الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام

سعيد حوَّى

المقدمة

المقدمة هذا القسم هو القسم الثالث من كتاب الأساس في السنة، وهو في العبادات الرئيسية في الإسلام، وقد جاء بعد قسم العقائد، لأن العقيدة الصحيحة هي أساس العبادة الصحيحة، كما جاء قبل قسم الحياتيات والأخلاقيات والسلوكيات، لأن مناهج الحياة في الإسلام إنما يُستقام عليها عندما توجد عبادة وعقيدة، وكان القسم الأول في السيرة، لتتعرف أولاً على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بالإسلام من عند الله عقيدة وعبادة وشريعة وشعيرة ومنهاج حياة. * * * لقد خلق الله الإنس والجن لعبادته: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). وأرسل الرسل للعبادة: قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2). {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (3). وقال نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (4). * * * وأصل العبودية في اللغة: الخضوع والتذلل، قال الراغبفلا افى في المفردات: "العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال ولهذا قال تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5).

_ (1) الذاريات: 56. (2) الأنبياء: 25. (3) العنكبوت: 36. (4) نوح: 3. (5) الإسراء: 23.

فالعبادة تعني الطاعة والخضوع لغةً. والعبادة في الشريعة تأتي بمعنى عام وتأتي بمعنى خاص: أما هي بمعناها العام فتأتي: ويراد بها فعل الطاعات واجتناب المعاصي والإخلاص لله في ذلك، ويدخل في العبادة بهذا المعنى: فعل المباح إذا قصد به وجه الله تعالى فالنيات تجعل العادات عبادات، وبعضهم أطلق على العبادة بمعناها العام اصطلاح العبودية، فالعبودية أوسع في الاصطلاح من العبادة بمعناها الخاص، وعُرفت: بأنها أعمال العبد الإرادية الموافقة لما أمر الله به. فالعبادة بالمعنى العام تشمل جميع أعمال المرء الإرادية قلبية كانت أو سلوكية، فإذا وافقت ما أمر الله به فهي طاعة، وإن خالفته فهي معصية. قال ابن تيمية: "العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك: من العبادة ... ". ثم يقول: "وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله .. " أ. هـ. أما العبادة بمعناها الخاص: فتطلق على أعمال من الإسلام بعينها، كُلِّف العباد بالقيام بها لتكون تربية عملية على الخضوع الكامل فقد اتفق العلماء على اعتبار الصلاة وما يحيط بها، والزكوات، والصدقات، والأوقاف، والصوم، والاعتكاف، وصدقة الفطر، والحج، والعمرة، والأضاحي أنها من العبادات بمعناها الخاص، واتفقوا على أن الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن وحفظه من العبادات بمعناها الخاص، وأن العلم والتعليم الشرعيين وما يستتبع

ذلك من أمر بمعروف ونهي عن منكر ونصيحة من العبادات بمعناها الخاص، وأن الجهاد في سبيل الله كذلك، فالعبادة بمعناها الخاص ذكرُ وشكرُ وإقامة شعائر، وهذا الذي ذكرناه كله فيه ذكر وشكر وإقامة شعائر، أو أنه يوصل إلى ذلك أو أنه لابد منه لإقامة ذلك كله، ثم إن ما ذكرناه كله فيه معنى التوجه المباشر لله تعالى في فعلٍ أمَرَ به وحضَّ عليه، ومن ههنا جعلنا هذه الموضوعات كلها في هذا القسم، وإنما أسميناه قسم العبادات الرئيسية في الإسلام، ملاحظين معنى العبادة في الاصطلاح العام التي تدخل فيها هذه الأشياء وزيادة. * * * 1 - * روى البخاري عن رسولنا عليه السلام قوله: طولكن أفضل الجهاد حج مبرور". فإذا كان الحج عبادة بيقين، فالجهد إذن عبادة بيقين، والذكر والتسبيح والدعاء والركوع والسجود ومعرفة الله، كل ذلك من عبادات الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (1)، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (2)، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (3)، (4)، {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (5)، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (6) عندما نتأمل هذه المعاني لا شك أن الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن والعلم، كل ذلك من العبادات الرئيسية، وإنما نذكر هذا حتى لا يستغرب القارئ جمعنا موضوعات هذا القسم تحت عنوان العبادات الرئيسية. وقد قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (7) فالحكمة من تشريع الصلاة هي ذكر الله تعالى وارتبط بالصلاة لإقامة الذكر - أذكار بعينها وتلاوة قرآن وما يستتبع ذلك من

_ 1 - البخاري (3/ 381) 25 - كتاب الحج، 4 - باب فضل الحج المبرور. (1) الأنبياء: 20. (2) غافر: 7. (3) الصافات: 165. (4) الصافات: 166. (5) البقرة: 30. (6) آل عمران: (7) طه: 14.

فكر- ولذلك أتبعنا جزء الصلاة ببحث الأذكار والدعوات وببحث تلاوة القرآن لأنهما ألصق بالصلاة، وإنما جرت عادة المؤلفين في الفقه أن يذكروا الزكاة بعد الصلاة لأنهم يتحدثون في العادة عن الأحكام، وإنما انصب كلامنا في هذا القسم على العبادات الرئيسية، فكان الأليق - في اجتهادنا - أن يكون محل الأذكار وتلاوة القرآن عقب الصلاة مباشرة، لأن هذه المعاني تتكامل مع بعضها في تعميق معاني العقيدة، وتصفية القلب، وهي المنط الرئيسي للسير إلى الله وتحقيق العبودية له جل جلاله. ويكمل عمل الزكاة في الإسلام الصدقات، والأوقاف ولذلك جعلنا هذه المعاني في جزء واحد، ولأن بين الصوم والاعتكاف وصدقة الفطر ارتباطاً ما، فقد جعلناها في جزء واحد، ولأن بين الحج والعمرة والهدي والأضاحي صلات فقد جعلناها في جزء واحد، ولأن بين العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلات فقد جعلناها في جزء واحد. * * * ولقد ابتدأنا هذا القسم بذكر العلم والأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر وختمناه بذكر الجهاد للإشعار بان العبادة محاطة بهاتين الفريضتين، وأن استمرار العبادة في الأرض منوط بهاتين الفريضتين، وهما فريضتان أصبحتا محل غفلة من الكثيرين، وذلك من جملة الحِكَم التي دعتنا لجعل هذين الجزأين في هذا القسم. ملاحظات: إن القارئ يلحظ في هذا الكتاب أننا قد نعدّد الروايات ومعناها واحد وذلك للتوثيق من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن من بعض أهدافنا من هذا الكتاب إبراز اهتمامات الصحابة رضوان الله عليهم وإبراز السياسات النبوية، فمن خلال كثرة الروايات ندرك أنَّ القضية التي كثرت الروايات فيها كانت محل اهتمام ومحلّ تركيز، فلينتبه المربّون لذلك. إن الأقسام الثلاثة الآتية: قسم العبادات، قسم الحياتيات والعاديات، وقسم الحكم وحقوق الإنسان، فيها أنواع من الأبحاث، أبحاث فقهية، وأبحاث لا تدخل عادة في أبواب الفقه، وإذا كنا نستهدف في هذا الكتاب عرض السنة وفقهها مع الاختصار في الفقهيات

فقد كان علينا أن نرجع إلى كتب الفقه الجامعه، ككتاب الفقه على المذاهب الأربعة، وكتاب بداية المجتهد، كما رجعنا إلى كتب الفقه المذهبية والكتب التي تشرح أحاديث الأحكام، كنبل الأوطار فاعتبرنا أمثال هذه الكتب مراجع لنا. وقد ظهر- ونحن نعمل في الكتاب - كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي فاعتبرناه مرجعاً رئيسياً من مراجعنا. وقد تحرينا في كتابنا ألا نذكر إلا أمّهات المسائل في الاجتهادات الفقهية وما تمسّ الحاجة إليه إلى جانب العرض الإجمالي - مع التبرير لأئمة الاجتهاد فيما اختلفوا فيه- مراعين أن يفتح آفاق الإنسان وما يمكن أن يترخص به الإنسان في حالة الضرورة من آراء الأئمة معتمدين على الفكرة التي أكدناها كثيراً: إنه لابد لكل مسلم أن يتفقه على مذهب إمام ليعرف دقائق الأحكام ومن لم يفعل ذلك فإنه لني كون فقيهاً أبداً، إلا أفراداً عندهم من الفراغ وتوقد الذهن ما يستطيعون أن يصلوا إلى ما لا يصل إليه غيرهم. وبعد فهذا أوان الشروع في عرض أجزاء الكتاب.

تمهيد في: العبادات في الإسلام

تمهيد في: العِبَادات في الإسلام

تمهيد: في العبادات في الإسلام إن أصل معنى العبادة لغةً: - التذلل والخضوع والانقياد والطاعة. وشرعاً: الخضوع والانقياد الكامل لله مع الرضا، والتسليم واليقين والمحبة، والإخلاص لله تعالى. ولذلا قالوا العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل، والخضوع فمن خضع وهو مبغض لا يكون عابداً ومن أحب ولم يخضع لا يكون عابداً وأضاف بعضهم عنصر الخوف لتكون العبادة على الكمال. فلابد من مجموع عناصر لتحقق العبادة التي قصد الشارع إليها: - القيام بالفعل والالتزام بما شرع الله. - الميل النفسي والحب لله. - استحضار الخوف والرجاء. - أن تكون العبادة إرادية مقصودة. ولا تُقبل العبادة إلا إذا كانت صحيحة صواباً وخالصة لله. أي أن تكون على الوجه المشروع، وأن تكون خالصة لله تعالى، فإذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كانت العبادة صواباً ولم تكن خالصة لا تُقبل، والخالص أن يكون لله، والصواب أن تكون مع السنة وكما شرع الله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1). وللنية الدور الفاصل في العبادة، فالعادة بالنية الصالحة؛ تصبح عبادة والعبادة بلا نية غير معتبرةُ فالنية تُعطي الفعل قيمته الحقيقية، وتفرق بين العبادة والعادة وعليها يتوقف

_ (1) الكهف: 110.

قبُول العمل عند الله عز وجل. يقول المناوي: شرعت النية تمييزاً للعبادة عن العادة ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض. أ. هـ. ويفترض في العبادة الحقّة أن تُحدث الأثَر الذي من أجله شرعها الله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (1)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2). فلا يكفي أن تكون العبادة صوراً وحركات تؤدي على انه ينبغي أن ننبه إلى أنه لا يجوز لأحد أن يتذرع لترك العبادة أنها لم تحدث الأثر الذي نص عليه في الكتاب والسنة، بل عليه أن يؤديها، ويحاول أن يرتقي، حتى تحدث الأثر المطلوب وبعض الناس ينفرون من كلمة العبودية إذ يشعرون أنها تعني تقييد حرية الإنسان والحد من كرامته فنقول: إن العبادة هي الحرية الحقيقية إذ يتحرر الإنسان بالعبادة من شهواته وأهوائه ونزوات نفسه كما أن العبادة لله والانقياد له تعني أن تكون هناك حرية لكن حرية مسؤولة ضمن شرع الله والضوابط التي تكفل السعادة والحياة السليمة ثم إن الفطرة بطبعها تميل للخضوع للغير فمن لم يخضع لله خضع لهواه أو لصنم بشري أو شيطاني آخر. إن الضوابط الخُلُقية والقوانين الاجتماعية لاتنفي الحرية وإنما هي أشبه بعلامات لتنظيم المرور وتحقيق العدل في إفساح المجال للحرية أمام الناس بالتساوي، والعبادة تكريم وتشريف، لذا نجد أن الحكمة الأساسية التي ذكرها القرآن لخلق الناس كانت العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3)، وغاية الرسل جميعاً كانت تحقيق العبودية لله تعالى. وعندما وصف الله رسوله وهو في أعلى مقاماته وصفه بالعبودية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (4)، ومدح الله عبادة المؤمنين بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (5).

_ (1) العنكبوت: 45. (2) البقرة: 183. (3) الذاريات: 56. (4) الإسراء: 1. (5) الفرقان: 63.

وأشرنا إلى أن العبادة تأتي بمعنى عام ومعنى خاص وأنها بالمعنى الخاص تعني مجموع الشعائر والطاعات المحددة التي شرعت بقصد العبادة المحضة لإظهار الخضوع والتقرب إلى الله. وأنها بالمعنى العام كل ما يصدر عن المسلم من عمل أو قول بنية صالحة يبتغي بها وجه الله إذا وافقت شرعه. ولذا فإن التصور الإسلامي الشمولي للعبادة يجعل من سائر أنشطة المسلم الاعتقادية والفكرية والعقلية والنفسية والبدنية والمالية قربات وطاعات، ينال بها الأجر من الله إذا ابتغى بها مرضاة الله. والحقيقة فإن العبادة بمعناها الخاص غرضها تهيئة المسلم للعبادة الكبرى الشاملة التي تجعل من المسلم في كل حركة وسكتة عبداً خالصاً لله تعالى. ومن خلال المفهوم الشامل للعبادة تتحقق غاية الوجود الإنساني {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). ويكون الإنسان دائم الصلة بربه والمراقبة له فيجعل من دنياه وسيلة لآخرته ويخرج الإنسان من دائرة الغفلة والانغماس في الملذات والشهوات. وتعدد أنواع العبادات يمنع الإنسان من السآمة والملل؛ فلا يستغرق في عبادة واحدة بل في أنواع كثيرة حتى في عمله الدنيوي إذا نوى به نية صالحة .. وشمول العبادة يصبغ حياة المسلم بالصبغة الربانية ويجعله مشدوداً لله تعالى. ومن هنا يتبين خطأ من يحصر العبادة في الصلاة والزكاة والحج والصوم. وننوّه إلى أن للعبادة بمعناها الخاص خصائص ومميزات في الإسلام، فمن خصائصها الإخلاص لله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2). وكذلك فإن العبادة صلة مباشرة بني العبد وربه فلا واسطة ولا وسيلة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي

_ (1) الذاريات: 56. (2) البينة: 5.

قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (1). والعبادات بمعناها الخاص أمور توقيفية تؤدي كما وردت فعدد ركعات الفرض وأوقات الفروض محددٌ ونصاب الزكاة وشروطها محددة، ووقت الصيام محدد وأعمال الحج محددة وهكذا. لكن يجب أن نعلم أن من العبادات ما هو خير موضوع، للمسلم أن يتوسع فيه ما يشاء، فله أن يصلي من النوافل ما يشاء، وله أن يتصدق ما يشاء، ويصوم متى شاء، بعد الفريضة، مما لم يرد فيه نهي، والعبادات في الإسلام مبنية على اليسر ورفع الحرج. فهي يسيرة في مقاديرها وشروطها، وما شرع من رخص في الظروف الاستثنائية مظهر من مظاهر التيسير. وللعبادات في الإسلام آثار تشمل نواحي كثيرة في حياة المسلم، فهي تحمي العقيدة وتقويها وتقوي الجانب الروحي في الإنسان، وتجعله ثابتاً في معارك الحياة وذلك أن الصبر هو الوسيلة الأولى لمواجهة الحياة ولا شيء كالعبادة يعلمنا الصبر فالصوم صبر، وتحمل مشاق الحج صبر، ... كما أن العبادة تنمي شعور المراقبة لله تعالى وهي وسيلة شكر واعتراف بعميم فضله تعالى. كما أن العبادة تجعل من المسلم شخصية إنسانية متكاملة متوازنة عندما تحقق فيه الكمال البشري وتطهر ذاته وتنمي روح الإرادة فيه وتجعله يشعر بالعزة والاستعلاء والتميّز وتحمي الفرد والمجتمع من القلق والشقاء والأمراض النفسية وكيف يقلق من كان دائم الصلة بربه يلتجئ إليه يستمد العون منه يخضع له لا لغيره؟!. والعبادة طريق إلى الفضيلة والخلق وإصلاح النفس وتزكيتها. وهي ترسخ مبادئ الإسلام الهامة في حياة المسلم، كاحترام النظام، والوقت، وصيانة قيم الحياة، والمساواة والتعاون والتوحيد وإيجاد مجتمع متحاب غير متباغض ولا متنازع كما

_ (1) البقرة: 186.

أن للعبادات آثاراً طيبة على جسم الإنسان وصحته، ففي الغسل والوضوء والصوم الشيء الكثير. ولأهم من كل ما مضى، محو الذنوب، وتكفير السيئات، واستحقاق الثواب والفوز برضوان الله. هذه لمحة واضحة سريعة حول العبادة في الإسلام، أردنا أن يدخل القاريء قسم العبادات ولديه مفهوم واضح حول العبادة في الإسلام مما يضيء له الدرب ويساعده على العبادة على وجه أكمل (1).

_ (1) من مراجعنا في هذا التمهيد: كتاب نظام الإسلام - العبادة والعقوبة للدكتور محمد عقلة. ونظام الإسلام/ العبادة/ للأستاذ محمد المبارك، والعبادة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي وروح الدين الإسلامي للشيخ عفيف طبارة.

الجزء الأول في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة

الجزء الأول في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة وفيه مقدمة وبابان: الباب الأول في العلم الباب الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي النصيحة والدعوة إلى الخير

المقدمة في: الجامع بين موضوعات هذا الجزء

المقدمة في: الجامع بين موضوعات هذا الجزء بين الأمر بالمعروف والدعوة إلى الخير والنصيحة علاقة جامعة، إنها كلها نصح وإرادة خير للآخرين، وكلها تعليم وزيادة، كما أنها اثر عن العلم ومن ههنا كان بينها وبين العلم ارتباط، والأثر المباشر للعلم هو التعليم، والتعليم أمر عملي بالخير ونهي عملي عن المنكر، ونصيحة علمية لخلق الله ولذلك كان بين هذه الموضوعات كلها علاقة. وقد جعلنا هذا الجزء في العبادات الرئيسية لأن العلم عبادة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (1) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير عبادة لأنها طريق الفلاح، وطرق الفلاح كلها عبادة، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2)، ولقد جعل الله التواصي بالحق والصبر ركناً من أركان الفلاح بقوله: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3). 2 - *وفيما روى أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة". فالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير والعلم والتعليم كلها عبادات، بل هي من أرقى العبادات، ولذلك جمعناها في هذا الجزء وقدمناها في الذكر لأن العلم هو الطريق للمعرفة التي تسبق العمل، ولأن إشاعة الخير تعين السالكين على السير. * * *

_ (1) فاطر: 28. (2) آل عمران: 104. (3) العصر: من 1: 3. 2 - رواه أحمد (1/ 351) في المسند. قال في مجمع الزوائد: "مقتضى رواية أحمد الانقطاع بين عمرو وابن عباس". مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب: بيان أن الدين النصيحة. أبو داود (4/ 268) كتاب الأدب، باب النصيحة. النسائي (7/ 156) 39 - كتاب البيعة، 31 - النصيحة للإمام.

الباب الأول في العلم

الباب الأول في العلم وفيه مقدمة وفصول * المقدمة

المقدمة

المقدمة قال تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (1) دل ذلك على أن العلم ينبغي الاستزادة منه. وقال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2)، دل ذلك على فضل العلم وأهله، كما أن الآية حددت نوعاً من أنواع العلوم التي ينبغي الاستزادة منها وطلب الزيادة وهو العلم بالله وصفاته ووحيه وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (3). دل ذلك على فضل العلم وأهله كما دل على نوع العلم الذي تطلب الاستزادة منه وطلب الزيادة وهو العلم الذي تعقبه الخشية من الله تعالى وأول ذلك العلم بالكتاب والسنة، فهما العلم الذي جاءنا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ففسروا المراد بالعلم الذي يعقب خشيةً من الله وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (4)، دل ذلك على أن أهل العلم هم الذين يفضلون الآخرة على الدنيا، ويقومون بواجب النصيحة للخلق. وقال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (5)، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (6). دل ذلك أن العالم هو الذي رأى أن القرآن هو الحق وأنه يهدي إلى صراط الله، وأنه هو الذي يرى بقلبه أن القرآن معجزات واضحات. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (7) أي ويرفع الذين أوتوا العلم درجات على غيرهم، فدل ذلك على فضل العلم، وقال تعالى:

_ (1) طه: 114. (2) آل عمران: 18. (3) فاطر: 28. (4) القصص: 80. (5) سبأ: 6. (6) العنكبوت: 49. (7) المجادلة: 11.

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1). دل ذلك على أن طلب العلم وتعليم العلم جهاد. وقال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (2) أطلق الدراسة وقيد التعليم للإشعار بأن دراسة الرباني متعددة وأن محل تركيزه في التعليم ينبغي أن يكون على القرآن. * * * إن علوم الدنيا يشترك فيها البر والفاجر، وقد يزيد الرجل العادي في علوم الدنيا على أهل العلوم الربانية. 3 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، فالعلم الذي يتمحض للدنيا من مثل معرفة قوانين الكون المادية، ومن مثل الخبرة بالصناعة والتجارة والزراعة والسياسة الدنيوية المحضة والحياة الاقتصادية المحضة يشترك فيه البر والفاجر وهو مطلوب من المسلمين كفروض كفائية وقد يتقن الكافر في هذه الشؤون ما لا يتقنه المسلم. وقد أثبت الله للكافرين في هذه الشؤون علماً فقال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (3) {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (4). دل ذلك على أن العلم الذي حضَّ عليه الإسلام بشكل أولي هو العلم الشرعي ومع أن العلوم الدنيوية فروض كفائية لكن المسلم يأخذها غير غافل عن الآخرة، وغير مهمل للعلوم الشرعية.

_ (1) التوبة: 122. (2) آل عمران: 79. 3 - رواه مسلم في صحيحه، 43 - كتاب الفضائل (4/ 1836) 38 - باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً، دون ما ذكره من معايش الدنيا. (3) الروم: 7. (4) النجم: 29: 30.

نقول هذا ليُعلم أن الإسلام فيه حضٌّ على العلوم الدنيوية المرتبطة بالآخرة، ولكن عامة نصوصه تحضُّ على العلوم الشرعية لأنها هي الجانب الذي هو محل الغفلة من الناس وهي الجانب الذي هو محل التكليف العيني في حق كل إنسان، ومع أن بعض العلوم الشرعية من باب فروض الكفايات ولكن هذه الفروض تختلف عن غيرها من فروض الكفايات الدنيوية بأنها لابد منها لإقامة الدين وإيصال فروض العين لكل مسلم. * * * قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (1). إنه لا يقوم الإنسان بحمل الأمانة التي تَحمّلها وحُمِّلها، وهي القيام بالتكليف الإلهي إلا بالخروج من الجهل والظلم، وذلك لا يكون إلا بالعلم والعدل، وإنما بُعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ليعلموا الإنسان وليزكوه فيتحقق بالعلم وبالعدل. {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (2). {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (3). فكما أنه بالميزان يقوم الناس بالقسط، فكذلك يقوم بالقرآن القسط، وهكذا فالطريق للعدل هو العلم، وبذلك يخرج الإنسان من الظلم والجهل، والعلم الذي يخرج به الإنسان من الظلم والجهل هو العلم الذي بُعث به الأنبياء ويتمثل في الرسالة الخاتمة: بالكتاب والسنة وما ينبثق عنهما وما يخدمهما ويدخل في ذلك علوم اللغة العربية وأصول الفقه وعلوم القرآن وعلوم السنة والفقه والعقائد والأخلاق.

_ (1) الأحزاب: 72. (2) البقرة: 151. (3) الحديد: 25.

والعلم في الإسلام على ستة أحوال: فريضة وواجب وسنة ومندوب ومكروه وحرام. والفريضة نوعان عينية وكفائية، ومن الفروض العينية معرفة الإسلام إجمالاً ومعرفة ما يجب على الإنسان تطبيقه منه تفصيلاً وما يستلزم ذلكن ومن الفروض الكفائية كل العلوم التي تحتاجها إقامة الدين والدنيا، والواجب من العلوم هو ما كان دون الفريضة وفوق السنة، كحفظ شيء من القرآن زائد على ما هو فرض، والمسنون من العلوم هو علم الكتاب والسنة حفظاً وفهماً، والمندوب هو التبحر في كل علم مفروض كفاية أو عيناً، والمكروه من العلوم ما أدى إلى مكروه، ويدخل في ذلك كل ما يعتبر من اللغو الذي لا فائدة منه، والحرام من العلوم هو ما كان حراماً بعينه، كالسحر أو ما أدى إلى حرام. والعَالِم الكامل هو من وَرِثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والعمل والحال والصفة والهيئة وقام بتعليم الكتاب والسنة وتزكية الأنفس. والعلم الشرعي الأخروي هو علم الكتاب، وعلم السنة التي هي شارحة الكتاب، فالله عز وجل وصف كتابه بقوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) فهناك من أرجع الضمير في (إنه) على القرآن، فالقرآن هو علم الساعة، ومن ههنا كان علم الكتاب والسنة هو العلم الشرعي المطلوب وكذلك كل ما انبثق عنهما مما يحقق مقاصدهما ثم أحاط بذلك مما يخدمهما أو يفصّل في شيء عن مقاصدهما فهذا أشرف العلم عند أهل الآخرة، وأهله أفضل الناس وأشرفهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 4 - * روى أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن العلماء ورثة الأنبياء ... ". ولقد انعكس الأمر حتى عند بعض المتدينين لانتكاس القلوب والعياذ بالله.

_ (1) الزخرف: 61. 4 - أحمد في المسند (5/ 196). الترمذي (5/ 49) 42 - كتاب العلم، 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وهو حديث حسن.

والعلم مطلقاً هو معرفة كل شيء، فهو المقدمة لإقامة الدين أو لإعمار الدنيا وسياستها، وقد مر معنا أن في الإسلام علوماً مفروضة فرض عين على كل مسلم، وهي العلوم التي يطالب بها المسلم للقيام بحق التكليف الرباني عليه، وتختلف من شخص لشخص على حسب الطاقة والمسؤولية. والظروف التي يواجهها، وهناك علوم مفروضة فرض كفاية وهي كل علم اختصاصي مفيد تحتاجه إقامة الدين أو إعمار الدنيا على ضوء الدين، وهذا النوع من العلوم المفروضة فرض كفايةن تُطالب بها الأمة بمجموعها، بمعنى أن على الأمة أن تخرج من أبنائها مَنْ يغطون احتياجاتها في كل علم من العلوم المفروضة فرض كفاية وما أكثر ذلك، وإذا تعين مسلم للقيام بفرض من فروض الكفاية فقد أصبح هذا الفرض في حقه فرض عين فهو آثم إن لم يتعلمه، وأي علم فرطت فيه الأمة فإن الأمة بمجموعها تكون آثمة بسبب ذلك، ويسقط الإثم عمن يبذل استطاعته، ويتأكد الإثم في حق الذي يستطيع ولا يفعل أو لا يبذل جهداً في ذلك، ولعل أهم ما يجب أن ينصب عليه التخطيط للأمة الإسلامية هو أن نُحْصي فروض الكفاية في حق كل بلد وقرية، وفي حق كل قطر أو مجموعة أقطار وفي حق العالم الإسلامي، وفي حق الأمة الإسلامية جميعاً والمسلمين حيث كانوا، ويسار في سياسة تعليمهم لإقامة فروض العين وفروض الكفاية، نقول هذا للتأكيد على أن الإسلام قد حضَّ على العلوم الدينية والعلوم الدنيوية وطالب أهل ذلك أن يخلصوا في كل العلوم لله عز وجل، وعندئذ تصبح العلوم كلها أخروية. * * * ولكن من طبيعة العلوم الدنيوية أن ترى الناس مندفعين إليها وعاكفين عليها. ثم إن العلوم الدنيوية ذات نفع محسوس وبالتالي فنها تغري وتخدع وتغر، ومن ثم انصبت النصوص على الحضِّ على العلوم الدينية حتى لا يظن الظان أن العلوم الدنيوية هي الأفضل، بل العلوم الدينية هي الأفضل، لأنه إذا قام الدين قامت الدنيا، وإذا لم يقم فلا دين ولا دنيا، فالدين الصحيح هو الذي تقوم به الدنيا قياماً سليماً لأنه هو الذي يحدد الفرائض وهو الذي يعلّم الناس أن يضعوا الأمور في مواضعها ويعرِّف الناس على صيغ العدل الكاملة وبدون ذلك لا تقوم دنيا.

- الشريعة الإسلامية هي التي تعلّ العدل الاجتماعي ولذلك فرضت الزكاة، وهي التي تقيم العدل القضائي ولذلك فرض القصاص، وهي التي تعاقب على أي اعتداء على المجتمع ولذلك شرعت الحدود. والشريعة هي التي تقيم العدل في العلاقات الاقتصادية المتوازنة، ولذلك أجازت البيع وحرمت الربا، وهي التي تقيم العدل على مستوى الأسرة والمجتمع والحكم، وهي التي تقيم العدل في باطن الإنسان وظاهره، ومن تأمل الشريعة عرف أنها كلها عدل وأنه لا مطمع بإقامة عدل كامل إلا بها، والعدل مطلب يتطلع إليه كل سويّ. والشريعة الإسلامية هي التي تحدد الفرائض المطلوبة من كل فرد على حدة، ومن الأمة بمجموعها ومن الإنسان والناس، والفرائض كثيرة منها الفرائض نحو الله ومنها الفرائض نحو الناس، ومنها فروض العين وفروض الكفاية، ومنها فروض يطالب بها ظاهر الإنسان ومنها فروض يطالب بها باطنه، وكل ذلك مرتبط بعضه ببعض. والشريعة الإسلامية هي التي تعرّفك كيف تضع الأمور مواضعها فيتحقق الفرد بصفة الحكمة ويتحقق المجموع بهذ الصفة، فهي التي تعرّفك كيف تتعامل مع الآباء، وهي التي تعرّفك كيف تضع الأمور في مواضعها في قضايا الحكم والسياسة وقضايا العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وعلاقة الناس ببعضهم، ثم هي التي تعرّف قلبك كيف يكون على مقتضى الحكمة، وأخلاقك كيف ينبغي أن تكون، لذلك قلنا إنه إذا لم يقم الدين الحق فإن الدنيا نفسها تكون في حالة شقاء ومصداق ذلك في كتاب الله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (1) ولذلك ولغيره كانت العلوم الدينية أشرف من العلوم الدنيوية، لأنه بها يقوم الدين والدنيا وهذا من حكمة الحضّ على التفقه في دين الله. * * * إن الدنيا بالنسبة للآخرة لا تساوي شيئاً، وإذا كانت الدنيا بالنسبة للآخرة هذا شأنها

_ (1) طه: 123، 124.

فالعلوم التي لا توصل الإنسان إلى النجاة في الآخرة لا تساوي شيئاً، ومن ههنا انصب التذكير والحض على تعلم العلوم الدينية، سواء كانت مفروضة فرض عين أو فرض كفاية، هذا مع أنه قد رأينا أن كل ما تحتاجه إقامة الدنيا على ضوء الشريعة هو من فرائض الكفاية التي تصبح في حق بعض الأشخاص فريضة عينية، لكنها مع ذلك تأتي في الدرجة الثانية. * * * وقولنا إن العلوم الدنيوية تأتي في الدرجة الثانية إنما هو في الشرف والفضل عند الله وعند أهل الإيمان، وليست بالضرورة في الأجر، فقد يؤجر الإنسان على إقامة فرض كفاية دنيوي أكثر بكثير من أجره على فرض كفاية ديني. فمثلاً من فروض الكفاية الدينية تعلّم علم القراءات ومن فروض الكفاية في عصرنا تعلّم علوم الذرة ولو قدر أن بعض المسلمين توجهوا بإخلاص نحو هذه العلوم الكفائية الدنيوية وفتح الله عليهم بها، وترتب على ذلك أن وُجِدَ وضعٌ جديد قَويَ به الإسلامُ والمسلمون مع ضرورة كل من العلمين علم القراءات وعلم الذرة، ترى أن القائمين بفرض الكفاية هذين أكثر أجراً؟ ربما كا الثاني أعظم أجراً. إنه لا يبعد أن يكون القائم ببعض فروض الكفاية الدنيوية أكثر أجراً من القائم بفرض من فروض الكفاية في العلوم الدينية إذا صحت النيات، ولكن على العموم فعلوم الشريعة أشرف وأفضل وأكثر أجراً، وكلما كان العلم أقرب إلى اللب كان أفضل، ويتناقض كلما ابتعدنا عن الغايات إلى الوسائل مع أن الجميع فرض كفاية. فالاختصاص والتبحر في علم الكتاب والسنة والفقه وأصوله أفضل من الاختصاص في علوم اللغة، مع أن علوم اللغة لابد منها لفهم الكتاب والسنة وإدراك كيفية استنباط الأحكام. * * * وعلى كل الأحوال سواء كان العلم فرض عين أو فرض كفاية وسواء كانت فروض الكفاية دينية أو دنيوية، فإذا صحت النية فإنَّ العلم من أفضل العبادات، لأنه في العلوم

الدينية شرط الوجود للعبادة والعبودية، كما أنه شرط صحة القبول، وهو في أمور الدنيا شرط الإتقان والإحكام والتطوير الصالح. * * * وإذا كانت إقامة الدين والدنيا من باب فروض الكفايات، فإنَّ التبحر في هذه العلوم مندوب إليه، كما نص على ذلك ابن عابدين - من فقهاء الحنفية - في حاشيته، وتأمل كيف أنه لو أحكمنا هذه الفكرة، فكرة إيجاد المختصين المتبحرين في كل علم ديني أو دنيوي كيف يكون حال المسلمين؟ ثم كيف يكون حال هذا العالم؟ * * * وكما أن هناك فروضاً عينية وكفائية علمية، فهناك فروض كفائية علمية عملية، فالعلم يسبق العمل، وقد كنا حاولنا أن نبرز هذا المعنى وأن ندلل عليه في رسالة تحت عنوان: (فلنتذكر في عصرنا ثلاثاً) وكان مما ذكرناه في هذه الرسالة ما يلي: من أهم الأفكار الموجهة للمسلم في حياته وللأمة الإسلامية في سيرها فكرة فروض العين وفروض الكفاية، فمن خلال استقراء لنصوص الشريعة، ومعانيها ومبانيها وروحها، وصل العلماء إلى أن الفروض قسمان: فروض عينية ويطالب بها كل مسلم، وفروض كفائية يطالب بها المسلمون .. وكلا النوعين من الفروض ينقسم إلى قسمين: إلى فروض عملية، وفروض علمية: فالصلاة مثلاً، لها جانب نظري علمي هو من باب فروض العين، وكذلك الجانب التطبيقي منها وهو من فروض العين وإتقان علم الطب فريضة كفائية وأن يقوم الطبيب المختص بالخدمة فرض كفائي آخر. إن فهم فكرة فروض العين وفروض الكفاية من أهم ما يطالب به الفرد وتطالب به الأمة، لأنه بمقدار ما يستوعب المسلم ما هو مفروض عليه فرض عين، وبمقدار ما يستوعب فروض الكفاية التي تطالب بها الأمة ويعمل لإقامتها، وبمقدار ما تستوعب الأمة فروض

الكفايات وتعمل من أجل تحقيقها يقوم الإسلام قياماً كاملاً، وأي قصور في إقامة فروض العين وفروض الكفاية من الناحية النظرية أو العملية يترتب عليه ضرر للأمة وللأفراد. إن بعض فروض العين له طابع الاستمرار والديمومة وقد تطرأ على أصل الحكم طوارئ بسبب العوارض، وبعض فروض العين يستجد بسبب من بعض المستجدات أو بسبب من بعض الظروف، وقل مثل ذلك في فروض الكفايات، فكثير من فروض الكفايات تطالب بها الأمة بسبب من مستجدات تحدث. فمثلاً عندما تكون الفطرة سليمة والقلب صالحاً فإن ما يطالب به المسلم في باب تزكية النفس كفريضة عينية أقل مما يطالب به مسلم وجد في بيئة مريضة فوجدت بسبب ذلك أمراض نفسية عنده، مثل هذا فريضة العين في حقه نظرياً وعملياً تختلف عن الإنسان الأول، وفروض الكفاية في بيئة بدوية تختلف عن فروض الكفاية في بيئة مدنية، وفروض الكفاية في عصر الطيران والذرة والكهرباء تختلف عن عصر آخر .. ومن ههنا فإن فهم فروض العين وفروض الكفاية في كل عصر وبيئة مهم لأهل كل عصر وبيئة. ولنبدأ الموضوع من أوله: لحظ العلماء أن هناك نصوصاً تتحدث عن فرائض يطالب بها الفرد من مثل: 5 - * ما رواه ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، ومن مثله قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (1) فقد أكدت المطالبة الفردية بذلك في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2) بينما هناك فرائض لا يمكن أن ينفذها كل فرد فهي مطلب تطالب به الجماعة ككل من مثل قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} (3) فقد ذكر في هذه السورة بعض الحدود، وبالضرورة العقلية فإنه لا يطالب

_ 5 - ابن ماجه (1/ 81) المقدمة 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، قال في الزوائد: إسناده ضعيف وقال السيوطي سئل النووي عن هذا الحديث، فقال: إنه ضعيف، أي سنداً. وإن كان صحيحاً، أي معنى. وقال المزي: هذا الحديث روى من طرق تبلغ رتبة الحسن، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب". (1) البقرة: 183. (2) البقرة: 185. (3) النور: 1.

كل فرد بإقامة حد الزنى على كل من زنى، وأمثال ذلك في الشريعة كثير من مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (1) ومن مثل قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) ومن مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (3). ومن مثل ما ذكرناه استنبط العلماء أن هناك فروضاً عينية يطالب بها كل مكلف وهناك فروض كفائية تُطالب بها الأمة. * * * إن إحصاء فروض الكفاية ومعرفة فروض العين من أهم الأمور في حق الفرد أو في حق الأمة، بل يجب أن يكون ذلك هو البداية ولذلك فنه من المهم بالنسبة للدعاة والعاملين للإسلام بل وللعاملين في حقل تطوير الأمة أن يحصوا هذه الأمور وأن يعمموها وأن يعملوا على تحقيقها في أرض الواقع، هذا مع ملاحظة أنه لا يستطيع فرد في الغالب أن يحيط بفروض الكفاية فلابد من تضافر جهود كثيرة ليصار إلى الإحصاء والتحديد .. وأنا سأحاول في هذه الكلمة القصيرة أن أضع اليد على نقاط علام. * * * هناك عدد من القواعد نستطيع أن نستهدي بها في موضوع فروض الكفايات: أولاً: إن كل ما تحتاجه إقامة الدين والدنيا هو من فروض الكفايات. ثانياً: كل ما تحتاجه عملية أداء الحقوق إلى أصحابها هو من فروض الكفايات. ثالثاً: كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن ذلك فروض الكفاية فالوسائل الموصلة إلى كل فرض منها تدخل في الفروض الكفائية، فإذا اعتبرنا هذه القواعد الثلاث

_ (1) البقرة: 178. (2) البقرة: 234. (3) البقرة: 216.

- وهي من البدهيات عند العلماء - هادية لنا في بحثنا عن فروض الكفايات فكم هي فروض الكفايات؟ إن باستطاعتنا من خلال هذه القواعد الثلاث فقط أن نسجل عشرات الألوف من فروض الكفاية، فإذا عرفنا أن بعض فروض الكفايات لها جانب علمي نظري ولها جانب علمي تطبيقي، وأن الجانب العلمي تدخل فيه عشرات العلوم، وأن الجانب التطبيقي يحتاج إلى عشرات الاختصاصات ندرك سعة دائرة المطلوب .. ولنضرب أمثلة تخدم ما نحن فيه: العلوم التي تحتاجها عملية استخراج البترول كثيرة، والأدوات التي تحتاجها هذه العملية كثيرة، والعلوم والصناعات التي تؤمن هذه الوسائل كثيرة واستخراج البترول من البر أو البحر له علومه ووسائله، وإذا استخرج البترول فهناك تكريره وتسويقه وهناك المواد المتفرعة عنه، وكل مادة لها استعمالاتها وتتوضع حول ذلك صناعات كثيرة والصناعات تحتاج إلى أسواق وتسويق، وكل ذلك يحتاج إلى اختصاصات، وأنابيب البترول وصناعاتها وتركيبها والاستفادة منها وتثمير الأموال واستثمارها بما يحقق مصلحة الأمة، كل ذلك فروض متتالية يأخذ بعضها برقاب بعض. حاول أن تستقصي هذه السلسلة من المطلوبات والخبرات والأدوات والوسائل التي تتوضع حولها فإنك تصل إلى مئات من فروض الكفاية في هذا الجانب فقط، وعلى مستوى قطر من الأقطار. فإذا نظرت إلى هذا كله من خلال احتياجات الأمة الإسلامية كلها في واقعها وأقطارها، فإنك تصل إلى أنه يجب أن يوجد عشرات الألوف من المختصين وأهل الخبرة في هذا الشأن وحده لتغطية احتياجات الأمة الإسلامية في كل مكان. فإذا عممت مثل هذا التحليل على الزراعات والصناعات والتجارات عسكرياً ومدنياً وأدخلت في الصناعات صناعة الأدوية، وصناعة أدوات الصحة، وصناعة السلاح والعتاد، وصناعة وسائل النقل الجوية والبحرية والبرية .. فهل تستطيع أن تحصي إحصاءً دقيقاً هذه الفروض؟

فإذا عرفت أن العلم سابق العمل، فكم من فروض الكفايات أنت بحاجة إليها علمياً؟ وكم ينبغي أن تكون برامج التعليم والتنمية ضخمة ومتعددة لتغطي مثل هذا؟ وهذا كله بعض ما تحتاجه إقامة الحياة الدنيا. * * * دعنا الآن نضرب أمثلة على بعض ما تحتاجه إقامة الدين من فروض الكفايات: إن الدين لا يقوم قياماً كاملاً إلا إذا قام كل مسلم بواجبه ووجدت دولة مسلمة تقيم الإسلام؛ لان مهمة الدولة المسلمة في تعريفات الفقهاء إقامة الدين والدنيا، وقد ضربنا أمثلة على بعض فروض الكفايات التي تحتاجها إقامة الدنيا ولنر بعض ما تحتاجه إقامة الدين. هناك علوم لابد منها لبقاء الإسلام واستمراره، من ذلك علوم اللغة العربية، المنطق، أصول الفقه، علم العقائد، علم الفقه، علم الأخلاق والسلوك، وعلم التفسير وعلوم القرآن، علم السنة وعلوم الحديث، السيرة وحياة الصحابة، رواة الحديث وطبقات العلماء، التاريخ الإسلامي، علم القراءات، العلوم التي تقتضيها إقامة الحجة على الآخرين، حاضر الأمة الإسلامية وواقع المسلمين، العلوم التي يحتاجها الوعي السياسي الإسلامي ... هذه العلوم وأمثالها تحتاج إلى مختصين يغطون احتياجات المسلمين فهيا -لا في قطر واحد بل على مستوى العالم - على حسب الضرورة والحاجة. فهناك علم يكفي البلد أن يوجد فيه واحد، وهناك علم يجب أن يكون في البلد الواحد عشرات من المختصين فيه، وهذه العلوم لا يكفي أن يوجد فهيا المختص، بل لابد أن تصل إلى العامة، وههنا تأتي فروض الدعوة وفروض التعليم، وعن هذه تنبثق فكرة المدارس وفكرة الكتاب والجريدة والمجلة والإذاعة وأن تقوم كل من هذه بما يملأ ساحة هذه الدوائر كلها بالعلم، ثم أن توجد أدوات ذلك ووسائله واحتياجاته، كل ذلك يدخل في باب فروض الكفايات. هذا كله في الجانب الإعلامي والتعليمي من أجل إقامة الدين فقط. * * *

ومن أجل أن يقوم الدين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أنت بحاجة إلى اختصاصيين كثير وإلى التزام كثير، وهذا يحتاج إلى سياسة وقانون وقضاء فكم من مختصين أنت بحاجة إليهم لتملأ ساحة العمل بما يغطي احتياجات الأمة في كل ساحات العمل هذه. فإذا عرفت أن المجتمع الإسلامي تحرسه الدولة، وهذا يقتضي وجود أجهزة، ويسهر عليه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والدعاة، وهذا يحتاج إلى عاملين، وإذا عرفت أن حياة المجتمع الإسلامي منوطة بالجهاد، والجهاد يحتاج إلى مقاتلين وعتاد ونظريات وتدريب وتخطيط وأنَّ هذا في عصرنا معقد وأن ذلك كله يدخل في باب فروض الكفايات .. عرفت بعض الكفايات التي تحتاجها الأمة في عصرنا لإقامة دينها. * * * دعنا الآن نفكر على مستوى جزء من واقعنا، كأن نفكر على مستوى قطر لم يبق فيه نظام إسلامي وعم فيه الجهل، أو غلب، فما فروض الكفايات في مثل هذه الحالة؟ أول الواجبات هي تغطية فريضة الدعوة إلى الله في القطر، وهذا يقتضي ملاكاً عريضاً لتصل الدعوة إلى كل دوائر القطر، وكل ما يقتضيه ذلك فهو من فروض الكفايات: الدعاة في صفوف الرجال والنساء، وفي صفوف العمال والفلاحين والمثقفين، وفي الأحياء والمؤسسات، وفي المدارس والجامعات، وفي المساجد والمقاهي، والدعاة الذين يغطون هذا كله والجهاز الإداري الذي يدير عجلة الدعوة وينسق بين جهود الدعاة كل ذلك من فروض الكفاية. ثم إن الدعوة هي باب التربية والتكوين والتعليم فمن استجاب للدعوة فقد وجب عليه أن يتعلم وأن يأخذ التربية الإسلامية التي يقتضيها قيام المسلم بواجباته في عصره فأنْ يوجد المسلمون والمربون الذين يغطون احتياجات الأمة في هذا الباب وأن يوجد الجهاز الإداري الذي ينظم هذا كله وينسق بين جهود المعلمين والمربين بحيث يصبح كل مسلم وقد أخذ حظه على الكمال والتمام من العلوم الإسلامية ومن الثقافة والتربية اللتين يقتضيهما وجوده في هذا العصر من خلال الحلقات والمذكرات والدراسات فذلك كله من فروض الكفاية.

والدعوة الإسلامية تقتضي عملاً إعلامياً ضخماً. 6 - * روى أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". والحديث الآخر يقول: 7 - * روى مسلم "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". إن في العالم أجهزة إعلام ضخمة تنشر مبادئ أو تدافع عن موقف أو تهاجم مبادئ ونصيب الإسلام من عداء هذه الأجهزة ليس قليلاً، ثم إن الإسلام يجب أن ينشر ويعمم وللمسلمين مواقف يجب أن تعرف وأن يقنع بها المسلمون على الأقل، وهذا كله يقتضي جهازاً إعلامياً، والإعلام في عصرنا: جريدة ومجلة وفيديو وشريط مسجل وإذاعة وتليفزيون ورسالة وكتابة وخطابة ومحاضرات وتعليقات، وهو مع هذا كله اختصاص وفن وعلم، وإذا ما أنشأت جريدة أو مجلة فأنت بحاجة إلى ملاك كاتب وطابع وإداري، وإذا ما أنشأت مجلة فالأمر كذلك ويتوضع حول هذا نشر وتوزيع وتعميم وهذا يرتبط به أن يكون هناك مراسلون ووكالات أنباء ومحللون ومحررون واستراتيجيون وكل ذلك إذا تعين يدخل في فروض الكفايات. والإعلام بطبيعته هو الوجه لآخر للعمل السياسي، والعمل السياسي جزء من العمل الإسلامي ألا ترى أن أهم صراعات الإسلام في عصرنا هي الصراعات الفكرية والصراعات السياسية، فالنظريات السياسية العالمية تصارع الإسلام على أرضه. ومن هنا لابد أن يوجد عمل سياسي إسلامي سواء ارتبط بالعمل الدعوي أو لم يرتبط، سواء كان من خلال عمل حزبي أو من خلال توجيهات عفوية .. المهم أن وجود العمل السياسي الإسلامي هو من باب فروض الكفايات بالقدر المتاح والممكن.

_ 6 - أبو داود (3/ 10) كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو. 7 - مسلم (1/ 70) 1 - كتاب الإيمان، 20 - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.

وعندما نقول: عمل سياسي إسلامي فهذا يحتاج إلى اختصاصيين كثر في شؤون كثيرة: التوعية السياسية، الإدراك السياسي، القدرة على استيعاب الموقف السياسي، القدرة على اتخاذ القرار السياسي الحكيم المستوعب للزمان والمكان، المشاركة في العمل السياسي المتاح، نقل الأوضاع السياسية إلى أطوار متقدمة ومنسجمة مع الإسلام أو تحقق أهدافه أو تبعد العمل السياسي عن الانحراف، التخطيط للتطوير السياسي الإسلامي في المؤسسات والنقابات، السير المتدرج نحو الأهداف السياسية الكبرى التي لا تتحقق بسرعة، كل هذه القضايا وأمثالها تدخل في باب فروض الكفايات، والجهاز الإداري الذي ينسق بين هذا كله وينظم هذا كله هو من باب فروض الكفايات، كذلك وإذا سقط قطر من أقطار الأمة الإسلامية بيد الكفر والكافرين وتعين الجهاد للإنقاذ فالتحريض، والتدريب، وتركيز النيات، وتأمين السلاح، وإيجاد الملاكات القيادية، ووجود الخطط العملية، وتأمين الشبكات التنظيمية التي خدم الحاضر والمستقبل والتي تصب في خدمة الجهاد، وإنضاج نظريات المعركة، والسير المتواصل نحو الهدف، ووجود الجهاز الإداري والقيادي الذي يضع هذه الأمور كلها موضع التنفيذ، كل ذلك من فروض الكفايات، ولما كان المال هو الوسيلة الضرورية لإقامة فروض الكفايات المذكورة فوجود الجهاز الإداري الذي يقود عملية تأمين المال اللازم ووجود شبكة قوية لجمع التبرعات والوصول إلى كل فرد قادر على الدفع وإقناعه بذلك كل ذلك من باب فروض الكفايات. وفي الحالة التي نتحدث عنها تكون فروض الكفايات التي يطالب بها المسلمون في القطر مضيّعة لا تجد من يقيمها، وههنا تأتي مهمة القائمين على العمل الإسلامي أن يوجهوا المستجيبين لدعوة الله وخاصة الطلاب بحيث يكون لكل فرد اختصاص حياتي يقيم به فريضة كفائية وهؤلاء لابد من التنسيق فيما بينهم، ومن ههنا يأتي تنظيم أمر الاختصاصات الحياتية وترتيبها في كل قطاعات الحياة، والتوجيه نحو ذلك. فالأطباء المسلمون والصيادلة المسلمون والمهندسون المسلمون بل والرياضيون المسلمون، والتجار المسلمون والحرفيون المسلمون ثم الاختصاص المتفرع عن اختصاص أصيل، والجهاز الإداري الذي ينظم ذلك كله، كل ذلك من فروض الكفايات.

ويتوضع حول الجوانب الدعوية والإعلامية والسياسية والمالية والفنية أشياء كثيرة، فأن يوجد المختصون فيها والقائمون عليها والمقيمون لها كل ذلك من فروض الكفايات، وعلى هذا فالقائمون على العمل الإسلامي في قطر من نوعية الأقطار التي ذكرناها عليهم أن يراعوا ذلك. من ههنا ومما تقدم ندرك أهمية حصر العلوم المفروضة فرض كفاية في حق المسلمين في أقطارهم إذا كانوا في السلطة أو لم يكونوا، إذا كانوا في مجتمع غريب أو كانوا في مجتمع قريب لأن ذلك يؤثر تأثيراً جوهرياً على سير العمل، فإذا اتضحت هذه الأمور فقد آن الأوان لنتحدث عن فروض العين: * * * إن المحصلة الكبرى لإقامة فروض الكفاية تظهر في وجود المسلم الذي يقيم فروض العين والمختص بفرض من فروض الكفاية، فالمسلم ينبغي أن يكون له اختصاص حياتي، وأجود أنواع الاختصاص هو ما يحقق به المسلم فرض كفاية، هذا مع ملاحظة أنه إذا تعين مسلم لفرض من فروض الكفاية فقد أصبح هذا الفرض في حقه فرض عين، فلو تعين إنسان للقضاء أو للفتوى أو لتعليم علم بعينه أو لإتقان اختصاص بعينه فعندئذ يكون في حقه فريضة عينية. 1 - إن أول فرض العين في حق المسلم أن يعرف الإسلام معرفة إجمالية وأن يؤمن به، وأن يقر بذلك بإعلانه الشهادتين. 2 - وثاني فروض العين في حقه أن يعرف تفصيلاً من الإسلام ما يستطيع أن يؤدي فرائض التكليف المطالب به. 3 - ومن فروض العين في حق المكلف: التوحيد والعبادة وزكاة النفس. 4 - ومن فروض العين في حقه أن يعرف المحرمات وأن يتركها وأن يعرف المطلوبات ويقوم بها. 5 - ومن فروض العين أن يقيم حق الله في والديه وأرحامه وجيرانه.

6 - ومن فروض العين أن يؤدي حق الله في طاعة الإمام ولزوم الجماعة. 7 - ومن فروض العين أن يكون كسبه حلالاً وأن ينفق على من تجب عليه نفقته بالمعروف. وإذا كان له مال فالزكاة في حقه فرض عين والحج في حقه فرض عين، والجهاد بالمال إذا تعين فريضة عينية، وإذا أصبح الجهاد فريضة عينية فعليه أن يقوم بذلك نية وتدريباً وإعداداً واستعداداً ومباشرة. وجماع فروض العين أن يكون الإنسان تقياً، فالتقوى هي مطلب الله من العبد، والتقوى كما صورتها مقدمة سورة البقرة إيمان وصلاة وإنفاق واتباع للقرآن وخلاص من الكفر والنفاق. * * * وبعض فروض العين واحدة في الأوضاع العادية في حق المسلمين جميعاً، وبعضها يختلف سعة وضيقاً من شخص لشخص فما يُطالب به إنسانٌ صالحُ الفطره من زكاة النفس أقل من إنسان عنده أمراض نفسية. وما يطالب به خالص الإيمان أقل مما يطالب به إنسان في قلبه مرض من أمراض النفاق، وما يطالب به عامل بسيط أقل مما يطالب به تاجر غني واسع الثراء واسع العلاقات. وما يطالب به إنسان في بيئة غير ما يطالب به إنسان في بيئة أخرى، فإنسان يعيش في أرض بدعة وأرض كفر يطالب بما يحصن به نفسه وأهله. وإذا ثارتْ شُبْهةٌ مضلة يجب على المكلّف أن يحصن نفسه من هذه الشُبهة، وإذا وجدت تيارات ضالة وتيارات هادية فعلى المسلم أن يحصن نفسه من التيارات الضالة ويكون جزءاً من التيار الهادي. وإذا وجدت في الشريعة نوافل لتحصين الفرائض، وإذا وجدت في الشريعة فكرة الورع والاحتياط من أجل عدم قربان الحرام فهذا يوصلنا إلى أن المسلم عليه أن يفعل

الكثير ليطمئن على قيامه بفروض عينه، وقبل أن نذكر بعض التفصيلات المطلوبة من مسلم معاصر نحب أن نذكِّر بنوعين من الفروض: 1 - فرض الوقت. 2 - فرض العصر والظرف. 1 - فرض الوقت: لا تغيب الفرائض والمحرمات القطعية عمن يعيشون في البيئات الإسلامية، والتذكير بها مفيد، وهذه مهمة ضرورية متجددة، يقوم بها الوعاظ في مجال الوعظ ويتذاكر بها المسلمون في مذاكراتهم، وقوة الواعظ تظهر في قدرته على التأثير والإقناع واستجاشة العواطف فهو يجذب إلى الفرائض المقصرين ويأخذ بحجز المذنبين فيبعدهم عن الذنب، وهو يبعث على الارتقاء الحثيث، دافعاً بعد الفرائض نحو الواجبات والسنن والآداب، منفراً عن المخالفات ولو لم تصل إلى درجة التحريم، فما أعظمها مهمة!!. فهي جزء من مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن استهان بها أو حقرها فهو على جهل عظيم، وليس غرضي في هذا البحث أن أذكر فيما هو مذكور أو محل تذكر، إنما الغرض أن أذكر فيما عنه غفلة، ومن ههنا جاء هذا العنوان: فرض الوقت. * * * لنتصور أن إنساناً أراد الدخول في الإسلام فما هو فرض وقته؟ لا شك أن فرض وقته المباشر هو أن يعرف بإجمال الشهادتين وأن ينطق بهما مسلماً فإذا دخل في الإسلام مثلاً بعد أن دخل وقت الظهر فما هو فرض وقته المباشر؟ لا شك أن فرضه المباشر هو أن يتعلم الصلاة بإجمال وأن يمارس صلاة الظهر، وإذن فالمراد بفرض الوقت هو ما يطلب من الإنسان في لحظته التي هو فيها. * * * لنتصور أنني رأيت إنساناً يغرق وأنا قادر على إنقاذه أو جائعاً وأنا قادر على إطعامه، أو

يرتكب منكراً وأنا قادر على تغييره، فههنا يفترض علي فوراً أن أفعل ما أستطيع فعله فهذه كلها فرائض وقت وجبت عليَّ بسبب ظرف طارئ، افترض عليّ الإسلام أن أتعامل معه نوع تعامل. إن فرض الوقت هذا يغفل عنه الكثيرون، وقد يقعون بسبب ذلك في محذورات كبيرة، فمثلاً لو أن إنساناً أراد الدخول في الإسلام وطلب من مسلم أن يصفه له فواجب الوقت في حق المسلم أن يبادر فوراً للوصف، حتى قال بعضهم: لو أن المسلم وقتذاك طلب إلى هذا الراغب أن يؤجل فإنه يرتد بذلك. * * * مما مر تعرف المراد من قولنا: فرض الوقت وتعرف أهمية ذلك، وخطورة عدم القيام بفرض الوقت، وخطورة تأجيله عن وقته، ومن ههنا تتوضع حول هذه الفكرة أمور كثيرة: ففي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك فرائض وقت، وفي باب الجهاد هناك فرائض وقت، وفي باب الأسرة والجوار هناك فرائض وقت، وفيما يطرأ على الإنسان أو يعرض له فرائض وقت، والمسلم كما يحاسب نفسه على الفرائض الثابتة فإنه يحاسب نفسه على التقصير في فرائض الوقت، ولما كان العلم يسبق العلم فالعلم بفقه فرض الوقت هو البداية الصحيحة للقيام بهذا النوع من الفرائض. 2 - فرض العصر وفرض الظرف: من المعلوم أن هناك فرائض عينية في الشريعة الإسلامية كالصلاة في حق المكلف، وهناك فروض كفائية تطالب بها الأمة فإذا فعلها بعضهم سقطت عن الأمة، وإلا فإن الأمة كلها تأثم، ويسقط الإثم عمن أمر ونهى وبذل استطاعته، وفروض الكفاية هذه تكون فرض عين في حق من تعين لها فلا يستطيعها غيره، وكذلك هي في حق من يعلم شيئاً عنها يجهله غيره، إذا اتضح هذا نقول:

كل علم تحتاجه الأمة الإسلامية فهو فرض كفاية، والعلوم متوسعة متنامية متطورة، وكل عصر له مستحدثاته التي هي أثر عن علم من العلوم، فالكهرباء والذرة وما تفرع عنهما من مخترعات ومستحدثات هذه كلها وليدة عصرنا وبالتالي فهذان بالنسبة للمسلمين في عصرنا فرضان بينما هما في عصور سابقة لم يكونا موجودين أصلاً فلا مطالبة بهما فهذا نموذج على ما أسميناه فرض العصر. * * * الجهاد في شريعتنا يكون أحياناً فرض عين، وأحياناً فرض كفاية، وأحياناً تكون مباشرته فرض عين إذا توافرت شروط، وأحياناً يكون فرض عين ولا تجب مباشرته لعدم توافر شروط، وأحياناً تكون مقدماته الموصلة إلى الغايات فرائض كفائية أو فرائض عينية، وهناك حالات من الغلبة تصيب المسلمين لا يستطيعون التغلب عليها من خلال معركة جزئية بل تحتاج إلى جهود متواصلة طويلة قد تستغرق جيلاً أو جيلين أو أكثر مثل هذه الأمور تدخل في فرائض العصر من مثل القضية الفلسطينية في زمن الحروب الصليبية وفي عصرنا، وقد يكون هذا النوع من الفرائض واجبات عصر في حق مسلمي العالم وقد تكون فرائض عصر في حق أهل قطر. * * * والمسلمون مكلفون أن تكون كلمة الله هي العليا في العالم، وهذا الصراع منهم يقتضي في مرحلة من المراحل نوعاً من العمل الخاص، تدخل فيه الاقتصاديات والإداريات والاستراتيجيات والتحركات السياسية وغيرها، فالجديد الذي يحتاجه الصراع المستمر بين الحق والباطل يدخل في فرائض العصر. * * * وكل قرن جديد يحتاج معه الإسلام إلى تجديد، وهذا التجديد قد يقتضي أساليب وأسباباً تناسب القرن، فالتنظيم الممتد الواحد الذي يغطي العالم مثلاً تحتاجه الأمة

الإسلامية في كل حين ولكنه في عصرنا يعتبر سبيلاً وحيداً لإقامة فرائض كثيرة، فكل ما يحتاجه هذا التنظيم الذي هو شرط لحسن المواجهة يدخل في فرائض العصر. هذه النماذج على فرائض العصر تعطينا تصوراً عنه ويبقى تحديد كل ما يدخل في فرائض العصر واجب أهل الفتوى، وتذكير المسلمين بذلك ودعوتهم وتفجير طاقاتهم واجب كل من يستطيع ذلك من وعاظ ودعاة وقادرين. * * * والمسلم الذي لا يدرك واجبات عصره مقصر وقد يكون آثماً، وهو في كل الأحوال يعيش في غير عصره، ولعل من أهم فروض عصرنا: محاولة إنقاذ الأمة الإسلامية من تفرقها، والعمل من أجل وحدتها وتقدمها المدني، والعمل لإعادة الأقطار المسلوبة والخلافة المفقودة. إذا اتضح ما مر فقد آن لنا أن نتحدث تفصيلاً عن بعض فروض العين في عصرنا ولنجعلها تحت ثلاثة عناوين: العلم، والعمل، والحال .. ملاحظين فروض العصر والوقت وتيارات العصر وتعقيداته وتأثير ذلك على العقل والقلب والنفس. أولاً: في العلم: أ - أخذ حظ من علم أصول الفقه على قدر استطاعة الإنسان لأنه ما لم يحصل المسلم ذلك فإنه يكون معرضاً للوقوع في خطر الرفض للأحكام أو في خطر الوقوع في براثن الغلاة. ب- أخذ حظ من علوم اللغة العربية على قدر استطاعة الإنسان لأنه ما لم يكن ذلك فقد يقع الإنسان فريسة الخطأ بيد الحَرْفيين أو بيد المؤولين. ج- أخذ حظ من علم الأصول الثلاثة بحيث يكون عند الإنسان تصور عن أدلة وجود الله عز وجل وأدلة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وبحيث يكون عنده تصور شامل عن الإسلام. د- أخذ حظ من علم العقائد حتى لا يكون فريسة الوقوع في أسر فرقة ضالة أو في

أسر أفكارها. هـ- أخذ حظ من الفقه عامة، ومن الفقه المذهبي خاصة، الأول ليعرف كيف يتصرف أمام الوقائع والثاني ليعرف كيف يراجع عويصات المسائل. و- حفظ شيء من القرآن وإتقان تلاوته. ز- حفظ شيء من السنة والاطلاع على ما أمكن من متونها ويدخل في ذلك التعرف على السيرة النبوية ومعالم في حياة الصحابة. ح- الاطلاع على فقه الدعوة والحركة المعاصرين بحيث يطمئن إلى الكينونة في الجماعة التي يعطيها ولاءه وينطلق بالدعوة على بصيرة. ط- الاطلاع على بعض الدراسات الإسلامية الحديثة التي تحتاجها بيئته أو تحتاجها مناعة وحصانة. ي- الاطلاع على شيء من التاريخ الإسلامي وواقع المسلمين يحصنه ويطلق طاقاته في الخدمة الإسلامية. ك- الاطلاع على الثقافة العسكرية الحديثة بحيث يكون عنده شيء من الإلمام بالكيفية التي يمكن أن يمارس فيها الجهاد في هذا العصر. ل- أخذ حظ من علوم تزكية النفس والسير إلى الله. م- المطالعة والمدارسة في كل ما ينمي الوعي الإسلامي بحيث يعرف الإنسان مشكلات المسلمين وكيفية حلها. ن- الاطلاع على ما ينمي حسه الأمني بحيث لا يتصرف تصرفاً يضر أمته. ثانياً: العمل: أ - أول ما يطالب به العبد من العمل بعد التعرف على الله عبادته، والفروض مقدمة على النوافل ويدخل في ذلك الصلاة والصوم والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر والجهاد. ب- الكسب الحلال وأداء الحقوق فيه. جـ- القيام بحقوق الوالدين والأرحام والجوار. د- نية الجهاد والتدريب على أدوات القتال ووسائله. هـ- الكينونة في الصف الإسلامي وحسن التعامل مع المسلمين ويدخل في ذلك لزوم إمام المسلمين وجماعتهم إن كان لهم جماعة وإمام. و- القيام بالحقوق الطارئة والعارضة. ز- اجتناب المحرمات وما قاربها وإقامة الفرائض والواجبات. ح- القيام بفروض الكفاية التي يتعين لها. ط- مباشرة الجهاد إذا أصبح فرضاً عينياً وتوافرت شروط فرضية مباشرته. ي- نية المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والالتزام بالأحكام. ثالثاً: الحال القلبي والنفسي: ويدخل في ذلك أن يكون قلبه سليماً وفطرته مستقيمة ونفسه مزكاة، وههنا نلفت النظر إلى أن ما يوصل إلى مثل هذه المعاني المفروضة فهو فريضة، ومن ههنا نقول: قد تكون بعض الأمور في الأصل مندوبة فإذا تعين كطريق للوصول إلى هذه الأحوال الشريفة فإنها تصبح فريضة ومما يدخل في مثل هذه الفريضة: أ - التحقق بالإيمان والإخلاص والتوكل والزهد في الدنيا ومحبة الله ورسوله. ب- والخلاص من الكفر والنفاق والفسوق والعصيان والإثم والأمراض القلبية من مثل الحسد والرياء والغل والحقد وأمثال هذه الأمراض. أ. هـ. وفي غمرة الكلام عن فروض العين وفروض الكفاية بشقيها العلمي والعملي، التي بابها

ومفتاحها العلم فإنه لا يفوتنا أن نشير إلى أن المطلوبات الشرعية من المسلم أوسع من أن تكون فرضاً فقط، فهناك الفريضة والواجب والسنة والأدب، والمروءة، والأريحية، والذوق والسياسات النبوية، وكلها مطلوبات عينية من المسلم وعلى المسلم أن يحصل العلم فيها وأن يتحقق بالعمل، ولابد - ونحن سنعرض أحاديث باب العلم -أن نتعرض لهذا، وقد كنا كتبنا رسالة تحت عنوان - أخلاقيات وسلوكيات تتأكد في القرن الخامس عشر الهجري - ننقل لك بعض المقتطفات منها ليكون هذا الأمر واضحاً لديك: والكلام عن الذوقيات والمروءات يجرنا إلى الكلام عن أدب العلاقات، فما من شيءٍ أدل على زكاة النفس في الإسلام من أدب العلاقات، وليس هناك شيء أصعب على النفس من الأدب في بعض الأحوال، لذلك كانت مجاهدة النفس لحملها على الكمال في أدب العلاقات من أعظم ما يطالب به المسلم. كان نور الدين الشهيد رحمه الله حازماً ومن حزمه أنه كان لا يسمح لأمير من أمرائه أن يجلس في حضرته إلا بإذنه لم يستثن من ذلك إلا نجم الدين أيوب والد صلاح الدين ولكنه كان مع العلماء والصالحين على غاية من الاحترام والتواضع والإجلال، انظر هذا الأدب وتأمل إلى أي حد يستطيع إنسان ذو صفة رسمية في عصرنا، عصر البروتوكول أن يتواضع لعالم عامل صالح أمام الجماهير. إن كثيراً ما ترفض نفس الصغير توقير الكبير، وكثيراً ما ترفض نفس الكبير رحمة الصغير، وكثيراً ما تأنف أنفس أولي الأمر من استشارة من دونهم، وكثيراً ما يشتط المستشار إذا استشير، وكل هذه مظاهر من جموحات النفس ورعوناتها، ولذلك قلنا: إن من أعظم علامات زكاة النفس قيامها بأدب العلاقات ملاحظاً في ذلك الحكم الشرعي أولاً ثم المروءات والذوقيات. إن أدب العلاقات واسع، فهناك أدب الولد مع الوالدين، وأدب الوالدين مع الأولاد ذكوراً وإناثاً، وأدب الإخوة مع بعضهم ذكوراً وإناثاً، وأدب الصاحب والجار مع الصاحب والجار، وأدب الموظف والعامل مع الزملاء ومع العمل وهكذا دوائر العلاقات البشرية كلها.

وإذا كان أدب العلاقة مع الخلق له هذه الأهمية، فما بالك بأدب العلاقة مع الخالق .. إنك لو حصرت الحياة البشرية الكاملة بأدبين أدب العلاقة مع الخالق وأدب العلاقة مع الخلق لم تعدَّ. وأدب العلاقة مع الخالق يقتضي أدب العلاقة مع الخلق فكلما كملت العلاقة الأولى كملت الثانية. وأدب العلاقة مع الخالق ينحصر بالإيمان والفعل والترك: فالإيمان بالوحي وترك المحرمات والمكروهات وفعل الواجبات والسنن والآداب والأريحيات والمروءات من مقتضى حسن التعامل مع الله عز وجل. وليس هناك في أدب العلاقات مع الخلق أعظم من القيام بحق الوالدين وحق العلماء والأولياء والمربين ثم الأرحام والجوار والأصحاب. وفي أدب العلاقات نجد كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألف الخلق جميعاً حتى استخرج النفاق من قلوب أكثرية المنافقين، وكيف استخرج أحقاداً وعداوات من قلوب موتورين حتى أصبح أحب إليهم من أبكارهم .. وكيف كان يضع الحزم في محله واللين في محله، وكان يغلب عليه اللين ويكفي أن الله أدبه بقوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (1). لقد كان ليّن الكلمة، رحيم القلب، حريصاً على المؤمنين، يعفو ويصفح، ويستغفر لذنوبهم، ويشاورهم، فأي أدب في العالم أرفع من هذا الأدب، إن إحياء آداب النبوة وسياستها من أهم ما يطالب به المسلم على مدى العصور وذلك لا يطيقه إلا من اجتمع له علم وذكر وما ذلك إلا لدقة الأدب، انظر إلى أدبه عليه الصلاة والسلام في الإنصات: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} (2)

_ (1) آل عمران: 159. (2) التوبة: 61.

لقد اتهمه المنافقون بأنه شديد الإصغاء ويستطيع كل إنسان أن يؤثر عليه فأكد الله أنه كثير الإنصات حتى شبهه بالأذن، إلا أنه يعرف من يصدق وأن إنصاته رحمة للمؤمنين أما أن يستجره أحد لموقف غير صحيح فلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (1). ولدقة السياسات النبوية قلنا: إنها تحتاج إلى علم لتعرف وإلى ذكر ليستطيعها الإنسان ولذلك قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2) فمن لم يكن له ذكر كثير فإن اتِّباعه قليل. في الشريعة فرائض وواجبات وسنن وآداب، وفيها محرمات ومكروهات، وهي مع تحديدا لهذه الأمور بشكل صريح أو ضمني يعرف من النصوص مباشرة أو بشكل غير مباشر، فهي قد وضعت أصولاً لضبط التعامل مع الرأي العام مما يدخل في ما يصطلح عليه الناس: الذوق ومراعاة الرأي العام. وهذه قضية تغيب عن الكثيرين حتى إنك لتجد بعض المتدينين المتشددين يسقطون قضايا الذوق ومراعاة عواطف الناس ومشاعرهم، حدثني بعض شيوخنا أنه كان في جلسة علمية فامتخط إنسان وألقى بمخاطه على الأرض بشكل جاف، فاستعمل شيخنا حق الشيخ في التأديب فنبهه على ذلك فسأله التلميذ: أعندك نص في عدم الجواز فهذا نموذج على نمط من التفكير يلغي قضايا الأذواق ومراعاة الرأي العام. * * * ولا شك أن الأذواق قد تمرض وأن الرأي العام قد يكون ضالاً مضللاً، وإذا كان أهل السنة والجماعة لا يعتبرون العقول نفسها ميزاناً للتحسين والتقبيح، فمن باب أولى ألا تعتبر الشريعة الأذواق والرأي العام ميزانين، خاصة وهما مرتبطان إلى حد كبير بالعواطف،

_ (1) الحجرات: 3. (2) الأحزاب: 21.

ولذلك نقول ابتداءً: إنه لا قيمة للذوق ولا للرأي العام إذا عارض الفرائض والواجبات والسنن والآداب، أو دخل في دائرة المكروهات أو المحرمات، وإذن فمراعاة الرأي العام وقضايا الأذواق إنما راعاها الشارع في المباحات ولذلك نجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} (1). 8 - * روى مسلم قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم". فالأول جاء في سياق مواقف المسلمين من اليهود، والثاني في مراعاة الرأي العام الجاهلي في قضية لا يترتب عليها عمل .. ولننتقل إلى قضية أخرى وهي قضية الأيحيات والمروءات: 9 - * روى مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعِثْت لأتمم مكارم الأخلاق" فالرسول صلى الله عليه وسلم حصر بعثته بأن المراد منها استكمال بناء الصرح الأخلاقي في هذا العالم، وهذا يفيد انه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ البناء الأخلاقي من الصفر، بل هناك أخلاق بعث بها الرسل وأتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك مكارم للأخلاق تعارف عليها الناس أنها من مكارم الأخلاق وهي فعلاً كذلك. وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليقر أمثال هذه الأخلاق وليكملها، ولم تزل الأريحيات والمروءات مما تواطأ الناس على إكبارها واحترامها، إلا من فسدت فطرته ومرض عقله. وقضايا الأريحيات والمروءات لا تدخل تحت حصر، وقد تتجاوز حدها فتصبح جاهلية، وقد تنقص حتى يحتقر المخل، إن بعض ما يدخل في المروءات والأريحيات يدخل في أبواب الحكم الشرعي من فريضة أو واجب أو سنة أو أدب وإذا تجاوزت الأريحيات حدها كأن دخل صاحبها بها في الإسراف والتبذير أو طرأ عليها عارض كالرياء والعجب

_ (1) البقرة: 150. 8 - مسلم (2/ 969) 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها. 9 - الموطأ (2/ 904) 47 - كتاب حسن الخلق، 1 - باب ما جاء في حسن الخلق. قال ابن عبد البر: وهو حديث مدني صحيح متصل عن أبي هريرة وغيره.

وحب الثناء والمدح، فإن ما صاحبها يدخل في باب المحظورات. وقد تكون أحياناً من باب المباحات، ولكنها إذ تؤدي إلى احتقار صاحبها وغيبته وازدرائه فإنها تخرج صاحبها بسبب من ذلك إلى دائرة المحظورات، فمثلاً لو وقعت من إنسان تمرة فأهملها فرآها إنسان فأخذها فطالب الأول الآخر بها فذلك طلب مباح في الأصل ولكنه مخل بالمروءة. إن موضوع الأريحيات والمروءات عميق في الفطرة البشرية وهو يختلف من شعب إلى شعب في القوة والضعف وفي السعة والضيق، ولعل العرب من أكثر الشعوب تأثراً بهذه الموضوعات، وقد يكون ذلك من حكم اختيارهم لحمل الرسالة الإسلامية، فهذه الرسالة تحتاج إلى نوع من النفسيات تهزها الأريحية والمروءة، وتبقى مشدودة، إلى كل كمال. وما أظن شعباً تهزه المروءات والأريحيات يسبق الشعب العربي في ذلك، وادرس أدب هذا الشعب نثراً وشعراً لترى أن الحديث عن الأريحيات والمروءات يشكل جزءاً كبيراً من أدبه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان له في هذا القدم الأعلى، ألا ترى أن الله حرم عليه وعلى آل بيته الأكل من الصدقات .. 10 - * روى البخاري في صحيحه ما قالته خديجة له يوم رجع بالوحي وأخبرها أنه قد خشي على نفسه فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، تحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ولقد قال ابن الدغنة وهو مشرك لأبي بكر يوم فكر في الهجرة إلى الحبشة الكلمات نفسها وأجاره، مما يشير إلى أنه قد استقر في ضمير العرب أن هذه المعاني من مكارم الأخلاق التي ترفع صاحبها وتجعله أهلاً للحرص عليه. * * * إن الإسلام والذوق والمروءة مترادفات، ومتكاملات فإذا تعارض ما ظنه الناس ذوقاً

_ 10 - البخاري (1/ 23) 1 - كتاب الوحي.

مع الإسلام أو تعارض ما ظنه الناس مروءة مع الإسلام، فذلك علامة على فساد الذوق وسخف المروءة، أما إذا لم يتعارض شيء من ذلك مع الإسلام، فالذوق مقبول، بل مطلوب، والمروءات مقبولة، بل مطلوبة، وهل ذلك إلا العرف والمعروف. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (1). {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2). أنْ ترتب بيتك على ما ترتاح له الأذواق بما لا يتناقض مع شريعة، وأن تلبس لكل حالة لبوسها الذي يريح القلوب والأبصار، وأن تقدم للناس النظيف الجميل، أليس ذلك في محله من الحكمة؟ واقرأ هذا النص: 11 - * روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في أعين الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش". وألا تسمح لنفسك أن تسف في القول والعمل، وألا تسمح لحد أن يسف بحضرتك بما ينقض وقاراً أو حلماً أو كمالاً، وألا تسمح لنفسك أن تفعل ما ينكره عقل أو شرع أو عرف أليس ذلك من الحكمة؟، واقرأ ما يقوله علي رضي الله عنه: "لا تفعل ما يسبق إلى العقول إنكاره وإن كان عندك اعتذاره". عندما تدرس التربية النبوية، تجد التربية للأذواق مستمرة، وتجد الحوادث المعبرة عن سلامة الذوق كثيرة في حياة الصحابة. فمثلاً عندما يراق الماء في العلية التي كان يسكنها أبو أيوب والتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكن أسفل منها بناء على رغبته للتسهيل على ضيفانه، نجد أبا أيوب يلتقط الماء خشية أن ينزل منه شيء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤذيه، إنك تجد ههنا ذوقاً رفيعاً.

_ (1) سورة الأعراف: 199. (2) سورة آل عمران: 110. 11 - أبو داود (4/ 58) كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، وإسناده حسن.

وعندما تجد أبا طلحة يضع الثوب أمام عينيه، ثم يتقدم ليضعه على صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقعت عن البعير، نجد ههنا ذوقاً رفيعاً، وعندما يُتوفى ابن أم سليم ويأتي أبو طلحة يسألها عن الطفل فتقول له: هو أسكن ما كان وتتزين له حتى يواقعها ثم تتطلف بالإعلام، ثم يدعو رسول الله أن يبارك لهما في ليلتهما، فإنك تجد قمة الذوق، وعندما يُسأل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. يقول: رسول الله أكبر وأنا أسن تجد كذلك ذوقاً رفيعاً. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي على أنواع من الذوق الرفيع في الأسماء وفي السلوك، فهذا جانب يجب أن نعطيه أهمية في عصرنا وأن نحيي وقائعه، فالإسلام كله ذوق، فالتوحيد أعلى درجات ذوق القلب، والعبادات أعلى درجات ذوق الجسد والاستئذان والسلام ووضع اليد على الفم أثناء التثاؤب، وعلى الأنف أثناء العطاس، ورحمة الكبير للصغير وتوقير الصغير للكبير، وأن يقدم الرجل مهراً للمرأة، وأن يستأنس بين يدي ما يريد، وأن يتلطف في الخطاب، وأن يبتعد عن الكبر والخيلاء والتكلف، كل ذلك ذوق رفيع، وعلى المسلم أن ينمي حسه الذوقي، فإذا دخل على العلماء فبالأدب، وإذا سأل فبالأدب، وإذا خالط أهل الفضل فبالأدب. * * * في قضايا المروءات والأريحيات يذكر وفاء سول الله صلى الله عليه وسلم الذي ليس له مثيل، يذكر وفاءه لخديجة في إدامة ذكرها وإكرام صديقاتها، ويذكر وفاءه للمشركين والكافين إذا أسدوا له معروفاً، فها هو يقول يوم بدر: 12 - * روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم "لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأعطيتهم له" وها هو يوصي بأقباط مصر خيراً لأن لهم رحماً وصهراً وما ذاك إلا لأن هاجر رضي الله عنها منهم، ولأن مارية القبطية رضي الله عنها منهم. ونجد وفاءه عليه السلام لأهل السابقة والمواقف، فهذا حاطب بن أبي بلتعة يعفو عنه مع عظم ما أتى

_ 12 - أحمد (4/ 80).

لأنه شهد بدراً، وانظر في قضايا المروءات والأريحيات كيف أنه عليه السلام ما ضرب خادماً ولا امرأة في حياته، وكيف أكرم أبو قتادة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أن يقتل به امرأة، وكان عليه السلام لا يسبقه أحد في خلق. أ. هـ. وبعد هذه المقدمة الطويلة عن العلم وما يستتبعه من عمل فقد آن أن نعرض فصول باب العلم:

الباب الأول في العلم - الفصل الأول: فضل العلم بدين الله. - الفصل الثاني: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم. - الفصل الثالث: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى. - الفصل الرابع: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير. - الفصل الخامس: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه. - الفصل السدس: الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن. - الفصل السابع: الترهيب من كتم العلم. - الفصل الثامن: وجوب التعلم والتعليم. - الفصل التاسع: الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ما لا يفعل. - الفصل العاشر: الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاجة والقهر والغلبة - الفصل الحادي عشر: بعض آداب التعليم والتعلم. - الفصل الثاني عشر: ذهاب العلماء ورفع العلم. - الفصل الثالث عشر: كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك.

الفصل الأول في فضل العلم بدين الله

الفصل الأول في فضل العلم بدين الله قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1). {كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (2) قال ابن عباس: كونوا عُلماء فُقهاء. وقيل: سُمي العلماء ربانيين، لأنهم يرُبُّون العلم، أي: يقومون به، يُقال لكل منْ قام بإصلاح شيءٍ وإتمامه: قد ربَّه، يرُبُّه، فهو رَبٌّ له. وقيل: سُموا الربانيين، لأنهم يُرَبُّون المتعلمين بصغار العلُوم قَبْلَ كبارها. وقيل: الربانيون: العلماء بالحلال والحرام. وقال الله سبحانه وتعالى إخباراً عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (3)، يُقْتَدى بهُداك وبسُنَّتكَ. وقال مالكٌ: الحكمةُ: الفقهُ في دين الله، وقال العلْمُ: الحكمةُ، ونورٌ يهدي الله به من يشاءُ، وليس بكثرة المسائل. شرح السنة 1/ 183 - 184. 13 - * روى البخاري ومسلم عن حميد [بن عبد الرحمن بن عوف الزهري] قال: سمعتُ معاوية وهو يخطبُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ "مَن يُرد الله به خيراً يُفقههُ في الدين، وإنما أنا قاسمٌ، ويُعطي اللهُ، ولن يزال أمرُ هذه الأمة مستقيماً

_ (1) التوبة: 122. (2) آل عمران: 79. (3) البقرة: 124. 13 - البخاري (1/ 164) 3 - كتاب العلم، 13 - باب من يرد الله ب خيراً يفقهه في الدين. مسلم (2/ 719) 12 - كتاب الزكاة، 33 - باب النهي عن المسألة. (يفقهه في الدين) الفقه: الفهم والدراية، والعلم في الأصل، وقد جعله العُرف خاصاً بعلم الشريعة، وخاصة بعلم الفروع، فإذا قيل: فقيه، علم أنه العالم بعلوم الشرع، وإن كان كل عالم بعلم فقيهاً، يقال: فَقِه الرجل - بالكسر-: إذا لم، وفقُه - بالضم - إذا صار فقيهاً، وتفقَّه: إذا تعاطى ذلك، وفقَّهه الله، أي: عرَّفه وبصَّره.

حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي أمرُ الله". 14 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقههُ في الدين وألهمه رُشدَهُ". 15 - * روى الإمام أحمد عن قيس بن كثير رحمه الله قال: كنتُ جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجلٌ، فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتُك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، لحديث بلغني أنك تُحدثُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئتُ لحاجةٍ، قال: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يطلبُ فيه علماً: سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضيً لطالب العلم، وإنَّ العَالِم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتانُ في جوف الماء، وإنَّ فضل العالِمِ على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، ورثُوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافرٍ". وفي رواية (1) عن عثمان بن أبي سَودة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.

