أنساب الأشراف للبلاذري
البلاذري
الجزء الأول
الجزء الأول [القول في بيان نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم] [1- من نوح إلى عدنان] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي (نسب نوح وأولاده:) [1] 1- قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن جابر: أَخْبَرَنِي جماعة من أهل العلم بالكتب قالوا: نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس عليه السلام- بن يارد بن مهلائيل [2] بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. 2- وقالوا: لما قتل قائين بن آدم أخاه هابيل، ولد لآدم شيث. فقال آدم: هذا هبة من الله، وخلف صدق من هابيل. فسمي شيث: هبة الله. 3- وروي عن محمد بن إسحاق بن يسار [3] ، إنه قال: سمي أخنوخ «إدريس» لأنه أول من خط بقلم، ودرس الكتب. قال: وكأن أنوش أول من غرس النخلة، وزرع الحبة، ونطق بالحكمة. 4- وقال بعض أهل المدينة: هو نوح بن سلكان بن مثوبة بن إدريس عليه السلام بن الزائد بن مهلهل بن قنان بن الطاهر بن هبة الله بن آدم، وزعم أن ذلك عن الزهري. والأول أثبت وأشهر. 5- وحدثني عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا: العرب العاربة عاد، وعبيل ابنا عوض بن إرم بن سام بن نوح. وجرهم
بن عابر [1] بن سبأ، وهو ابن أرفخشذ بن سام بن نوح. وطسم، وعمليق، وجاسم، وأميم بنو يلمع بن عامر [2] بن أشليخا بن لوذ بن سام بن نوح. وحصر موت وهو حضر موت، وشالاف وهو السلف، والموذاذ وهو الموذ بنو يقظان ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وثمود، وجديس بن إرم بن نوح. ويقظان هو يقطن في قول بعضهم. 6- وقال عباس: قال أبى [3] : رجل ولد السلف في حمير، فقالوا: نحن بنو السلف بن حمير ابن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. قال بنو لوذ: نحن بنو لوذ بن سبأ بن يشجب [4] ابن يعرب. ودخلوا في حمير فانضموا إليه على هذا النسب. 7- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عن [5] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ: [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْعَرَبُ كُلُّهَا بَنُو إِسْمَاعِيلَ إِلا أَرْبَعَ قَبَائِلَ: السلف، والأوزاع، وحضر موت، وَثَقِيفٌ] . 8- وحدثني عباس، عن أبيه، قال: اختلف الناس في قحطان. فقال بعضهم: قحطان هو يقطان المذكور في التوراة بعينه، إلا أن العرب أعربته فقالت قحطان. وقال آخرون: هو قحطان ابن هود عليه السلام بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وهو غير يقطان. وقال هشام: كان أبى، و (ال) شرقى بن القطامي يقولان: قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار، وهو قيدر. وكان
أول من تكلم بالعربية
قيدر صاحب إبل إسماعيل. واسمه مشتق من ذلك. وهو ابن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم بن آزر- وهو تارخ- بن ناخور ابن ساروع بن أرعوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ- والنصارى يقولون: أرفخشاذ- بن سام بن نوح بن لامك. وبعض المدنيين يقولون: أزر بن ناحر بن السارع بن الراع بن القاسم- الذي قسم الأرض بين ولد نوح- ابن كعبر بن السالح بن الرافد بن السائم بن نوح. ويزعم أن ذلك عن الزهري. والأول أثبت وأشهر. وقال الكلبي، والشرقي: إسماعيل أبو كل عربي في الأرض. 9- وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الواقدي: [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم من أسلم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا [1] .] وقال هشام بن الكلبي: سمعت من يذكر أن تارخ لقب لأبي إبراهيم. وقال الشرقي بن القطامي: اسمه تارح، ولقبوه أزر. وهو السند والمعين.. وقال أحمد بن يحيى بن جابر، وحدثت عن أبي روق الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قال: أزر يا شيخ [2] . وأثبت ذلك قول الشرقي. وأهل التوراة يقولون للسند والمعين: عازر. والله أعلم. أول من تكلم بالعربية 10- وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، قال: تكلمت العرب العاربة بالعربية حين اختلفت الألسن ببابل. قال هشام: وأهل/ 3/ اليمن يقولون: أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان.
قال هشام: وأخبرني أبي، والشرقي: أن أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم: إسماعيل عليه السلام حين أتى مكة، وله أقل من عشرين سنة، ونزل بجرهم. فأنطقه الله بكلامه. وكان كلامهم العربية. قال هشام: وسمت العرب إسماعيل: عرق الثرى [1] . يريدون أنه راسخ، ممتد. قال: وقال قوم: سمي بذلك لأن أباه لم تضره النار، كما لا تضر الثرى. 11- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، عن عدة من أهل الرواية، قالوا: لما تفرق ولد نوح في الأرض حين قسمها فالغ بن عابر، وأخ له يقال له يوناطر [2] ، نزلت عاد الشحر، وبه أهلكوا. ونزلت عبيل بناحية يثرب، فأخرجتهم العماليق، بعد حين، من منزلهم. فنزلوا موضع الجحفة. فأتى عليهم سيل، اجتحفهم إلى البحر. فسمى الموضع الجحفة. وكان مع العماليق رجل من بني عبيل، فنجا. فقال، فيما يزعمون: عين بكى وهل يرجع ... ما فات فيضها بالسجام عمروا يثربا وليس بها ... شر ولا صارخ ولا ذو سنام وقال الربيع بن خثيم [3] : ملأت عاد ما بين الشام واليمن. حدثني بذلك أحمد بن إبراهيم الدورقي، عَن أَبِي بكر بْن عياش، عَن عاصم بن بهدلة، عن الربيع قال: إن عادا كانوا قد ملأوا ما بين الشام إلى اليمن، من دلني على رجل من آل عاد، فله ما شاء. ونزلت العماليق في أول الأمر صنعاء اليمن. ثم انتقلوا إلى يثرب فنزلوها. وإنما سميت يثرب برئيس لهم، يقال له يثرب. ثم انتقلوا
إلى ناحية فلسطين من الشام. ومضت عامتهم إلى مصر، وناحية إفريقية. وتفرقوا بالمغرب. فالبرابرة منهم. والبرابرة اليوم يقولون: نحن بنو بر بن قيس. وذلك باطل وإنما غزا رجل من التبابعة، يقال له أفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري إفريقية فافتتحها. فسميت به. وسمع كلام هؤلاء العماليق، فقال: ما أكثر بربرتهم. فسموا البرابرة. وأقام مع البرابرة بنو صنهاجة، وكتامة [1] من حمير. فهم فيهم اليوم. ونزلت ثمود الحجر، بين الحجاز والشام، وبه أهلكوا. ونزلت طسم بين اليمن واليمامة. ونزلت جديس بموضع اليمامة. وكانت اليمامة تعرف بجو، سمتها جديس بذلك. وكانت بين طسم وجديس حروب، أفنت جديس فيها أكثر طسم. فقال القائل: يا طسم ما لاقيت من جديس ثم إن بقية طسم انضمت إلى جديس باليمامة. فتوجه تبع من اليمن، وقدم عبد كلال بن مثوب بن ذي حرث بن الحارث بن مالك بن عيدان، فقتل طسما وجديسا باليمامة. وصلب امرأة من جديس، يقال لها اليمامة بنت مر، على باب جو، فسميت جوّ اليمامة باسمها. وقال حماد الرواية: منعت جديس خرجا كان عليها، فأخذت طسم بذنبهم. فقيل: يا طسم ما لاقيت من جديس. والله أعلم. ونزلت جاسم بالموضع الذي يدعى جاسم، بالشام. وكانوا قليلا. ونزل بنو تميم بين اليمن والحجاز. فدرجوا، حتى لم يبق منهم كبير أحد. ونزلت جرهم بمكة وما حولها. وسموها صلاحا. ثم إنهم استخفوا بحرمة البيت وأضاعوا حقه، فوقع فيهم طاعون أهلك أكثرهم، حتى قويت خزاعة عليهم، وغلبت على البيت وأخرجتهم. فنزلوا بين مكة ويثرب، فهلكوا بداء يعرف بالعدسة إلا من سقط منهم في نواحي البلاد.
(إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام)
(إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام) [1] : 12- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَوَّأَ اللَّهُ لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ، وَهُوَ حَذْوَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي يُدْعَى الصُّرَاحَ. فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَمَعَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ. وَاسْتَعَانَا بِأَوْلادِ جُرْهُمَ بن عابر [2] ابن سَبَأِ بْنِ يَقْطُنَ، فَعَمِلُوا مَعَهُمَا. وَكَانَتْ مَنَازِلُ جُرْهُمٍ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَامَ بأمر البيت بعده قيدر بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأُمُّهُ جُرْهُمِيَّةٌ. ثُمَّ نَبْتُ/ 4/ بْنُ قيدر. ثُمَّ تَيْمَنُ بْنُ نَبْتٍ. ثُمَّ نَابِتُ بْنُ الْهَمَيْسَعِ بْنِ تَيْمَنِ بْنِ نَبْتٍ. فَلَمَّا مَاتَ نَابِتٌ، غَلَبَتْ جُرْهُمُ عَلَى الْبَيْتِ، فَكَانُوا وُلاتَهُ وَقِوَامَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَتَفَرَّقَ وَلَدُ إِسْمَاعِيلَ مِنَ الْعَرَبِ [3] بِتِهَامَةَ، وَفِي الْبَوَادِي وَالنَّوَاحِي إِلا مَنْ أَقَامَ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ وَلَدِ نِزَارٍ، تَبَرُّكًا بِالْبَيْتِ. فَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ على ولد سبأ بمارب ماء، أَرْسَلَ مِنْ سَيْلِ الْعَرِمِ [4]- وَهُوَ سَدٌّ كَانَ لَهُمْ بَيْنَ جَبَلَيْنِ- تَفَرَّقَتِ الأُسْدُ، وَانْخَزَعَتْ مِنْهَا خُزَاعَةُ، وَهُمْ وَلَدٌ لِحَيِّ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرٍو [5] ، مَزِيقِيَا، فَنَزَلُوا بِظَهْرِ مَكَّةَ. فَلَمْ يَزَالُوا يَكْثُرُونَ، وَتَقِلُّ جُرْهُمُ لاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْبَيْتِ وَفُجُورِهِمْ فِيهِ، حَتَّى غَلَبَتْهُمْ خُزَاعَةُ وَأَلْفَافُهَا عَلَى مَكَّةَ، وَطَرَدُوهُمْ عَنْهَا. فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فِي قَبَائِلِ الْيَمَنِ. وَنَزَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَكَّةَ وَيَثْرِبَ، فَأَصَابَهُمُ الدَّاءُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالْعَدَسَةِ، فَهَلَكُوا. قال هشام: ومما يروى في خروج جرهم من مكة شعر عمرو [6] بن الحارث بن مضاض الجرهمى:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ولم يتربع في واسط فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر وقال أيضا [1] : يا أيها الناس سيروا إن نظركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا كنا أناسا كما كنتم فأسلمنا ... دهر فأنتم كما كنا تكونونا حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا وقال بعضهم [2] : واد حرام طيره ووحشه ... نحن ولاته فلا نغشه وابن مضاض قائم يمشه ... يأخذ ما يهدي له يفشه ونزلت حضر موت مكانها من ناحية اليمن. وقال هشام بن الكلبي: تزوج مرتع بن معاوية بن ثور- وثور هو كندي، وإليه تنسب كندة- امرأة من حضر موت. واشترط أبوها عليه أن لا يتزوج سواها، وأن لا تلد إلا في دار قومها. فلم يف بشرطه. فتحاكموا إلى الأفعى بن الحصين الجرهمي- ويقال إنه الأفعى بن الحصين بن تميم بن رهم ابن مرة بن أدد بْن يشجب بْن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب ابن يعرب بن قحطان. وكانت العرب تتحاكم إليه، وثبتوا عنده الشرط الذي كان شرط. فقال الأفعى: «الشرط أملك» . وهو أول من قالها. فأخذ الحضرميون الامرأة وابنها من مرتع، واسمه مالك. فقال مرتع: أما مالك، ابني، فصدف عني. فسمى الصدف. فمن كان من ولد مالك الصدف بن
مرتّع، ببلاد حضر موت، فهم ينسبون إلى كندة، ومن كان بالكوفة، فهم ينسبون إلى حضر موت. ومن الحضرميين من أهل الكوفة: وائل بن حجر من الطبقة الأولى، أوس بن ضمعج مات بولاية بشر بن مروان، أبو الزعراء عبد الله بن هاني، وائل بن مهانة، عبيس بن عقبة، كثير بن نمير، عبد الله ابن الجليل، عبد الله بن يحيى، سلمة بن كهيل، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة حين قتل زيد بن علي عليه السلام. وقال أبو نعيم: مات يوم عاشوراء من هذه السنة. يحيى بن سلمة بن كهيل، توفى في خلافة موسى أمير المؤمنين. أخوه محمد بن سلمة بن كهيل. ومن أهل البصرة: يحيى بن إسحاق، عبد الله بن أبي إسحاق كان صاحب قرآن وخطب، ويكنى بالحرّ، يعقوب بن إسحاق الحضرمي المقرئ، أخوه أحمد بن إسحاق. ويقال إنهم موالي العلاء ابن الحضرمي، وهم من أهل البحرين. ومن أهل الشام: جبير بن نفير الحضرمي، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم في خلافة أبي بكر ومات سنة خمس وسبعين، ويقال في سنة ثمانين، كثير بن مرّة الحضرمى، أبو الزاهرية، واسمه جعفر ابن كريب، ويقال إنه حميري، مات/ 5/ سنة تسع وعشرين ومائة، أبو لقمان الحضرمي، مات سنة ثلاثين ومائة، حاتم بن حريث، مات سنة ثمان وثلاثين ومائة. ومن أهل مصر: عبد الله بن عقبة بن لهيعة، مات في سنة أربع وسبعين ومائة، عون بن سليمان، مات في خلافة المهدي أمير المؤمنين. وبمصر منهم جماعة. 15- وقال محمد بن سعد: بالمدينة قوم من الحضرميين، ولهم دار تعرف بدار الحضرميين، في بنى جديلة. ومولاهم بشر بن سعيد، مات في سنة مائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وكان ينزل في دارهم بالمدينة. 16- أخبرني محمد بن زياد الأعرابي الرواية، عن هشام بن محمد الكلبي [1] قال: من قبائل حضر موت تنعة [2] ، ولهيعة، وهم اللهائع، وأكثرهم بمصر، وضمعج
وهم الضماعج، وعلقمة، وهم العلاقم، والأذمور [1] ، والأربوع، والأملوك، غير الذي في حمير، وذو مران، ويقال إنهم الذين في همدان، وشعب، دخلوا في همدان فقالوا: شعب بن معدي كرب بن [2] حاشد بن جشم، وهم رهط عامر بن شراحيل الشعبي، وشعبان، وهم في حمير، وكان يقال لشعبان عبد كلال، فلما انشعب من قومه قيل «شعبان» ، ومرحب، وجعشم، وهم الجعاشمة، وأحذر (أخمد؟) وهم الأخامدة، وسلع، وذو طحن، ووليعة، غير وليعة كندة، ووائل، وأنسي. قال بعضهم: وجدي الأنسوي أخو المعالى ... وخالي المرحبى أبو لهيعة وردمان، وأسوع، وأحمر دخلوا في همدان، والأثروم، والأذمور [3] رهط الصعبة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي، أم «طلحة بن عبيد الله» المسمى «صاحب رَسُول اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورهط عامر الحضرمى، حليف بنى أمية، بن عبد الله بن عامر الحضرمي صاحب معاوية، وأسروهم بناحية فلسطين، ورهط مسروق بن وائل أبي شمر الذي يقول: وأكرم ندماني وأحفظ غيبه ... وأملأ زق الشرب غير مشائط ويقال إنه من الأذمور [4] . ومن الحضرميين ميمون الحضرمي [5] ، صاحب بئر ميمون بمكة وعندها دفن أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور. ومنهم عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش. وسنذكر خبره إن شاء الله تعالى [6] .
نسب ولد عدنان بن أدد
نسب ولد عدنان بن أدد 17- حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وهب المصري، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة بن حذافة، قال: ما وجدنا في علم عالم ولا شعر شاعر من وراء عدنان بثبت. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [كَانَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بَلَغَ فِي النَّسَبِ إِلَى أُدَدَ، قَالَ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ، كَذَبَ النَّسَّابُونَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [2] .] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْلَمَهُ لَعَلِمَهُ. وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي اليقظان، عن وضاح بْن خيثمة، عن داود بن أبى هند، عن الشعى قال: إنما حفظت العرب من أنسابها إلى أدد. قال الكلبي: فأدد من ولد نابت بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيدر بن إسماعيل. وقال بعض المدنيين: أدد من ولد الهميسع بن أشجب بن نبت بن قيدر بن إسماعيل وقول الكلبى أثبت. [2- من عدنان إلى مضر] [ولد أدد] 18- وولد أدد: عدنان - وأمه، فيما ذكر غير الكلبي، المتمطرة بنت علي، من جرهم أو من جديس-، ونبت [3] ، وعمرو، درج [4] . فولد نبت بن أدد: شقرة. وهم في مهرة بْن حيدان بْن عَمْرو بْن الحاف بن قضاعة. قال الشاعر، وهو الحارث بن نمر التنوخي [5] :
19 - وولد عدنان:
أي يومي من الموت أفر ... يوم لم يقدر أم يوم قدر إن أخوالي من شقرة قد ... لبسوا لي عيسا جلد نمر نحتوا أثلتنا ظلما ولم ... يرهبوا لفت الوبال المستمر فلئن طأطأت في قتلهم ... لتهاضن عظامي من عفر ولئن غادرتهم في ورطة ... لأكونن نقرة الشيخ النقر ويشجب [1] بن نبت، وهم في وحاطة [2] من ذي الكلاع، من حمير/ 6/ ويقال، والله أعلم، إن نبت بن أدد هذا هو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بن يعرب بن قحطان. وبعض الرواة يقول: هو عدنان بن أدد. والثبت أنه عدنان بن أدد. 19- وولد عدنان: معد- وبه كان يكنى والديث، وأبي، والعي. وهو الثبت. وبعضهم يقول: العي، وعدين درج. هؤلاء الثلاثة، وأمهم مهدد بنت اللهم بن جلحب، من [3] جديس. وقال بعضهم: هي من طسم. والأول أثبت. 20- فولد الديث بن عدنان: عك. ويقال: إنه عك [4] بن عدنان نفسه. وبعضهم يقول: عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث. وبعض الناس يقول: عك بن عدثان بن عبد الله بن الأزد. وذلك تصحيف، ليس في الأزد عدثان (مضموم العين تعجم بثلاث) إلا عدثان بن عبد الله بن زهران ابن كَعْبِ بْن الْحَارِث بْن كَعْبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك بْن نَصْرِ بْن الأَزْدِ، وهو أبو دوس. وقال الكميت بن زيد الأزدى:
كعكّ في مناسبها منار ( ... ؟ ءالى) عدنان واضحة السبيل وقال عباس [1] بن مرداس السلمي: وعك بن عدنان الذين تلقبوا ... بغسان حتى طردوا كل مطرد 21- فولد عك بن الديث- واسم عك «الحارث» -: الشاهد، وصحار واسمه غالب، وسبيع درج، وقرن وهم في الأزد يقولون: قرن بن عكّ بن عدنان ابن عبد الله بن الأزد. 22- فولد الشاهد بن عك: غافق، وساعدة. 23- فولد غافق: لعسان، ومالك، وقياتة بالتاء. 24- وولد صحار بن عك: السمناة، وعنس [2] ، وبولان. وهما عدد عك. فمن بني بولان: مقاتل بن حكيم بن عبد الرحمن الخراساني، من رجال دولة بني العباس. 25- فولد لعسان بن غافق: الحوثة، وأسلم، وأكرم. فولد أكرم: وائل، وريان [3] بالراء، وخضران. 26- وولد مالك بن غافق: رهنة، وصحار. 27- وولد القياتة بن غافق: أحدب، وأوفى [4] ، وأسليم، وخدران، وأسلم. 28- وولد رهنة بن مالك: كعب، وطريف، ومالك. 29- وولد صحار بن مالك بن غافق بن الشاهد: عبد، وربيعة، ومعاوية.
32 - وولد معد بن عدنان:
30- وكان من ولد غافق: سملقة بن مرى بن الفجاع صاحب أمر عك يوم قاتلوا غسان. وهو أول من جز ناصية أسير، وأطلقه. وكان رئيس غسان يومئذ ربيعة [1] بن عمرو. 31- ويقال إن أول من كسا الكعبة عدنان. كساها أنطاع الأدم. 32- وولد معد بن عدنان: نزار بن معد- وبه كان يكنى، ويقال إنه يكنى أبا حيدة، وبعضهم يقول إنه كان يكنى أبا قضاعة- وقنص بن معد، وقناصة، وسنام [2] ، والعرف، وعوف، وشك، وحيدان، وحيدة، وعبيد- الرماح- في بني كنانة بن خزيمة- وجنيد في عك، وجنادة، والقحم. وأمهم معانة بنت جشم [3] بن جلهة بن عمرو، من [4] جرهم. وبعضهم يقول جلهمة. والأول أثبت. وقال بعضهم: اسمها عنة بنت جوشن، من [5] جرهم. وقال ابن مزروع: اسمها ناعمة. والأول قول ابن الكلبي. وقال هشام بن محمد: يقال إن معانة كانت عند مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير، ثم خلف عليها بعده معد بن عدنان فجاءت معها بقضاعة ابن مالك بن عمرو. فكان يقال له قضاعة بن معد. فولدت. قال: ويقال إن معانة كانت بديا عند معد، فولدت له قضاعة، ثم خلف عليها مالك بن عمرو، وتبنى قضاعة فنسب إليه. وأن قضاعة كان يسمى عمرا. فلما تقضع عن قومه، أي بعد، سمي قضاعة. والله أعلم. 33- وقال هشام: كان عمرو بن مرة الجهني أول من ألحق قضاعة باليمن. فقال بعض البلويين:
أيا إخوتي لا ترغبوا عن أبيكم ... ولا تهلكوا في لجة لجها عمرو 34- وقال بعض الرواة: أم قضاعة عكبرة. وقال الكلبي: لا أدري ما هذا. 35- وحدثني أَبُو عدنان الأعور، عَنْ أبي زيد الأنصاري النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: لم تزل قضاعة/ 7/ معدّية في الجاهلية، وتحولوا فقالوا: قضاعة بن مالك ابن عمرو. وذلك لأن بني مالك بن عمرو إخوتهم لأمهم. وحدثني أبو الحسن المدائني، عن أبي اليقظان أن عمر بن عبد العزيز- وكانت أم أبيه كلبية- قال لبعض أخوال أبيه: إن علىّ منكم لغضاضة غضّتكم حرب قوم، فابتغيتم عن أبيكم وانتميتم [1] إلى غيره، وكنتم إخوة قوم لأمهم فصيرتم أنفسكم إخوتهم لأبيهم وأمهم. وحدثني محمد بن الأعرابى الرواية، عن المفضل الضبي، عن القاسم بن معن وغيره: أن أول من ألحق قضاعة بحمير، عمر (و) بن مرة الجهني، وكانت له صحبة. وروي عن هشام بن عروة، عن عائشة، قالت: [قالت: قلت يا رسول الله، قضاعة ابن من؟ قال: ابن معد] . وحدثني محمد بن حبيب مولى بني هاشم، قال أنشدني أبو عمرو الشيبانى لشاعر قديم: قضاعة كان ينسب من معد ... فلج بها السفاهة والضرار فإن تعدل قضاعة عن معد ... تكن تبعا وللتبع الصغار وزنيتم عجوزكم وكانت ... حصانا لا يشم لها خمار وكانت لو تناولها يمان ... للاقى مثل ما لاقى يسار وأكره أن تكون شعار قومي ... لذي يمن إذا ذعرت نذار
قال: وكان «يسار» هذا عبدا لإياد، فتعرض لابنة مولاه فزجرته. فأتى صاحبا له فاستشاره في أمرها. فقال له: ويلك يا يسار كل من لحم الحوار، واشرب من لبن العشار، وإياك وبنات الأحرار. فقال: كلا، إنها تبسمت في وجهى. فعادوها، فقالت له: ائتني الليلة. فلما أتاها، قالت: ادن مني أشمك طيبا. فلما دنا، جدعت أنفه بسكين كانت قد أعدته، وأحدته، وكانت قد دفعت إلى وليدتين لها سكينتين، وقالت لهما: إذا أهويت لأجدع أنفه، فلتصلم كل واحدة منكما أذنه التي تليها. ففعلتا ذلك. فلما أتى صاحبه الذي استشاره، قال له: والله ما أدري أمقبل أنت أم مدبر. فقال يسار- ويقال هو يسار الكواعب-: هبك لا ترى الأنف والأذنين، أما ترى وبيص العينين؟ فذهبت مثلا. 36- وقال جميل بن عبد الله بن معمر العذري [1] : أنا جميل في السنام من معد ... الدافعين الناس بالركن الأشد وكان جميل مع الوليد بن عبد الملك في سفر. فقال له: انزل فارتجز. فلما ارتجز بهذا الشعر، قال له: اركب، لا حملك الله. وذلك أنه ظن أن جميلا يمدحه كما مدحه راجز قبله، فقال [2] : يا بكر هل تعلم من علاكا؟ ... خليفة الله على ذراكا ويقال إنّ جميلا لم يمدح أحدا قط. وقال جميل [3] لبثينة بنت حبأ العذرية: ربت في الروابي من معد وفضلت ... على المحصنات الغر وهي وليد وقال زيادة بن زيد العذرى [4] :
وإذا معد أوقدت نيرانها ... للمجد أغضت عامر وتقنعوا «عامر» رهط هدبة بن خشرم. وقال أفلح بن يعبوب، من ولد أمر مناة ابن مشجعة بن تيم [1] بْن النمر بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ [2] بْنِ عِمْرَان ابن الحاف بْن قضاعة، في أيام معاوية بن أبى سفيان [3] : يا أيها الداعي ادعنا وبشر ... وكن قضاعيا ولا تنزر قضاعة بن مالك بن حمير ... النسب المعروف غير المنكر وقال عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلي: وما أنا إن نسبت بخندفي ... وما أنا من بطون بني معد ولكنا لحمير حيث كنا ... ذوي الآكال والركن الأشد 37- قالوا: وكان الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة أجرى وعامر ابن عبيلة فرسين لهما/ 8/ فسبق فرس عامر. فمنعه الحارث سبقته، وقضاعة يومئذ بتهامة. فقال: يا آل معد. فلم يجبه أحد. فقال: والله لو كنت من معد لأجابني بعضهم. فهم قومه بالخروج. فكره بنو معد أن يخرجوا عنهم، ويصيروا إلى غيرهم، فأعطى عامر سبقته. ثم إن خزيمة [4] بن نهد بن زيد، وكان يعشق فاطمة بنت يذكر بن عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، وهو القائل فيها [5] : إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا ظننت بها وظن المرء مما ... يجلي للفتى الأمر المبينا خرج هو ويذكر بن عنزة يطلبان القرظ، فوقعا على هوة فيها نحل.
فقالا: هذه خير مما نطلب. فقال خزيمة، وكان بادنا: إن نزلت الهوة، لم تقدر على رفعي، وأنت نحيف وأنا قوي على رفعك من الهوة. فنزل يذكر، فجعل يجني العسل ويناوله خزيمة [1] . فلما فرغ، قال له: يا يذكر، زوجني فاطمة. فقال: ليس هذا بوقت تزويج. فتركه في البئر، وأتى قومه. فسألوه عنه. فقال: لا علم لي به. ووقع الشر بين بني معد وبني قضاعة. فكان أول من خرج عن معد من تهامة، جهينة وسعد هذيم ابنا زيد بن سود بن أسلم. فنزلا الصحراء. فسمتها العرب صحار. وخرجت بنو نهد عن معد، فنزل بعضها باليمن وبعضها (ب) الشام. فالذين صاروا باليمن: مالك، وخزيمة، وصباح، وزيد، وأبو سود، ومعاوية، وكعب بنو نهد. قال زهير بن جناب الكلبي يذكر تفرق نهد: ولم أر حيا من معد تفرقوا ... تفرق معزى الفزر [2] غير بني نهد وقال أيضا: لقد علم القبائل أن ذكري ... بعيد في قضاعة من نزار وما إبلي بمقتدر عليها ... وما حلمي الأصيل بمستعار والذين جاءوا إلى الشام: عامر، وهم في كلب بن وبرة، وعمرو، ودخلوا في كلب أيضا، والطول، وبرة، وحزيمة، وحنظلة، وهو الذي يقال له «حنظلة بن نهد خير كهل في معد» ، وأبان بن نهد، دخل في بني تغلب ابن وائل. وقال بعض شعرائهم: قضاعة أجلتنا من الغور كله ... إلى جنبات الشام نزجي [3] المواشيا فإن يك قد أمسى شطيرا ديارها ... فقد يصل الأرحام من كان ثابيا
40 - فولد سنام بن معد:
38- وسمي يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة [1] : «القارظ العنزي» ، وضرب به المثل. قال بشر بن أبى خازم الأسدى: فترّجى الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا وقد كان من عنزة قارظ آخر، يقال له عامر بن هميم فقد أيضا. فقال أبو ذؤيب الهذلي [2] : وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب بن وائل ويروى «كليب لوائل» . هو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، من بني تغلب بن وائل. فنسبه إلى وائل. والعرب تقول «كليب وائل» أيضا. 39- وقال هشام بن الكلبي: ويقال إن حيدان بن معد دخلوا في قضاعة، فقالوا: حيدان بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة وحيدان هو أبو مهرة بن حيدان. 40- فولد سنام بن معد: جشم بن سنام، وجاه [3] . وهما في حكم بن سعد العشيرة بن مالك. 41- وولد حيدة بن معد: مجيد، وأفلح، وقزح دخلوا في الأشعرين. ويقال إن ولد قزح وحده دخلوا في الأشعرين، وإن الآخرين درجا. والله أعلم. وقال هشام بن الكلبي: ذكر بعض النساب أن حيدة بن معد ولد أيضا معاوية. فولد معاوية: عفير بن معاوية. فولد عفير: ثور بن عفير. فولد ثور: كندي وهو أبو كندة. وأنشد لامرئ القيس بن حجر الكندي [4] : / 9/ تالله لا يذهب شيخي باطلا ... خير معدّ حسبا ونائلا
42 - وولد القحم بن معد:
وغيره ينشده: «يا خير شيخ حسبا منائلا» . 42- وولد القحم بن معد: أفيان. فولد أفيان: غنث بن أفيان، وهم في بني مالك بن كنانة ابن خزيمة. 43- قال هشام: ودخل بنو عبيد الرماح في كنانة، وهم رهط إبراهيم بن عربي ابن منكث. وكانت أم إبراهيم فاطمة بنت شريك بن سحماء البلوي، من قضاعة. وسحماء أمه، وأبوه عبدة بن مغيث. وبسبب شريك هذا نزل اللعان [1] . حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ الْبَلَوِيَّ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعَجْلانِ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُوَيْمِرٌ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. فَأَتَى عُوَيْمِرٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَمْرِكَ وَأَمْرِ صَاحِبَتِكَ قرآنا، فأت بِهَا. فَلاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ الَّذِي قُذِفَ بِهَا شَرِيكُ بن سمحاء. وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ: لاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ، وكان قد قذفها بشريك بن سمحاء. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَصْهَبَ أَثْبَجَ أَرْشَحَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ.] فَجَاءَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَكْرُوهَةِ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ، وَقَضَى أَنْ لا يُدْعَى وَلَدُ الْمُلاعَنَةِ لأَبٍ، وَلا تُرْمَى وَلا وَلَدُهَا، وَأَنَّ عَلَى من رماها الحد.
وَقَضَى بِأَنْ لا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلا قوته [1] . وقال هشام بن الكلبي: لما كان يوم دار عثمان، ضرب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، فسقطا. فوثبت فاطمة بنت شريك بن سمحاء فأدخلت مروان بيتا كانت فيه قراطيس فأفلت. فكان بنو مروان يحفظون إبراهيم بن عربي ويكرمونه بذلك السبب. فتزوج إبراهيم ابنة طلبة بن قيس بن عاصم التميمى [2] المنقري. وكان عبد الملك قد ولى إبراهيم ابن عربي اليمامة وأعمالها. فأوفد إبراهيم مقاتل بن طلبة بن قيس، أخا امرأته، إلى عبد الملك ومعه أشراف من تميم وعامر بن صعصعة، وكتب إلى الحجاب أن يحسنوا إذنه ويقدموه. فأذن له أول الغد. فلما دخل على عبد الملك، أدناه وأكرمه. فقال: وفضلني عند الخليفة أنني ... عشية وافت عامر وتميم وجدت أبي عند الإمام مقدما ... لكل أناس حادث وقديم وقال رجل من بنى عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم: لولا حر قدمته لابن منكث ... مقلم لباب الأسكتين أزوم [3] لما كنت عند الباب أول داخل ... عشية وافت عامر وتميم قال: واسم عربي عبد الرحمن. وتزوج إبراهيم ابنة عبد الرحمن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. ولإبراهيم عقب. قال: وكان إبراهيم أسود. فقال فيه البعيث المجاشعي: ترى منبر العبد اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع 44- قال ابن الكلبي: ويقال إن معد بن عدنان ولد أودا، فانتسبوا في مذحج فقالوا: أود بن صعب بن سعد العشيرة. وكان معد بن عدنان على عهد بخت نصّر.
ولد نزار
45- وقال بعض الرواة: لم يبق لقنص بن معد عقب. وكان النعمان بن المنذر، من [1] تميم، ونسب إلى لحم، وأن عمر بن الخطاب أتي بسيف النعمان، فأعطاه جبير بن مطعم وقال له- وكان نسابة- ممن كان النعمان؟ فقال: من قنص بن معد. واحتج من روى هذا بقول النابغة الذبياني [2] : / 10/ فإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدّا ملكها وربيعها [ولد نزار] 46- فولد نزار بن معد: مضر بن نزار، وإياد بن نزار، وبه كان يكنى نزار، وأمهما سودة بنت عك، وربيعة، وأنمار، وأمهما الحذالة بنت وعلان بن جوشم بن جلهة بن عمرو، من [3] جرهم. فذكر بعضهم أن أنمار هذا درج [4] بعد موت أبيه نزار ولم يعقب. وقال بعض الرواة: بل غاصب إخوته وانتفى منهم، وأتى اليمن فحالف الأزد وانتسب إلى أراش بن عمرو بن الغوث، أخي الأزد بْن الغوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان، وتزوج بجيلة بنت صعب ابن سعد العشيرة، فنسب ولده منها إليها، وتزوج هند بنت مالك بن الغافق من عك أيضا. فأما بجيلة فولدت له عبقر بن أنمار، والغوث بن أنمار وإخوة لهما. وأما هند فولدت له أفتل [5] وهو خثعم. وقال آخرون: تزوج أنمار هاتين الامرأتين وولدتا له، ثم إن ولده ادعوا بعد موته بحين أنهم من ولد أنمار بن أراش. وقال ابن الكلبي: سمعت من يذكر أن نزارا وهب لأنمار جارية يقال لها بجيلة فحضنت ولده. وذلك باطل، وإنما وهب لإياد جارية اسمها ناعمة. وقال عمرو بن الخثارم البجلي، وهو ينتمى إلى معدّ [6] :
ابنى نزار انصرا أخاكما ... لن يغلب اليوم أخ والا كما إن أبي وجدته أباكما وقال أيضا: لقد تفرقتم في كل قوم ... كتفريق الإله بني معد وكنتم حول مروان حلولا ... جميعا أهل مأثرة ومجد ففرق بينكم يوم عبوس ... من الأيام نحس غير سعد وقال الكميت بن زيد: وليسوا من القوم الذين تبدلوا ... أراشا بإسماعيل أعور من جدل وكان جرير بن عبد الله البجلي نافر الفرافصة بن الأحوص الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي. فقال عمرو بن الخثارم، وكان حاضرا [1] : يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إن يصرع اليوم أخوك تصرع وقال بعضهم: أراد «أخاك في الإسلام» . فنفره إلى الفرافصة. وقال ابن الدمينة الخثعمي [2] لمعن بن زائدة الشيباني: عجل فداك إلى مغيظة حاسدي ... برجاء معتمد لسيبك آمل وأصب بجدواك ابن عم طالبا ... لنداك إنك ذو ندى وفواضل 47- قالوا: وكان يقال لمضر وربيعة «الصريحان» من ولد إسماعيل. وقال بعضهم: أم مضر وإياد خبيّة [3] بنت عك. وقال ابن الكلبي: سودة. وذلك
الثبت. وقال بعضهم: اسم أم ربيعة وأنمار الشقيقة بنت عك. والأول قول ابن الكلبي، وهو أثبت. 48- وقال هشام بن محمد الكلبي: كثرت إياد بتهامة، وبنو معد حلول بها لم يتفرقوا عنها، فبغوا على بني نزار. وكانت منازلهم بأجياد من مكة. وذلك قول الأعشى [1] : وبيداء تحسب آرامها ... رجال إياد بأجيادها فرماهم الله بداء، ففشا الموت فيهم. فخرج من بقي منهم هرابا. فأتت فرقة اليمن، فانتسبوا في ذي الكلاع من حمير. وأقام قسيّ بن منبّه بن النبيت ابن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار (و) ولده بالطائف. وقسي هو ثقيف. ثم انتسبوا إلى قيس، فقالوا: ثقيف بن منبه بن بكر ابن هوازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس بن عيلان. فلذلك يقال إن ثقيفا بقية إياد. ويقال أيضا إنّ قيسيّا كان عبدا لأبي رغال، وكان أصله من قوم نجوا من قوم ثمود. فهرب من مولاه، ثم ثقفه، فسماه ثقيفا، وانتسب ولده بعد حين إلى قيس. ولذلك يقال إن ثقيفا بقية ثمود. وكان الحجاج يقول: يقولون إنا بقية ثمود، وهل بقي مع/ 11/ صالح إلا المؤمنون! 49- فأما أبو رغال، فيقال إن أصله من العرب العاربة، وكان له سلطان بالطائف وما والاه. فكان يأخذ من أهل عمله غنما بسبب خرج كان له عليهم. وكان ظلوما غشوما. فأتى على امرأة تربي يتيما صغيرا في عام جدب وقحط بلبن عنز، (و) لم يكن بالطائف شاة لبون سواها. فأخذها. وبقي الصبي بغير رضاع، فمات. فرمى الله أبا [2] رغال بقارعة، فهلك. ودفن بين الطائف ومكة فقبره هناك يرمى على وجه الدهر. وقوم يقولون: كان أبو رغال عبدا لشعيب بن ذي مهدم الحميري الذي قتله قومه. وكان فيما يزعمون مبعوثا إليهم. فلما بلغه ما فعل
أبو رغال من ترك الصبي بلا رضاع، أمر به، فقتل، وأمر برجم قبره. ويقال إن أبا رغال كان قائد الفيل وبعض أدلاء الحبشة على البيت. فمات فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم قبره. وإن جد أبي الحجاج كان يخدمه. فقيل للحجاج «عبد أبى رغال» . وكان حمّاد الرواية يقول: ثقيف من ولد أبي رغال، وأبو رغال من بقية ثمود، وكان أخذ عنزا ترضع صبيا يتما فهلك الصبي، ولم يرم مكانه حتى مات فرجم قبره. والله أعلم. وقال جرير [1] : إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال 50- وقال هشام بن الكلبي: خرج جل إياد يؤمّون العراق. فنزل بعضهم بعين أوباغ [2] . ونزل باقوهم بسنداد، بين البصرة والكوفة. فأمروا هناك، وكثروا. واتخذوا بسنداد بيتا شبهوه بالكعبة. ثم انتشروا، وغلبوا على ما يلي الحيرة. وصار لهم الخورنق والسدير. فلهم «أقساس مالك» . وهو مالك بن قيس ابن أبى هند بن أبى نجم [3] بن منعة بن برجان بن دوس بن الديل بن أمية بن حذافة ابن زهر بن إياد. ولهم دير الأعور، ودير السواء، ودير قرة، ودير الجماجم. وإنما سمي دير الجماجم لأنه كان بين إياد وبهراء القين حرب، فقتل فيها منَ إياد خلق. فلما انقضت الحرب، دفنوا قتلاهم عند الدير. فكان الناس بعد ذلك يحفرون، فتظهر جماجم. فسمي دير الجماجم. ويقال إن بلال الرماح- وبعضهم يقول بلال الرماح، والرماح أثبت- بْن محرز الإيادي قتل قومًا منَ الفرس، ونصب رؤوسهم عند الدير. فسمي دير الجماجم. ويقال إنهم لما أرادوا بناء الدير، فحفر أساسه، وجد فيه جماجم فسمي دير الجماجم. وأمر الرماح وقتله الفرس أثبت عند الكلبي. 51- وكان بالحيرة من إياد في جند ملوك الحيرة.
52- وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّخَعُ، وَثَقِيفُ بْنُ إِيَادِ بْنِ نِزَارٍ- فَثَقِيفٌ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ النَّبِيتِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ إِيَادٍ، وَالنَّخَعُ بْنُ عَمْرِو بن الطّمثا (ن) بن عوذ مناة بن يقدم بْنِ أَفْصَى- فَخَرَجَا وَمَعَهُمَا عَنْزُ لَبُونٍ يَشْرَبَانِ لَبَنَهَا. فَعَرَضَ لَهُمَا مُصَدِّقٌ مَلِكُ الْيَمَنِ، فَأَرَادَ أَخْذَهَا. فَقَالا: إِنَّمَا نَعِيشُ بِدَرِّهَا: فَرَمَى أَحَدُهُمَا الْمُصَدِّقَ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنَّهُ لا يَحْمِلُنِي وَإِيَّاكَ أَرْضٌ. فَأَمَّا النَّخَعُ فَمَضَى إِلَى بِيشَةَ، فَأَقَامَ بِهَا. وَنَزَلَ قَسِيٌّ مَوْضِعًا قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَرَأَى جَارِيَةً تَرْعَى غَنَمًا لِعَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيِّ، فَطَمِعَ فِيهَا، وَقَالَ: أَقْتُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ أَحْوِي الْغَنَمَ. وَأَنْكَرَتِ الْجَارِيَةُ مَنْظَرَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُرِيدُ قَتْلِي وَأَخْذَ الْغَنَمِ، وَهَذَا شَيْءٌ إِنْ فَعَلْتَهُ قُتِلْتَ وَأُخِذَتِ الْغَنَمُ مِنْكَ، وَأَظُنُّكَ غَرِيبًا خَائِفًا. فَدَلَّتْهُ عَلَى مَوْلاهَا. فَأَتَاهُ، فَاسْتَجَارَهُ. فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَأَقَامَ بِالطَّائِفِ، فَقِيلَ: لِلَّهِ دَرُّهُ، مَا أَثْقَفَهُ، حِينَ ثَقِفَ عَامِرًا فَأَجَارَهُ. وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِيَهُودِيَّةٍ بِوَادِي الْقُرَى، حِينَ قَتَلَ الْمُصَدِّقَ، فَأَعْطَتْهُ قُضْبَانَ كَرْمٍ. فَغَرَسَهَا بِالطَّائِفِ فَأَطْعَمَتْ وَنَفَعَتْهُ. 53- قالوا: وكانت إياد تغير على السواد وتفسد. فجعل سابور بن هرمز بن نرسي بن بهرام بينه وبينهم مسالح بالأنبار [1] / 12/ وعين التمر وغير هاتين الناحيتين. فكانوا إذا أخذوا الرجل منهم، نزعوا كتفه. فسمت العرب سابور «ذا الأكتاف» ثم إن إياد (ا) أغارت على السواد في ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز. فوجه إليهم جيوشا كثيفة. فخرجوا هاربين. وأتبعوا، فغرق منهم بشر، وأتى فلهم بني تغلب. فأقاموا معهم على النصرانية. فأساءت بنو تغلب جوارهم. فصار قوم منهم إلى الحيرة متنكرين، مستخفين، فأقاموا بها. وأتى آخرون نواحي أمنوا بها. ولحق جلهم بغسان بالشام، فلم يزالوا معهم. فلما جاء الإسلام دخل بعضهم بلاد الروم، وأتى بعضهم حمص، وأنطاكية، وقنسرين، ومنبج وما والى هذه المدن. ودخل منهم قوم في خثعم، وفي تنوخ. وبالحيرة
اليوم قوم منهم يقال لهم بنو عبد الخيار، من بني حذافة، وقوم من بني مالك ابن قيس صاحب «أقساس مالك» . قال الشاعر من إياد: قلت حقا حين قالت باطلا ... إنما يمنعني سيفي ويد ورجال حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي [1] : قومي إياد لو أنهم أمم ... ولو أقاموا فيهزل النعم وقال الأسود بن يعفر [2] : ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد وقال الشاعر ينفي ثقيفا من إياد: عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنه من يقدم وقال ابن الكلبي: كان يقال لامرئ القيس بن عمرو بن إمرئ القيس ابن عمرو بن عدي بن نصر «محرق» وهو أول من عاقب بالنار. وهو من لحم، وكان من ملوك الحيرة. وكان عمرو بن هند مضرط الحجارة حرق بني تميم، فسمى أيضا محرقا. 54- وحدثني محمد بن الأعرابي، عن هشام بن محمد الكلبي، قال: كان يقال لإياد «الطبق» لإطباقهم بالشرّ (ة) والعرام على الناس. وكانت
وفاة نزار:
طائفة منهم بناحية البحرين. فخرجت عبد القيس، ومعهم بنو شن بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة [1] بْن أسد بن ربيعة، تطلب المتسع حتى بلغوا هجر وأرض البحرين. فرأوا بلدا استحسنوه ورضوه. فضاموا من به من إياد والأزد، وشدّوا خبلهم بالنحل. فقالت إياد. عرف النحل أهله. فذهبت مثلا. واجتمعت عبد القيس والأزد على إياد، فأخرجوا عن الدار فأتت العراق. وكانت بنو شن أشدهم عليهم. فقال الشاعر: وأفق شن طبقه ... وافقه فاعتنقه وفاة نزار: 55- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا حَضَرَتْ نِزَارًا الْوَفَاةُ أَوْصَى بَنِيهِ- وَهُمْ مُضَرُ، وَرَبِيعَةُ، وَإِيَادٌ، وَأَنْمَارٌ- بِأَنْ يَتَنَاصَفُوا. فَقَالَ: قُبَّتِي الْحَمْرَاءُ، وَكَانَتْ مِنْ أَدَمٍ، لِمُضَرَ. فَقِيلَ مُضَرُ الْحَمْرَاءُ. وَهَذَا الْخِبَاءُ الأَسْوَدُ وَفَرَسِي الأَدْهَمُ لِرَبِيعَةَ. فَسُمِّيَ رَبِيعَةُ الْفَرَسَ. وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ لإِيَادٍ. وَكَانَتْ شَمْطَاءَ، فَقِيلَ إِيَادٌ الشَّمْطَاءُ وَالْبَرْقَاءُ. وَهَذَا الْحِمَارُ لأَنْمَارٍ. فَقِيلَ أَنْمَارُ الْحِمَارِ. وفيه يقول الشاعر: نزار كان أعلم إذ تولّى ... لأنّ بَنِيهِ أَوْصَى بِالْحِمَارِ قال ابن الكلبي: واختلف بنو نزار في قسمة ما ترك أبوهم. فشخصوا إلى الأفعى بن الحصين، وهو بنجران. فبيناهم يسيرون إذ رأى مضر كلأ مرعيا، فقال: لقد رعاه بعير أعور. قال ربيعة: وهو أيضا أزور. وقال إياد: وهو أيضا أبتر. وقال أنمار: وهو أيضا شرود. فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته يسأل عن بعير. فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم. قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم. قال إياد. أهو أبتر؟ قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود؟ قال: نعم، قال: وأنتم والله تعلمون مكان بعيري،
مضر:
/ 13/ فقد وصفتموه صفة المعاين الخبر. فحدثوه الحديث، وقال مضر: رأيته يرعى جانبا ويترك جانبا، فعلمت أنه أعور مال نحو عينه الصحيحة. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه نابته والأخرى فاسدة الأثر، فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه في إحدى جانبيه. وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، ولو كان ذيالا لمصع. وقال أنمار: إنما عرفت أنه شرود لأنه رعى في المكان الملتف نبته ثم جاز إلى مكان أرق نبتا منه وأخبث. فحاكمهم إلى الأفعى. فقصوا عليه القصة، وحلفوا. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه. ثم سألهم عن قصتهم. فقصوها عليه. فقال: أتحتاجون إلي وأنتم في جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟ ثم قال: ما أشبه القبة الحمراء من مال أبيكم، فهو لمضر. فصار لمضر ذهب كان لنزار، وحمر إبله. وقال: ما أشبه الخباء الأسود والفرس الأدهم لربيعة. فصار له جميع إبله السود، ومعزى [1] غنمه، وعبدان أسودان كانا له. وقال: ما أشبه الجارية الشمطاء فهو لإياد. فصار له بلق خيله وغنمه. وقضى لأنمار بفضته وحميره، وبيض ضأنه. فرضوا بحكمه. وقال بعض الرواة: أعطى إيادا عصا أبيه وحلته. فسموا إياد العصا. وأنشد بعضهم: نحن ورثنا من إياد كله ... نحن ورثناه العصا والحلة مضر: وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده قال: كان مضر من أحسن الناس صوتا. فسقط عن بعيره، فانكسرت يده. فجعل يقول: يا يداه! يا يداه! فأنست الإبل لصوته وهي في المرعى. فلما صلح وركب، حدا. فهو أول من حدا، وأول من قال: «بصبصن أو حدين» . فذهبت مثلا.
3 - من مضر إلى النضر بن كنانة
واستعمل الناس الحداء بالشعر بعده، وتزيدوا شيئا بعد شيء. وقيل: إنه ضرب يد غلام له بعصا. فجعل الغلام يقول: يا يداه، يا يداه. فاجتمعت الإبل. 57- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ [بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: لا تَسُبُّوا مُضَرَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا] . وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ مَحْبُوبٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لا تَسُبُّوا مُضَرَ وَرَبِيعَةَ، فَإِنَّهُمَا قَدْ أَسْلَمَا.] [3- من مضر إلى النضر بن كنانة] 58- فولد مضر: إلياس، وبه كان يكنى، والناس، وهو «عيلان» ، حضنه غلام لمضر يقال له عيلان، فسمي به. فقيل لابنه قيس بن عيلان، وقيس عيلان. وهو قيس بن إلياس بن مضر. وأم إلياس والناس- وهو عيلان- الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان. أخبرني علي الأثرم، عن أبي عبيدة أنه قال: يقال للسل والنحافة ياس. قال ابن هرمة: وقول الكاشحين إذا رأوني ... أصيب بداء يأس فهو موده وقال ابن (أبى) [1] عاصية، وهو مع معن باليمن: فلو كان داء الياس بي وأغاثني ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا وقال الشاعر: هو اليأس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا قال: وقد يكون الياس مشتقا من قولهم: فلان اليئيس، وهو الشديد
59 - فولد اليأس بن مضر:
البأس، المقدام، الثابت القلب في الحرب. وقال العجّاج [1] : أليس يمشى قد ما إذا ادكر ... ما وعد الصابر من خير صبر وقال الأثرم، حكى خالد بن كلثوم: الأسد أليس. وقال: أليس بين اللئيس. وجمع ليس ألياس. قال: وكانت خندف لما مات إلياس جزعت عليه، فلم تقم بحيث مات ولم يظلها بيت حتى هلكت سائحة. فضرب بها المثل، وقيل «حزن خندف. وقال الشاعر: / 14/ فلو أنه أغنى لكنت كخندف ... على إلياس حتى أعجبت كل معجب إذا مونس لاحت خراطيم شمسه ... بكت غدوة حتى يرى الشمس تغرب وكان موته يوم الخميس. فكانت تبكي كل خميس من غدوة إلى الليل. وقال الشاعر: لقد عصت خندف من نهاها ... تبكي على إلياس فما أباها 59- فولد إلياس بن مضر: عمرو بن إلياس- وبه كان يكنى، وهو مدركة- وعامر بن إلياس وهو طابخة، وعمير بن إلياس، وهو قمعة. وأمهم خندف. واسمها ليلى بنت حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. 60- وروى عباس، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا: ندت إبل إلياس، فدعا بنيه فقال لعمرو: إني طالب إبلي في هذه الجهة، فاطلبها يا عمرو في هذه الجهة الأخرى. وقال لعامر: التمس لي صيدا، وأعدد لنا طعاما. فتوجه إلياس وعمرو ابنه في بغاء الإبل. وقالت ليلى لإحدى جاريتيها، وكانت لها جاريتان يقال لإحداهما ضبع وللأخرى نائلة: أخرجي في طلب أهلك
فاعرفى خبرهم واستخفيها [1] (من) المتطلع إلى علم خبر زوجها. فخرجت فتباعدت من الحواء مهرولة. وجاء عامر محتقبا صيدا. فقال لنائلة: قصي أثر مولاتك [2] . فلما ولت، قال: تقرصفي (أي: أسرعى. والقرصافة، الخذروف. يقول: كوني كالحذروف في السرعة) . ولم يلبثوا أن جاء الشيخ، وعمرو ابنه، وقد رد الإبل على أبيه، وتوافوا جميعا. فلما وضع الطعام بين أيديهم، قال إلياس: السليم لا ينام ولا ينيم. يقول: من نابه أمر، لم يستقر حتى يقضي اهتمامه به. (والسليم: اللديغ) فقالت ليلى امرأته: والله إن زلت أخندف في طلبكم والهة (والخندفة: الهرولة) . فقال إلياس: فأنت [3] خندف. فغلب اللقب على اسمها. فقال عامر: لكني والله لم أزل في صيد وطبخ حتى جئتم. قال: فأنت [4] طابخة. وقال عمرو: والذي فعلت أفضل، لم أزل بحداء في طلب الإبل حتى أدركتها ورددتها. قال: فأنت [5] مدركة. وقالت نائلة: أنا قصصت أثر مولاتي حتى أشرفت على الموت. قال: فأنت قاصة. وقالت ضبع: وأنا التي تقرفصت لا أتلي. قال: فأنت قرصافة. لكنك يا عمير انقمعت في البيت، فأنت قمعة. فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم. 61- قال هشام، وقال الشرقي بن القطامي: خرج إلياس منتجعا، ومعه أهله وماله. فدخلت بين إبله أرنب، فنفرت الإبل. فخرج عمرو بن إلياس في طلبها، فأدركها. فسماه أبوه «مدركة» . وخرجت ليلى خلف ابنها مهرولة، فقال الشيخ: ما لك إلى أين تخندفين [6] ؟ فسميت «خندف» . وخرج عامر في طلب الأرنب، فصادها وطبخها. فقال له أبوه: أنت طابخة. ورأي عميرا قد انقمع في المظلة، فهو يخرج رأسه منها، فقال له: أنت قمعة.
62- قال هشام: وذكروا أن إلياس بن مضر قال لولده: يا عمرو قد أدركت ما طلبتا [1] ... وأنت قد أنضجت ما طبختا [2] وأنت قد أسأت إذ قمعتا [3] ويقال إن قمعة بن خندف من غير إلياس. 63- وقال الكلبي وشرقي: لما مات نزار، قال ربيعة- وكان أسن من مضر-: ينبغي لنا أن نصير إلى الملك ليعرف مواضعنا، ويجعل الرئاسة لمن رأى منا. فقال مضر: يحتاج في الوفادة إلى مؤنة، وأنا أتكلفها. ثم نفذ فسبقه ربيعة، فوفد قبله. ثم قدم مضر بعده، وقد أنس ربيعة بالملك. ثم قدم مضر وهو منقبض. فعلم أن ربيعة قد مكر به. فأمر الملك أن يسألا حوائجهما. فقال مضر: أنا أسأل الملك أن لا يأمر لي بشيء إلا أمر لربيعة بضعفه، فإنه أسن مني. فقال: ذاك لك. فقال: أسألك أن تأمر بقلع عيني وقلع عينيه جميعا. فضحك الملك وقال: لا بل أجيزكما. فأجاز مضر بشيء، وأعطى ربيعة مثله، لم يزده. وقوم يروون [4] أن ربيعة/ 15/ كان أعور، فسأل مضر قلع عينيهما، فخرج ربيعة أعمى ومضر أعور. وهذا باطل. 64- وذكر أبو اليقظان، [أنه روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: أول من بحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحام (ى) [5] وغير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.] قال أبو اليقظان. وعمرو هو أبو خزاعة. وقال بعضهم: درج قمعة بن اليأس، فلا عقب له.
