: هذا جواب عن قولهما م: (ولا يؤذن له) ش: أي الوتر يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذان العشاء وإقامته. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام) ش: بل يتشهد عند الثانية ولا يسلم، ويتشهد عند الثالثة ويسلم، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي وأنس وابن عباس وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز واختاره الأكثرون وابن المبارك، وهو قول مالك في كتاب الصيام ذكره في " العارضة ". وقال ابن بطال: الوتر ثلاث، قول حذيفة وأبي والفقهاء السبعة بالمدينة وسعيد بن المسيب. وقال الترمذي: وقد ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى هذا. وقال الزهري: يوتر بثلاث في رمضان وفي غيره بواحدة. وقال مالك: لا يوتر بواحدة ليس قبلها شيء لا في سفر ولا حضر. وقال النووي: الوتر أقله ركعة لا خلاف فيه، وأدنى كماله ثلاث، وأكثره إحدى عشرة، وفي وجه: ثلاث عشرة ركعة ولو زاد عليها لم يصح وتره عند جمهورهم. وقال ابن حنبل: الذي أختاره أن يفصل ركعة الوتر مما قبلها، وقال: إن أوتر بثلاث ولم يسلم لم يضيق عليه عندي، ويعجبني أن يسلم في الركعتين، وقال الأوزاعي: إن فعل فحسن، وإن لم يفعله فحسن. م: (لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يوتر بثلاث» ش: أي بثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام، لما روى النسائي في " سننه " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يسلم في ركعتي الوتر» . ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: إنه صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ولفظه قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن» . فإن قلت: الحديث الذي ذكره المصنف يحتمل أنه كان يوتر بتسليمتين. قلت: دفع هذا الاحتمال ما ذكرناه عن النسائي والحاكم. فإن قلت: كيف حملتم المطلق على المقيد؟ قلت: يحمل إذا ورد النصان في الحكم، ولنا أحاديث أخر تدل على أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمنها ما رواه الأربعة من حديث عائشة _ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، والمعوذتين» ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وظاهر الحديث أن الثالثة متصلة غير منفصلة، والاتصال في ركعة الوتر المنفردة أو نحو ذلك. فإن قلت: يعكر عليه في ما لفظ الدارقطني عن عائشة «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، ويقرأ في الوتر ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] » . قلت: لا يدل، وقوله أوتر بعدها على أنه يوتر بعد التسليمة، ولا شك أن الثالثة وتر. ومنها: ما رواه الطحاوي أيضا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نحو حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وما رواه الطحاوي أيضا من حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه «أنه صلى مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الوتر يقرأ في الركعة الأولى بسبح» .. إلخ نحوه. ومنها: ما أخرجه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه وأخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه. ومنها: ما رواه الدارقطني ثم البيهقي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وتر الليل ثلاث كوتر النهار، صلاة المغرب» . فإن قلت: قال الدارقطني: لم يروه عن الأعمش مرفوعا غير يحيى بن زكريا وهو ضعيف، وقال البيهقي: الصحيح وقفه على ابن مسعود. قلت: لا يضرنا كونه موقوفا على ما عرف، مع أن الدارقطني أخرجه عن عائشة أيضا نحوه مرفوعا، ومما يدل على ما ذهبنا إليه حديث النهي عن البتيراء، أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " عن أبي سعيد أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نهى عن البتيراء» أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها، وسيأتي في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى.
وحكى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجماع المسلمين على الثلاث ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما ما روي أيضا من الآثار فروى محمد بن الحسن في " موطأه " عن يعقوب بن إبراهيم أنا حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: ما أجزأت ركعة قط، وروى الطحاوي من حديث عقبة بن مسلم قال: سألت عبد الله بن عمر عن الوتر، فقال: أتعرف وتر النهار؟، فقلت: نعم صلاة المغرب، فقال: صدقت وأحسنت، وقال الطحاوي: وعليه يحمل حديث ابن عمر «أن رجلا سأل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فصل ركعة توتر لك ما صليت، قال: معناه صلي ركعة في ثنتين قبلها» واتفقت بذلك الأخبار، حديثا أبو بكر حدثنا أبو داود ثنا أبو خالد سألت أبا العالية عن الوتر فقال: علمنا أصحاب رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن الوتر مثل صلاة المغرب، هذا وتر الليل وهذا وتر النهار. وروى الطحاوي أيضا عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الوتر ثلاث ركعات، وقال: حدثنا ابن مرزوق ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت قال: صلى بنا أنس الوتر أنا عن يمينه وأم ولده خلفنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن، [وروى أيضا عن المسور بن مخرمة قال: دفنا أبا بكر ليلا فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إني لم أوتر، فقام وصفنا وراءه فصلى بنا ثلاث ركعات لم يسلم إلا في آخرهن] . قال: ومذهبنا أيضا قوي من جهة النظر لأن الوقت لا يخلو إما أن يكون فرضا أو سنة، فإن كان فرضا فالفرض ليس إلا ركعتين أو ثلاثا أو أربعا، وكلهم أجمعوا أن الوتر لا يكون اثنتين ولا أربعا، فثبت أنه ثلاث. وإن كان سنة فإنا لم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض منه [.....] الفرض لم نجد منه إلا المغرب، وهو ثلاث فثبت أن الوتر ثلاث وهذا حسن جيد، وقد ذكر الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " من جملة الترجيحات أن يكون الحديث موافقا للقياس دون الآخر فيكون المعدول عن الثاني إلى الأول متعينا. م: (وحكى الحسن) ش: أي البصري م: (إجماع المسلمين على الثلاث) ش: يعني لا يفصل بينهن بسلام، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا حفص ثنا عمرو عن الحسن قال: أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، وأوتر سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بركعة فأنكر عليه ابن مسعود، وقال: ما هذه البتيراء التي لا نعرفها على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وفي " المبسوط " عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما رأى سعدا يوتر بركعة فقال: ما هذه البتيراء لتشفعنها أو [لأدبنك] . «وعن عبد الله بن قيس قال: قلت لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: بكم كان رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوتر، قالت: بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأقل من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة» رواه أبو داود، فقد نصت على الوتر بثلاث ولم يذكر الوتر
وهذا أحد أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول: يوتر بتسليمتين وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبواحدة، فدل على أنه لا اعتبار للركعة البتيراء. وقال النووي: وقال أصحابنا لم يقل أحد من العلماء أن الركعة الواحدة لا تصح الإتيان بها إلا أبو حنيفة والثوري ومن تابعهما. قلت: عجبا للنووي كيف نقل هذا النقل الخطأ ولا يرده مع علمه بخطئه، وقد ذكرنا عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنه يوتر بثلاث ولا يجزيه الركعة الواحدة، وروى الطحاوي عن عمر بن عبد العزيز أنه أثبت الوتر بالمدينة بقول الفقهاء ثلاثا لا يسلم إلا في آخرهن، واتفق الفقهاء بالمدينة على اشتراط الثلاث بتسلمية واحدة، تبين لك خطأ نقل الناقل اختصاص ذلك بأبي حنيفة والثوري وأصحابهما. فإن قلت: ما تقول في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة. قلت: معناه مفصلة بما قبلها، ولهذا قال في قوله توتر لك ما قبلها، ومن يقتصر على ركعة واحدة كيف يوتر له ما قبلها وليس قبلها شيء. فإن قلت: روي أنه قال: «من شاء أوتر بركعة ومن شاء أوتر بثلاث أو بخمس» . قلت: هو محمول على أنه كان قبل استقرارها؛ لأن الصلوات [الغير] المستقرة لا عبرة في أعداد ركعاتها، وكذا قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كان يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، يعارضه» وما روى ابن ماجه عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه «كان يوتر بسبع أو بخمس لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام» فيحمل على أنه كان قبل استقرار الوتر. م: (وهذا) ش: أي الإيتار بثلاث ركعات بتسليمة واحدة م: (أحد أقوال الشافعي) ش: المنقول عنه ثلاثة أقوال: الأول: كقولنا أشار إليه بقوله: وهذا أحد أقوال الشافعي. والثاني: يوتر بتسليمتين أشار إليه بقوله م: (وفي قول يوتر بتسليمتين) ش: يعني يصلي ثلاث ركعات ولكنه يسلم بتسليمتين. والقول الثالث: هو بالخيار إن شاء أوتر بركعة أو ثلاث بتسلمية واحدة وقعدة واحدة. وذكر القدوري في " شرحه لمختصر الكرخي " وعند الشافعي إن شاء أوتر بركعة أو بثلاث وهو أفضل أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة. م: (وهو قول مالك) ش: أي الإيتار بتسليمتين قول مالك. قلت: تحقيق مذهب الشافعي ما ذكره في " الروضة " الوتر سنة ويحصل بركعة وبثلاث وبخمس وبسبع وبتسع وبإحدى عشرة فهذا أكثر على الأصح. وعلى الثاني: أكثره بثلاث عشرة ولا تجوز الزيادة على أكثره على
والحجة عليهما ما رويناه، ويقنت في الثالثة قبل الركوع. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعده لما «روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في آخر الوتر» وهو ما بعد الركوع. ولنا ما «روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت قبل الركوع» ـــــــــــــــــــــــــــــQالأصح فإن زاد لم يصح وتره، فإن زاد على ركعة فأوتر بثلاث موصولة، والصحيح أن له أن يتشهد واحدة في " الذخيرة " وله تشهد آخر في الذي قبلها، وإذا أراد أن يوتر بثلاث فهذا الأفضل فصلها بسلامين أو وصلها بسلامين أو وصلها بسلام فيه أوجه أصحها الفصل أفضل، والثاني الوصل، والثالث إن كن منفردا بالفصل وإن كان صلاها جماعة فالوصل، ومذهب مالك ما ذكره في " الجواهر " ثم الوتر ركعة واحدة وهي سنة، ومذهب أحمد ما ذكره في " حاويهم " الوتر سنة، وقال أبو بكر: يجب وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين أو سردا بسلام كالمغرب. م: (والحجة عليهما ما رويناه) ش: أي الحجة على الشافعي ومالك فيما ذهبا إليه ما رويناه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (ويقنت في الثالثة) ش: أي في الركعة الثالثة م: (قبل الركوع) ش: وهو محكي عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وابن أبي ليلى ومالك وإسحاق وابن المبارك، وحكاه ابن المنذر عن الصديق وابن جبير، وقال أيوب السختياني وابن حنبل: هما جائزان، وعن طاوس أنه قال: القنوت في الوتر بدعة، وهو مردود، وبقولنا قال ابن شريح من الشافعية. م: (وقال الشافعي: بعده) ش: أي يقنت بعد الركوع، وهو الصحيح من مذهبه وبه قال أحمد، وفي " شرح الإرشاد " لا نص عن الشافعي فيه، ولكن قال أصحابه ينبغي أن يكون بعد الركوع، وقال بعض أصحاب الشافعي: يخير بين التقديم والتأخير م: (لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في آخر الوتر» ش: هذا رواه الدارقطني في " سننه " من حديث سويد بن غفلة قال: «سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يقولون: قنت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في آخر الوتر، وكانوا يفعلون ذلك» ولم أر أحدا من الشرح بين هذا الحديث ولا نسبه إلى أحد من الصحابة م: (وهو ما بعد الركوع) ش: هذا من كلام المصنف وليس في الحديث. م: (ولنا ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت قبل الركوع» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخرج حديثه النسائي وابن ماجه عنه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوتر فيقنت قبل الركوع» هذا لفظ ابن ماجه، ولفظ النسائي «كان
[أحكام القنوت في الصلاة]
وما زاد على نصف الشيء فهو آخره، ويقنت في جميع السنة ـــــــــــــــــــــــــــــQيوتر بثلاث يقرأ في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، ويقنت قبل الركوع» . وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأخرج حديثه ابن أبي شيبة في " مصنفه " والدارقطني في " سننه " عنه «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في الوتر قبل الركوع» وفي سنده أبان ابن أبي عياش متروك، وأخرج الخطيب نحوه وسكت عنه. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وخرجه الحافظ أبو نعيم في كتاب " الحلية " عنه قال: «أوتر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بثلاث قنت فيها قبل الركوع» وقال: غريب. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأخرجه الطبراني في " معجمه الأوسط " عنه «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع» ، وروى الطبراني أيضا في " معجمه الأوسط " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يوتر بثلاث» وعن الأسود قال: كان عبد الله بن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركوع، وفي لفظ: كان لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركوع. وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع. م: (وما زاد على نصف الشيء فهو آخره) ش: هذا جواب عما رواه الشافعي إن قنت في آخر الوتر، وتقريره أن ما زاد على نصف الشيء فهو آخره. قال الأكمل: وسكت عن بيانه. قلت المراد هو الآخر حكما؛ لأن الآخر الحقيقي هو ما بعد التشهد، وليس هذا بمراد بالإجماع. وقال تاج الشريعة: إن آخره قد يكون قبل الركوع، وما رواه يكون محتملا لما قبل الركوع وبعده، وما رويناه محكم، فيحمل المحتمل على المحكم. [أحكام القنوت في الصلاة] م: (ويقنت في جميع السنة) ش: وهو قول عبد الله بن مسعود والحسن والنخعي وابن المبارك وإسحاق وأبي ثور، ورواية منصور عن ابن حنبل. وقال الثوري وهو قول جماهير أصحاب الشافعي، وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأخير من رمضان، وعن ابن عمر: ولا يقنت في وتر ولا صبح بحال.
خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير النصف الأخير من رمضان «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن بن علي حين علمه دعاء القنوت: " اجعل هذا في وترك من غير فصل» . ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (خلافا للشافعي في غير النصف الأخير من رمضان) ش: مذهب الشافعي القنوت فيه في النصف الأخير من رمضان، وقيل: في جميع السنة لقول الجماعة، والصحيح من مذهبه اختصاص الاستحباب بالنصف الثاني من رمضان، وفي " الروضة ": لنا وجه آخر يقنت في جميع شهر رمضان، ووجه أنه يقنت في جميع السنة ونص الشافعي النصف الأخير سنة، وفي النهار، واختلف أصحاب الشافعي فقيل: يجوز أن يقنت بلا كراهة، وقيل يستحب، وقال جمهور أصحابه: الاستحباب يختص بالنصف الأخير من رمضان، وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان، وقال قوم: في النصف الأول من رمضان، وعند مالك القنوت مستحب ومحله صلاة الصبح. وقال قوم: يقنت في كل صلاة، وقال الطحاوي: لم يقل بالقنوت في النصف الأخير من رمضان إلا الشافعي والليث. قلت: ذكر ابن قدامة في " المغني " روي عن علي وأبي وابن سيرين وأحمد ومالك في رواية مثل قول الشافعي. م: «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين علمه دعاء القنوت: اجعل هذا في وترك من غير فصل» ش: دعاء قنوت الوتر أخرجه الأربعة عن أبي الحوراء «عن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: " علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمات أقولهن في الوتر، وفي لفظ في قنوت الوتر: " اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل ربنا من واليت، تباركت ربنا وتعاليت» . قال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان، ولا نعرف عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في القنوت شيئا أحسن من هذا. ورواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " وسكت عنه، ورواه البيهقي في " سننه " وزاد في روايته بعد واليت ولا يعز من عاديت وزاد النسائي في روايته تباركت [ربنا] وتعاليت، وصلى الله على النبي عليه وسلم. وفي رواية بعد قوله: " تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ": " لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنك رؤوف رحيم، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، واغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الراحمين، أعوذ بعفوك من عقابك، وبرضاك من سخطك، ولا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ". واستدل أصحابنا بهذا الحديث أن المستحب للقانت في الوتر أن يقنت بهذا الدعاء، وأما استدلال المصنف بقوله اجعل هذا في وترك من غير فصل فليس له وجود في هذا الحديث، فعجبي كل العجب أن أحدا من الشراح لم يتعرض لهذا، بل كلهم سكتوا خصوصا الأترازي حيث يقول: لنا «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن حين علمه دعاء القنوت: " اجعل هذا في وترك» فدل على القنوت من جميع السنة؛ لأنه لم يقيد بوقت دون وقت، وكذلك الأكمل قال نحوه. 1 - وقال صاحب " الدراية ": ولنا حديث تعليم الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور في المتن وليس كل منهما شفى العليل ولا روى الغليل؛ لأن الحديث غاية ما في الباب يدل على أن مما يدعى به في الوتر ما علمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يدل ذلك على استحباب قراءته في جميع السنة ولا يرضى به الخصم أن يكون هو حجة لنا عليه، واستدل لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بحديث أخرجه الأربعة عن علي ابن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول في آخر وتره: " اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.» قال الترمذي: حديث حسن. قلت: وجه الاستدلال به إن كان يقتضي الدوام فيدل على أنه كان يقنت به في جميع السنة، ومن ادعى غير ذلك فعليه البيان، وروي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما كانا يقنتان في جميع السنة، ولأن القنوت من سنن الوتر فلا يختص ببعض الأزمان كسائر السنن. فإن قلت: أخرج أبو داود عن الحسن أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر يعني رمضان ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني، فإذا كان العشر الأواخر تخلف وصلى في بيته، وأخرجه أيضا عن هشام عن محمد بن سيرين عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم يعني في رمضان فكان يقنت في النصف الأخير من رمضان. وأخرج ابن عدي في " الكامل " عن أبي عاتكة طريف بن سليمان عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في النصف من رمضان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: في الطريق الأول لأبي داود انقطاع؛ لأن الحسن لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي الثاني مجهول. وقال النووي: الطريقان ضعيفان، وفي حديث ابن عدي أبو عاتكة وهو ضعيف. وقال البيهقي: هذا حديث لا يصح إسناده. وقال الأترازي: فإن قلت: أبي بن كعب كان يؤمهم في رمضان وكان لا يقنت إلا في النصف الأخير، قلت: تقليد الصحابي عند الشافعي لا يجوز فكيف تجعل فعل أبي حجة علينا. قلت: الشافعي يورد هذا علينا؛ لأنا نقلد الصحابي. والجواب المخلص ما ذكرناه. ثم قال أيضا فإن قلت: لا نقلد أيضا بل نستدل بالإجماع؛ لأن أبيا كان يؤم بحضرة الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع، قلت: لا نسلم الإجماع ألا ترى إلى ما ذكره الطحاوي من أن هذا القول لم يقل به أحد إلا الشافعي والليث بن سعد.. إلخ. قلت: هذا يدل على عدم إطلاعه في هذا الفن كما ينبغي؛ لأنا قد ذكرنا عن قريب أنه روي عن علي وأبي وابن سيرين وأحمد ومالك كما روي عن الشافعي، وقد جاء في دعاء القنوت وجوه كثير منها ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول بعد الركوع: " اللهم اغفر لنا وللمؤمنين وللمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن الكفرة من أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسولك، ويقاتلون أوليائك، اللهم خالف بين كلمتهم، وأزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ". وفي رواية: " ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله "، وفي رواية: " ونتوب إليك ثم نتوكل عليك، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق "، وفي رواية بعد قوله: " ولا نكفرك ": " نخنع لك» ونخلع، ومعنى نخنع بالنون في غير الفعل نتواضع. 1 - أما التسمية في القنوت فعلى قول ابن مسعود أنهما سورتان من القرآن عنده، وأما على قول أبي بن كعب فإنهما ليستا من القرآن وهو الصحيح فلا حاجة إلى التسمية، وبه أخذ عامة العلماء، ولكن الاحتياط أن يجتنب الحائض والنفساء والجنب عن قراءته. ثم لنتكلم ما في هذه الأحاديث من الألفاظ المحتاجة إلى البيان. فقوله عن الحوراء بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبعدها راء مهملة [وألف] ممدودة، وقد ذكرنا اسمه. قوله فيمن هديت أي فيمن هديتهم، وحذف المفعول كثير في الكلام لأنه فضلة، وكذلك حذف في بقية
[القراءة في صلاة الوتر]
ويقرأ في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب وسورة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالألفاظ الدالة على الخطاب، وروي اللهم اهدنا بنون الجمع وكذلك في سائر الألفاظ الدالة على الإفراد. قوله وقني أي احفظني، وأصله من وقى يقي والأمر ق، وعلى الأصل أوق. قوله: أنه أي أن الشأن، قوله لا يذل بفتح الياء ومن واليت فاعله، أي ومن واليته، والمعنى لا يذل من كنت له وليا حافظا ناصرا. قوله تباركت أي تعاظمت، قوله ربنا أي ربنا، قوله ونحفد بالدال المهملة من باب ضرب يضرب، أي شرع في العمل والخدمة، وأصل الحفد الخدمة والعمل، والحفدة الخدم جمع حافد، وفي " الصحاح " ولد الولد، ورجل محفود أي مخدوم. وقال الأصمعي: أصل الحفد مقاربة الخطو، وعن ابن مسعود الحفدة الأنصار، وفي " الكافي " ولو قال ونحفذ بالذال المعجمة تفسد صلاته. قوله ملحق بفتح الحاء وكسرها والكسر أفصح. [القراءة في صلاة الوتر] م: (ويقرأ في كل ركعة من الوتر فاتحة الكتاب) ش: قراءة الفاتحة في كل ركعة من الوتر واجبة بالإجماع، أما عند أبي يوسف ومحمد وعند الشافعي ومن معهم فلأنه نفل، وأما عند أبي حنيفة وإن كان واجبا لثبوته بخبر الواحد وفيه شبهة فيقرأها في كله للاحتياط م: (وسورة) ش: أي ويقرأ سورة مطلقة غير متعينة. كما قال الشافعي: إنه يقرأ في الأولى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1] ، وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وفي كتب الشافعية أنه يقرأ في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قرأ كذلك، وقد بين المصنف أن السورة لا تتعين بقوله م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] ش: (المزمل: الآية 20) ، وهذا التيسر متى عين فيه سورة ينقلب إلى العسر، والآية عامة في الوتر وغيره، ولأن درجة الوتر لا تربو على درجة المكتوبة ولم يتوقت فيها شيء سوى الفاتحة فكذا هذا. ومذهب مالك كمذهبنا كذا ذكره في المجموع، وخصص القاضي في " المعونة " الأولى بسبح، والثانية ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] والوتر ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال في " الذخيرة ": وهو قول أبي حنيفة. قلت: نقله عنه غلط، وعن مالك اقرأ في الوتر ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين، وأما الشفع فلم يبلغني فيه شيء، واحتجوا في ذلك بما روى ابن ماجه عن عائشة «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين» . وروى أبو داود عن أبي بن كعب قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يوتر ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وقل للذين كفروا، والله الواحد الصمد، قلت: أراد بقل للذين كفروا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] »
وإن أراد أن يقنت كبر؛ لأن الحالة قد اختلفت ورفع يديه وقنت؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» وذكر منها القنوت: ـــــــــــــــــــــــــــــQ، وأراد بقوله والله الواحد الصمد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يدل على ذلك رواية النسائي وابن ماجه، وفي روايتهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] . وقال ابن قدامة: وحديث عائشة في هذا لا يثبت. قلت لا يفهم منها التعيين ولكن يتبرك بها فقرأها لكان حسنا، وقال الأترازي إذا لم يفعل ذلك بطريق المواظبة. قلت: إذا كان قصده التبرك يكون حسنا سواء واظب عليها أو لا؛ لأن مواظبته لا تثبت الوجوب، وذكر الأسبيجابي أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر بفاتحة الكتاب وسورة معها، ولو قرأ فيه بسبح و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مع الفاتحة ولم يرها حتما بل خصصهما للتبرك والاقتداء بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يكره. وفي " التحفة " إن فعل ذلك أحيانا كان حسنا. م: (وإذا أراد أن يقنت كبر) ش: يعني مصلي الوتر إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة كبر، خلافا لبعض أصحاب الشافعي. وقال أحمد: إذا قنت قبل الركوع كبر ثم أخذ في القنوت. قال في " المغني " لابن قدامة، وقد روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان إذا فرغ من القراءة كبر، ومن يقنت بعد الركوع يكبر حين يركع، ونقل عن المزني أنه قال: زاد أبو حنيفة تكبيرة في القنوات لم تثبت في السنة ولا دل عليها قياسه، وقال أبو نصر الأقطع: هذا خطأ منه، فإن ذلك روي عن علي وابن عمر والبراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والقياس يدل عليه أيضا، وأشار إليه المصنف بقوله م: (لأن الحالة قد اختلفت) ش: أي لأن حالة المصلي قد اختلفت؛ لأنه كان في حالة قراءة القرآن ثم ينتقل إلى حالة قراءة القنوت والحالتان مختلفتان، والتكبير في الصلاة عند اختلاف الحالة مشروع كما في حال الانتقال من القيام إلى الركوع ومن القومة إلى السجود. فإن قلت: كان ينبغي أن يكبر بين الثناء والقراءة لاختلاف الحالة. قلت: الثناء مكمل للتكبير؛ لأنه يجانسه لكونه ثناء، وأما القنوت فواجب فيفرد بحكم على حدة، ولأن رفع اليد ثبت بالحديث الذي يأتي الآن وأنه غير مشروع بلا تكبير كما في تكبيرة الافتتاح وتكبيرات العيدين. م: (ورفع يديه وقنت) ش: رفع يده كما في تكبيرة الافتتاح إعلاما للأصم، وللشافعي في رفع اليدين في القنوت وجهان، أحدهما الرفع ذكره في " الوسيط " وأظهرهما ما ذكره في " التهذيب " أنه لا يرفع، وبه قال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وهو اختيار القفال وإمام الحرمين ولو قلنا: إنه يرفع هل يمسح بهما وجهه؟ في " التهذيب " أصحهما: أنه لا يمسح م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» ش: [التعليل لقوله " رفع يديه "] أي رفع يديه بعد فراغه من القراءة ثم قنت، والحديث المذكور يدل على أن الركعة الثالثة من الوتر بعد الفراغ عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالقراءة، رفع اليدين أشار إليه بقوله م: (وذكر منها القنوت) ش: أي ذكر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من السبعة المذكورة التي ترفع فيها الأيدي عند تكبيرة القنوت. وقد تقدم الحديث في باب صفة الصلاة بما فيه من الكلام مستوفى، وقد ذكرنا هناك أنه ليس فيه ذكر القنوت فيما رواه البخاري مطلقا والبزار والطبراني، وإنما ذكر تكبيرة القنوت وقع فيما ذكره [هكذا مطلقا غريب، واستدل به هاهنا بناء على ما ذكره] المصنف هناك ولم ينبه عليه أحد من الشراح غير أن السغناقي أطال الكلام هاهنا من غير تفتيش عن كيفية الحديث المذكور، بني أكثر كلامه على ما ذكره المصنف وغيره، فقال: ولنا أن الآثار لما اختلفت في فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تحاكما إلى قوله وهو الحديث المشهور أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن، ثلاثة في الصلاة، وأربعة في الحج، أما الثلاثة فتكبيرة الافتتاح، وتكبيرات العيدين، وتكبيرة القنوت، وأما الأربعة فعند استلام الحجر، وعند الصفا والمروة، وفي الموقفين، وعند الجمرتين وعند المقامين» ، والمتنازع فيه خارج عن السبع إلى آخر ما ذكره المصنف. قلت: أراد بالمتنازع فيه رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه، وفي قوله وهو الحديث المشهور نظر، ولئن سلمنا ذلك (فعل) رفع اليدين عند تكبيرة القنوت ليس في الحديث المذكور كما ذكرنا في باب صفة الصلاة، ثم قال هاهنا أعني في باب صفة الصلاة. فإن قلت: بعد حصر رفع اليدين في الحديث [المذكور] بالمواضع السبعة فما وجه رفع اليدين عند كل دعاء. قلت: يذكر جواب هذا في باب الوتر، فقال: الوتر. فإن قلت: هذا الحديث يقتضي انحصار جواز رفع الأيدي في هذه المواضع السبعة؛ لأنه ذكر حرمة الرفع عاما ثم استثنى منه المواضع السبعة، فبقي وراءها تحت عموم الحرمة ضرورة حتى استدل بهذه أصحابنا على حرمة رفع اليدين عند الركوع، وعلى ما ذكر في الكتاب في باب صفة الصلاة لكونها فيما وراء السبعة، ثم عمل الأئمة على خلاف هذا فإنهم يرفعون أيديهم في مواضع الأدعية كلها وإن لم تكن هي من المواضع السبعة، فما وجهه؟ وأجاب عن هذا بما ملخصه أنه وجد رواية عن السيد السمرقندي في كتابه " المستخلص " أنه قال: آداب الدعاء عشرة: أي إن قام يدعو يستقبل القبلة ويرفع يده بحيث يرى بياض إبطيه، قال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن ربكم حيي كريم فيستحي من عبده إذا رفع يده أن يردها صفرا» ، وكذا ذكره ركن الإسلام محمد بن أبي بكر في شرعة الإسلام في فضل سنن الدعاء بعد ذكره شرائط كثيرة ويبدأ بالدعاء لنفسه ويرفع يديه إلى المنكبين ويجعل باطن كفيه مما يلي وجهه، ولم يقنع بهذا حتى وجه رواية في " المبسوط "
[القنوت في الوتر]
ولا يقنت في صلاة غيرها، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفجر، لما «روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في صلاة الفجر شهرا ثم تركه» . ـــــــــــــــــــــــــــــQو " المحيط " عن أبي يوسف أنه قال: إن شاء رفع يديه في الدعاء، وإن شاء أشار بإصبعيه؛ لأن رفع اليد عندنا في الدعاء سنة والاستسقاء ليس من تلك المواضع السبعة، واعلم أن رفع الأيدي في غير تلك المواضع جائز. ثم وجد ما ذكر من الحديث على وجه الانحصار، أي لا ترفع الأيدي على وجه السنن الأصلية التي هي سنة الهدى إلا في هذه المواضع، وأما في سائر المواضع إنما لترفع في الدعاء على أنه من الآداب والاستحباب والاتباع بالآثار لا على سنة الهدى. قلت: هذا الجواب غير مخلص؛ لأن رفع الأيادي في المواضع السبعة إذا كان من سنن الهدى فتركها يكون ضلالا، وتاركها يكون مبتدعا ولم يقل أحد بذلك. وفي " المبسوط " عن محمد بن الحنفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الدعاء أربعة، دعاء رغبة، ودعاء رهبة، [ودعاء تضرع، ودعاء خفيه، ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء، وفي دعاء الرهبة] يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء، وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى، ويشير بالسبابة، ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه، وعلى هذا قال أبو يوسف في " الإملاء " يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيد، ويستقبل بباطن كفيه السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند الجمرتين؛ لأنه يدعو في هذه المواقف بدعاء الرغبة. [القنوت في الوتر] م: (ولا يقنت في صلاة غيرها) ش: أي في غير الوتر، أنث الضمير باعتبار الصلاة م: (خلافا للشافعي في الفجر) ش: فعنده السنة أن يقنت في صلاة الفجر بعد الركوع وبه قال مالك، غير أنه قال يقنت قبل، وعند أحمد أن القنوت للأئمة يدعون للجيوش. وقال أبو نصر البغدادي: قال الشافعي: القنوت في الفجر سنة وفي بقية الصلوات إن حدثت حادثة بالمسلمين، وإن لم يحدث فله قولان. وقال أبو نصر: أيضا كان القنوت بعد الركوع في صلاة الفجر وقد نسخ القنوت فيها. قال: فإن قيل: ما بعد الركوع محل الدعاء بدليل أنه يقول سمع الله لمن حمده، فكان محلا للقنوت لأنه دعاء. قيل له ما قبل الركوع أولى لأنه محل للقراءة والركوع وما بعده ليس محلا للقراءة، ودعاء القنوت يشبه القرآن، وقد ذكر أنه في مصحف ابن مسعود وأبي، فكان ما قبل الركوع أولى به وأشبه، ولأن في تقديمه إحراز الركعة في حق المسبوق فكان أولى. م: (لما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في صلاة الفجر شهرا ثم تركه» ش: هذا الحديث حجة لنا على الشافعي، رواه [البزار] في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن أبي شيبة في " مصنفه " والطحاوي في " الآثار " كلهم من حديث شريك القاضي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعن أبي حمزة ميمون القصاب عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: «لم يقنت رسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الصبح إلا شهرا ثم تركه لم يقنت قبله ولا بعده» . وجه الاستدلال به أنه يدل على أن قنوت رسول الله في الصبح إنما كان شهرا واحدا، وكان يدعو على أقوام، ثم تركه فدل على أن كان ثم نسخ. وقال الطحاوي: ثنا ابن أبي داود المقدمي ثنا أبو معشر ثنا أبو حمزة [ميمون القصاب] عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: «قنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهرا يدعو على عصية وذكوان، فلما نهي عنهم ترك القنوت» وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاته به، ثم قال: فهذا ابن مسعود يخبر أن قنوت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان إنما كان من أجل من كان يدعو عليه، وأنه قد كان ترك ذلك فصار القنوت منسوخا، فلم يكن هو من بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقنت، وكان أحد من روى أيضا عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم أخبرهم أن الله عز وجل نسخ ذلك حتى أنزل على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] (آل عمران: الآية 128) ، فصار ذلك عند ابن عمر منسوخا أيضا فلم يكن هو يقنت بعد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وكان ينكر على من يقنت، وكان أحد من روى عنه القنوت عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عبد الرحمن ابن أبي بكر فأخبر في حديثه بأن [ما] كان يقنت به رسول الله دعاء على من كان يدعو عليه، وأن الله عز وجل نسخ ذلك بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران: 128] الآية، ففي ذلك أيضا وجوب ترك القنوت في الفجر. 1 - فإن قلت: [قد] ثبت عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقنت في الصبح بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فكيف تكون الآية ناسخة لجملة القنوت، وكذا أنكر البيهقي ذلك فبسط فيه كلاما في كتاب " المعرفة "، فقال: وأبو هريرة أسلم في غزوه خيبر وهي بعد نزول الآية بكثير لأنها نزلت في أحد، وكان أبو هريرة يقنت في حياته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبعد وفاته. قلت: يحتمل أن يكون أبو هريرة لم يعلم بنزول الآية، فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقنوته إلى أن مات؛ لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، [ألا ترى] أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لما علما بنزول الآية وعلما بكونها ناسخا لما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعل ترك ذلك. فإن قلت: روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن البراء بن عازب أن «النبي عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلام كان يقنت في صلاة الصبح وصلاة المغرب» وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، عن أبي هريرة قال: والله لأقربن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين: قلت: كل ما جاء من القنوت في الصلوات الفرض قد نسخ على ما بينا، وكيف تستدل الشافعية بهذا وهم لا يرون القنوت في المغرب فيعملون ببعض الحديث ويتركون بعضه وهذا تحكم. فإن قلت: روى عبد الرزاق في " مصنفه "، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك: قال «مازال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا» ومن طريقه رواية الدارقطني في " سننه " وإسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: «قال رجل لأنس بن مالك: أقنت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شهرا يدعو على حي من أحياء العرب، قال فزجره أنس بن مالك، وقال: مازال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا» قال إسحاق وقوله ثم تركه يعني تركه تسمية القوم في الدعاء، ورواه الحاكم في " مستدركه " وصححه، ورواه البيهقي عن الحاكم بسنده ومتنه وسكت عنه، قال: وله شواهد عن أنس ذكرها في " سننه ". قلت: قال صاحب " التنقيح على التحقيق " هذا الحديث أجود أحاديثهم، وأبو جعفر الرازي وثقه جماعة وله طرق في كتاب " القنوت لأبي موسى المديني "، قال: وإن صح فهو محمول على أنه مازال يقنت في النوازل أو على أنه مازال يطول في الصلاة، فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة والقيام والخشوع والسكوت وغير ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120] (النحل: الآية 120) ، وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] (الزمر: الآية 9) ، وقال: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} [الأحزاب: 31] (الأحزاب: الآية 31) وقال: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي} [آل عمران: 43] (آل عمران: الآية 43) ، وقال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] (البقرة: الآية 238) ، وقال: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] (البقرة: الآية 116) ، وفي الحديث: " أفضل «الصلاة طول القنوت» ، وابن الجوزي ضعف الحديث المذكور في " التحقيق "، وفي " العلل المتناهية " وقال: هذا حديث لا يصح، قال أبو جعفر الرازي: اسمه عيسى بن ماهان قال ابن المديني كان يخلط، وقال يحيى: كان يخطئ، وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرا وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ورواه الطحاوي في " شرح الآثار " وسكت عنه إلا أنه قال: وهو معارض بما روي عن أنس «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنما قنت شهرا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه» . 1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ويعارضه أيضا ما رواه الطبراني في " معجمه "، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا شيبان بن فروخ ثنا غالب بن فرقد الطحاوي قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة، وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: «لم ير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قانتا في الفجر حتى فارق الدنيا» وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أحاديث الشافعية على أربعة أقسام: منها: ما هو مطلق، وأن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت وهذا لا نزاع فيه، لأنه ثبت أنه قنت. والثاني: مقيد بأنه قنت في صلاة الصبح [فيحمله على فعله شهرا بأدلتنا. الثالث: ما روي عن البراء بن عازب «أن النبي كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب» . رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، وقال أحمد: لا يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث. الرابع: ما هو صريح في حجتهم، نحو ما رواه عبد الرزاق في " مصنفه "، وقد ذكرناه الآن، قال: وقد أورد الخطيب في كتابه الذي صنفه في القنوت أحاديث أظهر فيها تعصبه. فمنهما: ما أخرجه عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك قال: «مازال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في صلاة الصبح حتى مات» قال وسكوته عن القدح في هذا الحديث، واحتجاجه به وقاحة عظيمة وعصبية باردة وقلة دين؛ لأنه يعلم أنه باطل، قال ابن حبان: دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها، فواعجبا للخطيب أما سمع في " الصحيحين ": «من حدث علي حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» ، ثم ذكر له أحاديث أخرى كلها عن أنس «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزل يقنت في الصبح حتى مات» وطعن في أسانيدها. قلت اختلفت الآثار والأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم مثل هذا حجة. فإن قلت: حديث المصنف فيه أبو حمزة القصاب، قال ابن حبان: كان فاحش الخطأ كثير الوهم يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وتركه أحمد ويحيى بن معين. قلت: رضي به الطحاوي حيث استدل بحديثه وهو إمام جهبذ لا ينازع فيما يقوله، ولئن سلمنا فقد وردت أحاديث أخرى وإن كان بعضها ضعيفا، يقويه ويودعها الله ما شاء، منها ما روى ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن يعلى عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن ماتع عن أبيه عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن القنوت في صلاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصبح» . ومنها: ما روي «عن ابن عمر أنه ذكر القنوت فقال: إنه لبدعة ما قنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير شهر واحد ثم تركه» رواه بشر بن حرب عنه، وقال البيهقي: وهو ضعيف، وقال الذهبي: وبعضهم قواه واحتج به النسائي. ومنها: ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه «عن أبي مالك الأشجعي، قلت: يا أبت أليس قد صليت خلف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وخلف أبي بكر وعمر؟ قال: بلى، قلت: فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: يا بني محدث» وأبو مالك الأشجعي. روى عن أبيه طارق بن أشيم، قال البيهقي: طارق الأشجعي ما حفظه من غيره، قلت حفظه فالحكم له، وقال الذهبي: لا منافاة بينهما، بل يدل على أنهم كانوا يقنتون ويتركون إذا كان لا يستدعي دوام العقد، وخبر طارق صححه الترمذي. ومنها: ما رواه البيهقي عن أبي مجلز قال: صليت مع ابن عمر [صلاة] الصبح، فلم يقنت ثم قلت له: لا تقنت! فقال: ما أحفظ من أحد من أصحابنا، قال الذهبي: هذا صحيح عن ابن عمر، وكونه مع فرط متابعته واعتنائه بالأثر [......] لم يحفظه يدل على ترك مداومة ذلك، وقال البيهقي: نسيان بعض الصحابة أو غفلته عن بعض السنن لا يقدح في رواية من حفظ وأثبت، وقال الذهبي: نسيان ابن عمر لذلك كالمستحيل؛ لأنه يستمر على صلاة الصبح دائما، وكان ملازما للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وصاحبيه، شديد الاتباع. فإن قلت: ذكر الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " اختلف الناس في قنوت الفجر، فذهب إليه أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار إلى يومنا، فروي ذلك عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ثم عمار بن ياسر وأبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد الساعدي، ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي، وسويد بن غفلة، وأبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ. ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والحسن، ومحمد بن سيرين، وأبان بن عثمان، وهشام، وقتادة، وطاووس، وعبيد بن عمير، والربيع بن خثيم، وأيوب السختياني، وعبيدة السلماني وعروة بن الزبيرِ، وزياد بن عثمان، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمر بن عبد العزيز، وحميد الطويل، وذكر جماعة من الفقهاء، ثم قال: وخالفهم طائفة من الفقهاء وأهل العلم [فمنعوه] وادعوا أنه منسوخ. قلت: قد ذكرنا النسخ ووجهه وكل من روى القنوت، وروى تركه ثبت عنده نسخه؛ لأن فعله للمتأخر ينسخ المتقدم، وقد صح أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يقنت في صلاة المغرب» كما في صلاة
.. .... .... .... .. ـــــــــــــــــــــــــــــQالفجر ثم انتسخ أحدهما بالاتفاق فكذلك الآخر. فإن قلت: تركه ليس فيه دلالة على نسخه؛ لأنه يجوز أن يكون تركه وعاد إليه، قد يدفع هذا ما روى أبو يعلى الموصلي بسنده عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد الله بن كعب، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده يدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار من قريش، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] (آل عمران: الآية 128) ، فما عاد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يدعو على أحد بعد» . ويؤيده ما أخرجه البخاري ومسلم عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أراد أن يدعو على أحد قنت بعد الركوع " وربما قال: سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف، يجهر بذلك حتى كان يقول في بعض صلاة الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب، حتى أنزل الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] الآية» . فإنه قلت: هذا كله يدل على أن المتروك [فعله] هو الدعاء على الكفار. قلت: حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[أنه]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يقنت في الفجر إلا شهرا ولم يقنت قبله ولا بعده يدل على نفيه بالكلية غير شهر واحد فافهم. ومن الدلائل عليه ما روي عن شيبان ثنا غالب بن فرقد، قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة ولو لم يثبت عنده النسخ لما تركه. وقال أبو زرعة: شيبان صدوق، وعن نافع «عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر وعثمان فلم يقنتوا» وصلى علقمة ومسروق والأسود وعمرو بن ميمون خلف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يقنت. 1 - فإن قلت: أخرج البيهقي عن طاوس قال: صليت خلف عمر الصبح فقنت. وعن عبيد بن عمير قال: سمعت عمر يقنت هاهنا في الفجر بمكة، ثم قال: هذه روايات صحيحة موصولة. قلت: كيف تكون صحيحة وفي أسانيدها محمد بن الحسن الروذباوي، قال ابن الجوزي في كتابه: قال البرقاني كان كذابا. قال الدارقطني: خلط الجيد بالرديء فأفسده، بل الروايات الصحيحة عن عمر أنه لم يقنت، فمنها «رواية أبي مالك الأشجعي، وقد ذكرناها. وروى ابن حبان في " صحيحه " والبيهقي أيضا عنه ولفظه: صليت خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يقنت وصليت
فإن قنت الإمام في صلاة الفجر يسكت من خلفه عند أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتابعه لأنه تبع لإمامه، والقنوت في الفجر مجتهد فيه. ولهما أنه منسوخ ولا متابعة فيه، ـــــــــــــــــــــــــــــQخلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني إنها بدعة» . ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا ابن أبي خالد عن أبي الصماء عن سعيد بن جبير أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يقنت في الفجر، ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أبي خالد، وفي " التهذيب " لابن جرير الطبري روى شعبة عن قتادة عن أبي الشعثاء عن ابن عمر مثله، وقال الشعبي: كان عبد الله لا يقنت، ولو قنت عمر لقنت عبد الله، وعبد الله يقول لو سلك الناس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا، لسلكت وادي عمر وشعبه، وقال إبراهيم وقتادة: لم يقنت أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حتى مضيا. وروى شعبة عن قتادة عن أبي مجلز. قلت: لابن عمر الكبير: ما يمنعك عن القنوت قال: لا أحفظه عن أحد، وقال قتادة: عن علقمة عن أبي الدرداء قال: لا قنوت في الفجر، وأخرج أبو مسعود الرازي في أصول السنة وجعل أول حديث من قال إن القنوت محدث وأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت شهرا ثم تركه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، ورواه الطبري عن ابن كريب، وسئل ابن عمر عن القنوت في صلاة الفجر فقال: لا والله لا نعرف هذا. وعن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: القنوت في صلاة الفجر بدعة، ذكره ابن منده، وقال الليث بن سعد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما قنت منذ أربعين عاما أو خمسة وأربعين عاما إلا وراء إمام يقنت، وقال: أحدث في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قنت شهرا أو أربعين يوما يدعو لقوم ويدعو على آخرين حتى أنزل الله عز وجل معاتبا {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الآية، فترك رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - القنوت فما قنت بعدها حتى لقي الله عز وجل قال: فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت. م: (فإن قنت الإمام في صلاة الفجر يسكت من خلفه عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أطلق ذكر الإمام يتناول الشافعي والحنفي وغيرهما، فمن قنت في صلاة الفجر م: (وقال أبو يوسف يتبعه) ش: أي: يتبع الإمام في قراءة القنوت م: (لأنه يتبع الإمام) ش: فلا يخالفه؛ لأن الأصل هو المتابعة م: (والقنوت في الفجر مجتهد فيه) ش: لأن بعض العلماء يرون القنوت في الفجر، لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قنت في الفجر على ما مر، فيه أحاديث كثيرة وبعضهم يقولون إنه منسوخ، وصار مجتهدا فيه فلا يترك بالشك م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي القنوت في الفجر م: (منسوخ) ش: وقد بينا وجهه مستوفى م: (ولا متابعة فيه) ش: أي في المنسوخ؛ لأن الاتباع
ثم قيل: يقف قائما ليتابعه فيما تجب متابعته. وقيل: يقعد تحقيقا للمخالفة؛ لأن الساكت شريك الداعي، والأول أظهر ودلت المسألة على جواز الاقتداء بالشفعوية، ـــــــــــــــــــــــــــــQفيه لا يجوز، ثم إذا لم يتابعه عندهما ماذا يفعل؟ فقد اختلفوا أشار إليه بقوله م: (ثم قيل يقف قائما) ش: أي يقف المقتدي حال كونه قائما ينتظر الإمام م: (ليتابعه بما تجب متابعته فيه) ش: وهو القيام. وقال قاضي خان: هو الصحيح. م: (وقيل يقعد تحقيقا للمخالفة) ش: أي لأجل التحقيق في مخالفته في المنسوخ م: (لأن الساكت شريك الداعي) ش: ألا ترى أن المقتدي وإن كان لا يأتي بالقراءة فهو شريك الإمام. فإن قلت: تحقيق المخالفة مفسد للصلاة، قلت: إنما يكون مفسدا إذا كان في ركن من أركان الصلاة أو شرائطها، فأما في غير ذلك فلا. فإن قلت: الساكت إذا كان شريك الداعي ينبغي أن لا يفصل؛ لأن السكوت موجود في القعود أيضا. قلت: السكوت إنما يكون دليل الشركة إذا لم توجد المخالفة وقد وجدت؛ لأنه قاعد والإمام قائم، وعلى الخلاف المذكور إذا كبر خمسا على الجنازة، فإذا لم يتابعه في الخامسة عندهما، قيل: يسلم ولا ينتظر الإمام؛ لأنه اشتغل بأمر غير مشروع لقبحها وهو الأصح أن يسكت ويتابع الإمام في السلام، ولم يذكر فيها أنه يقعد تحقيقا للمخالفة كما ذكر في القنوت. م: (والأول أظهر) ش: هو قول من قال يقنت قائما لأن الأصل المتابعة لا المخالفة، ولو قعد لخالفه فيما يجب متابعته م: (ودلت المسألة) ش: أي المسألة المذكورة، وهي اقتداء من لا يرى القنوت في صلاة الفجر بمن يراه فيها م: (على جواز الاقتداء بالشفعوية) ش: لأنه إذا لم يجز الاقتداء بمن يرى القنوت في الفجر وهو الشافعي ومن تابعه لا يصح اختلاف علمائنا بأن المقتدي يسكت خلفة أو يتابعه، وقوله بالشفعوية أي بالطائفة الشفعوية، وهو لمذهب جمع شفعوي في زعم القائل هذا، وفي ذيل المغرب ومن الخطأ الظاهر قولهم اقتداء حنفي المذهب بشفعوي وإنما الصواب شافعي المذهب في النسبة إلى الإمام الشافعي على حذف بالنسبة من المنسوب إليه؛ لأن الشافعي منسوب إلى جده شافع، والقاعدة أنهم إذا أردوا النسبة إلى شيء منسوب إلى آخر يحذفون ياء النسبة منه. وقال صاحب " المحيط ": وقال قاضي خان وغيرهم: إنما يصح الاقتداء بالشافعية إذا كان الإمام يحتاط في موضع الخلاف بأن كان لا ينحرف عن القبلة ويجدد الوضوء عند الفصد والحجامة ويغسل ثوبه من المني ولا يكون منقصا ولا شاكا في إيمانه، أي لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، بل يقطع بإيمانه من غير استثناء، قلت: هذا يرجع إلى أن يصير حنفيا والتعصب يوجب فسقه، والصلاة خلف الفاسق جائزة، والانحراف عن القبلة ليس من مذهب الشافعي، وإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQينسب ذلك إلى بعض الأمويين. وقال في " المحيط ": ولا يقطع وتره. وقال أبو بكر الرازي: يجوز اقتداء الحنفي بمن يسلم على الركعتين في الوتر ويصلي معه بقية الوتر؛ لأن إمامه لا يجزئه سلامه عنده لأنه مجتهد فيه، كما لو اقتدى بإمام قد رعف وهو يعتقد أن طهارته باقية؛ لأنه مجتهد فيه فطهارته باقية في حقه. وقيل لا يصح الاقتداء في الرعاف والحجامة وبه قال الأكثرون، وإن رآه احتجم ثم غاب فالأصح جواز الاقتداء به يجوز أن يتوضأ احتياطا وحسن الظن به أولى، شاهد [بثيابه] منيا ولو رآه ثم صلى، ولم يتوضأ، قيل: يصح الاقتداء به. وقيل: لا يصح كاختلافهما في جهة التحري فإنه يمنع في " الواقعات " الرائي في ثوب إمامه بولا أقل من قدر الدرهم، وهو يرى أنه لا يجوز الصلاة معه، والإمام يرى جوازها معه يعيد صلاته. وفي " المنهاج ": لو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد فالأصح الصحة في الفصد دون المس اعتبارا بنية المقتدي، وفي " الخرقي " المختلفون في الفروع تصح الصلاة خلفهم من غير كراهة. وقال ابن قدامة: ما لم يعلم أنهم تركوا ركنا أو شرطا، ولو اقتدى الحنفي بمن يرى الوتر سنة يجوز لضعف دليل وجوبه ذكره في " مختصر المحيط "، وفي جواز اقتداء الحنفي بالشافعي ذكر أبو الليث أنه لا يجوز من غير أن يطعن في دينهم. وفي " جامع الكردري " عن أبي حنيفة أن من عمل عملا من رفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس منه تفسد صلاته، وفي " الفوائد الظهيرية " فيه نظر، ومن شرط جواز اقتداء الحنفي بالشافعي أن لا يتوضأ بماء راكد يبلغ قلتين ووقعت فيه النجاسة وأن يغسل ثوبه من المني الرطب ويفرك يابسه وأن لا يقطع الوتر، وأن لا يراعي الترتيب، وأن لا يمسح ربع ناصيته، فإذا لم يعلم هذه الأشياء (يتعين) يجوز الاقتداء به ويكره، وأن يقف إلى القبلة مستويا ولا ينحرف انحرافا فاحشا. وفي " الخلاصة " والمراد بالانحراف الفاحش أن [لا] يتجاوز [....] وأن لا يكون شاكا في إيمانه، والشك في إيمانه أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله، أما لو قال: أنا أموت مؤمنا إن شاء الله يصلي خلفه. وفي " الحيلة ": صلى خلف حنفي أو مالكي يجوز إذا قرأ الفاتحة مع التسمية واعتدل في الركوع والسجود، وإن كان بخلاف هذا لا يجوز. وقال الأترازي: وقول من قال: أنا مؤمن إن شاء الله باطل؛ لأن التعليق مناف للوقوع كما في قوله لامرأته أنت طالق لا يقع الطلاق، وإنما هذا إذا كان حاصلا قبل التعليق فلا يصح التعليق؛ لأنه يكون في أمر مقدم على خطر الوجود، ألا ترى أن أحدا من العقلاء لا يقول هذه اسطوانة إن شاء الله؛ لأن الله قد شاء قبل ذلك، وإن لم يكن حاصلا يصح تعليقه ولا يصح إيمانه. فإن قال لا أريد التعليق بل أريد التبرك
وعلى المتابعة في قراءة القنوت في الوتر. وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجوز الاقتداء به، والمختار في القنوت الإخفاء؛ لأنه دعاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQكما في قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] (الفتح: الآية 27) ؛ لأن الله قد شاء قبل ذلك، فيرد عليه بأن التعليق ليس بمراد في الآية، بل التعليق مراد بعينه؛ لأنه عبارة عن توقيف أمر على أمر سيكون وكان دخولهم المسجد الحرام بصفة الأمن موقوفا على مشيئة الله تعالى، كما أن الطلاق موقوف على مشيئة الله في قوله أنت طالق إن شاء الله؛ لا أن الطلاق لا يقع لعدم العلم بمشيئة الله بخلاف دخول المسجد الحرام فإنه لما حصل حسب علمنا أن مشيئة الله قد وجدت أيضا قطعا ويقينا؛ لأن وجود المشروط يدل على وجود الشرط لأنه لا وجود له بدون الشرط. م: (وعلى المتابعة في قراءة القنوت في الوتر) ش: أي ودلت المسألة أيضا على جواز متابعة المقتدي الإمام في قراءة القنوت في الوتر يعني يقنت فيه كالإمام. قال قاضي خان: ومنهم من قال: يقنت الإمام جهرا ولا يقنت المقتدي، قال: والصحيح أنه يقنت لأن الاختلاف في الدعاء المنسوخ يدل على الاتفاق في القنوت المشروع بالطريق الأولى. م: (وإذا علم المقتدي منه) ش: أي من الإمام م: (ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره) ش: نحو ترك الوضوء في الخارج النجس من غير السبيلين م: (لا يجوز الاقتداء به) ش: لأنه رأى إمامه على خطأ يمنع اقتداءه به في زعمه، وقد بسطنا الكلام فيه عن قريب. م: (والمختار في القنوت الإخفاء لأنه دعاء) ش: والمسنون في الدعاء الإخفاء، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) ، ولم يذكر هذه في ظاهر الرواية، فعند أبي يوسف يجهر الإمام بالقنوت والمقتدي يخير إن شاء أمن، وإن شاء قرأ جهرا أو مخافتة. وعن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخفي الإمام والمقتدي بالقنوت؛ لأنه ذكر كسائر أذكار الافتتاح وتسبيحات الركوع والسجود. وقال بعضهم يحمله الإمام عن المقتدي كالقراءة، وفي " الحاوي " يجهر الإمام بالقنوت، وقيل يخافت، وقيل يتوسط بين الجهر والمخافتة. وعن محمد: أن الإمام والمأموم يجهران بالقنوت، وفي " نوادر ابن رستم " رفع الإمام والمأموم صوتهما في قنوت الوتر أحب إلي. وفي " المفيد ": قال مشايخنا: المؤتم يخفي القنوت حتما، والإمام لا يخفي حتى يسمع الناس، وقيل: إن كان القوم لا يعلمون القنوت يجهر الإمام به ليتعلموا منه وإلا يخفي. قال بعض الأصحاب: يجب أن يجهر به لشبهه بالقراءة. وفي " الحاوي ": ولم ير بعض أصحابنا التأمين ولا الإرسال، بل يرون وضع اليمين على الشمال، وفي " المبسوط " وهو الأصح، وعند المالكية لو ترك الجهر به سهوا سجد للسهو، وإن تعمد ففي بطلان وتره قولان، ذكره في
[حكم من أوتر ثم قام يصلي يجعل آخر صلاته وترا أم لا]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ" الذخيرة " للقرافي، وفي " القدوري ": يرسل يديه، وفي " الذخيرة " يرسل عندهما، ورواية عن أبي حنيفة وفي رواية عنه يضعهما، ومعنى الإرسال: أن لا يبسطها كما يفعله الداعي في حالة الدعاء، وعن أبي حنيفة أنه يشير بالسبابة من يده اليمنى فيه. وعن أبي يوسف: أنه يبسط في حال القنوت. 1 - فروع: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر، وبه قال الأكثرون وأحمد. وقال الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذكره عنه السيد الشريف صاحب " النافع " في مجموعه، وفي السابع إذا قنت الإمام في شهر رمضان تابعه القوم إلى قوله: ملحق، فإذا شرع في الدعاء قال أبو يوسف: يتابعونه؛ وقال محمد: يؤمنون على دعائه، وقيل: إن شاءوا سكتوا، ومن لا يحسن دعاء القنوت قال المرغيناني: يقول على وجه الاستحباب اللهم اغفر لي ثلاثا. وفي " الواقعات " و " الذخيرة ": اللهم اغفر لنا ثلاثا أو أكثر، وقيل: يقول يا رب ثلاثا ذكره في " الذخيرة "، وقيل: يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وهو اختيار بعض المشايخ. وفي " المرغيناني ": ولا يصلي على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي " المحيط " هذا عند بعضهم؛ لأنه ليس موضع الصلاة عليه، واختيار أبي الليث أن يصلي عليه ثم لا يصلي في القعدة الأخيرة. وقال محمد: ليس في القنوت دعاء مؤقت؛ لأنه إذا لم يؤقت في القرآن ففي الدعاء أولى، وفي " المحيط " و " الذخيرة ": يعني قول محمد ليس في القنوت دعاء مؤقت يعني غير قوله اللهم إنا نستعينك.. الخ، واللهم اهدنا.. الخ، وفي " جوامع الفقه ": قيل: المراد به خارج الصلاة، وفي " المبسوط ": ذلك في المناسك ولا في الصلوات، وأهل العراق يسمونها السورتين. وقال عبد الله بن داود: من لم يقنت بسورتين لا يصلى خلفه، وعند مالك يقنت بهما. وقال إسحاق والشافعي: يقنت بقوله: اللهم اهدني فيمن هديت.. إلخ، ولو بسط يديه بعد الفراغ منه ومسح بهما وجهه قيل: تفسد صلاته، ذكره في " جوامع الفقه "، وورد به حديث، رواه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول، وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا دعا يرفع يديه مسح بهما وجهه، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ذكر الحديثين في " المغني ". [حكم من أوتر ثم قام يصلي يجعل آخر صلاته وترا أم لا] 1 اختلف العلماء فيمن أوتر، ثم قام يصلي، هل يجعل آخر صلاته وترا أم لا؟ فكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذا عرض له ذلك صلى ركعة واحدة في ابتداء قيامه وأضافها إلى وتره ينقضه بها، ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر، والجمهور لا يرون نقض الوتر. وفي " جوامع الفقه ": لو ترك القعدة الأولى في الوتر جاز ولم يحك خلاف محمد. الوتر في رمضان بالجماعة أحب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفي اختيار أبي على النسفي، واختيار غيره أن يكون في منزله، وفي " المبسوط " و " المرغيناني ": ولا يصلي بالجماعة إلا في شهر رمضان. وفي " الذخيرة " الاقتداء في الوتر خارج رمضان جائز، قال: ذكره في النوازل وفي القدوري لا يجوز أي يكره. شك في القيام أنه في الثانية أو الثالثة يقنت في تلك الركعة بجواز أن تكون الثالثة ثم يقعد ويصلي أخرى ويقنت فيها أيضا احتياطا بجواز أنها الثالثة، المسبوق في الوتر في رمضان إن قنت مع الإمام لا يقنت ثانيا فيما يقضي. وفي الجامع الصغير أدرك الإمام في الثالثة من الوتر في شهر رمضان وقنت مع الإمام، روى الحسن أنه يقنت في الثالثة، وهو خلاف ما ذكر في كتاب الصلاة. وفي " أجناس الناطفي " لو شك أنه في الأولى أو الثانية والثالثة قال: يقنت في الركعة التي هو فيها احتياطا، وفي قول لا يقنت في الكل. وفي " الذخيرة " لو قنت في الأولى ساهيا أو الثانية لم يقنت في الثالثة؛ لأنه لا يتكرر، [ولو شك في الثالثة أنه قنت أو لا يجزئ فإن لم يحضره رأي قنت. وفي مختصر البحر] ولو شك أنها الأولى أو الثانية أو الثالثة يصلي ثلاث ركعات بثلاث قعدات ويقنت في الأولى لا غير في قول أئمة بلخ. وعن أبي حفص الكبير أنه يقنت في الثانية وبه قال النسفي، ولو شك أنها الثانية أو الثالثة يقنت في الركعتين عند أبي حفص والنسفي، بخلاف المسبوق حيث لا يقنت في الآخرة في القضاء. وفي " المبسوط " إن نسي القنوت فتذكر بعد الركوع لم يقنت لفوات محله، وإن تذكر في الركوع يعود إلى القيام ويأتي به، وفي رواية ثم يعيد الركوع؛ لفرضيته كتكبيرات العيدين ويأتي به في رواية، ثم يعيد الركوع؛ لفرضيته كتكبيرات العيدين والقراءة، كذا ذكر في " الذخيرة "، وفي رواية لا يعود إلى القيام، ويسقط القنوت ولا يجمع بين وترين في ليلة واحدة؛ لحديث طلق بن عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «لا وتران في ليلة» ، رواه الترمذي قال: حديث حسن غريب، ومعناه أن من صلى الوتر ثم صلى بعد ذلك لا يعيد الوتر، مقدار القيام في القنوت قدر سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] .
[باب النوافل]
باب النوافل السنة ركعتان قبل الفجر، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب النوافل] [عدد ركعات التطوع المرتبطة بالصلوات وكيفيتها] م: (باب النوافل) ش: أي هذا باب في بيان أحكام النوافل. ولما فرغ من بيان الفرائض والواجبات شرع في بيان النوافل، وهي أعم من السنن، فلذلك عبر بالنوافل ثم قدم أحكام السنن؛ لأنها أقوى من النوافل؛ لأنها جمع نافلة وهي الزيادة، ونافلة الصلاة الزيادة على المفروضة، ونافلة الرجل ولد ولده؛ لأنه زيادة على أولاده، والتنفل التطوع، والتطوع في الأصل فعل الطاعة، وفي الشرع والعرف مخصوص بطاعة غير واجبة، ومن ذلك قيل هما مترادفان، والنفل بسكون الفاء زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا، ووجود اشتقاقه يدل على الزيادة، وبفتح الفاء الغنيمة، وهو ما يجعله الإمام لبعض الجيش زيادة على ما يستحقه من ثباتها، ويجمع على أنفال، والنوفل: البحر والرجل الكثير العطاء، والواو زائدة للإلحاق ب [ ... ] فإن قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله خاصة؟ قلت وجود معنى الزيادة في كل منهما، لأن الوتر زائد على الفرائض على ما صرح به في الحديث إن الله زادكم صلاة. م: (السنة ركعتان قبل الفجر) ش: أي قبل صلاة الفجر بعد طلوعه، قدم ذكر السنة على النفل المطلق لقوتها، ثم بدأ بسنة الفجر لكونها أقوى من غيرها؛ لما روي عن عائشة في الصحيح. قالت: «لم يكن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على شيء من النوافل أشد تعهدا منه على ركعتي الفجر» وفي " سنن أبي داود ": «لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل» . فإن قلت: هذا يدل على وجوبها لأجل مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها، ولهذا ذكر المرغيناني عن أبي حنيفة أنها واجبة. وفي " جوامع المحبوبي " روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز. قلت: إنما لم يقل بوجوبها؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة، وقالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر، وذكر التمرتاشي في " الأمالي " ترك الأربع قبل الظهر والتي بعدها وركعتي الفجر لا يلحقه الإساءة إلا أن يستخف به، ويقول هذا فعل النبي وأنا لا أفعل، فحينئذ يكفر، وفي النوازل وفوائد الرستغفني من ترك سنن الصلوات الخمس ولم يرها حقا كفر، ولو رآها حقا وترك قيل لا يأثم، والصحيح أنه يأثم؛ لأنه جاء الوعيد بالترك، وعن أبي سهل الرازي من أصحاب أبي حنيفة لو ترك الأربع قبل الظهر وواظب على الترك لا تقبل شهادته، وفي " المجتبى ": لا يختلف الرجل
وأربع قبل الظهر، وبعدها ركعتان، وأربع قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء، وأربع بعدها، وإن شاء ركعتين، والأصل فيه ـــــــــــــــــــــــــــــQوالمرأة في الأربع قبل الظهر، وقيل إنها سنة لمن يصلي بالجماعة، الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر. ثم الترتيب بين السنن قال الحلواني أقواها ركعة الفجر، ثم سنة المغرب؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يدعهما في سفر ولا حضر، ثم التي بعد الظهر فإنهما سنة متفق عليهما، وفي التي قبلها اختلاف قيل هي الفصل بين الأذان والإقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، [ثم التي بعد الظهر] ، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء. وقال الحسن اختلف في أقواها بعد ركعتي الفجر، قيل: التي قبل الظهر والتي بعدها والتي بعد المغرب سواء، وقيل: بل التي قبل الظهر وهو الأصح. ثم السنة في اللغة الطريقة والعادة والسيرة، فإذا أطلقن في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونهى عنه، وندب إليه، فإذا يراد بها سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث، وبه قال صاحب مطالع القرآن، السنة الطريقة التي سنها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وشرع الاعتماد عليها، ومن سنته [ ... ] أي فعل فعلا وقال قولا يحتمل عليه وسلك فيه. ويجمع على سنن بضم السين، وسنن بالفتح الطريقة، وفي الصحاح بفتح السين والنون وضمها وضم السين ثلاث لغات، ويقال السنة في اللغة على ثلاث معان: السيرة وصورة الوجه وتمر بالمدينة، ولها خمسة أوجه في الشرع. الأول: ما تلقي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غير الكتاب، ومنه الكتاب والسنة قولا كان أو فعلا، والثاني: فعله دون قوله، وعلى فعله الذي هو الواجب كقيام الليل وصلاة [الليل] وصلاة الضحى والوتر على قول ونحو ذلك، والواجب علينا كصلاة العيدين وغيرها ما تأكد وعلى من المندوبات كركعتي الفجر والوتر والثالث [ ... ] والخامس ما واظب عليه وتركه أحيانا ولم يتأكد كالأربع قبل العصر أو الركعتين أو الأربع قبل العشاء والأربع أو الركعتين بعدها. م: (وأربع قبل الظهر) ش: أي أربع ركعات قبل صلاة الظهر بعد الزوال م: (وبعدها ركعتان) ش: أي بعد صلاة الظهر ركعتان في وقته م: (وأربع قبل العصر) ش: أي أربع قبل صلاة العصر م: (وإن شاء ركعتين) ش: أي وإن شاء يصلي ركعتين م: (وركعتان بعد المغرب) ش: أي بعد صلاة المغرب في وقته م: (وأربع قبل العشاء) ش: أي وأربع ركعات قبل صلاة العشاء م: (وأربع بعدها) ش: أي أربع ركعات بعد صلاة العشاء م: (وإن شاء ركعتين) ش: أي وإن شاء يصلي ركعتين. م: (والأصل فيه) ش: أي العدد المذكور، وقال صاحب الدراية أي ما ذكر محمد، والذي
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة» . وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت أولى على ما لا يخفى م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة» ش: هذا الحديث روي بوجوه كثيرة، وألفاظه مختلفة عن أم حبيبة وعائشة وأبي هريرة، فحديث أم حبيبة أخرجه الجماعة إلا البخاري عنها أنها سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة ". ولمسلم وأبي داود وابن ماجه: " أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة "، وللنسائي في رواية وركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء» وكذلك عند ابن ماجه في " صحيحه " وابن خزيمة في " مسنده " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين فقال: وفيه ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء، وكذلك عند الطبراني في " معجمه ". وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الترمذي وابن ماجه عنها قالت: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» . قال الترمذي حديث حسن غريب. وحديث أبي هريرة أخرجه ابن عدي في الكامل " عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر، وأربعا قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء» . قوله: من ثابر يعني واظب بالثاء المثلثة أي دوام، والمثابرة المواظبة والمداومة. وقال ابن الأثير: المثابرة الحرص على الفعل والقول وملازمتها. م: (وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب) ش: أي فسر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عدد الركعات في قوله على ثنتي عشرة ركعة على نحو ما ذكره في الكتاب، أي المبسوط والقدوري، ويجوز أن يقرأ فسر على صيغة المجهول، فعلى هذا يكون المفسر غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما فسرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر، فلهذا سماه في الأصل حسنا، وخير؛ لاختلاف الآثار ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (غير أنه) ش: أي غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لم يذكر الأربع قبل العصر) ش: في تفسير حديث المثابرة، أراد بها بيان المذكور فيه، فإن المذكور في الكتاب أكثر من ثنتي عشرة م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أنه لم يذكر الأربع قبل العصر في تفسير حديث المثابرة م: (سماه) ش: أي سمى محمد م: (في الأصل) ش: أي في المبسوط، وإنما سماه أصلا؛ لأنه صنفه أولا ثم صنف كتاب " الجامع الصغير " ثم كتاب " الجامع الكبير " ثم كتاب الزيادات م: (حسنا) ش: قال أبو سليمان الجوزجاني في " المبسوط " قلت لمحمد: فهل قبل العصر تطوع؟ قال: إن فعلت فحسن، قلت: فكم التطوع قبلها؟ قال: أربع ركعات م: (وخير) ش: أي خير محمد المصلي بين الأربع والركعتين قبل صلاة العصر. م: (لاختلاف الآثار) ش: وهو أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا،» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قبل العصر ركعتين» رواه أبو داود من حديث عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروى الترمذي عن عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسلم على الملائكة المقربين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين» وقال: حديث علي حديث حسن. فإن قلت: كيف؟ قال: لاختلاف الآثار، ولم يقل: لاختلاف الأخبار لأن الأثر مستعمل فيما يروى عن الصحابة والخبر ما يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اصطلاح المحدثين، والاختلاف هاهنا في الأخبار كما ذكرنا، فكان ينبغي أن يقول لاختلاف الأخبار. قلت: قال السغناقي ناقلا عن " الإيضاح ": ولم يقل لاختلاف الأخبار؛ لأن اختلاف الرواية بين الأربع والركعتين إنما جاء من فعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وعن النخعي كانوا يستحبون قبل العصر ركعتين، ولم يكونوا يعدونها من السنة، وهذا نقل من الصحابة. قلت: فيه نظر؛ لأن ما ذكرناه الآن من ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يرد ما نقله، ونقله عن النخعي هذا لا يمنع كونه مفعولا من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما اعتمد في ذلك على ما نقل عن الصحابة، اختار لفظه الآثار، وأما من رأى أن الآثار والأخبار في الأصل يرجع إلى معنى واحد.
والأفضل هو الأربع، ولم يذكر الأربع قبل العشاء، ولهذا كان مستحبا لعدم المواظبة، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والأفضل هو الأربع) ش: أي الأفضل أربع ركعات قبل العصر. قال الأترازي: لأن أفضل الأعمال أكثرها، وقال الأكمل: لأنه الأكثر عملا أو أدوم عزيمة فكان أكثر ثوابا. قلت: الأولى أن يقال اتباعا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه «كان يصلي قبل العصر أربع ركعات» كما ذكرنا. فإن قلت: في آخر حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يفصل بينهن بالتسليم. قلت: اختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل بينهن قبل العصر، قال: ومعنى قوله: بالتسليم أي بالتشهد كمذهبنا؛ لأن التسليم موصوف فيه. قلت: أراد بالتسليم التسليم على الملائكة وهو التشهد؛ لأن التسليم فيه، ولهذا يرد على ابن حبان حيث قال: المراد بالفصل التسليم حقيقة، يعني يصلي بتسليمتين، والدليل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» وفي " المفيد ": السنة قبل العصر أربع، ويؤيد هذا حديث علي وابن عمر المذكوران، وأيضا مذهب الإمام الأربع؛ لأن الصلاة صلاة الليل والنهار الأربع عنده، قيل: فيه نظر؛ لأن هذه المسألة وهي كون الأربع أفضل في الليل والنهار عنده بناء على فرع المسألة الأخرى، وهو أن اختلافهم في التطوع الذي ليس من السنن. م: (ولم يذكر الأربع قبل العشاء) ش: أي لم يذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع ركعات قبل صلاة العشاء عند ذكر تفسير حديث المثابرة، فإن تطوع بأربع فهو حسن؛ لأن العشاء كالظهر من أنه لا يكره التطوع قبله وبعده.. [وفي المبسوط ولم يذكر التطوع قبل العشاء وبعده] كالظهر، وفي الذخيرة والتطوع قبل العشاء بأربع حسن. م: (ولهذا كان مستحبا) ش: أي ولأجل عدم ذكر الأربع قبل العشاء كان الأربع قبله مستحبا م: (ولعدم المواظبة) ش: على الأربع قبله؛ لأن السنة إنما تثبت بالمواظبة من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد ذكر في المفيد والتحفة وشرح مختصر الكرخي وأربع قبل العشاء إن أحب م: (وذكر فيه) ش: أي ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث المثابرة وفي غيره ذكر الأربع، أي: وفي غير حديث المثابرة ذكر الأربع بعد العشاء. م: (ركعتين بعد العشاء) ش: وهو ما روي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى قبل الظهر أربعا كان كأنما تهجد من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء، كان كمثلهن من ليلة القدر» ، رواه سعيد بن منصور في " سننه "، ورواه البيهقي من قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «من صلى أربعا بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر» .