_ 14 - كشف الأستار (1/ 84) كتاب العلم - باب فضل العالم والمتعلم. مجمع الزوائد (1/ 121) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 15 - أحمد (5/ 196). وأبو داود (3/ 317) كتاب العلم - باب الحث على طلب العلم. الترمذي (5/ 48) 42 - كتاب العلم، 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إل من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل هكذا بهذا الإسناد. ابن ماجه (1/ 81) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. الدارمي (1/ 98) باب فضل العلم والعالم. الإحسان بترتيب ابن حبان (1/ 151) كتاب العلم، ذكر وصف العلماء الذين لهم الفضل. (1) أبو داود (3/ 317) كتاب العلم - باب الحث على طلب العلم. وقيس بن كثير بن قيس كما ذكره أبو داود، وهو أكثر كما قال الحافظ في التقريب، وهو ضعيف ولكن تابعه عند أبي داود وعثمان بن أبي سودة. (تضع أجنحتها لطالب العلم) معنى وضع أجنحة الملائكة لطالب العلم: التواضع والخشوع، تعظيماً لطالب العلم، وتوقيراً للعلم، لقوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) [الإسراء: 24] وقيل: وضع الجناح معناه: الكفُّ عن الطيران، أراد: أن الملائكة لا تزال عنده، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتْهم =

16 - * روى البخاري عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد والناسُ معه، إذْ أقبل ثلاثةُ نفرٍ، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحدٌ، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فُرْجَة في الحلْقَةِ، فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم: فأوى إلى الله عز وجل، فآواه الله، وأما الآخرُ، فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر: فأعْرَضَن فأعرضَ الله عنه". 17 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مَرَّ بسوقِ المدينة فوقف عليها، فقال يا أهل السوق ما أعجزكم!. قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال ذاك ميراثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقسَمُ وأنتمْ هاهنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكمْ منه قالوا وأين هو؟ قال في المسجد فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم: مالكمْ؟ فقالوا يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئاً يُقسمُ فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتمْ في المسجد أحداً؟ قالوا بلى رأينا قوماً يُصلُّون، وقوماً يقرءون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكمْ فذاك ميراُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. 18 - * روى البخار يعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مثلُ ما بعثني الله به مِنَ

_ = الملائكة". وقيل: معناه: بسط الجناح وفرشه لطالب العلم، لتحمله عليها، وتبلغه حيث يريد، ومعناه: المعونة. 16 - الموطأ (2/ 960) 53 - كتاب السلام، 3 - باب جامع السلام. البخاري (1/ 156) 3 - كتاب العلم، 8 - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس. مسلم (4/ 1713) 39 - كتاب السلام، 10 - باب من أتى مجلساً فوجد فرجة فجلس فيها. الترمذي (5/ 73) 43 - كتاب الاستئذان، باب (29). 17 - مجمع الزوائد (10/ 1234) كتاب العلم، باب فضل العلم وإسناده حسن، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 18 - البخاري (1/! 75) 3 - كتاب العلم، 20 - باب فضْلِ منْ عَلِم وعَلَّم. ومسلم (4/ 1787) 43 - كتاب الفضائل، 5 - باب بيان ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم.

الهُدى والعلم كمثَل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقيةٌ قَبِلَتِ الماء فأنبتتِ الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادِبُ أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفةً أخرى إنما هي قيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقِه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به فعلم وعلَّم، ومثلُ من لم يرفعْ بذلك رأساً ولم يقبلْ هدى الله الذي أُرسلْتُ به". قال البغوي بعد إيراد هذا الحديث: العلوم الشرعية قسمان: علم الأصول، وعلم الفروع، أما علم الأصول، فهو معرفة الله سبحانه وتعالى بالوحدانية، والصِّفَات، وتصديق الرسل، فعلى كل مكلفٍ معرفته، ولا ينفع فيه التقليدُ لظهور آياته، ووضوح دلائله، قال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت: 53]. وأما علمُ الفروع، فهو علم الفقه، ومعرفةُ أحكام الدِّين، فينقسم إلى فرض عينٍ،

_ = (غيث): الغيث هو المطر. (الكلأ والعشب): العشب والكلأ والحشيش كلها أسماء للنبات. ولكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والكلأ، مقصوراً، مختصان بالرطب. والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب. (أجادب): هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وقال الخطابي: هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيه النضوب. (قيعان): جمع القاع. وهي الأرض المستوية، وقيل الملساء، وقيل التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث. الفقه في اللغة الفهم. قال النووي: أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث. ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع. وكذلك الناس. فالنوع الأول من الأرض ينفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتاً. وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها. وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره. فينتفع وينفع. والنوع الثاني من الأرض مالا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها. فينتفع بها الناس والدواب. وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به. فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به. فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت، ونحوها. فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها. وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية. فإذا سمعوا العلم فلا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم.

وفرض كفاية، أما فرض العين، فمثلُ علم الطهارة والصلاة والصوم، فعلى كل مكلف معرفته. 19 - * روى ابن ماجة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ". وكذلك كلُّ عبادة أوجبها الشرع على كل واحدٍ، فعليه معرفة علمها، مثلُ علم الزكاة إن كان له مالٌ، وعلمِ الحجِّ إنْ وجب عليه. وأما فرض الكفاية، فهو أن يتعلم ما يبلُغُ به رُتبة الاجتهاد، ودرجة الفُتيا. فإذا قعدَ أهلُ بلدٍ عن تعلمه، عصوْا جميعاً، وإذا قام واحدٌ منهم بتعلمه فتعلمَهُ، سقط الفرضُ عن الآخرين، وعليهم تقليدُه فيما يعِنُّ لهم من الحوادث، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (1). قال سفيان الثوريُّ: إنما العِلم عندنا الرُّخَصُ عن الثقات، أما التشديد، فكل إنسان يُحسنه. ا. هـ. روى ابن ماجه عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر لأنْ تغدُوَ فتعلمَ آيةً من كتاب الله خيرٌ لك من أن تُصلِّيَ مائة ركعةٍ، ولأنْ تغدو فتعلَّمَ باباً من العلم عُمِلَ به أو لمْ يُعملْ به خيرٌ لك من أن تُصلِّي ألف ركعةٍ". 20 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله، ما والاه، وعالماً ومُتعلِّماً".

_ 19 - ابن ماجه (1/ 81) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. (1) النحل: 43. ابن ماجه (1/ 79) المقدمة، 16 - باب فضل من تعلم القرآن وعلمه قال المنذري إسناده حسن. 20 - الترمذي (4/ 561) 37 - كتاب الزهد، 14 - باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل وقال حديث حسن. ابن ماجه (2/ 1377) 37 - كتاب الزهد، 3 - باب مثل الدنيا.

21 - * روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاهُ الله مالاً فسلطهُ على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكة فهو يقضي بها ويُعلِّمُها". 22 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عملهُ إلا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أوْ علمٍ يُنتفعْ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". 23 - * روى ابن ماجه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ ما يخلُفُ الرجل من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالحٌ يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغُهُ أجرها، وعلمٌ يُعملُ به من بعده". 24 - * روى الترمذي عن أبي أمامة قال: ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابدٌ، والآخر عالمٌ، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "فضلُ العالِمِ على العابد كفضلي على أدناكُمْ"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته، وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحْرِهَا، وحتى الحُوتَ ليُصلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ". قال: مُعلِّمُ الخير يستغفرُ له كل شيءٍ حتى الحيتانُ في البحرِ. 25 - * روى الطبراني عن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى

_ 21 -

الله عليه وسلم: "فضلُ العلمِ أحبُّ إليّ من فضل العبادة، وخيرُ دينكم الورعُ". 26 - * روى أحمد عن صفوان بن عسالٍ المرادي رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكيءٌ على بُرْدٍ له أحمر، فقلتُ له: يا رسول الله إني جئتُ أطلبُ العلم، فقال: "مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم تحفُّهُ الملائكة بأجنحتها يركبُ بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلُبُ". 27 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفَّسَ عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كربِ يوم القيامة ومن سترَ مسلماً سترهُ الله في الدنيا والآخرة، ومن يسَّرَ على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمسُ فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلُون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا

_ = البخاري وابن حبان، وضعفه ابن معين. كشف الأستار (1/ 85) كتاب العلم، باب فضل العالم والمتعلم، قال البزار: لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث حذيفة بهذا الوجه. الحاكم (1/ 92، 93) كتاب العلم وهو حديث صحيح. 26 - أحمد (4/ 240). الطبراني في الكبير (8/ 64). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 131) كتاب العلم، باب طالب العلم، وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. ابن حبان (1/ 150) كتاب العلم، باب ذكر بسط الملائكة أجنحتها لطالب العلم. الحاكم (1/ 100) كتاب العلم، وصححه وأقره الذهبي. 27 - مسلم (4/ 2074) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 11 - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. أبو داود (4/ 287) كتاب الأدب، 69 - باب في المعونة للمسلم. و (3/ 317) كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. الترمذي (5/ 28) كتاب العلم، باب: فضل طلب العلم. ابن ماجه (1/ 82) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. ابن حبان (1/ 150) كتاب العلم، ذكر تسهيل الله جل وعلا طريق الجنة على من يسلك في الدنيا طريقاً يطلب فيه علماً. الحاكم (1/ 99) كتاب العلم، في فضل طلاب الحديث. قال صحيح على شرطهما.

حفتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمةُ، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرعْ به نسبهُ". 28 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخيرٍ يتعلمه أو يُعلمه فهو بمنزلة المُجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظرُ إلى متاع غيره". 29 - * روى البخار يعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الناسُ معادنُ، خيارُهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقُهوا، الناس تبعٌ لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبعٌ لكافرهم، تجدون من يخر الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن؛ حتى يقع فيه". وفي رواية (1) الناس تبع لقريش في الخير والشر. 30 - * روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناسُ معادنُ فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا". 31 - * روى الترمذي عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان أخوانِ على عهد

_ 28 - ابن ماجه (1/ 82، 83) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط مسلم. 29 - البخاري (6/ 526) 61 - كتاب المناقب - باب قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى). مسلم (3/ 1451) 33 - كتاب الإمارة-1 - باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش. (1) مسلم (3/ 1451) 33 - كتاب الإمارة، 1 - باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش. ومعناه في الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به في الرواية الأولى لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وأهل حج بيت الله وكانت العرب تنظر إسلامهم. فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس وجاءت وفود العرب من كل جهة ودخل الناس في دين الله أفواجاً. وكذلك في الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم. وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، وما بقي من الناس اثنان. 30 - أحمد (4/ 101). مجمع الزوائد (1/ 121) كتاب العلم - باب فضل العالم والمتعلم وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. (فَقُهَ): بضم لقاف أي صار فقيهاً. 31 - الترمذي (4/ 574) 37 - كتاب الزهد، 33 - باب التوكل على الله، وقال الترمذي: حسن صحيح.

النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحدهما يحترفُ، وكان الآخرُ يلزم النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلمُ منه، فشكا المحترفُ أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال "لعلكَ به تُرْزَقُ". 32 - * روى الترمذي عن الفضيل بن عياضٍ رحمه الله قال: عالمٌ عاملٌ معلمٌ يدعى عظيماً في ملكوت السماء. 33 - * روى البخاري عن مجاهد بن جبير قال: كان ابنُ عباس يُوثِق مولاه عكرمة بقيدٍ على تعليم الفرائض والعلم فقال: قيد ابنُ عباس عكرمة على تعليم القرآن والسنن والفرائض. وإليك هذه النصوص والآثار استئناساً: روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلمُ علماً ثم يعلمه أخاهُ المسلم". روى ابن عبد البر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلْمُ علمان: علمٌ في القلب فذاك العلمُ النافع، وعلمٌ على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم". روى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: نعم المجلس الذي تذكر فيه الحكمة. روى الطبراني عن أبي العبيد بن العامري وكان ضرير البصر وكان عبد الله بن مسعودٍ يُدنيه، فقال لعبد الله بن مسعود من نسأل إذا لم نسألك؟، فرق له فقال: (1) ما

_ = (يحترف) الحرفةُ: الصنعة والمعيشة التي يكتسب منها الإنسان. 32 - الترمذي (5/ 50) 42 - كتاب العلم، 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة. وإسناده صحيح. 33 - البخاري (5/ 75) 44 - كتاب الخصومات، 7 - باب التوثق مما تخشى معرَّته. ابنا ماجه (1/ 89) المقدمة، 20 - باب ثواب معلم الناس الخير، وفي الزوائد إسناده ضعيف. ابن عبد البر في كتاب العلم عن الحسن مرسلاً بإسناد صحيح، وقد ضعفه بعض العلماء. الطبراني (9/ 211). مجمع الزوائد (1/ 167) كتاب العلم، باب فيمن نشر علماً أو دل على خير. وقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. الطبراني (9/ 234).

الأواه؟ قال: الرحيم. قال: فما الأمة؟: قال: الذي يعلمُ الناس الخير. قال: فما القانتُ؟: قال: المطيع. قال فما الماعونُ؟: قال: ما يتعاون الناسُ بينهم. قال فما التبذيرُ؟: قال: إنفاق المال في غير حقه، وفي رواية: في غير حله، وفي رواية (1): كان عبد الله بن مسعود يحدث الناس كل يوم فإذا كان يوم الخميس انتابه الناس من الرساتيق والقرى فجاءه رجلٌ أعمى فذكر نحوه. أقول: سؤاله عن الأمَّة إشارة إلى قوله تعالى: (? ٹ ٹ ٹ ...) (2) وأبو العبيدين هو معاوية بن سبرة بن حصين السُّوائي. وقوله: "فمنْ أخذَ به أخذَ بحظٍ وافرٍ" يعني: من ميراث النبوة. قال ابن عباس: تدارُسُ العلم ساعةً من الليل خيرٌ من إحيائها، وفي رواية: تذاكرُ العلم بعض ليلةٍ أحبُّ إليَّ من إحيائها. وقال قتادة: بابٌ من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده، أفضلُ من عبادة حولٍ. وقال الثوري: ليس عملٌ بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. وعنه أيضاً: ما أعلم اليوم شيئاً أفضل من طلب العلم، قيل له: ليس لهم نيَّةٌ! قال: طلبُهم له نيّةٌ. وقال الحسن: من طلب العلم يُريدُ به ما عند الله، كان خيراً له مما طلعتْ عليه الشمسُ. وقال ابن وهب: كنت عند مالكٍ قاعداً أسأله، فرآني أجمع كتبي لأقومَ، قال مالكٌ: أين تُريد؟ قال: قلت: أبادِرُ إلى الصلاة، قال: ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صحّ فيه النية، أو ما أشبه ذلك. وقال الزهري: ما عُبِدَ الله بمثلِ الفقه.

_ (1) الطبراني (9/ 233). مجمع الزوائد (7/ 35) وقال الهيثمي: رواه كله الطبراني بأسانيد ورجال الروايتين الأوليين ثقات. (2) النحل: 12.

وقال سفيان الثوري: ما أعلم عملاً أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به. وقال سفيان في تفسير الجماعة: لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة. وقال الحسن بن صالح: إن الناس يحتاجون إلى هذا في دينهم، كما يحتاجون إلى الطعام والشراب في دنياهم. قال مطرِّفُ بن عبد الله بن الشِّخِّير: حظّ من علم أحبُّ إليَّ من حظٍ من عبادة. وقال الشافعي: طلبُ العلم أفضلُ من صلاة النافلة. انظر شرح السنة 1/ 279 - 280.

فائدة

فائدة: إن العلوم الإسلامية التي ينبغي أن يركز عليها يمكن حصرها في عشرة: أولاً: القرآن وعلومه ويدخل فيه علم التفسير وعلم التلاوة والقراءات. ثانياً: السنة النبوية وعلومها. ثالثاً: الأصول. رابعاً: علوم اللغة العربية. خامساً: العقائد. سادساً: الفقه. سابعاً: الأخلاق والتزكية. ثامناً: علم الأصول الثلاثة وأنظمة الإسلام. تاسعاً: التاريخ الإسلامي وحاضر العالم الإسلامي ويدخل فيه دراسة التآمر على الإسلام والمسلمين. عاشراً: فقه الدعوة في عصرنا. والملاحظ أن بعض هذه العلوم يحظى بالاهتمام وبعضها لا يحظى بذلك وبعض العلوم تعطي بعض حيثياتها حجماً أكبر مما تحتاجه وبعض العلوم لا يحسن اختيار الزاد المناسب فيه. ومما ورد في متن حاشية ابن عابدين في فقه الحنفية ص 34 ج 1 (العلوم ثلاثة: علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير وعلم نضج واحترق وهو علم الحديث والفقه). ومن الملاحظات على هذه العبارة أنه اعتبر الفقه قد احترق أي من كثرة ما اشتغل به واستجمعت مسائله والأمر ليس كذلك فلا زال هناك جديد وكل جديد يحتاج إلى فقه.

والنقطة المهمة في العبارة وهي صادقة: أن علم الحديث نضج واحترق فلقد تكلم سلف الأمة في التصحيح والتضعيف وتقعيد أصوله بما لا مزيد عليه ونحن نشهد في عصرنا ضجيجاً ضارياً حول هذه الحقيقة ونشهد محاولات وكأنها تريد استئناف النظر في السنة النبوية وتعطي لهذا الموضوع حجماً يغطي على كل العلوم وهذا نوع من الشغب وإثارة الفوضى واستفراغ جهود في غير محلها وصرف للأمة عما ينبغي. إن وجود المحدثين في الأمة فرض كفاية ولا يمكن أن تكون الأمة كلها من طبقة المحدثين. * * *

الفصل الثاني في: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

الفصل الثاني في: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم 34 - * روى البخاري عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمعُ بين الرجلين من قتْلَى أُحُدٍ (يعني في القبر) ثم يقول: "أيهما أكثرُ أخذاً للقرآنِ؟ فإذا أُشير إلى أحدهما قدمهُ في اللحْدِ". 35 - * روى أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِنْ إجلال الله إكرامه ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المُقْسِطِ". 36 - * روى أحمد عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه قال: لقد سمعتُ حديثاً منذ زمانٍ: إذا كنت في قومٍ عشرينَ رجلاً أو أقل أو أكثر فتصفحت وجوههُمْ فلم ترَ فيهمْ رجلاً يُهابُ في الله عز وجل فاعلمْ أن الأمر قد رقَّ. 37 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البركةُ مع أكابرِكُمْ". 38 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه سلم قال: "ليس منَّا منْ لم يوقِّرِ الكبيرَ، ويرحمِ الصغير، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر".

_ 34 - البخاري (3/ 212) 23 - كتاب الجنائز، 75 - باب من يقدم في اللحد. 35 - أبو داود (4/ 261) كتاب الأدب، 23 - باب في تنزيل الناس منازلهم، وهو حديث حسن. 36 - أحمد (4/ 188). 37 - الحاكم (1/ 62) كتاب الإيمان، قوال صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد (8/ 15) كتاب الأدب باب الخير والبركة مع الأكابر، وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط. 38 - أحمد (1/ 257).

39 - * روى الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يبلغُ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا". وفي رواية (1) للترمذي: ويوقر شرف كبيرنا. 40 - * روى أحمد عن عبادة ابن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من أمتي من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعَالِمنا حقه". رواه الطبراني والحاكم (2) إلا أنه قال: ليس منَّا. * * *

_ = ومجمع الزوائد (8/ 14) كتاب الأدب، باب: توقير الكبير ورحمة الصغير. وقال في إسناد أحمد ليث بن أ [ي سليم وهو مدلس. (1) الترمذي (40/ 322) 28 - كتاب البر والصلة، 15 - باب ما جاء في رحمة الصبيان. ابن بان (1/ 341) باب الرحمة - ذكر الزجر عن ترك توقير الكبير. 39 - الحاكم (1/ 62) كتاب الإيمان، وقال صحيح على شرط مسلم. الترمذي (4/ 321، 322) 28 - كتاب البر والصلة، 15 - باب ما جاء في رحمة الصبيان. 40 - أحمد (5/ 323). مجمع الزوائد (8/ 14) كتاب الأدب، باب: توقير الكبير ورحمة الصغير وقال الهيثمي: إسناده حسن. (2) الحاكم (1/ 62) كتاب الإيمان.

الفصل الثالث في: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

الفصل الثالث في: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى 41 - * روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تعلَّمَ علماً مما يُبتغى به وجهُ الله تعالى لا يتعلمه إلا ليُصيبَ به عرضاً من الدنيا لم يجدْ عرْفَ الجنَّةِ يوم القيامةِ يعني ريحَها". 42 - * روى ابن ماجه عن جابرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعلَّمُوا العِلْمَ لتُبَاهُوا به العلماء، ولا تُمارُوا به السُّفهاء، ولا تخيَّرُوا به المجالس، فمنْ فعل ذلك فالنارُ النارُ". وفي رواية (1) بدل (ولا تخيروا به المجالس) قال (ولا لتحدثوا به في المجالس). 43 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أوَّلَ الناس يُقْضَى يوم القيامةِ عليه رجلٌ استشهِدَ فأُتي به فعرفَهُ نعمهُ فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدْتُ. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقال جرئٌ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلْقِيَ في النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلمهُ، وقرأ القرآن، فأُتيَ به فعرفَهُ نعمهُ فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمته، وقرأتُ فيك القرآن. قال: كبت ولكنك تعلمت ليُقال عالمٌ، وقرأت القرآن ليُقال

_ 41 - أبو داود (3/ 323) كتاب العلم، باب ف يطل بالعلم لغير الله تعالى. ابن ماجه (1/ 93) المقدمة، 23 - باب الانتفاع بالعلم والعمل به. ابن حبان (1/! 48) كتاب العلم، ذكر وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه. الحاكم (1/ 85) كتاب العلم، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 42 - ابن ماجه (1/ 93) المقدمة، 23 - باب الانتفاع بالعلم والعمل به. قال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. ابن حبان (1/ 147) كتاب العلم، باب: ذكر وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه. الحاكم (1/ 86) كتاب العلم، لكن بلفظ (ولا لتحيزوا). (1) الحاكم (1/ 86) كتاب العلم. 43 - مسلم (3/ 1514) 33 - كتاب الإمارة، 43 - باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار.

قارئٌ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفهُ نعمهُ فعرفها، قال، فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبُّ أنْ يُنفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك. قال: كذبتَ ولكنك فعلت ليُقال هو جوادٌ فقدْ قيلَ، ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم ألقى في النار". 44 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رفعه: يكونُ في آخر الزمان رجالٌ يخْتِلون الدنيا بالدين، يلبسَون للناس جلودَ الضأن من اللين، ألسنتهُم أحلى من العسل وقلوبهم قلوبُ الذئاب يقولُ اللهُ تعالى أبي تغترون أم علي تجترئون! فبي حلفتُ لأبعثنَّ على أولئك منهم فتنةً تدعُ الحليم منهم حَيرانَ. 45 - * روى الحاكم عن ابن بريدة أن معاوية خرج من حمام حمص فقال لغلامه ائتني لبْستيَّ فلبسهما ثم دخل مسجد حمص فركع ركعتين فلما فرغ إذا هو بناس جلوس فقال لهم ما يجلسكم؟ قالوا صلينا صلاة المكتوبة ثم قص القاص فلما فرغ قعدنا نتذاكر سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال معاوية: ما من رجل أدرك النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أقل حديثاً عنه مني إني سأحدثكم بخصلتين حفظتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من رجل يكون على الناس فيقوم على رأسه الراجل يحب أن تكثر الخصوم عنده فيدخل الجنة قال وكنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فدخل المسجد فإذا هو بقوم في المسجد قعود فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ما يقعدكم؟ " قالوا صلينا الصلاة المكتوبة ثم قعدنا نتذاكر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله إذا ذكر شيئاً تعاظم ذكره". * * *

_ (1) (جرئ): بفتح الجيم وكسرِ الرَّاء وبالمدِّ: أيْ شُجاع حاذِقٌ. 44 - الترمذي (4/ 604) 37 - كتاب الزهد، باب 59. 45 - الحاكم (1/ 94) كتاب العلم، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

الفصل الرابع في: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

الفصل الرابع في: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير 46 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مما يلحَقُ المؤمنَ منْ عملِهِ وحسناتِهِ بعدَ موْتِهِ علماً علمَهُ ونشرَهُ، وولداً صالحاً تركهُ، أو مصحفاً ورثَهُ، أو مسجداً بناهُ، أو بيتاً لابن السبيل بناهُ، أو نهراً أجراهُ، أوْ صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقُهُ من بعدِ موتهِ". 47 - * روى مسلم عن أبي مسعودٍ البدريِّ أنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليستحمِلَهُ فقال: إنهُ قد أُبْدعَ بي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائْتِ فُلاناً فأتاهُ فحملَهُ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دلَّ على خيرٍ فلهُ مثلُ أجرِ فاعله، أو قال عاملهِ". 48 - * روى ابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "ما عندي ما أُعْطيكَهُ، ولكن ائتِ فلاناً" فأتى الرجُلَ فأعطاهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دلَّ على خير فلهُ مثلُ أجرِ فاعلِهِ، أو عَاملِه". الدالُّ على

_ (1) 46 - ابن ماجه (1/ 88، 89) المقدمة، 20 - باب ثواب معلم الناس الخير. ابن خزيمة (4/ 122 ن 123) كتاب الزكاة، 450 - (باب ذكر الدليل على أن أجر الصدقة المحبسة يكتب للمحبس بعد موته ما دامت الصدقة جارية). 47 - مسلم (3/ 1506) 33 - كتاب الإمارة 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله. أبو داود (4/ 333) كتاب الأدب، باب في الدال على الخير. الترمذي (5/ 41) 42 - كتب العلم، 14 باب ما جاء الدال على الخير كفاعله. [قوله] أبدع بي: هو بضم الهمزة وكسر الدال: يعني هلكت دابتي وهي مركوبي، يقال أبدع به إذا كلّت ركابه أو عطبت وبقي منقطعاً به كأنه جعل إبداعاً أي إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها. 48 - الإحسان بترتيب ابن حبان (1/ 255) كتاب البر والإحسان، باب ذكر إعطاء الله جل وعلا الآمر بالمعروف وثواب العامل وكذلك ذكره في كتاب الصلاة (3/ 89) باب ذكر الخبر الدال على أن المؤذن يكون له كأجر من صلى بأذانه. كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 90) كتاب العلم، باب الدال على خير كفاعله. المعجم الكبير للطبراني (17 م 226) فيما رواه أبو عمرو الشيباني عن ابن مسعود. قال النووي: فيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثواباً بذلك الفعل كما أن لفاعله ثواباً ولا يلزم أن يكن قدر ثوابهما سواء. شرح صحيح مسلم 13/ 39.

الخير كفاعله. 49 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منْ دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجُور منْ تبعهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهمْ شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئاً". 50 - * روى الحاكم عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (1) قال: علمُوا أهليكُمْ الخيرَ. 51 - * روى أبو داود عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله، لأن يُهْدَى بُهداك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم".

_ 49 - مسلم (4/ 2060) 47 - كتاب العلم، 60 - باب من سن سنة حسنة وسيئة. 50 - الحاكم (2/ 494) كتاب التفسير، وقال صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي. (1) التحريم: 6. 51 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب فضل العلم، وإسناده صحيح.

الفصل الخامس في: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه

الفصل الخامس في: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه 52 - * روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "نضَّر الله أمرأ سمع منا شيئاً فبلغهُ كما سمعهُ فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامعٍ". 53 - * روى ابن حبان عن زيدٍ بن ثابتٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "نضر الله أمرأ سمع منا حديثاً فبلغَهُ غيرهُ فرُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ ثلاثٌ: لا يغُلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العمل لله، ومناصحةُ وُلاةِ الأمر ولزومُ الجماعةِ، فإن دعوتهُمْ تحُوطُ من وراءهمْ ومنْ كانت الدنيا نيتهُ فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدُّنيا إلا ما كُتب له، ومنْ كانت الآخرةُ نيتهُ جمع الله أمرهُ

_ 52 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم - باب فضل نشر العلم. الترمذي (5/ 34) 42 - كتاب العلم، 7 - باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، وقال الترمذي: حسن صحيح. الإحسان بترتيب ابن حبان (1 م 143) كتاب العلم، ذكر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أدى من أمته حديثاً سمعه. (قوله نضر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها حكاه الخطابي، ومعناه الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة والحسن، فيكون تقديره: جمله الله وزينه، وقيل غير ذلك (الترغيب). (أوعى): أحفظ وأكثر استيعاباً وفهماً. 53 - الإحسان بترتيب ابن حبان (1/ 143) كتاب العلم - ذكر رحمة الله جل وعلا من بلغ أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً عنه. أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب فضل نشر العلم. الترمذي (5/ 34) 42 - كتاب العلم، 7 - باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع وقال الترمذي، حسن صحيح. ابن ماجه (1/ 84) المقدمة، 18 - باب من بلغ علماً. (ثلاث): أي ثلاث خِلال. (لا يغل عليهن قلب مسلم): يُغِل بضم الياء الإغلال: الخيانة ويروى بفتحهما. من الغل: الحقد والشحناء، أي لا يدخل المسلم حقد يزيله عن الحق. والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب فمن استمسك بها طهر قلبه من الغل والخيانة والشر، و (عليهن): حال أي لا يغل عليهن قلب مؤمن.

وجعل غناه في قلبه، وأتتهُ الدُّنْيا وهي راغمةٌ". قوله: (ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحوط من وراءهم): أول ما يدخل في كلمة لزوم الجماعة هنا حضور صلاة الجماعة فإن دعاء المسلمين ينفعهم وينفع غيرهم. ومما يدخل في لزوم الجماعة التزام أهل السنة والجماعة وعقائدهم وفقههم والبعد عن الشذوذ العقدي والفقهي. أقول: لزوم جماعة المسلمين هنا تفيد لزوم الإمام الراشد ذي العقيدة السليمة والأعمال المستقيمة، فدعوة هؤلاء تحفظ المسلمين من الضياع والضلال. 54 - * روى أحمد عن جُبير بن مُطعِمٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف (خيف مني) يقول: "نضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لَمْ يسمعها فرُبَّ حاملِ فقهٍ غيرُ فقيه، ورُبَّ حامِ لفقهٍ إلى من هو أفقهُ منهُ. ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهنَّ قلبُ مؤمنٍ، إخلاصُ العمل لله، والنصيحة لأئمةِ المسلمين، ولزومِ جماعتهم، فإنَّ دعوتهُمْ تحفظُ من وراءهُمْ". 55 - * روى أحمد عن أبان بن عثمان رحمه الله قال: خرج زيدُ بن ثابت من عند مروان نصف النهار، قلنا: ما بعث إليه في هذه الساعة إلا لشيء سأله عنه، فقُمْنَا فسألناه؟ فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: "نَضَّر اللهُ أمرأً سمع منَّا حديثاً فحفظه حتى يُبلِّغَه غيره، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورُب حامل فقه ليس بفقيه".

_ 54 - أحمد (3 - 225) (4/ 80). ابن ماجه (1/ 84) المقدمة، باب من بلغ علماً. الطبراني "المعجم الكبير" (17/ 49). مجمع الزوائد (1/ 137) كتاب العلم، باب في سماع الحديث وتبليغه. 55 - أحمد (1/ 437) مجمع الزوائد (1/ 137، 138). أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب فضل نشر العلم. الترمذي (1/ 33) 42 - كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع. الدارمي (1/ 75) باب الاقتداء بالعلماء. ابن ماجه (1/ 85) المقدمة، 18 باب: من بلغ علماً.

56 - * روى الطبراني عن مكحولٍ قال دخلتُ أنا وابنُ أبي زكريا وسليمان بن حبيبٍ على أبي أمامة بحمص فسلمنا عليه فقال: إنَّ مجلسكم هذا من بلاغ الله لكم واحتجاجه عليكم وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغَ فبلَّغُوا. وفي رواية (1) عن سُليم بن عامر قال: عن سُليم بن عامر قال: كنا نجلس إلى أبي أمامة فيحدثنا حديثاً كثيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سكت قال: أعَقَلْتُمَ بلغُوا كما بُلِّغْتُم. 57 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بلِّغُو عني ولو آيةً، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ مُتعمداً فليتبوَّأْ مقعده من النار". فائدة: قال الطيبي، ولا منافاة بين إذنِه هنا، ونهيه في خبرٍ آخر عن التحديث، وفي آخر عن النظر في كتبهم لأنه أراد هنا: التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم، وأراد بالنهي: العمل بالأحكام لنسخها بشرعه أو النهي في صدر الإسلام قبل استقرار الأحكام الدينية، والقواعد الإسلامية، فلما استقرت أُذن لأمن المحذور. ا. هـ. وقال ابن حجر: قوله (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار، وقيل معنى قوله "لا حرج": لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع

_ 56 - مجمع الزوائد (1/ 139، 140) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. (1) مجمع الزوائد (1/ 140) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 57 - البخاري (6/ 496) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 50 باب ما ذكر ع بني إسرائيل. الترمذي (5/ 40) 42 - كتاب العلم، 13 - باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، وقال حسن صحيح. (لا حَرجَ) الحرجُ: الضيقُ والإثم، ويريد: أنكم مهما قلتم عن بني إسرائيل فإنهم كانوا في حالٍ أكثر منها وأوسعَ، فلا ضيق عليكم فيما تقولونه، ولا إثم عليكم، وليس هذا إباحة للكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الإثم عمن نقل عنهم الكذب، ولكن معناه: الرخصة في الحديث عنهم على البلاغ، وإن لم يتحقق ذلك بنقل الإسناد، لأنه أمر قد تعذر، لبُعد المسافة وطول المدة. ابن الأثير.

لهم كثيراً، وقيل لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولا "حدثوا" صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب وأن الأمر فيه للإباحة بقوله "ولا حرج أي في ترك التحديث عنهم. وقيل المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة نحو قولهم (اذهب أنت وربك فقاتلا) وقال مالك المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما عُلِم كذبه فلا. وقيل المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح. وقيل المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحدث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية فإن الأصل في التحدث بها الاتصال، ولا يتعذر ذلك لقرب العهد. وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم وهو نظير قوله "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث مما يقطع بصدقه" ا. هـ ابن حجر. 58 - * روى أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوهم وإن كان حقاً لم تكذبوه" ويؤيده ما أخرجه البخاري (1). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "كان أهلُ الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل ...) ". قال البغوي: وهذا أصل في وجوب التوقف عماي شكل من الأمور والعلوم، فلا يُقضى فيه بجواز ولا بُطلان، وعلى هذا كان السلف، وقد سئل عثمان عن الجمع بين الأختين من ملك اليمين؟ قال: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، ولم يقضِ فيه بشيء، وقطع علي بتحريمه، وإليه ذهب عامة الفقهاء.

_ 58 - أحمد (4/ 136). أبو داود (3/ 318) كتاب العلم - باب رواية حديث أهل الكتاب. (1) البخاري (8/ 170) 65 - كتاب التفسير، 11 - باب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا).

ولو حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو متَّهَم في حديثه، فلا يُصدق، ولا يُعمل به، لأنه دين، ولو حدثه ثقة وفي إسناده رجل مجهول لا يجب العملُ به، ولا يكذبه صريحاً، لأن المجهول قد يكون صالحاً لحديث أهل الكتاب، بل يقول: هو ضعيف ليس بقوي وما أشبهه. شرح السنة 1/ 269. 59 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهُ: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) (1) ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم. 60 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدِّثُوا عن بني إسرائيل ولا حرج". 61 - * روى أحمد عن عمران بن حصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل لا يقوم إلا إلى عُظْمِ صلاة، وفي رواية (2) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي اللهُ عنهما قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى عُظْم صلاة.

_ 59 - البخاري (13/ 333) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 25 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء". (1) البقرة: 79. 60 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب الحديث عن بني إسرائيل. وهو صحيح. 61 - أحمد (4/ 444). كشف الأستار (1/ 120، 122) كتاب العلم، باب التاريخ. الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 207). مجمع الزوائد (1/ 191) كتاب العلم، باب الحديث عن بني إسرائيل. وقال الهيثمي: رواه البزار وأحمد، والطبراني في الكبير، وإسناده صحيح. (2) أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، 11 - باب الحديث عن بني إسرائيل. وإسناده حسن. العُظم: يقال عُظْم الشيء: أكبره، كأنه أراد لا يقوم إلا إلى الفريضة.

62 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: تسمعون ويسمعُ منكم، ويُسمع ممن يَسْمَع منكم. 63 - * روى البخاري عن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: "عَقَلْتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجةً مَجَّها في وجهي من دَلْوٍ من بئر كانت في دارنا، وأنا ابنُ خمس سنين". أقول: يفهم من هذا أن الطفل عنده قابلية للتلقي والحفظ فليبدأ بتعليمه منذ الصغر، ولذلك ترجم البخاري الحديث بقوله: (متى يصح سماع الصغير). 64 - * روى البخاري ومسلم عن سمرة بن جُندُب رضي الله عنه قال: "لقد كنتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وغلاماً، فكنتُ أحفظُ عنه، فما يمنعُني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسنُّ مني، وقد صليتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وسطها". أقول: في لحديث أدب ألا يتصدر الصغار للتعليم بحضرة كبار أهل العلم إلا إذا احتيج إليهم. قال البخاري في صحيحه: (قال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيِّعَ نفسه). قال ابن حجر: ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم. أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم. أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه. وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضاً للدنيا.

_ 62 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم -باب الحديث عن بني إسرائيل، وإسناده حسن. 63 - البخاري (1/ 172) 3 - كتاب العلم، 18 - باب متى يصح سماع الصغير، (11/ 241) 81 - كتاب الرقاق، 6 - باب العمل الذي يبتغي به وجه الله. (مجة) المجة: الدفعة من الماء ترميها من فيك. 64 - البخاري (3/ 201) 23 - كتاب الجنائز، 63 - باب أين يقوم من المرأة والرجل؟ مسلم (2/ 664) 11 - كتاب الجنائز، 27 - باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه.

الفصل السادس في: الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

الفصل السادس في: الترهيب من الدعوى في العلمِ والقرآنِ 65 - * روى الشيخان عن أُبِّي بن كعبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قامَ موسى صلى الله عليه وسلم خطيباً في بني إسرائيل فسُئِلَ أيُّ الناس أعلمْ؟ فقال أنا أعْلَمُ فعَتَبَ الله عليه إذْ لمْ يرُدَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين هو أعلمُ منك. قال يا ربِّ كيف به؟ فقيل له احمِلْ حُوتاً في مكتلٍ فإذا فقدتهُ فهو ثَمَّ. [فذكر الحديث في اجتماع بالخضر إلى أنْ قال]: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينةٌ، فمرتْ بهما سفينةٌ فكلمُوهمْ أن يحملوهما فعُرِفَ الخضرُ فحملُوهُما بغير نولٍ فجاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في هذ البحر". فذكر الحديث بطوله. وفي رواية (1): بينما موسى يمشي في ملإٍ من بني إسرائيل إذ جاءهُ رجلٌ، فقال له: هل تعلمُ أحداً أعلمُ منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى بل عبدنا الخضرُ، فسأل موسى السبيل إليه. 66 - * روى البزار عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يظهرُ الإسلامُ حتى تختلفَ التُّجَّارُ في البحر، وحتى تخُوضَ الخَيْلُ في سبيل الله، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن يقولون من أقرأُ منَّا؟ منْ أعلمُ منا؟ من أفقه منا؟ " ثم قال لأصحابه: "هلْ في أولئك من خيرٍ؟ " قالوا: اللهُ

_ 65 - البخاري (1/ 218) 3 - كتاب العلم، 44 - باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله. مسلم (4/ 1847) 43 - كتاب الفضائل -46 - باب من فضائل الخضر عليه السلام. (1) أحمد (5/ 116). (مكتل) القفة والزنبيل. 66 - كشف الأستار (1/ 99) كتاب العلم، باب - ما يخاف على العالم، ورجاله موثقون. مجمع الزوائد (1/ 86) كتاب العلم، باب - كراهية الدعوى، وقال الهيثمي عن حديث عمر: ورجال البزار موثقون، وعن حديث العباس فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

ورسوله أعلمُ. قال: "أولئك منكمُ من هذه الأمة وأولئك هم وقودُ النار". 67 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة بمكة من الليل فقال: "اللهم هل بلغتُ (ثلاث مرات) " فقام عمر بن الخطاب، وكان أواهاً، فقال: اللهم نعم، وحضت وجهدت ونصحت، فقال: "ليطهرن الإيمان حتى يُرد الكفر إلى مواطنه، ولتُخاضَّنَّ البحارُ بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرؤونه، ثم يقولون قد قرأنا وعلمنا، فمن ذا الذي هو خيرٌ منا، فهل في أولئك من خيرٍ؟ " قالوا يا رسول الله: من أولئك؟ قال: "أولئك منكمْ، وأولئك هم وقود النار".

_ 67 - مجمع الزوائد (1/ 186) وقال: رجاله ثقات إلا أن هند بن الحاث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا جرحها، وقال ابن حجر عنها مقبولة. [أي عند المتابعة]. قوله (منكم): أي من المسلمين والله أعلم. (الأواه): المتأوه المتضرع وقيل كثير البكاء وقيل الكثير الدعاء.

الفصل السابع في الترهيب من كتم العلم

الفصل السابع في الترهيب من كتم العلم 68 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ سُئل عن علمٍ فكتمهُ أُلْجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ". وفي رواية (1) لابن ماجه قال: "ما مِنْ رجلٍ يحفظُ علمنا فيكتمُهُ إلا أتى يوم القيامة ملجُوماً بلجامٍ من نارٍ". 69 - * روى ابن حبان عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كتم علماً ألْجَمَهُ الله يوم القيامةِ بلجامٍ من نارٍ". 70 - * روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سُئِلَ عن علمٍ فكتمهُ جاء يوْمَ القيامة مُلْجماً بلجامٍ منْ نارٍ". قال ابن الأثير (بلجام من نار) المُمْسِك عن الكلام ممثَّل بمن ألجم نفسه بلجام، والمعنى: أن الملجم نفسه عن قول الحق والإخبار عن العلم يُعاقب في الآخرة بلجام من نار، وذلك في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه، ويتعين عليه فَرْضه، كمن رأى كافراً يريد الإسلام،

_ 68 - أبو داود (3/ 321) باب كراهية منع العلم. الترمذي (5/ 29) باب ما جاء في كتمان العلم، وقال: حديث حسن. ابن ماجه (1/ 97) مقدمة- 24 باب من سئل عن علم فكتمه. ابن حبان "الإحسان" (1/ 54) كتاب العلم - باب ذكر إيجاب العقوبة في القيامة على الكاتم العلم الذي يحتاج إليه في أمور المسلمين. الحاكم (1/ 101) المستدرك - كتاب العلم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (1) ابن ماجه (1/ 96) 24 - باب من سئل عن علم فكتمه. 69 - ابن حبان "الإحسان" (1/ 154) كتاب العلم - باب ذكر خبر ثانٍ يصرح بصحة ما ذكرناه. الحاكم (1/! 02) المستدرك - كتاب العلم وقال صحيح، ووافقه الذهبي. 70 - الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 145). مجمع الزوائد (1/ 163) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي، والطبراني في الكبير، ورجال أبي يعلي رجال الصحيح.

فيقول: علَّموني ما الإسلام، وما الدين؟ وكمن يرى رجلاً حديث عهد بالإسلام، ولا يُحسن الصلاة وقد حضر وقتُها، يقول: علموني كيف أصلي؟ وكمن جاء مُستفتيا في حلال أو حرام يقول: أفتوني، أرشدوني، فإنه يلزم في مثل ذلك أن يُعَرَّف الجواب: فمن منعه استحق الوعيد، (أقول: وكذلك في كل ما يجب بيانه وتعين على إنسان بعينه) وليس الأمر كذلك في نوافل العلم التي لا يلزم تعليمها. قال سفيان الثوري: ذاك إذا كتم سنة، وقال: لو لم يأتني أصحاب الحديث لأتيتهم في بيوتهم ولو أني أعلم أحداً يطلب الحديث بنية لأتيته في منزله حتى أحدثه. ومنهم من يقول إنه علم الشهادة. 71 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنكم تقولون: إن أبا هريرة يُكثِرُ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: ما بالُ المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغَلُهم الصَّفْقُ بالأسواق، وكنتُ ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهدُ إذا غابوا، وأحفظُ إذا نسُوا، وكان يشغل إخواني من الأنصار عملُ أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصُّفَّة، أعي حين ينسوْنَ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يُحدِّثه: "أنه لن يَبْسُط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعي ما أقول"ن فبسطتُ نمرةً عليَّ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه تلك من شيءٍ. وفي رواية (1): قال أبو هريرة. وذكر نحوه، وفي آخره "ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه

_ 71 - البخاري (13/ 321) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 22 - باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة. مسلم (4/ 1939، 1940) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 35 - باب من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه. (1) مسلم (4/ 1940) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 35 - باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه. (أهل الصُّفة) الصُّفة: صُفة كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة يكون فيها متشردو المهاجرين وفقراؤهم، ومن لا منزل له منهم، وأهلها منسوبون إليها، وهم متفرغون للعلم والعبادة والجهاد ولم يكن عددهم ثابتاً. (نمرة) النمرة: كل مئزر مخطط من مآزر الأعراب، وجمعها نِمار.

ما حدثت شيئاً أبداً (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (1). وفي أخرى (2) نحوه، مع ذكر الآيتين. وفي آخره "فما نسيتُ شيئاً سمعتُه منه". 72 - * روى البخاري عن أبي هريرة قال: قلت لرسول الله: إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساهُ، قال: "ابسُطْ رداءك، فبسطتُه، فغرف بيده، ثم قال: ضُمَّه، فضممْته، فما نسيت شيئاً بعدُ". وفي أخرى (3) لهما قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، والله الموعدُ، وما كنتُ لأكذب على رسول الله صلى الله علي وسلم كي تهتدُوا وأضِلَّ، ولولا آيتان في كتاب الله عز وجل ما حدثتُ حديثاً، ثم يتلو: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ...) إلى قوله (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). 73 - * روى البخاري إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلُهم الصَّفقُ بالأسواق، والأناصر كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبَعِ بطنه، ويحضر مالا يحضُرون، ويحفظُ مالا يحفظون ... الحديث. 74 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل

_ (1) البقرة: 159، 160. (2) مسلم (4/ 1939) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 35 - باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه. 73 - البخاري (1/ 215) 3 - كتاب العلم -42 - باب حفظ العلم. (3) البخاري (1/ 213) 3 - كتاب العلم، 42 - باب حفظ العلم. البخاري (1/ 213) 3 - كتاب العلم، 42 - باب حفظ العلم. الترمذي (5/ 684) 50 - كتاب المناقب، 47 - باب مناقب لأبي هريرة رضي الله عنه. 74 - مجمع الزوائد (1/ 164) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، فيه ابن لهيعة وهو ضعيف. (الصفق) في البيع: صوت وقع وَقْع يد البائع على يد المشتري عند عقد التبايع. قوله: على ملء بطني أي: ألازمه وأقنع بقُوْتي ولا أجمع مالاً لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي. (أموالهم) أراد بالأموال هاهنا: البساتين التي كانت للأنصار.

الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه". يجب على العالم أن يُعَلَّمَ وأن يعمل فإذا قصر في التعليم والعمل كان مقصراً مرتين وإذا عمل أحدهما كان مقصراً مرة. فإذا كان تقصيره في فريضة متعينة عليه استحق بذلك العذاب إلا أن يعفو الله عز وجل أما العالم المنافق فيكفيه نفاقه يوبقه. 75 - * روى البخار يعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدها: فبثثته فيكم، وأما الآخر: فلو بثثته قُطع هذا البُلْعُوم". أقول: في الحديث إشارة إلى أن ما كل ما يُعلم يقال: فبعض العلم لا يجب الكلام فيه. 76 - * روى البخار يعن أبي ذرٍّ الغِفاري رضي الله عنه قال: "لو وضعتم الصَّمْصامَة على هذه - وأشار إلى قفاه - ثم ظننتُ أني أُنْفِذُ كلمةً سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عليَّ لأنفذْتُها". قال الحافظ في "الفتح": هذا التعليق رويناه موصولاً في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي، حدثني أبو كثير يعني مالك بن مرثد عن أبيه قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فآتاه رجل فوقف عليه ثم قال: ألم تُنه عن الفتيا، فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ ل وضعتم ... فذكر مثله، ورويناه في "الحلية" من هذا الوجه. أقول: هذا دليل على أن نشر العلم الشرعي مأذون به من الشارع ولا يحتاج إلى إذن من أحد.

_ 57 - البخاري (1/ 116) 3 - كتاب العلم، 42 - باب حفظ العلم. قال البخاري: البُلعوم: مجرى الطعام. (وعاءيْن) الوعاء: ما يجعل فيه الشيء يُحرز فيه، كأنه أراد به: عِلْمَين في وعاءين. 76 - البخاري (1/ 160) 3 - كتاب العلم، 10 - باب العلم قبل القول والعمل. (الصمصام والصمصامة): السيف.

الفصل الثامن في وجوب التعلم والتعلم

الفصل الثامن في وجوب التعلّم والتعلم 77 - * روى الطبراني عن علقمة بن سعيد بن عبد الرحمن بن أبْزَى عن أبيه عن جدهِ قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً، ثم قال: "ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهُون جيرانهُمْ، ولا يُعَلِّمُونهُم، ولا يعطونهُمْ، ولا يأمرونهم ولا ينهونهم، وما بال أقوامٍ لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون. والله ليُعَلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم، ويفقهونهم، ويعظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، وليتعلمن قومٌ من جيرانهِم، ويتفقهون، ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة"، ثم نزل فقال: "قومٌ من ترونهُ عني بهؤلاءِ؟ " قال: "الأشعريين هم قومٌ فقهاء، ولهم جيرانٌ جٌفاةٌ من أهل المياه والأعرابِ". فبلغ ذلك الأشعريين، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذكرت قوماً بخيرٍ، وذكرتنا بشرٌّ فما بالنا؟ فقال: "ليُعَلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم، وليعظنهم، وليأمرنَّهُم، ولينهونهم، وليتعلمن قومٌ من جيرانهم، ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا"، فقالوا: يا رسول الله أنُفَطِّنُ غيرنا فأعاد قوله عليهم فأعادوا قولهم، أنفط غيرنا. فقال ذلك أيضاً، فقالوا أمهلنا سنة فأملهم سنة ليفقهوهم، ويعلموهم، ويعظوهم"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (ٹ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (1) الآية. أقول: هذا الحديث نص في فرضية التعلم، والتفقه، وهو أصل أصيل في إلزامية التعليم الشرعي وعلى هذا فالمسلمون مكلفون أن ينظموا عملية إيصال العلوم الشرعية المطلوبة إلى

_ 77 - مجمع الزوائد (1/ 164) باب في تعليم من لا يعلم، قال الهيثمي: وفيه بكير بن معروف وثقه أحمد في رواية، وضعفه في أخرى، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن حجر: قال النسائي ليس به بأس، وقال في التقريب صدوق فيه لين. (1) المائدة: 78.

كل رجل وامرأة وأن يهيئوا كل ما يلزم لذلك، وفي الحديث دليل على أن شر العلم وجلسات الوعظ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير واجبةً على المسلمين. * * *

الفصل التاسع في الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

الفصل التاسع في الترهيب من أن يَعْلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله 78 - * روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهُمَّ إني أعوذُ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومنْ دعوةٍ لا يُستجابُ لها". 79 - *روى الشيخان عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاءُ بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار فتندلقُ أقتابُهُ فيدور بها كما يدور الحمار برحاهُ، فتجتمعُ أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه. قال وإني سمعته يقول: "يعني النبي صلى الله عليه وسلم- "مررتُ ليلة أُسري بي بأقوام تُقْرَضُ شفاههم بمقاريض من نارٍ، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطباء أمتك الذين يقولون مالا يفعلون". 80 - * روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزولُ قدما عبدٍ حتى يُسأل عن عمرهِ فيم أفناهُ، وعن علمِه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاهُ؟ ". 81 - * روى الترمذي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 78 - مسلم (4/ 2088) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل وشر ما لم يعمل. الترمذي (5/ 519) 45 - كتاب الدعوات، باب 69. النسائي (8/ 263/264) 50 - كتاب الاستعاذة 21 - باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق رواه عن أنس- وفي نفس الموضع في باب الاستعاذة من دعاء لا يسمع. عن أبي هريرة. 79 - البخاري (6/ 331) 59 - كتاب بدء الخلق -10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. مسلم (4/ 2290) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 7 - باب عقوبة من يأمر المعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله. 80 - الترمذي (4/ 612) 38 - كتاب صفة القيامة، 1 - باب في القيامة - قال: هذا حديث صحي. 81 - الترمذي (4/ 612) 38 - كتاب صفة القيامة -1 - باب في القيامة هذا حديث غريب لا نعرفه.

"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمسٍ: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وما عمل فيما علمَ؟ ". 82 - * روى الطبراني عن جُندب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يُعَلِّمُ الناس الخيرَ وينسى نفسه كمثل السراج يضيءُ للناس ويحرقُ نفسهُ". 83 - * روى أحمد عن عمرا نبن حُصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم بعدي كل منافقٍ عليم اللسانِ". ومما يستأنس به في هذا المقام. عن مالك بن دينار عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما مِنْ عبدٍ يخطبُ خطبةً إلا الله عز وجل سائلهُ عنها" أظنه قال: ما أرادبها. قال جعفر: كان مالكُ بن دينارٍ إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى ينقطع، ثم يقول: تحسبُونَ أن عيني تقرُّ بكلامي عليكمْ، وأنا أعلمُ أن الله عز وجل سائلي عنه يوم القيامة ما أردت به؟. رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي مرسلاً بإسناد جيد [ترغيب]. وعن لقمان يعني ابْنَ عامرٍ قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أنْ يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي يا عويمرُ فأقولُ لبيك ربِّ، فيقول ما عملت فيما علمت؟. رواه البيهقي (ترغيب، وعليه إشارة الحسن). * * *

_ 82 - الطبراني في الكبير (2/ 166)، ومجمع الزوائد (1/ 184) وإسناده حسن. 83 - أحمد (1/ 22)، مجمع الزوائد (1/ 187) وقال: رواه البزار وأحمد وأبو يعلي ورجاله موثقون. كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 97، 98) كتاب العلم - باب التحذير من علماء السوء. الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 37)، مجمع الزوائد (1/ 187) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح.

الفصل العاشر في الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة

الفصل العاشر في الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة 84 - * روى أبو داود عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". 85 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ ترك الكذب وهو باطلٌ بُني له في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محقٌّ بُني له في وسطها، ومن حسن خلقه بُني له في أعلاها". 86 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ضلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أوُتوا الجدل" ثم قرأ: (ما ضربوه لك إلا جدلا) (1). 87 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصمُ". أقول: إن المسلم مطالب بإقامة الحجة وهو ما دام في حدود إقامة الحجة من أجل

_ 84 - أبو داود (4/ 253) كتاب الأدب، 8 - باب حسن الخلق، وسنده قوي كما قال الأرنؤوط. ربضُ الجنة: ما حولها. 85 - الترمذي (4/ 358) 28 - كتاب البر والصلة، 58 - باب ما جاء في المراء، وقال: حديث حسن. 86 - الترمذي (5/ 378) 48 - كتاب تفسير القرآن، 45 - باب سورة الزخرف وقال: حسن صحيح. ابن ماجه (1/ 19) المقدمة، 7 - باب اجتناب البدع والجدل. (1) الزخرف: 58. 87 - البخاري (5/ 106) 46 - كتاب المظالم، 15 - باب قول الله تعالى [204 البقرة]: (وهو ألدُّ الخصام). مسلم (4/ 2054) 47 - كتاب العلم، 2 - باب في الألد الخصم. الترمذي (5/ 214) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب سورة البقرة. النسائي (8/ 247) 49 - كتاب آداب القضاة، 34 - باب الألد الخصم. (الألدُّ) بتشديد الدال المهملة: هو الشديد الخصومة [الخصم] بكسر الصاد المهملة: هو الذي يحجُّ من يخاصمه بالباطل.

الإسلام أو من أجل تأكيد حق أو دفع باطل أو شبهة أو بدعة فإنه مأجور، وقد تكون إقامة الحجة في حق بعض الناس فريضة عينية والمذموم هو ما تجاوز إقامة الحجة، فالله عز وجل نهانا أن نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قال تعالى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (1) فإذا كان هذا مطلوباً في مجادلة أهل الكتاب فمن باب أولى غيرهم، وكثيراً ما يغيب عن الجدال حسن النية، وأحياناً يرافقه غضب وحدة وشدة وإيذاء وتجاوز للحق إلى الباطل، وهذه كلها تنتفي إذا تأدب الإنسان بآداب الشرع فاكتفى بالقدر الذي يحتاجه إحقاق الحق وإبطال الباطل أما الجدال الدنيوي فمهما تساهل الإنسان في حقه الشخصي فيه فذلك من مكارم الأخلاق. 88 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: هجرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آيةٍ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ في وجهه الغضبُ، فقال: "إنما هلك منْ كان قبلكم باختلافهم في الكتاب". 89 - * روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون، قال الرمادي: يتماروْنَ، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربُوا كتاب الله بعضه ببعضٍ، وإنما نزل كتاب الله عز وجل يُصَدِّقُ بعضه بعضاً، فلا تُكذبوا بعضه ببعضٍ، فما علمتم منه فقولوه، وما جهلتم فكْلِوهُ إلى عالمه".

_ (1) العنكبوت: 46. 88 - مسلم (4/ 2053) 47 - كتاب العلم، 1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن. (_هجَّرْتُ) هجرت إليه: بكرْتُ وقصدتُ، ويجوز أن يكون من الهاجرة، أي: قصدته وقت الهاجرة، وهو شدة الحر. 89 - أحمد (2/ 195، 196). ابن ماجه (1/ 33) المقدمة، 10 - باب في القدر. البغوي في شرح السنة (1/ 360) وحسن إسناده المحقق. وقال في مجمع الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات. قوله: (يتدارؤون) يريد: يختلفون، ومنه قوله سبحانه وتعالى: (فادَّارأتُمْ فيها) [البقرة: 72] أي: تدارأتم وتدافعتم واختلفتم.

90 - * روى أحمد عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المِرَاءُ في القرآن كُفْرٌ". واختلفوا في تأويله، ف قيل: معنى المراء: الشك، كقوله سبحانه وتعالى: (فلا تكن في مرية) (1) أي: في شكٍّ، وقيل: المراء: هو الجدال المشكك، وذلك أنه إذا جادل فيه، أدّاه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه، فيؤديه ذلك إلى الجحود، فسماه كفراً باسم ما يُخشى من عاقبته إلا من عصمه الله. وتأوَّله بعضهم على المراء في قراءته، وهو أن يُنكرَ بعض القراءات المروية، وقد أنزل الله القرآن على سبعة أحرُفٍ، فتوَّعدهم بالكفر لينتهوا عن المراء فيها، والتكذيب بها، إذ كلُّها قرآنٌ منزلٌ يجب الإيمان به. وكان أبو العالية الرِّياحي إذا قرأ عنده إنسانٌ لم يقل: ليس هو كذا، ولكن يقول: أما أنا فأقرأ هكذا قال: شُعيب بن أبي الحبحاب: فذكرتُ ذلك لإبراهيم، فقال: أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرفٍ، فقد كفر بكُلِّه. شرح السنة (1/ 261 - 263).

_ 90 - أحمد (2/ 286). (1) هود: 17. أبو داود (4/ 199) كتاب السنة، 5 - باب النهي عن الجدال في القرآن. الحاكم (2/ 223) وصححه، ووافقه الذهبي.

الفصل الحادي عشر في بعض آداب التعليم والتعلم

الفصل الحادي عشر في بعض آداب التعليم والتعلم 1 - التَّخَوُّلُ بالموعظةِ: 91 - * روى الشيخان عن شقيق بن سلمة قال: كان عبدُ الله بن مسعود يُذكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن، لوددْتُ أنك ذكرتَنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكْرَه أن أُمِلَّكم، وإني أتَخُوَّلُكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّلُنَا بها مخافة السآمةِ علينا". واختصره الترمذي (1) والبخاري أيضاً قال: قال عبد الله. "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا". وفي رواية (2) قال: "كنا نَنْتَظِرُ خُروج عبد الله، إذ جاءنا يزيدُ بن معاوية الكوفي النخعي، فقلنا: ألا تجلسُ؟ فقال: لا، ولكن أنا أدخُل، فأُخرجُ لكم صاحبكم، وإلا جئتُ فجلستُ، فدخل فخرج به وأخذ بيده، فقام عبد الله علينا، فقال: أما إني أخبرُ بمكانكم، ولكنه يمنعني من الخروج إليكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّلُنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا". أقول: هناك موعظة وهناك تعليم فمجالس الوعظ يلاحظ فيها حال الناس وإقبالهم وفراغهم واستعدادهم أما إعطاء العلم لأهله والراغبين فيه فهذا كان دائماً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء الربانيين.

_ 91 - البخاري (1/ 162) 3 - كتاب العلم، 12 - باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة. مسلم (4/ 2172) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 19 - باب الاقتصار في الموعظة. (1) الترمذي (5/ 142) 44 كتاب الأدب، 72 - باب ما جاء في الفصاحة والبيان. (2) أحمد (1/ 377، 425). قال ابن الأثير: (أتَخَولكم) التَّخَوُّل: التعهد للشيء وحفظه، قال الهروي: وقال أبو عمرو: الصواب "يتحوّلنا" بالحاء غير المعجمة، أي: يطلب أحوالنا التي نَنْشَط للموعظة فيها، فيعظنا، قال الجوهري، وكان الأصمعي يقول: "يتخوَّلُنا" بالنون، أي: يتعهد. ا. هـ (لكن لفظ الحديث في الصحيح يتخولنا). (السآمة): الضجر والملل.

2 - في أدب السؤال والاختبار

روى البخاري عن عكرمةُ أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدِّثِ الناس مرةً في الجمعة، فإن أبَيْتَ فمرتين، فإن أكثرت فثلاثاً، ولا تُملَّ الناس هذا القرآن، ولا ألفيناك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقُصَّ عليهم، فتقْطَع عليهم حديثهم، فتُمِلَّهم، ولكن أنصبت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وانظر السجعَ من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك. قال ابن مسعود: حدِّث القوم ما حدَجُوك بأبصارهم وأقبلت عليك قلوبهم فإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم، قيل وما علامة ذلك؟ قال: إذا التفت بعضهم إلى بعض ورأيتهم يتثاءبون فلا تحدثهم. وقوله حدجُوك: أي رموك بأبصارهم، يشتهون حديثك. شرح السنة 1/ 313. 2 - في أدب السؤال والاختبار: 92 - * روى البخاري عن ابن عمر كنا عند الني صلى الله عليه وسلم فقال "أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحاتُّ ورقُا ولا ولا ولا ولله تؤتي أكلها كلَّ حينٍ" فوقع في نفسي أنها النخلةُ، ورأيتُ أبا بكرٍ وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئاً قال صلى الله عليه وسلم: "هي النخلةُ". فلما قمنا، قلتُ لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلةُ فقال ما منعك أن تتكلم؟ قال: لم أركم تكَلَّمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً فقال عمر لئن كنت قُلتها أحبُّ إليَّ من كذا وكذا. ومن روايته (1) فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة. - ومنها (2): بينا نحن عنده صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بجُمَّار نخلة فقال: "إن من

_ = البخاري (11/ 138) 80 - كتاب الدعوات، 20 - باب ما يكره من السجع في الدعاء. "لا ألفينك" ألفيت فلاناً: إذا وجدته، ولا ألفينَّك، أي: لا ألقاك، ولا أجدك على الحالة التي أشار إليها. 92 - البخاري (8/ 377) 65 - كتاب التفسير، - باب (كشجرة طيبة أًلها ثابت وفرعها في السماء). (1) البخاري (1/ 145) 3 - كتاب العلم، 3 - باب من رفع صوته بالعلم. (2) البخاري (9/ 569) 70 - كتاب الأطعمة، 42 - باب أكل الجمار. (جُمَّار النخلة): قلب النخلة وشحمتها.

الشجر شجرةً لها بركةٌ كبركة المسلمِ"، فظننت أنه يعني النخلة فأردتُ أن أقول هي الخلةُ، فنظرت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثُهم. فسكتُ فقال: "فقال: "هي النخلةُ". في دليل على أنه يجوز للعالم أن يطرح على أصحابه ما يختبرُ به علمهم. أما ما رُوي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلُوطاتِ فقال الأوزاعي: هي شرار المسائل، فمعناه: أن يقابل العالِمُ بصعاب المسائل التي يكثُرُ فيها الغلطُ، ليُسْتَزَلَّ ويُستسْقط فيها رأيُه. وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أنذرتكم صِعابَ المنطق. يريد المسائل الدقاق والغوامض. وإنما نهي عنها، لأنها غير نافعة في الدين، ولا يكاد يكون إلا فيما لا يقع أبداً. ويُكره للرجل أن يتكلف بسؤال ما لا حاجة به إليه، فإن دعتِ الحاجة إليه، فلا بأس، كما روي أن عمر أراد إظهار فضل عبد الله بن عباس على القوم، فسألهم عن قول الله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) قال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفُتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، ولم يقل بعضهم شيئاً، فقال لابن عباس ما تقول؟ قال: قلت: أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمَهُ الله تعالى له، قال عمر، ما أعلمُ منها إلا ما تعلم. وروى أن رجلاً سأل أُبيَّ بن كعب عن مسألةٍ فيها غموضٌ، فقال: هل كان هذا؟ قال: لا، قال: فأمهلني إلى أن يكون. شرح السنة 1/ 308. 93 - * روى الشيخان عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنهما أنَّ

_ = مسلم (4/ 2164، 2165) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 15 - باب مثل المؤمن مثل النخلة. الترمذي (5/ 151) 44 - كتاب الأمثال، 4 - باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ. 93 - البخاري (13/ 264) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال. مسلم (4/ 1831) 43 - كتاب الفضائل، 37 - باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه. أبو داود (4/ 201، 202) كتاب السنة، 7 - باب لزوم السنة.

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظمُ المسلمينَ في المسلمينَ جُرماً من سأل عن شيءٍ لم يكنُ حُرِّمَ، فحُرِّمَ من أجل مسألته". قال البغوي: المسألة وجهان. أحدهما: ما كان على وجه التبيُّنِ والتعلم فيما يُحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز مأمور به، قال الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل: 43] وقال الله تعالى: (فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) [يونس: 94] وقد سألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسائل، فأنزل الله سبحانه وتعالى بيانها في كتابه، كما قال الله عز وجل: (ے ےيسألونك عن الأهلة) [البقرة: 189] (ويسألونك عن المحيض) [البقرة: 222] (يسألونك عن الأنفال) [الأنفال: 1]. والوجه الآخر: ما كان على وجه التكلُّفِ، فهو منكروه، فسكوت صاحب الشرع عن الجواب في مثل هذا زجرٌ وردع للسائل، فإذا وقع الجوابُ، كان عقوبة وتغليظاً. والمراد من الحديث هذا النوعُ من السؤال، وقد شدد بنو إسرائيل على أنفسهم بالسؤال عن وصفِ البقرة مع وقوع الغُنيةِ عنه بالبيان المتقدم، فشدد الله عليهم. قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عُبيد بن عمير، قال: إن الله أحل حلالاً، وحرم حراماً، فما أحل، فهو حلال، وما حرم، فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفوٌ. قال سفيان: يريد قوله سبحانه وتعالى: (لا تسألوا عن أشياء) [المائدة: 101]. وروى عن ابن عمر أنه سُئل عن شيء، فقال: لا أدري، ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جُسوراً لكم في نار جهنم أن تقولوا: أفتانا ابنُ عمر بهذا. شرح السنة 1/ 310. أقول: كان هذا في زمن النبوة أما الآن فلم يعد هناك تشريع مستقل إلا أننا نأخذ من الحديث أدباً: أن الإنسان في حياته العملية لا يكثر من سؤال من تلزم طاعته ولا يثير من المسائل أمام الأمراء ما يترتب عليه مشقة لنفسه أو للناس.

_ = (الجرم): الذنب.

94 - * روى الحاكم عن شعبة عن زياد بن عِلاقةَ سَمع أسامة بن شيكٍ قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه عنده كأن على رؤوسهم الطير، فسلمتُ وقعدتُ فجاء أعراب يسألونه حتى قالوا: أنتداوى؟ قال: "تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواءً". فسألوه عن أشياء. فقال: "عباد الله، وضع الله الحرج إلا امرؤٌ افترض أمراً ظلماً فلك حرجٌ وهُلْكٌ" قالوا ما خيرُ ما أُعطي الناسُ؟ قال: "خُلُقٌ حسنٌ". 95 - * روى الشيخان أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كتب إلى معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان ينهى عن قِيلَ وقال، وإضاعة المال. وكثرة السُّؤال". أقول: كثرة السؤال فيما لا يعني هي المنهي عنها أما فيما يعني فهي مطلوبة. وكذلك يه مطلوبة من طالب العلم، فطالب العلم لا يصل إلى حقيقة العلم إلا بلسان سؤول وقلب عقول. 96 - * روى الطبراني عن أبي فراس رجل من أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم "سلوني عما شئتُم". فقال رجل يا رسول الله: من أبي؟ قال: "أبوك فلان الذي تُدعى إليه". وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: "في الجنة". وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: "في النار". فقال عمر: رضينا بالله ربا. أٌول: من مجموع الروايات لهذا الحديث ومن قول عمر ي حديث آخر: رضينا بالله رباً نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلوني عما شئتم في حالة غضب" فكان

_ 94 - المستدرك (4/ 399) كتاب الطب. صحيح رواه عشرة من أئمة المسلمين عن زياد. اقترض: أي نال منه بالغيبة، وهو افتعل من القرض. 95 - البخاري (5/ 68) 43 - كتاب الاستقراض، 19 - باب ما ينهى عن إضاعة المال، وقول الله تعالى (والله لا يحب الفساد). مسلم (3/ 1341) 30 - كتاب الأقضية، 5 - باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منع وهات. 96 - مجمع الزوائد (1/ 161) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

إنكاراً على السائلين، يفهم من ذلك أن السائل عليه أن يتخير لسؤاله من الأحوال ما هو مناسب. 97 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون: هذا الله خالقُ كل شيء، فمن خلق الله؟ " وفي رواية (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إن أُمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خالقُ الخلق؛ فمن خلق الله عز وجل؟ ". وفي رواية عن أبي هريرة (2) رفعه: "لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله"، قال أبو هريرة وهو آخذ بيد رجل صدق الله ورسوله سألني اثنان وهذا ثالث. وفي رواية (3) يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ. 98 - * ولأبي داود نحوه وقال "فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً وليستعذ من الشيطان". وفي أخرى (4): "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلقُ الله فمن خلقَ الله فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله ورسله".

_ 97 - البخاري (13/ 265) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه. مسلم (1/ 120) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (1) مسلم (1/ 121) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (2) مسلم (1/ 121) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (3) مسلم (1/ 120) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. 98 - أبو داود (4/ 221) كتاب السنة، 19 - باب في الجهمية. (4) مسلم (1/ 119) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان.

قال العلماء: هذا إذا لم تغلب الشبهة على قلبه وتفلسف له وإلا وجب عليه سؤال أهل العلم لكشف تلك الشبهة وإزالتها ووجب على العالم الإجابة لأنه علم واجب. (وهبي). 99 - * روى الدارمي عن سليمان بن يسار إن رجلاً قدم المدينة فجعل يسألُ عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمرُ وقد أعدَّ له عُرجوناً، فقال من أنت! قال أنا عبدُ الله صَبيغ فأخذ عمر العرجون وقال أنا عبد الله عمر، فجعل يضربُه حتى دميَ رأسهُ فقال يا أمير المؤمنين حسبُك قد ذهب الذي كنت أجدُ في رأسي. قال الشوكاني في فصل المحكم والمتشابه من القرآن: اعلم أنه لا اختلاف في وقوع النوعين فيه لقوله سبحانه - منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات - واختلف في تعريفهما فقيل المحكم ما له دلالة واضحة والمتشابه ماله دلالة غير واضحة فيدخل في المتشابه المجمل والمشترك، وقيل في المحكم هو متضح المعنى وفي المتشابه هو غير المتضح المعنى وهو كالأول ويندرج في المتشابه ما تقدم. والفرق بينهما أنه جعل في التعريف الأول الاتضاح وعدمه للدلالة، وفي الثاني لنفس المعنى. وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، وقيل المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً والمتشابه ما احتمل أوجها، وقيل المحكم الفرائض والوعد والعيد والمتشابه القصص والأمثال، وقيل المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ، وقيل المحكم هو معقول المعنى والمتشابه هو غير معقول المعنى، وقيل غير ذلك. اهـ إرشاد الفحول. وقال بعضهم: المحكم: ما حمل على معناه الراجح بحسب وضعه في اللغة. والمتشابه: ما حمل على معناه المرجوح، لقيام الدليل العقلي على استحالة المراد بظاهره الراجح، حتى احتاج إلى تأويل. انظر متشابه القرآن لزرزور ص 15 فما بعدها. واختلافهم في تعريف المتشابه يعود إلى اختلافهم في الآيات المتشابهة وما يدخل فيه وما لا يدخل. قال البغوي:

_ 99 - الدارمي (1/ 54) باب كراهية الفتيا.

وقيل: المحكم: هو الذي يُعرف بظاهره معناه (1). وأما المتشابه، ففيه أقاويل، أحدها ما قال الخطابيُّ وجماعةٌ: ما اشتبه منه، فلم يُتَلقَّ معناه من لفظه، وذلك عن ضربين. أحدهما: إذا رُدّ إلى المحكم عُرف معناه، والآخر: مالا سبيل إلى معرفة كُنهه، والوقوف على حقيقته، ولا يعلمه إلا الله، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ يبتغون تأويله، كالإيمان بالقدر والمشيئة، وعلم الصفات ونحوها مما لا نُتَعبَّدْ به، ولم يُكشف لنا عن سره، فالمتبع لها مُبتَغٍ للفتنة، لأنه لا ينتهي منه إلى حدٍّ تسكن إليه نفسه، والفتنة: الغلوُّ في التأويل المظلم. شرح السنة 1/ 222. 100 - * "روى الشيخان عن أبي هريرة رفعه: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرةُ سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم". روى الحاكم عن الأعمش عن شقيقٍ عن عبد الله قال: لقد سألني رجلٌ عن شيء ما أدري ما أقول؟ قال: أرأيت رجلاً مؤدباً نشيطاً حريصاً على الجهاد يقولُ يعزِمُ علينا أمراؤنا أشياء لا نُحصيها فقلتُ والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعله لا يأمرنا بشيءٍ إلا فعلناه وما أشبهُ ما غَبرَ من الدنيا إلا كالثَّغْب شُربَ صفْوُه وبقي كدرُهُ وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا حاك في نفسه شيء أتى رجلاً فسأله فشفاه، وايمُ الله ليشوكن أن لا يجدوه. روى الدارمي عن ابن مسعود وقد سُئل عن شيءٍ فقال ابن مسعود للسائل: "ما سألتمونا عن شيءٍ من كتاب الله أو سُنةِ نبيه أخبرناكم ولا طاقة لنا بما أحدثتم".

_ 100 - البخاري (13/ 251) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. مسلم (2/ 975) 15 - كتاب الحج، 73 - باب فرض الحج مرة في العمر. الترمذي (5/ 47) 42 - كتاب العلم، 17 - باب في الانتهاء عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحاكم (1/ 122) كتاب العلم، وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (الثَّغب): مسيل الماء في الوادي. الدارمي (1/ 46) 16 - باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.

3 - في حسن التلقي والإلقاء والمدارسة

3 - في حسن التلقي والإلقاء والمدارسة: 101 - * روى البخار يعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبُّون أن يُكذبَ الله ورسوله؟ " 102 - * روى لبخاري عن عبد الله بن أبي مُليكة "أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تسمع شيئاً لا تفهمه إلا راجعتْ فيه حتى تفهمه". 103 - * روى الطبراني عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً لكي يُفهم عنه. 104 - * روى أحمد عن أبي أُمامة قال: قال فتى من قيش: يا رسول الله ائذنْ لي في الزنى فأقبل القوم عليه وزجروه فقال: "ادْنُه" فدنا. فقال: "أتحبه لأمِّك؟ " قال لا والله، جعلني الله فداك. قال: "ولا الناسُ يحبونه لأمهاتهم". ثم قال له مثل ذلك في ابنته وأخته وعمته وخالته في كل ذلك يقول: "أتحبُه لكذا؟ " فيقول لا والله، جعلني الله فداك. فيقول صلى الله عليه وسلم "ولا الناسُ يحبونه، فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهِّرْ قلبه وحصِّنْ فرجه"، فلم يكن بعد ذلك يلتفتُ إلى شيء. 105 - * روى الطبراني في الوسط عن ابن عمر قال: لقد عشت برهة من دهري وإن أحدنا يُؤتي الإيمان قبل القرآن وتنزل السورةُ على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلمُ حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأُ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجرهُ وما ينبغي أن يقف عنده وينثره نَثْرَ الدَّقَلِ.

_ 101 - البخاري (1/ 235) 3 - كتاب العلم، 49 - باب من خص بالعلم قوماً دون قوم. 102 - البخاري (1/ 196) 3 - كتاب العلم، 36 - باب من سمع شيئاً فراجعه حتى يعرفه. 103 - مجمع الزوائد (1/ 129) باب في أدب العالم، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 104 - أحمد (5/ 257). مجمع الزوائد (1/ 129) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 105 - مجمع الزوائد (1/! 65) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (الدقل) بفتحتين: رديء التمر. (كنثر الدقل): أي كما يتساقط الرطب اليابس من العِذْقِ إذا هُزَّ.

4 - في مجال العلم والعلماء وأدبهما

106 - * روى الطبراني عن فضالة بن عبيد كان إذا أتاه أصحابه قال: تدارسوا وانشروا وزيدوا زادكم الله خيراً وأحبّكم وأحبَّ منْ يحبُّكم، رُدوا علينا المسائل فن أجر آخرها كأجر أولها واخلطوا حديثكم بالاستغفار. 107 - * روى الطبراني عن أبي نضرة (1) كان أبو سعيد يقول: تحدثوا فإن الحديث يُذكر بعضه بعضاً. 108 - * روى الحاكم عن علي: "تذاكروا الحديث فإنكم إن لا تفعلوا يندَرِس". 109 - * روى الحاكم عن عبد الله: "تذاكروا الحديث فإن ذكر الحديث حياته". 110 - * روى الدارمي عن كثير بن مُرة قال: "لا تحدث الباطل للحكماء فيمقتُوك ولا تحدث الحكمة للسفهاء فيكذبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعْه في غير أهله فتجهل، إن عليك في علمك حقاً كما أن عليك في مالك حقاً". 4 - في مجال العلم والعلماء وأدبهما: 111 - * روى الحاكم عن أبي سعيد قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جلسوا كان حديثهم يعني الفقه إلا أنْ يقرأ رجل سورة أو يأمر رجلاً بقراءة سورةٍ. 112 - * روى الحاكم عن يزيد بن عميرة أن معاذ بن جبلٍ لما حضرته الوفاةُ قالوا يا أبا عبد الرحمن أوصنا، قال: أجلسوني ثم قال إن العلم والإيمان مكانهما من التمسهما وجدهما قال: ذلك ثلاث مرات فالتمسوا العلم عند أربعةِ رهط: عند عويمر، أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند ابن مسعود وعند عبد الله بن سلام فإني سمعتُ رسول الله صلى

_ 106 - الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 299). مجمع الزوائد (1/ 161) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 107 - مجمع الزوائد (1/ 161) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 108 - الحاكم (1/ 95) كتاب العلم وصححه ووافقه الذهبي. 109 - الحاكم (1/ 95) كتاب العلم وصححه ووافقه الذهبي. 110 - الدارمي (1/ 105) 33 - باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله. 111 - الحاكم (1/ 94) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. 112 - الحاكم (1/ 98) وقال صحيح على شرط الشيخين.

5 - من الأدب عدم التكلف

الله عليه وآله وسلم يقول: "إنه عاشرُ عشرةٍ في الجنة". أقول: في الأثر للبحث عمن هم مظنة الإيمان والعلم ليأخذ المسلم علمه منهم. 113 - * روى الحاكم عن بريدة قال: كنا إذا قعدنا عد رسول الله صلى الله عليه سلم لم نرفعْ رؤوسنا إليه إعظاماً له. 114 - * روى الحاكم عن عبد الرحمن بن قُرط قال: دخلتُ المسجد فإذا حلقة كأنما قطعتْ رؤوسُهم وإذا رجل يحدثهم فإذا هو حذيفة قال: كان الناسُ يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخيرِ وكنتُ أسألهُ عن الشر ... الحديث. أردنا منه أوله. 115 - * عن الحاكم أيضاً عن سلمان أنه كان في عصابةٍ يذكرون الله فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء نحوهم قاصداً حتى دنا منهم، فكفوا عن الحديث إعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ما كنتم تقولون؟ فإني رأيتُ الرحمة تنزلُ عليكم فأحببتُ أن أشارككم فيها". 116 - * روى الحاكم عن جابر: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، قال أولي الفقه والخير". وورد أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وأولي الأمر منكم، يعني أهل الفقه والدين أوجب الله طاعتهم. 5 - من الأدب عدم التكلف: 117 - * روى البخاري عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنت عند عُمر،

_ 113 - أخرجه الحاكم وقال على شرطهما ووافقه الذهبي. 114 - الحاكم (1/ 113) و (121). 115 - الحاكم (1/ 122) وقال صحيح على شرط الشيخين. 116 - أخرجه الحاكم وصححه وقال: له شاهد، ووافقه الذهبي. 117 - البخاري (13/ 265) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال، وم تكلف مالا يعنيه.

6 - في الاقتداء

فسمعته يقول: نُهينا عن التكلُّفِ". ويدخل في ذلك عدم التقعر في الكلام، وعدم التكلف للوعظ ولا يعني ذلك عدم التحضير. 6 - في الاقتداء: 118 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: لا يُقلدنَّ أحدكم دينه رجلاً فإن آمن آمن وإن كفر كفر وإن كنتم لابد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحيَّ لا يؤمنُ عليه الفتنةُ, 7 - من آداب أهل العلم، التواضع والخوف من الله: 119 - * روى الدارمي عن عاصم بن ضمرة أنه رأى أناساً يتبعون سعيد بن جبير قال: فأراه قال نهاهم، وقال: إن صُنْعَكُم هذا أو مشيكُم هذا مذلةٌ للتابع، وفتنةٌ للمتبوع. 120 - * روى الدارمي عن بسطام بن مسلم قال: كان محمد بن سيرين إذا مشى معه الرجل قام فقال: ألك حاجةٌ؟ فإن كنت له حاجة قضاها، وإن عاد يمشي معه قام فقال ألك حاجةً؟ 121 - * روى الدارمي عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن تُوطأ أعقابُهم. 122 - * روى الدارمي عن الحسن: أن ابن مسعودٍ كان يمشي والناس يطؤون عقبهُ فقال: لا تطؤوا عقبي فوالله لو تعلمون ما أغلقُ عليه بابي ما تبعني رجلٌ منكم.

_ = (التكلفُ) تكلفتُ الأمر: إذا ألزمت نفسك به على مشقةٍ ولم يلزمك" والمراد به هاهنا: كثرة السؤال والبحث عن الأشياء الغامضة التي لا يجب البحث عنها، والأخذ بظاهر الشريعة، وقبول ما أتت به، والإذعان لما صدر عنها. 118 - الطبراني في الكبير (9/ 166) ورجاله رجال الصحيح. ومجمع الزوائد (1/ 180) كتاب العلم وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 119 - الدارمي (1/ 133) باب- من كره الشهرة والمعرفة. 120 - الدارمي (1/ 133) باب- من كره الشهرة والمعرفة. (قام): وقف. 121 - الدارمي (1/ 133) باب- من كره الشهرة والمعرفة. (موطأ الأعقاب): هو من كان كثير الأتباع. 122 - الدارمي (1/ 134) باب- من كره الشهرة والمعرفة.