66 - فولد مدركة
65- وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب مولى بني هاشم، عَن مُحَمَّد بْن الأعرابي، عَنِ المفضل الضبي أَن قمعة بن إلياس تزوج وولد له، ثم غاضب إخوته، فأتى اليمن وحالف الأزد، وانتسب فيهم. 66- فولد مدركة - واسمه عمرو، ويكنى أبا الهذيل- خزيمة (وهذيلا) [1] . ويقال إن خزيمة بن مدركة، وهذيل بن مدركة، وأمهما سلمى بنت أسلم ابن الحاف بن قضاعة. وقال بعضهم: هند بنت منصور بن يقدم بن إياد. والأول أصح وأثبت. 67- فولد خزيمة بن مدركة - ويكنى أبا الأسد- كنانة (وأمه عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال: هند بنت عمرو بن قيس بن عيلان) ، وأسد، وأسدة (وهو رجل) ، وعبد الله، والهون بنى [2] خزيمة. وأمهم برة بنت مر بن أد بن طابخة، أخت تميم بن مر. وقال هشام بن الكلبي وغيره، والله أعلم: إن خزيمة لما تزوج برة (و) وهبت إليه، قالت: «إني رأيت رؤيا رأيت كأني ولدت غلامين من خلاف، وبينهما ... [3] فبينا أنا أتأملهما إذا أحدهما أسد، وإذا الآخر قمريزهر.» فأتى خزيمة كاهنة، يقال لها سرحة، فقص الرؤيا عليها. فقالت: «لئن صدقت رؤياها، لتلدن منك غلاما يكون له ولأولاده نفوس باسلة، وألسن سائلة، ثم لتموتن عنها فيتزوجها ابنك من بعدك، فتلد له ولدا ويكون لولده عدد وعدد، وقروم مجد، وعز إلى آخر الأبد.» فولدت له أسدا. ثم خلف عليها كنانة، فولدت له النضر وإخوته منها. ورأى كنانة، وهو قائم في الحجر، قائلا يقول: اختر أبا النضر، منى الصهيل والهذر، أو عمارة الجدر، وعز الدهر» فقال: «كلا أسأل ربى» . قضى هذا كلهم [4] لقريش.
68- وقال هشام بن الكلبى: دخل بنو أسد (ة) [1] بن خزيمة في بنى أسد ابن خزيمة، وكانوا قليلا. وقوم يقولون: إن أسدة درج. ونساب مضر يقولون: إن أسدة هذا أبو جذام، وأن ولده غاضبوا إخوته، فأخرجوهم. فأتوا الشام، وحالفوا لخما، وقالوا: جذام بن عدى أخو لحم بن عدي. وقال بشر بن أبي خازم الأسدي: صبرنا عن عشيرتنا فبانوا ... كما صبرت خزيمة عن جذام وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشامي وقال الكميت بن زيد الأسدى: وأم جذام كان عيار قوم ... على قوم وعطف ذوي العقول ألجتهم مباعدة وكانوا ... بني الهواس في الظلم المصول فباتوا من بنى أسد عليهم ... فجاز من خزيمة ذي القبول وقال أبو اليقظان البصري: رد مروان بن محمد جذام في أيامه إلى بني أسد. فقال القعقاع الطائي: ما كنت أحسب أن يمتد بي أجلي ... حتى تكون جذام في بني أسد فأصبحت فقعس تدعى إمامهم ... يا للرجال لريب الدهر ذي العدد والبيض لحم وكانوا أهل مملكة ... شم العرانين لا يسقون من ثمد 69- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، قال: قام روح بن زنباع الجذامي مقاما انتمى فيه إلى خزيمة بن مدركة، ودعى جذام إلى الدخول في بني أسد. فبلغ ذلك نائل بن قيس بن زيد بن حيا (ن) [2] الجذامي، فأقبل مسرعا وهو يقول: أين هذا الفاجر الغادر روح بن زنباع؟ فقيل: ههنا. فرد عليه قوله. وكان نائل شيخا، وروح شابا. وجعل يقول
72 - وولد كنانة بن خزيمة:
أتعرف هذا النسب؟ نحن بنى (بنو؟) قحطان وفرق إلياس. 70- وقال بعض بني أسد: ولد أسد بن [1] خزيمة: عمرا [2] . فولد عمرو: جذاما، ولخما، وعاملة. فقال أبو السماك الأسدي: / 16/ أبلغ جذاما ولخما إن لقيتهم ... والقوم ينفعهم علم الذي علموا إنا نذكركم بالله أن تدعوا ... أباكم حين جد القوم واعتزموا لا تدعوا معشرا ليسوا بإخوتكم ... حتى الممات وإن عزوا وإن كرموا وقالت امرأة من بني أسد: نظرت نحو جارتيها [3] وقالت ... ليتني قد رأيت قومي جذاما قد أرانا ونحن حىّ تهامو ... ن جميع مطنبون الخياما ثم شطت دياركم بعد قرب ... فإليكم يا قوم أهدى السلاما 71- وكان خزيمة الذي نصب هبل على الكعبة. فكان ذلك الصنم ينسب إليه، فيقال: «هبل خزيمة» . 72- وولد كنانة بن خزيمة: النضر، (واسمه قيس، وإنما سمي النضر لجماله ونضارة وجهه. وكان كنانة يكنى أبا قيس. ويقال أبا النضر) ، ونضير بن كنانة، ومالك، وملكان. وغير الكلبي يقول: ملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف، وغنم، ومخرمة، وجرول، وغزوان [4] ، وجذال وهم باليمن، ليسوا في قومهم- وعبد مناة. فأما أم النضر، ونضير، ومالك، وملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف: فبرة بنت مر بن أد. خلف عليها بعد أبيه نكاح مقت.
4 - من النضر بن كنانة إلى قصي بن كلاب
وأما أم عبد مناة فهي الذفراء. واسمها فكهة بنت هنى بن بلىّ بن قضاعة. وسميت الذفراء لطيب ريحها. وأما الباقون، فأمهم، فيما ذكر لي بعض العدويين، من قضاعة. وكان هذا العدوي يقول: هو ملكان بن كنانة. 74- وقال الكلبي: وأخو عبد مناة لأمه، علي بن مسعود بن مازن الغساني. فتزوج عبد مناة هند بنت بكر بن وائل، فولدت له. ثم مات، فخلف عليها علي بن مسعود، فولدت له نفرا. وحضن علي ولد عبد مناة، فغلب على نسبهم، وساروا في بني علي قال أمية بن أبي الصلت [1] : لله دَرُّ بني عليّ ... أيّمٌ منهم وناكح قال ابن الكلبي: فوثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله. فوداه أسد بن خزيمة. [4- من النضر بن كنانة إلى قصي بن كلاب] 75- وولد النضر بن كنانة: مالك، ويخلد. وبه كان يكنى النضر. وهم في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة. وقال هشام بن محمد: كان للنضر ابن [2] يقال له الصلت، فدرج فيما يقول أكثر العلماء. وأمه وأم مالك ويخلد: عكرشة بنت عدوان- وهو الحارث- بن عمرو بن قيس عيلان. قال: وقوم من خزاعة يذكرون أنهم من بني الصلت بن النضر: منهم رهط كثير، صاحب عزة، بن عبد الرحمن. قال كثير [3] : أليس أبي بالنضر أم ليس إخوتي ... بكل هجان من بني النضر أزهرا إذا ما قطعنا من قريش قرابة ... فأي قسى يحمل النبل ميسرا فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا ... أراكا بأذناب الفوائح أخضرا
79 - وولد مالك بن النضر
و «ميسرة» أبو علقمة، رجل منهم. 76- قال هشام: ولا أعرف لقول من زعم: «أن الصلت يجمع خزاعة» وجها، ولم أر عالما إلا منكرا لذلك. ورأيت أبى و (ال) شرقى يثبتان أن الصلت بن النضر درج. 77- وقال بعض الشعراء يرد على كثير وهو مولى لخزاعة [1] . سيأتي بنو عمرو عليك وينتمي ... بهم نسب في جذم غسان معرق فإنك لا عمرا أباك لحقته ... ولا النضر إذ ضيعت شيخك تلحق فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لجاري سراب بالفلا يترقرق 78- وقال بعض الرواة: كان النضر قد قتل أخاه لأمه، فوداه مائة من الإبل من ماله. فهو أول من سنها. 79- وولد مالك بن النضر - ويكنى أبا الحارث- فهر بن مالك (وفهر جماع قريش) ، والحارث، درج. وأمهما جندلة بنت عامر بن الحارث بن مضاض الجرهمي. 80- فولد فهر بن مالك / 17/ غالب بن فهر- وبه كان يكنى- وأسد، وعوف، وجون، وذئب درجوا، والحارث بطن، ومحارب بطن- وهما في قريش الظواهر كانوا ينزلون ظواهر مكة، وقيس بن غالب- وأمهم ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة. والظواهر بنو معيص بن عامر ابن لؤي، وبنو تيم الأدرم بن غالب، وبنو محارب بن فهر، وبنو الحارث ابن فهر إلا بني هلال بن أهيب، وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح، وإلا رهط عياض بن عبد غنم، وبنى البيضاء. وباقو [2] قريش هم قريش البطاح. وكانت قريش الظواهر تغزوا وتغير. وتسمى قريش البطاح «الضبّ» للزومها
82 - فولد غالب بن فهر
الحرم. ودخل بنو حسل بن عامر مكة بعد، فصاروا مع قريش البطاح. وهم رهط سهيل بن عمرو وإخوته. فأما من دخل في العرب من قريش فليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء. 81- قال المدائني: قال مالك لابنه فهر: رب صورة تخالف الخبر ... قد غرت بجمالها المختبر [1] قبيح فعالها فاحذر ... الصورة واطلب الخبر ولا تدبر أعجاز الأمور فتفجر 82- فولد غالب بن فهر - ويكنى أبا تيم- لؤي بن غالب، وتيم بن غالب وهو الأدرم وكان ناقص الذقن، وهم بطن، وهم من قريش الظواهر أيضًا، وقيس بن غالب، درجوا. وكان آخر من بقي منهم رجل هلك في زمن خالد ابن عبد الله القسري في ولايته مكة من قبل الوليد [2] بن عبد الملك بن مروان. فبقي ميراثه لا يدري من إخوته. وأم بني غالب: عاتكة بنت يخلد بن النضر. وهي إحدى العواتك اللاتي ولدن النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال بل أمهم سلمى بنت عَمْرو بْن ربيعة بْن حارثة، من خزاعة. 83- ولبني [3] الأدرم بن غالب يقول الشاعر: إن بني الأدرم ليسوا من أحد ... ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد ولا توفاهم [4] قريش في العدد 84- وحدثت أن قريش الظواهر كانوا يفخرون على قريش البطاح لظهورهم للعدو، ولقائهم المناسر [5] . وقال ضرار بن الخطاب:
86 - وولد لؤى بن غالب
نحن بنو الحرب العوان نسبها ... وبالحرب سمينا فنحن محارب إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب فذلك أفنانا وألقى قبائلا ... سوانا توفتهم قراع البطاح الكتائب 85- وروى أن لؤي بن غالب قال: من رب معروفه لم يخلق ولم نحمل، وإذا أحمل الشيء لم يذكر، وعلى من أولي معروفا نسره تصغيره وطيه [1] . 86- وولد لؤي بن غالب - وكنية لؤىّ أبو كعب- كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، وسامة بن لؤي- وأمهم ماوية بنت كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ الله بن أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة- وعوف بن لؤي (وأمه الباردة بنت عوف بن تميم [2] بن عبد الله بن غطفان) ، وخزيمة بن لؤي بطن وهم عائذة قريش، وسعد بن لؤي بطن وهم بنانة، والحارث وهو جشم بطن. كان جشم عبدا للؤي حضنه فغلب عليه. 87- قالوا: وكان كعب عظيم القدر في العرب. فأرخوا بموته إعظاما له، إلى أن كان عام الفيل فأرخوا به. ثم أرخوا بموت عبد المطلب. وكان كعب يخطب الناس في أيام الحج، فيقول: «أيها الناس افهموا واسمعوا وتعلموا أنه ليل ساج، ونهار صاح، وإن السماء بناء، والأرض مهاد، والنجوم أعلام لم تخلق عبثا، فتضربوا عن أمرها صفحا. الآخرون كالأولين. والدار أمامكم، واليقين غير ظنكم. صلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وأوفوا بعهدكم. وثمروا أموالكم، فإنها قوام مرواتكم، ولا تصونوها عما يجب عليكم. وأعظموا هذا الحرم وتمسكوا به فسيكون له نبأ، ويبعث منه خاتم الأنبياء. بذلك جاء موسى وعيسى» . ثم ينشد [3] : على فترة يأتي نبي مهيمن ... يخبر أخبارا عليما خبيرها
عوف بن لؤى
[عوف بن لؤىّ] 88/ 18/ قال هشام بن محمد: وأما عوف بن لؤي، فإن أمه مضت بعد موت أبيه إلى قومها من بني غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعوف معها. فتزوجها سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. فتبناه سعد. فقيل [1] عوف بن سعد. وولد لعوف بن لؤي: مرة. فقالوا: مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان بن بغيض. وكان بنو غطفان انتجعوا أرضا مخصبة. فخرجوا وتركوا عوفا في داره التي ارتحلوا عنها. فقال عوف: لو كنت من هؤلاء ما تركت هزيلا. فركب بعيره وهو يريد اللحاق بقريش بمكة، فمر به فزارة بن ذبيان ابن بغيض. فأخبرهم بما يريد أن يفعل. فقال فزارة [2] : عرج علي ابن لؤي جملك ... خلفك القوم فلا منزل لك ومضى به معهم. فكان عمر بن الخطاب يقول: لو كنت مدعيا حيا من العرب لادعيتهم. 89- وهرب الحارث بن ظالم المري من ملك الحيرة، حين أجار ملك الحيرة خالد بن جعفر بن كلاب، من بني عبس، فقتله الحارث وهو في جواره. فطلب وأتى عبد الله بن جدعان [3] مستجيرا به. وكانوا إذا خافوا فوردوا على من يستجيرون به، أو جاءوا لصلح، نكسوا رماحهم حتى طعنوا. فقال الحارث بن ظالم [4] : رفعت الرمح إذ قالوا قريش ... وشبهت الشمائل والقبابا فما قَوْمي بثعلبة بْن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا وقومي إن سألت بنو لؤي ... بمكة علموا مضر الضرابا
وكانت قباب قريش من آدم، لا يضربها غيرهم بمنى. وقال: إذا فارقت ثعلبة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إلى لؤي إلى نسب كريم غير مزر ... وحىّ هم أكارم كل حي فإن يغضب بهم نسبي فمنهم ... قرابين الإله بنو قصي ويقال إن الحارث بن ظالم قدم على عبد الله بن جدعان بعكاظ، وهم يريدون حرب قيس. فلذلك نكس رمحه. ثم رفعه حين عرفوه، وأمن. ويوم عكاظ من أيام الفجار، وكان لقريش. وفيه يقول ابن الزبعرى [1] : ألا لله قوم و ... لدت أخت بني سهم هشام وأبو عبد ... مناف مدره الخصم وذو الرمحين ناهيك ... من القوة والحزم هم يوم عكاظ م ... نعوا الناس من الهزم فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي يعني هشام بن المغيرة المخزومي، وهاشم بن المغيرة ويكنى أبا عبد مناف. وذو الرمحين أبو ربيعة بن المغيرة، قاتل في هذا اليوم برمحين. قال: وأقام الحارث بمكة، حتى أتاه أمان ملك الحيرة. ثم إنه قتل أيضا. 90- وقال غير الحارث بن ظالم ينكر أنهم من قريش: ألا لستم منا ولا نحن منكم ... برئنا إليكم من لؤي بن غالب أقمنا على دفع الأعادي وأنتم ... مقيمون بالبطحاء بين الأخاشب يقال لجبال مكة الأخاشب والحباحب.
خزيمة بن لؤى
[خزيمة بن لؤىّ] 91- قال: وأما خزيمة بن لؤي، فكان له من الولد: عبيد، وحرب. فولد عبيد: مالك بن عبيد. فولد مالك: الحارث. وأمه عائذة بنت الخمس بن قحافة، من خثعم، فغلبت على جميع ولد خزيمة بن لؤي، فسموا عائذة قريش. وقد زعم بعض من لا علم له أن هذا البيت قيل في عائذة قريش: فإن تصلح فإنك عائذي ... وصلح العائذي إلى فساد والبيت لحسان بن ثابت الأنصاري، قاله في أبيات هجا بها بعض بنى عابد [1] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ولم يكن لهم هجرة ولا سابقة [2] : فإن تصلح فإنك عابدي ... وصلح العابدي إِلَى فساد وإن تفسد فما ألفيت إلا ... لئيما لا تؤول إلى رشاد / 19/ وقال الأثرم، عن أبي عبيدة: قال حسان هذا الشعر في رفيع بن صيفي بن عابد [3] ، (بدال غير معجمة) . وقتل رفيع يوم بدر كافرا. 92- وكانت عائذة قريش في بني شيبان. وكان منهم، في بني محلم بن ذهل بن شيبان، خاصة بنو حرب بن خزيمة. فلما كانت خلافة عثمان، ألحقهم بقريش، وأنزل معاوية بني حرب هؤلاء قرية بالشام. فلم يزالوا بها، حتى إذا جاءت المسودة مروا بقريتهم. فقيل لهم: هذه قرية بني حرب. فظنوا أنهم بنو حرب بن أمية، فأغاروا عليهم فقتلوا أكثرهم [4] . فبقيتهم قليلة. [بنو سعد بن لؤىّ] 93- وأما بنو سعد بن لؤي، فإنه يقال لهم بنانة. وبنانة أمهم. وهي أمة. ويقال هي بنانة بنت القين بن جسر. ويقال هي أمة حضنت عليهم، فنسبوا
بنو الحارث بن لؤي
إليها، وليست بأمهم. وكانت بنانة في بني شيبان. فقدموا على عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عنه، فقال: لست أعرفكم. فقال عثمان: «رأيت رهطا منهم لقيهم أبي في الموسم، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: قوم من قريش نأوا عنا.» فقال لهم عمر: ارجعوا إلى قابل. فلما انصرفوا قتل سيدهم، وكان يكنى أبا الدهماء. فلم يرجعوا حتى قام عثمان [1] رضي الله تعالى عنه، فأتوه، فأثبتهم في قريش. فكانوا في البادية مع بني شيبان. وكتابتهم [2] في قريش. ومنهم نفر بالموصل. وفيهم يقول عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثابت [3] : ضرب التجيبي المضلل ضربة ... ردت بنانة في بني شيبانا والعائذي لمثلها متوقع ... ما لم يكن وكأنه قد كانا يعني بالتجيبي كنانة بن بشر بن عتاب السكوني، أحد بنى تجيب. [بنو الحارث بن لؤي] 94- وأما بنو الحارث بن لؤي، وهم جشم لأنه حضنهم عبد للؤي يقال له جشم. فنسبوا إليه، وقيل بنو جشم. فكانوا زمانا في عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، ثم في بني هزان بن صباح، وهم أشراف عنزة. وقال جرير بن عطية بن الخطفي [4] . بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لفرع الروابي من لؤي بن غالب ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ... ولا في شكيس بئس حي الغرائب قال ابن الكلبي: هو شكس بن الأسود، واضطره الشعر فقال «في شكيس» . ويروى «شكيس» تصغير شكس. ويقال أيضا لبني الحارث هؤلاء «عقيدة» ، برجل منهم يقال له عقيدة بن وهب بن الحارث بن لؤي. وقالت امرأة ناكح في بني جشم هؤلاء:
سامة بن لؤي
ألا إنني أنذرت كل غريبة ... بني جشم يا شرّ ما راى الغرائب فإنكم من منصب تعلمون ... سوى أن يقولوا من لؤي بن غالب فعودوا إلى هزان مولى أبيكم ... ولا تذهبوا في الترهات السباسب وقال الشاعر: بنانة في بني عوف بن حرب ... كما لز الحمار إلى الحمار وعائذة التي تدعي [1] قريشا ... وما جعل النحيت إلى النضار [سامة بن لؤي] 95- وأما سامة بن لؤي، فإنه وكعب بن لؤي أخاه جلسا على الشراب. ففقأ سامة إحدى عيني كعب، وخرج هاربا. فأتى عمان، فتزوج ناجية بنت جرم بن ربان- وهو علاف- بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قضاعة. فيقال إن سامة ركب بعيرا له بعمان، وأرخى رأسه. فجعل يرعى. فوقع فم البعير على حشيشة تحتها [2] أفعى. فنهشته في مشفره، فنفضها. فوقعت على سامة، فنهشته في ساقه فقتلته. فقال الشاعر [3] : عين بكي لسامة بن لؤي ... حملت حتفه إليه الناقه عين بكي لسامة بن لؤي ... علقت ما بساقه العلاقة 96-/ 20/ قَالَ هِشَامٌ، فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عِدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَامَّةٌ حَقٌّ، أَمَّا الْعَقِبُ فَلَيْسَ لَهُ. قال هشام: وأما من ثبت العقب لسامة، فإنهم يقولون: كان له بمكة ابن يقال له الحارث، وأمه هند بنت تيم الأدرم [4] ، بن غالب. فماتت هند. فحمل الحارث معه إلى عمان. وتزوج سامة ناجية بعمان، أو بسيف من أساف البحر، فولدت له غالب بن سامة. فهلك وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وخلف الحارث على ناجية
97 - فولد كعب بن لؤي
نكاح مقت، فعقب سامة منه. وقوم يقولون: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنيا له. فنسب إليه. فالعقب لذلك الولد. وقال بعضهم: إن سامة شرب مع أخيه كعب. فرأى كعبا قد قبل امرأته. فأنف من ذلك، فهرب إلى عمان. فقال الشاعر في ذلك، وهو المسيب بن علس: وقد كان سامة في قومه ... له أكل وله مشرب فساموه خسفا فلم يرضهم [1] ... وفي الأرض (من) خسفهم مهرب ومن قال إنه تزوج ناجية بنت جرم [2] بتهامة، فقد غلط. 97- فولد كعب بن لؤي - وتكنى أبا هصيص- مرة بن كعب، وهصيص (وأمهما مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر) ، وعدي بن كعب (وأمه رقاش بنت ركبة بن بلبلة بْن كعب بْن حرب بْن تيم بْن سعد بن فهم بن عمرو ابن قيس بن عيلان) . 98- فولد مرة بن كعب - وتكنى أبا يقظة [3]- كلاب بن مرة (وأمه هند بنت سرير بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كنانة) ، و (يقظة بن مرة، و) تيم بن مرة (وأمهما أسماء بنت سعد بن عدي بن حارثة، من [4] بارق من الأزد. وقال غير الكلبي: اسم أم كلاب: نعم بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك. وقول الكلبي أثبت. 99- فولد كلاب بن مرة - وتكنى أبا زهرة- زيد بن كلاب وهو قصي،، وزهرة بن كلاب. وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل- وهو خير- بن حمالة ابن عوف بن غنم بن عامر الجادر، من الأزد. وبعضهم يقول حمالة، بالكسر-
السبب في تسمية قصي
وقال هشام: يزعم بنو عبد الرحمن بن عوف أن اسم زهرة «المغيرة» ، وأن كلابا كان يكنى أبا المغيرة. وكان يقال «صريحا قريش ابنا كلاب» . وزعم هشام والشرقي أن عامر بن عمرو بن جعثمة بْن يشكر بْن مبشر بْن صعب بْن دهمان بن نصر [1] بن الأزد بنى جدار الكعبة وهي من سيل أتى في أيام ولاية جرهم البيت، فسمي الجادر. قال هشام: وذكر الشرقي بن القطامي أن الحاج كانوا يتمسحون بالكعبة، ويأخذون من طيبها وحجارتها تبركا بذلك، وأن عامرا هذا كان موكلا بإصلاح ما شعث من جدرها، فسمى الجادر. قالوا: وكان سعد بن سيل وقومه مع بني كنانة. وفي سعد يقول الشاعر [2] : ما أرى في الناس طرا رجلا ... حضر البأس كسعد بن سيل فارس اضطر فيه عسرة ... وإذا ما وافق القرن نزل وتراه يطرد الخيل كما ... يطرد الحر القطامي الحجل وكان سعد بن سيل، فيما يقال، أول من حلى السيوف بالفضة والذهب. وكان أهدى إلى كلاب مع ابنته فاطمة سيفين محليين. فجعلا في خزانة الكعبة. وقال قصي: أنا الذي أعان فعلي حسبي ... وخندف أمى واليأس أبى [السبب في تسمية قصي] 100- قالوا: وإنما سمى زيد بن كلاب «قصيا» ، لأن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة قدم مكة حاجا، فأقام بها. فلما مات كلاب ابن مرة، خلف على امرأته فاطمة بنت سعد بن سيل. وكانت قد ولدت لكلاب زهرة وزيدا، وكان زيد حين مات [3] أبوه صبيا صغيرا. ثم إن ربيعة خرج
سدانة الكعبة
إلى/ 21/ بلاد قومه، وحمل فاطمة وزيدا ابنها معه. وتخلف زهرة بمكة. فسمي زيد قصيا لبعده من دار قومه، وأنه أقصي عنهم. وولدت فاطمة لربيعة ابن حرام: رزاح بن ربيعة، وحن بن ربيعة. فهما أخوا قصي لأمه. ويقال إن أخا قصي لأمه منهما رزاح بن ربيعة، وإن حن بن ربيعة من امرأة سوى فاطمة. وإن قصيا خرج من بلاد عذرة حتى أتى مكة. [سدانة الكعبة] 101- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ قُصَيٌّ، جَهَّزَتْهُ أُمُّهُ وَزَيَّنَتْهُ. فَخَرَجَ مَعَ حُجَّاجِ عُذْرَةَ، حَتَّى أَتَى مَكَّةَ. فَعَرَفَتْ لَهُ قُرَيْشٌ قَدْرَهُ وَفَضْلَهُ، وَأَعْظَمَتْهُ حَتَّى أَقَرَّتْ لَهُ بِالرِّئَاسَةِ وَالسُّؤْدُدِ. وَكَانَ أَبْعَدَهَا رَأْيًا، وَأَصْدَقَهَا لَهْجَةً، وَأَوْسَعَهَا بَذْلا، وَأَبْيَنَهَا عَفَافًا. وَكَانَ أَوَّلُ مَالٍ أَصَابَهُ مَالَ رَجُلٍ قَدِمَ مَكَّةَ بِأَدَمٍ كَثِيرٍ، فَبَاعَهُ. وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَلا وَارِثَ لَهُ. فَوَهَبَهُ لَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْتَوْلِيَةً عَلَى الأَبْطَحِ وَالْبَيْتِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِلُّ الشِّعَابَ وَالْجِبَالَ وَأَطْرَافَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. فَخَطَبَ قُصَيٌّ إِلَى حَلِيلِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ لِحَيِّ، ابْنَتِهِ حُبَيِّ بِنْتِ حَلِيلٍ. فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. وَكَانَ حَلِيلٌ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْبَيْتِ، وَيَتَقَلَّدُ رِئَاسَةَ خزاعة يومئذ. فلما كبر وضعف، دفع مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ إِلَى ابْنَتِهِ حُبَيّ. فَكَانَتْ تَأْمُرُ قُصَيًّا بِفَتْحِهَا مَرَّةً، وَتَأْمُرُ أَخَاهَا الْمُخْتَرِشَ- وَهُوَ أَبُو غَبْشَانَ بْنُ حَلِيلٍ- بِذَلِكَ أُخْرَى. ثُمَّ مَاتَ حَلِيلٌ، وَصَارَتِ الرِّئَاسَةُ إِلَى ابْنِهِ الْمُخْتَرِشِ. فَسَأَلَ قُصَيٌّ أَنْ يَجْعَلَ سَدَانَةَ الْبَيْتِ إِلَيْهِ، ففعل. قال هشام: ويقال إنّ حليل ابن حبشية أوصى لقصي بسدانة البيت إكراما لأبنته بذلك. ويقال إن قصيا [1] سأل المخترش أن يجعل إليه السدانة، وبذل له ناقة كانت له ناجية، وزاده زق خمر. فصيرها إليه. وأن المخترش كان مضعوفا. 102- قالوا: ولما أخذ قصي مفاتيح الكعبة إليه، أنكرت خزاعة ذلك، وكثر كلامها فيه. وأجمعوا على محاربة قصي وقريش، وطردهم من مكة وما والاها.
فبادر قصي باستصراخ رزاح بن ربيعة وأخيه حن بن ربيعة. وكان رزاح سيد قضاعة وقائدها. فسار إليه منجدا له في الدهم منها، ومعه أخوه حن. فقاتل قصي خزاعة وألفافها من كنانة ومن ولد الربيط [1] وهو الغوث بن مر [2] بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. فلما ظهر قصي على خزاعة، أخرجها من مكة وأدخلها قريشا وقسمها رباعا بينهم، وتولى أمر البيت. وقد كان أبقى على خزاعة بعض الإبقاء للصهر بينه وبينهم. فلما خرجوا عن مكة، وقع فيهم الوباء فمات بشر منهم. وسمى قصي مجمعا لجمعه قريشا وقيامه بأمرهم. 103- ويقال إن قصيا لم يحتج إلى محاربة خزاعة، لأن رزاحا لما ورد مكة، أذعنت لقصي وهابت حربه، وخرجت عن مكة، فدخلها. قال حذافة بن غانم بن عامر القرشي [3] : أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع اللَّه القبائلَ من فِهر وأنتم بنو زَيْد وزيد أبوكم ... بِهِ زيدت البطحاءُ فخرًا عَلَى فخر وقال رزاح حين أنجد قصيا: وإني في الحياة أخو قصي ... إذا ما نابه ضيم أبيت فما لبثت خزاعة أن أقرت ... له بالذل لما أن أتيت 104- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم، عَنْ مَعْمَر بن المثنى أبي عبيدة، قال: كان الذي أخذ قصي البيت منه أبو غبشان. واسمه سليم بن عمرو بن بوىّ ابن ملكان. والأول أصح وأثبت. قال أبو عبيدة: قال الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان وقال/ 22/ الشاعر:
تولية خزاعة الحجابة
أبو غبشان أظلم من قصي ... وأظلم من بني فهر خزاعه فلا تلحوا [1] قصيا في شراه ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه [تولية خزاعة الحجابة] 105- وحدثني رجل من قريش أن إيادا ملكت تهامة. ثم إن ولد مضر وخزاعة قويت عليها، فأخرجتها. فدفنت إياد الركن. وعرفت موضعه امرأة من خزاعة، فقالت لقومها: خذوا عليهم العهد أن يولوكم حجابة البيت على أن تدلوهم على الركن. ففعلوا. فبهذا السبب وليت خزاعة الحجابة. 106- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن ابن خربوذ وغيره، قالوا: كانت قريش قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة، ومن حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها مرة بن كعب مما يلي عرفة. فحفر قصي بئرا سماها العجول. وهي أول بئر حفرتها قريش بمكة. وفيها يقول بعض رجاز الحاج: تروي على العجول ثم تنطلق ... إن قصيا قَدْ وفى وقد صدق بالشبع للناس وري مغتبق [2] وقال آخر: آب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زيد قصي لحما ولبنا محضا وخبزا هشما وكان قصى ربما أطعم الثريد. [الرفادة] 107- وقال ابن الكلبي: لما قسم قصي مكة، أنزل جميع قريش مكة. ثم إن بني كعب بن لؤي لما كثروا، أخرجوا بطونا من قريش إلى ظواهر مكة، فسموا قريش الظواهر. ويقال إن قصيا أنزل قريش البطاح داخل مكة، وأنزل قريش الظواهر مكانهم.
دارالندوة
108- قالوا: ولما قسم قصي مكة خططا ورباعا بين قريش، فاتسقت له طاعتهم، قال لهم: «يا معشر قريش، إنكم جيران الله وسكان حرمه، والحاج ضياف الله وزوار بيته، فترافدوا، حتى تصنعوا [1] لهم طعاما وشرابا في أيام الحج، ينال منه من يحتاج إليه، فلو اتسع مالي لجميع ذلك، لقمت فيه دونكم» . ففرض خرجا للرفادة. فكانوا يخرجونه، ويأمر بإنفاقه على طعام الحاج وشرابهم. [دارالندوة] 109- وبني قصي داره، فسميت دار الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها فيتحدثون ويتشاورون في حروبهم وأمورهم، ويعقدون الألوية، ويزوجون من أراد التزويج. وكان أمر قصي عند قريش دينا يعملون به ولا يخالفونه. ولما مات، دفن بالحجون. فكانوا يزورون قبره ويعظمونه. 110- وروي أن قصيا قال حين أراد إدخال قريش مكة [2] : فلست بحازم إن لم تأثّل ... بها أولاد قيدر والنبيت يعني ولد إسماعيل عليه السلام. وقوله «بها» ، يعنى مكة. [5- من قصي بن كلاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم] 111- وولد قصي - ويكنى أبا المغيرة- عبد مناف، واسمه المغيرة، وكان يدعى «القمر» لجماله. وجعلته أمه حبى بنت حليل خادما لمناف، وهو أعظم أصنامهم عندهم، تدينا بذلك وتبركا به. فسماه أبوه «عبد مناف» . وزعموا أنه وجد كتاب في حجر: «أن المغيرة بن قصي أوصى قريشا بتقوى الله ووصلة الرحم» وكان عبد مناف وعمرو بن هلال بن معيط الكناني عقدا حلف الأحابيش. والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وبنو الهون بن خزيمة وكانوا مع قريش. فقال الشاعر: إن عمرا وإن عبد مناف ... جعلا الحلف بيننا أسبابا وعبد الله بن قصي، وهو عبد الدار، وعبد العزى، وعبد قصى. وأمهم
جميعا حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي. فكان قصي يقول: ولد لي أربعة بنين، فسميت ابنين منهم بإلهى، وواحدا بداري، وواحدا بي. وكان يقال لعبد بن قصي عبد قصي. وهند بنت قصي، تزوجها عبد الله بن عمار الحضرمي. 112- وكان قصي شديد الحب لعبد الدار. وكان/ 23/ عبد الدار مضعوفا. فجعل له بعده دار الندوة، والحجابة، واللواء، والرفادة، والسقاية. فأما دار الندوة فلم تزل له ولولده، حَتَّى باعها عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بن عَبْد مناف بن عبد الدار، من [1] معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، فجعلها دارا للإمارة بمكة. وأما الحجابة، فكانت له، ثم صارت بعده إلى عثمان بن عبد الدار، ثم إلى عبد العزى بن عثمان، ثم إلى ابنه أبي طلحة واسمه عبد اللَّه بن عبد العزى، ثم إلى طلحة بن أبي طلحة. فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، أراد دفع المفتاح إلى عمه العباس. فأنزل الله عليه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» الآية [2] . فدفع المفتاح إلى عُثْمَان بن (طلحة بن) [3] أبي طلحة، وكان أسلم في صفر سنة ثمان، وأقام بالمدينة وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة. ثم قام بالحجابة ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. فالحجابة فيهم. وأما اللواء، فإنه لم يزل في بني عبد الدار حتى كان لواء المشركين يوم بدر مع طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن عثمان بن عبد الدار، وكان لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي. وكان لواء المشركين يوم أحد أيضا مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام، فَقَالَ الحجّاج بن علاط [4] :
لله در مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا جادت يداك لهم يعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدلا وشددت شدة بازل فكشفتهم ... بالسيف إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لترده حران حتى ينهلا ثم أخذ اللواء بعده أخوه أبو سعد بن أبي طلحة، وقمن النساء خلفه وهن يقلن: ضربا بني عبد الدار ... ضربا حماة الأدبار فقتله سعد بن أبي وقاص. ثم أخذه عثم [1] بن أبى طلحة، وهو أبو «شيبة ابن عثمان» ، وجعل يَقُول [2] : إِن عَلَى كُل رئيسٍ حقًا ... أَن يَخْضِبَ الصعدة أو تندقا فقتله حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عنه، ضربه ضربة بدا منها حقوه. ثم رجع وهو يقول: «أنا ابن ساقي الحجيج» . ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. ثم أخذه أخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة. فرماه عاصم بن ثابت الأوسي أيضًا، فقتله. فلما أحس بالموت، دفع اللواء إلى أخيه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة، فرماه قزمان حليف بني ظفر من الأنصار فقتله. فأخذه الحارث. ابن طلحة بن أبي طلحة، فقتله قزمان أيضا. وكان قزمان منافقا، فقاتل حمية. ثم أخذ شرحبيل بن هاشم، ويقال هو عَبْد شرحبيل بن هاشم بن عَبْد مناف ابن عبد الدار، فقتله مصعب بن عمير. فأخذ اللواء منه زرارة بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار، وبعضهم يقول يزيد بن عمير. فقتله قزمان. ثم أخذه قاسط بن شريح بن عُثْمَان بن عَبْد الدار، ويقال قاسط بن شريح
لعقة الدم
ابن هاشم بن عثمان بن عبد الدار. فقتله قزمان. ثم أخذه مولى لهم، يقال له صواب، حبشي. فقطعت يمينه، قطعها قزمان. فأخذه بيساره، فقطعت. فالتزم القناة وهو يقول: «أعذرت يا بني عبد الدار» . يريد أعذرت يا بني عبد الدار، وكان أعجميا. فرماه قزمان، فقتله. ووقع اللواء، وتفرق المشركون. فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن زرارة بن عبد مناف بن عبد الدار. فقال فيه حسان بن ثابت الأنصاري [1] : / 24/ عمرة تحمل اللواء وولت ... عن صدور القنا بنو مخزوم لم تطق حمله الزعانف منهم ... إنما يحمل اللواء الكريم فلما أسلم بنو عبد الدار، قالوا: يا نبي الله، اللواء إلينا. [فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أوسع من ذلك.] فبطل اللواء. ولما قتل مصعب بن عمير، ومعه لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَ اللواء ملك [2] ، تشبه بمصعب حتى دخل المدينة. ويقال أخذه أبو الروم [3] أخوه، وكان من مهاجرة الحبشة، فدخل به المدينة. وقال حسان بن ثابت [4] : فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء الكفر رد إلى صواب جعلتم فخركم جهلا وجبنا ... لألأم واطئ عفر التراب [لعقة الدم] 113- وأما الرفادة والسقاية، فإنهما لم تزالا في حياة قصي إلى عبد بن قصي. ثم صارتا إلى عبد الدار بن قصي، حتى عظم شأن بني عبد مناف بن قصي. فقالوا: نحن أولى بما يتولاه بنو عبد الدار منهم. فجمعوا من مال إليهم وعرف فضلهم. وهم بنو أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي، وبنو زهرة بن كلاب،
وبنو تيم بن مرة بن كعب، ومن كان داخل مكة من بني الحارث بن فهر وهم قوم أبي عبيدة بن الجراح. وأتوا بإناء فيه طيب، فغمسوا أيديهم فيه ومسحوها بالكعبة، وتحالفوا أن لا يسلم. بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة. ويقال إنهم تحالفوا وتعاهدوا في منزل ابن جدعان. فسموا المطيبين. وحالف بني عبد الدار، على منع المطيبين من بغيتهم وإرادتهم: بنو مخزوم، وبنو جمح، وبنو سهم، وبنو عدي بن كعب. واجتمعوا. فقالت بنو عدي: إنما الطيب لربات الحجال. وأتو بجفنة فيها دم، فغمسوا أيديهم فيها. وكانت العرب إذا تحالفت، غمست أيديهم في الملح والرماد. فسمى بنو عدى بها لعقة الدم، (و) ولغة الدم. ويقال إن بعضهم لعق من الدم. فيقال إن الفريقين من المطيبين والأحلاف اقتتلوا، ثم اصطلحوا على أن جعلت الرفادة والسقاية لبني عبد مناف. ويقال إنهم لم يقتتلوا، ولكن الرجال سفرت بينهم حتى تراضوا بهاتين المكرمتين. فاحتملت بنو عبد مناف أعظم الأمور مؤنة. وسمي من حالف بني عبد الدار «الأحلاف» . قال عبد الله بن وداعة السهمي: نحن شددنا الحلف من غالب ... وغالب واقفة تنظر لم يستطيعوا نقض أمر رسى [1] ... وهم على ذاك بنا أخبر وزعموا أن عبد الله بن صفوان قال لابن عباس: لإمرة المطيبين كانت أفضل أم إمرة الأحلاف؟ فقال: إمرة المطيبين. يعني خلافة أبي بكر أفضل من خلافة عمر. وقال عمر بن أبي زمعة، ويقال يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويقال ابن قيس الرقيات [2] : ولها في المطيبين جدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف إنها بين عامر بن لؤي ... حين تدعى وبين عبد مناف يشرئبون في الذؤابة حلوا ... حيث حلت ذوائب الأشراف
الرفادة والسقاية
114- قالوا: ولما كان يوم أحد، أتى زيد بن الخطاب، أخو عمر، أبا جهم بن حذيفة بن غانم. فَقَالَ لَهُ أَبُو الجهم: أنا والغ الدم. فَقَالَ لَهُ زَيْد، قد أتاك والغ مثلك. [الرفادة والسقاية] 115- قالوا: واقترع بنو عبد مناف على الرفادة والسقاية، فصارتا لهاشم بن عبد مناف. ثم صارتا بعده للمطلب بن عبد مناف بوصية. ثم لعبد المطلب، ثم للزبير بن عبد المطلب، ثم لأبي طالب. ولم يكن له مال، فادان من أخيه العباس بن عبد المطلب عشرة آلاف درهم. فأنفقها. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، سَأَلَهُ سَلَفَ خَمْسَةَ عشر (ألف) درهم، ويقال أربعة عشر ألف درهم. فقال له: إنك لم تقضنى ما لي عليك/ 25/ وأنا أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تدفع إليّ جميع ما لي في قابل فأمر الرفادة والسقاية إلي دونك. فأجابه إلى ذلك. فلما كان الموسم الثالث، ازداد أبو طالب عجزا وضعفا، ولم تمكنه النفقة، وأعدم حتى أخذ كل رجل من بنى هاشم ولدا من أولاده يحمل عنه مؤنته. فصارت الرفادة والسقاية إلى العباس، وأبرأ أبا طالب مما له عليه. وكان يأتيه الزبيب من كرم له بالطائف، فينبذ في السقاية. ثم جعل الخلفاء الرفادة من بيت المال. فقام بالرفادة والسقاية، بعد العباس، عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، ثُمَّ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ مُحَمَّد بْن عَلِي، ثُمَّ دَاوُد بْن عَلِي، ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَلِي، ثم عيسى بن علي. ثم لما استخلف المنصور، قال: إنكم لا تلون هذا الأمر بأبدانكم، وإنما تقلدونه مواليكم، فأمير المؤمنين أحق بتوليته مواليه. فولى أمر السقاية، ونفقة البيت، وإطعام الحاج مولى له يقال له زريق. 116- وحدثني الحسن بن علي الحرمازي، عن رجل من قريش، أنه قال: كان مما لحقنا من كلام قصي قوله: «العي عيان، عي الإفحام، وعي المنطق بغير سدر» . وقوله: «الحسود عدو خفي المكان» . وقوله: «من سأل قوما فوق قدره استحق الحرمان» . وكان بنات قصي: برة تزوجها عمر بن مخزوم، وتخمر تزوجها عمران بن مخزوم. وأمهما حبي بنت حليل.
118 - وولد عبد مناف بن قصى
117- وقال الواقدي: أنزل قصي قريشا منازلها، وكان بالبلد عضاه. فقطعها، وأذن في قطعها. فاستوحشوا من ذلك فقال: إنكم ليس تريدون الفساد، إنما تريدون التوسعة وتستعينون على منازلكم. قال الواقدي: ويقال إنهم استأذنوه في قطع الشجر، فأباه، فبنوا والشجر في منازلهم. هذا أحسن عندنا من إذن قصي في قطع الشجر، وأشبه بالحق. قال: ثم اضطروا إلى قطعه، فقطعوه بعده. وكان عبد الله بن الزبير قطع شجرا في دوره، أضيقها عليه. 118- وولد عبد مناف بن قصي - وتكنى أبا عبد شمس- عمرو بن عبد مناف [1] وهو هاشم. وأمه عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان، من بنى سليم. وأمها ماوية بنت حوزة بن سلول [2] . وإنما سمي هاشما، لأنه هشم لهم الخبز. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] ، قَالَ: أَصَابَتْ قُرَيْشًا سَنَةٌ ذَهَبَتْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأُقْحِطُوا فِيهَا. وَبَلَغَ هَاشِمًا ذَلِكَ وَهُوَ بِالشَّامِ. وَكَانَ مَتْجَرُهُ بِغَزَّةَ وَنَاحِيَتِهَا. فَأَمَرَ بِالْكَعْكِ وَالْخُبْزِ، فَاسْتَكْثَرَ مِنْهُمَا. ثُمَّ حُمِلا فِي الْغَرَائِرِ عَلَى الإِبِلِ، حَتَّى وَافَى مَكَّةَ. فَأَمَرَ بِهَشْمِ ذَلِكَ الْخُبْزِ وَالْكَعْكِ، وَنُحِرَتِ الإِبِلُ الَّتِي حُمِلَتْ. فَأُشْبِعَ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَدْ كَانُوا جُهِدُوا. فقال عبد الله بن الزبعرى (وقال بعضهم الزبعرى، والأول أصح [4] : عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف وهو الذي سن الرحيل لقومه ... رحل الشتاء ورحلة الأصياف وقال وهب بن عبد قصى [5] :
إيلاف قريش
تحمل هاشم ما ضاق عنا ... وأعيا أن يقوم به ابن بيض فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض قال ابن الكلبي: ابن بيض رجل من قوم عاد، كان يقال له ثوب بن بيض، نزل به قوم فنحر لهم جزورا سدّت طريقا كانت تسلكه إليه في واد. فقيل: سد ابن بيض السبيل. فذهبت مثلا. ويقال إن ابن بيض هذا كان موسرا مكثرا، وكان قد صولح على خرج، وجعل على نفسه شيئا لقوم يعطيهم إياه لوقت. فكان يخرج ذلك الشيء، ويجعله في فم شعب كان يدخل إليه منه. فإذا جاء من يقبض ذلك، قالوا: سد ابن بيض السبيل، أي قضى ما عليه. وروي عن يونس النحوي البصري أنه قال: يقال للرجل الشريف الواضح النسب/ 26/ ابن بيض» ، كما يقال «ابن جلاء» . [إيلاف قريش] 119- وكان هاشم بن عبد مناف صاحب إيلاف قريش الرحلتين، وأول من سنها. وذلك أنه أخذ لهم عصما من ملوك الشام، فتجروا آمنين. ثم إن أخاه عبد شمس أخذ لهم عصما من صاحب الحبشة، وإليه كان متجره [1] . وأخذ لهم المطلب بن عبد مناف عصما من ملوك اليمن. وأخذ لهم نوفل بن عبد مناف عصما من ملوك العراق. فألفوا [2] الرحلتين في الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق، وفي الصيف إلى الشام. فقال الحارث بن حنش السلمي، وهو أخو هاشم لأمه عاتكة بن مرة السلمية [3] : (1/ 67) إن أخي هاشما ليس أخا واحد ... والله ما هاشم بالناقص الكاسد والخير في ثوبه وحفرة اللاحد ... الآخذ الألف والوافد للقاعد وقال العجير السلولي: نحن ولدنا هاشما والمطلّب ... وعبد شمس نعم صنو المنتجب
قرى الحجيج
وقال مطرود بن كعب الخزاعي [1] : يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا نزلت بآل عبد مناف هبلتك أمك لو نزلت عليهم ... ضمنوك من جوع ومن أقراف الآخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف والمطعمون إذا الرياح تناوحت ... حتى تغيب الشمس في الرجّاف والمفضلون إذا المحول ترادفت ... والقائلون هلم للأضياف والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي [قرى الحجيج] 120- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده وابن خربوذ وغيرهما، قالوا: لما صارت الرفادة والسقاية لهاشم، كان يخرج من ماله كل سنة للرفادة ما لا عظيما، وكان أيسر قريش، ثم يقف في أيام الحج فيقول: «يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في موسمكم هذا زوار الله تبارك ذكره يعظمون حرمة بيته، وهم أضيافه وأحق الناس بالكرامة. فأكرموا أضيافه وزوار كعبته، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح قد أزحفوا [2] ، وتفلوا، وقملوا، وأرملوا. فأقروهم، وأغنوهم، وأعينوهم» . فكانت قريش تترادف على ذلك، حتى إن كان أهل البيت ليرسلون إليه بالشيء على قدرهم فيضمه إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس. فإن عجز ذلك، أكمله. [العداوة بين هاشم وأمية] 121- حدثني عباس بْن هِشَام، عن أبيه هِشَام بْن مُحَمَّد، قال: كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال. فتكلف أن يفعل كما
122 - وولد عبد مناف،
فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك. فشمت به ناس من قريش وعابوه لتقصيره. فغضب، ونافر هاشما على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، وعلى الجلاء عشر سنين. وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، وهو جد عمرو بن الحمق، وكان منزله عسفان. وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عند أمية. فقال الكاهن: «والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر [1] ، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، في منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منها وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر» . فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر. وخرج أمية إلى الشام فأقام (بها) عشر سنين. فتلك أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية. وقال الأرقم بن نضلة يذكر هذه المنافرة ويذكر تنافر عبد المطلب وحرب بن أمية: لما تنافر ذو الفضائل هاشم ... وأمية الخيرات نفر هاشم وقال أيضًا [2] : / 27/ وقبلك ما أردى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد 122- وولد عبد مناف، سوى هاشم، عبد شمس بن عبد مناف، والمطلب ويدعى الفيض. وفيه يقول مطرود الخزاعي حين مات [3] : قد سغب الحجيج بعد المطلب ... بعد الجفان والشراب المنثعب وأم هاشم وعبد شمس والمطلب: عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان بن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن مَنْصُور. ونوفل بن عبد مناف، وأبا عمرو واسمه عبيد درج، وأمهما واقدة بنت أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة ابن معاوية. وكان يقال لهاشم والمطلب «البدران» . وكان لعبد مناف من
البنات، من عاتكة: تماضر، تزوجها عبد مناف بن عبد الدار، وحية، تزوجها عمرو بن ظويلم، أَحَدُ بَنِي دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بكر، وقلابة، تزوجها عبد العزى بن عامر الفهري، وهالة، وهي أم الأخثم، وفي الأخثم يقول الشاعر: أبشر بخير حين تلقى عامرا ... نشوان يبرق وجهه كالدرهم لما رآني عاريا ذا خلة ... ألقى علي رداءه ابن الأخثم تزوجها عَمْرِو بْنِ خَالِد بْن أمية بْن ظرب الفهري، ويقال تزوجها خالد ابن عامر بن أمية بن ظرب، وبرة، تزوجها سبع بن الحارث الثقفي، وريطة بنت عبد مناف، وأمها النافذة، تزوجها هلال [1] بن معيط بن عامر الكناني. وقال مطرود بن كعب الخزاعي في ولد عبد مناف [2] : يا ليلة هيجت ليلاتي ... إحدى ليالي القسيات إن المغيرات وأبناءهم ... لخير أحياء وأموات أخلصهم عبد مناف فهم ... من لوم من لام بمنجاة قبر بردمان وقبر بسل ... يمان وقبر عند غزات وميت مات قريبا من ال ... حجون عن شرق البنيات يعني بالمغيرات ولد المغيرة، وهو عبد مناف، كما قال النابغة [3] : شاق الرفيدات من عودي ومن عمم ... وماش من رهط ربعي وحجاز يريد ولد رفيدة بن ثور بن كلب، وعودي وعمم ابنا نمارة بن لخم، وربعي وحجاز من ولد الحارث أخي عذرة بن سعد: ربعي بن عامر، وحجاز بن
قبر هاشم
مالك. وأما ردمان ففي ناحية اليمن، وسلمان في طريق العراق، وغزة بالشام. فالذي بردمان، المطلب، والذي بسلمان، نوفل، والذي بغزة، هاشم، والذي مات بمكة ودفن بقرب الحجون، عبد شمس. وقال مطرود أيضًا [1] : كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف فَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَارِيَةً تُنْشِدُ: كَانَتْ قُرَيْشٍ بَيْضَةً فَتَفَلَّقَتْ ... فَالْمُحُّ خَالِصُهُ لِعَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَهَكَذَا [2] قَالَ الشَّاعِرُ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا، إِنَّمَا قال: «لعبد مناف» . قال: كذلك قال. [قبر هاشم] 123- وَمَاتَ هَاشِمٌ بِغَزَّةَ مِنْ بِلادِ الشَّامِ، فَقَبْرُهُ بِهَا. وَقَدِمَ بِتَرِكَتِهِ وَمَتَاعِهِ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ لِهَاشِمٍ يَوْمَ مَاتَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ عِشْرُونَ سَنَةً. وَقَالَ مَطْرُودٌ يَرْثِيهِ [3] : مَاتَ النَّدَى بِالشَّامِ لَمَّا أَنْ ثَوَى ... فِيهِ بِغَزَّةَ هَاشِمٌ لا يَبْعُدُ لا يَبْعُدَنَّ رَبُّ الْفِنَاءِ نَعُودُهُ ... عَوْدَ السَّقِيمِ يَجُودُ بَيْنَ الْعُوَّدِ/ 28/ فَجِفَانُهُ رَذْمٌ لِمَنْ يَنْتَابُهُ وَالنَّصْرُ مِنْهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُمُّ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ شَمْسٍ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَأُمُّهَا سَلُولِيَّةٌ. وَأُمُّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: وَاقِدَةُ بِنْتُ أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة. وَهِيَ أُمُّ أَبِي عَمْرٍو، وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ عبد مناف، درج.