وفي غيره الأربع، فلهذا خير إلا أن الأربع أفضل خصوصا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف من مذهبه، ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المبسوط ": لو صلى أربعا بعد العشاء فهو أفضل لحديث ابن عمر موقوفا ومرفوعا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من صلى بعد العشاء أربع ركعات كان كمثلهن من ليلة القدر» . وقال الأترازي عند قوله وفي غير ذكر الأربع: وهو ما ذكر في شرح الأقطع قد روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى العشاء ودخل في حجرته فصلى أربع ركعات» فلما اختلف الخبران خير المصلي إن شاء صلى أربعا، وإن شاء صلى ركعتين. قلت: الذي يدعي أن له يدا في الحديث لم يذكره على هذا الوجه ولا سيما بالتقليد لمن لم يتبين حاله، والنفل عنه وبعد التسليم له، فلا يدل على ما ادعاه إلا بالاحتمال الظني. وفي " فوائد الرستغفني " يقرأ في الأولى الفاتحة وآية الكرسي ثلاث مرات، وفي الثانية الفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وفي الثالثة الفاتحة و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ثلاث مرات، وفي الرابعة الفاتحة و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ثلاث مرات، وفي " الملتقطات " في الثالثة والرابعة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين مرة في كل ركعة. م " (ولهذا) ش: أي ولأجل ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركعتين بعد العشاء في حديث المثابرة وذكره أربعا في غيره م: (خير) ش: أي خير محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المصلي بين أن يصلي أربعا وبين أن يصلي ركعتين. وقال السغناقي: خير أي محمد وأبو الحسن القدوري بقوله وأربع بعدها وإن شاء ركعتين م (إلا أن الأربع أفضل) ش: لما ذكرنا آنفا من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: (خصوصا على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف من مذهبه) ش: أي الأفضل عند أبي حنيفة في باب النوافل أن يصلي أربعا ليلا ونهارا، وعندهما الشفع أفضل بالليل على ما عرف في موضعه. ومذهب الشافعي في هذا الباب أن السنن عند الصلوات الخمس: عشر ركعات، قبل الظهر ركعتان، وبه قال أحمد، ومن الشافعية من قال: أدنى الكمال ثمان، فأسقط سنة العشاء. وقال النووي نص عليه في البويطي، ومنهم من قال: ثنتي عشرة ركعة [......] فجعل قبل الظهر أربعا، والأكمل عند الشافعية ثماني عشرة زادوا وقبلها ركعتين وبعدها ركعتين وأربعا قبل العصر، واحتج الشافعي وأحمد فيما ذهبا إليه من أن السنن عشر ركعات، بما روى الترمذي عن عبد الله بن سفيان قال «سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن صلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ثنتين» وصححه الترمذي. وأما حديث عن عبد الله بن سفيان قال: «سألت عائشة عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقلت: كان يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل
والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالفجر ركعتين» رواه مسلم وأبو داود، وهو أصح من حديث الترمذي، وفيه زيادة فكان أولى بالقبول. ولنا حديث المثابرة أيضا وقد ذكرناه، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يؤت سنة قبل المكتوبة ولا بعدها، وخالف الأحاديث الصحاح الثابتة في توقيت السنن، وزعم أنه عمل أهل المدينة، وفي " شرح الوجيز ": اختلف الأصحاب في عدد الركعات، قال الأكثرون: عشر ركعات كما ذكرنا، ومنهم من زاد على العشر ركعتين قبل الظهر، مضمومتين إلى الركعتين لحديث المثابرة، ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين بعد الظهر. وقال صاحب " المهذب "، وجماعة: أدنى الكمال عشر ركعات، وأتم الكمال ثمانية عشرة ركعة، وفي استحباب الركعتين قبل المغرب وجهان قيل باستحبابها، وإن لم يكن في الروايات لما روي «عن أنس أنه قال صليت ركعتين قبل المغرب ورآني رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعلم فلم يأمرني ولم ينهني» وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «صلوا قبل المغرب ركعتين "، وقال في الثالثة: " لمن شاء» . وقيل: الاستحباب لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عنهما، فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاهما، وعن أبيه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضرب عليهما "، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن تعجيل المغرب مستحب. قلت: حديث أنس رواه مسلم، والحديث الثاني رواه البخاري، والحديث الثالث رواه أبو داود وسكت عنه. وقال النووي: إسناده حسن، وأثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " من عشر طرق صحاح بألفاظ مختلفة. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأخرج الطحاوي أيضا عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في مصنفه. وأخرج الطحاوي أيضا عن خالد ابن الوليد وأخرج أيضا عن ابن عباس أن طاوسا سأله عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما وقال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (الآية 136 الأحزاب) . م: (والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: هذا الذي قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواه أبو داود في " سننه "، والترمذي في " الشمائل " عن أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليمة
وفيه خلاف للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: ونوافل النهار إن شاء صلى بتسليمة ركعتين، وإن شاء أربعا وتكره الزيادة على ذلك. وأما نافلة الليل، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز وتكره الزيادة على ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــQيفتح لهن أبواب السماء» . ورواه ابن ماجه في " سننه " بلفظ: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم، قال: أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس» وضعفه أبو داود، وأطلق المنذري عزوه إلى الترمذي في مختصره، وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يعيده بالشمائل كما ذكرنا. م: (وفيه خلاف للشافعي) ش: أي في الأربع قبل الظهر خلاف الشافعي، فعنده يصليها بتسليمتين وهو أفضل، وبه قال مالك وأحمد، واحتجوا بحديث أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصليهن بتسليمتين، ولأن فيه زيادة تحريمة وتسليم لكان أفضل، ولنا حديث أبي أيوب الأنصاري المذكور آنفا. الجواب عن حديث أبي هريرة أن معنى قوله بتسليمتين يعني بتشهدين، يسمى التشهد تسليما لما فيه من السلام كما سمي التشهد لما فيه من الشهادة، وقد روي هذا التأويل عن ابن مسعود. فإن قلت: احتج هؤلاء أيضا بما روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» قلت: عن قريب يأتي هذا الحديث وبيان حاله والجواب عنه. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ونوافل النهار) ش: إن شاء صلى بتسليمة ركعتين لم أر أحدا من الشراح حل هذا التركيب من حيث العربية فنقول قوله نوافل النهار كلام إضافي مبتدأ وخبره محذوف تقديره نوافل النهار يقال فيها م: (إن شاء) ش: المصلي م: (يصلي بتسليمة ركعتين وإن شاء أربعا) ش: أي وإن شاء صلى أربع ركعات بتسليمة واحدة بحديث أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور آنفا م: (وتكره الزيادة على ذلك) ش: أي على أربع ركعات بتسليمة في نافلة النهار لعدم ورود نص عليه. م: (وأما نافلة الليل قال أبو حنيفة إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز) ش: نافلة الليل أربع أربع بتسليمة واحدة أفضل عند أبي حنيفة لزيادة سعة، ويجوز الزيادة عليها إلى ست بتسليمة واحدة عنده من غير كراهة في رواية " الجامع الصغير "، وإلى ثمان في رواية لورود الخبر بكل واحد من العددين، ولكن الأربع أفضل عنده م: (وتكره الزيادة) ش: أي على ثمان ركعات
وقالا: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة وفي " الجامع الصغير " لم يذكر الثماني في صلاة الليل ـــــــــــــــــــــــــــــQبتسليمة وهو اختيار القدوري وفخر الإسلام. وقال شمس الأئمة: لا يكره، وفي " النهاية ": والأصح أنه لا يكره، لأن فيه وصلا بالعبادة وذلك أفضل. وقال الأكمل ناقلا عن السغناقي: لا فائدة في تخصيص أبي حنيفة بهذا الحكم، لأن كلا الحكمين الجواز في نافلة الليل إلى الثمان بغير كراهة، والكراهة فيما وراءها اتفاقا في عامة روايات الكتب، ثم قال قلت: يجوز أن يكون ذكر أبي حنيفة للاحتراز عن قول الشافعي، فإنه يقول لا يزيد على أربع، ولو زاد كره ذلك، انتهى. قلت: فيه نظر، لأن نصب الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيكون تخصيص أبي حنيفة بالذكر عن قول الشافعي، وفي مثل هذا الموضع لا يتأتى ما ذكره. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة) ش: فحينئذ يكره الزيادة على الأربع، وهل يكره الأربع بتسليمة عندهما، ولفظ القدوري يوهم الكراهة حيث قال: وقالا لا يزيد بالليل على ركعتين، ومثل هذا الكلام في الرواية يوهم نفي الزيادة بحرمة أو كراهة، ولكن ذكر في " المبسوط " و " الجامع الصغير " وعامة الكتب أن الاختلاف في الأفضلية، فيدل على انتفاء الكراهة في الأربع بالاتفاق، وفي " قاضي خان ": ولو صلى التراويح ثمان ركعات بتسليمة واحدة وقعد في كل ركعتين ينوب عن أربع تسليمات عند أبي حنيفة في رواية لعدم الكراهة إلى الثمان، وعندهما ينوب عن تسليمتين لأن ما زاد على الأربع عندهما يكره فلا تنوب الزيادة عن التراويح، فهذا تصريح بانتفاء الكراهة عن الأربع إذ الأربع جازت عن التراويح، فعلى هذا بمعنى ما ذكر في القدوري وقال: لا يزيد بالليل.. إلخ لا يزيد كيلا يلزم ترك الأفضل في الأربع، والكراهة في الزيادة عليها. وقال المحبوبي: فرق محمد في الكتاب بين صلاة الليل وصلاة النهار في كراهة الزيادة على الأربع باعتبار أن الأثر جاء منه في صلاة الليل لا النهار، وعلينا الاتباع خصوصا في العبادات. م: (وفي الجامع الصغير لم يذكر الثماني في صلاة الليل) ش: أي لم يذكر محمد ثمان ركعات في صلاة الليل، وإنما ذكر الستة، قوله الثماني الباقية للنسبة كاليماني على تعويض الألف عن إحدى يائي النسبة، ولهذا [لا يشدد] ، لا بمثل حتى ولا يجمع بين العوض والمعوض قال الأصمعي: لا يقال ثمان بالضمة على النون. فإن قلت قال الشاعر: لها ثنايا أربع حسان ... وأربع فيهن لها ثمان قلت: أنكره الأصمعي وقال هو خطأ، وعلى هذا ما ذكر في " الجامع الصغير " في صلاة الليل:
ودليل الكراهة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد على ذلك، ولولا الكراهة لذكر تعليما للجواز، والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مثنى مثنى، وفي النهار أربع أربع. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما مثنى مثنى، وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع، ـــــــــــــــــــــــــــــQوإن شئت ثمان خطأ والستة من الضرورات [ ... ] . وقال ابن الحاجب في ثماني عشرة فتح الياء وجاء إسكانها وشذ حذفها بفتح النون. م: (ودليل الكراهة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد على ذلك) ش: أي على الثماني م: (ولولا الكراهة) ش: لزاد أي على الثماني م: (للذكر تعليما) ش: أي لأجل التعليم م: (للجواز) ش: هذا اختيار القدوري وفخر الإسلام، وقال شمس الأئمة الأصح أنه لا يكره الزيادة على ثمان ركعات لأنه روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ثلاث عشرة ركعة فتكون الثمانية صلاة الليل والثلاث الوتر والركعتان سنة الفجر، وكان يصلي هذا كله في الابتداء ثم فصل البعض على البعض هكذا ذكره حماد بن سلمة، ولم يذكر كراهة الزيادة على ثمان ركعات بتسليمة واحدة، ونقل الأكمل هذا عن السغناقي ثم قال وفيه نظر، لأن كلامنا فيما يكره بتسليمة واحدة، وليس فيما ذكر ما يدل على ذلك. قلت: ورد في صحيح مسلم في حديث طويل «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا» . وفي غير مسلم كان يوتر بتسع ركعات، ولو وقف الأكمل على هذا الحديث لما قال وفيه نظر مع أن هذا الحديث خلاف ما قاله المصنف من قوله لم يرد على ذلك وذكر هذا حديثا غريبا ليس له أصل فافهم. م: (والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مثنى مثنى) ش: أي الأفضل في تطوع الليل عندهما مثنى أي اثنين، يعني ركعتين، ومثنى معدول عن اثنين اثنين وتكراره للتأكيد. وقال الزمخشري منع الصرف لما فيه من العدلين عدله عن صيغته الأصلية وعدله عن مكروه، ويقال شرط العدل أن يكون في اللفظ والمعنى، وقال ابن يعيش لا يكون العدل إلا في اللفظ وفي المعنى. م: (وفي النهار أربع أربع) ش: أي الأفضل في تطوع النهار أربع ركعات، وأما صرف أربع لأنه وضع اسما في الأصل، فلم يلتفت إلى ما طرأ له من الوصفية وأيضا فإنه قابل للتاء. م: (وعند الشافعي فيهما مثنى مثنى) ش: [أي في التطوع عنده في الليل والنهار مثنى مثنى] ، وبه قال مالك وأحمد م: (وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع) ش: أي الأفضل في التطوع عنده الليل
للشافعي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» ، ولهما الاعتبار بالتراويح. ـــــــــــــــــــــــــــــQوالنهار أربع ركعات م: (للشافعي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ش: هذا الحديث رواه ابن عمر وأبو هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فحديث ابن عمر أخرجه الأربعة عنه أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» . وحديث أبي هريرة أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحافظ أبي نعيم في تاريخ أصبهان عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» . والجواب عنها أن حديث ابن عمر لما رواه الترمذي سكت عنه، إلا أنه قال اختلف أصحاب شعبة فيه فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم، ورواه الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يذكر فيه صلاة النهار، وقال النسائي هذا الحديث عندي خطأ، وقال في " سننه الكبرى ": إسناده جيد، إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فيه فلم يذكروا فيه النهار، منهم سالم، ونافع وطاوس. والحديث في الصحيحين من حديث جماعة عن ابن عمر وليس فيه ذكر النهار وروى الطحاوي أيضا في معاني الآثار عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل ركعتين وبالنهار أربعا، فمحال أن يروي ابن عمر عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ضعيفا أو كان موقوفا غير مرفوع. وأما حديث أبي هريرة وعائشة فإن الذي رواه البخاري ومسلم أصح منهما وأقوى وأثبت، وعلى طريق التسليم يقول معناه شفعا لا وترا بسبيل إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا جمعا بين الدليلين على ما يجيء. م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد م: (الاعتبار بالتراويح) ش: يعني قياسا على التراويح، فإن الأفضل فيهما مثنى مثنى بالإجماع، وهذا نفل الليل فينبغي أن يكون سائر نوافل الليل كذلك بخلاف نفل النهار، لحديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي تقدم ذكره، وكان ينبغي أن يستدل لهما بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي رواه البخاري ومسلم وفيه ذكر الليل فقط وإثبات الفضائل في العبادات لا نعلم إلا من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قوله وهو في نفس الأمر توقيفي.
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بعد العشاء أربعا» روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولأبي حنيفة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بعد العشاء أربعا، روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: لم أر أحدا من الشراح ولا من غيرهم من المتأخرين حققوا هذا الموضع ولا تعرضوا لحال هذا الحديث، وأعجب من الكل أن علاء الدين التركماني قال مقلدا لغيره: وهذا الحديث لم نجده، فنقول وبالله التوفيق: أما الأترازي فإنه لم يترك هذا الحديث بالكلية، وإنما استدل لأبي حنيفة بالقياس حيث قال ولأبي حنيفة وجهان، أحدهما الاعتبار بالفرض وهو العشاء، فلو كان الأربع بتسليم فاصل أفضل من الأربع بلا تسليم فاصل لكن الفرض كذلك، لأن حال الفرض أقوى وهو بالفضيلة أولى، والثاني أن في الأربع بتسليمة واحدة مداومة على الطاعة، وفيها مشقة على النفس وفيما قالوا استراحة للنفس يكون ما صلاه أولى. قلت: هذا ليس من دأب المصنفين ولا سيما المتقدمين بشرح الكتاب، فالمصنف يستدل بحديث ويأتي الشارح ويستدل بالقياس ولا يلتفت إلى الحديث وإلى حاله، ومع هذا الوجهان اللذان ذكرهما مدخول فيهما ولا يخفى على المتأمل. وأما الأكمل فإنه لم يذكر شيئا أصلا، لا الحديث ولا غيره من وجوه الاستدلال لأبي حنيفة وقنع بقوله وكلامه ظاهر. وأما صاحب " الدراية " فإنه قال ولأبي حنيفة ما روي «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه بات عند خالته ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يرقب صلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أرسله أبوه لذلك، فلما صلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء رقد مرقده ثم قام ونظر إلى السماء فقرأ خاتمة سورة آل عمران وتوضأ وصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة» . وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين سئلت عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: «ما كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن ولا عن طولهن، ثم يصلي أربعا لذلك، ثم يصلي الوتر» . وأما السغناقي فإنه أيضا لم يذكر حديث عائشة المذكور أصلا، وإنما استدل لأبي حنيفة بحديث ابن عباس المذكور، وأما قول علاء الدين هذا الحديث لم نجده فإنه كيف يقول ذلك وقد رواه أبو داود في سننه من حديث زرارة بن أوفى عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سألت عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جوف الليل، فقالت «كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات ثم يأوي إلى فراشه» . الحديث بطوله، وفي آخره «حتى قبض
«وكان - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يواظب على الأربع في الضحى» ـــــــــــــــــــــــــــــQعلى ذلك» . وقال أبو داود في سماع زرارة عن عائشة نظر، ثم أخرجه عن زرارة عن سعيد بن هشام عن عائشة وهذه الرواية هي المحفوظة عندي، فإن أبا حاتم الرازي قال: سمع زرارة من أبي هريرة وابن عباس وعمران بن حصين، وهذا م أصح له فظاهر هذا لأن زرارة لم يسمع من عائشة وأخرج أبو داود أيضا والنسائي في " سننه الكبرى " عن شريح بن هانئ عن عائشة قالت: سألتها عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: «ما صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء قط فدخل علي إلا صلى بعدها أربع ركعات أو ستا وسكت عنه» وروى أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر بسجدة ثم قام حتى يصلي بعدها صلاته من الليل» وأخرجه البزار أيضا في " مسنده " والطبراني في " معجمه ". وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: «بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وكان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عندها في ليلتها فصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام وصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة» . فإن قلت أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي في بيتي، [صلى] قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين، يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس العشاء ويدخل في بيتي فيصلي ركعتين» انتهى. فهذا مخالف لحديثها المتقدم. قلت قد وقع اختلاف كثير عن عائشة في أعداد الركعات في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الليل، فهذا إما من الرواة وإما باعتبار أنها أخبرت عن حالات منها ما هو الأغلب عن فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومنها ما هو نادر، ومنها ما هو بحيث اتساع الوقت وضيقه. م: (وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مواظبا على الأربع في الضحي) ش: هذا الحديث رواه مسلم من حديث «معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي الضحى قالت أربع ركعات يزيد ما شاء» وفي رواية «ويزيد ما شاء» ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث عمرة عن عائشة قالت سمعت أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي
ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة، ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه بتسليمتين وعلى القلب يخرج ـــــــــــــــــــــــــــــQالضحى أربع ركعات لا يفصل بينهن كلام» فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر لأبي حنيفة حديثين أحدهما في أفضلية الأربع بالليل والآخر في أفضليته بالنهار. فإن قلت: روى البخاري عن عروة عن عائشة قالت: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به الناس ليفرض عليهم، وما سبح رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سبحة الضحى قط وإني لأسبحها» وروى مسلم «عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الضحى، قالت لا إلا أن يجيء من مغيبه» . قلت يحتمل أنها أخبرت في الإنكار عن رؤيتها ومشاهدتها [....] أما في خبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو خبر غيره عنه وقد يكون إنكارها مواظبته عليها وقد يكون الإنكار إنما هو لصلاة الضحى المعهودة عند الناس على الذي اختاره جماعة من السلف من الصلاة بثمان ركعات، وأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصليها أربعا ويزيد ما شاء، فيصلي مرة أربعا ومرة ستا ومرة ثمانيا، وأقلها ركعتان، وقد رأى جماعة أن يصلي في وقت دون وقت يخالف بينهما وبين الفرائض. ثم اعلم أن صلاة الضحى مستحبة، وقال النووي: وقيل سنة، وكان ابن عمر يراها بدعة، ومثله ابن مسعود، حكاهما النووي وأقلها ركعتان. وقال النووي أفضلها ثماني ركعات وقيل اثني عشر ركعة، وفيه حديث فيه ضعيف. ووقتها من ارتفاع الشمس إلى وقت الزوال وقال صاحب الحاوي ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم. قوله ترمض بفتح التاء والميم أي حين يترك الفصال من شدة الحر في إخفافها، وفي حديث أم هانئ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاها ثماني ركعات، متفق عليه، وعن أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «إن في الجنة بابا يقال له باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة ينادي منادي أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله» . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأربع م: (أدوم تحريمة) ش: أي من حيث التحريم لأنها استمرت ولم يفصل بشيء م: (فيكون أكثر مشقة) ش: لأنه ليس فيه راحة للنفس بخلاف الركعتين م: (وأزيد فضيلة) ش: أي من حيث الفضيلة لأن زيادة الفضيلة في أكثر المشقة، وجاء أفضل الأعمال [....] أي أشقها م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ما ذكرنا من تعليل ذكر في الزيادات. م: (لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه) ش: أي عن النذر م: (بتسليمتين) ش: يعني لو صلى الأربع بسلامين لِأنه لا يخرج عن العهدة بما هو مخفف م: (وعلى القلب يخرج) ش: أي ولو نذر على قلب المسألة المذكورة وهو أنه لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمتين فصلى أربعا
والتراويح تؤدى بجماعة فيراعى فيها جهة التيسير، ومعنى ما رواه شفعا لا وترا، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQبتسليمة يخرج لأنه شدد المخففة فيكون أشق، فكان أفضل، وكذا في انجلاب الثواب، وإنما قال وعلى القلب دون وعلى العكس لأن عكس المسألة المذكورة أن ينذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا. م: (والتراويح تؤدى بجماعة) ش: هذا جواب عن استدلال الصاحبين بالتراويح تقديره أن يقال التراويح تؤدى بجماعة، واختيار الفريق فيه للتحقيق م: (فيراعى فيها جهة التيسير) ش: أي جهة التحقيق، وذلك رعاية لحق الجماعة. م: (ومعنى ما رواه شفعا لا وترا) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وتقديره أن قوله مثنى مثنى معناه شفعا شفعا لا وترا بطريق إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا والداعي إلى هذا التأويل لئلا يصلي السنن أو الوتر في النفل [.....] ليس معناه أنه يسلم بين كل ركعتين، وقد أشبعنا الكلام في هذا الحديث عن قريب. فروع: قراءة الأوراد بين الفرض والسنة لا بأس بها، قاله الحلواني ولو قام في مصلاه إن شاء قرأ جالسا وإن شاء قرأ قائما. وفي " شرح الشهيد " القيام إلى السنة متصلا بالفرض مسنون وفي الثاني كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا سلم يمكث قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ولو تكلم بعد السنة قبل الفريضة هل تسقط السنة، قيل: تسقط، وقيل: لا [تسقط] ، ولكن ثوابه أفضل من ثوابه قبل التكلم. وفي " المبسوط ": ويكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلي الفجر لأنها ساعة تشهدها الملائكة، جاء في تأويل قَوْله تَعَالَى {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) ، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فلا ينبغي بأن يشهدهم إلا على خير، طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال أبو يوسف: إذا كان له ورد من الليل فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل، وقال محمد: كثرة الركوع والسجود أفضل، إخفاء التطوع أفضل من إبدائه. نافلة الليل أفضل من نافلة النهار لأنها أشق على الإنسان لما فيها من هجران النوم والراحة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل» ، رواه مسلم، وآخر الليل أفضل من أوله. المسافر لا يترك السنة إلا بعذر قاله في منية المفتي الأفضل في السنن والنوافل الترك إلا التراويح. وقال الحسن اختلف في الآكد بعد ركعتي الفجر فقيل الأربع قبل الظهر والركعتان بعده والركعتان بعد المغرب كلها سواء، والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد وفي " الحاوي ": عن أبي سهل موسى بن أبي نصر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أنه قال: من واظب على ترك الأربع قبل الظهر لا أقبل شهادته. وفي " الأسبيجابي ": تارك الأربع قبل الظهر والركعتين بعدها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوركعتي الفجر تلحقه الإساءة لأنها تطوع، وفي " المحيط " و " الواقعات " الأصح أنه يأثم. لكل من استيقظ من الليل أن يمسح [النوم] عن وجهه ويتسوك وينظر في السماء ويقرأ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] الآيات التي في آخر آل عمران، والثابت ذلك في الصحيحين. ويستحب إحياء ليلتي العيدين، ويستحب أيضا لمن أراد قيام الليل أن يعتاد ما يمكنه الدوام عليه مدة حياته، ويكره بعد ذلك تركه والتنقص منه من غير ضرورة ويستحب أيضا الإكثار من الدعاء في ساعات الليل وأكثرها النصف الأخير، وأفضله عند الأسحار. ومن التطوعات ركعتا شكر الوضوء عن عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قل: «ما من أحد يتوضأ ويحسن الوضوء فيصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة» ، رواه مسلم. وركعتا السفر عن مطعم بن المقدام قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما خلق عن أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حتى يزيد سفرا» ، ذكر هذا ابن أبي شيبة في " سننه ". وركعتا القدوم من السفر عن كعب بن مالك «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقدم من السفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه» رواه مسلم. وركعتا تحية المسجد، ولا يختصان بليل ولا نهار لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» متفق عليه، وهي سنة وبه قال أحمد، وقال المرغيناني واجبة عند الشافعي ونقله غلط. قال النووي في " شرح المهذب ": أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، وفي " الجلاب " للمالكية: ويستحب لمن أراد الجلوس في المسجد أو جلس ولم يصل أن يصلي ركعتين إلا أن يكون مختارا أو محدثا أو في وقت نهي أو تكرر دخوله بعد أن حياه. وفي " مختصر البحر ": ودخول المسجد بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عن تحية المسجد، وإنما يؤمر بتحية المسجد إذا دخله بغير الصلاة، وكذا من دخل الحرم بإحرام الفرض يكفيه عما يجب من الإحرام لدخول مكة، ويكفيه لتحية المسجد في كل يوم ركعتان، وقال صاحب " التتمة " من الشافعية: يستحب لكل من دخله، وقال المحاملي في " اللباب ": أرجو أن يجزئه التحية، ثم قيل: يجلس ثم يقوم فيصلي، وعامة العلماء على أنه يصلي كلما دخل، وقالت الشافعية: لو جلس وطال الفصل فاتت ولا قضاء عليه، وكذا انتقض الجلوس عندهم. وقال النووي: لا تحصل بصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر والركعة الواحدة كقولنا، وعند الشافعية يكره جلوسه من غير تحية سواء دخل في وقت النهي عن الصلاة أو غيره، وإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة كانت كلها تحية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQواتفقوا أن الإمام إذا كان في المكتوبة أو أخذ المؤذن في الإقامة يترك تحية المسجد، واتفقوا أنه يقدم الطواف على التحية بخلاف السلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث تقدم التحية عليه، لأن حق الله مقدم على حق الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وركعتا الاستخارة وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة ركعتان، ورد فيه حديث فيه ضعف، وصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب اثنتي عشرة ركعة، ويكون قد صام يوم الخميس وذلك بعد صلاة المغرب يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ثلاث مرات و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] اثنتي عشرة مرة، فإذا فرغ منها وهو جالس في التشهد بعد السلام يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، سبعين مرة، فإذا رفع رأسه يقول: اللهم صل على النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم سبعين مرة ثم يكبر ويسجد ويقول في سجوده سبوح قدوس [ربنا] ورب الملائكة والروح سبعين مرة، فإذا فرغ منه يسأل الله حاجته وهو ساجد. وأما الصلاة في ليلة النصف من شعبان فقال أبو الخطاب مجد الدين دحية فليس فيها حديث يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال في " العلم المشهور " حديث ليلة النصف من شعبان موضوع، وحديث أنس فيها موضوع لأن فيه إبراهيم بن إسحاق، قال أبو حاتم: كان يقلب الأخبار ويسرق الحديث.
[فصل في القراءة]
فصل في القراءة والقراءة في الفرض واجبة في الركعتين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركعات كلها ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في القراءة] [حكم القراءة في الفرض] م: (فصل في القراءة) ش: قد مر غير مرة أن قول المصنفين فصل لا ينون، لأن الإعراب إنما يكون بعد التركيب. ولما فرغ من بيان الصلوات فرضها وواجبها ونفلها، شرع في بيان القراءة، لأنها تختلف باختلاف الصلوات. م: (القراءة في الفرض واجبة) ش: أي لازمة وفريضة، إذ الواجب نوعان قطعي وظني، فالقطعي هو الفرض وهذا [هو] الواجب قطعي في حق العمل من ذوات الأربع من الفرائض، ويقال المراد بقوله واجبة الفرض لكن لما لم يكفر جاحدها فيهما ولم يكن فرضا في حق العلم بل هي فرضا عملا وصفتها بالوجوب. ومذهب الأسود والنخعي والثوري كمذهبنا، وهو رواية عن أحمد وقال ابن المنذر: قد روينا عن علي أنه قال: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين وكفى به قدوة م: (في الركعتين) ش: إنما أطلقهما ولم يقيدهما بالأوليين لأن في كونهما في الركعتين بأعينهما أولا كلام، قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": قال أصحابنا: القراءة فرض في الركعتين بغير أعيانهما إن شاء في الأوليين وإن شاء في الأخريين، وإن شاء في الأولى والرابعة، وإن شاء في الثانية والثالثة، وأفضلها في الأوليين، وكذا قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " حيث قال فالأفضل أن يقرأ في الأوليين، وإن قرأ في الأخريين أو في الثانية والثالثة جاز. وقال في " خلاصة الفتاوى ": واجبات الصلاة عشرة وذكر منها تعيين القراءة في الأوليين، وفي " المحيط ": القراءة في الصلاة أنواع: فرض وواجب ومستحب ومكروه. أما الفرض فالقراءة في الأوليين ومثله في " القنية " و " التحفة "، وقال هو صحيح من مذهب أصحابنا حتى لو تركها في الأوليين يقضيها في الأخريين وليست بشرط فيهما حتى لا تفسد الصلاة بترك القراءة فيهما. وأما واجب فقال في المحيط قراءة الفاتحة والسورة في الأوليين وفي " الينابيع " القراءة فرض في ركعتين غير عين وله أن يقرأ في أي الاثنين شاء وهي واجبة في الأخريين من ذوات الأربع والثلاث وفي " التحفة " الجمع بين الفاتحة والسورتين في الأوليين واجب وليس بفرض. م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركعات كلها) ش: أي القراءة فرض في جميع ركعات الصلاة وبه قال مالك وأحمد حتى قالوا بفرضية الفاتحة في الكل، لكن مالكا أقام الأكثر مقام الكل، وعن مالك في رواية شاذة أن الصلاة صحيحة بدون القراءة. وقال المازري عن ابن سلبون أن أم القرآن ليست فرضا فيها. وقال ابن الماجشون: من ترك القراءة في ركعة من الصبح أو أي
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» وقال مالك: في ثلاث ركعات إقامة للأكثر مقام الكل تيسيرا ـــــــــــــــــــــــــــــQصلاة كانت تجزئ سجدتا السهو وهو بعيد عن الفقه والنظر. قاله ابن بطال وقال الشافعي في القديم: إن تركها ناسيا صحت صلاته معتمدة أثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها شيئا فقيل له: كيف الركوع والسجود؟ قالوا: حسنا قال: فلا بأس إذا قلت فعل الصحابة وقولهم ليس بحجة عنده مع أنه ضعيف فكيف يتمسك به. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» ، فما أعلن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلنا وما أخفاه أخفيناه لكم. لكن: وكل ركعة صلاة ليس من الحديث، واستدلال المصنف بهذا الحديث للشافعي على وجوب القراءة في كل ركعة ليس بقائم لأنه ليس بصريح فيه، ونحن أيضا نستدل به على وجوب القراءة في الصلاة ولو استدل له بحديث المسيء في صلاته الذي أخرجه البخاري ومسلم في " الصحيحين " لكان أقوم وأصرح وفيه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وفي آخره ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» . م: (وقال مالك: في ثلاث ركعات) ش: أي القراءة فرض في ثلاث ركعات م: (إقامة للأكثر مقام الكل) ش: إقامة نصب على التعليل، والمقام بضم الميم، ومالك أيضا يستدل بالحديث المذكور، ولكنه يقول الثلاث تقوم مقام الكل م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير على المصلين والشراح قالوا: إن مسألة القراءة في الفرائض الرباعية مخمسة فذكروا الخمسة، والمصنف ذكر منها الثلاثة: قلت: هي مسدسة. الأول: مذهبنا أنها فرض في الركعتين. والثاني: فرض عند الشافعي في الكل. والثالث: فرض عند مالك في الأكثر. والرابع: مذهب أبي بكر الأصم إمام بغداد وإسماعيل بن علية والحسن بن صالح بن حيي، وسفيان بن عيينة أن القراءة مستحبة، روي ذلك عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. والخامس: روى البيهقي عن زيد بن ثابت أنه قال القراءة سنة. والسادس: قال الحسن البصري وزفر والمغيرة من المالكية: يجب في ركعة واحدة، ومن وجه المسألة متسعة. السابع: رواية عن مالك أن الصلاة صحيحة من غير قراءة.
ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] (المزمل، الآية 20) ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار وإنما أوجبنا في الثانية استدلالا بالأولى لأنهما يتشاكلان من كل وجه. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثامن: عن الشافعي أنه إذا تركها ناسيا صحت صلاته. التاسع: [من قال] لا تجب القراءة في السرية كالظهر والعصر، حكي ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لحديث عبد الله بن عبيد الله قال: «دخلت على ابن عباس فقلنا لشاب منا: سل ابن عباس أكان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا. لا. فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه فقال: خمشا هذه شر من الأولى كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال، أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمار على الفرس» رواه أبو داود بإسناد صحيح. لكن عارضه حديث عكرمة عن ابن عباس أنه قال: «لا أدري أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر أم لا» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وحديث أبي سعيد الخدري كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين نصف ذلك، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك» رواه مسلم. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] (المزمل، الآية 20) ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار) ش: تقديره أن الله تعالى أمرنا بالقراءة مما تيسر من القرآن وذلك في الصلاة بالإجماع والأمر بالفعل يقتضي امتثاله، ولا يقتضي التكرار إعادة الشيء بعينه لا إعادة مثل الشيء فاقتضى ذلك أن تكون القراءة في ركعة واحدة كما ذهب إليه الحسن البصري. م: (وإنما أوجبنا في الثانية) ش: أي إنما أوجبنا القراءة في الركعة الثانية، وهذا جواب عما يقال إنكم قلتم إن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار، وقد أوجبتم القراءة في الركعة الثانية وخالفتم ما قلتم. وتقرير الجواب أن [وجوب] القراءة في الثانية لا بعبارة النص حتى يلزم ما قلتم وإنما وجوبها في الثانية بدلالة النص وهو معنى قوله م: (استدلالا بالأولى) ش: يعني بالركعة الأولى وبين ذلك بقوله: م: (لأنهما يتشاكلان من كل وجه) ش: أي لأن الركعة الأولى والثانية تتشابهان من كل وجه، فلما كان كذلك وجبت في الثانية استدلالا بالأولى كالحكم في أحد النوعين ينسب في النوع الآخر، وأما تشاكل الثانية للأولى من كل وجه فمن حيث السقوط والوجوب والصفة والقدر فكل من وجبت عليه الأولى وجبت الثانية، وإذا سقطت سقطت. وأما المماثلة في الصفة ففي الجهر والأخير الإخفاء، وأما المماثلة في القدر ففي ضم السورة مع الفاتحة. فإن قلت: كيف تكون المماثلة بينهما فالأولى تفارق الثانية في التكبيرة والثناء والتعوذ والبسملة فانتفت المشابهة من كل وجه؟
فأما الأخريان يفارقانهما في حق السقوط بالسفر، وصفة القراءة وقدرها فلا يلحقان بهما والصلاة فيما روي مذكورة صريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا فمن حلف لا يصلي صلاة بخلاف ما إذا حلف لا يصلي. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: المشابهة والمشاكلة في الكمية والكيفية، فما يرجع إلى نفس الصلاة وأركانها. أما تكبيرة الافتتاح فإنها شرط وليست بركن، وأما الثناء والتعوذ والبسملة فأمور زائدة وليست بفرض فلا يقدح ذلك في ثبوت المماثلة. فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أمر ومع هذا يتكرر في كل ركعة. قلت: ذلك لفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأنه لم ينقل عنه الاكتفاء بركوع واحد ولا الاكتفاء بسجود. م: (فأما الأخريان) ش: أي فأما الركعتان الأخيرتان، وفي بعض النسخ وأما الأخروان هو لحن، لأن الألف إذا كانت ثالثة ردت إلى أصلها في التشبه كما يقال عصوان ورحيان، وإذا كانت رابعة تقلب ياء لا غير م: (فيفارقانهما) ش: أي فيفارقان الركعتين الأوليين م: (في حق السقوط بالسفر) ش: لأن السقوط بالسفر يدل على المفارقة م: (وصفة القراءة) ش: في الجهر والإخفاء م: (وقدرها) ش: أي وقدر القراءة في ضم السورة مع الفاتحة كما بيناها آنفا م: (فلا يلحقان بهما) ش: هذا نتيجة المفارقة، أي فإذا كان الأمر كذلك فلا يلحق الأخريان بالأوليين. م: (والصلاة فيما روي) ش: أي فيما روى الشافعي، هذا جواب عما رواه الشافعي من الحديث وتقريره أن قوله لا صلاة م: (مذكورة صريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا) ش: أي من حيث العرف م: (فمن حلف لا يصلي صلاة) ش: فإنه لا يحنث إلا بركعتين، لأن الصلاة مذكورة فيه فينصرف إلى الكاملة وهي الركعتان م: (بخلاف ما إذا حلف لا يصلي) ش: فإنه يحنث بركعة. فإن قلت: لا صلاة نكرة في سياق النفي فتعم كل فرض. قلت: تريد بذلك لغة أو شرعا فإن أردت لغة فلا سبيل لذلك، لأن معناها الحقيقي الدعاء. وليست القراءة شرطا في فرد من أفراد الدعاء، وإن أردت شريعة فنسلم، ولكن الركعة الواحدة ليست من الأفراد شرعا لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن البتيراء، ولئن سلمنا أن لا صلاة إلا بقراءة، لكن الكلام في أن القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين. قلت: الملازمة ممنوعة ألا ترى أن القعدة في آخر الصلاة فرض عند الخصم أيضا ولم يكن فرضا في كل ركعة، وكذا الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأخيرة فرض عنده وليست بفرض
قال: وهو مخير في الأخريين معناه إن شاء سكت وإن شاء قرأ وإن شاء سبح كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQفي جميع الركعات. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وهو) ش: أي المصلي م: (مخير في الأخريين) ش: أي في الركعتين الأخريين وبين التخيير بقوله م: (إن شاء سكت وإن شاء قرأ، وإن شاء سبح) ش: لأن القراءة لما لم تجب في الأخريين جاز أحد الأمور الثلاثة م: (كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كذا روي الخبر عن أبي حنيفة، أما السكوت فمقدار تسبيحة، وقل قدر ما يطلق عليه اسم القيام، ولو أطال السكوت فهو أفضل، ولم يذكر المصنف عددا في التسبيح. وذكر المرغيناني والقدوري في شرحه وفي " التحفة " و " العتبية " و " الينابيع " [أنه لو سبح ثلاث تسبيحات أجزأه. وفي " المحيط " التخيير رواية عن أبي يوسف] وفيه لو سبح فيهما ولم يقرأ لا يكون مسيئا، وإن سكت فيهما يكون مسيئا ومثله في " المرغيناني "، وإن لم يكن مسيئا بترك القراءة إذا أتى بالتسبيح لأن القراءة فيهما شرعت على وجه الثناء والذكر، ولهذا تعينت الفاتحة لكونها ثناء. والحاصل أن في كراهة السكوت روايتين، وفي " شرح مختصر الكرخي ": وروى الحسن عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة أفضل من التسبيح، وإن لم يسبح ولم يقرأ كان مسيئا وعليه سجدتا السهو إن تركهما ساهيا إذ القيام في الأخريين مقصود فلا يخلى عن القراءة والذكر جميعا كالركوع والسجود. قلت: إخلاء الركوع والسجود عن الذكر لا يوجب سجود السهو، قال: والأول أصح، وعن أبي يوسف في رواية يسبح فيهما ولا يسكت إلا أنه قرأ الفاتحة فيهما فليقرأها على وجه الثناء دون القراءة، وبه أخذ بعض المتأخرين من الأصحاب. م: (وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: الضمير أعني هو لا يصلح إن رجع إلى التخيير بين الأمور الثلاثة لأن الأثر المروي عن علي وابن مسعود في القراءة والتسبيح فقط. وقال صاحب " الدراية ": وهو أي التسبيح هو المأثور أي المروي. قلت لا يصلح هذا لأن المذكور في الأثر شيئان وإعادته إلى أحدهما بلا دليل تحكم، والظاهر أنه يرجع إلى المذكور في كلام القدوري الذي نقله المصنف، والمذكور فيه التخيير، ولكن الدليل الذي هو الأثر لا يطابق المدلول اللهم [إلا] إذا كان الثابت عند المصنف أن التخيير هو المنقول عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولكن ما أدركته ولكن المصنف خطواته واسعة، فلم يعجز عن الإدراك. أما المأثور عن علي وابن مسعود فقد رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قالا: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين، وعن منصور قلت لإبراهيم: ما يفعل في الأخريين من الصلاة؟ قال سبح واحمد
إلا أن الأفضل أن يقرأ؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك. ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو غريب لم يثبت، ولكن روي أن رجلا سأل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن قراءة الفاتحة في الأخريين. قالت اقرأها على جهة الثناء. م: (إلا أن الأفضل أن يقرأ) ش: هذا استثناء من قوله يخير في الأخريين وفي " الدراية " كأنه أراد به نفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القراءة تجب فيهما حتى لو لم يقرأ ولم يسبح كان مسيئا إن كان عمدا، وإن كان ساهيا فعليه القراءة والسهو قد ذكرنا الآن هذا عن " شرح مختصر الكرخي "، وقال الأترازي: إلا أن الأفضل عندنا أن يقرأ خلافا لما روي عن سفيان فإن عنده الأفضل أن يسبح م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك) ش: يعني على القراءة في الأخريين، هذا التعليل لا يطابق قوله إلا أن الأفضل أن يقرأ لأن مداومة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على فعل شيء يدل على وجوبه، ولهذا روى الحسن عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة واجبة في الأخريين ويجب سجود السهو بتركها ساهيا ذكره في " المبسوط " وغيره وقد ذكرناه، ويشهد لذلك حديث أبي قتادة رواه الجماعة إلا الترمذي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية، وكذلك في العصر» . وذكر الولوالجي في تعليل أفضلية القراءة في الأخريين بقوله ليكون مؤديا للصلاة الجائزة بيقين. وقال الأترازي: وإنما كانت القراءة أفضل، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم عليها في أغلب الأحوال. وقال الأكمل: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك يعني ترك وإلا لكان واجبا. قلت: من أين أخذ الأترازي قوله في أغلب الأحوال والأكمل من أين أخذ قوله يعني ترك والأحاديث الصحيحة لا تدل على ذلك، ولئن سلمنا ذلك كان ينبغي أن تكون القراءة في الأخريين سنة. وفي " التحفة " و " شرح مختصر الكرخي " أن السنة في الأخريين الفاتحة لا غير، وروى المعلى عن أبي يوسف أنه يقرأ فيهما بالحمد وسورة معها. م: (ولهذا) ش: أي ولكون قراءة الفاتحة على وجه الأفضلية م: (لا تجب سجدة السهو بتركها) ش: أي بترك القراءة يعني بترك قراءة الفاتحة. قلت هذا أيضا لا يطابق تعليله المذكور على ما لا يخفى م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه إن لم يقرأ ولم يسبح عمدا كان أو ناسيا، وإن كان ساهيا وجب عليه سجدة السهو كما ذكرناه. وقال الأكمل: وظاهر الرواية أصح لأن الأصل في القيام القراءة، فإذا سقطت [ففي القيام المطلق فكان كقيام المقتدي. قلت كل واحد من القيام والقراءة ركن مستقل بذاته، فمن قال إن القراءة سقطت]
[حكم القراءة في صلاة النفل]
والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل، وفي جميع ركعات الوتر، أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة، ولهذا لا تجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولهذا قالوا: يستفتح في الثالثة أي يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، ـــــــــــــــــــــــــــــQمطلقا، ولا نسلم أنه يكون كقيام المقتدي لأن المقتدي قارئا حكما، لأن قراءة الإمام تنوب عن قراءته. [حكم القراءة في صلاة النفل] م: (والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل وفي جميع ركعات الوتر، أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة) ش: لأن تحريمة النفل لا توجب أكثر من ركعتين على ما يجيء الآن م: (والقيام إلى الثالثة) ش: يعني القيام إلى الركعة الثالثة كالنفل بأربع ركعات م: (كتحريمة مبتدأة) ش: يعني كتحريمة ابتداء وبالتحريمة ابتداء لا تجب أكثر من ركعتين. م: (ولهذا) ش: أي ولكون كل شفع من النفل صلاة على حدة م: (لا تجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: هذا إذا نوى أربع ركعات حتى يحتاج إلى التقييد بالمشهور، فأما إذا شرع في التطوع بمطلق النية لا يلزمه أكثر من ركعتين بالاتفاق في جميع الروايات كذا في " المحيط " واحترز بالمشهور عن قول أبي يوسف أولا فإنه قال يلزمه جميع ما نواه اعتبارا للشروع بالنذر، وفي رواية عنه يلزمه أربع ركعات ولا يلزمه أكثر من ذلك اعتبارا للنفل بالفرض. م: (ولهذا) ش: أي ولكون القيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة م: (قالوا) ش: أي قال علماؤنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (يستفتح في الثالثة) ش: أي يقرأ في رأس الركعة الثالثة م: (سبحانك اللهم وبحمدك) ش: كما في الابتداء. فإن قلت: إذا كان كل شفع من النفل صلاة على حدة وترك القعدة الأولى من الشفع الأول كان ينبغي أن لا يجوز هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنهما يجوزان ترك القعدة الأولى من الشفع الأول. قلت: الفساد هو القياس كما ذهب إليه زفر، وروي عن محمد لأن كل شفع بمنزلة صلاة الفجر وصلاة الظهر للمسافر، ولو ترك القعدة فيهما فسدت الصلاة، وإن ضم إليهما شفعا آخر فكذا هذا، ولكن الاستحباب عدم الفساد ووجوب سجدة السهو عند السهو والتطوع كما شرع ركعتين شرع أربعا أيضا، فإذا ترك القعدة وقام إلى الشفع الثاني يمكن أن يجعل الكل صلاة واحدة، وفي الصلاة الواحدة من ذوات الأربع لا تفرض من القعدة إلا الأخيرة وهي قعدة الختم كما في الظهر بخلاف صلاة الفجر، لأن الفجر شرع ركعتين لا غير، وبضم الشفع الثاني لا يصير الكل صلاة واحدة.
وأما الوتر فللاحتياط، قال: ومن شرع في النافلة ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي: لا قضاء عليه. لأنه متبرع فيه ولا لزوم على المتبرع، ولنا أن المؤدى وقع قربة فيلزم الإتمام ضرورة صيانة عن البطلان، ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: ينبغي على هذا أن يكون في حق القراءة كذلك حتى لا تجب القراءة في الأخريين كما في الفرض. قلت: اعتبر في حق القراءة بمنزلة صلاتين لأن القراءة ركن مقصود في الصلاة شرعت لنفسها بخلاف القعدة، لأنها شرعت للفصل بين الشفعين، فلا يكون فرضا، وفي الفرض شرطت للتحليل فيكون فرضا. فإن قلت: لو صار هذا القيام إلى الشفع الثاني بمنزلة صلاة واحدة كالظهر لما أمرنا بالعودة إلى القعدة عند القيام إلى الثالثة كما في الظهر بل يؤمر هاهنا. قلت: له شبهان شبه للظهر لسريان الفساد إلى الأول عنه بترك القعدة وشبه للفجر في وجوب القراءة في الشفع الثاني، والشبه بالفجر يعود إليها ما لم يقيد بالسجدة، وبشبه الظهر لا يؤمر بالعود إذا قيد الثالثة بالسجدة ولم تفسد توفيرا للشبهين. م: (وأما الوتر فللاحتياط) ش: أي وأما وجوب القراءة في جميع ركعات الوتر فلأجل الاحتياط لأن الوتر سنة اعتقادا، كذا في " الجامع البرهاني " فتجب القراءة في الكل نظرا إليه، وبالنظر إلى مذهب أبي حنيفة لا تجب ولكن يجب للاحتياط وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومالك وآخرين. م: (قال: ومن شرع في النافلة ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي لا قضاء عليه) ش: وبه قال أحمد، وكذا الخلاف في صوم التطوع والعلماء أوردوا هذه المسألة في كتاب الصوم، القراءة سقطت مطلقا، ولا نسلم أنه يكون كقيام المقتدي لأن المقتدي قارئ حكما، لأن قراءة الإمام تنوب عن قراءته. لأن الأخبار التي يحتج بها من الجانبين إنما وردت في الصوم، لكن القدوري لما رأى أن حكم المسألة فيهما كان واحدا أوردها في كتاب الصلاة وتابعه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه متبرع فيه) ش: أي في فعله هذا م: (ولا لزوم على المتبرع) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (التوبة: الآية 91) ، فصار كالمظنون. م: (ولنا أن المؤدى) ش: بفتح الدال م: (وقع قربة) ش: بدليل أنه لو مات بعد هذا القدر من المؤدى يصير مثابا م: (فيلزمه الإتمام ضرورة صيانة عن البطلان) ش: وإبطال العمل حرام بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (محمد: الآية 33) ، والاحتراز عن إبطال العمل فيما
وإن صلى أربعا وقرأ في الأوليين وقعد ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين؛ لأن الشفع الأول قد تم، والقيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة فيكون ملزما هذا إذا أفسد الأخريين بعد الشروع فيهما. ولو أفسد قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين. وعن أبي يوسف أنه يقضي اعتبارا للشروع بالنذر، ولهما أن الشروع يلزم ما شرع فيه، وما لا صحة له إلا به، وصحة الشفع الأول لا تتعلق بالثاني، بخلاف الركعة الثانية. ـــــــــــــــــــــــــــــQلا يحتمل الوجه بالتجزي لا يكون إلا بإتمام، ومن الدليل على أن الشروع ما يلزم كالنذر المشروع في الحج فإنه يلزم بالاتفاق، وقياسه على المظنون فاسد لأنه شرع مقطعا لا ملتزما، وكلامنا فيما إذا شرع ملتزما. م: (وإن صلى أربعا) ش: أي إن شرع في الصلاة فأدى أربع ركعات، وإنما قيدنا هكذا لأنها لو كانت على حقيقتها لا يتصور إفساد الأخريين بعد تمامه م: (وقرأ في الأوليين وقعد) ش: قيد بالقعود، لأنه لو لم يقعد وأفسد الأخريين يجب عليه قضاء الأربع بالإجماع م: (ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين) ش: يعني الشفع الثاني م: (لأن الشفع الأول قد تم) ش: بالقعود م: (والقيام إلى الثالثة) ش: أي إلى الركعة الثالثة م: (بمنزلة تحريمة مبتدأة) ش: أي بمنزلة تحريمة ابتداء م: (فيكون ملزوما فيقضي ركعتين) ش: كما إذا شرع في الركعتين ابتداء فأفسدهما قضى ركعتين فكذا هذا. م: (هذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من قضاء الركعتين م: (إذا أفسد الأخريين بعد الشروع فيهما) ش: بأن قام إلى الأخريين فأفسدهما م: (ولو أفسد) ش: أي الأخريين م: (قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين) ش: عند أبي حنيفة ومحمد. م: (وعن أبي يوسف أنه يقضي) ش: الأخريين م: (اعتبارا للشروع بالنذر) ش: وذلك لأن نية الأربع قارنت سبب الوجوب وهو الشروع فيلزم القضاء، كما إذا نذر، فإن نية الأربع قارنت سبب الوجوب وهو النذر. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الشروع يلزم) ش: من الإلزام م: (ما شرع فيه) ش: جملة في محل نصب مفعول قوله يلزم م: (وما لا صحة له إلا به) ش: أي الشروع يلزم أيضا ما لا صحة له أي للشروع إلا به، كالركعة الثانية حيث لا صحة للأولى بدونها، لأن البتيراء منهي عنها م: (وصحة الشفع الأول لا يتعلق بالثاني) ش: أي الشفع الثاني لا يتعلق ولا يتوقف عليه فلا يلزم من لزوم الشفع الأول بسبب الشروع فيه لزوم الشفع الثاني، فإذا لم يلزم لا يكون واجبا، فإذا لم يكن واجبا لا يجب قضاؤه، فظهر من هذا أن النية لم تقارن سبب الوجوب وهو الشروع، لأن الفرض أنه لم يشرع م: (بخلاف الركعة الثانية) ش: بخلاف النذر فإن نية الأربع قارنت سبب الوجوب فيلزم القضاء بالإفساد.
وعلى هذا سنة الظهر، لأنها نافلة، وقيل: يقضي أربعا احتياطا، لأنها بمنزلة صلاة واحدة، وإن صلى أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا أعاد ركعتين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي أربعا وهذه المسألة على ثمانية أوجه. والأصل فيها أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين. أو في أحديهما يوجب بطلان التحريمة، لأنها تقعد للأفعال، ـــــــــــــــــــــــــــــQومن الدليل على أن الشفع الثاني ينفك عن الشفع الأول في التطوع أن المرأة إذا دخلت على زوجها وهو في الشفع الأول فانتقل إلى الشفع الثاني ثم خرجت فطلقها يجب كمال المهر لصحة الخلوة، وتبطل الشفعة أيضا إذا أخبر في الشفع الأول فانتقل إلى الشفع الثاني. أما في الفريضة وسنة الظهر لا تصح الصلاة ولا تبطل الشفعة. م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف الذي في النفل المطلق م: (سنة الظهر) ش: يعني لو أفسد الأخريين من سنة الظهر فعند أبي يوسف يقضيهما سواء أفسدهما قبل الشروع فيهما أو بعد الشروع. وعندهما يقضي إذا أفسدهما بعد الشروع لا قبله، لكن يقضي ركعتين م: (لأنها نافلة) ش: أي لأن سنة الظهر نافلة في الأصل. م: (وقيل يقضي أربعا احتياطا لأنها) ش: أي لأن سنة الظهر م: (بمنزلة صلاة واحدة) ش: بدليل أن الزوج إذا خير امرأته وهي في الشفع الأول من هذه الصلاة، أو خيرت بشفعة لها فأتمت أربعا لا تبطل خيارها، ولا شفعتها بخلاف سائر التطوعات. م: (وإن صلى أربعا) ش: أي أربع ركعات تطوعا م: (ولم يقرأ فيهن شيئا) ش: أي والحال أنه لم يقرأ في هذه الأربع شيئا من القرآن م: (أعاد ركعتين) ش: لأنا ذكرنا أن بالشروع الأول لا يلزم الشفع الثاني، فإذا لم يلزم يعيد الركعتين هاهنا م: (وهذا) ش: أي الاقتصار على إعادة الركعتين فقط م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: بناء على ما ذكرنا من أصلهما. م: (وقال أبو يوسف: يقضي أربعا) ش: بناء على أصله المذكور م: (وهذه المسألة على ثمانية أوجه) ش: إنما انحصرت على الثمانية لأن القسمة العقلية، وهذه الأقسام في الحقيقة في أقسام ترك القراءة لا في القراءة؛ لأن الفساد إنما جاء من قبل الترك، ولهذا لم يأت فيما إذا قرأ في الكل مع أن القسمة العقلية تقتضيه، ثم يذكر الكل راعيا المتن في ذلك واتباعا له، لأن الشرح لا أعلمه إلا إذا ساق المتن وأتبعه بالشرح وإلا فالمتن في واد والشرح في واد، ولا ينتفع به الناظر إلا بعد مشقة كثيرة بعد استعداد كامل. م: (والأصل فيها) ش: أي في هذه المسألة المثمنة م: (أن عند محمد ترك القراءة في الأوليين أو في أحديهما يوجب بطلان التحريمة) ش: أي في حق الشفع الثاني م: (لأنها) ش: أي لأن التحريمة م: (تقعد للأفعال) ش: يعني المقصود منها الأفعال، ولهذا لا تسقط الصلاة عن العاجز عن
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة، وإنما يوجب فساد الأداء، لأن القراءة ركن زائد، ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة للأداء إلا بها وفساد الأداء لا يزيد على تركه. ـــــــــــــــــــــــــــــQالقراءة، وإن قدر على الأذكار والأفعال قد فسدت بترك القراءة بالإجماع ومع صفة الفساد للأفعال لا بقاء للتحريمة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إذا أفسد الأداء بحيث لا يمكن إصلاحه تنقطع التحريمة كالبيع إذا هلك قبل القبض انفسخ العقد لأنه فات المعقود عليه بحيث لا يرجى وجوده، فكذلك هاهنا التحريمة شرعت للأداء، فإذا فسد فقد فات المعقود عليه بحيث لا يرجى وجوده، فتنقطع التحريمة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " لما فسدت الأفعال صارت بمنزلة أفعال ليست هي من الصلاة، ومن فعل في صلاته أفعالا ليست من الصلاة تبطل بها التحريمة كالتكلم والحديث العمد. م: (وعند أبي يوسف ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة) ش: لأنه يوجب فساد الأداء لا بطلانه [وفساد الأداء لا يزيد على تركه] وهو معنى قوله م: (وإنما يوجب فساد الأداء) ش: لا بطلانه، وفساد الأداء لا يزيد على ترك الأداء بعد التحريمة م: (لأن القراءة ركن زائد ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها) ش: أي بدون القراءة حقيقة كما في الأمي والمقتدين م: (غير أنه) ش: أي غير أن الشأن هو استثناء من قوله ركن زائد تقريره أن القراءة وإن كانت ركنا زائدا م: (ولكن لا صحة للأداء إلا بها) ش: أي بالقراءة لأنها تؤثر في إزالة صفة الصلاة وهي صحة الأداء، وإن كانت لا تؤثر في إزالة [صحة] أصل الصلاة حتى تصير باطلة. م: (وفساد الأداء لا يزيد على تركه) ش: أي على ترك الأداء بمعنى أن الفساد ليس بأقوى حالا من الترك لما أن الفساد عبارة عن زوال الوصف دون الأصل، وزوال الأصل أقوى من زوال الوصف فترك الأداء إذا لم يوجب بطلان التحريمة ففساد الأداء أولى أن لا يوجب، وصورة ترك الأداء أن يحرم للصلاة، فقام طويلا ولم يأت بشيء من الأركان، ولو عدم الأداء أصلا بقيت التحريمة، وهذا لأن مبتدأ التحريمة صحيحة قبل مجيء أوان القراءة لأنها شرعت بتحريم أعمال الدنيا، ثم يؤدي الأفعال في تلك التحريمة. فإن قلت: ما ذكرتم تأخير لا ترك فلا يكون مفيدا. قلت هذا ترك قبل اشتغاله بأداء، وإنما يعرف كونه تأخيرا إذا اشتغل بالأداء فقيل اشتغاله به يصح إطلاق اسم الترك عليه. قال السغناقي: كذا قاله العلامة شمس الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال الأكمل: وفيه نظر لأن للخصم حينئذ أن يقول لا نسلم أن الفساد لا يزيد على مثل هذا الترك. قلت لم تفرق بينه وبين إذا أسلم أن الترك لا يبطل التحريمة كيف يسلم زيادة الفساد على الترك. فإن قلت: ما الفرق بينه وبين الكلام والحديث العمد فإنهما يبطلان التحريمة دون الترك.
فلا تبطل التحريمة، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة، وفي إحداهما لا يوجب، لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة، وفسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء، وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: هما من محظورات التحريمة، وارتكاب المحظور يقطع التحريمة، لأنه يمنع انعقادها في الابتداء فيجوز أن يقطعها بعد الصحة، والفقه فيه أن التحريمة شرط الأداء، وبفساد الأداء لا يفسد الشرط كالوصف لا يفسد بفساد الصلاة. م: (فلا تبطل التحريمة) ش: نتيجة ما قيل، وقد قررنا عدم بطلانها الآن: م (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة وفي إحداهما لا يوجب) ش: أي ترك القراءة في إحدى الأوليين لا يوجب بطلان التحريمة وهاهنا أمران، أحدهما ترك القراءة في الأوليين، والآخر تركها في إحداهما، وعلل الأول بقوله م: (لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة) ش: فكان ترك القراءة فيه إخلاء للصلاة عن القراءة، فتكون فاسدة يجب قضاؤها وبطل تحريمها. وعلل الثاني بقوله م: (وفسادها) ش: أي فساد الصلاة م: (بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه) ش: فإن عند الحسن البصري لا تجب القراءة إلا في الركعة الأولى كما ذكرناه م: (فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء) ش: أي قضاء الشفع الأول كما في الفجر، م: (وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا) ش: في كل واحد من الحكمين. فالحاصل أن الأداء يفسد بالنظر إلى دليلنا، ويصح بالنظر إلى ما تمسك به الحسن فيعمل بهما فقلنا ببقاء التحريمة حتى يصح شروعه في الشفع الثاني، وبفساد الشفع الأول حتى يجب القضاء ليكون العمل على الوثيقة في باب العبادة. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام ما قال أبو حنيفة هذا حيث أوجب الفساد بفساد الأداء ولم يرفع التحريمة لأنه لم يوجد ما يقطع فعليه قضاء الأخريين بالإجماع لبقاء التحريمة وصحة الشروع في الشفع الثاني، وهذا إذا قعد بينهما، فإن لم يقعد قضى أربعا، لأن عندهما لم يصح الشروع في الثاني والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين لأنه بناهما على تلك التحريمة والتحريمة الواحدة لا يتسع فيها الأداء والقضاء. فإن قلت: فساد الصلاة بترك القراءة في الركعتين أيضا مجتهد فيه، لأن أبا بكر الأصم وابن علية وابن عيينة لا يقولون بفسادها. قلت: ذلك خلاف لا اختلاف، لكونه مخالفا للدليل القاطع وهو قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) .
إذا ثبت هذا نقول: إذا لم يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما، لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما فلم يصح الشروع في الشفع الثاني، وبقيت عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء الأربع عنده، ولو قرأ في الأوليين لا غير فعليه قضاء الأخريين بالإجماع؛ لأن التحريمة لم تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني، ثم فساده بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول، ولو قرأ في الأخريين لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع؛ لأن عندهما لم يصح الشروع في الشفع الثاني، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (إذا ثبت هذا) ش: يعني الأصل المذكور م: (فنقول إذا لم يقرأ في الكل) ش: شرع في بيان تلك المسائل الثمانية فلذلك قال فنقول بالبقاء الأولى إذا لم يقرأ في الأربع كلها م: (قضى ركعتين عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما، فلم يصح الشروع في الثاني) ش: أي في الشفع الثاني ولما لم يصح الشروع في الثاني لا يكون صلاة عندهما، وعند أبي يوسف يصح، لأن التحريمة باقية وهو معنى قوله م: (وبقيت) ش: أي التحريمة م: (عند أبي يوسف فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه) ش: أي في الكل م: (فعليه قضاء الأربع عنده) ش: أي عند أبي يوسف، وثمرة الاختلاف تظهر في الاقتداء به في الشفع الثاني هل يصح أم لا، وفي القهقهة هل تكون ناقضة للوضوء أم لا، فعندهما لا يصح الاقتداء ولا تنتقض الطهارة خلافا لأبي يوسف. وفي " المحيط " قيل: هذا عند أبي يوسف فيما إذا أفسدها بترك القراءة، أما لو أفسدها بالكلام والحديث العمد لا يلزمه إلا ركعتان، قال: هذا مذكور في " المنتقى "، وفي " المبسوط ": في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف يلزمه الأربع بالكلام أيضا. م: (ولو قرأ في الأوليين لا غير) ش: هذه المسألة الثانية وهي أن يقرأ في الركعتين الأوليين من الأربع م: (فعليه قضاء الأخريين بالإجماع لأن التحريمة لم تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فساده) ش: أي فساد الشفع الثاني م: (بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول) ش: لأن كل شفع صلاة على حدة، ثم لو اقتدى به إنسان في الشفع الثاني وصلاه معه قضى الأوليين ذكره في " المحيط " لأنه التزم ما التزم الإمام كاقتداء المتطوع بمصلي الظهر في آخرها. م: (ولو قرأ في الأخريين) ش: هي المسألة الثالثة وهي أن يقرأ في الركعتين الأخريين م: (لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع) ش: هذا مما اتحد فيه الجواب، واختلف التخريج أشار إليه بقوله م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (لم يصح الشروع في الشفع الثاني) ش: فلا تكون صلاة في قولهما حتى لو اقتدى به إنسان في الشفع الثاني لا يصح اقتداؤه، ولو قهقه لا تنقض طهارته كذا ذكره قاضي خان في " الجامع الصغير "، وذكر في " المبسوط " والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين.
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن صح فقد أداها، ولو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين بالإجماع، ولو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين بالإجماع، ولو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قضى الأربع، وكذا عند أبي حنيفة؛ لأن التحريمة باقية، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه قضاء الأوليين؛ لأن التحريمة قد ارتفعت عنده، وقد أنكر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه الرواية عنه، وقال رويت لك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يرجع عن روايته عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وعند أبي يوسف إن صح) ش: أي الشروع في الشفع الثاني م: (فقد أداها) ش: أي فقد أدى الأربع، وإن لم يصح فعليه قضاء الشفع الأول، وعلى كلا التقديرين لا خلاف في الجواب، وإنما الخلاف في التخريج. م: (ولو قرأ في الأوليين) ش: هذه المسألة الرابعة وهي أن يقرأ في الركعتين الأوليين م: (وإحدى الأخريين) ش: أي وقرأ في إحدى الركعتين الأخريين م: (فعليه قضاء الأخريين بالإجماع) ش: يعني إذا قعد في الأوليين. م: (ولو قرأ في إحدى الأخريين) ش: هذه المسألة الخامسة وهي أن يقرأ في الركعتين الأخريين م: (وإحدى الأوليين) ش: أي قرأ في إحدى الركعتين الأوليين م: (فعليه قضاء الأوليين بالإجماع) ش: والأخريان صلاة عندهما خلافا لمحمد، ذكره في " المحيط ". وفي " المبسوط " والتحريمة عندهما لم تحل فصار شارعا في الشفع الثاني وقد أتمه، وعليه قضاء ما أفسده وهو الشفع الأول. م: (ولو قرأ في إحدى الأوليين) ش: هذه المسألة السادسة، وهي أن يقرأ في إحدى الركعتين الأوليين، م: (وإحدى الأخريين) ش: أي وقرأ في إحدى الركعتين الأخريين م: (وعلى قول أبي يوسف قضى الأربع) ش: لبقاء التحريمة م: (وكذا عند أبي حنيفة) ش: أي كذا عنده يقضي الأربع، وإنما قال وكذا عند أبي حنيفة، ولم يقل على قول أبي يوسف وأبي حنيفة، لأنه أشار بذلك إلى أنه ليس قول أبي حنيفة باتفاق بينه وبين أبي يوسف، بل إنما قوله بناء على رواية محمد لأن عنده يقضي الركعتين على ما يجيء الآن، وإنما يقضي الأربع عند أبي حنيفة أيضا. م: (لأن التحريمة باقية، وعند محمد عليه قضاء الأوليين، لأن التحريمة قد ارتفعت عنده) ش: وبه قال زفر لعدم صحة الشروع عندهما م: (وقد أنكر أبو يوسف عليه) ش: أي على محمد م: (هذه الرواية عنه) ش: أي عن أبي يوسف م: (وقال) ش: أي أبو يوسف م: (رويت لك عن أبي حنيفة أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد لم يرجع عن روايته عنه) ش: بأن قال لأبي يوسف بل رويت لي ما أقول وقلت أنت، وأصل هذه القضية ما ذكره فخر الإسلام البزدوي في أول شرح " الجامع الصغير " كان أبو يوسف يتوقع عن محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب أي كتاب
ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما، ـــــــــــــــــــــــــــــQ" الجامع الصغير " وأسنده عن أبي يوسف إلى أبي حنيفة، فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله مسائل خطأه في روايتها عنه، فلما بلغ ذلك محمدا قال: بل حفظها ونسي وهي ست مسائل: إحداها: هذه المسألة وهي رجل صلى التطوع أربعا وقرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين لا غير، روى محمد أنه يقضي أربعا، وقال أبو يوسف إنما رويت له ركعتين. وقال فخر الإسلام واعتمد مشايخنا رواية محمد، وقال أيضا يحتمل أن يكون ما حكى أبو يوسف من قول أبي حنيفة، قياسا، وما ذكر محمد استحسانا ذكر القياس والاستحسان في الأصل ولم يذكر في " الجامع الصغير ". والمسألة الثانية: مستحاضة توضأت بعد طلوع الشمس تصلي حين يخرج وقت الظهر، وقال أبو يوسف إنما رويت لك حتى يدخل وقت الظهر. والثالثة: المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع بعد العتق، وقال أبو يوسف إنما رويت لك لأنه لا ينفذ. والرابعة: المهاجرة لا عدة عليها وتنكح، إلا أن تكون حبلى فلا يجوز نكاحها وقال أبو يوسف إنما رويته أنها تنكح ولكن لا يقربها زوجها حتى يضع حملها. والخامسة: عبد بين اثنين قتل مولاهما عمدا فعفى أحدهما بطل الدم كله، قال أبو يوسف ومحمد يدفع ربعه إلى شريكه أو يفديه بربع الدية، وقال أبو يوسف إنما حكيت له عن أبي حنيفة كما حكى عنهما، وإنما الاختلاف الذي رويته في عبد قتل مولاه عمدا وله اثنان فعفى أحدهما، إلا أن محمدا ذكر الاختلاف فيهما، وذكر قوله تفسد مع أبي يوسف في المسألة الأولى، ومع أبي حنيفة في المسألة الثانية. والسادسة: رجل مات وترك ابنا وعبدا له لا غير، فادعى العبد أن الميت كان أعتقه في صحته، وادعى رجل على الميت بألف درهم وقيمة العبد ألف، فقال الابن صدقتهما يسعى العبد في قيمته وهو حر ويأخذه الغريم بدينه. وقال أبو يوسف إنما رويت له أنه عبد ما دام يسعى في قيمته. قال في " المبسوط " وغيره: اعتماد المشايخ على رواية محمد، والمذهب أن الراوي إذا أنكر روايته لا يبقى حجة خلافا لمحمد والشافعي ذكره السرخسي والبزدوي في أصول الفقه. م: (ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف هذه المسألة السابعة وهي أن يقرأ في أحد الركعتين الأوليين ولم يقرأ في الركعتين
وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قضاء ركعتين، ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير قضى أربعا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما ركعتين. قال: وتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يصلي بعد صلاة مثلها» يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون بيان فريضة القراءة في ركعات النفل كلها، ـــــــــــــــــــــــــــــQالأخريين يقضي عند أبي حنيفة وأبي يوسف أربع ركعات م: (وعند محمد قضاء ركعتين) ش: أي يقضي ركعتين. م: (ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير) ش: هي المسألة الثامنة، وهي أن يقرأ في إحدى الركعتين الأخريين ولم يقرأ في غير ذلك شيئا م: (قضى أربعا عند أبي يوسف) ش: يعني عند أبي يوسف يقضي أربع ركعات لعدم بطلان التحريمة وصحة الشروع م: (وعندهما ركعتين) ش: أي يقضي عند أبي حنيفة ومحمد ركعتين لبطلان التحريمة وعدم صحة الشروع، وفي هذا الباب ستة عشر وجها، وهي قرأ في الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو في الأوليين أو فيهما والثالثة أو فيهما والرابعة أو في الكل أو في الأخريين أو فيهما والأولى أو فيهما والثانية أو لم يقرأ فيهن شيئا أو قرأ في الأوليين ولم يتشهد أو تشهد ولم يقم إلى الثالثة أو قام إليها ولم يقيدها بالسجدة أو قيدها بالسجدة، فروع: لو دخل مع الإمام في الأوليين وتكلم قبل أن يدخل الإمام في الركعتين الأخريين يلزمه ركعتان عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه صار مقتديا به في الركعتين لا غير. ولو تكلم بعدما قام إمامه إلى الثالثة وقرأ في الأربع يقضي أربعا لأنه صار شارعا في الشفع الثاني مع الإمام، ولو اقتدى به في الشفع فرعف فذهب ليتوضأ فتكلم فصلى إمامه ستا يصلي هو أربعا لأنه لم يشرع معه في الشفع. والثالث ذكره في " المحيط " ولا يجب بالتحريمة الأولى في النفل إلا ركعتان في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف يلزمه جميع ما نوى، ولو نوى بأنه ركعة وهو رواية بشر بن أبي الأزهر النيسابوري اعتبارا بالنذر، وعنه أنه يلزمه أربع ركعات دون ما زاد عليها، رواه محمد ابن سماعة عنه وبشر بن الوليد، وفي رواية عنه يلزمه ثمان ركعات ذكره في الينابيع، وفي " مختصر البحر " لو ترك القراءة في إحدى ركعتي الفجر أو صلاة السفر فسدت ولا يمكنه إصلاحها، بخلاف ما لو سجد على النجاسة فأعادها على موضع طاهر حيث يصح. م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يصلي بعد صلاة مثلها» يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها) ش: الكلام هاهنا في مواضع: الأول: في حل التركيب فنقول قوله قال يقضي المقول وأن يكون المقول جملة إلا إذا كان القول بمعنى الحكاية، وهاهنا القول محذوف تقديره قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يصلي بعد صلاة مثلها» كذا ولا يجوز أن يكون قوله وتفسيره قوله.. الخ مقول القول لوجود حرف العطف. قوله وتفسير قوله كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره محذوف كما ذكرناه، وقوله يعني ركعتين.. إلخ بيان لما فسره محمد في " الجامع الصغير ". الثاني: رفع هذا الخبر إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يثبت، وإنما هو موقوف على عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم، قال: قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصلي بعد صلاة مثلها، وحديث عبد الله بن إدريس عن حصين عن إبراهيم والشعبي قالا: قال عبد الله: لا يصلي على إثر صلاة مثلها. وفي " جامع الأسبيجابي " هذا التفسير يروى عن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وفي " البزازية " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكان زيد، وفي " شرح الجامع الصغير ": قال الفقيه أبو الليث: هذا الخبر يروى عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: لا يصلي بعد صلاة مثلها. وروى الطحاوي بإسناده في شرح الآثار عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يصلي بعد صلاة مثلها. الثالث: أن المصنف أورد هذا بعد أن ذكر أن القراءة واجبة في جميع ركعات النفل وما ترتب على ذلك من المسائل الثمانية لبيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل يوضح ذلك أنه لما ورد هذا الخبر عاما وقد خص منه البعض لأنه يصلي سنة الفجر، ثم فرض الفجر وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم يصلي الظهر أربعا وهما مثلان، وكذا يصلي فرض الظهر ركعتين في السفر ثم يصلي السنة ركعتين، ولما لم يكن العمل بعمومه قال محمد المراد منه أن لا يصلي بعد أداء الظهر نافلة ركعتان بقراءة، وركعتان بغير قراءة يصلي، يعني لا يصلي النافلة كذلك حتى لا يكون مثلا للفرض، مثل يقرأ في جميع ركعات النفل فيكون الحديث بيانا بفرضية القراءة في جميع ركعات النفل. فإن قلت: كيف بيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل والحال أنه غير مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولئن سلمنا رفعه وهو خبر الواحد فكيف يفسد الفرضية. قلت: أجاب الأترازي بقوله ما ثبت به الإتيان أن الأربع من النفل مجمل القراءة، وخبر الواحد يصلح أن يكون ثبتا لمجمل الكتاب، ثم الفرضية ثبتت بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) . قلت: هو قال قبل هذا الكلام وعندي أنه ليس بثابت عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بل هو كلام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فالذي لم يثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كيف يكون مبنيا بمجمل الكتاب، وقال الأكمل في الجواب: أجيب بأنه قال بيان الفرضية، ويجوز أن تكون الفرضية ثابتة
[صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود]
ويصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبقوله تعالى {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] ، والحديث بيان أنها فرض في التطوع ركعة فركعة. قلت هذا مثله وليس بشيء، لأن نص القرآن ظاهر مستغن عنه من البيان، وليس بمجمل إذ لو كان مجملا لقيل بفرضية الفاتحة وضم السورة، على أن يكون هذا حديثا لم يثبت كما ذكرنا. وفي " الجنازية ": تفسير الحديث على الوجه المنقول بأن كل شفع من النوافل محل فرض من القراءة باعتبار أنه صلاة على حدة فرضت فيه القراءة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وهذا كما يقال: باعتبار المسح بالربع، ثبت بخبر المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفرضيته ثبتت بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا} [المائدة: 6] . قلت: هذا أيضا من المشرب المذكور في كونه اعتمد على كون الحديث مرفوعا، وأيضا فإن قوله بيان أن كل القيام.. إلخ لا يحتاج إلى هذه المقالة، لأنه لما ثبت أن كل شفع من النوافل صلاة على حدة فبرهنت فيه القراءة بقوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) لأن الأمر بالقراءة في مطلق الصلاة، فكانت في الركعة الأولى من الفرض بالأمور، وفي الثانية بدلالة النص، فكذلك في الشفع من النفل، لأنه صلاة والقراءة فرض في الصلاة، ولأجل ما ذكرنا من الأمور حمل بعضهم هذا الخبر على النهي عن إعادة الصلاة بسبب الوسوسة، ذكره في " الذخيرة "، وقيل كانوا يصلون الفريضة بعدها أخرى يطلبون بذلك زيادة الأجر، فنهي عن ذلك، وقال «لا يصلي بعد صلاة مثلها» وحمله الشافعي على المماثلة في العدد وليس بشيء، فإنه شرع بالإجماع في ركعتي الفجر مع الفجر ونحوه كذا ذكرنا. وفي " جامع فخر الإسلام ": ولو حمل على تكرار الجماعة في مسجد له أهل أو على قضاء صلاة عند توهم الفساد يكون صحيحا. وفي الجنازية فإن ذلك مكروه لما فيه من تسليط الوسوسة على القلب، وقال بعضهم: هذا حكم ظهر بعد سبب وهو ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة التعريس دعا بماء فأوتر ثم صلى الفجر بجماعة فقال له أصحابه أونقضي بها بين الركعتين في وقت الصلاة من اليوم الثاني؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله تعالى نهاكم عن الرياء فلا يأمركم به، لا يصلي بعد صلاة مثلها» معناه أن الفائنة إذا قضيت لا تقضى في اليوم الثاني في وقت تلك الصلاة من غير دليل، قلت فيه نظر لا يخفى. [صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود] م: (ويصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام) ش: معناه يجوز له أن يصلي النافلة حال كونه قاعدا مع القدرة على الصلاة قائما م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري والأربعة عن عمران بن حصين قال: «سألت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صلاة الرجل قاعدا، فقال: من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد» وفي رواية مسلم: قال عليه
ولأن الصلاة خير موضوع وربما يشق عليه القيام فيجوز له تركه كيلا ينقطع عنه، واختلفوا في كيفية القعود، والمختار أن يقعد في حالة التشهد؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسلام: «صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة» أي في حق الأجر. فإن قلت: هذا الحديث لم يتعرض للنفل ولا للفرض ولا لحالة العذر وغيرها فكيف وجه التمسك به قلت قال الشراح هنا ما حاصله إن الإجماع منعقد على أن صلاة القاعد بعذر مساوية لصلاة القائم في حق الأجر فلم يبق حينئذ إلا صلاة النفل قاعدا بدون العذر، لأن الفرض لم يجز قاعدا بلا عذر. قلت: هذا غير مخلص على ما لا يخفى، لأنهم ما ذكروا شيئا يدل على ما قالوا، فأقول وبالله التوفيق: إن أبا بكر بن أبي شيبة روى في " سننه " عن المسيب بن رافع الكاهلي قال: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم إلا من عذر، وروى أيضا عن «عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قاعدا قالت بعدما حطته السن» هذا دليل على أن المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» غير حال العذر. وقال الترمذي وقال سفيان الثوري هذا الحديث «من صلى جالسا فله نصف أجر القائم» قال: هذا للصحيح ومن ليس له عذر، وأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فله مثل أجر القائم، وقد روي في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري. فإن قلت: هذا الذي ذكرته [منها] لا يدل على المدعى. قلت: روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يصلي بعد الوتر قاعدا» . وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا» ، الحديث رواه الجماعة إلا البخاري، فهذا يدل على أن النفل قاعدا من غير عذر يجوز، وأما الأحاديث المذكورة فتدل على أن الصلاة قاعدا في الفرض لا تجوز إلا عن عذر. م: (ولأن الصلاة خير موضوع) ش: أي مشروع لك مرفوع عنك لكونها غير واجبة، وروى أحمد في " مسنده " والبزار في " سننه " من حديث عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصلاة خير موضوع، فمن شاء أكثر، ومن شاء أقل» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " والطبراني في " الأوسط " م: (وربما يشق عليه) ش: أي على المصلي م: (القيام فيجوز له تركه) ش: أي ترك القيام م: (كيلا ينقطع عنه) ش: أي عن فعل النافلة، وفي بعض النسخ كيلا ينقطع به أي بسبب القيام عن الخبر، لأن القيام ربما يفضي إلى ذلك. م: (واختلفوا في كيفية القعود) ش: أي اختلف العلماء في كيفية القعود وحالة القراءة، قال المصنف م: (والمختار أن يقعد كما يقعد في حالة التشهد) ش: وهو الذي اختاره الفقيه أبو الليث السمرقندي وشمس الأئمة السرخسي وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " الخلاصة ": عن أبي حنيفة ثلاث روايات: في رواية يجلس كما يجلس في التشهد، وفي رواية: يتربع، وفي رواية:
لأنه عهد مشروعا في الصلاة وإن افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان، وعندهما لا يجوز به وهو قياس، لأن الشروع معتبر بالنذر له أنه لم يباشر القيام فيما بقي، ولما باشر صحت بدونه ـــــــــــــــــــــــــــــQيحتبي، وفي " شرح الطحاوي ": وفي قول زفر يجلس كما يجلس في التشهد وفي حال التشهد يجلس كما يجلس في التشهد بالإجماع. وفي " الذخيرة ": يقعد في التشهد كما يقعد في سائر الصلاة إجماعا، وعن أبي حنيفة في حالة القراءة روايتان إن شاء قعد كذلك، وإن شاء تربع وإن شاء احتبى وعن أبي يوسف أنه يحتبي، وعنه أنه يتربع إن شاء، وعن محمد أنه يتربع، وذكر خواهر زادة في باب الحدث أنه يخير بين التربع والاحتباء، وروي عن أبي حنيفة أنه يتربع في صلاة الليل من أول الصلاة إلى آخرها. وقال أبو يوسف إذا جاء وقت الركوع والسجود يقعد كما يقعد في تشهد المكتوبة. وفي " مختصر الكرخي " عن أبي حنيفة يقعد كيف شاء وبه قال محمد وغيرهما من السلف. وروى الحسن أنه يتربع وإذا أراد الركوع يثني رجله اليسرى وافتراشها، وهو رواية عن أبي يوسف وعنه أنه يركع متربعا، وذكر شيخ الإسلام الأفضل له أن يقعد في موضع القيام محتبيا، لأن عامة صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في آخر عمره كان محتبيا، وفي " شرح الوجيز " الافتراش أفضل في قول، والتربع أفضل في قول، وقيل ينصب ركبته اليمنى ويفترش رجله اليسرى، وقيل: ينصب رجله اليمنى كالقارئ يجلس بين يدي المقرئ. وعند مالك يتربع، وعند أحمد يتربع في حال القيام ويثني رجليه في الركوع والسجود، وتفسير الاحتباء أن ينصب ركبتيه ويجمع يديه عند ساقيه وفي الصحاح: احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته أو بيديه والمراد هاهنا جمعها بيديه. م: (لأنه) ش: أي لأن قعود التشهد م: (عهد مشروعا في الصلاة) ش: فكان أولى من غيره م: (وإن افتتحها) ش: أي وإن افتتح النافلة حال كونه م: (قائما ثم قعد من غير عذر) ش: قيد به، لأنه إذا قعد بعذر جاز بالاتفاق وبغير عذر م: (جاز عند أبي حنيفة) ش: وبه قال مالك والشافعي م: (وهذا استحسان) ش: أي قول أبي حنيفة هو استحسان. م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يجوز به) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي م: (وهو قياس) ش: أي قولهما هو القياس م: (لأن الشروع معتبر بالنذر) ش: هذا وجه القياس، لأن المشروع ملزم كالنذر، فإذا نذر أن يصلي قائما لا يجوز له أن يصلي قاعدا، فكذا إذا شرع قائما لا يجوز له أن يتم قاعدا. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة وهو وجه الاستحسان م: (أنه) ش: أي أن المفتتح قائما م: (لم يباشر القيام فيما بقي) ش: من الصلاة م: (ولما باشر صحت بدونه) ش: أي لما باشر من القيام في
بخلاف النذر، لأنه التزمه نصا، حتى لو لم ينص على القيام لا يلزمه القيام عند بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ـــــــــــــــــــــــــــــQالأولى صحة بدون القيام في الثانية بدليل حالة العذر فلا يكون الشروع في الأولى قائما موجبا للقيام في الثانية م: (بخلاف النذر لأنه التزمه نصا) ش: أراد أن القياس على النذر غير صحيح، لأنه التزم القيام من حيث إنه نص عليه بتسليمة فيلزمه م: (حتى لو لم ينص على القيام) ش: في نذره م: (لا يلزمه القيام عند بعض المشايخ) ش: أراد به فخر الإسلام ومن وافقه، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " وإذا نذر أن يصلي مطلقا لم يلزمه القيام، ثم قال: هذا هو الصحيح من الجواب. وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني: لا رواية فيما إذا نذر أن يصلي صلاة ولم يقل قائما أو قاعدا، أما إذا قاله يجب قائما أو قاعدا. ثم اختلف المشايخ قال فخر الإسلام: لم يلزمه القيام لأنه في النفل وصف زائد فلا يلزم إلا بالشرط وقال بعضهم: يلزمه قائما؛ لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وأسماء أوجبها الله تعالى قائما، وقال الأكمل وفي قوله حتى لو لم ينص.. إلخ نظر لأنه لا يستقيم في الاستدلال على قول أبي حنيفة أخذ قوله بعض من تأخر عنه بأزمنة كثيرة. قلت: ليس الأمر كذلك لأن قوله حتى لو لم ينص إلخ عنه بأزمنة نتيجة قول أبي حنيفة الذي يفهم منه، وكيف لا يستقيم الاستدلال فيها بقول متأخر بقول متقدم، ومع هذا لا رواية عنه فيما إذا نذر صلاة مطلقا هل يصلي قائما أو قاعدا كما ذكرنا، وقال الأكمل أيضا واعلم أن الدليل المذكور في الكتاب يفيد أنه لو قعد في الركعة الأولى بعد افتتاحها لا يجوز، لأن الشروع يلزم ما باشره وما باشره إلا قائما. وذكر في " الفوائد الظهيرية " ما يدل على جوازه حيث قال المتطوع في الابتداء. كانت له الخيرة بين الافتتاح قائما وبين الافتتاح قاعدا فكذلك في الانتهاء بالطريق الأولى، لأن حكم الاستدامة أخف. قلت: هذا الذي قاله من كلام السغناقي، ثم قال الأكمل وفيه نظر، لأن كون البقاء أسهل من الابتداء من المسلمات لا نزاع فيه، لكن عارضه أصل آخر وهو أن الشروع فيما باشره يلزمه. قلت: المتطوع مخير بين القيام والقعود، ولأن القيام صفة زائدة، والصلاة تجوز بدونه صفة القيام، فبالنظر إلى هذا الشروع فيما باشره غير ملزم والاستحقاق هذا الجزء الذي شرع فيه اسمية الصلاة إنما يكون بانضمام أجزاء أخر. فروع: لو توكأ على عصا أو حائط بغير عذر لا يكره عنده، وعندهما يكره. ولو نذر صلاة وهو راكب فقد ذكر الكرخي أنه يجوز أداؤها راكبا، وفي الأصل: لو نذر أن يصلي فصلى راكبا لم يجزئه، ولم يفصل بينهما إذا كان الناذر راكبا على الدابة أو الأرض، وذكر ابن أبي شيبة عن السلف منهم الحسن البصري أنه قال: لا بأس من أن يصلي الرجل ركعة قائما وركعة قاعدا،
ومن كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة توجهت يومئ إيماء؛ لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء» ـــــــــــــــــــــــــــــQوكذا روي عن شعبة عن الحكم وحماد، ولم يذكر عن غيرهم خلاف وذهب بعض الناس إلى أنه إذا افتتحها قاعدا لا يتمها قائما، والصحيح جواز ذلك. ومن العلماء من كره أن يصلي الإنسان النافلة قاعدا من غير عذر. وفي " مبسوط بكر ": أطلق النذر قيل يلزمه نصف القيام وقيل: لصفة القعود، وقيل: يتخير، وعلى الثلاثة لا يجوز. وعن الكرخي لو نذر راكبا يجزئه. ولو نذر أن يصلي بغير وضوء أو بغير قراءة فعند أبي يوسف يلزمه ويلغو ذكر الوصف وعند زفر لا يلزمه، وعند محمد لو سمى ما لا يجوز أداء الصلاة إلا معه كالصلاة من غير طهارة لا يلزمه وإلا يلزمه كالصلاة من غير قراءة. ولو شرع في الأوقات المكروهة وقطعها لزمه القضاء، فإن قضاها فيها أو في مثلها سقط القضاء. م: (ومن كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة توجهت دابته يومئ إيماء) ش: جملة حالية، أي يتنفل حال كونه مومئا، وفي المحيط من الناس من يقول إنما يجوز التطوع على الدابة إذا توجهت إلى القبلة عند افتتاحها ثم يترك التوجه والتحرف عن القبلة. أما لو افتتح الصلاة إلى غير القبلة لا يجوز لأنه لا ضرورة في حال الابتداء، وإنما الضرورة في حالة البقاء، وعند العامة يجوز كيفما كان، وصرح في الإيضاح بأن القائل به الشافعي وقال ابن بطال استحب ابن حنبل وأبو ثور أن يفتتحها متوجها إلى القبلة ثم لا يبالي حيث توجهت. وقال الشافعية القعود في الركوب على الدابة إن كانت سهلة يلزمه أن يدير رأسها عند الإحرام إلى القبلة في أصح الوجهين، وهو رواية ابن المبارك ذكرها في " جوامع الفقه "، وفي الوجه الثاني لا يلزمه، وفي القطار والدابة الصعبة لا يلزمه، وفي " العمادية " و " المجمل الواسعي " يلزمه التوجه للقبلة. وقيل في الدابة يلزمه في السلام أيضا، والأصح أن الماضي يتم ركوعه وسجوده ويستقبل فيهما وفي إحرامه ولا يمشي إلا في قيامه، ومذهبنا هو قول الجمهور وهو قول علي وابن الزبير وأبي ذر وأنس وابن عمر، وبه قال طاوس وعطاء والأوزاعي والثوري ومالك والليث. م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء» ش: الحديث في هذا الباب روي عن ابن عمر وجابر وأنس وعامر بن ربيعة وأبي سعيد ولم يرو بلفظ الكتاب إلا عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " عن مالك عن الزهري عن أنس، قال: «رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو متوجه إلى خيبر على حمار يصلي يومئ إيماء» وسكت عنه. أما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر قال «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى
ولأن النوافل غير مختصة بوقت، فلو ألزمناه النزول والاستقبال تنقطع عنه النافلة أو ينقطع هو عن القافلة، أما الفرائض فمختصة بوقت، ـــــــــــــــــــــــــــــQخيبر» قال النسائي: عمر بن يحيى لا يتابع على قوله على حمار وإنما هو على راحلته، قيل وقد غلط الدارقطني وغيره عمرو بن يحيى في ذلك والمعروف على راحلته وعلى البعير، وقوله يومئ إيماء ليس في الحديث. وأما حديث جابر فإن ابن حبان أخرجه في صحيحه عنه قال «رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء، ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين» وأخرجه أبو داود والترمذي ولفظه: «بعثني النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع» وقال الترمذي: حسن صحيح وأخرجه البخاري عنه قال «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» . وأما حديث عامر بن ربيعة فإن البخاري ومسلما أخرجاه عنه، قال: «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو على الراحلة يسبح يومئ برأسه، قبل أي وجه توجه ولم يكن يصنع ذلك في المكتوبة» . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه. م: (ولأن النوافل غير مختصة بوقت فلو ألزمناه النزول) ش: عن الدابة م: (والاستقبال) ش: إلى القبلة م: (تنقطع عنه النافلة) ش: بالنون لأنه إذا لزم النزول لا يقدر أن يتطوع راكبا، والنافلة خبر موضوع مشروع على حسب [......] ففي إلزام النزول بعذر ضرر م: (أو ينقطع هو) ش: أي المتطوع م: (عن القافلة) ش: بالقاف على تقدير النزول وفيه ضرر لا يخفى. م: (أما الفرائض فمختصة بوقت) ش: فلم يجز أن يؤديها راكبا لعدم لزوم الحرج في النزول. وفي " خلاصة الفتاوى ": أما صلاة الفرض على الدابة لعذر فجائزة، ومن الأعذار المطر عن محمد إذا كان الرجل في السفر فأمطرت السماء لم يجد مكانا ما يشاء ينزل للصلاة فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة، فإن لم يمكنه يصلي مستدبر القبلة، وهذا إذا كان الطين بحال يصيب وجهه، فإن لم تكن هذه المثابة لكن الأرض ندية صلى هنالك ثم قال وهذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها، أما إذا سيرها صاحبها فلا يجوز التطوع ولا الفرض. ومن الأعذار اللص والمرض، وأما في البادية فتجوز ذلك كذا ذكر صاحب " الخلاصة "، ومن الأعذار أن تكون الدابة جموحا، ولو نزل لا يمكنه الركوب ومن الأعذار كون المسافر شيخا كبيرا لا يجد من يركبه إذا نزل، وفيها الخوف من السبع. وفي المحيط تجوز الصلاة على الدابة في هذه الأحوال ولا تلزمه الإعادة بعد زوال العذر.