8 - في العلم بالسنن وآداب الرواية

123 - * روى الدارمي عن صالح قال سمعت الشعبي قال: وددْتُ أني نجوتُ من علمي كفافاً لا لي ولا علي (1). 124 - * روى الدارمي عن علي قال إن الفقيه حق الفقيه من لم يُقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من عذاب الله ولا يُرخص لهم في معاصي الله أنه لا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علمٍ لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. 8 - في العلم بالسنن وآداب الرواية: 125 - * روى الطبراني عن حُميدٍ قال كنا مع أنس بن مالك فقال: والله ما كل ما نحدِّثُكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه ولكن لم يكن يُكذب بعضنا بعضاً. 126 - * أخرج الحاكم عن البراء قال ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت لنا ضيعة وأشغال ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ فيحدِّث الشاهد الغائب. أقول: هذا أصل في أن الصحابة عدول لا تضر جهالتهم. 127 - * روى أحمد عن البراء قال ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا أصحابُه عنه كانت تشغلنا عنه رِعْيةُ الإبل. 128 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال لا يزالُ الناسُ صالحين متماسكين ما أتاهم

_ 123 - الدارمي (1/ 134) باب - من كره الشهرة والمعرفة. (الكفاف): هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة. 124 - الدارمي (1/ 89) باب - من قال العلم الخشية وتقوى الله. وفيه ليث بن أبي سليم صدوق اختلط فترك، وحسن إسناده بعضهم. 125 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 246) ورجاله رجال الصحيح. 126 - الحاكم (1/ 127) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 127 - أحمد (4/ 283) ومجمع الزوائد (1/ 154) وقال رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. الرعيةُ: الماشية الراعية والماشية المرعية. والرعية: الحالة التي يكون عليها الرعي من الرعاية. 128 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 120).

العلمُ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا. أقول: هذا أصل في الحرص على الرواية عن الأكابر لأنهم يعرفون كيف يضعون الأمور في مواضعها والنصوص في محالها ويعرفون الدقائق والحقائق والأسباب المؤثرة في الفتوى. 129 - * روى أحمد عن أبي حُميد وأبي أُسيد رفعاه: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفُه قلوبُكم وتلينُ له أشعاركم وأبشارُكم وترون أنه منكم قريبٌ فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفرُ أشعارُكم وأبشارُكم منه وترون أنه منكم بعيدٌ فأنا أبعدكم منه". أقول: هذا الحديث أصل في التفتيش عن علل الحديث الذي أصبح علماً برأسه، ولكن هذا لا يستطيعه إلا الأئمة الذين أحاطوا بالسنة رواية ودراية، أو الأئمة المجتهدون الذين أحاطوا بالشريعة رواية ودراية، ولا يصح أن يدَّعي هذا المقام أحد إذا لم يكن من مثل ما ذكرناه، فإنه إن فعل فذلك باب من أبواب الضلال العريض، فقد قالوا إن منكرَ الحديث الصحيح فاسق ومنكِرَ المتواتر كافر، فلا يؤمن على أحد يتكلم بدون علم إثباتاً أو نفياً لصحة حديث أو لقبول حديث موضوع أن يدخل في دائرة الفسوق أو الضلال أو الكفر. 130 - * روى مسلم عن مجاهد رحمه الله قال: جاء بُشير العدويُّ إلى ابن عباس رضي الله عنه، فجعل يُحدِّث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] وجعل ابنُ عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال بُشيرٌ: يا ابن عباس مالي لا أراك تسمعُ لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرةً إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرتْهُ أبصارُنا، وأصْغَيْنَا إليه بأسماعنا، فلما ركب الناس الصعبَةَ والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرفُ".

_ = مجمع الزوائد (1/! 35) باب- أخذ كل علم من أهله، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. 129 - أحمد (3/ 497). كشف الستار (1/ 105) باب- معرفة أهل الحديث بالصحة والضعف. مجمع الزوائد (1/! 49) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. 130 - مسلم (1/! 3) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. (لا يأذن لحديثه): لا يصغي. (الصعبة والذلول) أراد بالصعبة والذلول: شدائد الأمور وسهولتها.

وفي رواية (1) "فأما إذْ ركبتم كل صعبةٍ وذلولٍ، فهيهات". 131 - * روى مسلم عن عبد الله بن أبي مُليكة قال: "كتبتُ إلى ابن عباسٍ، أسأله أن يكتُب لي كتاباً، ولا يُخفي عليَّ، فقال: ولدٌ ناصحٌ، أنا أختارُ له الأمور اختياراً، وأخفي عنه؟ قال: فدعا بقضاء علي بن أبي طالب، فجعل يكتب منه أشياء، [ويمرُّ به الشيء، فيقول: والله ما قضى بهذا عليٌّ، إلا أن يكون ضلَّ] ". وفي أخرى (2) قال: "أتيتُ ابن عباسٍ أسأله أن يكتب لي كتاباً، ولا يخفي عليَّ، فأتى ابن عباس بكتابٍ، يزعُم الذي معه: أنه من قضاء عليٍّ، فأكذب ابن عباس الذي هو معه، ومحاهُ إلا قدر - وأشار سفيان بذراعه". زاد في رواية وقال: ما قضى بهذا عليٌّ قطُّ. أقول: هذا الأثر والذي قبله أصلان في التحقيق والتدقيق والتثبت الذي ينبغي أن يكون عليه أهل العلم. 132 - * روى ابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت لزيد بن أرقم حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَبُرْنا ونسينا" والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد. 133 - * روى ابن ماجه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه فما سمعته يقول لشيء قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكس فنظرت إليه وهو قائم محللة أزرار قميصه قد أغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، قال أوْ دون ذلك أو فوق ذلك أو قريباً من ذلك أو شبيهاً بذلك.

_ (1) مسلم (1/ 13) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. 131 - مسلم (1/ 13) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. (2) مسلم (1/ 14) المقدمة 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. 132 - ابن ماجه (1/ 11) المقدمة، 3 - باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 133 - ابن ماجه (1/ 10) المقدمة، 3 - باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الزوائد إسناده صحيح احتج بجميع رواته، ورواه الحاكم من طريق ابن عمرو.

134 - * روى الطبراني عن أبي إدريس الخولاني قال رأيتُ أبا الدرداء إذا فرغ من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا أو نحوه أو شكله. أقول: هذه أصول في الاحتراس إذا حدث الإنسان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 135 - * روى أحمد عن عليّ إذا حدثتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهياه وأهداه وأتقاه. 136 - * روى الدارمي عن قرظة بن كعبٍ قال بعثنا عمر إلى الكوفة وشيعنا فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار. فقال أتدرون لم مشيتُ معكم؟ قلنا: لحقّ صُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار، قال لكني مشيتُ معكم لحديث أردتُ أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم: إنكم تقدمُون على قومٍ للقرآن في صدورهم هزيزٌ كهزيز المرجَلِ فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم وقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأقِلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا شيككم. رواه الحاكم ووافقه الذهبي وهذا لفظه: عن قرظة بن كعب قال خرجنا نُريد العراق فمشى معنا عمر إلى صرار فتوضأ ثم قال أتدرون لم مشيت معكم قالوا: نعم نحن أًحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشيت معنا. قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دَوِيّ بالقرآن كدويِّ النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القرآن وأقِلوّا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة قالوا حدثنا قال: نهانا ابن الخطاب. إلا أن الحاكم قال: (فلا تبدؤهم بالأحاديث فيشغلونكم) والتصحيح من تذكرة الحفاظ فلا تصدوهم. أقول: هذا أصل في أن العالم ينبغي أن يكون حكيماً (1)، فإذا وجد الناس يشتغلون بالهم

_ 134 - مجمع الزوائد (1/ 141) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 135 - أحمد (1/ 126). الدارمي (1/ 146) 49 - باب تأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابن ماجه (1/ 9) المقدمة. أهياه: من الهيئة: صورة الشيء وشكله وحالته الحسنة. 136 - الدارمي (1/ 85) كتاب العلم-27 - باب من هاب الفتيا مخافة السقط. الحاكم (1/ 102) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

فلا يشغلهم بمهم عن الأهم، كما أنه أصل في إعطاء القرآن أولوية في الحفظ والتلاوة والتدبر. 137 - * روى الشيخان عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذبَ عليَّ مُتعمداً فليتبوأ مقعده من النار". 138 - * روى مسلم عن سَمُرة بن جُندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذبٌ فهو أحدُ الكاذبين". أقول: رُويت كلمة الكاذبين على الجمع وعلى التثنية. 139 - * روى مسلم عن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ فليتبوأْ مقعدهُ من النار". قال أبو عيسى: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن، قلت: من روى حديثاً وهو يعلم أن إسناده خطأ يكون قد دخل في هذا الحديث؟ فقال: لا إنما معنى الحديث إذا روى حديثاً، ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً، فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث. قال مالك: لا يكون الرجل إماماً وهو يحدث بكل ما سمع. شرح السنة 1/ 267. قال البغوي: اعلم أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أعظمُ أنواع الكذب بعد ذلك الكافر على الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كذباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، من كذب عليَّ مُتعمداً فليتبوأ مقعده من النار". ولذلك كره قوم من الصحابة والتابعين إكثار الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من الزيادة والنقصان، والغلط فيه، حتى إن من التابعين كان يهاب رفع المرفوع، فيوقفه على الصحابي، ويقول: الكذب عليه أهون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، ومنهم من يُسنِد

_ 137 - البخاري (1/ 202) 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 10) المقدمة، 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 138 - مسلم (1/ 9) المقدمة، 1 - باب وجوب الرواية عن الثقات، وترك الكذابين. 139 - مسلم (1/ 10) المقدمة، 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث حتى إذا بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال، ولم يقل: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: رفعه، ومنهم من يقول: رواية، ومنهم من يقول: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك هيبتةً للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخوفاً من الوعيد. شرح السنة 1/ 255. 140 - * روى الطبراني عن أوس بن أوس رفعه: "من كذب على نبيه أو على عينيه أو على والديه لم يرِحْ رائحة الجنة". 141 - * روى البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: قلت لأبي: ما لي لا أسمعك تُحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُحدِّث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". وفي رواية (1): ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه أًحابك؟ قال: أما والله، لقد كان لي منه وجهٌ ومنزلةٌ، ولكني سمعته يقول ... وذكر الحديث. 142 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني ليمنعُني أن أحدثكم حديثاً كثيراً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعمد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار". 143 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليَّ - حسبتُ أنه قال: متعمداً - فليتبوأ مقعده من النار". 144 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله

_ 140 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 217). ومجمع الزوائد (1/ 148) وقال رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن، ورواه القضاعي في مسند الشهاب. راح الشيء يراحُه ويريحه: أي وجد ريحه. 141 - البخاري (1/ 200) 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. (1) أبو داود (3/ 319، 320) كتاب العلم، باب في التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وجه): لفلان وجه ومنزلة: إذا كان محفوظاً محترماً كريماً على النسا. 142 - مسلم (1/ 10) المقدمة، 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 143 - الترمذي (5/ 36)، 42 - كتاب العلم، 8 - باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 144 - البخاري (1/ 199) 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 9) المقدمة -2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

9 - في حفظ الحديث

صلى الله عليه وسلم: "لا تكذبوا عليَّ، فإنه من كذب عليَّ يلجُ النار". 9 - في حفظ الحديث: 145 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي نضرة قال قلت لأبي سعيد أكْتِبْنا قال: لن نكتبكم ولن نجعله قرآنا، ولكن خذوا عنا كما أخذنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان أبو سعيد يقول تحدثوا فإن الحديث يذكر بعضه بعضاً. أقول: قوله ولن نجعله قرآنا: فيه إشارة إلى أن الصحابة كانوا يعطون للقرآن من الأهمية والأولوية والخصوصية ما لا يعطونه لغيره وليس في ذلك امتهان لما سوى القرآن من العلم ولكن إشارة إلى ما هو أفضل من الفاضل. 146 - *روى الطبراني عن أبي بُردة بن أبي موسى قال: كتبت عن أبي كتاباً فقال لولا أن فيه كتاب الله لأحرقتُه ثم دعا بمركنٍ أو بإجّانة فغسلها ثم قال عِ عني ما سمعت مني ولا تكتبْ عني فإني لم أكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً، كدت أن تُهلك أباك. فائدة: سنرى أن الآخِرَ من فعل رسول الله صلى الله لعيه وسلم الإذن بالكتابة للحديث الشريف والأمر به، فقد أمر بكتابة ما طلب أبو شاه فيه فقال: اكتبوا لأبي شاه وسيرد أمره صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رض الله عنه بأن يكتب عنه فإنه لا يُخرج من فمه إلا حقاً، وتمام الكلام في شرح النووي عند حديث مسلم (لا تكتبوا عني غير القرآن ..) ويبقى الحفظ مستحباً ولكن مع وجود الكتابة. وفي العصور المتأخرة أهمل الناس الحفظ ووجد من يروّج لذلك وهو خطأ كبير وشر مستطير يكادان يقضيان على العلم كما عُرف عن السلف وتوارثته الأمة.

_ = الترمذي (5/ 35) 42 - كتاب العلم، 8 - باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عيه وسلم. 145 - الطبراني في الأوسط. 146 - الطبراني في الكبير. كشف الأستار (1/ 110) كتاب العلم، باب جواز الكتابة. الإجانة: ما يغسل فيه الثياب.

10 - الترهيب من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

147 - * روى الطبراني عن ثُمامة قال: قال لنا أنس: قيّدوا العلم بالكتابة. 10 - الترهيب من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: 148 - * روى الترمذي عن المقدام بن معدِ يكرب رفعه: ألا هل عسى رجلٌ يبلغُه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه وإن ما حرَّم رسولُ الله كما حرم الله. ولأبي داود (1) ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته بنحوه. رواه أيضاً ابن ماجه (2) والترمذي وحديث أبي داود من حديثهما. أقول: الإيمان بالسنة والتسليم لها فريضتان وإنكار حديث صحيح مع الأدب فسوق أما إذا رافق الإنكار سوء أدب مع رسول الله صلى الله علي وسلم أو سنته فذلك كفر وإنكار سنة متواترة كفر، وتكذيب النقلة الصادقين فسوق والعلم بالسنة أصل من أصول العلم وشرط من شروط الاجتهاد. 11 - في آداب الفتوى والتثبت والمشاورة فيها: 149 - * روى الطبراني عن زيد بن ثابتٍ قال كنتُ أكتبُ الوحيَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا نزل عليه الوحيُ أخذتهُ برحاءُ شديدةٌ وعرقَ عرقاً شديداً مثل الجُمان، ثم سُرِّيَ عنه،

_ 147 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 246). مجمع الزوائد (1/ 152) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 148 - الترمذي (5/ 38) 42 - كتاب العلم، 10 - باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم. (1) أبو داود (4/ 200) كتاب السنة، باب لزوم السنة. (2) ابن ماجه (1/ 6) المقدمة، 2 - باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه. 149 - مجمع الزوائد (1/ 152) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال موثقون. (برحاء): شدة الكرب من ثقل الوحي. (الجمان): اللؤلؤ الصغار. (سرى عنه): كشف عنه الكرب.

فكنت أدخل عليه بقطعة الكتفِ أو كسرةٍ فأكتبُ وهو يُملي عليَّ فما أفرغُ حتى تكاد رجلي تنكسرُ من ثقل القرآن حتى أقول لا أمشي على رجلي أبداً فإذا فرغتُ قال: اقرأ فأقرأه فإن كان فيه سقطٌ أقامهُ ثم أخرجُ به إلى الناس. قال النووي في التقريب عن الحديث الذي يدخل في باب الوجادة: هو من باب المنقطع وفيه شوب اتصال وجازف بعضهم وقال: حدثنا وأخبرنا ... أقول: في هذا الحديث أدب التثبت من الكتاب بعد إملائه. 150 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام قال: إنما الأمورُ ثلاثةٌ: أمر تبيَّنَ لك رُشدهُ فاتبعه، وأمرٌ تبين لك غيهُ فاجتنبه، وأمرٌ اختلف فيه فرُدَّهُ إلى عالمٍ. أقول: هذا أصل في أن يرجع المسلم إلى أهل الاختصاص حيثما أشكل عليه أمر. 151 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أُفْتيَ بغير علمٍ، كان إثمه على من أفتاه". زاد في رواية (1): "ومنْ أشار على أخيه بأمرٍ يعلم أن الرُّشد في غيره، فقد خانهُ". 152 - * روى الطبراني في الأوسط عن عليٍّ قال: قلتُ يا رسول الله إن نزل بنا أمرٌ ليس فيه بيان أمرٍ ولا نهي فما تأمرني؟ قال: "شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تُمضوا فيه رأي خاصةٍ".

_ 150 - مجمع الزوائد (1/ 157) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 151 - أبو داود (3/ 321) كتاب العلم، 8 - باب التوقِّي في الفتيا. ابن ماجه (1/ 20) المقدمة، 8 - باب اجتناب الرأي والقياس. الدارمي (1/ 57) 19 - باب الفتيا وما فيه من الشدة. الحاكم (1/ 126). (1) أبو داود (3/ 321) كتاب العلم، 8 - باب التوقي في الفتيا. 152 - الطبراني فيالأوسط، مجمع الزوائد (178) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح.

هذا أصل في فكرة الاجتهاد الجماعي وأن يتذاكر أهل العلم والعبادة في المسائل الجديدة قال الكوثري في إحدى مقالاته عن أبي حنيفة وكان يرأس هناك مجمعاً فقهياً عظمياً كيانه من نحو أربعين عالماً من أفذاذ أصحابه، يتدارسون فيه الفقه ويحاكمون بين أدلة المسائل إلى أن يستبين الصواب ككوكب الصبح فتدون المسائل الممحصة في الكتاب، وهذه كانت طريقة بديعة جداً في التفقيه، وبها ارتفع شأن العراق في الفقه في جميع البيئات العلمية. قال الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد 14 - 247) بسنده إلى ابن كرامة قال: كنا عند وكيع يوماً فقال رجل: أخطأ أبو حنيفة، فقال وكيع كيف يقدر أبو حنيفة يخطئ ومعه مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما ومثل يحيى بن أبي زائدة وحفص بن غياث وحبان ومندل في حفظهم الحديث، والقاسم بن معن في معرفته باللغة العربية، وداود الطائي وفضيل بن عياض في زهدهما وورعهما. ومن كان هؤلاء جلساءه لم يكد يخطئ لأنه إن أخطأ ردوه. ا. هـ. ولقد كان شيخنا محمد الحامد رحمه الله يكثر من الاستشارة إذا واجهته مسألة، وفي ذكر العُبَّاد مع العلماء إشارة إلى ضرورة اجتماع العلم مع الورع لتكون الفتوى أكثر انسجاماً مع الشريعة. 153 - * روى البغوي عن ابن سيرين قال: سئل حذيفة عن شيءٍ، فقال: إنما يُفتى أحدُ ثلاثةٍ: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر. أو رجلٌ ولي سلطاناً فلا يجد بُدا، أو مُتكلِّفٌ. 154 - * روى أحمد عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقُصُّ إلا أميرٌ أو مأمورٌ أو مختالٌ". حكى عن ابن شريح أنه قال هذا في الخطبة. وكان الأمراء يلون الخطبة يعظون فيها الناس. والمأمور: من يقيمه الإمام خطيباً،

_ 153 - البغوي في شرح السنة (1/ 303) باب التوقي عن الفتيا، وإسناده صحيح. 154 - أحمد (6/ 23). أبو داود (3/ 323) كتاب العلم، 13 - في باب القصص.

12 - في فرضية تحصيل العلوم الضرورية

والمختال: من نصب نفسه لذلك اختيالاً وتكبراً، وطلباً للرياسة من غير أن يُؤمر به. شرح السنة 1/ 303. أقول: بعد أن زالت الخلافة الراشدة استبدل العلماء بأمر الأمير الإجازة من أهلها لأهلها. 12 - في فرضية تحصيل العلوم الضرورية: 155 - * روى البخار يعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلمتُ له كتاب يهود - وفي رواية: بالسريانية - وقال: إني والله، ما آمنُ يهود على كتابي، فما مر بي نصفُ شهرٍ حتى تعلمته وحذفته، فكنت أكتب له إليهم، وأقرأ له كتبهم. أقول: هذا الحديث أصل في أن كل علم احتاجه المسلمون لإقامة دينهم ودنياهم أو احتاجته دولتهم أو تعاملهم مع الآخرين فإن عليهم أن يحصّلوه، وهذه القضية متجددة متوسعة على مدى العصور، فما يطالب به أهل الجيل اللاحق أكثر مما يطالب به الجيل السابق على حسب المستجدات والاحتياجات وضرورات الحياة وضرورات الصراع الإسلامي مع كل ما سوى الإسلام، وهو كذلك دليل من أدلة فكرة فروض الكفاية، وعلى العلماء والأمراء أن يلحظوا ذلك في التربية والتخطيط. 13 - الأدب في تغير اجتهاد العالم: 156 - * روى الدارمي عن الحكم بن مسعودٍ أتينا عمر في المشتركة فلم يُشرِّك ثم أتيناه العام المقبل فشرَّك فقلنا له فقال تلك على ما قضينا وهذه على ما قضيناه.

_ 155 - البخاري (13/ 185) 93 - كتاب الأحكام، 40 - باب ترجمة الحكام هل يجوز ترجمان واحد. أبو داود (3/ 318) كتاب العلم، 2 - باب رواية حديث أهل الكتاب. الترمذي (5/ 67) 43 - كتاب الاستئذان، 22 - باب ما جاء في تعليم السُّريانية. قال: هذا حديث حسن صحيح. (حذقته): حذقت الشيء أحذقه: إذا علمتُه وأتقنته. 156 - الدارمي (1/ 154) 54 - باب الرجل يفتي بالشيء ثم غيّره.

14 - في اجتناب أهل الهوى والابتداع

(المسألة المشتركة)، مثل: ماتت زوجة وتركت زوجاً وأماً وإخوة لأم وإخوة لأبوين، فالنصف للزوج والسدس للأم والثلث للإخوة لأمٍّ ولا يشاركهم الأخوة لأبوين به أخذ أبو بكر وأخذ عمر رضي الله عنهما به أولاً، ثم قال بقول عثمان، وهو إشراك الإخوة لأبوين مع الإخوة لأم وتسمى مشتركةٌ وعثمانية. عن مجمع الأنهر 2/ 756. هذا الأثر أصل في أن الظروف من ناحية وتغير الأحوال قد يترتب عليه تغير الاجتهاد وقد يتغير الاجتهاد كأثر عن زيادة العلم، ومن ههنا تتغير الأحكام بتغير الأزمان وتتجدد أقضية لتجدد اجتهاد أو لتجدد حوادث. ومن ههنا فإن عملية التقنين في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية علمية تحتاج إلى إعادة نظر مستمرة ولا يدخل في دائرة النظر ما فيه نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت فلا اجتهاد في مورد النص ولا اجتهاد إلا من أهله في محله. 14 - في اجتناب أهل الهوى والابتداع: 157 - * روى الطبراني عن عوف بن مالك رفعه: "تفترقُ أُمتي على بضعٍ وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال". أقول: هذا نموذج على من يفتون بلا علم كأثر من تحكيم عقل أو هوى لا كما توهَّم بعضهم أنه في القياس الشرعي من أهله. 158 - * روى الحاكم عن أبي عامرٍ عبد الله بن يحيى قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر بقاصٍّ يقصُّ على أهل مكة مولى لبني فروخ فأرسل إليه معاوية فقال أمرت بهذه القصص؟ قال: لا، قال (1): فما حملك على أن تقص بغير إذن: قال: ننشئ علماً علمناه الله عز وجل فقال معاوية لو كنت تقدمت إليك لقطعت منك

_ 157 - الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 50، 51). كشف الأستار (1/ 96) باب التحذير من علماء السوء. ومجمع الزوائد (1/ 179) وقال الهيثمي: قلت عند ابن ماجه طرف من أوله رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح. 158 - الحاكم (1/ 128) كتاب العلم، وقال هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث.

طائفة، ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله ليه وآله وسلم لغير ذلك أحرى أن لا تقوموا به. 159 - * روى أبو داود عن يزيد بن عميرة وكان من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان لا يجلس مجلساً للذكر، إلا قال حين يجلس: الله حكمٌ قسطٌ، هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوماً: إن وراءكم فتناً يكثرُ فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والعبد والحرُّ، والصغير والكبير، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآنظ؟ وما هم بمُتِّبِعيَّ حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالةً، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان لحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: وما تدري رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنبْ من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله يُراجع، وتلقَّ الحق إذا سمعته، فإن على الحق نوراً. وفي رواية (1): ولا يُنبئنك ذلك عنه وفيها "بالمشتبهات" عوض "المشتهرات". وفي أخرى (2) قال: بلى، ما تشابه عليك من قول الحكيم، حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟

_ 159 - أبو داود (4/ 202) كتاب السنة، 7 - باب لزوم السنة. (1) أبو داود (4/ 202) نفس الموضع السابق. (2) الدارمي (1/ 67) 21 - باب تغيير الزمان وما يحدث فيه. (القسط): العدل. (زيغة الحكيم): الزيغُ، وأراد به: الميل عن الحق، والحكيم: العالم العارف، أراد به: الزلل والخطأ الذي يعرض للعالم العارف، أو يتعمده لقلة دينه.

15 - الاغتباط في العلم والحكمة من الأدب

أقول: هذا نموذج على صنفٍ من الناس يحمله حب الرئاسة على ركوب متن الابتداع والعياذ بالله تعالى. 15 - الاغتباط في العلم والحكمة من الأدب: قال الله سبحانه وتعالى (وقل رب زدني علما) (1). 160 - * روى البخار يعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في حق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويُعلمها". قال البغوي: المراد من الحسد المذكور في الحديث هو الغبطةُ، فإن الغبطة هي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لأخيه من غير أن يتمنى زوالها عن أخيه. والحسد المذموم أن يرى الرجل لأخيه نعمة يتمناها لنفسه وزوالها عن أخيه. قال ابن الأعرابي: الحسد مأخوذ عن الحسدل، وهو القُراد، والحسد يقشِرُ القلب، كما يقشرُ القرادُ الجلد، فيمصُّ الدم. ومعنى الحديث: التحريض والترغيب في التصدق بالمال، وتعلُّمِ العلم. وقيل: إن فيه تخصيصاً لإباحة نوع من الحسد، وإن كانت جملتُه محظورةً، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: الرجل يكذبُ في الحرب، ويُصلحُ بين اثنين، ويُحدثُ أهلهُ". وقيل: لا حسد إلا في اثنين، أي: لا يضر الحسد إلا في اثنين، وهو أن يتمنى زوالها عن أخيه، فيضره، والأول أولى. شرح السنة 1/ 229.

_ (1) طه: 114. 160 - أحمد (1/ 385) البخاري (1/! 65) 3 - كتاب العلم، 15 - باب الاغتباط في العلم. مسلم (3/ 559) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 47 - باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه. مجمع الزوائد (3/ 108) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

16 - من آداب طالب العلم إتقان علوم اللسان: 161 - * روى مسلم عن ابن أبي عتيق قال: تحدثتُ أنا والقاسم عند عائشة حديثاً - وكان القاسم رجلاً لحاناً - وكان لأم ولدٍ، فقالت عائشة: مالك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ أما إني [قد] علمتُ من أين أُتيت؟ هذا أدبتْهُ أمه، وأنت أدبتْكَ أمُّكَ، قال: فغضب القاسم وأضبَّ عليها، فلما رأى مائدة عائشة قد أُتي بها قام، قالت: أين؟ قال: أصلي، قالت: اجلس، قال: غني أصلي، قالت: اجلس غُدَرُ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان". أقول: كلام عائشة رضي الله عنها يدل على أن من آداب طالب العلم أن يتقن علوم اللسان، وألا يلحن في كلامه (1). * * *

_ 161 - مسلم (1/ 393) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين. (لحاناً): كثير اللحن والخطأ في كلامه. (أضبَّ): الضبُّ: الحقد، يقال: أضبَّ فلان على غل في صدره: أضمره. (غُدَرُ): أكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم، يقولون: يا غُدَر، وهو من الغدرْ: ترك الوفاء. وإنما قالت له ذلك لأنه مأمور باحترامها لأنها أم المؤمنين وعمته وأكبر منه وناصحة له ومؤدبة، فكان حقها أن يحتملها ولا يغضب عليها.

الفصل الثاني عشر في رفع العلم وذهاب العلماء

الفصل الثاني عشر في رفع العلم وذهاب العلماء قال الله سبحانه وتعالى: (1). قال البغوي: قِيلَ هو موتُ العلماء. 162 - * روى الشيخان عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلمُ، ويكثر الجهلُ". 163 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبضُ العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس - وفي رواية: من العباد - ولكن يقبضُ العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً: اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً، فسئلُوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا". زاد في رواية (2)، قال عروة: "ثم لقيتُ عبد الله بن عمرو على رأس الحوْل، فسألته؟ فردَّ عليَّ الحديث كما حدث، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول". 164 - * وللبخاري عن عروة: "حجَّ علينا عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينزعُ العلم بعد أن أعطاهموه [انتزاعاً]، ولكن ينتزعهُ منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جُهَّال، فيُستفتون، فيفتون برأيهم، فيَضِلُّون ويُضِلُّون". فحدثتُ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن عبد الله بن عمرو حجَّ بعدُ، فقالت: يا ابن أختي، انطلقْ إلى عبد الله بن عمرو

_ (1) الرعد: 41. 162 - البخاري (1/ 178) 3 - كتاب العلم، 21 - باب رفع العلم وظهور الجهل. مسلم (4/ 2056) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. 163 - البخاري (1/ 194) 3 - كتاب العلم، 34 - باب كيف يقبض العلم. مسلم (4/ 2058) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. (2) مسلم (4/ 2058) نفس الموضع السابق. 164 - البخاري (13/ 282) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 7 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس.

فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه، فجئته. فسألته، فحدثني به بنحو ما حدثني، فأتيت عائشة فأخبرتها، فعجبت، وقالت: والله، لقد حفظ عبد الله بن عمرو". 165 - * روى مسلم عن أبي الأسود، عن عروة قال: "قالت لي عائشة: يا ابن أختي، بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج، فألقهُ، فسائله، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً، قال: فلقيته، فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة: فكان فيما ذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينتزعُ العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء، فيرفعُ العلم معهم، ويُبقي في الناس رؤوساً جُهالاً" - وفي أخرى (1) "ويبقى في الناس رؤوسٌ جُهالٌ- يُفْتُونهم بغير علم. فيضلون ويُضِلون". قال عروة: فلما حدثتُ عائشة بذلك أعظمتْ ذلك وأنكرته، وقالت: أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ قالت له: إن ابن عمرو قد قَدِم فألقه، ثم فاتحْهُ حتى نسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فسألته، فذكره على نحو ما حدثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراهُ لم يزدْ فيه شيئاً ولم ينقُص. وله في رواية (2) عمر بن الحكم عن عبد الله بن عمرو، بمثل حديث هشام بن عروة. 166 - * روى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشخَصَ ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوانٌ يُختلسُ العلم م الناس حتى لا يقدروا منه على شيءٍ"، فقال زيادُ بن لبيد الأنصاري: كيف يُختلسُ منا وقد قرأنا

_ 165 - مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. الترمذي (5/ 31) 42 - كتاب العلم 5 - باب ما جاء في ذهاب العلم. (1) مسلم (4/ 2059) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (4/ 2058) نفس الموضع السابق. (انتزاعاً): أي محواً من الصدور وذكر في الفتح أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كان في حجة الوداع. 166 - الترمذي (5/ 31، 32) 42 - كتاب العلم، 5 - باب ما جاء في ذهاب العلم. قال: هذا حديث حسن غريب. (شخص ببصره): إذا نظر إلى شيء دائماً، فلا يرد عنه نظره. (يُختلس): الاختلاس: الاستلاب، وأخذ الشيء بسرعة.

القرآن؟ فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه أبناءنا ونساءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟ " قال جُبير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، فقال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنَّك بأوَّلِ علم يُرفعُ، أول علم يرفع من الناس: الخشوعُ، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً". 167 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكثرُ الفتنُ ويكثرُ الهرجُ ويُرفع العلم" فلما سمع عمر أبا هريرة يقول يرفع العلم قال عمر: أما إنه ليس يُنزعُ من صدور الرجال ولكن تذهبُ العلماء. أقول: إن على العلماء أن يورثوا العلم وأن يخرجوا ورّاثاً كاملين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ذهب عالم وُجد من يسد مسده، والملاحظ أن تلاميذ ابن مسعود كانوا يدركون أن إظهار الإسلام بالعلم والعمل والدعوة عامل من عوامل تجديد الإسلام، وإبقائه، لذلك فإن على أهل العلم أن يتحركوا ويحركوا قضايا العلم والعمل والدعوة. قال البغوي: وقال عبد الله بن مسعود: لا تقومُ الساعة حتى يُرفع القرآنُ، ثم يُفيضون في الشعر. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: لا تقومُ الساعة حتى يرجع القرآنُ من حيث نزل، له دويٌّ حول العرش، كدويِّ النحل يقول الرب: مالك؟ فيقول: يا رب أُتلى، ولا يُعملُ بي. قال عمر بن الخطاب: من سَوَّده قومه على الفقه، كان حياةً له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه، كان هلاكاً له ولهم.

_ = (ثكلتك أمك): الثكل: فقد الأم ولدها، وهذا الكلام يجري على ألسنة العرب ولا يريدون به الدعاء كقولهم: تربت يداك. (يوشك): الإيشاك والوشْك: الإسراع. 167 - أحمد (2/ 481).

وعن زياد بن جُبير، قال: قال عمر، هل تدري ما يهدمُ الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحُكْمُ الأئمة المضلين. وقال ابن مسعود: عليكم بالعلم قبل أن يُقبَضَ، وقبضهُ: ذهابُ أهله، وعليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدري متى يُفتقر إليه، وعليكم بالعلم وإياكم والتنطُّعَ والتعمُّقَ، وعليكم بالعتيق. وقال عقبة بن عامر: تعلموا قبل الظانين: يعني الذين يتكلمون بالظن. وقال ابن مسعود: لا يزالُ الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلمُ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم، هلكُوا. وقال سليمان: لا يزال النسا بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخرُ، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس. وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم. وقال الحسن: قال عبد الله بن مسعود: مواتُ العالِم ثُلْمةٌ في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. وقال سفيان بن عيينة: وأي عقوبةٍ أشدُّ على أهل الجهل أن يذهب أهل العلم. قال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيءٌ من العلم أن يُضيع نفسه. قال سفيان: تعوَّذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتونٍ. قال الشعبي: ما جاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخُذْهُ، ودعْ ما يقول هؤلاء الصعافقةُ. قيل: الصعافقة: الذين يدخلون السوق بلا رأس مال، وقيل: هم رُذالةُ الناس، أراد الذين لا علم لهم، فهُم بمنزلة التجار الذين ليس لهم رأس مال.

_ = كشف الأستار للبزار (1/ 125) كتاب العلم - باب ذهاب العلم وأهله. مجمع الزوائد (1/ 202) قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.

وقال مالك بن أنس: لا تأخذ العلم من أربعةٍ، وخذه مما سوى ذلك: من مُعلن للسفه وإن كان أروى الناس، ولا من كذاب يكذب في حديث الناس وإن كنت لا تتهمُه بكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من صاحب هوى يدعو إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرفُ ما يُحدثُ به. اهـ.

الفصل الثالث عشر في كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك

الفصل الثالث عشر في كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك 168 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها قال: كنتُ أكتبُ كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريشُ، وقالوا: تكتبُ كل شيءٍ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم في الغضب والرضى؟ قال: فأمسكتُ عن الكتاب، حتى ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال: "اكتبْ، فوالذي نفسي بيده، ما يُخرجُ منه إلا حقاً". 169 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب - فذكر قصةً في الحديث - فقال أبو شاهٍ: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: "اكتبوا لأبي شاهٍ" وفي الحديث قصة. 170 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ أكثرُ حديثاً عنه مني، إلا ما كان من ابن عمرو، فإنه كان يكتبُ، ولا أكتبُ". 171 - * روى البخاري عن يزيد بن شريك بن طارقٍ التيمي رحمه الله قال: رأيتُ علياً على المنبر يخطبُ، فسمعتُه يقولك لا والله، ما عندنا من كتابٍ نقرؤهُ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنانُ الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينةُ حرمٌ، ما بين عيرٍ إلى ثورٍ (1)، فمن أحدث فيها حدثاً أو

_ 168 - أبو داود (3/ 318) كتاب العلم - باب في كتابة العلم. 169 - البخاري (1/ 205) 3 - كتاب العلم، 39 - باب كتاب العلم. الترمذي (5/ 39) 42 - كتاب العلم، 12 - باب ما جاء في الرخصة فيه. 170 - البخاري (1/ 206) 3 - كتاب العلم -39 - باب كتابة العلم. الترمذي (5/ 40) 42 - كتاب العلم، 12 - باب ما جاء في الرخصة فيه. 171 - البخاري (13/ 275) 96 - كتاب الاعتصام، 5 - باب ما يكره من التعمق والغلو في الدين والبدع. مسلم (2/ 994) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة المنورة. (حدثا): الحدث: الأمر المنكر، مما نهى عنه الشرع وحرَّمه.

آوى مُحدثاً، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبلُ الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً، ذمةُ المسلمين واحدةٌ، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبلُ الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، ومن والى قوماً بغير إذن مواليه - وفي رواية (1): ومن ادَّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه - فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً". 172 - * روى البخاري عن أبي جُحيفة - وهب بن عبد الله السوائي- قال: قلت لعليٍّ: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ قال: لا، والذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقلُ، وفكاك الأسير، وأن لا يُقتلَ مسلمٌ بكافرٍ. 173 - * روى مسلم عن أبي الطفيل عن علي: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، وأخرج صحيفة مكتوبٌ فيها: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن

_ = (آوي محدثاً): يروى بكسر الدال، وهو فاعل الحدث، وبفتحها، وهو الأمر المحدث، والعمل المبتدع الذي لم تجر به سُنة، كأنه رضى به ولم ينكره، والأول الوجه. (أخفر): أخفرت الذمام: إذا نقضته، وغدرت به. (صرفاً ولا عدلاً): العدل: الفريضة، والصرف: النافلة، وقيل: العدل: الفدية، والصرف: التوبة. (والى قوماً): واليتُ آل فلان: إذا صرتَ من مواليهم، وانتميت إليهم، ولم يكونوا مواليك. (بغير إذن مواليه): قال الخطابي: يدل ظاهره: أنهم إذا أذنوا له جاز أن يُوالي غيهم، وليس الأمر على ذلك، فإنهم لو أذنوا له لم يجز له، ولا ينتقل ولاؤه عنهم، وإنما ذكر الإذن واشترطه تأكيداً لتحريمه عليه، ومنعه منه، فإنه إذا استأذن أولياءه في مُوالاة غيرهم منعوه من ذلك، وإذا استبدَّ به دونهم، خفي أمرُه عليهم، وربما تم له ذلك، فإذا تطاول عليه الزمانُ عُرف بولاء من انتقل إليهم، فيكون ذلك سبباً لبطلان حق مواليه. (أو انتمى): الانتماء: الانتساب والالتجاء إلى قوم. 172 - البخاري (12/ 246) كتاب الديات، باب العاقلة. (فلقَ الحبة): بفتح الحاء هاهنا، وهي كالحنطة والشعير، وفلقُها: شقُّها للإنبات. (برأ النسمة): النسمةُ: كل ذي روح، وبرأها: خلقها. (العقل): الدية، التي تكون على عاقلة القاتل خطأ وعاقلة الرجل أهله ومن ينصره. (فكاك الأسير): وفكُّه: إطلاقه. 173 - مسلم (3/ 1567) 35 - كتاب الأضاحي، 8 - باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله.

الله من آوى محدثاً". 174 - * روى النسائي عن أبي حسان قال: قال علي: ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً دون الناس، إلا صحيفة في قرابِ سيفي، فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: "المؤمنون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم، ولا يُقتل مؤمن بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده". قال الحافظ في "الفتح" 1/ 182: والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوباً فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه. (عير إلى ثور) عير جبل بالمدينة معروف فأما "ثور" فجبيل صغير خلف أحدٍ وقد رد الجمال المطري في تاريخه على من أنكر وجود ثور وقال إنه خلف أحد شماليه صغير مدور يعرفه أهل المدينة خلفاً وسلفاً. أقول: عند الحنفية المراد بالكافر في الحديث: الكافر الحربي. 175 - * روى مسلم عن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني غير القرآن، وفي رواية (1) قال: لا تكتبوا عني ومن

_ 174 - النسائي (8/ 24) كتاب القسامة، باب تعظيم المعاهد، وسنده حسن كما قال الحافظ في الفتح 12/ 231. (تتكافأ دماؤهم): التكافؤ: التساوي، وفلان كفء فلان: إذا كان مثله. (يسعى بذمتهم أدناهم): الذمة: الأمان، ومنه سمى المعاهد ذمياً، لأنه أُومِنَ على ماله ودمه بالجزية، ومعنى قوله: يسعى بذمتهم أدناهم: أن أدنى المسلمين إذا أعطى أماناً لأحد فليس لأحد من المسلمين أن ينقض ذمامه ولا يخفر عهده. (وهم يدٌ على من سواهم): أي: ذوو يد، يعني قدرةً واستيلاءً على غيرهم من أصحاب الملل. (لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده): لهذا الكلام تأويلان، أحدهما: لا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في حال مُعاهدته بكافر، كأنه قال: لا يقتل مسلم ولا معاهد بكافر، والآخر: لا يقتل مسلم بكافر، ولا يقتل المعاهد في حال معاهدته. 175 - مسلم (4/ 2298) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 16 - باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم. (1) مسلم (4/ 2298) نفس الموضع السابق. قال ابن الأثير: (لا تكتبوا عني غير القرآن) الجمع بين قوله: لا تكتبوا عني غير القرآن وبين إذنه في الكتابة: أن الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منه بإجماع الأمة على جوازه، ولا يُجمعون إلا على أمر صحيح، وقيل: إنما نهى عن الكتابة: أن يُكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، فيختلط به، فيشتبه على القارئ.

كتب عني غير القرآن فليمْحُه - وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ [قال همام: أحسبه قال]: متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار". 176 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة، فلم يأذن لنا. أقول: لقد رأينا أن المنع من كتابة الحديث كان أولاً ثم نسخ إلا أن هذا المنع يجعلنا أن نفهم أن لكتاب الله أولوية وخصوصية تقدمه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت السنة وحياً كذلك. قال النووي: قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث اكتبوا لأبي شاه وحديث صحيفة علي رضي الله عنهُ وحديث كتاب عمرو بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنساً رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب وغير ذلك من الأحاديث وقيل إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما آمن ذلك أذن في الكتابة وقيل إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة والله أعلم ا. هـ. 177 - * روى البخاري عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله "كتب إلى أبي بكر بن حزمٍ: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفتُ دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا يُقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليُفشوا العلم (1)، وليجلسوا حتى يُعلَّمَ من لا

_ 176 - الترمذي (5/ 38) 42 - كتاب العلم، 11 - باب ما جاء في كراهية كتابة العلم، وهو حديث حسن. 177 - البخاري (1/ 194) 3 - كتاب العلم، 34 - باب كيف يقبض العلم. (وليفشوا العلم): فشا الشيء يفشو: إذا ظهر.

يعْلَمُ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً. قال العيني في شرح البخاري: لم يقع وصل هذا التعليق عند الكشميهني ولا كريمة ولا ابن عساكر، ووقع وصله للبخاري عند غيرهم، وهو بقوله في بعض النسخ: حدثنا العلاء بن عبد الجبار، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار بذلك، يعني حديث مر بن عبد العزيز، ولكن إلى قوله: ذهاب العلماء، قال الحافظ في "الفتح": وهو محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه، ولم يدخل في هذه الرواية، والأول أظهر، وبه صرح أبو نعيم في "المستخرج"، ولم أجده في مواضع كثيرة إلا كذلك، وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر ثم بين أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. * * *

الباب الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي النصيحة والدعوة إلى الخير

الباب الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي النصيحة والدعوة إلى الخير وفيه مقدمة وفصول * المقدمة.

المقدمة

المقدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميزان الإيمان: 178 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإنْ لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". 179 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحض على مجاهدة خلف السوء: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم المؤهلون للتجارة إذا نزل العذاب {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (1) {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} (2) وقد علق الله عز وجل الفلاح في الدنيا والآخرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3)، وجعل الخيرية لهذه الأمة على غيرها بأوصاف ثلاثة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (4)، كما جعل التواصي بالحق والتواصي بالصبر من أركان النجاة: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5). وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم الدين بأنه النصيحة وذلك لتبيان أهميتها في دين الله قال عليه الصلاة والسلام:

_ (1) 178 - مسلم (1/ 69) 1 - كتاب الإيمان، 20 - باب كون النهي ن المنكر من الإيمان. 179 - مسلم (1/ 69، 70) 1 - كتاب الإيمان، 20 - باب كون النهي عن المنكر من الإيمان. (1) الأعراف: 165. (2) هود: 116. (3) آل عمران: 104. (4) آل عمران: 110. (5) العصر: 1: 3.

180 - * فيما رواه مسلم: "الدينُ النصيحةُ قالوا: لمن يا رسول الله قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". ومن ثم كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة لخلق الله المكان العظيم في دين الله. ويدخل في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبواب كثيرة: فالنصح والنصيحة أمر بمعروف ودعوة إلى خير، والوصايا والتناصح كذلك والوعظ أياً كانت صفته فردياً أو جماعياً أمر بمعروف ودعوة إلى خير، والخطب والمحاضرات وتعليم الناس الخير، وأمرهم باجتناب الشر دعوة للخير وأمر ضمني بالمعروف ونهي ضمني عن المنكر، ودوائر الدعوة إلى الخير والمعروف كثيرة، دائرة النفس، ودائرة الأسرة، ودائرة الجوار، ودائرة العمل، ودائرة العامة والخاصة، ودائرة الشعب والحكم، وكلك النهي عن المنكر، ثم وسائل الدعوة كثيرة: الكلمة الطيبة، والكلمة المباشرة والكلمة غير المباشرة، والكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة، وكذلك النهي عن المنكر، ثم الدعوة إلى الخير والمعروف والنهي عن المنكر لابد فيه من الجهد الفردي العفوي، ولابد فيه من العمل المنظم فلا هذا يغني عن مبادرة الفرد ولا مبادرة الأفراد تغني عن الترتيب، ثم لابد من جهد الدولة ولابد من جهد الأفراد والمؤسسات والهيئات والجماعات والمجموعات على المستوى المحلي والعالمي. * * * إن تعميق الإسلام في نفس الفرد وتطبيقه في حياة الأمة وتعميمه في العالم كله متوقف على النشاط في العلم والتعليم والدعوة إلى الخير والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك جاءت نصوص الكتاب مؤكدة على هذه المعاني تأكيداً كبيراً فأوجبت الخيرية لمن فعل ذلك وأوجبت اللعنة على من ترك ذلك (1). (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ ٹ

_ 180 - مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة.

بِاللَّهِ} (1). {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (2). وذكرت الآيات من أخلاق المرسلين النصيحة: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} (3). "وأمرت الآيات بالدعوة". {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} (4). {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (5). ولقد كتبت في رسالة أخلاقيات وسلوكيات تتأكد في القرن الخامس عشر الهجري: "إن شعار هذا القرن وشعار كل قرن ينبغي أن يكون: كل مسلم داعية إلى الله، كل مسلم معلم للخير، كل مسلم مرب للنفس البشرية، فذلك يدخل في الاقتداء الذي يطالب به كل مسلم بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (6). فلقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله على بصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (7) ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (8). ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربياً: {وَيُزَكِّيكُمْ} (9). ولابد للمسلم أن يأخذ حظه من ذلك، فهو كذلك مع أهله وجيرانه وأرحامه وأقربائه وأصحابه ومعارفه ومع الناس جميعاً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ا. هـ". إن المسلم ينبغي أن تكون عنده ثلاث توجيهات، توجه نحو ذاته بالعكوف على إصلاحها وتزكيتها وتعليمها وتثقيفها والارتقاء بها من خلال العلم والذكر والعبادة وطاعة

_ (1) آل عمران: 110. (2) المائدة: 78، 79. (3) الأعراف: 93. (4) القصص: 87. (5) النحل: 125. (6) الأحزاب: 21. (7) يوسف: 108. (8) البقرة: 151. (9) البقرة: 151.

أهل الفقه والصلح، وتوجه نحو الخارج بالتعليم والدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهذه قضايا يجب أن ينطلق المسلم فيها بمبادرة ذاتية منه وينبغي أن تكون خلقاً له تنبع من ذاته، وألا يعلقها على شيءٍ، والتوجه الثالث أن يكون على انسجام مع مسيرة الصف الإسلامي في توجهه نحو تحقيق الأهداف وإقامة دين الله وبذلك يؤدي المسلم حق الله عز وجل وينال مرضاته. وفيما يلي فصول في موضوعات هذا الباب:

الفصل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الفصل الثاني: في الدعوة إلى الخير قولاً وعملاً وفي التضحية. الفصل الثالث: من سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة.

الفصل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الفقرة الأولى في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 181 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقبله، وذلك أضعفُ الإيمان". قال محمد بن علان الصديقي: ولا فرق في وجوب الإنكار بين أن يكون الآمر ممتثلاً ما أمر به مجتنباً ما نهى عنه أو لا، ولا بين كون كلامه مؤثراً أو لا، وظاهر كلام المصنف الإجماع على ذلك. فقول البعض بسقوط الوجوب عند العلم بعدم التأثير أخذاً من أحاديث تصرح بذلك ليس في محله، ولا بين كون الآمر ولياً أو غيره إجماعاً أخذاً بعموم "من" الشامل لذلك جميعه. نعم إن خشي من ترك استئذان الإمام مفسدة راجحة أو مساوية من انحرافه عليه بأنه افتيات عليه لم يبعد وجوب استئذانه حينئذ. ويشترط لجواز الإنكار ألا يؤدي إلى شهر سلاح، فإن أدى إلى ذلك فلا يكون للعامة بل يرتبط بالسلطان، وشرط وجوبه تارة وجوازه أخرى ألا يخاف على نفس ونحو عضو ومال له أو لغيره وإن قل مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع، وإيجاب بعض العلماء الإنكار بكل حال وإن فعل المنكر وقُبل منه غلوٌ مخالف لظاهر هذا الحديث وغيره ولا حجة له فيما احتج به. وإذا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الخوف أو الإكراه كما في الآية، فليجز ترك الإنكار لذلك بالأولى، لأن الترك دون الفعل ف القبح، وألا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد فيما هو فيه عناداً، وأن يكون المنكر مجمعاً عليه أو يعتقد فاعله حرمته أو حله، ولا ينافي ما تقرر من الوجوب قوله تعالى: عليكم أنفسكم لا ضركم من ضل إذا اهتديتم - لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عنها، فقال "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأيٍّ برأيه فعليك بنفسك" الحديث (1). ففيه تصريح بأن الآية محمولة على ما إذا عجز المنكرُ، ولا شك في سقوط الوجوب حينئذ، على أن معناها عند

_ 181 - أحمد (3/ 20). صحيح مسلم (1/ 69) 1 - كتاب الإيمان - 20 - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.

المحققين أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم، ومما كلفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يمتثلها المخالف فلا عتب حينئذ لأن الواجب الأمر والنهي لا القبول. دليل الفالحين 1/ 465 (1). 182 - * روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردل". قال النووي في شرح مسلم 2/ 28: وأما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم، فقال الأزهري وغيره: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم، والخلصان الذين نُقوا من كل عيب، وقال غيرهم: هم أنصارهم وقيل: المجاهدون، وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم. قال النووي: الضمير في "إنها" هو الذي يسميه النحويون: ضمير القصة والشأن، ومعنى "تخلف": تحدث، وهو بضم اللام، وأما "الخلوف" فبضم الخاء، وهو جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشرٍّ، وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير، هذا هو الأشهر، وقال جماعة من أهل اللغة، منهم أبو زيد: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوَّز الفتح في الشر، ولم يجوِّز الإسكان في الخير. 183 - * روى الشيخان عن أبي الوليد عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العُسر واليسر، والمنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا،

_ 182 - صحيح مسلم (1/ 70) كتاب الإيمان- باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان. (حواريون): الحواريُّ: الناصرُ، والمختص بالرجال المصافي له، ومنه الحواريون أصحاب المسيح [عيسى] عليه السلام. (خلوف): جمع خلف، وهو من يجيء بعد من مضى، قال الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلفٌ) [مريم: 59]. 183 - البخاري (13/ 5) كتاب الفتن - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "سترون بعدي أموراً تنكرونها". مسلم (3/ 1470) كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية. (المنشطُ) و (المكرهُ): بفتح ميميْهما أي في السهل والصعب. =

وعلى أن لا تُنازع الأمر أهلهُ، إلا أن تروْا كفراً بواحاً، عندكم من الله تعالى فيه بُرهان، وعلى أن تقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم". 184 - * روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهمُوا على سفينةٍ، صار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا!!! فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً". 185 - * روى مسلم عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أُمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه يُستعمل عليكم أمراءُ فتعرفُون وتُنكرون، فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع!!! " قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهُمْ؟ قال: "لا. ما أقاموا فيكم الصلاة". معناه من كَرَه بقلبه ولم يستطعْ إنكاراً بيدٍ ولا لسانٍ فقد برئ من الإثم وأدَّى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية ومن رضي بفعلهم وتابعهُم فهو العاصي. [الرياض]. 186 - * روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين أم الحكمِ زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: "لا إله إلا الله!!! ويلٌ للعرب من شر! ٍ قد اقترب؛ فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه" (1) وحلَّق بأصبعيه الإبهام

_ = (بواحاً): بفتح الباء الموحدة وبعدها واو ثم ألف ثم حاءٌ مهملة أي ظاهراً لا يحتمل تأويلاً. 184 - البخاري (5/ 132) كتاب الشركة - باب هل يقرع في القسمة؟ والاستهام فيه. (القائم في حدود الله تعالى): معناه: المنكر لها، القائم في دفعها وإزالتها، والمراد بالحدود: ما نهى الله عنه. و (استهمُوا) اقترعوا. 185 - مسلم (3/ 1481) كتاب الإمارة - باب وجوب الإنكار على الأمراء بما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك. 186 - البخاري (13/ 106) كتاب الفتن -باب يأجوج ومأجوج.

والتي تليها فقلت: يا رسول الله أنهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثُر الخبث". 187 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُد؛ نتحدَّثُ فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتُم إلا المجلس فأعطُوا الطريق حقه"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: "غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهيُّ عن المنكر". قال العلقمي: زاد أبو داود (1) في الخصال المطلوبة لمن جلس على الطرق إرشاد ابن السبيل، وتشميت العاطس إذا حمد. زاد سعيد بن منصور: وإغاثة الملهوف. زاد البزار (2): وأعينوا على الحمولة. زاد الطبراني (3): وأعينوا المظلوم واذكروا الله كثيراً وفي حديث أبي طلحة: وحُسن الكلام وعند الترمذي (4) وأفشوا السلام وعند الطبراني وأهدوا الأغنياء فالمجموع أربعة عشر ا. هـ دليل الفالحين 1/ 476. 188 - * روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجلٍ فنزعه فطرحه وقال: "يعمدُ أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلُهَا في يده؟ " فقيل للرَّجلِ بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خاتمك انتفعْ به، قال: لا والله لا آخذهُ أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ = مسلم (4/ 2207) كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج. كثر الخبث: أي كثرة المعاصي وشاع الزنا. 187 - البخاري (5/ 112) كتاب المظالم - باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على لاصعدات. مسلم (3/ 1675) كتاب اللباس والزينة - باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه. (1) أبو داود (4/ 256) كتاب الأدب -13 - باب في الجلوس في الطرقات. (2) البزار (2/ 425) كتاب الأدب - باب الجلوس على الطريق. (3) مجمع الزوائد (8/ 61، 62) باب الجلوس على الصعيد، 3 - وإعطاء الطريق حقه. (4) الترمذي (5/ 74) كتاب الاستئذان - باب ما جاء في الجالس على الطريق. 188 - مسلم (3/ 1655) 37 - كتاب اللباس والزينة -11 - باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام.

189 - * روى أحمد عن أبي سعيد الحسنِ البصريِّ أن عائذ بن عمرو رضي الله عنهُ دخل على عُبيد الله بن زياد فقال: أي بُنيِّ!! إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن شر الرعاء الحُطمةُ"، فإياك أن تكون منهم!! فقال له: اجلس؛ فإنما أنت نُخالةُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نُخالةٌ؟ إنما كانت النخالة بعدهُم وفي غيرهم. 190 - * روى الترمذي عن حُذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليُوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم". روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أوَّل ما دخل النقصُ على بني إسرائيل كان الرجلُ يَلْقَى الرجل فيقول: يا هذا!! اتق الله ودع ماتصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} إلى قوله .. {فَاسِقُونَ} (1). ثم قال: "كلاَّ والله لتأمُرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرُنَّه على الحق أطراً، ولتقصرنَّهُ على الحق قصراً أو ليضربنَّ الله

_ 189 - مسلم (3/ 1461) 33 - كتاب الإمارة - باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم. أحمد (5/ 64). (الحطمة): الذي يحطم رعيته بتكليفهم مال ايطيقون، وأصله العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار ويلقي بعضها على بعض، ضرب مثلاً لوالي السوء. 190 - الترمذي (4/ 468) 34 - كتاب الفتن، 9 - باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال: هذا حديث حسن. أبو داود (4/ 121) كتاب الملاحم، 17 - باب الأمر والنهي. الترمذي (5/ 252، 253) 48 - كتاب تفسير القرآن 6 - باب ومن سورة المائدة. (1) المائدة: 78: 81.

بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعننكم كما لعنهم". ولفظ الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما وقعتْ بنو إسرائيل في المعاصي نهتهُم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" -فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً - فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى تأطِرُوهم على الحق أطراً". قال محقق (الجامع) وأخرجه الطبري 10/ 493، من حديث سفيان الثوري، حدثنا علي ابن بذيمة عن أبي عبيدة أظنه عن مسروق، عن عبد الله قال ... فذكره. وقد علق عليه لعلامة أحمد شاكر رحمه الله بقوله: وطريق سفيان عن علي بن بذيمة يأتي مرسلاً عن أبي عبيدة، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه ذكر عبد الله بن مسعود وهو المعروف من رواية سفيان. وروى الترمذي في السنن في التفسير. قال عبد الله بن عبد الرحمن: قال يزيد بن هارون: وكان سفيان الثوري لا يقول فيه عبد الله يعني أنه مرسل من خبر أبي عبيدة، فأفادنا الطبراني هنا أن سفيان الثوري رواه مرة أخرى عن أبي عبيدة بقوله: أظنه عن مسروق عن عبد الله فلم يذكر "عبد الله" فحسب، بل شك في أن أبا عبيدة رواه عن مسروق عن عبد الله، فإذا صح ظن سفيان هذا، فإنه حديث صحيح الإسناد غير منقطع ولا مرسل ا. هـ. وإن لم يصح، فهو حديث ضعيف وقد جزم بعض العلماء بضعفه لانقطاع السند. فائدة إملائية: بمناسبة ذكر حرف الألف في كلمة ابن من قوله تعالى: {وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}. إن العلم المذكر إذا جاء بعده (ابن) وبعده علم مؤنث: أثبتت ألف (ابن) انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي رحمه الله. وهو كذا في رسم المصاحف. وأخرج مسدد والبيهقي وصححه عن علي قال: "الجهاد ثلاثةٌ: جهادٌ بيد، وجهادٌ

بلسان، وجهادٌ بقلب: فأول ما يُغلبُ عليه من الجهاد: جهادُ اليد، ثم جهادُ اللسان ثم جهادُ القلب، فإذا كان القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً نُكسَ وجُعل أعلاه أسفله". 191 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "جاهدوا المنافقين بأيديكم فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهِرُّوا في وجوههم فاكفهرُّوا في وجوههم"! 192 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرُ الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكُم تعنُون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك يُكفرُها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموجُ موجَ البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك، قال حذيفة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلب أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ، ما دامت السماوات والأرض، والآخر: أسود مُرباداً، كالكوز مُجَخِّياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواهُ".

_ 191 - مجمع الزوائد (7/ 276) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما شريك وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح. 192 - مسلم (1/ 128) 1 - كتاب الإيمان، 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً. (كالحصي عُوداً عودا): قال الحميدي: في بعض الروايات "عَرْضَ الحصير" والمعنى فيهما: أنها تحيط بالقلوب كالمحصور المحبوس، يقال: حصره القوم: إذا أحاطوا به، وضيقوا عليه، قال: وقال الليث: حصير الجَنْب: عِرْق يمتد معترضاً على الجنب إلى ناحية البطن، شبه إحاطتها بالقلب بإحاطة هذا العِرق بالبطن، وقوله "عُودا عوداً" أي مرة بعد مرة، تقول: عاد يعود ُ عودة وعُوداً. (أُشر بها): أُشْرِب القلب هذا الأمر: إذ دخل فيه وقبِلَهُ وسكن إليه، كأنه قد شربه. (نُكت فيه نكتة سوداء): أي أثر فيه أثراً أسود، وهو دليل السخط ولذلك قال في حالة الرضى: نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين، أي على قسمين. (مرباداً): المربادُّ والمُرْبَدُّ: الذي في لونه رُبدة، وهي بين السواد والغُبرة. (كالكوز مجخيا): المجخي: المائل عن الاستقامة والاعتدال هاهنا، وجخي الرجل في جلوسه: إذا جلس مستوفزاً، وجخي في صلاته: إذا جافى عضديه عن جوفه ورفع جوفه عن الأرض وخوى. ابن الأثير.

-* روى الطبراني عن طارق بن شهاب قال: جاء عتريسُ بن عرقوبٍ الشيباني إلى عبد الله فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فقال بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف وينكر المنكر. 194 - * روى أحمد عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنكم منصورُون ومصيبون ومفتوحٌ عليكم، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأْ مقعدهُ من النار". 195 - * روى أحمد عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (1) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوْشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه". 196 - * روى أبو داود عن أبي أمامة الشعباني قال: سألتُ أبا ثعلبة الخُشْنيَّ رضي الله عنه قال: قلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ قال: أما والله لقد سألتُ عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله علي وسلم، فقال: "ائتمرُوا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شُحاً مطاعاً، وهوى مُتبعاً ودُنيا

_ (1) 193 - مجمع الزوائد (7/ 275) كتاب الفتن، باب الإنكار بالقلب، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 194 - أحمد (1/ 436). أبو داود (3/ 319، 320) كتاب العلم، باب في التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الترمذي (4/ 524) 34 - كتاب الفتن، باب رقم 70. (فليتبوأْ): أي: فليتخذ له مباءة، والمباءة: المنزل. 195 - أحمد (1/ 2). أبو داود (4/ 122) باب الأمر والنهي. الترمذي (4/ 468) 34 - كتاب الفتن، 9 - باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (1 المائدة: 105. (الشُحُّ): البخل الشديد، وطاعته: أن يتبع الإنسان هوى نفسه لبخله، وينقاد له. 196 - أبو داود (4/ 123) كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي. =

مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودعْ عنك العوامَّ، فإن من ورائكم أيام الصبْرِ، الصبرُ فيهن مثلُ القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم" وزاد أبو داود (1) في حديث: قيل: يا رسول الله، أجرُ خمسين رجلاً منَّا، أو منهم؟ قال: بل أجرُ خمسين رجلاً منكم". الآية محمولة على ما إذا عجز المنكرُ ومعناها عند المحققين أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم. انظر دليل الفالحين 1/ 465. 197 - * روى أبو يعلي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون بعدي خُلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدي خلفاءُ يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم بريء، ومن أمسك يده، سلم ولكن من رضي وتابع". 198 - * روى الطبراني عن عبد الله يعني ابن مسعودٍ قال: إنَّ من أكبر الذنب أنْ يقول الرجل لأخيه اتق الله، فيقول: عليك نفسك أنت تأمرني؟

_ (1) أبو داود (1/ 123) نفس الموضع السابق. = (دنيا مؤثرة): أي: محبوبة مشتهاة مقدمة على أمر الآخرة. 197 - مجمع الزوائد (7/ 270) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير أبي بكر محمد بن عبد الملك ابن زنجويه فهو ثقة. 198 - الطبراني (9/ 119). مجمع الزوائد (7/ 271) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

الفقرة الثانية: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الفقرة الثانية: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 199 - * روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضلُ الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ". 200 - * روى النسائي عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجليِّ الأحمسي رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رِجْلَه في الغرز - أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطانٍ جائرٍ". 201 - * روى الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبَسُّمُك في وجه أخيك صدقةٌ، وأمرُك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغُك من دلوك في دلو أخيك صدقةٌ". قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجراً كما للصدقة أجر، وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور، وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام وقيل معناها أنها صدقة على نفسه (شرح مسلم للنووي 7/ 11). 202 - * روى مسلم عن عبد الله بن فرُّوخ أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهُ خُلِق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصلٍ، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله (1)، وعزل حجراً

_ 199 - أبو داود (4/ 124) كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي. وهو حديث صحيح لغيره. الترمذي (4/ 471) 34 - كتاب الفتن، 13 - باب ما جاء في أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. 200 - النسائي (7/ 161) 39 - كتاب البيعة، 37 - باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر. (الغَرْز): بغين معجمة مفتوحة، ثم راء ساكنة ثم زاي وهو ركابُ كُورِ الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختصُّ بجلدٍ وخشب. 201 - الترمذي (4/ 339، 340) 28 - كتاب البر والصلة، 36 - باب ما جاء في صنائع المعروف، وقال هذا حديث حسن غريب. 202 - مسلم (2/ 698) 12 - كتاب الزكاة، 16 - باب أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف.

عن طريق الناس، أو شوكةً، أو عظماً، أو أمر بمعروفٍ، أو نهي عن منُكرٍ، عدد تلك الستين والثلاثمائة السُّلاميِّ، فإنه يُمسي يومئذٍ وقد زحزَح نفسه عن النار" وفي رواية (1) "يمشي". 203 - * روى أحمد عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده إن المعروف والمنكر لخليقتان يُنصبان للناس يوم القيامة؛ فأما المعروفُ فيبشرُ أصحابه ويعدُهم الخير، وأما المنكر فيقول إليكم إليكم وما يستطيعون له إلا لزوماً". 204 - * روى أبو داود عن عُرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُملتِ الخطيئةُ في الأرض، كان من شهدها وكرهها - وفي رواية (2) - فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها". 205 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: "يذهب الصالحون أسلاخاً ويبقى أهل الريبِ من لا يعرف معروفاً ولا يُنكرُ منكراً". 206 - * روى الطبراني عن عبد العزيز بن أبي بكرة أن أبا بكرة، تزوج امرأة من بني غُدانةَ، وأنها هلكتْ فحملها إلى المقابر فحال إخوتُها بينه وبين الصلاة فقال: لهم لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم قالوا صدق صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليها، ثم إنه دخل القبر

_ (1) مسلم (2/ 698) نفس الموضع السابق. (السُّلامي): المفصل وجمعه سُلاميات. 203 - أحمد (4/ 391). كشف الأستار (4/ 102) كتاب الفتن، باب في أهل المعروف وأهل المنكر، قال البزار: لا نعلمه يروي عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد. مجمع الزوائد (7/ 262) 220 - كتاب الفتن، باب في أهل المعروف وأهل المنكر. 204 - أبو داود (4/ 124) كتاب الملاحم، 17 - باب الأمر والنهي. أبو داود، نفس الموضع. 205 - الطبراني (9/ 109). مجمع الزوائد (7/ 280) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. 206 - مجمع الزوائد (7/ 280) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

فدفعوه دفعاً عنيفاً؛ فوقع فغُشي عليه؛ فحُمِلَ إلى أهله فصرخَ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت له، قال عبد العزيز وأنا يومئذ من أصغرهم فأفاق إفاقة فقال لا تصرخوا عليَّ فوالله ما من نفس تخرجُ أحبُّ إلي من نفس أبي بكرة، ففزعَ القومُ فقالوا لم يا أبانا؟ قال إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمُرَ بالمعروف ولا أنهى عن منكر ولا خير يومئذٍ.

الفقرة الثالثة: في الأخذ بالرخصة أو العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الفقرة الثالثة: في الأخذ بالرخصة أو العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 207 - * روى البزار عن ابن عمر سمعت الحجاج يخطب فذكر كلاماً أنكرته، فأردت أن غيره فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسهُ"، قلتُ: يا رسول الله كيف يُذل نفسه؟ قال: "يتعرضُ من البلاء لما لا يُطيق". 208 - * روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسهُ"، قالوا: كيف يُذلُّ نفسه؟ قال: "يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيقُ". 209 - * روى أبو يعلي عن المعلي بن زيادٍ قال: لما هزم يزيدُ بن المُهَلَّب أهل البصرة قال المعلي: فخشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن فأُوجدُ فيها فأُعرَفُ، فأتيت الحسن في منزله فدخلت عليه فقلت يا أبا سعيد: كيف بهذه الآية من كتاب الله؟ قال أيَّةُ آيةٍ من كتاب الله؟ قلت: قول الله في هذه الآية {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال يا عبد الله إن القوم عرضوا عليّ السيفُ فحال السيفُ دون الكلام. قلت: يا أبا سعيد فهل تعرف لمتكلمٍ فضلاً؟ قال: لا. قال المعلى: ثم حدثني بحديثين قال ثنا أبو سعيد الخدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعَنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو يذكرُ بعظيم فإنه لا يُقرِّبُ من أجلٍ ولا يُبعدُ من رزقٍ"، قال ثم حدث الحسن بحديثٍ آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) "ليس للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه قيل وما إذلاله نفسه قال يتعرض من البلاء

_ 207 - كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 112) كتاب الفتن - باب لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسه. قال البزار: لا نعلمه يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. مجمع الزوائد: (7/ 275) كتاب الفتن. باب فيمن خشي من ضرر على غيره ونفسه. 208 - الترمذي (4/ 523) 34 - كتاب الفتن، باب 67 وقال: هذا حديث حسن غريب. وفي سنده عليُّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد صحح بعض العلماء هذا الحديث بالطريق السابق، أقول: في هاتين الروايتين إشارة إلى صورة من الصور التي يسع المسلم فيها محض الإنكار القلبي ولا يجب عليه فيها الإنكار اللساني. 209 - رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

ما لا يطيقُ" قلت يا أبا سعيد فيزيد الضبي وكلامه في الصلاة، قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم قال المعلى: فقمت من مجلس الحسن فأتيت يزيد فقلت: يا أبا مودودٍ بينما أنا والحسن نتذاكر إذ نصب أمرك نصباً فقال: مه يا أبا الحسن. قال: قلتُ: قد فعلتُ قال: فما قال؟: قلتُ: قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته. قال يزيد: ما ندمت على مقالتي وايمُ الله لقد قمت مقاماً أخطر فيه بنفسي قال يزيد: فأتيت الحسن قلت: يا أبا سعيد غُلبنا على كل شيء، نُغلبُ على صلاتنا؟ فقال: يا عبد الله إنك لم تصنع شيئاً، إنك تُعرضُ نفسك لهم، ثم أتيته فقال: مثل مقالته. قال فقمتُ يوم الجمعة في المسجد ولحكم بين أيوب يخطبُ فقلت رحمك الله الصلاة احتوشتني. فلما قلت ذلك قام الرجال يتعاوروني فأخذوا بلحيتي وتلبيبتي وجعلوا يجؤَوُن بطني بنعال سيوفهم، قال: ومضوا بي نحو المقصورة فما وصلتُ إليها حتى ظننتُ أنهم سيقتلوني دونها. قال: ففُتح لي بابُ المقصورة قال: فقمتُ بين يدي الحكم وهو ساكتٌ فقال: أمجنون أنت؟ وما كنا في صلاة فقلتُ: أصلح الله الأمير هل من كلام أفضل من كتاب الله، قال: لا. قلت: أصلح الله الأمير أرأيت لو أن رجلاً نشر مصحفاً يقرؤه غدوةً إلى الليل كان ذلك قاضياً عنه صلاته؟ قال: والله لأحسبك مجنوناً. قال وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت فقلت يا أنس يا أبا حمزة أنشدُك الله فقدت خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته أبمعروفٍ قلت أم بمنكر؟ أبحقٍ قلت أم بباطلٍ؟ قال: فلا والله ما أجابني بكلمةٍ. قال له الحكم بن أيوب يا أنسُ قال: يقول لبيك أصلحك الله قال: وكان وقت الصلاة قد ذهب. قال: كان بقي من الشمس بقيه. قال: احبسوه قال يزيد: فأقسِمُ لك يا أبا الحسن يعني للمعلى لما لقيتُ من أصحابي كان أشدَّ عليَّ من مقالي قال بعضهم مُراءٍ، وقال بعضهم مجنون. قال: وكتب الحكم إلى الحجاج أن رجلاً من بني ضبة قام يوم الجمعة قال الصلاة وأنا أخطبُ وقد شهد الشهودُ العدول عندي أنه مجنونٌ فكتب إليه الحجاج (1): إن كانت قامت الشهود العدول أنه مجنونٌ

_ = (أخطر) الخطر: الإشراف على الهلاك وخوف التلف وأخطر جعل نفسه خطراً لقرنه فبارزه. (احتوشتني): احتوشى القوم على فلان جعلوه وسطهم ومراده أحاطت له الصلاة. (التلبيب): أعلى الصدر من الثياب. (يجؤون): أي يضربون.

فخل سبيله، وإلا فاقطعْ يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. قال: فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني، قال المعلى عن يزيد الضبي: مات أخ لنا فتبعنا جنازته فصلنيا عليه فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا فإنا كذلك إذ رأينا نواصيَ الخيل والحِرابَ فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي فجاء الحكُم حتى وقف عليَّ فقال: ما كنتم تصنعون قلتُ: أصلح الله الأمير مات صاحبٌ لنا فصلينا عليه ودفناه وقعدنا نذكر ربنا ونذكر معادنا ونذكر ما صار إليه، قال: ما منعك أن تفِّرَ كما فروا. قلتُ: أصلح الله الأمير أنا أبرأُ من ذل من ذلك ساحة وآمنُ الأمير أن أفر! َ قال: فسكت الحكم، فقال عبد الملك بن المهلب وكان على شرطته تدري من هذا؟ قال من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة قال: فغضب الحكم وقال: أما إنك لجريء خذاه، قال: فأخذت فضربني أربعمائة سوط فما دريتُ متى تركني من شدة ما ضربني قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاجُ. أقول: في هذه القصة نموذج على ظلمٍ كان يستجيز معه أنس بن مالك والحسن البصري ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما أن في هذه القصة نموذجاً على من يبذل نفسه ويتحمل الأذى لقوله حقٍّ حتى يقولها عند سلطان جائر وهو بذلك مأجور ومبرور، ولو قتل كان من سادة الشهداء فالأخذ بالعزيمة في ذا المقام هو الأرقى والأخذ بالرخصة جائز، وقد نص فقهاء الحنفية أن من أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكرٍ فقُتل فهو شهيد مأجور، ولو لم يتغير المنكر أو يتحقق المعروف. وينبغي أن يوجد بين المسلمين من يقوم بفرض الكفاية، حتى يسقط الإثم عن المسلمين وإذا تعين إنسان بذلك وجب عليه، وعلى المسلمين أن يفتشوا عن الطريق الأقوم لإقامة فروض الكفايات. 210 - * روى الطبراني عن أبي جعفر الخَطْميِّ أن جده عُمير بن حبيب بن حماشة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند احتلامه، أوصى ولده فقال: يا بُنيَّ إياك ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داءٌ، ومن يحلُمْ عن السفيه يُسَرَّ ومن يجبْه يندمْ ومن لا يرضى بالقليل مما يأتي به السفيهُ يرضى بالكثير (1)، وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر

_ = (ديماس): بالفتح والكسر وهو السرداب المظلم والمراد به سجن الحجاج. 210 - مجمع الزوائد (8/ 64) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.

فليوطِّنْ نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله تعالى فإنه من وثق بالثواب من الله عز وجل لم يضُره مسُّ الأذى. 211 - * روى أحمد على ابن عباس رفعه: "ليس الخبرُ كالمعاينة، إن الله أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يُلقِ الألواحَ، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرتْ". أقول: في هذا الأثر إشارة إلى أن حال المؤمن وهو يرى المنكر غير حاله وهو يسمعه فالمسلم إذا شاهد المنكر غضب وبذل جهداً فإنهائه ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات لله كان لا يقوم لغضبه شيء حتى ينتهي المنكر.

_ 211 - أحمد (1/ 271). كشف الأستار (1/ 111) باب الخبر والمعاينة. ابن حبان (8/ 32) ذكر السبب الذي من أجله ألقى موسى الألواح. مجمع الزوائد (1/ 153) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح وصححه ابن حبان. ا. هـ.

الفقرة الرابعة: في الغضب لله والشدة في النهي عن المنكر

الفقرة الرابعة: في الغضب لله والشدة في النهي عن المنكر 212 - * روى الشيخان عن أبي مسعود عُقبة بن عامر البدريِّ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصُّبح من أجل فلان مما يُطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظةٍ قط أشد مما غضب يومئذ، فقال "يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فيُوجز فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة". 213 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله من سفر وقد سترت سهوةً بقرامٍ فيه تماثيلُ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكهُ وتلوَّن وجهه وقال: "يا عائشة إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يُضاهون بخلق الله". 214 - * روى الشيخان عنها: أن قريشاً أهمهمْ شأنُ المرأة المخزومية التي سرقتْ، فقالوا: من يكلمُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يجتريء عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حدٍ من حدود الله تعالى؟!!! " ثم قام فخطب ثم قال: "إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قاموا عليه الحد، وايمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

_ 212 - البخاري (13/ 135) 93 - كتاب الأحكام، 13 - باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان. مسلم (1/ 340) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. 213 - البخاري (10/ 386) 77 - كتاب اللباس، 91 - باب ما وطئ من التصاوير و 92 - باب من كره القعود على الصور. مسلم (3/ 1668) 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب تحريم تصوير صورة الحيوان. (السهوةُ): كالصفة تكون بين يدي البيت، و (القرام) بكسر القاف ستر رقيق و (هتكه) أفسد الصورة التي فيه. 214 - البخاري (6/ 513) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 54 - باب حدثنا أبو اليمان. مسلم (3/ 1315) 29 - كتاب الحدود، 2 - باب قطع السارق الشريف وغيره.

215 - * روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نُخامةً في القِبلة فشقَّ ذلك عليه حتى رُؤي في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يُناجي ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزُقنَّ أحدكمْ قِبَلَ القبلة، ولكن عن يسره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم ردَّ بعضه على بعض فقال: "أو يفعل هكذا". قال النووي: والأمرُ بالبُصاقِ عن يساره أو تحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد، فأمَّا في المسجد فلا يبْصق إلا في ثوبه.

_ 215 - البخاري (1/ 507) 8 - كتاب الصلاة، 33 - باب حَكَّ البزاق باليد من المسجد. مسلم (1/ 388، 389) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في المسجد.

الفقرة الخامسة: في وجوب امتثال ما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه

الفقرة الخامسة: في وجوب امتثال ما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه ونختم هذا الفصل بالتذكير بأن من أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكرٍ فالأصل في حقه أن يكون متحققاً بما أمر، منتهياً عما نهى. قال الله تعالى: (1). وقال تعالى: (2). وقال تعالى إخباراً عن شُعيبٍ عليه السلام: (3). 216 - *روى الشيخان عن أبي زيد أسامة بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُؤْتَى بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان!! مالك؟ لمْ تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه". 217 - * روى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررتُ ليلة أُسري بي بأقوام تُقرض شفاههم بمقاريض من نارٍ، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباءُ أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون".

_ (1) البقرة: 44. (2) الصف: 2. (3) هود: 88. 216 - البخاري (6/ 331) 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. مسلم (4/ 2290) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 7 - باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله. قوله (تندلق): هو بالدال المهملة ومعناه تخرجُ، و (الأقتاب) الأمعاء واحدها قتب. 217 - أحمد (3/ 120). ابن حبان (1/ 135) ذكر وصف الخطباء الذين يتكلمون على القول دون العمل.

الفصل الثاني في الدعوة إلى الخير قولا وعملا وفي النصيحة

الفصل الثاني في الدعوة إلى الخير قولاً وعملاً وفي النصيحة 218 - * أخرج أحمد والطبراني عن تميم الداريِّ ضضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ، ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذليلٍ عزاً يُعزُّ الله به الإسلام وأهله وذُلاً يُذلُّ الله به الكفر" وكان تميم الداري يقول: عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية. أقول: هذه بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتصار عالمي للإسلام وأرجو أن يكون ما نحن فيه مقدمة لذلك، فليترك المسلم اليأس والقنوط وليباشر الدعوة إلى الله فلعله يكون شريكاً في هذا الخير. 219 - * روى مسلم عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله". 220 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". 221 - * روى الشيخان عن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (1): "لأعطينَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتحُ الله على

_ 218 - أحمد (4/ 103). الطبراني "المعجم الكبير" (2/ 58). مجمع الزوائد (6/ 14) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح. 219 - مسلم (3/ 1506) 33 - كتاب الإمارة، 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره. 220 - مسلم (4/ 2060) 47 - كتاب العلم، 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة.

يديه، يُحبُّ الله ورسوله، ويحبهُ الله ورسوله، فبات الناس يدُوكون ليلتهم أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين عليُّ بن أبي طالب؟ فقيل: يا رسول الله!! هو يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجعٌ، فأعطاه الراية، فقال عليُّ رضي الله عنه يا رسول الله هل أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذْ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعُهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجبُ عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يَهْديَ الله بك رجلاً واحداً خرٌ لك من حُمْرِ النعم". 222 - * روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفسٍ تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفلٌ من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل". المقصود بابن آدم الأول قابيل لأنه أول من سن القتل بقتله أخيه هابيل والكفل: النصيب والحظ أي سينال نصيبه من الظلم كلما قتلت نفسٌ ظلماً. 223 - * روى مسلم عن أبي عمرو جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء قومٌ عُراةٌ مُجتابي النِّمار -أو العباءِ - متقلدي السيوف،

_

عامتهم بل كلهم من مُضر؛ فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى منهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فمر بلالاً فأذن وأقام، ثم صلى ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1)، والآية الأخرى التي في آخر الحشر: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2) "تصدق رجلٌ من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُرِّه من صاع تمره"، حتى قال ولو بشق تمرةٍ، فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرةٍ كادت كفهُ تعجز عنها - بل قد عجزت - ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه ولم يتهلل كأنه مُذهبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنةٌ سيئةً كان عليه وزرها ووزرهُ من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". 224 - * روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سُنة خيرٍ فاتُّبع عليها، فله أجره ومثل أجور من اتبعه، غير منقوصٍ من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة شرٍّ، فاتُّبع عليها، كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه، غير منقوصٍ من أوزارهم شيئاً. 225 - * روى مسلم عن تميم الداريِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "إنَّ

_ = ومعنى (مُجتابين) لابسيها قد خرَّقوها في رءُوسهم. (والجوْبُ) القطع. ومنه قول تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) أي نحتوه وقطعوه. وقوله (تمعر) هو بالعين المهملة أي تغر. وقوله: (رأيت كومين) بفتح الكاف وضمها، أي صُبرتين. وقوله: (كأنه مُذهبة) هو بالذال المعجمة وفتح الهاء والباء الموحدة، قاله القاضي عياض وغيره، وصحفه بعضهم فقال: (مدهنة) هو بدال مهملة وضم الميم وبالنون، وكذا ضبطه الحميدي، والصحيح المشهور هو الأول، والمراد به على الوجهين الصفاء والاستنار. [النووي في الرياض]. (1) النساء: 1. (2) الحشر: 18. 224 - مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم، 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة. الترمذي (5/ 2059) 42 - كتاب العلم، 15 - باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو ضلالة. وقال حديث حسن صحيح. 225 - مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة.