عبد المطلب
[عبد المطلب] نسب بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب:: 124- فولد هاشم بن عبد مناف (ويكنى أبا نضلة) شيبة الحمد. وهو عبد المطلب. وكان سيد قريش حتى هلك. وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد ابن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، من الأنصار. 125- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ، وعباس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده وغيره، قالوا: كان هاشم بن عبد مناف يختلف إلى الشام في التجارة. فإذا مر بيثرب، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد، وكان صديقا لأبيه وله. فنزل به في سفرة من سفراته وقد انصرف من متجره، فرأى ابنته سلمى بنت عمرو، فأعجبته. وكانت قبل عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا الأوسي، فمات عنها وقد ولدت ولدين، هلكا، وهما عمرو ومعبد ابنا أحيحة. فخطبها. فأنكحه إياها، واشترط عليه أن لا تلد إلا في أهلها. فنقلها هاشم معه إلى مكة. فلما حملت، ودنا ولادها، أتى بها منزل أبيها بيثرب، فخلفها، ومضى إلى الشام في تجارته. فمات بغزة من فلسطين. وولدت سلمى شيبة الحمد. وسمته بذلك لشيبة كانت في رأسه. ويقال لشيبات كن حول ذؤابته. وقيل له عبد المطلب، لأنه لما ترعرع بالمدينة، وأتت له سبع أو ثماني سنين، بلغ عمه المطلب بن عبد مناف خبره في لبسه ونظافته وشبهه بهاشم أبيه، فاشتاق إليه، وركب حتى أتى المدينة، فوافاه وهو يرمى مع الصبيان. فلما أصاب، قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء. فقال: له من أنت يا غلام؟ قال: أنا شيبة بن عبد مناف: قال: وأنا عمك، المطلب بن عبد مناف، وقد جئت لحملك إلى بلدك وقومك ومنزل أبيك وجوار بيت الله إن طاوعتني. وجعل يشوقه إلى مكة. فقال: يا عم، أنا معك. وقال له رجل من بني النجار: قد علمنا أنك عمه، فإن أحببت
أول من خضب بالوسمة
فاحمله الساعة قبل أن تعلم أمه، فتدعونا إلى منعك منه فنمنعك. فانطلق به معه، حتى أدخله مكة وهو ردف له. فكان لا يمر بمجلس من مجالس قريش إلا قالوا له: من هذا الغلام معك يا أبا الحارث؟ فيقول: عبد لي ابتعته. ثم أدخله منزله، فكساه. وأخذته امرأته خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم، فنظفته وطيبته وألبسته كسوة عمه. وأخرج إلى الندي. فجعل أهل مكة يقولون: هذا عبد المطلب. فغلب ذلك على اسمه. وقال المطلب بن عبد مناف [1] : وافيت شيبة والنجار قد جعلت ... أبناءها عنده بالنبل تنتضل وقالت سلمى أمه [2] : كنا ولاة حمه ورمه ... حتى إذا قام على أتمه انتزعوه غيلة من أمه ... وغلب الأخوال حق عمه وقال المطلب: يا سلم يا أخت بني النجار ... ما ابن أخي بالهين المعار فاقني حياء ودعي التماري ... إني ورب البيت ذي الأستار لو قد شددت العيس بالأكوار ... قد راح وسط النفر السفار حتى يرى أبيات عبد الدار وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرّهم. [أول من خضب بالوسمة] 126- حدثني عباس، عن أبيه، عن جده قال: كان عبد المطلب أول من خضب بالوسمة/ 29/ لأن الشيب أسرع إليه. فدخل على بعض ملوك اليمن، فأشار عليه بالخضاب. فغير شعره بالحناء، ثم علاه بالوسمة. فلما انصرف وصار بقرب مكة، جدّد خضابه. وكان قد
تزود من الوسمة شيئا كثيرا. فدخل منزله وشعره مثل حنك [1] الغراب. فقالت امرأته نتيلة، وهي أم العباس، يا شيب، ما أحسن هذا الصبغ [2] لو دام فعله. فقال عبد المطلب [3] : لو دام لي هذا السواد حمدته ... فكان بديلا من شباب قد انصرم تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بدّ من موت نتيلة أو هرم وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوما إذا عرشه انهدم ثم إن أهل مكة خضبوا بعده. 127- وقال الكلبي: حج قوم من جذام، ففقدوا رجلا منهم اغتيل بمكة، ولقيهم حذافة بن غانم العدوي فربطوه. وقدم عبد المطلب من الطائف، وقد كف بصره، وأبو لهب يقود به. فهتف به حذافة. فأتاهم. فقال: قد عرفتم تجارتي وكثرة مالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا، أو عشرا من الإبل، وغير ذلك مما يرضيكم، وهذا ردائي رهن بذلك. فقبلوا منه، وأطلقوا حذافة. فأردفه، حتى أدخله مكة، ووفى لهم عبد المطلب بما جعل لهم. فقال: أخارج [4] إما أهلكن فلا تزل ... لشيبة منكم شاكرا آخر الدهر وأولاده بيض الوجوه وجوههم ... تضيء ظلام الليل كالقمر البدر لهو لهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لاقصار ولا خدر لساقي الحجيج ثُمَّ للشيخ هاشم ... وعبدِ منافٍ ذلك السيد الفهري أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع الله القبائل من فهر أَبُو عتبة الملقي إليّ حباله ... أغر هجان اللون من نفر غرّ
قصة الفيل:
ويروي «أبو الحارث» ، وهو أصح. قصة الفيل: 128- قالوا [1] : وكان أبرهة الأشرم أبو يكسوم قتل حبشيا كان غلب على اليمن، وصار مكانه. فرأى العرب باليمن يتأهبون في وقت الحج. فسأل عن أمرهم. فقيل إنهم يريدون بلدا يقال له مكة، وبه بيت لله يتقربون إليه بزيارته. فبنى بيتا بصنعاء كثير الذهب والجوهر، وحمل من قبله من العرب على أن يحجوه ويصنعوا عنده كصنيعهم عند الكعبة. فاحتال بعض العرب لسدنته، حتى أسكرهم، ثم أتى بجيف ومحائض فألقاها فيها، ولطخ قبلته، وكانت على المشرق، بعذرة. فغضب أبرهة أشد غضب، وقال: والمسيح! لأغزونّ بيت العرب الذى يحجون إليه. فبعث إلى النجاشي: إني عبدك، وكل ما حويته من هذا البلد فهو لك، ومن مملكتك. وأهدى إليه هدايا، وسأله أن يبعث إليه بفيل له عظيم كان يلقى به عدوه إذا احتشد. فبعث إليه بذلك الفيل وبجيش. ثم إن الأشرم نهض نحو البيت، والفيل في مقدمته، ودليله النفيل ابن حبيب الخثعمي. فلما انتهى إلى قرب الحرم، برك الفيل بالمغمّس، فلم يحرك. ونخس بالرماح، فلم ينهض. ثم بعث الله على الجيش طيرا، مع كل طير ثلاثة أحجار. فألقتها عليهم، فلم ينج منهم شفر [2] . 129- وقد كان الحبشي لما قرب مكة، بث قوما ممن معه للغارة، منهم رجل يقال له الأسود بن مقصود. فاطردوا إبلا لعبد المطلب. فأتى عبد المطلب الحبشي وهو في قبة له بالمغمس [3] . وكان قائد الفيل صديقا له، فأدخله إليه وأخبره لشرفه. وكان عبد المطلب رجلا جميلا طويلا، له غديرتان،
أهدب الأشفار، دقيق العرنين أشمه، رقيق البشرة، سهل الحدّين. فأكرمه الحبشي وأجله، وسأله عن حاجته. فقال: إبلي. فأمر بردها، وقال: ما ظننتك جئتني إلا في أمر البيت. فقال عبد المطلب: إن للبيت ربا سيمنعه ويحميه. وكان عبد المطلب وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ( ... ؟) [1] الناس بمكة كل يوم، والحبشي مطلّهم، وقد هرب جل أهل مكة خوفا وإشفاقا. قال عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو «عابد» [2] : / 30/ أنت حبست الفيل بالمغمس ... من بعد ما كان بغير مجلس أنت الجليل ربنا لم تدنس وقال عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ويقال بل قالها أبو عكرمة عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عبد الدار، ويقال عكرمة وذلك غلط [3] : لاهم أخز الأسود بن مقصود ... الأخذ الهجمة ذات التقليد بين حراء فثبير فالبيد ... اخفر به رب وأنت محمود وقال عبد المطلب [4] : يا ربّ إنّ المرء يمنع ... (م) رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك فلئن فعلت فربما ... أولى فآمر ما بدا لك ولئن فعلت فإنه ... أمر تتم به فعالك وكان قدوم الفيل وحبس الله إياه للنصف من المحرم، وذلك قبل مولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بشهرين إلا أياما. وقال عبد المطلب في غير هذا المعنى:
التعدى على أركاح لعبد المطلب
لا تحسبي شيم الفتيان واحدة ... بكل رحل لعمري ترحل الناقه إني إذا المرء شانته خليقته ... ألفيتنى جلدتى بيضاء برّاقه وحينما يفعل الفتيان أفعله ... وإنما يتبع الإنسان أعراقه وقال عبد المطلب: قلت والأشرم تردى خيله ... إن ذا الأشرم غر بالحرم رامه تبع فيمن جمعت ... حمير والحي من آل قدم فانثني عنه وفي أوداجه ... جارح أمسك منه بالكظم فخزاك الله في بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم [التعدى على أركاح لعبد المطلب] 130- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابن خربوذ وغيره من علماء أهل الحجاز، قالوا: لما هلك المطلب بن عبد مناف، وكان العاضد لعبد المطلب والذاب عنه والقائم بأمره، وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح كانت لعبد المطلب. وهي الساحات والأفنية. فغلب عليها، واغتصبه إياها. فاضطرب عبد المطلب لذلك، واستنهض قومه معه، فلم ينهض كبير أحد منهم فكتب إلى أخواله من بني النجار، من الخزرج [1] : يا طول ليلي لأحزاني وأشغالي ... هل من رسول إلى النجار أخوالي ينبي عديا ودينارا ومازنها ... ومالكا عصمة الجيران عن حالي قد كنت فيكم وما أخشى ظلامة ذي ... ظلم عزيزا منيعا ناعم البال حتى ارتحلت إلى قومى وأزعجنى ... لذاك مطلّب عمّي بترحال فغاب مطلّب في قعر مظلمة ... ثم انتزى نوفل يعدو على مالي أأن رأى رجلا غابت عمومته ... وغاب أخواله عنه بلا والي أنحى عليه ولم يحفظ له رحما ... ما أمنع المرء بين العم والخال فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم ... لا تخذلوه فما أنتم بخذال أنتم شهاد لمن لانت عريكته ... من سلمكم وسمام الأبلخ الغالي
حلف خزاعة وعبد المطلب
قالوا: فقدم عليه منهم جمع كثيف، فأناخوا بفناء الكعبة وتنكبوا القسي وعلقوا التراس. فلما رآهم نوفل، قال: لشر ما قدم هؤلاء. فكلموه. فخافهم، ورد أركاح عبد المطلب عليه، وزاده وأحسن إليه، واعتذر من فعله. حدثني التوزي النحوي، عن الأصمعي، قال: الأركاح متسع في سفوح الجبال، يقال: إن له ساحة يتركح فيها. 131- قال ابن الكلبي: قال عبد المطلب في نصرة أخواله إياه [1] : / 31/ ستأبى مازن وبنو عدى ... ودينار بن تيم اللات ضيمي بهم رد الإله علي ركحي ... وكانوا في التناصر دون قومي عدي، ومازن، ودينار بنو النجار، واسمه تيم الله. وقال أيضا [2] : أبلغ بني النجار إن جئتهم ... أني منهم وابنهم والخميس رأيتهم قوما إذا جئتهم ... هووا لقائي وأحبّوا حسيس وقال شمر بن نمر الرانى [3] : لعمري لأخوال الأغر ابن هاشم ... من أعمامه الأدنين أحنى وأوصل أجابوا على نأي دعاء ابن أختهم ... وقد ناله بالظلم والغدر نوفل فما برحوا حتى تدارك حقه ... ورد عليه بعد ما كاد يؤكل جزى الله خيرا عصبة خزرجية ... توافوا على برّ وذو البرّ أفضل [حلف خزاعة وعبد المطلب] 132- قال هشام بن الكلبي: فلما نصر بنو الخزرج عبد المطلب، قالت خزاعة، وهم يومئذ كثير [4] قد قووا وعزوا: والله ما رأينا بهذا الوادى (أحدا
أحسن وجها، ولا أتمّ خلقا، ولا) [1] أعظم حلما، ولا أبعد من كل موبقة ومذنبة تفسد الرجال من هذا الإنسان- يعنون عبد المطلب- ولقد نصره أخواله من الخزرج، ولقد ولدناه كما ولدوه- وأن جده عبد مناف لابن حبي بنت حليل بن حبشية سيد الخزاعة- ولو بذلنا له نصرنا [2] وحالفناه انتفعنا به وبقومه وانتفع بنا. فأتاه وجوههم، فقالوا: يا أبا الحارث، إنا قد ولدناك كما ولدك قوم [3] من بني النجار، ونحن، بعد، متجاورون في الدار، وقد أماتت الأيام ما كان يكون في قلوب بعضنا [4] على قريش من الأحقاد، فهلم، فلنحالفك. فأعجب ذلك عبد المطلب وقبله وسارع إليه فأجابهم إلى حلف. فأقبل ورقاء بن عبد العزى أحد بني مازن بن عدى بن عمرو بن لحىّ، وسفيان ابن عمرو القميرى، وأبو بشر [5] ، وهاجر بن عمير القميري، وهاجر بن عبد مناف بن ضاطر، وعبد العزى بن قطم المصطلقي في عدة من وجوههم، فدخلوا دار الندوة وكتبوا بينهم كتابا. وكان عبد المطلب في سبعة نفر من بني المطلب، والأرقم بن نضلة بن هاشم. ولم يحضر أحد من بني نوفل ولا عبد شمس. فلما فرغوا من الكتاب، علقوه في الكعبة. وكان الذي كتبه لهم أبو قيس (بْن) عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب (المعلم. وتزوج عبد المطلب يومئذ لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف بْن ضاطر، فولدت له أبا لهب. وتزوج أيضا ممنعة [6] بنت عمرو بن مالك بن مؤمل، فولدت له الغيداق. وكانت نسخة كتابهم [7] «هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالة عمرو بن ربيعة، من خزاعة، ومن معهم من أسلم ومالك ابني أفصى بن حارثة [8] . تحالفوا على
منافرة بين عبد المطلب وحرب بن أمية
التناصر والمؤاساة ما بل [1] بحر صوفه، حلفا جامعا غير مفرق. الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب. وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد، وأوثق عقد، لا ينقض ولا ينكث ما شرقت شمس على ثبير، وحن بفلاة بعير، وما قام الأخشبان، وعمر بمكة إنسان، حلف أبد، لطول أمد [2] . يزيده طلوع الشمس شدّا، وظلام الليل مدّا. وأن عبد المطلب وولده ومن معهم دون سائر بني النضر بن كنانة، ورجال خزاعة متكافئون، متضافرون، متعاونون. فعلى عبد المطلب النصرة لهم ممن تابعه على كل طالب وتر، في بر أو بحر، أو سهل أو وعر. وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب، في شرق أو غرب، أو حزن أو سهب. وجعلوا الله على ذلك كفيلا، وكفى به حميلا [3] » . فقال عبد المطلب [4] : سأوصي زبيرا إن أتتني منيتي ... بإمساك ما بيني وبين بني عمرو وأن يحفظ العهد الوكيد بجهده ... ولا يلحدن فيه بظلم ولا غدر / 32/ هم حفظوا الإل القديم وحالفوا ... أباك وكانوا دون قومك من فهر وكان عبد المطلب وصى ابنه الزبير. ثم أوصى الزبير إلى أبي طالب، ثم أوصى أبو طالب إلى العباس. وقال ابن الكلبى: وهذا الحلف هو الذي عناه عمرو بن سالم الخزاعي حين قَالَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] : لاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأتلد [منافرة بين عبد المطلب وحرب بن أمية] 133- وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام، عن أبيه، عن جده محمد بن السائب الكلبي وغيره، قالوا: كان عبد المطلب من حلماء قريش وحكامها. وكان نديمه حرب بْن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف. وكان في جوار عبد المطلب يهودي،
يقال له أدينة [1] . وكان اليهودي يتسوق في أسواق تهامة بماله. فغاظ ذلك حربا. فألب عليه فتيانا من قريش، وقال: هذا العلج الذي يقطع إليكم ويخوض بلادكم بمال جم كثير من غير جوار ولا خيل، والله لو قتلتموه وأخذتم ماله، ما خفتم تبعة ولا عرض لكم أحد يطلب بدمه. فشد عليه عامر بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي، وصخر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة، فقتلاه. فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلا [2] . فلم يزل يبحث عن أمره، حتى علم خبره بعد. فأتى حرب بن أمية، فأنبه بصنيعه وطلب بدم جاره. فأجار حرب قاتليه ولم يسلمهما أخفافهما. وطالبه عبد المطلب بهما، فتغالظا في القول. حتى دعاهما المحك واللجاج إلى المنافرة. فجعلا بينهما النجاشي صاحب الحبشة. فأبى أن يدخل بينهما. فجعلا بينهما نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عبد الله ابن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بن لؤي، جد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. فقال لحرب: «يا با عمرو، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صلة، وأطول منك مذودا [3] ؟ وأني لأقول هذا، وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب، جلد النذيرة [4] ، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفرا» . فنفر عبد المطلب. فغضب حرب، وأغلظ لنفيل، وقال: من انتكاس الدهر أن جعلتك [5] حكما. وكانت العرب تتحاكم إليه. فقال نفيل [6] : أولاد شيبة أهل المجد قد علمت ... عليا معد إذا ما هزهز الورع
منافرة بين عبد المطلب وثقيف
وشيخهم خير شيخ لست تبلغه ... أنى وليس به سخف ولا طبع يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعا ... يسقى الحجيج وماذا يبلغ الهبع أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه العشاش ومنه الناضر الينع وتروى «مختلف العش الضئيل [1] » . قال: فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة. ولم يفارق حربا حتى أخذ منه مائة ناقة، ودفعها إلى ابن عم اليهودي. وارتجع ماله إلا شيئا كان شعث منه، فغرمه [2] من ماله. وقال الأرقم بن نضلة بن هاشم في منافرة عبد المطلب حربا [3] : وقبلك ما أدرى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد أيا حرب قد جاريت غير مقصر ... شاك إلى الغايات طلّاع أنجد [منافرة بين عبد المطلب وثقيف] 134- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن أشياخ من العلماء، قالوا: كان لعبد المطلب ماء يدعى ذا) الهرم. فغلبه عليه جندب بن الحارث الثقفي، قوم من ثقيف. فنافرهم عبد المطلب إلى الكاهن القضاعي، وهو سلمة بن أبي حية بن الأشحم بن عامر بن ثعلبة، من بني الحارث بن سعد هذيم، أخي عذرة بن سعد. وهو صاحب عزى سلمة. وعزاه شيطانه، فيما يزعمون. وكان منزله بالشام. فخرج عبد المطلب إليه في نفر من قريش، وخرج جندب في جماعة من ثقيف. فلما انتهوا إلى الكاهن، خبئوا له، فيما يزعمون، رأس جرادة في خربة مزادة [4] . فقال، والله أعلم: خبأتم لي شيئا طار، فسطع وتصوب فوقع ذا ذنب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار/ 33/ فقال:
يوم ذات نكيف:
إلاده، أي بين. فقال: إلاده فلاده (يقول: إلا يكن قولي بيانا، فلا بيان) . وهو رأس جرادة، في خربة مزادة [1] ، في ثني القلادة. قالوا: صدقت. وانتسبوا له. فقال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت والحرم، إن الماء [2] ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم. فغضب الثقفيون، فقالوا: اقض لأرفعنا مكانا، وأعظمنا جفانا، وأشدنا طعانا. فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر، ولمن أبوه سيد مضر، وساقي الحجيج إذا كثر. فقال الكاهن [3] : أما ورب القلص الرواسم ... يحملن أزوالا بقي طاسم إنّ سناد المجد والمحارم ... في شيبة الحمد سليل هاشم أبي النبي المرتضى للعالم ثم قال [4] : إن بني النضر كرام ساده ... من مضر الحمراء في القلاده أهل سناء وملوك قاده ... مزارهم بأرضهم عباده إن مقالي فاعلموا شهاده ثم قال: إنّ ثقفيا عبد أبق [5] فثقف، فعتق، فليس له في المنصب الكريم من حق. يوم ذات نكيف: 135- حدثني عباس، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمْ يزل بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة مبغضين لقريش مضطغنين عليهم ما كان من قصي حين أخرجهم من مكة مع من أخرج من خزاعة، حين
قسمها رباعا وخططا بين قريش. فلما كانوا على عهد المطلب [1] ، هموا بإخراج قريش من الحرم وأن يقاتلوهم حتى يغلبوهم عليه. وعدت بنو بكر على نعم لبنى الهون فاطردوها، ثم جمعوا جموعهم. وجمعت قريش واستعدّت. وعقد المطلب [2] الحلف بين قريش والأحابيش (وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة. فلقوا بني بكر ومن انضم إليهم، وعلى الناس المطلب [3] . فاقتتلوا بذات نكيف. فانهزم بنو بكر، وقتلوا قتلا ذريعا، فلم يعودوا لحرب قريش. قال ابن شعلة الفهري: لله عينا من رأى من عصابة ... غوت غي بكر يوم ذات نكيف أناخوا إلى أبياتنا ونسائنا ... فكانوا لنا ضيفا بشر مضيف وقتل يومئذ عبد (بن) [4] السفاح القاري من القارة: قتادة [5] بن قيس أخا بلعاء بن قيس. واسم بلعاء مساحق. وقال عبد في ذلك: يا طعنة ما قد طعنت مرشة ... قتادة [6] حين الخيل بالقوم تخنف إذا جاء سرب من نساء يعدنه ... تولين يأسا ظهرهن يقفقف قال ابن الكلبي: ويومئذ قيل [7] : قد أنصف القارة من راماها
والقارة من ولد الهون بن خزيمة. وهم من ولد عضل بن الديش. قال رجل منهم [1] : دعونا قارة: لا تنفرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم فسموا القارة. والقارة جبيل صغير. وقال غير الكلبى: قال عبد شمس ابن قيس، وهو رجل من بني الهون: أعازبة حلوم [2] بني أبينا ... كنانة أم هم قوم نيام فإن يك فيكم كرم وعز ... فقومكم وإن قلوا كرام دعونا قارة لا تنفرونا ... فتنبتك القرابة والذمام كما جلت بنو أسد جذاما ... فبانت عن مساكنها جذام وكان يقال للقارة «رماة الحدق» . وقال الشاعر [3] : قد علمت سلمى ومن والاها ... أنا نصد الخيل عن هواها قد أنصف القارة من راماها ... إنَّا إِذَا مَا فِئَةٌ نَلْقَاهَا / 34/ نَرُدُّ أُولاهَا على أخراها ... نردها دامية كلاها وقال أبو عبيدة: قال قتادة [4] لقومه يوم ذات نكيف: ارموهم بالنبل، فإذا فنيت، فشدّوا عليها بالرماح. فقال قائل منهم: قد أنصف القارة من راماها وكان أبو عبيدة يقول: «حكم بن الهون» ، ولكن ولده أتوا اليمن، فقالوا: «حكم بن سعد العشيرة» .
- حفر زمزم ونذر عبد المطلب:
136 - حفر زمزم ونذر عبد المطلب: قالوا: أري [1] عبد المطلب في منامة أن يحتفي زمزم ويحتفرها، ودلّ على موضعها وكانت جرهم دفنها عند إخراج خزاعة إياها عن مكة. فقال له قائل: «زمزم، وما زمزم؟ هزمة جبريل برجله، وسقيا إسماعيل وأهله. زمزم البركات، تروي الرفاق الواردات [2] . شفاء سقام، وخير طعام» . فاحتفرها، ووجد فيها سيوفا مدفونة، وحليا، وغزالا من فضة وذهب مشنفا بالدر. فعلقه في الكعبة، حتى سرق بعد. قالت صفية بنت عبد المطلب: نحن حفرنا للحجيج زمزم ... سقيا الخليل وابنه المكرم هزمة جبريل التي لم تذمم ... شفاء سقم وطعام مطعم 137- وَحَدَّثَنِي الوليد بْن صالِح وَمُحَمَّد بْنُ سَعْد، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال: سألت عبد الله بن جعفر: متى كان حفر عبد المطلب زمزم؟ فقال: وهو ابن أربعين سنة. قلت: فمتى كان أراد ذبح ولده؟ قال: بعد ذلك بثلاثين سنة. قلت: قبل مولد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أجل، وقبل مولد حمزة. قلت: فإن بعض الرواة يزعم أنه أتى لعبد المطلب مائة وعشر سنين. قال: لم يبلغ ذلك. قلت: ما كان سبب نذره أن يذبح ولده؟ قال: نازعته قريش حين حفر زمزم، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْوَلَدِ إِلا الْحَارِثُ وَحْدَهُ. فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف، أبو «المطعم» : يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَتَسْتَطِيلُ عَلَيْنَا وَأَنْتَ فَذٌّ لا ولد لك [3] ؟ قال عبد المطلب: أتقول هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ نَوْفَلٌ، أَبُوكَ، فِي حِجْرِ هاشم؟ (لأن هاشما كان خلف على أمه واقدة نكاح مقت. فقال له عدي: وأنت أيضًا فقد كنت عند أخوالك من بني النجّار حتى ردّك
زواج عبد الله بن عبد المطلب
المطّلب [1] . قال: أبا لقلّة تعيرني؟ فو الله لئن آتاني الله عشرة من الولد ذكورا لأنحرنّ أحدهم عند الكعبة. فآتاه الله عَشرَةُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ الله، أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أحب الناس إليه. فقال: اللهم، أهو أَمْ مِائَةٌ مِنْ تَلادِ إِبِلِي؟ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِائَةٍ مِنْ إِبِلِهِ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةِ عَلَى المائة. فنحرها، فاقتسمها في فقراء مكة ومن ورد من الأعراب. قال، قلت: فإن بعض الرواة يقول: «تكاءد [2] عَبْد الْمُطَّلِبِ حفر زمزم، فَقَالَ: لئن تمّ حفرها، لأنحرن بعض ولدي» ؟ فقال: «ما أدري ما هذا. ولقد روي» . وقال فِي السنة الَّتِي نحر فِيهَا عَبْد الْمُطَّلِبِ الإبل، مات الحارث ابن عبد المطلب ولابنه ربيعة سنتان. [زواج عبد الله بن عبد المطلب] 138- قال الواقدي: وكان نحر الإبل قبل الفيل بخمس سنين، فكان ربيعة أسنّ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع سنين. 139- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: تزوج عبد المطلب هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي أم حمزة ابن عبد المطلب، ولدته قبل مولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بأربع سنين أو نحوها. ثم زوج عبد المطلب ابنه عبد الله: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وكانت في حجر عمها أهيب بن عبد مناف، فولدت له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولما خطبها عبد المطلب على عبد الله، فأجيب إلى تزويجه إياها، انطلق به ماضيا إلى بني زهرة. فمر بامرأة من خثعم، يقال لها فاطمة- وكان فتيان قريش يحدثون إليها، وكانت عفيفة، ويقال إنها كانت من بنى أسد بن خزيمة وكانت تعتاف وتنتظر وتقرأ الكتب- فقالت لعبد الله، وجلس إليها منتظرا لأبيه، وقد عرج/ 35/ لبعض شأنه: هل لك في موافقتي على أن أعطيك مائة من الإبل؟ (وكانت موسرة) . فقال عبد الله [3] :
(ولادة النبي عليه السلام) :
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فاستبينه فكيف بالأمر الذي تنوينه ثم إنه مضى مع أبيه إلى بني زهرة، فزوجه آمنة. وأقام عندها ثلاثا. وكانت تلك سنتهم. ثم إن عبد الله أتى الامرأة [1] بعد ذلك، فقال لها: هل لك فيما كنت عرضت على أن يكون بيننا تزويج؟ فقالت: لا تطلبن الأمر إلا ميلا ... قد كان ذاك مرة فاليوم لا إني رأيت في وجهك نورا ساطعا، وقد ذهب الآن، فما الذي صنعت؟ فحدثها حديثه، فقالت: إني لأحسبك أبا النبي الذي قد أظل وقت مولده. وقالت [2] : لله ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما سكنت وما تدري وقالت أيضًا [3] : بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد خبوه ... فتائل قد ميثت له بدهان وما كل ما يحوي امرؤ من إرادة ... لحزم ولا ما فاته لتوان فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدّان يصطرعان (ولادة النبي عليه السلام) : 140- وحملت آمنة في أيامها الثلاثة. ورأت في منامها آتيا أتاها، فقال:
محبة عبد المطلب لمحمد ص
يا آمنة، إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع في الأرض، فقولي: «أعيذك بالواحد، من شر كل حاسد» ، وسميه أحمد. ويقال إنه قال: سميه محمدا. 141- فلما وضعته، أرسلت إلى عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام. فنهض مسرورا، ومعه بنوه، حتى أتاه فنظر إليه. وحدثته بما رأت، وبسهولة حمله وولادته. فأخذه عبد المطلب في خرقة فأدخله الكعبة وقال [1] : الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان أعيذه بالبيت ذي الأركان ... من كل ذي بغي وذي شنآن وحاسد مضطرب العنان ثم رده إلى أمه. 142- وقال الواقدي: الامرأة التي قالت لعبد الله ما قالت، قتيلة بنت نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت ورقة بن نوفل. وكانت تنظر في الكتب. [محبة عبد المطلب لمحمد ص] 143- المدائني، عن يزيد بن عياض، عن الزهري وحفص بن عمر، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عبد المطلب كان إذا أتى بالطعام، أجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه، وربما أقعده على فخذه، فيوثره بأطيب طعامه. وكان رقيقا عليه بآدابه. فربما أتي بالطعام وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا، فلا يمس شيئا منه حتى يؤتى به. وكان يفرش له في ظل الكعبة، ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه، فإذا خرج، قاموا على رأسه مع عبيده، إجلالا له. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، فيجلس على الفراش، فيأخذه أعمامه ليؤخروه، فيقول عبد المطلب: مهلا، دعوا ابني ما تريدون منه. ثم يقول: دعوه فإن له لشأنا، أما ترونه؟ ويقبل رأسه وفمه، ويمسح ظهره، ويسرّ بكلامه وما يرى منه.
الاستسقاء برسول الله ص
144- وحدثني محمد بن إسماعيل الضرير الواسطي، حدثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن الهاشمي، عن الكندير بن سعيد، عن أبيه، قال: حججت في الجاهلية، فإذا أنا بشيخ مربوع يطوف بالبيت، وهو يقول [1] : رد علي راكبي محمدا ... واصطنعن برده عندي يدا فقلت: من هذا الشيخ؟ قالوا: عبد المطلب بن هاشم. قلت: ما شأنه؟ قالوا: (أ) ضلّ إبلاله، فخرج في طلبها بني ابنه: محمد بن عبد الله، وقد أبطأ عليه، فقد أخذه ما ترى. قال: فما برحت حتى رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو غلام، وجاء بالإبل. فسمعت عبد/ 36/ المطلب يقول له: يا بني، لقد جزعت عليك جزعا، لا تفارقني بعده حتى أموت. 145- وحدثني الحرمازي، عن أبي اليقظان، قال: كان عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بن عبد شمس- وأمه البيضاء بنت عبد المطلب- مضعوفا. فأتي به عبد المطلب، فمسه، فقال: وعظام هاشم، وما ولد في ولد عبد مناف مولود أحمق منه. وتزوج عامر دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمي، فولدت له عبد الله بن عامر. [الاستسقاء برسول الله ص] 146- وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، قال حدثني الوليد بن عبد الله القرشي، عن عبد الرحمن ابن موهوب الأشعري حليف بني زهرة، عن أبيه، عن مخرمة بن نوفل الزهري، قال: سمعت أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم تحدث، وكانت لدة عبد المطلب، قالت: تتابعت على قريش سنون ذهبت بالأموال، فسمعت في النوم قائلا يقول: «هذا أوان نبي مبعوث فيكم، معشر قريش، وبه يأتيكم الحيا [2] والخصب، فليخرج رجل منكم طوال أبيض، مقرون الحاجبين، أهدب الأشفار، جعد الشعر، أشم العرنين، وليخرج معه ولده وولد ولده،
حفر زمزم
وليخرج من كل بطن رجل حتى يعلوا أبا قبيس، ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي، ويؤمّنون» . فلما أصبحت، قصصت رؤياي. فنظروا، فإذا الرجل الذي هذه صفته عبد المطلب. فاجتمعوا عليه، وفعلوا ما أمروا به. وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ولد عبد المطلب، وهو غلام. فتقدم عبد المطلب، فقال: «لا هم، هؤلاء عبادك، بنو إمائك، وقد نزل بهم ما ترى، وتتابعت عليهم السنون فذهبت بالخفّ والقلف، وأشفت الأنفس منهم على التلف والحتف. فاذهب عنا الجدب، وائتنا بالحياة والخصب» . قال: فما برحوا حتى سالت الأودية. وبرسول الله صلى الله عليه وسلم سقوا. قالت رقيقة [1] : بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واستبطئ المطر فجاد بالماء جونىّ له سبل ... دان فعاشت به الأنعام والشجر منا من الله بالميمون طائره ... وخير من بشرت يوما به مضر مبارك الوجه يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر [حفر زمزم] 147- المدائني، عن ابن جعدبة أن عبد المطلب رأى في منامه قائلا يقول [2] : احفر زمزم، خبية الشيخ الأعظم. ثم رأى ليلة أخرى: احفر تكتم، بين الفرث والدم، في مبحث الغراب الأسحم، في قرية النمل. فلما أصبح، وجد بقرة مفلتة من جازرها وقد صارت إلى المسجد إلى موضع زمزم، فسلخت في موضعها. وجاء غراب حتى وقع على فرثها، وإذا ثم قرية نمل. فاحتفر عبد المطلب زمزم، وأنكرت قريش ذلك. فحدثها الحديث، فصدقته. وقال خويلد بن أسد: أقول وما قولي علي بهين ... إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر ... وركضة جبريل على عهد آدم
وفاة عبد المطلب
[وفاة عبد المطلب] 148- قالوا: وتوفي عبد المطلب وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ودفن بالحجون بمكة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، ولحمزة نحو من اثنتي عشرة سنة، وللعباس إحدى عشرة سنة. ويقال إن عبد المطلب مات وله ثمان وثمانون سنة. وفي رواية الواقدي وغيره أن أم أيمن حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبكي خلف سرير عبد المطلب، وهو ابن ثماني سنين. قال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، أن مخرمة بن نوفل الزهري قال: مات عبد المطلب وأنا شاهده مع قريش، وقد قاربت عشرين سنة، وأن أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم كانت [1] لدة عبد المطلب، فتقول لي: شق/ 37/ قميصك على خالك لمن تستبقيه [2] بعده. قال: ونظرت إلى نساء بنى عبد مناف قد جززن الشعور. وإنه ليقال إنه يومئذ ابن ما بين الثمانين إلى التسعين، وإن كان لمعتدل القناة. وكان أول من تحنث بحراء. والتحنث التأله [3] والتبرر. وكان إذا أهل هلال شهر رمضان، دخل بحراء فلم يخرج حتى ينسلخ الشهر [4] ، ويطعم المساكين. وكان يعظم الظلم بمكة، ويكثر الطواف بالبيت. قال الواقدي: وقد روي أن عبد المطلب توفى ابن مائة وعشر سنين. وليس ذلك بثبت. وقال هشام بن الكلبي: كان موت عبد المطلب في ملك هرمز ابن أنوشروان، على الحيرة قابوس بن المنذر، أخو عمرو بن المنذر الذي يقال له عمرو بن هند مضرط الحجارة. ويقال إنه لم يمت حتى كف بصره. وروي عن عبد الله بن عباس، أنه قال، كان أبي يخبرنا عن عبد المطلب أنه مات يوم مات وهو أعدل قناة منه، وله ثمان وثمانون سنة. وسمعت من يحدث عن مصعب بن عبد الله، أن عبيد بن الأبرص كان ترب عبد المطلب، وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة، وبقي عبد المطلب بعده عشرين سنة أو أكثر.
رثاء عبد المطلب
149- قالوا: ولما احتضر عبد المطلب، جمع بنيه فأوصاهم برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الزبير بن عبد المطلب وأبو طالب أخوي عبد الله لأمه وأبيه. وكان الزبير أسنهما. فاقترع الزبير وأبو طالب أيهما يكفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأصابت القرعة أبا طالب، فأخذه إليه. ويقال: بل اختاره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزبير، وكان ألطف عميه به. ويقال: بل أوصاه عبد المطلب بأن يكفله بعده. وروي بعضهم أن الزبير كفل النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم كفله أبو طالب بعده، وذلك غلط لأن [1] الزبير شهد حلف الفضول ولرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ نيف وعشرون سنة. لا اختلاف بين العلماء في أن شخوص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع أبي طالب بعد موت عبد المطلب بأقلّ من خمس سنين. [رثاء عبد المطلب] 150- ورثى بنات عبد المطلب أباهن بشعر، كتبت بعضه. قالت عاتكة بنت عبد المطلب [2] : أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام أعينيّ واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بالتدام على شيبة الحمد والمكرمات ... ومردي المخاصم يوم الخصام وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب [3] : ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات وبكي خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات عقيل بني كنانة والمُرَجَّى ... إذا ما الدهر أقبل بالهنات وقالت برة بنت عبد المطلب: ألا يا عين ويحك أسعديني ... واذري الدمع سجلا بعد سجل
بدمع من دموعك ذي غروب ... فقد فارقت ذا كرم وبذل طويل الباع شيبة ذا المعالي ... أباك الخير وارث كل فضل وقالت أميمة بنت عبد المطلب [1] : أعيني جودا بدمع درر ... على طيّب الحيم والمعتصر على ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر على شيبة الحمد والمكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر وقالت سبيعة بنت عبد شمس: / 38/ أعيني جودا [2] بالدموع السواكب ... على خير ميت نحى من لؤي بن غالب أعيني لا تستحسرا عن بكاكما ... على ماجد الأعراق عف المحاسب أبي الحارث الفياض ذي الحلم والنهى ... وذي الباع والأفضال غير تكاذب وقالت أروى بنت عبد المطلب [3] : بكت عيني وحق لها بكاها ... على سمح سجيته الحياء على الفياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء طويل الباع أروع ذو فضول ... له المجد المقدم والسناء وقالت ضعيفة بنت هاشم [4] : ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقد ... وساقي الحجيج والمحامى عن المجد أبو الحارث الفياض خلى مكانه ... فلا يبعدن وكلّ حىّ له بعد
(أولاد عبد المطلب) :
قالوا: ولم يقم لموت عبد المطلب بمكة سوق [1] أياما كثيرة. 151- وولد هاشم أيضًا، سوى عبد) المطلب [2] : نضلة بن هاشم، والشفا بنت هاشم، (تزوجها هاشم بن المطلب بن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد ابن هاشم، وهو «المحض لا قذى فيه» . وكذلك كانوا يسمون من كانت أمه بنت عم أبيه. وأمهما أميمة بنت عدي بن عبد الله، من قضاعة، ثم من بني سلامان بن سعد بن يزيد. ويقال: هي أميمة بنت أبي عدي بن عبد الله. وكان السائب بْن عُبَيْد بْن عَبْدِ يَزِيد بْن هاشم بن المطلب يشبه بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم) ، وأسد بن هاشم، (وأمه قيلة، وهي الجزور بنت عامر بن مالك ابن جذيمة المصطلق، من خزاعة) ، وصيفي [3] ، وأبا صيفي واسمه عمرو سماه أبوه باسمه، (وأمهما هند بنت عمرو بن ثعلبة، من الخزرج. ويقال إن أبا صيفي لأم ولد) ، وخالدة بنت هاشم، (تزوجها أسد بن عبد العزى، فولدت له نوفل وحبيب [4] ابني أسد بن عبد العزى، قتلا يوم الفجار الآخر) ، وصفية بنت هاشم، (تزوجها وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وأمها واقدة بنت أبي عدى الهوارتية، خلف عليها هاشم بعد أبيه نكاح مقت) ، وحية بنت هاشم، (تزوجها الأحجم بن دندنة بن عمرو، من خزاعة، وأمها من ثقيف، فولدت له أسيد، وشييم، ومرّة، وزرعة، وورقة، وجارية وسلمى) . (أولاد عبد المطلب) : 152- فولد عبد المطلب- ويكنى أبا الحارث-: عبد اللَّه، والزبير، وعبد مناف وهو أبو طالب، (وكان الزبير أحد حكام قريش، وهو أسن من عبد اللَّه ومن
أبي طالب) ، عبد الكعبة درج صغيرا، وأم حكيم البيضاء (وهي «الحصان لا تكلم والصناع لا تعلم» ، توأمة عبد اللَّه تزوجها كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له أروى بنت كريز، أم عثمان بن عفان، وأم كريز، وأرنب وهي أم طلحة بنت كريز امرأة عامر بن الحضرمى، من حليف بني عبد شمس) ، وعاتكة بنت عبد المطلب (تزوجها أبو أمية ابن المغيرة المخزومي، فولدت له زهير بن أبي أمية، وعبد اللَّه بن أبي أمية، وقريبة الكبرى بنت أبي أمية، وهم إخوة أم سلمة بنت أبي أمية زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأبيها. وأم أم سلمة كنانية، من ولد جذل الطعان) ، وبرة بنت عبد المطلب (تزوجها عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد، واسمه عبد اللَّه، ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى، من ولد عامر بن لؤي، فولدت أبا سبرة بن أبي رهم) ، وأميمة بنت عبد المطلب (تزوجها جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرّة ابن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وعبد وهو أبو أحمد، وزينب زوج رسول اللَّه/ 39/ صلى اللَّه عليه وسلم، وحمنة بنت جحش تزوجها طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْمِيِّ صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وأروى بنت عبد المطلب (تزوجها عمير بن وهب بن عبد ابن قصي، فولدت له طليب بن عمير هاجر وقتل بالشام شهيدا. ثم خلف عليها أرطاة بن عَبْد شرحبيل [1] بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار بن قصي، فولدت له فاطمة) - وأم هؤلاء جميعا فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بْن مخزوم بْن يقظة بْن مرة بْن كعب بن لؤي- والعباس بن عبد المطلب (وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عامر بن زيد مناة بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم اللَّه بن النمر بن قاسط. وسمي الضحيان لأنه كان يجلس لقومه إذا أضحى فيحكم بينهم. وأم نتيلة: سعدى بنت
الحارث بن زيد، فربّته [1] أيضا. وأم جناب: أم حجر ولدعية، من همدان. وأمها ربيعة، من ولد الحارث بن عباد فارس النعامة) ، وضرار بن عبد المطلب (وأمه نتيلة أيضًا. مات حدثا قبل الإسلام) . 153- وحدثني عَبَّاس [2] بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، قال: قال [3] عبد المطلب في ابنه العباس، وكان به معجبا، وولد قبل الفيل بثلاث سنين: ظني بعباس ينبّى إن كبر ... أن يمنع القوم إذا ضاع الدبر وينزع السجل إذا اليوم اقمطر ... ويسقي الحاج إذا الحاج كثر وينحر الكوماء في اليوم الحصر ... ويفصل الخطبة في الأمر المبر ويكسو الريط اليماني والأزر ... ويكشف الكرب إذا ما اليوم هر أكمل من عبد كلال وحجر ... لو جمعا لم يبلغا منه العشر 154- قال: وأضلت نتيلة ابنها ضرارا، فكاد عقلها يذهب جزعا. وولهت ولها شديدا. وكانت ذات يسار. فجعلت تنشده في الموسم، وتقول: أضللت أبيض لوذعيا ... لم يك مجلوبا ولا دعيا وقالت أيضا: أضللت أبيض كالخصاف ... للفتية الغر بني مناف ثم لعمري منتهي الأضياف ... سن لفهر سنة الإيلاف في القر حين القر والأصياف وجعلت على نفسها لئن رده اللَّه عليها أن تكسو الكعبة. فمر بها حسان بن ثابت الأنصاري، وقد حج في نفر من قومه. فلما رأى جزعها، قال [4] :
وأم ضرار تنشد الناس والها ... فيال بني النجار ماذا أضلت ولو أن ما تلقي نتيلة غدوة ... بأركان رضوى مثله ما استقلّت فأتاها به رجل من جذام. فكست البيت ثيابا بيضا، وجعلت تقول: الحمد للَّه ولي الحمد ... قد رد ذو العرش على ولدي من بعد أن جولت في معد ... أشكره ثم أفي بعهدي وحمزة بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أسد اللَّه وأسد رسوله، والمقوم ويكنى أبا بكر، وحجل واسمه المغيرة، وصفية (تزوجها الْحَارِث بْن حرب بْن أمية، فولدت لَهُ الصفياء. ثم خلف عليها الْعَوَّام بْن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بن قصي، فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة درج. فتزوج الصفياء ربيعة بن ابن أكثم، وذلك الثبت. ويقال: ابن أبي أكثم بن عمرو، أحد بني عامر بن غنم ابن دودان، وكان يكنى أبا يزيد، وهو بدري واستشهد بخيبر) . وأم هؤلاء هالة بنت أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وأمها العبلة بنت/ 40/ المطلب [1] بن عبد مناف. والحارث بن عبد المطلب (بن هاشم) بن عبد مناف (وبه كان يكنى، وهو أكبر ولده. وأمه صفية بنت جنيدب بن [2] حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بْن مُعَاوِيَة بْن بكر بْن هوازن بْن منصور) ، وقثم بن عبد المطلب (هلك صغيرا، وأمه صفية بنت جنيدب أيضًا) ، وعبد العزى بن عبد المطلب (وهو أبو لهب، وكان جوادا. كناه أبوه بذلك لحسنه. ويكنى أبا عتبة. وأمه لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف ابن ضاطر بْن حبشيَّة بْن سلول، من خزاعة) ، والغيداق (واسمه نوفل. وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن مؤمل بن أسعد، من خزاعة) . 155- ويقال إن قثم بن عبد المطلب كان أخا الغيداق لأمه، ولم يكن أخا الحارث. قال قرة بن حجل بن عبد المطلب يذكر عمومته وأباه [3] :
عبد الله بن عبد المطلب
أذكر ضرارا إن عددت فتى ندى ... والليث حمزة وأذكر العباسا وأعدد زبيرا والمقوم بعده ... والصتّم حجلا والفتى الرءّاسا وأبا عتيبة فاذكرنه ثامنا ... والقرم عبد مناف الجسّاسا (والقرم) غيداقا تعدّ جحاجحا ... سادرا على رغم العدو الناسا والحارث الفياض ولى ماجدا ... أيام نازعه الهمام الكاسا عبد اللَّه بن عبد المطلب 156- فأما عبد اللَّه بن عبد المطلب- ويكنى أبا قثم، ويقال إنه كان يكنى أبا محمد، ويقال كان يكنى أبا أحمد- قولد محمدا رسول اللَّه وخاتم أنبيائه صلى اللَّه عليه وسلم، ويكنى أبا القاسم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة. وأمها برة بنت عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ابن قصي بن كلاب. وأم وهب: هند بنت أبي قيلة- وهو وجز- بن غالب، من خزاعة. وكان أبو قيلة يدعى أبا كبشة. وكان قد استخف بالحرم وأهله، في فعلة فعلها [1] . فكانت قريش تقول للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: «فعل ابن أبي كبشة كذا» ، يشبهونه إذا خالف دينهم. ويقال إن زوج حليمة، ظئره، كان يكنى أبا كبشة. ويقال إن وهبا، جده لأمه، كان يكنى أبا كبشة. ويقال إن عمرو بن زيد، جد عبد المطلب لأمه، كان يكنى أبا كبشة. واللَّه أعلم. 157- وحدثني أبو الحسن المدائني، عن الوقاصي، قال سمعت الزهري يقول: كان وجز بن غالب ينكر عبادة الأصنام ويعيبها، ويطعن على أهلها، وكان يكنى أبا كبشة. فشبّهوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم به.
القول في السيرة النبوية الشريفة
[القول في السيرة النبوية الشريفة] 158- وكان مولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عام الفيل، يوم الاثنين لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول. ويقال لليلتين خلتا منه. ويقال لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. وذلك لأربعين سنة مضت من ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الخشن بن بهرام بن سابور ذي الأكتاف ملك الفرس. وكان ملك أنو شروان سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر. وكان على الحيرة يوم ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن المنذر بْن امرئ القيس، وهو عمرو ابن هند، وذلك قبل ولاية النعمان بن المنذر المعروف بأبي قابوس الحيرة بنحو من سبع عشرة سنة. وتوفي عبد اللَّه بن عبد المطلب، أبو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حمل. وذلك الثبت. ويقال إنه توفي وهو ابن سبعة أشهر. ويقال إنه توفي وهو ابن نيف/ 41/ وعشرين شهرا. وكان عبد المطلب بعثه إلى المدينة يمتار له تمرا. فنزل على أخواله من بني النجار، فمات عندهم. ويقال: بل أتاهم زائرا لهم، فمرض عندهم ومات. ويقال: بل قدم من غزة [1] بتجارة له، فورد المدينة مريضا، فنزل على أخوال أبيه، فمات عندهم. وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة. ويقال: ثمان وعشرين سنة. وأن أباه بعث إليه الزبير بن عبد المطلب، أخاه، فحضر وفاته. ودفن في دار النابغة. 159- وذكروا أن آمنة بنت وهب رثته، فقالت [2] : عفا جانب البطحاء من قرم هاشم ... وحل بلحد ثاويا غير رائم عشية راحوا يحملون سريره ... يفلونه عن عبرة وتزاحم دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما غادرت في الناس مثل ابن هاشم فإن يك غالته المنايا بيثرب ... فقد كان مفضالا كثير التراحم [مرضعة الرسول ص] 160- قالوا: ولما ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التمس له الرضاع.