[حكم السنن الرواتب]
والسنن الرواتب نوافل، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينزل لسنة الفجر، لأنها آكد من سائرها، والتقييد بخارج المصر ينفي اشتراط السفر، والجواز في المصر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز في المصر أيضا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [حكم السنن الرواتب] م: (والسنن الرواتب نوافل) ش: يعني حكم السنن الرواتب حكم النوافل في جواز الأداء على الدابة في أي جهة توجهت، من الدليل على كون السنن الرواتب نوافل أنها تؤدى بمطلق النية. م: (وعن أبي حنيفة ينزل لسنة الفجر) ش: ولهذا لا يجوز فعلها قاعدا عند أبي حنيفة، وقد مر أنها واجبة عنده في رواية، وعن محمد بن شجاع يجوز أن يكون هذا لبيان الأولى يعني أن الأولى أن ينزل لركعتي الفجر، وعلل ذلك بقوله م: (لأنها) ش: أي لأن سنة الفجر م: (آكد من غيرها) ش: أي أقواها حتى يجوز للعالم أن يترك سائر السنن لتحصيل العلم دون سنة الفجر، وفي قول للشافعي وأحمد أنها آكد من الوتر م: (والتقييد بخارج المصر) ش: ينتفل على دابته م: (ينفي اشتراط السفر) ش: لأنه أعم من أن يكون سفرا وغير سفر، وفيه إشارة إلى ما روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن جواز التطوع على الدابة للمسافر خاصة لأن الجواز بالإيماء للضرورة ولا ضرورة في الحضر، والصحيح أن المسافر وغيره سواء بعد أن يكون خارج المصر. واختلفوا في مقدار البعد عن المصرِ، والمذكور في الأصل مقدار فرسخين أو ثلاثة، وقدر بعضهم بالميل، ومنع الجواز في أقل منه، وفي " فتاوى المرغيناني " والأصح أن في كل موضع يجوز للمسافر قصر صلاته فيه يجوز التطوع فيه على الدابة. وقيل: إن كان بينهما قدر ما يكون بين المصر ومصلى العبد يجوز، وأقل من ذلك لا يجوز، وعند الشافعي يجوز في طويل السفر وقصيره، وقال مالك: لا يصلي أحد على دابته في السفر ولا يقصر فيه الصلاة، ويرد عليه الآثار الواردة فيها من غير تحديد سفر ولا تخصيص مسافر، فصار كالمتيمم، وقال الطبري: لا أعلم من خالف ذلك إلا مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والجواز في المصر) ش: بالنصب عطفا على قوله اشتراط التقييد أيضا بخارج المصر ينفي جواز التطوع على الدابة في المصر. فإن قلت: التخصيص بالذكر لا يدل على النفي. قلت: ذلك في النصوص دون الروايات، وذكر في المرويات عن أبي حنيفة لا يجوز التطوع على الدابة في المصر، وعند محمد: يجوز ويكره. م: (وعن أبي يوسف أنه يجوز في المصر أيضا) ش: حكي أن أبا يوسف لما سمع هذا الجواب عن أبي حنيفة قال حدثني فلان ورفع الإسناد إلى «رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة وكان يصلي» فلم يرفع أبو حنيفة رأسه قيل إنما لم يرفع رأسه إظهارا للرجوع
ووجه الظاهر أن النص ورد خارج المصر والحاجة إلى الركوب فيه أغلب، فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني، وإن صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل؛ لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا ـــــــــــــــــــــــــــــQعن قوله إلى الحديث وإلا معنا أدلة، وقيل: هذا حديث شاذ. والشاذ فيما عم به البلوى لا يكون حجة وإنما لم يرفع أبو حنيفة رأسه لعدم مبالاته به وهو الأصح، لأن رفع الرأس عبارة عن المبالاة بالشيء يقال لم يرفع لحديثي رأسه، أي لم يصغ له ولم يتأمله ولم يقع موقع القبول عنده، فأبو يوسف أخذ بالحديث ومحمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " كذلك إلا أنه كره في الحضر، لأن اللفظ والأصوات تكثر فيه فيكثر الخطأ والغلط في القراءة وترتيب أفعال الصلاة فيؤدي ذلك إلى إبطال العمل وفساد العبارة ظاهر. قلت: ولأبي يوسف أن يحتج بما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء» ذكره ابن بطال في شرح البخاري. م: (ووجه ظاهر الرواية أن النص ورد خارج المصرِ، والحاجة إلى الركوب فيه) ش: أي في خارج المصر م: (أغلب) ش: حاصله أن الصلاة على الدابة بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود خلاف القياس فاقتصر جوازها على مورد النص وهو خارج المصر فبقي الحكم في المصر على أصل القياس. م: (فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني) ش: على افتتاحه ويكمل فإن قلت هذا بناء القوي على الضعيف فلا يجوز كالمريض يصلي بالإيماء ثم قدر على الأركان لا يجوز له البناء. قلت: بينهما فرق، لأن الإيماء من المريض بدل من الأركان ومن الراكب لا لأن البدل في العادات ما يصار إليه عند العجز، والراكب لا يعجز عن الأركان بأن ينتصب على الركابين فيكون ذلك قياما منه، وإن كان يمكنه أن يخر راكعا وساجدا ومع هذا أطلقه الشارع في الإيماء فكان قويا في نفسه فلا يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف كما في الضعيف. فإن قلت: إذا كان الإيماء قويا لماذا يجوز البناء إذا تحرم بالإيماء ثم ركب. قلت: أما إذا راكب فلأن الركوب عمل كثير وأنه قاطع للتحريمة، وأما إذا أركب فلأن الدليل يأبى جواز الصلاة راكبا، لأن سير الدابة يضاف إلى راكبها فيتحقق الأداء في أماكن مختلفة فحينئذ يتحقق الأداء في حالة المشي وذا لا يجوز، إلا أن الشرع جعل الأماكن المختلفة كمكان واحد للحاجة إلى قطع المسافة وصيانة نفسه وماله عن [....] التلف، فكان ابتداء التحريم نازلا دليل استغنائه عما ذكرنا فلا يجوز له البناء بعد ذلك. م: (وإن صلى ركعة نازلا) ش: قول الركعة وقع اتفاقا، لأنه لو لم يصل ركعة فالحكم كذلك. وقوله نازلا حال ومعناه صلى ركعة وهو على الأرض م: (ركب استقبل) ش: صلاته م: (لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا) ش: بكسر الواو ونصبا على الحال وهذا تعليل المسألة الأولى
للركوع والسجود قدرته على النزول، فإذا أتى بهما صح، وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يستقبل إذا نزل أيضا، وكذلك عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نزل بعدما صلى ركعة، والأصح هو الأول وهو الظاهر ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (للركوع والسجود لقدرته على النزول فإذا أتى بهما) ش: أي بالركوع والسجود م: (صح) ش: لأن الراكب بالخيار إن شاء ترك وأتمها بالركوع والسجود وهذا تعليل المسألة الثانية م: (وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود، ولا يقدر على ترك ما لزمه) ش: بطريق الوجوب م: (من غير عذر) ش: وهذا الفرق الذي ذكره المصنف هو الصحيح. وقيل في الفرق بأن النزول عمل قليل والركوب عمل كثير، ورد بأنه لو رفع ووضع على السرج لا يبني مع أن العمل لم يوجد فصلا عن العمل الكثير. م: (وعن أبي يوسف أنه مستقبل إذا نزل أيضا) ش: لأن بناء القوي على الضعيف فصار كالمريض إذا قدر على الركوع والسجود في أثناء الصلاة م: (وكذا عند محمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ") ش: أي كذا روي عن محمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أنه يستقبل م: (إذا نزل بعدما صلى ركعة) ش: قيل لهذا لأنه لو لم يصل ركعة قائما ثم نزل أتمها نازلا، لكن هذا على أصل محمد غير مستقيم، لأن تحريمة الصلاة انعقدت للإيماء فلا يصح إتمامها بركوع وسجود لأنه يكون بناء القوي على الضعيف كذا نقل عن أبي بشر م: (والأول أصح وهو الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية وهو أن الراكب المتطوع إذا نزل يبني والراكب إذا ركب يستقبل. فروع: لو افتتح التطوع على الدابة خارج المصر ثم دخل مصرا قبل أن يفرغ منها ذكر في غير رواية الأصول أنه يتمها، واختلفوا في معناه، فقيل يتمها قاعدا على الدابة ما لم يبلغ منزله. وقيل يتمها بالنزول على الأرض ذكره المرغيناني، وفي " المبسوط " يصلي على الدابة، وإن كان سرجه قذرا. وكان محمد بن مقاتل الرازي وأبو جعفر [.....] يقولان لا يصح إذا كانت النجاسة في موضع جلوسه أو في موضع ركابته أكثر من قدر الدرهم كالأرض، وأكثر المشايخ على الجواز. وقالوا: الدابة أشد من ذلك يعني أن باطنها لا يخلو عن النجاسة ويقال لا اعتبار لنجاسته بدليل أن من حمل حيوانا طاهرا يصلي به يجوز مع نجاسة باطنه. والجواب الصحيح: أن فيها ضرورة، وقد ترك الركوع والسجود مع إمكان النزول والأداء على الأرض للضرورة، والأركان أقوى من الشرائط، فإذ سقطت فشرط طهارة المكان أولى، وقيل: إن كانت النجاسة على الركابين فلا بأس بها، وإن كانت في موضع جلوسه منع الجواز. حمل امرأة من القرية إلى المصر لها أن تصلي على الدابة في الطريق، وأما الصلاة على العجلة إن كان طرفها على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة تجوز في حالة العذر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفي الفرض، وإن لم يكن يجوز بمنزلة السرير. رجلان في محل واحد فاقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما، وإن كان في شقين وأحدهما مربوط بالآخر فكذلك وإلا لا يجوز، وقيل يجوز كيفما كان إذا كانا على دابة واحدة. وفي المحيط لو صلى في شق محمل لا يجوز إلا أن يركن تحت محمله خشبة لأنه يكون قرار المحمل على الأرض لا على الدابة فيكون سجوده في المحمل كالسجود على الأرض والسرير، وحكي أن أبا يوسف أمر هارون الرشيد أن يفعل ذلك، ومثلها صلاة الجنازة والنقل الذي أفسده والمنذور والوتر عنده والسجدة التي تليت على الأرض. وفي " جوامع الفقه ": لو حرك رجليه أو أحديهما متداركا أو ضربها بخشبة فسدت صلاته، بخلاف النجس إذا لم تسر، وفي الذخيرة إن كانت تساق بنفسها فليس له ذلك، وإن كانت لا تساق فرفع سوطه فضربها به ونجسها لا تفسد صلاته.
[فصل في قيام شهر رمضان]
فصل في قيام شهر رمضان ويستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فصل في قيام شهر رمضان] [حكم صلاة التراويح وكيفيتها] م: (فصل في قيام شهر رمضان) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام قيام الناس في ليالي شهر رمضان، وإنما اختار هذه اللفظة أعني قيام شهر رمضان اتباعا لحديث أبي هريرة الذي أخرجه الجماعة عنه أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» . قوله إيمانا أي تصديقا بأنه حق. وقوله احتسابا أن يفعله لله تعالى لا رياء ولا سمعة. ووجه ذكره في باب النوافل ظاهر، والمناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله من حيث إن وجوب القراءة في جميع ركعات التراويح لأنها نوافل، وفي " المبسوط " أجمعت الأمة على مشروعيتها ولم ينكرها أحد من أهل القبلة إلا الرافضة. م: (ويستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء) ش: اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعا مبتدأ، فقال الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفس التراويح سنة، أما أداؤها بالجماعة فمستحب. وروى الحسن عن أبي حنيفة " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أن التراويح سنة لا يجوز تركها، وقال الشهيد: هو الصحيح. وفي " جوامع الفقه " التراويح سنة مؤكدة، والجماعة فيها واجبة وكذا في المكتوباِت، قال وذكر في " الروضة " أن الجماعة فضيلة، وفي " الذخيرة ": عن أكثر المشايخ أن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية، ومن صلى في البيت فهو تارك فضيلة المسجد، وفي " المبسوط ": لو صلى إنسان في بيته لا يأثم، فعلها ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع، فدل هذا على أن الجماعة في المسجد على الكفاية أي لا يظن بابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن معه ترك السنة وهذا هو الصواب، ونذكر عن قريب معنى قوله أن يجتمع الناس وقوله بعد العشاء. م: (فيصلي بهم) ش: أي بالناس م: (إمامهم خمس ترويحات) ش: الترويحات جمع ترويحة وكذلك التراويح وهي في الأصل اسم للجلسة، وسميت بالتراويح لاستراحة الناس بعد أربع ركعات بالجلسة، ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما في آخرها من الترويحة، ويقال الترويحة اسم لكل أربع ركعات فإنها في الأصل إيصال الراحة وهي الجلسة، ثم سميت الأربع ركعات التي في آخرها الترويحة كما أطلق اسم الركوع على الوظيفة التي تقرأ في القيام لأنه متصل بالركوع، وسئل العلامة عن الترويحة قبل الوتر بعد التراويح، قال ذلك بطريق المجاز إطلاقا لاسم الأغلب على الكل، وعن أبي سعيد سميت ترويحة لاستراحة القوم بعد كل
في كل ترويحة بتسليمتين ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ثم يوتر بهم، وذكر لفظ الاستحباب والأصح أنها سنة، ـــــــــــــــــــــــــــــQأربع ركعات، وفي المغرب روحت بالناس أي صليت بهم التراويح. وفي المجتبى سميت تراويح للترويح فيما بينهما، وقيل لإعقابه راحة الجنة. م: (في كل ترويحة بتسليمتين) ش: فتصير الجملة عشرين ركعة وهو مذهبنا، وبه قال الشافعي وأحمد، نقله القاضي عن جمهور العلماء، وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع، وعند مالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " تسع ترويحات بستة وثلاثين ركعة غير الوتر، واحتج على ذلك بعمل أهل المدينة، واحتج الأصحاب والشافعية والحنابلة بمذهبهم بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد الصحابي قال كانوا يقومون على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل. وفي " المغني " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر رجلا أن يصلي بهم في رمضان بعشرين ركعة قال وهذا كالإجماع. فإن قلت: قال في الموطأ عن يزيد بن رومان قال كان الناس في زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة. قلت قال البيهقي والثلاث من الوتر ويزيد لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيكون منقطعا، والجواب عما قاله مالك أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين ويصلون ركعتي الطواف ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا ستة عشر ركعة وما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحق وأولى أن يتبع، قيل من أراد أن يعمل بقول مالك ينبغي له أن يفعل كما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي عشرين ركعة بجماعة كما هو السنة ويصلي الباقي فرادى كأنه ليس من التراويح بل هو نفل مبتدأ والجماعة فيه مكروهة. م: (ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة) ش: ثم هو مخير، إن شاء سبح، وإن شاء هلل، وإن شاء صلى، وإن شاء سكت، أي فعل ذلك فهو حسن، كذا قاله قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو صلى أربع ركعات كما هو فعل أهل المدينة أو طاف أسبوعا بينهما كما فعل أهل مكة فأهل كل بلدة بالخيار، ولو استراح الإمام بعد خمس ترويحات قيل لا بأس به، قال السرخسي وليس بشيء لمخالفة أهل الحرمين، وكذا بين الخامسة والوتر، وفي جوامع الفقه يكره للقوم أن يصلوا بين كل ترويحة ركعتين لأنها بدعة مع مخالفة الإمام م: (ثم يوتر بهم) ش: أي ثم يصلي الإمام بالجماعة الوتر، وسيجيء حكم الوتر بالجماعة. م: (وذكر لفظ الاستحباب) ش: أي ذكر القدوري لفظة الاستحباب حيث قال يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء م: (والأصح أنها سنة) ش: أي الأصح في المذهب أن
كذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه واظب عليها الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالتراويح سنة، وقد سقنا الكلام فيه عن قريب. قال الأكمل والأصح أنها سنة يعني في حق الرجال والنساء، وفيه نظر لأنه قال يستحب أن يجتمع الناس وهذا يدل على أن اجتماع الناس مستحب، وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة وإلى هذا ذهب بعضهم، وقال التراويح سنة والاجتماع مستحب. قلت: القدوري لم يتعرض إلا إلى كون اجتماع الناس في شهر رمضان يستحب وسكت عن نفس كون التراويح مستحبة أو سنة، والمصنف لم يرد على القدوري فيما قال، وإنما قال والأصح أن التراويح في نفس الأمر سنة، ولا يلزم من كونها سنة كون الجماعة فيه سنة. م: (كذا روى الحسن عن أبي حنيفة) ش: أي كما قلنا الأصح أن التراويح سنة روى الحسن عن أبي حنيفة كذا نصا وقد ذكرناه م: (لأنه) ش: أي لأن الشان م: (واظب عليها) ش: أي على التراويح م: (الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: الخلفاء الراشدون الذين أطلق النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليهم باسم الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، روي عن سفينة مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يكون ملكا» ، وفي رواية: «ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي. ولا شك أن الذين ولوا الخلافة بعده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هؤلاء الأربعة ومدتهم ثلاثون سنة مثلها أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولي هاهنا بحث وهو أن المصنف قال: إنه واظب عليها الخلفاء الراشدون. وقال الأكمل إنما يدل على سنتها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» . قلت: أخذ هذا عن السغناقي فإنه قال هكذا، وكذا قال صاحب " الدراية " ولم يتيقن أحد منهم كلامه فيه حيث لم ينبئوا كما ينبغي، وهذا الحديث أعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عليكم بسنتي» . إلخ لا يدل على مواظبة الخلفاء الراشدين على التراويح. فإن قلت حديث السائب بن يزيد المذكور عن قريب يدل على ذلك قلت: لا نسلم فإنه لا يدل على أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة في عهد الخلفاء الثلاثة أعني عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وما يدل على مواظبتهم عليها. غاية ما في الباب يدل على العدد، ولو احتج المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على سنية التراويح لما روي عن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه لكان أوجه وأقوى.
والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في تركه المواظبة، كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقامها في بعض ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في تركه المواظبة كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقامها في بعض الليالي ثم تركها، وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا) ش: أي ترك المواظبة خشية أن يكون فرضا علينا، وقوله وهو مبتدأ وخشية مرفوع على الخبرية مضاف إلى قوله أن تكتب وأن مصدرية، وقال الأكمل: هذا الكلام على طريقة السؤال والجواب، فقال فإن قيل لو كانت سنة لمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يواظب، أجاب بأنه بين العذر في ترك المواظبة. قلت هذا الكلام غير سديد لأن كون الشيء سنة لا يستلزم مواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ لو واظب عليه لكان واجبا، وأما بيان عذره في ترك المواظبة فما رواه البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما أصبح قال: " قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني أخشى أن تفرض عليكم " وذلك في رمضان» وفي لفظ لهما «ولكن خشية أن يفرض عليكم صلاة الليل " وذلك في رمضان» وزاد البخاري في كتاب الصوم «فتوفي رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والأمر على ذلك» والعجب من الأترازي ذكر هذا الحديث وقال وهو ما روى صاحب السنن، والحال أنه ما رواه إلا البخاري ومسلم كما ذكرنا وهما صاحبا الصحاح. وعن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع يتفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل بصلاته الرهط، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه والتي تنامون عنها لأفضل من التي تقومون يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، رواه البخاري والقاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة بن الديس اسم قبيلة. م: (والسنة فيها) ش: أي في التراويح م: (الجماعة) ش: أي أن تصلى بالجماعة، قال أبو بكر الرازي: المشهور عن أصحابنا أن إقامتها في المساجد أفضل منها في البيت وعليه الاعتماد لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على إقامتها في جماعة، وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن العلاء عن أبي يوسف إن أمكنه أداؤها في بيته مع مراعاته سنة القراءة وأشباهها فليصلها في بيته، وهكذا حكاه في " المبسوط " وقال وهو قول مالك والشافعي في القديم وربيعة ومثله في " جوامع الفقه " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون فقيها عظيما يقتدى به فيكون في حضوره المسجد ترغيب الناس فلا يصلي في بيته، وقال عيسى بن أبان والقاضي بكار بن قتيبة البكراوي قاضي مصر والمزني وابن عبد الحكم وأحمد بن حنبل وأحمد بن أبي عمران شيخ الطحاوي قال الجماعة أحب وأفضل وهو المشهور عند عامة العلماء، وقال صاحب " المبسوط " وهو الأصح والأوفق، وادعى علي بن موسى القمي فيه الإجماع وله كتب يروي فيها عن أصحاب الشافعي
لكن على وجه الكفاية، حتى لو امتنع أهل المسجد عن إقامتها كانوا مسيئين، ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة؛ لأن أفراد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يروى عنهم التخلف. والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار الترويحة. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لكن على وجه الكفاية) ش: يعني إذا قام بها البعض بالجماعة سقطت عن الباقين حضور الجماعة، لأن الجماعة فيها سنة على الكفاية م: (حتى لو امتنع أهل المسجد عن إقامتها كانوا مسيئين) ش: هذه نتيجة كون الجماعة في التراويح سنة، على الكفاية م: (ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة) ش: يعني لو أقام بعض أهل المسجد التراويح فالذي يتخلف عنهم لا يكون مسيئا بل يكون تاركا للفضيلة، لأن سنتها بالجماعة على الكفاية والفرض على الكفاية إذا قام به بعض سقط عن الباقي، ففي السنة على الكفاية بالطريق الأولى. وعلل المصنف ذلك بقوله م: (لأن أفراد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يروى عنهم التخلف) ش: أي عن الجماعة في صلاة التراويح، منهم عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه الطحاوي عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يصلي خلف الإمام في شهر رمضان، وروي أيضا عن مجاهد قال: قال رجل لابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال أتقرأ القرآن؟ قال: نعم قال: صل في بيتك. وأخرج ابن أبي شيبة أيضا في " مصنفه " عن ابن عمر أنه كان لا يقوم مع الناس في شهر رمضان قال وكان القاسم وسالم لا يقومان مع الناس. وروى البيهقي في " سننه " عن ابن عمر أنه قال له رجل أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال ابن عمر أليس تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال انتصب كأنك حمار، صل في بيتك. وروى الطحاوي عن الأشعث بن سليم قال: أتيت مكة وذاك في رمضان في زمان ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكان الإمام يصلي بالناس في المسجد وقوم يصلون على حدة المسجد. وروي أيضا عن إبراهيم قال: لو لم يكن معي إلا سورة واحدة لكنت أرددها أحب إلي من أن أقوم خلف الإمام في رمضان، وروي أيضا عن عروة وسعيد بن جبير ونافع أنهم كانوا ينصرفون من العشاء في رمضان ولا يقومون مع الناس. م: (والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار الترويحة) ش: إنما قال هذا مع قوله فيما مضى عن قريب، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة لبيان أن هذا الجلوس مستحب لأنه شرح كلام القدوري وقال الأكمل: كان من حقه أن يقول والمستحب في الانتظار بين الترويحتين؛ لأنه استدل بعادة أهل الحرمين على ذلك، وأهل الحرمين لا يلتزمون بذلك، فإن أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعا وأهل المدينة يصلون بدل ذلك أربع ركعات. قلت: هذا بقية كلام السغناقي وليس مراد المصنف حقيقة الجلوس، وإنما المراد التخيير بين السكوت
وكذا بين الخامسة والوتر لعادة أهل الحرمين، واستحب البعض الاستراحة على خمس تسليمات وليس بصحيح. وقوله: ثم يوتر بهم يشير إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر، وبه قال عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده، لأنها نوافل سنت بعد العشاء ـــــــــــــــــــــــــــــQوالتهليل والتسبيح والصلاة نافلة كما ذكرناه عن قريب. م: (وكذا بين الخامسة والوتر) ش: أي وكذا المستحب في الجلوس مقدار الترويحة بين الترويحة الخامسة وصلاة الوتر م: (لعادة أهل الحرمين) ش: أهل حرم مكة بالطواف، وأهل حرم المدينة بأربع ركعات تطوعا. م: (واستحب البعض الاستراحة على خمس تسليمات) ش: وهو نصف التراويح، وقال السرخسي ولو استراح الإمام بعد خمس ترويحات قيل لا بأس به، قال وليس بشيء لمخالفة أهل الحرمين، وكذا بين الخامسة والوتر م: (وليس بصحيح) ش: أي الذي استحسنه البعض ليس بصحيح، وذكر في " فتاوى الأسبيجابي " الاستراحة على خمس ترويحات يكره. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (ثم يوتر بهم يشير إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر) ش: أي يشير إلى أن وقت التراويح بعد صلاة العشاء قبل صلاة الوتر م: (وبه) ش: أي ويكون وقتها بعد العشاء قبل الوتر م: (قال عامة المشايخ) ش: أراد بهم عامة مشايخ بخارى، وفي " الخلاصة " قال إسماعيل الزاهد وجماعة من أئمة بخارى: إن الليل كلها وقت قبل العشاء وبعدها، ثم قال: وقال عامة مشايخ بخارى: وقتها ما بين العشاء والوتر ثم قال وهو الصحيح م: (والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده لأنها نوافل سنت بعد العشاء) ش: أي لأن التراويح سنت بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل، فأشبهت التطوع المسنون بعد العشاء في غير شهر رمضان. وقال الأترازي: والأصح عندي ما قاله عامة مشايخ بخارى، لأن الحديث ورد كذلك، وكان أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي بهم التراويح كذلك. قلت: استدل على ما اختاره يبين ولم يبين أحد منهما فقوله لأن الحديث ورد كذلك إن أراد به حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس» - الحديث الذي ذكرناه عن قريب، وهو أيضا ذكره عند قول المصنف والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في ترك المواظبة فهو لا يدل على ما ادعاه من الصحة، وإن أراد به الحديث الذي فيه جمع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الناس على أبي بن كعب.. إلخ، وقد ذكرناه، وهو أيضا قد ذكره فهو أيضا لا يدل على ما ذكره النخغي. وقوله: وكان أبي يصلي بهم التراويح كذلك أي كما ذكره عامة مشايخ بخارى فهو أيضا لا يدل على ما ادعاه من الأصحية، بل الأصح ما قاله المصنف لأنه صلاة الليل، فيجوز إلى
ولم يذكر قدر القراءة فيها. وأكثر المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على أن السنة فيها الختم مرة. ـــــــــــــــــــــــــــــQطلوع الفجر سواء كانت قبل الوتر أو بعده، وفي " المبسوط " المستحب فعلها إلى نصف الليل أو ثلثه كما في العشاء. وفي المحيط لا يجوز قبل العشاء ويجوز بعد الوتر ولم يحك فيه خلافا. م: (ولم يذكر قدر القراءة) ش: لم يذكر على صيغة المعلوم، أي لم يذكر محمد بن الحسن قدر القراءة في التراويح، ويجوز أن يقال ولم يذكر القدوري وهو الأقرب.. قال الأكمل: وقوله ولم يذكر قدر القراءة ظاهر. قلت الظهور من أين؟ فإذا احتمل أن يكون الفاعل في الفعل أحد النهي كيف يقال إنه ظاهر. م: (وأكثر المشايخ على أن السنة فيها الختم مرة) ش: اختلف المشايخ في قدر القراءة في التراويح، فقيل يقرأ مقدار ما يقرأ في المغرب تخفيفا للتخفيف. قال شمس الأئمة هذا غير مستحسن، وقال الشهيد هذا غير سديد لما فيه من ترك الختم وهو سنة فيها. وقيل يقرأ من عشرين آية إلى ثلاثين على ما رواه البيهقي بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال: وعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاث من القراء استقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس بثلاثين آية في كل ركعة، وأوسطهم بخمس وعشرين آية، وأبطأهم بعشرين آية. وعن عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على قيام شهر رمضان الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حثمة، وفي " الذخيرة ": إذا ختم على العشرين مثلا فله أن يقرأ في بقية الشهر ما شاء الله. قال القاضي أبو علي النسفي: إذا ختم وصلى العشاء في بقية الشهر من غير تراويح جاز من غير كراهة، لأنها شرعت لأجل ختم القرآن مرة، وهذا إن من لم يكن قاربه من النساء يصلي ستا وثمانيا وعشرا، وفي " التجنيس " ثم بعضهم اعتادوا قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] في كل ركعة، وبعضهم اختاروا قراءة سورة الفيل إلى آخر القرآن وهذا أحسن، لأنه لا يشتبه عليه عدد الركعات ولا يشغل قلبه بحفظها فيستفرغ للتدبر والتفكر. وفي " المجتبى ": أما القراءة فقيل ثلاثين آية في كل ركعة وقيل عشرين وقيل عشر آيات للختم مرة وقيل كما في المغرب، وقيل ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، أو آيتان متوسطتان وعن أبي ذر آيتان، وفي " الدراية ": والمتأخرون في زماننا يفتون بثلاث آيات قصار وآية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها وهذا أحسن، قال الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها. وفي " المحيط ": الأفضل في زماننا أن يقرأ مقدار ما لا يؤدي إلى تنفير القوم لكسلهم. قلت: المصنف قال بخلاف هذا على ما يجيء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الإمام يقرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها أو نحوها، لأن السنة في التراويح يختم مرة، وعدد
فلا يترك لكسل القوم بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات، حيث يتركها؛ لأنها ليست بسنة ـــــــــــــــــــــــــــــQركعات التراويح في جميع الشهر ستمائة، وعدد آي القرآن ستة آلاف وشيء، فإذا قرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها، وإليه أشار المصنف بقوله وأكثر المشايخ.. إلخ وقال السرخسي: هذا هو الأحسن. فإن قلت: ما المراد في قول المصنف على أن السنة في الختم؟ قلت: قال في " الدراية ": أي سنة الخلفاء الراشدين. قلت: أثر عن الخلفاء الراشدين وأولهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكانت التراويح تركت في أيام أبي بكر وفي أيام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والدليل عليه ما ذكرناه من حديث عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى آخره في رمضان.. الحديث، فهذا يدل على أنها تركت في رمضان بدليل أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فدل على أن المراد من قول المصنف أن السنة هي سنة عمر بن الخطاب ومن بعده من الخلفاء الراشدين وهذا ورد أيضا على من قال من أصحابنا أن التراويح سنة العمرين وأرادوا به أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وليس كذلك. م: (فلا يترك لكسل القوم) ش: أي لا يترك الختم مرة لأجل كسل القوم، وفي " النهاية " و " العصير " في الختم مرتين، وأهل الاجتهاد كانوا يختمون في كل عشر ليال، وعن أبي حسين أنه كان يختم في شهر رمضان إحدى وستين ثلاثين في الليالي وثلاثين في الأيام وواحدة في التراويح كذا في فتاوى قاضي خان. م: (بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات حيث يتركها لأنها ليست بسنة) ش: قال السغناقي: يعني إذا علم أن قراءة الدعوات تثقل على القوم، ولكن ينبغي أن يأتي بالصلاة، لأنها فرض عند الشافعي فيحتاط في الإتيان بها كذا في " الخلاصة ". قلت: فيما قاله المصنف نظر، لأنه يقول لا يترك الختم مرة لأجل كسل القوم، ثم يقول بخلاف الدعوات بعد التشهد يعني يترك لأجل كسل القوم فكيف لا يترك ما هو مستحب أو سنة صحابي لأجل الكسل ويترك ما هو سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه روي الدعوات المأثورة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد التشهد، وكيف يقول إنها ليست بسنة، وقد روى أحمد في " مسنده " من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه التشهد، وفي آخره: وإن كان في آخرها أي في آخر صلاة دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم» . وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا فرغ أحدكم من
[صلاة الوتر جماعة في غير رمضان]
ولا يصلي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان بإجماع المسلمين، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع، من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال» ، انتهى فهذه السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا تركت لأجل كسل القوم لا يترك ما هو غير سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [صلاة الوتر جماعة في غير رمضان] م: (ولا يصلي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان) ش: لأنه نفل من وجه وجبت القراءة في ركعاته كلها، وتؤدى بغير أذان وإقامة، وصلاة النفل بالجماعة مكروهة ما خلا قيام رمضان وصلاة الكسوف لأنه لم يفعلها الصحابة، ولو فعلوا لاشتهرت، كذا ذكره الولوالجي. وفي " الخلاصة ": قال القدوري: إنه لا يكره، وقال النسفي: اختار علماؤنا الوتر في المنزل في رمضان، لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة في رمضان كما اجتمعوا في التراويح فيها، فعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يؤمهم في الوتر في رمضان، وأبي لا يؤمهم فيها في رمضان كذا في " المحيط " م: (بإجماع المسلمين) ش: أي على ترك الوتر بجماعة في غير رمضان بإجماع المسلمين قال تاج الشريعة لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يجتمعوا على الوتر بغير جماعة كما اجتمعوا على التراويح، وقال الأترازي: ولهذا لم يصل الوتر أحد بجماعة في سائر الأمصار من لدن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قلت: ذكر في الحواشي أنه يجوز عند بعض المشايخ. فروع: كيفية النية في التراويح، أن ينوي التراويح أو السنة أو سنة الوقت أو قيام الليل. وقال الشهيد: أو قيام الليل في الشهر، ويقال: أو ينوي قيام رمضان. وفي " المبسوط " نية مطلق الصلاة لا تجزئ عنها، وفي " فتاوى الشهيد " لو نوى صلاة مطلقة أو تطوعا فحسن، اختلف المشايخ فيه ذكر بعض المتقدمين أنه لا يجوز، وذكر أكثر المتأخرين أن التراويح وسائر السنن تتأدى بمطلق النية لأنها نافلة، ولكن الاحتياط أن ينوي التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل في شهر رمضان وفي سائر السنن ينوي السنة أو الصلاة متابعا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولو صلاها قاعدا من غير عذر قيل لا ينوب عن التراويح كركعتي الفجر، قال السرخسي وعليه الاعتماد، والصحيح الجواز، واتفقوا أنه لا يستحب لمخالفة السلف، وقال الحسام الشهيد: الكلام فيه في موضعين في الجواز والاستحباب منهم من قال يجوز عندهما ولا يجوز عند محمد اعتبارا بالفرض، وقيل يجوز عندهم جميعا وهذا هو الصحيح، وأما الكلام في الاستحباب فعندهما مستحب أن يقوم القوم إلا لعذر، إذ القيام أفضل. وعند محمد المستحب أن يقوموا أيضا، وذكر أبو سليمان عن محمد لو أن رجلا أم قوما جالسا في رمضان قال يقومون عند أبي حنيفة وأبي يوسف قيل: إنما خص قولهما لأنه لا يجوز عنده وقيل: إنما خص لأنه لا يستحب عنده وهو الصحيح. وإن صلاها قاعدا بغير عذر فالكلام في موضعين أيضا للجواز والاستحباب. أما الجواز
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفقد قيل لا يجوز، وقيل يجوز وهو الصحيح. وأما الاستحباب فالصحيح أنه لا يستحب، وفي " جوامع الفقه " صلى الإمام قاعدا بغير عذر يستحب للقوم القيام عندهما والقعود عنده، وإن زاد على ركعتين بتسليمة واحدة إن قعد على رأس الركعتين الأصح الجواز عن التسليمتين، وفي " الذخيرة " وقال بعض المتقدمين لا يجزئه إلا عن تسليمة واحدة، وإن صلى ستا أو ثمانيا أو عشرا وقعد على كل شفع قال المتقدمون يقع على العدد المستحب وهو الأربع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعلى قول أبي حنيفة يقع على العدد الجائز وهو ست وثمان على ما عرف عنده والعشر عن التسليمات الخمس في رواية شاذة عنه، وفي رواية الجامع أربع ركعات بتسليمة واحدة، وفي " الذخيرة " لا يجزئه إلا عن ركعتين في قول بعض المتقدمين. وقال بعضهم حتى صلى عددا بتسليمة واحدة وهو مستحب في صلاة الليل فكلا الركعتين يجزئ عن تسليمة، فإن كان بعضها غير مستحب إنما يجزئ عن المستحب، وما كان في استحبابه اختلاف فكان في هذا أيضا اختلاف. ولو لم يقعد على رأس الشفع الأول القياس أنه لا يجوز وبه أخذ محمد وزفر ورواية عن أبي حنيفة، وفي " الاستحسان ": يجوز وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف، وإذا جاز هل يجوز عن تسليمة واحدة أم تسليمتين الأصح جوازه عن تسليمة واحدة، وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل والفقيه أبي جعفر وأبي علي النسفي والصدر الشهيد، وقيل: عند أبي حنيفة عن تسليمتين، وعند أبي يوسف عن تسليمة واحدة ذكره في " الذخيرة ". وقال النووي: لو صلى أربعا لم يصح، قال ذكره حسين في " فتاويه ". ولو صلى ثلاثا بقعدة واحدة لم يجز عند محمد وزفر، واختلفوا على قولهما قيل لا يجزئه لأنه لا أصل لها في النوافل، وقيل يجزئه عن تسليمة واحدة كالمغرب، ثم على قول من يقول لا يجزئه عن تسليمة واحدة لا شك أنه يلزمه قضاء الشفع الأول، وهل يلزمه قضاء الشفع الثاني، عند أبي حنيفة لا يلزمه سواء شرع في الشفع الثاني عامدا أو ساهيا، وعند أبي يوسف ينظر إن شرع عامدا يجب، وإن شرع ساهيا لا يجب بالاتفاق بين أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الشفع الأول لو صح شروعه في الشفع الثاني صح إكماله، حتى لو صلى التراويح عن تسليمات في كل تسليمة ثلاث ركعات بقعدة واحدة جاز وتسقط عنه التراويح، وعند محمد وزفر لا تسقط. ولو صلى الكل بتسليمة واحدة وقعدة عند كل ركعتين الأصح أنه يجزئه عن الترويحات أجمع. قال السغناقي: وهو المختار، وإن لم يقعد اختلفت فيه الأقوال على قول أبي حنيفة وأبي يوسف والأصح أنه يجزئه عن تسليمة واحدة. وفي " الذخيرة " إذا صلاها ثلاثا ولم يقعد في الثانية فصلاته باطلة في القياس وهو قول محمد وزفر ورواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف وعليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقضاء ركعتين. وفي " الاستحسان ": هو قولهما اختلف المشايخ، فقد قيل: يجوز عن تسليمة وقيل: لا يجوز أصلا وكذا الخلاف في غير التراويح إذا انتفل بثلاث ولم يقعد في الثانية إذا شرع في شفع من التراويح ثم أفسده ثم قضاه فلا شيء عليه. وإذا وقع الشك في أن الإمام هل صلى عشرا أو صلى تسعا فالصحيح من المذهب أن يصلوا ركعتين فرادى فرادى فتصير عشرا بيقين ولا يؤديها جماعة بفصل بعض التسليمتين عن البعض جاز من غير كراهة والأفضل التسوية. وأما تطويل الثانية على الأولى في الركعتين إن كان بآية طويلة أو آيتين لا يكره، وإذا زاد كره، ولو قرأ في الثانية سورة آياتها أكثر مما قرأ في الأولى ويزيد على ثلاث آيات إن كان آياتها قصارا وآيات مما قرأ في الأولى طوالا ويحصل القرب بينهما في الكلمات والحروف فلا بأس به. ولو اقتدى بمن يصلي مكتوبة أو وترا أو نافلة غير التراويح قال في " المحيط " قيل يجوز والأصح أنه لا يجوز، كذا في " الذخيرة "، وعلى هذا إذا بناها على السنة بعد العشاء فالصحيح أنها لا تصح إذا فاتته ترويحة أو ترويحتان، وقام الإمام إلى الوتر هل يأتي بالترويحات الفائتة أو يتابع إمامه في الوتر، ذكر في " الواقعات " الناطفي عن أبي عبد الله الزعفراني أنه يوتر معه ثم يقضي ما فاته من الترويحات، وذكر في " مختصر البحر " عن الكرابيسي إذا لم يصل الفرض معه لا يتبعه في التراويح ولا في الوتر، وكذا إذا لم يتبعه في التراويح لا يتبعه في الوتر مع الإمام، ولو ترك الجماعة في الفرض؛ فليس له أن يصلي التراويح في جماعة لأنها تبع للجماعة، ولو لم يصل التراويح مع الجماعة فله أن يصلي الوتر معه إذا صلى الترويحة الواحدة إمامان كل واحد بتسليمة قيل لا بأس به، والصحيح أنه لا يستحب ذلك، ولكن كل ترويحة يؤديها إمام واحد ولا بأس بالتراويح في مسجدين لكن يوتر في الثاني، واختلفوا في الإمام والصحيح أنه لا يكره. وفي " المحيط " و " الواقعات ": إذا صلى الإمام في مسجدين في كل واحد منهما على الكمال لا يجوز لأن السنن لا تتكرر في وقت واحد، فإن صلوها مرة ثانية يصلونها فرادى. وفي " الفتاوى ": إذا لم يختم إمام مسجده هل يذهب إلى مسجد آخر يختم فيه قيل لا، والصلاة في مسجد نفسه أولى، ولو قال الإمام بعد السلام صليت ركعتين، وقال القوم ثلاثا، قال أبو يوسف: يعمل بقوله، وقال محمد: يعمل بقولهم، ولو شك وأخبره عدلان يأخذ بقولهما، ولو شكوا أنه صلى عشر تسليمات أو تسعا قيل: يوترون وقيل: يصلون بجماعة تسليمة، والأصح أداؤها فرادى، ولو افتتحها أو الوتر فتابعه ثم ظهر أنه صلى التراويح قال النسفي: إنه أجزأه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQويجوز اقتداء من يصلي التسليمة الأولى بغيرها. وقال النسفي: أيضا إذا كان إمامه لحانا أو غيره أحق قراءة وأحسن صوتا فلا بأس أن يترك مسجده، إمام صلى العشاء بغير وضوء ولم يعلم ثم صلى بهم إمام آخر التراويح ثم علموا فعليهم إعادة العشاء والتراويح؛ لأن وقتها بعد العشاء وهو المختار.
[باب إدراك الفريضة]
باب إدراك الفريضة ومن صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت يصلي أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب إدراك الفريضة] [حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة نفل] م: (باب إدراك الفريضة) ش: أي هذا باب في بيان حكم إدراك الفريضة، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في النوافل التي هي إكمال الفرائض، وهذا الباب أيضا في إدراك الفرائض الذي هو الأداء الكامل، وهو الأداء بالجماعة، ومسائل هذا الباب من " الجامع الصغير " , م: (ومن صلى ركعة من الظهر) ش: أراد أنه شرع في صلاة الظهر ركعة منه م: (ثم أقيمت) ش: أي ثم أقيمت الصلاة، وأراد بالإقامة شروع الإمام فيهالا إقامة المؤذن، فإن لو أخذ المؤذن في الإقامة والرجل قيد الركعة الأولى بالسجدة فإنه يتم ركعتين بلا خلاف بين أصحابنا، كذا قاله الحلواني، وفي رواية تقام الصلاة مقام أقيمت ولهذا قال في رواية أقام المؤذن حتى لو صلى في البيت ركعة ثم أقيمت لا يقطع وإن كان فيه أجر وثواب الجماعة؛ لأنه لا يوجد مخالفة الجماعة عيانا فلا يقطع، ومذهب الشافعي فيما إذا صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت ما ذكره في تتمتهم، قال الشافعي: أحب إلي أن يكمل ركعتين ويسلم ويكونان نافلتين. وقال النووي: إذا دخل في فرض الوقت منفردا ثم أقيمت الجماعة استحب له أن يتمها ركعتين ويسلم ويكونان نافلة، ثم يدخل مع الجماعة فعنده في الفرض قولان أحدهما في الجديد هي الأولى، والثاني: الفرض أحدهما لا يعينه يحتسب الله تعالى بأيتهما شاء. وقال أبو إسحاق: وليس بشيء. لأنه لا أصل له في الشرح، وهو قوله القديم. وقال النووي في أحد الوجهين كلاهما فرض ثم في النفل لا يقطعه لأن القطع فيه ليس للإكمال وبه قال مالك. وقال الشافعي: إن دخل الإمام قطعه، وقال إسماعيل المتكلم وسيف الدين البابلي: لو ظن أن في الوقت سعة فشرع في النفل. ثم علم أنه إن أتمه خرج وقت الفرض لا يقطعه كما لو شرع في النفل ثم خرج الخطيب للخطبة، وعن أحمد المنفرد إذا نوى اتباع الجماعة بعدما صلى ركعتين جاز في رواية عنه، فإذا صلى ركعتين سلم، والأولى أن يقطع ويدخل مع الإمام والذي صلى وحده نافلة. م: (ويصلي ركعة أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان) ش: أي لأجل الصيانة أي الحفظ للمؤدى بفتح الدال وهو الركعة التي صلاها، وذلك أن البتيراء منهي عنها. فإن قلت: كيف يجوز إبطال صفة الفرضية لإقامة السنة. قلت: ليس هذا النقض لإقامة السنة بل لإقامة الفرض على وجه أكمل، لأن النقض للإكمال وهذا كهدم المسجد، فإنه حرام، فإذا كان لإحكام بنائه أو للتوسعة فإنه يجوز،
ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة، وإن لم يقيد الأولى بالسجدة يقطع ويشرع مع الإمام هو الصحيح، لأنه بمحل الرفض والقطع للإكمال ـــــــــــــــــــــــــــــQوالحاصل أن نقض الصلاة بغير عذر حرام لأنه إبطال العمل لا سيما صلاة الفرض إلا أن النقض إذا كان للإكمال يجوز لأنه وإن كان نقضا صورة إكمال معنى فإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة بالحديث الصحيح. فإن قلت: كيف يستقيم هذا على أصل محمد فإن عنده إذا بطلت صفة الفرضية بطل أصل الصلاة فلم يكون مؤدى مصونا عن البطلان عند الفرضية. قلت: هذا ليس مذهبه في جميع المواضع إنما هو مذهبه فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي إليها كما إذا قيد الخامسة بالسجدة وهو لم يقعد في الرابعة وهاهنا يتمكن من ذلك بالمضي فيها، والفرق بينهما أن إبطال صفة الفرضية لإحراز فضل الجماعة بإطلاق من الشرع وإبطال صفة الفرضية هناك ليس بإطلاق من جهة فجاز أن يتنفل نفلا هاهنا وصار كالمكلف بالصوم إذا آيس في خلال الصوم. م: (ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة) ش: كما لو شرع في الظهر ثم أقيمت الجماعة ألا ترى أنه يجوز قطعها لحطام الدنيا، فإن المرأة إذا كانت يفور قدرها جاز لها القطع، وكذا المسافر إذا بدت دابته أو خاف فوت شيء من ماله يقطع لأجل الدرهم، فإذا جاز لحطام الدنيا فلأن يجوز لإحراز فضيلة الجماعة أولى. م: (وإن لم يقيد الأولى) ش: أي الركعة الأولى من الظهر الذي شرع فيه وحده م: (بالسجدة يقطع صلاته) ش: وهي الركعة الأولى التي ما قيدت بسجدة م: (ويشرع مع الإمام) ش: يعني يدخل في صلاة الإمام، وهذا اختلفوا فيه هل يجوز القطع أم لا؟ فعند بعض المشايخ لا يقطع إذا كان قائما في الركعة الأولى، وإن لم يقيدها بالسجدة قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": كانت تختلف فتوى الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم الميداني في هذا والأشبه أنه يقطع وإليه أشار المصنف بقوله: م: (هو الصحيح) ش: أي القطع والشروع مع الإمام هو الصحيح، واحترز به عن قول الميداني المذكور وإبراهيم بن المنذر وبعض المشايخ قالوا: يصلي ركعتين ثم يقطع وإليه مال شمس الأئمة لأنه يمكنه الجمع بين الفضيلتين. وعلل المصنف ما ذهب إليه بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن ما دون الركعة م: (محل الفرض) ش: يعني له ولاية الرفض ما لم يقيده بالسجدة لأنه ليس له حكم فعل الصلاة، ولهذا لو حلف لا يصلي لا يحنث بهذا القدر م: (والقطع للإكمال) ش: والقطع لإكمال الفرض والقطع للإكمال، هذا جواب عما يقال: إنما نوى به قربة سلمت إلى مستحقها فلا يجوز إبطالها، ألا ترى أنه لو شرع في التطوع ثم أقيمت الظهر لم يقطع التطوع مع أن الفرض أولى، وتقرير
بخلاف ما إذا كان في النفل لأنه ليس للإكمال، ولو كان في السنة قبل الظهر والجمعة فأقام أو خطب يقطع على رأس الركعتين، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد قيل: يتمها وإن كان قد صلى ثلاثا من الظهر يتمها لأن للأكثر حكم الكل فلا يحتمل النقض بخلاف ما إذا كان في الثالثة بعد ولم يقيدها بالسجدة حيث يقطعها؛ لأنه بمحل الرفض ويتخير إن شاء عاد فقعد وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــQالجواب أن القطع المذكور لإكمال الفرض والقطع للإكمال يجوز كهدم المسجد للبناء على الوجه الأكمل، فإنه يجوز م: (بخلاف ما إذا كان في النفل) ش: أي لأن القطع في النفل ليس للإكمال فلا يقطع. م: (ولو كان) ش: أي المصلي م: (في السنة قبل الظهر) ش: أي ولو كان شرع في السنة التي قبل صلاة الظهر م: (أو الجمعة) ش: أي أو كان في السنة التي قبل صلاة الجمعة م: (فأقيم) ش: أي صلاة الفرض م: (أو خطب) ش: أي أو خطب الإمام للجمعة وهو لف ونشر مستقيم م: (يقطع) أي ما شرع فيه م: (على رأس الركعتين) ش: إحرازا لفضيلة الجمعة م: (يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القطع على رأس الركعتين، روي عن أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " فإذا قطع قضى ركعتين عند أبي حنيفة ومحمد وعلى قياس ما روي عن أبي يوسف أنه يقضي أربعا في كل تطوع فيقضي هاهنا أربعا م: (وقد قيل: يتمها) ش: أي سنة الظهر الذي كان شرع فيه، وقال فخر الإسلام: وكان الشيخ الإمام محمد بن الفضل البخاري يفتي بأنه يقضي أربعا لأنها بمنزلة صلاة واحدة واجبة. م: (وإن كان قد صلى ثلاثا) ش: أي وإن كان المصلي قد صلى ثلاث ركعات م: (من الظهر يتمها) ش: أي الظهر م: (لأن للأكثر حكم الكل) ش: حيث يثبت به جهة الفراغ ولم يثبت حقيقته فلم يحتمل النقض، فكذا إذا ثبت شبهه م: (فلا يحتمل النقض) ش: نتيجة قوله لأن للأكثر حكم الكل م: (بخلاف ما إذا كان في الثالثة أبعد) ش: بخلاف ما إذا كان هذا المصلي في الركعة الثالثة بعد أن شرع فيه م: (ولم يقيدها بالسجدة) ش: أي والحال أنه لم يقيد الركعة الثالثة بالمسجد م: (حيث يقطعها لأنه محل الرفض) ش: وقد مر أن له ولاية الرفض ما لم يقيد بالسجدة. وفي " الفتاوى الكبرى " عن محمد أنه يأتي بالركعة الرابعة قاعدا لتقلب نفلا، لأن الفرض لا يتأدى قاعدا مع القدرة على القيام ثم يأتي بالجماعة ليجمع بين الثوابين ثواب النفل وثواب الجماعة. م: (ويتخير) ش: يعني إذا أراد القطع فهو بالخيار م: (إن شاء عاد) ش: إلى التشهد م: (وقعد وسلم) ش: لأنه أراد الخروج من صلاته خروجا معتدا به والخروج عن هذا لم يشرع إلا بالقعدة فتكون صلاته على الوجه المشروع، ثم إذا عاد إلى القعدة قال يتشهد ويسلم. قال بعضهم:
وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام، وإذا أتمها يدخل مع القوم، والذي يصلي معهم نافلة؛ لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد، ـــــــــــــــــــــــــــــQيتشهد ويسلم ثانيا لأن القعدة الأولى لم تكن قعدة ختم، وقال بعضهم يكفيه ذلك التشهد لأن العود إلى القعدة ينقض القيام، وجعله كأن لم يكن أصلا فكانت هذه القعدة الأولى ثم يسلم تسليمتين عند البعض لأنه المعهود في التحلل، وعند البعض تسليمة واحدة، لأن التسليمة الثانية للتحلل وهذا قطع من وجه ولا يسلم قائما لأنه لم يشرع في القيام. م: (وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام) ش: وفي المحيط يقطعها قائما بتسليمة واحدة وهو الأصح لأنه قطع وليس بتحلل، وإن شاء رفع وإن شاء لم يرفع كذا قاله الإمام حميد الدين الضرير في " شرحه ". وعن شمس الأئمة الحلواني أنه لو لم يعد إلى التشهد تفسد صلاته ونقله عن النوادر. م: (وإذا أتمها) ش: عطف على قوله يتمها، أي وإذا أتم صلاة الظهر التي كان شرع فيها م: (يدخل مع القوم) ش: يعني لا ينقض صلاته، ولكن ليس بلازم لأن الذي يصلي معهم نافلة ولا إلزام فيها، ولكن الأفضل الدخول؛ لأنه في وقت مشروع ويندفع عنه تهمة بأنه ممن لا يرى الجماعة م: (والذي يصلي معهم نافلة) ش: أي والذي يشرع فيه ليصلي مع القوم نافلة لأنه لا إلزام فيها، قال الأترازي: إنما أنث الضمير بتأويل النفل. قلت: الخبر على حاله، وإنما ذكر المبتدأ لأن المعنى والصلاة التي يصليها مع القوم نافلة، وإنما ذكره باعتبار فعل الصلاة. فإن قلت: يلزم أداء النفل بجماعة خارج رمضان وهو مكروه. قلت: إنما تكون الكراهة إذا كان الإمام والقوم متنفلين، وأما إذا كان الإمام مفترضا فلا كراهة بما روي في حديث يزيد بن الأسود، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للرجلين «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة» ، ورواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الأئمة الذين يؤخرون الصلاة: «صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة» رواه مسلم من طرق. م: (لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد) ش: لأن الله تعالى لم يوجب على أحد ظهرين أو عصرين في يوم واحد. وقال النووي في أحد الوجهين كلاهما فرض، واعتبروها بصلاة الجنازة على مذهبهم إذا صلى عليها طائفة ثم صلت طائفة أخرى بعدهم وكانوا مقيمين بالفرض، وبه قال الشعبي والأوزاعي. قلنا: هذا تمجه العقول وهو مدفوع [....] وعلى هذا يلزم أن تفرض الصلاة كل يوم عشر مرات.
فإن صلى من الفجر ركعة ثم أقيمت يقطع ويدخل معهم؛ لأنه لو أضاف إليها أخرى تفوته الجماعة كذا إذا قام إلى الثانية قبل أن يقيدها بالسجدة وبعد الإتمام لا يشرع في صلاة الإمام؛ لكراهية التنفل بعد الفجر، وكذا العصر لما قلنا، وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية. لأن التنفل بالثلاث مكروه، وفي جعلها أربعا مخالفة لإمامه. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فإن صلى من الفجر ركعة) ش: يعني فإن شرع في صلاة الفجر وحده ثم صلى منه ركعة م: (ثم أقيمت) ش: أي ثم أقيمت صلاة الفجر م: (يقطع) صلاة نفسه م: (أو يدخل معهم) ش: أي مع القوم م: (لأنه لو أضاف إليها) ش: أي إلى الركعة الأولى م: (ركعة أخرى تفوته الجماعة) ش: لإتيانه بالأكثر م: (وكذا إذا قام إلى الثانية) ش: أي وكذا تقطع صلاته إذا قام إلى الركعة الثانية من صلاة الفجر ولكن ذلك م: (قبل أن يقيدها) ش: أي قبل أن يقيد الركعة الثانية م: (بالسجدة) ش: لأنه ما لم يقيدها بالسجدة فهو محل الرفض، بخلاف ما إذا قيدها بها كما ذكرنا. م: (وبعد الإتمام لا يشرع مع الإمام) ش: أي بعد إتمام صلاة الفجر التي شرع فيها وحده لا يشرع مع الإمام م: (لكراهة التنفل بعد الفجر) ش: أي بعد أداء صلاة الفجر م: (وكذا بعد العصر) ش: أي وكذا لا يشرع مع الإمام بعد أن صلى صلاة العصر وحده م: (لما قلنا) ش: من كراهة النفل بعد صلاة العصر، وعند الشافعي ومالك يعيدها لعدم الكراهة في النفل بعدها عندهما، وعند أحمد يعيدها مع إمام الحي م: (وكذا بعد المغرب) ش: أي وكذا لا يشرع مع الإمام إذا أتم صلاة المغرب وحده م: (في ظاهر الرواية) ش: وبه قال مالك وقيد به لأنه روي عن أبي يوسف الأحسن أن يدخل مع الإمام ويصلي أربع ركعات ثلاث مع الإمام وأتم الرابعة بعد فراغ الإمام، وبه قال الشافعي وأحمد، لأن بالقيام إلى الثالثة صار ملتزما للركعتين إذ الركعة الواحدة لا تكون صلاة للنهي عن المبتدأ، وعن أبي يوسف في رواية يدخل معه ويسلم على رأس الثالثة مع الإمام وبه قال السرخسي. م: (لأن التنفل بالثلاث مكروه) ش: أي بثلاث ركعات لأن فيه مخالفة السنة لورود النهي عن البتيراء، وقال قاضي خان التنفل بالثلاث حرام. قلت الوتر ثلاث وهو نفل عندهما، وذلك مشروع فكيف يكون مثله حراما م: (وفي جعله أربعا مخالفة لإمامه) ش: أي وفي جعل المصلي أربع ركعات مخالفة إمامه لأنه يصلي ثلاثا، ومع هذا إذا شرع قال فخر الإسلام أتمها أربعا، لأن هذا الوجه أحوط لما فيه من زيادة الركعة، وفي الوتر لو سلم مع الإمام على الثلاث فسدت صلاته وعليه قضاء أربع ركعات لأنه التزم بالاقتداء ثلاث ركعات تطوعا فلزمه أربع كالنذر بها. وفي قاضي خان وقيل إنما يكره التنفل بعد المغرب بثلاث ركعات إذا كان عن اختيار، فأما عن اضطرار فلا. فإن قلت: المخالفة للإمام إنما تكون قبل فراغه وهذه مخالفة بعد فراغه من صلاته، وهذا
الليالي ثم تركها، وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا والسنة فيها الجماعة ومن دخل مسجدا قد أذن فيه يكره له أن يخرج حتى يصلي؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الرجوع» . ـــــــــــــــــــــــــــــQليس به بأس كالمقيم إذا اقتدى بالمسافر وكان مسبوقا فإنهما يقومان بعد فراغ الإمام. قلت: الفرق ظاهر، أما صلاة المسافر فعلى فرضية أن يصلي أربعا وكذلك صلاة المغرب. وأما المسبوق فقد عرف قضاؤه بالسنة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ما فاتكم فاقضوا» م: (ومن دخل مسجدا قد أذن فيه) ش: أي قد أدني فيه على صيغة المجهول جملة في محل النصب، لأنها صفة لقوله مسجدا، وأما نصب مسجد فعلى التوسع وإسقاط الخافض لا على الظرفية، والتقدير ومن دخل في مسجد ونظيره دخلت الدار، فإن تعدي الفعل في نحو الدار والمسجد لا يطرد ويجوز أن يكون مسجدا منصوبا على أنه مفعول به على رأي الأخفش لأنه دخل عنده تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر م: (يكره له أن يخرج) ش: أي يكره لهذا الداخل خروجه من المسجد م: (حتى يصلي) ش: يعني إن لم يكن قد صلى، لأن المؤذن قد دعاه ولورود الوعيد فيه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الرجوع» ش: لم يذكر أحد من الشراح هذا الحديث في كتابه ولا التفت إلى ما كان حاله هل هو يصلح للاحتجاج أم لا. أما السغناقي فإنه لم يذكره أصلا. وأما الأكمل فإنه ذكر في المسألة تفصيلا ثم قال وهو واضح وما عرفنا من أين جاءه الوضوح، وأما صاحب الدراية فإنه اكتفى بالمنقولات في هذه المسألة. أما الأترازي فإنه استدل بما روي عن أبي هريرة أنه قال حين خرج رجل من المسجد بعدما أذن فيه أما هذا فقد عصى أبا القاسم، رواه مسلم والأربعة، وهذا موقوف وقال أبو عمر: إنه مسند ولذلك نظائره نحو حديث أبي هريرة «من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» وقال لا يختلفون في ذلك رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وزاد فيه «أمرنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أذن المؤذن فلا تخرجوا حتى تصلوا» . وأما الذي ذكره المصنف فقد قال سبط بن الجوزي رواه النسائي. قلت: روى ابن ماجه في " سننه " بمعناه عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق» . وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق إلا أحدا أخرجته حاجته وهو يريد الرجوع» . ورواه أيضا عبد الرزاق في " مصنفه "، ورواه أحمد في " مسنده " عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا كنتم في المسجد فنودي للصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي» .