الدِّينَ النصيحةُ، قلنا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". وعند النسائي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الدينَ النصيحةُ، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". وفي رواية (2) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين النصيحةُ، إن الدين النصيحةُ، إن الدين النصيحةُ، قالوا: لمنْ يا رسول الله؟ قال: لله عز وجل، وكتابه، ورسوله، وأئمة المؤمنين وعامتهم، أو أئمة المسلمين وعامتهم". ومما جاء في شرح النووي على صحيح مسلم حول هذا الحديث: (الدين النصيحة) قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النصيحة كلمة جامعة. معناها حيازة الحظ للمنصوح له. ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه النصيحة. كقوله "الحج عرفة" أي عماده ومعظمه عرفة. (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه. وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه. فالله سبحانه وتعالى غني عن نصح الناصح. وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه. وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به. وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على لاحق وطاعتهم فيه وأمرهم به. والمراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقومون بأمور المسلمين من أصحاب الولايات. وأما نصيحة عامة المسلمين، وهم من عدا ولاة الأمور، فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم. (شرح النووي 2/ 38). 226 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال زياد بن علاقة:

_ (1) النسائي (7/ 156، 157) 31 - النصيحة للإمام. (2) أبو داود (4/ 286) 68 - باب في النصيحة. 226 - البخاري (13/ 193) 93 - كتاب الأحكام، 43 - باب كيف يبايع الإمام الناس.

سمعت جرير بن عبد الله [البجلي] يقول- يوم مات المغيرة بن شعبة-: "قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: عليكم باتقاء الله وحدهُ لا شريك له، والوقار والسكينة، حتى يأتيكم أميرٌ، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم، فإنه كان يُحبُّ العفو، ثم قال: أما بعدُ، فإني أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ: والنُّصُحَ لكل مسلم، فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد، إني لكم لناصحٌ، ثم استغفر ونزل". وفي رواية (1) لهما: قال جرير: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ". وفي رواية (2) النسائي قال: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن أنصح لكل مسلمٍ". وفي أخرى (3): "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلمٍ". وفي أخرى (4) قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أبايعك على السمع والطاعة فيما أحببتُ وكرهتُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو تستطيعُ ذلك يا جرير؟ أو تطيقُ ذلك؟ قال: قل: فيما استطعتُ، فبايعني، والنُّصح لكل مسلمٍ". وفي أخرى (5) قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسُطْ دك حتى أبايعك، واشترط عليَّ، وأنت أعلمُ، قال: أبايعُك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين". وأخرج الرواية الثانية، وزاد فيها "وعلى فراق المشرك".

_ = مسلم (1/ 75) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة. (1) مسلم (1/ 75) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة. (2) النسائي (7/ 140) البيعة على النصح لكل مسلم. (3) نفس الموضع السابق. (4) نفس الموضع السابق. (5) نفس الموضع السابق.

227 - * روى الشيخان عن أبي يعلي معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموتُ يوم يموتُ وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة". وفي رواية (1): "فلم يحُطها بنصيحةٍ لم يجد رائحة الجنة". وفي رواية (2) لمسلم: "ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين ثم لا يجهدُ لهم وينصحُ لهم إلا لم يدخلْ معهم الجنة". * * *

_ 227 - البخاري (13/ 127) 93 - كتاب الأحكام، 8 - باب من استرعى رعية فلم ينصح لها. (1) هذه الرواية في نفس الموضع السابق. مسلم (1/ 125) 1 - كتاب الإيمان، 63 - باب استحقاق الوالي الفاسق لرعيته النار. (2) مسلم ص 126.

الفصل الثالث من سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة

الفصل الثالث من سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة 228 - * روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته". 229 - * روى الشيخان عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كنا في جنازةٍ في بيقعِ الغرْقَدِ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حولَهُ، ومعه مخصرةٌ فنكس وجعل ينكُتُ بمخصرتِه ثم قال: "ما منكم من أحد إلا وقد كُتبَ مقعدهُ من النار ومقعده من الجنة، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكِلُ على كتابنا؟ فقال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلقَ له. وذكر تمام الحديث". 230 - * روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهلٍ فقالوا: إن ابن أخيك يشتمُ آلهتنا ويفعلُ ويفعل ويقول ويقولُ فلو بعثت إليه فنهيتهُ، فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدرُ مجلس رجلٍ قال: فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرقَّ له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قُربَ عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب: أي ابن أخي! ما لقومك يشكونك؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (1):

_ 228 - البخاري (5/ 178) 49 - كتاب العتق، 17 - باب كراهية التطاول على الرقيق. مسلم (3/ 1459) 33 - كتاب الإمارة، 50 - باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر. 229 - البخاري (11/ 494) 82 - كتاب القدر، 4 - باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً. مسلم (4/ 2039) 46 - كتاب القدر، 1 - باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. 230 - أحمد (1/ 227، 362) الترمذي (5/ 365) 48 - كتاب تفسير القرآن، 39 - باب من سورة "ص"، وقال الترمذي: حديث حسن. الحاكم (2/ 432) بمعناه، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.

"يا عم! إني أريدُهم على كلمةٍ واحدة يقولونها تدين لهم بها العربُ وتؤدي إليهم بها العجمُ الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القومُ: كلمةً واحدةً نعم أيبك عشراً، فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأيُّ كلمةٍ هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله"، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: "أجعلَ الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عُجاب"، قال: ونزلت من هذا الموضوع -إلى قوله: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (1). 231 - * روى البخاري عن ابن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاةْ دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهلٍ فقال: "أي عم! قل: "لا إله إلا الله" كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالبٍ! أترغبُ عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخِرَ ما كلمهم به: على ملة عبد المطلب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك"، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (2) ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (3). 232 - * روى أحمد عن عدي بن حاتم قال: جاءت خيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقربٍ فأخذوا عمتي وناساً، فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فصُفُّوا له". قالت: يا رسول الله! بان الوافد وانقطع الولد وأنا عجوزٌ كبيرةٌ ما بي من خدمة فُمنَّ عليَّ مَنَّ الله عليك، فقال: "ومن وافدُك؟ " قالت: عديُّ بن حاتمٍ، قال: "الذي فر من الله ورسوله؟ " قالت فمُنَّ عليَّ، فلما رجع ورجلٌ إلى جنبه - نرى أنه عليٌّ- قال: "سليه حُملاناً"، قال: فسألته فأمر لها. قال عديٌّ: فأتتني فقالت: لقد فعلت فعلةً ما كان

_ (1) ص: 5: 8. 231 - البخاري (7/ 193) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 40 - باب قصة أبي طالب. (2) التوبة: 113. (3) القصص: 56. 232 - أحمد (4/ 378). الترمذي (5/ 201) 48 - كتب تفسير القرآن، 2 - باب "ومن سورة الفاتحة" وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك. وقال ابن كثير في التفسير: وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. (الحُمْلان): مصدر حمل يحمل حُملانا: ما يركب عليه.

أبوك يفعلها وقالت: ايته راغباً أو راهباً فقد أتاه فلانٌ فأصاب منه وأتاه فلانٌ فأصاب منه، قال: فأتيته فإذا عنده امرأةٌ وصبيانِ - أو صبي - فذكر قربهم منه، فعرفتُ أنه ليس مُلك كسرى وقيصر. فقال له: يا عديُّ بن حاتم! ما أفرَك؟ أفرَّك أن يقال: "لا إله إلا الله؟ ما أفرك؟ أفرك أن يقال: "الله أكبر"، فهل شيءٌ هو أكبر من الله عز وجل؟ فأسلمتُ فرأيتُ وجهه استبشر وقال: إن المغضوب عليهم اليهودُ، وإن الضالين النصارى. قال: ثم سألوه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فلكم أيها الناس! أن تَرْضخوا من الفضل، ارتضخ امرؤٌ بصاعٍ، ببعض صاعٍ، بقبضةٍ، ببعض قبضةٍ - قال شعبة: وأكثر علمي أنه قال: بتمرة بشق تمرة - وإن أحدكم لاقى الله فقائلٌ ما أقول: ألم أجعلك سميعاً بصيراً؟ ألم أجعل لك ما لا وولداً؟ فماذا قدمتَ؟ فينظرُ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجدُ شيئاً، فما يتقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ فإن لم تجدوه فبكلمة لينةٍ، إني لا أخشى عليكم الفاقة لينصرنَّكم الله وليعطينكم - أو ليفتحن عليكم - حتى تسير الظعينةُ بين الحيرة ويثرب، إن أكثر ما يُخاف السرقُ على ظعينتها. قال ابن كثير في التفسير: وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. 233 - * روى ابن عبد البر عن معاوية بن حيدة القُشيري قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ما أتيتك حتى حلفتُ أكثر من عدد الأنامل - وطبقَ بين كفيه إحداهما على الأخرى - أن لا آتيك ولا آتي دينك أمراً لا أعقلُ شيئاً إلا ما علمني الله، وإني أسألك بوجه الله العظيم بم بعثك ربُّنا إلينا؟ قال: "بدين الإسلام، قال: وما دينُ الإسلام؟ قال أن تقول: أسلمتُ وجهي لله وتخليتُ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وكل مسلمٍ على كل مسلم محرمٌ أخوان نصيران، لا يقبل الله ممن أشرك بعد ما أسلم عملاً حتى يُفارق المشركين، ما لي أمسكُ بحُجَزِكم عن النار! ألا! وإن ربي داعيَّ وإنه سائل هل بلغت عبادي؟ فأقولُ: ربّ! قد بلغتُ، ألا (1)!

_ = (أن ترضخوا): أن تعطوا. (السِّرَق): أي السرقة. 233 - ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 323) وصححه.

فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا! ثم إنكم تُدعون مقدمةً أفواهكم بالقدام، ثم إن أوَّل شيء يُنبيء عن أحدكم لفخذهُ وكفُّهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! هذا ديننا؟ قال: هذا دينك وأينما تُحسن يكفكَ". 234 - * روى أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحِجْرَ في غزوة تبوك قام فخطب الناس فقال: "يا أيها الناسُ! لاتسألوا نبيكم عن الآيات! هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم ناقةً، ففعل، فكانت ترِدُ من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يُصيبون عن غِبِّها ثم تصدرُ من هذا الفج فعقروها، فأجَّلهم الله ثلاثة أيامٍ - وكان وعد الله غير مكذوبٍ - ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم بين السماء والأرض إلا رجلاً كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله؛ قيل: يا رسول الله! من هو؟ قال: أبو رِغالٍ". 235 - * روى مسلم عن معاوية بن الحكم السُّلَمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمُك الله، فرماني القومُ بأبصارهم، فقلت: واثكل أماهُ!! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه - فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس (1)، إنما هي التسبيحُ

_ = (مقدمة أفواهُكم بالفِدام): هو ما يشد على فم أبريق وكوز من خرقة لتصفية الشراب، أي يمنعون من الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم. 234 - كشف الأستار (2/ 356) باب غزوة تبوك. مجمع الزوائد (6/ 194) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط، وأحمد بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح. (الفج): الطريق الواسع. (الغب): من إيراد الإبل أي أن ترد الماء يوماً وتدعه يوماً ثم تعود. (عقروها): نحروها، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم. 235 - مسلم (1/ 381) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. (الشكل): بضم الثاء المثلثة المصيبة والفجيعة. (ما كهرني): أي ما نهرني.

والتكبيرُ، وقراءةُ القرآن"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكُهَّانَ، قال: "فلا تأتهم"، قلت: ومنا رجالٌ يتطيرون، قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنَّهم". * * *

الجزء الثاني في الصلاة وما يحيط بها

العبادات في الإسلام الجزء الثاني من قسم العبادات الرئيسية وهو في الصلاة وما يحيط بها

المقدمة

المقدمة قد يصيبك العجب عندما ترى سعة هذا الجزء الذي يتحدث عن الصلوات، ولكن إذا عرفت أن الصلاة هي العبادة الأولى وهي العبادة الكبرى، وإذا عرفت أن الصلوات هي حياة الأيام والأسابيع والسنين والأوقات والأوضاع والمناسبات، وإذا عرفت أن الصلوات هي المنظم لحياة المسلم وللحياة الإسلامية كلها، وهي مظهر حياة الإسلام وحيويته وإذا عرفت أن كثيراً من أصول التكليف، وفروعه تعتبر امتداداً لأصول في الصلاة بل إن التكليف كله ينسجم مع الصلاة ويتكامل معها بل يعتبر انبثاقاً عنها، وإذا عرفت أن الصلاة محل التركيز الثاني بعد التوحيد في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها للقلب البشري وللحياة البشرية دواء وغذاء وارتقاء، إذا عرفت هذا كله لما تعجبت من كثرة النصوص الواردة في الصلوات. وخذ أمثلة على التكامل بين الصلاة والتكاليف الإسلامية الأخرى: الطهارة والنظافة تتكاملان، كما أن بين الصلاة والتكاليف الأخلاقية تكاملاً، فالصلاة بما فيها من خضوع لله تنفي الكبر والعجب، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وبين ستر العورة في الصلاة وستر العورة خارج الصلاة صلة وتكامل، وبين إعمار المساجد حساً ومعنىً، وبين الذكر والعلم وصلاة الجماعة والجمعة صلة وتكامل. ولئن كان أرقى أنواع العبادة في الإسلام الذكر والفكر والدعاء، فإن أرقى صيغ الأداء للذكر والفكر والداء هي الصلاة، لأنه اشترط لها شروط خاصة، وتؤدي على هيئة خاصة فاجتمع للذكر والفكر والدعاء فيها ما لم يجتمع في غيرها، من استقبال للقبلة إلى الطهارة إلى الستر إلى الركوع إلى السجود .... واستيعاب هذه المواضيع وما يتفرع عنها لابد منه وهذا يقتضي سعةً وتوسعاً، وإذا كان فقه الصلاة هو الذي لي فقه التوحيد في الأهمية، فإن المسلم لا يبالي ما يبذل من جهد في ذات الله للتفقه في الصلاة. إن الصلوات وما يحيط بها هي الإطار الجامع والصاهر، فهي التي تصهر النفس بالإسلام

فتنورها وتزكيها وهي التي تصهر المجتمع الإسلامي ببعضه وبالإسلام حتى يذوب هذا المجتمع في بوتقة الإسلام، وهي التي تجدد قوة الإيمان وتقوي ما ضعف من صلة المسلم بإسلامه وإخوانه المسلمين، وهي مع بقية العبادات تصهر الشعوب والألوان في بوتقة الإنسانية الواحدة، لذلك وغيره أعطاها الكتاب والسنة ما أعطياها. والصلاة لم يخل منها دين بعث الله به رسولاً فقد قال تعالى لموسى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1). وقال إبراهيم عليه السلام: {اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} (2). 236 - * روى أبو داود عن النبي عليه السلام لوفد ثقيف: "ولا خير في دين لا ركوع فيه". والأصل أن تستغرق الصلاة حياة الإنسان لذلك فرضت ليلة الإسراء والمعراج في الملأ الأعلى خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس لها أجر خمسين، وفتح الباب للتطوع. وقد درج بعض الوعاظ والدعاة على أن يركزوا في عصرنا على معانٍ أخرى، ويقولوا ليست الصلاة هي كل شيء في الإسلام وهذا صحيح ولكن قد يشعر السامع أحياناً بعدم أهمية الصلاة نتيجة لذلك، فلابد أن يلحظ الواعظ ذلك. إن للصلاة انعكاساتها على حياة الشخص وعلى حياة الأمة، ولها تأثيراتها الحضارية على حياة الأمة كلها يظهر ذلك في العمران وفي اللباس وفي طرائق الحياة. وتكاد الصلاة أن تحوي كل رموز التكليف الرباني، كما أن تكليفاتها تخرج عن دائرتها إلى دوائر حياتية أخرى، فالطهارة شرط للصلاة لكن لها انعكاساتها خارج الصلاة، وستر العورة شرط في الصلاة ولكنه أدب المسلم خارجها، فالصلاة عبادة لله وهي في الوقت نفسه تدريب على نمط حياة هي الحياة الإسلامية: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (3) {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (4).

_ (1) طه: 14. (2) إبراهيم: 40. 236 - أبو داود (3/ 162، 164) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف، وإسناده حسن. (3) هود: 87. (4) العنكبوت: 45.

ومتى اعتاد المسلم على أن يقيم الصلاة فقد فتحت أمامه أبواب الولوج إلى الإسلام كله، فبواسطتها يسمع المسلم كلمة الخير ويصبح عنده استعداد لقبولها، ولذلك فمن المهم جداً أن يركز الدعاة عليها. وقد شرعت لنا الصلوات الخمس وهي الفريضة المجمع عليها، وشرعت لنا صلاة الجمعة كبديل عن صلاة الظهر يوم الجمعة، وشرعت لنا صلوات يومية زيادة على الفريضة هي رواتب الصلوات الخمس، وسنة الضحى ووتر الليل وقيامه، والنوافل المطلقة وأكدت المطالبه بالوتر وشرعت لنا صلاتان في السنة هي صلاتا العيدين، وشرعت لنا صلاة التسابيح يومياً أو أسبوعياً أو سنوياً أو عُمرياً، كما شرعت لنا صلوات المناسبات: استخارة، كسوف، خسوف، استسقاء، صلاة الحاجة، والمنزل والقدوم وصلاة وداع المنزل وصلا الخوف وصلاة تحية المسجد وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسجدة الشكر وشرع للمسلم أن يصلي في غير أوقات المنع أو الكراهة ما شاء من النوافل. وللصلوات شروط وأركان وواجبات وسنن وآداب ومكروهات ونواقض، ولبعض الصلوات أحكام خاصة كصلاة الخوف والعيدين وهناك صلاة الجنازة وسجدتا التلاوة والشكر فهذه لها هيئاتها التي تشارك الصلوات في شيء من مطلوباتها ولها خصوصياتها. وهناك طواريء تطرأ كالمرض والسفر والمطر يوجد بسببها ترخيصات وللمرأة خصوصياتها في الصلاة وهناك صلاة الطواف وهناك طواريء تطرأ بسبب الحركة الجهادية يترتب عليها أحكام خاصة في الجهاد وهناك حالات الإكراه وحالات الضرورة والاضطراب، وكل ذلك له أحكامه. والأئمة المجتهدون حاولوا أن يضعوا كل فعل وكل قول مرتبط في الصلاة في إطار تفصيلي من حيث قوة الإلزام. فهناك الفرائض التي لا تجوز بدونها الصلاة، وهناك ما دون ذلك مما تجوز به الصلاة وتكون ناقصة بحسبه وهناك الأفعال التي تبطل الصلاة أصلاً وهناك ما لا يبطل الصلاة ولكن يجعل فيها خللاً، وفي هذا كله نجد المجمع عليه ونجد المختلف فيه وما اختلف فيه بين الأئمة فالأمر فيه واسع ولا يختلف الأئمة عادة فيما كان قطعيَّ الثبوت قطعي الدلالة وقد

يختلفون فيما سوى ذلك، وما اختلف فيه أئمة الاجتهاد فالأمر فيه واسع، وما دام المرء على مذهب إمام وتوافرت فيه شروط الاجتهاد أو الفتوى فلا حرج عليه، فما اختلفوا إلا حيث يحتمل المقام اختلافاً. * * * إن إقامة الصلاة تعني إقامةً لأوامر كثيرة طالب الله عز وجل بها المكلفين، فحين تقيم الصلاة فإنك تقيم الكثير من أوامر الله عز وجل {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (2) {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3) {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (4) {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (5) {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (6) {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (7) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (8) {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (9) {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (10) {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (11) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (12). ويكفيك لتعرف عظمة الصلاة أن تتدبر قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (13). {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (14) فمبنى الدين القيم على توحيد العبادة لله، والإخلاص فيها وإقام

_ (1) الأعراف: 31. (2) المائدة: 6. (3) البقرة: 150. (4) النساء: 103. (5) البقرة: 238. (6) المزمل: 20. (7) الأعراف: 204. (8) الحج: 77. (9) الواقعة: 74. (10) الأعلى: 1. (11) الروم: 17، 18. (12) الأحزاب: 56. (13) البقرة: 45. (14) البينة: 5.

الصلاة وإيتاء الزكاة. * * * وعرض نصوص الصلاة المتعلقة في السُّنَّة على طريقة التقسيمات الفقهية الدقيقة من الصعوبة بمكان لتداخل المواضيع في النصوص بعضها ببعض، ثم إن مجموع الروايات لا يحاط بها، وقد أردنا أن نسهل وأن بسط ما استطعنا، كما حاولنا أن نعرض الصلاة عرضاً يخفُّ على نفس القارئ، كما حاولنا أن نقدم بعض المواضيع لشعورنا أنها تحتاج في عصرنا إلى تركيز وزيادة تذكير. * * * هذا وإننا نذكر القارئ أنه لابد لمريد الآخرة من قراءة كتب الفقه المعتمدة فإنها هي التي جمعت الأحكام بعضها إلى بعض، وذكرت أمهات المسائل وأعطت الجواب على الفرعيات الكثيرة، فحاول يا أخي أن تقرأ كتاباً من كتب الفقه على مذهب إمام، وحاول أن تكون قراءتك على عالمٍ متقنٍ فقيهٍ ورعٍ بصير بموارد الفتوى ومصادرها. فهناك قضايا في الشريعة نصوصها قطعية الثبوت قطعية الدلالة ما ذكرنا فهذه لا يختلف فيها أئمة أهل السُّنة والجماعة أما ما سوى ذلك من النصوص فقد يجمعون على فهم موحد فيه وقد يختلفون وهناك مسائل مبناها على القياس فقد يجمعون عليها وقد يختلفون فما أجمعوا عليه لا يسع مسلماً أن يشذّ فيه وما اختلفوا فيه فإن المسلم يسعه أن يتبع أي واحد منهم. والأصل أن يكون المسلم على مذهب إمام وأن يتفقه في مذهبه ولا يترك مذهبه في مسألة إلى مذهب آخر إلا إذا كانت هناك ضرورة أو ترجح لديه - إن كان من أهل العلم - دليل مذهبٍ آخر، أو نزل على حكم القضاة العدول فيما لا يخرج عن آراء أئمة الاجتهاد. إن أئمة الاجتهاد هم الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تضع كل نص في محله في بناء الشريعة، ومن ههنا، كان لكلامهم وزن خاص عندما يتعاملون مع النصوص فهماً أو توجيهاً أو تخصيصاً أو تقييداً، ويعرفون ما يدخل في دائرة القياس وما لا يدخل وما

يخرق الإجماع وما لا يخرق، نحن في هذا الكتاب نعرض للمواضيع الفقهية عرضاً إجمالياً يتسم بالاختصار المركز ونتخير من المسائل والفوائد والأقوال ما نرى أن هناك ضرورة في التعرف عليه، وفي أقصى حدود الاختصار معتمدين على أن المسلم له دراساته في الفقه والعقائد والأصول وغير ذلك من أصول الثقافة الإسلامية وفروعها. على ضوء هذا التقديم تُقْبِل على كثيرٍ من المواضيع الفقهية التي ستمر بنا فيما يأتي من هذا الكتاب ومن ذلك فقه الصلاة: يَعْرِضُ بعض الفقهاء أحكام الصلوات الخمس فيذكر أن لها شروطاً وأركاناً وواجبات وسنناً وآداباً، وأن هناك مكروهاتٍ تنزيهية وتحريمية ومفسداتٍ تطرأ عليها فالمفسد يبطلها والمكروه تحريماً يوجب إعادتها، والمكروه تنزيهاً يُتساهل فيه، وكذلك الأدب والسنة، أما ترك الواجب عمداً؛ فيوجب إعادتها مادام الوقت باقياً كارتكاب المكروه تحريماً، وإذا أخل إنسان بركن أو شرط لغير عذر مقبول شرعاً فإن صلاته تبطل لأن الشرائط والأركان فرائض في الصلاة. فإذا انتهوا من ذلك تحدثوا عن الوتر على اعتبار أنه الأقوى إلزاماً بعد الصلوات الخمس ويذكرون بعض خصوصيات الوتر، ثم يتحدثون عن نوافل وصلوات بعضها فرض كفاية كصلاة الجنازة وبعضها سنة كفاية كصلاة التراويح في المسجد وبعضها واجب في رأيهم كصلاة العيد وبعضها سنن مؤكدة وبعضها سنن غير مؤكدة، ويتحدثون في هذا الخِضَّم عن نوافل مطلقة ونوافل مقيدة فالصلاة خير موضوع. وهناك بعض الصلوات التي تختص بهيئة، ويلزم فيها بعض الشروط كصلاة الجنازة وهناك سجدتا التلاوة والشكر اللتان يلزم فيهما بعض الشروط ولهما أحكامهما الخاصة، وهناك طوارئ تؤثر على بعض الأحكام، وهناك صلوات لها أحكام زائدة على أحكام الصلوات الخمس ويرافقها آداب، وكل ذلك سيمر معنا تفصيلاً إلا أننا رأينا أن نؤخر صلاة الجنازة فنذكرها في القسم الرابع من هذا الكلام عن آداب التعامل مع الموت. وكنا ذكرنا بعض أحكام النذر ومن ذلك نذر الصلاة في قسم العقائد ونحن في هذا الجزء سنتعرض لما يتعرض له الفقهاء في أمهات مسائل الصلاة.

نبدأ بالحديث عن شروط الصلاة وهي خمسة: الطهارة، ستر العورة، استقبال القبلة، دخول الوقت، النية. ثم نتحدث عن أركان الصلاة وواجباتها وهيئاتها وأهم تلك الأركان والواجبات: تكبيرة الإحرام - القيام للقادر- قراءة القرآن - الركوع - الرفع من الركوع- السجود مرتين لكل ركعة- الجلوس بين السجدتين- القعود الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية - القعود الأخير في كل صلاة - التشهد - السلام - الطمأنينة في أفعال الصلاة - الترتيب في أداء الصلاة - موالاة أفعالها - ترك الكلام الأجنبي عن الصلاة - ترك الفعل الكثير من غير جنس الصلاة. وسنن الصلاة وآدابها كثيرة ومن ذلك: أذكارها، والأذكار التي تأتي بعدها، هناك سنن داخل الصلاة وهناك سنن خارجة عنها. والمكروهات المفسدات كل ذلك سيأتي تفصيله معنا، وتفصيل ما يتعلق بالصلاة. وهكذا نجد أمامنا أبواباً كثيرةً كلها تحتاج إلى دراسة وفقه وسنعرض نصوص الصلاة وما يتعلق بها على أبواب، وهذه أبواب هذا الجزء:

الباب الأول: في نصوص مُذكرة ببعض الأصول في الصلاة. الباب الثاني: في شروط الصلاة. الباب الثالث: في أفعال الصلاة وأقوالها وما يدخل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب. الباب الرابع: في أفعال ممتنعة في الصلاة وأفعال جائزة. الباب الخامس: في المساجد والجماعة والجمعة. الباب السادس: في صلوات الليل والنهار في الأحوال العادية عدا الصلوات الخمس. الباب السابع: في الصلوات السنوية. الباب الثامن: في الصلوات في الأحوال العارضة. الباب التاسع: في صلاة المناسبات. الباب العاشر: في السجدات.

الباب الأول في نصوص مذكرة ببعض الأصول في الصلاة

الباب الأول في نصوص مذكرة ببعض الأصول في الصلاة وفيه الفصول التالية * الفصل الأول: في وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها وتعجيلها. * الفصل الثاني: في قضاء الفائتة. * الفصل الثالث: في صلاة الصبي. * الفصل الرابع: في ذكر بعض من لا تقبل صلاتهم.

الفصل الأول: وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها، وتعجيلها وما يتصل بذلك.

الفصل الأول: وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها، وتعجيلها وما يتصل بذلك. وفيه فقرات

الفقرة الأولى: في وجوب الصلاة وفرضيتها

الفقرة الأولى: في وجوب الصلاة وفرضيتها 237 - * روى الشيخان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً". 238 - * روى مسلم عن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبيه. قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات "اللهم! اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني". 239 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بين الرَّجُل وبين الشرك: تركُ الصلاة". وفي رواية (1) الترمذي "بين الكفر والإيمان: تركُ الصلاة" وله في أخرى (2) "بين العبد وبن الشرك أو الكفر: تركُ الصلاة". وفي أخرى (3) "بين العبد وبين الكفر: تركُ الصلاة". وأخرج (4) أبو داود الرواية الآخرة من روايات الترمذي. 240 - * روى أحمد عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العهدُ الذي بيننا وبينهم: الصلاةُ، فمن تركها فقد كفر".

_ 237 - البخاري (1/ 49) 2 - كتاب الإيمان، 2 - باب دعاؤكم إيمانكم. مسلم (1/ 45) 1 - كتاب الإيمان، 5 - باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام. 238 - مسلم (4/ 2073) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. 239 - مسلم (1/ 88) 1 - كتاب الإيمان، 35 - باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة. (1) الترمذي (5/ 13) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. (2) الترمذي (5/ 13) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. (3) الترمذي (5/ 13) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. (4) أبو داود (4/ 219) كتاب السنة، 15 - باب في رد الإرجاء 240 - أحمد (5/ 346). الترمذي (5/ 14) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. النسائي (1/ 231) كتاب الصلاة، 8 - باب الحكم في تارك الصلاة. الحاكم (1/ 6) كتاب الإيمان وصححه ووافقه الذهبي.

241 - * روى الترمذي عن عبد الله بن شفيقٍ رحمه الله قال: "كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركهُ كفرٌ غير الصلاة". 242 - * روى أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة متعمداً فقد حَبِطَ عملهُ". تعليق: أهل السنة يرون أن الإيمان هو: الإقرار باللسان والتصديق بالجنان وثمرته العمل بالأركان، وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين وقد لقوا الله تعالى عارفين مؤمنين، فهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا نهم، بفضله كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) في كتابه العزيز وإن شاء عذبهم في النار بقدر جنايتهم بعدله ثم يخرجهم منها برحمته ا. هـ (العقيدة الطحاوية) والصلاة والزكاة والصوم من الأعمال فلا يكفُرُ تاركها المؤمن بها. وجماهير العلماء حملت النصوص التي مرت معنا على تارك الصلاة المستحل أو على أن المراد بذلك ما يقابل الشكر - أي كفر عملي - فالحنفية والشافعية والمالكية هذا رأيهم وقال الإمام أحمد بكفر تارك الصلاة كفراً حقيقياً يستوجب الخلود في النار وتارك الصلاة عند الإمام أحمد يقتل كفراً لأنه مرتد عنده، فهذه عقوبته دنيوياً عند أحمد، والحنفية يروْنَ أن عقوبته الدنيوية الحبس والضرب ضرباً شديداً حتى يسيل منه الدم، حتى يصلي ويتوب أو يموت في السجن، وقال الشافعية والمالكية: تارك الصلاة بلا عذر ولو ترك صلاة واحدة يستتاب ثلاثة أيام كالمرتد وإلا قُتِلَ إن لم يتب، ويقتل حداً لا كفراً أي لا يحكم بكفره وإنما يقتل عقوبةً وبعد الموت يغسَّل ويصلي عليه ويدفن مع المسلمين. 243 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سأل رجلٌ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم،

_ 141 - الترمذي (5/ 17) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة وإسناده حسن. 242 - أحمد (6/ 442) ورجاله رجال الصحيح. (1) النساء: 116. 243 - مسلم (1/ 40، 41، 42) 1 - كتاب الإيمان، 2 - باب بيان الصلوات، 3 - باب السؤال عن أركان الإسلام، 4 - باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة.

فقال: يا رسول الله، كم فرض الله على عباده من الصلوات؟ قال: "افترض الله على عباده صلواتٍ خمساً"، قال: يا رسول الله، هل قبْلَهُنَّ أو بعدَهُنَّ من شيء؟ قال: "افترض الله على عباده صلوات خمساً"، فحلف الرجل لا يزيدُ عليه شيئاً، ولا ينقص منه شيئاً"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صدق ليدخُلَنَّ الجنة". 244 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "فُرِضَتْ على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به الصلاة خمسين، ثم نُقِصَت حتى جُعلت خمساً، ثم نُودي: يا محمدُ، إنه لا يُبدلُ القول لديَّ، وإن لك بهذه الخمس خمسين". أقول: قد كانت الصلاة مفروضة قبل ليلة الإسراء والمعراج إلا أن استقرار الفريضة على خمس صلوات في اليوم والليلة هو الذي حصل في تلك الليلة وقد مرت معنا تفصيلات ذلك في قسم السيرة، كما مر معنا الخلاف في تحديد زمن الإسراء والمعراج والذي عليه العمل أنه كان في سبع وعشرين من رجب على خلافٍ كثيرٍ في تحديد السَّنة ومن الأقوال في ذلك أنه كان قبل سنة ونصف من الهجرة. 245 - * روى الترمذي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ: أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يُبطئ بها، فقال له عيسى: إن الله أمرك بخمس كلماتٍ: أن تعمل بها، وتأمُرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها (1)، فإما

_ = الترمذي (3/ 14) كتاب الزكاة - باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك. النسائي (1/ 228) 5 - كتاب الصلاة، 4 - باب كم فرضت في اليوم والليلة. 244 - البخاري (6/ 374) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 5 - باب ذكر إدريس عليه السلام. مسلم (1/ 145) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات. الترمذي (1/ 417) أبواب الصلاة، 159 - باب كم فرض الله على عباده من الصلوات. النسائي (1/ 217) 5 - كتاب الصلاة، 1 - فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين. 245 - الترمذي (5/ 148) 45 - كتاب الأمثال، 3 - باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة وقال هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو كما قال. ابن حبان (8/ 43) ذكر تشبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم عيسى ابن مريم بعروة بن مسعود. الحاكم (1/ 421) كتاب الصوم.

أن تأمُرهم، وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخْسَفَ بي أو أُعذب، فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشُّرَف، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات: أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، أولهن: أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، فإن مثل من أشرك بالله شيئاً كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأدِّ إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صلَّيتُم فلا تلتفتوا، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابة معه صُرَّة فيها مسك، كلهم يعجب - أو يعجبه - ريحها، وإنَّ ريح الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، وآمرُكم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوُّ، فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم، وكذلك العبدُ لا يُحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعةُ، والجهادُ، والهجرةُ، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شِبْر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يُراجع، ومن دعا دعوى الجاهلية، فإنه من جثيِّ جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله وإن صام وإن صلَّى؟ قال: "وإن صام وإن صلَّى، فادْعوا بدعوى الله التي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".

_ (العصابة): الجماعة من الناس، قيل: تبلغ الأربعين. (الرِّبْقَة) في الأصل: حبلٌ فيه عُرىً كثيرة تُشد به الغنم، الواحدة منها رِبْقة، فاستعار للإسلام ربقة، يعني بها: العروة يشُد بها المسلم نفسه من عُرى الإسلام. (جُى): جمع جثوة بالضم، وهي الشيء المجموع من جماعات جهنم، هذا فيمن رواه مخففة، ومن رواها "جُثِيّ"- مشددة - فإنه أراد الذين يجثون على الركب، واحدها: جاثٍ، من قوله تعالى: (حول جهنم جثياً) [مريم: 68].

246 - * روى أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخْطُب في حجة الوداع، فقال: "اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدُّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخُلوا جنَّةَ ربِّكم" قال الراوي: قلت لأبي أمامة: منذُ كم سمعت هذا الحديث؟ قال: سمعتُه وأنا ابن ثلاثين سنة. 247 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين، أو كُتِبَ من القانتين". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الكلام أربعة، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر". 248 - * روى ابن خزيمة عن سَمُرة بن جُندبٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم رؤيا"؟ فيقُصُّ عليه من شاء الله أن يقُصَّ"، وإنه قال لنا ذات غداةٍ: "إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني، فقالا لي: انطلقْ انطلقْ، فأتينا على رجل مضطجعٍ، وإذا آخَرُ قائم على رأسه بصخرةٍ، وإذا هو يهوي بالصخرة فيبلغُ رأسه فيُدهدَهُ الحجرُ هاهنا، فيتبعُه فيأخذه فما يرجعُ إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به كما فعل المرة الأولى"، فذكر الحديث بطوله، وقال: قالا: أما إنا سنخبرُك، أما الرجل الذي أتيت عليه يُثْلَغُ رأسه، فإنه رجلُ يأخذُ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة". أقول: لقد ثبتت فرضية الصلوات الخمس بالكتاب والسنة والإجماع، أما السنة فقد رأينا في هذا الفصل وفي قسم العقائد مايكفي في إثبات ذلك، وأما الكتاب فأوضح آية تدل على أنها خمس هي قوله تعالى: (1)، فأقل

_ 246 - أحمد (5/ 251). الترمذي (2/ 516) كتاب الصلاة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. الحاكم (1/ 389) كتاب الزكاة - باب التغليظ في منع الزكاة. قال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. 247 - ابن خزيمة (2/ 180) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، وإسناده صحيح. 248 - ابن خزيمة (2/ 69) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 365 - باب التلغيظ في النوم عند الصلاة المكتوبة. (1) البقرة الآية: 238.

عدد يدخل في الأمر هو العدد خمسة، وذلك أن الصلوات جمع، وأقل الجمع الذي له وسط هو الخمسة فمثلاً: لو كانت الصلوات ثلاثة لكان ما سوى الوسطى ثنتين وليس ذلك جمعاً، وقد استدل بعضهم أن الصلوات خمس لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (1)، وعلى كل فالسنة المتواترة أن الصلوات المفروضة خمس، وعلى ذلك انعقد الإجماع. * * *

_ (1) الروم آية: 17، 18.

الفقرة الثانية: في فضل الصلاة مطلقا

الفقرة الثانية: في فضل الصلاة مطلقاً 249 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعةِ: كفاراتٌ لما بينهن" زاد في رواية (1) "ما لم تُغش الكبائر" وزاد في أخرى (2) "ورمضان إلى رمضان: مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ، إذا اجتنبت الكبائرُ". 250 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسلُ فيه كل يوم خمس مرات، ما تقولون ذلك يُبقي من درنه؟ " قالوا: لا يُبقي من درنه شيئاً، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا". وفي رواية (3) "مثل الصلوات الخمس، مثلُ نهرٍ عظيم ببابِ أحدكم يغتسلُ فيه كل يوم خمس مراتٍ، فإنه لا يُبقي من درنه شيئاً". 251 - * روى مسلم عن جابر رض الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ جارٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ"، قال الحسن وما يُبقي ذلك من الدَّرن؟. 252 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "كان رجلان أخوانِ،

_ 249 - مسلم (1/ 209) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. (1) مسلم (1/ 209) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 209) نفس الموضع السابق. 250 - البخاري (2/ 11) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 6 - باب الصلوات الخمس كفارة. مسلم (1/ 462) 5 - كتبا المساجد ومواضع الصلاة، 51 - باب المشي إلى الصلاة. (3) الترمذي (5/ 151) 45 - كتاب الأمثال، 5 - باب مثل الصلوات الخمس. النسائ (1/ 230) 5 - كتاب الصلاة، 7 - باب فضل الصلوات الخمس. (درنه) الدرن: الوسخ. 251 - مسلم (1/ 463) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 51 - باب المشي إلى الصلاة. 252 - أحمد (1/ 177). مجمع الزوائد (1/ 297) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.

فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلةً، فذكرتْ فضيلةُ الأول منهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم يكن الآخر مسلماً؟ " قالوا: بلى، وكان لا بأس به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يُدريكم ما بلغتْ به صلاتُه؟ إنما مثلُ الصلاة كمثل نهرٍ عذبٍ غمرٍ بباب أحدكم، يَقْتَحِمُ فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يُبقي من درنه؟ فإنكم لا تدرون ما بلغتْ به صلاتهُ". 253 - * روى الشيخان عن حمران مولى عثمان قال: "كنتُ أضعُ لعثمان طهوره، فما أتى عليه يومٌ إلا وهو يُفيضُ عليه نُطفةً - يعني من ماء - وقال: قال عثمان: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا من صلاتنا - أُراه قال: العصر - فقال: "ما أدري، أحدِّثُكُم، أو أسْكُتُ؟ " قال: فقلنا: يا رسول الله، إن كان خيراً فحدثنا، وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم، قال: "ما من مسلم يتطهرُ فيُتمُّ الطهارة التي كتب الله عليه، فيصلي هذه الصلوات الخمس، إلا كانت كفاراتٍ لما بينها". وفي رواية (1) "أنَّ عثمان لما توضأ قال: والله لأحدثنكم حديثاً لولا آيةٌ في كتاب الله ما حدثتكموه، سمعت رسول الله صلى الله لعيه وسلم يقول: "لا يتوضأ رجلٌ وضؤه، ثم يصلي الصلاة، إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاة التي تليها". قال عروة بن الزبير: الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله- {اللَّاعِنُونَ} (2). وفي رواية (3) للبخاري: "أن عثمان توضأ، فأحسن الوضوء، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: "من توضأ نحو هذا الوضوء، ثم أتى المسجد

_ = ابن خزيمة (1/ 160) كتاب الصلاة، 7 - باب في فضائل الصلوات الخمس. (اقتحمتُ) الأمر وغيره: إذا دخلت فيه وألقيت نفسك إليه. (غمر): يقال غمرهُ البحر غمراً: إذا علاه أي كثير يغمر من يدخله ويغطيه. 253 - البخاري (1/ 259) 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثاً. مسلم (1/ 207) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (1) مسلم (1/ 206) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (2) البقرة: 159. (3) البخاري (1/ 266) 4 - كتاب الوضوء، 28 - باب المضمضة في الوضوء.

فركع ركعتين، ثم جلس، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه". وفي أخرى (1) لمسلم قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غُفِرَ له ذنوبُهُ". وفي أخرى (2) لهما "أن عثمان توضأ يوماً وضوءاً حسناً، ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فأحسن الوضوء، ثم قال: منْ توضأ هكذا، ثم خرج إلى المسجد، لا ينهزُه إلا الصلاةُ، إلا غُفِرَ له ما خلا من ذنبهِ". وفي أخرى (3) عن عمرو بن سعيد بن العاص "أن عثمان دعا بطهوره، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امريء مسلم تحضُره صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسِنُ وضوءها، وخُشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأتِ كبيرةً، وذلك الدهر كله". 254 - * روى مالك "ان عثمان جلس يوماً على المقاعد، فجاءه المؤذِّنُ فآذنه بصلاةِ العصر، فدعا بماءٍ، ثم قال: والله لأحدثنكم حديثاً لولا آيةٌ في كتاب الله ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الل عليه وسلم يقول: "ما من امرئ يتوضأُ فيُحسنُ وضوءهُ، ثم يصلي الصلاة إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها". قال مالك: أُراه يريد هذه الآية (4).

_ (1) مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (2) البخاري (1/ 259) 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 40 باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (3) مسلم (1/ 206) 2 - كتاب الطهارة، 4 باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. 254 - الموطأ (1/ 30) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. (نطفة) النطفة: الماء القليل، وقد يطلق على الكثير، وقيل: هو الماء الذي لا كدر فيه، وسواء قليله وكثيره. (ينهزه) نهزهُ ينهزهُ: إذا دفعه وحمله على فعل الشيء. (زُلفا) الزلف جمع: زلفة، وهي الطائفة من أول الليل. (4) هود: 114.

255 - * روى مسلم عن أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعودٌ معه، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ حداً، فأقِمْه عليَّ، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد، فسكت عنه، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبعه الرجل، فاتبعْتُه أنظر ماذا يرُدُّ عليه، فقال له: "أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: "ثم شهدت الصلاة معنا؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: "فإن الله قد غفر لك حدَّك"- أو قال: "ذنْبَكَ". قال محقق الجامع: وقد جزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر، بدليل أن في بقية الخبر أنه كفَّرته الصلاة، بناء على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر، لا الكبائر، وهو لم يزن، وإنما فعل أشياء دون ذلك، وظن ما ليس زنا زناً، فلذلك كفرت ذنبه الصلاةُ. ا. هـ. 256 - * روى ابن خزيمة في صحيحه ما يبين أن الإثم الذي ارتكبه هو دون الزنا. 257 - * روى أحمد عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها، إليَّ وباشرتها وقبلتها وفعلت بها كل شيء إلا إني لم أجامعها. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم. فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (1). فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه. فقال عمر: يا رسول الله صلى آله خاصة أو للناس كافة؟ فقال: "لا. بل للناس كافة". 258 - * روى أبو داود عن عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 155 - مسلم (4/ 2117) 49 - كتاب التوبة، 7 - باب قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. (حداً) الحدُّ: ما أمر به الله تعالى من العقاب لمن أذنب ذنباً، ومعنى قوله: "أصبتُ حداً" أي: أصبتُ ذنباً يوجب عليَّ حداً. 256 - ابن خزيمة (1/ 160 - 162) كتاب الصلاة، 7 - باب في فضائل الصلوات الخمس. 257 - أحمد (1/ 445) وإسناده صحيح. (1) هود: 115. 258 - أبو داود (2/ 4) تفريع أبواب صلاة السفر، باب الأذان في السفر.

يقول: "عجبُ ربُّكَ من راعي غنمٍ في رأس شَظيَّةٍ للجبل يؤذِّنُ بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذِّنُ ويقيمُ الصلاة، يخاف مني، قد غفرتُ لعبدي وأدخلتُه الجنة". 259 - * روى أحمد عن مالك بن أنس بلغهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ". وفي رواية (1) "واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة". 260 - * روى أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم "حُبِّبَ إليَّ [وفي رواية: من دنياكم] النساء، والطيبُ، وجُعلتْ قرةُ عيني في الصلاة". 261 - * روى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: "كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فآتيه بوضوئه وبحاجته، فقال لي: "اسألني"، فقلت: إني أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك؟ "، قلتُ: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السُّجودِ". 262 - * روى مسلم عن معدان بن أبي طلحة قال: "لقيتُ ثوبان مولى رسول الله

_ = النسائي (2/ 20) 7 - كتاب الآذان، 26 - باب الأذان لمنْ يُصلي وحده وإسناده صحيح. (شظية) الشظية من الجبل: قطعة انقطعت منه ولم تنفصل، كأنها انكسرت منه ولم تنكسر، والجمع: الشظايا. 259 - أحمد (5/ 282). (1) الموطأ (1/ 34) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. الدارمي (1/ 168) كتاب الصلاة، باب ما جاء في الطهور. ابن حبان (2/ 187) كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء وهو صحيح بطرقه. 260 - أحمد (3/ 199)، (3/ 128، 285) وإسناده حسن. النسائي (7/ 61، 62) 36 - كتاب عشرة النساء، 1 - باب حب النساء. 261 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه. أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، 23 - باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. 262 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة -4 - باب فضل السجود والحث عليه. الترمذي (2/ 230) أبواب الصلاة، 286 - باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود وفضله. النسائي (2/ 228) 12 - كتاب التطبيق، 80 - باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة.

صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يُدخلُني الجنة- أو قلت: بأحب الأعمال إلى الله - فسكت، ثم سألته فسكتن ثم سألته الثالثة، فقال: سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السُّجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم أتيتُ أبا الدرداء فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان". 263 - * روى أحمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن رجلاً مر على قوم فسلم عليهم، فردوا عليه السلام، فلما جاوزهم قال رجل منهم: إني لأُبْغِضُ هذا في الله، فقال أهل المجلس: بئس والله ما قُلتَ، لتبينَّه، قُمْ يا فلانُ، رجلٌ منهم فأخبِرْهُ، قال: فأدركه رسولهم فأخبره بما قال، فانصرف الرجل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بمجلسٍ من المسلمين فيهم فلانٌ سلمتُ عليهم فردوا السلام، فلما جاوزتُهم أدركني رجلٌ منهم فأخبرني أن فلاناً قال: لا الله إني لأبْغِضُ هذا الرجل في الله فادعُه يا رسول الله فسله على ما يُبْغِضُني؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما أخبره الرجلُ، فاعترف بذلك وقال: لقد قلتُ ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلِمَ تُبْغِضُه؟ " قال: أنا جارُه وأنا به خابرّ والله ما رأيتُه صلى صلاة قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يُصليها البَّرُ والفاجرُ قال: سلهُ يا رسول الله هل رآني أخرْتُها عن وقتها أو أسأتُ الركوع والسُّجود فيها فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. قال: والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر قال: سله يا رسول الله هل رآني فرَّطْتُ فيه أو تنقَّصْتُ من حقه شيئاً فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. قال: والله ما رأيته يعطي سائلاً قطُّ ولا رأيته ينفق من ماله شيئاً في شيءٍ من سبيل الله بخير إلا هذه الصدقة التي يؤديها البرُّ والفاجرُ قال فسله يا رسول الله هل كتمتُ من الزكاة شيئاً قط أو ما كست فيها طالبها فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم إن أدري لعله خير منك". 264 - * روى الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1):

_ 263 - أحمد (5/ 455). مجمع الزوائد (2/ 260) ورجاله رجال الصحيح إلا مظفر بن مدرك وهو ثقة ثبت. 264 - الطبراني في الكبير (9/ 161).

"تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصُبح غسلتْه، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يُكتبُ عليكم حتى تستيقظوا". 265 - * روى أحمد عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولُ "إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة". 266 - * روى أحمد عن الحارث مولى عثمان قال: جلس عثمان يوماً وجلسنا معه، فجاء المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه يكون فيه مُدٌّ فتوضأ ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غُفر له ما كان بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما نا بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغُ ليلته ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غُفِرَ له ما بينها وبين صلاة العشاء وهن الحسناتُ يذهبن السيئات" قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات يا عثمان قال: هن: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. 267 - * (1) روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال أبو عمرو الشيباني

_ = الطبراني في الصغير "الروض الداني" (1/ 19). مجمع الزوائد (1/ 298) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة إلا انه موقوف في الكبير ورجال الموقوف رجال الصحيح ورجال المرفوع فيهم عاصم بن بهدلة وحديثه حسن. 265 - أحمد (5/ 413). مجمع الزوائد (1/ 298) وإسناده حسن قاله الهيثمي. 266 - أحمد (1/ 71). البزار "كشف الأستار" (1/ 143) كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء. مجمع الزوائد (10/ 89) قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان بن عفان وهو ثقة. 267 - البخاري (2/ 9) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 5 - باب فضل الصلاة لوقتها.

- واسمه سعد بن إياس - حدثني صاحب هذه الدار - وأشار بيده إلى دار عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة لميقاتها"، قلت: ثم أيُّ؟ قال: برُّ الوالدين، قلت: ثم أيُّ؟ قال: "الجهادُ في سبيل الله"، قال: حدثني بهن، ولو استزدتُه لزادني". وفي رواية الترمذي (1) "أيُّ العمل أفضلُ؟ ". وفي رواية لمسلم (2) "فما تركتُ أستزيدُه إلا إرعاءً عليه". 268 - * روى أبو داود عن عبد الله بن حبشي الخثعميِّ رضي الله عنه قال: "سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: "طولُ القيامِ"، قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "جُهْدُ المُقِلِّ"، قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه"، قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "من جاهد المشركين بماله ونفسه"، قيل: فأي القتل أشرفُ؟ قال: "من أهريق دمه وعُقِرَ جوادُه". وفي رواية النسائي (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: "أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: "إيمانٌ لا شك فيه، وجهاد لا غُلول فيه، وحجةٌ مبرورةٌ"، قيل: فأيُّ الصلاة أفضلُ؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "جُهْدُ المُقلِّ"، قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه"، قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "من جاهد المشركين بنفسه وماله"، قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: "من أُهريق دمه، وعُقِرَ جوادُه". 269 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منتظرُ الصلاة بعدَ

_ = مسلم (1/ 90) 1 - كتاب الإيمان، 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل العمال. النسائي (1/ 292) 6 - كتاب المواقيت، 51 - باب فضل الصلاة لمواقيتها. (1) الترمذي (1/ 325، 326) كتاب أبواب الصلاة، 127 - باب ما جاء في الوقت الأول من ألف من الفضل. (2) مسلم (1/ 89) 1 - كتاب الإيمان، 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. 268 - أبو داود (2/ 69) كتاب الصلاة، 12 - باب قيام الليل. (3) النسائي (5/ 58) كتاب الزكاة، 49 - باب جهد المقل، وهو حديث حسن. 269 - أحمد (2/ 352).

الصلاة كفارسٍ اشتد به فرسُه في سبيل الله على كشحِه وهو في الرباط الأكبر. 270 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة آت من ربي- وفي رواية: أتاني ربي - في أحسن صورةٍ، فقال لي: يا محمد، قلت: لبي ربي وسعديك، قال: هل تدري فيم يختصمُ الملأُّ الأعلى؟ قلت: لا أعلم، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدتُ بردَها بين ثدييَّ- أو قال: في نحري - فعلمتُ ما في السموات وما في الأرض - أو قال: ما بين المشرق والمغرب - قال: يا محمد، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الدرجات والكفارات، ونقلِ الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في السَّبَراتِ المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال: يا محمد، قلت: لبيك وسعديك، فقال: إذا صلتَ، فقل: اللهم إني أسألك فعلَ الخيراتِ، وترك المنكرات، وحُبَّ المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضْني إليك غير مفتون، قال: والدرجاتُ: إفشاءُ السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام".

_ = مجمع الزوائد (2/ 36) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه نافع بن سلم القرشي، وثَّقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح. في تعجيل المنفعة (409) نافع بن سليمان القرشي المكي قال البخاري مدني قال ابن حجر، وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق يحدث عن الضعفاء مثل بقية. الكشحُ: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلْف. 270 - أحمد (1/ 368). الترمذي (5/ 366) 48 - كتاب تفسير القرآن، 39 - باب (سورة ص). (الملأ الأعلى) الملأ: أشراف الناس وسادتهم، وأراد بالملأ الأعلى: الملائكة المقربين. (السبرات): جمع سبرة، وهي شدة البرد. وقوله: "المكروهات" أراد به: البرد الشديد، أو العلة تصيب الإنسان، فتأذى بمس الماء، ويتضرر به، وقيل: أراد به إعواز الماء وقلته حتى لا يقدر عليه إلا بالغالي من الثمن. نقل ابن قيم الجوزية عن ابن تيمية أن هذا كان بالمدينة المنورة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه سبحانه تلك الليلة في منامه ا. هـ زاد المعاد 3/ 37.

271 - * روى الطبراني في الأوسط عن المِسْوَر ابن مخرمة قال: دخلتُ على عمر بن الخطاب وهو مُسجَّي، فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى. قلت: أيقظوه بالصلاة فإنكم لن توقظوه لشيءٍ أفزعَ له من الصلاة. فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين فقال ها الله إذاً ولا حق في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى وإن جُرحَهُ ليثْعُبُ دماً. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في إثر صلاة، لا لغو بينهما، كتابٌ في عليين". ودخل ابن عمر المسجد، فرأى قوماً يصلون، فقال: يا أيُّها الناس أبشروا، فإنه ما منكم من بعث النار أحد، ثم قرأ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42] (1). شرح السنة 2/ 174.

_ 271 - مجمع الزوائد (1/ 295) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (أفزع له): أي يلجأ إليها ويستغيث لدفع الأمر الحدث. (ليثعُبُ دماً): يجري.

الفقرة الثالثة: في الترغيب في المحافظة على الصلاة والترهيب من تركها وفضل النوافل

الفقرة الثالثة: في الترغيب في المحافظة على الصلاة والترهيب من تركها وفضل النوافل 272 - * روى مالك عن عُبادة بن الصامت رفعه: "خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن فإن الله جاعلٌ له يوم القيامة عهداً أن يدخله الجنة ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". 273 - * روى أحمد عن حنظلة الكاتب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حافظ على الصلوات الخمس رُكوعهن وسُجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حقٌ من عند الله دخل الجنة، أو قال، وجبت له الجنة، أو قال، حَرُمَ على النار". 274 - * روى أحمد عن بعد الله بن عمروٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يُحافظُ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ؛ وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأُبي بن خلفٍ". 275 - * روى أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) "لتُنْقَضَنَّ عُرى الإسلام

_ 272 - الموطأ (1/ 123) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر. أبو داود (2/ 62) كتاب الصلاة، 2 - باب فيمن لم يوتر. النسائي (1/ 230) 5 - كتاب الصلاة، 6 - باب المحافظة على الصلوات الخمس. ابن ماجه (1/ 449) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 149 - باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها. وهو حديث صحيح بطرقه. 273 - أحمد (4/ 267). والطبراني "المعجم الكبير" (4/ 12). مجمع الزوائد (1/ 289) وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. 274 - أحمد (2/ 269). مجمع الزوائد (1/ 292) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات. الدارمي (2/ 301) كتاب الرقائق، باب في المحافظة على الصلاة. ابن حبان (3/ 14) ذكر الزجر عن ترك المرء المحافظة على الصلوات المفروضات. 275 - أحمد (5/ 251)، ورجاله رجال الصحيح.

عروةٌ عروةٌ، فكلما انتقضت عروةٌ تشبث الناسُ بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحُكْمُ، وآخرهن الصلاة". 276 - * روى الطبراني عن عبد الله بن قرْط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاةً ل يُتِمَّها زيد عليها من سبحاته حتى تتم". 277 - * روى أبو داود عن حريث بن قُبيصةَ قدِمْتُ المدينة فقلت اللهم يسرْ لي جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي هريرة فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما يحاسبُ به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً قال الرب تعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر أعماله على ذلك". 278 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه كان لا يكاد يصومُ وقال: إني إذا صمتُ ضعفتُ عن الصلاة، والصلاة أحبُّ إليَّ من الصيام فإن صام صام ثلاثة أيامٍ من الشهر وفي بعض طرقه ولم يكن يصلي الضحى (مج). 279 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (1): "قال

_ = ابن حبان (8/ 252، 253) ذكر الأخبار بأن أول ما يظهر من نقض عرى الإسلام من جهة الأمراء فساد الحكم الحكام. الحاكم (4/ 469) وقال هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين وقال الذهبي: صحيح. 276 - مجمع الزوائد (1/ 291) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (السبحة): النافلة. 277 - أبو داود (1/ 229) كتاب الصلاة، 148 - باب قول النبي كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه. الترمذي (2/ 269، 270) أبواب الصلاة، 305 - باب ما جاء أن أول ما يُحاسب به العبدُ يوم القيامة الصلاة. النسائي (1/ 232) - 5 - كتاب الصلاة، 9 - باب المحاسبة على الصلاة، وهو حديث صحيح. 278 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 195). مجمع الزوائد (2/ 257) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. 279 - البخاري (11/ 340) 81 - كتاب الرقاق، 38 - باب التواضع.

الله تعالى: من عادى لي ولياً، فقد أذنته بالحرب، وما تقربَّ إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ من أداء ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبهُ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيتُه، وإن استعاذ بي أعذته، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءتَه".

الفقرة الرابعة: في فضل صلاة الفجر

الفقرة الرابعة: في فضل صلاة الفجر قال الله سبحانه وتعالى: (1)، أي: وصلِّ، يقال: فرغَ فلان من سبحتهِ، أي: من صلاته. وقال الله سبحانه وتعالى: (2)، وأراد بقرآن الفجر: صلاة الصبح (كان مشهوداً)، أي: تحضُرها ملائكةُ الليل، وملائكةُ النهار. 280 - * روى الترمذي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: (3)، قال: "تشهدهُ ملائكةُ الليلِ، وملائكةُ النهارِ. 281 - * روى مسلم عن أنس بن سيرين قال: سمعتُ جندُبَ بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: "من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلُبَنكم الله من ذمَّتِهِ بشيءٍ، فإنه من يطلبهُ من ذمته بشيءٍ يُدركه، ثم يكُبَّه على وجهه في نار جهنم". وفي رواية الترمذي (4) مثله، وقال: "فلا تُخْفِروا الله في ذمته". 282 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعةٍ، ثم قعَد يذكرُ الله حتى تطلُعَ الشمس، ثم صلى

_ (1) آل عمران: 41. (2) الإسراء: 78. (3) الإسراء: 78. 280 - الترمذي (5/ 302) 48 - كتاب تفسير القرآن 18 - باب من سورة إسرائيل، وقال: حسن صحيح. 281 - مسلم (1/ 454) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 46 - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة. (4) الترمذي (1/ 434) الصلاة، 165 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة. (فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه): أي من يطلبه الله للمؤاخذة بما فرّط في حقه والقيام بعهده، يدركه الله إذ لا يفوت منه هارب. (تُخفروا الله في ذمته): أخفرت العهد: إذا نقضته، والذمة: الأمان والعهد. 282 - الترمذي (2/ 480) أبواب الصلاة، 412 - باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح، وفيه أبو ظلال وهو ضعيف، لكن للحديث شواهد يتقوى بها، ذكرها المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 164، 166.

ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تامةٍ تامةٍ تامةٍ". 283 - * روى مسلم عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمُرَة: "أكنت تجالس رسول الله صلى الله لعيه وسلم؟ قال: نعم، كثيراً، كان لا يقوم من مُصلاه الذي صلى فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمسُ، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مُصلاه حتى تطلُعَ الشمسُ حسناً". وأخرجه الترمذي (2) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مُصلاه حتى تطلُع الشمسُ". وأخرجه أبو داود (3) مثل الأولى إلى قوله: "فإذا طلعت الشمس قام". وأخرج الثانية، وقال: "تربع في مجلسه" وأخرجه النسائي (4).

_ 283 - مسلم (1/ 463) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 52 - باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح. (1) مسلم (1/ 464) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 52 - باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح. (2) الترمذي (2/ 480) أبواب الصلاة، 412 - باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح. (3) أبو داود (2/ 29) كتاب الصلاة- باب صلاة الضحى. (4) النسائي (3/ 80) 13 - كتاب السهو، 99 - باب قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم.

الفقرة الخامسة: في فضل صلاتي الفجر والعصر

الفقرة الخامسة: في فضل صلاتي الفجر والعصر 284 - * روى مسلم عن عُمارة بن رُويبية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يلِجَ النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني الفجر والعصر - فقال له رجلٌ من أهل البصرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فقال الرجل: وأنا أشهدُ أني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (1) أبي داود قال: "سله رجلٌ من أهل البصرة: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث، ولم يفسرهما بالفجر والعصر، فقال له رجلٌ: أنتَ سمعته منه؟ - ثلاث مرات - قال: نعم، كُلُّ ذلك يقول: سمعتهُ أُذُنَاي، ووعاه قلبي، قال الرجل: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. 285 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ صلى البرْدَيْن دخل الجنة". قال ابن حجر: والمراد صلاة الفجر والعصر، ويدل على ذلك قوله في حديث جرير "صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" زاد في رواية لمسلم "يعني العصر والفجر" قال الخطابي: سميتا بردين لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر، ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضاً، وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما محصله: إن من موصولة لا شرطية، والمراد الذين صلوهما أول ما فرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها فرضت أولا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فرضت الصلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه. قلت [أي ابن حجر]: ولا يخفى ما

_ 284 - مسلم (1/ 440) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. (1) أبو داود (1/ 116) كتاب الصلاة، 8 - باب في المحافظة على وقت الصلوات. 285 - البخاري (2/ 52) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 26 - باب فضل صلاة الفجر. مسلم (1/ 440) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. (البردين) البردان هاهنا: الغداة والعشي.

فيه من التكلف، والأوجه أن "من" في الحديث شرطية. وقوله "دخل" جواب الشرط، وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول يدخل الجنة، إرادة للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع. ا. هـ. 286 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا". أقول: التأكيد على صلاتي الفجر والعصر لأنهما وقتا غفلة ونوم أو لأنَّ الفجر وقت نوم والعصر وقت عمل لبعض الناس فمن حافظ عليهما كان على غيرهما أكثر محافظة. 287 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم فيسألُهم ربُّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّون، وتيناهم وهم يُصلون" ولفظه في إحدى روايات ابن خزيمة. عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تجتمع ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر، فتصعدُ ملائكةُ الليل وتثبتُ ملائكةُ النهار. ويجتمعون في صلاة العصر، فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل. فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يُصلون وتركناهم وهم يُصلون، فاغفر لهم يوم الدين".

_ 286 - البخاري (2/ 52) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 26 - باب فضل صلاة الفجر. مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. ابن خزيمة (1/ 164) 11 - باب فضل صلاة الصبح وصلاة العصر. 287 - البخاري (2/ 33) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 16 - باب فضل صلاة العصر. مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. النسائي (1/ 240) كتاب الصلاة، 21 - باب صلاة الجماعة. ابن خزيمة (1/ 165) كتاب الصلاة، 12 - باب ذكر اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر جميعاً.

الفقرة السادسة: في ما ورد في العشاء والفجر

الفقرة السادسة: في ما ورد في العشاء والفجر 288 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بيننا وبين المنافقين شُهودُ العشاء والصبح، لا يستطيعونهما، أو نحو هذا". 289 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الفضل لأتوهما ولو حبواً". 290 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهمُوا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمُون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". قال البغوي والاستهام: الاقتراع، يقال: استهم القومُ فسهمهم فلانٌ، أي: قرعهُمْ، ومنه قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (1) وقيل الإقتراع: استهامٌ، لأنها سهامٌ تكتبُ عليها الأسماء، فمن وقع له منها سهمٌ فاز بالحظ المقسوم. والتهجير: التبكيرُ لصلاة الظهر، والهجير والهاجرةُ: نصف النهار. وقيل: أراد بالتهجير التبكير إلى كل صلاة، لوم يُرد الخروج في الهاجرة، وقال النضرُ بن شُميلٍ عن الخليل قال في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "فالمهَجِّرُ كالمُهدي بدنةَّ" أي: المبكر إلى الجمعة. (شرح السنة 2/ 230). 291 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعةٍ كان كقيام نصف ليلةٍ، ومن صلى الفجر في جماعةٍ كان كقيام ليلةٍ".

_ 288 - الموطأ (1/ 130) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 2 - باب ما جاء في العتمة والصبح. وقال ابن عبد البر: معناه محفوظ من وجوه ثابتة. 289 - مجمع الزوائد (2/ 40) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 290 - مسلم (1/ 325) 4 - كتاب الصلاة 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول. (1) الصافات: 141. 291 - مسلم (1/ 454) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 46 - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة.

الفقرة السابعة: في فضل صلاة العصر وهل هي الصلاة الوسطى؟

الفقرة السابعة: في فضل صلاة العصر وهل هي الصلاة الوسطى؟ 292 - * روى الجماعة عن بعد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي تفوتُه صلاةُ العصر كأنما وُتِرَ أهله وماله". وعند أبي داود في رواية أخرى "أُوتِرَ". 293 - * روى البخاري عن أبي المليح قال: كنا مع بُريدة رضي الله عنه في غزاةٍ في يوم ذي غيم، فقال: بكرُوا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله". 294 - * روى مسلم عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "نزلت هذه الآية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) فقال رجلٌ - كان جالساً عند شقيقٍ - له: فهي إذاً صلاة العصر؟ فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم".

_ 292 - البخاري (2/ 30) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 14 - باب إثم من فاتته العصر. مسلم (1/ 435) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 35 - باب التغليظ في تفويت صلاة العصر. أبو داود (1/ 113) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. الترمذي (1/ 331) 128 - باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب المواقيت، 9 - باب التشديد في تأخير العصر. ابن ماجه (1/ 224) 2 - كتاب الصلاة، 7 - باب وقت صلاة المغرب. (وتر أهله وماله): يقال: وترته إذا: نقصته أي نقص أهله وماله وقيل: إن أصل الوتر: الجناية التي يجنيها الرجل على الرجل: من قتله حميمه وأخذه ماله، فشبه ما يلحق هذا الذي تفوته صلاة العصر بمن قُتل حميمه وأُخِذ ماله. 293 - البخاري (2/ 31) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 14 - باب من ترك العصر. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 15 - باب من ترك صلاة العصر. (بكروا): التبكير في الأعمال: المبادرة إليها في أوائل أوقاتها. (حبط): يقال: حبط عمله: إذا بطل. 294 - مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. (1) البقرة: 238.

295 - * روى الجماعة إلا البخاري عن أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنهما قال: أمرتني عائشةُ رضي الله عنها أن أكْتُبَ لها مصحفاً، وقالت: إذا بلغتَ هذه الآية فآذني {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) قال: فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليَّ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول: ما أثبتته عائشة رضي الله عنها له حكم تفسير للآية، وهي من باب منسوخ التلاوة. 296 - * روى الترمذي عن سَمُرة بن جُندب وابن مسعود رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاةُ الوُسطى: صلاةُ العصرِ". 297 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب - وفي رواية يوم الخندق- "ملأ الله قبُورهم وبيوتَهُم ناراً، كما شغلونا عن الصلة الوسطى حتى غابت الشمسُ". وفي رواية (2): "شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر"، وذكر نحوه وزاد في أخرى (3): ثم صلاها بين المغرب والعشاء.

_ 295 - مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في قوت صلاة العصر. الترمذي (5/ 217) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب من سورة البقرة. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر. الموطأ (1/ 138) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 8 - باب الصلاة الوسطى. (1) سبق تخريجها. 296 - الترمذي (1/ 340) أبواب الصلاة، 133 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر. 297 - البخاري (11/ 194) 80 - كتاب الدعوات، 58 - الدعاء على المشركين. مسلم (1/ 436) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 35 - باب التغليظ في تفويت صلاة العصر. (2) مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. (3) في نفس الرواية السابقة في مسلم.

298 - * روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حبسَ المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمَرَّت الشمس أو اصفرّت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، أو حشا الله أجوافَهُم وقبورهم ناراً". قال البغوي: اختلف أهلُ العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الصلاة الوُسطى، فذهب قوم إلى أنها صلاة الفجر، يُروى ذلك عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، [وغيرهم]، وبه قال من التابعين عطاءٌ، وعكرمةُ، ومُجاهدٌ، وهو قول مالك، والشافعي، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] والقُنوت: طولُ القيام، وصلاة الصبح مخصوصةٌ بطول القيام وبالقنوت، ولأن الله تعالى خصَّها في آية أخرى من بين الصلوات، فقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] يعني: يشهدُها ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، ولأنها بين صلاتي جمعٍ، وهي لا تُقصر ولا تُجمع إلى غيرها، ولأنها صلاةٌ تُصلى في سوادٍ من الليل، وبياضٍ من النهار، فصارتْ كأنها من الليل والنهار. د وذهب قومٌ إلى أنها صلاة الظهر، يُروى ذلك عن زيد بن ثابت، وأبي سعدٍ الخدري، وأسامة بن زيد، ولأنها في وسط النهار، وهي أوسط صلوات النهار في الطول، ورُفِعت الجماعاتُ لأجلها يوم الجمعة. (1) ا. هـ. 299 - * روى أبو داود عن زيدِ بن ثابتٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي للظُهر

_ = الترمذي (5/ 217) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب من سورة البقرة. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر. قال محقق الجامع: قال شارح المشكاة: هذا دعاء عليهم بعذاب الدارين من خراب بيوتهم في الدنيا، فتكون "النار" استعارة للفتنة، ومن اشتعال النار في قبورهم. 298 - مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطي هي صلاة العصر. 299 - أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. أحمد (5/ 183) وصحح إسناده الأرنؤوط في شرح السنة للبغوي.

بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاةً أشد على أصحاب النبي صلى لله عليه وسلم منها، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1)، وقال: إن قبْلها صلاتين، وبعدها صلاتين. قال البغوي: وذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم إلى أنها صلاة العصر، رواه جماعةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول أصحاب الرأي. قال شعيب: وقول أحمد، والذي صار إلي معظم الشافعية لصحة الحديث فيه، وهو قول ابن حبيب، وابن العربي، وابن عطية من المالكية، وقال الحافظ: وهو المعتمد. قال البغوي: وخصها النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ، روى بُريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ترك صلاة العصر حبط عملُه" [هو في الصحيح]. وقال قبيصةُ بن ذُؤيب: هي صلاةُ المغرب، لأنها وسط ليس بأقلها، ولا أكثرها، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ من السلف أنها صلاةُ العشاء، وذكرهُ بعض المتأخرين، لأنها بين صلاتين لا تُقصران. وقال بعضهم: هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها، أبهمها الله عز وجل تحيضاً للخلق للمحافظة على أداء جميعها، كما أخفى ليلة القَدرْ في شهر رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة. (شرح السنة 2/ 235 فما بعدها).

_ (1) سبق تخريجها.

الفقرة الثامنة: في تعجيل الصلاة إذا أخر الإمام

الفقرة الثامنة: في تعجيل الصلاة إذا أخر الإمام 300 - * روى مسلم عن أبي ذرَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون أمراء يُؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ألا صل الصلاة لوقتها، ثم أئئتهم، فإن كانوا قد ضلوا كنت أحرزت صلاتك، وإلا صليت معهم، وكانت لك نافلة". قال البغوي: وفي هذا الحديث دليل على أن الخروج على السلطان لا يجوز ما دام يُقيمُ الصلاة، لأنه لم يرخص في ذلك مع تأخيرهم الصلاة عن الوقت، وكيف يجوزُ على من يُصلِّيها لوقتها؟!. عن أبي ذر قال- يعني النبي صلى الله عليه وسلم-: "كيف بك أو كيف أنت إذا بقيتَ في قومٍ يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ فصلِّ الصلاة لوقتها، ثم نْ أقيمت الصلاةُ، فصلِّ معهم، فإنها زيادة خيرٍ". قال البغوي: هذا قول أكثر أهل العلم يستحبُّون تعجيل الصلوات في أول الوقت إذا أخر الإمام، ولا يترك أول الوقت لأجل الجماعة، ثم يُصلِّي مع الإمام، والأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، والثانية نافلة (شرح السنة 2/ 240). 301 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودٍ عن أبيه أن الوليد بن عُقبة أخرَ الصلاة يوماً فقام عبد الله بن مسعود فثوّب بالصلاة بالناس فأرسل إليه الوليدُ ما حملك على ما صنعت أجاءك من أمير المؤمنين أمرٌ فنعما فعلت أم ابتدعتَ؟ فقال: لم يأتني من أمير المؤمنين أمر ولم أبتدع ولكن أبي الله عز وجل علينا ورسوله صلى الله عليه وسلم أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك.

_ 300 - مسلم (1/ 448) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 41 - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار. أبو داود (1/ 117) كتاب الصلاة، 9 - باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت. الترمذي (1/ 332) أبواب الصلاة، 129 - باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام. 301 - أحمد (1/ 450). الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 346، 347). مجمع الزوائد (1/ 324) وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

أقول: في تصرف ابن مسعود إشارة إلى أن الأمير إذا أهمل في إقامة سنة فليس على المسلمين حرج في أن يقيموها، وإن خالفوا رغبة الأمير ما دام ذلك ممكناً في حقهم ولا يترتب عليه إيذاء أو ضرر، ولم تكن هناك مصلحة مرعية أكبر مما أهمله الأمير.

الفقرة التاسعة: في الراحة بالصلاة

الفقرة التاسعة: في الراحة بالصلاة 302 - * روى أبو داود عن سالم بن أبي الجعْدِ قال: "قال رجلٌ من خُزاعة: ليتني صليتُ فاسترحْتُ، فكأنهم عابوا ذلك عليه، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها". وفي رواية (1) عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: "انطلقتُ أنا وأبي إلى صهرٍ لنا من الأنصار نعُودهُ، فحضرتِ الصلاةُ، فقال لبعض أهلهِ: يا جاريةُ، ائتوني بوضوء لعلي أُصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قُمْ يا بلالُ، فأرحنا بالصلاة". أقول: وإنما عابوا على الأنصاري قوله، لأنهم فهموا منه أنه يريد الراحة منها، فأفهمهم أنه أراد ما أراده رسول الله صلى الله من الراحة بها ومن قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن الصلاة بالنسبة للمسلم راحة ومن تأمل واقع الحال وكثرة الأمراض العصبية عند غير المسلم أدرك محل الصلاة في تأمين راحة الإنسان.

_ 302 - أبو داود (4/ 296) كتاب الأدب، 86 - باب في صلاة العتمة وإسناده صحيح. (1) أبو داود (4/ 297) كتاب الأدب، 86 - باب في صلاة العتمة. قال ابن الأثير: (أرحنا بها) أراد بقوله: "أرحنا بها" أي: آذنا بالصلاة لنستريح بأدائها من شُغْلِ القلب بها، وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحةً له، فإنه كان يعدُّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، فكان يستريحُ بالصلاة، لما فيها من مناجاة الله تعالى، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجُعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة" وما أقرب الراحة من قُرَّةِ العين.

الفقرة العاشرة: في السمر بعد العشاء

الفقرة العاشرة: في السَّمَر بعد العشاء 303 - * روى الشيخان عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بكرة النوم قبل العشاء والحديث بعدها". وعند أبي داود "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَنْهي عن النوم قبلها، وعن الحديث بعدها". 304 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمُرُ مع أبي بكرٍ في الأمر من أمر المسلمين، وأنا معهما". قال: وفي الباب عند عبد الله بن عمرو، وأوس بن حذيفة، وعمران الحصين. أقول: فهم العلماء أن هذا النص يخصص النهي الوارد في الحديث السابق فأجازوا الحديث بعد العشاء إذا كانت فيه مصلحة عامة أو خاصة ومن باب أولى إذا تحقق في الحديث بعد العشاء مطلب شرعي.

_ 303 - البخاري (2/ 49) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 23 - باب ما يكره من النوم قبل العشاء. مسلم (1/ 447) 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها. أبو داود (1/ 110) كتاب الصلاة، 2 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. الترمذي (1/ 312) أبواب الصلاة، 125 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء واسمر بعدها. 304 - أحمد (1/ 26، 34). الترمذي (1/ 315) كتاب أبواب الصلاة، 126 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء، وقال: حديث عمر حديث حسن.

الفقرة الحادية عشر: في تسمية الصلوات

الفقرة الحادية عشر: في تسمية الصلوات 305 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تغلبنكم الأعرابُ على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم يُعتمون بالإبل". وفي رواية (1): "على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء وأنها تُعتِمُ بحلاب الإبل". قال الشيخ وهبي: ورد في الحديث الصحيح تسمية العشاء العتمة ففي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال " .... ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولوْ حبْوا". أقول: ولذلك فسر الأزهري الحديث بما رأيناه إلا أن المتبادر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كره أن تسمى صلاة العشاء بالعتمة وكان من سنته عليه الصلاة والسلام تغيير الأسماء إلى ما هو أحسن وأجمل، قال السندي: أي الاسم الذي ذكر الله تعالى في كتابه لهذه الصلاة اسم العشاء والأعراب يسمونها العتمة فلا تكثروا من استعمال ذلك الاسم لما فيه من غلبة الأعراب عليكم بل أكثروا استعمال اسم العشاء موافقة للقرآن. 306 - * روى البخاري عن عبد الله بن مُغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغلبنكم الأعرابُ على سام صلاتكم المغرب، قال وتقول الأعراب: هي العشاء". أقول: كما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغلب اصطلاحات الأعراب اسم صلاة العشاء كذلك كره أن تغلب اصطلاحات الأعراب على اسم صلاة المغرب والموضوع يحتمل أكثر من اتجاه في الفهم إلا أنني أميل إلى هذا الفهم.

_ 305 - مسلم (1/ 445) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 39 - باب وقت العشاء وتأخيرها. (1) نفس الحديث السابق. أبو داود (4/ 296) كتاب الأدب، 86 - باب في صلاة العتمة. النسائي (1/ 270) 5 - كتاب الصلاة، 23 - باب الكراهية في ذلك. (يعتمُون) أعتم بحلاب الإبل: إذا أراحها ثم أناخها في مراحها فحبها حين يدخُل في عتمة الليل، وهي ظلمتُهُ. قال الأزهري: كأن المعنى: لا يغرنكم فعلهم هذا عن صلاتكم، فتؤخروها، ولكن صلوها إذا كان وقتها. وحلابُ الإبل: حلبُها. 306 - البخاري (2/ 43) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 19 - باب من كره أن يقال للمغرب العشاء.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد إن شروط وجوب الصلاة ثلاثة هي: الإسلام والعقل والبلوغ، فتجب الصلاة على كل مسلم عاقل بالغ، وبالنسبة للمرأة ألا يكون عندها مانع من حيض أو نفاس. أولاً: الإسلام: فلا تجب على كافر عند الجمهور- وجوب مُطالبةٍ - لعدم صحتها منه، وهذه المسألة متفرعة على مسألة أصولية: هل الكافر مطالب بأصول الشريعة وفروعها في الدنيا، أو أنه مطالب في الأصول فقط؟ إلا أن العلماء متفقون على أنه لا قضاء على الكافر إذا أسلم لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1). 307 - * روى أحمد والحديث صحيح: "الإسلام يجبُّ ما قبله". بهذه المناسبة نذكر ما قاله النووي رحمه الله: الصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم الإجماع فيه: إن الكافر إذا فعل أفعالاً جميلة، كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإسلام، أن ثواب ذلك يكتب له. ثانياً: البلوغ: فلا تجب الصلاة على الصغير ذكراً أو أنثى، ولكن يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين، ويضرب عليها إذا بلغ عشر سنين، وقيَّد بعضهم الضرب بأن يكون باليد لا بخشبة ونحوه بما لا يزيد عن ثلاث ضربات إن أفاد وإلا فلا. ثالثاً: العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون والمعتوه وهناك تفصيلات فيمن غُطي عقله بعارض من حيث وجوب القضاء أو عدمه. ولا تطلب الصلاة ولا تقضي من حائض ونفساء ولو طرحتْ نفسها بضرب أو دواء أو نحوها. وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون وطهُرَتْ الحائض أو النفساء أو أسلم الكافر وبقي من الوقت عند الحنابلة والشافعية في الأظهر قدر تكبيرة الإحرام فأكثر وجب قضاء صلاة ذلك

_ (1) الأنفال: 38. 307 - أحمد (4/ 199).

الوقت، كما يجب عند جمهور الفقهاء غير الحنفية، قضاء الصلاة الأخرى التي يمكن جمعها مع الصلاة كالظهر بالنسبة للعصر وكالمغرب بالنسبة للعشاء وقال المالكية: إن كان عنده قدر ما يدرك خمس ركعات في الحضر وثلاثاً في السفر من وقت الثانية وجبت الأولى أيضاً وإن أدرك ركعة فقط وجبت الأخيرة وسقطت الأولى وإن بقي من الوقت ما يسع أقل من ركعة سقطت الصلاتان عند المالكية. والقول الأقوى: أنه لا تجب إلا صلاة الوقت وهناك تفصيلات في كتب كل مذهب حول هذه الشروط، فليراجعها المسلم في كتاب من كتب مذهبه. (راجع مراقي الفلاح ص 28، والمهذب 1/ 50 فما بعدها، والمغني 1/ 396 - 401، والفقه الإسلامي 1/ 564 - 567).

الفصل الثاني في قضاء الفائتة

الفصل الثاني في قضاء الفائتة 308 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاةً فليُصلِّ إذا ذكر، لا كفارةَ لها إلا ذلك، وتلا قتادةُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1). وفي رواية (2) "إذا رقد أحدُكم عن الصلاة، أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}. وفي رواية (3) الترمذي والنسائي: "من نسي صلاةً فليُصلها إذا ذكرها". وفي أخرى (4) للنسائي، قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقُد عن الصلاة، أو يغفلُ عنها؟ قال: كفارتُها: أن يصليها إذا ذكرها". وفيه دليل: أن الصلاة لا تُجبَر بالمال كما يجبر غيرها من العبادات. لكن قال الحنفية: على المريض والمسافر الذي مات، لم يصل ويصم ما قدر عليه، ولو إيماء بالنسبة للصلاة أن يوصي بما قدر عليه فيخرج عنه وليه من ثلث ما ترك لصوم كل يوم، ولصلاة كل وقت، نصف صاع من بر أو قيمته، وإن لم يوص وتبرع عنه وليه جاز. (مراقي /87 - 88).

_ 308 - البخاري (2/ 70) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 37 - باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها. مسلم (1/ 471) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة. (1) طه: 14. (2) مسلم (1/ 477) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة. أبو داود (1/ 119) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. ابن خزيمة (2/ 96) كتاب الصلاة، 131 - باب النائم عن الصلاة والناسي لها يستيقظ أو يذكرها في غير وقت الصلاة. (3) الترمذي (1/ 335) أبواب الصلاة، 131 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة. (4) النسائي (1/ 294) 6 - كتاب المواقيت، 53 - فيمن نام عن صلاة. (كفارة) الكفارة: فعَّاله من التكفير: التغطية، وهي المرة الواحدة الساترة للذنب. ومعنى قوله "لا كفارة لها إلا ذلك" أنه لا يلزمه في تركها غُرْم، ولا صدقة، ولا كفارة، ونحو لك، كما يلزم في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارةُ، وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئاً من واجبات نُسُكه بغير ضرورة أو عذر كفارة دم أو غيره.