فاسترضع له امرأة من بني سَعْد بْن بكر بْن هوازن بن منصور، يقال لها حليمة. وهي، فيما قال هشام بن الكلبي، حليمة بنت أبي ذؤيب- واسمه الحارث- بن عبد اللَّه بن شجنة بن جابر بن (رزام بن) [1] ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر. وقال محمد بن إسحاق [2] والواقدي: هي حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة. الأول قول الكلبي، وهو أثبت. وقالوا: واسم زوج حليمة: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد. واسم ابنها الذي شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من لبنه: عبد اللَّه بن الحارث. وأختاه أنيسة والشيماء بنتا [3] الحارث. 161- وكانت الشيماء تحمل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتقوم [4] عليه مع أمها حليمة، وسبيت يوم حنين، فعنف بها. فقالت: يا قوم، تعلموا أني أخت نبيكم. فلما أتوا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إني أختك، وكنت عضضتني وأنا أحضنك مع أمي. فعرف ذلك. وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، وأعطاها ما أغناها، ووهب لها جارية وغلاما يقال له مكحول. فزوجت الجارية من الغلام. وقال الكلبي: وفدت الشيماء على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأرته أثر عضته. 162- قالوا: وكانت حليمة وزوجها خرجا في نسوة من بني سعد يطلبن الرضعاء، ومع حليمة ابنها عبد اللَّه وهي ترضعه. وذلك في سنة شهباء، فلم تبق شيئا. قالت حليمة: فخرجت على أتان لي قمراء [5] ومعنا شارف لنا ما تبض بقطرة. فصبينا لا ينام من البكاء، ولا يدعنا ننام معه. فما من امرأة إلا عرض عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا قيل إنه يتيم، قالت: وما عسى أن يكون من أمه وجده إلينا؟ إنما يكون الإحسان من الأب. ولم تعرض له. فلما
وفاة آمنة بنت وهب
أجمعن الانطلاق، قلت لصاحبي: واللَّه إني لأكره الرجوع خائبة، ولآخذن هذا اليتيم الهاشمي. فقال: افعلي، فلعل اللَّه يجعل لنا فيه البركة. فأخذته، ورجعت إلى أهلي. فلما وضعته في حجري، أقبل ثدياي يشخبان لبنا. فشرب حتى روي. وشرب أخوه حتى روي. ثم ناما، ونمنا. وقام زوجي إلى شارفنا، فيجدها حافلا. فحلبها، وشرب وشربت. فقال: تعلمي يا حليمة أن قد أخذت أعظم نسمة بركة. قالت: ثم ركبت الأتان حين رحلنا، فإذا هي تسبق الركاب. فقال لي صواحبي: إن لأتانك شأنا مذ اليوم. وقد منا، فرأينا البركة محلّلة لنا: كانت مواشي الناس ترجع هذلى خماصا، وتروح مواشينا سمانا بطانا. 163- ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فطم لسنتين. وردته حليمة إلى أمه وجده، وهو ابن خمس سنين. فكان مع أمه إلى أن بلغ ست سنين. وذلك الثبت. ويقال إنه كان معها إلى أن أتت/ 42/ له ثماني سنين. وكانت ثويبة، مولاة أَبِي لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أرضعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أياما [1] ، قبل أن تأخذه حليمة، من لبن ابن لها يقال له مسروح. وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. [وفاة آمنة بنت وهب] 164- قالوا: ولما أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ست سنين، زارت أمه قبر زوجها بالمدينة، كما كانت تزوره. ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة، ماتت بها ودفنت. ويقال إن عبد المطلب زار أخواله من بني النجار، وحمل معه آمنة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فلما رجع منصرفا إلى مكة، ماتت آمنة بالأبواء. 165- وروي أن قريشا لما كانوا بالأبواء، وهم يريدون أحدا، هموا باستخراج آمنة من قبرها. فقال قائلهم: إن النساء عورة، فإن يصب محمد من نسائكم
وفاة حليمة السعدية
أحدا، قلتم: «هذه رمة أمك وأعظمها» . ثم كفهم اللَّه عن ذلك إكراما لنبيه، فأمسكوا. 166- وزعم بعض البصريين أن آمنة أم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ماتت بمكة، ودفنت في شعب أبي دب الخزاعي. وذلك غير ثبت. 167- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، عن أبي صالح أو عكرمة، أن حليمة ظئر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قدمت به من بلادها، أضلته بأعلى مكة. فوجده ورقة بن نوفل ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطلب وقالا: هذا ابنك وجدناه متلددا بأعلى مكة، فسألناه من هو؟ فقال: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فأتيناك به. فذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» [1] . ثم إن عبد المطلب حمله على عاتقه، وطاف به حول الكعبة، وقال: أعيذه باللَّه بارئ النسم ... من كل من يسعى بساق وقدم وقصفة الحجاج في الشهر الأصم ... حتى أراه في ذري صعب أشم ثم يكون ربّ غير مهتضم [وفاة حليمة السعدية] 168- قالوا: وقدمت حليمة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد تزوجه خديجة بنت خويلد، فأنزلها وأكرمها. فشكت جدب البلاد وهلاك الماشية. فكلم خديجة فيها. فأعطتها أربعين شاة وبعيرا للظعنة، وصرفها إلى أهلها بخير. وقدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو بالأبطح، أخت حليمة ومعها أخت زوجها، وأهدت إليه جرابا فيه أقط ونجىّ سمن. فسأل أخت حليمة عن حليمة. فأخبرته بموتها، فذرفت عيناه. وسألها عمن خلفت. وأخبرته بخلّة وحاجة. فأمر لها بكسوة، وحمل ظعينة، وأعطاها مائتي درهم وافية. وانصرفت وهي تقول: نعم المكفول أنت صغيرا وكبيرا. 169- قالوا: وكانت ثويبة تأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهي مملوكة، فيبرّها
نبوءة للراهب بحيرا
ويكرمها. وتكرمها خديجة. وطلبت خديجة إلى أبي لهب أن يبيعها إياها لتعتقها. فأبى ذلك. فلما هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، أعتقها أبو لهب. فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث إليها بالصلة والكسوة، حتى بلغه خبر وفاتها. وكانت وفاتها منصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خيبر سنة سبع. فسأل عن ابنها مسروح، أخيه من الرضاع، فقيل له: مات قبلها. فقال: هل له من قرابة؟ فقيل: لم يبق له أحد. وقالت أم حبيبة بنت أبي سفيان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بلغني يا رسول اللَّه أنك تخطب درة بنت أبي سلمة بن عبد الأسد. فقال: وكيف، وقد أرضعتني وأباها ثويبة، فإنه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. 170- وورث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أبيه أم أيمن، واسمها بركة، فاعتقها، وخمسة أجمال أوارك، وقطعة غنم، وسيفا مأثورا، وورقا. فكانت أم أيمن تحضنه. ويسميها «أمي» / 43/ وقال بعض الرواة: ورث أم أيمن من أمه، فأعتقها. وقال آخرون: ورث ولاءها من أبيه. وقال قوم: كانت لأمه، فأعتقها. 171- قالوا: وضم أبو طالب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد موت عبد المطلب. دخل منزله وإن عياله لفي ضيقة وخلة، لا يكادون يشبعون لقلة ما عندهم. فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكل معهم، كفاهم ما يجدون من الطعام وأشبعهم حتى يتملّوا. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أكثر أيامه يصبح فيأتي زمزم، فيشرب منها شربه. فربما عرض عليه الغداء فيقول: لا أريده، أنا شبعان. [نبوءة للراهب بحيرا] 172- فلما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، عرض لأبي طالب شخوص إلى الشام في تجارة. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يألفه. فسأله إخراجه معه. فأبى ذلك ضنا به وصيانة له. فاغتم وبكى. فأخرجه. فرآه راهب من علماء الرهبان، يقال له بحيرا، قد أظلته غمامة. فقال لأبي طالب:
خطبة الرسول ص لخديجة
من هذا منك؟ قال: ابن أخي. فقال: أما ترى هذه الغمامة كيف تظله وتنتقل معه؟ واللَّه إنه لنبي كريم، وإنى لأحسبه الذي بشر به عيسى، فإن زمانه قد قرب. وقد ينبغي لك أن تحتفظ [1] به. فرده أبو طالب إلى مكة. وذكر بعض الرواة أن أبا طالب أشخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الشام وهو ابن تسع سنين. والأول أثبت. 173- قالوا: ولما جاوزت سنو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العشرين، قال له أبو طالب: يا ابن أخي، إن خديجة بنت خويلد امرأة موسرة ذات تجارة عريضة، وهي محتاجة إلى مثلك في أمانتك وطهارتك ووفائك. فلو كلمناها فيك فوكلتك ببعض أمرها وتجارتها. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: افعل يا عم ما رأيت. فسعى أبو طالب إليها، فكلمها في توكيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض تجارتها. فسارعت إلى ذلك ورغبت فيه، ووجهته إلى الشام ومعه غلام لها وقيم يقال له ميسرة. فلما فرغ مما توجه له وقدم مكة، أخبرها ميسرة بأمانته وطهارته ويمن طائره، وما يقول أهل الكتاب فيه، والذي تعرف من البركة بمكانه معه في كثرة الأرباح وسهولة الأمور. وقال: كنت آكل معه حتى نشبع [2] ويبقى أكثر الطعام كما هو. [خطبة الرسول ص لخديجة] 174- وقال الكلبي: بعثت خديجة رحمها اللَّه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن اخطبني إلى عمي عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وكان شيخا كبيرا. فأمرت بشاة فذبحت، واتخذت [3] طعاما، ودعت عمها عمرا، وبعثت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأتى ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب، فأكلوا. وسقت عمرا. ثم قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي طالب فليخطبني. فخطبها أبو طالب إلى عمرو. فزوجها رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اثنتي عشرة أوقية ونشا. والأوقية أربعون درهما. 175- وقال الواقدي في إسناده: كانت خديجة بنت خويلد امرأة موسرة تاجرة
تزويج النبي ص خديجة
ذات مال. فكلمها أبو طالب فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوجهته إلى الشام، ومعه ميسرة غلامها. فعرفت خديجة البركة والنماء في مالها على يده. وأخبرها ميسرة بما كان يقال فيه. وكانت امرأة عاقلة حازمة برزة، مرغوبا فيها لشرفها ويسارها. فدست إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من عرض عليه أن يتزوجها. فرغب في ذلك. فبعثت إليه أن ائت في وقت كذا. وأرسلت إلى عمرو بن أسد، عمها. فحضر، وحضر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عمه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. فزوجها إياه عمرو. ومات عمرو بعد تزويجها بقليل. وقال الواقدي: كانت التي [1] سفرت بين رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 44/ وبين خديجة: نفيسة بنت منية، أخت يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف. وأسلمت نفيسة عام الفتح، فذكرت رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كان منها. فبرها وأكرمها. 176- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا يَحْسَبُ عَبْدُ الرزاق، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخلت امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا وَاسْتَبْشَرَ بِهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيجَةَ كَثِيرًا، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ. [تزويج النبي ص خديجة] 177- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي ابنة أربعين سنة. وذلك الثبت عند العلماء. ويقال إنه تزوجها وهي ابنة ست وأربعين سنة، وهو ابن خمس وعشرين سنة. ويقال: تزوجها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وهي ابنة ثمان [2] وعشرين سنة. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قال حكيم ابن حِزَامٍ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّتِي خَدِيجَةَ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْبَعِينَ، وَرَسُولُ
بناء قريش الكعبة:
اللَّه ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ. وَوُلِدْتُ أَنَا قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَهِدْتُ الْفِجَارَ وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وَمَاتَ حَكِيمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. بناء قريش الكعبة: 178- قالوا: وأتى سيل ملأ ما بين الجبلين، ودخل الكعبة حتى تصدعت. فعزمت قريش على بنائها من أطيب أموالها وأحلها. فهدمتها، وأعادت بناءها، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة. وكانت قريش قد أفردت ببناء كل ربع من أرباع البيت قوما. فكان لبني عبد مناف وبني زهرة ما [1] بين ركن الحجر إلى الركن الأسود، وهو وجه البيت وفيه بابه. ولبني عبد الدار وبني أسد الشق الذي يلي الشام. ولبني تيم بن مرة وبني مخزوم الشق الذي يلي اليمن ولسهم، وجمح، وعدي، وبني عامر بن لؤي ما بين الركن اليماني والركن الأسود. فبنى كل قوم ما صار لهم. وقيل أيضا إن ما بين الركن اليماني والركن الأسود كان لبني تيم وبني مخزوم، وأن ظهر الكعبة كان لبني جمح وسهم، وأن الشق الشامي كان لبني عبد الدار وبني عدي بن كعب، وأن لبني عبد مناف وبني زهرة الشق الذي فيه الباب، وكان ذلك بقرعة بينهم. فلما انتهوا إلى موضع الركن الأسود، اختلفوا فيمن يضعه وتشاحوا عليه. فرضوا بأول من يدخل من الباب. فكان أول من دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالوا: الأمين، واللَّه. ورضوا بأن وضعه. فبسط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رداءه، ثم وضع الركن فيه، وقال: ليأت من كل ربع من قريش رجل. فرفعوه. ثم وضعه بيده في موضعه. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حَيْثُ مَوْضِعُ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ مِنَ الْبَيْتِ اختلفوا فيه. فقال أبو أمية
يوم نخلة
ابن الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اجْعَلُوا بَيْنَنَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَأَشَارَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ بِبَنِي شَيْبَةَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هَذَا الأَمِينُ رَضِينَا بِهِ. فَبَسَطَ رِدَاءَهُ ثُمَّ وَضَعَ الرُّكْنَ فِيهِ وَقَالَ: لِيَأْتِ مِنْ كُلِّ رَبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ قريش رجل. فرفعوه. ثم وضعه بيده في موضعه. 179- وقال الواقدى، عن خلد بن القاسم، عن أَبِي تَجْرَاةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: نَظَرْتُ أَنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَضَعُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ. قُلْتُ/ 45/ لِمَنِ الثَّوْبُ الَّذِي حُمِلَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. 180- قال الواقدي: ويقال إن الذي أشار بأن يضع الحجر أول من يدخل: أبو حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. واسمه مهشم. وأن الحجر وضع في كساء طاروني أبيض من نقاع الشام كان للنبي صلى الله عليه وسلم. فلما وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجر، احتاج إلى حجر يسند به الركن. فذهب رجل من أهل نجد ليأتيه به، فقال: لا، وأمر العباس ابن عبد المطلب. فأتاه بحجر، فأسنده به. فغضب النجدي، وقال: عمدتم إلى أصغركم سنا، وأقلكم مالا، فوليتموه هذه المكرمة. وكان يقال إنه إبليس. 181- وقال أبو طالب في وضع الركن: إن لنا أوله وآخره ... في الحكم والعدل الذي تنكره نحن عمرنا خيره وأكثره ... لما وضعته إذ تماروا حجته يوم نخلة 182- قالوا: وحضر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ نخلة مع عمومته. وهو أعظم أيام الفجار. وكان من حديث هذا اليوم أن البراض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، كان خليعا، خلعه قومه. فلحق بأبي قابوس النعمان بن المنذر، ملك الحيرة. وكان النعمان يبعث إلى سوق
عكاظ في كل عام لطيمة، في جوار، فتباع له بسوق عكاظ، ويشتري له بثمنها العصب، والبرود، والأدم، وغير ذلك من طرائف اليمن. وعكاظ فيما بين نخلة والطائف. وجهز النعمان لطيمته، وقال: من يجيرها ويجيزها؟ فقال البراض: أبيت اللعن، أنا أجيرها على بني كنانة. فقال النعمان: ما أريد إلا رجلا يجيرها على أهل نجد. فقال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب، وهو عروة الرحال، وإنما سمي الرحال لرحلته إلى الملوك: أنا أجيرها. فقال البراض: على بني كنانة تجيرها يا عروة؟ قال: نعم، وعلى الناس كلهم، أو كلب خليع يجيرها؟ ثم شخص بها، وشخص البراض وعروة يرى مكانه فلا يكترث به ولا يخشاه. فلما كان إلى جانب فدك، بأرض يقال لها أوارة. نام الرحال. ووجد البراض فرصته، فشد عليه وقتله وهرب قوّام الركاب وعضاريطها. فاستاق البراض العير، ولقي بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر، فجعل له أربع قلائص على أن يأتي حرب بْن أمية، وعبد اللَّه بْن جُدعان، وهشاما، والوليد ابني المغيرة المخزوميين أن البراض قتل عروة. وحذره أن يسبق الخبر إلى قومه، فيكتموه ويقتلوا به رجلا من قريش عظيما، لأنهم لا يرضون أن يقتلوا به خليعا من بني ضمرة. فمر بهم الحليس بن يزيد الدؤلي- وقال الكلبي: هو الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة- وأخبروه بما ألقى إليه بشر بن أبي خازم، وكتموا الخبر، وارتحلوا على تعبية ومعهم الأحابيش (وهم بنو الدئل، والقارة، وبطون من خزاعة) . وكان حرب بن أمية في القلب، وعبد الله بن جدعان في إحدى المجنبتين، وهشام بن المغيرة في الأخرى. فبلغ الخبر عامر بن مالك في آخر النهار، فركب فيمن حضر عكاظ من هوازن يريد القوم. فأدركهم بنخلة. فاقتتلوا، حتى دخلت قريش الحرم، وجن عليهم الليل. 183- وفي يوم نخلة يقول خداش بن زهير [1] : يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم
يوم شمطة
إذ يتقينا هشام بالوليد ولو ... أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم فإن سمعت بجيش سالكا شرفا ... أو بطن مر فاخفوا الشخص واكتتموا / 46/ وقال البراض: فقمت على المرء الكلابي فخرة ... وكنت قديما لا أقر فخارا علوت بحد السيف مفرق رأسه ... فأسمع أهل الواديين خوارا [1] وقدم البراض مكة باللطيمة، فكان يأكلها. يوم شمطة 184- قالوا: ثم إن قريشا وبني كنانة لقوا هوازن بشمطة [2] . وعلى بنى هشام: الزبير بن عبد المطلب، وعلى بني عبد شمس وأحلافها: حرب بن أمية، وعلى بني عبد الدار وحلفائها: عكرمة بن هاشم، وعلى بني أسد بن عبد العزى: خويلد بن أسد، وعلى بني زهرة: مخرمة بن نوفل، وعلى بني تيم: أبن جدعان، وعلى بني مخزوم: هشام [3] بن المغيرة، وعلى بني سهم: العاص بن وائل، وعلى بني جمح: أمية بن خلف، وعلى بني عدي: زيد بن عمرو بن نفيل، وعلى بني عامر بن لؤي: عمرو بن عبد شمس (أبو سهيل بن عمرو) ، وعلى بني فهر: عبد اللَّه بن الجراح (أبو [4] أبي عبيدة) ، وعلى بني بكر: بلعاء [5] بن قيس، وعلى الأحابيش: الحليس الكناني. فالتقوا. فكانت أول النهار على هوازن، فصبروا. ثم استحر القتل في قريش، وانهزم الناس. فقال خداش: فأبلغ إن عرضت لهم هشاما ... وعبد اللَّه أبلغ والوليدا بأنا يوم شمطة قد أقمنا ... عمود المجد إن له عمودا
مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقال أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر هذين اليومين مع عمومته، يحفظ عليهم ويناولهم النبل. وبلغني عن الزهري أنه قال: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معهم، ولو كان معهم لظهروا، ولكنه كان معهم يوم عكاظ وكان لقريش. وقال هشام بن الكلبي: كان يوم نخلة، وللنبي صلى اللَّه عليه وسلم عشرون سنة أو أشف منها. وذلك لثلاث سنين من ولاية أبى قابوس النعمان ابن المنذر الحيرة. ومن قال إنه صلى اللَّه عليه وسلم كان ابن أربع عشرة سنة فقد غلط. وقال: كان ملك النعمان بن المنذر اثنتين وعشرين سنة. وكان ملك الفرس يوم نخلة كسرى بن هرمز إبرويز الذي ملك ثمانيا وثلاثين سنة وأشهرا. وكان مولد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنة من ملك أنوشروان. ثم ملك بعد أنوشروان هرمز بن أنوشروان اثنتي عشرة سنة. ثم ملك إبرويز هذا. فبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعشرين سنة إلا شهرا من ملكه. 185- وقال الواقدي: قال أصحابنا: بين الفيل والفجار عشرون سنة. وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة. وبين بناء الكعبة ونزول الوحي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمس سنين. فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الركن وهو ابن خمس وثلاثين سنة. ومن قال غير هذا فقد غلط. 186- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَسْلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَوُلِدْتُ [2] عَامَ الْفِجَارِ. مبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 187- قَالُوا: وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله أربعون سنة. وذلك في ملك
إبرويز. وعلى الحيرة إياس بن قبيصة بن أبي عفر الطائي الذي ملك بعد النعمان ابن المنذر. وكان النعمان قتل بالمدائن. 188- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبي جعفر قال: نزل جبريل عَلَى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الاثنين لسبع عشرة ليلة [2] خلت من شهر رمضان، بحراء، ورسول اللَّه/ 47/ صلى اللَّه عليه وسلم ابن أربعين سنة. وكان قبل ذلك يرى ويسمع. 189- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ علي بن محمد بن عبيد اللَّه، عن منصور بن عبيد اللَّه عن أمه عزيزة بنت أبي تجراة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان، حين أراد اللَّه كرامته وابتداءه بالنبوة، إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب والأودية. فلا يمر بشجرة إلا قالت: «السلام عليك يا رسول اللَّه» ، فيلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا. 190- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَجْيَادَ إِذْ رَأَى مَلَكًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، يَصِيحُ: «يَا مُحَمَّدُ، أَنَا جِبْرِيلُ» . فَذُعِرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ سَرِيعًا إِلَى خَدِيجَةَ. [فَقَالَ: إِنِّي لأَخْشَى أن أكون كاهنا.] قالت: كلا، يابن عَمَّ، لا تَقُلْ ذَاكَ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتُؤَدِّي الأَمَانَةَ وَإِنَّ خُلُقَكَ لَكَرِيمٌ.
191- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ. فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا كَانَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. وَحُبِّبَتْ إِلَيْهِ الْخُلْوَةُ. فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ وَالتَّبَرُّرُ- وَيَمْكُثُ اللَّيَالِيَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ. حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ. وَعُرِضَ لَهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الأَحَدِ. ثُمَّ أَتَاهُ بِالرِّسَالَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 192- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، خَرَجَ مَنْ يُرِيدُ التَّحَنُّثَ مِنْهَا إِلَى حِرَاءَ، فَيُقِيمُ فِيهِ شَهْرًا، وَيُطْعِمُ مَنْ يَأْتِيهِ مِنَ الْمَسَاكِينِ. حَتَّى إِذَا رَأَوْا هِلالَ شَوَّالٍ، لَمْ يَدْخُلِ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا [2] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 193- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ [3] ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن إِسْحَاقَ [4] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَيْسَرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا بُعِثَ، يُدْعَى: «يَا مُحَمَّدُ» ، وَلا يَرَى شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، فَيَهْرُبُ مِنْهُ فِي الأَرْضِ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِخَدِيجَةَ ابْنَةِ خُوَيْلِدٍ، وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِضَ لِي أَمْرٌ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا خَلَوْتُ، دعيت فأسمع صوتا ولا أرى شيئا
فَقَدْ خَشِيتُ. قَالَتْ: مَا كَانَ اللَّه [1] لِيَفْعَلَ بِكَ سُوءًا، إِنَّكَ لَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتُؤَدِّي الأَمَانَةَ. ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: انْطَلِقْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْكُتُبَ [2] ، فَلْيَذْكُرْ لَهُ مَا يَسْمَعُ. فَانْطَلَقَا، حَتَّى أَتَيَا وَرَقَةَ. [فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ، دُعِيتُ «يَا مُحَمَّدُ» ، فَأَسْمَعُ صَوْتًا وَلا أَرَى شَيْئًا.] قَالَ لَهُ وَرَقَةٌ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ، فَإِذَا دُعِيتَ فَاثْبُتْ، حَتَّى تَسْمَعَ مَا يُقَالُ لَكَ، فَتَثَبَّتَ لِلصَّوْتِ. فَقَالَ له: قل: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» . فقال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَالَ: قُلِ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. حَتَّى خَتَمَهَا [3] ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ «آمِينَ» . ثُمَّ رَجِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَرَقَةَ. فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ الَّذِي نَجِدُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَتُؤْمَرَنَّ بِالْقِتَالِ، وَلَئِنْ طَالَتْ لي [4] الْحَيَاةُ، لأُقَاتِلَنَّ مَعَكَ. 194- قال الكلبي: هو ورقة بْن نوفل بْن أسد بْن عَبْد العزى/ 48/ بن قصي تنصر حتى استحكمت نصرانيته. ثم خرج إلى الشام. فمات هناك. وقال بعضهم: مات بمكة بعد المبعث، ودفن بها. 195- وقال الواقدى: أقام ورقة على النصرانية، فكان يدعا القس. وعاش حتى بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلقيه ببعض طرق مكة، فقال له: يا محمد، إنه لم يبعث نبي إلا له آية وعلامة، فما آيتك؟ فدعى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمرة، فأقبلت تخد الأرض خدا. فقال ورقة: أشهد لئن أمرت بالقتال، لأقاتلن معك ولأنصرنك نصرا مؤبدا. ثم مات. [فقال
أول آية نزلت
رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت القس وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة] . وقال الواقدي: أثبت خبره أنه خرج إلى الشام. فلما بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد أمر بالقتال بعد الهجرة، أقبل يريده. حتى إذا كان ببلاد لخم وجذام، قتلوه وأخذوا ما كان معه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يترحم عليه. 196- قال أحمد بن يحيى: وقد روي أن الحمد مدنية. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف الفاريابي، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: أنزلت فاتحة الكتاب [1] بالمدينة. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ منصور، عن مجاهد بمثله. وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ إِبْلِيسَ أَرِنَ حِينَ نَزَلَتْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الأحوص: ويقال إنها مكية. [أول آية نزلت] 197- وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سألت أبا سلمة أى القرآن أنزل قبل؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [2] . فقلت لأبى سلمة: أو اقرأ فَقَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَيُّ القرآن أنزل قبل؟، فقال: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» . فقلت: أو اقرأ؟ قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شمالى، فلم أر أحدا، ثم نوديت،
فنظرت، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ الثَّالِثَةَ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْهَوَاءِ. يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ- فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: «دَثِّرُونِي، دَثِّرُونِي» ، فَدَثَّرُونِي، وصبوا علىّ الماء، فأنزل الله «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ] » . 198- حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [1] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي- إِلَى قَوْلِهِ «مَا لَمْ يَعْلَمْ [2] » - فَلَمَّا فَتَرَ، حَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا حَتَّى جَعَلَ يَأْتِي رُءُوسَ الْجِبَالِ مِرَارًا، فَكُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ذِرْوَةِ جَبَلٍ، بَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَقُولُ: «إِنَّكَ نَبِيٌّ» ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي يَوْمًا إِذْ رَأَيْتُ الْمَلَكَ الَّذِي كَانَ يأتى بحراء، بين السماء والأرض، فجشئت مِنْهُ رُعْبًا: فَرَجَعْتُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي. قالت خديجة: فدثرناه. فأنزل الله: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ» . 199- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا حَجَّاجُ بْن مُحَمَّد، عَنِ ابْن جريج، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. قَالَ حَجَّاجٌ: ثُمَّ اخْتَلَفْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ كُلُّهَا بِحِرَاءٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفٌ هُنَاكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ مِنْهَا إلى قوله «ما لَمْ يَعْلَمْ» ، وَنَزَلَ بَاقِيهَا بَعْدَ مَا شَاءَ اللَّهُ. 200- حدثنا محمد بن حاتم، ثنا حفص (بن) غياث، ثنا الشيباني، قال محمد [3]- يعني سليمان بن أبي سليمان- عن عبد الله بن شداد، قال: أول سورة نزلت من القرآن/ 49/ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» ، ثم أبطأ عنه التنزيل
بعض الإبطاء، فقال كفار قريش: ودعه ربه وقلاه. فنزلت «وَالضُّحى [1] » ، إلى آخر السورة. 201- وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بحراء، بين السماء والأرض، فجشئت منه رهبا. فأتيت خديجة فقلت: «زمّلونى زملوني» ، فنزلت «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [2] » والثبت أَنَّهُ قَالَ «دَثِّرُونِي» لِلرَّوْعِ الَّذِي دَخَلَهُ، فَنَزَلَتْ «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [3]] » وإنما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بَعْدُ، حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ [4] . 202- وروى الواقدي، عن عيسى بن وردان، عن أبى كريب، عن أبيه، أنه وجد في كتاب ابن عباس: أول السور المكية اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ثم ن وَالْقَلَمِ، ثم يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ثم المزمل. 203- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ فَقُلْتُ: أى القرآن أنزل أولا؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُلْتُ: وَأَيُّ أَوْلِ سُورَةٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [5] . وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله الأنصارى فقلت: أى القرآن أنزل أولا؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. فقلت له: (و) أَيُّ أَوَّلِ سُورَةٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. وَقَالَ جَابِرٌ: [حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاوَرْتُ فِي حِرَاءَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جواري، نزلت فاستبطنت الوادى، فنودي، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فلم أر شيئا.
فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ- يَعْنِي الْمَلَكَ- بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: «دَثِّرُونِي» ، فدثرونى وصبّوا علىّ ماء، فأنزلت «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ] » . 204- حدثني روح بن عبد المؤمن المقرى، ثنا مسلم بن إبراهيم، عن قرة بن خالد، ثنا أبو رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد- يعني مسجد البصرة- يقرئنا القرآن. وعنه أخذت هذه السورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. وكانت أول سورة أنزلت عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 205- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الهيثم، ثنا عمرو بن عاصم، عن هشام بن [1] الكلبي، عن أبى صالح قال أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، حتى بلغ إلى «الرجعى [2] » . ثم نزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [3] ، ثم ثلاث آيات من ن [4] . 206- حدثني يحيى بن معين، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ثم ن وَالْقَلَمِ. 207- حدثنا محمد بن حاتم السمين، ثنا وكيع وعبد الرحمن بن مهدي، قالا ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير قال: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. 208- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ. قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، إِلَى قَوْلِهِ «مَا لَمْ يَعْلَمْ» .
الوضوء والصلاة
[الوضوء والصلاة] 209- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ [1] عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالُوا: عَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء، والصلاة، واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق. فَأَتَى خَدِيجَةَ زَوْجَتَهُ، فَأَخْبَرَهَا بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ. وَعَلَّمَهَا الْوُضُوءَ، فَصَلَّتْ مَعَهُ. فَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ صَلَّى مَعَهُ. 210- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ/ 50/ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: فَحَصَ جِبْرِيلُ بِعَقَبَةِ الأَرْضِ، فَنَبَعَ مَاءٌ، فَعَلَّمَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ، فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ نَضَحَ تَحْتَ إِزَارِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا، فَجَاءَ إِلَى خَدِيجَةَ فحدثها وأراها مَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ صَلَّتْ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ. 211- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن نَجِيحٍ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ خَدِيجَةَ لَمَّا أَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهَا بِمَا بُدِئَ بِهِ، جَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، وَأَتَتْ وَرَقَةَ فَحَدَّثَتْهُ حَدِيثَهُ وَقَالَتْ لَهُ: مَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْقُدُّوسِ، جِبْرِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ الأَكْبَرُ وَسَفِيرُهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ، لَئِنْ كَانَ صَاحِبُكِ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، إِنَّهُ لَنَبِيٌّ، لَوَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَأَكُونَ لَهُ وَزِيرًا، وَابْنَ عَمٍّ. ثُمَّ خَرَجَتْ، فحدثت عَلَى عَدَّاسٍ، غُلامِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَتْ: يَا عَدَّاسُ أَخْبِرْنِي عَنْ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، وَمَا ذِكْرُ جِبْرِيلَ فِي هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي أَهْلُهُ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ؟ جِبْرِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ الأَكْبَرُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ إِلا إِلَى نَبِيٍّ» . فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قال الرَّجُلانِ، وَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ. 212- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: قُلْتُ يَا با سَعِيدٍ، هَلْ أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤيا النبوة؟
إسلام علي ع
فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّهُ رَأَى [1] النُّورَ الَّذِي رآه، عليه السلام. [إسلام علي ع] 213- وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي أنه قال: أجمع أصحابنا أن أول المسلمين استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد، ثم اختلفوا في ثلاثة نفر أيهم أسلم، أولا، وهم علي وأبو بكر وزيد بن حارثة. 214- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أنس، وعن الواقدي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ أول من أسلم من الرجال زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أسلم الناس بعده. 215- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. 216- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. 217- وَحَدَّثَنِي هشام بن عمار، ثنا محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهْرِيِّ، عَنِ (ابْنِ) الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَوَّلُ النِّسَاءِ إِسْلامًا خَدِيجَةُ، وَمِنَ الرِّجَالِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. 218- وقال الواقدي: رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم تصلي معه خديجة، فقال: ما هذا يَا مُحَمَّدُ؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: يا علي هذا دين الله الذي اصطفاه واختاره، وأنا أدعوك إلى الله وحده، وأن تذر اللات والعزى فإنهما لا تنفعان ولا تضرّان] [2] . [فقال علي: ما سمعت بهذا الدين إلى اليوم،
وأنا أستأمر أبي فيه.] فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يفشي ذلك قبل استعلان أمره. فقال: يا علي، إن فعلت ما قلت لك، وإلا فاكتم ما رأيت. فمضى ليلته. ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أعد علي ما قلت. فأعاده. فأسلم، ومكث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي معه على خوف من أبي طالب. وكان هو وزيد بن حارثة يلزمان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى. وكانت تلك صلاة لا تنكرها قريش. وكان إذا صلى في سائر اليوم، بعد ذلك، قعد علي أو زيد يرصد له. وأن أبا طالب فقد عليا، فقالت له فاطمة بنت/ 51/ أسد، أمه: قد رأيته يلزم محمدا، وأنا أخاف أن يأتيك من قبل محمد في أمر ابنك ما لا تطيقه [1] . فقال: ما كان ابنى ليغتاب علي بأمر. واتبع أبو طالب أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأثر علي، فوجدهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر في شعب أبي دب أو غيره، وعلي ينظر له. فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذا الدين يا محمد؟ [قال: دين الله الذي بعثني به.] فدعاه إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان. فقال أبو طالب: «أما دين آبائي، فإن نفسي غير مشايعة على تركه، وما كنت لأترك ما كان عليه عبد المطلب، ولكن انظر الذى بعثت به فأقم عليه، فو الله لا أسلمتكما ما كنت حيا حتى يتم الذي تريد.» وقال لعلي: «أما أنت يا بني، فما بك رغبة في الدخول فيما دخل فيه ابن عمك» . فاشتد ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسر بقول أبي طالب. وأتى أبو طالب منزله، فقالت له امرأته: أين ابنك؟ قال: وما تصنعين به؟ قالت: أخبرتني مولاتي أنها رأته مع محمد وهما يصليان في شعب بأجياد، أفترى ابنك صبأ؟ قال أبو طالب: اسكتي، ودعي عنك هذا، فهو والله أحق من آزر ابن عمه. ولولا أن نفسي لا تطاوعني على ترك دين عبد المطلب، لا تبعت محمدا، فإنه الحليم الأمين الطاهر. فسكنت. وبلغ قريشا، فراعهم وكبر عليهم. 219- وقال الواقدي: صلى علي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، وذلك الثبت
ويقال إنه صلى ابن عشر. ويقال ابن تسع. ويقال سبع. وقال ابن الكلبي: صلى وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقتل وله ثلاث وستون سنة، وذلك في سنة أربعين. 220- حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ الأُبُلِّيُّ [1] ، ثنا جَرِيرُ بن حازم، عن الزبير بن الحريث، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فأقام بها عشر سنين. 221- وحدثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَهُ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. 222- وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا ثنا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. 223- وَحَدَّثَنِي شَيْبَانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، بِمِثْلِهِ. 224- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عن خالد بن عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سنة.
دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:
225- حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عن خالد بن عَمَّارٍ، عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. 226- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بِمِثْلِهِ. وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ. 227- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عن جده، محمد بن السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة/ 52/ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (سَنَةً) ، وَأَقَامَ بَاقِيَ عُمْرِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفِ سَنَةٍ. دعاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 228- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ [1] وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، وَهَجَرَ الأَوْثَانَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ أَحْدَاثٌ مِنَ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ مِنْ وُجُوهِهَا غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ. وَكَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: غُلامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمْ يزالوا كذلك
حَتَّى أَظْهَرَ عَيْبَ آلِهَتِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنَّ آبَاءَهُمْ مَاتُوا عَلَى كُفْرٍ وَضَلالٍ وَأَنَّهُمْ فِي النَّارِ. فَشَنِفُوا لَهُ، وَأَبْغَضُوهُ وَعَادَوْهُ وَآذَوْهُ. 229- قَالا: وَحَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ جَارِيَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَنْ نَزَلَتِ النُّبُوَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ أَمَرَ بِإِظْهَارِ الدُّعَاءِ ثَلاثُ سِنِينَ. فَكَانَ دُعَاؤُهُ ثَلاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا. قَالا: وَحَدَّثَنَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن الزهري، عن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَعْلَنَ الدُّعَاءَ. قَالا: وَحَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ: اسْتَخْفَيْنَا بِالإِسْلامِ سَنَةً مَا نُصَلِّي إِلا فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ، أَوْ شِعْبٍ خَالٍ، يَنْظُرُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ. 230- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ (سعد بن أبى وقاص) قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَخَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى شِعْبِ أَبِي دُبٍّ نَتَوَضَّأُ وَنُصَلِّي، وَنَحْنُ مُسْتَخْفُونَ. فَظَهَرَ عَلَيْنَا نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ كَانُوا يَرْصُدُونَنَا فَاتَّبَعُوا آثَارَنَا: أَبُو سفيان ابن حَرْبٍ، وَالأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَعَابُوا عَلَيْنَا، وَأَنْكَرُوا فِعْلَنَا حَتَّى بَطَشُوا بِنَا. فَأَخَذْتُ لَحْيَ جَمَلٍ. فَأَضْرِبُ بِهِ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَشُجُّهُ شَجَّةً أَوْضَحَتْ. وَانْكَسَرَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَوِيَ أَصْحَابِي. فَطَرَدْنَاهُمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ. فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ هَرَاقَ دَمًا (فِي) الإِسْلامِ. 231- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ [1] ، عَنْ أشياخهم قال: كان سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل يرى [2] أباه يذم دين قريش،
الصلوات الخمس
وأسلم حِينَ بُعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبوه قد أخرجته قريش من مكة، فكان يستقبل البيت ثم يقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، البر أرجو لا الخال، هل مهجر كمن قال؟ عذت بما عاذ به أبرهم ... مستقبل الكعبة وَهُوَ قائم يَقُول أنفي لك عان راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم ثُمَّ يخر ساجدا [الصلوات الخمس] 232- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَزِيزَةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاةَ قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ لا تُنْكِرُ غَيْرَهَا [1] . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَصْرِ، تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ فَصَلُّوا، فُرَادَى وَمَثْنَى. فَبَيْنَا طيلب بْنُ عُمَيْرٍ وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو يُصَلِّيَانِ فِي شِعْبٍ بِأَجْيَادَ الأَصْغَرِ إِذْ هَجَمَ عَلَيْهِمَا ابْنُ الأَصْدَاءِ وَابْنُ الْغَيْطَلَةِ، وَكَانَا فَاحِشَيْنِ، فَبَاطَشُوهُمَا وَرَمَوْهُمَا بِالْحِجَارَةِ سَاعَةً حَتَّى خَرَجَا فَانْصَرَفَا. 233- قال الواقدي: كانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت [2] الصلوات الخمس قبل الهجرة. وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل إتمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين ركعتين. [محمد ص ينذر عشيرته] 234- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ/ 53/ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، وَصَدَعَ بِمَا أمره الله به،
وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَخِلافِهِ، وَحَدَبَ عَلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُظْهِرًا لأَمْرِهِ لا يُعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ، اشْتَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. 235- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [1] ، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا. فَمَكَثَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، حَتَّى ظَنَّ عَمَّاتُهُ أَنَّهُ شَاكٍ، فَدَخَلْنَ عَلَيْهِ عَائِدَاتٍ، فَقَالَ: مَا اشْتَكَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأَقْرَبِينَ، فَأَرَدْتُ جَمْعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ. قُلْنَ: فَادْعُوهُمْ، وَلا تَجْعَلْ عَبْدَ الْعُزَّى فِيهِمْ- يَعْنِينَ أَبَا لَهَبٍ- فَإِنَّهُ غَيْرُ مُجِيبِكَ إِلَى مَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ. وَخَرَجْنَ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُنَّ يَقُلْنَ: إِنَّمَا نَحْنُ نِسَاءٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَحَضَرُوا وَمَعَهُمْ عِدَّةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَجَمِيعُهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلا. وَسَارَعَ إِلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُرِيدَ أَنْ يَنْزِعَ عَمَّا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحَبِّوُنَ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: «هَؤُلاءِ عُمُومَتُكَ وَبَنُو عمك، فتكلم لما تُرِيدُ، وَدَعِ الصَّلاةَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَتْ لِقَوْمِكَ بِالْعَرَبِ قَاطِبَةً طَاقَةٌ. وَأَنَّ أَحَقَّ مَنْ أَخَذَكَ فَحَبَسَكَ أُسْرَتُكَ وَبَنُو أَبِيكَ إِنْ أَقَمْتَ عَلَى أمرك، فهو أيسر عليهم من أن يثب بِكَ بُطُونُ قُرَيْشٍ وَتَمُدُّهَا الْعَرَبُ فَمَا رَأَيْتَ، يابن أَخِي، أَحَدًا قَطُّ جَاءَ بَنِي أَبِيهِ بِشَرٍّ مِمَّا جِئْتَهُمْ بِهِ» . وَأَسْكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَمَكَثَ أَيَّامًا. وَكَبُرَ عَلَيْهِ كَلامُ أَبِي لَهَبٍ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَأَمَرَهُ بِإِمْضَاءِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَشَجَّعَهُ عَلَيْهِ. فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَةً، [فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ، وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» . ثُمَّ قَالَ: «: إِنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أَهْلَهُ. وَاللَّهِ لَوْ كَذَبْتُ النَّاسَ جَمِيعًا، مَا كَذَبْتُكُمْ. وَلَوْ غَرَرْتُ النَّاسَ، مَا غررتكم
وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَاللَّهِ، لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَتُجْزَوُنَّ بِالإِحْسَانِ إِحْسَانًا وَبِالسُّوءِ سواء. وَإِنَّهَا لَلْجَنَّةُ أَبَدًا، وَالنَّارُ أَبَدًا. وَأَنْتُمْ لأَوَّلُ مَنْ أُنْذِرُ] » . فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «مَا أَحَبَّ إِلَيْنَا مُعَاوَنَتَكَ وَمُرَافَدَتَكَ، وَأَقْبَلَنَا [1] لِنَصِيحَتِكَ، وَأَشَدَّ تَصْدِيقَنَا لِحَدِيثِكَ. وَهَؤُلاءِ بَنُو أَبِيكَ مُجْتَمِعُونَ. وَإِنَّمَا أَنَا أَحَدُهُمْ، غَيْرَ أَنِّي وَاللَّهِ أَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا تحب. فامض لما أمرت به. فو الله، لا أَزَالُ أَحُوطُكَ وَأَمْنَعُكَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ نَفْسِي تُطَوِّعُ لِي فِرَاقَ دِينِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَمُوتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.» وَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ كَلامًا لَيِّنًا، غَيْرَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذِهِ وَاللَّهِ السَّوْءَةُ، خُذُوا عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يأخذ على يده غيركم. فإن اسلمتوه حِينَئِذٍ، ذُلِلْتُمْ. وَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ قُتِلْتُمْ.» فَقَالَ أَبُو طالب: «والله، لنمنعه مَا بَقِينَا» . 236- وروى الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بن ميسرة، عن هند بنت الحارث: أن صفية بنت عبد المطلب قالت لأبى لهب: «أى أخىّ، أحسن بك خذلان ابن أخيك وإسلامه. فو الله ما زال العلماء يخبرون أنه يخرج من ضئضئي عبد المطلب نبي. فهو هو» . فقال: هذا والله الباطل، والأماني، وكلام/ 54/ النساء في الحجال. إذا قامت بطون قريش كلها، وقامت معها العرب، فما قوتنا بهم. والله، ما نحن عندهم إلا أكلة رأس» . 237- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الأَقْرَبِينَ، جَلَسَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: «يَا آلَ فِهْرٍ» . فَجَاءَهُ مَنْ سَمِعَ كَلامَهُ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي فِهْرٍ. فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ فِهْرٌ عِنْدَكَ. فَقَالَ: «يَا آلَ غَالِبٍ» . فَرَجَعَ بَنُو مُحَارِبٍ وَالْحَارِثُ ابْنَا فِهْرٍ. فَقَالَ: «يَا آلَ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ» . فَرَجَعَ بَنُو تيم بن غالب، وهو الأدرم [2] .
فَقَالَ: «يَا آلَ كَعْبٍ» ، فَرَجَعَ بَنُو عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. فَقَالَ: «يَا آلَ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ» ، فَرَجَعَ بَنُو عَدِيٍّ وَسَهْمٌ وَجُمَحٌ. فَقَالَ: «يَا آلَ كِلابٍ» ، فَرَجَعَتْ بَنُو مَخْزُومٍ وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. فَقَالَ: «يَا آلَ قُصَيٍّ» ، فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ. فَقَالَ: «يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ» فَرَجَعَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَبَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ عَبْدُ مَنَافٍ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وَأَنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: «أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، [1] » السُّورَةَ. 238- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [2] عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» [3] ، صعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَنَادَى: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مُحَمَّدٌ عَلَى الصَّفَا يَهْتِفُ. فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا، فَقَالُوا: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا أَسْفَحَ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟» قَالُوا: «نَعَمْ، أَنْتَ عِنْدَنَا غَيْرُ متهم، وما جرينا عَلَيْكَ كَذِبًا قَطُّ» . قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [4] . يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي زُهْرَةَ، - حَتَّى عَدَّ الأَفْخَاذَ من قريش- إنّ الله أمرنى أن أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَأَنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً، وَلا مِنَ الآخِرَةِ نَصِيبًا إِلا أَنْ تَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» . قَال أَبُو لَهَبٍ: «تَبًّا لَكَ، سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [5] » .
239- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ. فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» إِلَى آخِرِهَا. 240- وقد روي أن أبا طالب لما مات، اجتمع بنات عبد المطلب إلى أبي لهب، فقلن له: محمد ابن أخيك، فلو عضدته ومنعته، كنت أولى [1] الناس بذلك. فلقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عازم على معاضدته. فسأله عن عبد المطلب وغيره من آبائه، فقال: إنهم كانوا على غير هدى ولا دين. فقال: تبا لك. فنزلت: «تَبَّتْ يَدا [2] «أَبِي لَهَبٍ» . 241- وروى أن أفلح بن النصر السلمي كان سادن العزى. فدخل عليه أبو لهب يعوده وقد احتضر. فقال له: يا با عتبة [3] ، أظن العزى ستضيع بعدي. فقال أبو لهب: كلا، أنا أقوم عليها، فإن يظهر محمد ولن يظهر [4] ، فهو ابن أخي، وإن تظهر العزّى، فهى [5] الظاهرة، ليت قد اتخذت عندها يدا. فنزلت: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» . وقال الكلبي: اسم سادن العزى: دبية بن حرمي السلمي. 242- وروي أن أبا لهب قال: يعدنا محمد عدان [6] بعد الموت، ليس في أيدينا منها شيء فنزلت: «تَبَّتْ/ 55/ يَدا أَبِي لَهَبٍ» .
تفسير آية تبت يدا أبي لهب
243- قالوا: ولما دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا، فرد عليه أبو لهب قوله وأباه، لقى هند بنت عتبة بن ربيعة، فقال لها: «لقد باينت محمدا، يا بنة عتبة، وأبيت ما جاء به، ونصرت اللات والعزى، وغضبت لهما» . فقالت: جزيت خيرا يا با عتبة. [تفسير آية تبت يدا أبي لهب] 244- وقال بعض المفسرين: «تبت» ، خسرت. والعرب تقول: تبت، ضعفت. والبعير التاب، الضعيف. وقالوا في قوله «وَما كَسَبَ [1] » ، يعني ولده. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ تَحْمِلُ أَغْصَانَ الْعُضَاةِ وَالشَّوْكِ، فَتَطْرَحُهَا عَلَى طَرِيقِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى عن أبى ورق الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: «حَمَّالَةُ» [2] ، النَّمِيمَةِ، تَحْطِبُ بذلك على ظهرها، والممسود، المفتول الموّثق، و «الجيد» [3] ، الْعُنُقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، حَبْلٌ مِنْ «مَسَدٍ» [4] ، مِنْ لِيفٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنِّي أَنَّ فِي جِيدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ، أَيْ مِنْ سَلاسِلِ جَهَنَّمَ، و «الجيد» الْعُنُقُ. 245- قَالُوا: وَلَمَّا نَزَلَتْ «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» ، وَذَكَرَ اللَّهُ امْرَأَتَهُ أُمَّ جَمِيلٍ، قَالَتْ: قَدْ هَجَانِي مُحَمَّدٌ، وَاللَّهِ لأَهْجُوَنَّهُ. فَقَالَتْ: مُحَمَّدًا قَلَيْنَا ... وَدِينَهُ أَبَيْنَا وَأَخَذَتْ فِهْرًا لِتَضْرِبَهُ بِهِ وَهَمَّتْ [5] . فَأَعْشَى اللَّهُ عَيْنَهَا، وَرَدَّهَا بِغَيْظِهَا. فَعَزَمَتْ عَلَى ابْنَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَا [6] ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ففعلا. وكانت
عداوة قريش للرسول
رُقَيَّةُ عِنْدَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ عِنْدَ مُعَتِّبِ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَيُقَالُ: عُتَيْبَةُ. 246- وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عباس قال: خسرت يدا أبى لهب. وامرأته حمالة الحطب: النَّمِيمَةَ. مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: وَلَدَهُ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ «تَبَّتْ» ، جَاءَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ. فَلَمَّا وَقَعَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى بَصَرِهَا، وَرَأَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَكَرِهَتْ عُمَرَ، وَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعِينَ بِهِ؟ قَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّهُ هَجَانِي، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَمَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: ويحك، إنه ليس بشاعر [1] فقالت: إنى لأرجو أن أكلمك يابن الْخَطَّابِ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِي، وَالثَّوَاقِبِ، إِنَّهُ لَشَاعِرٌ، وَإِنِّي لَشَاعِرَةٌ. 247- قال الواقدي: وأما قوله «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [2] » ، فيقال ودعة كانت في رقبتها. وقال: حدثني بذلك معمر، عن قتادة قال: ويقال: سلسلة من نار. [عداوة قريش للرسول] 248- قالوا: ولما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته، جعل أبو بكر يدعو ناحية سرا. وَكَانَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل على مثل ذلك. وكان عثمان على مثل ذلك. وكان عمر يدعو علانية. وكان حمزة بن عبد المطلب كذلك. وكان أبو عبيدة يدعو، حتى فشا الإسلام بمكة. وأظهر كفار قريش البغي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسد له. وكان الذين يبدون صفحتهم في عداوته وأذاه، ويشخصون به، ويخاصمون ويجادلون
ويردون من أراد الإسلام عنه: أبا [1] جهل بن هشام، وأبا لهب، والأسود بْن عَبْد يغوث بْن وهب بْن عَبْد مناف بن زهرة- وهو ابن خال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - والحارث بن قيس بن عدي السهمي (الذي كَانَ كلما رأى حجرا أحسن من الَّذِي عنده أخذه وألقى مَا عنده، وفيه نزلت: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [2] » ، وهو ابن الغيطلة) ، والوليد بن المغيرة، وأمية وأبي ابني [3] خلف الجمحيين، وأبا قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث العبدري، ومنبه ونبيه ابني الحجاج السهميين، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والسائب بن أبي السائب/ 56/ واسمه صيفي- بن عابد [4] بن عمر بن مخزوم، والأسود بن عبد الأسد المخزومي، والعاص بن سعيد ابن العاص، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبا البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ (بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى، وعقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وابن الأصدى [5] الهذلي [6] (وهو الذي نطحته الأروي) ، والحكم بن أبي العاص بن أمية. وذلك أن هؤلاء كانوا جيرانه. وكان الذين ينتهى عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم: أبو جهل [7] ، وأبو لهب، وعقبة. وكان أبو سفيان بن حرب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ذوي عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، وكانوا كجهلة قريش.
أمر أبى جهل
أمر أبي جهل 249- قالوا: أبو جهل عمرو بن هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر [1] بْن مخزوم. كناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، لأنه كان يكنى قبل ذلك «أبا الحكم» . 250-[وروى عَن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: من قال لأبى جهل «أبا [2] الحكم» ، فقد أخطأ خطيئة يستغفر الله منها. وروي عنه أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل] . 251- وكان أبو جهل في نفر من قريش، فيهم عقبة بن أبي معيط، وكان أسفه قريش، بالحجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فأطال السجود. فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت اليوم بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد؟ فانطلق عقبة بن أبي معيط، فأتى بفرثها، فألقاه على ما بين كتفيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد. فجاءت فاطمة عليها الصلاة والسلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم. فلم يرجعوا إليها شيئا. ودعا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رفع، فقال: [اللهم عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبي معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف ثم.] قال لأبي جهل: [والله لتنتهين أو لينزلن الله عليك قارعة.] وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه أبو البختري فأنكر وجهه، فسأله عن خبره. فأخبره به. وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به. فتثاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى. فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقي بينكم العداوة. 252- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعقبة: يابن أبان- وكان اسم أبي معيط «أبان» - أما أنت بمقصر عما نرى؟ فقال: لا، حتى تدع ما أنت
عليه. فقال: [والله، لتنتهين أو لتحلن بك قارعة] . 253- وقال أبو جهل: والله، لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأن رقبته. فبلغه أنه يصلي. فأقبل مسرعا، فقال: ألم أنهك، يا محمد، عن الصلاة؟ فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أتنتهرنى وتهدّدنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس بن عبد المطلب، فغضب وقال، كذبت. فنزلت [1] : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» - يعني أبا جهل- «أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى» - يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم. وقوله «ناديه» يقول عشيرته ومن يجالسه. ونهى عن طاعته. فكان ابن عباس يقول: والله، لو دعا لأجابه ربنا بالعذاب. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزل اثنا [2] عشر ملكا من الزبانية، رءوسهم في السماء وأرجلهم في الارض. ولو فعل، أخذوه عيانا] . 254- وذكروا: أن أبا جهل قال: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فأنت أكرم على الله، فلست بأهون على الله من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل ذلك [3] . [فقال: لم يقدرني الله على ذلك.] قال: تسخر لنا الريح تحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على الله من سليمان، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر وتروح به مسيرة شهر [4] . [فقال: لا أستطيع ذلك.] فقال أبو جهل/ 57/ فإن كنت غير فاعل شيئا مما سألتك، فلا تذكر آلهتنا بسوء. فقال عبد الله بن أمية: فأرنا كرامتك على ربك فليكن لك بيت من زخرف وجنة من نخيل وعنب تجري فيها الأنهار، وفجر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا المتح [5] عليها، وإلا فأسقط علينا كسفا. [فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الذي خلقني.] قال: فارق إلى السماء فأت بكتاب نقرؤه، ونحن ننظر
مجادلة قريش للرسول ص في دعوته
إليك. فأنزلت فيه الآيات [1] . [مجادلة قريش للرسول ص في دعوته] 255- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عمر بن صالح مولى التوأمية [2] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ [3] » ، يَعْنِي دُرْدِيَّ الزَّيْتِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَدْعُو لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، بِالزَّقُّومِ. فَدَعَا بِزُبْدٍ وَتَمْرٍ، وَقَالَ: «تَزَقَّمُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّا لا نَعْلَمُ زَقُّومًا غَيْرَهُ» . فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهَا، فَقَالَ: «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [4] .» فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي النَّارِ؟ فَكَانَتْ فتنة لهم، وجعل المستهزئون يضحكون. قال: و «الشوب [5] » مَا شِيبَ بِهِ الشَّيْءُ وَخُلِطَ. وَقَوْلُهُ «الْهِيمِ [6] » ، الإِبِلُ الْعِطَاشُ. قال الواقدي: وقد قيل في «الهيم» إنها الأرضون ذوات الرمل التي لا تروى. و «رءوس» الشياطين، نبت خارج الحرم، يسمى رءوس الشياطين. وروي أيضا أنه لما نزلت: «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [7] » ، قال أبو جهل: «ايتونا بزبد وتمر.» ثم قال: «تزقموا، فإن هذا الزقوم» . فنزلت: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ» - يعنى أبا جهل- «كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [8] » . ونزلت: «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [9] » . قال: و «التوءمة» ، ابنة أمية ابن خلف الجمحي، ولدت وأخت لها في بطن، فسميت تلك باسم، وسميت هذه «التوءمة» .
أمر أبي جهل
256- وروي عن عطاء بن يسار في قوله «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى [1] » الآية، أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. ونزل قوله: «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [2] » في أبى جهل. قال: و «الحسنى» الجنة. ويقال: الخلف. [أمر أبي جهل] 257- قال الواقدي في إسناده: إن رجلا من هذيل، يقال له عمرو، قدم بغنم له فباعها. ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه. فقام إليه أبو جهل، وكان خفيفا حديد الوجه والنظر، به حول، فقال له: انظر ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا، يدخل النار بعد الموت، وما أعجب ما يأتي به. فقال الهذلي: أما تخرجونه من [3] أرضكم؟ قال أبو جهل: لئن خرج من بين أظهرنا فسمع كلامه وحلاوة لسانه [4] قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن [5] أن يكر علينا بهم. قال الهذلي: فأين أسرته عنه؟ قال أبو جهل: إنما امتنع بأسرته. ثم إن الهذلي أسلم يوم الفتح. 258- وقالوا [6] : قدم رجل من أراش، بإبل له، مكة. فباعها من أبي جهل. فمطله بأثمانها. فوقف الرجل على نادي قريش، فقال: إني رجل غريب، ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وحبسني حتى شق علي، فمن رجل يقوم معي فيأخذ لي بحقي منه؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا، وهم يستهزئون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه، يأخذ لك بحقك. فأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا محمد، إني رجل غريب. واقتص عليه قصته. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ضرب باب أبي جهل. فقال أبو جهل: من هذا؟ قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله، فاخرج إلى. ففتح الباب وخرج. فقال له: أخرج إلى الرجل من حقه. قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 58/ لن أبرح أو تعطيه حقه. فدخل البيت، فخرج إليه بحقه وأعطاه إياه. فانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف الرجل إلى مجلس قريش فقال: جزى الله محمدا خيرا، فقد أخذ لي بحقي بأيسر الأمر. ثم انصرف. وجاء أبو جهل، فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازئين. فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا أن ضرب بأبي حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه وإن على رأسي لفحلا، ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط فاتحا فاه، واللَّه لو أبيت لأكلني، فأعطيت الرجل حقه. فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره. 259- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَكَمِ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو جَهْلٍ فِي عِدَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقْرَأُ يس [1] ، وَجَعَلَ يَنْثُرُ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ لا يَرَوْنَهُ. فلما انصرف، أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: سِحْرٌ مِنْ سِحْرِ مُحَمَّدٍ. 260- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بن ثعلبة ابن صُعَيْرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: «اللَّهُمَّ أَقْطَعَنَا للرحم، وأتانا [3] بما لا تعرف [4] ، فَأَحِنُهُ الْغَدَاةَ» . يَقُولُ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ. فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [5] » . واستفتاحه هو قوله هذا.
أمر أبى لهب بن عبد المطلب
261- قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وعمر، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مَادَّةٌ أَوْ جَلَبٌ وَأَنْتُمْ تَظْلِمُونَ مَنْ دخل إليكم؟ وجعل يقف على الحلق، حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: من ظَلَمَكَ؟ قَالَ: أَبُو الْحَكَمِ، طَلَبَ مِنِّي ثَلاثَةَ أَجْمَالٍ، هِيَ خِيَارُ إِبِلِي، فَلَمْ أَبِعْهُ إِيَّاهَا بِالْوَكْسِ، فَلَيْسَ يَبْتَاعُهَا أَحَدٌ مِنِّي اتِّبَاعًا لِمَرْضَاتِهِ، فَقَدْ أَكْسَدَ سِلْعَتِي وَظَلَمِني. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيْنَ أَجْمَالُكَ؟ قَالَ: هِيَ هَذِهِ بِالْحَزْوَرَةِ. فَابْتَاعَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ. فَبَاعَ جَمَلَيْنِ مِنْهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي الْتَمَسَهُ، وَبَاعَ الْبَعِيرَ الثَّالِثَ وَأَعْطَى ثَمَنَهُ أَرَامِلَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبُو جَهْلٍ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السُّوقِ، لا يَتَكَلَّمُ. ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِ مَا صَنَعْتَ بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ، فَتَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: لا أَعُودُ، يَا مُحَمَّدُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: لَقَدْ ذُلِّلْتَ فِي يَدِ مُحَمَّدٍ، حَتَّى كَأَنَّكَ تُرِيدُ اتِّبَاعَهُ. فَقَالَ: لا أَتَّبِعُهُ، واللَّه، أَبَدًا، إِنَّمَا كَأَنَّ انكسارى عَنْهُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ سِحْرِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ رِجَالا مَعَهُمْ رِمَاحٌ يَشْرَعُونَهَا إِلَيَّ، لَوْ خَالَفْتُهُ لَكَانَتْ إِيَّاهَا. فَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مِنْهُ. قَالَ: هُوَ ذَاكَ. 262- وَقُتِلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَبَعْضُ بَنِي عَفْرَاءَ ضَرَبَاهُ. وَدَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ. أمر أبي لهب بن عبد المطلب 263- قالوا: كان أبو لهب أحد من يؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. ووقع بينه وبين أبي طالب كلام، فصرعه أبو لهب وقعد على صدره وجعل يضرب وجهه. فلما رآه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتمالك أن أخذ بضبعي أبي لهب، فضرب به الأرض. وقعد أبو طالب على صدره، فجعل يضرب
أمر الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب:
وجهه. فقال أبو لهب للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: هو عمك وأنا عمك، فلم فعلت هذا في؟ واللَّه لا يحبك قلبي أبدا. 264- قالوا: وكان أبو لهب يطرح القذر والنتن على باب النبي صلى اللَّه عليه وسلم. فرآه حمزة بن عبد المطلب رحمه اللَّه/ 59/ وقد طرح من ذلك شيئا. فأخذه وطرحه على رأسه. فجعل أبو لهب ينفض رأسه ويقول: صابىّ أحمق. فأقصر عما كان يفعل، ولكنه كان يدس من يفعله. 265- وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: كنت بَيْنَ شَرِّ جَارَيْنِ: بَيْنَ أَبِي لَهَبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، إِنَّ كَانَا لَيَأْتِيَانِ بِالْفَرُوثِ فَيَطْرَحُونَهَا فِي بَابِي. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا؟ ثُمَّ يُمِيطُهُ عَنْ بَابِهِ] . 266- قالوا: وبعث أبو لهب ابنه عتبة بن أبي لهب بشيء يؤذي بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعه يقرأ: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [1] » . فقال: أنا أكفر برب النجم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: سلط اللَّه عليك كلبا من كلابه [2] . فخرج في تجارة، فجاء الأسد وهو وأصحابه نيام، بحوران. فجعل يهمس ويشم حتى انتهى إليه، فضمغه ضمغة أتت عليه. فجعل يَقُول، وَهُوَ بآخر رمق: ألم أقل لكم إِن محمدًا أصدق النَّاس؟ ثُمَّ مَاتَ. 267- ومات أبو لهب، واسمه عبد العزى، بداء يعرف بالعدسة. وكان موته بمكة بعد وقعة بدر بسبعة أيام، فبلغه خبرها ولم يشهدها. أمر الأسود بْن عَبْد يغوث بْن وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب: 268- وكان الأسود بن عبد يغوث من المستهزئين الذين قال اللَّه عز وجل: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [3] » . وكان إذا رأي المسلمين، قال لأصحابه: «قد
أمر الحارث بن قيس السهمي
جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر. ويقول للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أما كلمت اليوم من السماء، يا محمد؟ وما أشبه هذا القول. فخرج من عند أهله، فأصابته السموم، فاسود وجهه حتى صار حبشيا. فأتى أهله، فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب. فرجع متلددا حتى مات عطشا. 269- ويقال: إن جبريل عليه السلام أومأ إلى رأسه، فضربته الأكلة، فامتحض رأسه قيحا. ويقال: أومأ إلى بطنه، فسقي بطنه ومات حبنا. ويقال: إنه عطش، فشرب الماء حتى انشق بطنه بمكة. وقال الواقدي: مات حين هاجر [1] النبي صلى اللَّه عليه وسلم. ودفن بالحجون. 270- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ [2] ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِعُنُقِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَحَنَا ظَهْرَهُ حَتَّى احْقَوْقَفَ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَالِي، خَالِي. فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ دَعْهُ.] أمر الحارث بن قيس السهمي 271- كان الحارث بْن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بن عمرو أحد المستهزئين المؤذين لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وهو ابن الغيطلة. وهي من ولد شنوق بْن مرة بْن عَبْدِ مناف بن كنانة. والغيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها. وهو الذي نزلت فيه: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [3] » . وكان يأخذ حجرا، فإذا رأى أحسن منه تركه وأخذ الأحسن. وكان يقول: لقد غر محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت، واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث. أكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات. ويقال: إنه أصابته الذبحة. وقال بعضهم: امتحض رأسه قيحا.
أمر الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة، وأبى أحيحة سعيد بن العاص بن أمية.
أمر الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم بن يقظة، وأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية. 272-/ 60/ قالوا: كان الوليد يكنى أبا عبد شمس، وهو العدل، وهو الوحيد. وإنما سمي العدل لأنه يقال إنه يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة، فيكسوها مثل ما تكسوها كلها. 273- وكان جمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: يا قوم، إن العرب يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد، فتختلفون: يقول هذا: «ساحر» ، ويقول هذا: «شاعر» ، ويقول هذا: «مجنون» ، ويقول هذا: «كاهن» ، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع. فقالوا: نسميه شاعرا؟ قال الوليد: قد سمعتم الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء شيئا من ذلك. قالوا: فكاهن؟ قال: صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط. قالوا: فمجنون؟ قال: المجنون يخنق، ومحمد لا يخنق. ثم مضى الوليد إلى بيته. فقالوا: صبأ. فقال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما سمي به ساحر لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخته. فنادوا بمكة: إن محمدا ساحر. فنزلت فيه: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» إلى قوله «تِسْعَةَ عَشَرَ [1] » . فقال أبو الأسدين، واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي: أنا أكفيكم خمسة على ظهري، وأربعة بيدي، فاكفوا [2] بقيته. فأنزلت. «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [3] » . 274- وقال الوليد: لئن لم ينته محمد عن سب آلهتنا، لنسبن إلهه. فقال أبو جهل: نعم ما قلت. ووافقهما الأسود بن عبد يغوث، وهو ابن خال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنزلت: «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [4] » .