قال: إلا إذا كان ممن ينتظم به أمر جماعة لأنه ترك صورة تكميل معنى وإن كان قد صلى وكانت الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج؛ لأنه أجاب داعي الله مرة إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة؛ لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا، وإن كانت العصر أو المغرب أو الفجر خرج، وإن أخذ المؤذن فيها؛ لكراهة التنفل بعدها، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا إذا كان ينتظم به أمر جماعة) ش: هذا استثناء من قوله يكره له أن يخرج، أراد أن يدخل في مسجد أذن فيه إذا كان ينتظم به أي يستقيم به أمر جماعته بأن كان مؤذنا أو إمام مسجد تتفرق جماعة بسبب غيبته فإنه يخرج ولا يدخل تحت الوعيد م: (لأنه) ش: أي لأن خروجه م: (ترك صورة) ش: أي ترك للجماعة من حيث الصورة م: (تكميل معنى) ش: أي تكميل للجماعة معنى، والاعتبار للمعنى، ولو دخل مسجدا لم يكن مسجد حيه فإن كانوا صلوا في مسجده فلا يخرج لأنه صار من أهل هذا المسجد، وإن لم يكن صلوا إن خرج ليصلي في مسجد حيه لا بأس به، لأن الواجب عليه أن يصلي في مسجد حيه، وإن صلى في هذا المسجد لا بأس به أيضا إلا أنه صار من أهل هذا المسجد، والأفضل أن لا يخرج لكيلا يتهم أنه ممن لا يرى الجماعةِ. وفي [.....] فاتته الجماعة في مسجد حيه، فأتى مسجدا آخر يرجو فيه الجماعة فحسن، وإن صلى في مسجد حيه فحسن أيضا أي الحسن أفضل، فالشعبي اختار طلب الجماعة، والنخعي اختار مسجد حيه. وقال الحسن البصري: كان الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذا دخلوا مسجد حيهم صلوا فرادى بغير أذان وإقامة ثم لمنفعة جماعة أستاذه لأجل درسه أو لسماع الأخبار ولسماع مجلس العامة أفضل بالاتفاق لتحصيل الثوابين ولو فاتته ركعة أو ركعتان فالأفضل أن يصلي في مسجد حيه. م: (وإن كان قد صلى) ش: أي وإن كان الداخل مسجدا أذن فيه قد صلى فرضه م: (وكانت) ش: أي الصلاة التي صلاها م: (الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج لأنه أجاب داعي الله مرة) ش: وهو المؤذن م: (إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة) ش: هذا استثناء من قوله فلا بأس بأن يخرج أراد أن المؤذن إذا شرع في الإقامة فإنه لا يخرج حينئذ م: (لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا) ش: أي معاينة، وانتصابه على الحال من مخالفة. م: (ولو كانت العصر) ش: أي ولو كانت الصلاة التي صلاها وحده صلاة العصر م (أو المغرب أو الفجر) ش: أي أو كانت المغرب أو كانت الفجر أي صلاة الفجر م: (خرج) ش: أي من المسجد م: (وإن أخذ فيها) ش: أي إن أخذ المؤذن أي شرع في واحدة من هذه الصلوات م: (لكراهة التنفل بعدها) ش: أي بعد العصر والمغرب والفجر، وعند الشافعي لا بأس بالشروع في هذه الصلوات لما روي عن زيد بن أبي الأسود قال «شهدت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلياها معه فقال: علي بهما
[حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر]
ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر؛ وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين. ـــــــــــــــــــــــــــــQفأتي بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا، قال: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح واستدل الأترازي للشافعي بحديث السبحة وهو ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة» ثم يجاب عنه بقوله، ونحن نحمله على غير هذه الصلوات كيلا يلزم التعارض بينه وبين حديث النهي عن الصلوات بعد الفجر والعصر وحديث التيسير. قلت: كيف نحمله على غير هذه الصلوات، وقد صرح في حديث يزيد بن الأسود المذكور آنفا بصلاة الصبح، والجواب عنه أنه قد روي هذا في صلاة الظهر فتعارضت روايتا فعله فأخذنا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» ثم إذا صلى العصر أو الفجر فعندنا فرضه الأول، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد، لأن الخطاب سقط عنه بالأولى، وقال في القديم فالفرض أكملها وقال بعض أصحابه والشعبي والأوزاعي فالفرض كلاهما وقد مر الكلام فيهما مرة. [حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر] م: (ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر) ش: أي والحال أن هذا المنتهي لم يكن صلى سنة الفجر فلا يخلو حاله عن أمرين الأول: م: (إن خشي أن تفوته ركعة) ش: من صلاة الفجر لاشتغاله بالسنة م: (ويدرك الأخرى) أي الركعة الأخرى وهي الثانية، وتخصيص الركعة لما أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل أداء الركعة مع الإمام عند العذر بمنزلة أداء الكل في إدراك ثواب الجمعة حتى تتم صلاة الخوف ركعة ركعة م: (يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل) ش: أي يدخل المسجد م: (لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين) ش: فضيلة السنة وفضيلة الجماعة، وإنما قيد عند باب المسجد لأنه لو صلاهما في المسجد كان مشتغلا فيه مع اشتغال الإمام بالفرض وأنه مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» وخصت سنة الفجر بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» رواه أبو داود وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر فيما مضى هذا إذا كان عند باب المسجد موضع لذلك، فإن لم يكن يصليهما في المسجد خلف سارية من سواريه خلف الصفوف. وذكر فخر الإسلام وأشدها كراهة أن يصلي مخالطا للصف مخالفا للجماعة والذي يصلي خلف الصف من غير حائل بينه وبين الصف. وفي " الذخيرة " السنة في ركعتي الفجر أن يأتي بهما في بيته، فإذا لم يفعل فعند باب المسجد إذا كان الإمام يصلي فيه، فإن لم يمكنه ففي المسجد الخارج إذا كان الإمام في المسجد الداخل، وفي الداخل إذا كان الإمام في الخارج. وفي " المحيط ": وقيل: يكره ذلك كله، لأن ذلك بمنزلة
وإن خشي فوتها دخل مع الإمام ولم يصل؛ لأن ثواب الجماعة أعظم والوعيد بالترك ألزم بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالين لأنه يمكنه أداؤها في الوقت بعد الفرض هو الصحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــQمسجد واحد. وفي قاضي خان إن كان الإمام في الصيفي يصليهما في الشتوي وإن كان في الشتوي يصليهما في الصيفي، وإن كان الصيفي والشتوي واحدا يقوم خلف الصف وعند سارية أو خلف أسطوانة أو نحوهما. وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل مع الإمام ولم يصليهما وإلا صلاهما في المسجد، وقول مالك مثله إلا أنه قال يصليهما خارج المسجد في غير الأفنية اللاصفة به. وعن شمس الأئمة يحكي عن الفقيه إسماعيل الزاهد أنه كان يقول ينبغي أن يفتح ركعتي الفجر ثم يقطعهما ويدخل مع الإمام حتى يلزمه بالشروع فيتمكن من القضاء بعد الفجر ولكن هذا ليس بقوي، فإن ما وجب بالشروع لا يكون أقوى مما يجب بالنذر، وقد نص في الزيادات الزيادة أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس. الحال الثاني: أن يخاف فوت الفرض كله وأشار إليه بقوله م: (وإن خشي فوتهما) أي فوت ركعتي الفجر م: (دخل مع الإمام ولم يصل) أي لم يصل السنة يعني بتركها لأن ثواب الجماعة أعظم من ثواب السنة لما روى مسلم في " صحيحه " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» م: (والوعيد بالترك ألزم) الوعيد منصوب لأنه عطف على اسم إن، وألزم مرفوع على الخبرية، والوعيد هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لقد هممت أن آمر رجلا [يصلي بالناس، ثم آمر فتية] أن يجمعوا حزما من حطب، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم» رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة، قوله: هممت أي قصدت، والفتية جمع فتى، قوله أن يجمعوا وفي رواية: تجمعوا قوله ثم آتي بالنصف عطف على قوله أن آمر، واستدل بهذا الحديث من قال: إن الجماعة فرض عين، وقد مر الكلام فيه في باب الإمامة. فإن قلت: إذا أدرك الإمام في التشهد ماذا يفعل؟ قلت: ظاهر كلام المصنف ترك على أنه يدخل مع الإمام لأنه قال: إن خاف أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام، كذا قال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الجامع الصغير " ثم قال: وكان الفقيه أبو جعفر يقول: يصلي سنة الفجر ثم يشرع مع الإمام عندهما وعند محمد يترك السنة، وهذا فرع اختلافهم في المدرك في التشهد في صلاة الجمعة م: (بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالتين) أي في حال خشية الفوات، وحال عدمها م: (لأنه يمكنه أداؤها في الوقت) أي لأن الشأن يمكنه أداء سنة الظهر في وقت الظهر م: (بعد الفرض) أي بعد أداء فرض الظهر م: (هو الصحيح) أي أداء بعض الظهر بعد الفرض في الوقت هو الصحيح واحترز به عن قول بعض
وإنما الاختلاف بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تقديمها على الركعتين وتأخيرها عنهما، ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله تعالى، والتقييد بالأداء ـــــــــــــــــــــــــــــQالمشايخ أن سنة الظهر لا تقضى إذا فاتت لأن في سنة الفجر ورد الشرع بالقضاء غداة ليلة التعريس، ولم يرد مثل ذلك في سنة الظهر، وهذا القول غير صحيح، لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - روت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فاتته الأربع قبل الظهر فقضاها بعده» . وقال الأترازي: وهذا القول غير صحيح، يعني قول بعض المشايخ أن سنة الظهر لا تقضى، وورد الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في أنه هل يقدم الأربع أو الركعتين، قال أبو يوسف: يقدم الركعتين ثم يقضي الأربع، وقال محمد: يقدم الأربع، ثم يقضي الركعتين، كذا ذكر اختلافها في " الجامع الصغير " الحسامي، وفي " الجامع الصغير " العتابي، و " المنظومة "، و " شروحها " ذكر الاختلاف على العكس، ويحتمل أن يكون عن كل واحد من الاثنين روايتان. انتهى. قلت: اختلافهما في التقديم والتأخير في القضاء لا يدل على أن سنة الظهر تقضى في الفرض بعد ولا يدل على ذلك إلا الحديث الذي ذكرناه، والعجب من الأترازي أنه يستدل باختلاف الإمامين في التقديم والتأخير على قضاء سنة الظهر في الوقت، ثم اختلفوا هل تكون الأربع التي يقضيها بعد الظهر في الوقت سنة أو نفلا. قلت: قال في " الذخيرة ": وعن أبي حنيفة أن يكون نفلا، وهو قول بعضهم، وقيل يكون سنة، وهو قول صاحبيه، وهو الأظهر، وهل ينوي القضاء؟، فعندهما ينوي القضاء لحديث عائشة المذكور آنفا، وعند أبي حنيفة لا ينوي القضاء لأن ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون قضاء لأنه إذا وجب على الشيء كتب عليه، وفعل غيره يكون تطوعا مبتدأ، فلا حاجة إلى نية القضاء م: (وإنما الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في تقديمها) أي في تقديم الأربع م: (وتأخيرها عنهما) أي عن الركعتين فالتقديم عند أبي يوسف ومحمد والتأخير عند محمد، وفي " المحيط " ذكر أبو حنيفة مع أبي يوسف، في " فتاوى السغناقي " قول أبي يوسف هو المختار، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " هو الأصح لحديث عائشة المذكور فإن أبا يوسف يعتبر المحل، ومحمد يعتبر ما يقع فيه فالركعتان في محلهما فيقدمان، ولمحمد أن الأربع قبل الركعتين لتقدمها على الأربع الفرض المتقدم عليهما، وقد تعذر التقديم على الظهر ولم يتعذر على السنة، وفي " الخلاصة " ولو صلى سنة الفجر أو الأربع قبل الظهر ثم اشتغل بالبيع والشراء والأكل، فإنه يعيد السنة أما بأكل لقمة أو شربة لا تبطل السنة، وذكر في " جامع التمرتاشي " قيل لا يعيد ولكن ثوابه أنقص من ثوابه قبل التكلم، قال الجلالي: الظاهر أنه لا يعيد. م: (ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: يعني ليس سنة الفجر مثل سنة الظهر، لأن سنة الفجر لا يمكن أداؤها بعد الفرض فحصل الفرق بين السنتين م: (والتقييد بالأداء)
عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة، والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل هو المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس، لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه بعد الصبح، ـــــــــــــــــــــــــــــQش: أي تقييد محمد بن الحسن بأداء ركعتي الفجر م: (عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد) ش: أي على كراهة أدائه إياهما م: (في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة) ش: لمخالفة الإمام عيانا. م: (والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل) ش: أي الأفضل في أكثر السنن والنوافل إقامتها في المنزل، وإنما قدرنا هكذا لأن لفظ المنزل لا يصح أن يقع خبرا لقوله الأفضل، وإنما قال في عامة السنن تنبيها على أن بعض المشايخ قالوا يصلي الركعتين بعد الظهر والركعتين بعد المغرب في المسجد وما سواهما في البيت. قال في " المحيط " م: (والمروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي روى البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «احتجز رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حجرة.. الحديث، وفي آخره فعليكم بالصلاة في بيوتكم إلا المكتوبة فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي مختصرا ولفظ أبي داود: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة» به قال. فإن قلت: يعارض هذا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» . قلت: يحتمل هذا على الفرض أي صلاة مفروضة في مسجدي هذا يدل على لفظ أبي داود «صلاة المرء» .. الحديث، وفي " الذخيرة " والسنن بعد الفرائض لا بأس بإتيانها في المسجد في مكان الصلاة، والأولى أن يتنحى عنه خطوة أو خطوتين والإمام يتنحى عن المكان الذي يصلي فيه الفريضة لا محالة، وفي " الجامع الصغير ": إذا صلى الرجل المغرب في المسجد وخاف أن يرجع إلى بيته أن يشتغل عن السنة صلاها في المسجد، والأخير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة، وفي " شرح الآثار للطحاوي " يأتي بالركعتين بعد الظهر وركعتين عند المغرب في المسجد وما سواهما لا ينبغي أن يصلي في المسجد وهو قول البعض، والبعض يقول التطوع في المسجد حسن وفي البيت أحسن، وذكر الحلواني: أن من فرغ من الظهر والمغرب والعشاء وإن شاء صلى السنة في المسجد وإن شاء في بيته. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس؛ لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه وبعد صلاة الفجر) ش: أي التنفل مكروه بعد أن يصلي فرض الفجر لما مر بيانه. وقال النووي في " شرح المهذب " في قضاء السنة الراتبة قولان أحدهما وهو القديم لا يقضي كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد، والثاني وهو الجديد يقضي أبدا، وفي قول حكاه الخراسانيون إن فاتت في النهار يقضي ما لم تغرب الشمس، وإن فاتت في الليل
قال: ولا بعد ارتفاعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس، ـــــــــــــــــــــــــــــQيقضي ما لم يطلع الفجر. قال: والصحيح استحسان قضاء الجميع أبدا. وفي " المغني " قال ابن حامد يقضي ركعتا الفجر وغيرهما من السنن في الأوقات كلها ما خلا أوقات النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وعنه أنه قال ركعتا الفجر تقضى إلى وقت الضحى. قال ابن قدامة: والأول أصح. م: (قال) ش: أي المصنف م: (ولا بعد ارتفاعها) ش: أي ولا يقضي أيضا بعد ارتفاع الشمس م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال) ش: قال الحلواني والفضلي ومن تابعهما لا خلاف بينهم، فإن محمدا يقول: أحب إلي أن يقضي وإن لم يفعل فلا شيء عليه، وهما يقولان ليس عليه أن يقضي، وإن فعل فلا بأس به. ومن المشايخ من حقق الخلاف، وقال الخلاف في أنه لو قضى يكون نفلا مبتدأ أو سنة كذا في " المحيط " م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس) ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة أبو قتادة وذو مخمر وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وبلال وأنس وابن مسعود وعمرو بن أمية الضمري وابن عباس ومالك بن ربيعة السلولي وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث أبي قتادة عند مسلم، وحديث ذي مخمر الحبشي عند أبي داود في " سننه "، وحديث عمران بن حصين عند أبي داود أيضا والحاكم وابن خزيمة، وحديث جبير بن مطعم عند النسائي، وحديث بلال عند الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده "، وحديث أنس عند البزار أيضا وحديث ابن مسعود عند البيهقي في كتاب " الأسماء والصفات " وحديث عمرو بن أمية وحديث ابن عباس عند البزار، وحديث مالك بن ربيعة عند النسائي، وحديث أبي هريرة عند مسلم عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: «عرسنا مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ليأخذ كل إنسان برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان "، قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة
ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب، والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض فبقي ما رواه على الأصل، وإنما تقضى تبعا له، وهو يصلي بالجماعة أو وحده إلى وقت الزوال، وفيما بعده اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأما سائر السنن سواها فلا تقضى بعد الوقت وحدها، واختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قضائها تبعا للفرض، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالتعريس في آخر الليل» ، وليلة التعريس كانت حين قفل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غزوة خيبر. قوله ثم صلى سجدتين أي ركعتي الفجر. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب) ش: لأن القضاء تسليم مثل الواجب بالأمر م: (والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض) ش: ش: هذا جواب عن حديث ليلة التعريس تقديره أنه لما ورد بقضائها تبعا قلنا بقضائها م: (فبقي ما رواه على الأصل) ش: وهو عدم وجوب الزوال بالاتفاق م: (وإنما تقضى) ش: أي السنة م: (تبعا له) ش: أي للفرض م: (وهو يصلي بالجماعة) ش: أي والحال أنه يصلي بالجماعة م: (أو وحده) ش: أي أو يصلي وحده م: (إلى وقت الزوال) ش: أراد انتهاء وقت القضاء مع الجماعة أو كان منفردا إلى وقت زوال الشمس، توضيحه أن سنة الفجر تقضى تبعا للفرض سواء كان قضى الفرض بالجماعة أو قضاه وحده. وقال الأكمل هاهنا وكلامه واضح، قلت من أين يجيء الوضوح إن لم يشرح كلام المصنف كما هو المقصود؟ م: (وفيما بعده) ش: أي وفيما بعد الزوال م: (اختلاف المشايخ) ش: أي مشايخ ما وراء النهر، فاختلفوا في أنه هل تقضى سنة الفجر تبعا للفرض، فقال بعضهم تقضى تبعا وبه قال الشافعي في قول، وقال بعضهم لا تقضى إلا تبعا ولا مقصودة. وفي " المحيط " لا تقضى السنة بعد الزوال وإن تذكر مع الفرض من غير ذكر خلاف، وفي " جامع بدر الدين الورسكي " لا يقضى بعد الزوال، لأن السنة جاءت بالقضاء في وقت مجمل فلا يقاس عليه آخر. م: (وأما سائر السنن سواها) ش: أي سوى سنة الفجر، وفي بعض النسخ سواهما بضمير التثنية أي سوى ركعتي الفجر م: (فلا تقضى بعد الوقت وحدها) ش: أي إذا كانت بدون الفرضية. م: (واختلف المشايخ في قضائها) ش: أي في قضاء السنن م: (تبعا للفرض) ش: فقال بعضهم يقضيها تبعا لأنه كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا. وقال بعضهم لا يقضيها تبعا كما لا يقضيها مقصودة وهو الأصح، لاختصاص القضاء بالواجب. وفي " مختصر البحر " ما سوى ركعتي الفجر من السنن إذا فاتت وحدها لا يقضى عندنا وإذا فاتت مع الفرض يقضي عند العراقيين كالأذان والإقامة، وعند الخراسانيين لا يقضي، ثم قيل لا بأس بترك سنة الفجر والظهر إذا صلى وحده لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأت بها إلا إذا صلى بالجماعة وبدونها لا يكون سنة، وقيل لا يجوز تركها بكل حال، لأن السنة المذكورة كالواجبة، وللشافعي قولان في قول لا
ومن أدرك من الظهر ركعة ولم يدرك الثلاث فإنه لم يصل الظهر بجماعة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد أدرك فضل الجماعة؛ لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب الجماعة لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة، ولهذا يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في يمينه لا يصلي الظهر بالجماعة. ـــــــــــــــــــــــــــــQيقضي وبه قال مالك وأحمد في رواية، وفي قول يقضي كالفرائض هو اختيار المزني ورواية عن أحمد. م: (ومن أدرك من الظهر ركعة) ش: أي من أدرك من صلاة الظهر التي يصليها الإمام ركعة واحدة م: (ولم يدرك الثلاث) ش: أي ثلاث ركعات م: (فإنه) ش: أي فإن هذا المدرك م: (لم يصل الظهر في جماعة) ش: ذكر هذه المسألة لبيان الحكم في مسألة أخرى ذكرها في " الجامع الكبير " رجل قال: إن صليت الظهر مع الإمام فعبدي حر، فأدرك ركعة مع الإمام فقط لا يحنث، لأن شرط حنثه أن يكون صلى الظهر مع الإمام وقد صلى ثلاثا من الظهر منفردا، لأن المسبوق فيما يقضي منفرد فلم يوجد شرط الحنث وهذا لأن المسمى يعتبر معدوما بفوات الحر وفي مقام الإثبات، وعلى هذا لو أدرك ثلاثا مع الإمام وفاتته الواحدة لم يحنث أيضا لفوات بعض المسمى وهو الصحيح، ولو قال عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام يحنث بإدراك الواحدة معه وبإدراك القعدة أيضا، لأن إدراك الشيء هو الوصول إلى آخر جزء منه يتحقق بإدراك القعدة فضلا عن الركعة إدراك الظهر بالجماعة يؤيده قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أدرك ركعة من الفجر فقد أدرك الفجر» . م: (وقال محمد: ومن أدرك فضل الجماعة) ش: إنما خص قول محمد بإدراك فضل الجماعة وإن كان يدرك ثواب الجماعة، عند صاحبيه أيضا لأن الشبهة وردت على قول أن مدرك الإمام في التشهد في صلاة الجمعة لا يكون مدركا للجماعة فيتمها أربعا فكان مقتضى قوله أن لا يدرك فضيلة الجماعة في هذه المسألة لأنه مدرك للأقل كما في الجمعة فأزال ذلك الوهم بقوله قال محمد قد أدرك فضل الجماعة، وأصل هذه المسألة مسألة " الجامع الكبير " وقد ذكرناها آنفا. وقال السغناقي: فإن قلت: الاختلاف إنما يكون عند اتحاد الموضوع ثم ذكر هنا قولهما في صلاة الظهر أي في جماعة، وقول محمد في إدراك فضل الجماعة وهما متغايران في الوضع فلا يتحقق الاختلاف بذلك، وحاصل الجواب أن تخصيص ذكر محمد لا لبيان الاختلاف فيما بينهم فإنهم اتفقوا في الموضعين وهو أنه لم يصل الظهر في جماعة وأنه أدرك فضل الجماعة، وإنما خص قول محمد بشبهة ترد على قوله وقد ذكرناه تحرزا. م (لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب الجماعةِ، لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة) ش: عدم صلاته بالجماعة ظاهر لكنه يحصل له ثواب الجماعة م: (ولهذا) ش: يعد مع على ذلك بالاتفاق م: (يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في يمينه لا يدرك الظهر بالجماعة) ش: الضمير في به يرجع إلى إدراك الذي يدل عليه قوله
ومن أتى مسجدا قد صلى فيه فلا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له ما دام في الوقت، ومراده إذا كان في الوقت سعة، وإن كان فيه ضيق تركه، وقيل: هذا في غير سنة الظهر والفجر؛ لأن لهما زيادة مزية، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: في سنة الفجر «صلوهما ولو طردتكم الخيل» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأدرك، وهما صورتان قد بيناهما عن قريب، ومذهب الشافعي في الظاهر كمذهبنا أنه إذا أدرك الإمام في التشهد ينال فضل الجماعة، وعند بعض أصحابه لا ينال إذا أدركه فيما دون الركعة. م: (ومن أتى مسجدا قد صلي فيه) ش: أي صلى أهله فيه بالجماعة وكان الرجل فاتته الجماعة م: (فلا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له) ش: أي ما ظهر يعني ما أراد من التطوع م: (ما دام في الوقت) ش: أي في وقت هذه الصلاة م: (ومراده) ش: أي مراد محمد بن الحسن بقوله في " الجامع الصغير " لا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة م: (إذا كان في الوقت سعة) ش: بفتح السين والعين يعني اتساع م " (وإن كان فيه) ش: أي في الوقت م: (ضيق تركه) ش: أي ترك التطوع، وروي عن الثوري والحسن البصري أنه لا يتطوع قبل المكتوبة لما أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما اشتغل به إذا صلى بالجماعة. م: (قيل: هذا في غير سنة الظهر والفجر) ش: أشار بهذا إلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس. قال بعض المشايخ قول محمد لا بأس بأن يتطوع التطوع قبل العصر والعشاء دون التطوع قبل الفجر والظهر م: (لأن لهما) ش: أي لسنة الظهر ولسنة الفجر م: (زيادة مزية) أي زيادة خصوصية بالفضل، وزيادة الأجر وبين ذلك بقوله م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سنة الفجر «صلوهما وإن طردتكم الخيل» ش: أخرج هذا الحديث أبو داود في " سننه " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» . وأخرج مسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الفجر» . وأخرج الطبراني عنها: «لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم» . وأخرج أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «لا تتركوا ركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب " والمراد من الخيل حبس العدو» .
وقال في الأخرى: «من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي» . وقيل: هذا في الجميع؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها عند أداء المكتوبات بالجماعة، ولا سنة دون المواظبة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقال في الأخرى) ش: أي قال النبي في سنة الظهر م «من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي» ش: هذا ليس له أصل، والعجب من الشراح ذكروا هذا ولم يتعرضوا إلى بيان حاله وسكتوا عنه. وقال الأكمل: وهذا وعيد عظيم، ودلالته على وكادة الأربع أقوى من الأول قلت: نعم يكون أقوى من الأول، إذا صح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والذي لم يثبت كيف يكون أقوى من الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة زوجة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار» ، وروى أبو داود أيضا عن أبي أيوب عن النبي عيه السلام قالِ: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» . م: (وقيل هذا) ش: أي قول محمد لا بأس بأن يتطوع وهذا القول اختيار أبي الليث في " جامعه " م: (في الجميع) ش: أي عام في جميع السنن، وللمصلي الخيار بين أن يتطوع وبين أن لا يتطوع لأن السنة لا تثبت إلا بمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على السنن قبل المكتوبة عند أداء المكتوبات بالجماعة، وأشار إلى هذا بقوله: م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على السنن م: (عند أداء المكتوبات بالجماعة) ش: وهاهنا في مسألتنا الجماعة متبقية لأن التقدير فيمن أتى مسجدا قد صلي فيه فلا يكون في حقه إتيان السنة سنة، فبقي نفلا مطلقا فيكون في خيرة من إتيانه وتركه، وأشار إلى هذا بقوله م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على السنن م: (لا سنة دون المواظبة) ش: هذا معروف من الأحاديث، ولم يرو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترك شيئا من الرواية المذكورة في النوافل إلا الركعتين بعد الظهر وقضاهما بعد العصر وركعتي الفجر وقضاهما مع الفرض بعد طلوع الشمس. وقال قاضي خان: إن محمدا لم يذكر السنن في الكتاب، وإنما ذكر التطوع والإنسان إذا صلى وحده إن شاء أتى بالسنن وإن شاء تكرها، وهو قول أبي الحسن الكرخي، والأول أصح، والأخذ به أحوط فلا يتركها في الأحوال كلها إذ السنة بعد المكتوبة شرعت لجبر نقصان يمكن في الفرض وقبلها يقطع طمع الشيطان عن المصلي لأنه يقول: إذا لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه والمنفرد إلى ذلك أحوج، إلا إذا خاف فوت الوقت، لأن أداء الفرض في وقته واجب. وفي " الحواشي " لو لم يرد جواز ترك الجميع لا يتبقى لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى فيه فائدة، لأن الاختيار بين الترك والإثبات كسنة العصر والعشاء ثابت سواء صلى
والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها أي لكونها مكملات للفرائض إلا إذا خاف فوت الوقت، ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول: أدرك الإمام فيما له حكم القيام، ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في الركوع ـــــــــــــــــــــــــــــQبالجماعة أو منفردا. وأما إذا أريد بهذا في الجميع جاز ترك سنة الفجر والظهر حالة الانفراد ولم يثبت اختيار الترك عند أدائها بالجماعة فحينئذ تظهر فائدة قوله قد صلى فيه. م: (والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها) ش: هذا اختيار المصنف أي الأولى أن لا يترك السنن الرواتب كلها في جميع الأحوال كلها، سواء كان مؤديا بالجماعة أو منفردا أو مقيما أو مسافرا م: (أي لكونها مكملات للفرائض) ش: أي لكون السنن الراتبة مكملات لما نقص من الفرائض وجبر النقصان يقع فيها، خصوصا في حق المنفرد، لأنه أحوج إليها لافتقاره إلى تكميل الثواب م: (إلا) ش: استثناء من قوله والأولى يعني الأولى أن يتركها م " (إذا خاف فوت الوقت) ش: فإنه إذا اشتغل بالسنة يفوته الوقت لضيقه. م: (ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه) ش: أي وصل إليه حال كون الإمام راكعا م: (فكبر) ش: للافتتاح م: (ووقف) ش: ولم يركع سواء تمكن من الركوع أو لا م: (حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة) ش: قيد بالركوع لأنه إذا انتهى إليه وهو قائم يكبر ولم يركع معه حتى رفع الإمام رأسه من الركوع ثم ركع أنه يدرك الركعة بالإجماع. وإذا انتهى إلى القومة بعد الركوع لا يكون مدركا لتلك الركعة بالإجماع، وبما قلنا قال الشافعي. م: (خلافا لزفر) ش: فإنه يقول يصير مدركا لتلك الركعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلي وعبد الله بن المبارك م: (وهو) ش: أي زفر م: (يقول أدرك الإمام فيما له حكم القيام) وهو الركوع، وهذا لأن الركوع يشبه القيام لوجود استواء النصف الأسفل الذي به يمتاز القائم من القاعد، لأن استواء النصف الأعلى موجود في القاعد أيضا، ولهذا لو شاركه في الركوع صار مدركا. م: (ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة) ش: لأن الاقتداء شركة، ولا شركة في الإحرام، وإنما الشركة في الفعل م: (ولم يوجد لا في القيام) ش: لأنه ليس من جنس الركوع م: (ولا في الركوع) ش: لأنه ليس من جنس القيام فلا يصير مدركا لتلك الركعة. فإن قلت: جاء في الحديث «من أدرك الإمام في الركوع فقد أدركه» ولهذا يأتي بتكبيرات العيد في الركوع، مع أنه يؤتى بها في حقيقة القيام. قلت: روى أبو داود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» . وظاهره أنه إذا أتى بالركوع وهذا لم يأت به. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: إذا أدركت الإمام راكعا فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك تلك الركعة.
ولو ركع المقتدي قبل إمامه فأدركه الإمام فيه جاز، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به فكذا ما يبنيه عليه، ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في الطرف الأول. والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQوالجواب عن الحديث على تقدير صحته أن معناه أنه أدرك في تلك الصلاة لا في تلك الركعة، وفي المتشهد به وحديث المشاركة في القيام فافترقا، وفي " الخلاصة " أدرك الإمام في الركوع فقال الله أكبر، إلا أن قوله الله أكبر كان في قيامه، وأكبر وقع في ركوعه لا يكون شارعا في الصلاة. وقال المحبوبي دخل المسجد والإمام راكع فقال بعض مشايخنا ومالك ينبغي أن يكبر ويركع ثم يمشي حتى يلتحق بالصف لئلا يفوته الركوع، كما فعله أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «زادك الله حرصا ولا تعد» . وقال شمس الأئمة وأكثر مشايخنا على أنه لا يكبر لكيلا يكون محتاجا إلى المشي في الصلاة، وبه قال الشافعي. وقال أحمد: إن علم بالنهي ومشى بطلت صلاته، وعندنا لو مشى ثلاث خطوات متواليات تبطل، فمن اختار القول الأول قال: يعني قوله " لا تعد " لا تؤخر المجيء إلى هذه الحالة، ومن اختار القول الثاني، قال معناه لا تعد إلى مثل هذا الصنع، وهو التكبير قبل الاتصال بالصف والمشي في الركوع، وإنما لم يأمره بالإعادة لأن ذلك كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا. وفي " جامع التمرتاشي " ذكر الخلابي في صلاته، أدرك الإمام في الركوع قائما ثم ركع، أو شرع في الانحطاط وشرع الإمام في الرفع اعتد بها، وقيل: لو شاركه في الرفع قيل إن كان ِإلى القيام أقرب لا يعتد، والأصح أنه يعتد إذا وجدت المشاركة قبل أن يستقيم قائما وإن قل. وعن أبي يوسف قام شرعا فلم يتم القيام حتى كبر لم يجزه، وفي " النوازل " إن كان إلى القيام أقرب جاز، وإن كان إلى الركوع أقرب لا يجوز [وإن] أدرك الإمام في الركوع وهو يعلم أنه لو اشتغل بالثناء لا يفوته الركوع يثني، وإن علم أنه يفوته قال بعضهم: يثني لأن الركوع يفوت إلى خلف وهو القضاء، وإن شاء يفوته أصلا. وقال بعضهم: لا يثني وإذا أدرك الإمام في غير الركوع يكبر للافتتاح ويثني ثم يتابع الإمام في أي حالة كان. م: (ولو ركع المقتدي قبل الإمام فأدركه الإمام فيه أي في الركوع جاز) ش: وبه قال الثلاثة م: (وقال زفر: لا يجزئه) ش: أي الصلاة إن لم يعد للركوع م: (لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به) ش: لكونه سريعا عنه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» م: (فكذا ما يبنيه عليه) ش: لأن البناء على الفاسد فاسد. م: (ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد) ش: وقد وجد فجعل مبتدئا لا بانيا عليه م: (كما في الطرف الأول والله أعلم) ش: يعني صار كما في الطرف الأول، وهو أنه يركع معه ويرفع رأسه قبل الإمام، وهذا لأن الركوع طرفين والشركة في أحديهما كافية، بخلاف ما لو رفع رأسه من هذا الركوع قبل ركوع الإمام، لأنه لم يوجد للمشاركة في شيء من الطرفين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفروع: لو أطال الإمام السجود فرفع المقتدي رأسه يظن أنه سجد ثانيا فسجد معه إن نوى الأول أو لم يكن له نية يكون عن الأول، وكذا إن نوى الثانية والمتابعة لرجحان المتابعة وتلغى نية الثانية للمخالفة وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية، فإن شاركه الإمام فيها جاز، وفيه خلاف زفر، وروي عن أبي حنيفة أنه لو سجد المقتدي قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ثم أدرك الإمام فيها لا يجزئه، وعن أبي يوسف أنه يجزئه، وإن أطال المؤتم سجوده فسجد الإمام الثانية فرفع رأسه وظن أن الإمام في السجدة الأولى سجد ثانيا يكون عن الثانية، وإن نوى الأولى لا غير. وفي " الذخيرة " للقرافي إن رفع المأموم، قبل أن يطمئن الإمام راكعا أو ساجدا فسدت صلاته، ويرجع ولا ينتظر رفع الإمام وعنه وعن أشهب لا يرجع؛ لأن الركوع أو السجود قد تم، فتكراره زيادة في الصلاة. وقال سحنون يرجع وبقي بعد الإمام بقدر ما يقوم الإمام، في " شرح المهذب " للنووي إن تقدم الإمام بركوع أو سجود، ولحقه الإمام قبل أن يرفع رأسه لا تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا، وفي وجه شاذ ضعيف تبطل إن تعمده، وهل يعود فيه ثلاثة أوجه الصحيح استحباب عوده لقول أصحابنا، ثم يركع معه الثاني لزومه، للثالث حرمة العود، فإن تعمده بطلت صلاته وإن سبق بركعتين بطلت صلاته إن تعمد عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا أو ساهيا لم تبطل، لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بها بعد سلام الإمام، وإن رفع والإمام بعد في القيام فتوقف حتى ركع الإمام ثم رفع من الركوع فاجتمعا في الاعتداد ففيه وجهان، أحدهما تبطل صلاته، والثاني أن التقدم بركن لا تبطل [....] ، وهو الصحيح المنصوص. والحاصل أن المخلف بركن واحد لا تبطل على الصحيح، وفيه وجه للخراسانيين أنه تبطل، وإن تخلف بركنين بطلت، يكره عندنا تكرار الجماعة في مسجد واحد، كذا في " الذخيرة " و " الوبري " وغيرهما وبه قال مسلم وأبو قلابة وابن عوف وعثمان البتي والأوزاعي والثوري وأيوب والليث ومالك والشافعي. وقال النووي: إذا لم يكن إمام راتب للمسجد فلا كراهة للجماعة الثانية والثالثة بالإجماع، وأما إذا لم يكن راتب وليس المسجد مطروقا فمذهبنا كراهة الجماعة الثانية بغير إذنه ويصلون فيه أفرادا خلافا لأحمد وهو قول ابن مسعود وعطاء والحسن والنخعي والظاهرية، واختاره ابن المنذر. وفي " المبسوط " وغيره جعل مذهب الشافعي مثل قول أحمد، وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف أنه يكره ذلك إذا كان القوم كثيرا أما إذا صلى واحدا باثنين بعدما صلى فيه أهله فلا بأس به، وعن محمد أنه لم ير بأسا بالتكرار إذا صلوا في رواية في المسجد على سبيل الخفية لا التداعي والاجتماع، وقال القدوري في كتابه: إذا كان المسجد على قارعة الطريق يوم وليس له إمام معين فلا بأس بتكرار الجماعة فيه، ولو صلى فيه غير أهله جماعة فلأهله الإعادة إذا لم يؤدوا حقه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن صلى فيه بعض أهله فليس لبقية أهله أو لغيرهم أن يصلوا جماعة، وفي " المبسوط " صلى فيه أهله أو أكثرهم، قال أبو يوسف: لا بأس بأن يصلوا جماعة في غير الموضع الذي صلى فيه الجماعة بغير أذان وإقامة، ذكره عن الوبري وغيره وإن فاتته الجماعة في مسجد، ويمكن أن يدركها في مسجد آخر إن شاء صلى في مسجده وحده، وإن شاء ذهب إلى غيره فصلى بجماعة فراعى حق المسجد وفضل الجماعة، وقيل: يذهب فيصلي بالجماعة لزيادة فضلها. وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان أصحابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا فاتتهم الصلاة بالجماعة صلوا فرادى في المسجد، وقال مالك لو صلى إمام المسجد وحده صلوا فرادى بعده، ولو غاب الإمام وصلوا بغيره إن كان بإذنه لا تعاد وإلا أعيدت.
[باب قضاء الفوائت]
باب قضاء الفوائت ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب قضاء الفوائت] [كيفية قضاء الفوائت] م: (باب قضاء الفوائت) ش: أي هذا باب في بيان حكم قضاء الصلوات الفوائت وهو جمع فائتة من فات يفوت، والقضاء أصله قضاي، لأنه من قضيت وقعت الياء بعد ألف زائدة فقلبت همزة كما عرف في التصريف. وهو مستعمل على وجه بمعنى الحكم، ومنه: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] (الإسراء: الآية 23) ، وفرغ ومنه قضى حاجته والقتل، ومنه ضربه: {فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] (القصص: الآية 19) ، واسم قاض أي قاتل والموت، ومنه قضى نحبه، أي مات، والإنهاء ومنه {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر: 66] والمعنى، ومنه {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] ، والصنع والتقدير ومنه: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] (فصلت: الآية 12) ومنه القضاء والقدر والصلح، ومنه في حديث الحديبية قاضاهم على أن يؤدوا، أي صالحهم، والطلب ومنه اقتضى دينه وتقاضاه، والأداء ومنه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] (الجمعة: الآية 10) . وأما معناه الشرعي فالقضاء إسقاط الواجب بمثل من عند المأمور وهو حقه، والأداء تسليم عين الواجب بسببه إلى مستحقه، هذا اختيار شمس الأئمة السرخسي، وعبارة فخر الإسلام البزدوي اسم لتسليم نفس الواجب بالأمر، والقضاء اسم لتسلم مثل الواجب به، ثم القضاء يجب بالسبب الذي يجب به الأداء، ولهذا يجهر الإمام بالقراءة إذا قضاها في الإقامة، ويصلي صلاة الإقامة أربعا إذا قضاها في السفر، وقيل: يجب بسبب جديد، وقد عرف في موضع، ولما كان المأمور به على نوعين أداء وقضاء، وقد فرغ من الأداء وشرع في القضاء كذا قاله الشراح. قلت: معنى صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الجنازة، وأما المناسبة بين البابين فمن حيث وجود معنى الإدراك فيهما. م: (ومن فاتته صلاة) ش: فيه رعاية الأدب حيث لم يقل: من تركها؛ لأن ترك الصلاة لا يليق بحال لمسلم [ ... ] تحسينا للظن به، وحملا لأمره على الصلاح لذلك في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها» فإن الحكم غير مقتصر على النوم والنسيان، لأنه إذا ترك فسقا أو مجانة يجب القضاء أيضا بالإجماع، لكن أخرجه صاحب الشرع مخرج العبارة والظن بالخير م: (قضاها إذا ذكرها) ش: سواء كان فوتها ناسيا أو بغير عذر النسيان أو عامدا وبه قال مالك والشافعي، وقال أحمد وابن حبيب: لا يقضي المتعمد في الترك، لأن تاركها مرتد.
وقدمها على فرض الوقت، والأصل فيه أن الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت عندنا مستحق، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مستحب. لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطًا لغيره، ـــــــــــــــــــــــــــــQولنا ما رواه مسلم عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها» فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، قوله: لذكري أي لذكر صلاتي من مجاز الحذف أو من مجاز الملازمة، لأنه إذا قام إليها فقد ذكر الله فيها، وإنما خصص الشارع النائم والغافل بالذكر لذهاب الإثم في حقهما الذي هو من لوازم الوجوب فتوهم انتفاء القضاء لانتفاء الوجوب، فأمر الشارع بالقضاء من باب التبيين بالأدنى على الإعلام الذي هو المعتمد. م: (وقدمها على فرض الوقت) ش: أي قدم الفائتة على الوقتية لوجوب الترتيب على ما يأتي الآن م: (والأصل فيه) ش: في هذا الباب م: (أن الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت مستحق) ش: أي واجب م: (عندنا) ش: وبه قال النخعي والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري والليث ومالك وأحمد وإسحاق، وعن ابن عمر ما يدل عليه م: (وعند الشافعي مستحب) ش: أي الترتيب مستحب غير واجب، وهو قول طاوس وأبي ثور ومذهب ابن القاسم وسحنون أن الترتيب غير واجب ولا شرط. وفي " الذخيرة " وظاهر " المدونة " الوجوب والشرطية لقضائه تعاد الحاضرة. ومذهب الظاهرية عدم وجوب الترتيب واعتبروه مضافا، ومذهب مالك أن الترتيب واجب كما قلنا ولكنه لا يسقط بالنسيان ولا بضيق الوقت ولا يكره الفوائت، كذا في " شرح الإرشاد "، وفي " شرح المجمع " والصحيح المعتمد عليه من مذهب مالك سقوط الترتيب بالنسيان كما نطقت به كتب مذهبه، وعند أحمد لو تذكر الفائتة في الوقتية يتمها ثم يصلي الفائتة ثم يعيد الوقتية، وذكر بعض أصحابه، أنها تكون نافلة وهذا يفيد وجوب الترتيب، ولو اجتمعت الفوائت وجب عليه الترتيب مع الذكر، ولا فرق بين قليلها وكثيرها إلا أن يضيق الوقت فعنه روايتان كذا في " الحلية ". م: (لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطا لغيره) ش: فإذا كان الترتيب فرضا يلزم أن يكون إذا الفائت شرطا لصحة الوقتية فلا يجوز لأن شرط الشيء تبع لذلك الشيء وكل صلاة أصل بنفسها وبين كون الشيء أصلا وتبعا ينافي ذلك كالصيامات المتروكة والمدلولات وسائر العبادات، فإن صوم اليوم الأول لا يتوقف على صحة اليوم الثاني فإن قلت: يرد على ما ذكرته الإيمان؛ فإنه أصل جميع العبادات، وهو شرط لصحتها، والصوم فرض مستقل، وهو شرط الاعتكاف الواجب بالاتفاق. قلت: الأصل هذا وهو أن الشيء إذا كان مقصودا بنفسه لا يكون شرطا لغيره، ولكن إذا قام دليل على أنه شرط لغيره يصح أن يكون شرطا لغيره مع بقائه مقصودا
ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفي نفسه، وما ذكره من المنافاة لا يلزم عند اختلاف الجهة فالله تعالى جعل الإيمان شرطا لصحة سائر العبادات في قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] (الأنبياء: الآية 94) ، وكذلك نفي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صحة الاعتكاف بدون الصوم في قوله: «لا اعتكاف إلا بصوم» ، فصار كل واحد منهما شرطا لغيره، وهذين النصين مقام الدليل وأما ما لم يقم الدليل على تعيينه فهو على حقيقته أن لا يصير شرطا لغيره وفي " الجنازية " و " الكافي " سائر العبادات فرع الإيمان والفرع لا يوجد بدون الأصل، فيكون الأفعال على نوعين: افتقار المشروط إلى الشرط، وافتقار الفرع إلى الأصل، وفيما نحن فيه لا يجوز الافتقار بنوعيه فلا يكون شرطا لغيره ولا فرعا له، لأن كل واحد له أصل بنفسه. م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليصل التي صلاها مع الإمام» ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في " سننيهما " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته، فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد التي صلاها مع الإمام» ، وقال الدارقطني: الصحيح أنه من قول ابن عمر كذا رواه مالك عن ابن عمر من قوله، وقال عبد الحق: وقد وقفه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووقفه يحيى بن معين. قلت: وأخرجه أيضا أبو حفص بن شاهين مرفوعا. فإن قلت: روى الدارقطني عن ابن عباس، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها، وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ صلى التي نسيها» . قلت: هو مقطوع ضعيف يرويه بقية بن الوليد عن عمر بن أبي عمر عن مكحول عن ابن عباس، ودلالة حديث الكتاب على وجوب الترتيب ظاهرة حيث أمر بإعادة ما هو فيها عند التذكير. وقال الأكمل: وفيه من أوجه. قلت: ذكر أربعة أوجه أخذه من كلام السغناقي وغيره ولم يعب التلخيص [.....] الأول أنه متروك للظاهر لأنه يدل على وجوب القضاء على النائم والناسي لا غير. والوجوب ثابت على من فوت الصلاة عمدا أيضا بالإجماع، ومتروك الظاهر لا يكون حجة خصوصا في إفادة الفريضة. وأجيب بأنه يدل على ذلك بدلالته لأنه لما وجب على المعذور فعلى غيره أولى. فقال الأكمل: يروه أن هذا إنما يستقيم إن لو كان قضاء الفائتة عقوبة، وليس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكذلك بل هو رحمة ولا يلزم من استحقاق المعذور ذلك استحقاق غيره العاصي وفيه نظر، لأن المفوت عاص والعاصي مستحق العقوبة وإن كان رحمة الله نعمة وعبرة. والثاني: أن هذا خبر واحد وهو لا يوجب العلم فكيف يثبت به الفرض. وأجاب الأترازي عن هذا بقوله. قلت: لما ورد بيانا لمجمل الكتاب فالتحق به فصار كأن فرض الترتيب يثبت بالكتاب وفيه نظر، لأن دعوى الإجمال غير مسلمة. وقال الأكمل في هذا الوجه: إن هذا خبر واحد لا يعارض المشهور فإن الجواز يثبت به كما زالت الشمس مثلا. فلو كان الترتيب فرضا بما رويتم بطل بما تثبت بالمشهور ثم أجاب عنه بقوله: بأنا ما أبطلنا به العمل بالمشهور، بل أخرناه عملا بالحديث الآخر احتياطا، أو كان ذلك أهون من إعمال العمل بخبر الواحد أصلا على أنهم قالوا: إنه ليس خبر واحد بل هو مشهور تلقته الأمة بالقبول، فإنهم اجتمعوا على وجوب القضاء الثابت به. قلت: هذان جوابان. الأول: مذكور في " مبسوط شيخ الإسلام ". والثاني: وهو قوله عليه أنهم قالوا إلخ جواب في التعيين، وقد قال في الجواب الأول: هذا استدلال ذهب إليه العراقيون من مشايخنا، وهو فاسد؛ لأن فيه معارضة الخبر الواحد الكتاب، فإن للكتاب يقتضي الجواز، والخبر يقتضي عدمه والصحيح أن يقال: إن هذا حديث مشهور وهو موجب للعمل الاستدلالي المضاهي للعلم الضروري، ولهذا يضلل جاحده، فجاز أن يعارض الكتاب. قلت: قول الأكمل فإنهم أجمعوا على وجوب القضاء الثابت به فيه نظر؛ لأن إجماعهم على وجوب القضاء به لا يستلزم وجوب الترتيب، وذكروا هنا ثلاثة أجوبة أخرى كلها لا تخلو عن التأويل الأول: قال الخبازي لا نسلم أن الكتاب يقتضي جواز الوقتية فرضا كما زالت الشمس فإنه يقع نفلا عند أهل العلم، فلم يكن الكتاب متعرضا لجوازه فرضا لمكان الاختلاف. الثاني: ذكره النسفي، والترتيب ثابت بالنص فإن الكتاب يقتضي أن أداء الفجر قبل أداء الظهر والعصر بحكم الأداء فيلزم القضاء كما يلزم الأداء. والثالث: ذكره الشيخ عبد العزيز موجب الدليل القطعي الجواز في الوقت بلا تعيين جزء منه له، وهو الموجب الأصلي له، والجواز قبل الفائتة ليس بحكم أصلي؛ لأنه يجوز تفويته بترك الأداء بلا ضرورة ولا إثم، لإمكان تحصيله في الأجزاء الباقية والعمل بخبر الواحد عند.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتسعة لا يفوت بالموجب الأصلي ولكن يفوت الجواز الذي يباح بالترك، ومثل هذا التفويت لا يمنع العمل بخبر الواحد لأن تفويته لما جاز، فالاستقبال بالعمل بخبر الواحد جاز بالطريق الأولى بخلاف العمل بخبر الواحد في الطواف والتعديل والقراءة ونحوها لأنه يفوت العمل بموجب الدليل القطعي الذي هو الإطلاق وهو الموجب الأصلي فيها فلا يجوز تركه. الوجه الثالث: إنكم عملتم بهذا الحديث ولم تعملوا بخبر الواحد وهما خبر واحد فكان تناقضا، وقال الأكمل في جوابه: إن العمل بخبر الفاتحة على وجه يلزم فساد الصلاة بتركها موجب النسخ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) وذلك لا يجوز بخلاف صورة النزاع فإن فيها العمل بالكتاب والخبر جميعا وذلك لأن قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) يدل على أن هذا الوقت وقت الظهر، ولا يتعرض بتقديم الفائتة عليه لا بنفي ولا إثبات، وخبر الترتيب يدل على التقديم فعملنا بهما انتهى قلت: توضيح هذا الوجه الذي ذكره هو أن الحال ما علمتم بخبر الفاتحة مثلما علمتم بخبر وجوب الترتيب حيث قلتم بفساد الصلاة عند ترك الترتيب، وما قلتم بفساد الصلاة عند ترك الفاتحة مع أن كلا منهما ثبت بخبر الواحد، وتوضيح الجواب أن القراءة ركن في الصلاة ولا يجوز إثبات الركن بمثل هذا الخبر، والترتيب شرط فجاز إثبات الشرط به، وجوب آخر أن صيغة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا صلاة، يستعمل استعمالا ظاهرا لنفي الكمال، كما في قوله لا فتى إلا علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فيمكن أن يحمل على نفي الكمال، وحديث الترتيب ورد في وجوبه، ففيه بيان النهاية ولا يحتمل غيره. الوجه الرابع: أن الترتيب يسقط بالنسيان وضيق الوقت وكثرة الفوائت وشرط الصلاة لا يسقط بشيء من ذلك كالطهارة واستقبال القبلةِ. قلت: هذا الوجه ذكره صاحب " المحيط " من جهة الشافعي توضيحه أن كل واحد من الفرضين ليس بشرط للآخر في حق الجواز، ولهذا يسقط الترتيب عند النسيان وضيق الوقت وكثرة الفوائت، وشرائط الصلاة لا تسقط بعذر النسيان وضيق الوقت كالطهارة واستقبال القبلة ولا يلزمني وجوب الترتيب بين الصلوات حالة الأداء لأنه في هذه الصورة في أوقاتها وذلك لا يوجد في الفوائت لأنها صارت مرسلة عن الوقت ثابتة في الذمة، وأجاب عنه السغناقي بما ذكره صاحب " المبسوط " و " المحيط " بأن حالة النسيان ليست بوقت للفائتة، لأن وقت الفائتة وقت التذكر وهو ناس فلا يكون وقتا لها فكان وقت الفرائض الوقت، وأما حال ضيق الوقت لأنه ثبت بخبر الواحد وهو لا يعارض الكتاب والمتواتر وكثرة الفوائت بمعنى ضيق الوقت وأما قوله لأنها صارت مرسلة عن الوقت فغير مسلم بهذا الحديث، وذكر شمس الأئمة السرخسي في " الجامع الصغير " في تعليل وجوب الترتيب مراعاة
ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها؛ لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت. ـــــــــــــــــــــــــــــQالترتيب بين الصلوات ثابتة وقتا وفعلا، أما وقتا فظاهر. وأما فعلا فلأن الظهر والعصر بعرفات اجتمعا في حق الحاج في وقت واحد، ثم لو بدأ بالعصر قبل الظهر لا يجوز فكذلك هاهنا كما أنه لو فاتته مراعاة الترتيب وقتا يلزمه فعلا لأن وقت التذكر وقت للفائتة وقد فاتته وقتا فيلزمه إعادته فعلا كما في الصورة المتقدمة. فإن قلت: كون الترتيب يسقط مع النسيان يوجب أن يسقط مع الذكر كما إذا فاته يومان من رمضان. قلت: هذا القياس غير صحيح. لأن النسيان عذر والذكر لا، فقياس ما ليس بعذر على ما هو عذر باطل. وأما قضاء رمضان فإنه فرض مكرر ولا كلام لنا في المتكرر. لأن الصلاة إذا تكررت لفظة الترتيب فيها أيضا. فإن قلت: لو كان وقت التكرار وقتا لفائتة لجازت الفائتة بنية الوقتية ولجاز أداء الفائتة عند احمرار الشمس لأنه وقت التذكر كما جاز أداء عصر يومه. قلت: اسم الوقتي مطلقا ينصرف إلى ما هو الوقتي بصفة الكمال وهو ما ثبت وقته بالكتاب والخبر المتواتر، والذي قلنا وجوب الترتيب بخبر الواحد ما قلنا إلا للاحتياط في العمل، وأما عدم جواز قضاء الفائتة عند احمرار الشمس فلوجوبها في ذمته بصفة الكمال فلا يؤدي في الوقت الناقص للاحتياط بخلاف عصر يومه لنقصان السبب في حقه. م: (ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها) ش: أي ولو كانت عليه فائتة وأراد أن يقضيها في وقت من أوقات الصلاة، فخاف خروج هذا الوقت يقدم الصلاة الوقتية، لأن الحكمة لا تقتضي إضافة الموجود في طلب المفقود م: (لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت) ش: وإنما يسقط به لئلا يلزم ترك العمل بكتاب الله، ولأن فرض الوقت آكد من فرض الترتيب، وفي " المحيط " اختلف المشايخ فيما بينهم. أن العبرة لأصل الوقت أم للوقت المستحب الذي لا كراهية فيه، قال بعضهم: العبرة للوقت المستحب، وقال الطحاوي: على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف، العبرة لأصل الوقت، وعلى قياس قول محمد: العبرة للوقت المستحب. بيانه إذا شرع في العصر وهو ناس للظهر ثم تذكر الظهر في وقت أو اشتغل بالظهر يقع العصر في وقت مكروه، فعلى قول من قال العبرة لأصل الوقت، يقطع العصر ويصلي الظهر بعد غروب الشمس وفي " المنتقى " وفي " نوادر الصلاة ": إذا افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر ثم احمرت الشمس، ثم ذكر الظهر يمضي في العصر، وهذا نص على أن العبرة للوقت المستحب، وفي " جامع قاضي خان " يعتبر ضيق الوقت عند الشروع حتى لو شرع مع تذكر الفائتة
وكذا بالنسيان بكثرة الفوائت كيلا يؤدي إلى تفويت الوقتية؛ لأن النهي عن تقديمها لمعنى في غيرها ـــــــــــــــــــــــــــــQفي أول الوقت وأطال القراءة حتى ضاق الوقت لا يجوز إلا أن يقطع فشرع عند الضيق. م: (وكذا بالنسيان) ش: أي وكذا يسقط بالنسيان، وقال شيخ الإسلام: من جهل فرضية الترتيب لا يفترض عليه كالناسي. رواه مسلم عن أبي حنيفة وهو قول جماعة من أئمة بلخ. م: (بكثرة الفوائت) ش: أي وكذا يسقط بكثرة الفوائت م: (كيلا يؤدي إلى تفويت الوقتية) ش: أما في النسيان فلأن الحديث شرط الذكر وأما بكثرة الفوائت فلأنه إذا اشتغل بها تفوته صلاة الوقت وهي أيضا في معنى ضيق الوقت، وعند زفر لا يسقط الترتيب إلى شهر حتى إذا تركه فسدت صلاة الشهر كلها وهو المذكور في " شرح الطحاوي " و " المنظومة " و " المختلف "، وفي " شرح الأقطع " قال زفر: لا يسقط الترتيب أبدا. وفي " المحيط " قال زفر: الترتيب لا يسقط بكثرة الفوائت إذا كان الوقت يتسع لها، وللوقتية، وإن كانت الفوائت عشرا أو أكثر. فيفهم من ذلك أن يكون عند زفر ثلاث روايات كما ترى، وعند ابن أبي ليلى: لا يسقط الترتيب إلى سنة، وعند بشر بن غياث: لا يسقط في جميع عمره. م: (ولو قدم الفائتة جاز) ش: عطف على قوله ولو خاف فوت الوقت فقدم الوقتية يعني الواجب عليه تقديم الوقتية ولو قدم الفائتة عليها عند ضيق الوقت جاز أيضا م: (لأن النهي عن تقديمها) ش: أي عن تقديم الفائتة م (لمعنى في غيره) ش: أي لمعنى في غير الفرض الفائت وهو أداء الوقتية في وقتها لهذا التأويل ذكر الضمير في غيره مع أنه راجع إلى الفائتة يعني حتى إنه أثبت في قوله عن تقديم والنهي بمعنى في غيره لا بعدم المشروعية كما في الصلاة في الأرض المغصوبة. وفي " المبسوط ": لو بدأ بالفائتة عند ضيق الوقت يجوز بخلاف ما لو بدأ بالوقتية عند سعة الوقت حيث لم تجز؛ لأن النهي عن بداية فرض الوقت لمعنى في عينه، وهو كونه مؤدى قبل وقته الثابت بالخبر فتقدم مشروعيته كالنهي عن بيع الخمر والنهي عن البداءة بالفائتة عند لبس لمعنى في عينها بل لما فيه من تفويت فرض الوقت، والنهي متى لم يكن في غير المنهي عنه لا يمنع جوازه. فإن قلت: ضده، أين مورد النهي عن الفائتة عند ضيق الوقت. قلت: المراد من النهي قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) لأن الأمر نهي عن ضده، وفيه كلام بين في الأصول وقيل المراد به الإجماع لا نهي الشارع. فإن الإجماع منعقد على تقديم الوقتية عند ضيق الوقت وهو الأصح.
بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا يجوز لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث. ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا يجوز) ش: قد بينا الفرق بين هذه المسألة وبين التي قبلها، ناقلا عن " المبسوط " وعلل المصنف لهذا بقوله م: (لأنه أداها) ش: أي لأن المصلي أدى الوقتية م: (قبل وقتها) ش: الفائت م (الثابت بالحديث) ش: أي قبل وقت الوقتية الذي ثبت ذلك الوقت بها بالحديث المذكور وهو واجب العمل. ثم اعلم أن المصنف ذكر الأعذار التي يسقط بها الترتيب: الأول: الظن المعتبر ذكره في " الجامع "، فيمن توضأ للظهر والدم سائل ثم انقطع فصلى الظهر ودخل وقت العصر فتوضأ وصلى العصر ودخل وقت المغرب فسال الدم أو لم يسل. فإنه يعيد الظهر لأنه صلاها بالطهارة دون الأعذار [....] ، ولا يعيد العصر لأنه حين صلاها لم يتحقق بفساد الظهر فهو مظن صحته. الثاني: بخلاف في فسادها ووجوب إعادتها مسألة صلى الفجر بغير وضوء ثم صلى الظهر وهو ذاكر للفجر. ويرى أنه يجزيه فإنه يعيد الفجر ويرى أنه يجزيه فإنه يعيد الفجر والظهر، ولو أعاد الفجر ولم يعد الظهر حتى صلى العصر، فإن العصر يجزئه، إذ في جواز الظهر اختلاف ويعيد الظهر، لأنه صلاها وعليه الفجر ذاكرا لها، والاختلاف في إعادتها ذكره الأسبيجابي. وفي " جوامع الفقه " لأن الظهر ليس عليه التعيين بخلاف الفجر، قيل هذا قول أبي حنيفة، وأما على قول زفر والحسن ورواية عن أبي يوسف إن كان عنده أن تلك وقعت جائزة يجوز الوقتية وإلا فلا، قال في ظاهر الرواية يجوز مطلقا. الثالث: اختلف المشايخ فيه ذكره في " مختصر البحر المحيط " امرأة تركت الظهر ثم حاضت في العصر ثم طهرت سقط الترتيب، وكذا لو فاتها ثلاث أو أربع قبل الحيض، وقال المرغيناني لا يسقط قيل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ورواية عن محمد وفي رواية محمد أنه لا تصح الوقتية، وقال محسن هذا بناء على أن الاعتبار في الكثرة بالمدة عندهما، وعند محمد بالصلاة ذكرها محسن: فيمن نسي فائتة، ثم ذكرها بعد شهر، وإذا أضفنا إلى هذه الستة ما نقله شيخ الإسلام عن الحسن عن أبي حنيفة أن الجاهل بالترتيب كالناسي يكون الأعذار التي يسقط بها الترتيب سبعة. م: (ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل) ش: أراد بهذا أن بيان الترتيب كما أنه فرض بين الوقتية والفائتة فكذلك بين الفوائت نفسها، إلا أن يزيد على ست كما يأتي بيانه إن
«لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا، ثم قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي» . ـــــــــــــــــــــــــــــQشاء الله تعالى، قوله كما وجبت أي كوجوبها في ابتداء الفرض مرتبة م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا، ثم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ش: هذا الحديث روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله بن مسعود، قال: قال ابن مسعود: «إن المشركين شغلوا رسول الله عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه أحمد في " مسنده ". وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ووهم الشيخ علاء الدين مقلدا لغيره، فنقل كلام الترمذي إلا أن أبا عبيدة لم يدرك أباه، والترمذي لم يقل ذلك في جميع كتابه، وإنما قال لم يسمع منه، ذكره في خمس مواضع من كتابه، وكذلك قال النسائي في " سننه الكبرى " في باب صف القدمين وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وقال أبو داود: توفي عبد الله بن مسعود ولولده أبي عبيدة سبع سنين، واسم أبي عبيدة عامر. وحديث أبي سعيد رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، قال: «حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك، فأنزل الله تعالى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] (الأحزاب: الآية 25) فقال رسول الله فأمر بلالا فأقام ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى المغرب كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام للعشاء، فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، وذلك قبل أن ينزل {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] (البقرة: الآية 239) » ورواه ابن حبان في " صحيحه ". وحديث جابر أخرجه البزار في " مسنده " عن مجاهد عن جابر بن عبد الله «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر، والعصر والمغرب والعشاء، حتى ذهبت ساعة من الليل، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام يصلي العصر، ثم أمره فأذن وأقام وصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام وصلى العشاء، ثم قال: " ما على ظهر الأرض قوم يذكرون الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفي هذه الساعة غيركم» ، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، قوله يوم الخندق، أي يوم حفر الخندق بالمدينة، وكان في سنة خمس من الهجرة، وذكر السغناقي في هذا الموضوع روي أنه شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن من بعد يؤدي من الليل مرتبا، ثم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فوقع التشبيه على أصله ووصفه، فدل أن أداءها بوصف الترتيب شرط ثم قيل ولم يقل النبي كما صليت، بل قال: «كما رأيتموني أصلي» ، لأنه لا يمكن لأحد أن يصلي مثل صلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكره الأكمل مختصرا، ولم يبين من هو الراوي لهذا الحديث. وقال الأكمل: أمر بالتشبيه مطلقا، والكامل منه ما يقع على كنهه وكيفيته فدل على أن الأداء بوصف الترتيب شرط، وإنما لم يقل كما صليت لذا، انتهى. وذكر صاحب " الدراية " كما ذكره السغناقي غير أنه قال في آخره رواه أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم قال: وعن الإمام العلامة الكردري في قوله «كما رأيتموني أصلي» ولم يقل كما رأيتموني صليت، لأنه ليس في وسع أحد أن يصلي مثل صلاته، وهؤلاء كلهم ذهلوا عن بيان حقيقة هذا الحديث، ولو وقفوا على حقيقته لشبهوا على قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فإنه ليس في هذا الحديث وهو في حديث مالك بن الحويرث أخرجه البخاري في الأذان عن أبي قلابة حدثنا مالك بن الحويرث [....] وفيه: «صلوا كما رأيتموني أصلي» . والمصنف أيضا ما تنبه على هذا، ولو قال: وقال: «وصلوا كما رأيتموني أصلي» بواو العطف لا بكلمة ثم لكان أجود وأصوب، وأيضا متن الحديث الذي ذكره صاحب " الدراية " ليس لأبي سعيد وإنما هو لعبد الله بن مسعود والذي ذكره السغناقي في توجيه معنى قوله «صلوا كما رأيتموني أصلي» - غير سديد، بل الذي يقال فيه أنه تشبيه، والتشبيه لا عموم له، وأما الأكمل فإنه لم يظهر السر الذي أخفاه. فإن قلت: قوله فقضاهن الضمير فيه يرجع إلى قوله عن أربع صلوات - وذكر منها العشاء والعشاء ما فاتته فظاهر يدل على أن العشاء أيضا من الفوائت وليس كذلك. قلت: نعم صلاها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقتها ولكن لما أخرها عن وقتها المعتاد لها سماها الراوي فائتة مجازا، والدليل على ذلك أن ابن حبان روى هذا الحديث في " صحيحه "، ولم يذكر فيه العشاء وهذا يوضح أن العشاء لا تعد من الفوائت إلا مجازا فافهم.
إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات) ش: استثناء من قوله ومنها في القضاء والمعنى الذي يراد به هاهنا إلا أن تصير الفوائت ستا، ولأجل عدم إفادة ظاهر التركيب المقصود منه اختلف الشراح فيه، فقال السغناقي: ظاهر هذا الكلام يقتضي أن تصير الفوائت تسعا، لأنه ذكر الفوائت بلفظ الجمع والزيادة غير المزيد عليه والمزيد عليه ست فيصير المجموع تسعة، لكن معناه أن لا تصير الفوائت في نفسها زائدة على ست صلوات، والمراد من الصلوات أوقاتها، فإن فوت الصلاة السابعة ليس بشرط بالإجماع ورواه الأكمل بقوله فإنه يقتضي أن تزيد الفوائت على ستة أوقات، وذلك إنما يكون السابعة وليس بمراد. قلت: هذا يراد من كلام الأترازي لأنه قال وقال بعض الشارحين المراد بست صلوات الأوقات ثم قال وفيه نظر عندي وذكره وأراد ببعض الشارحين السغناقي. وقال الأكمل: وقيل أراد أوقات الفوائت بحذف المضاف، ورد بأنه يستدعي زيادة الأوقات على ست صلوات، وذلك إنما يكون بفوات وقت السابعة وليس بمراد. قلت: هذا أيضا من كلام الأترازي وهذا نقله عن تاج الشريعة. قلت: هذا الرد ليس له وجه، لأنه إذا مضى جزء من وقت الصلاة السابعة فقد زاد الوقت على السبعة، وبدخول جزء منه لا تكون السابعة فائتة، ثم إطلاق اسم الفائتة عليه يكون تغليبا. وقال الأكمل أيضا: وقيل: أراد بالفوائت الأوقات، ومعناه إلا أن تزيد الأوقات على ست صلوات، ورد برد يشتمل على ما تقدم عليه من الوجهين وهو أن الزيادة لا بد أن تكون من جنس المزيد عليه، وذلك معدوم في هذه التأويلات كلها كما ترى. قلت: قائل هذا القول بعضهم، نقله صاحب " الدراية " عنه يوضح كلامه أنه لا شك أن المزيد يكون غير المزيد عليه، وأن يكون من جنسه، والوقت ليس من جنس الصلاة، والفوائت جمع فائتة أقله ثلاثة فيقتضي التركيب أن تكون الفوائت سبعا حتى يسقط الترتيب وليس كذلك، ونحن نقول: إن المراد من مثل هذا التركيب أن يكون في نفسه أكثر من العدد المذكور، لأن المزيد والمزيد عليه كلاهما مرادان جميعا، كقولهم هذه الدراهم تزيد على مائة معناه عددها يزيد على عدد المائة لا أن تكون الدراهم مع المائة مرادا به. ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] (الصافات: الآية 147) ، فإذا كان كذلك لم يشترط لصحة الكلام أكثر من واحد، لأن الأكثرية على المذكور يحصل به فيقتضي اشتراط السبع دون التسع، وقيل دخلت اللام في الجمع والمراد الجنس فلا يشترط الثلاثة، وهذا أحسن مما قاله الأكمل وإسحاق أن يقدر مضافان وتقديره إلا أن يزيد أوقات الفوائت على أوقات ست صلوات بحسب دخول الأوقات دون خروجه.
لأن الفوائت قد كثرت فتسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية، وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا لخروج وقت الصلاة السادسة، وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير " وهو قوله: وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها؛ لأنه إذا زاد على يوم وليلة تصير ستا، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر دخول وقت السادسة والأول هو الصحيح؛ لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار، وذلك في الأول. ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن الفوائت قد كثرت فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية) ش: لأن كثرة الفوائت لما كانت مسقطة للترتيب في اعتبارها كانت مسقطة له في نفسها بالطريق الأولى، لأن العلة إذا كان لها أثر في غير محلها فلأن يكون لها أثر في محلها أولى، والحاصل أن العلة إذا قامت بشيء يوجب الحكم في ذلك الشيء لا غيره فإذا أثر في غيره فأولى أن يؤثر في نفسه. م: (وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا) ش: أي ست صلوات م: (لخروج وقت الصلاة السادسة) ش: المستلزمة لدخول وقت السابعة في الأغلب، وفي " المجتبى " إلا أن تزيد الفوائت على خمس صلوات، لأن كثرة الفوائت في معنى ضيق الوقت والكثرة بالست للتكرار، فإذا دخل وقت السابعة سقط الترتيب عندهما، وعند محمد إذا دخل وقت السادسة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " عن أصحابنا أنه يسقط الترتيب بالخمس لأنها كل الجنس م: (وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير ") ش: أي الفوائت ستا بخروج وقت السادسة وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير " م: (وهو) ش: أي المذكور هو م: (قوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ". م: (وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها) ش: أي أجزأته الصلاة التي بدأ بها م: (لأنه إذا زاد على يوم وليلة تصير ستا) ش: فيدخل وقت السابعة. م: (وعن محمد أنه اعتبر دخول وقت السادسة) ش: لأن بدخول وقت السادسة يصير عدد الفوائت خمسا، والكثير من كل جنس ما يستغرق جنسه وجنس المكتوبة الخمس م: (والأول هو الصحيح) ش: أي المذكور من " الجامع الصغير " هو الصحيح م: (لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار، وذلك في الأول) ش: معناه أن الشيء إنما يستحق اسم الكثرة بالتكرار كالكثرة في المقدم لا يظهر إلا بالزيادة من أحد القسمين على الآخر، وأدنى مدة التكرار في حق خروج وقت السادسة، لأن به تصير الفوائت ستا والواحدة من الصلوات تتكرر بوصف الكثرة يثبت لها قوله وذلك إشارة إلى قوله لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار. وقوله في الأول أراد به المذكور في " الجامع الصغير "، فافهم م: (ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة) ش: صورة الفوائت القديمة أن يترك الشخص صلاة.
قيل: تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت. وقيل: لا تجوز ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون، ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب عند البعض وهو الأظهر، فإنه روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة ـــــــــــــــــــــــــــــQشهر أو سنة مجانة وفسقا، ثم يقبل على الصلاة ندما على سوء صنيعه، ثم يترك أقل من صلاة يوم وليلة فهل يجوز له الوقتية مع تذكر ما فات أقل من يوم وليلة. اختلفوا فيه إشارة إليه بقوله. م: (قيل: تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت) ش: الجواز هو القياس، لأن الحديثة ليس أداؤها بأحق من القديمة فتحقق كثرة الفوائت وهي مسقطة للترتيب م: (وقيل: لا تجوز) ش: أي الوقتية بذكر الحديثة، وهو الاستحسان م: (ويجعل الماضي) ش: وهو القديمة م: (كأن لم يكن) ش: يعني كأن لم يفت م: (زجرا له عن التهاون) ش: أي لأجل الزجر لهذا المصلي عن الكسل والتهاون في إقامة الصلاة في وقتها وإلى الجواز، قال أبو جعفر الكبير وعليه الفتوى. وفي " المحيط " القول الأصح هو الأول، وفي " المجتبى " الثاني هو الأصح، والقول الأول هو الأحوط. وقيل: يجب الترتيب لأن المعصية لا تصير سببا للتخفيف، وفي " الذخيرة " لا يجب الترتيب عند أبي حنيفة خلافا لهما. م: (ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب) ش: صورته أن يترك الرجل صلاة شهر ثم قضاها إلا صلاة أو صلاتين، ثم صلى صلاة دخل وقتها وهو ذاكر لما بقي عليه هل تجوز الوقتية، أو لم يجز، عن محمد فيه روايتان، في رواية يجوز، واختارها شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام علي البزدوي، فإنهم قالا متى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين، ولهذا أخذ أيضا أبو حفص الكبير، وفي رواية لا يجوز، وإليها مال بعض المشايخ، إشارة إليه بقوله م: (عند البعض) ش: أي عند بعض المشايخ، منهم أبو علي الدقاق والفقيه أبو جعفر، واختاره المصنف أشار إليه بقوله م: (وهو الأظهر) ش: أي عود الترتيب هو الأظهر، وجه ذلك من وجهين، الأول من وجه الدراية، وهو أن علة السقوط الكثرة المفضية إلى الحرج ولم يبق بالعود إلى القلة والحكم ينتهي بانتهاء علته، فكان كحق الحضانة بالزوج، ثم ارتفعت الزوجية فإن الحق يعود. الثاني: من وجه الرواية، أشار إلى هذا الوجه بقوله م: (فإنه روي عن محمد فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة) ش: يعني يقضي الفجر بالفجر، والظهر بالظهر،
فالفوائت جائزة على كل حال، والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة، وإن أخرها فكذلك، إلا العشاء الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها. ومن صلى العصر وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة إلا إذا كان في آخر الوقت، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالعصر بالعصر، على هذا الترتيب م: (فالفوائت جائزة على كل حال) ش: يعني سواء قدمها على الوقتين أو أخر عنها م: (والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة) ش: لأنه متى أدى شيئا منها صارت سادسة المتروكات إلا أنه إذا قضى متروكة بعدها عادت خمسا ثم لا يزال كذلك فلا يعود إلى الجواز. م: (وإن أخرها) ش: أي وإن أخر الوقتيات كلها م: (فكذلك) ش: أي فكذلك تفسد كلها م: (إلا العشاء الأخيرة) ش: لأنه صلاها وقد صلى ما عليه عنده فصار كالناسي، وقد علل المصنف بعدم فساد العشاء الأخيرة بقوله م: (لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها) ش: أي حال أداء العشاء الأخيرة الوقتية، والظن متى لاقى فصلى مجتهدا فيه وقع معتبرا وإن كان خطأ، والشافعي لا يوجب الترتيب فكان ظنه موافقا لرأيه، وصار كما إذا عفى أحد من له القصاص وظن صاحبه أن عفو صاحبه غير مؤثر في حقه، فقتل ذلك القاتل لا يقتص منه، ومعلوم أن هذا قتل بغير حق، لكن لما كان متأولا يجتهد في ذلك صار ذلك الظن مانعا وجوب القصاص. فإن قلت: يشكل هذا بما إذا صلى الظهر على غير وضوء ناسيا ثم صلى العصر على وضوء ذاكرا للظهر وهو يحسب أنه يجزئه فعليه أن يعيدهما جميعا، وعلى قياس ما ذكر هاهنا أنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها كان ينبغي أن لا يجب عليه قضاء العصر. ثانيا: لما أنه قضى الظهر قد وقع في ظنه أنه قضى جميع ما عليه ولم يبق عليه شيء من الفائتة، والترتيب غير واجب على مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان يمكنه هاهنا أيضا موافقا لمذهبه كما ذكر. ثم قلت: فساد الصلاة بترك الطهارة فساد قوي مجمع عليه، فظهر أثره فيما يؤدى بعده، وأما فسادها بسبب ترك الترتيب فضعيف مختلف فيه، فلا تتعدى حكمه إلى صلاة أخرى. م: (ومن صلى العصر وهو ذاكر) ش: أي والحال أنه ذاكر م: (أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة) ش: أي العصر فاسدة م: (إلا أن يكون في آخر الوقت) ش: أي في آخر وقت العصر فإنه يجوز العصر حينئذ بضيق الوقت. فإن قلت: قد بين المصنف فيما مضى الحكم في هذه المسألة في جنس الصلوات، فلم أعاده هاهنا؟. قلت: لفائدة وهي الإشارة إلى الاختلاف في آخر وقت العصر، وهو أن الاعتبار في ضيق الوقت لأصل الوقت أو للوقت المستحب، حكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله الاعتبار بأصل الوقت، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وهي مسألة الترتيب ـــــــــــــــــــــــــــــQبالوقت المستحب، وعلى هذا فيما نحن فيه من المسألة إن يمكنه أداء الظهر والعصر قبل غروب الشمس فعليه مراعاة الترتيب، وإن كان لا يمكنه أداء الصلاتين قبل غروب الشمس سقط الترتيب، وعليه أداء العصر، وإن أمكنه أداء الظهر قبل تغيرها ويقع العصر أو بعضها بعد تغيرها فعليه مراعاة الترتيب عندهما خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن معنى الكراهة تسقط الترتيب لخوف فوات أصل الوقت. وإن لم يمكنه أداء الظهر قبل تغيرها يسقط الترتيب، لأن أداء شيء من الظهر بعد تغير الشمس لا يجوز بالاتفاق، لأن ذلك الوقت وقت عصر اليوم ليس إلا. م: (وهي مسألة الترتيب) ش: أي المسألة المذكورة هي مسألة مراعاة الترتيب فيها. وقد ذكرنا وجه الإعادة. 1 - فروع: راع في الفيافي يصبح في كل يوم فيصلي صلوات ذلك اليوم في وقت الفجر تفريعا لعلة، فالفجر الأول جائز، وفي اليوم الثاني لا يجوز لبقاء الترتيب، وقيل: على قول زفر والحسن إن لم يعلم أن المتروكة مانعة من الجواز يجوز الفجر الثاني كما ذكر عنهما في " المبسوط "، والفجر الثالث وما تعدها يجوز بسقوط الترتيب، وفي " جوامع الفقه " مسافر صلى المغرب شهرا ركعتين قصرا، فالمغارب كلها باطلة ويفسد المغرب الأول وتجوز العشاء والفجر والظهر والعصر، فصارت يجوز ما بعدها جميعا إلا المغرب. وفي " المنتقى ": إذا غربت الشمس في خلال العصر ثم تذكر الظهر مضى، ولو افتتحها ذاكرا ثم احمرت استقبل نسي صلاة ولم يعرفها يصلي خمس صلوات وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جوامع الفقه ": وهو المختار، وقيل: يصلي أربع ركعات بثلاث قعدات ينوي ما عليه، وهو قول بشر بن غياث، وفي " المهذب " وهو قول المزني، ومثله عن النووي، وقال بعض مشايخ بلخ: يصلي الفجر بتحريمة والمغرب بتحريمة ثم يصلي أربعا ينوي ما عليه من صلاة يوم وليلة، وقال الأوزاعي: يصلي أربع ركعات لا يقعد إلا في الثانية والرابعة ويسجد للسهو وينوي في ابتدائها ما عليه في علم الله تعالى. قال ابن حزم: وبهذا نأخذ، وإن لم يدر الفائتة أمن سفر هي أم من حضر؟ يصلي ثمان صلوات، وإن نسي صلاتين من يومين يعيد صلاة يومين، رواه ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن نسي ثلاث صلوات من ثلاثة أيام ولياليهن يعيد صلاة ثلاثة أيام. وفي " المحيط " ولو ترك ثلاث صلوات الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم، ولا يدري أيتها الأولى قيل يسقط الترتيب فيصلي كيف شاء، قال في " المحيط " وهو الأصح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " جوامع الفقه " وهو المختار، وقيل لا يجزئ لأن الفوائت تعتبر أن يكون في نفسها ستا لسقوط الترتيب فيصلي سبع صلوات الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر. وإن فاتته أربع صلوات يعني العشاء مع ما قبلها من أربعة أيام يصلي سبع صلوات ثم العشاء ثم يصلي سبع صلوات، وعلى هذا القياس تخريج جنس هذه المسائل كذا في " الإيضاح " و " مبسوط شيخ الإسلام ". وفي " الواقعات " يصلي إحدى وثلاثين صلاة، لأن في الأربع يصلي خمس عشرة ثم يصلي خمس عشرة ثم يصلي الفجر فيعتبر ست عشرة صلاة، ثم يفعل كما كان يفعل قبل الفجر، وذلك خمس عشرة صلاة فتصير الجملة إحدى وثلاثين صلاة. وفي " المفيد " إذا نسي صلاة أو ركنا منها ولا يدري ذلك يعيد صلاة يوم وليلة بلا خلاف بين أصحابنا، ظهر فات من يومين فنوى أحدهما لا بعينه قيل يجوز لاتحاد الجنس والمذهب أنه لا يجزئه، لأن اختلاف الأوقات يجعلها كالفرائض المختلفة. وفي " الذخيرة " رجل لم يصل الفجر شهرا وصلى غيرها، قيل لا تجزئه الصلوات الأربع في اليوم الأول، وتجزئه في اليوم الثاني لسقوط الترتيب ولا يجزئه في اليوم الثالث، ومن كل عشر ست فاسدة وأربع جائزة، وقيل يجزئه خمس عشرة فجرا ولا يجزئه غيرها، وقيل يجزئه كل فجر إلا الفجر الثاني لأنه صلاة وعليه أربع صلوات فلم يجز وبعدها كثرت الفوائت. وفي " التحفة " ولو ترك صلاة ثم صلى شهرا وهو ذاكر للفائتة فعند أبي حنيفة يعيد الفائتة لا غيرِ، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعيدها وخمسا بعدها، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعيدها وأربعا بعدها من بعض صلاة عمره من غير أن يكون فاته شيء، فإن كان لأجل نقصان دخل في صلاته أو لكراهة فحسن، وإن لم يكن كذلك لا يفعل. وفي " جوامع الفقه " إذا لم يتم ركوعه ولا سجوده يؤمر بالإعادة في الوقت لا بعده. وفي " مختصر البحر " القضاء أولى في الحالين، وفيه شافعي ترك صلاة سنة ثم صار حنفيا يقضيها على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الجحدري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على أي مذهب قضاها جاز. وفي " مختصر البحر " لو قضى فوائت ولم ينو صلوات نفي يجهل بها ثم علم فعليه إعادة ما قضاه بدون هذه النية. وقال المرغيناني: الأصح أنه ينوي الظهر والعصر وغيرهما، وليس عليه أن ينوي أنها
وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تبطل؛ لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا، ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل، ثم العصر يفسد فسادا موقوفا ـــــــــــــــــــــــــــــQالأولى. م: (وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة) ش: يعني لو صلى العصر مثلا ذاكرا أنه لم يصل الظهر فسدت تنقلب نفلا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: لكن عند أبي حنيفة بسبيل الوقف حتى لو أدى ست صلوات انقلب الكل فرضا وعند أبي يوسف يكون عصرا بعدما فسدت نفلا بسبيل الثبات م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تبطل) ش: أصلا، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفائدة الخلاف أنه قهقه قبل أن يخرج من الصلاة أو عمل عملا منافيا ينتقض طهارته عندهما لبقاء التحريمة، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينتقض م: (لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا) ش: يعني لانتفاء الفرض للفرض ولا نفل، لأن التحريمة وسيلة إلى تحصيله، فإذا بطل المقصود بطلت الوسيلة. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله م: (أنها) أي أن التحريمة م: (عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية) ش: يعني التحريمة انعقدت الصلاة موصوفة بصفة الفرضية م: (فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل) ش: لأن العارض ينافي صفة الفرضية لا أصل الصلاة فلا يلزم من انتفاء صفة الفرضية انتفاء الصلاة. فإن قلت: يجوز أن يكون الوصف متحصلا لأصله فيكون كالفعل المتبوع فيبطل الأصل ببطلانه. قلت: لا نسلم جواز أن يكون الوصف متحصلا لأن المحصل يجب تقدمه، والوصف لا يقدم على الموصوف. فإن قلت: وصف الفرضية لم يدخل فيما انعقدت التحريمة لأجله فكان جزاء والكل ينتفي بانتفاء جزئه. قلت: بلى له مدخل لذلك لكن من حيث تحصيله حتى يكون جزءا بل من حيث نفي غيره مما يزاحمه في الوقت، فإذا كان كذلك لم يلزم من انتفائه انتفاء الكل، ثم إن بعض أهل نظر من أصحابنا لم يبينوا هذا الاختلاف لأنهم لما اجتمعوا أن من شرع في صوم الكفارة ثم أفسد فيه يبقى نفلا كان على حكم الصلاة كذلك، وعلى الأول عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ثم العصر) ش: يعني في المسألة المذكورة م: (يفسد موقوفا) ش: يعني على سبيل التوقف م:
حتى لو صلى ست صلوات، ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يفسد فسادا باتا لا جواز لها بحال، وقد عرف ذلك في موضعه، ـــــــــــــــــــــــــــــQ (حتى لو صلى ست صلوات ولم يعد الظهر) ش: أي الظهر التي كان تركها وصلى العصر ذاكرا لها م: (انقلب الكل) ش: أي الصلوات م: (جائزا) ش: ولو أعاد الظهر لانقلب جائزا م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو استحسان، وفي " المبسوط " تفسيره لو صلى المتروكة قبل السادسة فيه الخمس عنده. قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه هي التي يقال لها واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا، فالواحدة المصححة الخمس في السادسة قبل قضاء المتروكة، والواحدة المفسدة للخمس هي المتروكة يقضي قبل السادسة، وجه الاستحسان أن الكثرة صفة لهذه الجملة من الصلوات، فإذا ثبتت صفة استندت إلى أولها بحكمها وهو سقوط الترتيب، فسقط الترتيب في آحادها كما سقط في أغيارها، وهذا كمرض الموت لما ثبت له هذا الوصف بإيصاله بالموت أسند إلى أوله بحكمه م: (وعندهما يفسد) ش: أي العصر م: (فسادا باتا) ش: بتشديد المثناة من فوق أي قطعا، وفسره بقوله (لا جواز له بحال) ش: من الأحوال وهذا هو القياس، ووجهه أن سقوط الترتيب حكم الكثرة وكل ما هو حكم العلة يتأخر عن علة سقوط الترتيب إنما يكون مما يقع من الصلوات بعد الكثرة لا فيما قبلها. فإذا ما قلت: وجه الاستحسان حصل لك الجواب عن وجه القياس على أن وجه قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وجه نص التنزيل يقتضي جواز الوقتية في الوقت، والحديث يمنع الجواز ليتوقف الجواز على زوال المانع، ووقف الجواز على سنن أمر في الموقف غير متكفر في الشرع، كما قلنا في مغرب صلاها بعرفات يتوقف حكمها إن أفاض إلى المزدلفة في وقت العشاء انقلبت نفلا ولزمته إعادتها مع العشاء في المزدلفة، وإن لم يأت وأتى مكة من طريق آخر وأتى المزدلفة بعد الإصباح يقع المغرب فرضا وكذا ظهر من صلاها يوم الجمعة في منزله، وكذلك صاحبة العادة إذا انقطعت عادتها فما دون عادتها وصلت صلوات ثم عاودها الدم تبين أن الصلوات لم تكن صحيحة وإن لم يعاودها كانت صحيحة، وكذلك إذا زاد على أيام عادتها، فإذا انقطع لتمام العشرة وطهرت بعد ذلك خمسة عشر يوما تبين أن الكل حيض وليس عليها قضاء الصلوات، وإن جاوز كان عليها قضاء الصلوات، فعلم أن توقف الصلوات على أمر في المستقبل مشروع يستعمل فيما بحرفه. م: (وقد عرف ذلك في موضعه) ش: أي في كتاب الصلوات في " المبسوط "، صورته ترك صلاة ثم صلى بعدها واحدة وثانية وثالثة ورابعة وخامسة فسدت الخمس كلها عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي موقوفة قد ذكرناها عن قريب.
ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر فهي فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وهذا بناء على أن الوتر واجب عنده سنة عندهما ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن، وعلى هذا إذا صلى العشاء ثم توضأ وصلى السنة والوتر ثم تبين أنه صلى العشاء بغير طهارة فعنده يعيد العشاء والسنة دون الوتر؛ لأن الوتر فرض على حدة عنده، وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر) ش: أي ولو صلى صلاة الفجر والحال أنه ذاكر أنه لم يصل الوتر: م: (فهي) ش: أي الفجر م: (فاسدة عند أبي حنيفة) ش: لأن الوتر فرض عملا عنده فيجب مراعاة الترتيب م: (خلافا لهما) ش: لأن الوتر سنة عندهما، وأشار إلى ذلك بقوله م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (بناء) ش: أي يبني م: (على أن الوتر واجب عنده) ش: أي فرض عملا م: (سنة عندهما) ش: فلا يجب مراعاة الترتيب بين الفرض والسنة، وأشار إلى ذلك بقوله م: (ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن) ش: أو لا ترتيب بواجب بين الفرائض والسنن وإنما يجب الترتيب بين فرض وفرض، فلما ثبت هذا اختلاف وهو أن الوتر واجب عنده سنة عندهما جاز أداء الفجر مع تذكر الوتر، لأنه سنة عندهما م: (وعلى هذا أي على الخلاف وهو أن الوتر واجب عنده سنة عندهما إذا صلى العشاء ثم توضأ وصلى السنة والوتر ثم تبين أنه صلى العشاء بغير طهارة فعنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعيد العشاء والسنة) ش: أما العشاء فلوقوعها بغير طهارة، وأما إعادة السنة فلكونها تبعا للعشاء م: (دون الوتر لأن الوتر فرض على حدة عنده) ش: يعني يعيد الوتر لأنه صار كأنه صلى فرضا بنية فرض آخر. م: (وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء) ش: لأنه وإن كان سنة ولكن أداه قبل دخول وقته، ووقته بعد العشاء على وجه الصحة ولم يوجد فكان مصليا قبل وقته، ولو صلى الوتر في وقت العشاء قبل أن يصلي العشاء وهو ذاكر لذلك لم يجزه بالاتفاق م: (والله أعلم) ش: بالصواب.