309 - * روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "سِرْنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقال بعض القوم: لو عَرَّستَ بنا يا رسول الله؟ قال: "أخافُ أن تناموا عن الصلاة"، فقال بلالٌ: أنا أُوقظُكُم، فاضطجعوا، وأسند بلالُ ظهرهُ إلى راحلته، فغلبتْهُ عيناه، فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: "يا بلال، أين ما قلت؟ " فقال: ما أُلقيتْ عليَّ نومةٌ مثلُها قطُّ، قال: "إنَّ الله قبضَ أرواحَكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء، يا بلالُ قُمْ فأذِّنْ الناس بالصلاة"، فتوضأ، فلما ارتفعت الشمسُ وابيَاضَّت، قام فصلى بالناس جماعةً. وفي رواية (1) أبي دواد "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ، فمال رسول صلى الله عليه وسلم، وملتُ معه، فقال: انظُر، فقلتُ: هذا راكبٌ، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثةً، حتى صرنا سبعةً، فقال: احفظُوا علينا صلاتنا - يعني صلاة الفجر- فضُرِبَ على آذانهم، فما أيقظهُمْ إلا حرُّ الشمس، فقاموا وساروا هُنيهةً، ثم نزلوا فتوضؤوا، وأذَّنَ بلالُ، فصلُّوْا ركعتي الفجر، ثم صلُّوا الفجر، وركِبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرَّطْنا في صلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تفريطَ في النوم، إنما التفريطُ في اليقظة، فإذا سها أحدُكم عن صلاةٍ فليصلِّها حين يذكرها، ومن الغد للوقت". هذا طرفٌ من حديثٍ طويلٍ قد أخرجه مسلم. وفي أخرى لأبي داود (2)، قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء - بهذه القصة - فلم يوقظْنا إلا حَرُّ الشمس وهي طالعةٌ، فقمنا وهلين لصلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 309 - البخاري (2/ 66) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 35 - باب الأذان بعد ذهاب الوقت. النسائي (2/ 106) 10 - كتاب الإمامة، 47 - الجماعة للفائت من الصلاة. (1) أبو داود (1/ 119) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. مسلم (1/ 473)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها. (2) أبو داود (1/ 120) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. (التعيس): نزول المسار آخر الليل نزلة للاستراحة والنوم. (راحلته) الراحلة: الجمل أو الناقة، إذا كان شديداً قوياً يصلح للركوب والأحمال والأسفار. (فضُرِب على آذانهم) يقال للنُّوام: ضُرب على آذانهم، ومعناه: حُجب الصوتُ والحس أن يلجا آذانهم فينتبهوا، فكأنها قد ضرب عليها حجاب. (وهلين) الوهَلُ: الفزع والرعبُ.

رُويداً رُويداً، لا بأس عليكم، حتى إذا تعالت الشمسُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم يركع ركعتي الفجر [أي سنة الفجر] فليركعْهُما، فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما فركعهما، ثم أمر [رسول الله صلى الله عليه وسلم] أن يُنادي بالصلاة، فنُودي لها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، فلما انصرف قال: ألا إنا نحمدُ الله أنَّا لم نكنْ في شيء من أمور الدنيا يشغلُنا عن صلاتنا، ولكنْ أرواحُنا كانت بيد الله تعالى، فأرسلها أنَّى شاء، فمن أدرَكَ منكم صلاة الغداةِ من غدٍ صالحاً فلْيَقْضِ معها مثلها". وفي رواية (1) لأبي داود داود والترمذي والنسائي قال: "ذكرُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نومَهم عن الصلاة، فقال: أما إنَّه ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريطُ على من لم يُصلِّ حتى يدْخُل وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلِّها حين ينتبهُ لها". وقال الترمذي والنسائي: "إنما التفريط في اليقظة فإذا نسيَ أحدُكم صلاة أو نامَ عنها، فليصلِّها إذا ذكرها". قال الحافظ في "الفتح": قال الخطابي: لا أعلم أحداً قال بظاهره وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء. قال الحافظ: ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضاً، بل عدوا الحديث غلطاً من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. 310 - * روى أحمد عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ فعَرَّس من الليل فلم يستيقظْ إلا بالشمس قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذَّنَ فصلى ركعتين. قال: فقالَ

_ (1) أبو داود (1/ 121) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. الترمذي (1/ 334) أبواب الصلاة، 130 - باب ما جاء في النوم عن الصلاة. النسائي (1/ 294) 6 - كتاب المواقيت، 53 - فيمن نام عن الصلاة. (رُويداً): بمعنى التأني والتمهُّل في الأمور. يقال: سيروا رويداً: أي: على مهل، فيكون نصباً على الحال، ويقال: ساروا سيراً رويداً، فيكون نصباً لأنه صفة المصدر. (تعالت) الشمس: إذا على وارتفعت قال الخطابي: وروي: (تقالَّتْ) يريد استقلالها في السماء وارتفاعها. 310 - أحمد (1/ 259). مجمع الزوائد (1/ 321) كتاب: الصلاة، باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها. كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 201) كتاب الصلاة، باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها.

ابنُ عرس: ما يسُرُني الدنيا وما فيها يعني للرُخصةِ. أقول: إذا كان فرح ابن عباس لأن الحديث لم يرتب على من فاتته صلاة بسبب النوم إلا القضاء وذلك رخصة ولا شك أن هناك فارقاً بين من نام بعد أن دخل الوقت ففاتته الصلاة وبين من نام قبل دخول الوقت ففاتته الصلاة فالأحاديث المانعة من الإثم هي في من نام قبل الوقت ففاتته الصلاة. 311 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفَلَ من غزوة خيبر سار ليلةً، حتى إذا أدركه الكرَى عرَّسَ وقال لبلال: اكلأْ لنا الليل، فصلى بلال ما قُدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجرُ استند بلالُ إلى راحلته مُواجه الفجر، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستندٌ إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولا أحد من أصحابه، حتى ضربتْهم الشمسُ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّلهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بلالُ، فقال بلالٌ: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - قال: اقتادُوا، فاقتدوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً، فأقام للصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1). وكان ابن شهاب يقرؤها (للذكرى) (2). وفي رواية، قال: عَرَّسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم نستيقظ حتى طلعتِ الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، "ليأخُذْ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزلٌ حضرنا فيه الشيطانُ، قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين - قال بعض الرواة: ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة، فصلى الغداة.

_ 311 - مسلم (1/ 471) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها. (1) طه: 14. (2) في نفس الموضع. (ففزع) فزع الرجل من نومه: إذا انتبه. يقال: أفزعتُ الرجل ففزع: أي أنبهتُه فانتبه. (قفل) القفول: الرجوع من السفر. (الكرى): النعاس. (اكلأ) الكلاءة: الحفظ والحراسة.

312 - * روى أبو داود عن أبي هريرة في هذا الخبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتْكم فيه الغفلة، قال: فأمر بلالاً فأذن، وأقام، وصلى". أقول: يلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتاط من أجل أن يستيقظوا للصلاة فكلف بلالاً أن يوقظهم وذلك دأب المسلم في الاحتياط للاستيقاظ للصلاة في وقتها، والملاحظ أن بلالا نام قُبيلَ الفجر ولم يأثم بذلك، ومن ههنا أخذ بعض الفقهاء، أن للمسلم أن ينام قبل دخول الوقت على نية الاستيقاظ للصلاة، وهل يجب على المستيقظ أن يوقظ النائم للصلاة إذا خاف عليه أن تفوته الصلاة، قال الحنفية: يجب عليه الإيقاظ، وقال الشافعية: يستحب له الإيقاظ ولا يجب عليه إلا إذا كان قد كلفه بذلك. قال النووي في المجموع: ويسن إيقاظ النائم للصلاة، ولا سيما إذا ضاق وقتها ويستحب أن يوقظ غيره لصلاة الليل وللتسحر. 313 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: "أقْبَلْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يكلؤُنا؟ " فقال بلالٌ: أنا، فناموا حتى طلعتِ الشمس، فاستيقظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "افعلوا كما كنتم تفعلون"، قال: ففعلنا، قال: "فكذلك فافعلوا، لمن نام أو نسيَ". 314 - * روى النسائي عن جُبير بن مُطعمٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سفرٍ: "من يكلؤُنا الليلةَ، لا نرْقُدَ عن الصلاة، عن صلاة الصبح؟ " فقال بلال: أنا، فاستقبل مطلِعَ الشمس، فضُرِبَ على آذانهم، حتى أيقظهم حرُّ الشمس، فقاموا، فقال: "توَّضؤوا"، ثم أذَّن بلالٌ، فصلى ركعتين، وصلُّوْا ركعتي الفجر، ثم صلُّوْا الفجر.

_ 312 - أبو داود (1/ 119) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. 313 - أبو داود (1/ 122) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. 314 - النسائي (1/ 298) كتاب مواقيت الصلاة، 55 - باب كيف يقضي الفائتة.

315 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أدْلَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عَرَّسَ، فلم يستيقظْ حتى طلعتْ عليه الشمس، أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس، فصلى. 316 - * روى مالك عن زيد بن أسلم - مولى عمر - رضي الله عنه قال: "عَرَّسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً بطريق مكةَ، ووكَّل بلالاً أن يوقظهم للصلاة، فرقدَ بلال، ورقدُوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعُوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجُوا من ذلك الوادي، وقال: "عن هذا وادٍ به شيطانٌ" فرَكبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزِلوا، وأن يتوَّضؤوا، وأمر بلالا أن يُنادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم انصرف وقد رأى من فزعهم، فقال: "يا أيُّهَا الناسُ، إنَّ الله قبَضَ أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليُصلها كما كان يُصليها في وقتها"، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق، فقال: "إن الشيطان أتى بلالا وهو قائمٌ يُصلي فأضجعه، فلم يزلْ يهدئهُ كما يُهدأ الصبيُّ حتى نام"، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا، فأخبر بلالاٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال أبو بكر: أشهدُ أنك رسولُ الله". 317 - * روى النسائي عن بُريد بن أبي مريم عن أبيه، قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأسْرَينا ليلةً، فلما كان في وجه الصُّبْح نزل رسول الله فنام صلى الله عليه وسلم، ونام الناسُ، ولم يستيقظوا إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذِّنَ، فأذن، ثم صلى ركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائنٌ حتى تقوم الساعةُ".

_ 315 - النسائي (1/ 299) كتاب مواقيت الصلاة، 55 - كيف يقضي الفائت من الصلاة. (أدلج) الإدلاج مخففاً: السير من أول الليل، ومشدد الدال: السير من آخره. 316 - الموطأ (1/ 14) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 6 - باب النوم عن الصلاة. 317 - النسائي (1/ 297) كتاب مواقيت الصلاة، 55 - كيف يقضي الفائت من الصلاة.

318 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمسُ، فجعل يسُبُّ كفار قريش، وقال: يا رسول الله، ما كدتُ أصلي العصر حتى كادت الشمسُ تغربُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما صليتُها"، فقُمنا إلى بُطْحَانَ، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب. أقول: من هذا الحديث وأمثاله أخذ الحنفية فكرة قضاء الفائتة قبل فريضة الوقت، وأخذوا فكرة ترتيب الفوائت، فلا تصلي صلاة قبل سابقتها ما دامت الفوائت قليلة كما سنرى في المسائل والفوائد في نهاية هذا الفصل. 319 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن المشركين شغلُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذَّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء". وفي رواية (1) للنسائي، قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحُبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فاشتد ذلك عليَّ، فقلت: نحن مع رسول الله في سبيل الله؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذّن وأقام ... وذكر الحديث، وقال فيه: فصلى بنا، ثم طاف علينا، فقال: ما على الأرض عصابةٌ يذكرون الله غيركم".

_ 318 - البخاري (2/ 68) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 36 - باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت. مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. الترمذي (1/ 339) أبواب الصلاة، 132 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ قال هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 17) 7 - كتاب الأذان، 22 - الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد. 319 - الترمذي (1/ 337) أبواب الصلاة، 132 - ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ. النسائي (2/ 17) 7 - كتاب الأذان، 22 - الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد. (1) والرواية الأخرى في نفس الموضع، 23 - باب الاكتفاء بالإقامة لكل صلاة.

320 - * روى النسائي عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمسُ، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عز وجل {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (1) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يُصليها في وقتها، ثم أقام للعصر، فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام للمغرب، فصلاها كما كان يصليها في وقتها". 321 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر "أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أغمِيَ عليه، فذهب عقلهُ، فلم يقضِ الصلاة. قال مالك: "ذلك فيما نُرَى - والله أعلم- أن الوقت ذهب، فأما من أفاق وهو في وقت، فنه يُصلي". أقول: ما ورد في النص مذهب مالك وهذه قضية فيها خلاف مذهبي سنراه في المسائل والفوائد. 322 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "من نسيَ صلاةً فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا سلم الإمام فليصلِّ الصلاة التي نسي، ثم ليصل بعدها الأخرى".

_ 320 - النسائي (2/ 17) 7 - كاب الأذان، 21 - الأذان للفائت من الصلوات. (1) الأحزاب: 25. 321 - الموطأ (1/ 13) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 5 - باب جامع الوقوت، وإسناده صحيح. 322 - الموطأ (1/ 168) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة، وإسناده صحيح، وروي مرفوعاً بإسناد حسنه بعض العلماء.

مسائل وفوائد حول قضاء الفائتة

مسائل وفوائد حول قضاء الفائتة - إذا فاتت الإنسان صلاةٌ لعذر وأراد أن يصليها فإنه ينوي فيها القضاء، ويرى بعض الفقهاء أنه ينوي في قضائها صلاة آخر وقت - ويعيِّنه- أدركه ولم يصله. - رأينا أن الإمام أحمد يُكفر تارك الصلاة عمداً فهو عنده مرتد، بينما الأئمة الثلاثة لا يكفرونه إلا إذا جحدها أو استخف بها، وفي مذهب أحمد روايتان في وجوب القضاء عليه، إحداهما لا يلزمه والثانية يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته، والمذاهب الثلاثة الأخرى متفقة على وجوب قضاء الصلاة سواء تركها لعذر مع استثناءات في بعض الأحوال: عند المالكية: لا يجب القضاء لجنون أو إغماء أو كفر أو لفقد الطهورين إذا استغرق الوقت وأجمع الفقهاء على أن الصلاة تسقط عن المرأة أيام الحيض والنفاس، فلا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلوات أثناء ذلك، وذكر الحنفية: وذكر الحنفية: أن الصلاة تسقط عن المجنون والمغمى عليه إذا استمر الجنون أو الإغماء أكثر من خمس صلوات، أما إذا استمر خمس صلوات فأقل وجب عليه القضاء، وأما المرتد فلا يقضي ما فاته زمن الردة وما قبلها إلا الحج، وقال الشافعية: وأما المرتد إذا أسلم فيلزمه قضاء الصلاة، ومن زال عقله بجنون أو إغماء أو بسبب مباح فلا تجب عليه الصلاة ولا قضاء عليه، أما من زال عقله بسبب محرم كمن شرب المسكر، أو تناول دواء من غير حاجة، فيجب عليه القضاء إذا أفاق. وعند الحنابلة: يقضي المغمى عليه جميع الصلوات التي فاتته في حال إغمائه. - قال الحنفية: تقضي الصلاة على الصفة التي فاتت عليها حضراً أو سفراً، فمن فاتته صلاة مقصورة من الصلاة قضاها ركعتين ولو في الحضر، ومن فاتته صلاة تامة في الحضر قضاها كما هي ولو في السفر، وأما صفة القراءة في القضاء سراً أو جهراً فيراعى فيها نوع الصلاة، فإن كانت سرية كالظهر يسر في القراءة، وإن كانت جهرية يجهر فيها إن كان إماما، ويخير بين لجهر والإسرار إن كان منفرداً. - إذا كان الإنسان مسافراً، وترخص في الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب

والعشاء، ونوى التأخير ووصل إلى بلده، فإنه ينوي القضاء في الصلاة التي فاتته قبل فريضتها. - لا تقضي النوافل عند الحنفية إلا الوتر لأنه واجب عندهم وسنة الصبح إذا فاتت مع فريضتها أما إذا صلى الفريضة في وقتها فلا يصل بعدها سنة الصبح إذا فاتته قبل فريضتها. وتقضي الفائتة في جماعة، ويشترط الحنفية أن تكون صلاة الإمام والمأموم واحدة. - ويجب القضاء فوراً، ويجوز تأخيره عند الحنفية لعذر السعي على العيال، وفي الحوائج على الأصح، وقال الشافعية: إذا فاتت الصلاة لعذر: كنوم ونسيان يندب له القضاء الفوري ندباً، وإذا فاتته لغير عذر يجب عليه القضاء فوراً. - وترتيب الفوائت سنّة عند الشافعية، وهناك تفصيلات كثيرة في المذاهب الثلاثة الأخرى، يمكن أن يعرفها كل إنسان من خلال تفقهه في مذهبه، فجمهور الفقهاء يروْن وجوب الترتيب إذا قلت الفوائت، فعند الحنفية مثلاً: يجب الترتيب ما دامت الفوائت أقل من ست، ولا يجب إذا صارت ستاً فما فوق، وإذا ضاق الوقت الأصليُّ للصلاة الحاضرة أو نسي الفائتة وقت الأداء. - قال الشافعية: وترتيب الحاضرتين المجموعتين تقديماً - بسبب يجيز الجمع عندهم - واجب وأما الترتيب إذا كان الجمع جمع تأخير، فهو سنّة. - من كان عليه فوائت كثيرة لا يدري عددها، فعند الحنفية يجب عليه أن يقضي حتى يغلب على ظنه براءة ذمته وعند المالكية والشافعية والحنابلة حتى يتيقن براءة ذمته. وعند هؤلاء يكفي تعيين الوقت كالظهر، وعند الحنفية ينوي مع تعيين الوقت أول أو آخر صلاة وقت أدركه وقتها ولم يصلِّ. - يجوز عند الحنابلة والشافعية والمالكية القضاء في أي وقت، ولا يجوز عند الحنفية عند طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح أو رمحين، وعند استواء الشمس في وسط السماء إلا أن تميل إلى جهة المغرب، وعند اصفرار الشمس حتى تغرب، وما عدا ذلك فإنه يجوز له القضاء

ولو بعد صلاة الفجر وبعد العصر وذلك قبل اصفرار الشمس أو طلوعها. - قال الحنفية: إذا طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح فسدت عليه صلاته، وعليه أن ينتظر حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين، فيصليها قضاءً، وقال المالكية والشافعية والحنابلة، يستمر في صلاتها ويتمها وقد صحت. (انظر: الدر المختار 1/ 485 فما بعدها، والشرح الصغير 1/ 364 فما بعدها، والمهذب 1/ 51، 54، والمغني 1/ 607 فما بعدها، والفقه الإسلامي 2/ 131 - 145). * * *

الفصل الثالث في صلاة الصبي

الفصل الثالث في صلاة الصبي 323 - * روى أبو داود عن سبْرَة بن معبد الجُهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا الصبيَّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" وفي رواية (1) قال: "علموا الصبيَّ الصلاة ابن سبعٍ، واضربوه عليها ابن عشرٍ". أقول: يجب على أولياء الصبي أن يؤهلوه للقيام بالتكليف بعد البلوغ، وذلك يقتضي منهم تعليمه وتأديبه وتعويده على مكارم الأخلاق وترك مساوئها، كما يقتضي تحديد وجهته في أموره الدنيوية على مقتضى الشريعة، فيدرب أو يوجه إلى ما يناسبه من مهنة أو حرفة، وبالنسبة للصلاة فقد حدد الحديث السن التي يجب الأمر فيها بالصلاة وتعليمها، أما ما قبل هذا السن فيندب لأوليائه أن يأمروه ويعلموه، فإذا بلغ عشراً فعلى أوليائه ألا يكتفوا بالأمر بل يزيدوا على ذلك الضرب بيد لا بخشبة ونحوها، إذا لم يصل، وإذا لم يكن لليتيم ولي يرعاه فعلى وصيه وجيرانه ومن يعرفه أن يولوا توجيهه وتعليمه بالقدر الممكن له، وما يقال في حق الذكور، يقال في حق الإناث ويتولى النساء - حال فقد الأولياء - أمر التوجيه والتعليم لهن ولا حرج على الرجال أن يؤدبوا، إذا أُمِنت الفتنة ولم يوجد محظور. 324 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشرٍ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع". زاد في رواية (2) "وإذا زوَّجَ أحدُكم خادِمَهُ

_ 323 - أبو داود (1/ 133) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. (1) الترمذي (2/ 259) أبواب الصلاة، 299 - باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة. قال حديث حسن صحيح. 324 - أبو داود (1/ 133) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. (2) الرواية في أبي داود في نفس الموضع. (وفرقوا بينهم في المضاجع) أراد بالتفريق بين الذكور والإناث من الأولاد عند النوم، لقربهم البلوغ.

= عبدهُ أو أجيرهُ - فلا ينظرُ إلى ما دون السُّرةِ وفوق الرُّكبة". أقول: الأصل: أن الأمة بالنسبة لسيدها كالزوجة في جواز النظر والاستمتاع، فإذا زوّج السيد أمته لأحد، فإن الحديث يحظر عليه أن يرى ما بين السرة والركبة. 325 - * روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله بن خُبيبٍ الجُهني قال راويه-[هشامُ بن سعدٍ]-: "دخلنا عليه، فقال لامرأته: متى يُصلِّي الصبيُّ؟ قالتْ: نعم كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن ذلك؟ فقال: "إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة". أقول: هذا الحديث محمول على الندب، والأمر بالصلاة لسبع محمول على الوجوب. 326 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ وأنا ابن أربع عشرة، فلم يُجزْني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة، فأجازني" قال نافع: "فقدمتُ على عمر بن عبد العزيز وهو خليفةٌ، فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحدُّ ما بين الصغير والكبير، فكتب إلى عُمَّاله: أن يفرضُوا لمن بلغ خمس عشرة سنة، وما كان دون ذلك فاجعلوه في العيال". وانتهت رواية أبي داود والنسائي عند قوله: "فأجازني". وزاد أبو داود في رواية أخرى نحو ما بقي من الحديث. أقول: إن بلوغ الصبي مبلغ الرجال، وبلوغ الفتاة مبلغ النساء هو الذي ينقلهما إلى طور التكليف، فلا يحاسبان على ما يفعلانه قبل البلوغ، والبلوغ بالنسبة للمرأة يكون بالحيض أو بالحبل أو بالاحتلام، فإذا لم يكن شيء من ذلك (1)، فمتى بلغت الخامسة عشرة

_ 325 - أبو داود (1/ 134) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. 326 - البخاري (5/ 276) 52 - كتاب الشهادات 18 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم. مسلم (3/ 1490) 33 - كتاب الإمارة، 23 - باب بيان سن البلوغ. الترمذي (4/ 211) 24 - كتاب الجهاد، 31 - باب ما جاء في حد بلوغ الرجل ومتى يفرض له. وقال حديث حسن صحيح غريب من حديث سفيان الثوري. النسائي (6/ 155) 27 - كتاب الطلاق، 20 - باب متى يقع طلاق الصبي. أبو داود (3/ 137) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب متى يفرض للرجل في المقاتلة.

سنة قمرية يحكم لها بالبلوغ، وأما الذكر فبلوغه بالاحتلام، أو بالإنزال فإذا لم يكن شيء من ذلك، فمتى بلغ الخامسة عشرة سنة قمرية، ولما كانت بعض القضايا تخفي، ويمكن أن يكون فيها دعوى، فإن السن ف حق الغير أو في بعض الأعمال هي الفيصل. 327 - * روى ابن خزيمة عن حَرْمَلة بن عبد العزيز عن عمه عبد الملك بن الربيع عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علِّموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشرٍ". قال البغوي في شرح السنة 2/ 407 حول هذه الأحاديث. وفي الحديث دليل على أن صلاة الصبي بعدما عقلَ صحيحة، واختلف أهل العلم في صحة إسلامه، فذهب قوم إلى أنه لا يصحُّ إسلامهُ، كما لا يصح شيء من تصرفاته وعقوده، وهو قول الشافعي. وذهب قوم إلى صحة إسلامه، وهو قول الحسن، وبه قال أصحاب الرأي، وقالوا: لو ارتد لا يُحكمُ بكفره. ولو أدى الفرض في أوَّلِ الوقت قبل البلوغ، ثم بلغ والوقتُ باقٍ اختلفوا في وجوب الإعادة عليه، وهو قول أصحاب الرأي، فأوجب بعضهم الإعادة، وهو قول أصحاب الرأي، ولم يوجب بعضهم، وهو ظاهرُ قول الشافعي. قال الشافعي، على الآباء والأمهات أن يؤدبُوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا، فمن احتلم أو حاض، أو استكمل خمس عشرة، لزمه الفرضُ. وروى عن ابن عباس أنه قيد عكرمةَ على تعليم القرآن والسنن والفرائض. قال ابن عمر: أدِّب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا علمْتَهُ، وهو مسؤول عن بِرِّك وطواعيته لك.

_ 327 - ابن خزيمة (2/ 102) جماع أبواب الفريضة، 402 - باب أمر الصبيان بالصلاة وضربهم على تركها .. إلخ.

قلت [أي البغوي]: وقد قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (1) وفي تعليمهم أحكام الدين، وشرائع الإسلام قيام بحفظهم عن عذاب النار، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (2) وإثني على إسماعيل صلى الله عليه وسلم بها. فقال {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} (3). وقيل: أراد بالأهل: جميع أمته، وكذلك أهلُ نبي أمته. ورُوي عن علي في قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً). قال علموهم، أدبوهم، وعن ابن عباس مثله، ا. هـ. 328 - * روى البخاري عن ابن عباس، قال: مرّ عليُّ بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت، أمر عمر برجمها. فرجَّعَها عليٌّ وقال لعمر: يا أمير المؤمنين ترجُم هذه؟ قال: نعم. قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِع القلمُ عن ثلاثٍ، عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم". قال صدقت فخلَّي عنها.

_ (1) التحريم: 6. (2) طه: 132. (3) مريم: 55. 328 - البخاري (12/ 120) 86 - كتاب الحدود، 22 - باب لا يرجم المجنون والمجنونة.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قاس العلماء الصيام على الصلاة في أن الطفل يؤمر به ويعود عليه من سن السابعة، ويضرب عليه إذا بلغ العاشرة ضرباً خفيفاً من باب إظهار الغضب، إذا كان يطيق جسمه ذلك. - متى بلغ الإنسان ذكراً كان أو أنثى أصبح مكلفاً بكل أنواع التكليف من العقيدة إلى العبادة إلى الأخلاق إلى كسب الحلال إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكلف الذكر بالجهاد، والأنثى لها تكليفاتها الخاصة، هذا وكل نوع من أنواع التكليف يدرب عليه الإنسان قبل البلوغ، وهو بعد أن يبلغ سن التمييز أي السابعة مأجور على ما يفعله من خير غير مأزور على ما يفعله من ذنب، ومن كان له فضل تربيته عليه، فإنه يؤجر بما يفعله من خير، وإذا كان إثم الصبي سببه تقصير من تجبُ عليه تربيته، فإنه يأثم بقدر تقصيره، فكيف إذا دفعه إلى شر، وعوّده عليه، ومما نص عليه الفقهاء أن الأم لا توجه الطفل نحو القبلة لبوله، كنوع من أنواع التعويد على الخير والنهي عن الشر. - لا يعتبر الإنسان مكلفاً قبل البلوغ إلا أن الشافعية والمالكية والحنابلة أوجبوا في ماله الزكاة، والحنفية لا يرون ذلك لأنه عبادة وهو لا يطالب بالعبادات، وإذا كان للإنسان مال قبل البلوغ فنفقته في ماله. - وقد طولب أولياء الولد بأن يبدأوا حياته بأنواع من الخير قياماً بحقه واحتفاءاً به وإشعاراً بما ينبغي في شأنه، ومن ذلك استحباب التأذين في أذن المولود اليمين حين يولد وبعضهم يستحب الإقامة في أذنه اليسرى زيادةً على التأذين في اليمنى، واستحب بعضهم أني قال في أذن المولود اليمنى ما قالته أمُّ مريم (عليها الرضوان): {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1) وتستقبل ولادة الطفل بالعقيقة وحلق شعر رأسه في اليوم السابع أما العقيقة فيؤكل من لحمها ويوزع، وأما شعره فيتصدق بوزنه ذهباً أو فضةً، ومما يستقبل به حسن اختيار الاسم، وكل ذلك من مظاهر الاعتناء بالطفل. - ومما ينبغي أن يلاحظ في حق الطفل ختانه، على خلاف بين الفقهاء في الوقت

_ (1) آل عمران: 36.

المستحب للختان، وبالنسبة لعورة الصغير فالحنفية قالوا: لا عورة لمن عمره أربع سنين فأقل، فيباح النظر إلى بدنه ومسه، ثم ما دام لم يشته فعورته القبل والدبر ثم تغلظ عورته فيجب ستر ما حول القبل والدبر إلى عشر سنين وبعد العاشرة تعتبر عورته كعورة البالغ. أما المالكية، فعورة الصغير والصغيرة في الصلاة بعد تمام السبع كالبالغ، وأما خارج الصلاة فالطفلة ما دامت دون السنتين وثمانية أشهر لا عورة لها، ويباح نظر الرجل إلى البنت كلها حتى الرابعة وينبغي التنزه عن ذلك، ولكن لا يحق للرجل أن يغسلها، ومتى بلغت الفتاة ست سنين أصبحت كالمرأة في الأحكام، أما الطفل فعورته خارج الصلاة يكون لها حكم الرجال متى بلغ ثلاث عشرة سنة، وابن ثمان سنين فأقل لا عورة له، فيجوز للمرأة النظر إلى جميع بدنه وتغسيله، وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة، يجوز للمرأة النظر إلى جميع بدنه ولكن لا يجوز تغسيله. وقال الشافعية: عورة الصغير ولو غير مميز كالرجل ما بين السرة والركبة، وعورة الصغيرة كالكبيرة، وعلى هذا فيحتاط في شأن عورة الطفل والطفلة الصغيرة، إلا فيما لابد منه. وقال الحنابلة: الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين لا عورة له، وبنت سبع إلى عشر عورتها في الصلاة ما بين السرة والركبة وأما خارج الصلاة فمثل الكبيرة فعورتها أمام المحارم ما بين السرة والركبة، ويستحب لها الاستتار وستر الرأس كالبالغة احتياطاً أمام الأجانب فعورتها جميع بدنها إلا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم، وابن عشر وبنت عشر كالبالغ في أحكام العورة، والمسلم في شأن ابنه وابنته يحتاط ما أمكن، فيعودهما على الستر منذ الصغر، ويعودهما على عدم الظهور بغير المنظر الأكمل، والأم تراعي ذلك ما أمكن، والحرج مرفوع شرعاً. - ومما ينبغي أن يلحظه الدعاة في عصرنا أن يركزوا في خطاب غير المسلمين أثناء دعوتهم إلى الإسلام، على أن الإسلام دين يرعى الطفولة والأمومة والضعفاء ويراعي حق المرأة، وأنه دين رحمة للإنسان والحيوان، فهذه معان لها تأثيرها في قلوب الكثيرين، إلا أن المسلم ينبغي أن يكون دقيقاً وهو يعرض هذه المعاني، فإن مما يخشى منه، أو يقول كلمة

غير دقيقة فقهياً: فيقع في تحريم حلال أو تحليل حرام، فهو عندئذ بين كفر وفسوق. (انظر في أحكام العورة: رد المحتار 1/ 270 وما بعدها، والشرح الصغير 1/ 285، والمهذب 1/ 64 فما بعدها، والمغني 1/ 577 والفقه الإسلامي 1/ 584 وما بعدها و 596 وما بعدها).

الفصل الرابع في ذكر بعض من لا تقبل صلاتهم

الفصل الرابع في ذكر بعض من لا تُقبل صلاتهم 329 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أبَقَ العبدُ لم يقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه". وفي رواية (1) عن عروة بن رويم: عن ابن الديلمي، الذي كان يسكن بيت المقدس، أنه مكث في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة فسأل عنه، قالوا: قد سار، إلى مكة، فأتبعهُ فوجده قد سار إلى الطائف، فأتبعه فوجده في زرعة يمشي مخاصراً رجلاً من قريشٍ، والقرشي يزنُّ بالخمر، فلما لقيتهُ سلمْتُ عليه، وسلم عليَّ. قال: ما غدا بك اليوم ومن أين أقبلت؟ فأخبرته ثم سألته هل سمعت يا عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شراب الخمر بشيء؟ قال نعم. فانتزع القرشي يده ثم ذهب، فقال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يشربُ الخمر رجل من أمتي فيُقْبَلُ له صلاةٌ أربعين صباحاً". أقول: إن هناك حيثيتين في إقامة الصلاة الأولى: سقوط إثم الترك بإقامتها، والثانية: نوال الأجر بفعلها، فمن أقام الصلاة ممن وردت فيهم نصوص أنه لا تُقبل صلاتهم، فهؤلاء يسقط الإثم عنهم بإقامة الصلاة، ولكن لا ينالون ثواب الصلاة التي وُعد بها غيرهم. 330 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شَرِب الخمر لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب، تاب الله

_ 329 - مسلم (1/ 83) 1 - كتاب الإيمان، 32 - باب تسمية العبد الآبق كافراً. ابن خزيمة (2/ 69) جماع أبواب الصلاة، 364 - باب نفي قبول صلاة المرأة الغاضبة لزوجها، وصلاة العبد الآبق. (1) ابن خزيمة (2/ 68) جماع أبواب الصلاة، 363 - باب نفي قبول صلاة شارب الخمر. (أبق العبد): هرب. (يزن): يتهم. 330 - الترمذي (4/ 290) 27 - كتاب الأشربة، 1 - باب ما جاء في شارب الخمر، وقال الترمذي: حديث حسن.

عليه، فإن عاد لم يقبل الله صلاة أربعين صباحاً فإن تاب، تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال". قيل: يا أبا عبد الرحمن، وما نهرُ الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار". وفي رواية (1) قال: "من شرب الخمر فلم يُنتشِ، لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن مات فيها مات كافراً"، جعله موقوفاً على ابن عمر. 331 - * روى مسلم عن مُصعب بن سعدٍ، قال دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعودهُ وهو مريضٌ. فقال: ألا تدعو الله لي، يا ابن عمر؟ قال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ "لا تُقْبَلُ صلاةٌ بغير طهورٍ، ولا صدقةٌ من غلولٍ" وكنت على البصرة. 332 - * روى الشيخان عن همام وهب بن مُنبِّهٍ؛ قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تُقبلُ صلاة أحدكم، إذا أحدث، حتى يتوضأ". 333 - * روى أحمد عن عائشة ترفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقبلُ صلاة الحائض

_ (1) النسائي (8/ 316) 51 - كتاب الأشربة، 44 - ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر. 331 - مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وجوب الطهارة للصلاة. (غلول) الغلول الخيانة: وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة. (وكنت على البصرة) فمعناه إنك لست بسالم من الغلول فقد كنت والياً على البصرة، وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلا من متصون والظاهر، والله أعلم، أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات. ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة. 332 - البخاري (12/ 329) 90 - كتاب الحيل، 2 - باب في الصلاة. مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وجوب الطهارة للصلاة. 333 - أحمد (6/ 150).

إلا بخمار". 334 - * روى أحمد عن بعض أمهات المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تُقبلْ له صلاةٌ أربعين ليلة" (1). * * *

_ = الترمذي (2/ 215) أبواب الصلاة، 277 - باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار. ابن ماجه (1/ 215) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 132 - باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار. المراد هنا بالحائض: المرأة البالغة ليس المراد المتلبسة بالحيض فهذه لا تجوز صلاتها ولا تطالب بالصلاة. 334 - أحمد (4/ 68). مسلم (4/ 1751) 39 - كتاب السلام، 35 - باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. (العراف). هو الذي يدعي معرفة الغيب.

الباب الثاني في شروط الصلاة

الباب الثاني في شروط الصلاة وفيه مقدمة وفصول * الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة. * الفصل الثاني: في دخول الوقت وهو الشرط الثاني من شرط الصلاة. * الفصل الثالث: في ستر العورة وهي الشرط الثالث من شروط الصلاة. * الفصل الرابع: في استقبال القبلة وهي الشرط الرابع من شروط الصلاة. * الفصل الخامس: في النية وهي الشرط الخامس من شروط الصلاة.

مقدمة

مقدمة الشرط: في اصطلاح العلماء: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان خارجاً عن ماهيته، فالوضوء مثلاً شرط للصلاة خارج عنها. وشروط الصلاة عند الحنفية خمسة، وهي شروط مجمع عليها بين العلماء مع خلاف في بعض التفصيلات، ومع زيادات عند بعضهم عليها، الشرط الأول: الطهارة، الشرط الثاني: دخول الوقت، الشرط الثالث: ستر العورة، الشرط الرابع: استقبال القبلة، الشرط الخامس: النية. والدليل القرآني للنية قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1). والدليل القرآني لاستقبال القبلة قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (2). والدليل القرآني لستر العورة قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (3) قال ابن عباس: المراد به الثياب في الصلاة. والدليل القرآني لدخول الوقت: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (4) أي فرضاً مؤقتاً محدوداً بوقت. والدليل القرآني لاشتراط الطهارة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (5). وقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (6). والشروط كلها في اصطلاح الفقهاء فرائض، فهي كالأركان في فرضيتها، غير أن الركن يكون داخل الماهية، والشرط خارجها.

_ (1) البينة: (5). (2) البقرة: (150). (3) الأعراف: (31). (4) النساء: (103). (5) المائدة: (6). (6) المدثر: (4).

فشروط الصلاة إذن خمسة كما ذكرنا، فلا تصح الصلاة بدون معرفة الوقت يقيناً أو بغلبة ظن بالاجتهاد، ويجب ستر العورة في الصلاة ولو كان خالياً في ظلمة عند القدرة، وحد العورة التي يفترض سترها في الصلاة يدخل فيه: القبل والدبر وما حولهما والفخذان والركبة عند الحنفية، وأما المرأة فكلها عورة في الصلاة ما عدا الوجه والكفين وما عدا القدمين عند الحنفية والجمهور وإن خالفوا الحنفية في ستر الركبة بالنسبة للرجال لكنهم يقولون يجب ستر شيء منها ومن السرة، وبعضهم يرى ستر السرة اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، إلا في شدة الخوف، وصلاة النافلة للمسافر على الراحلة، وإلا مع العجز كالمربوط والمريض الذي لا قدرة له على التحول على خلاف في الأخير فيما إذا كان يجد من يحوله أو لا يجد، ويجب التحري والاجتهاد في القبلة إذا اشتبهت عليه جهتها ولم يجد أحداً ثقة يخبره عن علم. والنية عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله، وهي واجبة في الصلاة باتفاق العلماء لتتميز العبادة عن العادة، وليتحقق في الصلاة الإخلاص لله تعالى. ويدخل في الطهارة: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، والحدث الأكبر: الجنابة والحيض والنفاس، والطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر بالغسل، والتيمم بديل عنهما بشروطه، والطهارة من الحدثين شرط في كل صلاة- مفروضة أو نافلة - وهي فريضة حتى في سجدة التلاوة وسجدة الشكر، فمن صلى بغير طهارة لم تنعقد صلاته، كما يدخل في الطهارة: الطهارة عما اعتبره الشرع نجاسة على خلاف في القدر المعفو عنه، وعلى خلاف عند بعض المالكية في هذا الموضوع، فمشهور مذهب المالكية أن الطهارة من النجس سنة مؤكدة وهي رخصة يُفتى بها عند الضرورة، إلا أن المفتى به عند المالكية أنها فرض والجمهور على أنه يشترط لصحة الصلاة الطهارة من النجس الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان. ونحن سنبدأ في عرض الشرط الأول للصلاة وهو الطهارة، وإذ كان يتوضع حول بحث الطهارة مواضيع متعددة لتعلق الطهارة بالصلاة وغيرها، فسنذكر ذلك كله بهذه المناسبة.

الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة

الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة. وفيه مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة. الفقرة الثانية: في أحكام المياه. الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة. الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء. الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه. الفقرة السادسة: في المسح على الخفين. الفقرة السابعة: في الغسل وموجباته. الفقرة الثامنة: في التيمم. الفقرة التاسعة: في الأوضاع الاستثنائية التي لها أحكام خاصة في الطهارة.

مقدمة

مقدمة الطهارة: معنى تعبدي من آثارها النظافة ولكنهما لا يتلازمان دائماً، فقد يكون الإنسان نظيفاً وليس طاهراً وقد يكون طاهراً وليس نظيفاً، ولكن لارتباط الطهارة في الغالب بالماء، ولكون الماء أداة النظافة الرئيسية فقد ارتبطت الطهارة بالنظافة، ولكنهما لا يتطابقان ولا يتلازمان، فالطهارة مقصودة بذاتها في شريعتنا، والنظافة مقصودة بذاتها في شريعتنا، وهذه عبادة وهذه عبادة أخرى إذا صحت النية، فإذا اغتسلت المرأة وهي حائض بماء نظيف طاهر فهي نظيفة ولكن لا يحكم لها بالطهارة، وإذا اغتسل الجنب بماء وسخ طاهر فإنه يحكم له بالطهارة مع أنه غير نظيف، وقد تكون الثياب نظيفة وليست طاهرة كأن غسلت بالكحول على رأي من يعتبر الكحول نجساً (وهي قضية خلافية)، وقد تكون وسخة ويحكم لها بالطهارة، فالطهارة إذن معنى تعبدي يحكم به إذا توافرت شروط ذلك من انتفاء مانع وتحقيق مطلوب. * * * والطهارة يقابلها النجاسة، وكما أن الطهارة معنى تعبدي يعطيه الشارع وصفه ويحدد شروطه، فكذلك النجاسات يعطيها الشارع وصفها ويحددها، وهي شيء قد يتلازم مع الضرر والقذارة وقد لا يتلازم، فما يخرج من الإنسان فيه معنى الضرر والقذر والنجاسة، ودم الإنسان والحيوان نجس وضار، ولا يعتبره بعضهم قذراً، والجراثيم ضارة ومستقذرة وليست نجسة، وقد يكون الشيء وسخاً ليس ضاراً ولا نجساً كالثوب الملوث بالطين، ومن ههنا كانت قضية الطهارات والنجاسات لا تخضع لمقاييس الاجتهاد البشري بل هي أحكام شرعة يقررها الشارع. والمسلم مطالب بالعلم بأحكام الطهارة والنجاسة ومطالب بالطهارة حيث وجبت لعبادة، كما أنه مطالب بالنظافة ومطالب بالابتعاد عما هو ضار وقذر. * * * والنجاسات أنواع فمنها الحسي كالبول والغائط والدم ومنها المعنوي كالكفر والحدث

الأكبر والحدث الأصغر. والطهارات أنواع: فمنها الطهارة المعنوية من الشرك والكفر وأمراض القلوب، ومنها الطهارة الحسية بالغسل للحائض والنفساء إذا طهرتا وللجنب، وبالوضوء للمحدث حدثاً أصغر مع إزالة النجاسات الحسية عن الثوب والبدن والمكان لمريد الصلاة أو الطواف، أو إزالة الحدث الأصغر والأكبر لمريد من القرآن، أو إزالة الحدث الأكبر لمريد المرور بالمسجد أو تلاوة القرآن. وعلى هذا فالقدر المطلوب من الطهارة يختلف باختلاف العبادة المرادة: فالإنسان يطالب أولاً بالطهارة من الكفر بأن يُسْلم، فإذا أسلم ودخل وقت صلاة يفترض عليه الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر - إلا المرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء، فإذا أحدث حدثاً أصغر وأراد مس القرآن فعليه أن يتوضأ. * * * ولفقه الطهارة صلة بتكليفات كثيرة، فله ارتباط بالصلاة لأن الطهارة شرطها الأول، وله صلة بأحكام المساجد وتلاوة القرآن والطهر من الحيض والنفاس ترتبط به أحكام كثيرة في حق المرأة من عدم وجوب الصيام في رمضان إلى وجوب الغسل والصلاة، وللحيض والنفاس والطهر منهما أحكام تتعلق بالحياة الزوجية كما ترتبط بهما أو بواحد منهما أحكام العدة للمطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن كالحوامل. وللطهارة صلة ببعض أحكام الحج، ومن ثم كان لفقه الطهارة أهمية كبيرة فدع عنك جهل الجاهلين بل كفر الكافرين، وتنطع المتنطعين. * * * والحيض والنفاس والجنابة تسبب الحدث الأكبر الذي يحتاج إلى غسل، والبول والغائط والاستحاضة تسبب الحدث الأصغر الذي يحتاج إلى وضوء، والمادة المطهرة الرئيسية من النجاسات الحسية هي الماء، والمادة المطهرة الأصلية من الحدثين الأكبر والأصغر هي الماء، وهناك حالات استثنائية ينوب فيها عن الماء غيره، وهناك حالات عارضة أو طارئة، وهناك حالات خاصة لها أحكام خاصة ومن ههنا غيره تدخل في أبحاث الطهارة مباحث متعددة:

- البحث في أحكام الوضوء والغسل على اعتبار أنهما العبادتان اللتان يزال بهما الحدث الأصغر والحدث الأكبر. - البحث في أحكام المياه على اعتبار أنها مادة الطهارة الأساسية والرئيسية والأصلية. - البحث في التيمم كنائب عن الغسل والوضوء في حالات تعذر استعمال الماء أو فقدانه. - ويتوضع حول هذا أبحاث المسح على الخفين كنائب عن غسل الرجلين في الوضوء ضمن شروط، وأبحاث المسح على الأربطة والجبائر إذا كانت هناك كسور أو جروح أو حروق أو بثور، وتبحث عادة في أبحاث الطهارة موجبات الحدث الأكبر من حيض أو نفاس أو جنابة بسبب جماع أو احتلام أو خروج مني، وتبحث عادة موضوعات الأعذار التي تؤثر على بعض الأحكام الأصلية كسلس البول وانفلات ريح. وتبحث عادة موضوعات الاستنجاء والاستبراء والحمامات في هذا الباب لارتباطها بالطهارة. ولكون الطهارة هي الشرط الأول من شروط الصلاة فإنها تقدم عادة في الذِّكر. * * * والطهارة وتطبيقاتها العملية تترك بصماتها الواضحة على الحياة الشخصية للمسلم وعلى بيته وعلى بيئته ومجتمعه، ومن ثم فإنها تترك بصماتها المميزة على الحضارة الإسلامية: فالمياه الطهور وطريقة استعمالها للطهارة والحمامات والمراحيض النظيفة ذات المياه الجارية للبيت والمسجد وأدوات الطهارة ولوازمها وتنظيم الحياة التعبدية على أساس الطهارة، وارتباط جواز بعض الأمور أو حرمتها بالطهارة كل ذلك مَعْلَمٌ كبير من معالم الحياة الإسلامية ينعكس بشكل تلقائي على أمور كثيرة: أولها نظافة جسم الإنسان وثيابه ونظافة أطرافه، وثانيها أنه في المجتمع الإسلامي تجد عوازل بين بعض الأشياء والإنسان كالكلاب، وثالثها أن المجتمع الإسلامي مجتمع وقاية. * * * وسنرى أثناء عرض النصوص أن هناك تلازماً بين طهارة الظاهر والباطن فطهارة

الظاهر تنعكس على الباطن فتزيل آثار الخطايا وتساعد على طهارة الروح، وكل ذلك يترك آثاره على التعامل الحياتي بين المسلمين، إن الإمام ليعكر عليه أن تكون طهارة المأموم ناقصة، أليس ذلك دليلاً على أن للطهارة تأثيراتها على الروح والقلب وعلى الغير وبالتالي على السلوك. وكما أن الطهارة مدخل لبعض العبادات فهي عبادة بعينها وكما ارتبطت بها معان روحية كثيرة، فقد ارتبطت بها معان حسية كأثر عفوي عنها. خذ مثلاً ارتباط الوضوء والصلاة بالسواك، إن أمراض الفم لها تأثيراتها على الجسد كله، واستعمال السواك أو ما يقوم مقامه يشكل تسعين بالمائة من لوازم الوقاية، ونظافة الأطراف في الوضوء، ونظافة الجسد بالغسل وتنظيم الليل والنهار على ضوء الصلاة- كل ذلك له تأثيراته الحسية. وكنا ذكرنا أن النظافة والطهارة تتلازمان أحياناً وتتكاملان أحياناً، فليس كل طاهر نظيفاً وليس كل نظيف طاهراً، كما قلنا: إن الطهارة مطلب شرعي والنظافة مطلب شرعي كذلك، وبالتالي فالمسلم مطالب بقدر الاستطاعة أن يكون طاهراً، ونظيفاً وبالتالي فهو مطالب بأن يطهر نفسه وثيابه عن النجاسات الحسية والمعنوية وعن الأوساخ والأقذار الحسية والمعنوية. وكما أن النظافة مطلب، فحسن السَّمْت والهيئة مطلب، إلا إذا أدى إلى مفسدة أو حال دون واجب، فالأصل في المسلم أن يكون حسن السمت حسن الهيئة، لكن هناك مواطن لا يجتمع القيام بالواجب مع مثل هذا فيترك هذا الأصل العام للأصل الخاص، فالإحرام بالحج - عادةً - يرافقه شيء من الشعث، والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة يقتضيان ترك العادات في ذات الله، والقتال والجهاد والقيام ببعض الأعمال الدنيوية كل ذلك يرافقه نوع من التبذل، وتعويد النفس على الاخشيشان وحملها على ترك التعبد للمظهر، كل ذلك حالات راعاها الشارع وأدَّب عليها ولكنها تكاد تكون استثناءً من الأصل العام الذي هو المطالبة بحسن السمت وحسن المظهر من أجل مراعاة أصول خاصة لقضايا خاصة أعطاها الشارع في أوقاتها أو في أوضاعها أحكاماً خاصة بها. وسنرى كثيراً مما له علقة في هذه الشؤون في مواطنها من هذا الكتاب، لكننا أحببنا

أن نُذكر بها ههنا لاستكمال الإشارة إلى تكامل الطهارة مع غيرها في تكميل ذات المسلم، ولأن النظافة وحسن السمت مرتبطان بالصلوات، فلا يعتبر الحديث عنهما ههنا خارجاً عن الصلاة، لأن الصلاة هي المنظم لحياة المسلم، فالمسلم يندب هل أن يدخل الصلاة أو يذهب إلى المسجد وهو طيب الرائحة ويكره أن يدخل الصلاة أو يذهب إلى المسجد في ثياب العمل إذا كانت تؤذي أو تصيب الغير أو المسجد بالأوساخ إلا للضرورة، ويكره للمسلم أن يُشَمَّ منه رائحة كريهة. وبعد، فعدا عن كون الطهارة هي الفطرة، وهي النظافة لهذه الفطرة إذا أصاب الفطرة غبارٌ ودخنٌ فإنها طريق إلى محبة الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1). وقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (2). فإلى فقرات هذا الفصل.

_ (1) البقرة: 222. (2) التوبة: 108.

الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة

الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة 335 - * روى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأُ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ بُرهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآن حجةٌ لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها". أقول: تأتي كلمة الإيمان ويراد بها الصلاة كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (1) فقد جاءت في سياق السؤال عمن صلى قبل تحويل القبلة، وإنما سميت الصلاة إيماناً لأنها تذكر بكل معاني الإيمان، وعن إقامتها تنبثق شعب الإيمان، وسواء كان المراد بالإيمان هنا الصلاة أو الإيمان مطلقاً فالحديث يدل على أهمية الطهارة بالنسبة للصلاة أولاً، وبالنسبة للإيمان مطلقاً إما بشكل مباشر أو من خلال الصلاة. 336 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبل الله صلاةً بغير طُهور، ولا صدقةً من غُلول".

_ 335 - مسلم (1/ 203) 2 - كتاب الطهارة، 1 - باب فضل الوضوء. الترمذي (5/ 535) 49 - كتاب الدعوات، باب 86. النسائي إلى قوله: "أو عليك" (5/ 5) 23 - كتاب الزكاة، 1 - باب وجوب الزكاة. ابن ماجه إلى أنه قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان" (1/ 102) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 5 - باب الوضوء شطر الإيمان. (1) البقرة: (143). (برهان): دليل على صدق الإيمان. (معتقها): محررها من العذاب. (موبقها): مهلكها، ويقال أوبقته الذنوب والخطايا إذا قيدته وحبسته. 336 - مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وجوب الطهارة للصلاة.

337 - * روى أحمد عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاحُ الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليمُ". أقول: الطهارة رفع حدث أو إزالة نجس بماء أو ما أعطاه الشرع حكمه بشروطه، وطهارة الحدث تختص بالبدن، وطهارة الخبث تكون في البدن والثوب والمكان. والخبث عين مستقذرة شرعاً، والحدث وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة، وطهارة الحدث ثلاث: كبرى وهي الغسل، وصغرى وهي الوضوء، وبدل منهما عند تعرهما وهو التيمم.

_ (طهُور) الطهور: الماء الطاهر المطهر الذي يرفع الحدث ويزيل النجس، وهو مفتوح الطاء، وأما الطهور- بالضم - فالتطهر، وهو المراد في هذا الحديث، وكذلك الوُضُوء والوَضُوء- بالفتح والضم- مثله. (غلول) الغلول: الخيانة في الغنيمة والسرقة منها. 337 - أحمد (1/ 123). أبو داود (1/ 16) 1 - كتاب الطهارة، 31 - باب فرض الوضوء. الترمذي (1/ 9) كتاب الطهارة، 3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. ابن ماجه (1/ 101) 1 - كتاب الطهارة، 3 - باب مفتاح الصلاة الطهور.

الفقرة الثانية: أحكام المياه

الفقرة الثانية: أحكام المياه قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (1) وقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (2). الكلام عن المياه أصل أصيل في الطهارة لأنها هي مادتها الأصلية، فالأصل في الماء أنه طاهر مطهر، وتطرأ عليه طوارئ تجعله طاهراً غير مطهر، وعندئذ فهو يزيل الخبث عند الحنفية ولا يزل الحدث، كما تطرأ عليه طوارئ فتجعله متنجساً، وعندئذ فإنه لا يزيل حدثاً ولا خبثاً ويُنجس ما أصابه، والإجماع منعقد على أن النجاسة إذا غيَّرت أحد أوصاف الماء الثلاثة: اللون أو الطعم أو الرائحة، فإنه ينجُس، وقال الحنفية: الماء الطاهر غير المطهر: هو ما استعمل على وجه القربة لله تعالى، فماء الوضوء مثلاً لو جمع، فإنه طاهر غير مطهر، وكل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض، ما دام باقياً على أصل الخلقة أو تغير بشيء لم يسلبه طهوريته كتراب طاهر أو ملح أو نبات مائي ولم يكن مستعملاً فإنه طاهر مطهر، واتفق الفقهاء على أن كل ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالباً فإنه لا يؤثر على طهوريته، فطول المكث والتراب الطهور والخضرة التي تعلو على وجه الماء، وما يصيبه في مقره وممره، وما يخالطه مما يعسر الاحتراز عنه كالتبن وورق الشجر، وأن ما يخالطه من المعادن والكبريت، كل ذلك لا يؤثر على طهوريته. طهارة ماء البحر وأنواع المياه: 338 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركبُ البحر، ومعنا القليلُ من الماء، فإن توضأنا به

_ (1) الفرقان: (48). (2) الأنفال: (11). 338 - الموطأ (1/ 22) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء. أحمد (5/ 365) وإسناد رجاله ثقات. الترمذي (1/ 101) كتاب الطهارة، 52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور. أبو داود (1/ 21) 1 - كتاب الطهارة، 41 - باب الوضوء بماء البحر. النسائي (1/ 50) كتاب الطهارة، 47 - باب ماء البحر.

أنواع المياه

عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطَّهُور ماؤه، الحِلُ ميتته". 339 - * روى البزار عن موسى بن سلمة قال أوصاني سنانُ بن سلمة أن اسأل ابن عباس عن ماء البحر وعن أي شهرٍ أصومُ، فأتيتُ ابن عباس فقلت: إن أخي أمرني أن أسألك عن الوضوء من ماء البحر، فقال هما البحران لا يضُرُّك بأيهما توضأت وعن أي الشهر أصومُ فقال أيام البيض. فقلت: إنا نكونُ في هذه المغازي فنُصيبُ السبي أفأعتِقُ عن أمي ولم تأمرني؟ قال: أعتقْ عن أمِّك. أنواع المياه: ماء طاهر مطهر: ويسمى الطهور والمطلق الطاهر في نفسه المطهر لغيره: وهو كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل الخلقة لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة (لون أو طعم أو ريح) أو تغير بما لا يسلب طهوريته كالتراب وذلك كماء الأودية والعيون والينابيع والآبار والأنهار والبحار وماء الثلج والبرد عذب أو مالح. وماء طاهر غير طهور يزيل الخبث ولا يزيل الحدث عند الحنفية كالماء المستعمل وماء النبات والورد. وماء نجس: وهو ما وقعت فيه نجاسة غير معفو عنها بتفصيل عند المذاهب بحسب كثرة الماء أو قلته ونوع النجاسة. ويزيد الحنفية الماء الطاهر المكروه تنزيهاً، وهو ما شربت منه الهرة ونحوها، ومشكوك في طهوريته وهو ما شرب منه حمار أو بغل.

_ = (الطهور ماؤه): الماء الطاهر: ليس بنجس، وقد يكون مطهراً كالماء المطلق، وغير مطهر كالماء المستعمل في طهارة الحدث، فأما الطهور فهو الطاهر المطهر، فإذا لم يكن مطهراً، فليس بطهور، و"فعول" من أبنية المبالغة، فكان هذا الماء قد انتهى في طهارته إلى الغاية. 339 - كشف الأستار (1/ 143، 144) كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر. مجمع الزوائد (1/ 126) وقال الهيثمي: روا البزار ورجاله رجال الصحيح.

(انظر مراقي الفلاح (3 - 5) والشرح الصغير 1/ 30 - 36 والمهذب 1/ 5 والفقه الإسلامي 1/ 113 فما بعدها). 340 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قيل: يا رسول الله، إنه يُستقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئر تُلْقَى فيها لحومُ الكلاب، وخرقُ المحائِضِ، وعُذَرُ الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء طهورٌ لا ينجسه شيء". وفي رواية (1) قال: "قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بُضاعة، هي يُطرح فيها الحيضُ ولحمُ الكلاب والنتنُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهورٌ لا ينجسه شيء". أخرجه أبو دود، وقال: سمعت قتيبة بن سعيدٍ قال: سألتُ قيِّمَ بئر بُضاعة عن عمقها؟ فقال: أكثرُ ما يكون الماء فيها إلى العانة، قلتُ: فإذا نقص؟ قال: دون العورة". قال أبو داود: قدرْتُ بئر بُضاعة بردائي - مددتُه عليها، ثم ذرعْتُه- فإذا عرضا: ستةُ أذرع، وسألتُ الذي فتح لي باب البُستان فأدخلني إليه: هل غُيِّرَ بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت فيها ماءً متغير اللون. ومن وجهات النظر حول بئر بضاعة ما قاله صاحب إعلاء السنن بعد تعليق طويل: فقول القائل "يا رسول الله! أنتوضأ من بير بضاعة؟ وهي بير يطرح فيها لحوم الكلاب والحيض إلخ" معناه: كانت تطرح، ولكنه أبداه في صورة الحال حكاية للحال الماضية، لأجل تصويرها وإحضارها مبالغة في تهجينه والتنفير عنه، ونظيره قولك: "كنت سرت أمس حتى أدخل البلد" كما ذكره الجامي في شرح الكافية (ص 287) وهذا لعمري توجيه حسن. وأسند البيهقي في المعرفة عن الشافعي انه قال: "كانت بير بضاعة كثيرة الماء

_ 340 - أبو داود (1/ 18) كتاب الطهارة، 34 - باب ما جاء في بئر بضاعة. (1) أبو داود (1/ 17) كتاب الطهارة، 34 - باب ما جاء في بئر بضاعة. الترمذي (1/ 95) كتاب الطهارة، 49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء. النسائي (1/ 174) 2 - كتاب المياه، 1 - باب ذكر بئر بضاعة وهو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده. (عُذَر) العذرةُ: الغائط، والعُذَرُ جنسٌ لها، وجمعها: العذرات، وتروي الكلمة بفتح عين وكسر ذال وتروي بكسر عين وفتح ذال. الحيض: أي الخرق التي يستثفر بها النساء، واحدتها: حيضة، بكسر الحاء.

واسعة كان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لوناً ولا طعماً ولا تظهر فيها ريح" (آثار السنن 1: 6) قلت: وهذا لا يتصور إلا بكونها أزيد من عشر في عشر لما تشاهد في الحياض الكبيرة، أنها تتغير بإلقاء النجاسة فيها سريعاً، فلابد أن كانت بئر بضاعة أوسع وأزيد من تلك الحياض، حتى أمنت التغير بإلقاء لحوم الكلاب والحيض والنتن فيها. ويؤيده أن تلك البئر قد أطلق عليها اسم الغدير عند عبد الرزاق في مصنفه (1) عن أبي سعيد الخدري بعينه: "أن النبي توضأ أو شرب من غدير كان يلقي فيه لحوم الكلاب والجيف، فذكر ذلك، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء" كذا في كنز العمال (5: 140) ومع الاحتمال لا يصح الاستدلال. فحديث بير بضاعة لا يصلح متمسكاً للشافعية أصلاً. وإنما الذي اضطرنا إلى توضيح حديث بئر بضاعة وأنه لا يمكن حمله على ظاهره مطلقاً إلا أن يكون كبيراً أو فيه ماء كثير، وأنه لا يظن بالنبي أنه كان يتوضأ من بير هذه صفته مع نزاهته وإيثاره الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء والبول في الماء الراكد فدل أن ذلك كان في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها، فبين أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح) ا. هـ الإعلاء 1/ 178. ثم ما اتفق عليه الفقهاء وأجمعوا من أحكام حول المياه وطهارتها وما ينجسها قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحة، أنه نجس ما دام كذلك) فالتغير المذكور في بئر بضاعة ينبغي ألا يكون تغيراً بنجس حتى يجوز الوضوء منه، أما إذا وقعت النجاسة في الماء فلم تغير له لوناً أو طعماً أو ريحاً، فالعبرة عند الفقهاء لجريانه أو لكثرته، والمالكية يرون أن ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونهما قليل، وعندئذ فهم يحكمون بكراهة الماء فقط إذا حلت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيره، ولا كراهة فيما زاد على ذلك، والشافعية والحنابلة يعتبرون أن ما كان دون القُلَّتين فهو قليل ينجس إذا وقعت فيه نجاسة ولو لم تغير أحد أوصافه، والحنفية يرو أن ما كان دون عشرة أذرع في عشرة فهو قليل ينجس ولو بقطرة نجاسة، وينبغي أن يكون عمق الماء إذا بلغ عشرة في عشرة - ليعتبر كثيراً لا تؤثر فيه النجاسة أنه لو اغترف منه المغترف لا يرى قعره، على أنهم يختلفون فيما لو كان الماء سطحه دون العشر

ولكن كثير بحيث لو أنه صب فيما مساحته عشرة في عشرة، فإنه يملؤه بالشرط المذكور، فبعضهم يعتبره في هذه الحالة كثيراً، وعلى هذا فبئر بضاعة متوافر فيه هذا المعنى، فهو كثير، لا تؤثر فيه نجاسة إلا إذا غيرت لوناً أو طعماً أو رائحة. والذراع: حوالي ستين سنتمتراً أو أكثر من ستين سنتمتراً بقليل في اصطلاحاتنا الحالية والقلتان تقدران بـ (270) لتراً. وحول تحديد الحنفية للكثير بعشرة أذرع في عشرة اعتراض لبعض المحدثين، قال البغوي في شرح السنة (2/ 59): وقدَّر بعض أصحاب الرأي الماء الكثير الذي لا ينجس بأن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع وهذا تحديد لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه. وحَدَّه بعضهم بأن يكون في غدير عظيم بحيث لو حرك منه جانب لم يضطرب منه الجانب الآخر وهذا في غاية الجهالة لاختلاف أحوال المحركين في القوة والضعف) ا. هـ. أقول: ليس الأمر كما ذكر الشيخ البغوي فإن الحنفية لم يقولوا باديء الأمر أ، هـ عشرة ف عشرة، ولا أنه بحيث لو حرك طرفه لا يتحرك الطرف الآخر. وإنما في ظاهر الرواية يعتبر فيه رأي المبتلي، وأصح حدَّه ما لا يخلص بعضه إلى بعض في رأي المبتلي واجتهاده ولا يناظر المجتهد فيه، وكان محمد يوقت في ذلك بعشر ثم رجع إلى قول أبي حنيفة، وقال لا أوَقِّت فيه شيئاً فظاهر الرواية أولى. ولكن منعاً للوسوسة وتوسعة على الناس قدَّره الفقهاء عشرة في عشرة أذرع فهو تيسيرٌ وإن لم يرجع إلى أصل ثم هو يعادل القلتين كما سننقل تحقيقه في كلم صاحب إعلاء السنن بعد قليل. وأما موضوع اختلاف القوة فقد ذكرنا أنها تعتبر بحسب كل شخص هو المبتلي بذلك الماء فلا اعتراض على الحنفية وليس من غايته الجهالة كما قال رحم الله. انظر اللباب 1/ 21 - 22.

حد الماء القليل والكثير

حد الماء القليل والكثير: 341 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسألُ عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". وفي رواية (1) أخرى لأبي داود (فإنه لا ينجُس). قال الخطابي وقد استدل بهذا الحديث من يرى سؤرَ السباع نجساً لقوله: "وما ينوبه من السباع" أي: يطرُقُه ويرده، إذ لولا أن شُرب السباع منه ينجسه، لما كان لسؤالهم عنه ولا لجوابه إياهم بتقدير القُلتين معنى. وقيل: معنى قوله: "يحمل الخبث" أي: أنه إذا كان قلتين لم يحتمل أن يكون فيه نجاسة، لأنه ينجس بوقوع الخبث فيه، فيكون على الأول قد قصد أول مقادير المياه التي لا تنجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما بلغ القلتين فصاعداً، وعلى الثاني: قصد آخر المياه التي تنجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما انتهى في القِلَّة إلى القُلتين، فحينئذ تكون القُلتان إذا وقعت فيهما النجاسة نجستين، فإذا زادتا على القلتين احتملتا النجاسة، وهذا هو على خلاف المذهب، فإن من ذهب إلى تحديد الماء بالقُلتين - وهو مذهب الشافعي رحمه

_ 341 - أحمد (2/ 12). أبو داود (1/ 17) كتاب الطهارة، 33 - باب ما ينجس الماء. الترمذي (1/ 97) كتاب الطهارة، 50 - باب ما ينجس الماء. النسائي (1/ 175) 2 - كتاب المياه، 2 - باب التوقيت في الماء. الدارمي (1/ 186) كتاب الصلاة "باب فرض الوضوء والصلاة"، باب قدر الماء الذي لاينجس. الحاكم (1/ 133) وهو حديث صحيح. (1) أبو داود (1/ 17) كتاب الطهارة، 33 - باب ما ينجس الماء. (ينوبه) ناب المكان وانتابه، ينوبه وينتابه: إذا تردد إليه مرةً بعد مرةٍ، ونوبةً بعد نوبةٍ. (قلتين) القلةُ: إناء للعرب كالجرة الكبيرة، أو الحُبُّ، وهي معروفة بالحجاز وهجر، تسعُ القُلة مزادة من الماء، قد قدرها الفقهاء مئتين وخمسين رطلاً إلى ثلاثمائة والرطل العراقي 406 غ وهو المراد هنا، وقدرتا بـ (195.112) كلغم أو (270) لتر. (لم يحمل الخبث) أي: يدفعه عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحملُ الضيم: إذا كان يأباهُ ويدفعه عن نفسه.

الله تعالى- إنما أراد: أنه إذا كان قُلتين، ووقعت في نجاسة لم تُغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، فإنه لا ينجس، وأما على التأويل الآخر، فليس مذهباً له. أقول: أخذ بهذا الحديث الشافعية والحنابلة، ولم يأخذ به الحنفية والمالكية، لأنهم أعلوه بالاضطراب وجهالة قدر القُّلَّة، ورد الذين أخذوا به على هذه الاعتراضات، والقلتان في اصطلاحات عصرنا تعدل برميلاً، والحديث أصل أصيل في الباب الذي يسميه الفقهاء (الأسار) والأسآر: جمع سؤر، والسؤر هو بقية الماء في الإناء أو في الحوض، واتفق العلماء على طهارة أسآر المسلمين وبهيمة الأنعام، فإذا كان الماء قليلاً باصطلاح الحنفية فحكم السؤر عندهم مرتبط بحكم لعاب الشارب، فإن كان نجساً تنجس الماء القليل، وإن كان طاهراً لم يتنجس. وإليك هذا التحقيق المطَّول في موضوع القُلَّتين: قال صاحب إعلاء السنن: (وأما حديث القلتين فلم يوقف على حقيقته كما سيأتي، فالاحتجاج به لا صح على ما قالوا والحديث رواه الشافعي وأحمد والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، ولفظ أبي داود: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال رسول الله: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". ولفظ الحاكم: فقال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: "فإنه لا ينجس". قال الحاكم: صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته، وقال ابن مندة: إسناده على شرط مسلم. وقال: (وقال ابن عبد البر في التمهيد: "ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر، لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع". وقال في الاستذكار: "حديث معلول رده إسماعيل القاضي، وتكلم فيه" وقال الطحاوي: "إنما لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت" وقال ابن دقيق العيد: "هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريق الفقهاء، لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفاً في بعض

ألفاظه، فإنه يجاب عنه بجواب صحيح، بأن يمكن الجمع بين الروايات، ولكني تركته، لأنه لم يثبت عندنا بطريق استقلالي يجب الرجوع إليه شرعاً تعيين مقدار القلتين". قلت: كأنه يشير إلى ما رواه ابن عدي من حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء" وفي إسناده المغيرة بن صقلاب، وهو منكر الحديث، قال النفيلي: لم يكن مؤتمناً على الحديث. وفيه أيضاً [يعني التلخيص الحبير]: "لكن أصحاب الشافعي قووا كون المراد قلال هجر، بكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم، كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور" وفيه أيضاً: "قال الخطابي: قلا لهجر مشهورة الصنعة، معلومة المقدار، والقلة لفظ مشترك، وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهي الأواني، تبقى مترددة بين الكبار والصغار، والدليل على أنها من الكبار، جعل الشارع الحد مقدراً بعدد، فدل على أنه أشار إلى أكبرها لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة" (1: 6) وفي فتح الباري (1: 300): "ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز" وفي تابع الآثار (ص 68): "وما روي من أحاديث القلتين يحمل على ما إذا كان الماء مبسوطاً على الأرض، كما يكون في الحياض وقد وقعت الأحاديث في جواب السؤال عنها، والمبسوط من القلتين إذا كان عمقه بحيث لا تنحسر الأرض بالاغتراف منه، كان في السعة حيث لا يتحرك طرف منه بحركة طرف آخر، وهذا هو حد الكثير في المذهب، أي الحنفي وقدروه للضبط على العوام بعشر في عشر. هذا من إفادات سيد العلماء في عصره مولانا (رشيد أحمد المحدث الكنكوهي)، وجربناه نحن، فوجدناه نحن، فوجدناه كذلك، والسرفي قيد البسط أن النجاسة تضمحل ولا تؤثر في كل وجه الماء الذي هو محل للاغتراف للوضوء وإذا قلت السعة قوي أثر النجاسة في أجزاء وجه الماء، فتدبر ا. هـ". وقال صاحب الإعلاء عند حديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فلْيُرقْهُ ثم ليغسله سبع مرات): فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة الماء بولوغ الكلب، وأمر بإراقته، وهو لا يغير، فثبت أن القليل من الماء يفسد بوقوع النجس فيه، تغير أو لا، والإناء يعم الصغير والكبير، فيدخل

فيه الدن أيضاً، وأما حديث القلتين فغير ثابت لاضطراب متنه وإسناده، وقد بسط الكلام فيه العلامة النيموي في آثار السنن (1: 4 - 6) فمن شاء فليراجعه. وحسبنا من ذلك قول الذهبي في الميزان بعد ما نقل كلام الخطيب فيما رواه الحسن بن محمد بن يحيى العلوي بسنده عن جابر مرفوعاً: "عليُّ خير البشر، فمن أبي فقد كفر": هذا حديث منكر، ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد، وليس بثابت. قلت: فإنما يقول الحافظ "ليس بثابت" في مثل خبر القلتين، وخبر "الخال وارث" لا في مثل هذا الباطل الجلي، نعوذ بالله من الخذلان" (1: 242). [يقصد أن الذهبي قد حكم أن حديث القلتين ليس بثابت، في موطن رده على الخطيب]. وإن سَلِمَ ثبوته فمحمول على الماء المبسوط على وجه الأرض، كما يشعر به لفظ الترمذي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" (1: 11) ولا يخفى أن الماء في الفلاة أكثر ما يكون مبسوطاً على وجه الأرض وقدر القلتين يبلغ العشر في العشر بعد بسطه، أفاده الشيخ في تابع الآثار نقلاً عن الشيخ المحدث (الكنكوهي) فإن قلت: هب أن أكثر ماء الفلاة يكون مبسوطاً، ولكنه ربما يكون غير مبسوط، ولفظ الحديث عام، فما وجه تخصيصه؟ قلت: وجهه ما سيأتي من الأدلة الدالة على نجاسة البئر بوقوع النجاسة فيها ولو لم يتغير ماؤها، وماء الآبار يكون أكثر من القلتين عادة، لا سيما بير زمزم فإن ماءها لا ينقطع، فعلم أن حديث القلتين ليس بوارد في الآبار ونحوها، بل هو وارد في المبسوط على الأرض كما دل ليه بعض ألفاظ الحديث، كما مر. وقال عند الحديث عن الزنجي الذي وقع في زمزم: لا يخفى أن ماء زمزم أكثر من القلتين بكثير ولا يتصور تغيره بمجرد موت واحد فيه، ومع ذلك أمر ابن عباس بنزحه لا ندباً فقط، بل وجوباً مؤكداً، حتى أمر بدس العين التي جاءت من قبل الركن بالقباطي والمطارف، فإن مثل تلك المبالغة لتحصيل مندوب يعد من الغلو في الدين، والصحابة براء منه، وكان ذلك بمحضر منهم، فكان كالإجماع على نجاسة البئر بوقوع نجس فيها، ولو لم يتغير ماؤها، وهو قول أصحابنا. واعلم أن البيهقي

أحكام الأسآر والآبار

قد علَّ أثر ابن سيرين هذا حيث قال في المعرفة: "وابن سيرين عن ابن عباس مرسل" وزاد الزيلعي نقلاً عنه: "لم يلقه ولا سمع منه، وإنما هو بلاغ بلغه" وأجاب عنه العلامة النيموي في التعليق الحسن "بأن الأثر صحيح، وإسناده متصل، وما زعموا من أنه مرسل فليس بصحيح، لأن ابن سيرين كان حين وفاة ابن عباس شاباً ابن خمس وثلاثين أو نحوها، فما المانع له أن يسمع منه؟ ومع ذلك قد صرح بسماعه منه الحافظ الذهبي في الطبقات في ترجمته، قال: سمع محمد أبا هريرة وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر وطائفة". انتهى (1: 9). قلت: وإن سلم إرساله فليس يضرنا، فإن مراسيل ابن سيرين صحاح عند القوم، كمراسيل ابن المسيب، قال في الجوهر النقي (1: 343): طقال أبو عمر في أوائل التمهيد وكل من عرف بأنه لا يأخذ إلا عن ثقة، فتدليسه وترسيله مقبول. فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح ا. هـ (انظر إعلاء السنن 1/ 172 - 177). وإنما أطلنا في هذا الموضوع لإزالة توهُّمٍ عند بعض الناس أن مذهب الحنفية يعارض الحديث. أحكام الأسآر والآبار: 342 - * روى مالك عن يحيى بن عبد الرحمن "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركبٍ، فيهم عمرو بن العاص، حتى وردُوا حوضاً، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، هل تردُ حوضك السباعُ؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نردُ على السباع وتردُ علينا". قال المالكية: سؤر الدواب والسباع، وحتى سؤر الكلب والخنزير طاهر، ومذهبهم في الأصل أن ما لا يغير طعم الماء أو لونه أو ريحه لا ينجسه، وهذا الأثر يصلح أن يكون دليلاً لهم إلا أن الأثر يحتمل أكثر من اتجاه، فقد يكون عمر رضي الله عنه لا يرى أن يُسأل عما هو خلاف الأصل مما يشاهده الإنسان، فالأصل في الماء الطهارة (1)، فإذا لم يوجد طعم

_ 342 - الموطأ (1/ 33) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء، وهو حسن بشواهده.

النجاسة أو لونها أو ريحها فلا ينبغي للإنسان أن يسأل، وقد يكون الماء الموجود في الحوض قلتين فأكثر فلا يؤثر عليه شيء نجس لم يغير أوصافه. 343 - * روى أحمد عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبتْ له وضوءا، فجاءت هرةٌ تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظرُ إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليس بنجسٍ إنها من الطوافين عليكمْ أو الطوَّافات". قال البغوي في شرح السنة: قوله: "أصغى لها الإناء" أي: أماله ليسهل عليها التناول. وروى عن عائشة، قالت في الهرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها. وهذا قول عامة أهل العلم أن سُؤرَ الهرةِ طاهر، وقوله "إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات" يُتأول على وجهين. أحدهما: شبهها بالمماليك وبخدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة، كقوله سبحانه وتعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (1) يعني المماليك والخدم. وقال إبراهيم: إنما الهرة كبعض أهل البيت، ومنه قول ابن عباس: إنما هو من متاع البيت. والآخر شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة، يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والمسألة.

_ 343 - أحمد (5/ 203). الموطأ (1/ 23) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء. أبو داود (1/ 19) 1 - كتاب الطهارة، 38 - باب سؤر الهرة. ابن حبان (1/ 294) باب الأسآر، ذكر الخبر الدال على أن أسآر السباع كلها طاهرة. الحاكم (1/ 159، 160). ابن خزيمة (1/ 55) 79 - باب الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة. (1) النور: 58.

واختلف أهل العلم في سؤر السباع، فذهب أكثرهم إلى طهارته، إلا سؤر الكلب والخنزير، فإنه نجس عند الأكثرين، وذهب قوم إلى نجاسة سؤر السباع إلا سؤر الهرة، وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك والأوزاعي: إذا شرب الكلب من إناء، ولم يجد ماء غيره، توضأ به، وقال الثوري: يتوضأ به، ثم يتيمم. وذهب أصحاب الرأي إلى أن سؤر الحمار والبغل مشكوك فيه، فإذا لم يجد ماء آخر، يجمع بين الوضوء به والتيمم، وبلغنا أن سفيان الثوري قال: لم نجد في أمر الماء إلا السعة. وقال الربيع: سُئل الشافعي عن الذبابة تقع على النتن، ثم تطير فتقع على ثوب الرجل؟ قال الشافعي: يجوز أن يكون في طيرانها ما ييبس ما برجليها، فإن كان كذلك، وإلا فالشيء إذا ضاق اتسع. "ا. هـ شرح السنة 2/ 70 و 72". أقول: سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر مال م تكن جلالة، وسؤر الكلب نجس وكذا الخنزير وسباع البهائم. وسؤر الهرة مكروه تنزيهاً مع وجود غيره وكذا سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وسواكن البيت كالحية ما لم تُرَ النجاسة. وسؤر البغل والحمار الأهلي مشكوك فيه فيتوضأ به أو يغتسل ويتيمم يقدم أيهما شاء ومذهب المالكية في الأسآر واسع. وقال الشافعية والحنابلة سؤر الكلب والخنزير نجس، أما الآدمي والحيوان المأكول اللحم والهر والفأر والخيل والبغال والحمير والسباع فطاهرة. عن: ابن سيرين أن زنجياً وقع في زمزم، يعني فمات، فأمر به ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح، قال: فغلبتهم عين جاءتهم من الركن فأمر بها فدست بالقباطي والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم. رواه الدارقطني، وإسناده صحيح. (إعلام السنن 1/ 176).

عن: عطاء أن حبشياً وقع في زمزم فمات، فأمر ابن الزبير، فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع، فنظر، فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. رواه الطحاوي وإسناده صحيح وابن أبي شيبة، ورجاله رجال الصحيحين، وصححه ابن الهمام في (فتح القدير). (إعلاء السنن 1/ 177). وأورد أيضاً عن: أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء". أقول: من الناحية الفقهية فإنه يقاس على الذبابة كل ما لا دم له سائل فإن وقوعه في الإناء لا ينجسه، وقد نقلنا في كتابنا الرسول صلى الله عليه وسلم وفوائد جمة حول هذا الحديث انظرها (ص 36 - 40). وكل ما هو مثل الذباب من حيث إنه لا دم له سائلٌ فهو في حكمه، إلا أن هذا الحكم في الذباب ثبت بالنص، وفي غيره بالقياس. ودلالة حديث الباب ظاهرة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بنجاسة ما في الإناء بوقوع الذباب فيه مطلقاً، سواء مات أو لم يمت (إعلاء السنن 1/ 180). أقول إذا سقط آدمي في بئر وبقي حياً لا ينجس البئر إذا لم يكن على بدنه نجاسة وكذا الحيوان مأكول اللحم إذا أخرج حياً ولا نجاسة على بدنه. أما إذا سقط خنزير ولو خرج حياً أو وصل الماء إلى لعاب الكلب وخرج حياً فإن البئر ينجس وقال الحنابلة: إذا وقعت الفأرة أو الهرة ونحوهما في مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر. وعند الحنفية: إذا مات آدمي في بئر فإن البئر ينجس والجمهور قالوا: لا ينجس ولا ينجس البئر بموت حيوان لا دم له سائل. وتنجس البئر بوقوع نجاسة فيها وإن قلت كقطرة خمر أو بول وينزح جميع ماء البئر

النهي عن البول في الماء

عند الحنفية ولا تنجس البئر بالبعر والروث والخثي إلا إن كان كثيراً ولا تُنجَّس بخره الحمام والصقور مما يؤكل من الطيور غير الدجاج والأوز والبط والأصح أنه لا ينجس بخره الطيور غير المأكولة اللحم، وعند الشافعية روث جميع البهائم والطيور نجس، وقال المالكية والحنابلة: روث وبول الحيوان المأكول طاهر، وروث وبول محرم الأكل نجس. ويجب نزح ماء البئر كله أو مائتي دلو إذا لم يمكن نزح البئر كله: إذا مات آدمي أو حيوان كبير أو كلب أو شاة، وكذا إن تفسخ الحيوان صغيراً كان أو كبيراً ويُنزح أربعون دلواً إلى ستين إذا كان الحيوان متوسطاً كالحمامة والدجاجة. وإذا كان اثنان من الحيوان المتوسط ينزح جميع الماء وإذا احتُمِلَ وجود نجاسة على هذا الحيوان كبول أو دم لسبب ما نزح جميع الماء صغيراً أو كبيراً، فالفأرة الهاربة من الكلب أو المجروحة إذا وقعت في بئر ينزح جميع الماء. وينزح عشرون إلى ثلاثين إذا مات حيوان صغير كالعصفور والفأر. انظر الفقه الإسلامي 1/ 136 - 139. النهي عن البول في الماء: 344 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن الآخِرُون السابقون"، وقال: "لا يبُوَلنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لايجري، ثم يغتسلُ فيه". وفي رواية (1) مثله، ولم يذكر: "نحن الآخِرُون السابقون".

_ 344 - البخاري (1/ 345، 346) 4 - كتاب الوضوء، 69 - باب البول في الماء الدائم. مسلم (1/ 235) 2 - كتاب الطهارة، 28 - باب النهي عن البول في الماء الراكد. (1) في المواضع السابقة. (الماء الدائم): الواقف الساكن الذي لا يجري، لأنه قد دام في مكانه وثبتَ. والغسل: إنما يكون من الجنابة، (الجنابة): يقال: أجْنَبَ الرجل يُجنِبُ وجَنُبَ يجْنُبُ فهو جُنبٌ، ويقال للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وأصل الجنابة: البُعْدُ، وإنما قيل لمن خرج منه المنيُّ، أو جامع ولم يُنْزِلْ: جُنُبٌ، لأنه نُهي أن يقْرَبَ الصلاة ومواضعها، ما لم يطهر، فتجنبَها وأجْنَبَ عنها، أي: بعُد عنها، وقيل: لمجانبته الناس وبعدِهِ منهم حتى يغتسل، والأول أحْسَنُ. (ابن الأثير).