275- قالوا: واعترض الوليد بن المغيرة [1] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ومع الوليد عدة من قريش. منهم الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والعاص ابن وائل السهمي، وأمية بن خلف. فقالوا: «يا محمد، هلم، فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر. فإن كان ما تعبد خيرا، كنا قد أخذنا بحظنا. وإن كان ما نعبد خيرا، كنت قد أخذت بحظك.» فأنزل اللَّه عز وجل سورة قل يا أيها الكافرون [2] . يقول: قل لهم، لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم الآن عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ أبدا ما عبدتم، ولا أنتم عابدون أبدا ما أعبد، لكم كفركم، ولى إيماني. 276- وقال الوليد لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان نديمه: لولا أنزل هذا القرآن الذي يأتي به محمد على رجل من أهل مكة أو من أهل الطائف، أو مثل أمية بن خلف. فقال أبو أحيحة: أو مثلك، يا أبا عبد شمس، أو على رجل من ثقيف [3] مثل مسعود بن عمرو أو كنانة بن عبد يا ليل، أو مسعود ابن معتب وابنه عروة بن مسعود. فأنزل اللَّه عز وجل: «وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ [4] » . 277- وقال الواقدي: مات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو نحوها، وهو ابن خمس وتسعين سنة. ودفن بالحجون. وكان الوليد أحد المستهزئين. فمر برجل، يقال له حراث بن عامر، من خزاعة وهو الثبت- وبعضهم يقول: حراب- ويكنى أبا قصاف، وهو يريش نبلا له ويصلحها. فوطئ على سهم منها، فخدش أخمص رجله خدشا يسيرا. ويقال: علق بإزاره، فخدش ساقه خدشا خفيفا. فأهوى إليه جبريل عليه السلام فانتقض الخدش. وضربته الأكلة في رجله أو ساقه، فمات. وأوصى بنيه فقال: اطلبوا خزاعة بالسهم الذى
أصابني. وأعطت خزاعة ولده العقل. وقال: فانظروا عقري عند أبي أزيهر الدوسي من الأزد، ولا يفوتنكم. فعدا [1] هشام/ 61/ بن الوليد على أبي أزيهر بعد بدر، فقتله. وهو أبو أزيهر بن أنيس بن الحيسق، من ولد سعد بن كعب بن الغطريف. وكان أبو أزيهر حليفا لأبي سفيان بن حرب بن أمية. فزوج ابنته من عتبة بن ربيعة. وتزوج الوليد بن المغيرة ابنة له أخرى. فأمسكها أبو أزيهر ولم يهدها إليه. وزوج عاتكة ابنته أبا سفيان، فولدت له محمد ابن أبي سفيان، وعنبسة بن أبي سفيان. وكان قتل [2] هشام أبا أزيهر بذي المجاز. فخرج يزيد بن أبي سفيان، فجمع جمعا من بني عبد شمس وغيرهم من بني عبد مناف، وتسلح وأراد قتال بني مخزوم. وبلغ أبا سفيان، وكان حليما يحب قومه، فخاف أن يكون بين قريش نائرة حرب بسبب أبي أزيهر. فأتى يزيد، فأخذ الرمح من يده، وقال: قبحك الله، أتريد أن تضرب بعض قريش ببعض وقد ترى ما هي فيه من محمد؟ فقال: أخفرت صهرك وحليفك وأنت راض بذلك؟ فقال: من لم يصبر على صغير المكروه، فقد تعرض للكبيرة. وأطفأ أبو سفيان ذلك الأمر. فقال حسان يحرض على الطلب بدم أبي أزيهر، ويعير أبا سفيان [3] : غدا أهل ضوجي ذي المجار كليهما ... وجار ابن حرب بالمغمس ما يغدو وقد يمنع العير الضروط ذماره ... وما منعت مخزاة والدها هند كساك هشام بن الوليد خزاية ... فأبل وأخلق مثلها جددا بعد فقال أبو سفيان: إنما ذهب حسان ليغري بيننا فيشتفي هو وأصحابه بذلك. وحمل ديته. وقال جعدة بن عبد الله بن عبد العزّى:
لا أرى في الأنام مثل هشام ... أبدا من مسوّد ومسود يوم (أ) لقى أبا أزيهر غضبا ... لم يكن عند ذاك بالمحدود ثم ولى بذي المجاز كريما ... غير ما طائش ولا رعديد وكان سعد بن صفيح بن الحارث الدوسي، وهو خال أبى هريرة عمير ابن عامر بن عبد الله بن ذي الشركي، لا يأخذ أحدا من قريش إلا قتله بأبي أزيهر. فممن قتل بجير بن العوام بن خويلد، ولقيه باليمامة، وبجاد بن السائب بْن عويمر بْن عائذ بْن عمران بن مخزوم. وكان ضرار بن الخطاب ابن مرداس الفهري بالسراة، وهي فوق الطائف وهي بلاد دوس والأزد، فوثبت دوس عليه ليقتلوه بأبي أزيهر، فسعى حتى دخل بيت امرأة من الأزد، يقال لها أم جميل، واتبعه رجل منهم ليضربه. فوقع ذباب السيف على الباب، وقامت في وجوههم فذبتهم ونادت قومها. فمنعوه لها. فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ظنت أنه أخوه. فأتت المدينة. فلما كلمته، عرف القصة، فقال: لست بأخيه إلا في الإسلام وهو غاز بالشام، وقد عرفنا منتك عليه. فأعطاها على أنها ابنة سبيل. وقال الواقدي: اسمها أم غيلان، وذلك أثبت. والذي زعم أنها «أم جميل» ، أبو عبيدة معمر بن المثنى. وقال ضرار بن الخطاب [1] : جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هن شعث عواطل فهن دفعن الموت بعد اقترابه ... وقد برزت للثائرين المقاتل دعت دعوة دوسا فسالت شعابها ... بعزف لما بيد منهم تخاذل وجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل وقيل إن أم غيلان هذه كانت مولاة للأزد ماشطة. 278- وقال ابن الكلبي/ 62/ ولد أبو أزيهر أبا جنادة. فولد أبو جنادة:
وأما أمية وأبى ابنا خلف:
شميلة. تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، فقتل عنها يوم الجمل. ويقال: طلقها، فتزوجها عبد الله بن عباس. وإياهما [1] عناه ابن فسوة في قوله: أتيح لعبد الله يوم لقيته ... شميلة ترمى بالحديث المقتر وروى عن قتادة أن الوليد وطيء على سهم، فقطع أكحله فمات. 279- وكان نصر بن الحجاج بن علاط السلمي جميلا. وكان عند مجاشع، وامرأته شميلة حاضرة. وكان مجاشع أميا، وشميلة تكتب. فكتب نصر بن الحجاج في الأرض: «أنا والله أحبك حبًا لو كَانَ فوقك لَأظَلَّك، ولو كان تحتك لأقلك» . فكتبت: «وأنا والله» . فأكب مجاشع على الكتابة إناء، ثم أتى بمن قرأ الكتاب. فأخرج نصرا، وطلق شميلة. ويقال: إنّ نصرا محاما كتب وبقي «وأنا والله» . فقال: ما كتابك «وأنا والله» ؟ قالت: لا إله إلا الله» . فقال: هذا لا يلائم «وأنا والله» . ولم يزل بها حتى صدقته. 280- وقال الجون بن أبى الجون الخزاعي: نحن عقرنا بالصعيد ولدكم ... وما مثلها من رهطه ببعيد كبا للجبين والأنف صاغرا ... فأهون علينا صاغرا بوليد وأما أمية وأبي ابنا خلف: 281- فكانا على شر ما يكون عليه أحد من أذى النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه. وجاء أبي بعظم نخر، ففته في يده ثم قال: زعمت يا محمد أن ربك يحيى هذا العظم، ثم نفخه. فنزلت: «قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ [2] » . 282- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ: أَنَّ أُبَيًّا صَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ أَتَى حَلَقَةً فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ وَدَعَاهُ. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أَقُومُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فَفَعَلَ.] فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ. فَلَقِيَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،
(أبو قيس بن الفاكه)
فَقَالَ: أَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِطَعَامِنَا. فَنَزَلَتْ: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [1] » . الآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فيمن دعا، عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. فَأَنْكَرَ أُبَيٌّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ وَنَدِيمًا. وَقَالَ: اتَّبَعْتَ مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي تَذَمَّمْتُ أَنْ لا أَدْعُوَهُ، وَإِذْ دَعَوْتُهُ أَلا يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِي، فَقُلْتُ لَهُ قَوْلا لَمْ أَعْتَقِدْهُ. فَقَالَ لَهُ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ لَمْ تكفر به وتنفل فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ. وَرَجَعَ مَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ إِلَى وَجْهِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [2] » ، يعنى عقبة. وقوله «فلانا» [3] ، يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ أُبَيًّا خَلِيلا» . وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُ [4] : إِنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَعَلَ هَذَا. وَلا يَذْكُرُ أُبَيًّا. 283- وَقُتِلَ أُمَيَّةُ يَوْمَ بَدْرٍ. قَتَلَهُ خُبَيْبُ بْنُ إِسَافٍ. وَيُقَالُ: اشْتَرَكَ خُبَيْبٌ وَبِلالٌ فِي قَتْلِهِ. وَيُقَالُ: قتله رِفَاعَةَ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ. 284- وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيًّا يَوْمَ أُحُدٍ. أَخَذَ حَرْبَتَهُ أَوْ حَرْبَةَ غَيْرِهِ، فَقَتَلَهُ بِهَا. (أبو قيس بن الفاكه) 285- وَكَانَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مِنَ الْمُؤْذِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمُغْرِقِينَ فِي أَذَاهُ، يُعِينَ أَبَا جَهْلٍ عَلَى صَنِيعِهِ. قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ. العاص بن وائل السهمي 286- كان العاص بن وائل من المستهزئين. ولما مات عبد الله بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إن محمدا أبتر، لا يعيش له ذكر. فأنزل الله عز وجل
النضر بن الحارث العبدري
فيه: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [1] . فركب حمارا له- ويقال: بغلة له بيضاء- فلما صار بشعب من تلك الشعاب، وهو يريد الطائف، ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة، فأصابت رجله شوكة منها/ 63/ فانتفخت حتى صار كعنق البعير. ومات. ويقال: إنه لما ربض به حماره أو بغلته، لدغ فمات مكانه. وكان ابنه عمرو يقول: لقد مات أبي وهو ابن خمس وثمانين سنة، وإنه ليركب حمارا له من هذه الدباب [2] إلى ماله بالطائف، فيمشي عنه أكثر مما يركبه. 287- وقال الواقدي: مات العاص بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة بأشهر، وهو ابن خمس وثمانين سنة. وكان يكنى أبا عمرو. 288- وحدثني محمد بن سعد قال: قلت للواقدي: قال الله عز وجل «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [3] » ، وهذه السورة مكية. فقال: سألت مالكا وابن أبي ذئب عن هذا، فقالا: كفاه إياهم، فبعضهم مات، وبعضهم عمي فشغل عنه، وبعضهم كفاه إياه إذ هيأ الله له من أسباب مفارقته بالهجرة ما هيأ له. قال: وقال غيرهما: كفاه الله أمرهم، فلم يضروه بشيء. النضر بن الحارث العبدري 289- كان النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار يكنى أبا فائد. وكان أشد قريش مباداة للنبي صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والأذى. وكان صاحب أحاديث، ونظر في كتب الفرس، ومخالطة النصارى واليهود. وكان لما سمع بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحضور وقت مبعثه، يقول: والله لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم. فنزلت فيه: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ [4] » .
وكان يحدث، ثم يقول: أينا [1] أحسن حديثا، أنا أم محمد؟ ويقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. فنزلت فيه: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [2] . ونزلت فيه: «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [3] . ونزلت فيه: «وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [4] » ونزلت فيه: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ [5] » . ونزلت فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [6] » . ونزلت فيه: «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ* [7] . وكان النضر قدم الحيرة، فتعلم ضرب البربط، وغنى غناء أهل الحيرة، وعلم ذلك قوما من أهل مكة. وكان غناؤهم قبل ذلك النصب. واشترى قينتين، فنزلت فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [8] » . 290- ولقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت الذي تزعم أنك ستوقع بقريش عن قليل وأن الله قد أوحى إليك بذلك؟ فقال: [نعم، وأنت منهم.] فنزلت: «وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [9] » . وسأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى تنقضي الدنيا؟ فنزلت فيه: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها» الآية [10] » . 291- وكان يقول: إنما يعينه على ما يأتي به في كتابه هذا جبر [11] ، غلام الأسود بن المطلب [12] ، وعداس، غلام شيبة بن ربيعة، ويقال غلام عتبة بن
أمر أبى أحيحة
ربيعة، وغيرهما. فأنزل الله عز وجل: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [1] » . وأنزل الله عز وجل فيه: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُورًا. وَقَالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [2] » . 292- وأسره المقداد يوم بدر. فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضرب عنقه صبرا بالأثيل. أمر أبي أحيحة 293- وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية يقول: دعوا محمدا ولا تعرضوا له. فإن كان ما يقول حقا، كان فينا دون غيرنا من قريش. وإن كان كاذبا، قامت قريش به دونكم. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به. فيقول: إنه ليكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث. فقال له: إنه يبلغني أنك تحسن/ 64/ القول في محمد، وكيف ذلك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمه، وعيب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به، لا في يهودية ولا نصرانية. 293- وكان أبو أحيحة ذا شرف بمكة. وقويت أنفس المشركين حين رجع عن قوله الأول. وأتاه النضر شاكرا له على ذلك، لإعظام قريش إياه. وَكَانَ إِذَا اعتم، لَمْ يعتم أحد بمكة بعمامة على لون عمامته إعظاما له. فكان يدعى «ذا التاج» . وفيه يقول أبو قيس بن الأسلت، واسمه صيفي بن عامر بن جشم [3] ، من الأوس: وكان أبو أحيحة قد علمتم ... بمكة غير مهتضم ذميم
(النضر بن الحارث)
إذا شد العمامة ذات يوم ... وقام إلى المجالس والخصوم فقد حرمت على من كان يمشى ... بمكة غير ذي دنف سقيم وتينكم رفيع في قريش ... منيف في الحديث وفي القديم وسطت ذوائب الفرعين منهم ... فأنت لباب فرعهم الصميم كريم من سراة بني لؤي ... كبدر الليل راق على النجوم 295- ومات أبو أحيحة في ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة. ويقال: في أول سنة من الهجرة. وكان له تسعون سنة. فلما غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف، رأى قبر أبي أحيحة مشرفا، فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله. فَقَالَ ابناه، عَمْرو وأبان: لعن الله أبا قحافة، فإنه لا يقري الضيف، ولا يدفع الضيم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [سب الأموات يؤذي الأحياء، فَإِذَا سببتم فعموا.] (النضر بن الحارث) قالوا: وأتى النضر وعقبة بعض أهل الكتاب، فقالوا: أعطونا شيئا نسأل عنه محمدا. فقالوا: سلوه عن فتية هلكوا قديما، وعن رجل طاف حتى بلغ المشرق والمغرب. فسألوه عن أهل الكهف وذي القرنين. فأنزل الله عز وجل في أمرهم ما أنزل [1] . 297- وقال النضر وأمية بن خلف وأبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان قرآنك من عند الله، فأحي لنا آباءنا، وأوسع لنا بلدنا بأن تسير هذه الجبال عنا، فقد ضيقت مكة علينا، أو اجعل لنا الصفا ذهبا نستغنى [2] عن الرحلة، فإن فعلت ذلك، آمنا بك. وكان النضر خطيب القوم. فأنزل الله: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» إلى قوله «فَكَيْفَ
كانَ عِقابِ [1] » . وأخذ النضر عظما نخرا، فسحقه ونفخه، وقال: من يحيي هذا يا محمد؟ فنزلت فِيهِ: «وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟» [2] وما بعد ذلك. ويقال: إن أبي بن خلف صاحب العظم. 299- قالوا: فلما كان يوم بدر، أسر المقداد بن عمرو- وهو الذي ينسب إلى ربيبه الأسود بن عبد يغوث الزهري- النضر بن الحارث، وجاء بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فأمر عليا عليه السلام بضرب عنقه. فقال المقداد: أسيرى يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: [إنه كان يقول في كتاب اللَّه وفي رسوله ما يقول. ثم قال: اللهم أغن المقداد من فضلك] . 300- وقال النضر، وقد جيئ به أسيرا، لرجل إلى جنبه: «محمد واللَّه قاتلى. لقد نظر إليّ بعينين فيهما الموت.» وقال لمصعب بن عمير: «يا مصعب أنت أقرب من ههنا إلي وأمسهم رحما بي. فكلم صاحبك في أن يجعلني كرجل من أصحابي» . فقال له: إنك كنت تقول كذا وتفعل كذا. فقال: يا مصعب، ليس هذا الحين عتاب، فسله أن يجعلني/ 65/ كرجل من أصحابى، فلو أسرتك قريش لدافعت عنك. فقال مصعب: «أنت صادق، ولست مثلك. إن الإسلام قد قطع العهود بيننا وبينكم» . 301- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَسَرَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَهُ، قَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَسِيرِي؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: إنه كان يقول في اللَّه وَرَسُولِهِ مَا يَقُولُ، وَقَرَأَ: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا» الآية [3] . ثم قتله صبرا. وقال:
أمر منبه ونبيه ابنى الحجاج
«اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» ثَلاثًا] 302- قالت قتيلة ابنة النضر بن الحارث (وبعض الرواة يقول: قتيلة بنت الحارث، والأول [1] أثبت) [2] : يا راكبا إن الأثيل مظنة ... عن صبح خامسة [3] وأنت موفق بلّغ ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النواعج تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة ... جادت لمائحها وأخرى تخنق قولا لأحمد أنت ضنء كريمة ... لنجيبة والفحل فحل معرق ما كان ضارك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق (ف) النضر أقرب من قتلت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... للَّه أرحام هناك تشقق [فيقال أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو سمعت هذا الشعر قبل قتله، ما قتلته.] واللَّه أعلم. أمر منبه ونبيه ابني الحجاج 303- وكان منبه ونبيه ابنا الحجاج السهميان على مثل ما كان عليه أصحابهما من آذى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطعن عليه. وكانا يلقيانه فيقولان: «أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ إن هاهنا من هو أسن منك وأيسر. فإن كنت صادقا، فائت بملك يشهد لك، ويكون معك.» وإذا ذكراه، قالا [4] : «معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتي به» . وكان صلى اللَّه عليه وسلم يدعو عليهما. فأما منبه، فقتله علي عليه السلام. ويقال: أبو اليسر الأنصارى.
وأما زهير بن أبى أمية
ويقال: أبو أسيد الساعدي. وأما نبيه، فقتله علي بن أبي طالب. وقتل [1] أيضا العاص بن منبه، وكان صاحب ذي الفقار، سيف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ الثبت. وبعضهم يقول: إنه كان سيف منبه. ويقال أيضا: إنه كان سيف نبيه. وأما زهير بن أبي أمية 304- فهو أَخُو أم سلمة، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، لأبيها. وكان ممن يظهر تكذيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وينكر ما جاء به، ويطعن عليه، ويرد الناس عنه. إلا أنه مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْهَا قريش على بني عبد المطلب. وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقد اختلفوا فيه. فقال بعض الرواة: إنه شخص يريد بدرا، فسقط عن بعيرة، فمرض ومات. وقال بعضهم: أسر يوم بدر، فأطلقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صار بمكة، مات. وقيل: إنه حضر وقعة أحد، ومات بعدها من سهم أصابه. وقال مصعب بن عبد اللَّه الزبيري: شخص إلى اليمن بعد الفتح، فمات هناك كافرا. وأما عبد اللَّه بن أبي أمية 305- فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دعاه في قوم من المشركين. فقال له بعضهم: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض ينبوعا، فإن ماء زمزم ملح» . وقال آخر: «إن لم تفعل هذا، فإنا لا نؤمن لك/ 66/ حتى تكون لك بمكة جنة كجنان آل فارس ذات نخيل [2] وأعناب» ، وقال الثالث: «لن نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفا، أو تأتي بربك وملائكته فنراهم» . وقال عبد اللَّه بن أبي أمية: «لن نؤمن لك حتى نرى بيتا من ذهب يحدثه لك ربك، أو ترقى في السماء. ثم لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب ونحن نراك فنقرؤه» . فأنزل اللَّه عز وجل مكانة قولهم، وقال: قل لهم: «سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ
(السائب، والأسود، وعدى، والعاص:
إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [1] » . وأسلم عبد اللَّه، وقتل يوم الطائف. والثبت أن عبد اللَّه قال هذا القول من بينهم، فنزلت فيه الآيات، وكان خطيب القوم ومتكلمهم. (السائب، والأسود، وعدى، والعاص: 306- وأما السائب بن أبي السائب، فقتل يوم بدر. قتله الزبير بن العوام. وأما الأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي، فقتل يوم بدر أيضا. قتله حمزة رحمه اللَّه. وأما عدي بن الحمراء الخزاعي، فلدغ وهو يريد بدرا، فمات. وأما العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية، فقتله حمزة أيضًا يوم بدر. أمر أبي البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ (بْنِ الْحَارِثِ) [2] بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى بن قصي: 307- قالوا: كان أبو البختري أقل أذى لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنه كان يكذبه ويعيب ما جاء به. وكان ممن أعان على نقض الصحيفة. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر أن يستبقيه من لقيه، وأن لا يقتله. فلقيه المجذر بن ذياد البلوي. فقال له: استأسر، فإن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن لا تقتل. فقال: إن معي رفيقي جنادة بن مليحة، فإن استبقيتموه، وإلا فلا حاجة لي في الحياة. فأعير بخذلانه، وجعل يقاتل ويقول [3] : لن يسلم ابن حرة أكيله ... حتى يموت أو يرى سبيله فحمل عليه المجذر فقتله، وجعل يقول [4] : إما جهلت أو نسيت نسبي ... فأثبت النسبة أني من بلى الطاعنين برماح اليثربى ... وأعبط القرن بعضب مشرفي
أمر عقبة بن أبى معيط:
ثم إن المجذر أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبره الخبر، وقال: والذي بعثك بالحق، لقد جهدت أن يستأسر فآتيك به، فقاتلني فقتلته. وقد قيل: إن الذي قتل أبا البختري: عمير بن عامر المازني، من بني مازن بن النجار. ويكنى أبا داود. 308- وفي أبي البختري نزلت: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [1] » . أمر عقبة بن أبي معيط: 309- وكان عقبة بن أبي معيط أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأذى له. وهو عقبة بن أبي معيط- واسم أبي معيط: أبان- بن أبي عمرو بن أمية. وكان عقبة يكنى أبا الوليد. 310- حدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي، عن محمد بن عمر الواقدي في إسناده: أن عقبة بن أبي معيط عمد إلى مكتل [2] ، فجعل فيه عذرة ثم ألقاه عَلَى بَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فبصر به طليب بن عمير بن وهب ابن عبد بن قصي بن كلاب- وأمه أروى بنت عبد المطلب- فأخذ المكتل منه، وضرب به رأسه، وأخذ بأذنيه. ونشب به عقبة، فذهب به إلى أمه، فقال لها: ألا ترين إلى ابنك قد صار غرضا دون محمد؟ فقالت: «ومن أولى منه بذلك؟ هو ابن خاله. أموالنا وأنفسنا دون محمد» . وجعلت تقول [3] : إن طُليبًا نَصْر ابنَ خاله ... آساهُ فِي ذي دمه وماله فلما كان يوم بدر، أتى بعقبة أسيرا. وكان الذي أسره عبد اللَّه بن سلمة ابن مالك العجلاني، من بلي، وعداده في الأنصار. جمح به فرسه، فأخذه. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 67/ عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأوسي من الأنصار بضرب عنقه. فجعل عقبة يقول: «يا ويلتي، علام
أمر الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى
أقتل يا معشر قريش أقتل من بين هؤلاء؟» [فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لعداوتك للَّه [1] ورسوله» . قال: «يا محمد، منّك أفضل، فاجعلني كرجل ممن هاهنا من قومك وقومي. ويا محمد، من للصبية؟» قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النار] » . وكان قتله بعرق الظبية. وقال الواقدي: قتل بالصفراء. وقيل: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر به، فصلب. فكان أول مصلوب صلب في الإسلام. 311- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: [أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُقْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ: واللَّه لأَقْتُلَنَّكَ. فَقِيلَ أَتَقْتُلُهُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ؟ قال: نعم، إنه وطيء عَلَى عُنُقِي وَأَنَا سَاجِدٌ، فَمَا رَفَعَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ سَقَطَتَا، وَجَاءَ يَوْمًا، وَأَنَا سَاجِدٌ، بِسَلا شَاةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى رَأْسِي. فأنا قاتله] . 312- وحدثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بن معاذ العنبري، عن سعيد، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قال: قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةً صَبْرًا: عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. 313- قالوا: ولما هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال عقبة: يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليل تراني راكب الفرس أعل رمحي فيكم بعد نهلته ... والسيف يأخذ منكم كل ملتمس أمر الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى 314- كان الأسود من المستهزئين. وكان يكنى أبا زمعة. وكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: «قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر» ، ثم يمكون ويصفرون. وكلم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكلام شق عليه. فدعا عليه رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم أن يعمي الله بصره ويثكله ولده. فخرج يستقبل ابنه. وقد قدم من الشام، فلما كان في بعض طريقه، جلس في ظل شجرة. فجعل جبريل عليه السلام يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها خضراء، وبشوك من شوكها، حتى عمي. ويقال: إن جبريل عليه السلام أومأ إلى عينيه، فعمي، فشغل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان يوم بدر، قتل ابنه زمعة بن الأسود، ويكنى أبا حكيمة، قتله أبو دجانة. ويقال: ثابت بن الجذع. وقتل ابنه عقيل أيضا، قتله حمزة وعلي رضي الله تعالى عنهما، اشتركا فيه. ويقال: قتله علي وحده. وقتل [1] الحارث بن زمعة بن الأسود، قتله علىّ. وقوم يقولون: هو الحارث بن الأسود نفسه. والأول أثبت. 315- وكان الأسود بن المطلب يقول: دعوت على محمد أن يكون طريدا في غير قومه وبلده. واستجيب لي. ودعى علي بعمى عيني، فعميت، وأن أثكل ولدي، فثكلتهم. 316- قال الواقدي: ومات الأسود بمكة، وهم يتجهزون لأحد، وهو يذمرهم- أي يحثهم- ويشجعهم في مرضه، وقد قارب المائة. 317- وكان أهل مكة، لما قتل منهم من قتل منهم ببدر، تركوا البكاء على قتلاهم، كراهة أن يبلغ المسلمين جزعهم فيشمتوا بهم. فسمع الأسود بكاء، فسأل عنه: فقيل: امرأة ضل لها بعير، فهى تبكى عليه. فقال [2] : (أ) تبكي أن يضل لَهَا بعير ... ويمنعها من النوم السهود فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تصاغرت الجدود فبكي إن بكيت على عقيل ... وبكي حارثا أسد الأسود / 68/ وبكيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد على بدر سراة بنى هصيص ... ومخزوم ورهط أبى الوليد
المؤذون للنبي ص
ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا 318- قال: وكان الأسود يجلس، ومعه قوم من المشركين، فيقولون: «ما ندري ما جاء به محمد؟ ما هو إلا سجع كسجع الكهان» . فنزلت فيهم: «الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [1] » ، أي عضة عضة. ويقال: إن الآية نزلت في أهل الكتاب الذين آمنوا ببعضه وكفروا ببعض. والثبت أنها نزلت في كفار قريش. وكانوا يسألون عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول بعضهم: «مجنون» [2] ، ويقول بعضهم: «ساحر» [3] ، ويقول بعضهم: «شاعر» [4] ، ويتحدثون عليه ويصدون الناس عنه. فأنزل اللَّه عز وجل: «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [5] . يقول: أوزار من يصدونه عن الإسلام. 319- وذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاقر الناقة [6] ، فقال: «كان عزيزا منيعا، كان كأبي زمعة الأسود بن المطلب فيكم» . وكان يقال لأبى زمعة بن الأسود «زاد الراكب» . [المؤذون للنبي ص] وكان ابن [7] الأصداء الهذلي 320- أحد من يؤذي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم [8] ، ويقول للناس [9] : هو مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [10] . فدعا عليه رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّهُ لعلى جبل إذ اجتمعت عليه الأروي، فنطحته حتى قتلته.
الحكم بن أبى العاص بن أمية
الحكم بن أبي العاص بن أمية 321- كان الحكم مؤذيًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يشتمه ويسمعه. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشي ذات يوم، وهو خلفه يخلج [1] بأنفه وفمه، فبقي على ذلك. وأظهر الإسلام يوم فتح مَكَّة. وَكَانَ مغموصًا عَلَيْهِ فِي دينه. فاطلع يوما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَهُوَ في بَعْض حجر نسائه. فخرج إِلَيْهِ بعنزة وَقَالَ: « [من عذيري من هذه الوزغة؟ لو أدركته، لفقأت عينيه] » ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولعنه وما ولد، وغربه عن المدينة. فلم يزل خارجا منها إلى أن استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، فرده وولده. فكان ذلك مما أنكر عليه. ومات في خلافة عثمان. فضرب على قبره فسطاطا. قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم [2] : إِن اللعين أباك فأرم عظامه ... إِن ترم ترم مخلجا مجنونا يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا عُتْبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف 322- كان عتبة يكنى أبا الوليد. ولقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: «إن أردت الشرف، شرفناك بأن نملكك. وإن كنت تريد المال، أعطيناك منه ما تحبه» . فقال: « [يا أبا الوليد، اسمع» . فقرأ «حم السجدة [3] » .] فقال: هذا كلام ما سمعت مثله. ثم التفت إلى جماعة من قريش، فقال: دعوه وخلوا بينه وبين العرب، فليس بتارك أمره. 323- وأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أم مكتوم، وعتبة يكلمه، وقد طمع فيه فشغل عنه. فأنزل اللَّه عز وجل [4] : «عَبَسَ وَتَوَلَّى» . وقوله «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى» ، يعني عتبة. ويقال: إن الذي تشاغل عن ابن أم مكتوم به:
شيبة بن ربيعة بن عبد شمس
الوليد بن المغيرة. ويقال: إن ابن أم مكتوم لما أتاه، قال له: «علمني مما علمك اللَّه» . فأقبل على أمية بن خلف الجمحي، وتركه. 324- وقتل عتبة يوم بدر كافرا. قتله حمزة بْن عَبْد المطلب/ 69/ رَضِي اللَّه تَعَالى عنه، وقتل الوليد بن عتبة يوم بدر، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام. وكان لعتبة يوم قتل سبعون سنة. وكان الوليد ابن خمسين سنة. وكان أبو حذيفة ابن عتبة مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شيبة بن ربيعة بن عبد شمس 325- ويكنى أبا هاشم. كان شيبة [1] يجتمع مع قريش فيما يكذّبه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الأذى له، غير أنه كان لا يتولى ذلك بيده. وقتل يوم بدر، قتله عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وذفف عليه حمزة وعلي عليهما السلام. وكان شيبة أسن [2] من عتبة بثلاث سنين. وقد كان عتبة وشيبة متثاقلين عن الخروج حتى أنبهما أبو جهل، فخرجا. 326- قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة، وهي أم معاوية، فقيل لها: ألا تبكين على أبيك وأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: «لا أبكيهم» . فبلغ محمدا ذلك، فشمت وأصحابه ونساء الخزرج، لا واللَّه، حتى أثأر من محمد وأصحابه. وحرمت على نفسها الدهن والكحل، وقالت: لو أعلم أن الحزن يذهبه البكاء، لبكيت. ثم قالت بعده [3] : للَّه عينا من رأى ... هلكا كهلك رجاليه يا رب باك لي غدا ... في النائحات وباكيه
مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف
كم غادروا يوم القلي ... ب غداة تلك الواعية من كل غيث في السني ... ن إذا الكواكب خاوية قد كنت أحذر ما أرى ... فاليوم حق حذاريه يا رب قائلة غدا ... يا ويح أم معاوية وقالت أيضًا: ويلى على أبوى ... والقبر الذى واراهما رمحين خطيّين ... في كبد السماء تراهما سيفين هنديين ... سن القبر حد ظباهما لا مثل لهما في الكهو ... ل ولا فتى كفتاهما ابنى ربيعة لا يم ... لّ الناس من ذكراهما ما خلفا إذ ودعا ... وتوليا شرّ واهما من حس لي الأخوين ... كالغصنين أم من رآهما مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف 327- كان مطعم يكنى أبا وهب. وكان أقل أصحابه أذى للنبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولكنه كان ينكر عليه ما أنكروا. وهو الذي قام بأمر بني هاشم وبني المطلب، حتى خرجوا من الشعب. وأجار النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حتى طاف بالبيت. 328-[وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لابنه جبير بن مطعم يوم بدر: لو كان أبوك حيا فاستوهبني هؤلاء الأساري، لوهبتهم له وشفعته فيهم] . 329- ومات مطعم في صفر سنة اثنتين من الهجرة قبل بدر بأشهر. ودفن بالحجون وهو ابن بضع وتسعين سنة. وأقيم النوح عليه سنة. طعيمة بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف 330- ويكنى أبا الريان. وكان طعيمة ممن يؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف:
فيبالغ في أذاه ويشتمه ويسمعه ويكذبه. فلما كان يوم بدر، أسر. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله صبرا، فقتل. 331- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ (اللَّه) بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ/ 70/ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال: قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعيمة بن عدي صبرا. وكان الذي قتل طعيمة: حمزة بن عبد المطلب. الْحَارِث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْدِ مناف: 332- كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم بدر: [من لقي الحارث فليدعه لأيتام بني نوفل.] وفيه نزلت: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [1] » . ولكنه كان أعان على نقض الصحيفة. فقتل يوم بدر كافرا. قتله خبيب ابن إساف. مالك بن الطلاطلة: 333- وقال الكلبي: كان مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان من المستهزئين، وكان سفيها. قالوا: فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، واستعاذ باللَّه من شره. فعصر جبريل بطنه، حتى خرج خلاؤه من فمه، فمات. وقال غيره: أشار جبريل، فامتحض رأسه قيحا. وقال غير الكلبي: هو عمر ابن الطلاطلة، وذلك باطل. 334- وقال الكلبي: سمعت من يقول هو الحارث بن الطلاطلة، وليس ذلك بشيء. وهم يغلطون بابن الغيطلة وابن الطلاطلة، فيجعلون هذا ذاك وذاك هذا. 335- وقد ذكر غير الواقدي: أن المستهزئين جميعا ماتوا في وقت واحد. وقول الواقدى أثبت.
ركانة بن عبد يزيد
336- وقال الواقدي: أليس موت من مات، وعمى من عمي، وما تهيأ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أسباب مفارقتهم كفاية له صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يزيد 337- قالوا: وكان ركانة بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب الشديد قدم من سفر له. فَأُخْبِرَ خَبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقيه في بعض جبال مكة، فقال: يا ابن أخي، قد بلغني عنك أمر، وما كنت عندي بكذاب. فإن صرعتني، علمت أنك صادق. فصرعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا. فأتى قريشا، فقال: يا هؤلاء، صاحبكم ساحر، فساحروا به من شئتم. 338- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بن عبد يزيد، وَكَانَ أَشَدَّ الْعَرَبِ، لَمْ يَصْرَعْهُ أَحَدٌ قَطُّ. فدعاه إلى إسلام. فَقَالَ: واللَّه لا أُسْلِمُ حَتَّى تَدْعُوَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ. وَكَانَتْ سَمْرَةً أَوْ طَلْحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّه. فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا. فَقَالَ رُكَانَةُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ سِحْرًا أَعْظَمَ، فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ. فَقَالَ: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّه. فَرَجَعَتْ. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، أَسْلِمْ. فَقَالَ: إِنْ صَرَعْتَنِي أَسْلَمْتُ، وَإِلا فَغَنَمِي لَكَ، وَإِنْ صَرَعْتُكَ، كَفَفْتَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. وَكَانَ رُكَانَةُ أَشَدَّ النَّاسِ، مَا صَرَعَهُ أَحَدٌ قَطُّ. فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَعَهُ ثلاثا. فقال: يابن الْعَمِّ، الْعَوْدَ. فَصَرَعَهُ أَيْضًا ثَلاثًا، فَقَالَ: أَسْلِمْ. فَقَالَ: لا. قَالَ: فَإِنِّي آخُذُ غَنَمَكَ. قَالَ: فَمَا تقول لقريش؟ قال: أقول صارعته، فصرعت فَأَخَذْتُ غَنَمَهُ. قَالَ: فَضَحْتَنِي وَخَزَيْتَنِي. قَالَ: فَمَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلْ لَهُمْ قَمَرْتُهُ. قَالَ: إِذًا أَكْذِبُ. قَالَ: أَوَ لَسْتَ فِي كَذِبٍ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إِلَى حِينِ تُمْسِي؟ قَالَ: خُذْ غَنَمَكَ. قَالَ: فَأَنْتَ واللَّه خَيْرٌ مِنِّي وَأَكْرَمُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ.
هبيرة بن أبى وهب
هبيرة بن أبي وهب 339- وكان هبيرة بن أبي وهب المخزومي ممن يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل إنه قتل يوم الخندق. ويقال إنه بقي إِلَى الفتح، فهرب إِلَى اليمن، فمات هناك كافرا. وذلك أثبت. ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم 340- روى عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه/ 71/ عمار بن ياسر، وخباب بن الأرتّ، وصهيب ابن سنان، وبلال بن رباح، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين. فتهزأ قريش بهم ويقول بعضهم لبعض: هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد من الله عليهم [1] من بيننا. فأنزل الله عز وجل فيهم: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [2] » . قال: وكانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة. فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار، ليرجعوا إلى دينهم. وفيهم نزلت: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [3] » . عمار بن ياسر: 341- فمنهم عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أحد بني عنس أخى مراد [4]
ابن مالك بن أدد بن زيد. وكان عنس يسمى زيدا. وكان كنية عمار (أبا) اليقظان، وكنية ياسر أبا عمار. ويقال: أبا عبد الله، وكان حليفا لبني مخزوم. 342- حدثني محمد بن سعد [1] ، عن هشام بن الكلبي وغيره قال: قدم ياسر بن عامر، وأخواه الحارث ومالك، مكة من اليمن يطلبون أخا لهم. فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خيّاط، فولدت له عمارا. فأعتقه أبو حذيفة، ولم ياسر. وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، وجاء الإسلام. فأسلم ياسر، وسمية، وعمار، وأخوه عبد الله بن ياسر. وكان لياسر ابن آخر، أكبر من عمار وعبد الله، يقال له حريث. فقتله بنو الديل في الجاهلية. وخلف على سمية، بعد ياسر، الأزرق، وكان روميا حدادا غلاما للحارث بن كلدة الثقفي. وهو ممن خرج يوم الطائف إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة، فعتقوا. فولدت سمية للأزرق قبل الإسلام سلمة بن الأزرق. وكان ياسر قد فارقها. فهو أخو عمار لأمه. ثم أدعى ولد سلمة- عمرو وعقبة- بنو الأزرق أنهم من ولد الحارث بن أبي شمر الغساني، وأنهم حلفاء لبني أمية. وشرفوا بمكة. وتزوج بعض ولد الأزرق في بني أمية. وعمرو وعقبة من غير سمية. 343- وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو [2] بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَزْرَقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نِسَاءً يَبْكِينَ فِي جَنَازَةٍ، فَزَجَرَهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا عُمَرُ، دَعْهُنَّ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ، وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ، وَالْعَهْدُ حَدِيثٌ.] وَقَاتَلَ عَمْرُو بْنُ الأزرق يوم بدر [3] مع المشركين، فأسر.
344- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: لَقِيتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ عَلَى بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. فَقُلْتُ لَهُ مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعَ كَلامَهُ. قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلامَ. فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا. ثُمَّ خَرَجْنَا مُسْتَخْفِينَ. فَكَانَ إِسْلامُ عَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ بَعْدَ إِسْلامِ بِضْعَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا. 345- حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ، عَنْ منصور، عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام أبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه قومه. وأما الآخرون فألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم. وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها. فهي أول شهيد في الإسلام. قال عبد الله بن محمد: بلغني أنها أغلظت له في القول، فأغضبته. 346- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [2] عن الواقدي، عن عثمان بن محمد/ 72/ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ، قَالَ: وَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِيهِ حَبَطٌ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَذِّبُنِي فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ. 347- قال الواقدي، وحدثني عثمان بن محمد في إسناده، قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول. وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول. وبلال، وعامر بن فهيرة، وقوم من المسلمين. وفيهم نزلت هذه الآية: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا
حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [1] » . قال الواقدي: إنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، وعثمان ابن مظعون. وكان أول من قدم المدينة. 348- حدثنا محمد بن حاتم المروزي، ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [2] » ، قال: هو عمار. 349- حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ [3] عَبْدِ الكريم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، فَعَذَّبُوهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [وَمَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: شَرٌّ، وَاللَّهِ، مَا تَرَكَنِي الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ. قَالَ: فَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ.] فَنَزَلَتْ فِيهِ: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» . 350- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي. فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: [أَخَذَكَ الْكُفَّارُ، فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ، فَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَادُوا، فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ] . 351- وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بن أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، وَقَالُوا: لا نُفَارِقُكَ أَبَدًا حَتَّى تَشْتُمَ مُحَمَّدًا، وَحَتَّى تَقُولَ اللاتُ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ. فَفَعَلَ. فَتَرَكُوهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَفْلَحَ وَجْهُكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا أَفْلَحَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: نِلْتُ مِنْكَ، وَزَعَمْتُ أَنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِكَ. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ، أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ فِي دِينِي. قَالَ: فَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ. قَالَ: فَعَمَّارٌ الَّذِي أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان.] والذى «شرح بالكفر صدرا [1] » ، عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. 352- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ الله بن جعفر الرقي، عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، في قوله «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» ، قال: ذاك عمار. وفي قوله «وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً» ، قال: عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. 353- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هاني: أنّ عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وَأَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ، وَسُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارٍ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ. [فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنْ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ.] فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ. وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لأَبِي جَهْلٍ، فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَمَاتَتْ. وَرُمِيَ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَقَطَ. 354- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ بِنَحْوِهِ. 355- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عن أبي ربيعة، عن الحسن، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِي: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَبِلالٍ] . 356- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: [أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 73/ فَقِيلَ لَهُ: وَقَعَ عَلَى عَمَّارٍ حَائِطٌ، فمات. فقال: ما مات عمار] .
357- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، ثنا شعبة، عَنْ قَيْس بْن مُسْلِمٍ، عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَتْ بَنُو عُطَارِدٍ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاهَ، وَأَمَدُّوا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ. فَخَرَجَ عَمَّارٌ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَقَدِمَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْغَنِيمَةِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الأَجْدَعُ- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ: «الْمُجْدَعُ» ، وَكَانَتْ أُذُنُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَتُرِيدُ أَنْ نَقْسِمَ لَكَ غَنِيمَتَنَا؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: عَيَّرْتَنِي بِخَيْرِ أُذُنَيَّ، وَأَحَبِّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ. فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ. فَكَتَبَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. 358- حَدَّثَنِي محمد بن سعد [1] ، عن الواقدي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ الْيِمَامَةِ عَلَى صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ، وَهُوَ يَصِيحُ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمِنَ الْجَنَّةِ تَفِرُّونَ؟ أَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. هَلُمُّوا إِلَيَّ» . وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تُذَبْذِبُ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ. 359- حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ مُسْتَمْلِي يَزِيدَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِعَمَّارٍ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ. 360- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو قَطَنٍ، قَالا ثنا القاسم بن الفضل الحراني، قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدَيَّ وَنَحْنُ نَتَمَاشَى بِالْبَطْحَاءِ، إِذْ أَتَيْنَا عَلَى أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ. وَهُمْ يُعَذَّبُونَ. فَقَالَ يَاسِرٌ: أَهَكَذَا يَكُونُ الدَّهْرُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اصْبِرْ، اللَّهُمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلت] .
361- حدثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عن عمرو (ابن) هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. أَوْ قَالَ: ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] . 362- حَدَّثَنِي أبو مُسْلِمٍ، عَنْ وَكِيعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: [وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] . 363- حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ، إِلا تَجِدْ مِنْ عِطْرِهِ، يَصِلْ إِلَيْكَ رِيحُهُ. وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ بِنَارِهِ، أَصَابَكَ مِنْ شَرَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ.» 364- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. 365- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ. 366- حدثنى إسحاق القروي أَبُو مُوسَى، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: [قُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قال: مؤمن [1] نشأ، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ] . 367- حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عن على بنحوه.
396- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [2] » ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. 369- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارًا مَوْضِعَ دَارِهِ. وَشَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 370- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مضرب العبدى، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا/ 74/ كِتَابُ [3] عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْكُوفَةِ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَى نَفْسِي. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ مَالِكُمْ، وَحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى السَّوَادِ. وَرَزَقْتُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً» . قَالَ: فَجَعَلَ شَطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْبَاقِي بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ. 371- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أبى هلال الراسبى، عن الحسن، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا وَلَّيْتُ عَمَّارًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [4] » . 372- حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، ثنا عَوَانَةُ- أَوْ قَالَ: أَبُو عَوَانَةَ- عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا، فَأَكْثَرُوا. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ الْكُوفَةَ. 373- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَقَاسَمَهُ مَالَهُ. وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ ياسر بعدّه.
374- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَخْطُبُ كُلَّ خَمِيسٍ، وَيَدَعُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِلأَمِيرِ، وَهُوَ عَمَّارٌ. 375- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا الْعَقَدِيُّ أَبُو عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ سَمِعَهُ، يَقُولُ: كَانَ عمارا عَلَيْنَا سَنَةً يَخْطُبُنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ. 376- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ: أَنَّ عَمَّارًا كَانَ إِذَا خَطَبَ، سَلَّمَ. 377- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ «يس [1] » . فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: وَمَا أَرَحْنَا مِنْ يَاسِينِكَ. 378- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي زُبَيْدَةَ عَبْثَرٍ، قَالَ: خَطَبَ عَمَّارٌ بِخُطْبَةٍ وَجِيزَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: لَوْ زِدْتَ فِي خُطْبَتِكَ؟ فَقَالَ: أُمِرْنَا بِتَقْصِيرِ الْخُطَبِ وَإِطَالَةِ الصَّلاةِ. قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [2] » ، فَيَنْزِلُ، فَيَسْجُدُ. 379- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، عن سفيان بن بشير بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ عمار: احدقوا هَذِهِ الصَّلاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. 380- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارًا قَرَأَ يَوْمَ جُمُعَةٍ «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ. 381- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ: أَنَّ عَمَّارًا كان لا يرى بأسا بالعراض [3] إذا قتل.
382- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: إِنَّا لَمَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ إِذْ عُرِضَ لَهُ حِمَارٌ وَحْشٌ، فَأَسْرَعْنَا إِلَيْهِ بِالرِّمَاحِ، فَطَعَنَّاهُ بِهَا. فَقَالَ عَمَّارٌ: وَاللَّهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى إِذَا رُئِيَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهَذَا، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ ليرى على أحدهم العمامة الحسينة فَتُعْجِبُهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ. 383- حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عن على ابن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: رَأَى عَمَّارٌ رَجُلا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ، فَأَخَذَ بِقَفَاهُ، فَحَطَّهُ عَلَى قِرَارِ الأرض، وقال: صلّ ها هنا. 384- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَوْرٍ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخَفَّافِ، عَنْ سَعِيدِ/ 75/ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَغْشَاهَا، وَظَنَّ أَنَّهُ لا طَلاقَ إِلا طَلاقُ السُّنَّةِ. فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: وَيْحَكَ إِنِّي قَدْ بِنْتُ مِنْكَ. فَأَتَى الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَمَّارًا، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا دُفْعَةً، ثُمَّ غَشِيَهَا؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، لَرَجَمْتُهُ. فَانْطَلَقَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَسَرَّحَهَا، وَقَالَ: كَانَتْ حَلالا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ ... لِي لَوْ لَمْ تُطَلَّقْ حَجَزَ التُّقَى عَنْهَا وَمَنْ ... لا يَتَّقِ الرَّحْمَنَ يَوْبَقْ 385- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَاةٍ مُصْلِيَةً فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَتَنَحَّى رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَادْنُ وَاطْعَمْ. 386- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ الْفَلاسُ، وَيُوسُفُ، عَنْ مُوسَى، ثنا جَرِيرٌ، عن أبى سنان، عن عبد الله ابن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: لَمَّا بَنَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ، قَالَ لِعَمَّارٍ: تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَى مَا بَنَيْتُ. فَنَظَرَ، وَقَالَ: بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ قَرِيبًا.
387- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: لا يَضْرِبُ رَجُلٌ عَبْدَهُ ظَالِمًا إِلا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. 388- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَبَدَتْ لَهُ حَيَّةٌ. فَنَزَلَ، فَضَرَبَهَا حَتَّى قَتَلَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ] . 389- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بن دكين، ثنا سفيان، عن أجلح، عن ابن أبى هذيل قال: رأيت عمار يَشْتَرِي قَتًّا [2] بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَزَادَ حَبْلا. فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَهُ: فَجَاذَبَهُ، حَتَّى قَاسَمَهُ إِيَّاهُ نِصْفَيْنِ. وَحَمَلَهُ عَمَّارٌ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ- أَوْ قَالَ: الْقَصْرُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ. 390- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أنبأ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقْطَعُ عَلَى لِحَافِ ثَعَالِبَ ثَوْبًا. 391- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا وُهَيْبٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سئل عمار عن مسئلة، فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تحشّمناها [4] لكم.
392- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: وَشَى بِعَمَّارٍ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيَّ، فَابْسُطْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْهُ مَوْطُوءَ الْعَقِبِ. 393- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، ثنا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قال: كأن عمارا مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ سُكُوتًا وَأَقَلِّهِمْ كَلامًا. وَكَانَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ. ثُمَّ عُرِضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ. 394- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعْيَمٍ، قَالا ثنا سَعْدٌ العبسى، عن بلال بن يحيى العبسى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ. لَنْ يَدَعَهَا حَتَّى يَمُوتُ أَوْ يُنْسِيَهُ الْهَرَمُ] » . 395- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: شَاتَمَ عَمَّارًا رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ، فَأَنَا كَتَارِكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَأَوْطَأَ الرِّجَالُ عَقِبَكَ» . 396- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ عَمَّارًا/ 76/ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا يَوْمَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَبْعَدَ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكِ فِيهِ أَمَرَكِ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ. فَقَالَتْ: «مَنْ هَذَا؟ أَبُو الْيَقْظَانِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّكَ، مَا علمت، تقول الحقّ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى لِي عَلَى لِسَانِكِ. 397- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، أنبأ أَبُو بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَحْرَقَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِالنَّارِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَمُرُّ بِهِ، فَيَمُرُّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَقُولُ: « [يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً [1] على عَمَّارٍ كَمَا كُنْتِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَا عَمَّارُ] » . 398- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا وُهَيْبٌ، ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: لما اتخذ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، جَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً. وَجَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: « [وَيْحَكَ، يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلك الفئة الباغية] » . 399- حدثنى المدائني، عن علي بن مجاهد، قال: وقع بين عبد الله بن مسعود وبين عمار بن ياسر تشاجر في شيء. فعجل عمار. فجلس ابن مسعود. فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه، فقال: أتجلس ابن أم عبد؟ فعزل عمارا، وولى الكوفة المغيرة بن شعبة. 400- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَمْرُو بن عون، أنبأ هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ- وَكَانَ يَأْمَنُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما- قال: بينا أنا عند معاوية إذا أَتَاهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ [3] عَمَّارٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لِتَطِبْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا لِصَاحِبِهِ بِرَأْسِ عَمَّارٍ، فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] . فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: «أَلا تُثْنِي عَنَّا مَجْنُونَكَ هَذَا؟ فَلِمَ يُقَاتِلُ مَعَنَا إِذًا» فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِطَاعَةِ أَبِي، فَأَنَا مَعَكُمْ، ولست أقاتل.
401- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، قَالا ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بِصِفِّينَ، وَعِنْدَهُ شَاعِرٌ يُنْشِدُ هِجَاءً فِي مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمَّارٌ يَقُولُ: «أَلْصِقْ بِالْعَجُوزَيْنِ» . فَقَالَ رَجُلٌ: أَيُقَالُ عِنْدَكُمُ الشِّعْرُ وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بدر؟ فقال: إنا لما هجا الْمُشْرِكُونَ، شَكَوْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: قُولُوا كَمَا يَقُولُونَ لكم. فإنا كُنَّا لَنُعَلِّمَهُ الإِمَاءَ بِالْمَدِينَةِ] . 402- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [مَا عُرِضَ عَلَى ابْنِ سُمَيَّةَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا] . 403- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: ثَلاثٌ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ. 404- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عبد الرحمن ابن زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ، بينه وبين عمرو بن العاص، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَتِ، [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعمار: «ويحك يابن سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . قَالَ،] فَقَالَ عَمْرٌو لمعاوية: ألا/ 77/ تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: «ما تزال تأتينا بهنة تدحض بها فِي قَوْلِكَ. أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جاؤا بِهِ» . 405- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عبد الله ابن الحارث بمثله.
406- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لعمار رضى الله تعالى عَنْهُمَا: أَسَاءَكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءَنِي اسْتِعْمَالُكَ إِيَّايَ، وَسَاءَنِي عَزْلُكَ. 407- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عن أبيه، عن عمارة، عن (ابن) خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: شَهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَمَلَ، فَلَمْ يَسُلَّ سَيْفًا. وَشَهِدَ صِفِّينَ، فَقَالَ: لا أُقَاتِلُ أَبَدًا حَتَّى يُقْتَلَ عَمَّارٌ، فَأَنْظُرُ مَنْ يَقْتُلُهُ؟ [فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] » . فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، قَالَ خُزَيْمَةُ: قَدْ أَبَانَتْ لِيَ الضَّلالَةَ. ثُمَّ اقْتَرَبَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: أَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ. طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، فَسَقَطَ. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ فِي مَحَفَّةٍ. فَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سنة. فلما وقع، أكب عليه رجل آخر فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. فَاخْتَصَمَا فِيهِ. فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ مَا يَخْتَصِمَانِ إِلا فِي النَّارِ [2] . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتَقُولُ هَذَا لِقَوْمٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ دُونَنَا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ وَاللَّهِ ذَاكَ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً. 408- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، دَخَلَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فُسْطَاطَهُ، فَشَنَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَطَرَحَ عَلَيْهِ سِلاحَهُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. 409- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْمِيلادِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أَقْبَلَ إِلَيْهِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلانِيُّ، وَشَرِيكُ بْنُ سلمة المرادى.
فَانْتَهَوْا إِلَيْهِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَهُ حِينَ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، حَتَّى أَصَابَهُ الفشق. وَيُقَالُ: بَلِ الَّذِي قَتَلَهُ عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلانِيُّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ أَهْلُ الشَّامِ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: حُوَيُّ بْنُ مَاتِعِ بْنِ زرعة بن محض السَّكْسَكِيُّ، مِنْ كِنْدَةَ. قَالَ: وَغَيْرُهُ يَقُولُ: قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ. 410- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدورقي، ثنا أبو داود الطيالسي، أنبأ شعبة، أَنْبَأَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ، فِي يَدِهِ الْحَرْبَةُ، وَإِنَّهَا لَتَرْعَدُ. فَنَظَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ رَايَةٌ قَدْ قَاتَلْتُهَا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ. وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا [1] بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَرَفْتُ أَنَّ مصلحتنا [2] عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلالِ. 411- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا موسى بن قيس الحضرمى، عن سلمة ابن كُهَيْلٍ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ الْبَارِقَةِ. الظَّمْآنُ قَدْ يَرِدُ الْمَاءَ. الْمَاءُ مَوْرُودٌ. الْيَوْمَ أَلْقَى الأَحِبَّةَ: مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ. وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يُبَلِّغُونَا [4] سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَلِمْتُ أَنَّا عَلَى حَقٍّ وَأَنَّهُمْ عَلَى بَاطِلٍ. وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلَتْ هَذِهِ الرَّايَةُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما هَذِهِ الْمَرَّةُ بِأَبَرِّهِنَّ وَلا أَنْقَاهُنَّ [5] » . 412- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ مَوْلاةِ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عَمَّارٌ، وَالرَّايَةُ مَعَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ، وَقَدْ قاتل
أَصْحَابُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَعَمَّارٌ مِنْ وَرَاءِ هَاشِمٍ، وَقَدْ جَنَحَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ. وَمَعَ عَمَّارٍ ضَيْحٌ مِنْ لَبَنٍ. فَقَالَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، وَشَرِبَ الضَّيْحَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ: آخِرُ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا ضَيْحٌ مِنْ لَبَنٍ.] / 78/ قَالَتْ: ثُمَّ اقْتَرَبَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. 413- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَى عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ بِلَبَنٍ، فَضَحِكَ وَقَالَ: [قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حَتَّى تَمُوتَ شَرْبَةُ لَبَنٍ] » . 414- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يوم صفّين: «ايتوني بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا فِي الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ] » . فَأَتَى بِلَبَنٍ، فَشَرِبَهُ. ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. 415- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ. فَقَالَ الآذنُ: هَذَا أَبُو الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيُّ بِالْبَابِ. فَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: أَدْخِلُوهُ. فَدَخَلَ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ لَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ طُوَالٌ، ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَلَمَّا دَخَلَ، قَعَدَ. قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: بِيَمِينِكَ؟ قَالَ: لِمَ؟ وَذَكَرَ كَلامًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا كُنَّا نَعُدُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فينا حنانا. فبينا أنا في مسجد قباء، إِذَا هُوَ يَقُولُ: «إِنْ نَعْثَلا هَذَا» يَعْنِي عُثْمَانَ. فَقُلْتُ: لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا، لَوَطِئْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ. وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، إِنْ تَشَأْ تُمَكِّنِّي مِنْ عَمَّارٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، أَقْبَلَ فِي أَوَّلِ الْكَتِيبَةِ. حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، أَبْصَرَ رَجُلٌ عَوْرَةً مِنْهُ، فَطَعَنَهُ فِي رُكْبَتِهِ بِالرُّمْحِ، فَعَثَرَ فَانْكَشَفَ الْمِغْفَرُ عَنْهُ. فَضَرَبْتُهُ، فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ. قَالَ: فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَبْيَنَ ضَلالَةٍ عِنْدِي مِنْهُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعَهُ، ثُمَّ قتل عمارا.