[باب سجود السهو]
باب سجود السهو يسجد للسهو في الزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب سجود السهو] [كيفية سجود السهو] م: (باب سجود السهو) ش: أي هذا باب في بيان أحكام سجود السهو، ولما فرغ من بيان الأداء والقضاء، شرع في بيان جابر لنقصان يقع فيهما، ولكن المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في بيان قضاء الفوائت وقضاؤها جبر لها عن تأخيره عن وقتها، وهذا الباب أيضا في بيان جبر لها لترك واجب أو لتأخير ركن أو لزيادة في غير محلها، والإضافة في سجود السهو إضافة الحكم إلى السبب وهي الأصل في الإضافات، لأن الإضافة للاختصاص، وأقوى وجوه الاختصاصات إضافة المسبب إلى السبب. قلت: علم من هذا أن سجود السهو يجب بنفس السهو، ولهذا لا يجب في العمد وبعض المالكية يقولون: سببه الزيادة والنقصان، ذكره ابن رشد المالكي في " قواعده ". وعن الشافعي يسجد في العمد بطريق الأولى. وفي " الينابيع ": لا يجب سجود السهو إلا في مسألتين: أحديهما: إذا أخر إحدى سجدتي الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، والثانية: إذا ترك القعدة الأولى فإنه يسجد للسهو فيهما سواء كان عامدا أو ناسيا، قال صاحب " الينابيع ": ذكرهما في " أجناس الناطفي " ولم أقف في غيره من كتب أصحابنا. م: (يسجد للسهو للزيادة) ش: من جنس الصلاة كزيادة ركوع أو سجود، والزيادة من غير جنسه تبطل الصلاة، واللام في الزيادة لإثبات معنى السببية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) . م: (والنقصان) ش: أي يجب للنقصان أيضا، وفيه نفي لقول مالك، فإن عنده إذا كان عن نقصان سجد قبل السلام، وإن كان عن زيادة فبعد السلام، ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى م: (سجدتين بعد السلام) ش: اختلفوا فيه على أقوال خمسة: مذهبنا بعد السلام كما ذكره، وهو مذهب علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن التابعين: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ومذهب الشافعي: قبل السلام على الأصح عندهم، وهو قول أبي هريرة، ومكحول، والزهري، وربيعة، والليث، ومذهب مالك [....] إن كان للنقصان فقبل السلام، وإن كان
ثم يتشهد ثم يسلم، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجد قبل السلام لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد للسهو قبل السلام» ، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQللزيادة فبعد السلام وهو قول للشافعية. ومذهب الحنابلة: أنه يسجد قبل السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل السلام، وبعد السلام في المواضع التي سجد فيها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد السلام، وما كان من السجود في غير تلك المواضع يسجد له قبل السلام أبدا. ومذهب الظاهرية: لا يسجد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقط، وغير ذلك إن كان فرضا أتى به، وإن كان ندبا فليس عليه شيء. والمواضع التي صلى فيها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خمسة. أحدها: قام على اثنين على ما جاء في حديث ابن بحينة. والثاني: سلم من اثنين كما جاء في حديث ذي اليدين. والثالث: سلم من ثلاث كما جاء في حديث عمران بن حصين. والرابع: أنه صلى خمسا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود. والخامس: السجود على الشك كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري. وسيأتي بيان أحاديثهم مفصلا إن شاء الله تعالى. م: (ثم يتشهد ثم يسلم) ش: أي بعد أن يتشهد في آخر صلاته يسجد سجدتين ثم يتشهد أيضا ثم يسلم، وبه قال ابن مسعود والشعبي والثوري وقتادة والحكم وحماد والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال ابن سيرين وسعد وحماد وابن أبي ليلى: يسلم ولا يتشهد، قال أنس والحسين وعطاء وطاوس: ليس في سجدتي السهو تشهد ولا سلام. م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجد قبل السلام لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد للسهو قبل السلام) ش: هذا الحديث رواه عبد الله بن مالك بن بحينة، أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واللفظ للبخاري «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر فقام عن الركعتين الأوليين ولم يجلس، وقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة انتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» . م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» ش: روي هذا الحديث عن
وروي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد سجدتي السهو بعد السلام» ـــــــــــــــــــــــــــــQثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أخرجه أبو داود وابن ماجه عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لكل سهو سجدتان بعدما يسلم» ورواه أحمد في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، والطبراني في " معجمه ". م: (وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد سجدتي السهو بعد السلام) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم عنه، قال: «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فسلم في ركعتين، فقال ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ إلى أن قال: فأتم الرسول ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم» وفي هذا الباب عن عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم عنه: «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات فقام رجل يقال له الخرباق فذكر له صنيعه فقال: " أصدق هذا؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم» ؟ وعن المغيرة بن شعبة أخرجه أبو داود والترمذي عن زياد بن علاقة «كان يصلي بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته وسلم وسجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع كما صنعت» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. عن أنس بن مالك، أخرجه الطبراني عن محمد بن صالح عن علي بن عبد الله بن عباس قال: «صليت خلف أنس بن مالك صلاة فسهى فيها فسجد بعد السلام ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع» . وعن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج ابن سعد في الطبقات عن عطاء بن أبي رباح قال: «صليت مع عبد الله بن الزبير المغرب فسلم في الركعتين ثم قام: فسبح به القوم فصلى بهم الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين، قال: فأتيت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من فوري فأخبرته، فقال: لله أبوك ما فات عنه سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قال النووي في " الخلاصة ": وروى الحاكم في " المستدرك " من حديث سعد بن أبي وقاص
فتعارضت روايتا فعله فبقي التمسك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوعقبة نحوه، قال: وحديثهما صحيح على شرط الشيخين. م: (فتعارضت روايتا فعله) ش: أي فعل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بيان المعارضة بين الفعلين بين الحديثين اللذين ذكرهما الشافعي، ولنا الظاهر، لأن حديث الشافعي يدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد قبل السلام، وحديثنا يدل على أنه سجد بعد السلام، قال بعض الشراح منهم السغناقي والأترازي: لما تعارض الفعلان عنه تركناهما جانبا، فعملنا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للسلامة عن المعارض وهو معنى قول المصنف م: (فبقي التمسك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل سهو سجدتان» . قلت: فيه نظر، لأن الأحاديث قد وردت في السجود قبل السلام من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما يتيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم» . ومنها حديث أبي هريرة أخرجه الأئمة الستة عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لم يدر كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس» ، زاد فيه أبو داود وابن ماجه: «وهو جالس قبل التسليم» ، وفي لفظ: " قبل أن يسلم ثم يسلم ". ومنها حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الترمذي وابن ماجه عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا انتهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على اثنتين، فإن لم يدر صلى ثلاثا أو أربعا فليبن على الثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم» ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال البيهقي في " المعرفة ": روي عن الزهري أنه ادعى نسخ السجود بعد السلام، وأسنده الشافعي عنه ثم أكده بحديث معاوية أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجدهما قبل السلام، رواه النسائي في " سننه "، وقال: وصحبة معاوية متأخرة. قلت: قال بعضهم إن قول الزهري منقطع. وهو غير حجة عندهم، وقال الطرطوسي: هذا لا يصح عن الزهري، وفي إسناده أيضا مطرف بن مازن، قال البيهقي: هو غير قوي. قلت: قال يحيى: كذاب، وقال النسائي: غير قوي، وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه إلا [....] ، ولم يذكر البيهقي ذلك لموافقته رواية مذهبه، وأحاديث السجود قبل وبعد ثابتة قولا وفعلا، وتقدم بعضها على بعض غير معلوم برواية صحيحة والأولى جعل الأحاديث على
ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام ـــــــــــــــــــــــــــــQالتوسع، وجواز الأمرين. فإن قلت: قالوا: المراد بالسلام في الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام هو السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد، ويكون تأخيرها على سبيل السهو. قلت: هذا بعيد مع أنه معارض بمثله، وهو أن يقال: حديثهم قبل السلام يكون على سبيل السهو، ويحمل حديثهم قبل السلام على السلام المعهود الذي يخرج به من الصلاة وهو سلام التحلل، ويبطل أيضا حملهم على السلام الذي في التشهد، إن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليم اتفاقا. وقال الأكمل: في هذا الموضع اعترض عليه بوجهين.. إلخ، قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي في تقدير الاعتراض الأول أن المعارضة بين الحجتين إنما يصار إلى ما بعدهما من الحجة لا إلى ما فوقهما، والقول فوق الفعل لأن القول موجب، والفعل لا، وكيف صير إلى القول عند معارضة الفعل، والاعتراض الثاني أنه يلزم من هذا الذي ذكره الترجيح بكثرة الأدلة، وهو غير جائز إذ كل ما يصلح علة لا يصلح حجة، وقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أقوى العلل، فكيف لا يصلح حجة. أجيب عن الأول: بأن المعارضة تقتضي المساواة وليس المعارضة بين القول والفعل لقوة القول وضعف الفعل، ولما ثبتت المعارضة بين الفعلين لتساويهما في القوة، أخذنا بالقول، لأنه يشهد لنا فعملنا به. وقولهم: إن المعارضة إذا وقعت بين الحجتين يصار إلى ما بعدها، إنما يكون ذلك عند انعدام الحجة فيما فوقهما، وإن كانت الحجة فوقهما فلا تحتاج حينئذ إلى المعارضة، وهنا كذلك، وإن أنكروا ثبوته بنقل العدل. وأجيب عن الثاني: بأن ما قلتم إنما يلزم أن لو قلنا بترجيح الفعل بالقول، ولا نقول به، بل نقول لما تعارض فعله رجعنا إلى ما هو الحجة في الباب، وهو حديث القول. قلت: فيه نظر لأن بين قوله أيضا تعارض كما ذكرنا، والأوجه في الجواب ما ذكرناه من جعل الأحاديث على جواز الأمرين، وأيضا حديث ذي اليدين منسوخ، وفي " الأنوار ": تأويل ما رواه الشافعي أن الراوي دخل في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سجدتي السهو، وعاين السلام بعدهما، فروي كذلك أو كان منه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبيان الجواز قبل السلام لا لبيان المسنون. م: (ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام) ش: هذا دليل عقلي على كون سجود السهو بعد السلام تقديره أن القياس كان يقتضي أن لا يتأخر سجود السهو عن زمان سجود العلة، وهي السهو، إلا أنه لما كان مما لا يتكرر أخر عن السلام، وأما كونه لا يتكرر فلأنه إذا سجد زمان وجود السهو، ثم إذا سهى فلا يخلو إما أن يسجد ثانيا أو لا، فإن لم يسجد بقي بعض لازم لا
حتى لو سهى عن السلام يجبر به، وهذا الخلاف في الأولوية ويأتي بتسليمتين هو الصحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــQجبر له، وإن سجد يلزم التكرار، فلذلك أخر عن زمان العلة، فلهذا المعنى أخر عن السلام أيضا حتى لو سهى عن السلام بأن قام إلى الخامسة مثلا ساهيا يلزمه سجود السهو لتأخير السلام، ولو سهى بعد السلام لا يلزمه السجود لأنه يؤدي إلى ما لا يتناهى. وقال الأترازي: سجود السهو ليس يتكرر بالإجماع، قلت: ليس كذلك، لأن مذهب ابن أبي ليلى أن السجود يتكرر بعد السهو. وقال الأوزاعي: إذا سهى سهوين يسجد أربع سجدات، ذكره النووي. ولو سهى في سجدتي السهو لم يسجد وهو قول الحسن والنخعي ومغيرة والشعبي ومنصور بن زاذان والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وهذا إجماع. م: (حتى لو سهى عن السلام يجبر به) ش: هذا توضيح فيؤخر عن السلام وسهوه عن السلام يكون بالقيام إلى الخامسة، فإن سهى يجبر السلام بالسجود، ولأجل النقص م: (وهذا الخلاف في الأولوية) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي في الأولوية لا في الجواز، أراد أن الأولى عندنا أن يسجد للسهو بعد السلام، ويجوز عندنا ولو سجد قبل السلام يجوز أيضا والأولى عنده قبل السلام وبعد السلام يجوز أيضا هذا الذي ذكره المصنف، هذا جواب ظاهر الرواية، وقد ذكر في " النوادر " أنه إذا سجد للسهو قبل السلام لا تجبر به، لأنه أتى به في غير محله. وفي " الذخيرة " لو سجد للسهو قبل السلام جاز عندنا. قال القدوري: هذا في رواية الأصول، قال: وروي عنهم أنه لا يجبر به. وقال صاحب " الحاوي " من الشافعية: لا خلاف بين الفقهاء أن سجود السهو جائز قبل السلام وبعده، وإنما الخلاف في الأولى، وفي قول التقديم والتأخير سواء في الفضيلة لصحة الأخبار في التقديم والتأخير قاله إمام الحرمين، وفي قول عنهم: إذا أخره لا يعتد به. قال النووي: وهو الصحيح. م: (ويأتي بتسليمتين) ش: أي يأتي من عليه سجود السهو بتسليمتين عن يمينه وعن شماله، وبه قال الثوري وأحمد. وفي " المفيد ": يسلم عن يمينه ويساره كالمعهودتين م: (هو الصحيح) ش: أي الإتيان بتسليمتين هو الصحيح احترز به عما نقل عن فخر الإسلام من المذهب وفي " الينابيع " التسليمتان أصح و [.....] هو الصحيح وهو التسليم واحدة من تلقاء وجهه. وفي " المحيط ": ينبغي أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وهو قول الكرخي، وهو الأصوب وبه قال النخعي. وفي " المفيد " و " المرغيناني " و " البدائع ": يسلم تلقاء وجهه عند البعض، لأن التسليمة الأولى للتحليل والثانية للتحية ولا تحية في الأولى فكان ضمها إلى الأولى عبثا، وينبغي أن لا ينحرف فيه لأنه للتحية دون التحليل، وقد سقط معنى التحية هنا أيضا، واختار فخر الإسلام وشيخ الإسلام وصاحب " الإيضاح " أيضا أن يسلم تسليمة واحدة ثم اختار فخر الإسلام أن تكون تلك التسليمة من تلقاء وجهه. ولا ينحرف عن القبلة. وقال شيخ
صرفا للسلام المذكور إلى ما هو المعهود ويأتي بالصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح، ـــــــــــــــــــــــــــــQالإسلام: ولو سلم بتسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك، لأنه كالكلام، ونسب أبو اليسر القائل بالتسليمة الواحدة إلى البدعة. فإن قلت: ما فائدة قولهم: أن التسليمة الأولى تحليل وتحية، والثانية: تحية. قلت: فائدة هذا أنه لا يصح الاقتداء بعد الأولى ولو قهقه بعد الأولى ولا تنتقض طهارته، وقيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف يسلم تسليمتين. م: (صرفا للسلام المذكور إلى ما هو المعهود) ش: صرفا بالفتح نصب على أنه مفعول مطلق، كذا قيل، والصحيح أنه نصب على التعليل أي لأجل الصرف للسلام المذكور في قوله وفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المذكور بعد السلام إلى ما هو المعهود في الصلاة وهو التسليمتان. م: (ويأتي بالصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والدعاء في قعدة السهو) ش: أي يأتي من عليه سجود السهو بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قعدته الأخير وهي قعدة السهو أي سجود السهو. وفي " الذخيرة ": اختلفوا في الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي الدعوات أنها في قعدة الصلاة أم في سجدتي السهو، ذكر أبو جعفر الأسروشتي أن ذلك كله قبل سلام السهو، وذكر الكرخي في " مختصره " أنها في قعدة سجدتي السهو، لأنها هي القعدة الأخيرة، واختار فخر الإسلام في " المصنف " وقال: م: (هو الصحيح) ش: أي الإتيان بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح. وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": فمن مشايخنا من اختار الدعاء قبل السلام وبعده، ثم قال: وهو الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن كل واحد من التشهدين في آخر الصلاة. وفي " المحيط " اختلفوا في الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي الدعوات قال الطحاوي: كل قعدة فيها سلام فيها صلاة، فعلى هذا يصلي في القعدتين جميعا عنده. وفي " فتاوى الظهيرية ": الأحوط أن يصلي في القعدتين، وقيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف يصلي ويدعو في الأولى دون الثانية بناء على أن سلام الإمام أو من عليه السهو يخرجه عن الصلاة عندهما وعند محمد في الأخيرة خاصة، لأن السلام لا يخرجه عنده، وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن الأصل المذكور متقرر، فلو كانت هذه المسألة مبنية على ذلك لكان الصحيح مذهبهما. قلت: هذا النظر غير بين، لأنه لا يلزم من كون الأصل المذكور متقررا عدم جواز بناء المسألة المذكورة عليه، وقوله: لكان الصحيح مذهبهما، يرده ما ذكره في " المفيد " أنه هو الصحيح.
[متى يلزم سجود السهو]
لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة. قال: ويلزمه السهو إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها ليس منها، وهذا يدل على أن سجدة السهو واجبة هو الصحيح؛ لأنها تجب لجبر نقص تمكن في العبادة، فتكون واجبة كالدماء في الحج، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة) ش: هذا التعليل ما اختاره المصنف بقوله هو الصحيح، ومعناه أن الدعاء مشروع بعد الفراغ من الأداء أو الفراغ قبل الخبر. قلت: لقائل أن يقول: آخر الصلاة حقيقة هو قعدة الصلاة الأخيرة، وسجدة السهو ليست من نفس الصلاة وقعدتها كذلك. [متى يلزم سجود السهو] م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويلزمه السهو) ش: هذا البيان ما ذكر في أول الباب بقوله يسجد للسهو للزيادة والنقصان لأنه لم يعلم من ذلك أنه، أي زيادة أو نقصان موجب ذلك، ففسر هناك بقوله ويلزمه السهو، أي يلزم الساهي في صلاته سجود السهو م: (إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها) ش: أي من جنس الصلاة م (ليس منها) ش: أي والحال أن الذي زاد ليس من جنس الصلاة، كما إذا ركع ركوعين أو سجد ثلاث سجدات ساهيا، لأن الركوع الزائد والسجود الزائد من جنس الصلوات من حيث إنهما ركوع وسجود، ولكنهما ليسا من الصلاة لكونهما زيادة. م: (وهذا) ش: أي قول القدوري ويلزمه السهو م: (يدل على أن سجدة السهو واجبة) ش: لأن لفظ اللزوم ينبئ عن ذلك، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا سهى الإمام وجب على المؤتم أن يسجد يدل عليه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم» ومطلق الأمر للوجوب، م: (وهو الصحيح) ش: أي كون سجود السهو واجبا هو الصحيح من المذهب، ذكره في " المحيط " و " المبسوط " و " الذخيرة " و " البدائع "، وبه قال مالك وأحمد في " فتاوى المرغيناني "، غير الكرخي من أصحابنا بقوله أنه سنة. وفي " التحفة " و " المفيد " قال القدوري: هو سنة، وقول الشافعي لأنه يجب بترك بعض السنن والخلف لا يكون فوق الأصل، كذا في " المحيط ". م: (لأنها) ش: تعليل الوجوب، أي لأن سجود السهو م: (تجب لجبر نقص تمكن في العبادة، فتكون واجبة كالدماء في الحج) ش: عند وقوع الجناية. فإن قلت: جبر النقصان في الصلاة بالسجدة، وفي باب الحج بالدم فما وجه تشبيه ذلك بهذا. قلت: الأصل أن الجبر من جبر الكسر، وللمال مدخل في باب الحج فيجبر نقصانه بالدم ولا مدخل للمال في باب الصلاة، فجبر النقصان بالسجدة، ووجه التشبيه في كون كل منهما جبرا.
وإن كان واجبا لا يجب إلا بترك واجب أو تأخيره، أو تأخير ركن ساهيا ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وإذا كان) ش: أي سجدتا السهو: (واجبا لا يجب إلا بترك واجب) ش: نحو ما إذا ترك القعدة الأولى أو القراءة فيها وقام إلى الثالثة ساهيا، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق إيجابها بالسهو بقوله لكل سهو سجدتان، وإنما تضاف إلى الشروع في السهو إضافة لازمة، فلو أوجبنا ذلك في العمل لما لزمها الإضافة في السهو. وقال الشافعي: إن العمل إذا تعمد الخطأ فيما تجب فيه السجدة تجب سجدة السهو، لأنها تجبر النقصان، والنقصان يحصل فيها حالة العمد، كما يحصل حالة السهو، وفي " المجتبى " وفي العمد لا يجب السهو خلافا للشافعي إلا في مسألتين ذكرهما البديع، فلو ترك القعدة الأولى عمدا أو شك في بعض أفعال الصلاة فتفكر عمدا حتى شغله ذلك عن ركن يجب السجدة، فقلت له كيف يجب سجدة السهو بالعمد؟، قال: ذلك سجود العذر لا سجود السهو: (أو تأخيره) ش: أي تأخير واجب نحو ما إذا قام إلى الخامسة ساهيا، لأن إصابة لفظ السلام واجبة، أو بقي قاعدا على ظن أنه سلم ثم تبين أنه لم يسلم يجب عليه سجود السهو م: (أو تأخير ركن) ش: نحو ما إذا أتى بثلاث سجدات أو وعى في القعدة الأولى، لأن القيام ركن يتأخر بزيادة السجدة أو الدعاء م: (ساهيا) ش: نصب على الحال، وذو الحال محذوف تقديره يجب بترك المصلي الواجب حال كونه ساهيا، وكذلك مقدر في قوله أو تأخيره أو تأخير الركن فهذه ثلاث أشياء ذكرها المصنف. وفي " الذخيرة " وتكلم الشيخ في هذا وأكثرهم على أنه يجب بستة أشياء بترك الترتيب فيما شرع مكررا كالسجدة وتقديم الركن وتأخيره وتكراره وترك الواجب وتغييره. وفي " المحيط " و " التحفة " و " القنية " يجب بترك الواجب الأصلي. قال في " التحفة " هو الذي يجب بسبب التحريمة، أما لو ترك واجبا ليس بأصلي في الصلاة كما لو وجب عليه سجدة التلاوة فذكرها في آخر الصلاة لا يجب عليه السهو لتأخيرها، وكذا لو سلم ساهيا ولم يتذكرها لا يسجد للسهو بتأخيرها. وذكر الأسبيجابي أنه يسجد للسهو بتأخير سجدة التلاوة عن موضعها. ومثله في " المحيط ". وفي رواية " النوادر " لا يلزمه، وفي " الذخيرة " أما تقديم الركن قبل أن يركع وقبل أن يقرأ أو يسجد قبل أن يركع، وتأخير الركن أن يترك سجدة صلاتية سهوا فيذكرها في الركعة الثانية أو في آخر الصلاة أو تأخير القيام إلى الثالثة بالزيادة على التشهد. وتكرار الركن أن يركع ركوعين، أو يسجد ثلاث سجدات، وترك الواجب أن يترك القعدة الأولى في الفرائض. وفي " المرغيناني " في الفرائض أو التطوع وتغيير الواجب أن يجهر الإمام فيما يخافت أو يخافت فيما يجهر. وفي " التحفة " و " الذخيرة " في رواية الأصل سوى بين الجهر والمخافتة وفي " النوادر " أن
هذا هو الأصل، وإنما وجبت بالزيادة؛ لأنها لا تعرى عن تأخير ركن أو ترك واجب. قال: ويلزمه إذا ترك فعلا مسنونا كأنه أراد به فعلا واجبا إلا أنه أراد بتسميته سنة أي وجوبها ثبت بالسنة. قال: أو ترك قراءة الفاتحة. ـــــــــــــــــــــــــــــQيجهر فيما يخافت فعليه السهو قل أو كثر، وإن خافت فيما يجهر إن كان بفاتحة الكتاب أو أكثر فعليه السهو وإلا فلا، وفي غير الفاتحة إن خافت في ثلاث آيات قصار أو آية طويلة عند الكل أو قصيرة عنده فعليه السهو وإلا فلا، وعن ابن سماعة عن محمد إن جهر بأكثر من الفاتحة سجد ثم رجع إلى مقدار ما يجوز به الصلاة. وعن أبي يوسف إن جهر بحرف واحد فسجد والصحيح مقدار ما تجوز به الصلاة، والفاتحة وغيرها سواء، والمنفرد للسهو عليه ذكره في الأصل، وذكر الناطفي رواية مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المنفرد إذا جهر في المخافتة أن عليه السهو وفي ظاهر الرواية لا سهو عليه. وفي " المحيط " في رواية النوادر عليه السهو، وذكر الحلواني أن المنفرد لو كان عنده رجل يصلي وحده فعليه السهو. وفي " نوادر أبي سليمان " لو نسي حاله وظن أنه قام فجهر سجد للسهو. م: (هذا هو الأصل) ش: يعني أن الأصل في وجوب سجدة السهو ترك الواجب أو تأخير الواجب أو تأخير الركن سهوا، فإن وجد واحدا منها يتحقق سبب الوجوب فيجب سجود السهو م: (وإنما وجب بالزيادة) ش: هذا جواب ما يقال لا يجب بالزيادة أيضا ولا ترك هناك ولا تأخير، فأجاب عن ذلك بقوله، م: (لأنها) ش: أي لأن الزيادة م: (لا تعرى عن تأخير ركن) ش: كما في زيادة السجود م: (أو ترك واجب) ش: أي الزيادة لا تعرى عن تأخير واجب كما في تأخير القيام بأن قام إلى الخامسة ساهيا، لأنه حينئذ يلزم بترك الواجب وهو إصابة لفظ السلام. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويلزمه) ش: أي ويلزم الساهي سجود السهو م: (إذا ترك فعلا مسنونا) ش: معناه ظاهرا فعلا ثابتا بالسنة، ولكن فسره بقوله م: (كأنه) ش: أي كأن محمدا م: (أراد به) ش: أي بقوله فعلا مسنونا م: (فعلا واجبا، إلا أنه أراد بتسميته سنة) ش: أي تسمية الواجب سنة، م: (أي وجوبها ثبت بالسنة) ش: يعني ثبوت وجوبها بالسنة من إطلاق اسم السبب على المسبب، وإنما أنث الضمير مع أنه يرجع إلى الفعل على تأويل القعدة لأنها واجبة بالسنة أو على تأويل سنة الفعل، وقيل أراد بقوله مسنونا ما ذكره صاحب " المحيط " وبترك سنة مضافة إلى جميع الصلاة. م: (قال) ش: أي القدوري م: (أو ترك قراءة الفاتحة) ش: هذا البيان أنه كما يجب سجود السهو بترك الأفعال يجب لترك الفاتحة، وإن ترك أقلها فلا سهو عليه فكأنه قرأ كلها ذكره في " المحيط "، وإن قرأ الفاتحة مرتين في إحدى الأوليين فعليه السهو لتأخير الواجب، وهو السورة، ولو قرأ الفاتحة وسورة ثم أعاد الفاتحة فلا سهو عليه، وروى إبراهيم عن محمد إذا قرأ الفاتحة في الأوليين في ركعة مرتين فعليه السهو من غير فصل، وفي الأخيرتين لا سهو عليه، وفي " جمع
لأنها واجبة، أو القنوت، أو التشهد أو تكبيرات العيدين؛ لأنها واجبات، فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: واظب عليها من غير تركها مرة، وهي أمارة الوجوب؛ ولأنها تضاف إلى جميع ـــــــــــــــــــــــــــــQالتفاريق " كذلك في تكرار التشهد يعني إن كرره في القعدة الأولى فعليه السهو، وإن كرره في الثانية فلا سهو عليه، وفي " العيون " إذا تشهد مرتين فلا سهو عليه، ومثله في " المحيط ". ولو قرأ الفاتحة وآية قصيرة فعليه السهو، وإن أخر الفاتحة عن السورة فعليه السهو. وفي " الذخيرة " و " العيون ": لو قرأ آية في ركوعه أو سجوده أو القومة أو القعود فعليه سجدتا السهو ولو تشهد في ركوعه أو سجوده أو القومة فلا سهو عليه. وذكر الناطفي في " أجناسه " عن محمد لو تشهد في قيامه قبل قراءة الفاتحة لا سهو عليه، وبعدها يلزمه وهو الأصح، وفي " المحيط " و " العيون " لو تشهد في ركوعه أو سجوده يلزمه السهو. م: (أو القنوت) ش: أي ترك القنوت، ولو تذكره بعدما سجد عليه السهو، وكذا بعدما رفع رأسه من الركوع ويمضي ولا يقنت، ولو تذكر في الركوع ففي عوده إلى القنوت روايتان، ذكره في " المبسوط " وفي " الذخيرة "، وفي " الينابيع " وسجد للسهو فيهما أو التشهد أي ترك لو قعد قدر التشهد في الركعة الأخيرة، ولم يتشهد فعن أبي يوسف روايتان في سجود السهو، ولو ترك بعض التشهد يجب السهو، وفي " الفتاوى الظهيرية " قرأ التشهد قائما إن كان في الركعة الأولى لا يلزمه شيء، وإن كان في الثانية اختلف المشايخ فيه، والأصح أنه لا يجب م: (أو تكبيرات العيد) ش: أي أو ترك تكبيرات العيد. وفي " التحفة " والعيد لا يجب السهو بترك الأذكار. قال " الأسبيجابي " كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود لمجاريها إلا في أربعة وهي القراءة والقنوت والتشهد الأخير وتكبيرات العيدين. وفي " الأسبيجابي " إلا في خمسة وزاد تأخير السلام، وأطلق التشهد ولم يقيده بالآخر، ثم قال ويجب بتركه فيهما. وفي " التجريد و " مختصر البحر " لو ترك تكبيرة الركوع من صلاة العيد يجب السهو. قال " صاحب المحيط " والظاهر أنه أراد تكبيرة به الركوع الثاني، لأنه تبع لتكبيرات العيد، وفي " البدائع " لو زاد في تكبيرات العيدين يسجد، رواه الحسن عن أبي حنيفة. م: (لأنها) ش: أي لأن القنوت والتشهد وتكبيرات العيدين م: (واجبات فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على هذه الأشياء م: (من غير تركها مرة) ش: ومواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها معروفة، ولم ينقل الترك، وفي " المبسوط " ترك التشهد في القعدة الأولى أو قنوت الوتر أو تكبيرات العيدين الفائتة لا يسجد للسهو، لأن هذه الأركان سنة وبتركها لا يكون كثير من النقصان، كما إذا ترك الثناء والتعوذ، وفي الاستحسان يجب كما ذكره المصنف. م: (وهي) ش: أي مواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (أمارة الوجوب) ش: بفتح الهمزة، أي علامة للوجوب م: (ولأنها) ش: أي ولأن القنوت والتشهد وتكبيرات العيد م: (تضاف إلى جميع
الصلاة فدل على أنها من خصائصها وذلك بالوجوب، ثم ذكر التشهد يحتمل القعدة الأولى، والثانية، والقراءة فيها، وكل ذلك واجب. ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة فقال: قنوت الوتر وتشهد الصلاة وتكبيرات صلاة العيد فدل) ش: أي الإضافة م: (أنها) ش: أي أن هذه الأشياء م: (من خصائصها) ش: أي من خصائص الصلاة، لأن الإضافة دليل الاختصاص م: (وذلك) ش: أي الاختصاص إنما يكون م: (بالوجوب) ش: لأن اختصاص الشيء بالشيء يقتضي وجوده معه، والوجوب طريق للوجود، والخصائص جمع خصيصة تأنيث الخصيص بمعنى الخاص، كالشريك والنديم بمعنى المشارك والمنادم م: (ثم ذكر التشهد) ش: أي ذكر القدوري التشهد في " مختصره " بقوله أو ترك فاتحة الكتاب أو القنوت أو التشهد م: (يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما) ش: أي في الأولى والثانية وذلك لأن التشهد يطلق على الدعاء الذي فيه ذكر الشهادتين وتطلق على القعدتين م: (وكل ذلك واجب) ش: أي كل المذكور من القعدتين الأولى والثانية والقراءة فيهما واجب، وقد استشكل هاهنا من أربعة أوجه: الأول: أن القعدة الثانية فرض، وذكر أنها واجبة. والثاني: أن قراءة التشهد في القعدة الأولى عنده سنة، وذكر أنه واجب. والثالث: فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، إذ التشهد للقراءة فيهما حقيقة وللقعدة مجاز، إطلاقا لاسم الحال على المحل. الرابع: أنه لو كان القعدة مرادة لزم التكرار، لأنه ذكر قبله إذا ترك فعلا مسنونا أي واجبا بالسنة. فالجواب عن الأول: أنه أراد بقوله كل ذلك واجب غير القعدة الثانية، إذ التخصيص شائع، فإن ذكره سابقا أنها فرض دليل على أنها غير مرادة، وهو كقوله تعالى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] (النمل: الآية 23) ، مع نفي أنها لم تؤت كثيرا من الأشياء، فلهذا ذكره صاحب " الدراية " وفيه نظر، لأن ظاهره يناقض، ولأجل هذا حمله بعضهم على السهو من المصنف، وتشبيهه بقوله {وَأُوتِيَتْ} [النمل: 23] ليس بملائم، لأن التخصيص فيه بالحسن على أن قوما زعموا أن التخصيص لا يجري في الخبر كالنسخ. وأجاب الأترازي لأنه أراد وجوبها أنه إذا سهى عنها بأن قام إلى الخامسة ثم عاد إلى التشهد يلزمه سجود السهو لترك الواجب، لأنه كان يجب عليه أن لا يؤخر الركن وهو القعدة الأخيرة، فلما سهى عنها ترك الواجب. قلت: فيه نظر أيضا، لأنه لا يدل شيء على ما ذكره من ظاهر لفظ المصنف ولا قامت قرينة تدل على ذلك، والأوجه أن يقال نعم القعدة الأخيرة فرض، ولكنها فرض ذاتا، وقد أشار إليه فيما سبق وأوجبه محلا وموضعا، ألا ترى أنه إذا قام إلى الخامسة يعود إلى القعدة ما لم يقيدها بالسجدة ويسجد للسهو ولا يعيد صلاته، فعلم أن اتصالها بالركعة الأخيرة واجب، وقد أشار
وفيها سجدة السهو، وهو الصحيح ـــــــــــــــــــــــــــــQإليه هاهنا فلا يندفع الإشكال إلا بهذا، ويحمل كلامه على السهو والخطأ فحمل كلامه على هذا الذي قررناه أحسن من حمله على السهو، وفي " النهاية " والأوجه فيه أن يحمل كلامه على رواية الحسن عن أبي حنيفة بأنه يجوز الصلاة بدون القعدة الأخيرة، وذكره في " الأسرار ". قلت: هذا إنما يتمشى إذا كان المصنف ذهب إليه لظاهر المذهب خلاف ذلك، ويبعد عنه أن يكون هذا مذهبه. وقال الأكمل: وأجيب بأن المراد بتركها تأخيرها بالقيام إلى الخامسة، فإن في التأخير نوع ترك، وتأخير الركن يوجب السجدة. قلت: هذا جواب بعضهم نقله صاحب " النهاية "، ونقل عنه الأكمل ثم ينظر فيه بما حاصله أنه أراد حقيقة الترك في غيرها، ولو أريد به التأخير فيها لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا النظر أيضا لغيره، ومع هذا فلقائل أن يقول بجواز الجمع بينهما عند اختلاف المحل عند بعضهم فافهم. الجواب عن الثاني: أن قراءة التشهد في القعدة الأولى فيها اختلاف، هل هي سنة أم واجبة، فالمصنف وإن كان يراها سنة وإنما ذكر أنها هاهنا واجبة على قول من يذهب إلى الوجوب. وعن الثالث: أن المستحيل اجتماعها مرادين وهو مما يعارض للإرادة، إلا أن يقول القرء يحتمل الحيض والطهر وهو الجواب عن الرابع. م: (وفيها سجدة) ش: أي في ترك قراءة الفاتحة والقنوت والتشهد وتكبيرات العيدين م: (سجدة السهو وهو الصحيح) ش: أي وجوب سجدتي السهو في هذه الأشياء هو الصحيح، واحترز به عن جواب القياس في هذه الأشياء حيث لا يجب فيها شيء، كما لو ترك الثناء والتعوذ. وقال الأكمل: قوله وهو الصحيح احترازا عما قبل قراءة التشهد في القعدة الأولى سنة، وقال الأترازي: إنما قيد بالصحيح احترازا عما قال القاضي الإمام أبو جعفر الأستروشني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إن قراءة التشهد في القعدة الأولى سنة. وقال صاحب " الدراية ": هو الصحيح احترازا عن جواب القياس في التشهد، وكذا قال السغناقي ثم قال ولكن جواب الاستحسان أنه واجب. قلت: الكل متفقون على ما ليس بمراد المصنف، فالأوجه الاستدلال الذي ذكرته على ما لا يخفى على المصنف. وفي " المحيط " قال الكرخي والطحاوي وبعض المتأخرين: القعدة الأولى واجبة وقراءة
ولو جهر الإمام فيما يخافت، أو خافت فيما يجهر تلزمه سجدتا السهو؛ لأن الجهر في موضعه، والمخافتة في موضعها من الواجبات. واختلفت الرواية في المقدار، والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين، لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه. وعن الكثير ممكن، وما تصح به الصلاة كثير غير أن ذلك عنده. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتشهد فيها سنة عند بعض المشايخ وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة وهو الأصح، وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتفاق. وقال السغناقي: وفيه احتراز أيضا عن إحدى الروايتين عن أبي يوسف في ترك قراءة التشهد في القعدة الثانية أنه لا يجب السهو في رواية عنه، وكذا في " جامع قاضي خان ". م: (ولو جهر الإمام فيما يخافت) ش: يخافت على صيغة المجهول نحو صلاة الظهر والعصر م: (أو خافت فيما يجهر) ش: يجهر أيضا على صيغة المجهول، نحو صلاة المغرب والعشاء والصبح م: (يلزمه سجدتا السهو) ش: أي يلزمه سجود السهو م: (لأن الجهر في موضعه، والمخافتة في موضعها من الواجبات) ش: لمواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهما فبتركهما يلزم السهو. وقال الشافعي: لا يجب السهو بترك الجهر والمخافتة لأنه لم يترك المقصود في المحل، وإنما ترك صفته، وقال مالك وأحمد: إن جهر في موضع الإسرار يسجد للسهو بعد السلام، وإن أسر في موضع الجهر سجد قبل السلام، وعن أحمد إن سجد فحسن، وإن ترك فلا بأس. م: (واختلفت الرواية في المقدار) ش: وفي بعض النسخ، واختلفت بالواو وهذه أحسن، أي اختلفت الرواية عن أصحابنا في مقدار ما يتعلق به السهو من الجهر فيما يخفى، والإخفاء فيما يجهر، فذكر الحاكم الخليل عن ابن سماعة عن محمد أنه قال: إذا جهر بأكثر الفاتحة يسجد ثم رجع فقال إذا جهر مقدار ما يجوز به الصلاة تجب وإلا فلا. وروى أبو سليمان عن محمد إن جهر بأكثر الفاتحة سجد، وإن جهر بغير الفاتحة بآية طويلة، وقد مر الكلام فيه مستقصى عن قريب. م: (والأصح قدر ما يصح به الصلاة) ش: أي الأصح في المقدار الجهر الذي يجب به السهو القراءة قدر ما تصح به الصلاة وهو ثلاث آيات أو آية طويلة بالاتفاق أو آية قصيرة على مذهب أبي حنيفة، واحترز بقوله والأصح عما ذكره شمس الأئمة السرخسي أنه يجب سجدتا السهو، وإن كان ذلك كلمة م) في الفصلين) ش: أرد بهما جهر الإمام فيما يخفى والإخفاء فيما يجهر م: (لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه، وعن الكثير يمكن) ش: أراد بالإمكان وعدمه من حيث العادة م: (وما تصح به الصلاة كثير) ش: أي الذي تصح به الصلاة من القراءة يعد كثيرا، وما لا يصلح به الصلاة يعد يسيرا م: (غير أن ذلك) ش: أي الكثرة الذي تصح به الصلاة م: (عنده) ش:
آية واحدة، وعندهما: ثلاث آيات وهذا في حق الإمام دون المنفرد؛ لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة. ـــــــــــــــــــــــــــــQأي عند أبي حنيفة م: (آية واحدة، وعندهما ثلاث آيات) ش: على ما عرف في موضعه. فإن قلت: روى البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له عن أبي قتادة قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يصلي بنا يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، يسمعنا الآية أحيانا» ... الحديث. فدل على أن الإخفاء لم يكن واجبا كما ذهب إليه الشافعي. قلت: هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية، وإن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل سبق اللسان للاستغراق في التدبر. م: (وهذا) ش: أي وجوب السجدة في الفصلين م: (في الإمام) ش: أي في حق الإمام م: (دون المنفرد، لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة) ش: أي وجوبهما من خصائص الجماعة. فإن قلت: هذا الجواب في حق المنفرد في حق الصلاة التي يجهر فيها صحيح، لأنه لا يجب الجهر على المنفرد، بل من مخير بين الجهر والمخافتة في حق الصلاة يخافت فيها ينبغي أن يجب سجدة السهو بالجهر فيها، لأن المخافتة على المنفرد واجبة فيها كالإمام. قلت: هذا الذي ذكره جواب ظاهر الرواية. وأما جواب رواية " النوادر " فإنه يجب عليه سجدة السهو، وكذا ذكر الناطفي في " واقعاته " رواية أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المنفرد، وإذا جهر فيما يخافت أن عليه السهو. وفي " نوادر الظهيرية " روى أبو سليمان أن المنفرد إذا ظن أنه إمام فجهر كما يجهر الإمام يلزمه سجود السهو وفي " المجتبى " سها الإمام فخافت بالفاتحة، ثم ذكر فجهر بالسورة لا يعيد الفاتحة، وقال شرف الدين العقيلي: لا خلاف أنه إذا جهر بأكثر الفاتحة، ثم ذكرها يتمها مخافتة ولو خافت بأكثر الفاتحة فيما يجهر، قيل يتمها ولا يعيد الفاتحة، وقال شمس الأئمة: وقياس مسائل " الجامع الصغير " أن يؤمر بالإعادة جهرا، وفي ترك الأولى في القراءة سهوا اختلاف بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد سهى عن قراءة البسملة في أول ركعة، فعن أبي يوسف يلزمه السهو، وفي " المنتقى " و " غريب الرواية " لو أم في النفل يجهر، فإن خافت فعليه السهو. وفي " المحيط " زاد في التشهد الأول حرفا يجب السهو عندنا. وقال أبو شجاع: إنما يجب إذا قال اللهم صل على محمد، وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يجب إذا قال معه، وعلى آل محمد، وقال المرغيناني: المعتبر قدر ما يؤدي فيه ركنا، وعن أبي يوسف ومحمد لا سهو عليه.
قال: وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود لتقرر السبب الموجب في حق الأصل، ولهذا يلزمه حكم الإقامة بنية الإمام، فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم؛ لأنه يصير مخالفا لإمامه. ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال الشافعي لو ترك الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول سجد للسهو. م: (وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود) ش: السجود منصوب لأنه مفعول يوجب م: (لتقرر السبب الموجب في حق الأصل) ش: أراد بالسببية السهو، وبالأصل الإمام، فلما وجب عليه وجب على من خلفه، لأن النقصان المتمكن في صلاته متمكن في صلاة القوم، لأن صلاتهم متعلقة بصلاته صحة وفسادا، فوجب عليهم السجود م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تقرر السبب الموجب في حق الأصل م: (يلزمه) ش: أي يلزم المؤتم م: (حكم الإقامة بنية الإمام) ش: يعني إذا نوى الإمام في وسط صلاته الإقامة يصير فرضهم أربعا، وإن لم يوجد من القوم النية. م: (فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم) ش: يعني لا يجب عليه أن يسجد م: (لأنه) ش: أي لأن المؤتم م: (يصير مخالفا لإمامه) ش: إذا سجد بدون أن يسجد الإمام، وبه قال المزني والبويطي من أصحاب الشافعي وأحمد في رواية، وعند الشافعي، ومالك وأحمد في رواية يسجد المأموم، ومذهبنا قول عطاء والحسن والنخعي والثوري والقاسم وحماد بن أبي سليمان. وفي حديث ابن عمر «فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو» ذكر هذا الحديث ابن تيمية في " شرحه "، وكلمة على للوجوب. فإن قلت: هاهنا إشكالان: الأول: يشكل على هذه المسائل التسع التي ذكرت في " الخلاصة " و " الخزانة " أنها إذا لم يفعلها الإمام يفعلها القوم، وهي إذا لم يرفع الإمام يديه عند تكبيرة الافتتاح يرفع القوم. وإذا لم يبن فالمقتدي يبني، وإذا ترك تكبيرة الركوع وتسبيحته وتسميته وتكبيرة الانحطاط وقراءة التشهد والتسليم، يأتي بذلك كله المقتدي والتاسع تكبيرة التشريق. قلت: هذه الأحكام لا تثبت في ضمن شيء باشره الإمام بل يثبت ابتداء على كل واحد من الإمام والمقتدي، ولا تجزئ فيه النيابة، بخلاف سجدة السهو، فإنها إنما تثبت في ضمن ما باشره الإمام، فلما لم يأت به لم يجب على غيره الإشكال. الثاني: يرد على قوله لأنه يصير مخالفا وهو ما إذا قام المسبوق لقضاء ما سبق بعد فراغ الإمام والمقيم المقتدي بالمسافر يتم ركعتين بعد فراغ الإمام. قلت: المخالفة بعد فراغ لا تعد مخالفة، وليس في المسألتين تعلق بصلاة الإمام فلا تكون مخالفة لا صورة ولا معنى. وفي " مبسوط أبي اليسر ": ويسجد المسبوق مع الإمام للسهو سواء أدركه في القعدة أو في
وما التزم الأداء إلا متابعا، فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود؛ لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه، ولو تابعه الإمام ينقلب الأصل تبعا، ومن سها عن القعدة الأولى، ثم تذكر وهو إلى حالة القعود أقرب ـــــــــــــــــــــــــــــQوسط الصلاة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فلا تختلفوا عليه» ولو لم يسجد معه وقام إلى قضاء ما سبق ثم سلم الإمام لا يلزمه سجدتا السهو بالقياس لأنه خرج عن صلاة الإمام، وفي " الاستحسان " يلزمه لأن هذه الصلاة كلها واحدة من حيث التحريمة يجب الإتيان بالكل. وقال الشافعي: لو سها الإمام فيما أدركه بعد فسجد مع الإمام إذا سجد قبل السلام. وعن ابن سيرين أنه لا يتابعه، وإن سجد الإمام بعد السلام لم يتابعه فيه وعندنا يتابعه، ولو سجد مع الإمام قبل السلام وقضى ما عليه يعيد سجود السهو في آخر صلاته في قوله الجديد، وفي القديم لا يعيد، ولو سها الإمام فيما لم يدركه المسبوق يلزمه حكم سهو إمامه، وقيل لا يلزمه، ولو قام المسبوق في قضاء ما سبق ولم يسجد آتيا للسهو فعليه أن يسجد ثلاثا. م: (وما التزم الأداء إلا متابعا) ش: وما التزم المقتدي أداء الصلاة إلا حال كونه متابعا لإمامه، فلما لم يسجد إمامه لم يسجد هو أيضا تحقيقا للمتابعة. م: (فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود) ش: السجود مرفوع لأنه فاعل لقوله لم يلزم م: (لأنه) ش: أي لأن المؤتم م: (لو سجد وحده) ش: أي بدون الإمام م: (كان مخالفا لإمامه) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ولا تختلفوا على المتكلم "، ولأنه لم يجز أن ينفرد بسهو نفسه فكذلك لم يجز أن ينفرد بسهو إمامه م: (لو تابعه الإمام) ش: أي لو تابع المقتدي إمامه في سجود السهو الذي سهاه المتقدي م: (ينقلب الأصل) ش: وهو الإمام م: (تبعا) ش: فلا يجوز لأنه متبوع، وهذا قلب الموضوع. فإن قلت: سجود السهو يؤتى به في آخر الصلاة بعد السلام، فلم لا يصير إلى أن يسلم الإمام فيخرج عن متابعته ثم يسجد. قلت: لا يمكن ذلك، لأن السنة أن يسلم الإمام والمأموم عقبه، فإذا سجد يقع سجوده بعد خروجه من الصلاة، لأنه يخرج بسلام الإمام. م: (ومن سها عن القعدة الأولى) ش: أي في الفرائض الثلاثية والرباعية م: (ثم تذكر) ش: أي القعدة الأولى التي تركها م: (وهو إلى حالة القعود أقرب) ش: أي والحال أنه أقرب إلى القعود من القيام، وفي " الكافي " يعتبر ذلك بالنصف الأسفل، فإذا كان النصف الأسفل مستويا كان إلى القيام أقرب وإلا لا، وفي " الجنازية " وعلامة القرب بأن لم يرفع ركبتيه من الأرض. وفي " المحيط ": ولو رفع أليتيه من الأرض وركبتاه عليها بعد ولم يرفعهما قعد ولا سهو عليه، وفي " البدائع " إذا كان إلى القيام أقرب فلوجود القيام وهو انتصاب النصف الأعلى.
عاد وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه، ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير، والأصح أنه لا يسجد كما إذا لم يقم ولو كان إلى القيام أقرب لم يعد؛ لأنه كالقائم معنى ويسجد للسهو؛ لأنه ترك الواجب، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالنصف الأسفل جميعا وما بقي من الانحناء غير معتبر م: (عاد) ش: إلى القعود م: (وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه) ش: كفناء المصر له حق المصر في صلاة العيد والجمعة. وحريم البئر له حكم البئر، وما يقرب إلى العامر له حكم العامر في المنع من الإحياء. م: (ثم قيل: يسجد للسهو) ش: أشار بهذا أن المشايخ اختلفوا في الصورة المذكورة، هل يلزمه سجود السهو، أم لا؟ فقال الولوالجي وأبو نصر السرخسي وغيرهما والشافعي وأحمد يسجد وهو معنى قوله ثم قيل يسجد للسهو م: (للتأخير) ش: أي لتأخير القعدة التي هي واجبة لأنه بهذا المقدار من القيام صار مؤخرا واجبا عن وقته م: (والأصح أنه لا يسجد) ش: وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل وبعض أصحاب الشافعي م: (كما إذا لم يقم) ش: يعني لو لم يقم ما كان يلزمه السهو، فكذا هاهنا، لأن كأنه لم يقم، لا إنه إذا كان إلى القعود أقرب كان له حكم القاعد فينتفي عنه إطلاق القيام عليه. م: (ولو كان إلى القيام أقرب) ش: بأن رفع ركبتيه من الأرض م: (لم يعد إليه) ش: أي إلى القعود م: (لأنه كالقائم) ش: يعني ولو كان حقيقة القيام لما عاد إلى القعدة بالاتفاق، فكذا هاهنا لأنه أخذ حكمه بقربه منه، ثم إنما لا يعود عنه في حقيقة القيام كما أن القيام فرض والقعدة الأولى واجبة، فلا يترك الفرض لأجل الواجب م: (ويسجد للسهو لأنه ترك الواجب) ش: هذا خلاف بيننا وبين الشافعي، وأما عندنا فلأنه ترك للواجب وهو القعدة الأولى، وأما عند الشافعي فلأن عنده لا يتعلق السهو بترك السنة سوى التشهد الأول والقنوت والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول. فإن قلت: يشكل على هذا ما لو قرأ آية السجدة في القيام، إن كان يترك القيام قصدا وهو فرض لأجل سجدة التلاوة وهي واجبة. قلت: قال شيخ الإسلام: القياس هاهنا أن لا يترك القيام إلا أنه يجوز ذلك بالأثر، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يسجدون ويتركون القيام لأجلها فترك القياس به. وفي " المجتبى " قال الحسن: لو عاد بعد الانتصاب قيل يتشهد لنقضه القيام، والصحيح، أنه لا يتشهد ويقوم وينتقض قيامه بقعوده لم يؤمر به كمن قرأ الفاتحة والسورة، وركع لا ينتقض الركوع بسورة أخرى ينتقض ركوعه، ولو سها عن بعض التشهد فعليه السهو عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولو ذكر في ركوع الثالثة أنه لم يسجد في الثانية يعود فيسجد ويتشهد ثم يصلي الثالثة
وإن سها عن القعدة الأخيرة حتى قام إلى الخامسة، رجع إلى القعدة ما لم يسجد؛ لأن فيه إصلاح صلاته وأمكنه ذلك؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. قال: وألغى الخامسة لأنه رجع إلى شيء محله قبله فيرتفض، وسجد للسهو لأنه أخر واجبا، وإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة؛ لأن ما دون الركعة، ـــــــــــــــــــــــــــــQبركوعها ولو ذكر بعد السجود يقضي السجدة ويتشهد ولا يعيد الركوع. وفي " شرح الوجيز " إن عاد عمدا وهو عالم بأنه لا يجوز العود بطلت صلاته، وإن عاد ناسيا لم تبطل وعليه أن يقوم إذا تذكر، وإن عاد جاهلا ففي عدم الجواز وجهان ذكره في " التهذيب ". أحدهما أنه لا يعيد وتبطل صلاته لتقصيره بترك التعليم، وأصحهما أنه لا يعيد ولا تبطل صلاته كالناسي. م: (وإن سها عن القعدة الأخيرة) ش: في ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء فقام إلى الخامسة، أو في ذوات الثلاث كالمغرب والوتر فقام إلى الرابعة أو في ذوات الاثنين كالفجر فقام إلى الثالثة. م: (حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد، لأن فيه) ش: أي لأن في رجوعه إلى القعدة م: (إصلاح صلاته وأمكنه ذلك) ش: أي إصلاح صلاته. م: (لأن ما دون الركعة بمحل الرفض) ش: لأنه ليس من تمام الصلاة، ولهذا لا يحنث به في يمينه لا يصلي. م: (قال) ش: أي القدوري م: (وألغى الخامسة) ش: أي الركعة الخامسة التي قام إليها م: (لأنه رجع إلى شيء محله قبله) ش: أي رجع إلى القعود الذي محله قبل القيام إلى الخامسة م: (فيرتفض) ش: أي قيامه إلى الخامسة ليكون إتيانه القعود في محله م: (ويسجد للسهو لأنه أخر واجبا) ش: لأن الواجب عليه أن يأتي بالقعدة الأخيرة قبل القيام إلى الخامسة. وفي " الكافي ": أراد بالواجب الواجب القطعي وهو الفرض وهو القعدة الأخيرة، لأن بتأخيره الفرض يجب السهو م: (وإن قيد الخامسة) ش: أي الركعة الخامسة التي قام إليها م: (بسجدة) ش: أي بأن سجد للخامسة م: (بطل فرضه عندنا) ش: لأن الركعة الواحدة بسجدة صلاة حقيقة وحكما حتى يحنث في يمينه لا يصلي م: (خلافا للشافعي) ش: ومالك وأحمد، فعندهم لا يبطل فرضه ويرجع ويقعد ويتشهد ويسلم لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر خمسا فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمسا. فسجد سجدتين بعدها» م: (لأنه) ش: دليلنا العقلي أي لأن الشأن م: (استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة) ش: والشروع في النافلة قبل إكمال الفرض يفسد له، كما لو صلى ركعتين بخلاف ما إذا لم يقيد الخامسة بسجدة م: (لأن ما دون الركعة) ش: ليس لها حكم الصلاة بدليل مسألة اليمين، وتأويل الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قعد على الرابعة بدليل أنه قال: " صلى الظهر خمسا " والظهر اسم لجميع الأركان، ومنها
ومن ضرورته خروجه عن الفرض، وهذا لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة، حتى يحنث بها في يمينه لا يصلي، وتحولت صلاته نفلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما مر فيضم إليها ركعة سادسة، ولو لم يضم لا شيء عليه؛ لأنه مظنون، ـــــــــــــــــــــــــــــQالقعدة، وإنما قام إلى الخامسة على ظن أن هذه القعدة الأولى حملا لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما هو أقرب إلى الصواب م: (ومن ضرورته) ش: أي ومن ضرورة الشرع م: (خروجه عن الفرض) ش: لأن بينهما منافاة. م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من الركعة بلا سجدة لا تبطل صلاته، وإن كانت سجدة تبطل م: (لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة) ش: لأن الصلاة عبارة عن القراءة والقيام والركوع والسجود، وقد وجدت حكما م: (حتى يحنث بها في يمينه لا يصلي) ش: نتيجة ما قبله وقد مر الكلام فيه عن قريب م: (وتحولت صلاته نفلا) ش: أي الذي لم يقعد في الرابعة قدر التشهد، وقيد الخامسة بالسجدة تحولت، أي صارت تلك الصلاة التي صلاها نفلا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب قضاء الفوائت أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيضم إليها ركعة سادسة) ش: يعني عندهما، لأن النفل شرع شفعا لا وترا للنهي عن النبي، وهل يجب عليه سجدة السهو لم يذكره، واختلفوا فيه، والأصح أنه لا يسجد، لأن النقصان بالفساد لا يجبر بالسجدة. م: (ولو لم يضم لا شيء عليه) ش: يعني لا قضاء عليه م: (لأنه مظنون) ش: أي لأن الذي شرع فيه مظنون، والمظنون غير مضمون، لأنه قام على ظن أنها ثالثة، وهذا عند علمائنا الثلاثة، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن اقتدى به إنسان في الخامسة أو السادسة ثم أفسدها يلزمه قضاء ست ركعات في قول أبي يوسف لبقاء التحريمة ذكره في " قاضي خان ". وفي " المحيط " إن اقتدى به إنسان في الخامسة ثم أفسدها بأن عاد الإمام إلى القعدة يقضي أربعا، وإن قضى يقضي ستا عندهما. وعند محمد لا يتصور القضاء لبطلان أصل الصلاة، قالوا: أخبر أبو يوسف بجواب محمد، فقال: زه صلاة فسدت يصلحها، الحديث، وهذا معنى ما يسأله العامة إنه صلاة يصلحها، الحديث، ففسد هذه الصلاة على قول محمد، وإنما قال أبو يوسف هذا لغيظ لحقه من محمد وهو أنه روي أن محمدا أمر بمسجد خراب قد راعت فيه الدواب وبالت فيه الكلاب فقال: هذا مسجد أبي يوسف، لأن مثل هذا يبقى مسجدا، إلى أن تقوم الساعة عنده، وعند محمد يعود إلى ملك الواقف أو إلى ورثته بعد وفاته. قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زه، كلمة استعجاب عند أهل العراق، وإنما قالها أبو يوسف تهكما، وقيل الصواب: زه بالضم، والزاي ليست بخالصة كذا قال صاحب " المغرب "، وفي
ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه سجود كامل، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفعه؛ لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع، ولم يصح مع الحدث، وثمرة الاختلاف فيما إذا سبقه الحدث في السجود بنى عند محمد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو قعد في الرابعة، ثم قام ولم يسلم عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم؛ لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع، وأمكنه الإقامة. ـــــــــــــــــــــــــــــQ" الفوائد الظهيرية ": زه بزاي مكسورة منقوطة من فوقها. قلت: الصواب الكسر تقولها العجم عند إعجابهم بشيء فافهم. م: (ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند أبي يوسف) ش: هذا بيان خلاف آخر بين أبي يوسف ومحمد، والأصل فيه أن الانتقال من الفرض إلى النفل لا يتحقق ما لم يسجد في الخامسة، ثم هذا الانتقال هل يحصل بمجرد وضع الجبهة أم لا؟، فعند أبي يوسف يحصل، لأن وجود السجدة بوضع الجبهة على الأرض لا بالرفع م: (لأنه) ش: أي لأن وضع الجبهة على الأرض م: (سجود كامل) ش: لكون السجود حقيقة في وضع الجبهة م: (وعند محمد يرفعه) ش: أي يرفع المصلي جبهته عن الأرض م: (لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع) ش: أي آخر السجود رفع الجبهة م: (ولم يصح مع الحدث) ش: أي لم يصح السجود مع الحدث بالاتفاق، إنما ذكر هذا لأن محمدا لما قال تمام الشيء بآخره وهو الفرع، قال لا خلاف بيننا أن الرفع لم يصح مع الحدث فلم يتم السجود. ثم أشار المصنف إلى ثمرة هذا الخلاف بقوله م: (وثمرة الاختلاف فيما إذا سبقه الحدث في السجود) ش: يعني إذا سبقه الحدث في هذا السجود، فذهب ليتوضأ ثم تذكر أنه لم يقعد في الرابعة يتوضأ ويعود إلى القعدة ويبني على صلاته م: (وعند محمد) ش: يعني يتمها بالتشهد والسلام م: (خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا يبني، لأن صلاته فسدت بوضع الجبهة، ولا بناء على الفاسد، قال فخر الإسلام: المختار للفتوى قول محمد لأنه أوفق وأقيس، لأن السجود لو تم قبل الرفع وجعل دوامه لتكراره لم ينقضه الحدث، يعني بالاتفاق أن الحدث ينقض كل ركن وجد هو فيه، حتى لو قضى وبنى على صلاته وجب عليه إعادة ذلك الركن الذي وجد فيه الحدث، ولو تم السجود بوضع الجبهة لما احتاج إلى إعادته كما لو وجد الحدث بعد الرفع. م: (ولو قعد في الرابعة ثم قام ولم يسلم) ش: أي ولو قعد المصلي في آخر الركعة الرابعة ثم قام إلى الخامسة والحال أنه لم يسلم على ظن أنها القعدة الأولى م: (عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم) ش: يعني ما لم يقيد الركعة الخامسة بالسجدة، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام إلى الخامسة فسبح به فعاد وسلم وسجد سجدتي السهو م: (لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع، وأمكنه الإقامة) ش: أي
على وجهه بالقعود؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. وإن قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر ضم إليها ركعة أخرى، وتم فرضه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQأمكنه إقامة السلام م: (على وجهه) ش: أي على الوجه المسنون م: (بالقعود) ش: يعني بالعود إلى القعود م: (لأن ما دون الركعة محل الرفض) ش: كما لو أقام المؤذن وهو في الركعة الأولى، ولا يقيدها بالسجدة فإنه يرفضها. فإن قلت: إذا سلم قائما ماذا حكمه؟. قلت: لا تفسد صلاته، كذا في " الخلاصة " وغيرها، ثم في هذه المسألة إذا عاد لا يعيد التشهد، وكذا لو قام عامدا. وقال الناطفي: يعيد، ثم قيل: القوم يتبعونه، فإن عاد عادوا معه، وإن مضى في النافلة اتبعوه لأن صلاتهم تمت بالقعدة، والصحيح ما ذكره البلخي عن علمائنا أنهم لا يتبعونه، لأنه لا اتباع في البدعة، لكن ينتظرونه قعودا، فإن عاد قبل تقيد الخامسة بالسجدة اتبعوه بالسلام، فإن قيد سلموا في الحال، كذا في " المحيط " و " التمرتاشي ". م: (وإن قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر) ش: أنه زاد ركعة خامسة، وأنه ترك السلام م: (ضم إليها) ش: أي إلى الخامسة م: (ركعة أخرى) ش: لفظ ضم وفي " المبسوط " ما يدل على الوجوب، فإنه قال: وعليه أن يضيف، وكلمة على للإيجاب. وعند الشافعي: لا يضم لأن الركعة الواحدة مشروعة عنده م: (وتم فرضه) ش: لكن في الظهر والعصر والعشاء يضيف إليها السادسة لتكون الأربع الأول فرضا، والآخران نفلا، وعند الشافعي: يعود إلى القعدة ولا يضيف السادسة فإن أضافها فسدت صلاته لأنه انتقل إلى صلاة أخرى وعليه ركن، لأن إضافة لفظ السلام ركن عنده، وعندنا لا تفسد ظهره، لأنه انتقل إلى صلاة أخرى وليس عليه ركن لأن إصابة لفظ السلام ليس بركن عندنا، وإضافة السادسة للاحتراز عن البتيراء المنهية. فإن قلت: النهي يدل على المشروعية عندكم كما عرف في الأصول. قلت: يذكر النهي ويراد به المنفي كالفسخ يراد به النسخ يدل عليه قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما أخرت ركعة قط ولا يضيف السادسة في العصر، لأن التنفل بعد العصر مكروه، وعن هشام عن محمد أنه لا بأس به لأن التنفل بعد العصر إنما يكره إذا قصده أما إذا وقع فيه لا يقصده فلا يكره، لأنه لا يخصان إلا عن اختيار، كذا ذكر الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ". قال الصدر الشهيد: الفتوى على قول محمد. وقال قتادة والأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا تضيف إليها ركعة أخرى فتكون الركعتان له نافلة قال: وإن لم يضم إليها ركعة أخرى فلا شيء عليه لأنه مظنون.
لأن الباقي إصابة لفظ السلام وهي واجبة. وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان نفلا؛ لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن البتيراء، ثم لا تنوبان عن سنة الظهر وهو الصحيح؛ لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة، ويسجد للسهو استحسانا ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن الباقي) ش: من صلاته م: (إصابة لفظ السلام وهي) ش: أي إصابة لفظ السلام م: (واجبة) ش: وترك الواجب لا يفسد الصلاة، ولكن يوجب سجدتي السهو م: (وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان) ش: الزائدتان على الأربع نفلا م: (لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البتيراء) ش: قد مر الكلام في حديث البتيراء في باب الوتر. م: (ثم لا تنوبان) ش: أي هاتان الركعتان الزائدتان لا ينوبان، يعني لا تقومان ولا يجزئان م: (عن سنة الظهر) ش: وهي الركعتان المسنونتان بعده م: (وهو الصحيح) ش: يعني عدم إنابة هاتين الركعتين عن سنة الظهر هو الصحيح، واحترز بقوله عن قول بعض المشايخ أنهما ينوبان عن سنة الظهر وهي رواية ابن سماعة عن محمد. وقيل: هو قول أبي يوسف ومحمد لأنه أتى بالركعتين في موضع السنة فيقومان عنها، كما قال شمس الأئمة الحلواني فيمن صلى آخر الليل ركعتين بنية التطوع على ظن أن الفجر لم يطلع فظهر أنه كان قد طلع عند افتتاحها لفظ هذا الجواب أنهما يجزئانه عن ركعتي الفجر، كذلك هنا، وإلى عدم جواز الإنابة ذهب فخر الإسلام البزدوي وأبو عبد الله الخير وشمس الأئمة وقاضي خان وجماعة من مشايخ بخارى، وقيل: هو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة) ش: أي لأن مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سنة الظهر كانت بتحريمة مبتدأة أي مستقلة لا مبنية على غيرها، لأن السنة عبارة عن طريقة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو كان يتطوع بتحريمة مبتدأة قصدا، ولأن المشروع صلاة كاملة على صفة السنة فلا يتأدى بما هو مظنون ناقصا غير مضمون. م: (ويسجد للسهو استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان، والقياس يقتضي أن لا يسجد للسهو، لأن السهو وإن تمكن في الفريضة فقد أدى بعدها صلاة أخرى ولزم من صحة الشروع فيها الانقطاع عن الفريضة، ومن سهى في صلاته لا يسجد في صلاة أخرى. وجه الاستحسان وإن انتقل من الفرض إلى التنفل بناء على التحريمة فيجعل في حق وجوب السهو، فإنهما صلاة واحدة، وهذا كمن صلى ست ركعات تطوعا بتسليمة واحدة وسهى في الشفع الأول يسجد للسهو في آخر الصلاة، وإن كان كل شفع صلاة على حدة لكن كلها في حق التحريمة صلاة واحدة.
لتمكن النقصان في الفرض بالخروج لا على الوجه المسنون، وفي النفل بالدخول لا على الوجه المسنون، ولو قطعها لم يلزمه القضاء؛ لأنه مظنون، ولو اقتدى به إنسان فيهما يصلي ستا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه المؤدى بهذه التحريمة، وعندهما ركعتين لأنه استحكم خروجه عن الفرض، ولو أفسده المقتدي فلا قضاء عليه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالإمام، ـــــــــــــــــــــــــــــQثم اختلف في هذه السجدة هل هي لنقص في النفل أو لنقص في الفرض؟، فقال أبو يوسف لنقص في النفل، وقال محمد لنقص في الفرض، وأشار المصنف إلى قوليهما من غير تصريح باسمهما بقوله م: (لتمكن النقصان في الفرض) ش: أشار هنا إلى قول محمد أراد أن النقصان تمكن في الفرض م: (بالخروج) ش: عنه م: (لا على الوجه المسنون) ش: هو خروجه بإصابة لفظ السلام بعد أربع ركعات، وقد ترك ذلك فيكون نقصانا في الفرض. وقوله: م: (وفي النفل) ش: وهو الركعتان إشارة إلى قول أبي يوسف وهو تمكن النقصان في النفل م: (بالدخول) ش: أي بدخوله م: (لا على الوجه المسنون) ش: وهو كونه بلا تحريمة مبتدأة، وإنما قدم قول محمد على قول أبي يوسف لأنه هو المختار والمعتمد للفتوى، وذكره فخر الإسلام في " الجامع الصغير ". م: (ولو قطعها) ش: أي ولو قطع الخامسة بأن لم يضف إليها سادسة م: (لا يلزمه القضاء) ش: عندنا خلافا لزفر م: (لأنه مظنون) ش: والمشروع من الصلاة أو الصوم على وجه الظن غير ملزم عندنا خلافا له م: (ولو اقتدى به) ش: أي بالمصلي المذكور م: (إنسان فيهما) ش: أي الركعتين المضمومتين م: (يصلي ستا) ش: أي ست ركعات م: (عند محمد لأنه هو المؤدى) ش: بفتح الدال م: (بهذه التحريمة) . م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (ركعتين) ش: أي يصلي ركعتين م: (لأنه استحكم خروجه من الفرض) ش: فلا يلزمه غير هذا الشفع، وذكر صاحب " خلاصة الفتاوى " الخلاف بين محمد وصاحبه كما ذكر صاحب " الهداية " ولكن المذكور في " شرح الجامع الصغير " للصدر الشهيد و " شرح الطحاوي " و " المنظومة " و " شروحها " أنه يصلي ستا عند محمد وركعتين عند أبي يوسف، ولم يذكر قول أبي حنيفة وهو الصحيح، لأنه ذكر الناطفي في " الأجناس " قول أبي يوسف عن النوادر المعلي وعن قول محمد عن نوادر ابن سماعة، ولم يذكر قول أبي حنيفة في كتب المتقدمين. م: (ولو أفسده المقتدي) ش: أي لو أفسده المقتدي أي الواحد المقتدي ما شرع فيه م: (فلا قضاء عليه عند محمد اعتبارا بالإمام) ش: يعني اعتبر محمدا اعتبار الحال الإمام، فإن هذه الصلاة المظنونة غير مضمونة في حق الإمام، فلو صارت في حق المقتدي مضمونة لصار بمنزلة اقتداء المفترض بالمنتفل وهو باطل.
وعند أبي يوسف يقضي ركعتين؛ لأن السقوط بعارض يخص الإمام. وقال: ومن صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو، ثم أراد أن يصلي أخريين لم يبن لأن السجود يبطل لوقوعه في وسط الصلاة بخلاف المسافر إذا سجد للسهو، ثم نوى الإقامة حيث يبني؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وعند أبي يوسف يقضي ركعتين لأن السقوط) ش: أي سقوط وصف الضمان م: (بعارض) ش: أي بسبب عارض م: (يخص الإمام) ش: وهو شروعه ساهيا على عزم أداء الواجب، ولم يوجد هذا العارض في حق المقتدي فيلزمه القضاء دون الإمام، لكن يقضي ركعتين لانقطاع إحرام الفرض عند أبي يوسف، والأصل فيه ما ذكر فخر الإسلام ناقلا عن " النوادر " أنه إذا شرع في صلاة مظنونة هل تكون هي مضمونة هل تكون هي مضمونة في حق المقتدي أم لا. قال أبو يوسف هي مضمونة وقال محمد: غير مضمونة، وأما نقص الصلاة فهي مضمونة في الأصل لأن ابتداء النفل بلا ضمان غير مشروع إذا كان قصدا كاملا، بخلاف الصبي والمعتوه، فإن شروعهما ليس بملزم لقصور قصدهما فلو قصد قصر هذا الحصر بسبب شروعه ساهيا التحق بهما، بخلاف المقتدي فإنه شرع عامدا فلم يجز إلحاقه بهما وفتوى فخر الإسلام هنا على قول أبي يوسف، وفرق أبو يوسف بين هذا وبين ما إذا لم يقعد على الرابعة بأن هناك بطل فرضه، ولأن الإحرام في الابتداء منعقد بست ركعات، فإذا اقتضى به إنسان لزمه موجب تلك التحريمة، وأما هاهنا فقد تم فرضه لما ذكرنا، وشرع في النفل والمقتدي اقتدى به النفل فلا يلزمه غير ركعتين. والحاصل أن هناك صلاة واحدة فيلزم الجميع، وهاهنا صلاتان فتلزم الأخرى. وقال الأكمل: قيل فرق الكلام عند أبي حنيفة وأبي يوسف. قلت: قائل هذا هو السغناقي فإن قال ذلك بدليل ما تقدم في قوله، وعندهما ركعتان بدليل ما ذكر في " الجامع الصغير " لقاضي خان، وعندهما يقضي الركعتين. م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو، ثم أراد أن يصلي أخريين لم يبن) ش: يعني ليس ذلك م: (لأن السجود) ش: أي سجود السهو م: (يبطل لوقوعه في وسط الصلاة) ش: لأن سجود السهو لم يرع إلا في آخر الصلاة، ومع هذا لو بنى صح بناؤه لبقاء التحريمة وغير المذكور في ظاهر الرواية، كذا قال خواهر زادة في " مبسوطه "، ثم قال: وينبغي أن يعيد سجدتي السهو ثانيا لأن سجود السهو في وسط الصلاة لا يعيدها. قال المرغيناني: ولو بنى جاز نص عليه في " الاعتصام "، وفي " المحيط " لو بنى جاز، وفي إعادة السجود اختلف المشايخ والمختار يعيد م: (بخلاف المسافر إذا سجد للسهو ثم نوى الإقامة) ش: يعني المسافر إذا سهى فسجد لسهوه ثم نوى الإقامة يتم، وإن كان يلزم إبطال سجود السهو.