الماء المستعمل وحكمه

وفي رواية (1) الترمذي والنسائي (2) "لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه" وللنسائي (الماء الراكد). 345 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبال في الماء الراكدِ. 346 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم ثم يتوضأُ منه أو يشربُ". 347 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الجاري. أقول: الحكمة في النهي واضحة، فالبول قَذَرٌ ونجسٌ وفيه ضرر، والذوق يقتضي ألا يفعل الإنسان ذلك في الماء، ولكن هل يؤثر البول على طهارة الماء؟ المسألة مرتبطة بكثرة الماء وقلته، واصطلاحات الفقهاء في الكثرة والقلة، وفيما إذا غَيَّر البول أوصاف الماء أو لم يغير، والحديث الخير يدل على ما ذكرناه من قبل أن المسلم مطالب بالطهارة والنظافة في آن واحد. الماء المستعمل وحكمه: 348 - * روى البخاري عن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرةِ، فأُتِيَ بوضوء فتوضَّأ ونحن بالبطْحَاء، فجعل الناسُ يأخذون من فضل وضوئه، فيتَمَسَّحون به - وفي رواية (3): فرأيتُ الناس يبْتَدِرُون ذلك الوضوء، من

_ (1) الترمذي (1/ 100) أبواب الطهارة، 51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد. (2) النسائي (1/ 49، 125) كتاب الطهارة، 46 - باب الماء الدائم، 140 - باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه. 345 - مسلم (1/ 235) 2 - كتاب الطهارة، 28 - باب النهي عن البول في الماء الراكد. النسائي (1/ 125) 140 - باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال فيه. 356 - ابن خزيمة (1/ 50) 73 - باب النهي عن الوضوء من الماء الدائم الذي قد بيل فيه. 347 - مجمع الزوائد (1/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 348 - البخاري (1/ 576) 8 - كتاب الصلاة، 94 - باب السترة بمكة وغيرها. (3) مسلم (1/ 360) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي.

أصاب منه شيئاً تمسَّحَ به، ومن لم يُصِبْ منه أخذ من بللِ يَدِ صاحبه - ثم رأيت بلالاً أخرج عنزةً فركزها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُلَّةٍ حمراء مُشَمِّراً، فصلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيتُ الناس والدوابَّ يمرُّون بين يدي العنزة". وفي أخرى (1) "وقام الناسُ، فجعلوا يأخذون يديه يمْسَحُون بها وُجُوهَهم، قال: فأخذتُ بيده فوضعتُها على وجهي، فإذا هي أبْرَدُ من الثلج، وأطْيَبُ رائحةً من المسك". وفي رواية (2) النسائي قال: شهدتُ النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلالٌ فضل وضوئه، فابتدره الناس فنلتُ منه شيئاً، وركز له العنزة فصلى بالناس، والحُمُرُ والمرأةُ والكلابُ يمرون بين يديه. 349 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرضتُ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعُوداني، فوجداني قد أُغْميَ عليَّ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضبَّ عليَّ وضوءه. أقول: ذكر الحديثين في باب المياه سببه أن الفقهاء يتحدثون عن الماء المستعمل في إزالة حدث أو في ما يقرب إلى الله، فالحديثان يدلان على طهارة الماء المستعمل، فالحنفية يعتبرونه طاهراً غير مطهر، ولكن غير مطهر للحدث وهو مطهر للخبث، والمالكية يكرهون استعماله في إزالة الحدث ويوافقون الحنفية في أنه يزيل النجس، والماء المستعمل عند الشافعية، ولا خلاف بين العلماء أن الماء المستعمل في التبرد والتنظيف طاهرٌ مطهرٌ غير مكروه لكنه غير نظيف، فالأصل ألا يستعمل إلا في الحالة الضرورية.

_ (1) البخاري (6/ 565) 61 - كتاب المناقب، 23 - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم. (2) النسائي (1/ 87) 1 - كتاب الطهارة، 103 - باب الانتفاع بفضل الوضوء. (الوضوء) بفتح الواو: الماء الذي يُتوضأ به، وبضم الواو: الفعل نفسه، وهو من الوضاءة: الحُسْن. (عنزة) العنزة: عُكازة بقدر نصف الرُّمح، في رأسها شبه السنان من حديد، كانت تُحمل مع الأمراء. 349 - البخاري (10/ 114) 75 - كتاب المرضى، 5 - باب عيادة المغمي عليه. مسلم (3/ 1235) 23 - كتاب الفرائض، 2 - باب ميراث الكلالة. النسائي (1/ 87) 1 - كتاب الطهارة، 103 - باب الانتفاع بفضل الوضوء.

وذكر الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 24) أن بعض الحنفية قالوا بنجاسة الماء المستعمل لكن قال ابن عابدين خاتمة المحققين في (رد المحتار 1/ 134). (قوله وهو طاهر - أي المستعمل - رواه محمد عن الإمام وهذه الرواية هي المشهورة عنه، واختارها المحققون قالواك عليها الفتوى لا فرق في ذلك بين الجنب والمحدث) ا. هـ. لكن استدل من قال من الحنفية على نجاسة الماء المستعمل بما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "من اغترف من ماء وهو جنب فما بقي نجس" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، (عمدة القارئ 2: 23) قلت [أي: سند صحيح، رجاله رجال الصحيحين، إلا أبا سنان، فإنه من رجال مسلم. (قال صاحب إعلاء السنن 1/ 183 - 184). قال العيني: "وهذا الأثر من أقوى الدلائل لمن ذهب من الحنفية إلى نجاسة الماء المستعمل فافهم". ا. هـ (2: 23) وحمله بعضهم على ما إذا كان بيده قذر. قلت: لا يكون إذن لقوله "وهو جنب" معنى، لأن غسل القذر لا يختص بالجنب، بل وجب غسله عام له ولغيره، والقيد يدل على أن لمعنى الجنابة أثراً في الحكم، وليس هو إلا ما قاله الحنفية من نجاسة الماء المستعمل. وأيضاً ففي هذا الأثر مايدل على نجاسة الباقي بعد الاغتراف دون الذي اغترفه، وهذا لا يتصور فيما إذا كان بيده قذر. وبالجملة فتأويله بنحو ذلك لا يخلو ن تعسف مستغنى عنه، والحق ما قاله العيني إنه من أقوى الدلائل لنجاسة الماء المستعمل، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وروى أبو يوسف عنه أنه نجس نجاسة خفيفة كما في فتح القدير (1: 74)]. أقول: إن صح الحديث فهو في المستعمل في إزالة الجنابة فحسب، على أنه يُتوَقَّف في الأخذ بهذا الحكم لما صح من أحاديث في طهارة الماء المستعمل وقد حققنا أن الرأي المشهور المُفتى به عند الحنفية طهارة الماء المستعمل، أما فائدة القيد وهو جنب أن يغلب وجود النجاسة حال الجنابة.

كيفية الاغتسال من الماء الدائم

كيفية الاغتسال من الماء الدائم: 350 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغتسل أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنبٌ"، قالوا: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: "يتناوله تناولاً". أقول: إذا كان الماء جارياً أو كثيراً بأن كان عشرة أذرع في عشرة على مذهب الحنفية صح للإنسان أن ينزل فيه وأن يغتسل من الجنابة ولو كان على بدنه نجاسة، أما إذا كان أقل من عشرة في عشرة، وكان على بدنه نجاسة فإن نزوله في الماء ينجسه، وعندئذ فإنه يغترف لإزالة النجاسة وبعد إزالته يصح أن ينزل فيه فيغتسل إذا كان الماء كافياً لأن ينزل فه ويغتسل، وهناك صورة ما إذا كان الماء قليلاً كأن كان في طبق فوضع الإنسان قدميه فيه وأخذ منه وصبّ على رأسه وجسمه فعندئذ يكون ما تقاطر في الطبق مستعملاً فإذا ما غلب المستعمل على الماء لم يعد الماء مطهراً، ففي مثل هذه الحالة لابد أن يغترف الإنسان من الماء وصب على نفسه خارج الإناء وعند الشافعية إذا كان الماء أقل من قلتين، فلا يصح لمريد الوضوء أو الغسل من الجنابة أن يمد يده إلا بنية الاغتراف بأن يقصد نقل الماء من إنائه لغسله ما خارجه، فإذا لم ينو الاغتراف ابتداء، فإن الماء يصبح مستعملاً غير طهور، ولذلك نلحظ في حديث أم سلمة الذي سيمر بعد قليل أنها ذكرت بجواز اغتسال الرجل بفضل المرأة شرط أن تكون كيسة، والمراد بالكيسة هنا الفطنة الفقهية. الاغتسال بفضل المرأة والعكس: 351 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم أن ابن عمر كان يقول: "لا بأس أن يُغتسل بفضل المرأة، ما لم تكن حائضاً أو جنباً". أقول: هذا مذهب لابن عمر، ومن ههنا اشترط بعض الفقهاء شروطاً في طريقة استعمال الماء لتبقي له طهوريته (1)، والحنفية لا يعتبرون الماء المتبقي بعد اغتسال الحائض أو الجنب

_ 350 - مسلم (1/ 236) 2 - كتاب الطهارة، 29 - باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد. 351 - الموطأ (1/ 52) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب جامع غسل الجنابة وإسناده صحيح.

مستعملاً أو نجساً إلا إذا أصابته نجاسة أو غلب الماء المستعمل على أًل الماء، فالماء يبقى طاهراً مطهراً، إن أخذت منه الحائض أو الجنب وإن كان قليلاً. 352 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ، تختلفُ أيدينا فيه من الجنابة". وللبخاري (1): قالت: "كنت أغتسلُ أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد من الجنابة". وله في أخرى (2): قالت: "كان يُوضعُ لي وللرسول صلى الله عليه وسلم هذا المِرْكَنُ فنشرعُ فيه جميعاً. ولمسلم (3) قالت: "كنت أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد فيُبادرُني، حتى أقول: دع لي، دع لي، قال: وهما جُنُبَان". وفي رواية (4) لهما قالت: "كنتُ أغتسلُ أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ، من قدحٍ يُقال له: الفرقُ". وفي رواية (5) لهما نحوه، قال سفيان: والفرَقُ: ثلاثة آصُع. وفي أخرى (6) للنسائي قالتُ: "لقد رأيتُني أغتسلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا، فإذا تَوْرٌ

_ 352 - البخاري (1/ 373) 5 - كتب الغسل، 8 - باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى. مسلم (1/ 256) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (1) البخاري (1/ 374) 5 - كتاب الغسل، 9 - باب هل يُدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها. (2) البخاري (13/ 305) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 16 - باب ما ذكر النبي وحض على اتفاق أهل العلم وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة. (3) مسلم (1/ 257) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (4) البخاري (1/ 363) 5 - كتاب الغسل، 2 - غسل باب الرجل مع امرأته. مسلم (1/ 255) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (5) البخاري ومسلم نفس الموضع السابق. (6) النسائي (1/ 203) 4 - كتب الغسل، 12 - باب ترك المرأة نفض رأسها عند الاغتسال. البخاري (1/ 364) 5 - كتاب الغسل، 3 - باب الغسل بالصاع ونحوه وهذه الرواية ذُكرت بالمعنى. (المِرْكن): بكسر الميم وسكون الراء وفتح الكاف: الإجانَة التي تغسل فيها الثياب. (الفَرْقْ): بفتح الراء وسكونها: إناء من نحاس يسع ستة عشر رطلاً، قال الجوهري: الفرق: مكيال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رطلاً، وقد يُحرَّك ا. هـ، وقد قدَّر بعضهم الفرق في مقاييس عصرنا بعشرة كيلو غرام وذلك على مذهب أبي حنيفة، وهو أقل من ذلك في تقدير الشافعية. (تَوْرَ): إناء صغير. =

موضوع مثل الصاع، أو دُونه، فنشرعُ فيه جميعاً، فأُفيضُ على رأسي بيدي ثلاث مراتٍ، وما أنقضُ لي شعراً. 353 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كان يغتسلان من إناءٍ واحدٍ. وفي رواية (1) يغتسلُ من فضل ميمونة. 354 - * روى النسائي عن أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسلَ هو وميمونة من إناء واحدٍ، في قصعةٍ فيها أثرُ العجين". أقول: من هذا الحديث وأمثاله أخذ الفقهاء أحكام الماء إذا خالطه مائع أو جامد طاهر وتأثير ذلك على طهوريته، قال الحنفية: تجوز الطهارة بماء خالطه شيء جامد طاهر كالتراب والأوراق والأشجار والزعفران والصابون والأشنان ما دام باقياً على رقته وسيلانه، فلو خرج الماء عن طبعه أو حدث له اسم جديد كأن صار ماء الصابون ثخيناً أو صار ماء الزعفران صبغاً لا تجوز الطهارة به، كذلك إذا كان التغير عن طبخ فغير أحد أوصافه أو أوصافه كلها (اللون والطعم والرائحة)، والحديث يذكر أثر العجين مبيناً عدم تأثيره على طهورية الماء، ولا خلاف بين العلماء في جواز التوضؤ بماء خالطه طاهر لم يغيره، ومن كلام الحنفية أن ما خالط الماء مما يُقصد به التنظيف كالصابون والأشنان والخطمي والسدر لا يؤثر على طهوريته. ومن كلام الحنفية ف المائعات الطاهرات إذا خالطت الماء: أن العبرة في ذلك للغلبة في

_ = (الصاع): هو عند الإمام الشافعي = 2751 غراماً وعند الإمام أبي حنيفة =3800 غراماً. 353 - البخاري (1/ 366) 5 - كتاب الغسل، 3 - باب الغسل بالصاع ونحوه. مسلم (1/ 257) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (1) مسلم - نفس الموضع السابق. 354 - النسائي (1/ 131) 1 - كتاب الطهارة، 149 - باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها، وإسناده حسن.

الوزن إذا كان المخالط لوصف له كالماء المستعمل وماء الورد المنقطع الرائحة أو بالغلبة في الوصف بظهور وصفين لمائع له أوصاف ثلاثة، كالخل: له طعم ورائحة ولون فأي الوصفين ظهر منع صحة الوضوء ولا يضرُّ ظهور وصف واحد لقلته أو بالغلبة كظهور وصف واحد من مائع له وصفان فقط كاللبن له اللون والطعم ولا رائحة له. والمائع الطاهر لا يحصل به التطهير أي إزالة الحدث باتفاق الحنفية لأن إزالة الحدث خص بالماء في النص القرآني، لكن تحصل به الطهارة الحقيقية أي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمقصود بالمائع الطاهر ما ينعصر كماء الورد والخل وعصير الشجر والثمر. وقال المالكية يسلب الطهورية عن الماء كل طاهر يخالط الماء مما يفارقه غالباً ويغير أحد أوصافه ولم يكن من أجزاء الأرض ولا دابغاً لإنائه ولا مما يعسر الاحتراز عنه، ومن ذلك اللبن والعسل والزبيب المنبوذ في الماء وعصير الليمون. ومن كلام الشافعية: أن مما يسلب الطهورية: التمر والدقيق المطروح في الماء، والمنقوع في الماء كالعرق سوس. (راجع رد المحتار 1/ 124 وما بعدها، بداية المجتهد 1/ 80 والمغني 1/ 11 وما بعدها والفقه الإسلامي 1/ 93 - 94). 355 - * روى أحمد عن ابن عباسٍ: إن امرأةً من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من جنابة فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضله، فذكرت ذلك له، فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء" وله عند البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يتوضأ فقالت له امرأة من نسائه إني توضأتُ من هذا فتوضأ منه وقال: "إن الماء لا يُنجسُهُ شيء". أقول: من سياق الحديث نعرف أن المراد من قوله (1): "إن الماء لا يُنَجِّسُه شيء" هو الحدث، فالماء لا ينجسه الحدث كما رأينا والإجماع منعقد على أن الخبث ينجسه إذا غير

_ 355 - أحمد (1/ 235). كشف الأستار (1/ 132) كتاب الطهارة، باب الماء لا ينجسه شيء. مجمع الزوائد (1/ 213) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

طعمه أو ريحه أو لونه، إذا كان كثيراً أما قليلاً فينجسه سواء غيَرَ أو لم يغير. 356 - * روى النسائي عن ناعمٍ - مولى أم سلمة - أن أم سلمة سُئلت: "أتغتسلُ المرأة مع الرجل؟ قالت: نعم، إذا كانت كيسةً، رأيتُني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسلُ من مِرْكنٍ واحدٍ، نُفيضُ على أبداننا حتى نُنْقيها، ثم نُفيضُ عليها الماء". واغتسال أم سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناءٍ واحدٍ مذكور في الصحيحين. 357 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جِفْنَةٍ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها- أو يغتسل - فقالت: إني كنت جنباً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا يُجْنِبُ". أقول: وقد مر معنا أنهما يشترطون لمن أراد أن يُدخل يده في الإناء لإزالة الجنابة أن ينوي الاغتراف، وظاهر الحديث أنه لا يشترط ذلك، والحنفية يرون أن غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء لابد منه إذا كانت على اليد نجاسة فعندئذ يُمِيْلُ الإنسانُ الإناء فيغسل النجاسة عن يديه أو يغترف فيغسل النجاسة ثم يغترف للغسل. 358 - * (1) روى أحمد عن حُميد الحِمْيَري قال: لقيتُ رجلاً صحبَ النبي صلى الله عليه وسلم أربع

_ 356 - النسائي (1/ 129) 1 - كتاب الطهارة، 146 - باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناءٍ واحد. (كَيَّسة) الكيس خلاف الحُمق، وأراد به هاهنا: حسن الأدب في استعمال الماء مع الرجل. 357 - أبو داود (1/ 18) كتاب الطهارة، 35 - باب الماء لا يجنب. الترمذي (1/ 94) - أبواب الطهارة، 48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك أو الماء لا يجنب. ابن ماجه (1/ 132) 1 - كتاب الطهارة وسنها، 33 - باب الرخصة بفضل وضوء المرأة. الدارمي (1/ 187) كتاب الصلاة والطهارة، باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. الحاكم (1/ 159) كتاب الطهارة. (إن الماء لا يُجنبُ) يعني: أنه إذا غمس في الجنب يده لا ينجُس، وحقيقته: أنه لا يصير بمثل هذا الفعل لى حالٍ يجتنبُ، فلا يستعمل، وأصل الجنابة: البعدُ. 358 - أحمد (4/ 110، 111). أبو داود (1/ 21) كتاب الطهارة، 40 - باب النهي عن ذلك. النسائي (1/ 130) 1 - كتاب الطهارة، 147 - باب ذكر النهي عن الاغتسال يفضل الجنب.

سنين، كما صحبهُ أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تَغْتَسِلَ المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة. زاد مُسدد: وليغترفا جميعاً. أخرجه أبو داود والنسائي، إلا أنه زاد في أوله (1) "نهى أن يَمْتَشِط أحدنا كل يوم، أو يبول في مُغْتَسَلِه" وهذه الزيادة قد أخرجها أبو داود وحدها. أقول: سيمر معنا في باب الزينة أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الشعر، فالنهي عن الامتشاط كل يوم إما منسوخ وإما محمول على كراهة التنزيه لمن يفعل ذلك لغير ضرورة، وأما النهي عن الاغتسال بفضل المرأة في الحديث فهو إما منسوخ وإما أنه في حق المرأة التي لا تحسن فقه استعمال الماء، وفي هذه الحالة نفسها فالنهي محمول على كراهة التنزيه. 359 - * روى أبو داود عن الحكم بن عمرو - الغِفاري- أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتوضأ الرجلُ بفضل طهور المرأة". وزاد الترمذي (2) في رواية أو قال: "بسُؤرِها". وقد مر معنا ما يُحملُ عليه مثل هذا الحديث. وقال صاحب (عون المعبود) عن هذا لحديث ما يلي: قال النووي حديث الحكم بن عمرو ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري وغيره وقال الخطابي: قال محمد بن إسماعيل: خبر الأقرع في النهي لا يصح، واعلم أن تطهير الرجل بفضل المرأة وتطهيرها بفضله فيه مذاهب: الأول: جواز التطهير لكل واحد من الرجل والمرأة بفضل الأخر شرعاً، جميعاً أو تقدم أحدهما على الآخر والثاني: كراهة تطهير الرجل بفضل المرأة وبالعكس والثالث: جواز التطهير لكل منهما إذا اغترفا جميعاً والرابع: جواز التطهير ما لم تكن

_ (1) أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 15 - باب في البول في المستحم. 359 - أبو داود (1/ 21) كتاب الطهارة، 40 - باب النهي عن ذلك. الترمذي (1/ 93) أبواب الطهارة، 47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة. (2) الترمذي: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن.

المرأة حائضاً والرجل جنباً والخامس: جواز تطهير المرأة بفضل طهور الرجل وكراهة العكس والسادس: جواز التطهير لكل منهما إذا شرعا جميعاً للتطهير في إناء واحد سواء اغترفا جميعاً أو لم يغترفا كذلك ولكل قائل من هذه الأقوال دليل يذهب إليه ويقول به، لكن المختار في ذلك ما ذهب إليه أهل المذهب الأول لما ثبت في الأحاديث الصحيحة تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل منهما يستعمل فضل صاحبه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل بعض أزواجه وجمع الحافظ الخطابي بين أحاديث الإباحة والنهي فقال في معالم السنن: كان وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت حديث الأقرع أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهير دون الفضل الذي يبقى في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي عن فضل وضوء المرأة إنما هو إذا كانت جنباً أو حائضاً فإذا كانت طاهراً فلا بأس به قال: وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي وقال النووي: إن المراد النهي عن فضل أعضائها وهو المتساقط منها وذلك مستعمل وقال الحافظ في الفتح: وقول أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو يحمل النهي على التنزيه جمعاً بن الأدلة والله أعلم. ا. هـ (العون 1/ 31)، وانظر (نيل الأوطار 1/ 31 - 32). 360 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان الرجالُ والنساءُ يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً من إناءٍ واحدٍ".

_ 360 - الموطأ (1/ 24) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء. البخاري (1/ 298) 4 - كتاب الوضوء، 43 - باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة. أبو داود (1/ 20) كتاب الطهارة، 39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. النسائي (1/ 57) كتاب الطهارة، 57 - باب وضوء الرجال والنساء جميعاً. ابن ماجه (1/ 134) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 36 - باب الرجل والمرأة يتوضأن من إناءٍ واحد. ابن خزيمة (1/ 63) كتاب الوضوء، 93 - باب ذكر الدليل على أن لا توقيت في قدر الماء الذي يتوضأ به المرء. وهذا الحديث أخرجه البخاري إلى قوله "جميعاً".

الاغتسال والوضوء بالماء الحار

ولأبي (1) داود قال: كنا نتوضأ نحن والنساءُ من إناءٍ واحدٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد في رواية (نُدْلي فيه أيدينا). الاغتسال والوضوء بالماء الحار: 361 - * روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "توضأ عمر بالحميم في جَرِّ نصرانية، ومن بيتها". وهو في تراجم أبواب البخاري، فإنه قال في أحدِ أبواب كتاب الوضوء قولاً مجملاً: وتوضأ عمر بالحميم، ومن بيت نصرانية. قال الحافظ في الفتح: وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ "أن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه" ورواه ابن أبي شيبة والدارقطني بلفظ "كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه" قال الدارقطني: إسناده صحيح وقوله "من بيت نصرانية" وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما، عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به. ولفظ الشافعي "توضأ من ماء في جرة نصرانية" ولم يسمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، ... ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة (عن زيد بن أسلم عن أبيه) ... ثم قال الحافظ: ففيه دليل أيضاً على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالاً من النصرانية، وفيه دليل أيضاً على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال. [م]. الوضوء بغير الماء: 362 - * روى أبو يعلي عن عكرمة قال: "النبيذ وضوء لمن لم يجد غيره". قال

_ (1) أبو داود (1/ 20) كتاب الطهارة، 39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. (كان الرجال والنساء): أي الرجل وزوجته أو الرجل وأمتُه. 361 - البخاري (1/ 298) 4 - كتاب الوضوء، 43 - باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة. (بالحميم) الماء الحار. (جر نصرانية) الجر: جمع جرة: وهي الإناء من الخزف، وتجمع أيضاً على جرار. 362 - مجمع الزوائد (1/ 215) كتاب الطهارة، باب الوضوء بالنبيذ، قال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله ثقات.

الأوزاعي: إن كان مسكراً فلا توضأ به. أقول: المسكر نجس فشيء عادي أن لا يستعمل أصلاً، ونبيذ التمر أو الزبيب لا يصلح لإزالة الحدث، ويصلح عند الحنفية لإزالة الخبث، ولعله المراد هنا، فالوضوء قد يطلق على مجرد النظافة وعلى كل فهذا أثر، فما ورد في النص مذهب لقائله. 363 - * روى الطبراني عن حُميد بن هلال قال كان أبو رِفاعة يُسخِّنُ الماء لأصحابه ثم يقول أحسنوا الوضوء من هذا فأحسن من هذا فيتوضأُ بالماء البارد. قوله (فأحسن من هذا): أي أما أنا فسأتوضأ بالماء البارد وسأحسن الوضوء منه. 364 - * روى الدارقطني عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان يُسَخَّنُ له ماءٌ في قُمْقُمَةٍ ويغتسل به. 365 - * روى ابن أبي شيبة عن سلمة بن الأكوع أنه كان يسخن الماء يتوضأ به.

_ 363 - مجمع الزوائد (1/ 214) كتاب الطهارة، باب الوضوء بالماء الساخن، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 364 - الدارقطني (1/ 37) كتاب الطهارة، باب الماء الساخن، وإسناده صحيح. 365 - التلخيص الحبير (1/ 22) وإسناده صحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يصاب بعض الناس بمرض الوسوسة في الطهارة ودواء ذلك العلم والأخذ برخص الأئمة، قال سفيان الثوري: (العلم رخصة من ثقة، وأما التشدد فيعرفه كل الناس)، وأي رخصة أقوى من رخصة يقول بها إمام مجتهد، وأدب الفقيه إذا رأى وسوسة إنسان أن يدله على الرخص كقول المالكية في أن الماء ولو قل لا ينجسه إلا ما غَيَّر لونه أو طعمه أو ريحه، وكقول بعض المالكية إن طهارة البدن والثياب والمكان سنة وليست شرطاً لصحة الصلاة، وكما يلاحظ ذلك من الموسوس يلاحظ في المرضى وأصحاب الأعذار وحالات الضرورة. - من الرخص العظيمة في فقه الشافعية أن النجاسة غير المرئية إذا مر عليها الماء يطهرها، ويبقى الماء طاهراً أما إذا أُدخلت في الماء فإنها تنجس وتبقى نجسة مثال ذلك لو أن امرأة وضعت ثياباً متنجسة بنجاسة غير مرئية في غسالة وصبت عليها الماء فإن هذا الماء يطهرها ويبقى طاهراً، أما لو وضعت الماء أولاً ووضعت الثياب فيه، فإن الثياب تنجسه وتبقى نجسة، وفي الصورة الأولى يصبح الماء مستعملاً عندهم لا يزيل حدثاً ولا خبثاً. وشروط ذلك ثلاثة أن يَرِدَ الماء على النجاسة لا ترد هي عليه وأن ينفصل طاهراً لم يتغير أحد أوصافه وقد طهر المحل، وألا يزيد وزنه بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء ويعطيه من الوسخ (الفقه الإسلامي 1/ 124). - مرّ معنا أن الماء الجاري لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريح، والماء الجاري عند الحنفية ما يذهب بتبنة. - إذا كان الماء يصب في حوض ويخرج منه فله حكم الماء الجاري عند الحنفية، ومما له حكم الماء الجاري جرن الحمام الذي يصب فيه الماء والناس يغترفون منه عند الحنفية. - مر معنا أن الماء عند الشافعية والحنابلة إذا بلغ قلتين لا يحمل خبثاً إلا إذا غير لونه أو طعمه أو ريحه، إلا أنه إذا زال اللون أو الطعم أو الريح بنفسه أو بمكاثرة الماء فإنه يعود طاهراً، وتظهر ثمرة ذلك في أشياء كثيرة منها ما لو كان نهر يمر ببلد وتصبُّ فيه قاذوراتها

فيظهر لون النجاسة أو طعمها أو ريحها فإن الماء ينجس، حتى إذا استمر الماء إلى مجراه لم يعد لطعم النجاسة أو ريحها أو لونها أثر عاد طاهراً، وكذلك لو صفي ماء النهر المتنجس مقدار قلتين فأكثر بحيث لا يظهر أثر للنجاسة يعود الماء طاهراً. - من المعروف أن السحاب ماء متبخر، وماء المطر طهور وعلى هذا فأي ماء تبخر ثم جمع يكون طاهراً مطهراً. - مر معنا أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس عند الحنابلة والشافعية ولا يسري هذا عندهم على غير الماء. - ذكر فقهاء الحنابلة أن من الماء المستعمل الذي يفقد طهوريته ما غسل به الميت، لأنه غسل تعبدي، ومنه الماء اليسير الذي غمس به القائم من الليل يده فغسلها وكان الغاسل مسلماً عاقلاً بالغاً وكان الغمس قبل غسل اليد ثلاثاً. - لا يصير الماء مستعملاً إلا بعد انفصاله عن محل الاستعمال ويعفى عن يسير الماء المستعمل الواقع في الماء. - وههنا نقطة ينبغي التنبه لها، فلو صب الإنسان ماء على يده مثلاً للوضوء، فعليه ألا يفصل يده عن المحل حتى يبلغ الماء المحل، فإذا فصل يده أصبح الماء الذي بيده مستعملاً وما يتقاطر من محل الوضوء يعتبر مستعملاً، فإذا لم يكن قد بلَّغ المحل بالماء فكأنه في هذه الحالة يبلغه بعد الفصل بماء مستعمل. - قال الحنفية: لا تنجس البئر ببعر الإبل والغنم وروث الفرس والبغل والحمار وخثي البقر إلا أن يستكثره الناظر أو ألا يخلو دلو عن بعرة ونحوه، ولا تنجس البئر بخرء حمام وعصفور ونحوهما مما يؤكل من الطيور غير الدجاج والأوز والبط، والأصح أنه لا ينجس البئر بخرء الطيور غير المأكولة اللحم مثل سباع الطير. - وقال المالكية والحنابلة: روث وبول الحيوان المأكول طاهر، وروث وبول المحرم الأكل نجس، إلا أن مذهب الحنابلة على أنه إذا بلغ الماء قلتين لا ينجس إلا إذا تغير طعمه ولونه وريحه.

- وقال المالكية: إذا وقعت دابة نجسة في بئر وغيرت الماء وجب نزح جميعه، فإذا لم تغيره استحب أن ينزح منه بقدر الدابة وبعض الماء، منها، وعند الحنفية تفصيلات كثيرة لأحكام الآبار، ولهم أدلتهم الصحيحة من فتاوى الصحابة والتابعين لا كما يزعم بعضهم. ونكتفي بهذا القدر محيلين كل مسلم على مذهبه الفقهي ليعرف فتاوى المذهب في ما يبتلى به.

الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة والنجاسات والمطهرات

الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة والنجاسات والمطهرات الأصل في الأشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل شرعي، وهناك أشياء متفق على نجاستها عند الفقهاء، وهناك أشياء مختلف عل نجاستها، وكذلك المطهرات من النجاسة، هناك أشياء اتفقوا على أنها مطهرة، وأشياء اختلفوا في تطهيرها. والنجاسات ترتبط بها أحكام متنوعة، منها ماله علاقة في الصلاة ومنها ما له علاقة في الطعام والشراب ومنها ماله علاقة بأشياء أخرى. والنجاسات على أنواع: فمنها نجاسة الاعتقاد، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) ومنها النجاسة من الحدث، ومنها النجاسات الحسية، وقد قسم الحنفية النجاسة الحسية إلى مغلظة ومخففة، وإلى جامدة ومائعة، وإلى مرية وغير مرئية، وأوصلوا أنواع المطهرات إلى ثمانية عشر نوعاً. ومن ههنا ندرك أن فقه هذا الموضوع واسع ونحن نستعرض له من خلال النصوص ونذكر من الفوائد والمسائل ما تدعو إليه الحاجة، متقيدين بالمذاهب الأربعة محيلين من يريد التفقه على مذهبه أو من أراد التوسع على كتب الفقه العامة وعلى كتب آيات الأحكام وشرح أحاديث الأحكام. حكم بول الصغير والصغيرة: 366 - * روى الشيخان عن أمِّ قيسٍ بنت محصنٍ رضي الله عنها أنها أتتْ بابنٍ لها صغير، لم يأكل الطعام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِه، فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فنضحهُ، ولم يغسلهُ. وفي رواية (2): "فلم يزِدْ على أن نضح بالماء".

_ (1) التوبة: (28). 366 - البخاري (1/ 325) 4 - كتاب الوضوء، 59 - باب بول الصبيان. مسلم (1/ 238) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (2) مسلم (1/ 238) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله.

وفي أخرى (1): فدعا بماءٍ فرشَّه. 367 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي" فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فأتبعه إيَّاه". وفي رواية (2): أُتِيَ بصبي فحَنَّكَه، فبال عليه. ولمسلم (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالصبيان فيُبَرَّكُ عليهم ويحنكهم، فأُتِيَ بصبيٍّ ... وذكر الحديث". 368 - * روى أحمد عن أبي ليلى قال كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صدره أو بطنه الحسنُ أو الحسينُ عليهما السلام فبال فرأيتُ بولهُ أساريعَ فقمتُ إليه فقال "دعوا ابني لا تُفْزِعُوه حتى يقضي بوله" ثم اتبعهُ الماء ثم قام فدخل بيت تمرْ الصدقة ومعه الغلام فأخذ تمرةً فجعلها في فيه فاستخرجها النبي صلى الله عليه وسلم وقال "إن الصدقة لا تحلُّ لنا". 369 - * روى أبو داود عن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: "كان الحسنُ بن عليٍّ في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فبال على ثوبه، فقلتُ: يا رسول الله، البَسْ ثوباً، وأعطني إزارك حتى أغسلهُ، قال: "إنما يُغسلُ من بول الأنثى، ويُنضحُ من بول الذكر".

_ (1) مسلم (نفس الموضع السابق). النسائي (1/ 157) 189 - باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام. 367 - البخاري (11/ 151) 80 كتاب الدعوات، 31 - باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم. مسلم (1/ 237) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (2) البخاري (9/ 587) 71 - كتاب العقيقة، 1 - تسمية المولد غداة يُولد لمن لم يعقَّ عنه. (3) مسلم (1/ 237) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (ويحنكُهم) تحنيكُ الصبي عند الولادة: هو أن يمضغ تمرة، يُدلك بها حنكُه، ويوضع منها في فمه. (فيبرك عليهم بركتَ) على آل فلان: إذا دعوت لهم بالبركة، وقلت: بارك الله لكم وفيكم، ونحو ذلك. 368 - أحمد (4/ 348). مجمع الزوائد (1/ 284) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (أساريع) أي طرائق. 369 - أبو داود (1/ 102) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب، وهو حديث حسن.

370 - * روى أبو داود عن أبي السمح رضي الله عنه قال: "كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم "وكان إذا أراد أن يغتسل قال: "وَلِّنِي"، فأوليه قفاي، فأستُرهُ بذلك، فأُتي بحسنٍ - أو حسينٍ - فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: "يُغْسَلُ من بول الجارية، ويُرشُّ من بول الغلام". واختصره النسائي، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُغسلُ من بول الجارية، ويُرشُّ من بول الغلام". 371 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الغلام الرضيع: "يُنضحُ بولُ الغلام، ويُغسلُ بول الجارية" قال قتادة: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غُسِلاً جميعاً. وفي رواية (1) أبي داود قال عليٌّ: يُغسل من بول الجارية، ويُنضَحُ من بول الغلام ما لم يَطْعم. فائدة: قال الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى: وحمل أصحابنا (أي الحنفية) النَّضح والرش على الصب الخفيف بغير مبالغة ودلك، والغسل على الغسل مبالغة فاستويا في الغسل. ويؤيده ما روى أبو داود عن الحسن عن أمه أنها أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطْعَمْ، فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية (التعليق الممجد ص 4). وقال الشيخ ظفر أحمد: (فيثبت بهذه الآثار أن حكم بول الغلام الغَسْلُ، إلا أن ذلك الغسل يجزئ عنه الصب، وأن حكم بول الجارية الغسل أيضاً، إلا أن الصب لا يكفي فيه

_ 370 - أبو داود (1/ 102) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب. النسائي (1/ 158) 190 - باب بول الجارية، وإسناده حسن. 371 - الترمذي (2/ 509) 430 - باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع وقال الترمذي: رفع بعضهم هذا الحديث، ووقفه بعضهم ولم يرفعه. (1) أبو داود (1/ 103) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب، وإسناده صحيح. (يُنضحُ) النضحُ: رش الماء على الشيء، ولا يبلغ الغَسْلَ.

لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه، فأمر في الغلام بالصب يريد به إسالة الماء في موضع واحد، وفي بول الجارية بالغسل لأنه يقع في مواضع متفرقة. قاله الزيلعي عن الطحاوي). ومما يؤيد استعمال النضح بمعنى الغسل ما في الترمذي في المذي يصيب الثوب عن سهل بن حنيف قلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: (يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك) الحديث وصححه الترمذي وحسنه (1/ 17). ومنه ما في مسلم عن علي رضي الله عنه قال: أرسلت المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "توضأ وانضح فرجك" (1/ 143)، قال النووي: أما قوله صلى الله عليه وسلم "وانضح فرجك" فمعناه اغسله فإن النضح يكون غسلاً ويكون رشاً وقد جاء في الرواية الأخرى "يغسل ذكره" (فتعين حمل النضح عليه) ا. هـ عن إعلاء السنن (1/ 293 - 294). أقول: هذا توجيه الحنفية والمالكية للأحاديث الواردة في النضح من بول الصبي، فهم لا يفرقون بين بول الصغير والكبير، إلا أن المالكية قالوا يعفى عما يصيب ثوب المرضعة أو جسدها من بول الطفل أو غائطه سواء كانت أماً أو غيرها إذا كانت تجتهد في درء النجاسة عنها خلال نزولها بخلاف المفرطة، ولكن يندب لها غسله إن تفاحش وقرر الشافعية والحنابلة أن ما تنجس ببول أو قيء صبي لم يطعم غير لبن للتغذي ينضح، وتحنيك الطفل أول ولادته لا يؤثر على الحكم، ولا يجزئ في بول البنت إلا الغسلُ. (اللباب 1/ 51) والشرح الصغير 1/ 73 والمهذب 1/ 49). 372 - * روى أبو داود عن الحسن البصري عن أمه: أنها أبصرتْ أمَّ سلمة تصُبُّ الماء على بول الغلامِ ما لم يطعَمْ، فإذا طعِمَ غسلتْهُ، وكانت تغسِلُ بول الجارية".

_ 372 - أبو داود (1/ 103) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب، وهو حديث صحيح.

نجاسة البول وكيفية تطهيره

نجاسة البول وكيفية تطهيره: 373 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي أعرابياً يبولُ في المسجد، فقال: "دعُوه"، حتى إذا فرغَ دعا بماءٍ فصبَّه عليه. وفي رواية (1) قال: بينما نحنُ في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابيُّ، فقام يبولُ في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهْ، مهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُزْرِمُوه، دعُوه، فتركوه حتى بال"، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: "إنَّ هذه المساجدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البول والقذَرِ، إنما هي لذكرِ الله، والصلاة، وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "وأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلْوٍ من ماءٍ، فسنَّه عليه". وفي أخرى (2): أن أعرابياً قام إلى ناحية المسجد، فبال فيها، فصاح به الناسُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسل: "دعُوه" فلما فرغَ أمر رسول الله صلى الله بذنُوبٍ، فصُبَّ على بوله". وفي أخرى (3): "فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله: أمر بذنُوبٍ من ماءٍ، فأُهريقَ عليه".

_ 373 - البخاري (1/ 322) 4 - كتاب الوضوء، 57 - باب ترك النبي والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد. مسلم (1/ 236) 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها. النسائي (1/ 47، 48) 45 - باب ترك التوقيت في الماء. (1) مسلم (1/ 237) 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد (2) مسلم (1/ 236) 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات. (3) البخاري (1/ 324) 4 - كتاب الوضوء، 58 - باب صب الماء على البول في المسجد. (لا تُزرمُوه) بتقديم الزاي المعجمة على الراء، أي: لا تقطعوا بوله. يقال: زرم الدمعُ: إذا انقطع. (فسنه عليه) سننتُ الماء على الثوب وعلى الأرض ونحو ذلك: إذا صببته عليه، وقد جاء في كتاب مسلم. "فشنه" بالشين المعجمة، أي: فرَّقه عليه من جميع جهاته، ورشه عليه، ومنه: شننتُ الغارة: إذا فرقتها من جميع الجهات والنواحي. (فأهريق) يقال: هراق الماء يُهرِيقه: إذا صبه، وأصله أراقه: فقُلبت الهمزة هاء، ويقال أيضاً: أهرقهُ يُهْرِقه، وأهْراق، يُهريق بفتح الهاء. (بذنوب) الذنوب: الدلو العظيمة، وكذلك السجْل، قال: ولا يسمى بذلك إلا إذا كان فيها ماءً.

من أنواع المطهرات

أقول: تطهرُ الأرض وكل ما كان ثابتاً بها كالشجر والكلأ والبلاط عند الحنيفة بالجفاف بالشمس أو بالهواء أو بغير ذلك، بشرط زوال أثر النجاسة، وهي طهارة تجيز الصلاة عليها عندهم ولا تجيز التيمم، أما طهارة الأرض لجواز التيمم عندهم فلابد من إسالة الماء عليها ثلاث مرات، وقال غير الحنفية لا تطهر الأرض بالجفاف، وإنما تطهر بكثرة إفاضة الماء عليها من مطر أو غيره حتى تول عين النجاسة أخذاً من هذا الحديث وقد وجه الحنفية هذا الحديث بنحو ما ذكرناه عنهم واستدلوا بنصوص أخرى على مذهبهم والحديث دليل من أدلة الإجماع على أن البول نجس. 374 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فصلى ركعتين ثم قال: اللهُمَّ ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تحجَّرْتَ واسعاً"، ثم لم يلْبَثْ أن بال في ناحية المسجد، فأسرع إليه الناسُ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "إنما بُعثْتم مُيَسِّرين، ولم تُبْعَثُوا معسرين، صُبُّوا عليه سجلاً من ماءٍ، أو قال: "ذَنُوباً من ماءٍ". من أنواع المطهرات: 375 - * روى مالك عن أم سلمة رضي الله عنها قالت لها امرأة: "إني أُطيلُ ذَيْلي، وأمشي في المكان القذر؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُطهرهُ ما بعده". (يطهره ما بعده) قوله: يطهره ما بعده في هذا الحديث، وقوله فالحديث اللاحق: فهذه بهذه معناه عند الشافعي رحمه الله (1): فيما كان يابساً لا يعلقُ بالثوب منه

_ 374 - البخاري (1/ 323) 4 - كتاب الوضوء، 58 - باب صب الماء على البول في المسجد. أبو داود (1/ 103) كتاب الطهارة، 138 - باب الأرض يصيبها البول. الترمذي (1/ 276) أبواب الطهارة، 112 - باب ما جاء ف البول يصيب الأرض. النسائي (1/ 48) 45 - باب ترك التوقيت في الماء. (تحجرْتَ واسعاً) أي: ضيقت السعة، وأصله: اتخذت عليه حجرة، أي: حظيرة أحاطت به من جوانبه. 375 - الموطأ (1/ 24) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب ما لا يجب منه الوضوء. أبو داود (1/ 104) كتاب الطهارة، 140 - باب في الأذى يصيب الذيل. الترمذي (1/ 266) أبواب الطهارة، 109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطيء وهو حديث صحيح بشواهده.

شيء، فأما إذا كان رطباً، فإنه لا يطهر إلا بالغسل، وقال مالك: هو أن يطأ الأرض القذِرة، ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة، فإن بعضها يُطهر بعضاً، وأما النجاسةُ- مثل البول ونحوه، يُصيب الثوب أو بعض الجسد - فإن ذلك لا يُطهره إلا الماء إجماعاً. 376 - * روى أبو داود عن امرأة من بني عبد الأشهل رضي الله عنها قالتْ: "قلتُ: يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد مُنتْنِةً، فكيف نفعلُ إذا مُطِرنا؟ قالت: فقال: "أليس بعدها طريقٌ هي أطيبُ منها؟ " قلتُ: بلى، قال: "فهذه بهذه". أقول: اعتبر الحنفية: أن تكرار المشي في الثوب الطويل الذي يمس الأرض النجسة ثم الطاهرة يطهر الثوب، وقال المالكية: يطهر ثوب المرأة الطويل الذي تجره على الأرض المتنجسة اليابسة فيتعلق به الغبار بشرط أن تكون إطالته للستر لا للخيلاء (المراقي 30) واختلفوا في النجاسة الرطبة، والتطهير يحصل إذا كانت غير لابسة لخف، فإذا كانت لابسة لخف فلا عفو. (الشرح الصغير 1/ 78) والحنابلة يوافقون الحنفية إلا أنهم يقيدونه بيسير النجاسة وإلا وجب غسله، والشافعية: يحملون الأحاديث على النجاسة اليابسة وإلا فلابد من الغسل. 377 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: "لِمَ خلعْتم نِعالَكُم؟ " فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت، فخلعنا. فقال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيهما خبث، فليمسحهما بالأرض، ثم ليُصْلِّ فيهما".

_ 376 - أبو داود (1/ 104) كتاب الطهارة، 140 - باب في الأذى يصيب الثوب، وإسناده صحيح. 377 - ابن خزيمة (2/ 107) باب الصلاة في النعلين، وإسناده صحيح. كشف الأستار (1/ 289، 290) باب الصلاة في النعلين، وقال البزار: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة. مجمع الزوائد (2/ 55، 56) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط وفي إسنادهما عباد بن كثير البصري سكن مكة، ضعيف وقال الهيثمي أيضاً في ص 56 رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير قال البزار: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة انتهى، وأبو حمزة هو ميمون الأعور ضعيف.

هذا حديث يزيد بن هارون. وقال محمد بن يحيى في حديث أبي الوليد، فقال: "إن جبريل أخبرني (1) أن فيهما قذراً أو أذى". 378 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطيء أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهُور". وفي رواية (2) "إذا وطيء الأذى بخُفَّيه فطهورهما الترابُ". 379 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: كنا نُصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نتوضأُ من موطيءٍ. أقول: قال الحنفية: يطهر الخف والنعل المتنجس بنجاسة ذات جُرْمٍ سواء كانت جافة أو رطبة بالدّلك، والمراد بالنجاسة ذات الجرم كل ما يرى بعد الجفاف كالغائط والروث والدم والمني والبول والخمر الذي أصابه تراب، فإذا لم تكن النجاسة ذات جرم فيجب غسلها بالماء ثلاث مرات ولو بعد الجفاف ويترك الخف في كل مرة حتى ينقطع التقاطر وتذهب النداوة ولا يشترط اليبس، وقال الشافعي ومحمد من الحنفية: لا يطهر النعل بالدَّلك لا رطباً ولا يابساً. وقال المالكية: يطهر الخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها في الطرق والأماكن التي تطرقها الدواب كثيراً بخلاف غير الدواب كالآدمي والكلب والهر ونحوه، وقال الحنابلة: لا يطهر النعل بالدلك بل يجب غسله، لكن يعفى عن يسير النجاسة على أسفل الخف والحذاء بعد الدلك. (رد المحتار 1/ 205 فما بعدها، مراقي الفلاح 30، الشرح الصغير 1/ 78 وما بعدها، والفقه الإسلامي 1/ 92 فما بعدها).

_ (1) ابن خزيمة (2/ 107) باب الصلاة في النعلين، وإسناده صحيح. 378 - أبو داود (1/ 105) كتاب الطهارة، 141 - باب في الأذى يُصيب النعل. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق. 379 - مجمع الزوائد (1/ 285) وقال الهيثمي. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

حكم المني

حكم المني: 380 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ أغسِلُ الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرُجُ إلى الصلاة وإن بُقَعَ الماء في ثوبه". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسلُ المنيَّ، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظرُ أثر الغسلِ فيه. ولمسلم (2): أن رجلاً نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يُجْزئُكَ- إن رأيته - أن تغسل مكانه، فإن لم ترَهُ نضحت حوله، فلقد رأيتُني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً، فيُصلي فيه. وله في أخرى (3): قالت عائشة في المنيِّ كنتُ أفرُكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله في أخرى (4): من حديث عبد الله بن شهاب الخولاني قال: "كنتُ نازلاً على عائشة، فاحتملتُ في ثوبي، فغمستُهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثتُ إليَّ عائشة، فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئاً؟ قلت: لا، قالت: فلو رأيت شيئاً غسلته، لقد رأيتُني وإني لأحكُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظُفُري". وفي رواية (5) الترمذي: "أنها غسلت منيًّا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم". وله في أخرى (6): قال همامُ بن الحارث: "ضاف عائشة ضيفٌ، فأمرتْ له بملحفةٍ

_ 380 - البخاري (1/ 332) 4 - كتاب الوضوء، 64 - باب غسل المني وفركه، وغسل ما يُصيب من المرأة. مسلم (1/ 239) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب حكم المني. (1) مسلم: نفس الموضع. (2) مسلم (1/ 238) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب حكم المني. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 239، 240) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب حكم المني. (5) الترمذي (1/ 201) أبواب الطهارة، 86 - باب غسل المني من الثوب. (6) الترمذي (1/ 199) أبواب الطهارة، 85 - باب ما جاء في المني يُصيب الثوب وقال الترمذي: حسن صحيح. (ضاف ضيف) ضِفْتُ الرجل: إذا نزلت به، وأضفْتُه: إذا أنزلته.

صفراء، فنام فيها، فاحتلم، فاستحيي أن يُرسلَ بها إليها وبها أثرُ الاحتلام، فغمسها في الماء، ثم أرسل بها، فقالت عائشةُ: لمَ أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفْرُكه بأصابعه، وربما فركْتُه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي". 381 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: "لقد كنا نسْلتُه بالأذْخَرِ والصوفة يعني المني". أقول: قال الحنفية والمالكية: المني نجس وقال الشافعية على الأظهر والحنابلة المني طاهر، لكن يستحب غسله أو فركه، وقال الحنفية: يجب غسل رطبه فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك، وقال المالكية: يجب غسل أثره رطباً أو يابساً، ويلاحظ أن الجميع متفقون على أن المذي إذا سبق المني ينبغي غسله وأن العضو ينبغي أن يكون مغسولاً مسبقاً بالماء، فإن كان عليه أثر بول بسبب تنشيفه دون غسله فإن المني يتنجس فيجب غسله. وبعد تحقيق طويل في إعلاء السنن (1/ 270 - 273) قال: فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة وهذا خلاصة ما في المسألة من الأدلة من جانب الجميع ا. هـ. والأمور الواردة: الفرك إذا يبس والنضح والغسل وسلتُه بعرق الأذخر. جاء في الدر المختار (1/ 207): ويطهر مني (أي محله) يابس بفرك ولا يضر بقاء أثره إن طهر رأس الحشفة. 382 - * روى ابن خزيمة عن أم قيس بنت محصن، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب. فقال: "اغسليه بالماء والسدر وحكيه بضلع".

_ 381 - الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 51). مجمع الزوائد (1/ 280) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (سلت الشيء): أماطه وأزاله. 382 - ابن خزيمة (1/ 141) 210 - باب استحباب غسل دم الحيض من الثوب بالماء والسدر، وإسناده صحيح.

فائدة

فائدة: سؤر الإنسان وعرقه طاهر، وإذا عرق الإنسان وكان قد استعمل لمسح الدبر أو القبل أو المني حجراً أو ورقاً أو ما ينوب منابهما وعرق فإن ذلك لا يؤثر على نجاسة ثيابه ولا يزيد من بقعة النجس على بدنه، إلا إذا ظهر أثر الغائط فيجب غسله إذا زاد عن مقدار الدرهم عند الحنفية كما سنرى. 383 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: تتخذُ المرأةُ الخرقة، فإذا فرغ زوجها ناولته فيمسحُ عنه الأذى، ومسحتْ عنها، ثم صليا في ثوبيهما. 384 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: سأل أخته أم حبيبة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم-: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يُجامِعُها فيه؟ فقالت: نعم، ما لم ير فيه أذى. 385 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُصلي في شُعُرِنا - أو لُحُفِنا - شك أحد رواته. وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا. وأخرج النسائي (2) الرواية الثانية، وفي رواية (3) الترمذي: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لُحُفِ نسائه.

_ 383 - ابن خزيمة (1/ 142) 212 - باب الرخصة في غسل الثوب من عرق الجنب: وإسناده صحيح. 384 - أبو داود (1/ 100) كتاب الطهارة، 133 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه. النسائي (1/ 155) كتاب الطهارة، 186 - باب المني يُصيب الثوب. (أذى) الأذى هاهنا: أراد به النجاسة. 385 - أبو داود (1/ 101) كتاب الطهارة، 134 - باب الصلاة في شعر النساء. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح، والجمع بين الروايتين أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة، ويترك تارة، فهو أمر مباح. (2) النسائي (8/ 217) 48 - كتاب الزينة، 115 - باب اللحف. (3) الترمذي (2/ 496) أبواب الصلاة، 420 - باب في كراهية الصلاة في لحُف النساء. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم رُخصةٌ في ذلك. (شعرنا) الشعُرُ: جمع شعار، وهو الثوب الذي يلي الجسد، وإنما خصَّه بالذكر لأنه أقرب إلى أن تناله النجاسة من الدثار، حيث يُباشرُ الجسد.

386 - * روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يعرقُ في الثوب وهو جُنبٌ، ثم يصلي فيه". 387 - * روى مالك عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه اعتمَر مع عمر بن الخطاب في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرَّسَ ببعض الطريق قريباً من بعض المياه، فاحتلم عمر، وقد كاد أن يُصبح، فلم يجدْ مع الركب ماء، فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص: أصبحت ومعنا ثيابٌ، فدعْ ثوبك يُغسل، فقال له عمر بن الخطاب: واعجباً لك يا ابن العاص، لئن كنت تجدُ ثياباً، أفكلُّ الناس يجدُ ثياباً؟ والله لو فعلتُها لكانت سُنَّة، بل أغسلُ ما رأيتُ، وأنضحُ ما لم أر". قال الزرقاني في شرح الموطأ قال أبو بعد الملك: هذا مما عُدَّ أن مالكاً وَهِمَ فيه لأن أصحاب هشام: الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمراً قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه (م). حكم الدم ودم الحيض: 388 - * روى الجماعة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يُصيب ثوبها من الحيضة: كيف تصنع به؟ فقال: "تحُتُّهُ، ثم تقرصُه بالماء، ثم تنضحُه، ثم تُصلي فيه".

_ 386 - الموطأ (1/ 52) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب جامع غسل الجنابة، وإسناده صحيح. 387 - الموطأ (1/ 50) 2 - كتاب الطهارة، 20 - باب إعادة الجنب للصلاة، وغسله إذا صلى ولم يذكر. (عَرَّسَ) التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والراحة. (أسفرَ) الصبحُ: إذا أضاء وانتشر ضوؤه. 388 - البخاري (1/ 330) 4 - كتاب الوضوء، 63 - باب غسل الدم. مسلم (1/ 240) 2 - كتاب الطهارة، 33 - باب نجاسة الدم وكيفية غسله. أبو داود (1/ 99) كتاب الطهارة، 132 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. الترمذي (1/ 254) أبواب الطهارة، 104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب. ابن ماجه (1/ 206) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 118 - باب في ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب.

وفي رواية (1) النسائي: أن امرأةً استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يُصيب الثوب؟ قال: "حُتِّيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه وصلي فيه". وفي رواية (2) أخرى لأبي داود قالت: سمعتُ امرأةً تسألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر: اتُصلي فيه؟ قال: "تنظُر، فإن رأت فهي دماً فلتقرُصْهُ بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتُصلِ فيه". وفي أخرى (3) بهذا المعنى، وفيه "حُتِّيه، ثم اقْرُصيه بالماء، ثم انضحيه". 389 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانتْ إحدانا تحيض، ثم تقرُصُ الدم من ثوبها عند طُهرها، فتغسله، وتنضحُ على سائره، ثم تصلي فيه. وفي رواية (4) أبي داود قالت: "كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارُنا، وقد ألقينا فوقَهُ كساءً، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، ثم جلس، فقال رجلٌ: يا رسول الله، هذه لُمعةٌ من دمٍ في الكساء، فقبصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها مع ما يليها، وأرسلها إليَّ مصرورةً في يد الغلام، فقال: "اغسلي هذا، وأجفِّيها، ثم أرسلي بها إليَّ"، فدعوتُ بقصعتي فغسلتُها، ثم أجففتُها، فأحرْتُها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار وهو عليه". وفي أخرى (5) له قالت مُعاذةُ: سألتُ عائشة عن الحائض يُصيبُ ثوبها الدمُ؟ قالت: تغسِلُه، فإن لم يذهب أثره فلتغيِّرهُ بشيء من صُفرةٍ، قالت: ولقد كنتُ أحيضُ عند

_ (1) النسائي (1/ 195) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 26 - باب دم الحيض يصيب الثوب. (2) أبو داود، الموضع السابق. (3) أبو داود، نفس الموضع ص 100. (تحُّته) الحثُّ والحك سواء. (تقرُصُه) القرص: الأخذ بأطراف الأصابع، وإنما أمرها بالحت والقرص، لأن غسل الدم بها أذهب وأبلغ من الفرك بجميع اليد. 389 - البخاري (1/ 410) 6 - كتاب الحيض، 9 - باب غسل دم المحيض. (4) أبو داود (1/ 105) كتاب الطهارة، 142 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. (5) أبو داود (1/ 98) كتاب الطهارة، 131 - باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيضٍ جميعاً، لا أغسِلُ لي ثوباً". وله في أخرى (1) قال خِلاسُ الهجري: سمعت عائشة تقول: "كنتُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيتُ في الشِّعارِ الواحد وأنا حائضٌ طامث، فإن أصابه مني شيءٌ، غَسَل مكانه، لم يعدُهُ، ثم صلى فيه". وأخرج النسائي (2) هذه الرواية الآخرة. 390 - * روى أبو داود عن أم قيسٍ بنت محصن رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكونُ في الثوب؟ قال: "حُكِّيه بضلَع، واغسليه بماءٍ وسدرٍ". أقول: دم الآدمي غير الشهيد، ودم الحيوان غير المائي، نجس بإجماع، على خلاف بين الفقهاء بالقدر المعفو عنه، والمراد بدم الشهيد: الدم الملاصق له، فهذا طاهر في حقه ومن ثم فإن الدم المسفوح ينبغي غسله سواء كان دم حيض أو غيره. ودم المسك ودم الكبد والطحال والقلب وما يبقى في عروق الحيوان بعد الذبح الشرعي ودم القمل والبرغوث ليس بنجس. (اللباب 1/ 49 فما بعدها، والشرح الصغير 1/ 53، والمهذب 1/ 46 فما بعدها).

_ (1) أبو داود (1/ 70) كتاب الطهارة، 107 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. (2) النسائي (1/ 188) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 11 - باب نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد. (شعارنا) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، وأراد به هاهنا: الإزار الذي كان يتغطى به عند النوم. (لُمعة) اللمعة: القدرُ اليسير من أي الألوان كانت، يقال: في الثوب لمعة من سواد، أو صُفرة، أو حُمرة، جمعها لُمع. (أحرْتُها) إليه، أي: رددتها إليه، حار يحور: إذا رجع. (تقرصُ) يقال: قرصت الدم من الثوب بالماء، أي: قطعته، كأنها تقصد إليه من سائر الثوب فتغسله، فكأنه قطعٌ وحيازةٌ. (طامث) الطامث: المرأة الحائض، والطمثُ: الحيض. لم يعده) أي: لم يتعده ولم يتجاوزه. 390 - أبو داود (1/ 100) كتاب الطهارة، 132 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. النسائي (1/! 96) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 26 - باب دم الحيض يصيب الثوب. (بضلع) الضلعُ للحيوان معروف، وقيل: أراد بالضلع هاهنا: عوداً شبيهاً بالضلع عريضاً معوجاً.

391 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيءٌ من دم قالت بريقها فمصعتْه بظفرها". وعند أبي داود مثله، وله في أخرى (1) قالت: قد كان يكون لإحدانا الدَّرعُ، فيه تحيضُ، وفيه تُصيبها الجنابةُ، ثم ترى فيه قطرةً من دمٍ، فتقصَعُه بريقها. وفي أخرى (2) له قالت: "ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد، فيه تحيض، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها، ثم قصعته بريقها". أقول: الرِّيق من المطهرات عند الحنفية، فتطهر أصبعٌ وثديٌ تنجسا بالقيء بلحس ثلاث مرات، وعن طريق الإرضاع للولد، ويطهر فم شارب الخمر بترديد ريقه وبلعه عنده، ولا يجوز للعاقل المكلف أن يبلع ريقه المتنجس. (رد المحتار 1/ 205). حكم لعاب الكلب: 392 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شَرِبَ الكلبُ في إناء أحدكم فليغسله سبع مراتٍ". وفي رواية (3) قال: "وإذا ولَغَ الكلبُ في إناء أحدِكم فيُرِقْهُ، ثم ليغسِلْه سبع مرارٍ".

_ 391 - البخاري (1/ 412) 6 - كتاب الحيض، 11 - باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه. أبو داود (1/ 98) كتاب الطهارة، 132 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تحيض فيه. (1) أبو داود (1/ 100) كتاب الطهارة، الباب السابق. (2) أبو داود (1/ 98) الكتاب السابق، والباب السابق. (فمصعته بظفرها) مصعته، بالصاد والعين غير المعجمتين، أي: حركته وعركته بظفرها، أراد المبالغة في الحك. (فتقصع بريقها) هكذا جاء في رواية لأبي داود، وقد جاء في أخرى "فقصعته بريقها" والقصع-بالقاف والصاد غير المعجمة-: هو شدة المضغ وضمُ بعض الأسنان إلى بعض، ونحوٌ من هذا أراد: بالقصع. 392 - البخاري (1/ 274) 4 - كتاب الوضوء، 33 - باب الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان. مسلم (1/ 234) 2 - كتاب الطهارة، 27 - باب حكم ولوغ الكلب. (3) مسلم، نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1): "طُهُورُ ناء أحدكم، إذا ولغ فيه الكلب: أن يغسله سبع مرات، أولاهنَّ بالتراب". وفي رواية (2) لأبي داود بمعناه، ولم يرفعه، وزاد "وإذا ولغَ الهِرُّ غُسِلَ مرةً". وفي أخرى (3) له: "إذا ولغَ الكلبُ في الإناء: فاغسلوه سبع مراتٍ، السابعة بالتراب". وفي رواية (4) الترمذي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُغسلُ الإناءُ إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات، أُولاهنَّ أو أُخراهنَّ بالتراب، وإذا ولغتْ في الهرةُ غُسِلَ مرةً". 393 - * روى مسلم عن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: "ما بالهُمْ وبالُ الكلاب؟ " ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: "إذا ولغ الكلبُ في الإناء فاغسلوه سبع مراتٍ، وعفَّرُوه الثامنة في التراب". 394 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانت الكلابُ تُقْبِلُ

_ (1) مسلم، نفس الموضع السابق. أبو داود (1/ 19) كتاب الطهارة، 37 - باب الوضوء بسؤر الكلب. (2) أبو داود، نفس الموضع السابق. (3) أبو داود، نفس الموضع السابق. (4) الترمذي (1/ 151) أبواب الطهارة، 68 - باب ما جاء في سؤر الكلب. (ولغَ) الكلب في الإناء إذا شرب فيه أو منهُ. 393 - مسلم (1/ 235) 2 - كتاب الطهارة، 27 - باب حكم ولوغ الكلب. أبو داود (1/ 19) كتاب الطهارة، 37 - باب الوضوء بسؤر الكلب. النسائي (1/ 54) كتاب الطهارة، 53 - باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب. وقالا: "والثامنة عفروهُ بالتراب". (عفروه) التعفيرُ: التمريغ في العفر، وهو التراب. 394 - البخاري (1/ 278) 4 - كتاب الوضوء، 33 - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان. أبو داود (1/! 04) كتاب الطهارة، 139 - باب في طهور الأرض إذا يبست.

وتُدْبِرُ في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يَرُشُّون شيئاً من ذلك. وفي رواية (1) أبي داود قال: كنتُ أبيتُ في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنتُ فتي شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتُقبلُ وتُدبر في المسجد ... الحديث". (تبول وتقبل وتدبر في المسجد) أراد بقوله: تبول وتقبل وتدبر في المسجد، أنها تبول خارج المسجد، ثم تُقْبلُ وتدبر في المسجد عابرةً، إذْ لا يجوز أن يترك الكلاب حتى تمتهن المسجد وتبول فيه، وإنما كان عبورها فيه حيث لم يكن له أبواب، وأما البول فلا. [ابن الأثير]. 395 - * روى أبو داود عن داود بن صالح بن دينارٍ التمار عن أُمِّه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة، قالت: فوجدتُها تُصلي، فأشارت إليَّ: أن ضعيها، فجاءت هرةً فأكلت منها، فلما انصرفت عائشةُ من صلاتا أكلتْ من حيثُ أكلت الهرة، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجسٍ، إنما هي من الطوافين عليكم، وإني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه سلم يتوضأ بفضلها. أقول: مر معنا من قبل الإشارة إلى الأسآر، وأن الحنفية يقولون: إن الحكم على سؤر الشارب يختلف بحسب طهارة أو نجاسة لحم الشارب، لأن المؤثر في الحكم مخالطة لعاب الشارب للماء أو لغيره، ولما كان الكلب عندهم نجساً فسؤره نجس، وأما بالنسبة للهرة فسؤرها المائي طاهر مطهر، لكنه يكره عندهم استعماله تنزيهاً مع وجود غيره، عند المالكية: أن سؤر الكلب طاهر، وغسل الإناء الذي ولغ فيه سبع مرات إنما هو عبادة، وأما الهرة فسؤرها طاهر إلا إذا رؤي في فمها نجاسة فيكون سؤرها نجساً ويقولون بكراهة استعمال الماء كالحنفية، قوال الشافعية والحنابلة: سؤر الكلب نجس، وسؤر الهرة طاهر ولا يكره استعماله، والقائلون بنجاسة سؤر الكلب، يقولون بنجاسته إذا شرب من الماء القليل مع ملاحظة الاختلاف في حد القلة والكثرة، ويشهد له: أن بعض الروايات تذكر الإناء، وقد رأينا أن المالكية يقولون بأن غسل ما ولغ فيه الكلب سبع مرات أمر تعبدي

_ 395 - أبو داود (1/ 20) كتاب الطهارة، 38 - باب سؤر الهرة.

حكم الفأرة وتطهير ما وقعت فيه ونحوها

لا للنجاسة، والشافعية والحنابلة والحنفية: أن الغسل سبع مرات أولاهن أو إحداهن بالتراب للنجاسة، إلا أن الحنفية يعتبرون الثلاثة الأولى فريضة وما سوى ذلك مندوب، والظاهر أن الحكمة في استعمال التراب هي: مراعاة الجانب الصحي. حكم الفأرة وتطهير ما وقعت فيه ونحوها: 396 - * روى البخاري عن ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سُئل عن فأرةٍ وقعت في سمنٍ؟ فقال: "ألقُوها وما حولها، وكلوا سمنكُمْ". 397 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعت الفأرةُ في السمن، فإذا كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربُه". أقول: من المطهرات عند الحنفية عزل الجزء المتنجس عن غيره إذا أمكن ذلك، فيطهر الدهن الجامد والسمن الجامد والدبس الجامد بعزل الجزء المتنجس، فإن وقعت النجاسة في مائع كالزيت والسمن الذائب لا يقبل الطهارة عند الجمهور، وعند الحنفية: يطهر بصب الماء عليه بقدره ثلاث مرات أو يوضع في إناء مثقوب ثم يصب عليه الماء فيعلو الدهن ويرفع بشيء أو يفتح الثقب حتى يذهب الماء ومن هذا نعرف موقف الحنفية فيما إذا وقعت فأرة في الدهن الذائب أو الزيت فماتت فيه، فإنهم يخرجونها ويطهرون الدهن بما ذكرنا ويحملون الحديث في إهراق السمن المائع على الندب، هذا إذا ماتت الفأرة، أما إذا بقيت حية فإنها لا تنجس ما وقعت فيه، وقال الحنابلة إذا وقعت الفأرة أو الهرة ونحوهما في مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر. (رد المحتار 1/ 205 فما بعدها)، (المغني 1/ 35 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 98 فما بعدها).

_ 396 - البخاري (9/ 668) 72 - كتاب الذبائح والصيد، 34 - باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد. 397 - أبو داود (3/ 364) كتاب الأطعمة، باب في الفأرة تقع في السمن.

حكم الحيوان المذكى

حكم الحيوان المذَكَّى: 398 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلامٍ يسلخُ شاةً وما يُحْسَنُ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَنَحَّ حتى أُريكَ"، فأدْخَل يده بين الجلد واللحم، فدخسَ بها حتى دخلتْ إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس، ولم يتوضأ. زاد في رواية (1): يعني (لم يمسَّ ماءً). أقول: هذا الحديث نص في طهارة الحيوان المأكول اللحم إذا ذُكِّيَ بالذبح، ومن الأشياء المتفق عليها عند الفقهاء طهارة الحيوان المذكى ذكاة شرعية، وعلى هذا فالدم الذي يبقى في العروق واللحم بعد الذبح طاهر لأنه ليس بمسفوح، ولهذا حل تناوله مع اللحم، ومن كلام المالكية أن من الطاهرات الدم الباقي في العروق من الحيوان المذكي، أو في قلبه أو ما يرشح من اللحم لأنه جزء المذكى، وجزؤه طاهر، لكن ما بقي على محل الذبح هو من باقي المسفوح فهو نجس، وكذا إذا دخل شيء من الدم إلى البلعوم فوصل إلى المعدة فإنه نجس تجب الطهارة منه. حكم الدباغة والإهاب المدبوغ: 399 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دُبغ الإهابُ فقد طهُرَ". وفي رواية (2): قال مرثَدُ بن عبد الله اليزني: "رأيتُ على عبد الرحمن بن وعلة السبئيِّ فروا فمسسْتُهُ، فقال مالك تمسُّه؟ قد سألتُ عبد الله بن عباس قلت: إنا نكون

_ 398 - أبو داود (1/ 47) كتاب الطهارة، 73 - باب الوضوء من مس اللحم النيء وغسله. (1) أبو داود، نفس الموضع. (فدخس بها) الدخسُ- بالخاء المعجمة-: الدَّسُ، أراد: أنه أدخل يده بين اللحم والجلد. 399 - مسلم (1/ 277) 3 - كتاب الحيض، 27 - باب طهارة جلود الميتة بالدباغ. (الإهاب): الجلد قبل أن يُدبغ، وقيل: هو كلُّ جلدٍ، دُبغ أو لم يُدبغ. (2) مسلم (1/ 278) نفس الكتاب السابق، نفس الموضع السابق.

بالمغرب، ومعنا البربرُ والمجُوس، نُؤتي بالكبش قد ذبحوه، ونحنُ لا نأكلُ ذبائحهم، ويأتونا بالسقاء يجعلون فيه الودَك؟ فقال ابن عباس: قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "دبِاغُه طهُورُه". وأخرج الترمذي (1) والنسائي (2): قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طهُر". وللنسائي (3): أن [عبد الرحمن] بن وعلة سأل ابن عباس فقال: إنا نغْزُوا هذا المغرب، وإنهم أهل وثَنٍ، ولهم قربٌ يكون فيها اللبنُ والماء؟ فقال ابن عباس: الدباغُ طهور، قال ابن وعلة: عن رأيك، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". 400 - * روى أبو داود عن عالية بنت سُبيعٍ قالت: كان لي غنمٌ بأُحُدٍ، فوقع فيها الموتُ، فدخلتُ على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك لها، فقالت لي ميمونةُ: لو أخذت جُلودها فانتفعت بها؟ قالتْ: فقلت: أو يحلُّ ذلك؟ قالت: نعم، مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالٌ من قريشٍ يجُرّثون شاةً لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أخذتم إهابها؟ " قالوا: إنها ميتةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُطهِّرها الماءُ والقَرَظُ". 401 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرَّ

_ (1) (الودك): دسم اللحم. (السقاء): الظرف من الجلود يُحمل فيه الماء نحو القربة. (ابن الأثير). (1) الترمذي (4/ 221) 25 - كتاب اللباس، 7 - باب ما جاء في جلود الميتة إذا دُبِغَت. (2) النسائي (7/ 173) كتاب الفرع والعتيرة، 4 - جلود الميتة. (3) النسائي، نفس الموضع. 400 - أبو داود (4/ 66) كتاب اللباس، باب في أُهُب الميتة. النسائي (7/ 175) كتاب الفرع والعتيرة، 5 - ما يدبغ به جلود الميتة، وهو حسن بشواهده. (القرظ) هو ورق السلم أي يطهره خلط الماء بالقرظ ودباغة الجلد به. 401 - البخاري (4/ 413) 34 - كتاب البيوع، 101 - باب جلود الميتة قبل أن تدبغ. مسلم (1/ 276) 3 - كتاب الحيض، 27 - باب طهارة جلود الميتة بالدباغ.

بشاة ميتةٍ، فقال: "هلا انتفعتُم بإهابها؟ " قالوا: إنها ميتةً؟ قال: "إنما حرُم أكلها". وفي رواية (1) قال: تُصُدَّق على مولاةٍ لميمونة بشاةٍ، فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "هلا أخذتُم إهابها فدبغتمُوه فانتفعتم به؟ " فقالوا: إنها ميتةٌ؟ فقال: "إنما حَرُمَ أكلها". وللبخاري (2) قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنزٍ ميتةٍ، فقال: "ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها؟ ". 402 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يُستمتع بجلود الميتة إذا دُبغتْ. وللنسائي (3) قالت: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جُلود الميتة؟ فقال: "دبغُها ذكاتُها". وفي أخرى (4) قال: "ذكاةُ الميتة دباغُها". 403 - * روى البخاري عن سودة بنت زمعة رضي الله عنها قالت: ماتت لنا شاةٌ، فدبغنا مسكها، ثم ما زلنا ننبِذُ فيها حتى صار شَنًّا.

_ (1) مسلم، نفس الموضع. (2) البخاري (9/ 658) 72 - كتاب الذبائح والصيد، 30 - باب جلود الميتة. 402 - الموطأ (2/ 498) 25 - كتاب الصيد، 6 - باب ما جاء في جلود الميتة. أبو داود (4/ 66) كتاب اللباس، باب في أهُب الميتة. النسائي (7/ 176) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 6 - الرخصة في الاستمتاع بجلود الميتة إذا دبغت. (3) النسائي (7/ 174) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 4 - جلود الميتة. (4) النسائي، نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح. 403 - البخاري (11/ 569) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 21 - باب إذا حلف أن لا يشرب نبيذاً فشرب طلاء أو سكراً أو عصيراً لم يحنث في قول بعض الناس. النسائي (7/ 173) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 4 - باب جلود الميتة. (مسكها) المسك- بفتح الميم-: الجلد. (شنْا) الشَّنّ والشنة: القِرْبَةُ الباليةُ.

404 - * روى أبو داود عن سلمة بن المحَبق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في غزوة تبوك على أهل بيتٍ، فإذا قربةٌ معلقةٌ، فسأل "الماء؟ " فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتةٌ، فقال: "دباغُها طهورُها". أقول: لا خلاف بين الفقهاء أن مأكول اللحم إذا ذبح فجلده طاهر، أما جلد ميتته: فالمشهور عند المالكية والحنابلة أنه نجس دبغ أم لم يدبغ، فهو محرم لا يصح استعماله، وقال الحنفية والشافعية: تطهر الجلود النجسة بالموت وغيره بالدباغ، والحنفية يعتبرون التشميس والتتريب واستعمال المواد التي تساعد على تنشيف فضلات الجلد وتطييبه، كل ذلك دباغاً. ويشترط الشافعية استعمال المواد المعتادة في الدباغ كالقرظ وقشور الرمان وغير ذلك شرطاً للطهارة وصحة الانتفاع. 405 - * استدل المالكية والحنابلة بما روى أحمد عن عبد الله بن عُكَيْم، قال: "كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبْلَ وفاته بشهر: "أنْ لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عصبٍ". قالوا فهو ناسخ لما قبله من الأحاديث وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً أيما إهاب دبغ فقد طهر فمحمول على الطهارة اللغوية لا الشرعية فلا تجوز الصلاة به. قبله من الأحاديث وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً إيما إهاب دبغ فقد طهر فمحمول على الطهارة اللغوية لا الشرعية فلا تجوز الصلاة به.

_ 404 - أبو داود (4/ 66) كتاب اللباس - باب في أهُبِ الميتة وهو حديث حسن. 405 - أحمد (4/ 310). أبو داود (4/ 67) كتاب اللباس، باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة. الترمذي (4/ 222) 25 - كتاب اللباس، 7 - باب ما جاء في جلود الميتة إذا دُبغت. النسائي (7/ 175) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 5 - ما يدبغ به جلود الميتة. ابن ماجه (2/ 1194) 32 - كتاب اللباس، 27 - باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب. قال النووي في "الخلاصة" وحديث ابن عكيم أُعِلَّ بأمور ثلاثة: أحدها: الاضطراب في سنده، والثاني: الاضطراب في متنه فروي قبل موته بثلاثة أيام، وروي بشهرين، وروي بأربعين يوماً، والثالث: الاختلاف في صحبته، قال البيهقي وغيره: لا صحبة له فهو مرسل. وقال الحازمي في كتابه "الناسخ والمنسوخ"، وحكى الخلال في كتابه: أن أحمد توقف في حديث ابن عكيم، لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقيل: إنه رجع عنه، قال: وطريق الإنصاف أن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في =

حكم جلود السباع

ورد الآخرون أن هذا الحديث فيه اختلاف واضطراب لا يقاوم الطرق الصحيحة التي أثبتت طهارة الجلد بالدباغ ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ وحينئذ يسمى إهاباً وبعد الدباغ يسمى جلداً. (انظر نيل الأوطار 1/ 73 فما بعدها) و (بداية المجتهد 1/ 78) و (المغني 1/ 66 وما بعدها). حكم جلود السباع: 406 - * روى أبو داود عن أسامة الهذلي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جُلودِ السِّباع. أقول: قال الحنفية: إذا ذبح السبع كان جلده طاهراً في كل الأحوال، ما عدا جلد الخنزير، أما إذا مات فجلده يطهر بالدباغ إلا أننا منهيون عن استعمال بعض جلود السباع لمعان أخرى، وقال المالكية والحنابلة: إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه يكون جلده نجساً دبغ أو لم يدبغ فمن باب أولى إذا مات موتاً. حكم اللعاب والبزاق: 407 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم حامِلَ الحُسينِ بن علي على عاتقه ولعابه يسيلُ عليه. أقول: وهذا يدل على أن سؤر الإنسان ولعابه طاهر.

_ = النسخ ولكنه كثير الاضطراب. ا. هـ نصب الراية لأحاديث الهداية ص 120، وقال الأرناؤوط ف شرح السنة: رواه أًحاب السنن وهو ضعيف لاضطرابه، كما ذكر غير واحد. 406 - أبو داود (4/ 69) كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع. والترمذي (4/ 241) 25 - كتاب اللباس، 32 - باب ما جاء في النهي عن جلود السباع. النسائي (7/ 176) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 7 - باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع. الحاكم (1/ 36) ووافقه الذهبي. 407 - ابن ماجه (1/ 216) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 135 - باب اللعاب يصيب الثوب. وإسناده صحيح.

408 - * روى أبو داود عن أبي نضرة رضي الله عنه قال: "بزَق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه، وحَكَّ بعضه ببعضٍ، وعن أنس مثله". بول ما يؤكل لحمه: 409 - * روى الطبراني عن ابن سيرين قال نحر ابن مسعود جزوراً فتلطَّخَ بدمها وفرْثها وأقيمت الصلاةُ فصلى ولم يتوضأ. أقول: قال المالكية والحنابلة: بول ما يؤكل لحمه من الحيوان وروثه طاهر، وقال الشافعية والحنفية: البول والقيء والروث من الحيوان والإنسان مطلقاً نجس، ولكن الحنفية اعتبروا أن بول ما يؤكل لحمه نجساً نجاسة مخففة وكذلك روثه عند أبي يوسف ومحمد، وإذا كانت نجاسته مخففة فإنه يعفى عن مقدار ربع أدنى ثوب تجوز به الصلاة وعلى هذا يحمل تصرف ابن مسعود، أما ما أصابه من دم فهو دم ما بعد الذكاة.