وَاسْتَسْقَى أَبُو غَادِيَةَ مَاءً. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي زُجَاجٍ. فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي خَزَفٍ. فَقَالَ رَجُلٌ بِالنِّبْطِيَّةِ [1] : «يَتَوَرَّعُ عَنِ الشُّرْبِ فِي زُجَاجٍ، وَلَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ قَتْلِ عَمَّارٍ» . 416- وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةُ، أنبأ كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقَعُ فِي عُثْمَانَ وَيَشْتُمُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ. فَقِيلَ: هَذَا عَمَّارٌ. فَرَأَيْتُ فُرْجَةً بَيْنَ الرَّانَيْنِ [3] وَبَيْنَ السَّاقَيْنِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ. فَوَقَعَ، فَقَتَلْتُهُ. فَقِيلَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. 417- وَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ.] فَقِيلَ لِعَمْرٍو: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وها أنت قَاتِلُهُ. قَالَ: إِنَّمَا قَالَ «قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ» . 418- وقال الواقدي في إسناد له: حمل على عمار حوىّ السكسكى وأبو الغادية المرّى، فقتلاه. فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف [4] إلينا في الكتيبة، دلفنا إليه. فنادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك. ثم بارز رجلا من حمير. فقتله عمار. وأثخن الحميري عمارا. ونادى: هل من مبارز؟ فاختلفنا ضربتين، واضطربت يد عمار، فضربته بسيفي حتى برد. ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان، قتلك الله. فقال له محمد بن المنتشر: خصمك، يا با الغادية، مازندر [5] ، يعني ضخما. فضحك. وكان أبو الغادية شيخا كبيرا جسيما آدم.
419-[وقال على عليه السلام: إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ما يذكر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا الجنة. عمار مع الحق أين دار. وقاتل عمار في النار] . 420- حدثني الحسين بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب [1] ابن أبي ثابت قال: قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل. 421- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّ رَجُلا، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ. فَقَالَ: قَدْ/ 79/ كَانَ يُحِبُّكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ. فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَحَبَّنِي أَمْ تَأَلَّفَنِي، لَكِنَّا كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّ رَجُلا. قَالَ: فَمَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. قَالُوا: فَذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ قَتَلْنَاهُ. 422- وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: كَانَ أَبُو الْغَادِيَةِ عَامِلِيًّا. وَأَثْبَتُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُرِّيٌّ. 423- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ عَمَّارٌ آدَمَ، طُوَالا، مُضْطَرِبًا، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَدُفِنَ بِصِفِّينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. 424- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى عَلَى عمار وهاشم بن عتبة، فجعل عمار مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَ ذَلِكَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تكبيرا واحدا.
خباب بن الأرت
425- وحدثنا بشر بن الوليد، ثنا أبو يوسف، عن الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ. 426- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ شَهِدُوا عَمَّارًا قَالَ: لا تُغَسِّلُوا عَنِّي دَمًا فَإِنِّي مُخَاصِمٌ. 427- وروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال: رحم الله أبا اليقظان، فإني أرى أنه لو شارك أيوب عليه السلام في بلائه، صبر معه. خباب بن الأرت 428- قالوا: كان الأرت سواديا. فأغار قوم من ربيعة على الناحية التي كان فيها، فسبوه وأتوا به الحجاز، فباعوه. فوقع إلى سباع بن عبد العزى الخزاعي، حليف بني زهرة. وابنة [2] عبد الله بن سباع هذا، هي أم طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر. فوهبه لأم أنمار بنت سباع، فأعتقته. وسباع هذا، هو الذى بارزه حمزة رضى الله تعالى عنه: «إلى يابن مقطعة البظور» . فقتله حمزة. وكانت أمه قابلة بمكة. ويقال: إن اسمها أيضا أم أنمار. 429- وقال الهيثم بن عدي: كان أبو خباب من أهل كسكر. ويقال: إنه كان من سواد الكوفة. 430- وزعم أبو اليقظان البصري: أن خباب بن الأرت كان أخا سباع لأمه. فانضم خباب إلى آل سباع، فادّعى حلف بنى زهرة.
431- وخباب- فيما يقول ولده- بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. وأنه وقع عليه سباء، فصار إلى أم أنمار مولاته، فأعتقته. وأنه كانت به رتة. قال الواقدي: كان ألكن إذا تكلم بالعربية. فسمي الأرت. 432- وقال الواقدي: أسلم خباب، وكان قينا بمكة. ويكنى أبا عبد ربه. 433- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرْدُوسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَلا إِنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ أَسْلَمَ سَادِسَ ستة. 434- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قال: أسلم خبّاب مع بنى مظعون وأبى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قبل دخول دار الأرقم. 435- وحدثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالا ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْطَوْهُمْ [2] مَا أَرَادُوا. قَالَ يُوسُفُ فِي حَدِيثِهِ: حِينَ عُذِّبُوا إِلا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ، فَجَعَلُوا يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالأَرْضِ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى ذَهَبَ مَاءُ مَتْنِهِ. 436- وقال الواقدي: جاء خباب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا ما أصابه. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: [لقد كان الرجل ممن قبلكم يمشط بأمشاط الحديد حتى يخلص إلى ما دون عظمه من لحم وعصب، ويشقّ بالمئآشير، فلا يرده ذلك عن دينه. وأنتم تعجلون. والله، ليمضين هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله وحده، والذئب على غنمه] . 437- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دين. فأتيته أقتضيه. فقال لي:
لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لَنْ أَكْفُرَ حَتَّى تَمُوتَ وَتُبْعَثَ. قَالَ: «وَأَنِّي لَمَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَسَوْفَ أَقْضِيكَ/ 80/ إِذْ رَجَعْتَ إِلَيَّ مَالِي وَوَلَدِي» . فَنَزَلَتْ فِيهِ: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً» ، إلى قوله «فَرْداً [1] » . 438- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ [2] ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس بنحوه وقوله «سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ [3] » ، يَعْنِي مَالَهُ وَوَلَدَهُ. 439- وقال الواقدي: كان خباب ممن شهد بدرا. ولم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم. ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر خباب، نزل والمقداد ابن عمرو على كلثوم بن الهدم، فلم يبرحا منزله حتى توفي قبل بدر بيسير. فتحولا، فنزلا على سعد بن عبادة. فلم يزالا عنده حتى فتحت قريظة. وآخا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خباب وجبر بن عتيك بن (الحارث بن) [4] قيس بن هيشة الأوسي. ولم يتخلف عن مشهد من مشاهد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 440- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه، فقال: ادْنُهُ، ادْنُهُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ لَمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ. 441- حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنْزِيُّ أَخُو مِنْدَلٍ، ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ عَلَى عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عنه،
فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. فَقَالَ خَبَّابٌ: وَمَنْ هُوَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِلالٌ. قَالَ خَبَّابٌ: لَيْسَ هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي [1] أَحَدٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا وَقَدْ أَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي، فَمَا أَتَيْتُ الأَرْضَ إِلا بِظَهْرِي. ثم كشف خباب عن ظهره له. فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ. 442- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابٍ أَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا [أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ] » ، لَتَمَنَّيْتُهُ. قَالَ: وَأُتِيَ بِكَفَنِهِ قُبَاطِيٍّ. فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِذَا مُدَّتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَصُرَتْ عَنْ رَأْسِهِ، وَإِذَا مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ قَصُرَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ حَتَّى جُعِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَمْلِكُ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّ فِي بَيْتِي فِي تَابُوتٍ لأَرْبَعِينَ أَلْفِ وَافٍ. وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا. 443- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعًا [3] . وَقَالَ: لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ. 444- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْلَفُهُ وَيَأْتِيهِ. فَأُخْبِرَتْ بِذَلِكَ مَوْلاتُهُ، فَكَانَتْ تَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ وَقَدْ أَحْمَتْهَا، فَتَضَعُهَا
عَلَى رَأْسِهِ. فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّابًا.] فاشتكت مولاته رأسها- وهي أم أنمار- فَكَانَتْ تَعْوِي مَعَ الْكِلابِ. فَقِيلَ لَهَا: اكْتَوِي. فَكَانَ خَبَّابٌ يَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ قَدْ أَحْمَاهَا، فَكَانَ يَكْوِي بِهَا رَأْسَهَا. 445- قال الواقدي: أتى خباب الكوفة حين اختطها المسلمون، فابتنى بها دارا، وتوفي بها سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وصلى عليه علي بن أبي طالب منصرفه من صفين. 446- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ النَّخَعِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ بِالْكُوفَةِ فِي جَبَابِينِهِمْ. فَلَمَّا ثَقُلَ خَبَّابٌ/ 81/ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِذَا أَنَا مِتُّ، فَادْفِنِّي بِهَذَا الظَّهْرِ، فَإِنَّكَ لَوْ دفنتى بِهِ قِيلَ: دُفِنَ بِهَذَا الظَّهْرِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فَدَفَنَ النَّاسُ مَوْتَاهُمْ بِالظَّهْرِ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ، دَفَنَهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ. فَكَانَ أَوَّلَ مَدْفُونٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ. 447- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده، قال: كان الذي يعذب خبابا حين أسلم وَلازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عتبة بن أبي وقاص، أخا سَعْد بْن [2] أَبِي وقاص. واسم أَبِي وقاص مالك بن أهيب ابن عبد مناف بن زهرة. ويقال: إن الذي كان يعذّبه، وهو الثبت، الأسود ابن عبد يغوث. 448- قال: وكان، فيما ذكر بعض ولده، ربعة، جيد الألواح، عريض ما بين المنكبين، عظيم الهامة، كثّ اللحية.
صهيب بن سنان
449- وزعم بعض الرواة: أن خبابا كان مولى لعتبة بن ربيعة. وذلك باطل. 450- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم: أن خبابا كان يكنى أبا عبد الله. صهيب بن سنان 451- قال الكلبي: صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ابن عامر بن جندلة بن جذيمة [1] بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط. وأمه سلمى بنت قعيد، من بني تميم. 452- وقال الواقدي: كان إسلام صهيب مع عمار في دار الأرقم بن أبي الأرقم. وقال بعض الرواة: كان اسم صهيب: عميرة بن سنان. قالوا: وكناه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل أن يولد له، أبا يحيى. وليست له كنية غيرها. 453- وقال الكلبي وغيره: كان سنان عاملا لكسرى على الأبلة [2] من قبل النعمان بن المنذر. وكانت منازلهم بأرض الموصل. ويقال: كانوا في قرية على شاطئ الفرات مما يلي الجزيرة. فأغارت الروم على ناحيتهم، فسبت صهيبا وهو غلام صغير. فنشأ بالروم، فصار ألكن. فابتاعه رجل من كلب، فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بن كعب. فاسترقه، ثم أعتقه. فأقام معه إلى أن هلك. وكان مهلك ابن جدعان قبل المبعث ببضع عشرة سنة. ولم يزل صهيب مع آل جدعان إلى أن بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأسلم. وأما أهل صهيب وولده، فيقولون: لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل، هرب من الروم، فسقط إلى مكة، فحالف ابن جدعان وأقام معه إلى أن هلك. وأن صهيبا كان أحمر شديد الحمرة، فسمي روميا لذلك، ولأنه سقط إلى الروم. وقال المدائني: سبته العرب، فوقع إلى مكة، ولم يدخل الروم قط. وإنما سمي روميا لحمرته.
454- حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن معروف الخزري، عن محمد بن سيرين قال: صهيب من العرب، من النمر بن قاسط. 455- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالُوا ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ عُلَيَّةَ [1]- أنبأ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقٌ الرُّومَ] . 456- حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ: أنبأ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَرَّ صُهَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: انْظُرُوا إِلَى الأرذال، أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟ فَنَزَلَتِ الآيَةُ [2] . 457- حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ الْمُؤَدِّبُ الرَّقِّيُّ، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُكَنَّى (أَبَا) يَحْيَى. فَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ/ 82/ «يَا صُهَيْبُ، مَا بَالُكَ تَتَكَنَّى، وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ؟ وَتَقُولُ إِنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّومِيِّ. وَتُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ وَذَلِكَ سَرَفٌ فِي الْمَالِ» . فَقَالَ صُهَيْبٌ: «أَمَّا الْكُنْيَةُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي أَبَا يَحْيَى. وَأَمَّا النَّسَبُ فَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ. وَلَكِنَّ الرُّومَ سَبَوْنِي صَغِيرًا بَعْدَ أَنْ عَقِلْتُ أَهْلِي وَقَوْمِي وَعَلِمْتُ نَسَبِي. وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ النَّاسَ، وَأَفْشَى السَّلامَ.] فَذَلِكَ الَّذِي يَحْمِلُنِي عَلَى إِطْعَامِهِ» . 458- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة، قال: كان صهيب من المستضعفين، من المؤمنين الذين كانوا يعذّبون في الله.
459- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زيد، عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَنَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَرْمَاكُمْ رَجُلا. وَاللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. فَافْعَلُوا ما شئتم. وإن شِئْتُمْ، دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي؟» قَالُوا: نَعَمْ. فَفَعَلَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ.] قَالَ: وَنَزَلَتْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [1] » . 460- حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، أنبأ عَوْفٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حين أراد الهجرة إلى المدينة، قالت لَهُ قُرَيْشٌ: «أَتَيْتَنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا وَبَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْطَلِقَ بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ، وَاللَّهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ. قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ تَرَكْتُ مَالِي لَكُمْ أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ» . [فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.] وَنَزَلَتْ فِيهِ: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآيَةَ [2] . 461- وقال الواقدي: قدم صهيب آخر الناس مع علي بن أبي طالب عليه السلام. وذلك للنصف من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء. ولم يرم بعد. فوافى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وبين أيديهم رطب قد جاءهم به كلثوم بن الهدم: أمهات جراذين [3] . وكان صهيب رمد العين، قد رمد في الطريق، وأصابته مجاعة شديدة. فجعل يأكل
الرطب أكل جائع. فقال عمر: يا رسول الله، ألا ترى إلى صهيب يأكل الرطب وهو رمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا صهيب، أتأكل الرطب وأنت رمد؟ فقال صهيب: إنما آكله بعيني الصحيحة. فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال صهيب: إن قريشا أخذتني وحبستني، فاشتريت نفسي وأهلي بمالي، وبادرت للهجرة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربح البيع] . وأنزل الله عز وجل: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآية [1] . 462- قالوا: وشهد صهيب بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 463- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: هَلُمُّوا: أُحَدِّثْكُمْ عَنْ مَغَازِينَا، فَأَمَّا أَنْ أَقُولَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَلا. 464- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ عَامِرِ بن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَهْلِ الشُّورَى فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ: «وَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ» . 465- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ [5] مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لما تُوُفِّيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ/ 83/ بِأَمْرِ عمر. فقدّموه. فصلى على عمر.
بلال بن رباح
466- وقال- الواقدي: توفي صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين. وكان وجلا أحمر شديد الحمرة، ليس بالقصير ولا الطويل، وهو إلى القصر أقرب. وتوفي ابن سبعين سنة. وكان يخضب بالحناء. وكان كثير شعر الرأس. ودفن بالبقيع. 467- وحدثني رجل من ولد صهيب، عن أشياخه: أن صهيبا مر بقريش، ومعه خباب بن الأرت، وعمار بن ياسر. فقالوا: هؤلاء جلساء محمد. وجعلوا يهزءون. فقال صهيب: نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك. فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا؟ [1] بلال بن رباح 468- قالوا: كان رباح حبشيا وسبيا. وكان ابنه بلال من مولدي السراة. وكانت أمه حمامة سبية أيضا. وكانت تلقب سكينة. وأسلم بلال قديما في أول ما دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان بلال يكنى أبا عبد الله. فصار بلال لامية بن خلف بن وهب الجمحي. 469- وقد سمعت من يقول: إن بلالا من مولدي بني جمح. فكان أمية يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ويقول له: لا تزال والله كذا حتى تفارق دين محمد. فيقول بلال: أحد أحد. ويضع أمية في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه. فمر بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يوما وهو يعذب. فقال له: يا أمية، أما تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال أمية: أنت أفسدته، فأنقذه. وكان بلال تربا لأبي بكر، وأحد من دعاه أبو بكر رضي الله عنه إلى الإسلام. فقال أبو بكر: عندي [2] غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطيك
إياه ثمنا لبلال. قال: قد قبلت. فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ بلالا فأعتقه. وصار مولى لأبى بكر رضى الله تعالى عنهما. 470- وحدثنى بَكْرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ أو الْكَلْبِيِّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: مَرَرْتُ ببلال وهو يعذّب في الرمضاء لو أَنْ بِضْعَةَ لَحْمٍ وُضِعَتْ لَنَضَجَتْ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا كَافِرٌ بِاللاتِ وَالْعُزَّى، وَأُمَيَّةَ مُغْتَاظٌ عَلَيْهِ فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيذهب خلقه فيغشى عليه، ثم يفيق. 471- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: حَجَجْتُ- أَوْ قَالَ: اعْتَمَرْتُ- فَرَأَيْتُ بِلالا فِي حَبْلٍ طَوِيلٍ، تَمُدُّهُ الصِّبْيَانُ، وَمَعَهُ فِيهِ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [1] ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ أَنَا أَكْفُرُ بِاللاتِ وَالْعُزَّى وَهُبَلَ وَسَافَ وَنَائِلَةَ وَبَوَانَةَ. فأضجعه أمية في الرمضاء. 472- وحدثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَعَلُوا فِي عُنُقِ بِلالٍ حَبْلا، وَأَمَرُوا صِبْيَانَهُمْ أَنْ يَشْتَدُّوا بِهِ بَيْنَ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ، يَعْنِي جَبَلَيْهَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. 473- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة قال: كان بلال من المستضعفين من المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه. فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون [3] . وكان الذي يعذبه أمية بن خلف الجمحي. 474- حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْغَنَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ بِلالٌ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ قَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَيَقُولُونَ لَهُ: قُلْ
كَمَا نَقُولُ. فَيَقُولُ: إِنَّ لِسَانِي لا يَنْطَلِقُ بِهِ وَلا يُحْسِنُهُ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيَّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ بِلالا لَمَّا أَسْلَمَ، أَخَذَهُ أَهْلُهُ، فَقَمَطُوهُ [1] وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْبَطْحَاءِ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: رَبُّكَ اللاتُ وَالْعُزَّى/ 84/ فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَتَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: عَلامَ تُعَذِّبُونَ هَذَا الإِنْسَانَ؟ فَاشْتَرَاهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ وَأَعْتَقَهُ. فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدِ اشْتَرَاهُ. فَقَالَ: الشِّرْكَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. 475- وَرُوِيَ أَنَّ بِلالا قَالَ: أَعْطَشُونِي يَوْمًا وَلْيَلَةً، ثُمَّ أَخْرَجُونِي فَعَذَّبُونِي في الرمضاء في يوم حارّ. 476- وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، أنبأ الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلالا بِخَمْسِ أَوَاقٍ [3] . 477- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو صَالِحٍ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالا ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا» يَعْنِي بِلالا. 478- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِلالٌ سَابِقٌ الْحَبَشَةَ] . 479- وقال الكلبي: كان بلال يعذب ليرجع إلى الكفر، فيقول: أحد أحد. فمر به ورقة بن نوفل، فقال: أي والله أحد أحد. وقال: لا تعبدون إلها غير ربكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد مسخر كل ما تحت السماء له ... لا ينبغي أن يسامي ملكه أحد
480- حدثني شجاع بن مخلد الفلاس [1] ويوسف بن موسى القطان، قالا أنبأ معمر بن عبد الحميد، عن ليث، عن مجاهد في قوله: «وَقالُوا مَا لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [2] » ، قال: يقول أبو جهل: «أين بلال، أين عمار، أين صهيب، أين خباب، أين فلان؟ كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار ونتخذهم سخريا. لا نراهم في النار، أم زاغت عنهم أبصارنا؟ فليس نرى مكانهم في النار» . 481- وقال الواقدي: لما هاجر بلال، نزل على سعد بن خيثمة. وقال: يقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخا بين بلال وأبي رويحة الخثعمي. وليس ذلك بثبت. ولم يشهد أبو رويحة بدرا. وكان محمد بن إسحاق [3] يثبت مؤاخاة بلال وأبي رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي. 482- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عبيد الطنافسي، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من أذن بلال. 483- حَدَّثَنِي محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن موسى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ بِلالٌ إِذَا فَرَغَ مِنَ الأَذَانِ وَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ أَذَّنَ، وَقَفَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ، ابْتَدَأَ فِي الإِقَامَةِ. 484- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بِلالا صَعِدَ لِيُؤَذِّنَ وَهُوَ يَقُولُ [6] : مَا لِبِلالٍ ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ ... وابتل من نضح دم جبينه
485- وقال الواقدي: كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى العيد، فيركزها بين يديه. والمصلي يومئذ فضاء. 486- حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، فَيُؤَخِّرُ الإِقَامَةَ قَلِيلا. أَوْ قَالَ: وَرُبَّمَا أَخَّرَ الإِقَامَةَ. وَلا يَخْرُجُ فِي الأَذَانِ عَنِ الوقت. 487- حدثنا خلف البزاز، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرُ الإِقَامَةَ. 488- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعِيدِ وَفِي الاسْتِسْقَاءِ. 489- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنْ إسماعيل، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ آبَائِهِمْ/ 85/ وَأَجْدَادِهِمْ أَنَّ النَّجَاشِيَّ الْحَبَشِيَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ عَنْزَاتٍ. فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً، وَأَعْطَى عمر واحدة، وأعطى عليا واحدة. 490- قال الواقدي: فمشى بالعنزة بَيْنَ يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بين يدي أبي بكر: بلال. ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر، وعثمان في العيدين، فيركزها بين أيديهما. ويصليان إليها. وهي العنزة التي يمشى بها اليوم بين يدي الولاة. قال الواقدي: ويقال إن الزبير بن العوام قاتل بين يدي النجاشي عدوا له، فأبلى. فوهب له العنزة.
491- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنبأ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ: مَا أَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ مَنْفَعَةً؟ فَقَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلا أَتَرَجَّى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا تَامًّا قَطُّ فِي لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ إِلا صَلَّيْتُ لِرَبِّي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ: [فَإِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ- أَوْ قَالَ: خَشْفَ نَفْلَيْكَ- فِي الْجَنَّةِ بَيْنَ يَدَيَّ] . 492- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عن هرير ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [يَا بِلالُ نَوِّرْ بِالْفَجْرِ قَدْرَ مَا يُبْصِرُ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ] . 493- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ بِلالا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، أَلا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، ثَلاثًا. 494- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أن بلالا تزوج امرأة من سبى، عَرَبِيَّةً، مِنْ بَنِي زُهْرَةَ. 495- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أنبأ شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَطَبَ بِلالٌ وأخوه إلى أهل بيت من البر، فَقَالَ: «أَنَا بِلالٌ وَهَذَا أَخِي عَبْدَانُ مِنَ الْحَبَشَةِ، كُنَّا ضَالَّيْنِ فَهَدَانَا اللَّهِ، وَكُنَّا عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَنَا اللَّهُ. إِنْ تُنْكِحُونَا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِنْ تَمْنَعُونَا فَاللَّهُ أَكْبَرُ» . 496- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنِي أُمَيٌّ أَنَّ أَخًا لِبِلالٍ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى الْعَرَبِ، فَخَطَبَ امرأة منهم. فقالوا: إن
حَضَرَ بِلالٌ، زَوَّجْنَاكَ. قَالَ: فَحَضَرَ بِلالٌ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا بِلالُ بْنُ رَبَاحٍ وَهَذَا أَخِي، وَهُوَ رَجُلٌ سُوقِيُّ الْخُلُقِ وَالدِّينِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَزَوِّجُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَدَعُوهُ. قَالُوا: مَنْ تَكُنْ أَخَاهُ فَإِنَّا نُزَوِّجُهُ. فَزَوَّجُوهُ. 497- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدْيَكٍ الْمَدَنِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ بَنِي الْبُكَيْرِ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا لَهُ: زَوِّجْ أُخْتَنَا فُلانًا. فَقَالَ لَهُمْ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِلالٍ؟ ثُمَّ جَاءُوا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحْ أُخْتَنَا فُلانًا. فَقَالَ: [أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِلالٍ، أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: فَأَنْكَحُوهُ] . 498- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عبد الرحمن بن ميسرة قال: كان أناس يَأْتُونَ بِلالا فَيَذْكُرُونَ فَضْلَهُ وَمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ. فَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا حَبَشِيٌّ، كُنْتُ بِالأَمْسِ عَبْدًا. 499- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أنبأ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْتَهَى بِلالٌ إِلَى قَوْمٍ يَتَنَازَعُونَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَبِلالٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ. 500- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ، وَهُوَ في قبة حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ بِلالٌ بِفَضْلِ وُضُوئِهِ. ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ. فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي يَمِينًا وَشِمَالا. ثُمَّ رُكِزَتْ عَنَزَةٌ. وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ حَمْرَاءُ. فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. قَالَ: فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ الظُّهْرَ- أَوْ قَالَ: الْعَصْرَ- رَكْعَتَيْنِ. وَجَعَلَ يَمُرُّ الْكَلْبُ/ 86/ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَلا يَمْنَعُ. فَلَمْ تَزَلِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ [3] .
501- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلالا سَمِعَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ تُقَاتِلُونَ؟ أَلا تَذْكُرُونَ اللَّبَنَ؟ [1] فَقَالَ بِلالٌ: أُمَيَّةُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ. وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ، ثُمَّ خَطَمَهُ بِالسَّيْفِ فَجَدَعَهُ، فَمَاتَ. 502- وقال الواقدي وإبراهيم بن سعد وغيرهما: لما كان يوم بدر، رأى أمية بن خلف، عبد الرحمن بن عوف وكان صديقه. فقال له: يا عبد عمرو. وكان اسمه في الجاهلية. فلم يكلمه. فقال له: يا عبد الإله. قال عبد الرحمن: فالتفتّ، فإذا أنا بأمية وابنه علي، وبه كان يكنى. وقد أخذ بيد ابنه. ومعي أدراع قد استلبتها. وكان مشرفا على الأسر. فسأله أن يطلب له الأمان، وقال: أما لكم حاجة في اللبن [2] ؟ (يعني الفداء) ، نحن خير [3] لكم من أدراعك. فقلت: امضيا، وأقبلت أسوقهما. فبصر بلال بأمية، فقال: يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجوت. قال عبد الرحمن: فاقتتلوا كأنهم عوذ [4] حنت إلى أولادها 1/ 217، فأحاطوا [5] بأمية حتى صار في مثل المسكة. فأقبل الحباب بن المنذر، وقد اضطجعت عليه، فأدخل سيفا فقطع أربيته [6] . فقمت عنه. وضربه خبيب ابن يساف حتى قتله. وضربه بلال ضربة صرعته. وضرب أمية خبيبا، فقطع يده من المنكب، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فالتحمت وصلحت. وتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أمية [7] بن خلف، فرأت أثر الضربة، فقالت: لا أشل الله يدا ضربتك. فقال: وأنا فقد أوردته شعوب [8] . وقتل عليا ابنه: الحباب بن المنذر وعمار بن ياسر.
503- وقد روي أيضا أن رفاعة بن رافع طاعن أمية وسايفه، ثم بدا له فتق في درعه تحت إبطه. فوجأه بالسيف، فقتله. والأول أثبت خبر روي في قتله. 504- قال الواقدي: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر بعد. فكان إذا قال «أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله» ، انتحب الناس في المسجد. فلما دفن، قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أذن. فقال: إن كنت إنما أعتقتني لله، فخلني ومن أعتقتنى له. فقال له: ما أعتقتك إلا لله. فقال: فإني لا أؤذن لأحد بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فذاك إليك. فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم. 505- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ لَهُ بِلالٍ: يا با بَكْرٍ. قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ أَمْ لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: لِلَّهِ. قَالَ: فَائْذَنْ لِي حَتَّى أَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَذِنَ لَهُ. فَأَتَى الشَّامَ، فَمَاتَ بِهَا. 506- وروي أن بلالا قال لأبي بكر: يا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله،] فائذن لي. فقال أبو بكر: أنشدك الله وحرمتي وحقي، فقد كبرت سني وضعفت واقترب أجلي. فأقام مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر. ثم جاء إلى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ كما قال لأبي بكر. فرد عليه عمر نحوا مما رد أبو بكر. فأبى بلال عليه المقام. فقال عمر: فإلى من ترى أجعل النداء؟ قال: إلى سعد القرظ، فإنه قد أُذِنَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدعا عمر سعدا، فجعل الأذان إليه. 507- حدثنى بعض القرشيين قال: لما دون عمر الدواوين بالشام، سأل بلال أن يجعل ديوانه مع أبى رويحة
عامر بن فهيرة
عَبْد اللَّه بْن عبد الرحمن الخثعمي، وقال: فإني غير مفارقه أبدا، فقد آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه. فضم ديوان الحبشة إلى خثعم. فلم يبق بالشام حبشي/ 87/ إلا صار ديوانه مع خثعم. 508- وقال أبو بكر في بلال رضي الله تعالى عنهما حين قتل أمية [1] : هنيئا زادك الرحمن عزا ... فقد أدركت ثأرك يا بلال فلا نكسا وجدت ولا جبانا ... غداة تنوشك الأسل الطوال قالوا: وقال بلال، ومرض حين هاجر إلى المدينة [2] : أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل 509- وقال الواقدي: إن بلالا [3] ترب أبي بكر. وتوفي بمدينة دمشق سنة عشرين. ودفن عند باب الصغير، في المقبرة هناك، وهو ابن بضع وستين سنة. وكان رجلا آدم شديد الأدمة، نحيفا طوالا، وكان أحنى، له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمط [4] كثير لا يغيره. وقد شهد المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وسأل عمر حين قدم الشام بلالا أن يؤذن. وقال: إنما كرهت الأذان بالمدينة، فأذن ها هنا. فأذن. فبكى الناس عامة يومهم لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. عامر بن فهيرة 510- كان عامر مولدا من مولدي الأزد، مملوكا للطفيل بن عبد الله بن الحارث ابن سخبرة بن جرثومة، من ولد نصر بن زهران. وكان الطفيل أخا عائشة ابنة
أبو فكيهة
أبي بكر لأمها أم رومان. وكان عامر قديم الإسلام قبل دخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم بْن أبي الأرقم. 511- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ أَخِي لأُمِّي. فَأَسْلَمَ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهِ مَنِيحَةَ غَنَمٍ لَهُ. 512- قالوا: وكان عامر من المستضعفين، وكان يعذب بمكة ليرجع عن دينه حتى اشتراه أبو بكر. وكان حين أوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار يروح بغنيمة أبي بكر فيها، فيسقيهما من لبنها. وكان معهما حين هاجر إلى المدينة يخدمهما. وقد شهد بدرا وأحدا. ونزل بالمدينة على سعد بن خيثمة. وآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين الحارث بن أوس بن معاذ. واستشهد عامر بن فهيرة يوم بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة. وكان يوم قتل ابن أربعين سنة. وكان يكنى أبا حمد. وروى أن جبار بن سلمى الكلابى طعن عامرا يومئذ. فقال: فزت ورب الكعبة. ورفع من رمحه، فلم توجد جثته. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة أخذته فوارت جثته.] فأسلم جبار لما رأى، وحسن إسلامه. 513- وحدثنى محمد بن سعد [2] ، عن يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم أن عامر بن فهيرة قتل يوم بئر معونة، فلم يوجد جسده حين دفنوا القتلى. قال عروة: فكانوا يرون أن الملائكة دفنته. أبو فكيهة 514- واسمه أفلح. ويقال: يسار. قالوا: كان أبو فكيهة عند صفوان [3]
ولبينة جارية بنى المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد الله بن قرط بن رزاح [2] ابن عدى بن كعب.
ابن أمية الجمحي. فأسلم حين أسلم بلال. فمر بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا وأمر به فجر. ثم ألقاه في الرمضاء. ومر به جعل [1] ، فقال: أليس هذا ربك؟ فقال: الله ربي، خلقني وخلقك وخلق هذا الجعل. فغلظ عليه وجعل يخنقه. ومعه أخوه أبي بن خلف، يقول: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره. ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات. ثم أفاق. فمر به أبو بكر، فاشتراه واعتقه. 515- ويقال: إن بني عبد الدار كانوا يعذبونه/ 88/ فإنه إنما كان لهم. فأخرجوه يوما مقيدا نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى دلع لسانه، وقيل: قد مات. ثم أفاق. 516- قال ابن سعد: وذكر الهيثم بن عدي أنه مات قبل يوم بدر. ولبينة جارية بني المؤمل بن حبيب بن تَميم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح [2] ابن عدي بن كعب. 517- وكان يقال لها [3] ، فيما ذكر أبو البختري، لبينة. أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فكان عمر يعذّبها حتى يفتر، فيدعها، ثم يقول: أما إني أعتذر إليك بأني لم أدعك إلا عدامة [4] . فتقول: كذلك يعذبك الله إن لم تسلم. 518- وقال الواقدي في إسناده: إن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون. فوقفت على عمر، وهو مؤتزر يخنق جارية بني عمر بن المؤمل حتى تسترخي في يديه. فأقول: قد ماتت. ثم يخلي عنها، ثم يثب على زنّيرة، فيفعل بها مثل ذلك.
زنيرة:
زنيرة: 519- قالوا وكان أبو جهل يقول: ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمد (ا) ؟ فلو كان أمر محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه. أفسبقتنا زنيرة إلى رشد، وهي من ترون؟ وكانت زنيرة قد عذبت حتى عميت. فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى فعلتا بك ما ترين. فقالت، وهي لا تبصره: وما تدري اللات والعزى، من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد بصري. فأصبحت من تلك الليلة وقد رد الله عليها بصرها. فقالت قريش: هذا من سحر محمد. فاشترى أبو بكر رضي الله عنه جارية بني المؤمل وزنيرة، وأعتقهما. 520- ويقال: إن زنيرة لغير بني عدي. وقال الكلبي: هي لبني مخزوم. وكان أبو جهل يعذبها. وكانت النهدية 521- مولدة لبني نهد بن زيد. فصارت لامرأة من بني عبد الدار. فأسلمت. فكانت تعذبها وتقول [1] : والله لا أقلعت عنك أو يعتقك [2] بعض من صباتك. فابتاعها أبو بكر أيضا، فأعتقها. وكان معها طحين- ويقال: نوى- لمولاتها يوم أعتقها أبو بكر رضي الله تعالى عنه. فردت ذلك عليها. وكانت أم عبيس 522- وبعضهم يقول «أم عنيس» ، أمة لبني زهرة. فكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها. فابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقها.
523- وأخبرت عن المسيبي أنه قال: إنها أم عبيس بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عبد شمس. والله أعلم. 524- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْن أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي غَطْفَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لَهَا [1] : هَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَتْ [2] : نَعَمْ، إِنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ وَيَضْرِبُونَهُ، حَتَّى مَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْعُدَ، فَيُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا مِنَ الْفِتْنَةِ. وَيَقُولُونَ لَهُ: اللاتُ وَالْعُزَّى آلِهَتُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَحَتَّى إِنَّ الْجُعَلَ لَيَمُرُّ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَهَذَا الْجُعَلُ إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ. فَإِذَا أَفَاقَ، رَجَعَ إِلَى التَّوْحِيدِ. 525- وقال الكلبي عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع. فبعضهم ارتد، وبعضهم أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منه عن غير اعتقاد منه للكفر. وكان قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا. منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص السهمي. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين. فيقول/ 89/ بعض قريش لبعض: هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد من الله عليهم من بيننا [3] . فأنزل الله عز وجل: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ [4] » ونزل فيهم: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [5] . ونزل فيهم: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ
أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين،
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [1] » . ونزل فيهم: «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [2] » . قالوا: وكان مجاهد يقول: يعني الذين تكلموا بما تكلموا به وهم كارهون. 526- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَأْتِي الرَّجُلَ الشَّرِيفَ إِذَا أَسْلَمَ، فَيَقُولُ لَهُ: أَتَتْرُكُ دِينَ أَبِيكَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَتُفَيِّلُ رَأْيَهُ، وَتَضَعُ شَرَفَهُ؟ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا، قَالَ: سَتَكْسَدُ تِجَارَتُكَ، وَيَهْلِكُ مَالُكَ. وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَغْرَى بِهِ حَتَّى يُعَذَّبَ. فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ. أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، هربا بأديانهم من مشركي قريش بإذن النبي صلى الله عليه وسلم: 527- فمن بني هاشم بن عبد مناف. جعفر بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. هاجر في المرة الثانية، ومعه امرأته أسماء ابنة عميس. ولم يزل مقيما بالحبشة. وكان أبو طالب يتعهده، إلى أن مات، باللطف والنفقة. ثم قدم منها هو وجماعة أقاموا معه من المسلمين، وجماعة أسلموا من الحبش، وقد فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم أخي جعفر؟] وعانقه، وقبل ما بين عينيه. وذلك في سنة سبع من الهجرة. واستشهد جعفر بمؤنة في سنة ثمان من الهجرة، وله أكثر من أربعين سنة بأشهر. ويقال: أقل منها بأشهر. وكان يكنى أبا عبد الله. وولد له بالحبشة عبد الله بن جعفر، (ومحمد) [3] وعون، وأمهم أسماء. 528- ومن بني أمية بن عبد شمس: عُثْمَان بْن عَفَّان بْن أَبِي العاص بْن أمية.
وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية.
هاجر الهجرتين، الأولى والثانية جميعا، ومعه امرأته رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ثم قدم رضي الله تعالى عنه، فهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر إلى الحبشة، ومعه رقية: إنهما لأول من هاجر بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام.] وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام بها، فلم يشهد بدرا. وولد له بالحبشة سعيد بن خالد. ثم قدم من الحبشة مع جعفر. واستشهد بالشام في سنة أربع عشرة. وكان يكنى أبا سعيد. وكانت معه بالحبشة امرأته همينة بنت خلف بن أسعد الخزاعي. عمرو بن سعيد أخوه. هاجر إلى الحبشة وأقام بها، ثم قدم مع جعفر عليه السلام. واستشهد بالشام. وقال الكلبي: قدما مع جعفر، وكانت هجرتهما في المرة الثانية بعد أن رجع من رجع من الهجرة الأولى. وكان عمرو يكنى أبا عتبة. وكانت معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن محرث الكناني. وقال بعضهم: إنه قدم قبل جعفر بقليل. أبو حذيفة ابن عُتْبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف. واسمه مهشم: ويقال: هشيم. هاجر إلى الحبشة مرتين، ثم قدم فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة. وكانت معه بالحبشة امرأته سهلة بنت سهيل/ 90/ بن عمرو، فولدت له محمد بن أبي حذيفة. 529- ومن حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف: [بنو جحش] عبد الله، ويكنى أبا محمد، وعبد، ويكنى أبا أحمد، وعبيد الله، ويكنى أبا جحش، بنو جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن كبير بن مرة بن غنم بن دودان بن أسد. وهم إخوة زينب بنت جحش. وأمهم أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. فأما عبد الله، فهاجر في المرة الثانية، وقدم فشهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يوم أحد، ودفن مع حمزة رضي الله عنهما في قبر واحد. وأما أبو أحمد، وهو عبد، فكف بصره ومات بالمدينة، ولم يهاجر إلى الحبشة قط. ومن قال أنه هاجر، فقد أبطل. وأما عبيد الله، فهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فتنصر ومات على النصرانية. فيقال أنه غرق في البحر وهو سكران. ويقال غرق من الخمر، وكانت معه امرأته، رملة بنت أبي سفيان بن حرب، فولدت
شجاع بن وهب بن ربيعة،
له جارية سمتها حبيبة. فقيل «أم حبيبة» . فأقامت على الإسلام. فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أنه وجه عمرو بن أمية الضمري إلى أصحمة النجاشي بكتاب منه، يدعوه فيه إلى الإسلام، وأمره أن يخطب عليه أم حبيبة. فوكلت خالد بن سعيد بن العاص بتزويجها. وكان وأخوه أقرب من بالحبشة إليها. فزوجها إياه. وكان عبيد الله يقول: «فقحنا وصأصأتم» ، أي أبصرنا ولم يبصر المسلمون. وهذا مثل. وأصله أن الجرو إذا فتح عينه، قيل: فقح. وإذا فتح ثم غمض من الضعف لصغره، قيل: صأصأ. وأبو أحمد ابن جحش، الذي جعل يوم فتح مكة يمر بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين الصفا والمروة، وهو يقول [1] : يا حبذا مكة من واد (ى) ... أرض بها أهلي وعوادي إني [2] بها ترشح أوتادى ... إنى بها أمشى بلا هاد (ى) وشجاع بن وهب بن ربيعة، أحد بني مالك بن كبير بن غنم. ويكنى أبا وهب. هاجر في المرة الثانية، ثم هاجر إلى المدينة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ نحيفا، طوالا، أحنى. وقتل يوم اليمامة شهيدا، وهو له بضع وأربعون سنة. ويقال إن أخاه عقبة بن وهب كان معه. والثبت أنه كان معه ببدر. قيس بن عبد الله، ظئر عبيد الله بن جحش. وهو من بني أسد أيضًا. هاجر في المرة الثانية، ومعه امرأته بركة بنت يسار الأسدى [3] ، أخت أبى تجراة. وبعضهم يقول: «رقيش الأسدى [4] » ، وذلك غلط. والأسدى الذي وهل [5] إليه يزيد بن رقيش. وليس يزيد بن رقيش من مهاجرة الحبشة، ولكنه بدري. ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، حليف آل سعيد بن العاص. وقال بعضهم: هو من دوس، ولكنه أصابه سباء. وهو مولى سعيد بن العاص. وهو
أبو موسى عبد الله بن قيس
قديم الإسلام. وكتب لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وولاه بيت المال. وكان به جذام، فأكل مع عمر. فقال: لولا صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ما واكلته. وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية. ومنهم من يدفع هجرته إلى الحبشة، ويقول: كان قدومه مع أبي موسى الأشعري. وأول مشاهده خيبر. وأنه مات في السنة التي غزيت فيها إفريقية في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال الواقدي: سمعت من يقول إنه من مهاجرة الحبشة، وقدم مع جعفر بن أبي طالب. وليس ذلك بثبت. أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار ابن حرب بن عامر بن عتر بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر بْن أدد بْن زيد بْن يشجب بْن عريب بن زيد بن كهلان ابن سبأ بْن/ 91/ يشجب بْن يعرب بْن قحطان. قال الهيثم بن عدي: كان حليفا لآل عتبة بن ربيعة، وأسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية فأقام بها وقدم مع جعفر، فشهد خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين. وقال الواقدي وغيره: لم يكن أبو موسى من مهاجرة الحبشة قط، ولا حليفا لأحد، وإنما قدم من اليمن بعد ذلك مع نفر فيهم أبو عامر الأشعري. وأول مشاهد أبي موسى خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين. وقال أبو بكر بن أبي شيبة المحدث: مات سنة أربع وأربعين. 530- ومن بني نوفل بن عبد مناف، من حلفائهم: عتبة بن غزوان بن جابر ابن نُسَيْب بْن وُهَيب بْن زَيْد بْن مالك بْن عَبْد عوف بْن الحارث بْن مازن بن منصور. هاجر في المرة الثانية، ثم هاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وهو ابن أربعين سنة. وولاه عمر البصرة. فكان أول من مصرها. ومات بين المدينة والبصرة وهو يريدها راجعا إليها في سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سنة. وكان يكنى أبا غزوان. ويقال: كان يكنى أبا عبد الله، وكان لعتبة مولى، يقال له خباب، ويكنى أبا يحيى بكنية خباب بن الأرتّ، شهد بدرا ومات سنة تسع عشرة وصلى عليه عمر بن الخطاب. وكان حين مات ابن تسع وخمسين سنة. ولم يهاجر مع عتبة إلى الحبشة. 531- ومن بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي: أبو عبد الله الزبير بن العوام
عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزى.
ابن خويلد رضي الله تعالى عنه. هاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا، وقاتل مع النجاشي عدوا له. فأعطاه العنزة التي صارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم هاجر من مكة إلى المدينة، ومعه أمه صفية بنت عبد المطلب. واستشهد بوادي السباع، بقرب البصرة. ويقال إن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عنزات. وهاجر معه إلى المدينة حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليفه، وسعد بن [1] خولي الكلبى مولى حاطب، ولم يهاجرا معه إلى الحبشة. فأما حاطب فتوفي بالمدينة سنة ثلاثين وهو ابن خمس وستين سنة. وصلى عليه عثمان. وكان يكنى أبا محمد. وأما سعد بن خولي الكلبي، فاستشهد يوم احد. وكان يكنى أبا عبد الله. وفرض عمر لابنه عبد الله بن سعد مع الأنصار. عَمْرو بن أمية بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. هاجر في المرة الثانية، فمات بأرض الحبشة مسلما. ولم يذكره محمد بن إسحاق. خالد بن حزام بن خويلد ابن أسد، مات قبل أن يصل إلى الحبشة في المرة الثانية: نهشته أفعى فقتلته. وليس يجتمع على هجرته. ولم يذكره محمد بن إسحاق. وقال الواقدي في بعض روايته: إن هذه الآية «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [2] » نزلت فيه. وليس ذلك بثبت. يزيد بن معاوية ابن الأسود بن المطلب بن أسد، هاجر في المرة الثانية، واستشهد يوم حنين. ويقال: يوم الطائف. وقيل: إنه كان يكنى أبا حنظلة، وقدم المدينة بعد الهجرة. الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد هاجر فِي المرة الثانية، وقدم المدينة بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إياها. 532- ومن بني عبد قصي: طليب بن عمير بن وهب بن عَبْد، وأمه أروى بنت عبد المطلب، هاجر إلى الحبشة فِي المرة الثانية، وهاجر إلى المدينة مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستشهد يَوْم أجنادين بالشام وَهُوَ ابْن خمسٍ وثلاثين سنة. وكان يُكنى أبا عدي. 533- ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن
فراس ابن النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى،
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، هاجر إلى الحبشة في المرة الأولى والثانية جميعا، / 92/ ثُمَّ قدم مَكَّة فهاجر مِنْهَا إِلَى المدينة. واستشهد يوم أحد ومعه لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ابن أربعين سنة. وكان يكنى أبا محمد. فراس ابن النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قصي، هاجر في المرة الثانية. وقتل بالشام يوم اليرموك شهيدا وكان يكنى أبا الحارث. وكان قدومه من أرض الحبشة بعد الهجرة. جهم بن قيس بن عبد بن شرحبيل، ويقال عبد شرحبيل وهو قول الكلبي، وابناه عمرو وخزيمة، هاجروا في المرة الثانية وقدموا مع جعفر بن أبي طالب. وماتت امرأة جهم بالحبشة. سويبط بن سعد ابن حرملة بن مالك بن عُميلة بن السباق بن عَبْد الدار، هاجر في المرة الثانية. وشهد بدرا وأحدا. ومات والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوجه إلى تبوك. وكان يكنى أبا حرملة. وأبو الروم بن عمير، أخو مصعب، وكان اسمه عبد مناف، هاجر في المرة الثانية. قال الواقدى: ليست هجرته بمجتمع عليها. وقال الكلبي: هاجر إلى الحبشة، ثم قدم قبل خيبر فشهد خيبر. وقال الهيثم بن عدي: لم يهاجر أبو الروم إلى الحبشة. وقال الواقدي، قال أبو الزناد: لم يهاجر أبو الروم إلى الحبشة، وشهد يوم أحد. النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة، ويكنى أبا الحارث. وقال الواقدي: كان النضير من مسلمة يوم الفتح. ويقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أمنه يوم الفتح، فلم يصح إسلامه إلا بعد حنين. وكان إسلامه بالجعرانة. حدث عن سببه أنه خرج إلى حنين هو وأبو سفيان وصفوان وسهل بن عمرو، يريدون إن كانت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا مع المشركين عليه وعلى أصحابه. وقد حسن إسلام النضير بعد. وكان ممن أقام بمكة ولم يهاجر إلى المدينة. ولم يذكره ابن إسحاق فِي الهجرة إلى الحبشة. وقال الهيثم بن عدي: هاجر النضير إلى الحبشة، ثم قدم إلى مكة وارتد، ثم إنه صحح الإسلام يوم الفتح أو بعده. واستشهد باليرموك. 534- ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الْحَارِث بْن زهرة. وَكَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد عمرو. ويقال: عبد الكعبة. فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرحمن. هاجر إلى الحبشة في المرة الأولى
عامر بن أبى وقاص،
والثانية، ثم قدم مكة فهاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وتوفي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سنة. ويكنى أبا محمد، رحمه الله. عامر بْن أَبِي وقاص، واسم أَبِي وقاص مَالِك، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام حَتَّى قدم مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب عليه السلام. ومات بالشام في خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه. وكان يكنى، فيما روي عن الوقاصي، أبا عمرو، رضي الله تعالى عنه. المطلب، وطليب ابنا أزهر بْن عَبْدِ عوف. قال الْوَاقِدِيُّ: هاجر المطلب فِي المرة الثانية، وولد لَهُ بالحبشة عَبْد اللَّهِ بْن المطلب. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هاجرا جميعا فِي المرة الثانية وماتا بالحبشة. وكانت مَعَ المطلب امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمي. عبد الجان بن شهاب بن عبد الله ابن الحارث بن زهرة. وهو عبد الله، سماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَبْد الله» . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مع جعفر، وقدم معه. وتوفي في أيام عثمان. وذكر الوقاصي: أنه كان يكنى أبا مخرمة. 535- ومن حلفاء بنى زهرة: أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة/ 93/ بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل. وأمه أم عبد بنت ود، من هذيل. هاجر في المرة الثانية. ويقال: في المرتين جميعا، وذلك أثبت. وهاجر من مكة إلى المدينة. وتوفى في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن بضع وستين سنة. ودفن بالبقيع. وقال الواقدي: صلى عليه عثمان. وقال غيره، صلى عليه عمار بن ياسر. وكان رجلا نحيفا قصيرا شديد الأدمة، لا يغير شيبته. وهاجر معه عتبة بن مسعود، أخوه لأبيه وأمه في المرة الثانية. وأقام عتبة حتى قدم مع جعفر، ومات بالمدينة فِي أيام عُمَر بْن الْخَطَّابِ. وَكَانَ يكنى أبا عون. ومن حلفاء بني زهرة: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد ابن دهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبي أهون [1] بن قائش [2] بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن
536 - ومن بنى تيم بن مرة:
قضاعة. وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود. وكانت أمه عند الأسود بن عبد يغوث، خلف عليها بعد أبيه عمرو، وتبناه فنسب إليه. هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية في رواية ابن إسحاق [1] . ولم يذكره موسى بن عقبة وأبو معشر. ثم قدم فهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وشهد بدرا. ولم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم وشهد مشاهده كلها. وتوفي في خلافة عثمان في سنة ثلاث وثلاثين بالجرف، على ثلاثة أميال مِنَ الْمَدِينَةِ، فحمل عَلَى رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة. وصلى عليه عثمان. وكان يوم توفي ابن سبعين سنة أو نحوها. يكنى أبا معبد. وكان رجلا طوالا آدم ذا بطن، كثير شعر الرأس، يصفر لحيته ولم تكن بالعظيمة ولا الخفيفة، أقنى مقرون الحاجبين. ولما قدم المدينة، نزل على كلثوم بن الهدم. فآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين جبار ابن صخر، فأقطعه في بني جديلة. دعاه إلى تلك الناحية أبي بن كعب. 536- ومن بني تيم بن مرة: عمرو بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بن تيم ابن مرة، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. وأقام مع جعفر، وقدم قبله. واستشهد يوم القادسية. والحارث بْن خَالِد بْن صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد ابن تيم. هو ابن خال أبي بكر الصديق، لأن أمه أم الخير بنت صخر بن عمرو ابن كعب. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. وَكَانَ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه أراد الهجرة إلى الحبشة في المرة الثانية معه ثم أقام مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ: قَالا ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَسَطَتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ [2] ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ آذَوْهُ. فَلَمَّا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ، لَقِيَهُ بن الدُّغَيْنَةِ. وَهُوَ الْحَارِثُ [3] بْنُ يَزِيدَ سَيِّدُ الْقَارَةِ. فَقَالَ: أَيْنَ تَعْمِدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أخرجني
قَوْمِي، فَأَنَا أَسِيحُ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدُ رَبِّي. فَقَالَ ابْنُ الدُّغَيْنَةِ: «مِثْلُكَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، لا يَخْرُجُ وَلا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ [1] ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحُقُوقِ. فَأَنَا لَكَ جَارٌ. فَارْجِعْ» . وَأَتَى ابْنُ الدُّغَيْنَةِ قُرَيْشًا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ يَخْرُجُ. أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمُعْدَمَ [2] ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى النَّوَائِبِ؟» فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدغينة، وأمنوا أبا بكر على أَنْ يُصَلِّيَ وَيَقْرَأَ فِي مَنْزِلِهِ. فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيًا بِصَلاتِهِ وَقِرَاءَتِهِ، يَعْبُدُ اللَّه فِي دَارِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ ابْتَنَى بِفِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا، فَبَرَزَ يُصَلِّي فِيهِ. فَكَانَ يَجْتَمِعُ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَرَاعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، فَبَعَثُوا إِلَى ابْنِ الدُّغَيْنَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا يَصْنَعُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ ابْنُ الدُّغَيْنَةِ لأَبِي بَكْرٍ: قَدْ عَلِمْتُ مَا عَاقَدَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فإما أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ جِوَارِي وَذِمَّتِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي/ 94/ أُرْجِعُ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّه. وكان الحارث بن خالد مع أبي بكر حين لقيه أولا. فقال له: إن معي رجلا من عشيرتي. فقال له ابن الدغينة: دعه فليمض لوجهه، وارجع أنت إلى عيالك. فقال له أبو بكر: فأين حق المرافقة؟ فقال الحارث: أنت في حل، فامض، فإني ماض لوجهي مع أصحابي. فمضى حتى صار إلى الحبشة. قالوا: ولم يزل مقيما بها إلى أن قدم مع جعفر. وكانت مع الحارث امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة، من بني مرة. فولدت له موسى وعائشة وزينب. وهلكت بأرض الحبشة. وذلك الثبت. وقال بعض الزبيريين: أقبل الحارث وامرأته وولده منها، فشربوا ببعض الطريق من ماء هناك فماتوا سواء. فزوجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة ابنة عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقال غير الواقدى: هو ابن الدّغنّة [3] .
537 - ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة:
537- ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو سلمة بن عبد الأسد. واسم أبي سلمة عبد اللَّه بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن مخزوم. هاجر إِلَى أرض الحبشة مرتين، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة. واسمها هند. فولدت له بالحبشة زينب بنت أبي سلمة. وقدم مكة، فكان أول من هاجر إلى المدينة. وشهد بدرا. ورمي بسهم يوم أحد، فانتقض به، فمات في جمادى الآخرة سنة أربع. فخلف رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أم سلمة بعده. وكان أبو سلمة ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأمه برة بنت عبد المطلب. شماس بْن عُثْمَان بْن الشريد بْن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم. واسمه عثمان [1] . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. واستشهد يوم أحد. وقال بعضهم: استشهد يوم بدر. والأول أثبت. وكان يعرف بابن ساقي العسل. وذلك أن هرمي بن عامر كان يسقي الناس العسل بمكة. وكان شماس يكنى أبا المقدام. وكانت معه بالحبشة امرأته أم حبيب بنت سعيد بن يربوع بن عنكثة. ونزل حين هاجر إلى المدينة على مبشر بن عبد المنذر. وأدخل المدينة من أحد وبه رمق، وحمل إلى أم سلمة، فمات عندها. فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرد إلى أحد فدفن بها مع الشهداء. وقال حسان بن ثابت يرثيه ويخاطب أخته [2] : أقنى حياءك [3] في ستر وفي كرم ... فإنما كان شماس من الناس قد ذاق حمزة ليث اللَّه فاصطبري ... كأسا رواء فكأس المرء شماس ويقال: قاله غير حسان. هبار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام مع جعفر، وقدم المدينة قبله. واستشهد يوم أجنادين بالشام. ويقال: يوم مؤتة. عبيد اللَّه بن سفيان، أخو هبار. هاجر معه، وقتل يوم اليرموك. هاشم بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن
سلمة بن هشام بن المغيرة، أخو أبى جهل.