لأنه لو لم يبن تبطل جميع الصلاة، ومع هذا لو أدى صح لبقاء التحريمة ويبطل سجود السهو هو الصحيح، ومن سلم وعليه سجدتا السهو فدخل رجل في صلاته بعد التسليم، فإن سجد الإمام كان داخلا وإلا فلا، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو داخل سجد الإمام أو لم يسجد؛ لأن عنده سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا؛ لأنها وجبت جبرا للنقصان، فلا بد من أن يكون في إحرام الصلاة، وعندهما يخرجه على سبيل التوقف؛ لأنه ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأنه لو لم يبن تبطل جميع الصلاة) ش: أي صلاته أصلا، لأنه صار فرضه أربعا بنية الإقامة، وأبطل السجود في إبطال الصلاة، فلأجل هذه الضرورة، قلنا بمشروعية البنائية في حق المسافر دون المتطوع، حيث لا ضرورة في بنائه. وفي " المبسوط " لأن ذلك بعذر شرعي قد يكون بغير صنعه كالجند يصيرون مقيمين بنية الإمام والمرأة بنية زوجها والعبد بنية سيده، وهنا بالمباشرة وقصده، وفي " المرغيناني ": لو نوى الإقامة بعد الصلاة قيل لم تصح صلاته بنية في هذه الصلاة، وقيل معناه مع كونه لم يبن ويسقط عنه سجود السهو. م: (ومع هذا) ش: أي ومع وقوع سجود السهو في وسط الصلاة م: (لو أدى صح لبقاء التحريمة) ش: في حق التطوع، وذكرنا أن الاختلاف في إعادة سجود السهو عند البناء. م: (ومن سلم وعليه سجدتا السهو) ش: أي ومن سلم في آخر صلاته، والحال أنه عليه سجدتا السهو م: (فدخل رجل في صلاته بعد التسليم) ش: أي فاقتدى به رجل في الصلاة هذا الإدخال يفصل فإن سجد الإمام كان داخلا يعني فإن عاد الإمام إلى سجود السهو كان الرجل داخلا لكون الإمام في حرمة الصلاة بعوده إلى السجود م: (وإلا فلا) ش: يعني وإن لم يعد الإمام إلى السجود، فلا يكون الرجل داخلا م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم بالقصد المذكور. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وأصل هذه المسألة أن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة، وإلا فلا، وأشار إلى هذا الأصل والتعليل من الجانبين بقوله م: (وقال محمد هو) ش: أي الرجل م: (داخل) ش: أي في صلاة الإمام م: (سجد الإمام أو لم يسجد، لأن عنده) ش: أي عند محمد. م: (سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا) ش: يعني لا خروجا موقوفا ولا باتا م: (لأنها) ش: أي لأن سجدة السهو م: (وجبت جبرا للنقصان) ش: المتمكن في الصلاة م: (فلا بد من أن يكون في إحرام الصلاة) ش: أي فلا بد أن يكون الجابر للنقصان في إحرام الصلاة فحينئذ يسقط معنى التحليل على السلام، ولهذا لو سجد سقط معنى التحليل بالاتفاق. م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (يخرجه) ش: أي يخرج سلام الإمام إياه عن الصلاة م: (على سبيل التوقف) ش: على العود فإن عاد كان الرجل داخلا وإلا فلا م: (لأنه)
محلل في نفسه، وإنما لا يعمل لحاجته إلى أداء السجدة فلا يظهر دونها ولا حاجة على اعتبار عدم العود ويظهر الاختلاف في هذا وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة، وتغير الفرض بنية الإقامة ـــــــــــــــــــــــــــــQش: أي لأن السلام م: (محلل في نفسه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحليلها التسليم» ، وبالإجماع أيضا م: (وإنما لا يعمل) ش: أي السلام لا يعمل عمله هاهنا م: (لحاجته) ش: أي لحاجة المصلي وضرورته م: (إلى أداء السجدة فلا يظهر) ش: أي عمله م: (دونها) ش: أي دون الحاجة م: (ولا حاجة إلى اعتبار) ش: إعادتها م: (عدم العود) ش: فيعمل عمله حينئذ لتحقق المقتضى وزوال المانع. فإن قلت: ينبغي أن لا يصح الاقتداء، وإن عاد إليها، لأن التحريمة عندهما يعود ضرورة يمكنه من السجود، فينبغي أن لا يظهر في حق غيره. قلت: العود وإن ثبت بطريق الضرورة، لكن لما ثبت ثبت مع ما هو من لوازمه وضروراته وصحة الاقتداء من ضروراته، وهذا كما هو في حرة تحت عبد قالت لمولاه: أعتق عبدك عني بألف درهم، وقع العتق عنها وثبت الملك لها بطريق الضرورة، وجاء فساد النكاح وثبت الولاء لها، لأن الفساد من لوازم الملك والولاء من لوازم العتق، والشيء ثبت بلوازمه. ولما بين الأصل والتعليل من الحديثين شرع في بيان ثمرة الاختلاف المذكور بقوله م: (ويظهر الاختلاف في هذا) ش: أي تظهر فائدة الاختلاف المذكور بين سجدة في المذكور من المسألة، وهو ما إذا دخل رجل في صلاة رجل، وعليهما السهو هل يكون داخلا أم لا؟ فعند محمد يكون داخلا سواء سجد للسهو أو لا، وعندهما إن سجد يكون داخلا وإلا فلا، ثم إذا سجد الإمام حتى صار الرجل داخلا في صلاته، فلو سجد مع الإمام ثم قام يقضي ما عليه لم يكن عليه أن يعيد السهو، وإن كان ذلك للسهو في وسط الصلاة، لأن هذا آخر صلاة الإمام حقيقة، فتكون آخر صلاته حكما تحقيقا للمتابعة، فإن سها الرجل فيما يقضي فعليه أن يسجد للسهو، وسجود الأول مع الإمام لا يجزئه مع سهوه، لأن المسبوق فيما يقضي منفردا فسجوده مع الإمام لا يجزئه عن سهوه في حالة انفراده. م: (وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة) ش: أي وتظهر فائدة الاختلاف المذكور يعني إن ضحك الذي سلم، وعليه سجود السهو تنقض طهارته عند محمد وزفر، لأنه ضحك في حرمة الصلاة، وعندهما لا تنقض، وكذلك لو ضحك المقتدي في هذه الحالة م: (وتغير الفرض بنية الإقامة) ش: أي وتظهر أيضا فائدة الخلاف المذكور في تغير الفرض بنية الإقامة يعني المسافر إذا نوى الإقامة في هذه الحالة قبل سجود السهو، فعند محمد وزفر يتغير فرضه أربعا كما نوى قبل السلام، وعندهما لا يتغير فرضه سواء سجد للسهو أو لا، والصورة التي ذكرها المصنف ثلاثة، والصورة الرابعة: فمن اقتدى به بنية التطوع ثم تكلم هذا المقتدي قبل أن يسجد الإمام للسهو لا
في هذه الحالة، ومن سلم يريد به قطع الصلاة، وعليه السهو فعليه أن يسجد لسهوه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقضاء على المقتدي عندهما، وعند محمد يلزمه قضاء ما سهى الإمام، كذا في " الجامع الصغير " لقاضي خان. وسئل تاج الشريعة عن مسألة القهقهة بقوله: فإن قلت: لما كان أمر الخروج موقوفا لم يحكم بتمامه، فكان ينبغي أن يلزمه الوضوء لصلاة أخرى. قلت: وإن كان يتوقف فإن حرمة الصلاة هاهنا واقعة بالإضافة إلى حرمة الصلاة القائمة قطعا، فلا يساوي هتكها في إيجاب الزاجر وهو تجديد الوضوء هتك لهذه الحرمة، فأشبه هتك حرمة الصلاة على الجنازة. وقال الأكمل: فإن قيل: إذا كان الخروج موقوفا كان خارجا من وجه دون وجه، وذلك يستدعي أن يكون حكم هذه المسائل عندهما فحكمها عنده احتياطا. أجيب: بأنه ليس معناه الخروج من وجه دون وجه، بل معناه الخروج من كل وجه يمكن تعرضه العود. قلت: سئل هذا الكلام من كلام السغناقي حيث قال: قلت: وهذا يعرف إن عندهما من سلم للسهو يخرج عن حرمة الصلاة من كل وجه، لا أن يكون معنى التوقف إن ثبت الخروج من وجه دون وجه، ثم بالسجود يدخل في حرمة الصلاة لأن لو كان في حرمة الصلاة من وجه لكانت الأحكام على حكمها عندهما أيضا، كما هو مذهب محمد من انتقاض الطهارة بالقهقهة، ولزوم الأداء بالاقتداء ولزوم الأربع عند غير الإقامة عملا بالاحتياط. قلت: هذا لا يخلو عن نظر، لأنهم فسروا قوله سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا بقولهم، لا خروجا موقوفا ولا باتا يعني عند محمد وعندهما يخرجه خروجا موقوفا، فافهم. م: (في هذه الحالة) ش: قيد الصور الثلاثة يعني بعد السلام قبل سجود السهو. م: (ومن سلم يريد قطع الصلاة) ش: يعني في عزمه أن لا يسجد للسهو، ومع هذا عليه السهو وهو معنى قوله م: (وعليه السهو) ش: أي والحال أن عليه السهو هاهنا حالان: الأول: جملة فعليه مضارعة بدون الواو. الثاني: جملة اسمية بالواو وعلى الأصل. م: (فعليه أن يسجد لسهوه) ش: أي ما يوجب عليه أن يسجد لأجل سهوه، وهذا كما تراه
لأن هذا السلام غير قاطع، ونيته تغيير المشروع فلغت لا تصح نيته ـــــــــــــــــــــــــــــQمطلق، ولكن قيده في الأصل حيث قال إنه يسجد للسهو قبل أن يقوم أو يتكلم، وفي رواية قبل أن يتكلم أو يخرج من المسجد. فالأول يدل على أنه متى قام عن مجلسه فاستدبر القبلة لا يأتي بسجود السهو، وإن لم يخرج من المسجد، والثاني يدل على أنه يأتي به قبل أن يتكلم ويخرج من المسجد، وأن يمشي وانحرف عن القبلة وهو قول بعض المشايخ من أصحابنا. م: (لأن هذا السلام) ش: أي لأن السلام الذي أراد به قطع الصلاة م: (غير قاطع) ش: لحرمة الصلاة، أما عند محمد فظاهر، لأنه لا يخرجه عن حرمة الصلاة أصلا. وأما عندهما فلا يخرجه [ ... ] ، فلا ينقطع الإحرام به مطلقا م: (ونيته) ش: أي إرادته بذلك السلام قطع الصلاة م: (تغيير المشروع) ش: لأن السلام غير قاطع شرعا، فجعله قاطعا بالنية تغيير المشروع وهو لا يتغير بالقصد والعزائم. م: (فلغت) ش: أي بنية قطع الصلاة بالسلام، كما إذا نوى الإبانة بصريح الطلاق م: (لا تصح نيته) ش: فيكون رجعيا، أو كما لو نوى الظهر ستا أو نوى المسافر أربعا تلغو نيته، كذا في " المبسوط ". فإن قلت: لو سلم وهو ذاكر بسجدة صلاتية أو سجدة تلاوية أو التشهد فسدت صلاته، كذا في " المحيط "، وهذه النية تغيير للمشروع، فلم تلغ. قلت: تلك الأشياء يؤتى بها في حقيقة الصلاة وقد بطلت بالسلام العمد وسجود السهو يؤتى بها في حرمتها وهي باقية إذا كان عليه سجود السهو. فإن قلت: نية الكفر تبطل الإيمان، ولم تلغه وإن كانت بغير المشروع. قلت: نية الكفر كفر، ومتى ثبت الكفر ارتفع الإيمان، لأنهما لا يجتمعان. فإن قلت: السلام وحده يخرج عن حرمة الصلاة عندهما، فكيف لا يكون مخرجا مع نية القطع، وهذا تناقض. قلت: هذان وإن كانا مختلفين صورة لكنهما متفقان معنى فلا تناقض، لأن سلام من عليه السهو يخرج عن إحرام الصلاة، لكن على عرضه العود إليه بالسجود من غير فصل بين أن ينوي العود أو ينوي عدمه أو لم ينو شيئا فلا عبرة لنيته، فكان الأول لبيان الإطلاق، والثاني لبيان التقييد فافهم. واستشكل بأن النية هنا لم توجد مجردة عن العمل إذا لم يكن ذلك العمل المقرون به النية مستحقا على زمان اقتران النية والسلام زمان اقتران النية به تستحق عليه، لأنه يوجب عليه أن يسلم حتى يتمكن من أن يسجد للسهو فلا تعمل النية، فكانت النية مجردة عن العمل على هذا
[حكم الشك في عدد ركعات الصلاة]
ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا، وذلك أول ما عرض له استأنف؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتقدير. [حكم الشك في عدد ركعات الصلاة] م: (ومن شك في صلاته) ش: الشك في اللغة خلاف اليقين، وقد شككت في كذا ربت م: (فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا) ش: ذكره بالفاء تنبيها على معنى الشك بأنه عبارة عن تساوي الطرفين فإن عدم دراية صلاته بثلاث ركعات مثل عدم درايته بأربع ركعات فالطرفان متساويان وإلا فالتركيب كان يقتضي بواو الحال والهمزة فيه للتسوية لأنها خرجت عن الاستفهام الحقيقي، فعند ذلك ترد لمعان كثيرة منها التسوية وانتصاب ثلاثا بقوله صلى م: (وذلك) ش: أي الشك م: (أول ما عرض له) ش: اختلفوا في معناه، وقال صاحب " الأجناس " معناه أول ما سها في عمره، وقال شمس الأئمة السرخسي: معناه أن السهو ليس بعادة له لا أنه لم يشتبه في عمره، قال الفقيه: أول ما سها في هذه الصلاة، وقيل: أول السهو وقع له ولم يكن سها في صلاته قط من حين بلغ. م: (استأنف) ش: أي استقبل الصلاة، وهذه الجملة وقعت جوابا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة» ش: هذا بهذا اللفظ غريب ولم يبين أحد من الشراح حال هذا الحديث، فهذا عجيب منهم، وأعجب من ذلك ما قاله الأترازي ولنا ما روى خواهر زاده وغيره في " المبسوط " عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «إذا شك أحدكم» .. إلخ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث ابن سيرين عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: أما أنا فإذا لم أدر كم صليت فإني أعيد، وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر في الذي لا يدري ثلاثا صلى أو أربعا قال: يعيد حتى يحفظ، وعن جرير عن منصور قال: سألت ابن جبير عن الشك في الصلاة، فقال: أما أنا فإذا كنت في المكتوبة فإني أعيد، وعن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يعيد. وكان شريح يقول يعيد، وعن ليث وعن طاوس قال: إذا صليت فلم تدر كم صليت فأعدها مرة، فإن التبست عليك مرة أخرى فلا تعدها، وقال عطاء: يعيد مرة، وروي ذلك عنه عن مالك وعبد الملك. ومذهب الشافعي أنه يبني على الأقل وبه قال مالك في الأحوال كلها وبه قال أحمد في المنفرد، وعن أحمد في الإمام روايتان أحدهما أنه يبني على الأقل، والثانية أنه يبني على غالب الظن ويسجد للسهو، واحتج الشافعي بما رواه أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلق الشك وليبن على اليقين» ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه أمر بالبناء على اليقين ولم يفصل، ونحن نقول: إن إلقاء الشك كما يكون بالبناء على الأقل يكون بالاستئناف بل الاستئناف أولى، لأنه أبعد من الشك، لكونه خروجا عن العهدة بيقين، والعجب أن أكثر الشراح يحتجون للشافعي بحديث أبي سعيد
وإن كان يعرض له كثيرا ـــــــــــــــــــــــــــــQالمذكور، ثم يحتجون لهم بما ذكره المصنف، فما أبعد هذا من القواعد! أقول: قال القدوري: قال أصحابنا: الشك يتحرى ولم يفصلوا وهذه رواية الأصول، ووجهه حديث ابن مسعود مرفوعا: «وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه» ، أخرجه البخاري ومسلم، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يبني على اليقين كما في حديث أبي سعيد الخدري الذي احتج به الشافعي، ووفق أصحابنا بين الأحاديث، وحملوا حديث الاستقبال على الشك في أول أمره، لأنه لا حرج عليه فيه وحملوا حديث ابن مسعود على ما إذا كان يعرض له الشك كثيرا، أوله رأي لأن في الاستئناف في كل مرة حرجا بينا، وفي البناء على اليقين احتمال خلط النافلة بالفرض قبل تمامه، وحملوا حديث أبي سعيد على من تكرر له الشك وليس له ظن وترجيح. وقال النووي: قال أبو حنيفة: إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته، وإن صار عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه، وإن لم يظن شيئا عمل بالأقل، ثم قال: قال أبو حامد: قال الشافعي في القديم: ما رأيت قولا أقبح من قول أبي حنيفة هذا، ولا أبعد من السنة. قلت: قد ذكر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل واحدة من الأحوال الثلاث حديث، فكيف يقبح الشافعي القول المؤيد بالحديث ويقول: ولا أبعد من السنة، مع كونه قول ابن عمر كما ذكرنا عن قريب، فذكرنا قوله أيضا عن جماعة من السلف الصالحين أئمة الهدى ممن بعده أبا حنيفة، فحينئذ ليس في تخصيصه قول أبي حنيفة بالتقبيح والتبعيد عن السنة معنى، وليس هذا من دأب أهل العلم. ونقل النووي وابن قدامة وغيرهما من المخالفين لنا عن أبي حنيفة أنه قال إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته ليس بصحيح، ولا يوجد هذا في أمهات كتب أصحابنا المشهورة، بل المشهور فيها أنهم قالوا استقبل لتقع صلاته على وصف الصحة بيقين. وقال أبو نصر البغدادي المعروف بالأقطع: الاستئناف أولى لأنه يسقط به الشك بيقين، وفي " الذخيرة " عطف على مسألة الكتاب بقوله أو هل أحدث أم لا؟، أو هل أصاب ثوبه نجاسة؟ إن كان ذلك أول مرة استقبل ولا شك أن صلاته لا تبطل بالشك. م: (وإن كان) ش: الشك م: (يعرض له كثيرا) ش: أي غالب أحواله ذلك، وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " كان أبو الحسن يقول معناه إن الشك يعتاده حتى يصير غالب حاله كلما أعاد شك ولا يتوصل إلى أداء فرضه باليقين إلا بمشقة، فجاز أن يرجع إلى الاجتهاد، وقال شيخ الإسلام: معناه أن السهو في صلاة واحدة مرتين، وقيل مرتين في عمره، وقيل: مرتين في
بنى على أكبر رأيه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فليتحر الصواب» . وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين ـــــــــــــــــــــــــــــQسنة م: (بنى على أكثر رأيه) ش: إن كان له رأي، وعند الشافعي ومالك بنى على الأقل كما ذكرناه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من شك في صلاته فليتحر الصواب» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، ولفظهما «إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فيتم عليه» . فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حديث ابن مسعود هذا رواه الحاكم بن عتيبة والأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله دون لفظ التحري، ورواه إبراهيم بن سويد عن علقمة عن عبد الله دون لفظ التحري، فأشبه أن يكون من جهة ابن مسعود أو من دونه فأدرج في الحديث. قلت: تمام الحديث عن عبد الله بن مسعود «صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزاد أو نقص فلما سلم قيل يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟، قال: وما ذاك؟، قالوا صليت كذا وكذا، قال فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: " إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكني أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين» ، هذا لفظ البخاري في أوائل كتاب الصلاة في باب التوجه إلى القبلة حيث كان ولم يذكر مسلم السلام، ولفظه: " فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين "، وأخرجه أبو داود بلفظ البخاري، ولفظ ابن ماجه فيه بالواو، ولفظه: «ويسلم، ويسجد سجدتين» وأما النسائي فلم يذكر فيه وإذا شك أحدكم.. إلخ. وقد رأيت لفظ التحري مضافا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رواه جماعة من الحفاظ كمسعود والثوري وشعبة ووهب بن خالد وفضيل بن عياض وجرير وغيرهم، والزيادة من الثقة مقبولة إذا لم يكن فيها خلاف الجماعة، والتحري طلب ما هو الأحرى وهو الصواب، هكذا فسره الأترازي والأكمل. قلت: هذا من باب التفعل فلا يدل على الطلب المطلق، وإنما هو تكلف وإظهار التجلد فيه، ومعنى التحري تكلف ما هو الأحرى، والأحرى هو ما يكون أكثر رأيه عليه، وكيفيته إذا شك وهو قائم أو راكع أو ساجد يتم تلك الركعة ثم يقعد لاحتمال الرابعة والقعدة فيها فرض، ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال أنها كانت الثالثة فيحتاج إلى الرابعة ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو. م: (فإن لم يكن له رأي بنى على اليقين) ش: أي على الأقل لأنه هو المتيقن صورته إذا وقع له الشك بين الركعة والركعتين يجعلها ركعة، وإن وقع بين الركعتين والثلاث يجعلها ركعتين، وإن وقع بين الثلاث والأربع يجعلها ثلاثا فيتم صلاته على ذلك هكذا رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف في " سننه الكبرى "، وفي " المنتقى " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل» . والاستقبال بالسلام أولى؛ لأنه عرف محللا دون الكلام. ـــــــــــــــــــــــــــــQوصححه وعليه أن يتشهد عقيب الركعة التي يقع الشك أنها آخر صلاته احتياطا، ثم يقوم ويضيف إليها ركعة أخرى ولو شك بعد الفراغ منها فلا إعادة عليه، ويجعل كأنه صلى أربعا أو خمسا، وإن شك أنه صلى فردا أو اثنتين أو ثلاثا، وفي الأربع أنه صلى أربعا أو خمسا، فإن كان قائما يقعد بجواز أن تكون هذه آخر صلاته، ثم يصلي ركعة أخرى احتياطا، وإن كان قاعدا فإن رأى أنها ثانية تجزئه، وإن لم يكن له رأي تفسد لجواز أنه ترك القعدة في الثانية فيحتمل الفساد ليفسد احتياطا ذكر هذا كلها في " المحيط ". وفي " المجتبى " بنى على الأقل، أي يأخذ بالأقل لكن يقعد حتما في كل موضع يوهم أنه آخر صلاته، وفي القعدة الأولى اختلاف المشايخ حتى إن من شك في قيام ذوات الأربع أنها الثالثة أو الرابعة يأتي بركعتين بقعدتين، فلو شك أنها الثانية أو الثالثة أو الرابعة فثلاث ركعات بثلاث قعدات، وإن شك أنها الأولى أم الثانية أم الثالثة أم الرابعة فأربع ركعات بأربع قعدات، ولو شك في الخامسة يجلس بعد الركوع فيتشهد ثم يسجد سجدتين ثم يتشهد ثم يتم ثلاث ركعات بثلاث قعدات، ولو كان الشك في الخامسة بعد السجود فسدت، وكذا في الرابعة والخامسة، إلا أنه إذا ذكر أنه ترك سجدتين من ركعة وركوعا. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين من قبل أن يسلم» هذا لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ولفظ ابن ماجه: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا شك في اثنتين أو ثلاث فليجعلها اثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم» ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ولفظه: «فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليتم، فإن الزيادة خير من النقصان» ، وقال صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي في " مختصره "، فإن فيه عمار بن مطرز الرهاوي، وقد تركوه. قلت: عمار ليس في " السنن ". م: (والاستقبال بالسلام أولى) ش: هذا متعلق بقوله: استأنف يعني إذا استأنف الصلاة وفيها إذا عرض له السهو أول مرة استأنف بالسلام وهو أولى م: (لأنه) ش: أي لأن السلام م: (عرف محللا دون الكلام) ش: لأن السلام عرف محللا للصلاة شرعا، ولم يعلم ذلك بأن الكلام
ومجرد النية لغو، وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته، كيلا يصير تاركا فرض القعدة، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQموضع السلام شرعا، وإنما ذكر الكلام لدفع شبهة، فإنه عسى أن يهم الوهم بأن هذا لما كان قطعا للصلاة لاستقبال الصلاة من الابتداء لا يتفاوت الحكم من السلام والكلام، إذ كل منهما قاطع للصلاة، فإن استأنف بالكلام أيضا يجوز، لأنه أيضا قاطع كالسلام م: (ومجرد النية تلغو) ش: أي نفس النية بقطع الصلاة من غير اقتران السلام بها ليست بكافية للقطع، لأن النية بوصف التجرد لا تأثير لها في الشيء الذي يتوقف تحققه على النية، وعمل الجوارح وقطع الصلاة من هذا فلا يثبت بمجرد النية. م: (وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كيلا يصير تاركا فرض القعدة) ش: هذا متعلق بقوله شك في صلاته.. إلخ، وقد بيناه مفصلا عن قريب. فروع: شك في صلاته أنه صلاها أم لا، فإن كان في الوقت يعيد، ولو شك خارج الوقت لا يعيدها شك في الركوع والسجود، وإن كان بعدما يأتي بهما وبعد الخروج منها، فالظاهر أنه لم يتركها، شك في الحدث وأيقن بالطهارة فهو متطهر وبالعكس فحدث شك في بعض وضوئه وهو أول ما عرض له غسل ذلك الموضع، وإن كان يعرض له كثيرا لا يلتفت إليه، وكذا لو شك أنه كبر للافتتاح، فإن كان أول ما عرض له استقبل، وإن كثر وقوعه يمضي، صلى يقوم شهرا ثم قال لهم صليت على غير وضوء لا يصدق، ولو عرض وغلب على ظنهم صدقه يجب عليهم القضاء قام المسبوق في قضاء ما سبق ثم تذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة، فعاد فسجدها، فإن عاد المسبوق إلى متابعته فسدت صلاته، وإن مضى على صلاته ففي فسادها روايتان. وفي " الروضة " فالواجب على المسبوق بعد سلام الإمام القعود ولا يقوم إلى قضاء ما سبق، حتى يوجد من الإمام ما يفسد صلاته من الانحراف والكلام والشروع في صلاة أخرى، قال أبو شجاع: إذا قال في القعدة الأولى: اللهم صل على محمد يلزمه السهو، وعن أبي حنيفة إذا زاد حرفا يجب سجود السهو، وقال الإمام أبو منصور الماتريدي: لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد وعن الصفار: لا سهو عليه في هذا، وعن محمد أنه استقبح إن أوجب سجود السهو بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو قرأ فاتحة الكتاب قبل التشهد يلزمه السهو وبعده لا.
[باب صلاة المريض]
باب صلاة المريض إذا عجز المريض عن القيام ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب صلاة المريض] [كيفية صلاة المريض] م: (باب صلاة المريض) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صلاة المريض، وهو فعيل بمعنى فاعل من باب علم يعلم، قال الجوهري: المرض القسم، قلت: هو ضعف القوى، وترادف الآلام. وفي " البدرية " الإضافة في صلاة المريض من باب إضافة الفعل إلى فاعله أو إلى محله، كتحريك الخشبة. وأنه شائع كقولهم: جرح زيد لا يندمل، وقال السغناقي: قولهم: جرح زيد لا يندمل يجمعها. قلت: ينبغي أن يتعين المعنى الأول، لأن المعنى الصلاة الصادرة من المريض، فالمريض فاعلها وموجدها، بخلاف جرح زيد لأن زيدا المجروح فلا يكون نظيره، لأن المريض بمعنى المارض كما ذكرنا، ثم المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على نوع من العوارض السماوية، لكن قدم باب السهو لكثرة وقوعه وشدة سائر الحاجة إلى بيانه، أو لأن في كل منهما صلاة مع قصور ولها جابر، ففي الأول سجدتا السهو، وفي هذا قدر الإمكان. م: (إذا عجز المريض عن القيام) ش: بأن يلحقه بالقيام ضرر، ولم يرو هذا العجز أصلا، بحيث لا يمكنه القيام بأن يصير مقعدا بل بحيث لا يقدر على القيام، إلا أنه يضعفه ضعفا شديدا أو يجد وجعا، كذا في " المحيط "، وقيل: بحيث لو قام سقط عن ضعف أو دوران رأس. وقيل: بحيث أن يصير صاحب فراش، وقيل: بحيث يبيح ما يسمح الإفطار به، وقيل لا يبيح التيمم به، وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه. وأصح الأقاويل ما ذكرناه أولا، وهو أن يلحقه بالقيام ضرر كذا ذكره التمرتاشي، وفي " فتاوى الظهيرية " وعليه الفتوى. وعن أبي جعفر الطحاوي: ولو قدر على بعض القيام ولو قدر آية أو تكبيرة يقوم ذلك القدر وإن عجز عن ذلك قعد، وإن لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته، هذا هو المذهب، ولا يروى عن أصحابنا خلافه، وكذا إذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء أو الاستناد إلى إنسان أو حائط أو وسادة لا يجزئه إلا كذلك. ولو استلقى لا يجزئه خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرته على الوضوء بغيره كقدرته بنفسه، فكذلك في " مبسوط شيخ الإسلام "، الفرق بين هذا وبين الصوم أن المريض إذا كان قادرا على الصوم في بعض اليوم ثم عجز فإنه لا يصوم أصلا، وهاهنا يصلي قائما بقدر ما رأته لنا أفطر في آخر اليوم لم يكن فعله معتدا به في أول اليوم فلا ينتقل به، وفي الصلاة قيامه في
صلى قاعدا يركع ويسجد؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء» ، ولأن الطاعة بحسب الطاقة. قال: فإن لم تستطع الركوع والسجود أومئ إيماء، يعني قاعدا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQأولها يبقى معتدا به، وإن قعد في آخرها، وفي " المحيط " و " المجتبى " لو تكلف المريض إلى الجماعة فعجز عن القيام. قيل: لا يخرج مخافة فوت الركن، والأصح أن يخرج، لأن الفرض القدرة على الاقتداء. وفي " الخلاصة " وعليه الفتوى. م: (صلى قاعدا يركع ويسجد) ش: قاعدا نصب على الحال من المريض، ويركع ويسجد أيضا حالان متداخلان أو مترادفان م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا مسلما. عن «عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، فقال: " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» وزاد النسائي: «فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» . وفي رواية أبي داود عن «عمران بن حصين قال: كان بي الناصور، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -.. الحديث، الناصور بالنون والصاد المهملة، ويقال: الناسور بالسين، وهي علة تحدث في مآقي العين تبقى فلا تقطع، وقد تحدث أيضا في أحوال المقعدة وهو المراد هاهنا، وقد تحدث أيضا في اللبة وهو معرب. والباسور بالباء الموحدة علة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضا، ويجمع على بواسير، وفي لفظ مبسورا، وقيل بالنون، وقيل: لا يسمى باسورا إلا إذا خرج وفتحت أفواه عروقه من داخل المخرج. وفي " المغرب " الباصور فرجة غائرة فلا تندمل. م: (ولأن الطاعة بحسب الطاقة) ش: أي بحسب القدرة، قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) . م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإن لم تستطع الركوع والسجود أومئ إيماء) ش: أومأ أصله بالهمزة ولكنها تلين م: (يعني قاعدا) ش: هذا تفسير كلام القدوري، فإن قال: فإن لم تستطع الركوع والسجود أومئ إيماء، وجعل السجود أخفض من الركوع، ولم يتعرض أنه يومئ قائما أو قاعدا، فقال المصنف مراده يومئ قاعدا. فإن قلت: إذا قدر على القيام ولم يقدر على الركوع أو السجود ينبغي أن لا يسقط عنه فرض القيام، ويصلي قائما بالركوع والسجود، وهو قول الشافعي لحديث عمران بن حصين: «فإن لم
لأنه وسع مثله وجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ لأنه قام مقامهما، فأخذ حكمهما ولا يرفع إلى وجهه شيء يسجد عليه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد، وإلا فأومئ برأسك» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتستطع فقاعدا» حيث نقل الحكم من القيام إلى القعود بشرط العجز عن القيام. قلت: أجاب السغناقي محالا على " مبسوط شيخ الإسلام " بقوله ذلك محمول على ما إذا كان قادرا على الركوع والسجود حال القيام، بدليل أنه ذكر الإيماء حال ما يصلي على الجنب، فدل أن المراد بحال القيام القدرة على الأركان. قلت: في أي طريق من طرق حديث عمران بن حصين ذكر الإيماء حتى يقول بدليل أنه ذكر الإيماء إلى آخره. فإن قلت: لم يبين صفة القعود كيف هي. قلت: قال صاحب " الدراية " و " التحفة ": اختلفت الروايات عن أصحابنا في أنه كيف يقعد، فروى محمد عن أبي حنيفة أنه يجلس كيفما شاء. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا افتتح الصلاة يتربع، وإذا ركع يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها، وعن أبي يوسف أنه يتربع في جميع صلاته، وعن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفترش رجله اليسرى في جميع صلواته، والصحيح رواية محمد، لأن عذر المرض يسقط عنه الأركان، فلأن تسقط عنه الهيئات أولى. م: (لأنه وسع مثله) ش: أي لأن الإيماء بالركوع والسجود قاعدا وسع مثل هذا الرجل، هذا الذي لا يقدر على القيام والركوع والسجود م: (وجعل سجوده أخفض من ركوعه) ش: أي أوطأ م: (لأنه) ش: أي لأن الإيماء م: (قائم مقامهما) ش: أي مقام الركوع والسجود م: (فأخذ حكمهما) ش: أي فأخذ الإيماء حكم الركوع والسجود، وهو أن السجود يكون أخفض من الركوع. فكذا في الإيماء. م: (ولا يرفع إلى وجهه شيء يسجد عليه) ش: لا يرفع على صيغة المجهول، وقوله شيء مفعول قائم مقام الفاعل. وقوله: يسجد عليه جملة في محل الرفع لأنها صفة لقوله شيء م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأومئ برأسك» ش: هذا الحديث رواه جابر وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث جابر أخرجه البزار في " مسنده " والبيهقي في " المعرفة " عن أبي بكر الحنفي حدثنا سفيان الثوري حدثنا أبو الزبير عن جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فرمى به، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن استطعت وإلا فأومئ إيماء
وإن فعل ذلك وهو يخفض رأسه أجزأه لوجود الإيماء. وإن وضع ذلك على جبهته ـــــــــــــــــــــــــــــQواجعل سجودك أخفض من ركوعك» . وقال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن الثوري إلا أبو بكر الحنفي، قال البيهقي: هذا بعيد من أفراد أبي بكر الحنفي وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن الثوري به، وهذا لا يحتمل أن يكون في وسادة مرفوعة إلى جبهته، ويحتمل أن تكون موضوعة على الأرض. وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في " معجمه " عن طارق بن شهاب عن ابن عمر قال: «عاد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا من أصحابه مريضا» .. فذكره. م: (وإن فعل ذلك) ش: أي إن رفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه م: (وهو يخفض رأسه) ش: أي والحال أنه يخفض رأسه م: (أجزأه لوجود الإيماء) ش: الذي هو الفرض، يعني الإيماء في حقه، وفي الأصل يكره للمومئ أن يرفع عودا أو وسادة يسجد عليها. وفي " الينابيع " يكون شيئا وتجوز صلاته إن وجد فيه تحريك رأسه، وإن لم يوجد لا يجوز. ثم اختلفوا هل يعد هذا سجودا أو إيماء؟، قيل: هو إيماء وهو الأصح، وفي " المبسوط " جازت صلاته بالإيماء لا بوضع الرأس، وقيل: هو سجود، فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض وسجد عليها جازت لما روى الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسجد على وسادة من أدم من رمد بها، رواه البيهقي بإسناده، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه رخص في السجود على الوسادة والمخدة ذكره البيهقي، وكذا ذكر في " سننه " عن أبي إسحاق قال: رأيت عدي بن حاتم يسجد على جدار في المسجد ارتفاعه قدر ذراع، وذكره أيضا ابن أبي شيبة في " مصنفه "، وذكر ابن أبي شيبة عن أبي أنس أنه كان يسجد على مرفقه، وعن أبي العالية أنه كان مريضا وكانت المرفقة سكنى له فيسجد عليها، وكره ذلك ابن عمر وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يكره أن يسجد الرجل على العود، ومثله عن ابن مسعود والحسن، ذكره ابن أبي شيبة في " مصنفه ". وفي " المحيط ": لو كان على جبهته عذر دون الأنف لم يجزه الإيماء ويسجد على أنفه، لأنه كالجبهة. وقال أبو بكر: إذا كان بجبهته أو أنفه عذر يصلي بالإيماء ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض بأقصى ما يمكنه. وفي " المجتبى ": كيفية الإيماء بالركوع والسجود شبيهة على أنه هل يكفي بعض الانحناء أم أقصى ما يمكنه؟ فظفرت على الرواية، فإنه ذكر شيخ الإسلام المومئ إذا اخفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود جاز، ولو وضع بين يديه وسائد وألصق جبهته فإن وجد جاز وإلا فلا. م: (وإن وضع ذلك) ش: أي وإن وضع ذلك الشيء بأن وضعه م: (على جبهته) ش: أي على
لا يجزئه لانعدامه، وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة، وأومأ بالركوع والسجود؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله تعالى أحق بقبول العذر منه» ـــــــــــــــــــــــــــــQجبهة المريض م: (لا يجزئه لانعدامه) ش: أي لانعدام الإيماء م: (وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود) ش: قال الشيخ حميد الدين بن الضرير وغيره: توضع وسادة تحت رأسه حتى يكون شبه القاعد، ليتمكن من الإيماء للركوع والسجود، إذ حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الإيماء، فيكف في المرضى؟ ثم اختلفت الروايات عن أصحابنا في كيفية الاستلقاء، ففي ظاهر الرواية يصلي مستلقيا على قفاه ورجلاه إلى القبلة، وروى ابن كاس عنهم أنه يصلي على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، فإن عجز عن ذلك استلقى على قفاه، وهو قول الشافعي وقول مالك وأحمد كظاهر الرواية المذكورة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء، فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه» ش: هذا حديث غريب رواه أصحابنا في كتبهم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يبينوا رواته ولا حاله. وإنما ذكر صاحب " المبسوط " فقال: «دخل رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمران بن حصين يعوده في مرضه، فقال: كيف أصلي؟، قال: " صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء، فإن لم تستطع فالله تعالى أولى بالعذر» ، أي بقبول العذر منك. وقد روى الدارقطني في " سننه " من حديث علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة» . وفيه [الحسن بن] الحسين العرني قال عبد الحق: كان من رؤساء الشيعة ولم يكن عندهم بصدوق، ووافقه ابن القطان وفيه الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال ابن عدي: أنا أرجو أن لا بأس به إلا أني وجدت في بعض حديثه نكرة، وقال السغناقي: قوله فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه، هذا من تتمة الحديث، ولفظ " المبسوطين " و " الأسرار " أولى فكان أحق معناه على قول من يقول لا يسقط القضاء عنه وإن لم يقدر على الإيماء أي أحق بقبول عذر التأخير لا عذر الإسقاط، وعلى قول من يقول بعدم القضاء
قال: وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة فأومأ جاز؛ لما روينا من قبل، إلا أن الأولى هو الأولى عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إشارة المستلقي تقع إلى هواء الكعبة، ـــــــــــــــــــــــــــــQوهو الأصح أي أحق بقبول عذر الإسقاط. قلت: هذا كلام حسن إذا ثبت أنه حديث. م: (وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة فأومأ جاز) ش: أطلق ذكر الجنب ليتناول الأيمن والأيسر وهو مذهب الشافعي، ولكنه قال على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع استلقى على ظهره ويستقبل القبلة برجليه لحديث عمران بن حصين ولأنه لو اضطجع على جنبه يكون وجهه إلى القبلة فهو أولى كما إذا احتضر وجهه إلى القبلة على شقه الأيمن، وكذا في القبر، وسنجيب عن هذا عن قريب. ثم اعلم أن الاضطجاع المشروع ستة: أحدها: في الصلاة على الخلاف. الثاني: المحتضر عند الموت يوضع على شقه عرضا ووجهه إلى القبلة، ولكن المتأخرين اختاروا الاضطجاع مستلقيا، وزعموا أنه أسهل لخروج الروح وهو الثالث. الرابع: الميت إذا وضع على التخت لغسله، ولا رواية فيه لأصحابنا، لكن تعارفوا اضطجاعه على قفاه. الخامس: الاضطجاع في حالة الصلاة يكون مستلقيا على قفاه كما هو المعهود بين الناس. السادس: الاضطجاع في اللحد يضطجع على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة. م: (لما روينا من قبل) ش: أراد به حديث عمران بن حصين الذي ذكره في أول الباب م: (إلا أن الأولى هو الأولى عندنا) ش: الأولى بفتح الهمزة بمعنى الأحرى والأجدر، والأولى الثاني بضم الهمزة تأنيث الأول، وأراد به الاستلقاء على الظهر. فإن قلت: كيف وجه التأنيث، والمذكور من الاستلقاء على الظهر مذكر؟ قلت: لما كان هذه هيئة وحالة ذكر بالتأنيث على تأويل الهيئة، ويجوز أن يكون على تأويل الرواية الأولى، وجعله السغناقي من باب المزاوجة خطأ فلا حاجة إلى ذلك، والتأويل المذكور أحسن، وفي بعض النسخ الأولى بالضم يقدم على الأولى بالفتح، وعلى هذا فسره الأكمل. م: (خلافا للشافعي) ش: فإن عنده هو الثاني كما ذكرنا م: (لأن إشارة المستلقي تقع إلى هواء الكعبة) ش: هذه إشارة إلى أوجه المعقول، أراد أن المستلقي على قفاه إذا أومأ يقع إيماؤه إلى هواء الكعبة، وقد علم أن شرط المصلي أن يصلي إلى القبلة، والصلاة بالإيماء ما له فعل غير الإيماء
وإشارة المضطجع على جنبه إلى جانب قدميه، وبه تتأدى الصلاة، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالإيماء أن يقع إلى الكعبة بما قلنا، ألا ترى أنه لو حققه لذلك سجودًا كان إلى القبلة. وعلى ما قاله الخصم لو حققه لكن إلى يسار الكعبة م: (وإشارة المضطجع على جنبه إلى جانب قدميه) ش: فيكون توجه البدن إلى الكعبة والشرط أداء الصلاة إلى الكعبة لا البدن، بدون الأداء، فالخصم مال إلى ظاهر التوجه ببدنه، كما في الميت، ونحن إلى التوجه مصليًا، وهذا أولى، وقال الأكمل في هذا الموضع: ولنا تعارض حديث عمران بن حصين، وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي حالة العذر جاز العمل بكل منهما، إلا أن ما ذكرنا أولى، لأن المعقول معنا، فإن إشارة المستلقي.... إلخ. قلت: لم يبين هو حديث ابن عمر أصلًا ولا ذكره، وكيف قال ولما تعارض حديث عمران وحديث ابن عمر؟ أقول حديث ابن عمر رواه البيهقي عن نافع عن ابن عمر قال: «يصلي المريض مستلقيًا» ولا يسلم المعارضة بينهما، فإن في حديث عمران أيضًا «فإن لم يستطع فمستلقيًا» رواه النسائي كما ذكرنا. وقال صاحب " الدراية ": وحديث عمران محتمل، وما رويناه أعني حديث ابن عمر محكم، والعمل بالمحكم أولى. قلت: هذه الدعوى إنما تصح إذا لم يكن في حديث عمران ذكر الاستلقاء على القفا، والحال انه قد ذكر فيه، فحينئذ كلاهما يتساويان فلا تصح دعوى كل واحد من الأكمل وصاحب " الدراية "، على أن أصحابنا احتجوا بأول حديث عمران بن حصين وهو قوله: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدًا» فعلى هذا ذكر المصنف، واحتج الشافعي بتمامه لأن آخر الحديث: «فإن لم تستطع فعلى الجنب» . ثم أجاب أصحابنا عن هذا أن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعلى الجنب أي ساقطًا على الأرض، والمستلقي على الأرض ساقط. قلت: هذا ليس بسديد، لأنه يلزم منه التكرار في الحديث بلا فائدة، فافهم. والكلام الموجه فيه أن يقال إن كل واحد من الحديثين يدل على جواز ما قالوا وما قلنا: غاية ما في الباب أن أصحابنا رجحوا صورة الاستلقاء على القفا لمساعدة العقول إياه كما ذكرنا، وما في الباب يرجح غير هذا. م: (وبه تتأدى الصلاة) ش: أي بوقوع الإشارة إلى هواء الكعبة تتأدى الصلاة. م: (فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت الصلاة عنه) ش: أي أخرت الصلاة عن هذا المريض عند
ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه ولا بحاجبيه، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما روينا من قبل؛ ولأن نصب الإبدال بالرأي ممتنع، ولا قياس على الرأس لأنه يتأدى به ركن الصلاة. ـــــــــــــــــــــــــــــQعدم الاستطاعة على الإيماء برأسه وسيجيء الكلام فيه مفصلًا م: (ولا يومئ بعينيه ولا بقلبه) ش: وفي " التحفة " و" القنية " عند الحسن يومئ بقبله وبحاجبيه ويعيد م: (ولا بحاجبيه) ش: أي ولا يومئ أيضًا بحاجبيه م: (خلافًا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده يومئ بعينيه وحاجبيه وقلبه. واعلم أن المريض إذا عجز عن الإيماء بالرأس هل يلزمه الإيماء بالعينين والحاجبين أم لا؟، ولم يذكر هذا في ظاهر الرواية، روي عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول أنه قال لا يومئ المريض بحاجبيه ولا بعينيه ولا بقلبه في الصلاة، وهكذا روي عن أبي يوسف أيضا، وروي عن محمد بن الحسن أنه قال لا يومئ بقلبه ولم يذكر الحاجبين والعينين. وعن زفر أنه يومئ بالحاجبين لقربه من الرأس، فإن عجز فبالعينين، فإن عجز فبقلبه، وقال الحسن بن زياد: يومئ بعينيه وبحاجبيه ولا يومئ بقلبه، كذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في "مبسوطه " خلافهم. وقال القدوري وصاحب " التحفة ": قال الحسن بن زياد: يومئ بحاجبيه وبقلبه ويعيد متى قدر على الأركان. وفي " الحاوي " يومئ بعينيه وبحاجبيه وقلبه عند زفر وأبي يوسف، ولم يجزه أبو حنيفة. وقال محمد: لا أشك أن الإيماء بالرأس يجوز، ولا شك أنه بالقلب لا يجوز وأشك في العينين، ذكره في " الذخيرة ". وقاضي خان وفي "الحاوي " عن محمد الإيماء بالقلب لا يجوز عند أبي يوسف، ولست أحفظ قوله في الإيماء بالعينين والحاجبين. وعند زفر بعينيه وحاجبيه، وإذا صح أعاد. وقال الشافعي: إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطرفه، فإن عجز أجرى أفعال الصلاة على قلبه، وكذا القراءة والأذكار يجريها على قلبه عند العجز، وما دام عاقلًا لا تسقط الصلاة، وفي " الدراية " وقال الشافعي ومالك يومئ بعينيه، فإن عجز فبقلبه لأنه وسع مثله. م: (لما روينا من قبل) ش: أشار به إلى «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأومئ برأسك:» م: (ولأن نصب الإبدال بالرأي ممتنع) ش: هذا دليل عقلي تقديره أن الشارع اقتصر على الرأس في الحديث المذكور في موضع البيان، ولو جاز غيره لبينه فحينئذ لا يجوز نصب البدل عن الإيماء بالرأس بالرأي م: (ولا قياس على الرأس) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال هذا ليس من باب نصب الإبدال بالرأي بل بالقياس على الرأس، وتقدير الجواب أن القياس على الرأس لا يصح م: (لأنه يتأدى به ركن الصلاة) ش: أي لأن الشأن يتأدى بالرأس
دون العين وأختيها. وقوله: أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة عنه، وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا وهو الصحيح لأنه يفهم مضمون الخطاب، بخلاف المغمى عليه، قال: وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزم القيام. ـــــــــــــــــــــــــــــQركن الصلاة وهو السجود م: (دون العين وأختيها) ش: أراد بالأختية الحاجبين والقلب، وذلك لأنه لا يتأدى بهما ركن من أركان الصلاة، فالقياس مع وجود الفارق باطل. م: (وقوله: أخرت عنه) ش: أي قول القدوري في "مختصره"، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخرت عنه، أي أخرت الصلاة عن هذا المريض، ولكن غالب عادة المحتضر، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة، والمعنى واحد. م: (إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة) ش: إشارة بالرفع خبر المبتدأ، أعني قوله والضمير في أنه للسان والشرط في عدم السقوط، وإن كان أكثر من يوم وليلة أن يكون مفيقًا أشار إليه بكلمة "إن" الواصلة بقوله: م: (وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقًا) ش: لوجود فهم الخطاب، وسبب الوجوب صلاحية الذمة، وهو الذي ذكره الكرخي في "مختصره"، واختاره المصنف فلذلك نبه عليه بقوله: م: (هو الصحيح) ش: واحترز به عن قول شيخ الإسلام وفخر الإسلام وقاضي خان وآخرين، فإنهم قالوا الصحيح أنه يسقط، وبه قال مالك، وفي "فتاوى الظهيرية" وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب. قال محمد: قال في " النوادر " من قطعت يداه من المرفقين ورجلاه إلى الساقين لا صلاة عليه، فعلم أن مجرد الفعل لا يكفي لتوجه الخطاب. وفي " المحيط " قال بعض المشايخ: إذا كانت الفوائت أكثر من يوم وليلة لا يجب عليه القضاء، وإن كان أقل من ذلك فعليه القضاء كالجنون والإغماء وهو الصحيح، وللشافعية وجه حكاه صاحب " العدة " والبيان أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه، وفي "منية المفتي " إن دام العجز أكثر من يوم وليلة سقطت في الأصح. وقال بعضهم: لا يسقط، وإن دام أكثر من يوم وليلة حتى إذا برئ لزمه القضاء، ولو مات قضى عنه ورثته. قال في " النافع ": هو الصحيح، وقال بعضهم: يسقط مطلقًا من غير تفصيل، واختاره السرخسي. م: (لأنه أي لأن هذا المريض يفهم مضمون الخطاب) ش: لوجود عقله م: (بخلاف المغمى عليه) ش: لعجزه عن فهم الخطاب م: (وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام
ويصلي قاعدا يومئ إيماء؛ لأن ركنية القيام للترسل به إلى السجدة لما فيها من نهاية التعظيم، فإذا كان لا يتعقبه السجود لا يكون ركنا فيتخير، والأفضل هو الإيماء قاعدا؛ لأنه أشبه بالسجود، وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائما ثم حدث به مرض أتمها قاعدا يركع ويسجد أو يومئ إن لم يقدر أو مستلقيا إن لم يقدر لأنه بنى الأدنى على الأعلى فصار كالاقتداء. ـــــــــــــــــــــــــــــQويصلي قاعدًا يومئ إيماء) ش: وقال زفر والشافعي لم يسقط عنه القيام في هذه الحالة، لأن ركن فلا يسقط بالعجز عن إدراك ركن آخر م: (لأن ركنية القيام للترسل به إلى السجدة لما فيها) ش: أي في السجدة م: (من نهاية التعظيم، فإذا كان لا يتعقبه السجود) ش: أي فإذا كان لا يتعقبه السجود يعني إذا سقطت عنه السجدة وهي الأصل سقط عنه القيام وهو الوسيلة، كمن سقطت عنه الصلاة سقطت عنه الطهارة حينئذ م: (لا يكون ركنًا فيتخير) ش: أي المريض المصلي بين أن يصلي قائمًا بالإيماء، وبين أن يصلي قاعدًا بالإيماء. م: (والأفضل هو الإيماء قاعدًا لأنه أشبه بالسجود) ش: لكون القعود أقرب إلى السجود من القيام. فإن قلت: فقد جاء أفضل الصلاة طول القنوت أي القيام. قلت: إنما كان كذلك لانضمام قراءة القرآن إليه، فيكون فضله لأجل الجمع بين الركنين وهو يحصل في القعود، ولا ترد صلاة الجنازة حيث لم يلزم ثمة سقوط القيام بسبب سقوط السجود، لأنها ليست بصلاة حقيقة بل هي دعاء. م: (وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائمًا وحدث به مرض يتمها قاعدًا يركع ويسجد أو يومئ إن لم يقدر) ش: أي على الركوع والسجود، وفي " فتاوى قاضي خان " ما يخالف هذا حيث قال: تفسد صلاته عند أبي حنيفة في هذه الصورة، وهذه رواية [....] ابن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، لأن تحريمته انعقدت للركوع والسجود فلا يجوز بدونها م: (أو مستلقيًا إن لم يقدر) ش: أي أو يصلي حال كونه مستلقيًا على قفاه إن لم يقدر على القعود، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يستقبل. م: (لأنه بنى الأدنى على الأعلى) ش: أي في الصور الثلاث وهو الإيماء قاعدًا بالركوع والسجود عند عدم القدرة على القيام والإيماء قاعدًا عند عدم القدرة على الركوع والسجود والإيماء ومستلقيًا عند عدم القدرة على الإيماء قاعدًا. م: (فصار كالاقتداء) ش: أي فصار بناء المريض على أول صلاته كالاقتداء أي يجوز كما يجوز ذاك، فإنه يصح اقتداء القاعد بالقائم والمومئ بالراكع والساجد، والأصل في المسألة أن كل موضع يصح الاقتداء يصح البناء وإلا فلا.
ومن صلى قاعدا يركع ويسجد لمرض، ثم صح بنى على صلاته قائما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستقبل بناء على اختلافهم في الاقتداء وقد تقدم بيانه وإن صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف عندهم جميعا، لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء، ومن افتتح التطوع قائما ثم أعيا لا بأس بأن يتوكأ على عصا أو حائط أو يقعد؛ لأن هذا عذر، وإن كان الاتكاء بغير عذر يكره؛ لأنه إساءة في الأدب، وقيل: لا يكره عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه لو قعد عنده يجوز من غير عذر، فكذا لا يكره الاتكاء، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ومن صلى قاعدًا يركع ويسجد لمرض ثم صح بنى على صلاته قائمًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يستقبل بناء على اختلافهم في الاقتداء) ش: أي بنوا بناء على صلاتهم، أراد به اختلاف الثلاثة المذكورين في الاقتداء يعني أن كل فصل جوز الاقتداء فيه جوز بناء آخر الصلاة على أولها وإلا فلا. ثم عند محمد لا يقتدي القائم بالقاعد، فكذا لا يبني في حق نفسه وعند القائم يقتدي بالقاعد، فكذا يبني في حق نفسه. فإن قلت: يرد على هذا ما إذا افتتح الصحيح التطوع قاعدًا وأدى بعض صلاته قاعدًا ثم له أن يقوم فقام وصلى الباقي قائمًا أجزأه بالإجماع، وهذا الأصل المذكور يقتضي أن لا يجوز على قول محمد. قلت: تحريمة المريض لم ينعقد لقيام لقدرته عنده، فجاز بقاؤه عليه. م: (وقد تقدم بيانه) ش: أي بيان اختلافهم في الاقتداء في باب الإمامة. م: (وإن صلى بعض صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود استأنف) ش: أي صلاته م: (عندهم جميعًا) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وعند زفر والشافعي ومالك وأحمد يبني محافظة على عمله م: (لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، فكذا البناء) ش: لأنه يصير بناء القوي على الضعيف. م: (ومن افتتح التطوع قائمًا ثم أعيا) ش: أي تعب، يقال: أعيا الرجل في المشي، إذا تعب وأعياه الله لازم ومتعد. وقال الجوهري: أعيي فهو معي، فلا يقال عيان، وأعي علة الأمر ونقيا ونقايا بمعنى م: (لا بأس أن يتوكأ على عصا أو حائط أو يقعد) ش: أي أو أن يقعد م: (لأن هذا عذر) ش: ففي الاتكاء بعض القيام، وفي القعود بدله م: (وإن كان الاتكاء بغير عذر يكره لأنه إساءة في الأدب) ش: قال البزدوي: الاتكاء بغير عذر يكره، بخلاف القعود، فإن مشروع ابتداء إذ صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم كما ورد في الحديث به بخلاف الاتكاء م: (وقيل: لا يكره عند أبي حنيفة، لأنه لو قعد عنده) ش: أي لأن المصلي لو قعد عند أبي حنيفة م: (يجوز من غير عذر) ش: مع أنه ينافي القيام م: (فكان لا يكره الاتكاء) ش: لأنه ليس أدنى حال من القعود، لأنه لا ينافي في القيام،
وعندهما يكره؛ لأنه لا يجوز القعود عندهما، فيكره الاتكاء، وإن قعد بغير عذر يكره بالاتفاق، وتجوز الصلاة عنده، ولا تجوز عندهما ـــــــــــــــــــــــــــــQفلما كان القيام بغير عذر جائزًا مكروهًا عنده كان الاتكاء غير مكروه م: (وعندهما يكره) ش: أي الاتكاء. م: (لأنه لا يجوز القعود عندهما) ش: يعني بغير عذر م: (فيكره الاتكاء) ش: بغير عذر، لأن القعود بغير عذر يقطع الصلاة عندهما. والإيماء برأسه دون القعود باعتبار أنه لا يتأتى في القيام فكان مكروهًا لكونه إساءة في الأدب، وبعضهم قالوا على قول أبي حنيفة يجب أن يكره الاتكاء بخلاف القعود، فإنه إذا قعد بعدما افتتح قائمًا لا يكره عنده، ووجه ذلك أنه في الابتداء مخير بين أن يفتتح التطوع قائمًا وبين أن يفتتحه قاعدًا، فيبقى هذا الخيار في الانتهاء من غير كراهة، وأما في حق الاتكاء فهو غير مخير في الابتداء بين أن يصلي متكئًا وبين أن يصلي غير متكئ، بل يكره له ذلك لما فيه من الأدب وإظهار التخير، وكذلك في الانتهاء. م: (وإن قعد بغير عذر يكره بالاتفاق) ش: أي وإن قعد في صلاة التطوع بغير عذر بعدما شرع قائمًا يكره بالاتفاق بين الثلاثة، لكن هل تجوز الصلاة أم لا؟، فعند أبي حنيفة يجوز، وعندهما لا يجوز، أشار إليه بقوله م: (وتجوز الصلاة عنده، ولا تجوز عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، وقال الأكمل: وفي كلامه تسامح، لأن ما لا يجوز لا يوصف بالكل إذًا، وقد قال: يكره بالاتفاق. وقال صاحب " الدراية ": بعد أن قال ثم عندهما لا يجوز، فكيف يوصف بالكراهة عند العلامة حميد الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يجوز أن يراد به أنه صلى ركعة قائما، ثم قعد في الثانية ليقرأ لإعياء به ثم قام فأتم الثانية، فإن هذه الصلاة جائزة مع الكراهة. وقال الأكمل: وفيه نظر لأن قعوده إذا كان الإعياء به فكذلك قعود بعذر، والكلام ليس فيه، بل يجب أن يكون مكروها. قلت: هما لا يقولان بالكراهة في فصل عدم الجواز، وإنما يقولان بعدم الجواز فيما إذا قعد ثم قام وأتم الصلاة قاعدًا أو بالجواز مع الكراهة فيما إذا قعد ثم قام وأتم الصلاة قائمًا، ومجرد القعود لا يعدم وصف الجواز، وهو نظير ما إذا قرأ القرآن بالفارسية من عذر لا يجوز عندهما فيما إذا لم يعد القراءة بالعربية أما إذا أعاده فيجوز مع الكراهة. في " الجنازية" و" الكافي " قوله يكره بالاتفاق يخالف ما ذكر قبل هذا بقوله: ولو قعد عنده يجوز ويجاب عن هذا ذكر في " مبسوط فخر الإسلام " لو قعد في النفل لا يكره عنده في
وقد مر في باب النوافل، ومن صلى في السفينة قاعدا من غير علة أجزأه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والقيام أفضل. وقالا: لا يجزئه إلا من عذر، لأن القيام مقدور عليه فلا يترك إلا لعلة، وله أن الغالب فيها دوران الرأس، وهو كالمتحقق، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصحيح، لأن الابتداء على هذا الوجه مشروع بلا كراهة، فالبناء أولى، لأن حكم البناء أسهل من حكم الابتداء، إلا ترى أن الحديث يمنع ابتداء الصلاة، ولا يمنع بقاءها. فقوله في الصحيح يدل على أن ثمة غير صحيح كذا في باب النوافل يكون على الصحيح. وقول هاهنا بالاتفاق وقع سهوًا من الكاتب م: (وقد مر في باب النوافل) ش: أي قال الأترازي: فيه نظر، لأنه لم يذكر في باب النوافل. قلت: ذكره في فصل القراءة من باب النوافل فصدق عليه أنه مذكور في باب النوافل لعجب منه أن ينظر في مثل هذا. م: (ومن صلى في السفينة قاعدًا من غير علة) ش: أي من دوران رأسه ونحوه م: (أجزأه عند أي حنيفة) ش: قال في " المحيط ": قيل: هذا إذا كانت السفينة جارية، وإن كانت راسية لا يجزئه اتفاقًا، ثم إنه قيد بالسفينة لأنه لو صلى على العجلة على الدابة لا يجوز، أما لو كانت على الأرض يجوز، وقيد بقوله: قاعدًا لأنه صلى مسافرًا فيها بالإيماء لا يجوز سواء كانت مكتوبة أو نافلة، لأن يمكنه أن يسجد فيها ولا يقدر، والإيماء شرع عند العجز. وقيد بقوله: من غير علة لأن عند العلة يجوز بالاتفاق، وينبغي للمصلي فيها أن يتوجه إلى القبلة كيفما دارت السفينة، لأن التوجه إلى القبلة فرض بالنص عند القدرة، وهذا قادر بخلاف راكب الدابة لأنه عاجز عن استقبال القبلة حتى إذا ركب الدابة إن كان به نحو القبلة فأعرض عنها لم تجز صلاته، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي م: (والقيام أفضل) ش: يعني الصلاة قائمًا أفضل، لأن أكمل. م: (وقالا: لا يجزئه إلا من عذر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (لان القيام مقدور عليه فلا يترك إلا لعلة) ش: كما لو كان على الأرض بحيث لا يجوز له ترك القيام مع القدرة عليه. م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة م: (أن الغالب فيها) ش: أي في السفينة م: (دوران الرأس وهو كالمتحقق) ش: أي الغالب كالمتحقق، كما في السفر لما كان الغالب فيه المشقة جعلت المشقة كالمتحققة، بخلاف ما لو كان على الأرض، لأن الغالب أن لا يدور الرأس ولا يجلو الأعين. فإن قلت: روي عن ابن عباس قال: «لما بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعفرًا إلى الحبشة قال يا رسول الله كيف أصلي في السفينة؟ قال: "صلي قائما، إلا أن تخاف الغرق» .
إلا أن القيام أفضل؛ لأنه أبعد عن شبهة الخلاف، والخروج أفضل ما أمكنه؛ لأنه أسكن لقلبه. والخلاف في غير المربوطة، والمربوطة كالشط هو الصحيح. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: في إسناده حسين بن علوان، قال أبو حاتم والدارقطني: متروك، وقال ابن معين: كذاب، وقال ابن عدي: يضع الحديث، وذكر ابن حزم في " المحلى " من حديث ابن سيرين قال صلى بنا في السفينة ونحن قعود، ولو شئنا لخرجنا. وقال مجاهد: صلينا مع جنادة بن أبي أمية قعودًا في السفينة، ولو شئنا لقمنا، ذكره في " المحيط " والحددة التي ذكره في " جامع الغرائب "، والحد بالضم وتشديد الدال شاطئ النهر. م: (إلا أن القيام أفضل، لأنه أبعد عن شبهة الخلاف والخروج) ش: أي من السفينة إلى البر. م: (أفضل إن أمكنه، لأنه أسكن لقلبه) ش: لأن القلب تعلق في الماء، وقيد بقوله إن أمكنه أي الخروج منها، لأنه إذا لم يمكنه الخروج إلى الشط يصلي فيها. م: (والخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (في غير المربوطة) ش: أي في غير السفينة المشدودة بشيء في الشط م: (والمربوطة) ش: أي السفينة المربوطة م: (كالشط) ش: حكمها حكم الشط، فلا تجوز الصلاة فيها قاعدًا مع القدرة على القيام م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول عامة المشايخ أن على قول أبي حنيفة تجوز الصلاة فيها قاعدًا مع القدرة على القيام قاعدًا في السفينة جارية كانت أو راسية لإطلاق ما ذكره في " المبسوط " و" الجامع الصغير " والصحيح أن الخلاف في الجارية لا في الراسية، كما قال بعض مشايخنا. وفي " الدراية " هو الصحيح احترازًا عن قول بعض المشايخ، حيث قالوا: تجوز الصلاة فيها قاعدًا. وإن كانت مربوطة تفتح ساعة بساعة أو تفتح بهيجان الريح، فكان في الخروج خطر عظيم. ولكن الصحيح على قولهم أنه لا يجوز لأن دوران الرأس غالبًا حالة الجري مع أنه يمكن الخروج، لأن المربوطة على الشط كالمستقرة على الأرض لإمكان الخروج فلا تجوز كالصلاة على الدابة. وقال التمرتاشي: هذا إذا كانت مربوطة على الشط، فإن كانت موثقة باللجة في لجة البحر وهي تضطرب. قيل: يحتمل وجهين والأصح أنه إن كان الريح يحركها تحريكًا شديدًا فيهي كالسائرة، وإن حركها قليلا فهي كالواقفة. وفي " المجتبى ": والخلاف في السائرة وقيل في الساكنة أيضا. أما في المربوطة لا يجوز إلا قائما بالإجماع، وعند الدوران يجوز قاعدًا بالإجماع.
[حكم من أغمي عليه خمس صلوات أو دونها]
ومن أغمي عليه خمس صلوات، أو دونها قضى، وإن أكثر من ذلك لم يقض، ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المحيط " لا تجوز الفرائض والنوافل فيها بالإيماء إلا بعذر وإن قدر على الخروج، فالمستحب أن يخرج وإلا فلا، وتجوز الجماعة فيها، وكذا في السفينتين المقرونتين والدابة والدابتين المربوطتين، وكذا لو اقتدى في الحددة بإمام في السفينة أو على العكس، وليس بينهما طريق أو طائفة من النهر جاز وإلا فلا. ومن اقتدى بالإظلال بالإمام في أسفل السفينة صح، إلا أن يكون أمام الإمام، لأنها بمنزلة البيت ولو انقلبت السفينة صح إلا أن يكون أمام الإمام لأنها بمنزلة البيت، ولو انقلبت السفينة وهو يصلي بالحددة ويخاف بغرقها أو سرقة مال أو فوت شيء من متاعه أو انفلتت دابته أو خاف الراعي على غنمه من سبع أو عدو أو رأى أعمى على شفير بئر فله القطع، وأكثر المشايخ قدروا ذلك المال بدرهم فصاعدًا، لكن ذكر في " الكفاية " الحبس بالدانق يجوز، فقطع الصلاة أولى. وفي " شرح الجامع الصغير ": يكره هذا في مال غيره، أما في مال نفسه لا يقطع، والأصح جواز القطع فيها، ولو شد السفينة أو الدابة أو أخذ المتاع بعمل يسير لم تفسد صلاته. وفي " المبسوط ": رجلان في محل اقتدى أحدهما بالآخر في التطوع يجوز لعدم ما يمنع الاقتداء. وعن محمد أنه استحسن بجواز الاقتداء إذا كانت دوابهم بالقرب من دابة الإمام على وجه لا تكون الفرجة بينهم وبين الإمام إلا بقدر الصف، بالقياس على الصلاة على الأرض. [حكم من أغمي عليه خمس صلوات أو دونها] م: (ومن أغمي عليه خمس صلوات أو دونها قضى) ش: تفسير الإغماء قد مر في فصل نواقض الوضوء في كتاب الطهارة. قوله: -أو دونها- أي أغمي عليه دون خمس صلوات. قوله: قضى جواب المسألتين م: (وإن كان) ش: أي وإن كان أغمي عليه أو كان الإغماء دل عليه قوله أغمي م: (أكثر من ذلك) ش: أي من خمس صلوات، فتذكر اسم الإشارة باعتبار المذكور م: (لم يقض) ش: جواب إن، أي لم يقض تلك الصلوات التي هي أكثر من خمس صلوات. وقال بشر: عليه القضاء وإن طال، وقال الشافعي إن استوعبت الوقت فلا قضاء عليه، وعند أحمد الإغماء لا يمنع وجوب القضاء بحال، لأنه كالنوم، وفي " الحلية " وعند الشافعي إذا كان بمعصية لا يمنع وجوب القضاء، وإن كان بغير معصية واستوعب وقت الصلاة يمنع وجوب القضاء، وبه قال مالك.
وهذا استحسان، والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كامل لتحقق العجز، فأشبه الجنون، وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت، فيتحرج في الأداء، وإذا قصرت قلت فلا حرج، والكثير أن يزيد على يوم وليلة؛ لأنه يدخل في حد التكرار، ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " البدائع ": إذا زال عقله بالمرض حتى فاتته ست صلوات لا يجب عليه القضاء، وإن كان أقل من ذلك يجب عليه القضاء. وفي " النافع " الأعذار أنواع منه ممتد جدًّا كالصبا يمنع وجوب العبادات، وقاصر جدًّا كالنوم لا يسقط شيئًا من العبادات، وما يكون بين الأمرين كالجنون والإغماء إن امتد ألحق بالممتد جدًّا حتى سقط عنه القضاء، وإن قصر ألحق بالنوم حتى يجب عليه القضاء وامتداده أن يزيد على يوم وليلة لدخوله في حد التكرار على ما يجيء الآن إن شاء الله تعالى. م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرناه من وجوب القضاء بالإغماء خمس صلوات أو دونها م: (استحسان) ش: ولحديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أغمي عليه في أربع صلوات فقضاهن. وعمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنما أغمي عليه يومًا وليلة فقضاهن. وابن عمر أغمي عليه يومان وقيل: ثلاثة أيام فلم يقض، والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كاملًا لتحقق العجز فأشبه الجنون في تحقيق العجز، وفي بعض الروايات: الجنون إذا استوعب وقت صلاة كاملًا يسقط القضاء، بخلاف الإغماء لأن بالجنون يزول العقل الذي هو أصلة الأهلية وبالإغماء لا، ولهذا لا يجوز وصف الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بالجنون، وواصفهم به كافر، وجاز وصفهم بالإغماء فكان المصنف يسوي بينهما في وجه القياس معتمدًا على هذه الرواية، ثم فرق بينهما في وجه الاستحسان، والأصح أنه لا فرق بينهما في الصلاة في اشتراط الامتداد للسقوط، لأن بالجنون لا تزول الأهلية كما لا تزول بالإغماء، والسقوط مبني على الخروج وذلك لا يحصل بدون الامتداد. وفي " المحيط " لو زال عقله بالخمر أكثر من يوم وليلة يلزمه القضاء، وكذا بالبنج عند أبي حنيفة، لأن الأثر في [....] . وعند محمد يسقط كالمرض وإن أغمي عليه بفزع من سبع أو آدمي لا يلزمه القضاء اتفاقا. م: (وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت فيتحرج في الأداء وإذا قصرت) ش: أي المدة م: (قلت) ش: أي الفوائت م: (فلا حرج) ش: حينئذ، لأن في الأولى شق عليه القضاء. وفي الثاني: لا يشق عليه، ألا ترى أن الحائض تقضي الصوم، لأنه لا مشقة فيه ولا تقضي الصلاة لأنه تلحقها مشقة م: (والكثير أن يزيد) ش: أي الإغماء م: (على يوم وليلة، لأنه يدخل في حد التكرار) ش: أراد أن الفرق بين الطويل والقصير بالزيادة على يوم وليلة ليدخل بها الصلاة في حد التكرار، وهو ظاهر، لأن الصلوات إذا صارت ستة تكون فيها مكررة، فدخل
والجنون كالإغماء، كذا ذكره أبو سليمان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بخلاف النوم؛ لأن امتداده نادر فيلحق بالقاصر، ثم الزيادة تعتبر من حيث الأوقات عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن التكرار يتحقق به، وعندهما من حيث الساعات ـــــــــــــــــــــــــــــQفي حد التكرار م: (والجنون كالإغماء) ش: جواب عن قياس الإغماء على الجنون على زعم أن الجنون إذا استغرق وقتًا كاملًا أسقط القضاء، ووجهه أن الجنون كالإغماء إن كان أكثر من يوم وليلة سقط القضاء وإلا فلا م: (كذا ذكره أبو سليمان) ش: اسمه موسى بن سليمان الجوزجاني صاحب الإمام محمد بن الحسن ومن تابعه في " السير الصغير " وكتاب الصلاة وكتاب الرهن، وكان أبو سليمان نص عليه في " النوادر ". م: (بخلاف النوم) ش: يتعلق بقوله وإن كان أكثر من ذلك يقض يعني أن النوم وإن زاد على يوم وليلة لا يسقط القضاء م: (لان امتداده) ش: أي لأن امتداد النوم م: (نادر فيلحق بالقاصر) ش: أي لأن يلحق الممتد منه بالقاصر. م: (ثم الزيادة) ش: أي على يوم وليلة م: (تعتبر من حيث الأوقات) ش: أي تعتبر من حيث أوقات الصلوات م: (عند محمد، لأن التكرار يتحقق به) ش: أي بالاعتبار من حيث الأوقات حتى لا يسقط عند القضاء، ما لم تصر الفوائت ستًّا، وإن زادت الساعات على يوم وليلة كما إذا أغمي عليه قبل الزوال، ثم أفاق في اليوم الثاني وقت الظهر يجب عليه القضاء عند محمد م: (وعندهما من حيث الساعات) ش: حتى لا يجب عليه القضاء في الصورة المذكورة. ثم اعلم أن الخلاف في " مبسوط خواهر زاده " وفي " أصول فخر الإسلام البزدوي " في الأمور المعترضة على الأهلية كما ذكر صاحب " الهداية " بين أبي حنيفة وأبي يوسف، وبين محمد والفقيه أبو الليث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جعل اعتبار الساعات رواية عن أبي حنيفة. وذكر شمس الأئمة السرخسي أيضًا أن اعتبار الساعات رواية عن أبي حنيفة، والصحيح أن العبرة بعدد الصلوات، كذا قال في " شرح الكافي " و" المنظومة " و" المختلف " و" شرح الطحاوي " ذكر الخلاف بين أبي حنيفة ومحمد، ولم يذكر قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الذي ذكرنا إذا دام الإغماء فلم يفق إلى تمام يوم وليلة. فإن كان يفيق ساعة ثم يعاوده الإغماء لم يذكر محمد في الكتاب وأنه على وجهين، إن كان لإفاقته وقت معلوم، نحو أن يخف مرضه عند الصبح فهو إفاقة معتبرة تبطل حكم ما قبلها من الإغماء إن كان أقل من يوم وليلة. وأما إذا لم يكن لإفاقته وقت معلوم، لكنه يفيق بغتة يتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه
هو المأثور عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم بالصواب. ـــــــــــــــــــــــــــــQفهذه الإفاقة غير معتبرة، ألا ترى أن المجنون قد يتكلم في جنونه بكلام الأصحاء فلا يعد ذلك منه إفاقة كذا في " المحيط ". م: (هو المأثور عن علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: قال الأكمل: أي الاعتبار من حيث الساعات هو المأثور. قلت: الذي قاله لا يجدي ولا يشفي حيث لم يبين كيفية المأثور عن علي وابن عمر. وقال الأترازي: ولهما، أي لأبي حنيفة وأبي يوسف ما روي عن ابن عمر أنه أغمي عليه أكثر من يوم وليلة، فلم يقض الصلوات. قلت: هو أيضًا لم يبين من ذكر هذا الأثر من أصحاب السنن، والمصنف أسند الأثر إلى اثنين علي وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والمأثور عن علي غريب، وذكره أصحابنا في كتبهم أن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أغمي عليه في أربع صلوات فقضاهن، والمأثور عن عبد الله بن عمر ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن نافع قال: أغمي على عبد الله بن عمر يوما وليلة، فأفاق فلم يقض ما فاته واستقبل. وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن ابن عمر أنه قال في الذي يغمى عليه يومًا وليلة قال: يقضي. فإن قلت: ما تقول في حديث أخرجه الدارقطني عن الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حدثه «أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة، فقال ليس لشيء من ذلك قضاء، إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة، فيفيق فيه يصليه.» واحتج به الشافعي على سقوط الصلاة بالإغماء. قلت: هذا حديث لا يساوي شيئًا، فإن أحمد قال في الحكم بن سعد الأيلي: أحاديثه موضوعة. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، وكذبه الجوزجاني وأبو حاتم، وتركه النسائي، وبقية السند كله باطل. 1 - فروع: إذا كان يغمى عليه ويفيق ساعة فساعة تلزمه الصلوات، وإن دام أيامًا. مريض راكب لا يقدر على من ينزله تجزئه المكتوبة راكبًا، وإن قدر لم يجز. عبد مريض لا يستطيع أن يتوضأ يجب على مولاه أن يوضئه، بخلاف المرأة المريضة حيث لا يجب على الزوج أن يوضئها. مريض في رمضان صلى قاعدًا، وإن أفطر صلى قائمًا [.....] مريض تحته ثياب نجسة، إن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكان بحال لا يبسط تحته شيء إلا وتنجس من ساعته يصلي على حاله، وكذا إن لم يتنجس ولكن يزاد مرضه ويلحقه مشقة بالتحويل. مريض عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة تجوز صلاته، وعن الفضل لا تجوز لأنه لم يوجد منه الفعل. مريض لا يستطيع التوجه إلى القبلة ولم يجد أحدًا يحوله إليها فصلى إلى غير القبلة لا يعتد في ظاهر الرواية. وعن محمد أنه يعتد. مريض صلى قاعدًا فلما رفع رأسه من السجدة الأخيرة من الركعة الرابعة ظن أنها ثالثة فقرأ وركع وسجد بالإيماء فسدت صلاته، وهو اختيار الولوالجي. مريض صلى جالسا، فلما قعد في الثالثة قرأ وركع قبل التشهد يمضي، لأن هذا بمنزلة القيام لو صلى قائمًا لسلس بوله أو لا يقدر على القراءة، وإن [.....] صلى قاعدًا بركوع وسجود ولو كان يسجد فينفلت بوله يصلي بالإيماء، ولو كان قام أو قعد سال بوله، وإن استلقى لم يسل يصلي قائمًا أو قاعدًا ولا يصلي مستلقيًا. وعن ابن رستم عن محمد يصلي مستلقيًا [......] بحلقه جرح لا يقدر على السجود ويقدر على القيام والركوع صلى قاعدًا بالإيماء. شرب الخمر فذهب عقله أكثر من يوم وليلة لا يسقط عنه القضاء يقضي المريض فوائت الصحة كصلاة المريض، وقيل يؤخرها إن رجي بصحة، والنادر بالصلاة يؤخر إن رجي حتمًا له أن يصلي قاعدًا في الخباء ولكن إذا لم يستطع القيام وكان خارجه طين أو مطر أو خوف سبع صلى ركعة بقيام وركوع وسجود ثم مرض وصار إلى حالة الإيماء فسدت صلاته عند أبي حنفية ويستقبلها، وكذا لو صلى ركعة بقيام وقراءة ثم نسيها فإنه يستقبلها عنده، وعندهما يتمها. صلى أمي ركعة ثم تعلم سورة فإنه يستقبلها بالإجماع. به وجع أسنان إذا أمسك في فمه ماء باردًا أو دواء بين أسنانه يسكن وقد ضاق الوقت فيقتدي بغيره؛ فإن لم يجد يصلي بغير قراءة، وكذا في تكبيرة الافتتاح، ولو كبر يسيل جرحه يشرع فيها بغير تكبيرة، وكذا من يلحن في قراءته لحنًا مفسدًا يصلي بغير قراءة كالأمي، بكر لو ثنت فرجها تذهب عذرتها، وإن لم تثن يسيل منه الدم، قال ركن الدين الصيادي: تصلي مع الدم لأنه ذهاب عذرتها ذهاب حرمتها. عريان معه ثوب ديباج وثوب كرباس فيه نجاسة أكثر من قدر الدراهم يصلي في الديباج. مريض لو صلى قائمًا يعجز عن سنة القراءة، وإن صلى قاعدًا يقدر عليها فالأصح أنه يقعد، وقال ابن مقاتل: لو علم أنه يقدر على قوله: الحمد لله رب العالمين، وإن قعد يقدر على الفاتحة والسورة ففي قياس قول أبي حنيفة تحريمه قائمًا، وقال محمد: لا يجزئه إلا جالسًا بناء على قدر فرض القراءة.
[باب سجود التلاوة]
باب سجود التلاوة قال: سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر سجدة، في آخر الأعراف وفي الرعد، والنحل، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب سجود التلاوة] [عدد سجدات القرآن] م: (باب سجود التلاوة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام سجود التلاوة، والإضافة فيه من قبيل إضافة المسبب إلى السبب كخيار العيب وخيار الرؤية وصلاة الظهر وحج البيت، وأقوى وجوه الاختصاص اختصاص المسبب بالسبب. فإن قلت: التلاوة سبب في حق التالي والسماع سبب في حق السامع، فكان ينبغي أن يقول: باب في سجود التلاوة والسماع. قلت: لا خلاف في كون التلاوة سببًا. واختلفوا: في سببية السماع، فقال بعضهم: ليس السماع سببًا، وكذلك اقتصرت إضافة السجدة إلى التلاوة دون السماع، أو يقول: إن التلاوة أصل في الباب، لأنها إذا لم توجد لم يوجد السماع، فكان ذكرها مشتملًا على السماع من وجه، فاكتفي به. فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين. قلت: من حيث وجود الرخصة في كل منهما، فالرخصة في الأول وفي الأركان وفي هذين التداخل وذلك للخروج منهما. وقول الشراح كان من حق هذا الباب أن يقترن بسجود السهو، لأن كلًّا منهما سجدة، لكن لما كان صلاة المريض بعارض سماوي كالسهو ألحقها بها، فتأخر سجود التلاوة ضرورة غير سديدة، لأن كون كل منهما سجدة لا يكفي للمناسبة ولأنه لا ضرورة في تأخيره على ما لا يخفى. م: (قال) ش: أي القدوري: م: (سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر) ش: أي موضعًا. وفي بعض النسخ كذلك م: (في آخر الأعراف) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] (الأعراف: الآية 206) والرعد عند قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15] (الرعد: الآية 15) . م: (وفي الرعد) ش: م: (وفي النحل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] (النحل: الآيتان 49، 50) .
وبني إسرائيل، ومريم، والأولى في الحج، والفرقان، والنمل، والم تنزيل، وص، وحم السجدة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وبني إسرائيل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] (الإسراء: الآية 109) . م: (ومريم) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (مريم: الآية 58) . م: (والأولى في الحج) ش: أي السجدة الأولى في الحج عند قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] (الحج: الآية 18) ، وسنذكر خلاف الشافعي فيه إن شاء الله. م: (والفرقان) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] (الفرقان: الآية 60) . م: (والنمل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] (النمل: الآية 25) ، على قراءة العامة، وقال الشافعي ومالك عند قوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] (النمل: الآية 26) ، ونقل عن الزجاج والفراء أن السجدة على قراءة الكسائي ألا يسجدوا المخففة. وأما على قراءة الأكثرين ألا المشددة، فلا ينبغي أن تكون سجدة لأنها تتمة خبر الهدهد عن حال بلقيس وقومها بخلاف المخففة، فإنها أمر مستأنف من الله بالسجود والتقدير ألا يا قوم اسجدوا. وهذا ليس بصحيح، إذ المشدد هي قراءة السواد الأعظم وفيها ذم على تركه، كسجدة الفرقان والانشقاق، ويجوز أن يكون كلتا القراءتين حكاية عن خبر الهدهد ولا يمنع ذلك من أن يكون سجدة. م: (وألم تنزيل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] (السجدة: الآية 15) . م: (وص) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] (ص: الآية 24) . وبه قال الشافعي ومالك، وروي عنه قوله: {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] . م: (وحم السجدة) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: الآية 38) ، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد.
والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك، ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال في القديم عند قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وبه قال مالك. م: (والنجم) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] (النجم: الآية 62) . وعند مالك ليس فيه سجدة م: (وإذا السماء انشقت) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (الانشقاق: الآيتان 20، 21) . وقال ابن حبيب المالكي: في آخر السورة، وعند مالك ليس فيه سجدة. م: (واقر باسم ربك) س: عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] (العلق: الآية 19) . وفي " مختصر البحر " لو قرأ واسجد وسكت ولن يقل: واقترب تلزمه السجدة، واعلم أن العلماء اختلفوا في عدد سجود القرآن على اثني عشر قولًا: الأول: مذهبنا وقد ذكرناه. الثاني: إحدى عشرة، بإسقاط الثلاثة من المفصل، وبه قال الحسن وابن المسيب وابن جبير وعكرمة، ومجاهد وعطاء وطاوس ومالك في ظاهر الرواية والشافعي في القديم. الثالث: خمس عشرة، وبه قال المدنيون عن مالك تكملتها بآية الحج وهو مذهب عمر وابنه عبد الله والليث وإسحاق، ورواية عن أحمد وابن المنذر واختاره المروزي وابن شريح. الرابع: أربع عشرة، بإسقاط ص وهو أصح قولي الشافعي وأحمد. والخامس: أربع عشرة بإسقاط سجدة النجم، وهو قول أبي ثور. السادس: اثنتا عشرة بإسقاط ثانية الحج وص والانشقاق، وهو قول مسروق. السابع: ثلاث عشرة بإسقاط ثانية الحج والانشقاق، وهو قول عطاء الخراساني. الثامن: إن عزائم السجود خمس؛ الأعراف وبنو إسرائيل والنجم والانشقاق واقرأ باسم ربك، وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. التاسع: عزائمه أربع، ألم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك، وهو مروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والعاشرة: عزائم السجود ثلاث، قاله سفيان بن جبير، وهي ألم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك. الحادي عشر: عزائم السجود ألم تنزيل، والأعراف، وحم تنزيل، وبنو إسرائيل، وهو مذهب عبيد بن عمير.