_ 408 - أبو داود (1/ 106) كتاب الطهارة، 143 - باب البصاق يصيب الثوب، وهو حديث صحيح. 409 - الطبراني المعجم الكبير (9/ 284). مجمع الزوائد (2/ 57، 58) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قال الحنفية: الشيء الصقيل الذي لا مسام له كالسيف والمرآة والزجاج والآنية المدهونة والظفر والعظم والزبدية الصينية، وصفائح الفضة غير المنقوشة، تطهر بالمسح الذي يزول به أثر النجاسة. - قال الحنفية: الأرض وكل ما كان ثابتاً بها لاصقاً فيها كأنه جزء منها، بحيث لا يمكن نقله كالشجر والكلأ والبلاط تطهر بالجفاف سواء بالشمس أو الهواء أو بغير ذلك على شرط زوال أثر النجاسة، ومن نعلم حكم السجاد المسمى الآن بالموكيت إذا لصق في الأرض وحكم الورق الذي يلصق على الجدران فهذان ماداما ملصقين يكفي في طهارتهما الجفاف وزوال أثر النجاسة وإذا أزيل أثر النجاسة بأي شيء وترك حتى جف فقد أصبح طاهراً. - قال الحنفية- يطهر القطن وأمثاله بالندف وذهاب أثر النجاسة منه إذا كانت النجاسة قليلة. - قال الشافعية: لو طبخ لحم في نجس أو تشربت حنطة النجاسة يطهران بصب الماء عليهما. - يستعمل بعضهم لسهولة نتف الريش عن الطيور المذبوحة أن يلقوها بماء يغلي ثم يخرجونها منه وينتفون الريش بعد ذلك فعلى مذهبي الشافعية والحنفية إذا صب عليها الماء تطهر وعند الحنفية إذا صب عليها الماء تطهر وعند الحنفية تغسل ثلاثاً، هذا قبل الطبخ عند الحنفية. - قال الحنفية: إذا استحالت العين النجسة بنفسها أو بواسطة أصبحت طاهرة كالخمر إذا تخللت بنفسها أو بالواسطة، والميتة إذا صارت ملحاً، والروث إذا أحرق فصار رماداً والدهن المتنجس بجعله صابوناً، والنجاسة إذا دفنت في الأرض وذهب أثرها بمرور الزمان وكما تطهر الخمر إذا تخللت فإن وعاءها يطهر لطهارتها. - قال الحنفية: الذبح الشرعي بشروطه يطهر كل الحيوان المأكول اللحم ويطهر جلد الحيوان غير المأكول اللحم إلا الآدمي لكرامته والخنزير لنجاسة عينه. مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: دباغ الأديم ذكاته، فألحق الذكاة بالدباغ وبما أن الجلد يطهر بالدباغ فيطهر بالذكاة

لأن الذكاة كالدباغ، في إزالة الدماء السائلة والرطوبات النجسة فتفيد الذكاة الطهارة كالدبغ، والحديث الذي استدل به الحنفية أخرجه النسائي بلفظ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة فقال: "دباغها ذكاتها" وللدارقطني "طهور كل أديم دباغه" وقال الدارقطني رجال إسناده كلهم ثقات، (الفقه الإسلامي 1/ 104). - قال الحنفية: حفر الأرض وفلاحتها إذا زال أثر النجاسة يطهرها وقالوا: إذا أصيب ثوب الإنسان أو بدنه أو مكان ما بنجاسة ونسي المحل، فأي جزء يغسل يكفي للحكم بالطهارة. - قال المالكية: إذا شك الإنسان في نجاسة ثوب أو حصير أو ما أشبه ذلك يكفي النضح أو ما يشبهه للحكم بالطهارة، والنضح هو رشٌ باليد أو الفم ومثله نزول المطر. - قال الحنفية: من مشى برجل مبلولة على حصير أو سجادة أو ما أشبه ذلك وهي نجسة جافة فلا تنجس رجله وقال المالكية: من مشى برجل مبلولة على نجاسة يابسة يطهره ما بعده، وقالوا: يعفى عن طين المطر ما لم تكن النجاسة غالبة أو عينها قائمة وقالوا يكفي النضح من بول صبي لم يطعم غير الحليب، أو قيئه، قبل مضي حولين عليه. - قال الحنابلة: إذا خَفِيَ موضع النجاسة في مكان كبير، كصحراء واسعة ودار واسعة فلا حكم لها، والمحل كله طاهر. - قال الحنفية: لا ينجس شيء بموت حيوان لا دم له سائل كذبان وصرصور وخنفساء وزنبور وبق وبعوض وعقرب، ولا بموت حيوان مائي كسمك وضفدع وتمساح وسرطان وكلب ماء وخنزيره فإن هذه الأخيرة وإن كان لها دم، لكن ليس لدمها عند الحنفية حكم الدم العادي. - قال العلماء: وجميع النباتات طاهرة ولو كان يحرم استعمالها بسبب أنها سامة أو مخدرة. - قال الحنفية: كل شيء من أجزاء الحيوان والإنسان غير الخنزير، لا يسري فيه الدم سواء كان حياً أو ميتاً، مأكولاً أو غير مأكول، فهو طاهر، كالشعر والريش المجذوذ (أي

المقطوع) والمنقار والظلف والعصب والقرن والحافر والعظم إذا زال دسمه أو طهر مكان الدم منه، ومن ذلك ناب الفيل، أما أصول الشعر المنتوف فنجسة، وأما دمع الحي وعرقه ولعابه ومخاطه فمثل سؤره على اختلاف المذاهب في ذلك مع ملاحظة أن كل حي ولو كلباً أو خنزيراً طاهراً عند المالكية، وعلى هذا فدمعه وعرقه ولعابه ومخاطه طاهر عندهم. - قال الإمام أبو حنيفة: البيضة إذا خرجت من طير طاهرة إلا إذا كان عليها نجاسة ينبغي تطهيرها. - قال الحنفية: لو لف ثوب جاف طاهر في ثوب نجس رطب لا ينعصر الرطب لو عصر لا ينجس كما لا ينجس ثوب رطب نشر على حبل جاف نجس أو على أرض نجسة يابسة ولو تندت الأرض ولم يظهر أثر النجاسة فيه. - قال المالكية البيض الممروق وهو ما اختلط بياضه بصفاره من غير نتونة طاهر، أما البيض المذِرُ وهو ما تغير بعفونة أو زرقة أو صار دماً فنجس، فإذا كسرت بيضة وألقيت على أخواتها وكانت كذلك وأمكن عزلها، فإن ما بقي طاهر. - قال المالكية: فضلات الحيوان المباح أكله من روث وبعر وبول وخرء دجاج وحمام بل وجميع الطيور طاهرة ما لم تستعمل النجاسة أكلاً أو شرباً ففضلتها عندئذ نجسة وخرء الفأر عندهم طاهر كذلك إن لم تصل للنجاسة ولو شكاً، شأنها شأن الدجاج. - قال الشافعية: رطوبة الفرج وهي الماء الأبيض المتردد بين المذي والعرق من الإنسان أو الحيوان ولو غير مأكول طاهر. - من المتفق عليه بين الفقهاء أن ما قطع من الحي في حال حياته كإلية أو سنام جمل أو غير ذلك فحكمه حكم الميتة. - قال الحنفية: يعفي عما دون مقدار درهم وزناً (في الكيف 3.17 غم) أو أقل من قدر مقعر الكف مساحة من النجاسة المغلظة من أجل الصلاة، أما النجاسة المخففة كبول ما يؤكل لحمه فيعفى عن مقدار ربع أدنى ثوب تجوز به الصلاة، وقد أفتى بعض الحنفية بأن نجاسة الكحول نجاسة مخففة، والنجاسات المخففة عند الحنفية، ما تثبت بدليل غير قطعي كبول

ما يؤكل لحمه وخرء طير لا يؤكل، والنجاسات المغلظة عندهم: ما ثبتت بدليل مقطوع به كالدم المسفوح والغائط والبول من غير مأكول اللحم، والخمر وخرء طير لا يزرق في الهواء كدجاج وبط وأوز، ولحم الميتة وإهابها ونجو الكلب ورجيع السباع ولعابها والقيء ملء الفم وكل ما ينقض الوضوء إذا خرج من الإناث كالعذرة والمني والمذي والدم السائل ونجاسة البعر والروث والخثي مغلظة عند أبي حنيفة مخففة عند الصاحبين لعموم البلوى. - قال الحنفية: يعفى عن رشاش بول كرؤوس الإبر في الثوب والبدن، إلا إذا كثر بحيث لو جمع لزاد عن القدر المعفو عنه، ما يعفى عن مثل ذلك في الدم الذي يصيب الجزار وعن أثر الذباب الذي يقع على نجاسة، ويعفى عما يصيب غاسل الميت من غسالته، ويعفى عن بخار النجس وغباره ورماده. - قال المالكية: وسلسل الأحداث عند المعذور وهو عندهم ما خرج بنفسه من غير اختيار كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه إذا حكم لصاحبه بأنه صاحب عذر ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة، وكذلك بلل الباسور إذا أصاب البدن أو الثوب كل يوم ولو مرة، أما اليد أو الخرقة فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر الرد بها إي إرجاع الباسور بأن يزيد على المرتين كل يوم. وقال المالكية: يطهر موضع الحجامة أو العملية الجراحية إذا مسح بخرقة ونحوها إلى أن يبرأ المحل، كما يعفى عما يسيل من الدمامل بنفسه أو بعصره إذا كان عصره لحاجة أما إذا عصر لغير حاجة فلا يعفى إلا عن قدر الدرهم دون ما زاد عليه. - قال الشافعية: يعفى عن القليل والكثير من دم البثرات والبقابيق والدماميل والقروح والقيح والصديد وموضع الحجامة والفصد وسلسل البول، لكن إذا عصر البثرة أو الدمل فلا يعفى إلا عن قليله فقط. كما يعفى عندهم عن قليل دم الأجنبي ويعفى عندهم عن دم الإنسان ما لم يختلط بدم أجنبي أو يختلط بدم نفسه من موضع آخر، وثياب الخمارين والأطفال والجزارين والكفار طاهرة إذا لم يظهر عليها أثر النجاسة، وكذلك ماء الميزاب الذي لا يقطع بنجاسته ويعفى عندهم عن ميتة دود الفاكهة والخل والجبن والمتخلفة فيها ما لم تخرج منه ثم تطرح فيه بعد موتها وما لم تغيّره، وعن الأنفحة المستعملة للجبن

والكحول المستخدم في الأدوية والعطور، ويعفى عندهم عن روث المحلوبة ونجاسة ثديها إذا وقع في اللبن حال حلبه، وعن نجاسة فم الصبي عند إرضاعه أو تقبيله وعن روث البهائم المختلط بالطين الذي يصيب عسل خلايا النحل. - قال الحنفية: طهارة النجاسة غير المرئية بغسلها ثلاثاً مع العصر أو بوضعها بماء جار أو ماله حكم الماء الجاري كأن وضعت في إناء وصب عليها الماء حتى فاض عن الإناء، أما النجاسة المرئية فطهارتها زوال عينها ويعفى عما يبقى من أثرها إذا شقَّت إزالته، بحيث يحتاج إلى غير الماء القراح كصابون مثلاً. ويطهر الثوب المصبوغ بمتنجس إذا صار الماء صافياً مع بقاء اللون ويطهر الحليب والعسل والدبس إذا أصابته نجاسة بإضافة ماء عليه وغليه على النار ثلاثاً حتى يعود كما كان، ويطهر عند بعض الفقهاء لحم طُبخ بنجس بصبِّ الماء عليه وغليه وتبريده. - إذا ولغ الكلب في إناء فالمالكية يعتبرونه طاهراً وغسله عبادة والحنفية يطهر عندهم هو وسؤر الخنزير بالغسل ثلاثاً وما زاد فمندوب، وعند الشافعية والحنابلة يغسل من ولوغ الكلب والخنزير سبع مرات إحداهن بالتراب ويتعين عند الشافعية التراب بالغسلة الأولى، ويقوم عند الحنابلة الأشنان والصابون والنخالة وأمثال ذلك مقام التواب ولو مع وجوده. - قال الحنفية إذا أصابت النجاسة شيئاً مما لا يعصر: كالحصير والسجاد والخشب فينقع في الماء ثلاث مرات ويجفف في كل مرة فيطهر والأسهل في هذا الشأن مذهب الشافعية كما عرضناه بأن يُمِرَّ الماء على النجاسة بعد إزالة جرمها. - قال الحنفية: لو وقعت ثياب المصلي كالعباءة على أرض نجسة عند السجود لا يضر ذلك. - قال المالكية: من صلى حاملاً نجاسة غير معفو عنها ولا يعلمها ثم عرفها بعد الصلاة، جازت صلاته وليس عليه إعادة وكذلك حكم النسيان عندهم وقالوا: إن لم يجد المصلي غير ثوب عليه نجاسة فإنه يصلي بذلك الثوب، وليس عليه إعادة، ولا يصلي عارياً. - من حمل بيضة استحال باطنها دماً جازت صلاته عند الحنفية بخلاف ما إذا كان

حاملاً قارورة فيها بول أو دم فلا تصح صلاته. - قال الحنفية: لو حمل المصلي صبياً صغيراً في الصلاة عليه نجس، تبطل صلاته إن كان الصبي لا يستمسك بنفسه، أما إذا كان يستمسك بنفسه فلا يُعدُّ حاملاً للنجاسة وتصح صلاته. - قال الشافعية: لو وصل عظمه المنكسر بنجس لفقد الطاهر فهو معذور تصح صلاته معه، ومنه يعرف حكم ما إذا نقل شيء من الإنسان في عملية من مكان إلى مكان آخر، أو نقل إليه شيء من جسم غيره، فهو معفو عنه، مع أن القاعدة التي مرت معنا أن ما أبين من الحي كميتته. - اتفق الفقهاء على أنه إن فرش على المحل النجس شيئاً ساتراً للعورة (أي غير رقيق) جازت صلاته، وقال الحنفية تجوز الصلاة على شيء سميك وجهه الأعلى طاهر والأسفل نجس ولا تصح على ثوب طاهر بطانته نجسة إذا كان مخيطاً بها. - قال الشافعية: إذا حبس في موضع نجس صلى بقدر ما يستطيع إيماءاً أو انحناءاً ولا يسجد على النجاسة في هذه الحالة ويستحب له على المذهب القديم أن يعيدها. - من النجاسات المتفق عليها: لحم الخنزير وجميع أجزائه ودم الآدمي غير الشهيد ودم الحيوان غير المائي الذي انفصل منه إذا كان مسفوحاً. والدم المسفوح نجس ولو كان من سمك وذباب عند المالكية والشافعية وبول الآدمي وقيؤه وغائطه إلا بول الصبي الرضيع فيكتفي برشه عند الشافعية والحنابلة مع أن نجس، وبول الحيوان غير المأكول اللحم وغائطه وقيؤه إلا خرء الطيور وبول الفأر عند الحنفية فيعفى عنهما في الثياب والطعام دون ماء الأواني والخمر نجسة والقيح والمذي والودي كذلك. ولحم ميتة الحيوان غير المائي الذي له دم سائل مأكول أو غير مأكول ولحوم الحيوان غير المأكول وألبانه وما انفصل أو قطع من حي في حال حياته إلا الشعر وما في معناه.

من النجاسات المختلف فيها

من النجاسات المختلف فيها: الكلب فقال الحنفية: إنه ليس بنجس العين، وفم الكلب أو لعابه هو النجس، وقال المالكية إنه طاهر وقال الشافعية والحنابلة: نجس العين. وميتة ما لا دم له سائل، اعتبره الشافعية نجساً، وأجزاء الميتة الصلبة التي لا دم فيها كالقرن والعظم والسن والحافر والخف والظلف نجسة عند غير الحنفية. والفقهاء عدا الشافعية يقولون بطهارة شعر الميتة وصوفها وريشها وجلد الميتة نجس دبغ أو لم يدبغ عند المالكية والحنابلة. أما الحنفية والشافعية فيقولون: تطهر الجلود النجسة بسبب الموت وغيره بالدباغ على اختلاف في وسائل الدباغ. وبول الحيوان المأكول اللحم وفضلاته ورجيعه اعتبره الحنفية والشافعية نجساً إلا أن الحنفية اعتبروا بول ما يؤكل لحمه نجساً نجاسة مخففة إلا روث الخيل وخثي البقر فنجس نجاسة مغلظة عند أبي حنيفة مخففة عند الصاحبين، واعتبره المالكية والحنابلة طاهراً واستثنى المالكية التي تأكل النجاسة أو تشربها. والمني عند الحنفية والمالكية نجس يجب غسل أثره وقال الحنفية إن كان رطباً فيغسل وإن جف أجزأ فيه الفرك. والمذهب الشافعي على طهارة دم البثرات ودم البراغيث وونيم الذباب وماء القروح والنفاطات وموضع الفصد والحجامة، وقال الجمهور غير الحنفية بطهارة الميت الآدمي. انظر: (الدر المختار 1/ 205 فما بعدها)، (اللباب 1/ 24 - 30 و 49 - 54)، (المغني 1/ 52 فما بعدها)، بداية المجتهد 1/ 76 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 64 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 92 - 113 و 1/ 140 فما بعدها). * * *

الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء والاستبراء عرض إجمالي

الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء والاستبراء عرض إجمالي القبل والدبر هما المخرجان العاديان لفضلات الإنسان، ويخرج من الدبر الغائط وهو نجس بإجماع، ويخرج من القبل البول وكذلك هو نجس بإجماع، ويخرج من قبل الرجل مذي وهو سائل رقيق يخرج أثناء الشهوة كما يخرج منه ودى وهو سائل أبيض غليظ يخرج عقب البول أحياناً يشبه المني وليس بمني، وهذه كلها تسبب الحدث الأصغر، وتفترض الطهارة منها لصحة الصلاة ويخرج من قُبُل الإنسان المني وهو سائل أبيض يخرج بدفق وبشهوة في الأحوال العادية من الرجل، ويخرج من المرأة مني ودم حيض ودم نفاس، وهذه الثلاثة عند المرأة والمني عند الرجل تسبب الحدث الأكبر وتفترض الطهارة منها لصحة الصلاة، ويخرج من المرأة عادة طهر وهو سائل أبيض يميل إلى الصفرة إذا كثر وله أحكامه كذلك في الطهارة لصحة الصلاة، وفي موضوع قضاء الحاجة التي يتلبس الإنسان بها كثيراً، تتوضع فرائض وسنن وآداب ومكروهات ومحرمات، وعلى المسلم أن يكون فقيهاً في ذلك له، ونحن في هذه الفقرة سنعرض لكثير من المسائل الفقهية بمناسبة عرضنا للنصوص المتعلقة بهذا الموضوع. ونتعرض في هذه المقدمة لبعض الاصطلاحات والتعريفات، فإن قارئ كتب الفقه تمر عليه اصطلاحات الاستنجاء والاستجمار والاستبراء والاستنزاه والاستنقاء، وهذه تعريفات وإيضاحات حولها: فالاستنجاء: إزالة نجس عن قبل أو دبر باستعمال الأحجار وما ينوب منابها كالورق أو استعمال الماء، والأصل أن الحجارة وحدها وما ينوب منابها يكفي، والماء وحده يكفي والجمع بينهما أفضل وبذلك يجتمع للإنسان طهارة ونظافة وصحة. والاستجمار: الاستنجاء بالحجارة. والاستبراء: طلب التيقن من زوال أثر الخارج من القبل أو الدبر. والاستنزاه: طلب براءة المخرج عن أثر الرشح من البول.

والاستنقاء: طلب نقاوة المحل الخارج من النجس. والأصل أنه لا يجوز الشروع في الوضوء حتى يطمئن المرء من زوال أثر رشح البول. قال جمهور الفقهاء: يجب الاستنجاء من كل خارج معتاد من السبيلين: كالبول أو المذي أو الغائط كما تجب الطهارة لكل مكان ومحل من ثوب أو بدن. وقال الحنفية: إذا لم تتجاوز النجاسة المخرج، فالاستنجاء سنة مؤكدة للرجال والنساء، فإذا تجاوزت النجاسة المخرج وكان المتجاوز قدر الدرهم، فعندئذ تجب إزالته بالماء، وإن زاد المتجاوز على قدر الدرهم، افترض الغسل بالماء أو بمائع له حكم الماء في قلع النجاسة، وقال الجمهور يجب الاستنجاء من كل خارج معتاد من السبيلين. (الدر المختار 1/ 230) و (الفقه الإسلامي 1/ 192 - 193). قضاء الحاجة من بول أو غائط يضطر إليه الإنسان كثيراً، والأدب والفقه في شأنه مؤشر كبير على أشياء كثيرة، وهذه الأشياء وإن ألِفَ الناس أن يخجلوا من الحديث عنها في الأحوال العادية فإن الحديث عنها في مقام التعليم لابد منه: هناك آداب ينبغي أن تراعى في محل قضاء الحاجة. وهناك أحكام يجب أن يراعيها قاضي الحاجة. ونحب أن نلفت النظر ههنا بإجمال إلى بعض الأمور: فالأصل إذا كان الإنسان في بيته أن يراعي في المحل نظافته وأن يوجد في المحل ما يلزم للطهارة وللنظافة، وأن يكون المحل بالشكل الذي يساعد على الطهارة والنظافة وذهاب الرائحة وأن يتوافر الماء والورق وأن يكون هناك محل لتصريف الماء وملح لجمع الورق. وهناك أشياء تلاحظ من أجل الآخرين تقتضيها الذوقيات الإسلامية: البعد، تجنب قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة أو التي يجلس تحتها الناس للظل، وتجنب قضاء الحاجة في طريق الناس، وتجنب كشف العورة أمامهم، عدم التبول في الماء الراكد أو الجاري، عدم الحديث أثناء قضاء الحاجة، ترك السلام على قاضي الحاجة وعدم

التنزه من البول

رده إن سُلِّم عليه. التنزه من البول: 410 - * روى الشيخان عن ابن عباس: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين يُعذبان، فقال: "إنهما ليُعذبان، وما يُعذبان في كبير، أما أحدهما، فكان لا يستترُ من البول، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة"، ثم أخذ جريدة رطبةً، فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبرٍ واحدة فقالوا: يا رسول الله صلى لِمَ صنعتَ هذا؟ فقال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا". وفي رواية (1) (لا يستبرئ) (2) وفي أخرى (لا يستنزهُ) بدل (لا يستتر) وعلى رواية الأكثر (لا يستتر) معناه لا يجعل بينه وبين بوله سترة أي لا يتحفظ، فتوافق رواية لا يستنزه، وفي رواية (لا يتوقى) انظر شرح (السنة 1/ 370). قال في شرح السنة (1/ 371): قوله: "وما يُعذبان في كبيرة" معناه: أنهما لم يُعذبا في أمر كان يكبرُ ويشقُّ عليهما الاحترازُ عنه، لأنه لم يكن يشقُّ عليهما الاستتارُ عند البول، وترك النميمة، ولم يُرِدْ أن الأمر فيهما هينٌ غيرُ كبير في أمر الدين، بدليل قوله: "وإنه لكبير". قال شعيب: وقد رجح هذا التفسير ابن دقيق العيد وجماعة، وقيل: المعنى: ليس بكبير في الصورة، لأن تعاطي ذلك يدل على الدناءة والحقارة، وإن كان كبيراً في الجملة، وقيل: ليس بكبير في اعتقادهما، أو في اعتقاد المخاطبين، وهو عند الله كبير، كقوله تعالى: (ہ ھ ھ ھ ھ ے). قال البغوي: وقوله: "لعله يُخففُ عنهما ما لم ييبسا".

_ 410 - البخاري (3/ 242) 23 - كتبا الجنائز، 88 - باب عذاب القبر من الغيبة والبول. مسلم (1/ 240) 2 - كتاب الطهارة، 34 - باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستراء منه. (1) النسائي (4/ 106) 21 - كتاب الجنائز، 116 - وضع الجيدة على القبر. (2) مسلم (1/ 241) 2 - كتاب الطهارة، 34 - باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.

قال أبو سليمان الخطابي: فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، فكأنه صلى الله عليه وسلم عجل مُدة بقاء النداوة فيهما حداً لما وقعت له المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطبِ معنى ليس في اليابس. ا. هـ. أقول: وعند بعضهم مزيد عبارة يرحم بسببها من يجاوره. 411 - * روى أحمد عن أبي بكرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بيني وبين رجل آخر إذ أتى على قبرين فقال: "إن صاحب هذين القبرين يعذبان فأتياني بجريدة" قال أبو بكر فاستبقتُ أنا وصاحبي فأتيته بجريدة فشقها نصفين فوضع في هذا القبر واحدة وفي ذا القبر واحدة قال: "لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين إنهما يُعذبان بغير كبير: الغيبة والبول". وقال أحمد "وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والنميمة والبول". أقول: إن الاهتمام بإنقاء البول من محال الاهتمام الكبرى عند المسلمين، ولذلك يستبرئون ويستنقون، ومن المستحبات أن يبول الإنسان قعداً لئلا يصيبه رشاش البول ويكره له البول قائماً إلا لعذر، ومن المستحبات ألا يبول في مهبِّ الريح لئلا تعود النجاسة إليه، وكما يحتاط لبدنه يحتاط لثيابه. 412 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن حسنةَ قال: (انطلقُت أن وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج ومعه درقَةٌ، ثم استتر بها، ثم بال، فقلنا: انظُروا إليه يبُول كما تَبُول المرأة، فسمع ذلك، فقال، "ألم تعلموا ما لقي صاحبُ بني إسرائيل (1)؟

_ 411 - أحمد (5/ 35، 36). ابن ماجه (1/ 125) 1 - كتاب الطهارة، 26 - باب التشديد في البول. مجمع الزوائد (1/ 207) كتاب الطهارة، باب الاستنزاه من البول. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون إلا شيخ الطبراني محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي المصري فإني لم أعرفه. 412 - النسائي (1/ 27، 28) كتاب الطهارة، 26 - البول إلى السترة. أبو داود (1/ 6) كتاب الطهارة، باب الاستبراء من البول. (الدرقةُ): الجحفة وأراد بها الترس من جلود، ليس فيه خشب والجحفةُ: التُّرْسُ. (صاحب بني إسرائيل): رجل منهم.

كانوا إذا أصابهم البولُ قطعوا ما أصابه البول منهم، فنهاهم، فعُذب في قبره". 413 - * روى أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشْرٌ من الفطرة: قَصُّ الشارب، وإعفاء اللحية، والسواكُ، والاستنشاقُ، وقصُّ الأظفار، وغسلُ البراجم، ونتفُ الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء" قال مصعب: نسيتُ العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. قال البغوي: قوله: "من الفطرة" فسر أكثر أهل العلم "الفطرة" في هذا الحديث أنها السُّنة، وتأويله: أن هذه الخصال من سُنن الأنبياء صلوات الله عليهم الذين أُمرنا أن نقتدي بهم، وأولُ من أمر بها إبراهيم صلى الله عليه وسلم فذلك قوله: (? ہ ہ ہ ہ ھ) (1). وكُره قصُّ اللحية ا. هـ، وقد ذكر ابن الرفعة بأن الشافعي رضي الله عنه نص على التحريم (شعيب) وغسلُ البراجم: معناه: معالجةُ المواضع التي تتسخُ فيجتمعُ فيها الوسخ بالغسل والتنظيف، وأصل البراجِم: العُقَد التي تكون في ظهور الأصابع: وانتقاص الماء: هو الاستنجاء بالماء، وقيل: معناه: انتقصا البول بالماء، وهو أن يغسل ذكره، فإنه إذا غسل الذكر ارتد البول، ولم ينزل، فإن لم يغسل، نزل منه شيءٌ، وقيل: هو الانتضاح. أماكن قضاء الحاجة والأماكن المنهي عنها: أقول: حكمة الابتعاد عن الناس لقضاء الحاجة واضحة، وهي ألا يسمع الناس من قاضي الحاجة صوتاً أو يتأذوا برائحة أو يروا عورة، وهذه القضايا يحتاط لها الإنسان إذا كان منه أحد قريباً بالقدر المستطاع، وينبغي أن يلاحظ مهندسو البناء أن يضعوا الحمامات

_ = (قطعوا ما أصابه البول منهم) أي من الثياب. (فعذب في قبره) أي الذي نهاهم. 413 - أحمد (6/ 136). مسلم (1/ 223) 2 - كتاب الطهارة، 16 - باب خصال الفطرة. الترمذي (5/ 91، 92) 44 - كتاب الأدب، 14 - باب ما جاء في تقليم الأظفار. (1) البقرة: 124.

والمراحيض في أمكنة يسهل الوصول إليها ويراعى فيها ما ذكرناه. 414 - * روى الترمذي عن المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال: "كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته، وأبعد في المذْهب". وعند أبي داود (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذْهب أبْعَدَ". وفي رواية النسائي (2) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذْهَب أبعد، قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره، فقال: ائتني بوضوءٍ، فتوضأ ومسح على الخفين". 415 - * روى أبو داود عن اجبر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا أراد البزار انطلق حتى لا يراه أحدٌ". عن ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب لحاجته في المغمس، قال نافع: نحو ميلين من مكة. للموصلي ورجاله ثقات من أهل الصحيح. أقول: قال العلماء: الاستتار وعدم كشف العورة عمن يراه واجب أثناء الاستنجاء وقضاء الحاجة لحرمته والفسق به، ويمسح المخرج من تحت الثياب، وأما الحديث أثناء قضاء الحاجة مع الغير، فإذا كانت العورات مكشوفة لبعضهم بعضاً، فذلك حرام، وإن لم تكن مكشوفة فإنه مكروه، وإذا تعارض كشف العورة مع الاستنجاء يترك الاستنجاء لوقت آخر. 416 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 414 - الترمذي (1/ 32) أبواب الطهارة 16 - باب ما جاء أن النبي كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب. (1) أبو داود (1/ 1) كتاب الطهارة 1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة. (2) النسائي (1/ 18) كتاب الطهارة، 16 - الإبعاد عن إرادة الحاجة. إسناده حسن. (المذهب) المذهب هاهنا: موضع قضاء الحاجة، كالغائط والخلاء. والمرفق، وهو موضع الذهاب. 415 - أبو داود (1/ 1) كتاب الطهارة 1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة. 416 - مسلم (1/ 226) 2 - كتاب الطهارة، 20 - باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال. أبو داود (1/ 7) كتاب الطهارة - باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها.

"اتقوا اللاعنين"، قيل: "وما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم". 417 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل". أقول: قال الفقهاء: ولا يقضي حاجة تحت شجرة مثمرة لئلا تسقط عليه الثمرة، قال الشافعية: وكذا في غير وقت الثمر، وأجازه الحنابلة في غير حال الثمر إذا لم يكن المحل يستظل به الناس ويرتفقون به. 418 - * روى أبو داود عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبال في الجُحْرِ". وفي رواية النسائي (1) قال: "لا يبُولن أحدكم في جُحرٍ". أقول: الكراهة في البول في الجحر أو الشق أو الثقب بسبب ما يحتمل أن يكون فهيا من أحياء، وبعضها قد يخرج بسبب ذلك فيؤذي.

_ 417 - أبو داود (1/ 7) 1 - كتاب الطهارة 14 - باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فها. (اللاعنين والملاعن) الملاعن: جمع معلنة، وهي الفعلةُ التي يُلعنُ فاعلها، كأنها مظنةُ اللعنِ، كما يقال للولد: مبخلةٌ مجبنةٌ، وأما (اللاعنان) فالأمران الجالبان للعنِ، الباعثان للناس عليه، لأن ذلك سبب للعن من فعله في هذه المواضع المسماة في الحديث، فسميت لاعنة لكونها سبباً للعن، وهي المواضع المطروقة، والظلال التي يستظل بها، فاللاعن: اسم فاعل من لعن، واللعان: بناء للمبالغة، والملاعنُ: الأماكن التي تُوجب اللعن، قال الخطابي: وقوله: "والظل" إنما يريد به: المواضع التي يتخذها الناس مقيلاً ومناخاً ينزلونه، وليس كل ظل يحرمُ القعود فيه للحاجة، فإن النبي صلى الله علي وسلم قد قعد تحت حائشٍ من النخل، و"المواردُ": مجاري الماء. (البراز) بفتح الباء:: موضع قضاء الحاجة، وإنه في الأصل: الفضاء الواسع من الأرض، فكنوا به عن حاجة الإنسان، كما كنوا بالخلاء عنه، قال الخطابي: وأكثر الرواة يروونه بكسر الباء، وهو غلط، قال: وفيه من الأدب: استحباب البعد عند قضاء الحاجة. (قارعة الطريق) وسطها وأعلاها والمواضع التي يطُؤها الناس. (ابن الأثير). 418 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة 16 - باب النهي عن البول في الجُحْر. (1) النسائي (1/ 33) كتاب الطهارة 30 - باب كراهية البول في الجحر، وإسناده حسن. (الجُحْر): الثقب، وجمعه جِحَرَةٌ.

419 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مغفلٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لايبولن أحدكم في مستحمه، فإن عامة الوسواس منه". وفي رواية (1) أبي داود زيادة بعد "مستحمِّه": ثم "يغتسل فيه" وفي أخرى (2) "ثم يتوضأ فيه ... " الحديث. وزاد القزويني أنه سمع الطنافسي يقول إنما هذا في الحفيرة، وأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس. وقال ابن المبارك: قد وُسِّعَ في المُغْتَسَلِ إذا جرى فيه الماء. 420 - * روى أبو داود عن أميمة بنت رُقيقة قالت: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدحٌ من عيدان تحت سريره يبولُ فيه من الليل". وعند النسائي (3) "كان للنبي صلى الله عليه وسلم: قدح من عيدانٍ يبُول فيه، ويضعه تحت السرير". أقول: وذلك يدل على جواز أن يفعل الإنسان ذلك في بيته على أن يتخلص منه في أقرب فرصة، ومن كلام الفقهاء: يحرم البول في مسجد ولو في إناء لأن ذلك لا يصح له.

_ 419 - الترمذي (1/ 33) أبواب الطهارة 170 باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل. النسائي (1/ 34) كتاب الطهارة - باب كراهية البول في المستحم. (1) أبو داود (1/ 7) كتاب الطهارة 15 - باب في البول في المستحم. (2) أحمد (5/ 56)، وهو حسن كما قال الحافظ في "التلخيص" وصححه ابن خزيمة وقد ضعفه بعضهم. (الصاروج) النَّورة وأخلاطها، (القير): القار. (مستحمه) المستحمُّ: موضع الاستحمام، وهو الاغتسال، وسمي مستحماً باسم الحميم، وهو الماء الحار الذي يغتسل به، وإنما يُنهى عن ذلك إذا كان المكان صُلباً، أو لم يكن له مسلكٌ يذهب فيه البول ويسيل، فيوهم المغتسل أنه أصابه شيء من قطره ورشاشه، فيحصل منه الوسواس، [والوسواس] ما يحصل في النفس من الأحاديث والأفكار التي تزعجه، ولا تدعه يستقر على حال. 420 - أبو داود (1/ 7) كتاب الطهارة - باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده. (3) النسائي (1/ 31) كتاب الطهارة 28 - باب البول في الإناء.

421 - * روى الطبراني في الأوساط عن بكر بن ماعز قال سمعت عبد الله بن يزيد يحدثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُنقعُ بول في طستٍ في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقعٌ ولا تبولنَّ في مغتسلك". أقول: ولهذا الحديث قلنا إن على الإنسان أن يتخلص من البول في أقرب فرصة ونحب هاهنا أن نشير إلى موضوع مهم جداً وهو أنه إذا تعارضت مصلحة الإنسان المباحة مع أدب الملائكة فللإنسان أن يفعل ماهو مصلحته، كأكله الثوم في بيته دون أن يؤذي أحداً من البشر. 422 - * روى الطبراني عن حذيفة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آذى المسلمين في طُرقهم وجبت عليه لعنتُهم". حكم استقبال القبلة واستدبارها: 423 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يستقبل القِبلةَ ولم يستدبرها في الغائط كُتبتْ له حسنةٌ ومُحي عنه سيئةٌ". 424 - * روى الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتُمُ الغائط فلا تستقبلوا القِبلةَ ولا تستدبرها، ولكن شرقوا أو غربوا"،

_ 421 - مجمع الزوائد (1/ 204) كتاب الطهارة، باب ما نهى عن التخلي فيه وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (النقع): الماء الناقع وهو المجتمع. 422 - الطبراني (3/ 179). مجمع الزوائد (1/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 423 - مجمع الزوائد (1/ 206) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح إلا شيخ الطبراني وشيخ شيخه وهما ثقتان. 424 - البخاري (1/ 498) 8 - كتاب الصلاة، 29 - باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام بالمشرق. مسلم (1/ 224) 2 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة. أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. الترمذي (1/ 13) أبواب الطهارة، 6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو ببول.

قال أبو أيوب: فلما قدِمنا الشام وجدنا مراحيض قد بُنيتْ قِبَلَ القِبلةِ، فنَنْحرِف عنها ونستغفر الله عز وجل". وفي رواية (1) الموطأ: قال رافعُ بن إسحاق - مولى لآل الشفاء، وكان يقال له: مولى أبي طلحة- أنه سمع أبا أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو بمصر يقول: (والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذهب أحدُكم لغائطٍ أو بولٍ، فلا يستقبل القِبلة ولا يستدبرها بفرْجه؟ ". وأخرج النسائي (2) رواية الموطأ. وله في أخرى (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستقبلوا القِبلة، ولا تستدبروها بغائطٍ أو بولٍ ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا". 425 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". وفي رواية أبي داود (4) والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا لكم بمنزلة

_ (1) الموطأ (1/ 153) 14 - كتاب القبلة، 1 - باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته. (2) النسائي (1/ 21) كتاب الطهارة، 19 - النهي عن استقبال القبلة عند لحاجة. (3) النسائي (1/ 22) نفس الموضع. (الغائط): الموضع المنخفض من الأرض، وكان مخصوصاً بمواضع قضاء الحاجة، فسُميت الحاجة باسم مكانها مجازاً. (المراحيض): جمع مِرْحاض، وهو المغتسل ومواضع قضاء الحاجة من الرحْضِ، وهو الغسل. (الكراييس) بياءين معجمتين بنقطتين من تحت كرياس، وهو الكنيف المشرف على سطح بقناةٍ إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرياس. (شرقوا أو غربوا) قوله: شرقوا أو غربوا، أمر لأهل المدينة، ولمن كانت قِبْلَتهُ على ذلك السمت، فأما من كانت قبلته إلى جهة الغرب أو الشرق، فإنه لا يغرِّب ولا يشرِّق ابن الأثير. 425 - مسلم (1/ 224) 2 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة. (4) أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. النسائي (1/ 38) كتاب الطهارة، 36 - باب النهي عن الاستطابة بالروث.

الوالد، أعلْمُكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القِبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه، وكان يأمرُ بثلاثة أحجارٍ، وينهى عن الرَّوْثِ والرِّمَّة". 426 - * روى أبو داود عن مروان الأصفر قال: "رأيتُ ابن عمر أناخ راحلتهُ مستقبلَ القِبْلَة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نُهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القِبْلة شيء يسْتُرُك فلا بأس". 427 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببولٍ، فرأيته قبل أن يُقْبَضَ بعامٍ يستقبلها". 428 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "ارْتَقَيْتُ فوق بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجتهُ مستقبل الشام، مستدبر القِبْلَةِ". وفي رواية (1) للبخاري ومسلم: "أن ابن عمر كان يقول: "إن ناساً يقولون: إذا

_ (1) (يستطبْ) الاستطابةُ: الاستنجاء، لأن الرجل يُطيب نفسه بالاستنجاء من الخبث، والاستنجاء: إزالة أثر النجوة - وهو الغائط - عن بدنه، وأصله في اللغة: الذهاب إلى النجوة من الأرض لقضاء الحاجة، وهو الموضع المرتفع من الأرض، وكانوا يستترون به إذا قعدوا لقضاء الحاجة، فكنوا بها عن الحدث، كما كنوْا عنه بالغائط، وهو المطمئن من الأرض، وبالبراز، وهو الفسيح من الأرض. (الرمة) الرمة: العظم البالي، و (الروثُ) الغائط. قال الخطابي: واستثناؤه الروث والرمة مخصصا: يدل على أن أعيان الحجارة غير مخصصة بالاستنجاء دون غيرها، لأن تخصيص الروث والرمة بالاستثناء يدل على دخول ما عداهما في حكم الحجارة، وإنما ذكر الحجارة، لأنها كانت أكثر الأشياء وجوداً مما يستنجي به. (الروث) في الأصل: رجيع ذوات الحافر. 426 - أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وهو حديث حسن. 427 - أبو داود (1/ 4) نفس الموضع السابق. الترمذي (1/! 5) أبوبا الطهارة، 7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك. وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 104) في الاحتجاج به نظر، لأنها حكاية فعل لا عموم لا، فيحتمل أن يكون لعذر، ويحتمل أن يكون من نسيان ونحوه. 428 - البخاري (1/ 250) 4 - كتاب الوضوء، 14 - باب التبرز في البيوت. مسلم (1/ 225) 2 - كتب الطهارة، 17 - باب الاستطابة. الترمذي (1/ 16) أبواب الطهارة، 7 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك. (1) البخاري (1/ 247) 4 - كتاب الوضوء، 12 - باب من تبرز على لبنتين.

قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت يوماً على ظهر بيتٍ لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين، مستقبل بيت المقدس لحاجته، وقال: لعلك من الذين يُصلُّون على أوراكهم؟ فقلت: لا أدري والله"، قال مالك: يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض، يسجُد وهو لاصقٌ بالأرض. أقول: يكره تحريماً عند الحنفية: استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة ولو في البنيان، وقال الجمهور غير الحنفية: لا يكره ذلك في المكان المُعَدِّ لقضاء الحاجة، ويحرم استقبالها واستدبارها في البناء غير المعد لقضاء الحاجة وفي الصحراء بدون ساتر مرتفع بقدر ثلثي ذراع تقريباً فأكثر، ولا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، ويكره استقبال عين الشمس والقمر بفرجه، ومما ينبغي أن يراعيه المسلم في بنائه أن لا يجعل المراحيض مستقبلة أو مستدبرة القبلة مراعاة للوارد في ذلك، ولفهم الحنفية في هذا الشأن، فالخروج من الخلاف حيث لا يترتب عليه ضرر أو مكروه عند الآخرين مستحب لدى العلماء. (انظر الدر المختار 1/ 228 والشرح الصغير 1/ 93 والمغني 1/ 162 - 163). حكم البول قائماً: 429 - * روى الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سُباطةِ قومٍ، فبال قائماً، فتنحيتُ، فقال: "ادْنُهْ"، فدنوتُ حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ، ومسح على خفيه". وفي رواية (1) عن أبي وائل قال: "كان أبو موسى يُشددُ في البول ويبول في قارورة،

_ = ومسلم الموضع السابق. 429 - البخاري (1/ 328) 4 - كتاب الوضوء، 60 - باب البول قائماً وقاعداً، 61 - باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط، (5 - 117) 46 - كتاب المظالم، 27 - باب الوقوف والبول عند سباطة القوم. مسلم (1/ 228) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. (1) مسلم، نفس الموضع السابق. (ادْنه) أمرٌ بالدنو، والهاء فيه للسكت. (انتبذت) الانتباذ: الانفراد والاعتزال ناحية. (سباطة) السباطة: الكناسة والزبالة.

ويقول: إن بني إسرائيل كانت إذا أصاب جلدَ أحدهم بولٌ قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: لوددتُ أن صاحبكم لا يُشدد هذا التشديد، فلقد رأيتُني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سُباطة قومس خلف حائطٍ، فقام كما يقوم أحدكم، فبال فانتبذْتُ منه، فأشار إليَّ، فجئتُ، فقمتُ عند عقبه صلى الله عليه وسلم، حتى فرغ". قال الخطابيُّ: سبب بوله قائماً: إما مرض اضطره إليه، كما قد روي "أنه صلى الله عليه وسلم بال قائماً من وجعٍ كان بمأبضْيه" والمأبِض: باطن الركبة، وقيل: للتداوي من وجع الصلب، فإنهم كانوا يتداوون بذلك من وجع أصلابهم، أو أن المكان اضطرَّه إليه، لأنه لم يجدْ للقعود سبيلاً، وفيه أن مُدافعة البول مكروهة، لأنه صلى الله لعيه وسلم (بال قائماً، في السباطة) ولم يؤخرْ ذلك، وأما إدناؤه [حذيفة] إليه مع إبعاده عند الحاجة، فلأن السباطة إنما تكون في أفنية الناس، ولا تخلو من لمار، فأدناه إليه ليستتر به. (ابن الأثير). 430 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم قال: "رأيتُ ابن عمر يبُولُ قائماً". قال الحافظ في الفتح: أقول: إن السنة شبه الدائمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم البول قاعداً، وبذلك استحب العلماء للإنسان أن يبول قاعداً إلا لعذر. 431 - * روى الترمذي عن عائشة قالت: "من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه".

_ 430 - الموطأ (1/ 65) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب ما جاء في البول قائماً وغيره. قال الحافظ في "الفتح": (1/ 285) قد ثبت عن عمر وعليّ وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياماً وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء. 431 - الترمذي (1/ 17) أبواب الطهارة، 8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائماً. النسائي (1/ 26) كتاب الطهارة، 25 - باب البول في البيت جالساً. ابن ماجه (1/ 112) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 14 - باب في البول قاعداً. قال محقق شرح السنة (1/ 387). "وفيه شريك بن عبد الله القاضي، وهو سيء الحفظ، لكن تابعه سفيان عند أحمد 6/ 136، 192 وإسناده صحيح، وروى البزار بسند صحيح من حديث بريدة مرفوعاً "من الجفاء أن بول الرجل قائماً".

الاستتار عند قضاء الحاجة وعدم الكلام

الاستتار عند قضاء الحاجة وعدم الكلام: 432 - * روى مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: "أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إليَّ حديثاً لا أحدثُ به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفٌ أو حائشُ نخلٍ. فقال في رواية (1): يعني: حائط نخل". 433 - * روى أحمد عن أبي سعيد رضي الله عن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقتُ على ذلك". من آداب قضاء الحاجة: 434 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه".

_ 432 - مسلم (1/ 268، 269) 3 - كتاب الحيض، 20 - باب ما يستتر به لقضاء الحاجة. (1) في نفس الموضع. (هدف) الهدف: كل شيء مرتفع، ومنه الهدف المتخذ للرمي. (حائش) الحائش: الحائط من النخل، و"العورة" كل ما يُستحيي منه إذا انكشف من الإنسان، وهي من الرجل: ما بين الركبة والسُّرة، ومن المرأة الحرة: جميع بدنها، إلا الوجه واليدين إلى الرسغين، وفي أخمصها وجهان. (ابن الأثير). 432 - أحمد (3/ 36). أبو داود (1/ 4) كتاب الطهارة، 7 - باب كراهية الكلام عند الحاجة. ابن ماجه (1/ 123) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 24 - باب النهي عن الاجتماع على الخلاء، والحديث عنده. قال محقق شرح السنة: "وفي سنده عياض بن هلال الأنصاري، ويقال: هلال بن عياض هو مجهول تفرد يحيى بن أبي كثير بالرواية عنه أقول: صححه ابن حبان والحاكم وقال الحاكم: عياض بن هلال الأنصاري شيخ من التابعين مشهور. 434 - أبو داود (1/ 5) كتاب الطهارة، 10 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء. قال المنذري: الصواب عندي تصحيحه فإن رواته ثقات أثبات. قال محقق الجامع (وإنما نزع خاتمه لأنه كان مكتوباً عليه محمد رسول الله) وهو عند الحاكم ورواه البيهقي أيضاً، ووهم النووي والمنذري في كلامهما على المهذب، فقالا: هذا من كلام المصنف، لا في الحديث، ولكنه صحيح من طريق أخرى في أن نقش الخاتم كان كذلك، ثم قال: كلامهما مستقيم لأنه ليس في السياق الجزم بالتعليل المذكور، وإن كان فيه حكاية النقش.

الأذكار المأثورة لمن يريد قضاء الحاجة

أقول: يندب لمن يريد قضاء الحاجة ألا يحمل مكتوباً ذُكرَ اسم الله عليه أو فيه اسم مكرم. 435 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر: "أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يردَّ عليه السلام". الأذكار المأثورة لمن يريد قضاء الحاجة: 436 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء" يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". وفي رواية (1): "إذا أراد أن يدخل الخلاء"، وفي أخرى (2) "كان إذا دخل الكنيف". فائدة: (إذا دخل الخلاء): يعني أراد دخول الخلاء مثل (إذا قمتم إلى الصلاة) أي إذا أردتم الصلاة وقصدتم ذلك، والمراد أن الأذكار المأثورة يستحب قولها قبل أن يدخل الإنسان موطن النجاسة أو يكشف عورته، وكذلك أذكار ما بعد قضاء الحاجة، تكون بعد ستر العورة والخروج من محل النجاسة، وإذا عطس حمد الله بقلبه. 437 - * روى أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن

_ 435 - ابن خزيمة (1/ 40) 56 - باب كراهية رد السلام يسلم على البائل، وإسناده صحيح. 436 - البخاري (1/ 242) 4 - كتاب الوضوء، 9 - باب ما يقول عند الخلاء. مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض، 32 - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء. أبو داود (1/ 2) كتاب الطهارة، 3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء. الترمذي (1/ 10) أبواب الطهارة، 4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء. النسائي (1/ 20) كتاب الطهارة، 18 - ما يقول عند دخول الخلاء. ابن ماجه (1/ 109) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 9 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء. (1) البخاري، نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض، 32 - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء. (الخُبْثُ) بسكون الباء: خلاف طيب الفعل من فجورٍ وغيره، وبضمها: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، والمراد بهما: شياطين الجن والإنس، ذُكرانهم وإناثُهم، قال الخطابي: عامة أصحاب الحديث يقولون: "الخُبْثُ" ساكنة الباء، وهو خطأ، والصواب: ضمها. (ابن الأثير). 437 - أبو داود (1/ 2) كتاب الطهارة، 3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، وإسناده صحيح. =

هذه الحُشوش محترة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث". 438 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عيه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال: "غُفرانك". 439 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستْرُ ما بين أعين الجِنِّ وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله". حكم غسل اليدين بعد قضاء الحاجة: 440 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (1): "أقبَلَ رسول الله

_ = (الحشوش) جمع حُشّ، والمراد به: مواضع قضاء الحاجة، وأصل الحش: جماعة النخل الكثيفة، وكانوا كثيراً ما يقضون حوائجهم فيها قبل اتخاذ الكُنُفِ في البيوت وفيه لغتان: ضمُّ الحاء وفتحها. ومعنى قوله: "محتضرة": يحضرها الجن والشياطين، ومنه قوله تعالى: (وأعوذ بك رب أن يحضرون) [المؤمنون: 98]. 438 - أحمد (6/ 155). أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 17 - باب مايقول الرجل إذا خرج من الخلاء. الترمذي (1/ 12) أبواب الطهارة، 5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء. وقال النووي في "المجموع" هو حديث حسن صحيح. (غفرانك) الغفران: مصدر، وإنما نصبه بإضمار: أطلب، وقيل: في اختصاص هذا الدعاء قولان، أحدهما: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم بها عليه: من إطعامه، وهضمه، وتسهيل مخرجه، فرأى أن شُكره قاصر عن بلوغ حق هذه النعمة، ففزع إلى الاستغفار منه، والثاني: أنه استغفر من تركه ذكر الله سبحانه مدة لبثه على الخلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يترك ذكر الله إلا عند قضاء الحاجة، فكأنه رأى ذلك تقصيراً فتداركه بالاستغفار: (ابن الأثير). 439 - الترمذي (2/ 503، 504) أبواب الصلاة، 426 - باب ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء. ابن ماجه (1/ 109) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 9 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء وفي سنده الحكم بن عبد الله النصري لم يوثقه غير ابن حبان، وللحديث شاهد يتقوى به، وعن أنس مرفوعاً: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله)، قوال الهيثمي في المجمع (1/ 205) رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما: فيه سعد بن مسلمة الأموي، ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن حبان، وابن عدي، وبقية رجاله موثقون. 440 - أبو داود (3/ 346) كتاب الأطعمة، باب في طعام الفجاءة.

وسائل الاستنجاء وكيفيته

صلى الله عليه وسلم من شعبٍ من الجبلِ وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمرٌ على تُرْسٍ، أو جحفةٍ، فدعوناه، فأكل معنا، وما مس ماء". 441 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً من الخلاء، فقُدم إليه طعامٌ، فقالوا: ألا نأتيك بوضوءٍ؟ قال: "إنما أُمرت بالوضوء إذا قمتُ إلى الصلاة". وفي رواية (1) فقال: "أريدُ أن أصلي فأتوضأ؟ ". وفي أخرى (2): "قضى حاجته من الخلاء، فقرب إليه الطعام، فأكل، ولم يمس ماء". أقول: يستحب لمن قضى حاجته واستنجى أن يغسل يديه، وإذا لم تكن عليهما نجاسة فلا حرج أن يأكل بهما، قد بين هذان الحديثان هذا المعنى الأخير لرفع الحرج عن الأمة. وسائل الاستنجاء وكيفيته: 442 - * روى مسلم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قيل له: د علمكُمْ نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيءٍ حتى الخِراءةَ؟ قال: فقال: أجلْ، لقد نهانا أن نستقبل القِبْلَة بغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثةِ أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظمٍ".

_ 441 - مسلم (1/ 282) 3 - كتاب الحيض 31 - باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور. (1) مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض 31 - باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور. (2) في نفس الموضع السابق. 442 - مسلم (1/ 223) 2 - كتاب الطهارة 17 - باب الاستطابة. أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. الترمذي (1/ 24) أبوب الطهارة 12 - باب الاستنجاء بالحجارة وقال الترمذي: حديث سلمان في هذا الباب حديث حسن صحيح.

وفي رواية (1) قال: "قال له المشركون: إنا نرى صاحبكم يعلمُكم، حتى يعلمكم الخراءة؟ فقال: أجل، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القِبْلة، ونهى عن الرَّوْث والعظام، وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار". (نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) فيه: بيان أن الاستنجاء أحدُ الطهرين، فإن لم يستعمل الماء فلابد له من الحجر، وبيان أن الاقتصار على دون الثلاثة لا يجزيء وإن أنقى، لأنه علم أن الإنقاء قد يحصل بدون الثلاثة، ومع هذا اشترط الثلاثة، وكان اشتراطها تعبداً وشرطاً في صحة الطهارة. قاله ابن الأثير وهو شافعي، وقد مر معنا أن الحنفية والمالكية عندهم العبرة للإنقاء ولا يجب عدد الثلاثة بل يستحب، وأما عدد الغسلات حال الاستنجاء بالماء فالصحيح انه مفوض إلى الرأي حتى يطمئن القلب للطهارة بيقين أو غلبة ظن. (نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه) النهيُّ عن الاستنجاء باليمين في قول أكثر العلماء: نهيُ تأديبٍ وتنزيهٍ، لأنها مرصدة للأكل والشرب وأكثر الآداب، فنُزِّهتْ عن مباشرة النجاسة. 443 - * روى أحمد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استجمر أحدُكم فليستجمرْ ثلاثاً". وفي رواية (2) "إذا تغوط أحدكم فليمسحْ ثلاثَ مراتٍ".

_ (1) مسلم (1/ 224) 2 - كتاب الطهارة 17 - باب الاستطابة. (الخِراءة) قال الخطابي "الخراءة" مكسورة الخاء ممدودة الألف: التخلي والقعود للحاجة، قال: وأكثر الرواة يفتحون الخاء، ولا يمدون الألف. قال ابن الأثير: وقد قال الجوهري في كتاب (الصحاح): إنها الخراءة بالفتح والمد، وهذا لفظه، قال: وقد خريء خراءةً، مثل كره كراهةً ويحتمل أن يكون بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم. برجيع، الرجيع: الروْثُ والعذرة، وإنما سمي رجيعاً، لأنه يجرع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاماً وعلفاً وغير ذلك. 443 - أحمد (3/ 400). (2) أحمد (3/ 336) مجمع الزوائد (1/ 211) وقال الهيثمي: رواهما أحمد ورجال "إذا استجمر أحدكم" ثقات.

444 - * روى الطبراني عن طارق بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استجمرتم فأوتروا وإذا توضأتم فاستنثروا". 445 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجمر أحدُكم فليوتر إن الله وتِر يحبُ الوتر، أما ترى أن السماوات سبعاً والأرضين سبعاً والطواف سبعاً وذكر أشياء". أقول: نصبت كلمة (سبعاً) في الحديث مع أن ظاهرها أنها خبر (أن) فمحلها الرفع، لكنها نصبت على تقدير أنها خلقت أو جعلت سبعاً والله أعلم. 446 - * روى البزار عن علقمة قال: قال رجل من المشركين لعبد الله: إني لأحسب صاحبكم قد علمكم لك شيء حتى علمكُم كيف تأتون الخلاء، قال: إن كنت مستهزئاً فقد علمنا أن لا نستقبل القبلة بفروجنا وأحسبه قال: ولا نستنجي بأيماننا ولا نستنجي بالرجيع ولا نستنجي بالعظم ولا نستنجي بدون ثلاثة أحجار. أقول: قال الحنفية والمالكية: يستحب الاستنجاء بثلاثة أحجار، ولا يجب ويكفي ما دونه إن حصل الإنقاء أو التنظيف به، وقال الشافعية والحنابلة: الواجب الإنقاء وإكمال الثلاثة، وإن لم تكف الثلاثة وجب الإنقاء بأربعة فأكثر، وإذا زاد عن الثلاثة سن الإيتار، ويكره تحريماً عند الحنفية الاستنجاء بالنجس كالبعر والروث، كما يكره بالعظم أو الطعام كما يكره الاستنجاء بغير قالع كالزجاج ويكره الاستنجاء باليد اليمنى إلا لعذر، هناك أرواث مختلفٌ في طهارتها، فإنه يكره الاستنجاء بها لورود النص بذلك.

_ 444 - الطبراني "المعجم الكبير" (8/ 386). مجمع الزوائد (1/ 211) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. (استنثروا): أي امتخطوا بعد استنشاق الماء. 445 - كشف الأستار (1/ 127) كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجر. مجمع الزوائد (1/ 211) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط وزاد (والجمار) ورجاله رجال الصحيح. 446 - كشف الأستار (1/ 128) كتاب الطهارة، باب ما يفعل عند قضاء الحاجة. (الرجيع): العذرة والروث، لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاماً أو علفاً ويلحق بالرجيع: جنس النجس. مجمع الزوائد (1/ 205) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون.

447 - * روى الطبراني عن سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ أنه كان إذا جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قومه وعلمهم، فقال له رجل يوماً، وهو كأنه يلعبُ ما بقي لسراقة إلا أن يعلمكم كيف التغوط؟ فقال سراقة: إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطرائق خذوا النُّبل واستنشبوا على سوقكم واستجمروا وأوتروا. 448 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يتطيب بهن فإنها تجزئ عنه". أقول: أدب قاضي الحاجة أن يهييء ما يستنجي به قبل قضائها، وأن يستجمر وتراً: أي ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وسيمر معنا تفصيل الحكم في ذلك، ومن مثل هذا الحديث نأخذ أنه ينبغي أن يحتوي المرحاض في بيت المسلم على ورق يصلح للاستنجاء، وعلى محل يضع فيه هذا الورق بعد استعماله، وقل مثل ذلك في المراحيض العامة كمراحيض المساجد. 449 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استجمر أحدكم فليوتِرْ". 450 - * روى أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا بال أحدُكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسحْ بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً". وللبخاري (1): "إذا بال أحدكم فلا يأخُذْ ذكره بيمينه، ولا يستَنْجِ بيمينه،

_ 447 - مجمع الزوائد (1/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (النبل) الحجارة التي يستنجي بها. (السوق) جمع ساق. 448 - أحمد (6/ 133). أبو داود (1/ 10، 11) كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالحجارة. الترمذي (1/ 24) أبواب الطهارة، 12 - باب الاستنجاء بالحجارة وهو حديث صحيح. 449 - مسلم (1/ 213) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار. (الاستجمار): هو الاستنجاء بالحجارة. 450 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء. (1) البخاري (1/ 254) 4 - كتاب الوضوء، 9 - باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال.

ولا يتنفس في الإناء". وفي رواية لمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء، وأن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه. وفي رواية الترمذي (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجلُ ذكرهُ بيمينه. 451 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى". 452 - * روى أبو داود عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وعطائه، ويجعل شماله لما سوى ذلك". 453 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعتُه أنا وغلامٌ منا، معنا إداوةٌ من ماء- يعني: يستنجي به. وفي رواية قال (3): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمِلُ أنا وغلامٌ نحوي إداوة من ماء، وعنزةً، يستنجي بالماء". وفي أخرى (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً، وتبعه غلامٌ ومعه ميضاةٌ، وهو أصغرنا، فوضعها عند سدرةٍ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فخرج علينا وقد استنجى بالماء".

_ (1) مسلم (1/ 225) 2 - كتاب الطهارة، 18 - باب النهي عن الاستنجاء باليمين. (2) الترمذي (1/ 23) أبواب الطهارة، باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين. 451 - أبو داود (1/ 9) كتاب الطهارة، 18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، وهو حديث حسن. 452 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، وهو حديث حسن. 453 - البخاري (1/ 251) 4 - كتاب الوضوء، 16 - باب من حمل معه الماء لطهوره. مسلم (1/ 229) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. (3) البخاري (1/ 252) 4 - كتاب الوضوء، 3 - باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء. مسلم (1/ 227) 2 - كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالماء من التبرز. (4) مسلم (1/ 227) 2 - كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالماء من التبرز. (ميضأة) الميضأة: الإناء الذي يتوضأ منه كالإداوة ونحوها. (السدرة): شجر النبق.

أقول: هذا دليل على أن الماء وحده يكفي كما أن الحجر وحده يكفي والجمع بينهما أفضل قال العلماء وصفة الاستنجاء بالماء أن يفرغ الماء على يده اليسرى قبل أن يلاقي بها الأذى ثم يغسل القبل ثم يغسل الدبر ويوالي صب الماء ويدلكه بيده اليسرى ويسترخي قليلاً حتى ينقيَ. 454 - * روى الترمذي عن مُعاذة بنت عبد الرحمن أن عائشة قالت: "مُرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم منه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله". 455 - * روى النسائي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء، فقضى الحاجة، ثم قال: "يا جرير، هات طهوراً" فأتيته بالماء، فاستنجى، وقال بيده، فدلك بها الأرض". قوله: (ودلك بها الأرض): دليل على أنه يستحب لمن استنجى أن يغسل يده بصابون أو نحه قياساً على الدلك في الأرض من أجل إزالة ما يمكن أن يكون قد تبقى من رائحة. 456 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح". 457 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي "أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ وضوءاً لما تحت إزاره". أقول: المراد بالأثر: الانتضاح الذي ذكره الحديث السابق.

_ 454 - الترمذي (1/ 30، 31) أبواب الطهارة، 15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء. النسائي (1/ 431) كتاب الطهارة، 41 - الاستنجاء بالماء، وإسناده صحيح. 455 - النسائي (1/ 45) كتاب الطهارة، 43 - باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء، وهو حسن لغيره. 456 - الترمذي (1/ 71) أبواب الطهارة، 38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء، وهو حسن بشواهده. (الانتضاح): رشُ الماء على الثوب ونحوه، والمراد به: أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماء ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض للإنسان، أنه قد خرج من ذكره بللٌ، فإذا كان ذلك المكان ندياً ذهب ذلك الوسواس، وقيل: أراد بالانتضاح: الاستنجاء بالماء، لأن الغالب كان من عادتهم أن يستنجوا بالحجارة. 457 - الموطأ (1/ 20) 2 - كتاب الطهارة، 1 - باب العلم في الوضوء وإسناده صحيح.

458 - * روى البزار عن انس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: "إن الله قد أحسن الثناء عليكم في الطهور، فما ذاك؟ " قالوا: تجمع في الاستنجاء بين الأحجار والماء. 459 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ يستطيب بهن، فإنها تُجزئ عنه". أقول: تحدث الفقهاء عن صفة الاستنجاء بالحجارة فقالوا: يمسح بالحجر الأول من الأمام إلى الخلف، وبالثاني من الخلف إلى الأمام وبالثالث كالأول إذا كانت الخصية مدلاة، وكالثاني إذا كانت الخصية غير مدلاة، والمرأة تبتدأ من الأمام إلى الخلف وتثني وتثلث كذلك وقال الشافعية يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره برفق إلى محل ابتدائه، وبالثاني من مقدم اليسرى ويديره كذلك، ويُمِرُّ الثالث على صفحته ومسربته جميعاً. (مراقي الفلاح 9 والمهذب 1/ 27). 460 - * روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجارٍ، فوجدتُ حجرين، والتمست الثالث، فلم أجده، فأخذت روثة، فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: "إنها رِكْسٌ". 461 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (1): قال رسول الله

_ 458 - البزار كشف الأستار (1/ 130) كتبا الطهارة، باب الجمع بين الماء والحجر. وهو حسن بشواهده. مجمع الزوائد (1/ 212) كتاب الطهارة، باب الجمع بين الماء والحجر وقال الهيثمي: رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي. 459 - أبو داود (1/ 11) كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، وهو حسن بشواهده. النسائي (1/ 42) كتاب الطهارة، 30 - الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها، وهو حديث حسن بشواهده. 460 - البخاري (1/ 256) 4 - كتاب الوضوء، 21 - باب لا يستنجي بروث. الترمذي (1/ 25) أبواب الطهارة، باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين. النسائي (1/ 39) كتاب الطهارة، 38 - الرخصة في الاستطابة بحجرين. (رِكْسٌ) قال أبو عبيد: هو شبيه بالرجيع، يقال: ركستُ الشيء وأركسته: إذا رددته. 461 - الترمذي (1/ 29) أبواب الطهارة، 14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به.

صلى الله عليه وسلم: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم، فإنه زادُ إخوانكم من الجن". وقال: وقد روى عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن .. الحديث بطوله. فقال الشعبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ... " وذكر الحديث. وفي رواية النسائي (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستطيب أحدُكم بعظمٍ أو روثة. وفي رواية أبي (2) داود قال: "قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، انْه أمتك أن يستنجوا بعظمٍ أو روثةٍ أو حُمَمَةٍ، فإن الله عز وجل جعل لنا فيها رزقاً، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. 462 - * روى البخار يعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اتبعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج لحاجته، وكان لا يلتفتُ - فدنوتُ منه، فقال: "ابغني أحجاراً أستنفضُ بها" أو نحوه، طولا تأتني بعظمٍ ولا روث"، فأتيتُه بأحجارٍ بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه، وأعرضتُ عنه، فلما قضى أتبعه بهن. وفي رواية (3) ذكرها رزين وهي في البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابغني أحجاراً أسْتَنْفِضُ بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة" قلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفدُ جنِّ نصيبين - ونعم الجنُّ - فسألوني

_ (1) النسائي (1/ 37) كتاب الطهارة، 35 - النهي عن الاستطابة بالعظم. (2) أبو داود (1/ 9) كتاب الطهارة، 20 - باب ما ينهى عنه أن يستنجي به، وهو حديث صحيح وأصله عند مسلم. (حُممه) الحممة: الفحمة، وجمعها: حمم. 462 - البخاري (1/ 255) 4 - كتاب الوضوء، 20 - باب الاستنجاء بالحجارة. (3) البخاري (7/ 171) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 31 - باب إسلام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. (ابغني): أعني على الابتغاء، وهو الطلب، أي: أوجد لي. قال الحميدي: "ابغني" بعنى: ابغ لي، أي: اطلب لي، يقال: بغيتك كذا وكذا، أي بغيت لك، ومنه قوله تعالى: (يبغونكم الفتنة) [التوبة: 47] أي: يبغون لكم. استنفض) الاستنفاضُ- بالضاد المعجمة - إزالة الأذى والاستنجاء، وأصل النفض: الحركة والإزالة، ونفضت الثوب: إذا أزلْت غُباره عنه.

الزاد، فدعوتُ الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثةٍ إلا وجدوا عليها طعماً". أقول: من قوله عليه السلام (استنفض بهن): فهم العلماء أن الاستبراء يكون بنتر وسلت خفيفين ثلاثاً بأن يجعل إصبعه السبابة من يده اليسرى تحت ذكره من أصله والإبهام فوقه، ثم يسحبه برفق حتى يخرج ما فيه من البول وذلك حتى يغلب على الظن نقاوة المحل من البول، واستبراء المرأة أن تضع أطراف أصابع يدها اليسرى على عانتها، والاستبراء عموماً يختلف باختلاف الناس والقصد أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شيء يخاف خروجه. (مراقي الفلاح 8 والمهذب 1/ 37) و (الفقه الإسلامي 1/ 194).

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - ليس على من نام أو خرج منه ريح استنجاء باتفاق العلماء. - الأظهر عند الشافعية ألا استنجاء لدود أو بعر بدون لوث. - استبراء كل إنسان بحسبه، فبعض الناس يحتاجون لانقطاع رشح البول إلى مشي أو تنحنح أو انتظار قليل، فعلى كل إنسان أن يعرف حاله وأن يتصرف على ضوء ذلك وألا يسمح للوسوسة أن تغلبه. - ذكر بعض فقهاء الحنفية أن الإنسان إذا كان يطول رشح بوله أو غلبت عليه الوسوسة فبإمكانه أن يدخل فتيلة صغيرة من ورق لين يمتص إلى داخل الذكر بحيث لا تظهر فهذه تمتص الرشح، وما دام الرشح لم يخرج خارج الذكر فإنه لا ينقض الوضوء، وقد كره بعضهم مثل هذا واعتبره بعضهم نوع معالجة فيها مصلحة خاصة لمن يريد استعجال الوضوء ولا يطمئن إلى انقطاع الرشح .. - هناك حالات لا تكفي فيها الحجارة أو الورق أو ما ينوب منابها فلابد من الماء وقت ذاك، من هذه الحالات إذا جف النجس الخارج، وإذا انتقل عن المحل أو تجاوز مقدار الدرهم زائداً عن المحل، أو طرأ عليه شيء رطب أجنبي فوسع دائرة النجاسة، أو كان الخارج من منفذ غير عادي كما يحدث أثناء العمليات وتلوث ما حول المكان، ففي هذه الحالات يتعين استعمال الماء كما يتعين استعمال الماء عند المالكية من المني والمذي ودم الحيض كما يتعين عند المالكية في إزالة بول المرأة بكراً أو ثيباً لتعدية المخرج إلى جهة المقعدة عادة. - يجوز عند الحنفية: الاستنجاء بمائع غير الماء إذا كان يقلع النجاسة كماء الورد والخل ومر معنا أن الماء المستعمل عندهم يزيل النجاسة الحسية. - قال الحنفية: يكره الاستنجاء بأدنى شيء له قيمة، واتفق الفقهاء على أن الاستنجاء يكون بطاهر قالع غير محترم. - ينشف الصائم مقعدته قبل القيام لئلا تجذب المقعدة شيئاً من الماء ولا يبالغ في إدخال

يده خشية الإفطار. يندب لمريد الحاجة أن يلبس نعليه ويستر رأسه ويدخل الخلاء برجله اليسرى ويخرج برجله اليمنى ويعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى لأنه أسهل لخروج الخارج، ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ويكره أن يستنجي بماء في موضعه بل ينتقل عنه إن لم يكن معداً لذلك، ويستحب ألا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه، وأن يسبل ثوبه شيئاً فشيئاً حين يقوم، ويحرم قضاء الحاجة على القبر المحترم، ويكره عند القبر. - مر معنا أن النجاسة غير المرئية التي لا تزيد جرم الماء، إذا مر عليها الماء يطهرها ويبقى الماء طاهراً، فلو أن إنساناً كان بحيث يراه النسا كان ذكره متنجساً بمذي أو بول لكنه جاف فإنه يستطيع أن يصب الماء وهو ساتر عورته بمئزر أو سروال، فيطهر المحل والماء الذي يصيب ثيابه طاهر. (انظر حاشية ابن عابدين 1/ 223 فما بعدها) و (الشرح الصغير 1/ 87 فما بعدها) (والمهذب 1/ 27) و (المغني 1/ 150 فما بعدها).

الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه

الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه عرض عام لأحكام الوضوء: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1). فالإجماع منعقد على أن الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء ومن الحدث الأكبر بالغسل لابد منها لصحة الصلاة. وبالوضوء والغسل تنتظم الطهارة والنظافة في حياة المسلم، وفي ذلك راحة الروح، والروح والقلب والعقل والجسد كلها تتأثر بالوضوء والغسل. وقد أجمع العلماء على أن غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس فرائض في الوضوء وزاد المالكية والحنابلة والشافعية النية فريضة خامسة وأوجب الشافعية والحنابلة الترتيب وأوجب المالكية أيضاً الدلك، وأوجب الحنابلة والمالكية الموالاة، فتكون أركان الوضوء سبعة عند المالكية بإضافة النية والدلك والموالاة إلى الأربعة المذكورة في القرآن، وستة عند الشافعية بإضافة النية والترتيب، وسبعة عند الحنابلة بإضافة النية والترتيب والموالاة. وحدُّ الوجه طولاً ما بين منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن، ويدخل في ذلك العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى، وحدُّ الوجه عرضاً ما بين شحمتي الأذنين والبياض الذي بين العذار والأذن من الوجه عند الحنفية والشافعية، وقال المالكية والحنابلة إنه من الرأس. ويدخل في غسل اليدين المرفقان، والمرفقان ملتقى عظم العضد وذراعه، فالمرفقان فما دونهما يفترض غسلهما في الوضوء، والكعبان داخلان في غسل الرجلين وهما العظمان الناتئان عند مفصل القدم فهذه الثلاثة: الوجه واليدان والرجلان يفترض غسلها، والغسل إسالة الماء على العضو بحيث يتقاطر وأقله قطرتان في الأصح، والفرض هو الغسل مرة أما تكرار

_ (1) المائدة: 6.

الغسل ثلاث مرات فهو سنة وليس بفرض. ومسح الرأس فريضة، والمسح هو إمرار اليد المبتلة على العضو، والرأس منبت الشعر المعتاد من المقدم فوق الجبهة إلى نقرة القفا ويدخل فيه الصدغان مما فوق العظم الناتئ من الوجه، ويفترض عند الحنفية مسح ربع الرأس مرة بمقدار الناصية فوق الأذنين لا على طرف ضفيرة، وقال المالكية والحنابلة في أرجح الوايتين عند الحنابلة: يجب مسح جميع الرأس وليس على الماسح نقض ضفائر شعره ولا مسح ما نزل عن الرأس من الشعر. والظاهر عند الحنابلة وجوب الاستيعاب للرجل وأما المرأة فيجزئها مسح مقدم الرأس فقط. وقال الشافعية: الواجب مسح بعض الرأس ولو شعرة واحدة في حد الرأس بألا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله. والنية هي أن ينوي المتطهر بقلبه أداء الفرض أو رفع الحدث أو استباحة ما تجب الطهارة له. والحنفية يرون أن النية سنة، ووقتها قبل الاستنجاء، وقال الحنابلة: وقتها عند أول واجب وهو التسمية في الوضوء، وقال المالكية: وقتها عند غسل الوجه، وقيل أول الطهارة، وقال الشافعية: وقتها عند غسل أول جزء من الوجه مقترنة بذلك. أما الترتيب وهو سنة مؤكدة عند الحنفية والمالكية وفريضة عند الحنابلة والشافعية فهو تطهير أعضاء الوضوء واحداً بعد الآخر كما ورد في النص القرآني أي: غسل الوجه أولاً ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين، وأما الموالاة وهي سنة عند الشافعية والحنفية، وفريضة عند المالكية والحنابلة، فهي متابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها ما يُعدُّ فاصلاً في العرف، أو هي المتابعة بغسل العضو اللاحق قبل جفاف السابق في حال اعتدال المناخ. وأما الدّك: فإنه سنة عند الحنفية والشافعية والحنابلة وقال المالكية هو فريضة والدلك هو إمرار اليد على العضو بعد صب الماء قبل جفافه، ويكون بباطن الكف لا بظاهر اليد ويندب أن يكون الدلك خفيفاً وتتحقق الفريضة بالمرة الواحدة.

وسنن الوضوء وآدابه كثيرة ستمر معنا من خلال عرض النصوص، ونعرضها ههنا بشكل سريع باختصار شديد كما هي في المذهب الحنفي: سنن الوضوء سبع عشرة: غسل اليدين إلى الرسغين والتسمية والسواك في ابتداء الوضوء والمضمضة ثلاثاً ولو بغرفة، والاستنشاق بثلاث غرفات، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم، وتخليل اللحية الكثة بكف ماء من أسفلها، وتخليل الأصابع، وتثليث الغسل، واستيعاب الرأس بالمسح مرة، ومسح الأذنين ولو بماء الرأس، والدلك، والولاء، والنية، والترتيب كما نص الله تعالى في كتابه، والبداءة بالميامن ورؤوس الأصابع ومقدم الرأس. أما آداب الوضوء فهي خمسة عشر: مسح الرقبة لا الحلقوم، الجلوس في مكان مرتفع، واستقبال القبلة، وعدم الاستعانة بغيره، وعدم التكلم بكلام الناس، والجمع بين نية القلب وفعل اللسان، والدعاء بالمأثور والتسمية عند كل عضو، وإدخال خنصره في صماخ أذنيه، وتحريك خاتمه الواسع فإن كان الماء لا يصل إلا بالتحريك كان واجباً، والمضمضة والاستنشاق باليد اليمنى، والامتخاط باليسرى، والتوضؤ قبل دخول الوقت لغير المعذور، والإتيان بالشهادتين بعده، وأني شرب من فضل الوضوء قائماً، وأن يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. ومن آدابه قراءة سورة القدر وصلاة ركعتين في قوت الكراهة ومن الآداب: تعاهد موقيه وكعبيه وعرقوبيه وإخمصيه. وهناك اختلافات يسيرة بين المذاهب في السنن والآداب فبعض السنن تدخل في الآداب عند البعض وبعض الآداب تدخل في السنن وبعض السنن هنا تدخل في الواجبات أو الفرائض عند البعض كما مر معنا بالنسبة للنية والترتيب والدلك والموالاة. والوضوء عند الحنفية خمسة أنواع: 1 - فرض كأن يكون للصالة سواء كانت فرضاً أو نفلاً أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة ولمس القرآن، 2 - واجب للطواف حول الكعبة وقال الجمهور إنه فرض 3 - مندوب وهو التوضؤ لكل صلاة ولمس الكتب الشرعية وللنوم وعقب

الاستيقاظ من النوم مباشرة وقبل غسل الجنابة، وللجنب عند الأكل والشرب والنوم، ومعاودة الوطء، ولقراءة القرآن وللأذان والإقامة وإلقاء خطبة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة وبعد ارتكاب خطيئة وبعد قهقهة خارج الصلاة، وبعد غسل ميت وحمله وللخروج من خلاف العلماء 4 - وضوء مكروه كإعادة الوضوء قبل أداء صلاة بالوضوء الأول 5 - وضوء حرام كالوضوء بماء مغصوب أو بماء يتيم. وشروط وجوب الوضوء ثمانية: العقل والبلوغ والإسلام والقدرة على استعمال الماء الطهور الكافي ووجود الحدث وعدم الحض والنفاس وضيق الوقت فلا يفترض الوضوء حالاً في أول الوقت ويفترض إذا ضاق الوقت. وشروط صحة الوضوء ثلاثة: 1 - عموم البشرة بالماء الطهور 2 - إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو 3 - انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به لغير المعذور، واعتبر الجمهور غير الحنفية الإسلام شرط صحة لا شرط وجوب. ومن مكروهات الوضوء: الإسراف في صب الماء ولطم الوجه أو غيره بالماء، والتكلم بكلام الناس، والاستعانة بالغير بلا عذر، والتوضؤ في موضع نجس، ومبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق وترك سنة من سنن الوضوء. ونواقض الوضوء: 1 - كل خارج من أحد السبيلين معتاد أو غير معتاد إلا لعذر، فالعذر له أحكامه. 2 - الولادة من غير رؤية دم، فالصحيح عند الحنفية أن المرأة لا تكون حينئذ نفساء وإنما عليها الوضوء. 3 - الخارج النجس من غير السبيلين كالدم والقيح والصديد إذا سال إلى موضع يلحقه حكم التطهير عند الحنفية. 4 - القيء عند الحنفية والحنابلة، وعند الحنفية على تفصيل، فالحنفية يقولون: إنما ينقض إذا كان ملء الفم وهو ما لا ينطبق عليه الفم إلا بتكلف 5 - غيبة العقل أو زواله بالمخدرات أو المسكرات أو بالإغماء أو بالجنون أو بالصرع أو بالنوم على تفصيلات في النوم. 6 - لمس المرأة الأجنبية عند الشافعية أما عند الحنفية لا ينقض الوضوء إلا المباشرة الفاحشة وهي أن يلامس كل عضو من كل عض منها، وعند المالكية والحنابلة إذا التقت بشرتا الرجل والمرأة حال اللذة أو الشهوة بتفصيل عند المالكية 7 - من الفرج القبل أو الدبر عند الجمهور غير

الحنفية أما المالكية فينتقض الوضوء عندهم بمس الذكر لا بمس الدبر 8 - القهقهة في الصلاة عند الحنفية دون غيرهم 9 - أكل لحم الإبل عند الحنابلة دون غيرهم لحديث مرسل 10 - غسل الميت عند أكثر الحنابلة دون غيرهم 11 - الشك في الوضوء عند المالكية وقال الجمهور لا ينتقض الوضوء بالشك فمن تيقن الوضوء وشك بالحدث فهو متوضئ 12 - كل ما أوجب الغسل فهو بالضرورة ناقض للوضوء. هذا ولأصحاب الأعذار أحكامهم الخاصة، ويحرم بالحدث الأصغر الصلاة والطواف ومس المصحف وينوب عن غسل الرجلين المسح على الخفين بشروطه وينوب عن الوضوء التيمم بشروطه. (انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 63 وبعدها و 1/ 90 وبعدها) و (الشرح الصغير 1/ 104 وما بعدها)، (المغني 1/ 110 وما بعدها)، (المهذب 1/ 15 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 214 وما بعدها). وإلى عرض النصوص: - فضل الوضوء: 463 - * روى مالك عن أبي هريرة رفعهُ: "ألا أدُلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال: "إسباغُ الوضوء على المكاره وكثرةُ الخُطا إلى المسجد وانتظارُ الصلاة، بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاثاً". 464 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسل الله صلى الله عليه سلم قال: (1) "إذا توضأ

_ 463 - الموطأ (1/ 161) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 18 - باب انتظار الصلاة والمشي إليها. مسلم (1/ 219) 2 - كتاب الطهارة، 14 - باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره. الترمذي (1/ 73) أبواب الطهارة، 39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء. النسائي (1/ 89) كتاب الطهارة، 39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء. النسائي (1/ 89) كتاب الطهارة، 106 - الأمر بإسباغ الوضوء، 107 - باب الفضل في ذلك. 464 - مسلم (1/ 215) 2 - كتاب الطهارة، 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء.

العبد المسلم- أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطرِ الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب". 465 - * روى مسلم عن عقبة بن عامر [الجهني] رضي الله عنه قال: كانت علينا رعايةُ الإبل، فجاءت نوبتي أرعاها، فروَّحْتُها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يُحدث الناس، وأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة" فقلت: ما أجوَدَ هذا؟ فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجودُ، فنظرتُ، فإذا عمر بن الخطاب، فقال: إني قد رأيتك قد جئت آنفاً، قال: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فيُبْلِغُ الوضوء، أو يسبغُ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". في رواية (1) الترمذي عن أبي إديرس الخولاني، وأبي عثمان [النهدي]: أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فُتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء". أقول: قول عقبة (فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً): نموذج على تذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه لأصحابه، وبهذا الحديث نستأنس بما جرت عليه عادة العلماء أن يخصصوا ما بين

_ 465 - مسلم (1/ 209) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (1) الترمذي (1/ 78) أبواب الطهارة، 41 - باب فيما يقال بعد الوضوء. (روحتُ) الإبل والغنم: إذا أعدتها إلى مراحها، وهو موضع مبيتها.

المغرب والعشاء للوعظ والتعليم وبعضهم يخصص ما بعد العشاء لذلك، لأن الناس يكونون في الغالب قد فرغوا من أعمالهم الدنيوية. 466 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأسن الوضوء، خرجت خطاياهُ من جسده، ثم تخرجُ من تحت أظفاره". وفي رواية (1) أن عثمان توضأ ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة". 467 - *روى الطبراني عن سعد بن عمارة أخى بني سع بن بكر وكانت له صحبة أن رجلاً قال له عظني في نفسي يرحُمك الله. قال: إذا انتهيت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء فإنه لا صلاة لمن لا وضوء له ولا إيمان لمن لا صلاة له، ثم إذا صليت فصلِّ صلاة مودع واترك طلب كثير من الحاجات فإنه فقرٌ حاضرٌ وأجمعِ اليأس مما عند الناس فإنه هو الغني وانظر ما تعتذر منه من القول الفعل فاجتنبه. 468 - * روى مالك عن عبد الله الصُّنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض: خرجت خطاياه من فيه، فإذا استنثر

_ 466 - مسلم (1/ 216) كتاب الطهارة، 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الطهور. (1) البخاري (1/ 259)، 24 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. 467 - الطبراني (6/ 44). مجمع الزوائد (10/ 236) وقال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات. 468 - الموطأ (1/ 31) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. أحمد (4/ 349). النسائي (1/ 74) 1 - كتاب الطهارة، 85 - باب مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس. وإسناده صحيح.

خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه، حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه، خرجت الخطايا من رجليه، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيهُ إلى المسجد وصلاته نافلة له". 469 - * روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرُك وأتوبُ إليك كُتب في رقٍّ، ثم طبع بطابعٍ، ثم رُفِعَ تحت العرش فلم يُكْسَرْ إلى يوم القيامة". 470 - * روى النسائي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعتُ عمرو بن عبسة يقول: قلتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الوضوء؟ قال: "أما الوضوء: فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما، خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت رجليك، اغتسلت من عامةِ خطاياك كيوم ولدتك أمُّكَ" قال أبو أمامة: فقلتُ: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول، أكل هذا يُعْطَى في مجلس واحدٍ؟ فقال: أما والله لقد كبرتْ سني، ودنا أجلي، وما بي من فقرٍ فأكذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعتهُ أُذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 471 - * (1) روى الطبراني عن أبي أمامة قال: إذ وضعت الطهور مواضعه قعْدت مغفوراً

_ = (أشفار العين) جمع شُفْر، وهو حرف الجفن الذي ينبُتُ عليه الشعر. 469 - الحاكم (1/ 564) كتاب فضائل القرآن، ذكر فضائل سور وأي متفرقة. مجمع الزوائد (1/ 239) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة هذا خطأ والصواب موقوفاً ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفاً. ابن السني: في عمل اليوم والليلة ص 11. 470 - النسائي (1/ 91) كتاب الطهارة، 108 - ثواب من توضأ كما أمر. وإسناده حسن. 471 - الطبراني (1/ 223) وقال الهيثمي: رجاله موثقون، وإسناده حسن.

لك. فقال الرجل: يا أبا أمامة: أرأيت إن قام يصلي تكونُ له نافلة؟ قال: لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف تكون له نافلة وهو يسعى في الذنوب والخطايا، تكون له فضيلة وأجراً. 472 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر رفعه: رجلان من أُمتي يقوم أحدهما من الليل فيعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقدٌ، فيتوضأ، فإذا وضأ يده انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقده وإذا مسح رأسه انحلت عقدة وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب تعالى: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي فهو له. 473 - * روى مالك عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استيقموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ". 474 - * روى البزار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات طاهراً بات في شعاره ملكٌ فلا يستيقظ من ليل إلا قال الملك اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهراً". 475 - * روى مسلم عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتمَّ الوضوء كما أمرهُ الله، فالصلوات الخمس كفارةٌ لما بينهُنَّ".