عمر بن مخزوم. واسم أبي حذيفة مهشم. هاجر المرة الثانية، وأقام مع جعفر، وقدم المدينة قبله ومات فيها، يقال أيام تبوك. وبعضهم يقول: هو هشام بن أبي حذيفة. سلمة بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، أخو أَبِي جهل. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة. فحبسه بها أبو جهل، فلم يأت المدينة إلا بعد الخندق. واستشهد يوم مرج الصفر بالشام. ويكنى أبا هاشم. قالت أم «سلمة» ، وهي ضباعة بنت عامر القشيرية [1] : لا هم رب الكعبة المحرمة ... أظهر على كل عدو سلمة له يدان في الأمور المبهمة ... إحداهما تردي وأخرى منعمه عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية ومعه امرأته ابنة سلمة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. فولدت له/ 95/ بأرض الحبشة عبد اللَّه بن عياش. ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان قد صاحب في هجرته إلى المدينة عمر بن الخطاب. فلما شارفا المدينة، لحقهما أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة، ومعهما الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامري. فقالوا: يا عياش، إن أمك مريضة، وقد نذرت أن لا تستظل من شمس ولا يمس رأسها دهن ولا تطعم إلا بلغة من الخبز القفار [2] حتى تراك. فرق لها. فقال له عمر: «ما يريدون إلا خديعتك عن دينك. واللَّه لئن آذى أمك القمل، لتدهنن، ولتمشطن، ولئن آذاها حر مكة، لتستظلن» . فقال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال. فخرج معهما. فلما صار ببعض الطريق، شداه وثاقا، وأدخلاه مكة. وقالا: هكذا فافعلوا بسفهائكم. ويقال: إنه قدم المدينة ونزل بفناء، فمنها رجع. وكان الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة قد أعانهما على ربطه. فحلف عياش: لئن أمكنته منه فرصة، ليقتلنه. فلما تخلص عياش، وذلك بعد أحد، أتى المدينة، فإذا هو بالحارث ابن يزيد قائما بالبقيع، فقتله وهو يظن أنه كافر. فنزلت فيه: «وَما كانَ
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» ، الآية [1] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ شَدِيدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الإِسْلامَ. فَلَقِيَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وَعَيَّاشٌ لا يَدْرِي- فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ. فَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» الآيَةَ. وَلَمْ يَزَلْ عَيَّاشٌ بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَجَاهَدَ. وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ. وَلَمْ يَبْرَحِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّه مِنَ الْمَدِينَةِ. وَحَدَّثَنِي عَلِي الأثرم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: نزل هشام بن المغيرة نجران [2] ، وبها أسماء بنت مخربة- ويقال: بنت عمرو بن مخربة- وقد هلك عنها زوج لها. وكانت أم أسماء: عناق بنت الجان، من تغلب بن وائل. وأمها الشموس بنت وائل بن عطية، من أهل فدك. فتزوجها هشام بن المغيرة وحملها إلى مكة. فولدت له أبا جهل بن هشام، والحارث بن هشام. ثم خلف عَلَيْهَا أَبُو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ، فولدت لَهُ عياش ابن أبي ربيعة. وكان عياش أخا أبي جهل والحارث ابني هشام لأمهما أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. وقال ابن سعد. ماتت أسماء قبل رجوع عياش إليها. ويقال [3] إنه لم يمكنه التخلص حتى ماتت. ويقال إنها أدركت خلافة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، وذلك أثبت. وقال الواقدي وغيره: لم يزل الوليد بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم على دين قومه حتى أسر يوم بدر. فافتدي بأربعة آلاف درهم. ويقال بسكة [4] أبيه الوليد- لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يقبل غيرها، وكانت درعا
فضفاضة [1]- وسيفا، وبيضة. وكان اللذان خرجا في فدائه أخاه خالد ابن الوليد، وأخاه هشام بن الوليد. فلما افتدي وتخلص، أسلم ورجع إلى مكة، وقال: ما منعني من الإسلام حين أسرت، وقد تبينت الحق، إلا أن يقال «أسلم الوليد فرارا من الفداء» . ثم إن أخويه حبساه بمكة مع عياش ابن أبي ربيعة وسلمة بن هشام. فلم يزل يحتال حتى أفلت من وثاقه، وخرج حتى أتى المدينة. وقد طلب، فلم يلحق، وستر اللَّه عليه فلم يعرف أخواه له أثرا. فسأله رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سلمة وعياش. فقال: تركتهما في ضيق. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو لهما ولضعفة المسلمين قبل إسلام الوليد. ثم دعا للوليد أيضًا. [فَقَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: انطلق يا وليد حتى تنزل فلان القين فإنه قد أسلم وأخلص، فتستخفي عنده وتلطف لأخبار عياش وسلمة/ 96/ وتعلمهما أنك رسولي وأنى آمرهما بالتلطف للخروج إلي، فإن اللَّه سيعينهما وييسر ذلك لهما، فقد أذن في خلاصهما.] قال الوليد: ففعلت. وسهل اللَّه أمرهما حتى خرجا. وكانا جميعا موثقين، رجل هذا مع رجل صاحبه في قيد واحد. وخرجت أسوق بهما مخافة الطلب والفتنة، حتى انتهيت إلى ظهر حرة المدينة. فعثرت، فانقطعت أصبعي. فقلت [2] : هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت ثم مات بالمدينة بعد قليل. فقالت أم سلمة بنت أمية زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [3] : يا عين فابكي للولي ... د ابن الوليد بن المغيرة مثل الوليد بن الولي ... د أبى الوليد فتى العشيرة
538 - ومن حلفاء بنى مخزوم:
[فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقولي هذا يا أم سلمة، ولكن قولي: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ] [1] » . ويقال إن أم سلمة استأذنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في البكاء على الوليد، وقالت: غريب توفي في بلاد غربة. فأذن لها. فصنعت طعاما وجمعت النساء. وقال الواقدي: وقوم يزعمون أن الوليد بن الوليد تخلص حين تخلص، فكان مع أبي بصير عتبة بن أسيد الثقفي حليف قريش. وذلك غير ثبت. وكان أبو بصير أسلم وأفلت من قومه، فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد قدومه المدينة من الحديبية. فكتب الأخنس بن شريق وغيره إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رده، لما كان قاضاهم عليه من رد من صار إليه. فرده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليهم مع رسولين لهم. فشد أبو بصير في طريقه على أحد الرسولين، فقتله. وكان من بنى عامر ابن لؤي. يقال له خنيس بن جابر. وأفلت فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له: وفيت بذمتك وامتنعت بديني أن أفتن. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: [ويل أمه من محش حرب لو كان معه رجال.] وكان مع أبي بصير سلب العامري، فلم يخمسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال له هنيئا لك [2] بسلب صاحبك. ثم قال: يا أبا بصير، اذهب حيث شئت. فخرج أبو بصير إلى قرب الساحل. وألحق به قوم من المسلمين ممن كان يؤذي ويفتن وغيرهم. فتتاموا سبعين، فضيقوا على قريش وجعلوا يقتلون من ظفروا به، ويأخذون ما معه. فكتبت قريش إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم تسأله أن يدخل أبا بصير إليه. فكتب إلى أبي بصير في القدوم عليه. فأتاه رسوله بكتابه وأبو بصير يجود بنفسه. فلم يلبث أن مات. فمن الرواة من يزعم أن الوليد كان معه. وذلك باطل. 538- ومن حلفاء بني مخزوم: عمار بن ياسر العنسي. كانت أمه لبني مخزوم. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة فهاجر إلى المدينة. وكان محمد ابن إسحاق [3] يشك في هجرة عمار إلى الحبشة. معتب بن عوف بن الحمراء
539 - ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص:
الخزاعي، ويكنى أبا عوف، هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة. ومات سنة سبع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقد اختلفوا في هجرته. وكان الواقدي يثبتها. وبعضهم يقول: مات وله نيف وثمانون سنة. وقال محمد بن سعد: وهو معتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف- وهو الذي يدعى عيهامة- ابن كليب بن حبشية بن سلول. وأمه الحمراء. وكان محمد بن إسحاق [1] والواقدي يثبتان هجرته. ولم يذكر موسى بن عقبة وأبو معشر/ 97/ هجرته إلى الحبشة. وهاجر إلى المدينة فنزل على مبشر بن (عبد) المنذر. وآخا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين ثعلبة بن حاطب. وشهد جميع المشاهد. 539- ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: عثمان بن مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح. وهو خال حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم. هاجر إِلَى الحبشة مرتين، وقدم فهاجر إِلَى الْمَدِينَة. وتوفي بِهَا فِي ذي الحجة سنة اثنتين. فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبله وَهُوَ ميت. ودفنه بالبقيع. وقال حين توفي إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ادفنوه بالبقيع عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون] [2] . فدفن إلى جنبه. وكان يكنى أبا السائب. وولد له عبد الرحمن، والسائب. وأمهما خولة بنت حكيم ابن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني عبد مناف. ولما ماتت زينب بنت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، أو رقية، [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد، عن يوسف ابن مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا نَظْرَةَ غَضْبَانَ: وَمَا يُدْرِيكِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، صَاحِبُكَ. فَقَالَ: واللَّه، إنى لرسول اللَّه، وما أدرى
وعبد الله بن مظعون،
مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِهِ.] فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، [حَتَّى مَاتَتِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْحَقِي بِسَلَفِنَا الصالحين- أو قال: الخير- عثمان ابن مَظْعُونٍ.] وعبد اللَّه بن مظعون، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ قدم مكة فهاجر منها إلى المدينة، وشهد بدرا وجميع المشاهد. وكانت أمه سخيلة بنت العنبس بن وهبان، وهو ابن أهبان، من بني جمح. مات سنة ثلاثين وهو ابن ستين سنة. ويكنى أبا محمد. قدامة بن مظعون، وأمه غزّية بنت الحويرث بن العنبس الجمحي. ويكنى أبا عمرو. وهاجر في المرة الثانية، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. ومات سنة ست وثلاثين. وكان يوم مات ابن ثمان وستين سنة. وقال الواقدي: قالت عائشة بنت قدامة: كان عثمان وإخوته متقاربين في السن. وكان عثمان شديد الأدمة. ليس بقصير ولا طويل، كبير اللحية عريضها. وكذلك صفة قدامة، إلا أن قدامة كان طويلا. السائب ابن عثمان بن مظعون، هاجر مع أبيه في المرة الثانية، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان من الرماة المذكورين. وأصابه سهم يوم اليمامة في خلافة أَبِي بَكْر، فمات وَهُوَ ابْن بضع وثلاثين سنة. وولد ولأبيه ثلاثون سنة. وتوفي أبوه وهو ابن سبع وثلاثين سنة. معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب. مختلف في هجرته. ومات في خلافة عمر بالمدينة. وأمه قتيلة بنت مظعون. ومن أنكر هجرته، أثبت قولا أسلم معمر قبل دخول النبي صلى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم، وشهد بدرا وجميع المشاهد. حاطب وحطاب ابنا الحارث (بن) معمر ابن حبيب بن وهب، هاجرا [1] إلى الحبشة في المرة الثانية، وماتا بالحبشة مسلمين وكان معهما الحارث بن حاطب. فقدم الحارث ومحمد بن حاطب، وكان مولده بالحبشة، فِي إحدى السفينتين [2] مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب عليه السلام. ويقال: إن المهاجر حاطب وحده، وإن محمدا ابنه ولد في بلاد الحبشة. وكان محمد يكنى أبا إبراهيم. ومات بالكوفة فِي ولاية بشر بْن مروان. وكان قد شهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها. سفيان بن معمر بن حبيب،
نبيه [2] ابن عثمان بن ربيعة بن أهبان بن حذافة بن جمح.
أخو جميل بن معمر الذي كانت قريش تدعوه «ذا قلبين [1] » . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومات في زمن عمر أو عثمان/ 98/ رضي اللَّه تعالى عنهما. وَكَانَ مَعَهُ بالحبشة ابناه جناده وجابر. وأمهما حسنة، أم شرحبيل ابن حسنة. وكان قدومه بعد الهجرة وقبل قدوم جعفر عليه السلام. نبيه [2] ابن عثمان بن ربيعة بن أهبان بن حذافة بن جمح. هاجر فِي المرة الثانية، وأقام حَتَّى ركب السفينة مع جعفر. فمات في البحر. وقال محمد بن إسحاق [3] : وكان معهم هبار بن وهب بن حذافة. 540- ومن حلفاء بني جمح بن عمرو: شرحبيل بن حسنة مولاة بني جمح. وأبوه، فيما ذكر الواقدي، عبد اللَّه بن المطاع بن عمرو الكندي. وقال الكلبي: شرحبيل بن عَبْد اللَّه بْن ربيعة بْن المطاع، من ولد صوفة الربيط، وهو الغوث ابن مرّ [4] بن أد بن طابخة، حليف بني جمح. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وهو ابن تسع أو سبع وستين سنة. وكان يكنى أبا عبيد اللَّه. وقال الواقدي: هو حليف بني زهرة وقال الهيثم بن عدي [5] : شرحبيل من حمير. وقول الكلبي أثبت الأقاويل. 541- ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص: خنيس بْن حذافة بْن قَيْس بْن عدي بْن سعد بن سهم. وأمه ضعيفة بنت حذيم، من بني سهم. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة فهاجر منها إلى المدينة. ومرض ورسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وهو معه. فمات مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر سنة اثنتين. وكانت عنده حفصة بنت عمر بن الخطاب، فخلف عليها النبي
عبد الله بن حذافة،
صلى اللَّه عليه وسلم. وكان خنيس يكنى أبا حذافة. ولم يذكر موسى بن عقبة هجرة خنيس إلى الحبشة، ولا ذكرها أبو معشر. وثبتها ابن إسحاق [1] والواقدي. ويقال: إنه كان يكنى أبا الأخنس. عبد اللَّه بن حذافة، أخوه، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية. وكانت الروم أسرته. فكتب عمر رضي اللَّه تعالى (عنه) إلى قسطنطين [2] في أمره. فخلى سبيله. وكان من غزاة مصر. ومات في خلافة عثمان. وهو كان رسول النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، وإياه أمر أن ينادي بمنى: إنها أيام أكل وشرب. ويقال: إنه أمر بالنداء بذلك بديل بن ورقاء. ويقال: أمرهما جميعا. قيس بن حذافة، هاجر معهما. وبعض الرواة يدفع هجرته. والواقدي يثبتها، ويقول: قدم من الحبشة بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة. هشام بن العاص بن وائل بن هاشم ابن سعد بن سهم، أخو عمرو بن العاص. وهو قديم الإِسْلام. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثم قدم مَكَّةَ للهجرة إِلَى الْمَدِينَة. فحبسه أبوه، فلم يزل محبوسا بمكة حتى مات أبوه في آخر السنة الأولى من الهجرة. ثُمَّ حبسه قومه بعد أَبِيهِ. فلم يزل يحتال، حتى تخلص وقدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد الخندق. وجاهد فقتل بالشام. وَكَانَ أصغر سنا من عَمْرو بْن الْعَاصِ أخيه. وَكَانَ يكنى أبا العاص. فكناه رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مطيع. وأمه أم حرملة بنت هشام بن المغيرة. وكان واعد عمر أن يمضي معه إلى المدينة، وقال له: انتظرني في أضاة بني غفار. فأخذه أبوه فكبله. أبو قيس بن الحارث ابن قَيْس بْن عدي، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. فيقال: إنه قدم مَعَ جَعْفَر. ويقال: قبل ذلك. وليس قدومه مع جعفر بثبت. واستشهد باليمامة. تميم بن الحارث بن قيس، وأخ له من أمه من بني تميم يقال له معبد، هاجر (ا) في المرة الثانية. واستشهد تميم بالشام. والواقدي يقول: نمير بن الحارث. سعيد ابن الحارث، أخو تميم، هاجر معه إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. واستشهد يَوْم
عبد الله بن الحارث.
اليرموك. عبد اللَّه بن الحارث. أخوهم، هاجر معهم/ 99/ ومات بالحبشة. الحجاج بن الحارث بن قيس، هاجر فِي المرة الثانية. وقدم الْمَدِينَة بعد هجرة النبي عليه السلام [1] . واستشهد بالشام. وقد اختلف في هجرته. والواقدي يثبتها. وقال الكلبي: لم يسلم ولم يهاجر، وأسر يوم بدر، ثم أسلم. وكان لهم أخ يقال له الحارث بن الحارث، ذكر بعضهم أنه هاجر مع إخوته إِلَى الحبشة، وقدم الْمَدِينَة بعد الهجرة. ومات من جراحة أصابته يَوْم الطائف. ويقال: بل استشهد بالشام. وقد اختلف في هجرته. والواقدي يثبتها. عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد بن سهم. وعمير القائل: نحن بنو زيد الأغر ومثلنا ... نحامي على الأحساب عند الحقائق حدثني مصعب بن عبد اللَّه الزبيري [2] ومحمد بن سعد، عن هشام الكلبي، قالا: كان اسم جمح تيما، واسم سهم زيد. وأمهما الألوف بِنْت عدي بْن كعب بْن لؤي. فجلست يوما وعندها ابناها تيم وزيد، ومعها أترجّة من ذهب أو فضّة. وقالت: أي ابني، استبقا إِلَيْهَا، فمن أخذها فهي لَهُ. فسبق زيد، فأخذها. فَقَالَتْ: كأنك واللَّه يَا زَيْد سهم مرق من رمية، وكأن شَيْئًا جمح بك عَنْهَا يَا تيم. فسمي هذا سهما، وهذا جمح. 542- ومن حلفاء بنى سهم: حمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي، هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة. وكان أول مشاهده، فيما روى الواقدي، المريسيع. وقال الكلبي: شهد بدرا، وولاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المقاسم يومئذ. وهو حليف لبني جمح. وكانت ابنته عند الفضل بن العباس بن عبد المطلب، فولدت له أم كلثوم بنت الفضل بن العباس. 543- ومن بني عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب: معمر بن عبد اللَّه بن نضلة ابن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بن عويج بن عدي. هاجر إلى
عروة بن أبى أثاثة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج،
الحبشة في المرة الثانية. وهو الذي كان يرحل رحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته. مات في خلافة عمر. وكان قدومه من أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب. عروة بْن أَبِي أثاثة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج، هاجر في المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة. عدي بن نضلة، وبعضهم يقول: نضيلة، هاجر في المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة. وهو أول موروث فِي الإِسْلام: ورثه ابنه النعمان بْن عدي الذي ولاه عمر ميسان. فَقَالَ [1] : أَلا أبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجذو عَلَى كُلّ منسم لعل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... وَلا تسقني بالأصغر المتثلم فلما بلغ عمر رضي الله تعالى عنه، قال: وَاللَّه إنه ليسوءني تنادمهم، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته. وكتب فِي عزله. فلما قدم عليه، قال: والله يا أمير المؤمنين، مَا صنعت شَيْئًا مما ذكرت، ولكني امرؤ شاعر، أصبت فضلا من قول فقلته. فَقَالَ عمر: وَاللَّه لا تعمل لِي عملا أبدا. وقال محمد ابن إسحاق [2] : كان النعمان بالحبشة مع أبيه. 544- ومن حلفاء بني عدي: عامر [3] بن ربيعة بن مالك بن عامر بن ربيعة ابن حجر [4] بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط هاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا، ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة ابن غانم بْن عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن عبيد بن عويج. ثم هاجر إلى المدينة. ومات
خولى بن أبى خولى
بعد مقتل عثمان بأيام. وكان لازما لمنزله، فلم يشعر الناس إلا/ 100/ وجنازته قد أخرجت. وكان يكنى أبا عبد الله. وكان الخطاب بن نفيل لما حالفه عامر ابن ربيعة العنزي، تبناه. فكان يقال له «عامر بن الخطاب» ، حتى نزل: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [1] » . وأسلم قديما قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وروي عنه أنه قال: ما دخل المدينة في الهجرة أحد بعد أبي سلمة بن عبد الأسد قبلي، ولا قدمتها ظعينة قبل ليلى بنت أبي حثمة. وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّ أَبَاهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ، وَقَدْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ، قَائِلا يَقُولُ: قُمْ فَاسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكَ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا صَالِحِي عِبَادِهِ. فَقَامَ، فَصَلَّى. ثُمَّ اشْتَكَى. فَمَا خَرَجَ إِلا فِي جَنَازَةٍ. خولي بن أبي خولي - واسمه عمرو- بن زهير ابن خيثمة بن أبي حمران الحارث بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن حريم بن جعفي. قال الهيثم بن عدي: هاجر وأخواه هلال وعبد الله ابنا أبي خولي إلى الحبشة في المرة الثانية. وقال غيره: لم يهاجروا، وذلك الثبت. وقال الواقدي: شهد خولي وابن له بدرا، وليس في ذلك اختلاف. وكان خولي حليفا للخطاب. وقال محمد بن إسحاق: شهد مع خولي بدرا أخوه مالك بن أبي خولى. وقال موسى بن عقبة: شهد خولي بدرا، ومعه أخواه هلال وعبد الله. وهو قول الكلبي. قالوا: وشهد خولي المشاهد كلها. ومات في خلافة عمر بن الخطاب. قال ابن إسحاق: مات خولي في خلافة عثمان. وقد روي عن الكلبي أيضا أنه قال: خولى بن أبى خولى [3] عمرو ابن زهير. 545- ومن بني عامر بن لؤي بن غالب: أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزّى ابن أبي قيس بن عَبْد وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي.
حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود،
وأمه برة بنت عبد المطلب. وهاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا. وهاجر من مكة إلى المدينة. وتوفي بمكة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال الواقدي: وولده ينكرون رجوعه إلى مكة وموته بها، ويغضبون من ذلك. وكانت مع أبي [1] سبرة امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو. ويقال: إن أبا سبرة كان يسمى عبد مناف. حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، أخو سهيل بن عمرو. هاجر إلى الحبشة مرتين. فكان أول من قدمها في المرة الأولى من المسلمين. وشهد بدرا. وهو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة. ويقال إنه أول من دخل أرض الحبشة، وكان من آخر من خرج منها مع جعفر. وذلك عندهم أخلط. السكران بن عمرو، أخوه، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومعه امرأته سودة بنت زمعة. ويقال إنه هاجر في المرتين جميعا. ثم إنه قدم مكة، فمات قبل الهجرة، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على سودة بنت زمعة. وذلك الثبت. وقوم يقولون إنه مات بالحبشة مسلما. وقال قوم، منهم أبو عبيدة معمر، إنه قدم مكة ثم رجع إلى الحبشة مرتدا أو متنصرا، فمات بها. والخبر الأول أصح وأثبت. سليط بن عمرو، أخو سهيل أيضا، هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته فاطمة بنت علقمة. وقدم المدينة قبل قدوم جعفر. ويقال: قدم مع جعفر عليه السلام. واستشهد سليط باليمامة سنة اثنتي عشرة. وقال الهيثم ابن عدي: كان يكنى أبا الوضاح. وكان إسلام سليط قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس، أخو سودة. هاجر/ 101/ إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ قدم مع جعفر. ومعه امرأته عميرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس بْن عَبْد ود، من بَنِي عامر بْن لؤي. وإنما سمي السعدي لأنه استرضع في بني سعد بن بكر. وكان عبد الله بن السعدي يسكن الأردن. ويكنى أبا محمد. ومات سنة سبع وخمسين. وله صحبة. عبد الله بن سهيل بن عمرو، ويكنى أبا سهيل. وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة للهجرة إلى المدينة فحبسه أبوه. فأظهر له الرجوع إلى دينه
والشدة على المسلمين حتى أخرجه معه إلى بدر في نفقته وحملاته، وهو لا يشك في أنه على دينه. فلما توافقوا، انحاز إلى المسلمين قبل القتال. فغاظ ذلك أباه [1] . ثم كان يقول بعد إسلامه، حين أسلم يوم فتح مكة: لقد جعل الله لي في إسلام ابني عبد الله خيرا كثيرا. وقال الكلبي: قاتل عبد الله يوم بدر مع المسلمين. قالوا: واستشهد يوم جواثا بالبحرين، في أيام الردة. فلقي سهيل أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فعزاه أبو بكر. فقال سهيل: بَلَغَنِي [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يشفع الشهيد في سبعين من أهله،] وأنا أرجو أن لا يقدم علي ابني أحدا. وكان يوم بدر ابن سبع وعشرين سنة. وقيل: وله ثمان وثلاثون سنة. وليست هجرته إلى الحبشة بمجتمع عليها. وأم عبد الله: فاطمة بنت عَامِر بْن نوفل بْن عَبْد مناف. وقال الواقدى: يقال إنّ عبد الله يوم بدر، ومعه عمير بن عوف مولى أبيه سهيل عتاقة. فكان سهيل يقول: شهد عمير بدرا، وإني لأرجو أن ينالني شفاعته. قال: وكان المسلمون يقولون: فتن عياش وأصحابه بمكة فتركوا دين النبي صلى الله عليه وسلم، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ [2] ، ما نرى لهم توبة. فنزلت: «يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [3] » . فبعث عمر بالآية إلى هشام بن العاص، وكان صديقه، وتهادوها بينهم. فكان ذلك مما قوى أنفسهم، حتى تخلصوا. قال الواقدي: وكان أبو جندل بن سهيل بن عمرو مع أخيه. فحبسه أبوه. فلما كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وتشاغل الناس، أقبل أبو جندل يرسف في قيده حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قاضى قريشا على ما قاضاهم عليه، والقضية تكتب. فقام إليه أبوه، فضرب في وجهه. وصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين، إن المشركين يريدون أن يفتنوني. وكانت القضية بينهم على أن يرد [4] المسلمون إليهم من أتاهم من أصحابهم. فقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما قاضيتك عليه، يا محمد. فرده رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن أجاره حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص،
عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قيس، يكنى أبا محمد،
وضمنا أن يكف أبوه عنه. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا با جندل، اصبر واحتسب، فإن الله مخلصك.] فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله، ولم نعطي قريشا هذا، ونرضى بالدنية في أمرك؟ [فقال صلى الله عليه وسلم: إنا قد عاهدنا هم على أمر، وليس الغدر من ديننا.] فقال عمر: يا با جندل، إن الرجل ليقتل أباه في الله، فاقتل أباك. فقال: يا عمر، اقتله أنت. فقال: نهاني رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قتله للصلح. قال: وقد نهاني الله عز وجل عن قتل أبي. فيقال: إن أبا جندل لما صار إلى مكة، تخلص، وقدم المدينة. وقال المدائني: ذكر لنا أن أبا البختري كان يقول: اسم أبي جندل «عمرو» . وكان ابن دأب يقول: عبد الله بن سهيل. وذلك غلط. وقال الواقدي: يقال إن أبا جندل تخلص فصار إلى أبي بصير الثقفي مع من اجتمع إليه من المسلمين. فلما مات، صار [1] وأصحاب/ 102/ أبي بصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ويقال: إنه لما صار بمكة، تخلص فأتى المدينة. ويقال: إنه لم يصر إلى أبي بصير، ولكن خلاصه كان في وقت مصير أصحاب أبي بصير إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو الثبت. وقال الكلبى: كان لحاق أصحاب أبي بصير بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر [2] ، وفتح خيبر. وهو «الفتح القريب [3] » الذي وعده الله نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال أبو اليقظان البصري: لما كانت خلافة عمر، شرب أبو جندل الخمر مع نفر. فأراد أميرهم أن يحدهم. فقالوا: قد حضر العدو. فإن قتلنا، فقد كفيت موتتنا وأمرنا، وإن بقينا، فأقم علينا الحد. فقتلوا جميعا. وقال الواقدي: مات أبو جندل في طاعون عمواس بالشام. وقد أسلم أبوه سهيل بن عمرو يوم فتح مكة، فحسن إسلامه، وغزا الشام، فمات في طاعون عمواس. عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة بْن عَبْد العزى بن أبي قيس، يكنى أبا محمد، وأمه بهنانة بنت صفوان بْن أمية بْن محرث بْن (خمل بْن شق بْن رقبة بْن مخدج بْن الحارث
سعد بن خولة، ويكنى أبا سعيد.
ابن ثعلبة بن مالك بن) كنانة. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ هاجر إلى المدينة من مكة. واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، وله إحدى وأربعون سنة. وشهد بدرا وله ثلاثون سنة وأشهر. ويكنى أبا محمد. سعد بن خولة، ويكنى أبا سعيد. قال الواقدي: أسلم سعد بن خولة، مولى وهب بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بْن الحارث بن حبيب بن جذيمة [1] بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي. وبعضهم يقول: ابن حبيب، مثقل. وإنما ثقله حسان في شعره [2] : الحارث بن حبيب بن شحام وكانت أم سعد أمة لسعد بن أبي سرح، أو مولاة له ويقال إنه من أهل اليمن، حليف لبني عامر بن لؤي. ويقال إنه مولى لأبي رهم. هاجر سعد، في رواية ابن إسحاق [3] والواقدي، في الهجرة الثانية. ولم ينكره موسى بن عقبة وأبو معشر. وقال الواقدي: شهد سعد بدرا وهو ابن خمس عشرة سنة، وشهد 1/ 254 يوم أحد وشهد الخندق والحديبية. ثم خرج بعد ذلك إلى مكة، فمات بها. ويقال: هاجر الناس، وتأخرت هجرته، فمات بمكة. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ] » . وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، [فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا كثيرا، أفأوصى بثلثى مالي؟
546 - ومن بنى الحارث بن فهر بن مالك:
قَالَ: لا. قُلْتُ: فَبِالشَّطْرِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَأُوصِي بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكْ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلا أُجِرْتَ [1] عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لكن البائس سعد ابن خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ] » . قال سفيان: يقول: لا تردهم إلى الأرض التي هاجروا منها، حتى يقيموا بها إلا بحج أو جهاد. وقالوا: سعد بن خولة هو زوج سبيعة بنت الحارث الأسلمية التي ولدت بعد وفاته بيسير. [فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكحي من شئت] . حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ وَعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ، قَالا ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَضَعَتْ سَبِيعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ/ 103/ للأزواج، أَوْ تَأْتِي عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؟ [2] قَالَتْ سَبِيعَةُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: [كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، قَدْ حَلَلْتِ لِلأَزْوَاجِ، فَانْكِحِي] . وقال الواقدي: لم يأت ابن خولة مكة إتيان منتقل، ولكنه مضى في حاجة له. 546- ومن بني الحارث بن فهر بن مالك: أَبُو عُبَيْدة عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وأمه أميمة بنت غنم بن جابر، من بني الحارث بن فهر. [قَالَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.] وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] . وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ. وقال الهيثم بن عدي:
سهيل بن البيضاء، ويكنى أبا موسى.
هاجر في المرتين جميعا، وهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة. وشهد بدرا والمشاهد كلها. ونزل بالمدينة على كلثوم بن الهدم. وآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سالم مولى أبي حذيفة، وبينه وبين محمد ابن مسلمة الأوسي. ومات في طاعون عمواس بالشام، وهو الأمير. وكان نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالا، أحنى، أشعر، آدم، يصبغ راسه ولحيته بالحناء والكتم. مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال الواقدي، عن أبي اليقظان: أسلمت أم عبيدة وزوجها. سهيل بن البيضاء، ويكنى أبا موسى. والبيضاء أمه، وهي دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش بن ظرب بن الحارث ابن فهر. هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا. وشهد بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة. وشهد المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك، فقال: [يا سهيل. فقال: لبيك. ووقف الناس لما سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، حرمه الله على النار.] ومات سهيل بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بالمدينة سنة تسع، وهو ابن أربعين سنة. وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس لسهيل عقيب. قال الواقدي: حدثني بذلك مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عَنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، أنبأ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الواحد بن عباد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَرْسَلَ أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. وَوَقَفَ بِهَا عَلَى حُجَرِهِنَّ، فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، وَخَرَّجْنَهُ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ. فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلا فِي جوف المسجد.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا عَابَ النَّاسُ إِدْخَالَ جنازة سعد بن أبي وقاص المسجد، قالت عائشة: ما أسرع الناس مَا نَسُوا، لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ في المسجد. وأما/ 104/ أخوه سهل بن بيضاء، فإنه أسلم بمكة قبل الهجرة، فأكرهه المشركون على الخروج معهم [2] يوم بدر. فأسر مع من أسر من المشركين فشهد له عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي بمكة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخرجن أحد من الأسرى من أيديكم بغير فداء إلا سهل بن بيضاء، فإنه مسلم] . وحدثني المدائني، عن أبى اليقظان بمثله. وقال محمد بن سعد، أخبرني الواقدي وغيره أن سهلا أسر يوم بدر، فشهد له ابن مسعود أنه رآه يصلي بمكة. فخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله. وأما صفوان بن البيضاء، فلم يهاجر إلى الحبشة، ولكنه هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا مع أخيه سهيل. فروى بعضهم أنه استشهد يوم بدر، وقتله طعيمة بن عدى أبو [3] الريان. وقال بعضهم: مات سنة ثمان وثلاثين. وكان يكنى أبا عمرو. وهو أيضا قول محمد بن سعد [4] عندنا في كتاب الطبقات. وبعض الرواة يقول: شهد سهل بن بيضاء، وصفوان بن بيضاء يدرأ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيجعل سهيلا سهلا. وذكر أبو اليقظان أن سهيلا استشهد يوم بدر. وذلك غلط عندهم. وسألت
عمرو بن أبى سرح بن ربيعة بن هلال بن مالك،
مصعب بن عبد الله الزبيري [1] عن سهل بن بيضاء، فقال: أتى مكة منصرفا من بدر، ثم هاجر إلى المدينة. وقال بعضهم: كان بمكة إلى يوم الفتح. والأول أثبت عندي. وقد رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَسَنُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَسَهْلُ بْنُ الْبَيْضَاءِ. عمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن مالك، وليس هو بعم عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بن الحارث صاحب مصر. هذا من بني الحارث بن فهر. وذاك من بني عامر بن لؤي. وقوم يظنون هذا ابن أخيه. وهاجر عمرو إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ شهد بدرا. وأما وهب بن أبي سرح [2] ، أخوه، فإن الهيثم بن عدي ذكر أنه من مهاجرة الحبشة. وليس ذلك بثبت. ولكنه قد شهد بدرا [3] [معمر بن أبى سرح.] وكان أبو معشر يقول: الذي هاجر معمر بن أبى سرح. وقال موسى ابن عقبة ومحمد بن إسحق [4] والكلبى: هو عمرو بن أبي سرح. وكانت عنده أخت أبي عبيدة. ومات بالمدينة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة ثلاثين. وقال الواقدي: هاجر عمرو بن أبي سرح إلى الحبشة، وشهد هو وأخوه بدرا، ولم يهاجر معمر [5] إلى الحبشة. عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث. ويكنى أبا سعد، ويقال أبا سعيد. هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فأقام بها. ثم قدم المدينة قبل بدر، وشهد بدرا. ومات في سنة ثلاثين. وقال محمد بن سعد: وهو عم عياض بن عبد غنم بن زهير صاحب الجزيرة وواليها من قبل عمر، ومات عياض بن عبد غنم سنة عشرين. [عمرو بن الحارث بن زهير وعثمان بن عبد غنم بن زهير] عمرو بن الحارث بن زهير، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية ومعه عثمان بن عبد غنم بن زهير، وسعيد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية
الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر
ابن ظرب بن الحارث بن فهر. فأقاما بأرض الحبشة. ثم قدما [1] المدينة قبل جعفر بن أبي طالب عليه السلام. وأما عمرو بن الحارث، فقدم مكة وهاجر منها إلى المدينة. [الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر] ومن الرواة من يزعم أن من مهاجرة الحبشة الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر. ولم يذكره الواقدي، وذكره ابن دأب. فهؤلاء مهاجرة أرض الحبشة. 547- قال الواقدي: ولما قدم/ 105/ المهاجرون من الحبشة في المرة الأولى، حين بلغهم سجود قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم قد أسلموا ولم يتحقق ذلك، دخل كل امرئ منهم بجوار رجل من قريش. فدخل عثمان بن عفان بجوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فنادى مناديه: يا معشر قريش، إن أبا أحيحة قد أجار عثمان بن عفان، فلا تعرضوا له. فكان عثمان آمنا، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار. ودخل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بجوار أمية. ودخل مصعب بن عمير بجوار النضر بن الحارث بن كلدة [2] ، ويقال بجوار أبي عزيز بن عمير، أخيه [3] . ودخل الزبير بن العوام بجوار زمعة ابن الأسود، ودخل عبد الرحمن بن عوف بجوار الأسود بن عبد يغوث. ودخل عثمان بن مظعون الجمحي بجوار الوليد بن المغيرة المخزومي، فمكث في ذمته ما شاء الله ثم قال: وا عجبا، أأكون في ذمة مشرك؟ ذمة الله أعز وأمنع. فأتاه، فسأله أن يتبرأ منه. فقال: يا بني، هل رأيت إلا خيرا، هل أصابك أحد بسوء؟ وكان لبيد بن ربيعة الكلابي ينشد قوله [4] : أَلا كُلّ شَيْء مَا خلا اللَّه باطل فقال: صدقت. فلما قال: وكل نعيم لا محالة زائل
قال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. فَقَالَ لبيد: يَا معشر قُرَيْش: وَاللَّه مَا كانت مجالستكم سبة، ولا كان السفه من شأنكم. فقالوا له: إن هذا غلام سفيه، مخالف لدين قومه. فقام بعض بني المغيرة، فلطم عين عثمان بن مظعون، فضحك الوليد بن المغيرة للشماتة ونظر إلى عين عثمان قد أخضرت، فقال: مَا كَانَ أغناك عَن هَذَا يَا بني؟ فَقَالَ عُثْمَان: مَا أنا بغنى عَنْهُ، لأنه ذخر لِي عند اللَّه، وإن عيني الصحيحة محتاجة إِلَى مثل مَا نال صاحبتها. فَقَالَ: لقد كنت فِي ذمة منيعة، فعد إِلَى جواري فإنك لا ترام فيه. فَقَالَ: وَاللَّه لا أعود فِي جوار غير جوار الله أبدا. ووثب سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الذي لطم عين عثمان، فكسر أنفه. فكان ذلك أول دم أريق في الإسلام. والثبت أن الَّذِي لطم عين عُثْمَان [1] : عَبْد اللَّهِ بْن أبي أمية بن المغيرة. ومن قال إنّ عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان، جد عَمْرو بْن حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ الله ابن عمر بن مخزوم، فقد غلط غلطا بيننا. ودخل عامر بن ربيعة العنزي، حليف الخطاب بن نفيل، بجوار العاص بن وائل السهمي. ودخل أبو سبرة ابن أبي رهم بجوار أبي، وهو الأخنس بن شريق، ويقال بجوار سهيل بن عمرو. ودخل حاطب بن عمرو بجوار حويطب بن عبد العزى. ودخل سهيل بن بيضاء بجوار رجل من عشيرته، من بني فهر، ويقال: دخل مستخفيا بغير جوار أحد حتى خرج في المرة الثانية. ومن قال إن أبا عبيدة بن الجراح هاجر في المرة الأولى، قال: دخل بغير جوار أحد. وقال الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: دخل عبد الله بن مسعود بغير جوار، فمكث قليلا ثم رجع. 548- وقال الواقدي: خرجوا للهجرة الأولى في رجب سنة خمس من النبوة. فأقاموا شعبان وشهر رمضان، وقدموا في شوال سنة خمس من النبوة. ثم هاجروا في المرة الثانية، وقد لقوا من المشركين جهدا وأذى. وكانوا أكثر ممن هاجر أولا. وهم على ما قد سمينا.
أمر الشعب والصحيفة:
549- قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه إلى الإسلام. وكان رسوله بكتابه عمرو بن أمية الضمري/ 106/ من كنانة، أحد بني ناشرة بن كعب بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة. فأسلم، ونقد عن النبي صلى الله عليه وسلم مهر أم حبيبة بنت أبي سفيان أربع مائة دينار. وأرسل إلى النواتي، فقال: انظروا ما يحتاج فيه هؤلاء القوم من السفن. فقالوا: يحتاجون إلى سفينتين. فجهزهم. وكلم قوم النجاشي من الحبشة أسلموا، في أن يبعث بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلموا عليه، وقالوا: نصاحب أصحابه هؤلاء فنجذف بهم في البحر ونغنيهم. فأذن لهم. فشخصوا مع عمرو بن أمية والمسلمين. وأمر عليهم جعفر بن أبي طالب. أمر الشعب والصحيفة: 550- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ معاذ بن محمد، قال: سألت عاصم بن عمر بن قتادة: متى كان حَصَرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبني هاشم بالشعب؟ فقال: إن قريشا مشت إلى أبي طالب مرة بعد مرة فكان هاته [2] المرة الآخرة، اجتمعوا فقالوا: «يا أبا طالب، إنا قد جئناك مرة بعد أخرى نكلمك في ابن أخيك أن يكف عنا فلا يذكر آباءنا وآلهتنا بسوء، ولا يستغوي أولادنا وأحداثنا وعبيدنا وإماءنا، فتأبى ذلك علينا. وإن كنت فينا ذا منزلة، لشرفك ومكانك، فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك حتى نهلكه أو يكف عنا ما أظهر من شتم آبائنا وعيب ديننا. فإن شئت فخلنا وإياه. وإن شئت فدع، فقد أعذرنا [3] إليك، وكرهنا موجدتك قبل المقدمة» . فقال أبو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا ابن أخي، قد جاءني قومك يشكونك إلي، وآذوني فيك، وحملوني على ما لا أطيقه ولا أنت، فاكفف عنهم ما يكرهون من شتم آبائهم وعيب آلهتهم ودينهم. [فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبكى، ثم قال: والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر أبدا حتى أنفذه أو أهلك في طلبه إلى الطاعة لربي.] فلما رأى أبو طالب ما بلغ قوله من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يا ابن أخى، امض لأمرك وافعل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا. فلما رأت قريش أنهم قد أعذروا إلى أبي طالب، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم بأمر ربه، أبت أن تقاره. وأظهروا العداوة لبني عبد المطلب ومباينتهم. وأقسموا بالله: لنقتلن النبي صلى الله عليه وسلم سرا أو علانية. فلما رأى أبو طالب أنهم عازمون على ذلك، خاف على ابن أخيه، ثم انطلق بهم فأقامهم بين أستار الكعبة، فدعوا على ظلمة قومهم. واجتمعت قريش على أمرها. فقال أبو طالب: اللهم إن قومنا قد آبوا إلى البغي، فعجل نصرنا وحل بينهم وبين قتل ابن أخي. وقالت قريش: لا صلح بيننا وبين بني هاشم وبني المطلب، ولا رحم، ولا إلّ، ولا حرمة إلا على قتل هذا الرجل الكذاب السفيه. وعمد أبو طالب إلى الشعب بابن أخيه وبني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف. وكان أمرهم واحدا. وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما دخل أبو طالب شعب أبي طالب، خرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني عبد المطلب. ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمنا أو كافرا. 551- وقال الواقدي في غير هذا الحديث وبغير هذا الإسناد: دخل المسلم لإسلامه ودينه، والكافر حمية أن يضام وقومه. فأقاموا على ذلك/ 107/ ما شاء الله حتى نالتهم الخصاصة في شعبهم، لأنهم حالوا بينهم وبين أن يتبايعوا شيئا أو يبيعوا، حتى فرج الله عز وجل ذلك. 552- قالوا: ولقي أبو لهب هند بنت عتبة، حين خرج من الشعب مظاهرا لقريش، فقال: يا بنت عتبة، هل نصرت اللات والعزى؟ قالت: نعم، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة. ويقال: إنه قال ذلك لها في وقت قبل هذا. وقد ذكرناه (في الفقرة 243) .
553- حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ إِجَابَةَ مَنْ أَجَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ غَيْرُ نَازِعٍ عَمَّا يَكْرَهُونَ، مَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ تَرَى مَا يَصْنَعُ ابْنُ أَخِيكَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَؤُلاءِ عُمُومَتُكَ وَسَرَوَاتُ قُرَيْشٍ، فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ. فَتَكَلَّمَ الأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: تَدَعُنَا وَآلِهَتَنَا، وندع وَإِلَهَكَ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ نُصْحِهِمْ: وَأَنَا أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةٍ أَضْمَنُ لَهُمْ بِهَا الْجَنَّةَ.] فَقَالَ أبو جهل: إن هذه لكلمة مريحة، فقلها. فَقَالَ: [تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.] فَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: «امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [1] » . وَكَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الأَخْنَسُ. وَالْمِلَّةُ الآخِرَةُ: النَّصْرَانِيَّةُ. 554- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. قَالَ: وَأَتَوْا أَبَا طَالِبٍ [3] مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ مُتَتَابِعٌ فِي مَسَاءَتِنَا، قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا، فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَقْتُلُهُ. قَالَ: بَلِ ادْفَعُوا إِلَيَّ أَوْلادَكُمْ أَقْتُلُهُمْ، حَتَّى أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمْ. قَالُوا: إِنَّ أَوْلادَنَا لَمْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَ. قَالَ: فَهُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَوْلادِكُمْ. فَقَالُوا: فَهَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَحْسَنُ قُرَيْشٍ وَجْهًا، وَأَتَمُّهُمْ خُلُقًا، فَاتَّخِذْهُ ابْنًا. وَكَانَ مَعَهُمْ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «بئس ما سميتمونى: أدفع إليكم ابن أخى فتقتلونه، وأتبنى
ابْنَكُمْ لَكُمْ وَأَغْذُوهُ. هَيْهَاتَ. أَبَى الْحَزْمُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ ذَلِكَ» . فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ [1] : كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ ... وَلَمَّا نُنَاضِلُ دُونَهُ وَنُقَاتِلُ وَقَوْلُهُ أَيْضًا: أَتَرْجُونَ أَنْ نشجى يقتل مُحَمَّدٍ ... وَلَمْ تَخْتَضِبْ سُمْرُ الْعَوَالِي مِنَ الدَّمِ 555- قَال: وَأَتَوْهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرُدَّهُ [2] ، قَتَلُوهُ غِيلَةً. وَقَالُوا: قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ. فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ دُخُولِ أَبِي طَالِبٍ الشِّعْبَ. 556- وأما عمارة بن الوليد، فيقال إنه وعمرو بن العاص توجها برسالة قريش إلى النجاشي في أمر من بالحبشة من المسلمين، يفسدانه عليهم، ويهجنانهم عنده، ويسألانه [3] دفعهم إليهما. وحملوهما إليه وإلى بطارقته هدايا من آدم وغيره. وذلك وهم. وقيل: إنه كان مع عمرو بن العاص في هذه المرة عبد الله ابن أبي ربيعة، ولم يكن معه عمارة. فردهما النجاشي مقبوحين خائبين. فاشتدت قريش عند ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الثبت. إن عمرا وعمارة خرجا بعد ذلك في تجارة إلى الحبشة، وكانا طريقين فاتكين. وكانت مع عمرو امرأته. فقال لها عمارة، وهما يشربان في السفينة: قبليني. فقال لها عمرو: قبلي ابن عمك. ففعلت. وحذره عمرو. فأرادها عمارة على نفسها، فامتنعت. وفطن عمرو بذلك. ثم إن عمرا جلس على حرف السفينة ليبول. فدفعه عمارة في البحر. وكان يجيد السباحة: وأخذ بالقلس وتخلص، فاضطغنها عليه. وكتب إلى أبيه/ 108/ العاص بن وائل: أن اخلعني وتبرأ مني ومن جريرتي على بني المغيرة وبني مخزوم، فقد كان من عمارة كيت وذيت. وهو يرصد
له بما يرصد به. ولم يلبث عمارة حين دخل أرض النجاشي، أن دب لامرأة النجاشي، فاختلف إليها. ويقال: إنها رأته فعشقته، وكان جميلا، فدعته. فجعل يختلف إليها. وكان يحدث عمرا بما يجري بينهما. فكان عمرو يظهر تكذيبه ليمحكه بذلك. فقال له ذات ليلة: إن كنت صادقا، فائتني بدهن من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه. وكان أصفر. فأعطته قارورة منه، وثوبا أصفر من ثيابه. فجاء بذلك إلى عمرو. وكانا ينزلان في دار واحدة. فقال له عمرو: لقد نلت ما لم ينله قرشي قبلك. وأخذ الدهن والثوب إليه. فلما أصبح، أتى النجاشى بذلك وحدثه الحديث. فقال: إن النجاشي أخذه، فقطعه آرابا ثم أحرقه، وأخذ امرأته فدفنها وهي حية. ويزعمون: أن النجاشي دعا بالسواحر، فسحرنه، فكان يهيم، ثم إنه مات على تلك الحال. ويقال: إنه لما فعلن به ذلك هام فكان مع الوحش، وخرج عبد الله بن أبي ربيعة في طلبه، وكان اسمه بحير فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَبْد الله» ، فدل على مواضعه ومظانه، فالتزمه فجعل يقول له: تنح عني يا بحير، ومات في يده. وكان عمارة يكنى أبا فائد. وقال عمرو ابن العاص [1] : تعلم عمار إن من شرشيمة ... لمثلك أن يدعا ابن عم له ابنما إذا كنت ذا بردين أحوى مرجلا ... فلست براء لابن عمك محرما إذا ما المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضى وطرا منها يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما وليس الفتى وإن أتمت عروقه ... بذي كرم إلا إذا ما تكرما 557- قالوا: ومكث بنو عبد المطلب وبنو المطلب في شعب أبي طالب ثلاث سنين.
وحدثنى أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حُصِرْنَا فِي الشِّعْبِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَقَطَعُوا عَنَّا الْمِيرَةَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ بِالنَّفَقَةِ فَمَا يُبَاعُ [1] شَيْئًا، حَتَّى مَاتَ مِنَّا قَوْمٌ. 558- قالوا: ولما رد النجاشي عمرا وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي إلى قريش بغير ما أرادوا، وحقق قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقه وأسلم، أزدادوا على من بالشعب غيظا وحنقا. فأجمعوا على أن (ى) كتبوا كتابا على بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يخالطوهم في شيء، ولا يكلموهم [2] . وعلقوا الصحيفة التي كتبوا ذلك فيها في الكعبة، وقطعوا عنهم المادة والميرة. فكانوا لا يخرجون من الشعب في الثلاث سنين التي كانوا فيها بالشعب إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغهم الجهد، وتضاغى صبيانهم فسمع ضغاؤهم من وراء الشعب. وكان من قريش من يكره ما ركبوا به ونيل منهم. ثم إن الله تبارك وتعالى سلط على صحيفتهم التي كتبوها الأرضة، فلم تدع إلا «باسمك اللهم فاغفر» . فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم. فأخبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طالب. فقال أبو طالب: والله ما يدخل علينا أحد، فمن [3] أخبرك بهذا؟ قال: [ربي، وهو الصادق يا عم.] قال: أشهد أنك لا تقول إلا حقا. فخرج أبو طالب في جماعة من رهطه، حتى وقف على قريش، فقال: ادعوا بصحيفتكم التي كتبتموها علينا. فخرجوا سراعا ليأتوا بها، وهم يظنون أن ذلك لأمر يوافقهم. فوجدوها كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقويت نفس أبي طالب واشتد صوته. وقال المشركون: إنما تأتونا بالسحر والبهتان. ويقال: إنهم نكسوا/ 109/ رءوسهم، فقال أبو طالب: قد تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة.
559- ويقال إن الصحيفة لم تكن [1] في الكعبة، ولكنها كانت موضوعة على يد طعيمة بن عدي. ويقال على يد أم أبي جهل، وهي أسماء ابنة مخربة التميمية. وقوم يقولون إنها وضعت على يد الجلاس بنت مخربة أختها. وكان الذي خط الصحيفة، فيما ذكر الكلبي، بغيض بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عبد الدار بن قصي، فشلت يده يوم خطها. وقال غيره: اسمه منصور بن عكرمة بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار. 560- وقال الواقدي: كان هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب، من بني عامر بن لؤي، وهو ابن أخي نضلة بن هاشم لأمه، يأتي بالبعير قد أوقره طعاما ليلا، حتى إذا أقبله الشعب خلع خطامه وضرب على جنبيه فيدخل الشعب. وقال الكلبي: هو هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث ابن حبيب بن جذيمة ابن مالك بن حسل [2] . وله يقول حسان بن ثابت بعد ذلك [3] : من معشر لا يغدرون بذمة ... الحارث بن حبيب بن شحام فشدد «حبيبا» لضرورة الشعر. وكان يقال لأم جذيمة بن مالك «شحام» . وخرج العباس بن عبد المطلب من شعب أبي طالب ليشتري طعاما. فأراد أبو جهل أن يسطو به، فمنعه الله منه. وأرسلت خديجة بنت خويلد إلى زمعة بن الأسود: إن أبا جهل يمنع من ابتياع ما تريد [4] ، فأسمع أبا جهل كلاما. فأسمعه، فأمسك. وبعث إليها حكيم بن حزام بن خويلد بناقة، عليها دقيق، فسرحها في الشعب. وكان يخلص إليهم الشيء بعد الشيء. ثم إن هشام بن عمرو ابن ربيعة مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة- وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- فقال: يا زهير، أرضيت بأن تأكل وتشرب وتلبس الثياب وتنكح النساء آمنا، وأخوالك بحيث علمت على الحال التي تعرف من الجهد
والضر؟ فقال له: إنما أنا رجل واحد. قال: فقد وجدت ثانيا. قال: ومن هو؟ قال: أنا. فقال زهير: ابغنا ثالثا. قال: فذهب إلى مطعم بن عدي، فقال له: أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد، موافق لقريش على ذلك؟ قال: ويحك، فما أصنع؟ إنما أنا رجل واحد. قال: فقد وجدت لك ثانيا. قال: من هو؟ قال: أنا. قال: فابغنا ثالثا. قال: قد وجدته. قال: ومن هو؟ قال: زهير بن أبي أمية. قال: فابغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى، فكلمه. فقال: هل من أحد على هذا الرأي؟ قال: نعم، أنا ومطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية. قال: فابغنا خامسا. فأتى زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى، فكلمه وأخبره خبر القوم. وأجمعوا أمرهم، وتعاهدوا على القيام بنقض ما في الصحيفة وإخراج بني هاشم وبني المطلب من الشعب. ولما كان من خروج أبي طالب إلى قريش وإخبارهم بما حدث من أمر الصحيفة من أكل الأرضة إياها ما كان، رجع أبو طالب إلى الشعب وهو يقول: لماذا نحبس وقد أبان الله الأمر ووضح؟ قالوا: وشرب مطعم بن عدي شرابه. فلما انتشى، قال: من مثلي؟ فقال له عدي بن قيس بن عدي السهمي- ويقال: عتبة بن ربيعة- إن كنت كما تقول، فما بال بنى عمك جوعا هلكى مظلومين؟ وكان عدى ابن قيس يكنى أبا حسان. فلما صحا، لبس سلاحه. وليس أبو البختري، وزهير بن أبي أمية، وهشام بن عمرو، وعتبة بن أبي ربيعة، وزمعة بن الأسود سلاحه (م) . وصاروا إلى الشعب، فأخرجوا بني هاشم وبني المطلب. فلما رأت قريش ذلك، سقط في أيديهم، وعلموا أنهم لا يسلمونهم، وأن/ 110/ عشائرهم تمنعهم. وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة من نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان موت أبي طالب بعد خروجهم من الشعب في أول ذي القعدة سنة عشر من المبعث. ويقال: للنصف من شوال، وله بضع وثمانون سنة. ويقال: إن بين موته وموت خديجة بنت خويلد شهرا [1] وخمسة أيام. ويقال: خمسة أيام. ويقال خمسة وعشرين يوما. ويقال: ثلاثة أيام.