كذا كتب في مصحف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المعتمد، ـــــــــــــــــــــــــــــQوالثاني عشر: عشر سجدات، قال به جماعة. م: (كذا كتب في مصحف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المعتمد عليه) ش: أي أراد أن المكتوب في مصحف عثمان أربعة عشر سجدة، كما ذهبنا إليه، والعمدة على ما كتب فيه. ثم اعلم أن الآيات المعدودة أربعة عشر كما ذكرنا، وكذلك عند الشافعي أربعة عشر أيضا، لكن في الحج سجدتان وليس في ص سجدة. واحتج الشافعي كون السجدتين في الحج بما رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن لهيعة ثنا «مشرح بن هاعان سمعت عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟، قال: " نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما» ورواه أحمد في " مسنده " والحاكم قي " مستدركه ". والجواب عنه: أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوي وقال الحاكم: لم يثبت مسندًا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة، وإنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره. وقال المنذري في " مختصر السنن ": عبد الله بن لهيعة ومشرح بن هاعان لا يحتج بحديثهما، وذكر أبو الفرج بن لهيعة في الضعفاء والمتروكين. وقال يحيى بن سعيد: قال لي بشر بن السري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفًا واحدًا، وكان يحيى بن سعيد: لا يراه شيئًا. وقال يحيى بن معين: هو ضعيف قبل احتراق كتبه وبعده. وقال عمرو بن علي الفلاس: هو ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: ليس ممن يحتج به وفي " المبسوط ": وتأويله مع ضعفه فصلت سجدتين إحداهما سجدة التلاوة والأخرى سجدة الصلاة، ويدل عليه ذم تاركهما، وعند المخالف لنا هي مستحبة والذم لا يستحق بترك المستحب فلا يستقيم ذلك على أصله. وفي " الذخيرة " هو محمول على النسخ لإجماع قراء المدينة وفقهائها على ترك ذلك مع تكرار القراءة ليلًا ونهارًا. واحتج الشافعي أيضًا بحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين «عن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأه خمس عشر سجدة في القرآن، منها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثلاث عشرة في المفصل وفي سورة الحج سجدتان» . والجواب: بأن عبد الله بن منين فيه جهالة. وقال عبد الحق في "أحكامه" عبد الله بن منين لا يحتج به، ولئن سلمنا فالمراد بإحدى السجدتين سجدة التلاوة وبالأخرى سجدة الصلاة. فإن قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عند عبد الله بن ثعلبة قال: صلى بنا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصبح فيما أعلم فقرأ فيها بالحج فسجد فيها سجدتين، ورواه الطحاوي أيضًا بإسناد صحيح والبيهقي وأخرج الطحاوي والبيهقي أيضًا عن صفوان بن محرز أن أبا موسى الأشعري سجد فيها سجدتين، وأخرجه أيضا عن جبير بن عفير أنه رأى أبا الدرداء يسجد في الحج بسجدتين، وأخرج الحاكم عن عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس أنهم سجدوا في الحج سجدتين. قلت: هذه الآثار لا يحتج بها الخصم على قاعدته. وأما جوابها عندنا فهو أنها لا تدل على أن السجدتين كلتيهما سجدة التلاوة، والدليل على ذلك ما رواه الطحاوي عن ابن عباس أنه قال في سجود الحج: الأولى عزيمة، والأخرى تعليم وإسناده صحيح. فإن قلت: كيف تقول: صحيح وفيه عبد الأعلى الثعلبي؟ وعن أحمد أنه ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، قلت: وثقه يحيى بن معين والطحاوي، وروى له الأربعة، قال الطحاوي: وبقول ابن عباس نأخذ. واحتج الشافعي أيضًا في قوله: سجدة ص ليست بسجدة تلاوة ولكنها سجدة شكر. واحتج أيضًا بما رواه النسائي «عن ابن عباس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في ص وقال: "سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا» ، وبحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال «قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود" فنزل فسجد وسجدوا.» رواه أبو داود والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوالجواب: أن هذا حجة لنا، لأنا نقول: سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب، ولهذا لا نسجد عندنا. قوله: وأناب بل عقيب قوله مآب، وهذا نعمة عظيمة في حقنا، فكانت سجدة تلاوة، لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة، وسبب وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإطماعنا في نيل مثله، وكذا سجدة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها تدل على أنها سجدة تلاوة، وأما تركه في الجمعة الثانية حين القراءة فلا يدل على أنها ليست بسجدة التلاوة، بل كان يريد التأخير وهي لا تجب على الفور عندنا، على أنه سجدها أيضًا وسجد الناس معه لما تشزنونه. وقوله تشزن الناس معناه هبوا للسجود وتهيؤوا له، ومادته شين وزاي معجمتان ونون. واحتج: من لم ير السجود في المفصل وهو من سورة محمد إلى آخر القرآن منهم مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث رواه أبو داود «عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» ولما رواه أبو داود أيضًا من حديث «زيد بن ثابت قال: قرأت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النجم فلم يسجد فيها» وبما رواه ابن ماجه في "سننه " عن «أبي الدرداء قال: سجدت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة ليس فيها شيء من المفصل» الحديث. والجواب: عنها أما حديث ابن عباس فإسناده ليس بالقوي قال عبد الحق: ويروى مرسلا والصحيح حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وإسلامه متأخر قدم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في السنة السابعة من الهجرة» وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر، وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد الإيادي ليس بشيء، وضعفه ابن معين، وفيه أيضًا مطر الوراق كان سيئ الحفظ، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه. وأما حديث زيد بن ثابت، فالجواب عنه: أنه محمول على بيان جواز ترك السجود عند من يقول: إنه سنة وليس بواجب، وأما الذين يقولون بوجوبه، فأجابوا عنه بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد على الفور ولا يلزم منه أنه ليس فيه سجدة ولا فيه نفي الوجوب.
[من تلزمه سجدة التلاوة]
والسجدة الثانية في الحج للصلاة عندنا، وموضع السجدة في حم السجدة عند قوله: {لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] في قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المأخوذ للاحتياط، والسجدة واجبة في هذه المواضع ـــــــــــــــــــــــــــــQوأما حديث أبي الدرداء ففي إسناده عثمان بن فائد، قال فيه ابن حبان: لا يحتج به ووهاه ابن عدي وقال أبو داود في "سننه" وروي «عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة.» وإسناده واه. م: (والسجدة الثانية في الحج) ش: وهي قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] م: (للصلاة عندنا) ش: يعني لأجل الصلاة عندنا، لأنها مقرونة بالركوع، وهي سجدة الصلاة لأنه يجمع بينهما في الصلاة، واحترز بقوله عندنا عن مذهب الشافعي، فإن عنده في الحج سجدتان وقد ذكرناه مفصلًا م: (وموضع السجود في حم السجدة عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ش: يعني إذا قرأ آية السجدة في حم السجدة وهي قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: الآيتان 37، 38) ، فموضع السجود عندنا قوله وهم لا يسأمون وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود وبه قال النخعي وابن المسيب وابن سيرين وأبو وائل والثوري وطلحة بن مصرف والشافعي في الصحيح وأحمد وإسحاق. وقال الشافعي: في القديم عند قوله {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وبه قال مالك، وحكى ابن المنذر عن عمر والحسن البصري والنخعي والليث م: (في قول عمر رضي الله عنه) ش: هذا وهم وليس قول عمر، وإنما هو قول ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عنه أنه كان يسجد في آخر الآيتين في حم السجدة عند قوله {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ، وزاد في لفظ وأنه رأى رجلا سجد عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] فقال بعد عجلت، وإنما قال ذلك لأنه لا يجوز التعجيل قبل السبب، ويجوز التأخير بعده لأن وقت أدائها موسع، فمتى أتى بها يكون مؤديًا لا قاضيًا، ذكره في " الفتاوى الظهيرية ". م: (وهو المأخوذ) ش: أي قول عمر الذي يؤخذ به م: (للاحتياط) ش: أي لأجل الاحتياط، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يكون موضع السجود في الواقع عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] أو عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] فإن كان عند الأول يجوز أداء السجدة عند الشافعي، لأنه لا يضره التأخير، وإن كان عند الثاني فلا يجوز أداؤها عند الأول، لأنه يلزم تقديم المسبب على السبب وهو فاسد، ولأن تمام الكلام يقع بما قلنا، والسجود عند تمام الكلام أولى. [من تلزمه سجدة التلاوة] م: (والسجدة واجبة في هذه المواضع) ش: الأربعة عشر المذكورة في الدراية، والسجدة واجبة أي عندنا، وعند الشافعي ومالك وأحمد، وعند جماعة سنة، وقال النووي قال مالك فيما
على التالي، والسامع سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السجدة على من سمعها، وعلى من تلاها» ، ـــــــــــــــــــــــــــــQحكاه القاضي أبو محمد: هي فضيلة. وقال الأترازي: سجدة التلاوة واجبة عند علمائنا. وقال الشافعي: إنها سنة، وذكر النووي في "المهذب " أنها سنة للقارئ والمستمع بلا خلاف عند الشافعية. وفي " المبسوط" سنة مؤكدة. قلت: هذا مذهبنا على ما اختاره البعض في حد الواجب م: (على التالي والسامع سواء قصد) ش: أي السامع م: (سماع القرآن أو لم يقصد) . ش: وقال الأكمل: وإنما قيل بهذا لأن في بعض لفظ الآثار السجدة على من جلس لها، وفيه إيهام أن من لم يجلس له فليست عليه فقيل بذلك دفعًا لذلك. قلت: هذا أخذه من السغناقي، وتبعه أيضًا صاحب الدراية وليس كل منهم بين راوي الأثر ولا من أخرجه، وهل هو صحيح أم لا وليس هذا دأب من يتصدى لشرح كتاب أو لبيان مذهب. وقال الوبري: سبب وجوب سجدة التلاوة ثلاثة التلاوة والسماع والاقتداء بالإمام، وإن لم يسمعها ولم يقرأها، وللشافعية أوجه: الأول: أنه في حق السامع من غير فصل يستحب وهو الصحيح المنصوص في البويطي وغيره، ولا يتأكد في حقه. والوجه الثاني: هو كالمستمع. والثالث: لا يسن له، وبه قطع أبو حامد والمنبجي، وعند أحمد هي سنة في حق القارئ والمستمع دون السامع، وعنه إذا قرأ شيئًا في الصلاة يجب أن لا يدع السجود وهو في الصلاة أوكد. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السجدة على من سمعها وعلى من تلاها» ش: هذا غريب لم يثبت، وإنما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال السجدة على من سمعها. وفي البخاري قال عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن السجود على من استمع، وهذا التعليق رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان مر بقارئ فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان: إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد.
وهي كلمة إيجاب وهو غير مقيد بالقصد. ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي "المبسوط" و" الأسرار " و" المحيط " و" شروح الجامع الصغير " جعل هذا الذي رفعه المصنف إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ألفاظ الصحابة لا من الحديث، فقال في " المبسوط ": وعن عثمان وعلي وابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: السجدة على من تلاها وعلى من سمعها وعلى من جلس لها، اختلفت ألفاظهم في هذه، وكذا في غيره، وقد غمز الأكمل هاهنا على السغناقي في قوله من أقوال الصحابة، لأمن الحديث، ثم قال، ولولا أنه ثبت عنده أنه من الحديث لما نعده حديثًا. قلت: كلامه هذا صادق من غير تأمل، فإن غيره أيضًا ادعى أنه ليس بحديث. غاية ما في الباب أن المصنف قلد غيره، وإلا فر من التقليد له. م: (وهي كلمة إيجاب) ش: أي لفظه على كلمة إيجاب، يعني يدل على الوجوب م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (غير مقيد بالقصد) ش: يعني أن الإيجاب مطلق عن قيد القصد يجب على كل سامع سواء كان قاصدًا للسماع أو لم يكن. وقال الأكمل: اعترض بأنها لو كانت واجبة ... إلخ أخذه من السغناقي فإنه جعله سؤالًا وجوابًا وما كان ينبغي إيراده على هذا الوجه، لأن السؤال حاصل دلائل من يذهب إلى أن سجدة التلاوة غير واجبة. والجواب: حاصل ما قاله أئمتنا في الرد عليهم، فبقول الخصم استدل على ما ذهب إليه أولًا بحديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنجم فلم يسجد فيها» أخرجه البخاري ومسلم، وبحديث الأعرابي: «هل على غيرها؟ قال: "لا إلا أن تتطوع» أخرجه البخاري ومسلم، وبما روي عن عمر أنه قرأ سورة النحل وفيه في الجمعة القابلة قرأ آية السجدة، وفي الموطأ عن عمر فيه أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وبما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: دخل سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المسجد وفيه قوم يقرؤون فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقال له صاحبه يا أبا عبد الله لولا أثنيت هؤلاء القوم، فقال ما لهذا غدونا، وأخرجه البخاري والطحاوي أيضًا. واستدلوا: إثباتًا بالمعقول من وجوه: الأول: أنها لو كانت واجبة لما جازت بالركوع كالصلاتية. الثاني: أنها لو كانت واجبة لما تداخلت. الثالث: ما أديت بالإيماء من راكب يقدر على النزول. الرابع: أنها تجوز على الراحلة، فصار كالتأمين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالخامس: لو كانت واجبة بطلت الصلاة بتركها كالصلاتية. الجواب: عن حديث زيد بن ثابت قد مر فيما مضى، وعن حديث الأعرابي أنه في الفرائض ونحن ندعي أن سجدة التلاوة فرض. وعن حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه موقوف وهو ليس بحجة عندهم، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله أولى. وعن حديث سلمان كذلك. والجواب: عن دليلهم العقلي: أما عن الأول: فإن أداءها في ضمن شيء لا يتأتى وجوبها في نفسها كالسعي إلى الجمعة يتأتى بالسعي إلى التجارة. وعن الثاني: إنما جاز التداخل لأن المقصود منها إظهار الخضوع والخشوع، وذلك يحصل بمرة واحدة. وعن الثالث: لأنه أداها كما وجبت، فإن تلاوتها على الدابة مشروعة، فكان كالشروع على الدابة في التطوع. وعن الرابع: لأن تلاوتها على الراحلة مشروعة، فلا ينافي الوجوب. وعن الخامس: أن القياس على الصلاتية فاسدة لأنها جزء الصلاة، والسجدة ليست بجزء الصلاة. وأما دليلنا على الوجوب فقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (الانشقاق: الآية 21) ، فذمهم على ترك السجود، وإنما يستحق الذم بترك الواجب وقوله تعالى في سورة النجم: {فَاسْجُدُوا} [النجم: 62] وقوله تعالى في سورة اقرأ: {وَاسْجُدْ} [العلق: 19] ومطلق الأمر للوجوب، ولأن في بعض آي السجدة ذكر طاعة الأنبياء عليهم السلام والأولياء وفي بعضها ذكر استنكاف الكفار وموافقة الأنبياء والأولياء واجبة؛ لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] (الأنعام: الآية 90) ، وكذا مخالفة الأعداء، ولأنها لو لم تكن واجبة لما جاز أداؤها في الصلاة لأن أداء زيادة سجدة وهي تطوع توجب الفساد، وعند الخصم إذا كان عمدًا، وعندنا يكره، ولأنه ركن مفرد عن أركان الصلاة الأصلية شرعت قربة خارج الصلاة، فوجب أن تكون واجبة قياسًا على القيام في صلاة الجنازة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويله» وروي: «يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت
وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها وسجدها المأموم معه لالتزامه متابعته، وإذا تلا المأموم لم يسجد الإمام، ولا المأموم في الصلاة، ولا بعد الفراغ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQبالسجود فأبيت فلي النار» . ورواه مسلم وأحمد وابن ماجه، ووجه التمسك به أنه قال: أمر ابن آدم والأمر للوجوب. ووجه آخر أنه قربة فالسجدة التي أمر بها وتلك كانت واجبة فكذا هذه. فإن قلت: هذا حكاية قول إبليس وهو ليس بحجة كما في قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] (الأعراف: الآية 12) . قلت: قد أخبر بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه، ولم ينكره، بل قرره واستصوبه، فكان ما قاله صوابًا وحقًّا، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد، في النجم سجد معه المسلمون والمشركون والجن الإنس» رواه البخاري والترمذي وصححه. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ والنجم وسجد فيها، وسجد من كان معه غير أن شيخًا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته قال: يكفيني هذا، قال عبد الله فلقد رأيته بعدا أن قتل كافرًا» متفق عليه، والشيخ قبل الوليد بن المغيرة. ولأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب لأنها ثلاث أقسام، قسم هو أمر صريح مثل التي في النجم، وفي اقرأ باسم ربك، والأمر للوجوب. وقسم فيه ذكر طاعة الأنبياء كما قلنا. وقسم فيه استنكار الكفار عن السجود ومخالفتهم في ذلك واجبة. فإن قلت: لا يجب الاقتداء فيما فعلوه على وجه الاستحباب. قلت: جهة الاستحباب غير معلومة، فيجب الاقتداء مطلقًا. م: (وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها) ش: وفي بعض النسخ وإذا تلا الإمام السجدة أي آية السجدة على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه سجدها أي سجدها الإمام م: (وسجدها المأموم معه لالتزامه متابعته) ش: لأنه إذا لم يسجد معه يلزم المخالفة بين الأصل والتبع، فلا يجوز، وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا قرأ سجدة سجد وسجدنا معه.» رواه البخاري ومسلم. م: (وإذا تلا المأموم) ش: يعني المقتدي إذا قرأ آية السجد وسمعها الإمام والقوم م: (لم يسجد الإمام ولا المأموم في الصلاة) ش: هذا بالاتفاق م: (ولا بعد الفراغ) ش: أي لا يسجد الإمام والمأموم أيضًا بعد فراغهم من الصلاة م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال مجد الدين بن تيمية الحراني: وهذا إجماع إلا عند محمد بن الحسن.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجدونها إذا فرغوا؛ لأن السبب قد تقرر، ولا مانع بخلاف حالة الصلاة؛ لأنه يؤدي إلى خلاف وضع الإمامة، أو التلاوة. ولهما أن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه، وتصرف المحجور لا حكم له، بخلاف الجنب والحائض؛ لأنهما منهيان عن القراءة إلا أنه لا يجب على الحائض بتلاوتها ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وقال محمد: يسجدونها إذا فرغوا) ش: من الصلاة م: (لأن السبب قد تقرر) ش: أي سبب وجوب السجدة وهو التلاوة أو السماع قد تقرر ووجب م: (ولا مانع) ش: معناه زال المانع، وهو كونهم في الصلاة كما لو سمع من غيره وهو في الصلاة. وفي " الدراية" وقال الشافعي: حيث قال: ويستحب أن يسجد بعد الفراغ من الصلاة م: (بخلاف حالة الصلاة، لأنه يؤدي إلى خلاف موضوع الإمامة) ش: أن يسجد التالي وتابعة الإمام، وذا لا يجوز بتقلب المتبوع تبعًا م: (أو التلاوة) ش: أي يؤدي إلى خلاف موضوع التلاوة إن سجد الإمام وتابعه الباقي فلا يجوز. لحديث رواه الشافعي وأبو بكر بن أبي داود من حديث أبي هريرة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال لرجل قرأ آية السجدة عنده: "إنك كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا» . قلت: هذا مرسل، ورفعه أبو بكر بن أبي داود من حديث أبي هريرة، وفي سنده إسماعيل بن عياش وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهما ضعيفان، وإن سجد التالي وحده فلا يجوز أيضًا، لأنه يصير منفردًا بأداء سجدة في موضع الاقتداء، وتحريمته انعقدت على أن يؤدي مع الإمام، فلا يجوز أن ينفرد بشيء. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن المقتدي محجور عن القراءة) ش: وراء الإمام شرعًا م: (لنفاذ تصرف الإمام عليه) ش: أي على المقتدي في حق القراءة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له» م: (وتصرف المحجور لا حكم له) ش: لأنه لا ينعقد مقيدًا لحكمه كما عرف في موضعه. م: (بخلاف الجنب والحائض) ش: جواب عما يقال المقتدي في كونه ممنوعًا عن القراءة، كالحائض والجنب والسجدة تجب على من سمعها، فكذا على من سمع المقتدي، وتقرير الجواب قوله م: (لأنهما) ش: أي لأن الجنب والحائض م: (منهيان عن القراءة) ش: وتصرف النهي له حكم كالملك بالبيع الفاسد بعد القبض، فأثر الحجر في تعطيل السبب، وأثر النهي في حرمة الفعل دون التعطيل. م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله لأنهما منهيان أشار بهذا إلى بيان الفرق بين الجنب والحائض، أي إلا أن البيان م: (لا يجب على الحائض بتلاوتها) ش: أي لا يجب السجدة عليها
كما لا يجب بسماعها لانعدام أهلية الصلاة بخلاف الجنب، ولو سمعها رجل خارج الصلاة سجدها هو الصحيح؛ لأن الحجر ثبت في حقهم فلا يعدوهم، وإن سمعوا وهم في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم في الصلاة لم يسجدوها في الصلاة؛ لأنها ليست بصلاتية؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQبسبب تلاوتها. م: (كما لا يجب بسماعها) ش: أي كما لا تجب السجدة بسماعها من غيرها م: (لانعدام أهلية الصلاة) ش: في حقها، لأن السجدة ركن من أركان الصلاة والحائض لا تلزمها الصلاة مع تعذر السبب، فلا تلزمها السجدة أيضًا م: (بخلاف الجنب) ش: لأن الصلاة تلزمه، فكذلك السجدة. وقال تاج الشريعة: على أنا نقول: الجنب والحائض ليسا بممنوعين عن قراءة ما دون الآية على ما ذكره الطحاوي، وما دون الآية يوجب السجدة، ذكره شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الصلاة، وهو ظاهر المذهب، أما المقتدي فلما حجر عليه في قراءة الآية فما دونها حجر عليه في قراءة ما دونها، فجاز أن يختص قراءتها بإيجاب السجدة. م: (ولو سمعها رجل) ش: ولو سمع آية السجدة رجل حال كونه م: (خارج الصلاة سجدها) ش: يعني بالاتفاق م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ الذين قالوا بعدم الوجوب. وفي " الدارية ": احترز عن قول بعض المشايخ حيث قالوا: لا يسجدها على قولهما، خلافًا لمحمد. وقال الأترازي: وهذا الذي قاله صاحب " الهداية " ضعيف، لأنه لما سلم أن هذا الشخص محجوب وجب عليه أن يقول بعدم وجوب السجدة على السامع خارج الصلاة، لأن قد ثبت من أصولنا أن تصرف المحجور لا حكم له، قلت: هذا المحجور بالنسبة إلى وجه في حق من عليه الحجر، وغير محجور أولى. فالأول: مستلزم شمول العدل. والثاني: شمول الوجوب فافهم. م: (لأن الحجر ثبت في حقهم) ش: هذا تعليل الصحيح، أي في حق المقتدين والإمام، وهو أن علة الحجر هي الاقتداء، وهو مختص بهم فلا يعدوهم، أي فلا يتجاوز الحجر غيرهم، فلا جرم يجب السجود بقراءة المقتدي على من هو خارج الصلاة. م: (وإن سمعوا وهم) ش: أي والحال أنهم م: (في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم) ش: يعني المقتدي إذا سمعوا آية السجدة من رجل خارج الصلاة م: (لم يسجدوها في الصلاة لأنها) ش: أي لأن هذه السجدة م: (ليست بصلاتية) ش: يعني ليس من أفعال هذه الصلاة، لأن أفعال الصلاة
لأن سماعهم هذه السجدة ليس من أفعال الصلاة، وسجدوها بعدها لتحقق سببها، ولو سجدوها في الصلاة لم يجزئهم؛ لأنه ناقص لمكان النهي فلا يتأدى به الكامل. قال: وأعادوها لتقرر سببها ولم يعيدوا الصلاة؛ لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة. وفي " النوادر " أنها تفسد؛ لأنهم زادوا فيها ما ليس منها، وقيل: هو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإما واجب أو فرض، وسماعها ليس بواجب ولا فرض فلا يؤتى بها في الصلاة م: (وسجدوها بعدها) ش: أي بعد الصلاة يعني بعد فراغها لتحقق سببها وهو السماع ممن ليس بمحجور م: (ولو سجدوها في الصلاة لم يجزئهم لأنه) ش: أي لأن السجود م: (ناقض لمكان النهي) ش: لأنه نهي عن إدخال ما ليس من الصلاة فيها، وقد وجبت السجدة كاملة، فإذا فعلها وقعت ناقصة م: (فلا يتأدى به) ش: أي بالناقص م: (الكامل) ش: لأن ما وجب كاملًا لا يتأدى ناقصًا. م: (قال: وأعادوها) ش: أي قال المصنف، وأعادوا السجدة التي سجدوها في الصلاة م: (لتقرر سببها) ش: وهو السماع من غير محجور م: (ولم يعيدوا الصلاة، لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة) ش: لأن سجدة التلاوة عبادة والصلاة لا تنافيها، فصار كمن أتى سجدة زائدة متطوعًا فلا تفسد الصلاة م: (وفي: " النوادر " أنها تفسد) ش: أي ذكر في " النوادر "، رواه ابن سماعة عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه، أي أن السجود يفسد الصلاة. وقوله: - يفسد - بضم الياء من الإفساد م: (لأنهم زادوا فيها) ش: أي في الصلاة م: (وما ليس منها) ش: وذلك أنهم اشتغلوا في صلاتهم بشيء حكمه أن يقعدوا بعد الصلاة فصاروا ناقضين صلاتهم، كمن صلى النفل في حال الفرض. م: (وقيل: هو قول محمد) ش: أي قال بعضهم الذي ذكر في " النوادر " هو قول محمد، وفي "مبسوط خواهر زاده " ذكر الفساد على قول محمد، ثم قال: والصحيح أن لا تفسد الصلاة عند الكل، ثم قال: هكذا قال على العمى، ويقال: قول محمد هو جواب القياس، وما ذكر هنا وهو وقولهم جواب الاستحسان بناء على أن زيادة ما دون الركعة لا يفسدها عندهما، وعلى قوله: زيادة السجدة يفسدها. وهذا الاختلاف بناء على اختلافهم في سجدة الشكر، فعند محمد السجدة الواحدة عبادة مقصودة، لهذا حكم بأن سجدة الشكر مسنونة، فتفسد لشروعه في واجب قبل إكمال الفرض. وعند أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف أنها غير مسنونة، والسجدة الواحدة بمنزلة الركعة، وفي كونها ركنًا من أركان الصلاة غير مستقلة عبادة. وفي " المختلف " و" ملتقى البحار " قول أبي يوسف مع محمد في مشروعية سجدة الشكر، وفي "قاضي خان " عن أبي يوسف روايتان فيها.
فإن قرأها الإمام، وسمعها رجل ليس معه في الصلاة، فدخل معه بعدما سجدها الإمام، لم يكن عليه أن يسجدها؛ لأنه صار مدركا لها بإدراك الركعة، وإن دخل معه قبل أن يسجدها سجدها معه؛ لأنه لو لم يسمعها سجدها معه، فهاهنا أولى، وإن لم يدخل معه سجدها وحده، لتحقق السبب ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فإن قرأها الإمام وسمعها رجل ليس معه في الصلاة فدخل معه بعدما سجدها الإمام، لم يكن عليه أن يسجدها، لأنه صار مدركًا لها بإدراك تلك الركعة) ش: أي صار الرجل المذكور مدركًا للسجدة، بإدراك الركعة التي قرأها الإمام فيها، لأنه لما صار مدركًا للقراءة بإدراكه في تلك الركعة صار مدركًا لما تعلق بالقراءة. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ذكر في " زيادات الزيادات " أنه لا يسقط عنه ما لزمه بالسماع، ويسجد بعد الفراغ، ثم قال وذلك قياس ما ذكر في " نوادر الصلاة " لأبي سليمان، ثم هذا الذي ذكرنا فيما إذا أدرك الإمام في تلك الركعة، كما ذكرنا، أما إذا أدركه في الركعة الأخرى قيل ينبغي أن يسجدها خارج الصلاة، وقال الإمام العتابي، وأشار في بعض النسخ إلى أنها تسقط عنه لأنها صارت صلاتية. فإن قلت: يشكل على هذا لو أدرك الإمام في الركوع في صلاة العيدين حيث لم يصر مدركًا لتلك الركعة، ويأتي بالتكبيرات في حال الركوع خلافًا لأبي يوسف. قلت: الأصل في جنس هذه أن كل ما لا يمكن أن يؤدى به في الركوع أو الركعة فبإدراك الإمام في الركوع يصير مدركًا لتلك الركعة وما يتعلق بها، وكلما يمكن له أن يؤتى به فيها فبإدراك الإمام في الركوع لا يصير مدركًا له إليه وهاهنا الإدراك ممكن. فإن قلت: السجدة من أفعال الصلاة ولا يجزي فيها النيابة. قلت: لا نسلم ذلك، لأن الفعل إذا وجب لسبب يجري فيه النيابة، والسبب هو القراءة. م: (وإن دخل معه قبل أن يسجدها) ش: أي وإن دخل مع الإمام قبل أن يسجد الإمام سجدة تلاوة م: (سجدها معه) ش: أي مع الإمام: م (لأنه) ش: أي لأن هذا الداخل م: (لو لم يسمعها) ش: أي سجدة التلاوة من الإمام م: (سجدها معه) ش: أي كان عليه أن يسجدها معه لوجوب السبب. م: (فهاهنا أولى) ش: أي في هذه الصورة قد سمعها من الإمام، فأولى أن يسجد م: (وإن لم يدخل معه سجدها) ش: أي لم يدخل الرجل مع الإمام في صلاته سجدها هو خارج الصلاة م: (لتحقق السبب) ش: وهو التلاوة الصحيحة والسماع للتلاوة الصحيحة على اختلاف المشايخ. وقال مالك: لا يسجد لأن السماع بناء على التلاوة وهي وجدت في الصلاة، فكانت صلاتية، فلا تؤدى خارجها.
[قضاء سجدة التلاوة]
وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها لم تقض خارج الصلاة، لأنها صلاتية. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلنا السماع وإن كان مبناه على التلاوة، ولكن الوجوب بالسماع. فإن قلت: الصحيح أن التلاوة سبب في حق السامع، وكانت في الصلاة فكانت السجدة صلاتية فلا يقضي خارجها. قلت: لما اختلفوا في أن السماع سبب في حقه أو التلاوة، فقلنا بأدائها خارج الصلاة احتياطًا. فإن قلت: ينبغي أن لا يتابع الإمام فيما إذا لم يسجد حين شرع، لأن ما وجب لصلاتية. قلت: صارت صلاتية بالاقتداء أو للاقتداء تأثير في جعل غير الواجب واجبًا، وفي جعل الواجب غير واجب فإن القعدة على رأس الركعتين واجبة للمسافر، وباقتدائه بالمقيم لم تبق واجبة، وكذا لو يحرم للأربع نفلًا يلزمه ركعتان، ولو اقتدى بمصلي الظهر لزمه الأربع، حتى لو قضى يقضي الأربع. وذكر ابن الساعاتي في "شرحه للمجمع " ليس الخلاف في ذلك راجعًا إلى كونها صلاتية بل الخلاف في ذلك راجع إلى أن مطلق السماع هو يوجب السجود، فالصحيح أنه إذا قصد الاستماع سجد، وإلا فلا، فكذلك أورد المسألة في " المجمع " بصيغة لا تفيد خلافًا. [قضاء سجدة التلاوة] م: (وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها لم تقض) ش: أي لم تؤد، والقضاء يأتي بمعنى الأداء كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 103] (النساء: الآية 103) ، أي فإذا أديتم م: (خارج الصلاة لأنها صلاتية) ش: لأنها منسوبة إلى الصلاة، واعترض عليه بأن هذا خطأ، لأن تاء التأنيث لا تثبت في النسب، والصواب أن يقال: صلاته كما يقال في النسب إلى الزكاة: زكاته. وأجاب صاحب "الدراية " عن هذا بأن هذا خطأ مستعمل، فيكون خيرًا من صواب [غير] مستعمل، ورضي الأكمل بمثله هذا، فأجاب بمثله. قلت: كيف يكون الخطأ خيرًا من الصواب؟، وهذا لا يقول به أحد. والصواب: أن يقال في جوابه أن الفقهاء قصدهم المعاني، وكثيرًا ما يتساهلون في صور الألفاظ، لأن جل قصدهم المعنى. فإن قلت: هذا الكل منقوض بما إذا سمعوا وهم في الصلاة ممن ليس معهم في الصلاة فإنها سجدة وجبت في الصلاة ويسجدونها بعدها كما ذكره المصنف: بقوله: وإن سمعوا وهم في الصلاة إلى أن قال وسجدوها بعدها.
ولها مزية الصلاة فلا تتأدى بالناقص. ومن تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة فأعادها وسجد أجزأته السجدة عن التلاوتين؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: قال صاحب " الدراية ": المراد من قوله وكل سجدة أي سجدة صلاتية، ولا بد من هذا القيد حتى لا يرد النقض المذكور، ولكنه ترك هذا بعد ظهوره. وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن قوله وجبت في الصلاة إما أن تكون صفة موضحة أو صفة ما يتميز عنها، لأن كل سجدة صلاتية واجبة في الصلاة أو صفة كاشفة، وعاد السؤال أو غيرهما من التأكيد والمدح والذم والمقام لا يقتضيه. فالصواب: أن يقال تقديره وكل سجدة عن تلاوة وجبت في الصلاة، أي ثبتت. قلت: هذا الذي قاله إنما ينتهي إذا جعلنا قوله وجبت في الصلاة حالًا عن تلاوة، وأما إذا جعلناها صفة فالإشكال على حاله. فإن قلت: ذو الحال لا يكون نكرة. قلت: ذو الحال هاهنا قرب من المعرفة بالوصف، فافهم. فإن قلت: فلم يسجدها فيها غير مقصود، لأنها تؤدى سجدة الصلاة إذا سجد على الفور، أما إذا أخرها فلا، لأنها تصير دينًا عليه بفوات وقتها فلا يتأدى في ضمن الغير، قال قلت: وقتها موسع، فمتى سجد كان أداء لا قضاء. قلت: هذا عند محمد [وعند أبي يوسف] ورواية عن أبي حنيفة أن وجوبها على الفور لا على التراخي، فيجوز أن يكون المصنف اختار ذلك. م: (ولها) ش: أي للسجدة م: (مزية الصلاة) ش: قال قاضي خان: إن الصلاتية أقوى؛ لأنها وجبت بتلاوة يتعلق بها جواز الصلاة، ألا ترى أنه لو ضحك في سجدة التلاوة في الصلاة تنتقض طهارته، ولو ضحك فيها خارج الصلاة لا تنتقض فيكون لها مزية م: (فلا تتأدى بالناقص) ش: لأن الكامل لا يجوز أداؤه بالناقص. م: (ومن تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة) ش: أي في مكان واحد. فإن قلت: مجلس التلاوة غير مجلس الصلاة. قلت: بل واحد حقيقة وحكمًا. أما حقيقة فظاهر، وأما حكمًا فلأن مجلس التلاوة مجلس العبادة فكان من جنس مجلس الصلاة م: (وأعادها) ش: أي في الصلاة تلك الآية التي قرأها خارج الصلاة، م: (وسجد أجزائه السجدة عن التلاوتين) ش: أي التلاوة التي وقعت خارج الصلاة، والتلاوة التي وقعت في الصلاة
لأن الثانية أقوى؛ لكونها صلاتية فاستتبعت الأولى. وفي " النوادر ": يسجد أخرى بعد الفراغ؛ لأن للأولى قوة السبق، فاستويا، قلنا: للثانية قوة اتصال المقصود، فترجحت بها. وإن تلاها فسجد ثم دخل في الصلاة فتلاها سجد لها، لأن الثانية هي المستتبعة، ولا وجه إلى إلحاقها بالأولى؛ لأنه يؤدي إلى سبق الحكم على السبب. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن الثانية) ش: أي السجدة الثانية م: (أقوى لأنها صلاتية فاستتبعت الأولى) ش: أي جعلت السجدة الثانية السجدة الأولى تابعة لها، لأن المتلوة في الصلاة أفضل من الصلاة بغيرها، هذا على رواية " الجامع الكبير " و" المبسوط " و" نوادر الصلاة " التي رواها أبو حفص. م: (وفي " النوادر ") ش: أي أراد به " نوادر الصلاة " التي رواها أبو سليمان لا تستتبع إحداهما، فإذا كان كذلك م: (سجد أخرى بعد الفراغ، أي من الصلاة، لأن للأولى قوة السبق فاستويا) ش:، أي في الوجوب فلا تستتبع إحداهما الأخرى م: (قلنا: للثانية) ش: أي السجدة الثانية التي هي الصلاتية م: (قوة اتصال المقصود) ش: وهو أداء السجدة، لأن المقصود من وجوب السجدة أداؤها. م: (فترجحت بها) ش: أي فترجحت الثانية بقوة الاتصال بالمقصود، لأن الأصل اتصال السبب بالمسبب. فإن قلت: هذه المسألة لبيان التداخل وإلحاق الأولى بالثانية خلاف موضوع التداخل، لأن السابق قد مضى واضحًا فكيف يكون ملحقًا باللاحق. قلت: السابق قد يكون تبعًا إذا كان اللاحق أقوى كالسنة قبل الفريضة، ولأن التكرار قائم بهما، فكان إلحاق الأولى بالثانية ممكنًا. م: (وإن تلاها) ش: أي وإن تلا آية السجدة رجل وكان خارج الصلاة م: (فسجد لتلاوته ثم دخل في الصلاة فتلاها) ش: أي تلك الآية م: (سجد لها) ش: يعني يجب عليه أن يسجد لها م: (لأن الثانية) ش: أي السجدة الثانية م: (هي المستتبعة) ش: أي أراد أن المتلوة في الصلاة هي المستتبعة لقوتها للمتلوة في غير الصلاة لضعفها، فلو قلنا بعدم تعدد الوجوب بإلحاق الثانية بالأولى يلزم استتباع التابع متبوعه، فلا يجوز م: (ولا وجه إلى إلحاقها بالأولى) . ش: قال الأكمل: أي لا وجه لإلحاق السجدة المفعولة بالأولى، أي بالتلاوة الأولى، لأنها إن ألحقت بها وهي تابعة للثانية كانت السجدة ملحقة بالتلاوة الثانية، وذلك م: (لأنه يؤدي إلى سبق الحكم قبل السبب) ش: فتبين أن التداخل في هذه الصورة متعذر فتجب سجدة ثانية للتلاوة الثانية، ثم قال: وإياك أن ترد ضمير إلحاقها إلى التلاوة الثانية كما فعله بعض الشارحين. واعترض على المصنف، فإنه فاسد قلت: أراد ببعض الشارحين الأترازي، فإنه قال في هذا الموضع بيانه أنا لو ألحقنا المتلوة في الصلاة بالمتلوة في غيرها. بأن قلنا: السجدة المفعولة خارج
[تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد]
ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة، فإن قرأها في مجلسه فسجدها ثم ذهب ورجع، فقرأها سجد ثانية وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان، فالأصل أن مبنى السجدة على التداخل دفعا للحرج، ـــــــــــــــــــــــــــــQالصلاة تجري في التلاوتين جميعًا يلزم تقدم الحكم وهو السجدة على السبب وهو التلاوة، وتقديمه عليه لا يجوز، ثم قال: وفي هذا التعليل نظر عندي، لأنا لا نسلم تقدم الحكم على السبب، لأن مبنى السجدة على التداخل في السبب، فعلى تقدير إلحاق الثانية بالأولى لا يلزم ما قال، لأنه يكون السبب هو الأولى وحدها وقد تقدم السبب، فتلاه بحكمه، انتهى كلامه. قلت: الصواب كما قاله الأكمل والأصوب من كلامهما أن تقول: لما لم يمكن القول بالتداخل هاهنا وجبت لكل تلاوة سجدة على حدة، على أن في بعض النسخ ولا وجه إلى كونها مستتبعة للأولى، فافهم. [تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد] م: (ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة) ش: قيد بقوله: سجدة واحدة، لأنه إذا كرر سجدات مختلفة يجب لكل واحدة سجدة، وبقوله: في مجلس واحد؛ لأنه إذا كان في مجالس مختلفة تعدد السجود على ما سيجيء بيانه إن شاء الله تعالى. وقال النووي: إن لم يسجد للأولى كفته سجدة واحدة، وإن سجد لها ثلاثة أوجه: أصحها: يسجد، وبه قال مالك وأحمد. والثاني: يكفيه الأولى، قال ابن شريح: ورجحه صاحب " العدة "، وقطع به أبو حامد. الثالث: إن طال الفصل قرأها فسجد ثم ذهب يعني أنه مشى ثلاث خطوات، ورجع فقرأها وسجد ثانيًا، وإن لم يسجد للأولى فعليه سجدتان. م: (فإن قرأها في مجلسه فسجدها فذهب ورجع فقرأها سجد ثانية) ش: لتعدد السبب. م: (وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان) ش: أراد أنه ذهب عن مجلسه بعد قراءته ولم يسجد لها ثم رجع إليه فقرأها ثانيًا، فعليه أن يسجد لكل تلاوة سجدة م: (والأصل) ش: في هذا م: (أن مبنى السجدة على التداخل) ش: يعني في الاستحسان والقياس أن يجب لكل تلاوة سجدة، سواء كانت في مجلس واحد أو لم تكن، لأن للسجدة حكم التلاوة، والحكم يتكرر بتكرر السبب. وأما وجه الاستحسان فهو قوله: م: (دفعًا للحرج) ش: وذلك أن المسلمين يحتاجون إلى تعليم القرآن وتعلمه، وذلك يحتاج إلى التكرار غالبًا، فإلزام التكرار في السجدة يفضي إلى الحرج لا محالة، والحرج مدفوع ويؤيد هذا ما روي أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ على
وهو تداخل في السبب دون الحكم وهو أليق بالعبادات، والثاني بالعقوبات ـــــــــــــــــــــــــــــQالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويقرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أصحابه ويسجد مرة واحدة. وقال الأكمل: وقد صح أن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينزل بآية السجدة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكرر عليه، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد لها مرة واحدة تعليمًا لجواز التداخل. قلت: نزول جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بآية السجدة وغيرها من القرآن على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحيح لا شك فيه، ولكن صحة بقية القضية من أين؟، ولم يتعرض إليه فاكتفي بمجرد النقل، وكان أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يلقن الناس القرآن في مسجد البصرة وتكرر السجدة مرة واحدة. وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وهو معلم الحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان يعلم الآية الواحدة مرارًا ولا يزيد على سجدة واحدة، وقد أخذ التلاوة عن الصحابة، فالظاهر أنه أخذ حكمها عنهم. م: (وهو تداخل في السبب دون الحكم) ش: أي التداخل الذي عليه مبنى السجدة هو تداخل في السبب وهو التلاوة دون الحكم، وهو وجوب السجدة، وهو أن يجعل التلاوات الموجودة في المجلس تلاوة واحدة، فلم تكن الثانية والثالثة، سببًا للوجوب، إذا السبب إذا تحقق لا يجوز ترك حكمه في العبادات احتياطًا. وضعف السرخسي التداخل، وقال: الصحيح أن سبب الوجوب حرمة المتلوة، فالثانية تكرار محض فلم تكن سببًا، فلا يجب بها شيء. وقال الماتريدي: سبب وجوبها تلاوة مقصودة، ولم يوجد في الثانية لأنها تبع للأولى وتكرير للحفظ والتفكر وذلك وسيلة. م: (وهذا) ش: أي التداخل في السبب م: (أليق بالعبادات) ش: لأنه لو حكم بتعدد الأسباب يلزمه ترك الاحتياط في أمر العبادة، لأنه يلزم الإسقاط بعد وجوب سبب الإثبات، فلا يجوز لأن العبادة يحتاط في إثباتها لا في إسقاطها. م (والثاني بالعقوبات) ش: أي التداخل في الحكم دون السبب أليق بالعقوبات، لأنها ليست مما يحتاط فيها بل في درئها فيجعل التداخل في الحكم ليكون عدم الحكم مع وجود الموجب مضافًا إلى عفو الله وكرمه، فإنه هو الموصوف بسبوغ العفو وكمال الكرم. وثمرة هذين الفصلين تظهر في: الأول: فيما إذا تلا آية سجدة فسجد، ثم قرأ تلك الآية في ذلك المجلس مرات تكفيه تلك السجدة عن التلاوة التي توجد بعدها.
وإمكان التداخل عند اتحاد المجلس لكونه جامعا للمتفرقات، فإذا اختلف عاد الحكم إلى الأصل، ولا يختلف بمجرد القيام بخلاف المخيرة؛ لأنه دليل الإعراض وهو المبطل هناك، ـــــــــــــــــــــــــــــQفي الثاني: إذا زنى فجلد ثم زنى ثانيًا يجلد ثانيًا، وكذلك ثالثًا ورابعًا بعدم التداخل في الأسباب، بخلاف ما إذا زنى ولم يحد ثم زنى يحد مرة واحدة لتداخل الحكم والعقوبة. م: (وإمكان التداخل) ش: أراد به الإمكان الشرعي م: (عند اتحاد المجلس لكونه جامعًا للمتفرقات) ش: أي ألا ترى أن شطري العقد يجمعهما المجلس وإن تفرقا بالأقوال، واتحاد المجلس له أثر في جميع المقدورات كما في الإيجاب والقبول والأقادير، ألا ترى أن من أقر بالزنا أربع مرات في مجلس واحد يجعل مقرا مرة واحدة، وفي المجالس المختلفة يجعل مقرا أربع مرات، فكذا هاهنا م: (فإذا اختلف) ش: أي المجلس م: (عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب التكرار لعدم الجامع. فإن قلت: لم لا يجمع الجامع بين الآيات في المجلس كما جمع بين المرات فيه؟. قلت: لعدم الحرج، فإن آية السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في المجلس، بخلاف التكرار للتعليم، فإنه ليس بمحصور. م: (ولا يختلف) ش: أي المجلس م: (بمجرد القيام) ش: ولهذا لو باع وهو قاعد وقام ثم قبل المشتري صح قبوله. كذا في " الكافي "، ولو قرأها وهو قاعد ثم قام فقرأها لا يجب إلا سجدة واحدة م: (بخلاف المخيرة) ش: وهي التي قال لها زوجها اختاري، فقامت فقالت اخترت نفسي لا يقع الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن قيام المخيرة م: (دليل الإعراض) ش: لأن المجلس تبدل حقيقة م: (وهو) ش: أي الإعراض م: (يبطل هناك) ش: أي في المخيرة، ثم المجلس إنما يختلف إذا ذهب عن ذلك المجلس بعيدًا، فإن كان قريبًا لا يختلف، فالفاصل بينهما ما ذكر في " المحيط " إذا مشى خطوتين أو ثلاثًا فهو قريب، وإن كان أكثر من ذلك فهو بعيد. وفي " المبسوط " في رواية ابن رستم عن محمد قال محمد نحو عرض المسجد أو طوله فهو قريب. وفي " المبسوط " فإن نام قاعدًا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملًا يسيرًا ثم قرأ فليس عليه أخرى، لأن هذا القدر لا يبدل المجلس وفي الروضة بالأكل لا يختلف المجلس حتى يشبع، وبالشرب حتى يروى، وبالكلام والعمل يكثر استحسانًا. وفي " شرح المجمع " الأمكنة التي تتحد حكمها كالمجسد والجامع والبيت والسفينة سائرة كانت أو واقفة والحوض والغدير والنهر الواسع والدابة السائرة وراكبها في الصلاة قال: في هذه الأماكن إذا كرر التلاوة لا يلزمه إلا سجدة واحدة وهو مخير إن شاء سجدها عند التلاوة الأولى،
وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب، وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل، وكذا في الدياسة للاحتياط، ـــــــــــــــــــــــــــــQوإن شاء سجدها عند الأخيرة، والأمكنة التي يختلف حكمها ويتعدد الوجوب كالدابة السائرة وراكبها ليس في الصلاة، والماشي في الصحراء، أو السباح في البحر والنهر العظيم. م: (وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب) ش: قال شيخ الإسلام خواهر زاده: في "مبسوطه" إن كان يسدي الكرباس ويقرأ آية واحدة مرارًا اختلف المشايخ، قال بعضهم: يكفيه سجدة واحدة، لأن المجلس واحد من حيث الاسم. وقال بعضهم: يلزمه بكل تلاوة سجدة، لأن المجلس تبدل حقيقة بتبدل المكان، ولا يعتبر اتحاد العمل كما في سير الدابة وهو الأصح. م: (وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل) ش: أي يتكرر الوجوب في الأصح يرجع إلى المذكورين تسدية الثوب والمنتقل م: (وكذا في الدياسة) ش: وقال الأترازي: واختلف في تسدية الثوب والدياسة، والذي يدور حول الرحى والذي يسبح في الحوض أو النهر، والذي علا على غصن ثم انتقل إلى غصن آخر والأصح هو الإيجاب م: (للاحتياط) ش: أي بالنظر إلى اتحاد العمل واتحاد والمجلس لا يتبدل المجلس، فلا يتكرر الوجوب بالنظر إلى حقيقة اختلاف المكان يتكرر الوجوب فقلنا بالتكرار احتياطًا. وفي " الدراية " وفي لفظ الكتاب إشارة إلى أنه لا خلاف في التسدية لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ويدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة وفي النهاية وهذا اللفظ أشار به إلى التسدية والمنتقل كما ترى يدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة لا في تسدية الثوب، لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ثم شبه الجواب الثاني بذكر الأصح، ولكن ذكر الاختلاف في " شروح الجامع الصغير " في المسائل الثلاث كلها. وقال الأكمل: وقال صاحب " الدراية " وذكره...... إلخ ما ذكره ثم قال: وليس بواضح جواز أن يكون قوله في الأصح متعلقًا بالمسلمين جميعًا. وقوله: للاحتياط يجوز أن يكون وجه الأصح في الصور الثلاث المذكورة. قلت: الظاهر أن قوله في الأصح متعلق بمسألة المنتقل من غصن إلى غصن. وقوله: للاحتياط متعلق بمسألة الدياسة، وقطع صاحب " الهداية " بالجواب في مسألة بنفي أو إثبات لا يستلزم نفي كون الخلاف فيه في الحقيقة.
ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع؛ لأن السبب في حقه السماع، وكذا إذا تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قيل، والأصح أنه لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا، ومن أراد السجود كبر، ولم يرفع يديه، وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارا بسجدة الصلاة، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع) ش: باتفاق المشايخ، وبه صرح الإمام الزاهد السغناقي، فعلى قول من يقول السبب في حق السامع السماع فظاهر، وعلى قول من يقول السبب في حقه التلاوة فكذلك الظاهر، لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكمًا لاتحاد مجلسه لا حقيقة، فلم يظهر ذلك في حق السامع، فاعتبرت حقيقة التعدد فكرر الوجوب عليه م: (لأن السبب) ش: أي سبب وجوب السجدة م: (في حقه) ش: أي في حق السامع م: (السماع) ش: فتكرر السبب بتكرار الوجوب م: (وكذا) ش: يتكرر الوجوب. م: (إذا تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قلنا) ش: على قول بعض المشايخ، وهو قول فخر الإسلام أيضًا. م: (والأصح أن لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله لأن السبب في حقه السماع، ومكان السماع متحد فلا يتكرر الوجوب، وهذا قول القاضي الأسبيجابي صاحب " شرح الطحاوي ". م: (ومن أراد السجود) ش: أي سجود التلاوة م: (كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارًا بسجدة الصلاة) ش: يعني اعتبروه اعتبارًا بسجدة الصلاة. وقوله: كبر إشارة إلى أن التكبير فيها سنة كما في المسببة به. وقال الأسبيجابي: ويرفع صوته، وفيه إشارة إلى التكبير ليس بواجب بل هو سنة لما ذكرنا، وأيد ذلك ما ذكره في " المحيط "، فقال: ورى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكبر عند الانحطاط، لأن تكبير الانتقال من الركن، وعند الانحطاط، وهاهنا لا ينتقل، وهي رواية الحسن عن أبي يوسف. وفي " الذخيرة ": وقيل: يكبر في الابتداء ولا يكبر في الانتهاء، وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: يكبر في الابتداء بلا خلاف، وفي الانتهاء خلاف بين أبي يوسف ومحمد على قول أبي يوسف لا يكبر، وعلى قول محمد يكبر. وعند جمهور الشافعية يكبر للهوي إلى السجود، وعند رفعه. وقال ابن أبي هريرة: منهم من لا يكبر فيهما وفي غير الصلاة يكبر للافتتاح ثم للهوي ثم للرفع، وهو قول أحمد وهو شرط في المشهور، وفي وجه يستحب، وفي الثالث لا يشرع أصلًا وهو قول أبي جعفر منهم.
وهو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا تشهد عليه ولا سلام؛ ـــــــــــــــــــــــــــــQوقوله: ولم يرفع يديه احترازا عن قول الشافعي، فإن عنده حقها أن يسجد سجدة واحدة فيكبر رافعًا يديه ناويًا، ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه ثم يكبر للرفع ويسلم، وأقلها وضع الجبهة على الأرض بلا شروع ولا سلام، كذا في " الخلاصة الغزالية ". وقال القاضي من الحنابلة: وقياس المذهب أن لا يرفع يديه [....] لم يرد به الشروع، وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يقعد في السجود حتى لا يرفع يديه» وهو حديث متفق عليه، وبقولنا قال إبراهيم والحسن وأبو قلابة وابن سيرين وأبو عبد الرحمن وعامر، ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة. م: (وهو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني المذكور من صفة سجدة التلاوة هو مروي عن عبد الله بن مسعود، وهذا غريب لم يثبت، وإنما روي عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» رواه أبو داود. م: (ولا تشهد عليه) ش: أي على من يسجد للتلاوة، وبه قال مالك، وعن الشافعي فيه قولان، وقال البويطي: لا يتشهد. وقال خواهر زاده: قال الشافعي في كتابه: ليس فيها تسليم ولا تشهد، وبه أخذ بعض أصحابه، ومن أصحابه من لم يأخذ بما قال الشافعي: لكن قال: فيها تشهد وتسليم، وكان ابن شريح يقول فيها تسليم، ولكن لا يحتاج فيها إلى تشهد. وفي " التنبيه " قيل: يتشهد ويسلم، وقيل: يسلم ولا يتشهد، والمنصوص أنه لا يتشهد ولا يسلم. واعترض على صاحب " التنبيه " فيه بشيئين: أحدهما: أنه صرح بنص الشافعي أنه لا يسلم وأنه ليس له نص غيره، وليس الأمر كذلك بل القولان مشهوران في اشتراط السلام. الثاني: أنه صرح بأن الراجح في المذهب أنه لا يسلم. وليس كذلك، بل الصحيح عند الأصحاب على ما حكاه النووي اشتراط السلام، قال: وممن صححه أبو حامد وأبو الطيب في تعليقهما والرافعي وآخرون، ولا يتشهد عند الحنابلة، نص عليه في رواية الأثرم. م: (ولا سلام) ش: أي ولا سلام عليه أيضًا، وبه قال النخعي والحسن وسعيد ويحيى ابن وثاب ومالك وعطاء وأبو صالح، وقال ابن المنذر: قال أحمد أما التسليم فلا أدري ما هو، وعنه أنه فرض ويجزئه تسليمة، وعنه تسليمتان ولا يسلم في البويطي، وقال المزني: يسلم.
لأن ذلك للتحلل وهو يستدعي سبق التحريمة وهي منعدمة، قال: ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها، ويدع آية السجدة؛ لأنه يشبه الاستنكاف عنها، ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها؛ لأنه مبادرة إليها، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إليّ أن يقرأ قبلها آية، أو آيتين دفعا لوهم التفضيل، واستحسنوا إخفاءها شفقة على السامعين، والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (لأن ذلك) ش: أي السلام م: (للتحلل وهو) ش: أي التحليل م: (يستدعي) ش: أي يقتضي م: (سبق التحريمة) ش: لأنها معتبرة بسجود الصلاة وسجود الصلاة لا يقتضي التسليم م: (وهي) ش: أي التحريمة م: (منعدمة) ش: هذا اللفظ خطأ عند أهل التصريف، وصوابه معدومة. فإن قلت: كيف يكون معدومة وقد ذكر من أراد السجود كبر، والتكبير للتحريمة كما في الشروع في الصلاة. قلت: ذاك التبكير لا للتحريمة بل للمشابهة بينهما وبين سجدة الصلاة، والتكبير لها ليس للتحريمة بل للانتقال إلى السجود فكذا هاهنا. م: (وقال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها أو يدع) ش: أي يترك، ولم يستعمل معنى هذه اللفظة إلا في قراءة: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] (الضحى: الآية 3) ، بالتخفيف، وهي شاذة ويدع م: (آية السجدة لأنه يشبه الاستنكاف عنها) ش: أي الإعراض عن السجدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين، وهو يؤدي أيضًا إلى هجران بعض القرآن. وقال الشافعي: يكره قراءة آية السجدة في الصلاة، سواء كانت صلاة السر أو الجهر. وقال مالك: يكره قراءتها في جميع الصلوات، وعندنا يكره فيما يسر دون ما يجهر، وبه قال أحمد. م: (ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها، لأنه مبادرة) ش: أي مسارعة م: (إليها) ش: أي إلى السجدة م: (قال) ش: أي قال محمد: في كتاب الصلاة م: (وأحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين دفعًا لوهم التفضيل) ش: أي تفضيل بعض الآيات على البعض م: (واستحسنوا) ش: أي استحسن المشايخ. م: (إخفاءها) ش: أي إخفاء آية السجدة م: (شفقة) ش: أي لأجل الشفقة م: (على السامعين) ش: لأن السامع ربما لا يؤديها في الحال لمانع فلا يؤديها بعد ذلك بسبب النسيان فيبقى عليه الواجب فيأثم. وفي " المحيط ": إذا كان التالي وحده يقرأ كيف شاء جهر أو أخفى، وإن كان معه جماعة، قال مشايخنا: إن كان القوم مهيئين للسجود، ووقع في قبله أنه لا يشق عليهم أداؤها ينبغي أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيجهر حتى يسجد القوم معه، وإن كانوا محدثين ويظن أنهم لا يسجدون أو يشق عليهم أداؤها ينبغي أن يقرأها في نفسه ولا يجهر تحرزًا عن إتيانهم بالسلام. 1 - فروع: يختلف المجلس بالنوم مضطجعًا. وقاعدًا لا يختلف ذكره في " المحيط ". وفي "جوامع الفقه " القيام والقعود والاتكاء والركوب والنزول لا يوجب اختلاف المجلس، وكذا الانتقال في البيت والمسجد من زاوية إلى زاوية، أو من جانب طولًا أو عرضًا. وقيل: إن كان البيت كبيرًا أو المسجد كثيرًا كالمسجد الجامع تختلف. وفي " المنتقى " عن محمد في المسجد الجامع لا يتكرر من غير تفصيل. وفي " جوامع الفقه " سئل أبو بكر عمن قرأ القرآن كله وسجد لكل سجدة ثم قرأ ثانيًا يجب ثانيًا. وفي " المرغيناني " لو تلاها ثم سبح أو هلل كثيرًا ثم تلاها يكفيه سجدة، وفيه ولا يجوز أداؤها في الأوقات المكروهة، إلا يقرأها فيها، فإن قرأها في وقت مكروه سجدها في وقت غير مكروه. قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: إن قرأها عند الطلوع وسجدها عند الغروب يجوز ولا يجوز العكس. وفي الأصل إذ قرأ سجدة في آخر السورة في صلاته إن كان بعدها آية أو آيتان إلى آخر السورة إن شاء ركع وإن شاء سجد، يعني إن شاء ركع لها ركوعًا على حدة، وإن شاء سجد لها سجدة على حدة والسجدة أفضل، وإن سجد يعود إلى القيام، لأنه يحتاج إلى الركوع ويقرأ بنفسه السورة ثم يركع وإن شاء ضم إليها آية من السورة الأخرى حتى يصير ثلاث آيات، ويكره لو لم يقم بعدها شيئًا إلى الركوع يحتاج إلى النية لمخالفة بينهما، وفي السجدة لا يحتاج إليها. وقيل: إن شاء أقام ركوع الصلاة مقام سجدة التلاوة، نقله عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وروى الحسن عن أبي حنيفة ما يدل على أن سجدة الركعة تنوب عن سجدة التلاوة، وقد روي عنه إذا كانت السجدة في آخر السورة كالأعراف والنجم أو قريبًا منه كبني إسرائيل وانشقت، فركع حين فرغ من السورة أجزأته سجدة الركعة عن التلاوة. واختلف المشايخ فيما إذا ركع وسجد للصلاة دون التلاوة فالركوع ينوب عنها أو سجدة الصلاة قبل الركوع لقربه منها، ثم اتفقوا على أن الركوع لا ينوب عن السجدة بدون النية، واختلفوا في السجود. قال ابن سماعة وجماعة من أئمة بلخ: لا ينوب ما لم ينوب في ركوعه أو بعد استوائه قائمًا إذا سجد لصلاته وتلاوته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال غيرهم: إن النية فيها ليست بشرط، والصلاتية أقوى فتنوب عنهما، كذا في " الذخيرة " وفي " المحيط " لو لم ينو في السجود لم يجزه، نص عليه في " النوادر "، لأن الصلاتية تخالفها حكمًا فلا ينوب عنها شيئًا إلا بالنية. وقيل: يجوز بدون النية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن السجود ينوب دون الركوع وفي المبسوط الأصح أن سجدة الصلاة تنوب عنها دون الركوع. وفي قاضي خان وقال عامة المشايخ: لا يحتاج إلى النية، وتصير مؤادة بالصلاتية لأنها أقوى، إلا إذا انقطع العود فيحتاج إلى النية، وإن كان بعدها ثلاث آيات إلى آخر السورة، أو كانت في آخر السورة، أو كانت في وسط السورة فالحكم في هذا كله ما ذكرناه. فلو أنه لم يركع لها ولم يسجد لها في هذه الوجوه على الفور، ولكن قرأ ربعًا من السورة أو خرج إلى سورة أخرى فقرأ منها شيئًا إن قرأ بعدها ثلاث آيات، أو كانت السجدة في وسط السورة لم يجزئه الركوع وسجدة الصلاة عن التلاوة، لأنها صارت دينًا عليه لفوات محلها، وفي الأصل والبحر أن الآيات الثلاث إنما تصير فاصلة ومانعة وقوع الركوع والسجود عن التلاوة، وإذا كانت في وسط السورة ولا تصير مانعة في آخرها. وفي "المرغيناني " عن شيخ الإسلام إذا قرأ ثلاث آيات بعدها سقط العود ولا ينوب الركوع عن التلاوة، وقال الحلواني: لا ينقطع ما لم يقرأ أكثر من ثلاث آيات، وكذا في قاضي خان. وفي " جوامع الفقه ": ينوي بها عند الركوع، ولو قرأها في الركوع اختلفوا فيه وبعدما رفع رأسه لا يجوز إلا رواية عن أبي حنيفة، ولا ينبغي للإمام أن يقرأ سجدة في صلاة لا يجهر بها، لأنه إذا لم يسجد يصير تاركًا للواجب، وإن سجد يظن القوم أنها صلاتية يأتي بها قبل الركوع فلا يتابعونه. يشترط في السجد الطهارة من الأحداث والأنجاس بدنًا ومكانًا وثيابًا، وستر العورة واستقبال القبلة والنية، وكل ما يفسد الصلاة يفسدها. وفي " المفيد " المحاذاة لا يفسدها. وفي رواية ابن السكن عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء. وعن الشعبي مثله، وفي " مصنف ابن أبي شيبة " عن عثمان بن عفان وابن المسيب أن الحائض تومئ برأسها. قال ابن المسيب ويقول اللهم لك سجدت، هذا خلاف ما عليه الجمهور من أصحاب المذاهب الأربعة. وعن النخعي في رواية يتمم ثم يسجد كما في الجنازة، وذكر ابن بطال عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن أنه يشترط فيها استقبال القبلة، وقال ابن المنذر: وقد روينا عن الشعبي أنه كان يسجد حيث كان وجهه ذكره في "الأشراف "، وفي " خزانة الأكمل " لو سجدها بغير القبلة جهلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجازت، وذكر ابن تيمية الحنبلي أن القارئ إذا كان محدثًا، لم يسجد ولم يقضها إذا توضأ، وكذا المستمع، وكذا المتطهر إذا طال الفصل، وقال الثوري: إن لم يسجد وطال الفصل لم يسجد، ويروى ذلك عن النخعي والأوزاعي، وعندنا يسجد إذا توضأ، وبه قال مكحول والثوري وإسحاق وجماعة. وفي " مختصر البحر " يستحب تقدم التالي في السجود على السامعين، ويصطف السامعون خلفه ولا يرفعون رؤوسهم قبله، فإذا سجد التالي يسجدون معه حيث كانوا، وفي "جوامع الفقه " خلفه أو قدامه ولا يرون تسوية الصف خلفه. وفي خزانة الأكمل: لا يرفع السامع رأسه قبل التالي استحسانًا ومثله في " المبسوط " وذكره النووي أنه لا ينوي الاقتداء به والرفع قبله ولو ذهب التالي ولم يسجد سجد السامع، وبه قال الشافعي، ولو قرأ على المنبر إن شاء سجد عليه، وإن شاء نزل وسجد على الأرض، وفي الأصل إمام صلى وقرأ سجدة ونسي أن يسجد بها فتذكر ذلك وهو راكع يخر ساجدًا لها ثم يقوم فيعود في ركوعه ويمضي في صلاته، وعليه سجدتا السهو. وفي " الذخيرة " عن السعدي أن المصلي إذا تلا آية السجدة ونسي أن يسجدها فليس عليه سهو، وفيه رأى الأبكم والأصم [....] يسجد والتلاوة لا يجب عليه أن يسجدها. مسألة غريبة: ذكرها في " عدة المفتي " رجل صلى الفجر بعشرين سجدة كيف هذا، قال الشهيد: هذا رجل أدرك الإمام في السجدة في الركعة الثانية، وعلى الإمام سهو فسجد سجدتين، ثم تذكر الإمام أنه ترك سجدة تلاوة فسجد لها ثم تشهد وسجد للسهو ثم أقام المسبوق وقرأ آية السجدة، ونسي أن يسجد لها وسجد سجدتي الركعة الثانية، ثم تذكر أنه قعد بين الركعتين ناسيًا فسجد سجدتين ثم تذكر سجدة التلاوة، فسجد لها ثم تشهد وسلم وسجد للسهو سجدتين والله أعلم. ولو سبقه الحدث فيها توضأ وأعاد، قيل: هذا قول محمد، وعند أبي يوسف لا يعيدها لتمامها بالوضع عنده، ولو قرأها على الدابة يومئ لها، قال الحلواني: هذا في خارج المصر، فإن كان في المصر فأولى لتلاوته لا يجزئه في قول أبي حنيفة، ولو تلاها المصلي للراكب مرارًا في ركعة، والدابة تسير ورجل يسوقها فعلى التالي واحدة، وعلى السائق لكل تلاوة سجدة. وفي "المنتقى ": لو كان كل واحد منهما على دابة يصلي فقرأها كل واحد مرارًا يصلي كل واحد منهما بتلاوته سجدة، وتلاوة صاحبه بعدد قراءتها على الدابة، ولو ضحك في سجدة التلاوة يكون حدثًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوفي " المجتبى " يعيدها ولا يعيد الوضوء وأداؤها في الصلاة على الفور، وكذا خارجها عند أبي يوسف وعند محمد والكرخي على التراخي، ثم على رواية الفور مثل مباح الاشتغال بالحوائج، ولا يباح التأخير عند النزاع والاستطاعة، والصحيح خلافه، وذكر الطحاوي أن تأخيرها مكروه مطلقًا، والمرأة تصلح إمامًا للرجل فيها. وفي " المبسوط " لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ماذا يقول في سجوده، والأصح أن يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجود الصلاة وبه قال الشافعي، واستحسنوا أن يقوم فيسجد، لأن الخرور سقوط من القيام، والقرآن ورد به، وإن لم يفعل فلا يضر به. وفي " المجتبى " وإن أتى بغير تسبيح الصلاة جاز، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في سجود القرآن: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» ، وعن ابن عمر أنه كان يقول في "سجوده اللهم لك سجد سوادي ربك آمن فؤادي، اللهم ارزقني علما ينفعني، وعملا يرفعني"، وعن قتادة أنه كان يقول إذا قرأ السجدة: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولًا، سبحان الله وبحمده ثلاثًا، وعن عبد الله أنه كان يقول في سجوده: لبيك وسعديك والخير في يديك، وعن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان يقول: سجد وجهي مستغفرًا في التراب خالقي، وحق له. تم المجلد الثاني من تجزئة المحقق يليه المجلد الثالث أوله: "باب صلاة المسافر" `
[باب صلاة المسافر]
باب صلاة المسافر السفر الذي يتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام ولياليها سير الإبل ومشي الأقدام ـــــــــــــــــــــــــــــQ [باب صلاة المسافر] م: (باب صلاة المسافر) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام صلاة المسافر، والإضافة فيه إضافة المفعول إلى فاعله، والمسافر في باب المفاعلة في السفر، وهو الكشف، إذ الطريق تكشف للمسافر، والأصل في المفاعلة أن يكون الفعل بين اثنين، وقد يستعمل في حق الواحد أيضا، وهو من هذا القبيل، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: 133] بمعنى أسرعوا، وجه المناسبة بين البابين من حيث وجود النقص فيهما، وهو ظاهر، والذي ذكره الشراح هاهنا بمعزل من الوجه على ما لا يخفى. [السفر الذي يتغير به الأحكام] م: (السفر الذي يتغير به الأحكام أن يقصد الإنسان مسيرة ثلاثة أيام، ولياليها) ش: السفر في اللغة: قطع المسافة، وليس بمراد هاهنا، بل المراد قطع خاص، وهو الذي قاله بقوله - الذي يتغير به الأحكام- أراد بتغير الأحكام قصر الصلاة، والإفطار، والمسح ثلاثة أيام ولياليها، وسقوط الجمعة، والعيدين، وسقوط الأضحية، وحرمة الخروج على الحرة بغير محرم. وكلمة - أن- في أن يقصد مصدرية في محل الرفع؛ لأنه خبر المبتدأ، أعني السفر، والقصد هو الإرادة الحادثة المقارنة لما عزم، وقيد به لأنه لو طاف جميع العالم بلا قصد سيرا بالأقدام لا يكون مسافرا، ولو قصد ولم يظهر ذلك بالنية فكذلك، فكان المعتبر في حق تغير الأحكام اجتماعهما. فإن قلت: الإقامة تثبت بمجرد النية، فما بال السفر، وهو لم يجعل بمجردها، وقال الأترازي: إذا جاوز بيوت المصر غير قاصد لمدة السفر لا يكون مسافرا، كذا إذا جاوزها وهو يقصد ما دون مدة السفر، وكذا إذا قصد مدة السفر ولم يجاوز بيوت المصر لا يكون مسافرا، لأن مجرد العزم لا يعتبر ما لم يتصل الفعل به، فمن هذا عرفت أن صاحب " الهداية ": تسامح حيث لم يذكر فيه مجاوزة بيوت المصر. قلت: المصنف في صدد تعريف السفر، والذي ذكر شرط لغيره، وسيجيء إن شاء الله تعالى. م: (سير الإبل) ش: بالنصب على أنه بدل من قوله على أنه مسيرة، أو على عطف البيان، وقد عظم السغناقي في إعراب هذا الموضع، حيث قال بالنصب في سير الإبل، هكذا سمعت من الشيخ، ووجدته مقيدا بخطه. قلت: يجوز أن يكون منصوبا بتقدير أعني سير الإبل، ويجوز أن يكون مرفوعا على أنه خبر المبتدأ المحذوف، تقديره هي سير الإبل. م: (ومشي الأقدام) ش: بالنصب أيضا عطفا على ما قبله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQويجوز الوجهان المذكوران أيضا، ولا يراد بالسير السير ليلا ونهارا، وإنما المراد السير نهارا؛ لأن الليل للاستراحة، وليس الشرط ذهابه من الفجر إلى الفجر. لأن الآدمي لا يطيق ذلك، وكذا الدابة لا تطيق المشي في بعض النهار، ونزوله للاستراحة ملحق بالسير في حق تكميل مدة السفر. وفي هذا الموضع اختلاف كثير، فقال أصحابنا والكوفيون: أقل مسافة يقصر فيها الصلاة مسيرة ثلاثة أيام، ولياليهن بسير الإبل، ومشي الأقدام في أقصر أيام الشتاء أو على سير البريد، وإبطاؤه العجل، والوسط هو المذكور، وهو سير القافلة. وفي " التحفة ": هذا جواب ظاهر الرواية. وفي " المفيد ": لو سلك طريق هي ميسرة ثلاثة أيام، وأمكنه أن يصل في يوم من طريق آخر قصر، وقدر أبو يوسف بيومين وأكثر الثلاث، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، ورواية ابن سماعة عن محمد، وفي " المحيط " و" التحفة ": وهو رواية عن أبي يوسف، ومحمد، وأكثر اليوم الثالث أن يبلغ مقصده بعد الزوال في اليوم الثالث، وذكره الأسبيجابي. وقال المرغيناني: وعامة المشايخ قدروها بالفراسخ، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر فرسخا، قال المرغيناني: وعليه الفتوى، وفي " جوامع الفقه ": وهو المختار، وقيل: خمسة عشر فرسخا، وما ذكره المصنف هو مذهب عثمان، وابن مسعود، وسويد بن غفلة، وفي " التمهيد ": وحذيفة اليماني، وأبي قلابة، شريك بن عبد الله، وابن جبير، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، والثوري، والحسن بن حي، وحكى صاحب " المبسوط " عن ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مثل مذهبنا، والصحيح عن ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير ذلك، وروى البخاري أن ابن عباس، وابن عمر كانا يقصران في أربعة من وجوه: الأول: أن ذلك ليس حديثا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هو فعلهما، والشافعي لا يرى فعل أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة، فكيف يعمل به؟ الثاني: أن غيرهما من الصحابة. الثالث: أنه قد اختلف عنهما في ذلك أشد اختلاف، روى أيوب، وحميد بن جريج، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه لا يقصر في أقل من ستة وتسعين ميلا. الرابع: أنه لم يذكر أنه منع في أقل من أربعة برد، وروي عن حفص بن عاصم وهو أولى من نافع أنه قصر في ثمانية عشر ميلا، ذكر ذلك الحافظ أبو جعفر، والجواب عن الحديث أنه يروونه عن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف عن عبد الوهاب بن مجاهد، وعبد الوهاب أشد
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم كمال يوم وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» عمت الرخصة الجنس ـــــــــــــــــــــــــــــQضعفا منه، قال يحيى، وأحمد: ليس بشيء، وقال الثوري: كذاب، وقال النسائي: متروك الحديث. وقال النووي: قال أبو حامد، وصاحبا المسائل، والبيان وغيرهم: للشافعي سبعة نصوص في مسافة القصر، قال في موضع: ثمانية وأربعون ميلا، وقال في موضع: ستة وأربعون ميلا، وفي موضع: أكثر من أربعين ميلا، وفي موضع: أربعون ميلا، وفي موضع: يومان، وفي موضع: ليلتان، وفي موضع: يوم وليلة، وأصحابه ركبوا الشطط في التوفيق بين الأقوال، واستحب الشافعي أن لا يقصر في أقل من ثلاثة أيام ولياليهن لأجل مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى يخرج من الخلاف. ولفظ " المحلى " في " مختصر المزني ": فأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطا على نفسي. قال أبو الطيب: وهذا كقوله في الصلاة خلف المريض قائما، والأفضل أن يستخلف صحيحا يصلي بهم حتى يخرج من الخلاف، وكقوله إذا حلف الأفضل أن لا يكفر بالمال لا بعد الحنث لتخرج من الخلاف، وقال الأوزاعي: يقصر في يوم تام، قال ابن المنذر في " الأشراف ": وبه أقول. وحكى ابن حزم في " المحلى ": عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنه سئل عن القصر من الكوفة إلى واسط، فقال: لا يقصر الصلاة في ذلك، وبينهما مائة وخمسون ميلا، وعن الحسن بن حي في رواية: لا قصر في أقل من اثنين وثمانين ميلا، كما من الكوفة وبغداد. وذكر في " التمهيد ": عن داود الظاهري أنه يقصر في طول السفر وقصره، وقال أبو حامد: حتى لو خرج إلى بستان له خارج البلد قصر. وفي "المبسوط "، قال: فمناط القياس لا تقدير فيه، بل العمل بإطلاق القرآن. وفي " المحلى ": أنه لا يقصر في أقل من ميل عند الظاهرية وهو منهم، فإطلاق أبي عمر في " التمهيد "، وإطلاق أبي حامد، وشمس الأئمة غير صحيح، فإن ابن حزم أخبر بمذهبه من غير أهل مذهبه. م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يمسح المقيم كمال يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها) » ش: الحديث صحيح وقد مر الكلام عليه مستوفى في باب المسح على الخفين، وأما وجه الاستدلال به فهو قوله. م: (عمت الرخصة الجنس) ش: عمت رخصة المسح ثلاثة أيام ولياليها الجنس، وهو جميع المسافرين، وقوله الرخصة مرفوع بإسناده إلى "عم"، والجنس منصوب لأنه مفعول، بيان ذلك أن الألف واللام في قوله - والمسافر- لا يخلو إما أن يكون المراد المعهود أو الجنس والمعهود منتف، فتعين الجنس، وهو أن يكون المسافر شاملا لجميع المسافرين فلا يكون القاصد لما دون ثلاثة أيام ولياليها
ومن ضرورته عموم التقدير، وقدره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيومين وأكثر اليوم الثالث، ـــــــــــــــــــــــــــــQمسافرا، ولو كان مسافرا يلزم أن لا تكون اللام للجنس وهو فاسد، فإذا كان للجنس لعدم المعهود تكون الرخصة عمت بالنسبة إلى من هو من هذا الجنس، وذلك يستلزم أن يكون التقدير بثلاثة أيام أيضا عمت بالنسبة إلى ذلك، وإلا لكان نقيضه صادقا وهو بعض من هو مسافر لا يمسح ثلاثة أيام ويلزم الكذب المحال على الشارع إن كانت الجملة خبرية أو عدم الامتثال لأمره إن كانت طلبية، وذلك لا يجوز لما ثبت أن اللام للجنس ثبت من ضرورته. وهو معنى قوله م: (ومن ضرورته عموم التقدير) ش: أي: ومن ضرورة الجنس التقدير بثلاثة أيام في حق كل مسافر لما ذكرنا، ويقال: إن النص يقتضي أن كل من صدق عليه أنه مسافر يشرع له مسح ثلاثة أيام، كما أن كل من صدق عليه أنه مقيم يشرع مسح يوم وليلة بمقتضى اللام، ويقال: إن قوله: المسافر يقتضي، أن السفر هو العلة للقصر، فكلما تحقق السفر تحقق المسح ثلاثة أيام، ولياليهن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] (النور: الآية 2) . فإن قلت: عموم التقدير في المدة إنما يلزم من عموم الرخصة الجنس إذا كان قوله: ثلاثة أيام ظرفا بقوله: يمسح لا للمسافر. قلت: لو جاز في قوله يوما، وليلة أن يقع ظرفا لقوله للمقيم لا لقوله يمسح، لأنه إلى نسق واحد، فحينئذ يفسد المعنى لأنه يكون معناه المقيم يوما، وليلة يمسح وغيره لا كما إذا قال ما قام شهرا، أو سنة، أو سنتين مثلا، فإذا كان كذلك، قلنا: الحرف للفعل لا للفاعل في الوجهين. فإن قلت: هب أن الظرفية للفاعل، ولا يلزم ما ذكرتم؛ لأنا نجد دليلا، يجوز مسح المسافر يوما، وليلة، أو أقل، وهو ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا أهل مكة: لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى غطفان» . قلت: قد ذكرنا هذا الحديث، وفيه ما يرده. فإن قلت: هذا متروك الظاهر؛ لأن ظاهره يقتضي استيفاء مدة ثلاثة أيام ولياليها، وذلك ليس بشرط بالاتفاق. قلت: المتروك للاستراحة ملحق بالسير في حق تكميل مدة السفر تيسيرا على ما ذكرناه. م: (وقدره أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قدر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحد في مدة السفر، وفي أكثر النسخ، وقدر بلا ضمير منصوب، والتقدير: وقدر أبو يوسف مدة السفر. م: (بيومين، وأكثر اليوم الثالث) ش: وهو رواية المعلى، عن أبي يوسف، ووجهه: أن الإنسان قد يسافر مسيرة ثلاثة أيام، فيعجل السير فيبلغ قبل الوقت بساعة، لا بعد بذلك.
والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيوم وليلة في قول، وكفى بالسنة حجة عليهما، والسير المذكور هو الوسط، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بالمراحل وهو قريب من الأول ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيوم وليلة في قول) ش: أي وقدر الشافعي مدة السفر بيوم وليلة في أحد أقواله، وقد ذكرنا أن له أقوالا سبعة. وقال الأكمل: وربما يستدل على ذلك بحديث عبد الوهاب. قلت: نسبة هذا الاستدلال إلى الشافعي لا وجه له؛ لأن في حديث عبد الوهاب بن مجاهد أربعة برد، وهو يومان. م: (وكفى بالسنة حجة عليهما) ش: الباء زائدة، أي: كفى بالسنة حجة على أبي يوسف، والشافعي، وأراد بالسنة الحديث المذكور، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يمسح المقيم يوما وليلة» ... " الحديث، وكون هذا الحديث حجة عليهما غير ظاهر. وأما أبو يوسف، فإن حكم ما قاله أبو يوسف ثلاثة أيام، على أن هذه رواية عنده، وأما الشافعي فإن له أقوالا في هذا كما ذكرنا، وقوله: المضمر عليه يومان. م: (والسير المذكور هو الوسط) ش: لأن أعجل السير سير بريد، وأبطأه سير العجلة، وخير الأمور أوسطها، وفسره في " الجامع الصغير ": بمشي الأقدام، وسير الإبل، لأنه الأوسط. وفي " المبسوط ": مسيرة ثلاثة أيام مع الاستراحات التي يتخللها من أقصر أيام السنة، وهذا مذهب ابن عباس، وأحد الروايتين عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وذلك لأنهم لم يريدوا من مسيرة ثلاثة أيام ولياليها أن يكون ليلا ونهارا على ما ذكرناه عن قريب. م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - التقدير بالمراحل) ش: يعني روي عن أبي حنيفة أن مدة السفر تعتبر بثلاث مراحل، وهو جمع مرحلة. م: (وهو قريب من الأول) ش: أي التقدير بالمراحل قريب من التقدير بثلاثة أيام ولياليها، لأن المعتاد في كل يوم من السير مرحلة واحدة، خصوصا في أقصر أيام السنة. فإن قلت: يشكل مسألة ذكرها في " المحيط " على اشتراط مسيرة ثلاثة أيام، وثلاث مراحل تمسكا بالحديث المذكور، وهو أن المسافر إذا بكر في اليوم الأول، ومشى إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة، فنزل فيها للاستراحة، وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثاني، ومشى إلى ما بعد الزوال، ونزل فيها للاستراحة، وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثالث، ومشى إلى وقت الزوال، فبلغ إلى المقصود. وقال شمس الأئمة: الصحيح أنه يصير مسافرا عند النية، ومعلوم أنه لا يتمكن من استيفاء مسح ثلاثة أيام في هذه المسألة؛ لأنها ليست بثلاثة أيام كاملة، ومع ذلك إنه مسافر.