_ 472 - أحمد (17/ 306). الطبراني المعجم الكبير (1/ 224). مجمع الزوائد (1/ 224) رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد فيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. 473 - الموطأ (1/ 34) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. أحمد (5/ 280). ابن ماجه (1/ 102) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 4 - باب المحافظة على الوضوء. الدارمي (1/ 168) كتاب الصلاة، باب ما جاء في الطهور، وله أسانيد عدة وقد رواه أكثر من صحابي. 474 - البزار، كشف الأستار (1/ 150) كتاب الطهارة- باب فيمن يبيت على طهارة. مجمع الزوائد (1/ 226) كتاب الطهارة، باب فيمن يبيت على طهارة، قال الهيثمي: أرجو أنه حسن. (الشعار): الثوب الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره. 475 - مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.

476 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرةِ فقال: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا بكمْ إن شاء الله لاحقون، وددْتُ أني قد رأيتُ إخواننا" قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعدُ، وأنا فرطُهمْ على الحوض"، قالوا: يا رسول الله كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: "أرأيت لو كان لرجل خيلٌ غُرٌّ محجلة في خيلٍ دهمٍ بهمٍ، ألا يعرفُ خيله"؟ قالوا: بلى، قال: "فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطُهُمْ على الحوض، فليُذادنَّ رجالٌ من حوضي كما يُذادُ البعير الضالُّ، أناديهم: ألا هلُمَّ، ألا هلُمَّ، ألا هلُمَّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقاً، فسحقاً، فسُحقاً". صفة الوضوء: 477 - * روى الشيخان عن عثمان بن عفان رض الله عنه قال حُمران مولى عثمان: إن عثمان دعا بإناءٍ، فأفرغ على كفيه ثلاث مرارٍ، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض، واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرارٍ، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرارٍ إلى الكعبين، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه". 478 - * روى أبو داود عن حُمْران: رأيتُ عثمان توضأ .. فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: "من توضأ دون هذا كفاه" ولم يذكر أمر الصلاة.

_ 476 - مسلم (1/ 216) 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. 477 - البخاري (1/ 259) 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب صفة الوضوء وكماله. 478 - أبو داود (1/ 26) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

وله في أخرى (1) عن ابن أبي مُليكة قال: رأيتُ عثمان بن عفان يسأل عن الوضوء؟ فدعا بماء، فأتى بميضأة، فأصغى على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء، فتمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم أدخل يده فأخذ ماء، فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. 479 - * روى أحمد عن حمران بن أبان قال رأيت عثمان بن عفان دعا بوضوء وهو على باب المسجد فغسل يديه ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم مسح برأسه وأمر بيديه على ظاهر أذنيه ثم مر بهما على لحيته ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات ثم قام فركع ركعتين ثم توضأت لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ركعت ركعتين كما رأيته ركع قال: ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من ركعتيه "من توضأ كما توضأتُ ثم ركع ركعتين لا يحدثُ فيهما نفسه غُفِر له ما بينهما وبين صلاته بالأمس". أقول: إن تعليم عثمان وعلي رضي الله عنهما الناس الوضوء وهما خليفتان نموذجان على سنن الخلافة الراشدة وطبيعتها وفطريتها وتواضع أصحابها ومعرفتهم بوظائفهم. 480 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد خيرٍ: أتانا عليُّ رضي الله عنه، فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنعُ بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتى بإناء فيه ماء، وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه، فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثا، ً ثم جعل يده في الإناء، فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً، ورجله الشمال ثلاثاً، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء

_ (1) أبو داود (1/ 26) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. 479 - أحمد (1/ 68) ورجاله موثقون. 480 - أبو داود (1/ 27) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا. وفي رواية (1) قال: صلى عليَّ الغداة، ثم دخل الرحبة، فدعا بماء، فأتاه الغلامُ بإناء فيه ماء وطستٍ، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى، وغسل كفيه ثلاثاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً ... ثم ساق قريباً من حديث أبي عوانة، يعني الرواية الأولى، قال: ثم مسح رأسه: مقدمه ومؤخره مرة ... ثم ساق الحديث نحوه. وفي أخرى (2) قال: رأيتُ علياً رضي الله عنه أُتي بكرسي، فقعد عليه، ثم أُتي بكوزٍ من ماءٍ، فغسل يده ثلاثاً، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد ... وذكر الحديث. 481 - * روى النسائي عن الحسين بن عليٍّ قال: دعاني أبي عليُّ بوضوءٍ فقربته له، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاث مراتٍ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحةً واحدةً ثم غسل رجلهُ اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم قام قائماً، فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه، ثم شرب من فضل وضوئه قائماً، فعجبتُ، فلما رآني، قال: لا تعجبْ، فإني رأيتُ أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنعُ مثل ما رأيتني صنعتُ يقول: لوضوئه هذا وشُرْبِ فضل وضوئه قائماً. وللترمذي (3) [عن عبد خيرٍ] مثله، وفيه فإذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربهُ.

_ (1) أبو داود (1/ 27) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (2) أبو داود (1/ 27) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. 481 - النسائي (1/ 69) كتاب الطهارة، 78 - باب صفة الوضوء. (3) الترمذي (1/ 68) أبواب الطهارة، 37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ وهو حديث صحيح. أقول: الوضوء: بفتح الواو هو آلة الوضوء: أي الماء. الوضوء: بضم الواو فعل الوضوء وكذلك الطَّهُور والطُّهُور. قال الحنفية: يسن الشرب واقفاً من زمزم ولمن توضأ بعد وضوئه.

482 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فمضمض استنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما وأدخل أصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمنى، وغرفة فغسل رجله اليسرى. 483 - *روى الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري رضي الله عنه قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عيه وسلم، فدعا بإناء، فأكْفَأ منه على يديه، فغسلهما ثلاثاً، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل يديه إلى المرفقين مرتين، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية (1): فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه. وفي رواية (2) قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجنا له ماء في تورٍ من صفرٍ، فتوضأ، فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين مرتين، ومسح برأسه، فأقبل به وأدبر، وغسل رجليه. وفي رواية (3) للبخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.

_ 482 - ابن خزيمة (1/ 77) جماع أبواب الوضوء وسننه، 114 - باب إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدةن والوضوء مرة مرة، وإسناده حسن. 483 - البخاري (1/ 297) 4 - كتاب الوضوء، 41 - باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة. مسلم (1/ 210) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (1) البخاري (1/ 289) 4 - كتاب الوضوء، 38 - باب مسح الرأس كله. مسلم (1/ 210) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (2) البخاري (1/ 302) 4 - كتاب الوضوء 45 - باب الغسل والوضوء في المحضب والقدح والخشب والحجارة. مسلم (1/ 211) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (3) البخاري (1/ 258) 4 - كتاب الوضوء 23 - باب الوضوء مرتين مرتين.

وله في أخرى (1): أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر وضوءه، قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما. وللترمذي (2) بسند حسن صحيح: غسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين وغسل رجليه مرتين، ومسح برأسه مرتين. 484 - * روى أحمد عن يزيد بن البراء بن عازب وكان أميراً بعُمان فكان كخير الأمراء قال: قال أبي اجتمعوا فلأرينكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكيف كان يصلي فإني لا أدري ما قدر صحبتي إياكم. قال فجمع بنيه وأهله ودعا بوضوءٍ فتمضمض واستنثر وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يده اليمنى ثلاثاً وغسل هذه ثلاثاً يعني اليسرى ثم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما وغسل هذه الرجل يعني اليمنى ثلاثاً وغسل هذه الرجل يعني اليسرى ثلاثاً. ثم قال: هكذا ما ألوت أن أيكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. أقول: إنما يفترض الغسل والمسح في الوضوء مرة مرة ويسن الغسل ثلاثاً باتفاق، وبعضهم كره مسح الرأس ثلاثاً وبعضهم أجازه وحمل من كره تثليث المسح رواية تكرار المسح على أنه مسحها من مقدم الرأس إلى قفاه ثم أعادها كما مر في رواية سابقة والأمر واسع. 485 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف الطُّهُور؟ "فدعا بماءٍ في إناءٍ"، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح، بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل

_ (1) مسلم (1/ 211) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (2) الترمذي (1/ 66) أبواب الطهارة، 36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً. (الصفر): الذي تُعمل منه الأواني المحكمة: ضرب من النحاس. 484 - أحمد (4/ 288). 485 - أبو داود (1/ 33) كتاب الطهارة، 51 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. (السباحتين) السباحةُ والمسبحةُ: الإصبع السبابة، سميتْ بذلك، لأنه يُشار بها عند التسبيح والتهليل والتحميد، ونحو ذلك.

رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، أو نقص فقد أساء وظلم - أو ظلم وأساء". وفي رواية (1) النسائي مختصراً قال: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأله عن الوضوء؟ فأراه: ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم". 486 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه توضأ فغسل وجهه، وأخذ غرفة من ماءٍ، فتمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماءٍ، فجعل بها هكذا - أضافها إلى يده الأخرى - فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماءٍ فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماءٍ فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماءٍ فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله - يعني اليسرى- ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. وله في أخرى (2) قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرة، لم يزد على هذا. 487 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أخبرني عمر بن الخطاب: أن رجلاً توضأ، فترك موضع ظُفرٍ على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجعْ فأحسنْ وضوءك. قال فرجع فتوضأ ثم صلى". أقول: رأينا أن من شروط صحة الوضوء استيعاب المحل المفروض فمن لم يستوعب لا يصح وضوءه ولا تصح صلاته وعلى مذهب الذين لا يعتبرون الموالاة فريضة فإنه يكفي لمن أهمل شيئاً مما يفترض استيعابه أن يغسل المحل المهمل فقط.

_ (1) النسائي (1/ 88) كتاب الطهارة، 105 - باب الاعتداء في الوضوء، وإسناده حسن. (أساء وظلم): أساء الدب بتركه السنة والتأدب بآداب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من حقها الذي فوته من الثواب بترداد المرات في الوضوء. 486 - البخاري (1/ 240) 4 - كتاب الوضوء، 7 - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة. (2) البخاري (1/ 258) 4 - كتاب الوضوء، 22 - باب الوضوء مرة مرة. (رش) سكب الماء قليلاً قليلاً إلى أن صدق عليه مسمى الغسل. 487 - مسلم (1/ 215) 2 - كتاب الطهارة، 10 - باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة.

488 - * روى أحمد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدر الدرهم لم يُصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة. 489 - * روى الشيخان عن بعد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: تخلفَ عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويلٌ للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثاً. وللبخاري (1): وقد أرهقنا العصرُ. وفي أخرى (2): وقد حضرتْ صلاةُ العصر. ولمسلم (3) قال: رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتى إذا كُنَّا بماءٍ بالطريق تعجل قومٌ عند العصر، فتوضؤوا وهم عجالٌ، فانتهينا إليهم وأعقابُهم تلوحُ لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأعقاب من النار، أسبِغُوا الوضوء". فائدة: (نمسح على أرجلنا) انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل وفي إفراد مسلم: فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، (فتح الباري 1/ 213).

_ 488 - أحمد (3/ 424). أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 67 - باب تفريق الوضوء. 489 - البخاري (1/ 143) 3 - كتاب العلم، 3 - باب من رفع صوته بالعلم. مسلم (1/ 214) 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (1) البخاري (1/ 265) 4 - كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين. (2) مسلم (1/ 214) 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (3) مسلم (1/ 214) 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (أرهقتنا) أرهقه يرهقه، أي: أغشاهن ورهقه الأمر يرهقه: إذا غشيه، أراد: أن الصلاة أدركنا وقتها وغشينا. (أسبغوا) إسباغ الوضوء: إتمامه، وإفاضة الماء على الأعضاء تاماً كاملاً، وزيادة على مقدار الواجب، وثوب سابغٌ، أي: واسع، ابن الأثير.

أقول: فلا متكأ في الرواية الأولى لمن شذ فقال: يكفي مسح الأرجل عن غسلها، ذلك خلاف ما استقر عليه الإجماع. قال في الدين الخالص (1/ 226). بعد عرض أدلة وجوب الغسل للرجلين: والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قد بين للأمة أن المفروض عليهم وهو غسل الرجلين لا مسحهما. فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلها مصرحة بالغسل، ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين (فإن) كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح، فالواجب الغسل بما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البيان المستمر جميع عمره، وإن كانت غير مجملة، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل وروداً ظاهراً. ومنه الأمر بتخليل الأصابع، فإنه يستلزم الأمر بالغسل، لأن المسح لا تخليل فيه، بل يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ أ. هـ. (قال) في حجة الله البالغة (1/ 75): ولا عبرة بقوم تجارت بهم الأهواء فأنكروا غسل الرجلين متمسكين بظاهر الآية. فإنه لا فرق عندي بين من قال بهذا القول، وبين من أنكر غزوة بدر وأحد مما هو كالشمس في رابعة النهار ا. هـ. 490 - * روى ابن خزيمة عن ابن مسعود أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء. 491 - * روى أحمد عن أبي هريرة (رفعه) "ويلٌ للأعقاب وبطون الأقدام من النار".

_ 490 - ابن خزيمة (1/ 90) - باب الأمر بإسباغ الوضوء. 491 - أحمد (4/ 191). الترمذي (1/ 59) 31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار. ابن خزيمة (1/ 84) باب التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام من الوضوء. مجمع الزوائد (1/ 240) باب فيمن لا يحسن الوضوء، وقال الهيثمي: رواه أحمد هكذا وقال الطبراني في الكبير عن عبد الله الحرث بن جزء الزبيدي قال سمعتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" ورجال أحمد والطبراني ثقات.

492 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: والله ما خَصَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ دون الناس، إلا ثلاثة أشياء، فإنه أمرنا: أن نُسبغَ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا نُنْزِيَ الحُمرَ على الخيل. ونقل ابن خزيمة عن أحد رواة الحديث معللاً للنهي عن إنْزاء الحُمر على الخيل: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة فأحب أن تكثر فيهم. 493 - * روى ابن خزيمة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم مشى إلىصلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه". 494 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ، فلما بلغ رأسهُ غرف غرفة من ماءٍ، فتلقاها بشماله، حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقْطُر، ثم مسح من مُقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه. 495 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم". 496 - * روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".

_ 492 - الترمذي (4/ 206) كتاب الجهاد، 23 - باب ما جاء في كراهية أن تنزي الحمر على الخيل، وقال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 89) كتاب الطهارة، 106 - باب الأمر بإسباغ الوضوء. (نُنْزِي) نزا الذكر على الأنثى: إذا ركبها، وأنزيتُه أنا، يقال ذلك في الحافر والظلف والسباع. 493 - ابن خزيمة (2/ 373) كتاب الإمامة، 15 - باب فضل المشي إلى الجماعة. 494 - أبو داود (1/ 31) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده حسن، وقال حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد في هذا الإسناد قال: "فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً وغسل رجليه بغير عدد" وإسناده حسن. 495 - ابن ماجه (1/ 141) كتاب الطهارة وسننها، 42 - باب التيمن في الوضوء، وهو حديث صحيح. 496 - الدارمي (1/ 176) كتاب الصلاة والطهارة - باب التسمية في الوضوء، وهو حديث حسن.

497 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". فائدة: قال النووي في الأذكار وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً ثابتاً ... إلخ عن شرح الزبيدي على الإحياء. أقول: الظاهر أن التسمية ثابتة في السنة لكن حملها الحنفية على الندب أي لا وضوء كاملاً وذلك لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية ولأن لبعض العلماء كلاماً في ثبوت ذلك في السنة. قال البغوي (1/ 410): قال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو ترك التسمية أعاد الوضوء وذهب أكثر العلماء إلى أن تركها لا يمنع صحة الطهارة، والخبر إن ثبت فمحمول على نفي الفضيلة وتأوّله جماعة على النية وجعلوا الذكر ذكر القلب وهو أن يذكر أنه يتوضأ لله امتثالاً لأمره. والتسمية سنة الواجب في ظاهر مذهب أحمد ورواية عنه أنها واجبة في الغسل والوضوء والتيمم، (المغني 1/ 102). 498 - * روى النسائي وابن السني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسمعته يقول: "اللهم اغفِرْ لي ذنبي، ووسِّعْ لي في داري، وبارك لي في رزقي".

_ 497 - أحمد (2/ 418). أبو داود (1/ 25) كتاب الطهارة، 48 - باب التسمية على الوضوء. ابن ماجه (1/ 140) كتاب الطهارة وسننها، 41 - باب ما جاء في التسمية في الوضوء. الحاكم (1/ 146) كتاب الطهارة، وهو حديث حسن. 498 - رواه النسائي وابن السني في كتابيهما عمل اليوم والليلة. وقال النووي إسناده صحيح.

499 - * روى الطبراني في الصغير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تبرحُ تكتبُ لك الحسنات حتى تحدِثَ من ذلك الوضوء ... ". أقول: قد مر معنا من قبل أنه يندب للمتوضيء أن يختم وضوءه بالشهادتين وبالدعاء: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وقوله سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك". التخليل والسواك: 500 - * روى الترمذي والحاكم عن ابن عباسٍ رفعه: "إذا توضأت فخلِّلْ أصابع يديك ورجليك". 501 - * روى الترمذي عن لقيط بن صبرة: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال "أسبغ الوضوء وخللْ بين الأصابع، وبالغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً". 502 - * روى أبو يعلي عن شقيقٍ قال توضأ عثمان بن عفان فخلل أصابع رجليه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. 503 - * روى أحمد عن المستورد بن شدادٍ رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلُكُ أصابع رجليه بخنصره.

_ 499 - الروض الداني (1/ 131) وإسناده حسن. 500 - الترمذي (1/ 57) أبواب الطهارة، 30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع وهو صحيح. الحاكم (1/ 182) كتاب الطهارة. 501 - الترمذي (3/ 155) كتاب الصوم، 69 - باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم. والنسائي (1/ 66) كتاب الطهارة، 71 - باب المبالغة في الاستنشاق. قال النووي حديث لقيط أسانيده صحيحة. 502 - مجمع الزوائد (1/ 235) باب التخليل، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله موثقون. 503 - أحمد (4/ 229). أبو داود (1/ 37) كتاب الطهارة، 58 - باب غسل الرجلين. الترمذي (1/ 57) أبواب الطهارة، 30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع.

504 - * روى الترمذي عن حسان بن بلال المزني قال: "رأيت عمار بن ياسر توضأ، فخلل لحيته، فقيل له - أو قال: فقلت له - أتخللُ لحيتك؟ قال: وما يمنعني؟ ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُخللُ "لحيتهُ". أقول: يُسن تخليل اللحية الكثّة بكف ماء من أسفلها وتخليل أصابع اليدين والرجلين باتفاق الفقهاء. 505 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"- وفي أخرى (1): "لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". 506 - * روى مسلم "لولا أن أشق على المؤمنين" - وفي رواية (2): "على أمتي - لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". وفي رواية (3) أبي داود: "لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة". 507 - * روى أحمد بإسناد حسن "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلوةٍ بوضوء ومع كل وضوءٍ بسواكٍ". 508 - * روى أبو داود عن زيد بن خالد الجُهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أن أشُق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، قال أبو

_ 504 - الترمذي (1/ 44) أبواب الطهارة، 23 - باب ما جاء في تخليل اللحية، وهو حديث حسن. 505 - البخاري (13/ 224) 94 - كتاب التمني، 9 - باب ما يجوز من اللوِّ. (1) البخاري (2/ 274) 11 - كتاب الجمعة 8 - باب السواك يوم الجمعة. 506 - مسلم (1/ 220) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. (2) مسلم: نفس الموضع. (3) أبو داود (1/ 12) كتاب الطهارة، 25 - باب السواك. 507 - أحمد (2/ 259). (أشق) الأمر الشاق: الشديد الصعب على مباشره. 508 - أبو داود (1/ 12) كتاب الطهارة، 25 - باب السواك. وهو حديث حسن.

سلمة - هو ابن عبد الرحمن-: فرأيتُ زيداً يجلسُ في المسجد، وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك". 509 - * روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لزمتُ السواك حتى خشيتُ أن يُدردني". 510 - * أخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوضع له ووضؤه وسواكه، فإذا قام من الليل تخلى، ثم استاك". 511 - * روى مسلم عن شُريح بن هانئ قال: "سألت عائشة: بأي شيءٍ كان يبدأُ رسول الله صلى الله علي وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك". 512 - * روى الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يَشُوصُ فاهُ بالسواك". وفي أخرى (1) لمسلم "أنه كان إذا قام ليتهجَّدَ". وفي رواية (2) النسائي قال: "كنا نؤمَرُ بالسواك إذا قمنا من الليل: أن نَشُوص أفوانا بالسواك".

_ 509 - مجمع الزوائد (2/ 99) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (يُدردني): يذهب بأسناني، والدرد: سقوط الأسنان. 510 - أبو داود (1/ 15) كتاب الطهارة، 30 - باب السواك لمن قام من الليل. 511 - مسلم (1/ 220) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. 512 - البخاري (1/ 356) 4 - كتاب الوضوء، 73 - باب السواك. مسلم (1/ 221) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. أبو داود (1/ 15) كتاب الطهارة، 30 - باب السواك لمن قام من الليل. النسائي (1/ 8) 1 - كتاب الطهارة، 2 - باب السواك إذا قام من الليل. (1) ومسلم في نفس الموضع ص 220. (2) النسائي (3/ 212) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار 11 - ذكر الاختلاف على أبي حصين. (يشوص) شاص فاهُ بالسواك يشُوصُه شوصاً: إذا استاك به. (يتهجد) التهجُّدُ: القيام في الليل إلى الصلاة بعد نومه.

513 - * روى الطبراني عن زيد بن خالد الجُهني قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيءٍ من الصلوات حتى يستاك. 514 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السواكُ مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب". 515 - * روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنُّ بسواك بيده، ويقول: "أُغْ أُغْ"، والسواك في فيه، كأنه يتهَوَّعُ". وعند (1) مسلم قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه" وعند أبي (2) داود قال: "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحملُه، فرأيته يستاكُ على لسانه". قال أبو داود: قال سليمان "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك، وقد وضع السواك على طرف لسانه، وهو يقول: "إهْ إهْ- يعني: يتهوَّع" قال مسدَّد: كان حديثاً طويلاً اختصرتُه. وعند النسائي (3) قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسْتَنُّ، وطرف السواك على لسانه، وهو يقول: "عأْ عأْ".

_ 513 - الطبراني "المعجم الكبير" (5/ 254) ورجاله موثقون. 514 - أحمد (6/ 47). النسائي (1/ 10) 1 - كتاب الطهارة، 5 - الترغيب في السواك. الدارمي (1/ 174)، باب السواك مطهرة للفم وإسناده صحيح. 515 - البخاري (1/ 355) 4 - كتاب الوضوء، 73 - باب السواك. (1) مسلم (1/ 220) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. (2) أبو داود (1/ 13) كتاب الطهارة، 26 - باب كيف يستاك. (3) النسائي (1/ 9) 1 - كتاب الطهارة، 3 - باب كيف يستاك. (يستن) استن بالسواك: إذا استاك به. (يتهوع) التهوُّعُ: التقيؤ، هاع يهوعُ هواعاً: إذا تقيأ، والمراد به هاهنا: إقلاع النخامة من أقصى الحلق وإخراجها ليبصقها، ومن أراد ذلك فعل فِعْلَ من يريد أن يتقيأ. (نستحمله) الاستحمال: طلب شيء يركبه ويحمل عليه أثاثه وزاده، ونحو ذلك.

516 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أكثرتُ عليكم في السواك". 517 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أراني في المنام أتسوَّكُ بسواكِ، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّرْ، فدفعته إلى الأكبر منهما". 518 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنُّ وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحي إليه في فضل السواك: أن كبِّرْ، أعْطِ السواك أكبرهما. 519 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيُعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاكُ، ثم أغسله وأدفعه إليه". 520 - * روى الطبراني عن أبي خيرة الصُّبَاحي قال: كنتُ في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزودنا الأراك نستاكُ به. فقلنا يا رسول الله: عندنا الجريدُ ولكنا نقبلُ كرامتك وعطيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفرْ لعبد القيس إذ أسلموا طائعين غير مُكْرهين إذ قعد قومٌ لم يُسلموا إلا خزايا موتورين". أقول (1): السواك أو ما ينوب منابه من فرشاة أو خرقة أو إصبع لتنظيف الأسنان وما حولها من سنن الفطرة، وهو مسنون في كل وقت وسنة عند الحنفية لكل وضوء عند المضمضمة ومن فضائل الوضوء عند المضمضة عند المالكية، وعند الشافعية والحنابلة سنة عند الوضوء بعد غسل الكفين وقبل المضمضة ولتغير رائحة الفم أو الأسنان بنوم أو أكل أو جوع أو

_ 516 - البخاري (2/ 374) 11 - كتاب الجمعة، 8 - باب السواك يوم الجمعة. 517 - البخاري (1/ 356) 4 - كتاب الوضوء، 74 - باب دفع السواك إلى الأكبر. مسلم (4/ 1779) 42 - كتاب الرؤيا، 4 - باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم. 518 - أبو داود (1/ 13) كتاب الطهارة، 27 - باب في الرجل يستاك بسواك غيره وهو صحيح. 519 - أبو داود (1/ 14) كتاب الطهارة، 28 - باب غسل السواك، وإسناده صحيح. 520 - مجمع الزوائد (2/ 100) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده صحيح. (موتورين) الموتُورُ: المعضول المقهور المصاب.

سكوت طويل أو كلام كثير، وهو سنة مستحبة عند كل صلاة، ويتأكد للصلاة ولتغير الفم واصفرار السنان ولقراءة القرآن أو حديث شرعي أو علم شرعي أو ذكر لله تعالى، أو لدخول منزل أو عند الاحتضار وفي السحر وبعد الوتر، وقال الشافعية ويسن التخلل قبل السواك وبعده من آثار الطعام، ويكره عند الشافعية والحنابلة السواك للصائم بعد الزوال ولا يكره عند المالكية والحنفية. ويستاك الإنسان بيده اليمنى مبتدئاً بالجانب الأيمن عرضاً بالنسبة للأسنان لا طولاً من ثناياه إلى أضراسه اليمنى ثم إلى أضراسه اليسرى أما اللسان فيسن أن يستاك فيه طولاً ولا يستعمل للاستياك شيئاً يؤذي (الفقه الإسلامي 1/ 300 - 303). غسل اليدين: 521 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري: أين باتتْ يدهُ؟ ". وفي رواية (1) قال: "إذا استيقظ أحدكم فليفرغ على يده ثلاث مرات قبل أن يدخل يده في إنائه، فإنه لا يدري فيما باتت يدُه؟ ". وفي رواية (2) "حتى يغسلها" - ولم يقل: ثلاثاً. وقد أخرج (3) البخاري هذا المعنى بزيادة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدُكم فليجعلْ في أنفه، ثم لينثُر، ومن استجمر فليوترْ، وإذا استيقظ أحدُكم من نومه فيغسل يده قبل أن يُدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتتْ يدُه".

_ 521 - مسلم (1/ 233) 2 - كتاب الطهارة، 26 - باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع ص 234. (3) البخاري (1/ 263) 4 - كتاب الوضوء، 26 - باب الاستجمار وتراً.

وأخرج الموطأ (1) رواية البخاري بزيادة، وأخرج أبو داود الرواية (2) الأولى: وله (3) وللترمذي (4) "حتى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً". ولأبي داود (5) أيضاً "فإنه لا يدري أين بات يدُهُ؟ " أو أين كانت يده تطوفُ؟ ". فائدة: قال في (حجة الله البالغة): معناه أن بعد العهد بالتطهر والغفلة عنهما ملياً مظنة لوصول النجاسة والأوساخ إليهما مما يكون إدخال الماء معه تنجيساً له أو تكديراً أو شناعة (1/ 180). قال الشيخ وهبي وغسل اليدين إلى الرسغين سنة في الوضوء كان بعد الاستيقاظ من النوم أولاً، والله أعلم. 522 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمِسْ يدَهُ في إنائه أو في وضوئه، حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين أتت يده منه". الاستنثار والاستنشاق والمضمضة: 523 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر". وفي رواية (6) عن أبي هريرة وأبي سعيد مثله.

_ (1) الموطأ (1/ 19) 2 - كتاب الطهارة، 1 - باب العمل في الوضوء. (2) أبو داود (1/ 26) كتاب الطهارة، 49 - باب في الرجل يُدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 25. (4) الترمذي (1/ 36) أبواب الطهارة، 19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه. (5) أبو داود: نفس الموضع ص 26، وسكت عنه المنذري. 522 - ابن خزيمة (1/ 52) 76 - باب النهي عن عمس المستيقظ من النوم يده في الإناء قبل غسلها، وإسناده صحيح. 523 - البخاري (1/ 262) 4 - كتاب الوضوء، 25 - باب الاستنثار في الوضوء. مسلم (1/ 212) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار. (6) مسلم: في نفس الموضع السابق.

وفي رواية (1) لمسلم عن أبي هريرة- يبلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً، وإذا توضأ أحدُكم فليجعلْ في أنفه ماءً، ثم لينتثر". وفي أخرى (2): أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدُكم فليستنشق بمنخريه من الماء، ثم لينتثرْ". 524 - * روى النسائي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: دعا بوضوءٍ، فمضمض، واستنشق، ونثر بيده اليسرى، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم". 525 - * روى الترمذي عن عبد الله بن زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف المازني رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم: مضمض واستنشق من كفٍّ واحد فعل ذلك ثلاثاً". 526 - * روى الجماعة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لبناً، فدعا بماءٍ، فمضمض، وقال: "إن له دسماً". 527 - * روى البخاري عن سويد بن النعمان رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كنا بالصهباء- وهي من أدنى خيبر - صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما

_ (1) مسلم: في نفس الموضع السابق. (2) مسلم: في نفس الموضع السابق. (لاستنثار) الامتخاط بعد إدخال الماء في الأنف. 524 - النسائي (1/ 67) 1 - كتاب الطهارة، 74 - بأيِّ اليدين يستنثر، وإسناده صحيح. 525 - الترمذي (1/ 42) أبواب الطهارة، 22 - باب المضمضة والاستنشاق من كفٍ واحد وقال: حديث صحيح. 526 - البخاري (1/ 313) 4 - كتاب الوضوء، 52 - باب هل يُمضمض من اللبن. وفي موضع آخر (10/ 70) 74 - كتاب الأشربة، 12 - باب شرب اللبن. مسلم (1/ 274) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. أبو داود (1/ 50) كتاب الطهارة، 77 - باب ف الوضوء من اللبن. الترمذي (1/ 149) أبواب الطهارة، 66 - باب ف المضمضة من اللبن. النسائي (1/ 109) 1 - كتاب الطهارة، 125 - باب المضمضة من اللبن. ابن ماجه (1/ 167) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 68 - باب المضمضة من شرب اللبن. 527 - البخاري (1/ 312) 4 - كتاب الوضوء، 51 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. الموطأ (1/ 26) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب المضمضة من السويق.

صلى دعا بالأطعمة فلم يُؤتَ إلا بالسويق، فأمر به، فثُري، وأكل وأكلنا، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب، فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ". 528 - * روى مالك عن أبان بن عثمان رحمه الله أن عثمان بن عفان أكل خُبزاً ولحماً، ثم مضمض وغسل يديه، ومسح بهما وجهه، ثم صلى، ولم يتوضأ". أقول: تندب للإنسان المضمضة إذا قام إلى الصلاة بعد طعام أو شراب يبقى أثره في الفم وفي الأصل فإنه يندب للإنسان السواك عند كل صلاة. 529 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثرْ ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيتُ على خياشيمه". 530 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثاً". أقول: المضمضة والاستنشاق والاستنثار سنن مؤكدة عند الجمهور غير الحنابلة، فالمشهور عند الحنابلة أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وفي الغُسْل. 531 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه من رواية نُعيم بن عبد الله المُجْمِر عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أُمَّتي يُدْعَونَ يوم القيامة غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يُطيل غُرَّتَه فليفعل".

_ 528 - الموطأ (1/ 26) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب ترك الوضوء مما مسته النار، وإسناده صحيح. 529 - البخاري (6/ 338) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - صفة إبليس وجنوده. مسلم (1/ 213) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار. النسائي (1/ 67) 1 - كتاب الطهارة، 73 - باب الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم. 530 - أبو داود (1/ 35) كتاب الطهارة، 55 - باب في الاستنثار، وإسناده حسن. 531 - البخاري (1/ 235) 4 - كتاب الوضوء، 3 - باب فضل الوضوء ... إلخ. مسلم (1/ 216) 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء. (غُراً محجلين) الغُرَّةُ والتحجيلُ: بياض في وجه الفرس وقوائمه، وذلك مما يحسنه ويزينه، فاستعاره للإنسان وجعل أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين، كالبياض الذي هو للفرس، ولذلك قال بإسباغ لوضوء، فإنه يزيد التحجيل ويطيلُه.

وفي رواية (1) قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ: فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال لي: هكذا رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال النبي صلى الله ليعه وسلم: "أنتم الغُرُّ المحجلون يوم القيامة: من إسباغ الوضوء" فمن استطاع منكم فليُطل غُرته وتحجيله. وفي أخرى (2) أنه رأى أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً مُحجلين، من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". ولمسلم (3) من رواية أبي حازم قال: كنت خلْفَ أبي هريرة، وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمُدُّ يده حتى تبلُغ إبطَهُ، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فرُّوخَ، أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "تبلُغ الحِلْيَةُ من المؤمن حيث يبلغُ الوضوءُ". 532 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أمتي أحدٌ إلا وأنا أعرفُه يوم القيامة" قالوا يا رسول الله من رأيت ومن لم تر قال "من رأيت ومن لم أر غراً محجلين من آثار الطهور". أقول: إطالة الغرّة تكون بغسل زائد على الواجب من الوجه من جميع جوانبه والتحجيل يكون بغسل زائد على الواجب من اليدين والرجلين إلى ما فوق المرفقين والكعبين وهما مندوبان عند الجمهور، ويكره المالكية إطالة الغرة وتأولوا أحاديث إطالة الغرة.

_ (1) مسلم في نفس الموضع السابق ص 216. (2) مسلم في نفس الموضع السابق ص 216. (3) مسلم (1/ 219) 2 - كتاب الطهارة، 13 - باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء. 532 - مجمع الزوائد (1/ 225) باب فضل الوضوء، وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

- في مقدار الماء

- في مقدار الماء: 533 - *روى الشيخان عن أنس بن مالك رض الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصَّاعِ إلى خمسة أمْدادٍ، ويتوضأ بالمُدِّ. وفي رواية (1) كان يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكُّوك. وفي رواية (2): بخمس مكاكيَّ. وفي رواية الترمذي (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُجزيءُ في الوضوء رطلان ماءٍ". وفي أخرى (4) له: أنه كان يتوضأ بالمكُّوك، ويغتسل بخمس مكاكيكَ. 534 - * روى مسلم عن سفينة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغسِّلُه الصاعُ من الماء من الجنابة، ويوضئه المدُّ. 535 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزيءُ من الوضوء المُدُّ ومن الجنابة الصاعُ" فقال له رجل: لا يكفينا ذلك يا جابر؟ فقال: قد كفى من هو خيرٌ منك وأكثرُ شعراً.

_ 533 - البخاري (1/ 304) 4 - كتاب الوضوء، 47 - باب الوضوء بالمد مسلم (1/ 258) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (1) الرواية لمسلم في نفس الموضع ص 257. (2) مسلم: الرواية نفس الموضع ص 257. (3) الترمذي (2/ 507) أبواب الصلاة، 429 - باب قدر ما يجزئ من الماء في الوضوء، قال الترمذي: هذا حديث غريب. (4) الترمذي: نفس الموضع السابق. قال ابن خزيمة: المكوك في هذا الخبر المد نفسه. الصاع: أربعة أمداد = 2751 غراماً فيكون المد = 688 غراماً تقريباً عند الشافعية. وهو عند الحنفية =3800 غراماً فيكون المد = 950 غراماً تقريباً. والرطل = 408 غراماً والمكوك في الأصل = صاع ونصف. 534 - مسلم (1/ 258) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. الترمذي (1/ 84) أبواب الطهارة، 42 - باب في الوضوء بالمُدِّ. 535 - ابن خزيمة (1/ 62) 91 - باب ذكر الدليل على أن توقيت المد من الماء للوضوء، وإسناده صحيح.

- آداب تتعلق بالوضوء

قال: ابن خزيمة في قوله صلى الله عليه وسلم: "يجزيءُ من الوضوء المد"، دلالة على أن توقيت المد من الماء للوضوء، أن ذلك يجزيءُ، لا أنه لا يجوز النقصان منه ولا الزيادة فيه. 536 - * روى أبو داود عن أم عُمارة رضي الله عنها أن النبي صلى الله ليه وسلم توضأ، فأُتِيَ بإناءٍ فيه ماء قدر ثلثي المدِّ. وزاد النسائي (1): قال شعبة: فأحفظُ: أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكُهما، ومسح أذنيه باطنهما، ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما. أقول: من مكروهات الوضوء الإسراف في صب الماء بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية أو ما يزيد على الكفاية، ومن الإسراف الزيادة على الثلاث في الغسلات وعلى المرة الواحدة في المسح عند الجمهور غير الشافعية، والكراهة تنزيهية إلا إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلات الثلاثة من أعمال الوضوء فتكون الكراهة تحريمية أما إذا زاد للنظافة أو للطمأنينة، ونحوها فلا كراهة، والإسراف في الماء الموقوف على الوضوء كالماء المُعَدِّ للوضوء في المساجد كراهته تحريمية. - آداب تتعلق بالوضوء: 1 - استعمال الطيب: 537 - * روى الطبراني عن يزيد بن أبي عبيدٍ أن سلمة بن الأكوع كان إذا توضأ يأخذ المِسْكَ فيديفُه في يده ثم مسح به لحيته.

_ 536 - أبو داود (1/ 23) كتاب الطهارة، 44 - باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. (1) النسائي (1/ 58) 1 - كتاب الطهارة، 59 - باب القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء، وإسناده حسن. ابن خزيمة (1/ 62) 91 - باب ذكر الدليل على أن توقيت المد منالماء للوضوء، وإسناده صحيح. 537 - مجمع الزوائد (1/ 240) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. الدُّوّف: الخلط والبل بماء أو نحوه وأصله دفْت الدواء دوفه، إذا بللته بماء وخلطته فهو مدووف على الأصل ويقال: داف يديف.

2 - إحسان الوضوء

2 - إحسان الوضوء: 538 - * روى أحمد عن عبد الملك بن عمير قال سمعت شبيباً أبا روح من ذي الجلاع أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ بالروم فتردد في آية فلما انصرف قال: "إنه لُبِسَ علينا القرآن إن أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء". 3 - التوضؤ لكل صلاة: 539 - * روى البخاري عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ لكلِّ صلاةٍ، قيل كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزيءُ أحدنا الوضوء مالم يُحدِثْ. 540 - * روى مسلم عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى الصلوات بوضوءٍ واحدٍ فقال عمر: فعلت شيئاً لمْ تكُنْ تفعلهُ قال: "عمداً فعلتُهُ يا عمر". 541 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوءٍ واحد.

_ 538 - أحمد (3/ 471، 472). مجمع الزوائد (1/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 539 - البخاري (1/ 315) 4 - كتاب الوضوء، 54 - باب الوضوء من غير حدث. أبو داود (1/ 44) كتاب الطهارة، 66 - باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. الترمذي (1/ 88) أبواب الطهارة، 44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة. النسائي (1/ 85) 1 - كتاب الطهارة، 101 - باب الوضوء لكل صلاة. ابن ماجه (1/ 170) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 72 - باب الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء واحد. 540 - مسلم (1/ 232) 2 - كتاب الطهارة، 25 - باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد. أبو داود (1/ 44) كتاب الطهارة، 66 - باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. الترمذي (1/ 89) أبواب الطهارة، 45 - باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوءٍ واحد، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 86) 1 - كتاب الطهارة، 101 - الوضوء لكل صلاة. ابن ماجه (1/ 170) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 72 - باب الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء واحد. 541 - الترمذي (1/ 91) أبواب الطهارة، 45 - باب ما جاء أنه يُصلي الصلوات بوضوء واحد. وهو حديث صحيح.

4 - التيامن

542 - * روى ابن خزيمة عن محمد بن يحيى بن حبان سأل عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهرٍ عمن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب، أن عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر الغسيل حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً كان أو غير طاهرٍ، فلما شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة ووُضع عنه الوضوء إلا من حدث. وكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك، ففعله حتى مات. هذا حديث يعقوب بن إبراهيم، غير أن محمد بن منصور قال: وكان يفعله حتى مات. 4 - التيامن: 543 - * روى الستة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامُن ما استطاع في شأنهِ كله في طوهره وترجُّله وتنعُّله. 5 - كراهة الكلام في الوضوء: 544 - * روى ابن خزيمة عن المهاجر بن قُنْقُذ بن عمر بن جدعان: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: "إني كرهت أن أذكُر الله إلا على طُهْر" أو قال: "على طهارة". وكان الحسنُ يأخذ به.

_ 542 - ابن خزيمة (1/ 72) 106 - باب الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة. 543 - البخاري (1/ 523) 8 - كتاب الصلاة، 47 - باب التيمن في دخول المسجد وغيره. مسلم (1/ 226) 2 - كتاب الطهارة، 19 - باب التيمن في الطهور وغيره. أبو داود (4/ 70) كتاب اللباس، باب في الانتعال. الترمذي (2/ 506) أبواب الصلاة، 428 - باب ما يستحب من التيمن في الطهور، وقال هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 78) 1 - كتاب الطهارة، 90 - باب بأي الرجلين يبدأ الغسل. ابن ماجه (1/ 141) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 42 - باب التيمن في الوضوء. الترجل: ترجيل الشعر: التنعل: لبس النعال. 544 - ابن خزيمة (1/ 103) كتبا الطهارة - جماع أبواب فضول التطهير، والاستحباب من غير إيجاب، وإسناده صحيح.

نواقض الوضوء

أقول: لا يُسلم على من يتوضأ ومن سُلم عليه فلا يجبُ عليه أن يرد السلام حتى ينتهي من وضوئه. نواقض الوضوء: قال تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (1) وذلك كناية عن الحدث من بول أو غائط. واتفق الفقهاء أن كل خارج من أحد السبيلين معتاد كبول أو غائط أو ريح أو مذي أو ودي أو مني أو غير معتاد كدودة وحصاة ودم، قليلاً كان الخارج أو كثيراً فإنه ينقض الوضوء، والمني ينقض الوضوء ويوجب الغسل وكذلك دم الحيض والنفاس بعد الطهر واستثنى الحنفية في الأصح ريح القبل فهو غير ناقض لأنه اختلاج. واستثنى المالكية الخارج غير المعتاد من المخرج المعتاد في حال الصحة، وأصحاب الأعذار لهم أحكامهم كما سنرى. وقد سبق في العرض الإجمالي ذكر تعداد نواقض الوضوء. وإلى عرض النصوص. - من النواقض: الصوت والريح: 545 - * روى الترمذي عن علي بن طلقٍ رضي الله عنه قال: أتى أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرَّجلُ منَّا يكونُ في الفلاة، فتكون منه الرُّويْحَةُ، ويكون في الماء قِلَّةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسا أحدكم فليتوضأْ، ولا تأتُوا النساء في أعجازهنَّ، فإن الله لا يستحي من الحقِّ". وفي رواية (2) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسا أحدُكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ، وليعُد الصلاة".

_ (1) المائدة: 6. 545 - الترمذي (3/ 468) 10 - كتاب الرضاع، 12 - باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن. قال أبو عيسى: حديث حسن. (2) أبو داود (1/ 53) 1 - كتاب الطهارة، 82 - باب من يحدث في الصلاة.

- المذي والوضوء منه

546 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تُقْبَلُ صلاةُ من أحدث حتى يتوضأ فقال رجلٌ من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساءٌ، أو ضُراط. وفي رواية (1) قال: "لا وضوء إلا من حدثٍ"، قال له رجل أعجمي: ما الحدث؟ قال: فُساءٌ أو ضُراط". - المذي والوضوء منه: 547 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال محمد بن الحنفية: قالع عليٌّ: كنتُ رجلاً مذاءً، فاستحييتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته، فأمرتُ المقداد بن الأسود، فسأله؟ فقال: "يغسلُ ذكره ويتوضأُ". ولأبي (2) داود عن عروة عن علي بن أبي طالب: قال للمقداد ... فذكر نحو هذا، يعني: رواية الموطأ (3)، قال: فسأله المقداد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليغْسِلْ ذكره وأُنثَييه". وله في أخرى (4) قال: كنتُ رجلاً مَذَّاءً، فجعلتُ أغتسلُ، حتى تشقق ظهري، قال: فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله لعيه وسلم - أو ذُكِرَ له - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلْ، إذا رأيت

_ 546 - البخاري (1/ 234) 4 - كتاب الوضوء، 2 - باب لا تقبل صلاة بغير طهور. مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - وجوب الطهارة للصلاة. أبو داود (1/ 16) كتاب الطهارة، 31 - باب فرض الوضوء. الترمذي (1/ 110) أبواب الطهارة، 56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح. (1) البخاري (1/ 282) 4 - كتاب الوضوء، 34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. 547 - البخاري (1/ 283) 4 - كتاب الوضوء، 34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. مسلم (1/ 247) 3 - كتاب الحيض، 4 - باب المذي. (2) أبو داود (1/ 53، 54) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي. (3) الموطأ (1/ 40) 2 - كتاب الطهارة، 13 - باب الوضوء من المذ. (4) أبو داود (1/ 53) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي. (الأنثيان): الخصيتان.

فائدة

المذي فاغسلْ ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخْتَ الماء فاغتسلْ". وفي رواية (1) الترمذي قال عليٌّ: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغُسْلُ". فائدة: قال الإمام النووي في شرح حديث علي في مسلم أرسلنا المقداد وفيه "انضح فرجك" اغسله فن النضح يكون غسلا ويكون رشاً وقد جاء في الرواية الأخرى "يغسل ذكره" فتعين حمل النضح عليه ا. هـ. 548 - * روى أبو داود عن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه قال: كنتُ ألقى من المذي شدةً وعناءً، وكنتُ أُكثرُ منه الاغتسال، فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "إنما يُجزيك من ذلك الوضوءُ"، قلتُ: يا رسول الله، كيف بما يُصيب الثوب منه؟ فقال: "يكفيك أن تأخذ كفاً من ماءٍ فتنضح به حيثُ ترى أنه أصاب من ثوبك". 549 - * روى أبو داود عن عبد الله بن سعدٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يُوجِبُ الغسل؟ وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: "ذاك المذيُ، وكلُّ فحلٍ يمذي، فلتغسِلْ من ذلك فرجك وأُنْثَييك، وتوضأْ وضوءك للصلاة". 550 - * روى مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إني لأجده ينحدر مني

_ (1) الترمذي (1/ 193) أبواب الطهارة، 83 - باب ما جاء في المني والمذي وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (فضختُ) الماء: دفقته، والفضخُ: الدفقُ. والمراد به دفق المني. (المذي): البلل الذي يخرج من الذكر عند الملاعبة، فهو يخرج عند شهوة لا بشهوة، أما المني فيخرج بالشهوة مع الدفق. 548 - أبو داود (1/ 54) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي. الترمذي (1/ 197) أبواب الطهارة، 84 - باب ما جاء في المذي يُصيب الثوب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وإسناده صحيح. 549 - أبو داود (1/ 54، 55) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي، وهو حديث حسن. 550 - الموطأ (1/ 41) 2 - تاب الطهارة، 13 - باب الوضوء من المذي، وإسناده صحيح. =

- القيء والدم وحكم الوضوء منهما

مثل الخُريزة، فإذا وجد ذلك أحدُكم فليغسلْ ذكرهُ، وليتوضأ وضوءه للصلاة- يعني المذي". أقول: يحتمل أن المراد بما ذكره عمر الودي فهو الذي يخرج عادة كثيفاً أبيض عقب البول. - القيء والدم وحكم الوضوء منهما: 551 - * روى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاءَ وكان صائماً، فتوضأ، قال معدانُ: ولقيتُ ثوبان في مسجد دمشق، فسألتُه؟ فقال: صدق، وأنا صببتُ له وضوءه". أقول: قال الحنفية والحنابلة: إن القيء ينقض الوضوء، والنقض عند الحنفية: إذا كان القيء ملء الفم وهو ما لا ينطبق عليه الفم إلا بتكلف، والنقض عند الحنابلة إذا كان القيء كثيراً فاحشاً وهو ما يستكثره صاحبه. وهذا حكم القيء عندهم سواء كان طعاماً أو ماء أو دماً من المعدة أو صفرا، أما البلغم والبصاق والنخامة فإنها طاهرة، والجشاء وهو الريح الذي يخرج من فم الإنسان لا ينقض الوضوء، وقال المالكية والشافعية: إن القيء لا ينقض الوضوء وحملوا هذا الحديث على أن المراد به الغسل للتنظيف. 552 - * روى مالك عن المسور بن مخرمة أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليلة التي طُعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر، وجُرْحُ يثْعَبُ دماً. 553 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال (1): خرجنا مع رسول الله

_ = والخريزة: تضغير خرزة: الجوهرة. 551 - أبو داود (2/ 311) كتاب الصوم، 31 - باب الصائم يستقيء عامداً. الترمذي (1/ 143) أبواب الطهارة، 64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرُّعاف. وإسناده حسن. 552 - الموطأ (1/ 39)، 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف، وإسناده صحيح. (يثعبُ) ثعبْتُ الماء: إذا فجرته وأسلْتَه. 553 - أبو داود (1/ 50) كتاب الطهارة، 79 - باب الوضوء من الدم، وهذا الحديث صححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.

- حكم القبلة واللمس

صلى الله عليه وسلم "يعني: في غزوة ذات الرِّقاع - فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين، فحلف: أن لا أنتهي حتى أهريق دماً من أصحاب محمدٍ، فخرج يتبعُ أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً، فقال: "مَنْ رجلٌ يكلؤُنا؟ " فانتْدِب رجلٌ من المهاجرين، ورجلٌ من الأنصار فقال: "كونا بفَمِ الشعْبِ" فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجريُّ، وقام الأنصاري يُصلي، فأتى الرجل، فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئةٌ للقوم، فرماه بسهمٍ، فوضعه فيه، ونزعه، حتى رماه بثلاثة أسهُم، ثم ركع وسجد، ثم أنبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، فلما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنتُ في سورةٍ أقرؤها، فلم أُحِبَّ أن أقطعها. أقول: قال الحنفية: الدم والقيح والصديد ناقض للوضوء إذا سال إلى موضع يلحقه حكم التطهير وهو ظاهر الجسد، وقال الحنابلة: إذا كان الدم كثيراً بالنسبة لكل إنسان بحسبه فإنه ناقض، وقال المالكية، والشافعية: لا ينتقض الوضوء بالدم ونحوه، ولكلٍ دليله، وكل قد وجه النصوص الواردة بما يتفق مع مذهب، فمثلاً كانت حالة عمر ضرورة، وكان فعل الصحابي اجتهاداً منه، وقد طعن الحنفية في الحديث. - حكم القبلة واللمس: 554 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبَّل امرأةً من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأْ، قال عروةُ: فقلتُ لها: ومن هي إلا أنتِ؟ فضحكَتْ".

_ = (فانتُدب) الانتدابُ: الإجابة، يقال: ندبتُ فلاناً لهذا الأمر. (فأصاب رجل امرأة رجل): أي سباها. أي: بعثته عليه، فانتدب، أي: أجاب. (ربيئة) الربيئة: الذي يحفظ القوم، ويتطلَّع لهم خبر العدوِّ لئلا يهجم عليهم. نَذِروا به: علموا. 554 - الترمذي (1/ 133) أبواب الطهارة، 63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة.

حكم الوضوء من مس الذكر

وفي رواية (1): "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّلها ولم يتوضأ". وفي رواية (2): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه، ثم يصلي ولا يتوضأ". أقول: قال الحنفية إن لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا في حالة المباشرة الفاحشة وهي أن يضع كل عضو منه على كل عضو منها دون أن يلتقي الختانان، لأنه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. وقال المالكية ينتقض الوضوء بلمس المتوضيء البالغ لشخص يُلتذ به عادة إذا كان اللمس بشهوة ولذة، والقبلة بالفم تنقض الوضوء عندهم، أما في غير الفم فإنها لا تنقض الوضوء إلا إذا كانت بشهوة، وقال الحنابلة في المشهور: ينتقض الوضوء من لمس النساء بشهوة من غير حائل إذا كان الملموس مشتهى عادة، فلا يدخل في ذلك الطفل والطفلة، وقال الشافعية ينتقض الوضوء بلمس الرجل المرأة الأجنبية غير المحرم ولو ميتة أو عجوزاً أو شيخاً هرماً من غير حائل بينما ولو من غير قصد، ولا ينقض مسُّ شعر وسن وظفر، ولا ينتقض الوضوء بلمس صغير أو صغيرة لا يشتهي أحدهما عند ذوي الطباع السليمة. حكم الوضوء من مس الذكر: 555 - * روى أبو داود عن طلق بن عليٍّ اليماني رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجلٌ كأنه بدويٌّ، فقال يا نبي الله، ما ترى في مسِّ الرجل ذكرَهُ بعد ما يتوضأ؟ فقال: "وهل هو إلا مُضغةٌ منه- أو بضعةٌ منه؟ ". وأما الترمذي (3): فإنه لم يخرج من الحديث إلا قوله: "هل هو إلا مُضغة منه- أو بضعة منه؟ " إلا أنه أخرجه في باب ترك الوضوء من مس الذكر.

_ (1) أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 69 - باب الوضوء من القبلة. (2) النسائي (1/ 104) 1 - كتاب الطهارة، 121 - ترك الوضوء من القبلة. وهو حديث حسن. 555 - أبو داود (1/ 46) كتاب الطهارة، 71 - باب الرخصة في عدم الوضوء من مس الذكر. (3) الترمذي (1/ 131) أبواب الطهارة، 62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر. فائدة: قال عليِّ بن المديني: وهو أحسن من حديث بسرة (الآتي) (بلوغ المراد 1/ 13) وفي التلخص الحبير لابن حجر 1/ 46: وصححه عمرو بن عليُّ الفلاس وقال: هو أثبت عندنا من حديث بسرة. (وهبي). (مضغة) المضغةُ: قدر اللقمة من اللحم. (بضعة) البضعة: قطعةٌ من اللحم أكبر من المُضغة.

وأما النسائي (1) فإنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاءه رجلٌ ... وذكر الحديث. 556 - * روى الترمذي عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فلا يُصلي حتى يتوضأُ". وفي رواية (2) الموطأ عن محمد بن عمرو بن حزمٍ قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: دخلتُ على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء؟ فقال مروان: مِنْ مس الذكر الوضوءُ. قال عروة: ما علمتُ هذا. فقال مروان: أخبرتني بُسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ" وأخرج أبو داود (3) والنسائي (4) رواية الموطأ وللنسائي (5) نحوه، وفيه: قال عروة: فلم أزلْ أُماري مروان، حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى بُسرة، وسألها عما حدثت من ذلك؟ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروانُ. وأخرج النسائي (6) رواية الترمذي، وله في أخرى (7) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مسَّ فرجَهُ فليتوضأ". وفي أخرى (8): "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ".

_ (1) النسائي (1/ 101) 1 - كتاب الطهارة، 119 - باب ترك الوضوء من مس الذكر، وهو حديث صحيح. 556 - الترمذي (1/ 126) أبواب الطهارة، 61 - باب الوضوء من مس الذكر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (2) الموطأ (1/ 42) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب الوضوء من مس الفرج. (3) أبو داود (1/ 46) كتاب الطهارة، 70 - باب الوضوء من مس الذكر. (4) النسائي (1/ 100) 1 - كتاب الطهارة، 118 - باب الوضوء من مس الذكر. (5) النسائي: نفس الموضع السابق ص 101. (6) النسائي (1/ 216) 4 - كتاب الغسل والتيمم، 30 - باب الوضوء من مس الذكر. (7) النسائي: نفس الموضع السابق ص 216. (8) النسائي: نفس الموضع السابق ص 216. وهو حديث صحيح.

- الوضوء من النوم

- زاد في الأوسط (1) والكبير بعد ذكره أو أنثييه أو رَفغيه. ونقل ابن خزيمة عن مالك وأحمد استحباب الوضوء من مس الذكر دون الوجوب. أقول: قال الحنفية: لا ينتقض الوضوء بمس القبل أو الدبر، وقال المالكية: ينتقض الوضوء بمس الذكر لا بمس الدبر إذا مسه عمداً أو سهواً من غير حائل ببطن الكف أو جنبه أو ببطن إصبع وبجنبه لا بظهره، وذلك عندهم في حق البالغ والبالغة، وقال الشافعية والحنابلة: ينتقض الوضوء بمس قبل ودبر من المرأة والرجل من نفس الإنسان أو من غيره، صغيراً أو كبيراً حياً أو ميتاً ولا يفرِّق الحنابلة بين باطن الكف وظهره، والشافعية لا يرون أن ظاهر الكف وحرفه ورؤوس الأصابع وما بينها ينقض الوضوء، والذي ينقض الوضوء عندهم هو ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير وفي الإبهامين بوضع باطن أحدهما على باطن الآخر فما استتر من الكف بهذا الضابط هو الذي ينقض الوضوء، وكل من الأئمة وجه ما ورد بما يتفق مع مذهبه أو اعتبر ما خالفه منسوخاً أو ضعيفاً أو أقل صحة. (الفقه الإسلامي 1/ 277 - 279). - الوضوء من النوم: 557 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان ينام جالساً ثم يُصلي ولايتوضأ. 558 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قتادةُ: قال أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عيه وسلم ينامون ثم يُصلون ولا يتوضؤون، قال: قلت: أسمعته من أنس؟ قال: إيْ والله.

_ (1) الطبراني "المعجم الكبير" (24/ 200). مجمع الزوائد (1/ 245) قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط والكبير وهو في السنن خلا ذكره الأنثيين والرفغين، ورجاله رجال الصحيح. (رفغيه): الرفغ: بالضم والفتح واحد الأرفاغ وهو الإبط، والأرفاغ أصول المغابن كالآباط والحالب وغيرها من مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق. والمراد هنا: ما حول الدبر. 557 - الموطأ (1/ 22) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة، وإسناده صحيح. 558 - مسلم (1/ 284) 3 - كتاب الحيض، 33 - باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.

559 - * روى أبو داود عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكاءُ السَّهِ العينان فمن نام فليتوضأ". أقول: هذا محمول على من نام غير ممكنٍ مقعدته من الأرض أو نام عل هيئة يتوقع معها خروج شيء منه، أما من مكن مقعدته من الأرض أو كان على هيئة لا يتوقع معها خروج شيء منه فلا ينتقض وضوؤه. 560 - * روى أحمد عن رجل قال رأيتُ نبي الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم صلى ولم يتوضأ. وهناك روايات تذكر أن ذلك كان في سجوده عليه الصلاة والسلام. أقول: قال الحنفية والشافعية: إن النوم الناقض للوضوء هو الذي لم تتمكن فهي المقعدة من الأرض أو محل الجلوس الذي لا يتوقع معه خروج شيء، ولا ينتقض الوضوء عند الحنفية بالنوم حالة القيام والقعود والسجود في الصلاة وغيرها، لأن بعض الاستمساك باق إذ لو زاد لسقط، فلم يتم الاسترخاء. وقال المالكية والحنابلة: إن النوم الخفيف أو اليسير لاينقض، أما النوم الثقيل فينقض الوضوء، وتعرف النوم الثقيل عند المالكية: هو ما لم يشعر صحبه بالأصوات أو بسقوط شيء من يده أو بسيلان ريقه ونحو ذلك، فإذا شعر بذلك فنومه خفيف ولو طال زمنه فلا ينقض، والنوم اليسير ند الحنابلة: هو ما كان يسيراً عرفاً من جالس أو قائم، فهم كالشافعية في غير الجالس ويزيدون على الحنفية أن النوم الكثير في كل الأحوال ناقض، فإن نام، وشكَّ هل نومه كثير أو يسير اعتبر طاهراً وإن رأى رؤيا فهو نوم كثير. (رد المحتار 1/ 95 المغني 1/ 173 الفقه الإسلامي 1/ 270 - 273).

_ 559 - أبو داود (1/ 52) كتاب اطلهارة، 80 - باب الوضوء من النوم، وهو حديث حسن. (وكاء السه) الوكاءُ: ما يشد به رأس القربة ونحوها، والسَّه: الإست، وقيل هي حلقة الدُّبر. قال محقق الجامع: وروى البيهقي من طريق يزيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة قول: ليس على المحتبي النائم، ولا على القائم النائم، ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع، فإذا اضطجع توضأ، قال الحافظ في "التلخيص": وإسناده جيد، وهو موقوف. 560 - أحمد (3/ 414)، إسناده جيد.

الوضوء مما مست النار

561 - * روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت في حديث الكسوف: قمت حتى تجلاني الغشيُ، وجعلتُ أُصبُّ فوق رأسي ماء، قال عروة: ولم تتوضأ. هذا طرف من حديث طويل. أقول: لم يصل الحال مع أسماء رضي الله عنها إلى الإغماء الكامل ولذلك لم تتوضأ، أما الإغماء الكامل فإنه يذهب معه الحس وقد يترتب عليه خروج شيء من أحد السبيلين فهو أشد من النوم، فيكون ناقضاً للوضوء، والحديث اللاحق يدل على ذلك. 562 - * روى الشيخان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة، فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أصلي الناسُ؟ " قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: "ضعُوا لي ماء في المخضب"، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينُوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: "أصلَّي الناسُ"؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: "ضعُوا لي ماء في المخضب"، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال: "أصلي الناسُ؟ " قلنا، لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: "ضعوا لي ماء في المخصب"، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلي الناسُ؟ " فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله. الوضوء مما مست النار: 563 - * (1) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وجده عبد الله بن قارظٍ يتوضأ على

_ 561 - البخاري (1/ 288) 4 - كتاب الوضوء، 37 - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل. مسلم (2/ 624) 10 - كتاب الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف. 562 - البخاري (2/ 172) 10 - كتاب الأذان، 51 - باب إنما جعل الإمام ليؤتم به. مسلم (1/ 311) 4 - كتاب الصلاة، 21 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما. (مخضب) المخضب: المركن والإجانة. (لينوء) ناء ينوءُ إذا نهض ليقوم. 563 - مسلم (1/ 272) 3 - كتاب الحيض، 23 - باب الوضوء مما مست النار.

ظهر المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثوارِ أقِطٍ أكلتُها، لأني سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ: "توضئوا مما مست النارُ". 564 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله، قال: كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم "ترك الوضوء مما مستِ النارُ". 565 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاةٍ وصلى ولم يتوضأْ"، وللبخاري (1): "أنه انتشَلَ عرقاً من قدرٍ" وفي أخرى (2): "تعرقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كتفاً"، ولمسلم (3): "أنهُ أكل عرقاً أو لحماً ثم صلى ولم يتوضأ، ولم يمس ماءً". وأخرج أبو داود (4): "أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يدهُ بمسحٍ كان تحتهُ، ثم قام فصلى" وفي أخرى (5): "انتهَشَ منْ كتفٍ، ثم صلى، ولمْ يتوضأ". وفي رواية (6) النسائي قال: "شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خُبزاً ولحماً، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأْ".

_ (1) النسائي (1/ 150) 1 - كتاب الطهارة، 122 - باب الوضوء مما غيرت النار. (أقط) الأقط: لبنٌ جامد مستحجر (أثوار) الأثوار: جمع ثور، وهو القطعة من الأقط. 564 - أبو داود (1/ 49) كتاب الطهارة، 75 - باب يترك الوضوء ممامست النار. النسائي (1/ 108) كتاب الطهارة، 123 - باب تر كالوضوء مما غيرت النار. ابن خزيمة (1/ 28) كتاب الطهارة، 31 - باب ذكر الدليل على أن ترك النبي مما مست النار أو غيرت، ناسخ لوضوئه، كان مما مست النار أو غيرت. وهو حديث صحيح. 565 - البخاري (1/ 310) 4 - كتاب الوضوء، 50 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق. مسلم (1/ 273) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. (1) البخاري (9/ 545) 70 - كتاب الأطعمة، 18 - باب النهش وانتشال اللحم. (2) البخاري: نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 273) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. (4) أبو داود (1/ 48) كتاب الطهارة، 75 - باب في ترك الوضوء مما مست النار. (5) أبو داود: نفس الموضع السابق. (انتشل عرقاً): العرقُ: العظم ذو اللحم أُخِذُ منه معظم اللحم. وانتشله: أخذه من القدر باليد. (تعرق) ما على العظم من اللحم: إذا أكلهُ. (انتهس) نهسُ اللحم: أخذه بمقدم الأسنان، وكذلك انتهسته، كذا قال الجوهري. (6) انسائي (1/ 108) 1 - كتاب الطهارة، 123 - باب ترك الوضوء مما غيرت النار.

566 - * روى الشيخان عن ميمونة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفاً، ثم صلى ولم يتوضأ". أقول: الأكل مما طبخ لا يؤثر على نقض الوضوء، ففعل أبي هريرة إما من باب الورع، وأما لأنه لم يعرف أن الحكم قد نسخ، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 43) (واحتج هؤلاء بحديث توضؤوا مما مست النار، واحتج الجمهور بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين: أحدهما أنه منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه، قال: كان آخر الأمرين. فذكره والجواب الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار، ا. هـ ملخصاً). وجمع الخطابي وغيره بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب. (انظر إعلاء السنن 1/ 106). 567 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري رضي الله عنه "أن أنس بن مالك قدم من العراق، فدخل عليه أبو طلحة وأُبيُّ بن كعبٍ، فقرب لهما طعامً قد مسته النار، فأكلوا منه، فقام أنسٌ فتوضأ، فقال له أبو طلحة وأُبيُّ بن كعب: ما هذا يا أنسُ؟ أعراقيةٌ؟ فقال أنس: ليتني لم أفعلْ، وقام أبو طلحة وأُبيُّ بن كعبٍ، فصليا ولم يتوضأ". قال الزرقاني في "شرح الموطأ" أي: أبالعراق استفدت هذا العلم وتركت عمل أهل المدينة المتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الزرقاني في "شرح الموطأ": فدل فعلهما وإنكارهما - وهما من هما - على أنس ورجوعه إليهما، على أن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار (1)، وهو من

_ 566 - البخاري (1/ 312) 4 - كتاب الوضوء، 51 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. مسلم (1/ 274) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. 567 - الموطأ (1/ 27) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب ترك الوضوء مما مسته النار، وإسناده صحيح.

الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه، ومن ثم ختم به الباب - يعني مالكاً في الموطأ - وهو يفيد أيضاً رد ما ذهب إليه الخطابي من حمل أحاديث الأمر على الاستحباب، إذ لو كان مستحباً ما ساغ إنكارهما عليه، والله أعلم. 568 - * روى الطبراني عن وائل بن داود عن إبراهيم قال: الوضوء مماخرج وليس مما دخل والصوم مما دخل وليس مما خرج. وروى هذا الحديث مرفوعاً لكن لم يصح، وروى نحوه البيهقي موقوفاً على ابن عباس بسند صحيح، وهذا من جملة أدلة من قال بعدم الوضوء مما مست النار. 569 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأْ، وإن شئت فلا تتوضأْ"، قال: أتوضأْ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم" فتوضأ من لحوم افبل، قال: أُصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم"، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا". وذكر النووي أن النهي نهي كراهة لما ذكر. قال الحافظ ولي الدين العراقي: يحتمل أن يكون قوله "فإنها من الشياطين" على حقيقته، وإنها أنفسها شياطين، وقد قال أهل الكوفة: إن الشيطان كل عاتٍ متمرد من الإنس والجن والدواب أو مشبهة بها في النفرة والتشويش أو مقارنة لها، فقد روى النسائي وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي مرفوعاً: على ظهر كل بعير شيطان، فإذا ركبتموها فسموا الله. الحديث. 570 - * روى أبو داود عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: (1) "سُئلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن

_ 568 - مجمع الزوائد (1/ 243) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 569 - مسلم (1/ 275) 3 - كتاب الحيض، 25 - باب الوضوء من لحوم الإبل. (مرابض الغنم): موضع رُبوضها، وهو الموضع الذي تكون فيه. (مبارك الإبل): موضع بُروكها، وإنما نهى عن مبارك الإبل لما يعرضُ لها من النفار والاضطراب في أكثر أحوالها، وذلك مما يُلهي المصلي ويشغله، أو يؤذيه بحركتها. 570 - أبو داود (1/ 47) كتاب الطهارة، 72 - باب الوضوء من لحوم الإبل.

- مما يستحب له الوضوء

الوضوء من لوحم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها"، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: "لا توضؤوا منها"، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: "لا تصلُّوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين"، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: "صلوا فيها، فإنها بركةٌ". وأخرج الترمذي إلى قوله: "لاتوضؤوا (1) منها". أقول: لا ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل إلا عند الحنابلة، واعتبره غيرهم منسوخاً، أما هم فيذهبون إلى أن أكل لحم الإبل على كل حال نيئاً ومطبوخاً ينقض الوضوء علم بذلك الأكل أو لم يعلم. جاء في إعلاء السنن: عن: أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً: إذا كان أحدكم على وضوء فأكل طعاماً فلا يتوضأ إلا أن يكون لبن الإبل إذا شربتموه، فتمضمضوا بالماء". رواه الطبراني في الكبير والضياء (كنز العمال 5: 79) قلت: أما إسناد الطبراني فقال في مجمع الزوائد (1: 102): لم أر من ترجم أحداً منهم، وأما إسناد الضياء فصحيح على قاعدة الإمام السيوطي المذكورة في خطبة كنز العمال. ثم قال: (فالوضوء) هنا محمول على المضمضة فإن الحديث يفسر بعضه بعضاً، (إعلاء السنن 1/ 108 - 109). - مما يستحب له الوضوء: 571 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كُنَّا لا نتوضأ من موطيءٍ، ولا نكُفُّ شعراً ولا ثوباً".

_ (1) الترمذي (1/ 123) أبواب الطهارة، 60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل. وهو حديث صحيح. 571 - أبو دود (1/ 53) كتاب الطهارة، 81 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله، وإسناده صحيح. (موطئ) الموطئُ: ما يُوطأ في الطريق من الأذى، أراد: أنهم كانوا لا يُعيدون الوضوء من الأذى الذي يُصيبُ أرجلهم، ولا كانوا يغسلونها منه. (لا نكلف شعراً ولا ثوباً) أي: لا نقيها من التراب إذا لينا صيانة لها عن التتَّريب، ولكن نُرسلها فتقع على

572 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحبُّ إليَّ من أن أتوضأ من الطعام الطيب. 573 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما رجلٌ يصلي مسبلٌ إزاره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فتوضأْ"، فذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال رجل: يا رسول الله، مالك أمرته أن يتوضأ؟ قال: "إنه كان يصلي وهو مسبلٌ إزاره، وإن الله لا يَقبلُ صلاة رجلٍ مُسبلٍ إزاره". أقول: هذان النصان: أصلان لما ذهب إليه بعضهم أن الإنسان إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة يندب له أن يتوضأ فهذا إنسان خالف السنة في إسبال الإزار فأُمر أن يتوضأ بسبب ذلك وابن مسعود يرى الوضوء من الكلمة الخبيثة. 574 - * روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى، ولم يتكلم". أقول: اتفق الفقهاء على أن من سبقه حدث في الصلاة فالأفضل في حقه سواء كان إماماً أو مأموماً، أن يذهب ويتوضأ ويستأنف صلاته وأجازوا له أن يذهب فيتوضأ ويكمل صلاته بشروط كثيرة وتفصيلات كثيرة، ومن أدلتهم في ذلك فعل ابن عمر الذي مر معنا. 575 - * روى أبو يعلي عن جابر قال: سُئل عن الرجُل يضحَكُ في الصلاة، قال: يعيدُ الصلاة ولا يعيد الوضوء. أقول: قال الحنفية إذا ابتسم الإنسان في الصلاة فلا تبطل صلاته ولا ينتقض وضوؤه، والقهقهة ما يكون مسموعاً لجيرانه، والضحك ما يسمعه دون جيرانه (1)، والتبسم

_ الأرض إذا سجدنا مع الأعضاء. 572 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 284). مجمع الزوائد (1/ 254) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 573 - أبو داود (1/ 172) كتاب الصلاة، 83 - باب الإسبال في الصلاة. 574 - الموطأ (1/ 38) 2 - كتاب الطهارة، 10 - باب ما جاء في الرعاف، وإسناده صحيح. 575 - مجمع الزوائد (2/ 82) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

- آداب الانصراف من الصلاة لمن انتقض وضوؤه

ما لا صوت فيه وإن بدت به الأسنان. ويستدل الحنفية لوجوب الوضوء لمن ضحك في الصلاة قهقهة بما ورد عن أبي العالية الرياض أن أعمى تردى في بئر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء ويعيد الصلاة، رواه عبد الرزاق ورجاله رجال الصحيحين وفي آثار السنن إسناده مرسل قوي ا. هـ وللحديث روايات أخرى مسندة ومرسلة. (انظر إعلاء السنن 1 - 95 - 98 ونصب الراية 1/ 47). - آداب الانصراف من الصلاة لمن انتقض وضوؤه: 576 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في صلاته فلينصرفْ، فإن كان في صلاة جامعةٍ، فليأخذْ بأنفه ولينصرفْ". 577 - * روى الطبراني عن جرير أن عمر صلى بالناس فخرج من إنسان شيءٌ فقال عزمتُ على صاحب هذا إلا توضأ وأعاد الصلاة، فقال جريرٌ لو تعزمُ على كل من سمعها أن يتوضأ ويعيد الصلاة فقال نعم قلت جزاك الله خيراً فأمرهم بذلك. وهذا دخل في باب الستر على من خرج منه ريح كما يدخل في باب الذوقيات التي يحسن بالمسلم مراعاتها.

_ 576 - أبو داود (1/ 291) كتاب الصلاة، 235 - باب استئذان المحدث الإمام. ابن ماجه (1/ 386) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها 138 - باب ما جاء فيمن أحدث في الصلاة كيف نصرف. ابن خزيمة (2/ 108) 413 - باب الأمر بالانصراف من الصلاة إذا أحدث المصلى فيها، وهو حديث صحيح. (فليأخذ بأنفه) إنما أمره أن يأخذ بأنفه، ليوهم القوم أن به رُعافاً، وهو نوع من الأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح، والتورية بالأحسن عن الأقبح، ولا يدخل في باب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمُّل والحياء، وطلب السلامة من الناس. 577 - الطبراني "المعجم الكبير" (2/ 292). ورجاله رجال الصحيح.

حكم الشك في الوضوء

حكم الشك في الوضوء: 578 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وضوء إلا من صوتٍ أو ريحٍ". في رواية (1): قال: "إذا كان أحدُكم في المسجد فوجد ريحاً ين إليتيْهِ، فلا يخرجْ حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً". في رواية (2): مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء، أم لا، فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمَعَ صوتاً أو يجد ريحاً". في رواية (3): أبي داود قال: "إذا كان أحدُكم في الصلاة، فوجد حركةً في دُبره: أحدث أو لم يُحدث، فأشكل عليه، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً. 579 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يدخل إليه في صلاته أنه أحدث في صلاته ولم يُحدثْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يُحدث فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأُذُنه أو يجد ريح ذلك بأنفه". ولأحمد (4): "إن أحدكم إذا كن في الصلاة جاءه الشيطانُ فأنس به كما يأنسُ

_ 578 - الترمذي (1/ 109) أبواب الطهارة، 56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (1) نفس الموضع. (2) مسلم (1/ 276) 3 - كتاب الحيض، 26 - باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته. (3) أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 68 - باب إذا شك في الحدث. 579 - الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 222). البزار "كشف الأستار" (1/ 147) كتاب الطهارة - باب ما ينقض الوضوء ورجاله رجال الصحيح. (4) أحمد (2/ 330).

بدايته فإذا سكن له أضرط بين إليتيه ليفتنهُ عن صلاته فإذا وجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". ورجاله رجال الصحيح وهو عند أبي داود (1) باختصار كذا في مجمع الزوائد. في رواية (2): "فإذا سكن له زنقهُ أو ألجمهُ قال أبو هريرة فأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلاً وأما الملجوم فتراه فاتحاً فاه لا يذكر الله". 580 - *روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال إن الشيطان ليطيْفُ بالرجل في صلاته ليْقطع عليه صلاته فإذا أعياه نفخ في دبره فإذا أحس أحدُكم من ذلك شيئاً فلا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً. 581 - * روى الشيخان عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: شُكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يُخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". ولفظ البخاري (3): أنه شثكي إليه الرجل الذي يُخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، ف قال: "لا ينفتلُ- أو لا ينصرفُ - حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً". أقول: اليقين: اليقين لا يزول بالشك فمن توضأ بيقين وشك بالحدث فهو متوضيء ومن أحدث بيقين وشك بالوضوء فهو محدث.

_ (1) أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 68 - باب إذا شك في الحدث. (2) أحمد (2/ 330). (زَنَقَه) المزنوق: المربوط بالزناق وهو حلقة توضع تحت حنك الدابة ثم يجعل فيها خيط يشد برأسه تمنع به جماحه، وكذلك المزنوق: المائل شقه لا يذكر الله تعالى. 580 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 286) ورجاله موثقون وفيه عنعنة الأعمش لكن يشهد له ما سبق. 581 - البخاري (1/ 237) 4 - كتاب الوضوء، 4 - باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن. مسلم (1/ 276) 3 - كتاب الحيض، 26 - باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك. أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة - باب إذا شك في الحدث. النسائي (1/ 98) كتاب الطهارة، 15 - باب الوضوء من الريح. (3) البخاري (4/ 294) 34 - كتاب البيوع، 5 - باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - مر معنا أن النية واجبة عند الجمهور سنة عند الحنفية: وقال صاحب الهداية: فالنية في الوضوء سنة عندنا، وعند الشافعي فرض، لأنه عبادة، فلا يصح بدون النية، كالتيمم. ولنا أنه لا يقع قربة إلا بالنية، لكن يقع مفتاحاً للصلاة لوقوع طهارة باستعمال الطهر بخلاف التيمم، لأن التراب غير مطهر إلا في حالة إرادة الصلاة أو هو ينبئ عن القصد. (1: 13). وقال في البدائع: ولنا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (1) الآية، أمر بالغسل والمسح مطلقاً عن شرط النية، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل، ولأن الأمر بالوضوء لحصول الطهارة، لقوله تعالى في آخر آية الوضوء: ولكن يريد ليطهركم، وحصول الطهارة لا يقف على النية، بل على استعمال المطهر في محل قابل للطهارة، والماء مطهر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه. وقال تعالى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (2)، والطهور اسم الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، والمحل قابل على ما عرف. وبه تبين أن الطهارة عمل الماء خلقة وفعل اللسان فضل في الباب، حتى لو سال عليه المطر أجزأه عن الوضوء والغسل فلا يشترط لهما النية لأن اشتراطها لاعتبار الفعل الاختياري، وبه تبين أن اللازم للوضوء معنى الطهارة ومعنى العبادة فيه من الزوائد، فإن اتصلت به النية يقع عبادة، وإن لم تتصل به لا يقع عبادة، لكنه يقع وسيلة إلى إقامة الصلاة، لحصول الطهارة، كالسعي إلى الجمعة. ا. هـ ملخصاً (1: 20). (انظر لزيادة بيان إعلاء السنن 1 - 51 - 55). - إذا تعمد الإنسان الحدث في الصلاة بطلت صلاته بالإجماع، وقال بعض الحنفية: إذا تعمد ذلك قبل السلام وبعد القعود مقدار التشهد جازت صلاته وكره ذلك تحريماً وعليه

_ (1) المائدة: 6. (2) الفرقان: 48.

الإعادة ما دام في الوقت، وإن سبقه الحدث بدون تعمد بطلت صلاته حالاً عند الشافعية والحنابلة وقال الحنفية إذا كان الحدث سماوياً كرعاف، بني على صلاته إنشاء بعد استكمال الطهارة والأفضل أن يستأنف الصلاة، وقال المالكية كالحنفية يجوز البناء على الصلاة في حالة الرعاف بشروط ستة: إن لم يتلطخ بالدم بما لا يزيد على الدرهم، وأن لا يتجاوز أقرب مكان ممكن للطهارة، وإن يكون المكان الذي يغسل فيه قريباً وألا يستدبر القبلة بلا عذر، وألا يطأ في طريقه نجساً وألا يتكلم خلال ذلك، ومن مثل هذا نعرف أفضلية استئناف الصلاة. - قال الشافعية: يسن تثليث مسح الرأس، والجمهور على أنه لا يسن تكراره. - من السنة عند الحنفية والشافعية: البداءة برؤوس الأصابع إلى المرفقين، والبدء بمقدم الرأس إلى الخلف، والبدء بأعلى على الوجه وقال المالكية: يندب البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو سواء في ذلك الوجه أو اليدان أو الرأس أو الرجلان. - ومن آداب الوضوء الجلوس في مكان مرتفع عن محل سقوط الغسالة واستقبال القبلة، وعدم التكلم بكلام الناس، تحريك الخاتم الواسع إذا كان الماء صل إليه حتماً، ويندب تحريك الخاتم الضيق إن علم وصول الماء وإلا فيفرض تحريكه إلا عند المالكية فإنه لا يجب تحريك الخاتم الضيق المأذون فيه، ومما ينبغي أن يراعيه المتوضيء أن تكون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى والامتخاط باليد اليسر، والتوضأ قبل دخول الوقت لغير المعذور، وترك التنشيق بالمنديل عند الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية ولم ير ذلك المالكية. ومما ينبغي أن يراعى تخليل اللحية الكثة بأخذ شيء من الماء بالكف وإصابة اللحية من باطنها مع تخليلها بالأصابع، وتخليل أصابع اليدين بالتشبك وأصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل خنصر الرجل اليمنى إلى خنصر الرجل اليسرى. - قال المالكية: لا ينتقض الوضوء من السلس الذي يلازم صاحبه نصف الزمن فأكثر وإلا نقضن والسلس عندهم هو ما يسيل بنفسه لمرض: بولاً أو ريحاً أو غائطاً أو مذياً أو دم

استحاضة وعليه أن يتداوى، وإذا انضبط معه في أي وقت أو آخره أو في وسطه وجب عليه أن يصلي حال الانضباط. قال الشافعية: إذا أجريت لإنسان عملية فأصبح الخارج يخرج من مكان دون المعدة، ينتقض الوضوء عندهم بالخارج نتيجة لذلك، وإذا كان ما يخرج من فوق المعدة فلا ينتقض الوضوء، هذا إذا انسد المخرج المعتاد، أما إذا لم ينسد فالأصح أنه لا ينقض سواء كان المخرج تحت المعدة أو فوقها. قال المالكية والشافعية: إن الدم ونحوه لا ينقض الوضوء إلا ما كان دم استحاضة يمكن ضبطها، وعند الحنفية: إذا لم يسل الدم عن محله لا ينقض الوضوء وكذلك إذا سقط لحم من غير سيلان دم أو خرجت دودة من جرح وأنف وأذن. - حرم المالكية والشافعية: مس القرآن بالحدث الأصغر ولو بحائل أو عود، وأجاز الحنفية والحنابلة مسه بعد أو حائل طاهرين وقال الحنفية يحرم على المحدث مس المكتوب من المصحف ولو آية على نقود أو جدار، كما يحرم مس غلاف المصحف المتصل به، ويكره لمسه بالكم تحريماً لتبعيته للامس، ويجوز للصبي مس القرآن أو لوح منه من أجل التعلم والحفظ، ولا يكره مس كتب التفسير إن كان التفسير أكثر، ويجوز حمل الحجب المشتملة على آيات قرآنية ودخول الخلاء بها ومسها ولو للجنب إذا كانت محفوظة بغلاف منفصل عنها. وقال المالكية: ويجوز المس والحمل لمعلمة ومتعلمة بالغتين وإن وجد حيض أو نفاس ولا يجوز ذلك في الجنابة، وقال الحنفية والشافعية: ويباح قلب ورقه بعود، وقال الشافعية: ولا يمنع الصبي المميز من حمل القرآن ومسه للدراسة، ويجوز عندهم حمل التمائم وما على النقد وما على الثيا