ولا معتبر بالفراسخ هو الصحيح، ولا يعتبر السير في الماء، معناه لا يعتبر به السير في البر، ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: إنه لم يتمكن حقيقة فقد تمكن منه تقديرا؛ لأن النزول للاستراحة محلق بالسير في حق تكميل مدة السفر. م: (ولا معتبر بالفراسخ) ش: أراد أنه لا عبرة في تقدير المدة بالفراسخ، واحترز بقوله: م: (هو الصحيح) ش: عن قول بعض المشايخ، فإنهم قدروها بالفراسخ، ثم اختلفوا فيما بينهم، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر، وقيل: خمسة عشر، وفي " الدراية ": والفتوى على ثمانية عشر، لأنها أوسع الأعداد. وفي " جوامع الفقه ": هو المختار. وفي " المجتبى ": وفتوى أكثر أئمة خوارزم على خمسة عشر، وفي " الأربعين " للبقالي: السفر اثنا عشر فرسخا. وفي " جوامع التاجري ": قريب من هذا. وقال المرغيناني: وعامة المشايخ قدروها بالفراسخ، وهو جمع فرسخ، وهو فارسي معرب، وهو اثنا عشر ألف خطوة، وستة وثلاثون ألف قدم، والخطوة ذراع ونصف بذراع العامة، وذلك أربعة وعشرون أصبعا بعدد حروف "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، والميل ثلاث فراسخ، وفي " الذخيرة " للقرافي: الميل في الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل فيه على وجه الأرض حتى يقع إدراكه، وفيه سبعة مذاهب. وقال صاحب " التنبيهات ": هو عشر غلاء، والغلوة طلق الفرس، وهو مائتا ذراع، فيكون الميل ألف ذراع، وفي " المغرب ": الغلوة ثلاثمائة ذراع. الثالث: ثلاثة آلاف ذراع، نقله صاحب " البيان ". الرابع: أربعة آلاف ذراع. الخامس: مد البصر ذكره الجوهري. السادس: ألف خطوة بخطوة الجمل. السابع: أن ينظر إلى الشخص، فلا يعلم، أهو آت أم ذاهب، أرجل هو أم امرأة. م: (ولا يعتبر السير في الماء) ش: هذا كلام القدوري، وفسره المصنف بقوله: م: (معناه لا يعتبر به السير في البر) ش: الضمير في "به" يرجع إلى السير في الماء، يعني: لا يعتبر سير البر بسير الماء، بيانه فيما إذا قصد إلى موضع له طريقان، أحدهما من البر، والآخر من البحر، ومن طريق البر، مسيرة ثلاثة أيام، ومن طريق البحر، أقل من ذلك، فلو سلك من طريق البر، يترخص ترخص المسافرين، ولو سلك طريق البحر، لا يترخص ولا يعتبر أحدهما بالآخر، والمعتبر في
[فرض المسافر في الرباعية]
فأما المعتبر في البحر فما يليق بحاله كما في الجبل. قال: وفرض المسافر في الرباعية ركعتان لا يزيد عليهما. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فرضه الأربع والقصر رخصة ـــــــــــــــــــــــــــــQالبحر ما يليق بحاله، وهو معنى قوله: م: (فأما المعتبر في البحر فما يليق بحاله) ش: يعني يعتبر السير فيه ثلاثة أيام ولياليها، بعد أن كانت الريح مستوية لا ساكنة ولا عالية. م: (كما في الجبل) ش: فإنه يعتبر فيه ثلاثة أيام. [فرض المسافر في الرباعية] م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وفرض المسافر في الرباعية ركعتان) ش: قيد الفرض احترازا عن السنن؛ إذ لا يتصف فيها، وقيد الرباعية احترازا عن الفجر، والمغرب، والوتر، فإنها لا تصف. م: لا يزيد عليهما) ش: أي على الركعتين، وقال عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الصلاة في السفر ركعتان لا يصح غيرهما. وقال الأوزاعي: إن قام إلى الثالثة فإنه يكفيها، ويسجد سجدتي السهو، وقال الحسن بن حي: إذا صلى أربعا متعمدا أعادها، إذا كان ذلك منه الشيء اليسير، فإن طال ذلك منه، وكثر سفره لم يعد، وقال ابن أبي سليمان: إن صلى أربعا متعمدا يعيد، وإن كان ساهيا لا يعيد. ومذهبنا القصر وهو فرض المسافر المتعين، وبه قال عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، والثوري، وحماد بن أبي سليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الأثرم: قلت: لأحمد للرجل أن يصلي أربعا في السفر. قال: لا، ما يعجبني. وحكى ابن المنذر في " الأشراف ": أن أحمد قال: أنا أحب العافية عن هذه المسألة، وقال البغوي: هذا قول أكثر العلماء. وقال الخطابي: الأولى القصر ليخرج من الخلاف. وقال الترمذي: العمل على ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو القصر، وهو قول محمد بن سحنون، وقد اختاره القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي، وهو رواية عن مالك وأحمد، حكاهما ابن المنذر. م: (وقال الشافعي: فرضه الأربع) ش: أي فرض المسافر أربع ركعات، وبه قال مالك، وأحمد في رواية. م: (والقصر رخصة) ش: أي قصر المسافر صلاته رخصة، وهي في اللغة عبارة عن الإطلاق، والسهولة، وفي الشريعة: ما يكون ثابتا ابتداء على أعذار العباد تيسيرا، وعنه: القصر عزيمة، وهي في اللغة عبارة عن الإرادة المدركة، دل على ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] [طه: الآية: 115] ، أي قصدا بليغا، وفي الشريعة: ما يكون ثابتا غير متصل بعارض، فسمي عزيمة. وقال صاحب "المجمع ": ونرى القصر عزيمة لا رخصة. وفي " المبسوط ": القصر عزيمة في حق المسافر عندنا. وقال الأترازي: فيه اختلاف
اعتبارا بالصوم ـــــــــــــــــــــــــــــQالمشايخ، رفعا منهم على أنه رخصة. وقال صاحب " التحفة ": هو عزيمة. والأكمل مكروه، وقال الشافعي: إنه مخير بين القصر، والإتمام، لكن الإتمام أفضل، وفائدة الخلاف تظهر في افتراض القعدة على رأس الركعتين من الرباعية حتى لو قام إلى الثالثة من غير قصده فسدت صلاته عندنا، ولو أتم صلاته فقد أساء لتأخير السلام. احتج الشافعي، ومن قال بمذهبه بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء: الآية 101) ، وأنه شرع القصر بلفظ: فليس عليكم جناح، وهو يذكر للإباحة لا للوجوب، كما قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] (البقرة: الآية 236) ، فدل أن القصر مباح، ولما كان مباحا كان المسافر فيه بالخيار، وبما روه مسلم والأربعة «عن يعلى بن أمية. قال: قلت لعمر بن الخطاب: قال الله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء: الآية 101) ، فإن خفتم فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» فقد علق القصر بالقبول، وسماه صدقة، والمتصدق عليه مخير في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتما، وبما «روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سافرت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما رجعت قال: يا عائشة ما صنعت في سفرك، ما أتممت الذي قصرت، وصمت الذي أفطرت، فقال: "أحسنت» ولأن هذا رخصة شرعت للمسافر فيتخير فيه. م: (اعتبارا بالصوم) ش: فإن الصيام يتخير فيه في السفر، ولأنه لو اقتدى بالمقيم يصير فرضه أربعا، ولو كان فرضه ركعتين لا يتغير بالاقتداء بالمقيم كما في الفجر، ولنا أحاديث، منها حديث عائشة، قالت: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقصرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» رواه البخاري ومسلم. ومنها حديث «ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» . ورواه الطبراني في "معجمه " بلفظ: «افترض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين في السفر، كما افترض في الحضر أربعا» . ومنها حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «صلاة السفر ركعتان، وصلاة الضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه ". ومنها «حديث ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتانا ونحن ضلال، فعلمنا، فكان فيما علمنا أن الله - عز وجل- أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر» رواه النسائي. ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المتمم الصلاة في السفر كالمقصر في الحضر» رواه الدارقطني في "سننه". والجواب عن تعلقه بالآية أن المراد من القصر المذكور فيها هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود أو ترك الركوع أو السجود إلى الإيماء لخوف العدو، بدليل أنه علق ذلك بالخوف، إذ قصر الصلاة غير متعلق بالخوف بالإجماع، بل متعلق بالسفر، وعندنا قصر الأوصاف عند الخوف مباح، لا واجب، مع أن رفع الجناح في النص لدفع توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم في صلاتهم بسبب روايتهم على الإتمام في الحضر، وذلك مظنة توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم. والجواب عن حديث يعلى بن أمية أنه دليلنا لأنه أمرنا بالقبول، والأمر للوجوب، ولأن هذه صدقة واجبة في الذمة، فليس له حكم المالي، فيكون إسقاطا محضا ولا يرتد بالرد كالصدقة بالقصاص، والطلاق، والعتاق، يكون إسقاطا لا ترتد بالرد. فإن قلت: خياره في قبول الصدقة بمنزلة رجل له قبل آخر أربعة دراهم فتصدق عليه بدرهمين، فإن المتصدق عليه إن شاء قبل الصدقة، فيبقى عليه درهمان، وإن شاء رد الصدقة، فيكون عليه الأربع، فكذا هذا. قلت: هذا يكون نصب شريعة مفروضا إلى رأي العبد، كأن الله تعالى قال: اقصروا إن شئتم، وهذا لا نظير له، وأوامر الله من ندب وإباحة ووجوب نافذة بنفسها غير متعلقة برأي العبد. والجواب عن حديث عائشة: أن الروايات متعارضة عنها، فالتعلق بها غير مستقيم، وقيل: هو محمول على إتمام الأركان، وكذا كل ما جاء في الأخبار من الإتمام، بدليل ما روي في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحديث مشهور «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر بأهل مكة عام حجة الوداع ركعتين، ثم أمر مناديا ينادي بأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» . ولو كن فرض المسافر أربعا لم يخير منهم فضيلة الجماعة معه. وأما اعتبارنا بالصوم فسيأتي جوابه عن قريب إن شاء الله تعالى. وأما قوله: ولأنه لو اقتدى بالمقيم.... إلخ، فينقض بظهر المقيم، فإن فرضه بدون المقيم أربع، وسبب القوم وهو الجماعة يصير ركعتين وهو الجمعة، كذا ذكره شيخ الإسلام. فإن قلت: في " صحيح البخاري ": صلى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمنى أربع ركعات. قلت: لما «قيل ذلك لعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» قال أبو بكر الرازي: اعتمد عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إتمامه بأنه من أهل مكة، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه إنما أتم؛ لأنه نوى الإقامة بمكة بعد الحج. وقيل: فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتين ابتداء حضرا وسفرا، وقيل: لأنه كان إمام المؤمنين فكأنه في منزله. قلت: في كل ذلك نظر. أما الأول: فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سافر بأزواجه وقصروا. وأما الثاني: فلأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث. وأما الثالث: فإن هذا المعنى كان موجودا في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بل انتهى أمر الصلاة في زمان عثمان أكثر مما كان. وأما الرابع: فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أولى بذلك من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وأحسن ما يقال في ذلك أنه رأى القصر جائزا والإتمام جائزا، فأخذ بأحد الجائزين، وكذلك يقال فيما فعلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من الإتمام.
ولنا أن الشفع الثاني لا يقضى ولا يؤثم على تركه، وهذا آية النافلة بخلاف الصوم لأنه يقضى، ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ولنا أن الشفع الثاني لا يقضى) ش: أراد أن المسافر إذا لم يصل الشفع الثاني لا يَقْضي، قد يدل على أن الفرض ركعتان، إذ لو كان أربعا كان يجب عليه أن يقضي ركعتين. م: (ولا يؤثم على تركه) ش: أي ولا ينسب إلى الإثم على ترك الشفع كالنفل، ولا يؤثم على صيغة المجهول بالتشديد. م: (وهذا) ش: إشارة إلى كل واحد من عدم القضاء، وعدم التأثيم. م: (آية النافلة) ش: أي علامة النافلة. فإن قلت: يشكل هذا بالزائد على قرابة آية، أو ثلاث، فإنه لو أتى به يثاب ويقع فرضا، وكذا من لا استطاعة له على الحج لو تركه لا يعاقب، ولا أتى به يثاب ويقع فرضا. قلت: وقوع الفرض في الصورتين بعد الإتيان به بدليل آخر وهو تناول الأمر لمطلق الزيارة، وأما في الحج فلأنه أتى مكة صار مستطيعا فيفرض عيه، حتى لو تركه يأثم. م: (بخلاف الصوم) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي بالصوم حيث قال: اعتبارا بالصوم. وتقدير الجواب أن رخصة الصوم معناها سقوط وجوب الأداء في الحال على وجه يترتب عليه القضاء؛ ولهذا إذا لم يصم في السفر فإنه يقضي في الحضر، وهو معنى قوله: م: (لأنه يقضي) ش: أي لأن الصوم يُقضى إذا تركه. بخلاف الشفع فإنه لا يُقضى، فالقياس حينئذ باطل. وقد قال الأكمل: وفيه بحث من وجهين: الأول: أن هذا تعليل في مقابلة النص؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء: الآية 101) ، ولفظ: لا جناح، يذكر للإباحة دون الواجب، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه صدقة، والمتصدق عليه بالخيار في القبول، وعدمه. الثاني: أن الفقير لو لم يحج ليس عليه قضاء، ولا إثم، وإذا حج كان فرضا فلم يكن ما ذكرتم آية للنافلة. قلت: الجواب عنهما، ما قصر عبادة وأحسنها، أما عن الأول: فإن القصر المذكور في الآية معقود بشرط الخوف بالاتفاق، إذ الخائف وغيره سواء في قصر السفر، أو نقول: ليس المراد منه قصر أعداد الركعات، بل المراد هو القصر في أوصاف الصلاة كما في الإيماء، أو لإباحة الاختلاف أو المشي في صلاة الخوف. لأن مثله في غيرها يفسد الصلاة، فسماه قصرا، وأباح الصلاة معه، والتصدق بماله يحتمل التمليك من غير معترض الطاعة، والطاعة إسقاط لا يرتد بالرد، فلأن يكون من معترض الطاعة أولى. وأما الجواب عن الثاني: ما ذكرناه عن قريب.
وإن صلى أربعا وقعد في الثانية قدر التشهد أجزأته الأوليان عن الفرض، والأخريان له نافلة اعتبارا بالفجر، ويصير مسيئا لتأخير السلام، وإن لم يقعد في الثانية قدرها بطلت لاختلاط النافلة بها قبل إكمال أركانها، وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وإن صلى) أي المسافر م: (أربعا) ش: أي أربع ركعات في الرباعية م: (وقعد في الثانية) ش: أي في الركعة الثانية م: (قدر التشهد أجزأته الأوليان عن الفرض) ش: يعني تجوز صلاته م: (والأخريان) ش: أي الركعتان الأخريان اللتان زادهما م: (له نافلة) ش: لأن فرضه ركعتان، وقد تم فرضه بالقعود، عقيب الشفع الأول، وبناء النفل على تحريمه الفرض يجوز، فصح، إلا أنه كره لترك التسليم م: (اعتبارا بالفجر) ش: يعني إذا صلى الفجر أربعا بعد القعدة الأولى تجزئه صلاته، وإلا فلا م: (ويصير مسيئا لتأخير السلام) ش: لأن إصابة السلام في آخر الصلاة واجب، فإذا تركها يأثم. م: (وإن لم يقعد في الثانية قدرها) ش: أي قدر قعدة التشهد م: (بطلت) ش: أي صلاته، وعند الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا تبطل لما تقدم أن عندهم رخصة ترقيته م: (لاختلاط النافلة بها) ش: أي بصلاته التي شرع فيها م: (قبل إكمال أركانها) ش: لأن القعدة الأخيرة ركن وقد تركها. فإن قلت: المسافر كما يحتاج إلى القعدة يحتاج إلى القراءة، فإذا لم يقرأ في الركعتين، وقام إلى الثالثة، ونوى الإقامة وقرأ في الأخريين جازت صلاته عندهما خلافا لمحمد فكيف يبطل بترك القعدة. قلت: الكلام فيما إذا لم يقعد في الأولى، وأتم أربعا من غير نية الإقامة بخلاف ما إذا نوى الإقامة فإنه يصير فرضه أربعا، وتغني قراءته في الأخريين عن القراءة في الأوليين ولم تبق القعدة الأولى فرضا، وفي " المفيد" و" التحفة ": لو صلى أربعا وترك القراءة في الأوليين أو في أحدهما تفسد صلاته عندنا، وعند الشافعي لا تفسد، قلت: هذا لا يستقيم عند الشافعي؛ لأن القراءة ركن عنده في جميع الركعات. م: (وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين) ش: أي بيوت مصر صلى ركعتين من الرباعية. وفي " المبسوط ": يقصر حتى يخلف عمران المصر. وفي " الذخيرة " والمرغيناني: إن كانت له محلة مبتدأة من المصر، وكانت قبل ذلك متصلة بها، فإنه لا يقصر ما لم يجاوزها ويخلف دونها، بخلاف القرية التي تكون بعد المصر، فإنه يقصر، وإن لم يجاوزها. وقال محمد في الأصل: ولا يصل المسافر ركعتين حتى يخلف المصر. وعن الحسن عن أبي حنيفة: من خرج من الكوفة يريد سفرا، فإذا جاوز الفرات وهو يريد بغداد قصر، وإن كان يريد مكة فحين يجاوز الأبيات، وإن كان في سفينة فحين يركبها إلا أن يكون في وسط المصر فيعتبر أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيجاوز البيوت. وفي " جوامع الفقه ": إذا جاوز حيطان المصر قصر على ظاهر المذهب. وعن الحسن: فمن خرج مسافرا، وبقرب المصر قرية، فإن كان بينهما طول سكة لا يقصر ما لم يجاوز القرية، وإن كان أكثر قصر حين يخرج من العمران، وعلى هذا إذا كانت قرى متصلة ربض المصر لا يقصر ما لم يجاوزها، وإن كانت فراسخ، وعن بعضهم إذا جاوز الربض قصر. وفي " المفيد "، و" التحفة ": المقيم إذا نوى السفر ومشى أو ركب لا يصير مسافرا ما لم يخرج عن عمران المصر؛ لأن بنية العمل لا يصير عاملا ما لم يعمل، كالصائم إذا نوى الفطر لا يصير مفطرا. وفي " المحيط ": والصحيح أنه يصير مفطرا، ويعتبر مجاوزة عمران المصر، إلا إذا كان ثم قرية أو قرى متصلة بأرض المصر، فإنه حينئذ يعتبر مجاوزة القرى، وذكر الإمام التمرتاشي، والأشبه أن يكون الانفصال عن المصر قدر غلوة فحينئذ يقصر. فإن قلت: يشكل بصلاة الجمعة، والعيدين، فإنه يجوز إقامتهما في هذا المقدار، والجمعة لا تقام إلا في المصر. قلت: فناء المصر إنما ألحق به فيما كان من حوائج أهله، والجمعة، وصلاة العيدين من حوائج أهله وقصر الصلاة ليس منها، واختلفوا في تقدير الفناء، فقدرها بعضهم بفرسخين، وبعضهم بثلاثة فراسخ، ذكره في " المحيط "، وقال شمس الأئمة السرخسي، والإمام خواهر زاده: والصحيح أن الفناء مقدر بالغلوة. وقال الشافعي: في البلد يشترط مجاوزة السور لا مجاوزة الأبنية بالسور خارجه، وحكى الرافعي وجهين: المعتبر مجاوزة الدور، ورجح الرافعي هذا الوجه في " المجرد "، والأول في " الشرح "، وإن لم يكن في جهة خروجه سور، وكان في قرية يشترط مفارقة العمران. وفي " المغني " لابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر، حتى يخرج من بيوت مصره أو قريته، ويخلفها وراء ظهره، قال: وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وعن عطاء، وسليمان بن موسى، أنهما كانا يبيحان القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بالجماعة في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بين يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد الله، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وفي " الدراية ": والشرط عند الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أن لا يحاذيه عن يمينه، أو يساره شيء من البنيان، وفي رواية: أن يكون في المصر ثلاثة
لأن الإقامة تتعلق بدخولها فيتعلق السفر بالخروج عنها، وفيه الأثر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا ـــــــــــــــــــــــــــــQأميال، وحكي عن عطاء أنه قال: إذا دخل عليه وقت صلاة بعد خروجه من منزله قبل أن يفارق بيوت المصر يباح له القصر. وقال مجاهد: إذا ابتدأ السفر بالنهار لا يقصر حتى يدخل الليل، وإن ابتدأ بالليل لا يقصر حتى يدخل النهار. وفي " المجتبى ": الدستاني: إذا سافر يقصر إذا جاوز بيوت القرية وحيطانها، وإن لم يكن قرية فالبيوت، وعند الشافعي: القروي إذا جاوز البابين والمزارع المحوطة يقصر، والبدوي إذا انفصل عن المحلة إذ المحلة كالحي، ويعتبر مع ذلك مجاوزة مواضعها كالمطرح المزاد، وملعب الصبيان ومعاطن الإبل. م: (لأن الإقامة تتعلق بدخولها) ش: أي الإقامة من السفر تتعلق بدخول بيوت المصر م: (فيتعلق السفر بالخروج عنها) ش: أي عن بيوت المصر، لأن الشيء إذا تعلق بالشيء تعلق ضده بضده، وحكم الإقامة وهو الإتمام، لما تعلق هذا الموضع تعلق حكم السفر بالمجاوزة عنه، والمعتبر بالجانب الذي يخرج منه لا الجانب الذي بحذائه حتى لو خلف الأبنية التي في طريقه قصر، وإن كان بحذائه أبنية أخرى من جانب آخر من المصر. وقيل: يعتبر مجاوزته بفناء المصر، فإذا كان بينها وبين فنائها أقل من غلوة، ولو يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء وإلا لا يعتبر الفناء، بل يعتبر مجاوزة عمران المصر، وإن كانت قرية متصلة بربض المصر يعتبر مجاوزتها هو الصحيح، وإن كانت متصلة بفنائها لا بربضها يعتبر الفناء دون القرية. م: (وفيه الأثر) ش: أي فيما ذكرنا من أن حكم السفر بمفارقة بيوت المصر، الأثر عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قال السغناقي: وهو المأثور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتبعه الأكمل وغيره في هذا. قلت: رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا عباد بن العوام عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج من السفر فصلى الظهر أربعا، ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما خرج من البصرة، فأتى خصا، فقال: لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين، فقلت: وما الخص؟ قال: بيت من قصب. قلت: هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة. م: (لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا) ش: هذا بيان قوله وفيه الأثر، قائله هو علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كما ذكرنا، وفيه حديث أخرجه البخاري ومسلم «عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صليت الظهر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين» . والعجب من السغناقي أنه ذكر هذا الحديث ثم قال: كذا في " المصابيح "، وهذا يدل على عدم
ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما أو أكثر. وإن نوى أقل من ذلك قصر؛ لأنه لا بد من اعتباره مدة، لأن السفر يجامعه اللبث فقدرناها بمدة الطهر لأنهما ـــــــــــــــــــــــــــــQاطلاعه في كتب الأحاديث الأمهات. م: (ولا يزال) ش: أي المسافر، م: (على حكم السفر) ش: من القصر والإفطار والمسح على الخفين ثلاثة أيام وغير ذلك مما ذكرنا في أول الباب، م: (حتى ينوي الإقامة) ش: يعني بعد أن سار ثلاثة أيام إذا نوى الإقامة قبل أن يسير ثلاثة أيام، وعزم الرجوع إلى وطنه فإنه يكون مقيما وإن كان في المفازة، وبه صرح في شرح " الطحاوي " للأسبيجابي. م: (في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما) ش: فيه ثمانية عشر قولا. عن أبي حنيفة إذا وضعت رجلك بأرض فأتم، وعن ربيعة إقامة يوم وليلة، وعن ابن المسيب ثلاثة أيام، وعن الشافعي ومالك وأحمد في رواية أربعة أيام، وعن أحمد خمسة أيام، وعنه أنه ينوي اثنين وعشرين صلاة ذكره في " المغني " وجعله مذهبا. وعن الحسن بن صالح ومحمد بن علي عشرة أيام، وهو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعن ابن عمر اثنا عشر يوما، وعن الأوزاعي ثلاثة عشر يوما، وفي رواية ستة عشر يوما، وعن الشافعي في قوله سبعة عشر يوما، وعنه ثمانية عشر يوما وصححوه. وعن إسحاق تسعة عشر يوما، وعن الحسن البصري يقصر حتى يأتي مصرا من الأمصار، وعن بعضهم عشرون يوما، وعن أحمد ذكره ابن المنذر، وعنه إحدى وعشرون صلاة. والقول السابع عشر يقصر أبدا. والقول الثامن عشر: هو قول أصحابنا، وقول الثوري، والليث في رواية. وهو المروي، عن ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو اختيار المزني. م: (أو أكثر) ش: أي إذا كثر عن خمسة عشر يوما. وقال الأكمل: هذا زائد. قلت: أراد أنه لا حاجة إلى ذكر لفظ أكثر، لأن الحكم إذا ثبت في خمسة عشر يوما ففيما وراءها بطريق الأولى، ولكن المقدرات الشرعية ما يمنع الأقل لا الأكثر كنصاب الشهادة والسرقة والزكاة، فربما يظن ظان أن نية الإقامة في محلها بخمسة عشر يوما يمنع من القصر ولا يمنع أكثر من ذلك، فقال: وإذا كثر دفعا للظن بذلك. م: (وإن نوى أقل من ذلك) ش: أي من خمسة عشر يوما. م: (قصر) ش: صلاته. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن. م: (لا بد من اعتبار مدة، لأن السفر يجامعه اللبث) ش: يعني أن المسافر، ربما يلبث في بعض المواضع لمصلحة له كانتظار الرفقة أو شراء السلعة فلا يعتبر ذلك، فلا بد من أن يقدر اللبث مدة. م: (فقدرناها) ش: أي المدة. م: (بمدة الطهر لأنهما) ش: أي لأن مدة الإقامة ومدة
مدتان موجبتان، وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQالطهر م: (مدتان موجبتان) ش: فإن مدة الطهر توجب إعادة ما سقط من الصوم والصلاة بحكم الحيض ومدة الإقامة يوجب ما سقط بحكم السفر حكما متعذرا أدنى مدة الطهر بخمسة عشر يوما، فكذلك أدنى مدة الإقامة، ولهذا قدرنا أدنى مدة الحيض والسفر بثلاثة أيام لكونهما يسقطان. م: (وهو) ش: أي التقدير بمدة الطهر م: (مأثور عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا أخرجه الطحاوي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالا: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقوم خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصرها. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"، حدثنا وكيع، ثنا عمر بن ذر، عن مجاهد: أن ابن عمر كان إذ اجتمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة. أخرجه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار". أخبرنا أبو حنيفة، ثنا موسى بن مسلم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري فأقصر. وقال الشافعي: إذا نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما لا يباح له القصر، وفي قول: إذا أقام أكثر من أربعة أيام كان مقيما، وإن لم ينو الإقامة، واحتج الأول بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] (النساء الآية 101) . علق القصر بالضرب في الأرض، ومن نوى الإقامة فقد قول الضرب، والمعلق بالشرط معدوم عند عدمه، إلا إنما بيناها ما دون ذلك بدليل الإجماع. والثاني: ما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر للمهاجرين للمقام بمكة بعد قضاء المناسك ثلاثة أيام» فهو دليل على أن بالزيادة على ذلك يثبت حكم الإقامة، وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثل مذهبه، ولما اختلفت الصحابة كان الأخذ بقول عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أولى للاحتياط. وروي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أجلى اليهود والنصارى من جزيرة العرب، ثم ضرب لمن يقدم تاجرا أن يقيم ثلاثة أيام مدة السفر، فإذا زاد على ذلك صار مقيما. ولنا لما ترك ظاهر الآية بالإجماع كان الأخذ بما قلنا أولى لما روي عن إبراهيم وإبراهيم أنهما قالا: أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما، وسبيل ذلك التوقيف فينزل منزلة المنصوص، وروى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، وخرج إلى منى يوم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتروية، وكان يقصر الصلاة، وقد أقام أكثر من ثلاثة أيام» . فإن قلت: الحديث محمول على ما إذا لم ينو الإقامة، وبدون النية لا يصير مقيما بأربعة أيام عنده. قلت: لا يصح هذا لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة للحج، ولا بد أنه ينوي الإقامة حتى يقضي حجه، وقضى حجه فيما ذكرنا كان أكثر من أربعة أيام، وقع ذلك كأن يقصر، وأما الحديث فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قدر هذا لأنه علم أن حوائجهم كانت ترفع في هذه المدة لا لتقدير أدنى مدة الإقامة. وما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معارض بما روي عنه أنها تقدر بخمسة عشر يوما، فدل على رجوعه. وأما دعوى الاحتياط فإنه يشكل بما لو نوى الإقامة ثلاثة أيام أو أقل لا يصير مقيما، وإن كان الاحتياط فيه، وقال الطحاوي: ما قال الشافعي خلاف الإجماع؛ لأنه لم ينقل عن أحد قبله بأنه يصير مقيما بنية الإقامة أربعة أيام. فإن قلت: روي عن ابن المسيب أنه قال: من أجمع على أربع وساعة أتم صلاته. قلت: يعارضه ما روي عن هشيم عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه قال: إذا أقام المسافر خمسة عشر أتم الصلاة، وما كان دون ذلك فليقصر، ومع هذا لا يجوز أن يعارض قول ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعن يحيى بن أبي إسحاق الرأي فيه، فالظاهر أن الصحابي رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخبر موجب فكان الأثر كذلك. فإن قلت: كيف مع أنه قال فيه معنى معقول أصله بالأثر، لا أن يثبت أصلها بدليل المعقول، فكان هذا من قبيل ترجيح أحد الأمرين بالقياس، ثم اعلم أنا قلنا إنما يصير مقيما بنية الإقامة إذا سار ثلاثة أيام، فأما إذا لم يسر ثلاثة أيام فعزم على الرجوع ونوى الإقامة يصير مقيما، وإن كان في المفازة كذا ذكر فخر الإسلام، وفي " المجتبى ": لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة، أو دخول الوطن أو الرجوع إليه قبل الثلاثة، وبه قال الشافعي في الظهر، ونية الإقامة إنما تؤثر بخمس شرائط. أحدها: ترك الإقامة أو تحريره لم تصح، واتحاد الوضع، والمدة، والاستقلال بالرأي حتى لو نوى من كان تبعا لغيره لا يعتبر كالحربي، والزوجة، والرقيق، والأجير، والتلميذ مع أستاذه، والغريم المفلس مع صاحب الدين إلا إذا نوى متبوعه، ولو نوى المتبوع الإقامة، ولم يعلم بها التابع فهو مسافر حتى يعلم كالوكيل، إذا عزل وهو الأصح، وعن بعض أصحابنا يصيرون مقيمين، ويعيدون ما أدوا في مدة عدم العلم.
والأثر في مثله كالخبر، والتقييد بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة، وهو الظاهر، ولو دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد ولم ينو مدة الإقامة حتى بقي على ذلك سنين قصر؛ لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بأذربيجان ستة أشهر وكان يقصر ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (والتقييد) ش: أي تقييد محمد بن الحسن صحة نية الإقامة. م: (بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة) ش: لأن شماله يبطل عن يمينه. م: (وهو الظاهر) ش: من الروايات، واحترز به عما روى عنه أبو يوسف: أن الرعاة إذا تركوا موضعا كثير الكلأ والماء، ونووا الإقامة خمسة عشر يوما، والماء والكلأ يكفيهم بتلك المدة يصيرون مقيمين، وكذا التراكمة والأعراب والأكراد، في ظاهر الرواية لا تصح نية الإقامة إلا في موضعها وهو العمران، والبيوت المتخذة من الحجر والمدر، لا الخيام، والأخبية من الوبر، كذا في " فتاوى قاضي خان ". م: (ولو دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد) ش: أي ولو دخل المسافر مصرا من الأمصار على نية أن يخرج منه غدا أو يخرج بعد غد. م: (ولم ينو) ش: أي والحال أنه لم ينو. م: (مدة الإقامة حتى بقي) ش: في ذلك المصر. م: (على ذلك) ش: العزم. م: (سنين) ش: عديدة. م: (قصر) ش: وعند الشافعي إذا أقام ستة عشر يوما أتم، وإن لم ينو الإقامة، وعنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام أتم، وعنه: إذا أقام ثمانية عشر يوما أتم، وأخذ الشافعي بما أقامه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة سبعة عشر يوما، أو ثمانية عشر يوما. فمن أقام أكثر من ذلك يتم ما زاد على الأصل، إذ القصر عارض فلم يثبت إلا بقدر ما زاد. قلت: ما رواه يؤيدنا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقصر عند عدم النية، والإقامة، وأما قوله: بقي ما زاد على الأصل فنقول: ترك ذلك بإجماع الصحابة. وقال الترمذي: أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع الإقامة، وإن أتى عليه سنون، وقال ابن المنذر مثله. م: (لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بأذربيجان ستة أشهر، وكان يقصر) ش: هذا الأثر رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، أخرجه البيهقي في " المعرفة " عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن
[دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها هل يقصروا]
وعن جامعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مثل ذلك وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها قصروا، ـــــــــــــــــــــــــــــQعمر، أنه قال: أرتج علينا الثلج، ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، فكنا نصلي ركعتين، قال الترمذي: وهذا سند على شرط الشيخين. قلت: فلذلك خالف المزني الشافعي في ذلك، ووافق الجماعة. وأذربيجان بفتح الهمزة مقصورا. وضبطه الأصيلي والمهلب بمدة. قال صاحب " المشارق الأنوار ": ضبطناه عن الأسدي بكسر الباء، وضبطناه عن أبي عبد الله بن سليمان وغيره بفتحها، وحكى فيه ابن مكي بفتح الذال وسكون الراء، وقال ابن الأحداني: كلام العرب به سكون الذال وفتح الراء. وضبط عن المهلب أذربيجان بكسر الراء، وتقديم الياء آخر الحروف على الباء الموحدة، وهو اسم لبلاد تبرز، وتبريز من أجمل مدنها، والنسبة إليها أذري وأذربي. م: (وعن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مثل ذلك) ش: أي مثل ما روي عن ابن عمر رواه مسلم في "صحيحه" أقامت الصحابة برامهرمز من تسعة أشهر يقصرون الصلاة، وروى البيهقي وغيره أن أنسا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بالشام مع عبد الملك بن مروان شهرين يصلي صلاة المسافر، وأقام سعد بن أبي وقاص بالشرع خمسين ليلة ومعه المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود حتى دخل رمضان فصام المسور وعبد الرحمن وأفطر سعد بن أبي وقاص، فقيل: يا سعد أنت صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهدت بدرا والمسور يصوم وعبد الرحمن وأنت تفطر؟ قال سعد: أنا أفقه منهم، رواه البيهقي في "سننه الكبرى". وفي " المحلى " لابن حزم عن أبي وائل قال: كنا مع مسروق بمليلة سنتين وهو عامل عليها فصلى بنا ركعتين ركعتين، حتى انصرف، وعن أبي منهال العنزي قال: قلت لابن عباس: إني أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير، قال: صلى ركعتين. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا القاسم بن حبان عن الحسن، قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلادنا فارس سنين فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا وكيع، ثنا المثنى بن سعيد، عن أبي حمزة نصر بن عمران، قال: قلت لابن عباس: إنا نطيل القيام بخراسان، فكيف تهدي؟ فقال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين. [دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها هل يقصروا] م: (وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها قصروا) ش: الرباعية، وبه قال مالك وأحمد، وقال زفر: يتمون، وهو رواية عن أبي يوسف، وقال الشافعي في الجديد: إذا نووا إقامة أربعة أيام، وقال في القديم كقولنا.
وكذا إذا حاصروا فيها مدينة أو حصنًا، لأن الداخل بين أن يهزم فيفر، وبين أن يهزم فيفر، فلم تكن دار إقامة. وكذا إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام في غير مصر أو حاصروهم في البحر؛ لأن حالهم مبطل عزيمتهم ـــــــــــــــــــــــــــــQوقال النووي: المحارب إذا نوى إقامة أربعة أيام يصير مقيما في أصح القولين م: (وكذا) ش: يقصرون م: (إذا حاصروا فيها) ش: أي في أرض الحرب م: (مدينة أو حصنا؛ لأن الداخل) ش: في أرض الحرب م: (بين أن يهزم فيفر) ش: كلمة أن مصدرية، ويهزم على صيغة المعلوم، وقوله فيفر أيضا على صيغة المعلوم. م: (وبين أن يهزم يفر) ش: وكلمة أن مصدرية، ويهزم على صيغة المجهول، وقول فيفر على صيغة المعلوم بالفاء من الفرار، والحاصل أن أمر هذا الداخل يلي أمرين متناقضين فلا يعمل فيه نية الإقامة م: (فلم تكن دار إقامة) ش: لأنها ليست بموضع إقامة المسلمين لمكان الحرب فلم تصح النية كما في المفازة. م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا حاصروا أهل البغي في دار السلام، في غير مصر) ش: يعني في مفازة وأهل البغي هم الذين خرجوا على السلطان م: (أو حاصروهم في البحر) ش: أي أو حاصر أهل العدل البغي حال كونهم في البحر. فإن قلت: حكم هذه المسألة علم مما قبلها. فما فائدة ذكرها؟ قلت: لدفع شبهة وهو أن يقال إنما لا تجوز نية الإقامة في دار الحرب، لأنها منقطعة، فصارت كالمفازة، والأرض التي عليها أهل البغي ومدينتهم في يد أهل الإسلام فيجب أن تصح نية الإقامة. فأجاب عن ذلك بقوله: م: (لأن حالهم مبطل عزيمتهم) ش: لأنهم إنما أقاموا لغرض، فإذا حصل ذلك انزعجوا، فلا تكون عزيمتهم مستقرة كنية العسكر في دار الحرب، وقال الأكمل: وهذا التعليل يعني قوله لأن حالهم مبطل عزيمتهم يدل على أن قوله: في غير مصر، وقوله: في البحر، ليس بقيد، حتى لو نزلوا مدينة أهل البغي، وحاصروهم في الحصن لم تصح نيتهم أيضا، لأن مدينتهم كالمفازة عند حصول المصور المقيمون فيها، فليس الأمر كما ذكره، لأنه ربما كان يتوهم المتوهم أن حكم المفازة، والبحر ليس بحكم المدينة والحصن، باعتبار أن البحر والمفازة ليس عليها يدهم وشوكتهم، مثل ما هي على مدينتهم، وحصنهم، وهذا ظاهر، فكذلك ذكر قوله: في غير مصر، وفي البحر. وفي " جوامع الفقه ": إن نووا الإقامة في موضع وظن فيه أهل الحرب صاروا مقيمين، وفي "الإملاء " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن نزلوا بساتينهم وأكنافهم وللمسلمين منعة صحت إقامتهم، ولا يصح إذا نزلوا عليهم في جناحهم. وفي " الذخيرة " إن غلبوا على مدينة
[حكم نية إقامة المسافر من أهل الكلأ]
وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في الوجهين إذا كانت الشوكة لهم للتمكن من القرار ظاهرا. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح إذا كانوا في بيوت المدر، لأنه موضع إقامة، ونية الإقامة من أهل الكلأ وهم أهل الأخبية، قيل: لا تصح، ـــــــــــــــــــــــــــــQواتخذوها دارا صارت دار الإسلام، يتمون فيها الصلاة، وإن لم يتخذوها دارا، ولكن أرادوا الإقامة فيها شهرا قصروا. وقال زفر: إن كان الشوكة لهم صاروا مقيمين لتمكنهم من القرار، وظاهرا على ما يذكره المصنف، والملاح وصاحب السفينة لا يصير مقيما بنية الإقامة في السفينة لأنها ليست موضع إقامة عادة، إلا أن يكون قريبة من وطنه، ذكره في "المحيط ". م: (وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في الوجهين) ش: أي فيما إذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة وفيما إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام في غير مصر. م: (إذا كانت الشوكة لهم) ش: أي العسكر المسلمين م: (للتمكن من القرار ظاهرا) ش: أي لأجل تمكنهم من القرار، وهناك يعتبر ظاهر الحال. م: (وعند أبي يوسف يصح) ش: أي نية الإقامة م: (إذا كانوا في بيوت المدر لأنه) ش: أي لأن المذكور هو بيوت المدر م: (موضع إقامة) ش: وقرار، بخلاف الصبح، فلو حاصروا أهل الأخبية والفساطيط لم يصيروا مقيمين بنية الإقامة، وسواء نزلوا بساحتهم أو في أخبيتهم بالإجماع، لأن هذا لا يعد للإقامة، ألا ترى أنهم حملوها على الدواب حيثما قصدوا واستحقوا يوم ظعنهم ويوم إقامتهم، فإذا هي حمولة ليست بمنازل. وقال الحلواني: وهكذا إذا قصد العسكر المسلمين موضعا، ومعهم أخبيتهم وفساطيطهم وعزموا فيها على إقامة خمسة عشر يوما لم يصيروا مقيمين، لأنها حمولة وليست بمساكن، كذا في " المحيط ". [حكم نية إقامة المسافر من أهل الكلأ] م: (ونية الإقامة من أهل الكلأ) ش: بفتح الكاف، واللام، وبالهمزة في آخره بغير مد هو العشب، وقد كَلِئَت الأرض والجنان فهي أرض مكلئة وكلئة، أي ذات كلأ ورطبة. م: (وهم) ش: أي أهل الكلأ هم م: (أهل الأخبية) ش: الأخبية جمع خبايا بالكسر والمد، وهو من وبر، أو صوف، ولا يكون من شعر وهو على عمودين، أو ثلاثة، وما فوق ذلك. م: (قيل: لا تصح) ش: هذه جملة خبر المبتدأ، أعني قوله: ونية الإقامة، ولكن بالتأويل، تقديره: ونية إقامة المسافر من أهل الكلأ يشك فيها لا تصح، وإنما قدرنا هكذا، لأن الخبر إذا كان جملة لا بد أن يكون فيه ضمير عائد إلى المبتدأ، وهو الذي سمي رابطة الخبر بالمبتدأ كما عرف في موضعه، ووجه هذا القول أنهم ليسوا في موضع الإقامة.
والأصح أنهم مقيمون، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى، وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت أتم أربعا لأنه يتغير فرضه إلى أربع للتبعية ـــــــــــــــــــــــــــــQفإن قلت: من أهل الأخبية. قلت: الأعراب والترك والكرد الذين يسكنون في المفازة. م: (والأصح أنهم) ش: أي أهل الأخبية م: (مقيمون، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " المحيط " وعليه الفتوى، وفي " التحفة ": الأعراب والأكراد والتراكمة والرعاة الذين يسكنون في بيوت شعر والصوف مقيمون، لأن مقامهم المفازة عادة، وبه قال الشافعي، وأما إذا ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضعا آخر للإقامة في الشتاء، وبين الموضعين مسيرة ثلاثة أيام، فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق عند أبي حنيفة، كذا في "المحيط ". وفي " المجتبى " ذكر البقال والملاح مسافر، وإن كان أهله وعياله في السفينة، وبه قال الشافعي: السفينة ليست بوطن له، وعند الحسن وأحمد وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف إذا كانوا يطوفون في المفاوز ينتقلون من مرعى إلى مرعى ومعهم ثقلهم أنهم مسافرون، إلا إذا نزلوا مرعى كثير الكلأ وأخذوا المخابز، وكان الكلأ يكفيهم مدة الإقامة صحت نيتهم. م: (لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى) ش: لأن الانتقال عارض والأصل لا يبطل بالعارض ولأجل حالهم على الأصل أولى. م: (وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت) ش: قيد بقوله: في الوقت لأنه لا يقتدي المسافر بالمقيم خارج الوقت للزوم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، لأن القعدة الأولى فرض في حقه نفل في حق الإمام كذا في " المبسوط " م: (أتم أربعا) ش: أي أربع ركعات وسواء في ذلك اقتدى به في جزء من صلاته أو كلها، وبه قال الشافعي وأحمد وداود، وقال مالك: إن أدرك من صلاة المقيم ركعة يلزمه الإتمام، وإن كان دون ذلك لا يلزمه قياسا على الجمعة، وقال إسحاق بن راهويه: يجوز للمسافر القصر خلف المقيم. وحكى ابن المنذر عن ابن عمر عن ابن عباس والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد مثل مذهبنا، وحكي عن الحسن والزهري مثل مذهب مالك، وقال طاووس والشعبي: إن أدرك معه ركعتين أجزأتاه، وقول الظاهرية مثل قول إسحاق ثم إنه إنما يتمها أربعا إذا لم يفسد الإمام صلاته، لأنه إذا أفسدها فعلى المسافر أن يصلي ركعتين عندنا، وعند الشافعي، وزفر ومالك، وأحمد يقضي أربعا، لأنه ألزم صلاة الإمام. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يتغير فرضه إلى أربع للتبعية) ش: أي لالتزامه المتابعة للإمام، لكنه لو أفسد صلاته بعد الاقتداء صلى ركعتين لأنه مسافر على حاله، بخلاف ما
كما يتغير بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت ـــــــــــــــــــــــــــــQاقتدى بنية النفل ثم أفسد، فإنه يلزمه قضاء أربع ركعات، لأنه بشروعه صار ملزما صلاة الإمام، وصلاة الإمام أربع. فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا اقتدى المقيم بالمسافر ثم أحدث الإمام فاستخلف المقيم، فإنه لا يتغير فرضه إلى الأربع مع أن الإمام الأول صار بمنزلة المقتدي للخليفة المقيم. قلت: لما كان المقيم خليفة عن المسافر صار كأن المسافر هو الإمام فيأخذ الخليفة صفة الإمام الأول. م: (كما يتغير) ش: أي فرضه إلى أربع م: (بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت) ش: أراد أن سبب وجوب الصلاة هو الجزء القائم من الوقت، فإذا وجد المغير، وهو الاقتداء بالمقيم في الوقت، عمل عمله في السبب، فإذا عمل في السبب عمل في الحكم، لكون الحكم تابعا للسبب، فيصير فرضه أربعا، فإن القول بصحة الاقتداء، فأما بعد خروج الوقت لم يعمل المغير في السبب لتقرر السبب وتأكده، فلا يعمل بحكم، فيبقى فرضه ركعتين، فلا يمكن القول بصحة الاقتداء، لأنه يؤدي إلى اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة إن اقتدى به في الشفع الأول، والقراءة إن اقتدى به في الشفع الثاني، لأن قراءة الإمام نفل، والقراءة له فرض. فإن قلت: ما ذكرتم من المعنى يشكل بما لو نسي المقيم القراءة في الشفع الأول، فاقتدى المسافر به في الشفع الثاني، وكان ذلك خارج الوقت لا يصح اقتداؤه، وكان ينبغي أن يجوز، لأن القراءة فرض عليهما في هذه الحالة. قلت: لا يصح الأول تعين محلا للقراءة وجوبا، والقراءة في الثاني معا فيلتحق بمحلها، فصار كأنها وجدت في الشفع الأول فتخلو الركعات من القراءة، فكان فيه بناء الموجود على المعدوم. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض في الشفع الثاني فإن القراءة فيه نفل عن الإمام فرض على المقتدي، والحال أنه جائز. قلت: صلاة المتنفل تأخذ حكم الفرض بالاقتداء تبعا لصلاة الإمام، ولهذا لو قرأ المتنفل صلاته بعد الاقتداء يجب قضاؤها أربعا، كذا في "الجامع الكبير " للصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأكمل: فإن قيل: علل بغير فرضه بالتبعية بقوله: للتبعية فكيف يستقيم تعليله بعد ذلك بقوله: لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت:
وإن دخل معه في فائتة لم يجزه؛ لأنه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا يتغير بنية الإقامة فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة، وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم، لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين. ـــــــــــــــــــــــــــــQقلت: ذلك تعليل للمقيس عليه، ومعناه أن الجامع موجود وهو اتصال المغير بالسبب فإن المغير في الأول هو الاقتداء وقد يتصل بالسبب وهو الوقت كما أن المغير في الثاني هو نية الإقامة، وقد اتصل بالسبب، وإن اقتدى به في غيره لم يجزه لعدم اتصال المغير، كما إذا نوى الإقامة بعد الوقت، انتهى. قلت: هذا السؤال غير وارد من الأول فلم تكن الحاجة إلى التطويل، لأنه ذكر حكمين، وعلل كل واحد منهما بعلة، فقاس الأول على الثاني بعلاقة التشبيه لوجود وجه الشبه الذي هو جامع بين المقيس والمقيس عليه. م: (وإن دخل معه في فائتة لم يجزه) ش: أي وإن دخل المسافر مع المقيم في صلاة فائتة لم يجزه الاقتداء، وإنما قال: وإن دخل معه في فائتة، ولم يقل: وإن اقتدى به، في غير الوقت لئلا يرد عليه ما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم في الوقت ثم ذهب الوقت، فإنها لا تفسد، وقد وجد الاقتداء بعده، لأن الإتمام لزم بالشروع مع الإمام في الوقت فالتحق الوقت بغيره من المقيمين م: (لأنه) ش: أي لأن الفرض م: (لا يتغير) ش: عن قصر إلى الكمال م: (بعد الوقت لانقضاء السبب) ش: وهو الوقت. م: (كما لا يتغير) ش: فرضه م: (بنية الإقامة) ش: بعد خروج الوقت، فلما لم يتغير فرضه لم يجز اقتداؤه، لأنه لو جاز لا يخلو، إما أن يقتدي في الشفع الأول، أو في الشفع الآخر. ففي الأول: يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، لأن القعدة الأولى فرض في حق المسافر نفل في حق المقيم. وفي الثاني: يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة لأن القراءة فرض في حق المقتدي دون الإمام، فاقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز عندنا، خلافا للشافعي، وإلى هذا أشار المصنف بفاء النتيجة بقوله: م: (فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة) ش: إذا كان اقتداؤه في الشفع الثاني، وكلمة - أو- هنا مانعة الخلو لا مانعة الجمع لجواز اجتماعهما وهو أيضا يفسد. م: (وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم) ش: أي المسافر الذي هو الإمام يسلم آخر الركعتين اللتين هما صلاته م: (وأتم المقيمون) ش: المقتدون م: (صلاتهم) ش: وهي أربع ركعات م: (لأن المقتدي التزم الموافقة) ش: للإمام م: (في الركعتين) ش: اللتين للمسافر.
فينفرد في الباقي كالمسبوق، إلا أنه لا يقرأ في الأصح لأنه مقتد تحريمة لا فعلا، والفرض صار مؤدى فيتركها احتياطا بخلاف المسبوق؛ لأنه أدرك القراءة نافلة فلم يتأد الفرض، فكأن الإتيان أولى. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فينفرد بالباقي) ش: من الصلاة وهو ركعتان م: (كالمسبوق) ش: فإنه ينفرد فيما فاته من صلاته مع الإمام م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: فينفرد، أي: إلا أن المقتدي المذكور م: (لا يقرأ) ش: فيما بقي من صلاته لأن فرض الصلاة صار مؤدى بخلاف المسبوق الذي أدرك في الشفع الثاني، حيث يأتي بالقراءة لأنه أدرك قراءة نافلة. م: (في الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ من وجوب القراءة فيما يتمون لأنهم ينفردون فيه، ولهذا يلزمهم سجود السهو إذا سهوا فيه، فأشبهوا المسبوقين، وأشار إلى وجه الأصح بقوله م: (لأنه مقتد تحريمة لا فعلا) ش: أي من حيث التحريمة لا من حيث الفعل، أما أنه مقتد تحريمة، فإنه التزم الأداء معه في أول التحريمة، وأما أنه ليس مقتديا فعلا، فلأن فعل الإمام فرغ بالسلام على رأس الركعتين، وكل من كان كذلك فهو لاحق، ولا قراءة على اللاحق، لأنه بالنظر إلى كونه مقتد بالتحريمة حرم عليه القراءة، وبالنظر إلى كونه مقتديا فعلا يتسحب القراءة فيتركها احتياطا لأن المحرم والمبيح إذا اجتمعا فالغلبة للمحرم. وإلى هذا أشار بقوله: م: (والفرض) ش: أي فرض القراءة م: (صار مؤدى) ش: لقراءة الإمام وقراءته قراءة المقتدي وهو ممنوع من القراءة، فإذا كان كذلك. م: (فيتركها) ش: أي فيترك القراءة. م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط لما ذكرنا. م: (بخلاف المسبوق لأنه أدرك القراءة نافلة) ش: وهي قراءة الإمام في الشفع الثاني. م: (فلم يتأد الفرض) ش: بتلك القراءة النافلة. م: (فكان الإتيان) أي إتيان القراءة. م: (أولى) ش: أي من تركها. فإن قلت: لما أدرك المسبوق قراءة النافلة ولم يتأد به الفرض، فكان الإتيان به واجبا فكيف قال، فكان الإتيان به أولى. قلت: الأولوية لا تنافي الوجوب، كما أن الإباحة والندب لا ينافيه، والمراد بالأولوية ترجيح جانب الوجود على العدم، وهذا موجود في الوجوب وزيادة. وفي " الجنازية ": أن قوله: فكان به أولى، للمطابقة بينه وبين قوله فيتركها احتياطا، لكن مراده إن جعله منفردا أولى من جعله مقتديا حتى تلزمه القراءة، ولو تركها فسدت صلاته. ونقل هذا صاحب " الدراية" ثم قال: وفيه تعقب، ونقله الأكمل، وقال: وفيه نظر، وكلاهما لم يبينا وجه ما ذكرنا، والتحقيق فيه أن المعنى: فكان الإتيان بجهته كون المسبوق مقتديا أولى من الإتيان بجهة كون المقيم مقتديا لا أن تكون القراءة سنة أولى أو قراءة المسبوق فرض لا تجوز الصلاة بدونها.
[ما يستحب للإمام المسافر]
قال: ويستحب للإمام المسافر إذا سلم أن يقول أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال حين صلى بأهل مكة وهو مسافر ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ما يستحب للإمام المسافر] م: (ويستحب للإمام المسافر إذا سلم) ش: على رأس الركعتين م: (أن يقول: أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر) ش: بفتح السين وسكون الفاء جمع مسافر، هذا يدل على أن العلم بحال الإمام يكون مقيما أو مسافرا ليس بشرط، لأنهم إن علموا أنه مسافر، فقوله هذا عبث، وإن علموا أنه مقيم كان كذبا، فدل على أن المراد به إذا لم يعلموا حاله وهو مخالف لما ذكر في "فتاوى قاضي خان " وغيره أن من اقتدى بإمام لا يدري أنه مقيم أو مسافر لا يصح اقتداؤه. فإن قلت: ما وجه التوفيق بين الروايتين. قلت: تلك الرواية محمولة على ما إذا بنوا أمر الإمام على ظاهر حال الإقامة، والحال أنه ليس بمقيم وسلم على رأس الركعتين، وانصرفوا على ذلك لاعتقادهم فساد صلاة الإمام، وأما إذا علموا بعد الصلاة بحال الإمام جازت صلاتهم، وإن لم يعلموا حاله وقت الاقتداء. فإن قلت: فعلى هذا التقدير يجب أن يكون هذا القول واجبا على الإمام، لأن صلاح صلاة القوم يحصل به، وما يحصل به ذلك فهو واجب على الإمام، فكيف قال: ويستحب؟ قلت: صلاح صلاتهم ليس يتوقف على هذا القول البتة، بل إذا سلم على رأس الركعتين، وعلم عدم سهوه، فالظاهر من حاله أنه مسافر حملا لأمره على الصلاح. فإن قوله: بعد ذلك زيادة إعلام بأنه مسافر، فكان أمرا مستحبا لا واجبا. وفي " شرح الإرشاد ": وينبغي أن يخبر إمام القوم قبل شروعه أنه مسافر، فإذا لم يخبر أخبر بعد السلام. م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حين صلى بأهل مكة وهو مسافر) ش: هذا أخرجه أبو داود والترمذي عن علي بن زيد عن أبي نضرة «عن عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول: "يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الطبراني في "معجمه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه " وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي والبزار في "مسانيدهم". «ولفظه قال: ما سافرت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفرا قط إلا صلى ركعتين، ثم حججت معه واعتمرت فصلى ركعتين، قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واعتمرت فصلى ركعتين، ثم قال: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واعتمرت فصلى ركعتين ثم قال: أتموا صلاتكم فإنا
[الحكم إذا دخل المسافر بلده]
وإذا دخل المسافر في مصره أتم الصلاة وإن لم ينو المقام فيه لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير عزم جديد ـــــــــــــــــــــــــــــQقوم سفر، ثم حججت مع عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واعتمرت فصلى ركعتين ثم إن عثمان أتم انتهى. وزاد فيه ابن أبي شيبة: وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، وقال فيه: وحججت مع عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبع سنين من إمارته فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم صلاها يعني أربعا.» وروى مالك في " الموطأ " عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر، ورواه عبد الرزاق أيضا في "مصنفه" نحوه. [الحكم إذا دخل المسافر بلده] م: (وإذا دخل مسافر في مصره أتم الصلاة) ش: سواء دخل مصره مجازا أو لقضاء حاجة حدث مع نية الخروج أو بدا له أن يترك السفر، وهذا في مسافر استكمل سير ثلاثة أيام. وفي " المحيط ": وإن كان خرج من مصره مسافرا ثم بدا له أن يرجع إلى مصره لحاجة قبل أن يتم ثلاثة أيام صلى صلاة المقيم في انصرافه بخلاف ما إذا استكمل ثلاثة أيام سيره، ثم قرب من مصره وعزم على الدخول وهو على سفره ما لم يدخل، وإذا خرج من مصره مسافرا فحضرته الصلاة فافتتحها ثم أخذت فانتقل ليأتي مصره، ثم علم أن أمامه ما فاته يتوضأ ويصلي صلاة المقيم، فإن تكلم على صلاة المسافر، وكذلك المسافر إذا كان راكبا سفينة وهو يصلي الظهر فجرت به السفينة حتى دخل مصره ثم صلاه أربعا، ولو افتتحها في مصره في سفينة فجرت به حتى خرجت إلى المفازة وهو على عزم السفر لا يصير مسافرا، فإذا تكلم وهو متوجه أمامه على عزم السفر صار مسافرا. م: (وإن لم ينو المقام فيه) ش: المقام بالضم بمعنى الإقامة م: (لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كانوا يسافرون ويعودون إلى أوطانهم مقيمين من غير عزم جديد) ش: هذا ليس له شاهد، ولا ندري من أين أخذه المصنف ولا اشتغل به أكثر الشراح ولا ذكره، وإنما ذكره الأترازي فقال: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسافر فيقصر، فإذا عاد إلى المدينة كان يتم بلا عزم جديد، انتهى. ولم يبين مخرجه ولا حاله ولا من أي كتاب نقله، وذكره الأكمل برمته ثم قال: وفيه نظر، لأن العزم فعل القلب، وهو أمر باطن، وليس له سبب ظاهر يقوم مقامه، بل الظاهر من
[حكم من كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر]
ومن كان له وطن فانتقل منه واستوطن غيره ثم سافر ودخل وطنه الأول قصر؛ لأنه لم يبق وطنا له إيضاح، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة عد نفسه بمكة من المسافرين، ـــــــــــــــــــــــــــــQحالة المسافر العائد إلى وطنه أن يكون في عزمه المقام فيه، ولعل المراد عزم جديد لمدة الإقامة خمسة عشر يوما، فإن الظاهر عدمه. والاستدلال بالمعقول أظهر، وفيه أن نية الإقامة إنما تعتبر بصيرورة المسافر مقيما في غير مصره، لكون مثله في حيز التردد بين أن يكون بالمسير وبين أن يكون بالإقامة فاحتيج إلى النية، فأما في مصره فهو متعين للإقامة كما كان قبل السير. قلت: إيضاح النظر بقوله لأن العزم فعل القلب ... إلخ غير محرز، لأن العزم كما هو فعل القلب، فكذلك النية فعل القلب غير أن العزم نية مع تصميم. وقوله: فأما في مصره فهو متعين للإقامة كما كان قبل المسير غير سديد، لأنا نسلم أنه كان قبل المسير غير متردد، أما بعد المسير وعوده فلا نسلم عدم التردد على ما لا يخفى. [حكم من كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر] م: (ومن كان له وطن فانتقل عنه) ش: أي بالكلية حتى لو انتقل بنفسه وأخذ وطنا في بلدة أخرى يصير كل واحد منهما وطنا أصليا م: (واستوطن غيره ثم سافر ودخل وطنه الأول قصر، لأنه) ش: أي لأن وطنه الأول الذي انتقل منه م: (لم يبق وطنا له) ش: لأنه انتقل بالكلية فخرج عن كونه وطنا له. م: (ألا ترى) ش: توضيح لما ذكره م: (أنه) ش: أي أن النبي م: (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الهجرة) ش: من مكة إلى المدينة م: (عد نفسه بمكة من المسافرين) ش: يشهد لهذا ما ذكرناه عن قريب من حديث عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وحديث «أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سافرت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كلهم صلى حين خرج من المدينة إلى أن رجع إليها ركعتين في المسير والمقام بمكة،» رواه أبو يعلى في "مسنده". وحديث «أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قيل: كم أقمتم بمكة؟ قال: أقمنا بها عشرا» رواه البخاري ومسلم ولو لم يعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفسه في مكة من المسافرين لما صلى ركعتين، وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
[وطن الإقامة للمسافر يبطل بمثله]
وهذا لأن الأصل أن الوطن الأصلي يبطل بمثله دون السفر، ووطن الإقامة يبطل بمثله، وبالسفر، وبالأصلي. ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرنا من بطلان الوطن الأول بالوطن الثاني م: (لأن الأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن الوطن الأصلي) ش: وهو ما يكون بالتوطن بالأهل أو بالمولد، وسمي أيضا وطن القرار م: (يبطل بمثله) ش: وهو الذي انتقل إليه بأهله، وصورته رجل وطنه بالكوفة وخرج إلى مكة فاستوطنها، ثم بدا له أن ينتقل باستيطانه بمكة واتخاذها دارا، فلو أنه لم يتوطن بمكة ثم بدا له أن يرجع ويتخذ خراسان دارا فمر بالكوفة يصلي بها أربعا م: (دون السفر) ش: يعني الوطن الأصلي لا تبطل بالسفر، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يخرج مع أصحابه إلى الغزوات من المدينة ولا ينتقل وطنه من المدينة ولم يجدد نيته بعد رجوعه. [وطن الإقامة للمسافر يبطل بمثله] م: (ووطن الإقامة) ش: هو أن ينوي المسافر الإقامة في بلد خمسة عشر يوما فصاعدا، ويسمى أيضا الوطن الحادث والوطن المستعار م: (يبطل بمثله) ش: أي بمثل وطن الإقامة، وصورته خراساني قدم الكوفة فأقام بها وأتم الصلاة، ثم خرج إلى الحيرة، فوطن نفسه على الإقامة خمسة عشر يوما فأقام بالحيرة أياما على تلك النية ثم يريد خراسان ومر بالكوفة فإنه يقصر الصلاة؛ لأنه انتقض وطنه الحادث بالكوفة بوطنه الحادث بالحيرة، فإن لم ينو المقام بالحيرة خمسة عشر يوما إلا أنه كان بها يتم الصلاة، ثم خرج إلى خراسان فمر بالكوفة، فإنه يتم الصلاة، لأن وطن الإقامة لا يبطل بوطن السكنى. م: (وبالسفر) ش: أي يبطل وطن الإقامة بالسفر، يعني بإنشائه، لأن السفر ضده م: (وبالأصلي) ش: أي يبطل وطن الإقامة بالوطن الأصلي لأنه أقوى منه، ثم اعلم أن عامة المشايخ قالوا: الأوطان ثلاثة: وطن أصلي، ووطن إقامة، ووطن السكنى، وهو ما إذا نوى أن يقيم المسافر أقل من خمسة عشر يوما، وسمي وطن سفر أيضا، واختيار المحققين أن الوطن وطنان: وطن أصلي ووطن مستعار، وهو وطن الإقامة، ولم يعتبروا وطن السكنى. لأنه لا يثبت فيه حكم الإقامة، بل حكم السفر فيه باق، ولهذا لم يذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم إن وطن السكنى ينتقض بالكل، صورته رجل خرج من النيل وهو سواد الكوفة وبينهما أقل من مسيرة ثلاثة أيام ونزل بالكوفة نقلة، ثم خرج من الكوفة إلى القادسية يطلب غريمه، ثم خرج من القادسية يريد الشام، ويريد أن يمر بالكوفة، فإنه يصلي بالكوفة ركعتين، لأن وطن سكناه بالقادسية أبطل وطن سكناه بالكوفة بتركه متاعه فيها، فإن نوى بالقادسية أن يقيم بها خمسة عشر يوما بطل سكناه بالكوفة، لأن وطن السكنى يبطل بوطن الإقامة، وكذلك إذا انتقل إلى القادسية بأهله ومتاعه يصلي بالكوفة ركعتين، لأن وطن السكنى يبطل بالوطن الأصلي.
[اعتبار نية السفر في موضعين وحكم من فاتته صلاة في السفر]
وإذا نوى المسافر يقيم بمكة وبمنى خمسة عشر يوما لم يتم الصلاة لأن اعتبار النية في موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو ممتنع لأن السفر لا يعرى عنه إلا إذا نوى المسافر أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما بدخوله فيه، لأن إقامة المرء مضافة إلى مبيته ـــــــــــــــــــــــــــــQ [اعتبار نية السفر في موضعين وحكم من فاتته صلاة في السفر] م: (وإذا نوى المسافر أن يقيم بمكة وبمنى خمسة عشر يوما لم يتم الصلاة) ش: لأنه لم ينو الإقامة في كل واحد منهما خمسة عشر يوما، وإن نوى أقل من ذلك، وبه لا يصير مقيما. م: (لأن اعتبار النية في موضعين يقتضي اعتبارها في مواضع وهو ممتنع) ش: أي اعتبار النية في مواضع ممتنع، والحاصل أنه لا يعتبر نية الإقامة خمسة عشر في موضعين لا يجمعهما مصر واحد أو قرية واحدة. لأنه حينئذ يلزم اعتبارها في ثلاثة أمصار أو أربعة أمصار إلى خمسة عشر، فيؤدي إلى أن يكون الشخص مقيما بنفس النزول وذلك فاسد. م: (لأن السفر لا يعرى عنه) ش: أي قليل اللبث، قال السغناقي: هذا مدلول معنى، وليس مذكور لفظا، ووجه هذا ما ذكره في " المبسوط ". وقال: لأن نية الإقامة ما يكون في موضع واحد، فإن الإقامة ضد السفر، والانتقال من الأرض إلى الأرض يكون ضربا في الأرض، ولا يكون إقامة، ولو جوزنا نية الإقامة في موضعين جوزنا فيما زاد على ذلك، فيؤدي إلى القول بأن السفر لا يتحقق، لأنك إذا جمعت إقامة المسافر في المراحل، ربما يزيد ذلك على خمسة عشر يوما، لأن إقامة المرء يضاف إلى مبيته، ألا ترى أنك إذا قلت للسوقي: أين تسكن؟ يقول في محلة كذا وهو بالنهار يكون في السوق. م: (إلا إذا نوى المسافر أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما بدخوله فيه) ش: أي في أحد الموضعين. م: (لأن إقامة المرء مضافة إلى مبيته) ش: أي موضع بيتوتته كما ذكرنا الآن، وفي " المبسوط ": إلا بينهما تفاوت، فإنه لو دخل الموضع الذي عزم على المقام فيه بالنهار أولا لا يصير مقيما، لأن موضع إقامة المرء حيث يبيت فيه. وفي " المفيد " و" التحفة ": هذا إذا كان كل واحد منهما أصلا كمكة ومنى، أو كالكوفة والحيرة، فإذا كان أحدهما تبعا للآخر بأن نوى الإقامة في المصر، وفي موضع آخر تبع لها، وهو ما يلزم سكانيه حضور الجمعة يصير مقيما؛ لأنهما مكان واحد، إلا أن ينوي أن يقيم في إحداهما ليلا، وفي الآخر نهارا، فيصير مقيما بدخول الذي نوى أن يقيم فيه ليلا، ولا يصير مقيما بدخول الذي نوى أن يقيم فيه نهارا. وفي [....] : فإذا دخل الذي نوى الإقامة فيه ليلا صار مقيما حتى يرحل، وكذا إذا دخل الآخر بعده فهو مقيم، لأنه ليس بينهما مسيرة سفر، وفي " جوامع الفقه " بعضهم اعتبر الأكثر.
ومن فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين، ومن فاتته في الحضر قضاها في السفر أربعا، لأن القضاء بحسب الأداء والمعتبر في ذلك آخر الوقت، لأنه هو المعتبر في السببية عند عدم الأداء في الوقت ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (ومن فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين، ومن فاتته في الحضر قضاها في السفر أربعا) ش: أما قضاء الفائتة في السفر فهو ركعتان في الحضر، وهو أيضا قول مالك والشافعي في القديم. وقال في الجديد: لا يقصر في الحضر، واختاره المزني، وبه قال أحمد وداود؛ لأن المرخص هو السفر وقد زال، فيزول القصر، وأما قضاء الفائتة في الحضر وهو أربع في السفر بالإجماع، وقال: لا أعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن الحسن البصري، وروى الأشعث عنه أن الاعتبار بحال الفعل فتقصر. وفي " المبسوط ": إن خرج بعد دخول وقت الصلاة يصلي صلاة المسافر. وقال ابن شجاع: يصلي صلاة المقيم. وفي " شرح المهذب " للنووي: إن سافر في أثناء الوقت وقد تمكن من أدائها فله قصرها عند الشافعي، ومالك والجمهور، واختاره ابن المنذر. وقال زفر: إن كان قد بقي من الوقت مقدار ما يؤدي فيه ركعتين يصلي صلاة المسافر، وإن كان دون ذلك يصلي أربعا. م: (لأن القضاء بحسب الأداء) ش: يعني كل من وجب عليه أداء أربع قضى أربعا، ومن وجب عليه أداء ركعتين قضى ركعتين م: (والمعتبر في ذلك) ش: أي في وجوب القضاء م: (آخر الوقت لأنه) ش: أي لأن آخر الوقت م: (هو المعتبر في السببية عند عدم الأداء في الوقت) ش: قد تقرر في الأصول أن السبب عندنا هو الجزء القائم من الوقت. ولكن أصحابنا اختلفوا في الوجوب الذي يتعلق بآخر الوقت، فقال أكثرهم: الوجوب متعلق بمقدار التحريمة من آخر الوقت، وهو مختار الكرخي والمحققين من أصحابنا والقاضي أبي زيد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال زفر: متعلق بجزء يؤدي الصلاة فيه، وهو اختيار القدوري، وثمرة الخلاف تظهر في الحائض إذا طهرت في آخر الوقت، والصبي يبلغ، والكافر يسلم، والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والمسافر إذا نوى الإقامة، والمقيم إذا نوى السفر، فعند أكثر أصحابنا يجب ويتغير الفرض إذا بقي من الوقت مقدار ما يوجد فيه التحريمة. وعند زفر ومن تابعه من أصحابنا لا يجب، ولا يتغير الفرض، إلا إذا أدرك من الوقت ما يمكن الأداء فيه. وقال بعض أصحاب الشافعي: إذا مضى من الوقت ما يتمكن من أداء الأربع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفإنه يجب عليه الإتمام، وإذا مضى من الوقت ما لم يسع إلا أربع ركعات فإنه يقصر. وهذا بناء على أن الصلاة تجب في أول الوقت. وهاهنا اعتراضات ثلاثة: الأول: أن الأصوليين قالوا: إن الوجوب يضاف إلى كل وقت عند عدم الأداء فيه لا إلى آخره، فكيف قال المصنف: المعتبر في السببية آخر الوقت عند عدم الأداء. قلت: قال الأكمل: أجيب: بأن بعض المشايخ يقررون السببية على الجزء الأخير، وإن فات الوقت، فجاز أن يكون المصنف قد اختار ذلك، انتهى. والأحسن أن يقال: أن الذي قاله المصنف هو الصواب، لأن الوجوب يضاف إلى الجزء الذي يتصل به الأداء إذا وجد الأداء، فإذا لم يوجد الأداء تنتقل السببية جزءا فجزءا إلى آخر الأجزاء، فيكون الآخر معتبرا في السببية. فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يجوز قضاء العصر إلا بصبي إذا أسلم في ذلك الجزء، وإذا قضاها في الجزء الآخر من هذا اليوم. قلت: إنما لم يجز باعتبار أنه إذا لم يؤد فيه وجبت كاملة خالية عن الفساد، فلم يجز قضاؤها في الوقت الناقص. الاعتراض الثاني: أن قوله: القضاء يجب الأداء، ينتقض بما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم ثم ذهب الوقت ثم أفسد الإمام والمقتدي صلاته على نفسه، فإنه يقضي ركعتين صلاة السفر، وقد وجب عليه أداء الصلاة أربعا. الجواب: عنه، أن الأربع إنما لزمه متابعة الإمام وقد زال ذلك الإفساد فعاد إلى أصله، ألا ترى أنه لو أفسد الاقتداء في الوقت كان عليه أن يصلي صلاة السفر، فكذلك هاهنا. الاعتراض الثالث: أنكم اعتبرتم حال الأداء دون القضاء فيرد عليكم ما إذا فاتته صلاة في المرض حيث يقضيها في الصحة قائما بركوع وسجود، وإذا فاتته في الصحة يقضيها في المرض بالإيماء فاعتبرتم حال القضاء دون الأداء. الجواب عنه أن المرض لا تأثير له في أصل الصلاة، بل له أثر في الوصف حتى يقع الأداء بحسب القدرة، وللسفر تأثير في أصل الصلاة حيث يتغير الحكم من الإكمال إلى القصر، فلما تحقق القصر في آخر الجزء صار ذلك دينا لم يتغير بعد ذلك، ولهذا لا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم في القضاء، فافهم.
[ترخص العاصي]
والمطيع والعاصي في سفره في الرخصة سواء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سفر المعصية لا يفيد الرخصة، لأنها تثبت تخفيفا فلا تتعلق بما يوجب التغليظ، ولنا إطلاق النصوص ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح متعلق الرخصة والله أعلم. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ترخص العاصي] م: " والمطيع " ش: هو الذي يخرج للحج، أو الجهاد م: (والعاصي) ش: هو الذي يخرج لقطع الطريق، أو الإباق م: (في سفره في الرخصة سواء) ش: وفي بعض النسخ في سفرهما. م: (وقال الشافعي: سفر المعصية لا يفيد الرخصة) ش: وبه قال مالك، وأحمد م: (لأنها) ش: أي لأن الرخصة م: (تثبت تخفيفا) ش: أي لأجل التخفيف على المكلف م: (فلا يتعلق بما يوجب التغليظ) ش: أي الذي يوجب التغليظ هو المعصية، المعنى: أن الحكم تنجيز السبب، والمعصية سبب التغليظ فكيف يثبت بها التخفيف؟ م: (ولنا إطلاق النصوص) ش: منها قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] (البقرة: آية 184) . ومنها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فرض المسافر ركعتان» ، كل ذلك مطلقة فيقتضي ثبوت الأحكام في كل مسافر م: (ولأن نفس السفر ليس بمعصية) ش: لأنه عبارة عن خروج بريد، وهو يقوي المعصية لإمكان المفارقة بينهما م: (وإنما المعصية ما يكون بعده) ش: أي بعدما صار مسافرا كما في قطع الطريق م: (أو يجاوره) ش: أي ويجاور السفر كما في الإباق وعقوق الوالدين م: (فصلح) أي السفر م: (متعلق) ش: أي سبب م: (الرخصة والله أعلم) ش: لأن القبح المجاوز لا يتقدم المشروعية، كالصلاة في أرض مغصوبة، والبيع وقت النداء. اعلم: أن السفر خمسة: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، وحرام. فالواجب: سفر الحج. ومندوب: مثل حج النفل، وطلب العلم، وزيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجده، والصلاة في المسجد الأقصى، وزيارة الوالدين. والمباح: سفر التجارة، والتنزه، والمكروه: السفر من بلد إلى بلد، لا لغرض صحيح. والحرام: السفر لقطع الطريق، أو الإباق، ونحوهما. فعندنا يقصر في كل سفر، وفرقت المالكية بين العاصي بسفره، فجوزوا الرخص للثاني دون الأول، وبقولنا قال الأوزاعي، والثوري، وداود، وأصحابه والمزني، وبعض المالكية، وعن زياد بن عبد الرحمن إلا أنه نسي أن العاصي بسفر يقصر ويفطر، لكن المشهور عن مالك المنع بسفر المعصية، وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال النووي: وما يلحق بسفر المعصية أن يتعب نفسه ويعذب دابته بالركض بغير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغرض، ولو انتقل من بلد إلى بلد لغير غرض صحيح، لم يترخص، والسفر لمجرد رؤية البلاد ليس بغرض صحيح فلا يترخص. وعن مالك: لا يقصر الصائد المتلذذ، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقصر إلا في السفر الواجب كالحج والجهاد، وقال عطاء: أرى أن لا يقصر إلا في سبيل من سبل الخير، ومنهم من قال: لا يقصر إلا في الخوف، وكان الأدنى من الشافعية يقول: إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة، فإذا قيل له في المنع: قتل نفسه وهو حرام، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] (النساء: آية 29) ، يقول: لكن توبة مظهر الانقطاع. قال أبو بكر الرازي: لا يجوز له قتل نفسه وإن لم يتب، لأن ترك التوبة لا يبيح له قتل نفسه إذ فيه جمع بين معصيتين. وقال أبو بكر الرازي [.....] : إن العاصي في سفره يأكل الأطعمة المباحة من غير منع، ويتوصل به إلى غرضه المحرم ويتقوى عليه بذلك، وقال ابن العربي: عجبا ممن يبيح ذلك مع التمادي على المعصية، وما أظن أحدا يقوله، فإن قاله فهو مخطئ، قال القرطبي: هذا تحامل، والصحيح خلاف هذا، فإن إتلاف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية كما هو فيه، ولعله يتوب في أثناء الحال فتمحو التوبة عنه ما كان منه، وليس أكل الميتة رخصة في حال المخمصة، بل هو عزيمة واجبة حتى لو امتنع من أكلها كان عاصيا. فروع: الخليفة إذا سافر يصلي صلاة المسافرين كغيره، وقيل: إذا طاف في ولايته لا يصير مسافرا، ذكره في " الذخيرة "، وفي " المنتقى " حمل كل رجل فذهب به ولا يدري أين يذهب به، قال: يتم حتى يسير ثلاثا فيقصر، واعلم أن للباقي بعدها شيئا يسيرا، ولو كان صلى ركعتين من جملة أجزأته، فإن سار به أقل من ثلاث أعاد ما صلى. وفي " المبسوط ": ولو ترك القراءة فيهما فلا تنقلب صحيحة، ولو ترك القعدة الأولى ثم نوى الإقامة تجوز صلاته، لأنها سنة في الفرائض، ذكره الزهري في "شرحه" يصح سفر الكافر، وكذا الصبي عند أبي إبراهيم، وعند أبي سهيل لا يصح، ولا يصح السفر منهما عند محمد من القصر، ولا يصح من الحائض في الصحيح. قال السرخسي في " المبسوط " والمرغيناني: لا يقصر في السنن، وتكلموا في الأفضل في حالة الزوال والترك في حالة السير. قال هشام: رأيت محمدا كثيرا لا يتطوع في السفر قبل الظهر، ولا بعدها ولا يدع ركعتي الفجر والمغرب وما رأ