(سفر الطائف) :
وكان موتها قبل موته. ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون. ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ. (سفر الطائف) : 561- قالوا: وخرج رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ زيد بن حارثة مولاه. بعد موت أبي طالب إلى الطائف. فآذته ثقيف. فأسمعوه وأغروا سفهاءهم به، وقالوا: كرهك أهل بلدك وقومك ولم يقبلوا منك، فجئتنا، فنحن والله أشد لك إباء، وعليك ردا، ومنك وحشة. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة، ثم قال: « [اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني؟] » وخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزيد بن حارثة، راجعين حين يئس من أهل الطائف. ووجه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا من خزاعة إلى سهيل بن عمرو يسأله أن يدخل في جواره، فأبى. ثم بعث إلى مطعم بن عدي، فأجاره. فدخل في جواره. ولبس قومه السلاح حتى أدخلوه المسجد. فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكرها لمطعم بن عدي. وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لثلاث ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة. وقدم مكة يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة. (عرض نفسه على القبائل) : 562- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو القبائل في الموسم قبل الهجرة، ويسألهم نصرته ومنعته. فكان يلقى منهم تجهما وغلظا. ولقى من بنى عامر ابن صعصعة ما لم يلق (من) أحد من العرب. وقال له رجل من بني محارب يوما: والله لا يؤوب بك قوم إلى دارهم إلا آبوا بشر ما آب به أهل موسم. وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على القبائل، يدعوهم، وأبو لهب خلفه يثبط [1] الناس
عنه. ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني حنيفة مثل ما لقي من بني عامر. ولم يكن حي من العرب ألين قولا له ولا أحسن ردا عليه من كندة. ودعا كلبا، فلم يقبلوا منه. وقال شيخ منهم: ما أحسن ما يدعو إليه هذا الفتى إلا أن قومه قد باعدوه، ولو صالح قومه، لا تبعته العرب. وقدم قوم من الأوس مكة يطلبون حلف قريش على الخزرج [1] ، لما كان بينهم من الحرب. فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام. فقال له أنس بن رافع: عجبا، جئنا نطلب حلف قريش على أعدائنا فنرجع وقريش عدونا. ومال إليه بعضهم. 563- قالوا: وخرج سويد بن الصامت قبل يوم بعاث، حتى قدم مكة. فلقي النبي صلى الله عليه وسلم. فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام. فقال له: لعل الذي معك مثل الذي معي. وكانت معه حكمة لقمان. فقال له صلى الله عليه وسلم: [إن هذا لكلام حسن، والذي معي أحسن منه وأفضل] . ثم قدم، فقتل. وهاج قتله يوم بعاث. وكان الذي قتله المجذر بن ذياد البلوي: وكانوا يرون أنه مسلم. 564- قال الواقدي: فلما كان يوم أحد، قتل الحارث بن سويد بن الصامت: المجذر بن ذياد غيلة. فأتاه الوحي بقتله فركب/ 111/ إلى بني عمرو بن عوف. فخرجوا إليه. وخرج الحارث. فأمر بقتله. وقال الكلبى: قتل المجذر [2] جلاس بن سويد غيلة. فقتله رسول الله صلى الله عليه به قودا. وكان أول من أقيد في الإسلام. 565- وكان القوم من الأنصار بعد القوم يدخلون مكة في أمور لهم، فيدعوهم. فيقول بعضهم: لم نقدم لهذا. وأسكت بعضهم، فلا يقول شيئا. ثم قدم قيس ابن الخطيم، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: إني لأسمع كلاما عجبا، فدعني أنظر في أمري في هذه السنة، ثم أعود. فمات قبل الحول.
أمر العقبة الأولى:
أمر العقبة الأولى: 566- قالوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل عام، فلقي رهطا من الخزرج، فوقف عليهم ودعاهم إلى الإسلام، وتلى عليهم القرآن. وكانوا يسمعون أمره وذكره وصفاته من اليهود. فأسلموا. وكانوا ستة نفر. ثم لما كان العام القابل من العام الذي لقي فيه الستة نفر، لقيه اثنا عشر. وذلك في العقبة الأولى. وهم من بني النجار: أسعد، وعوف ومعوذ ابنا عفراء. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس، ورافع بن مالك. (ومن القواقل: عبادة ابن الصامت، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة حليف لهم) [1] . ومن بني عمرو بن عوف: عباس بن عباد (ة) بن نضلة. ومن بني سلمة: عقبة بن عامر ابن نابي. ومن بني سواد: قطبة بن عامر. ويقال: عمرو بن حديدة. ومن الأوس رجلان: أبو الهيثم بن التيهان الأشهلي، وعويم بن ساعدة. فبايعوه على بيعة النساء [2] : بايعوا على أن لا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة. ولم يذكر القتال. فلما انصرف أهل العقبة الأولى إلى المدينة، قدموا على قوم قابلين للإسلام. فدعوهم حتى شاع فيهم الإسلام. وكتب وجوههم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يبعث إليهم من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين. فوجه إليهم مصعب بن عمير. وكان يصلي بهم، قبل قدومه، أسعد بن زرارة. فيقال: إن مصعبا صلى بهم، ويقال إن أسعد بن زرارة لم يزل يصلي بهم بعد قدوم مصعب على ما كان عليه حتى قدم سالم مولى أبي حذيفة. وكان مصعب يعلمهم القرآن. وقد قيل: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مصعبا بعد العقبة الثانية. فكان
تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة:
بالمدينة حتى وافاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه رجع إلى مكة، فهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. 567- قالوا: ولما كان قرب وقت الحج في السنة الثانية [1] ، تواعدوا لحضور العقبة، وحجوا. فكان العباس بن عبد المطلب المتولي لأخذ البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادها بالعهد والميثاق. وكانت عدة من بايع عند العقبة الثانية سبعين. فبعث عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر نقيبا منهم. وهم الكفلاء على ما بعث من عدة نقباء بني إسرائيل. تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة: 568- من الأوس بن حارثة: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك، أحد بني عبد الأشهل بن جشم. يكنى أبا يحيى، وأبا حضير. قال الواقدي: لم يشهد بدرا، وقال الكلبي: شهدها. وتوفي أسيد في سنة عشرين. وحمل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جنازته، وصلى عليه، ودفن بالبقيع. وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير حين قدم المدينة. وهو نقيب. أبو الهيثم مالك/ 112/ ابن التيهان. وولده يقولون: التيهان بن مالك بن عتيك، من ولد زعور (اء) [2] ابن جشم. وبعضهم يزعم: أنه حليف لهم من بلي. والأول قول الكلبي، وهو أصح. وشهد بدرا. ومات في خلافة عمر، سنة عشرين. ويقال: إنه قتل مع علي عليه السلام بصفين. وهو نقيب. روى عنه أنه قال: بايعنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما بايع عليه بنو إسرائيل موسى عليه السلام. سلمة ابن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء [3] بن عبد الأشهل. ويكنى أبا عوف، ويقال: أبا ثابت. شهد بدرا. ومات بالمدينة سنة خمس وأربعين، وهو ابن سبعين سنة. سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك بن كعب بن النحاط، أحد بني السلم بْن امرئ القيس بْن مالك بن الأوس. وكان رسول الله صلى الله
رفاعة ابن عبد المنذر بن زنبر بن زيد،
عليه وسلم حين هاجر يطيل الحديث عنده؟ حتى ظن قوم أنه نزل عليه. ويقال: إنه كان يكنى أبا مسعود. استشهد يوم بدر. وهو نقيب. رفاعة ابن عبد المنذر بن زنبر بن زيد، أخو أبي لبابة بشير بن عبد المنذر. كان يكنى أبا رافع. شهد بدرا، واستشهد يوم خيبر. عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس، أحد بني عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس. يكنى أبا عبد الرحمن. شهد بدرا. ومات في خلافة عمر بالمدينة، وهو ابن خمس أو ست وستين. ومحمد بن إسحق [1] يزعم أنه من بلي. وقال الكلبي: هو من أنفسهم، ونسبه هذه النسبة. أبو بردة بن نيار. واسم أبي بردة هانئ. وأبوه نيار بن عمرو بن عبيد. وهو بلوي، حليف بني حارثة بن الحارث، من الأوس. وهو خال البراء بن عازب الأوسي. شهد بدرا، ومات في أول خلافة معاوية بْن أَبِي سُفْيَان. عَبْد اللَّهِ بْن جبير بن النعمان، صاحب الرماة يوم أحد. يكنى أبا المنذر. استشهد يومئذ في ثلاثين رجلا. وقد شهد بدرا. وهو أسن من أخيه خوات ابن جبير، صاحب ذات النحيين [2] . ومات خوات بالمدينة سنة أربعين، وهو ابن أربع وسبعين سنة. وكنية خوات أبو صالح، ويقال: أبو عبد الله. وأبو صالح أثبت. وكان يخضب بالحناء والكتم [3] . وكان ربعة من الرجال. معن بن عدى البلوى، حليف بني عمرو بن عوف، من الأوس. وهو أخو عاصم بن عدي. وكنية معن أبو عمير. شهد المشاهد كلها. واستشهد باليمامة في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه. قتادة بن النعمان الظفري، أخو ظفر بن الخزرج [4] ، من الأوس. وكان قتادة يكنى أبا عمرو. والأنصار يكنونه أبا عبد الله. وهو الذي أصيبت عينه يوم أحد، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه. شهد بدرا. ومات سنة ثلاث وعشرين،
ظهير بن رافع بن عدى
وهو ابن خمس وستين سنة. وصلى عليه عمر بالمدينة. وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. وهو نزل في قبره، والحارث بن خزمة، ومحمد بن مسلمة، ومن ولده عاصم بن عمر بن قتادة. ظهير بن رافع بن عدي أبو [1] «أسيد بن ظهير» . قال الهيثم بن عدي: مات قبل بدر. قال الواقدى: وشهد أسيد أحد (ا) والخندق، وكان ممن أجاز النبي صلى الله عليه وسلم من الصغار. نهير بن الهيثم ابن نابئ بن مجدعة بن حارثة. والكلبي يجعل مكانه سعد بن زيد بن مالك الأشهلي، ويقول: هو بدري، عقبي. فهؤلاء اثنا عشر رجلا، فيهم ثلاثة نقباء. ومن الخزرج بن حارثة، من بني النجار بن ثعلبة: أبو أيوب خالد ابن زيد بن كليب النجاري. شهد بدرا. ومات بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين، عام غزا يزيد بن معاوية. فصلى عليه يزيد، ودفنه في أصل سور القسطنطينية [2] . وعليه نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد انتقاله من [3] قباء. عمارة بن حزم/ 113/ بن زيد بن لوذان بن عمرو، أخو عمرو بن حزم النجاري. شهد بدرا. واستشهد يوم اليمامة. ويقال إنه أدرك خلافة معاوية، ومات فيها، وقد ذهب بصره. أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، أحد بني جديلة. شهد بدرا. وهو الذي وكله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بأصحاب الشورى لينظروا في أمرهم ويقطعوه. مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين. وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنه. وأهل البصرة يقولون: ركب البحر فمات به. وكان آدم،
معاذ بن الحارث بن رفاعة النجارى. وهو ابن عفراء.
مربوعا، لا يغير شيبه. معاذ بن الحارث بن رفاعة النجاري. وهو ابن عفراء. استشهد هو وأخوه معوذ يوم بدر، وبقي عوف بن الحارث أخوهما حتى مات في أيام علي عليه السلام ومعاوية رضي الله تعالى عنه. قال ابن الكلبي: لما قتل معاذ ومعوذ، جاءت عفراء بنت عبيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت لعوف: يا رسول الله، هذا شر بني. فقال: لا. والبقية من ولد عفراء في عوف. وقال الواقدي: استشهد عوف بن عفراء ومعوذ- قتلهما أبو جهل- وبقي معاذ حتى مات في الفتنة. وكانت عفراء بنت عبيد عند الحارث بن رفاعة الخزرجي، فولدت له معاذا ومعوذا. ثم إنه طلقها، فقدمت مكة حاجة، فتزوجها البكير بن عبد ياليل الليثي، فولدت له عاقلا، وإياسا، وعامرا، وخالدا. ثم رجعت إلى المدينة، فراجعها الحارث بن رفاعة، فولدت له عوفا. أسعد الخير بن زرارة بن عدس النجاري. يكنى أبا أمامة. مات على تسعة أشهر من الهجرة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى [1] . فدفن بالبقيع. وكان نقيب النقباء. فقالت بنو النجار: مات نقيبنا يا رَسُولُ اللَّهِ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا نقيبكم] » . وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته إليه، فزوجها سهل بن حنيف، فولدت له أبا أمامة بن سهل. وكان أسعد لما قدم أهل العقبة الأولى، اجتهد في دعاء الناس إلى الإسلام، حتى فشا بالمدينة وكثر. فكان يجمع بهم في المدينة في كل جمعة. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ لَمْ يَجْمَعِ بِالنَّاسِ حَتَّى قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ أَنَّ مُصْعَبًا كَانَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ أَسْعَدُ يُصَلِّي بِهِمْ وَيُجْمِعُ، إِلَى قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو النجاري. شهد بدرا. وذكر الهيثم بن عدي أنه مات في خلافة عثمان. أوس بن ثابت بن المنذر ابن حرام النجاري، أخو حسان بن ثابت الشاعر. يكنى أبا شداد. شهد بدرا. وهو أبو شداد بن أوس. مات أوس بن ثابت في خلافة عثمان. ومات شدّاد-
قيس بن أبى صعصعة
ويكنى أبا يعلى- بفلسطين في سنة ثمان وخمسين، وكان نزلها. وتوفي وله خمس وسبعون سنة. قيس بن أبي صعصعة - واسمه عمرو- بن زيد بن عوف بن مبذول [1] . وكان على الساقة [2] يوم بدر. وقال الواقدي: هو ثعلبة بن عمرو بن قيس بن أبي صعصعة. والأول قول ابن الكلبي. غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء النجاري، أبو «أبى حية [3] بن غزية» . وابن إسحق [4] يقول: عمرو بن غزية. والأول أثبت. فهؤلاء تسعة نفر، فيهم نقيب. 570- ومن بني الحارث بن خزرج: سعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير ابن مالك. شهد بدرا، واستشهد بأحد. وهو نقيب. ذكر الهيثم أنه كان يكنى أبا الربيع. خارجة بْن زَيْد بْن أَبِي زهير بْن مالك. نزل أبو بكر رضي الله تعالى عنه عليه بالمدينة، وتزوج ابنته في حياة أم رومان: أم «عائشة» . واستشهد خارجة بأحد. وتوفي أبو بكر وابنة خارجة حامل، فولدت له أم كلثوم، تزوجها طلحة بن عبيد الله التيمي فولدت له زكريا وعائشة بنت طلحة. وزيد ابن خارجة المتكلم بعد موته في زمن عثمان بالمدينة. عبد الله بن رواحة بن عمرو ابن امرئ القيس. وكان شاعرا. شهد بدرا، واستشهد بمؤتة سنة ثمان. وهو نقيب. بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس، أبو «النعمان بن بشير» / 114/ وبه كان يكنى. وهو أول أنصاري بايع أبا بكر. قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد. وكان النعمان، ابنه، أول مولود من الأنصار بالمدينة بعد الهجرة، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقتل بحمص أيام عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. عَبْد اللَّهِ بْن زيد بن ثعلبة الذي أري الأذان. مات سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة. وصلى عليه عثمان بالمدينة. وكان يكنى أبا محمد. وكان ربعة من الرجال. خلّاد بْن سوُيد بْن ثعلبة بْن عَمْرو. استشهد يَوْم بني قريظة سنة خمس، طرحت عَلَيْهِ رحى، [فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ له [5]
عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة.
لأجر شهيدين.] وقَالَ بعضهم: إنه لم يقتل. وولي السائب بْن خلّاد لمعاوية اليمن. عقبة بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن أَسيرة بْن عُسيرة بْن عطية بْن جِدارة. يكنى أبا مَسْعُود. ولاه عليّ عَلَيْهِ السَّلام الكوفة حين صار إلى صفين، وابتنى بها دارًا. وتوفي فِي أول أيام معاوية. قَالَ الواقدي: شهد العقبة، ولم يشهد بدرًا. وكان مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [1] يَقُولُ: كَانَ أصغر من شهد العقبة. فهؤلاء سبعة نفر، فيهم نقيبان. 571- ومن بني زريق بْن عَبْد بْن [2] حارثة، من الخزرج: زياد بن لبيد ابن ثعلبة بْن سنان بْن عامر، أحد بني بياضة بْن عامر بْن زُريق. يكنى أبا عَبْد اللَّه. شهد بدرًا، وولاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر موت، فأقّره عليها أَبُو بَكْر. وتوفي أَبُو بَكْر وهو عليها. وقَالَ الهيثم بْن عدي: مات باليمن في خلافة عُمَر بْن الخطاب. فروة بْن عَمْرو بن وذفة البياضي. شهد بدرًا. وكان عَلَى بيع الأخماس يَوْم خيبر. خَالِد بْن قيس بْن مالك بْن العجلان بْن عامر بْن بياضة. شهد بدرًا. وقيل: إنه لم يشهد العقبة. والثبت أَنَّهُ شهدها. رافع بْن مالك بْن العجلان بْن عَمْرو بْن عامر بْن زُريق. يكنى أبا رفاعة وأبا مالك. وكان نقيبًا. لم يشهد بدرًا. واستشهد يَوْم أحد. وكان أَوَّل من أسلم من الأنصار. وكان ابنه رفاعة من أشد النَّاس عَلَى عثمان. ومات رفاعة في أيام معاوية. ويكنى أبا مُعَاذِ. ذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة بن مخلد الزرقي. خرج إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة حتَّى هاجر معه. فهو من مهاجري الأنصار. واستشهد بأُحد. عباد بْن قيس بْن عامر بْن خلدة الزرقي. قتل أخوه يَوْم بعاث. وشهد عباد بدرًا. وأصابته يَوْم اليمامة جراحة، ثُمَّ انتقضت بِهِ فِي أول خلافة عثمان رَضِي الله تعالى عَنْهُ فمات منها. أَبُو خَالِد، وهو الحارث بْن قيس بْن خلدة. وَقَدْ شهد بدرًا. فهؤلاء سبعة نفر، فيهم نقيب. 572- ومن بني سَلَمة بْن سعد بْن عليّ بْن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم.
البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان، أبو بشر.
وأخيه أُديّ بْن سعد: البَراء بْن معرور بْن صخر بْن خنساء بْن سنان، أَبُو بشر. مات بالمدينة فِي صفر قبل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها بشهر. وأوصى أن يوجه نحو الكعبة. وكان قَدْ صلى إليها قبل أن تحوّل القبلة نحوها. فوّجّه وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى عَلَيْهِ. وكانت امرأته أم بشر قَدْ أعدّت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، فأكل عندها ثُمَّ صلى بأصحابه فِي مسجد القبلتين. فلما فرغ من الركعتين الأوليين، حُوّل إلى الكعبة، فانحرف نحوها. وذلك يَوْم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين. وَيُقَالُ: للنصف من رجب. وكان البراء أول من أوصى بثلث ماله. وهو نقيب. بشر ابن البراء بْن معرور. شهد بدرًا. وهو [الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة، حين سألهم: من سيدهم؟ فقالوا: جد بن قيس على بخل فيه. فقال: «فأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد: بشر بْن البراء] » . وكان بشر أول من صلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار إلى الكعبة. وكان أكل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشاة المسمومة التي أهدتها زينب بِنْت الحارث امْرَأَة/ 115/ سلّام بْن مشكم اليهودي بخيبر، فمات. سنان بْن صيفي بْن (صخر بْن) [1] خنساء بْن سنان. شهد بدرًا، وقتل يوم الخندق. وقال أحمد بن إسحق: أَبُو سنان [2] صخر بْن صيفي: والأول أثبت. الطفيل بْن مالك بْن خنساء. شهد بدرًا. وبعضهم يقول: الفضل، فيصحّف . الطفيل بن النعمان بْن خنساء. شهد بدرًا، وقتل بالخندق. معقل ابن المنذر بْن سرح بْن خُناس بْن سنان. شهد بدرًا. جبار بْن صخر بْن أمية ابن خنساء. كَانَ حارس النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر. يكنى أبا عَبْد اللَّه. شهد بدرًا وهو ابْنُ اثنتين وثلاثين سنة. ومات بالمدينة سنة ثلاثين. وقَالَ الكلبي: كَانَ الفاكه بْن السكن بْن زَيْد بْن أمية، وجبار بْن صخر حارسي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكان جبار عقبّيًا، ولم يكن الفاكه عقبيّا. مسعود بن يزيد ابن سبيع بْن خناس بْن سنان. شهد بدرًا، وقتل يوم الخندق. الضحاك بن
يزيد بن المنذر
حارثة بْن زَيْد بْن ثعلبة بْن عُبَيْد بْن عدي. قَالَ الواقدي هُوَ عَقبي. وقَالَ الكلبي: عقبي بدري. يزيد بْن المنذر (بْن سرح بن خناس. يزيد) [1] ابن حرام بْن سبيع بْن خنساء. صيفي بْن سواد بن عباد [2] بن عمرو بن عدى ابن سواد بْن غنم بْن خَالِد بْن عَمْرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سَلَمة. أَبُو عبس بْن عامر بْن عدي بْن سواد. شهد بدرًا. وقَالَ الكلبي: عبس بْن عامر. سليم بْن عَمْرو بْن حُديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بْن سَلَمة. شهد بدرًا. وقَالَ الواقدي: هُوَ سليم بْن عامر. والأول قول الكلبي. قطبة بْن عامر بْن حُديدة. يكنى أبا زَيْد. مات فِي خلافة عثمان. وقَالَ الكلبي: هُوَ قطبة بْن عَمْرو بْن حُديدة أَبُو «جميلة» مولاة الْحَسَن الْبَصْرِيّ. يزيد بْن عامر ابن حديدة يكنى أبا المنذر. شهد بدرًا. وقَالَ الكلبي: هُوَ يزيد بْن عَمْرو. أَبُو اليسر، وهو كعب بْن عَمْرو بْن عباد بْن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سَلَمة. شهد بدرًا وهو ابْنُ اثنتين وثلاثين سنة. ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين. وكان قصيرًا دحداحًا، ذا بطن. وشهد مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام مشاهده كلها. ثابت بْن الجِذْع. وولده يقولون: الجَذَع بْن زَيْد بْن حرام. واسم الجذع ثعلبه. شهد بدرًا، وقتل يَوْم الطائف. مُعاذ بْن جَبَل بْن عَمْرو بْن أوس بن عائذ ابن عدى بن كعب، من عَمْرو بْن أُديّ بْن سعد، إخوة بني سَلَمة بْن سعد. وهو ينسب إلى بني سَلَمة. وكان يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَن. شهد بدرًا وهو ابْنُ عشرين سنة أَوْ إحدى وعشرين سنة. ومات سنة ثماني عشرة فِي طاعون عَمواس، بناحية الأردن. وكان طوالًا، أبيض، حسن الثغر، عظيم العينين، جعدًا. وهو الثبت. وقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [3] : لم يكن منهم ولكنهم ادعوه. وكان من قضاعة.
ثعلبة بن غنمة بن عدى بن سواد
ثعلبة بْن غَنَمة بْن عدي بْن سواد [1] . استشهد يَوْم الخندق. ولم يذكره الكلبي، وجعل مكانه عامر بْن نابي بْن زَيْد بْن حرام بْن كعب بْن غنم بْن كعب بْن سَلَمة. كعب بْن مالك الشَّاعِر بْن أَبِي كعب - واسمه عَمْرو- بْن القين بْن أسود بْن غنم بْن كعب بْن أَبِي سَلَمة. يكنى أبا عَبْد اللَّه. مات وَقَدْ كفَ بصره. وكان موته فِي سنة خمسين [2] وهو ابْنُ سبع وسبعين سنة. عَمْرو بْن غنمة ابن عدي بْن سواد. وهو أخو ثعلبة بْن غنمة. والكلبي يثبته، ويقول إنه عقبي شهد بدرًا. عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام بْن كعب بْن غَنم. ويكنى أبا جَابِر. وهو أبو «جَابِر بْن عَبْد اللَّه» الَّذِي يتحدّث عَنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ. استشهد عَبْد اللَّه يَوْم أُحد. وهو عقبي بدري نقيب. وكان قدومه مَعَ قومه على الشرك، فدعاه إلى الإسلام. وغرّبوه فضله. فأسلم وطرح ثوبيه، ولبس ثوبين أعطاه إياهما البَراء بْن معرور. جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو. يكنى أبا عَبْد اللَّه. قَالَ الواقدي مات سنة ثمان وسبعين، وَقَدْ كفّ بصره، وهو ابْنُ أربع وتسعين سنة. وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والي المدينة. وقَالَ الهيثم/ 116/ بْن عدي: مات سنة ثلاث وسبعين. وروى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَهْبٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَصْغَرَ أَهْلِ الْعَقَبَةِ. قَالَ الواقدي: يُقال إنه كَانَ آخر أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتًا. بالمدينة جَابِر بْن عَبْد اللَّه والثبت أن آخرهم موتًا سهل ابْنُ سعد الساعدي مات سنة إحدى وتسعين. وبالبصرة أنس بْن مالك مات سنة اثنتين وتسعين. وبالكوفة عَبْد اللَّه بْن أَبِي أوفى الأسلمي مات سنة ست وثمانين وبالشام عَبْد اللَّه بْن بسر المازني، من مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس، من الأحداث، مات فِي سنة ثمان وثمانين. وبمكة عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب مات فِي سنة أربع وسبعين، سافر [3] فِي عقب الحج، فأصابه زجّ [4] رمح
معاذ بن عمرو ابن الجموح بن زيد بن حرام.
من أزّجة أصحاب الحجاج عند الجمرة، فأتاه الحجاج يعوده. فَقَالَ لَهُ: أصحابك قتلوني. وَيُقَالُ إنّ سمرة بن جندب الفزارى آخر أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة موتا، وكان بالبصرة واليا، واليه مات بالكوفة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَمَّنْ رَأَى الْحَجَّاجَ خَتَمَ أَنَسًا [1] فِي رَقَبَتِهِ، وَمَنْ رَأَى الْحَجَّاجَ خَتَمَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي كُوعِهِ، فَقَالَ جَابِرٌ: شَهِدْتُ الْعَقَبَةَ، وَرَأَيْتُ الْحَجَّاجَ وَمَا يَصْنَعُ، فَلَيْتَ سَمْعِي ذَهَبَ كَمَا ذَهَبَ بَصَرِي فَلا أَسْمَعُ بِهِ شَيْئًا. فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ قَوْلُهُ، فَكَانَ يَقُولُ: مَا نَدِمْتُ نَدَامَتِي عَنْ شيء ندامتى على أن لا أكون قتلته حين بلغنى قوله. قال له عبد الله ابن عُمَرَ: فَإِذًا وَاللَّهِ كَانَ يَكُبُّكَ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى مِنْخَرَيْكَ. وَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالأَمِيرِ خيرهما، أراد بنفسه. معاذ بن عمرو ابن الجموح بْن زَيْد بْن حرام. وهو الَّذِي ضرب رَجُل أَبِي جهل، فقطعها حتَّى سقط. واستشهد مُعَاذِ يَوْم أحد. عمير بْن الحارث بْن ثعلبة بْن الحارث بْن حرام. شهد بدرًا. وهو كَانَ يقرن الرجال يَوْم بعاث. عَبْد اللَّه بْن أنيس بْن أسعد، من ولد البركى [2] بْن وبرة، أخي كلب بْن وبرة. يكنى أبا يَحيى. شهد العقبة ولم يشهد بدرًا. وشهد يَوْم أحد. وكان ينزل فِي جهينة، فعرف بالجهني وهو حليف لبني سَلَمة. ومنزله بأعراف، عَلَى بريد من المدينة. فَقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مرني يا رَسُول اللَّه أي ليلة أنزل فيها إلى المدينة فِي شهر رمضان؟ فَقَالَ: [ليلة ثلاث وعشرين.] فقيل «ليلة الجهني» . وقَالَ الكلبي: هُوَ مهاجري أنصاري عقبي، وأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصرة كَانَ يتخصر بها، وقَالَ: القني بها فِي الجنة. وذلك أَنَّهُ بَعث بِهِ فِي وجه، فبلغ الَّذِي أحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات عَبْد اللَّه أيام معاوية بالمدينة. خَديج بْن أويس [3] ، وَيُقَالُ: ابْنُ مالك، حليف لهم من بلي. وهو أَبُو شباب. ولد شباب ليلة العقبة.
وهي أم منيع بنت عمرو بن عدى.
وأم «شباب» ، وهي أم منيع بِنْت عَمْرو بْن عدي. فهؤلاء ثمانية وعشرون رجلًا وامرأة، فيهم نقيبان. 573- ومن بني ساعدة بْن كعب بْن الخزرج: سعد بْن [1] عبادة بْن دُليم ابن حارثة بْن أَبِي خُزيمة بْن ثعلبة بْن طريف بْن الخزرج بْن ساعدة. يكنى أبا ثابت. وكان تهيأ للخروج إلى بدر، فنُهش فأقام، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لئن كَانَ سعد لم يشهدها، لقد كَانَ عليها حريصا.] وكان نقيبًا، سيدًا، جوادًا. ومات بحوران فجأة لسنة مضت من خلافة عُمَر. وَيُقَالُ إنه امتنع من البيعة لأبي بَكْر/ 117/ فوّجه إِلَيْه رجلًا ليأخذ عَلَيْهِ البيعة وهو بحوران من أرض الشام. فأباها، فرماه فقتله. وفيه يروي هَذَا الشعر الَّذِي ينتحله الجنّ [2] : قتلنا سيد الخزرج ... سعد بْن عباده رميناه بسهمين ... فلم نُخْطِ فؤاده المنذر بْن عَمْرو بْن خنيس بْن لوذان بْن عَبْد وُدّ بْن زَيْد بْن ثعلبة بْن الخزرج بْن ساعدة، نقيب. شهد بدرًا، وقتل يَوْم بئر معونة سنة أربع. أم عمارة، وهي نسيبة بِنْت كعب، امرآة منهم. بايعها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما بايع عليه النساء، ولم يصافحها، لأنا نعلم [3] أنه لم يكن يصافح النساء. وَقَدْ قاتلت يَوْم أحد. قَالَ الواقدي: شهدت أمْ عمارة العقبة مَعَ زوجها غزية بْن عَمْرو، وشهدت أحدًا [4] ، وشهدت اليمامة، وورثت ابنها خبيب ابن زَيْد بْن عاصم الَّذِي قطعه مسيلمة. وورثها ابنها عَبْد اللَّه بْن زَيْد، وقتل يَوْم الحرة. فهؤلاء رجلان، وهما نقيبان، وامرأة.
574 - ومن بنى عوف بن الخزرج:
574- ومن بني عوف بْن الخزرج: عبادة بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم ابْنُ فهر بْن ثعلبة بْن قوقل - واسم قوقل غنم- بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج. ويكنى عبادةُ أبا الوليد. بدري، نقيب، توفي بالرملة من فلسطين سنة أربع وثلاثين، وهو ابْنُ اثنتين وسبعين سنة. وكان طوالًا، جميلًا، جسيمًا. وقَالَ الهيثم بْن عدي: توفي فِي أيام معاوية. وكان أخوه أوس بْن الصامت زوج خويلة بِنْت ثعلبة، وهي «المجادِلة» ، وفيها نزلت آية الظهار [1] . وأدرك أوس عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. الْعَبَّاس بن عبادة بن نضلة بن مالك ابن العجلان بْن زَيْد بْن سالم بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج. شهد العقبة، وخرج من المدينة مهاجرًا إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدرًا. وقتل يَوْم أُحد. يزيد بْن ثعلبة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن، حليف لهم من قضاعة. ولم يشهد بدرًا، فيما ذكر الواقدي. والكلبي يجعل مكان يزيد هَذَا، زَيْد بْن وديعة ابْنُ عَمْرو بْن ثعلبة، من بني الحُبلى بْن غَنْم بن عوف، من الخزرج، الَّذِي استشهد يَوْم أحد. واسم الحبلي سالم، سمي الحبلى، لعظم بطنه. رفاعة بن عمرو ابن زَيْد بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن جشم بْن مالك بْن سالم بْن عوف. شهد بدرًا، واستشهد يَوْم أحد. وكان يكنى أبا الوليد. وبعضهم يقول: رفاعة بن الهاف ابن عمير بْن زَيْد بْن عَمْرو. عقبة بْن وهب بْن كلدة [2] بْن زهرة بْن جشم ابن عوف بْن بُهثة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان، حليف بني الحبلى. وكان شهد بدرًا. وكان أتى مكَّة، فهاجر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مهاجري أنصارى. قَالَ الكلبي: شخص عُقبة إلى مكَّة، وقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لست أتخذ دارا غير دارك. فلما أذن اللَّه تَعَالى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة، هاجر إلى المدينة. وأكبّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد وَقَدْ أصابه سهم فِي جبهته، فغاب إلا شظية. فانتزعه، فسقطت ثنيتاه. فهؤلاء خمسة رجال، منهم نقيب. فجميع من بايع عند العقبة الثانية سبعون رجلًا وامرأتان، بايعوا عَلَى البيعة الأولى، وزاد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسماء النقباء الاثنى عشر:
فيها «قتال الأحمر والأسود، وعلى أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمنعون مِنْهُ [1] أنفسهم» ، وضمن لهم عَلَى ذَلِكَ الجنة. 575- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أشياخه قَالُوا: ممن شهد العقبة وابنه معه: عَبْد اللَّه بْن (عَمْرو بْن) حرام أَبُو جَابِر بْن عَبْد اللَّه، ومعه ابنه جَابِر بْن عَبْد اللَّه، وسعد بْن خيثمة، ومعه ابنه عَبْد اللَّه بْن سعد، والبراء بْن معرور، ومعه ابنه بِشر بْن البراء. أسماء النقباء الاثني عشر: 576- من الأوس: أُسيد بْن حُضير، أَبُو الهيثم مالك بْن التيّهان، سعد بْن خيثمة. 577- ومن الخزرج: أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة، رافع بْن مالك الزرقي، سعد بْن عبادة، المنذر بْن عَمْرو/ 118/ البراء بْن معرور: سعد بْن الربيع، عَبْد اللَّه بْن رَواحة، عبادة بْن الصامت- ومنهم من يجعل مكانه خارجة بْن زَيْد- عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَبُو «جَابِر بْن عَبْد اللَّه» . 578- قَالَ أَحْمَد بْن يَحيى، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْن صَالِحٍ، عن الواقدي فِي إسناده أن سليط بْن قيس حضر يَوْم العقبة ليبايع، فوجد النَّاس قَدْ تفرقوا. فبايع أسعد بْن زرارة نقيب النقباء. قَالَ: وقُتل سليط يَوْم قُسّ الناطِف بالعراق. قَالَ: وحضر مالك بْن الدُّخشم، وَقَدْ تفرق النَّاس، وهو من ولد مِرْضخة بْن قَوقل. فبايع أسعدَ أيضًا. 579- وحدَّثني مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ حَدَّثَنِي هشام بْن مُحَمَّد الكلبي قَالَ: حضرت جماعة فاتتهم البيعة، وأهلوهم يدّعون أنهم عقبيون، ويسقط كل مدّع لرجل أَنَّهُ عقبي رجلًا ويجعله مكانه، لئلا يزيدوا عَلَى السبعين، ويحمل ذَلِكَ عنهم،
فيقع الاختلاف. قَالَ: وَقَدْ أخبرني أَبُو عَبْد اللَّه الواقدي بنحو من هَذَا. ولم أثبت من هذه الأسماء إلا ما اجتمع عليه أصحابنا. 580- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَكْرَهِ وَالْمَنْشَطِ، وَأَلا نُنَازِعَ [1] الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ [2] بِالْحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَلا نَخَافُ [3] فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. 581- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا بِالْعَقَبَةِ سَبْعِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَوَافَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ آخِذًا بِيَدِهِ. 582- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ [4] ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عن ابن أبى مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ آخِذًا بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْمُ يَضْرِبُونَ عَلَيْهَا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ. 583- قَالَ الواقدي: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنُّقَبَاءِ: إِنَّكُمْ كُفَلاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قومى.] قالوا: نعم. 584- وقال الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: قَدِمَ الأَنْصَارُ مَكَّةَ، فَسَأَلُوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لَهُمْ: هُوَ عِنْدَ عَمِّهِ الْعَبَّاسُ. فَأَتَاهُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ فِي آخَرِينَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن لنا خلقة وَعَدَدًا. وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ عَلَيْكَ. وَلَكَ عِنْدَنَا النَّصْرُ، وَبَذْلُ الْمُهَجِ، وَالْمَنْعُ مِمَّنْ نَمْنَعُ مِنْهُ أنفسنا. فمتى نلتقي؟» فقال
الْعَبَّاسُ: إِنَّ مَعَكُمْ مِنْ حُجَّاجِ قَوْمِكُمْ مَنْ يُخَالِفُكُمْ فِي الرَّأْيِ، فَأَخْفُوا إِشْخَاصَكُمْ، وَاسْتُرُوا أَمْرَكُمْ حَتَّى يَتَصَدَّعَ الْحَاجُّ. فَوَاعَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَافِيَهُمْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبَّحَتْهَا النَّفَرُ الآخِرُ بِأَسْفَلِ الْعَقَبَةِ. وَيُقَالُ: فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبَّحَتْهَا النَّفَرُ الأَوَّلُ، عَلَى أن لا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غَائِبًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا. وَسَبَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ إِلَى الْمَوْضِعِ، وَأَقْبَلُوا يتساءلون. وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ، حَتَّى وَافَى مَنْ وَافَى مِنْهُمْ. فَتَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ، قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّدًا إِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، وَنَحْنُ عَشِيرَتُهُ وَلَسْنَا بِمُسْلِمِيهِ. فَإِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا تَنْهَضُونَ بِنُصْرَتِهِ، وَتَقْوُونَ عَلَيْهَا، وَإِلا فَلا تعروه وَأَصْدِقُوهُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ» . فَقَالَ قَائِلُهُمْ: «نحن بنو الحارث غُذِّينَا بِهَا، وَمُرِّنَّا عَلَيْهَا، وَعِنْدَنَا نُصْرَتُهُ وَالْوَفَاءُ لَهُ، وَبَذْلُ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا دُونَهُ، وَلَنَا عُدَّةٌ وَعَدَدٌ وَقُوَّةٌ» . وَجَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَخْفُوا أَمْرَكُمْ، فَإِنَّ عَلَيْنَا عُيُونًا. فَلَمَّا اسْتَوْثَقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَاعْتَقَدَهَا عَلَيْهِمْ، ضَرَبُوا عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلُ من بدأ فضرب البراء ابن مَعْرُورٍ. وَيُقَالُ: أَبُو الْهَيْثَمِ. وَيُقَالُ: أَسْعَدُ بْنُ زرارة. ويقال: أسد ابن حُضَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ/ 119/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَخَذَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَإِنِّي آخِذٌ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلا يَجِدَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا يَخْتَارُ لِي جِبْرِيلُ.] فَلَمَّا سَمَّاهُمْ، قَالَ: أَنْتُمْ كُفَلاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ. وَجَعَلَ أَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ نَقِيبَ النُّقَبَاءِ. ثُمَّ قَامَ النُّقَبَاءُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَحَمِدُوا اللَّهَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ وَمَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّهِ، وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ. وَتَحَاضُّوا عَلَى نُصْرَتِهِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَبَيْعَتِهِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا. 585- قَالُوا: وَطَلَبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَظَفَرُوا بِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالُوا: أَنْتَ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، حَتَّى خَلَّصَهُ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا. وَفَاتَهُمُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَدْ كَانَ أَشْرَفَ أَنْ يُؤْخَذَ. فَقَالَ ضرار بْن الخطاب الفهري [1] :
باب في قصة المعراج:
تداركت سعدًا عنوة فأسرَته ... وكان شفاءً لو تداركت منذرا ولو نلته طلّت هناك جراحه ... أحق دماء أن تُطَلّ وتهدرا فأجابه حسان بْن ثابت [1] : فخرتَ بسعد الخير حين أسرَته ... ونلتَ شفاء لو تداركت منذرا وإن امرأ يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرًا إلى أهل خيبرا وكالرجل الوسنان يحلم أَنَّهُ ... ببلدة كسرى أَوْ ببلدة قيصرا فلا تَكُ كالشاة التي كَانَ حتفُها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرًا وتفرح بالكتان لما لبسته ... وَقَدْ تلبس الأنباطُ ريطا معصفرا وقَالَ حسان أيضًا [2] : لو كَانَ سعد يَوْم مكَّة خافكم ... لأكثر فيكم قبل أن يُوسَر القتلا بعضب حُسام أَوْ بصفراء نبعة ... فنحن إذا ما أنبغت نحفز [3] النبلا باب فِي قصة المعراج: 586- قَالُوا: وأسري بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو مسجد بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة. وَيُقَالُ: بثمانية عشر شهرًا. 587- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ نَائِمًا بِالْحِجْرِ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ فَغَمَزَنِي بِرِجْلِهِ، وَأَتَانِي بِالْبُرَاقِ فَرَكِبْتُهُ] .
588- وحدثنى مُحَمَّدٌ وَالْوَلِيدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ بَعْدَ هَدْءٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ روى أنه أسرى به من الشعب. وذلك غَيْرُ ثَبْتٍ. 589- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لَقِيَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلامُ وَأُتِيَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَقَدَحٍ مِنْ خَمْرٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَهُ. فَقَالَ جِبْرِيلُ: هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ. 590- قَالُوا: وكذّبته قريش بمسراه. فوقف، فأخبرهم عن بيت المقدس وآياته، وأخبرهم عن ناقة شردت لبعضهم ببعض الطريق. فسألوا عن ذَلِكَ، فوجدوه كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 591- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) [1] . قَالَ رَأْيُ عَيْنٍ. 592- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح العجلي، عَنِ ابن أبى الزناد، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: أُسْرِيَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ. 593- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ/ 120/ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أُسْرِيَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ. 594- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: رؤيا الأنبياء وحى.
أمر الهجرة:
595- قَالُوا: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرْضِ الصَّلاةِ الْخَمْسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الصَّلاةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْعَشِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ صَارَتِ الصَّلَوَاتُ خَمْسًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ أُتِمَّتْ صَلاةُ الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَبَقِيَتْ صَلاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى حَالِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ. أمر الهجرة: 596- قَالُوا: ولما شخص السبعون الذين بايعوا عند العقبة، اشتدّ ذَلِكَ عَلَى قريش ورأوا أَنَّهُ قَدْ صارت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعة ودار هجرة. فضيّقوا عَلَى المسلمين وآذوهم ونالوا منهم من الشتم والتناول ما لم يكونوا ينالونه. فشكوا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وسألوه الهجرة. فَقَالَ: [إنه لم يؤذّن لي فِي ذَلِكَ بعد.] ثُمَّ إنه خرج عليهم بعد ذَلِكَ بأيام مسرورًا، فَقَالَ: قَدْ أخبرتُ أن دار هجرتكم يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج فإن البلاد قريبة وأنتم بها عارفون وهي طريق عِيركم إلى الشام. فجعلوا يتجهزون إلى المدينة فِي خفي وستر، ويتسللون. فيقال إنه كَانَ بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة. وجعلوا يترافدون بالمال والظهر، ويترافقون. وبلغ من بالحبشة من المسلمين هجرة إخوانهم، فقدم من قدم منهم مكة [1] للهجرة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ ممن قدم مكة [2] أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. واسم أَبُو سَلَمة عَبْد اللَّه بْن عَبْد الأسد. ثُمَّ هاجر، فكان الثالث بعد مصعب ابن عمير، وابن أم مكتوم. وكان مصعب أول من قدمها، وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلّم النَّاس القرآن. ثُمَّ تلاه ابن أم مكتوم. وسمعتُ من يذكر أن أبا سَلَمة قبل ابْنُ أم مكتوم. والخبر الأول أثبت. 597- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم المدينة مصعب
أول ظعينة ترد المدينة
ابن عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصْعَبًا صَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. 598- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الملك بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، نَزَلُوا الْعُصَبَةَ [1] . فَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّهُمْ لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا وفيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد. [أول ظعينة ترد المدينة] 599- قالوا: وكانت أم سلمة بنت أبي أمية أول ظعينة وردت المدينة. وكان زوجها أبو سلمة لما أراد الهجرة، رحل لها بعيرًا وحملها عَلَيْهِ، وفي حجرها ابنها سَلَمة. فلما رآه رجال بني المغيرة قَالُوا: هَذِهِ نفسُك قَدْ غلبتَنا عَلَيْهَا، فَمَا بَالُ صاحبتنا؟ لا ندعك وتسيرها فِي الْبِلادِ. ثُمَّ انْتَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يده، وأخذوها إليهم. فغضب عند ذَلِكَ بنو عَبْد الأسد بْن هلال، وقالوا: والله لا نترك ابنها عندكم إِذَا نزعتموها من يد صاحبنا، يعنون أبا سَلَمة. وتجاذبوا سَلَمة بينهم، حتَّى خلعوا يده، فكانت مخلوعة حتَّى مات. ثُمَّ انطلقوا بِهِ. فكانت، وهي عند أهلها من بني المغيرة، تخرج فتقعد عَلَى الصفا، ثم تقول [2] : يا رخم [3] الجوّ ألا استقلّى ... وفي بني عَبْد الأسد فحُلّي ثُمَّ هلالا وبنيه فُلّي ثُمَّ تدعو عليهم أن تأكل الرخم [4] لحومهم. فروى عنها أنها قَالَتْ: جلستُ بالأبطح أبكي، وكنتُ أفعل ذَلِكَ كثيرًا، فرآني ابْنُ عم لي، فَكَلَّمَ بَنِي الْمُغِيرَةِ/ 121/ فِي وقَالَ: أَلا تَرَوْنَ مَا بِهَذِهِ الْمِسْكِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ لِتَفْرِيقِكُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ. وَرَدَّ عَلَيّ بَنُو عَبْد الأَسَدِ ابني. فرحلتُ بعيري، ووضعتُ ابني فِي حجري، ثُمَّ خرجتُ أريد أبا سَلَمة بالمدينة. فَلَمَّا كنتُ بِالتَّنْعِيمِ، لقيتُ عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ بْن أَبِي طلحة، أخا بني عَبْد الدار، فَقَالَ: أَيْنَ تريدين يا بنة أبى أمية؟ قلت: أريد زوجي بيثرب.
هجرة الرسول ص إلى المدينة
فَقَالَ: أَوْ ما معك أحد؟ قلت: لا والله. فقال: ما لك مترك. وأخذ بخطام البعير وانطلق معي يقودني. فو الله مَا رَأَيْت أَكْرَمَ مُصَاحَبَةً مِنْهُ: كُنْتُ أَبْلُغُ الْمَنْزِلَ، فَيُنِيخُ جَمَلِي ثُمَّ يَسْتَأْخِرُ عَنِّي. فَإِذَا نزلتُ، حَطَّ عَنْ بَعِيرِي، وَقَيَّدَهُ، ثُمَّ أَتَى شجرة فاضطجع تحتها. فإذا دنا الرَّوَاحَ، قَدِمَ الْبَعِيرُ فَرَحَّلَهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ وقَالَ: اركبي. فإذا استويتُ عَلَى البعير، قادني. فلم يزل يصنع ذَلِكَ بي حتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا رَأَى قَرْيَةَ بَنِي عَمْرو بْن عَوْفٍ بِقُبَاءٍ، قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّه. ثُمَّ انصرف راجعًا إلى مكَّة. [هجرة الرسول ص الى المدينة] 600- وقدم المدينة بعد أَبِي سَلَمة، عامر بْن ربيعة العنزي، وبلال، وسعد، وعمر، وعمار. وخرج النَّاس مهاجرين متتابعين. فلم يبق منهم إلا من حبسته قريش. ولم يبق بمكة من بني أسد بْن خزيمة أحد، حتَّى أغلقوا أبوابهم. وأغلقت أبواب بني البُكير- وغير الكلبي يَقُولُ: بني أَبِي البكير- وأبواب بني مظعون. فمرّ عتبة بْن ربيعة بدور بني جَحْش، فإذا أبوابها تخفق وليس فيها أحد. فتمثل قول الشَّاعِر [1] : وكل دار وإن طالت سلامتها ... يومًا ستلحقها النكراءُ والحوبُ وبقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليّ، وأبو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا، ليس معهم غيرهم. وأراد أَبُو بَكْر الهجرة. فسأله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحبس نفسه عَلَيْهِ. وكان قَدْ علف راحلتين لَهُ ورق السمُر أربعة أشهر. فلما أُذِنَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة، أتى أبا بَكْر، فأعلمه الهجرة. فأعطاه إحدى تينك الراحلتين، وهي ناقة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القصواء، من نعم بني قشير، فلم تزل عنده، وماتت في أيام أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع لا تهاج. وَيُقَالُ بنقيع [2] الخيل. 601- قَالُوا: تناظرت قريش فِي أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر أصحابه. فَقَالَ أَبُو البَختري العاص بْن هاشم: نخرجه فنغيب عنا وجهه ليصلح ذات بينها. وقَالَ آخر: بل يُقيد ويحبس حتَّى يهلكه، ثم فرق [3] رأيهم على أن
يأخذوا من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جلدًا وسيطًا، فيعطوه سيفًا صارمًا، ثُمَّ يجتمع أولئك الغلمان فيضربوه ضربة رَجُل واحد، فيتفرق دمه فِي القبائل، فلا يدري بنو عَبْد مناف ما يصنعون، ولا يقوون عَلَى حرب جميع قريش. وكان الَّذِي أطلع لهم هَذَا الرأي شيخ من أهل نجد. ويزعمون أَنَّهُ الشيطان. وأتى جبريلُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر.. وأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [1] . وقوله «ليثبتوك» ، أي ليقيدوك. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزل أَبِي بَكْر، وأمر عليا فنام على فراشه. فلما دخلوا بيته وهم يرون أَنَّهُ نائم عَلَى فراشه. فقام إليهم عليّ عَلَيْهِ السَّلام. فقالوا: أَيْنَ ابْنُ عمك؟ قَالَ: لا علم لي بِهِ. وَيُقَالُ إنهم رموه وهم يظنون أَنَّهُ نبي اللَّه. فلما قام، تركوه وسألوا عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرهم أَنَّهُ لا علم لَهُ بِهِ. 602- قَالُوا: وخرج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر من خوخة فِي ظهر بيت أَبِي بَكْر، حتَّى أتيا غار ثور، فصارا فِيهِ. وَكَانَ عَامِرُ بْن فُهَيْرَةَ يَرْعَى غَنَمًا لأَبِي بَكْر، فيعزُب بها ثُمَّ يبيت قريبًا، ولا يبعد. فكانا يصيبان من رِسلها [2] . فاستأجر أَبُو بَكْر رجلًا دليلًا، يُقال لَهُ عَبْد اللَّه بْن أريقط الديلي، من كنانة ابن خزيمة. وصنع آل أَبِي بَكْر لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر سُفرة، وذبحت شاة وطبخ لحمها، وجُعل/ 122/ فِي جراب. فقطعت أسماءُ بِنْت أَبِي بَكر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُما قطعة من نطاقها، فأوكت بِهِ الجرابَ. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ لها نطاقين فِي الجنة.] فسُميت «ذات النطاقين» . ويروى أَنَّهُ كَانَ لها نطاق تنتطق بِهِ فِي منزلها، ونطاق تنتطق بِهِ إِذَا حملت الطعام لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر، فقيل لها ذات النطاقين. 603- قَالُوا: وبعثت قريش قائفين يقصّان آثار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أحدهما كرز بْن علقمة بْن هلال الخزاعي. فاتّبعاه، حتَّى انتهيا إلى غار ثور. فرأى كرز عَلَيْهِ نسجَ العنكبوت. فَقَالَ: ها هنا انقطع الأثر. فانصرفوا. وقَالَ بعضهم: ادخلوا الغار. فَقَالَ أمية بْن خلف: «وما أربكم؟ إذ الغار
وعليه من نسج العنكبوت ما عَلَيْهِ. والله إنى لأرى هذا النسج (من) قبل أن يولد مُحَمَّد» . وبال، حتَّى جرى بوله بين النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر. وجعلت قريش لمن جاء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر أَوْ قتلهما ديتهما. وَيُقَالُ: مائة بعير. ونادوا بذلك فِي أسفل مكَّة وأعلاها. 604- قَالُوا: ومكث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر فِي الغار ثلاث ليال. وعبد اللَّه بْن أَبِي بَكْر- وهو الَّذِي أصيب بالطائف- يبيت عندهما. وهو غلام شابٌ لقنٌ. ثُمَّ يصبح مَعَ قريش كبائت. فلا يسمع بأمر يكاد بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وعاه، حتَّى يلقيه إِلَيْه. ثُمَّ إن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر خرجا فِي السحر ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فقالا يَوْم الثلاثاء بقُديد. وجاءت وجوه قريش إلى منزل أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فسألوا أسماء ابنته عنه. فقالت لهم: ما أدري أَيْنَ هُوَ؟ فلطمها أَبُو جهل أَوْ غيره. 605- وكان أَبُو بكر أسلم يَوْم أسلم، وعنده أربعون ألف درهم. فخرج إلى المدينة للهجرة وما لَهُ إلا خمسة آلاف، أَوْ أربعة آلاف درهم. فبعث ابنه عَبْد الله، فحملها إليه إلى الغار، فمضى به معه. وكان أَبُو قحافة وَقَدْ كفّ بصره. فَقَالَ لأم رومان، امْرَأَة أَبِي بَكْر: عهدي بأبي بَكْر وله مال، فما فعل ماله؟ أتراه فجعكم بِهِ كما فجعكم بنفسه؟ فعمدت أسماء رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهَا إلى [1] جلال الحصباء، فجعلته فِي كوَّة كَانَ أَبُو قحافة يعهد أبا بَكْر يجعل ماله فيها كثيرًا، وغطته بثوب، وقادت جدها إلى الكوَّة. فلما وضع يده عَلَى الحصباء قَالَ: إنّ فِي هَذَا لمعاشًا صالحًا، صاحبه اللَّه. وكان لعثمان بْن عفان رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ مال. فما خرج إلى الهجرة إلا بسبعة آلاف درهم. وذلك أَنَّهُ أنفق ماله فِي الرقاب والعون عَلَى الْإِسْلَام. 606- قَالُوا: وكانت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودائع. وإنما كَانَ يسمى الأمين. فوكل عليا عليه السلام بردّها على أهلها. فلما وفاهم إياها،
أم معبد:
شخص إلى المدينة، حتَّى نزل على كلثوم بْن الهِدم ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنده. 607- قَالُوا: ولقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُريدة بْن الحُصَيب الأسلمي فِي رَكْب من قومه، فيما بين مكَّة والمدينة، وهم يريدون موقع سحابة. فسابلوه وسابلهم. فدعاهم إلى الْإِسْلَام، فأسلموا، واعتذروا بقلة اللبن معهم، وقالوا: مواشينا شُصُص [1] . وجاءه بلبن، فشربه وأبو بَكْر. ودعا لهم بالبركة. أم معبد: 608- ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم معبد عاتكة بِنْت خَالِد بْن خُليف الخزاعي. وهي امْرَأَة أكثم بْن الجون- والجون عَبْد العزى- بْن منقذ الخزاعي. فأتت رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاة مصُور [2] ليذبحها، فمسح ضرعها فإذا هِيَ ذات دَرّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذبحيها. فأتت بشاة أخرى، فذُبحت وطبخ لحمها لهم. فأكل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر، وعامر بْن فهيرة، و (ابن) أُرَيْقِط. وسفّرتهم منها بما وسعته سفرتهم، وبقي عندها أكثر لحمها. وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرعها إلى عام الرمادة، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة. فكنا نحلبها صبوحًا وغبوقًا، وما فِي الأرض قليل ولا كَثِير. وقَالَ الشَّاعِر فِي نزول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 123/ بأم معبد [3] : جزى اللَّه رب النَّاس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبدِ هما نزلا بالبرّ وارتحلا بِهِ ... فأفلحَ من أمسى رفيق مُحَمَّد ليهن بني كعب مكانُ فتاتهم ... ومقعدُها للمسلمين بمرصَد ووصفت أم معبد رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفة سنذكرها إن شاء الله تعالى.
مسجد قباء
609- قَالُوا: ولما جعلت قريش لمن اتبع رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بكر فقتلهما أَوْ أتى بهما مائة ناقة- وَيُقَالُ: ديتهما- أتبعهما سراقة بن مالك ابن جعشم الكنانى ثم المدلجى. فلما قرب منهما ساخت قوائم فرسه. فطلب الأمان. وأخبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جعلت قريش فِيهِ وفي أَبِي بَكْر فكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب أمنة وموادعة، فِي قطعة أديم. فلم يزل الكتاب عنده حتَّى أتاه بِهِ وهو بين الطائف والجعرانة، وأسلم. 610- وكان قدوم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْر ربيع الأول. وكان النَّاس مستشرفين لقدومه، قد استبطئوه، فرآه يهودي عَلَى بعض تلك الآطام، فنادى: يا معشر العرب، هَذَا صاحبكم. فكبر بنو عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس تكبيرة رَجُل واحد. فصار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف، فنزل فيهم على كلثوم ابن الهِدم بْن امرئ القيس، من ولد عَمْرو بْن عوف، بقُباء. وذلك الثبت. فأقبل النَّاس يأتونه، يسلمون عَلَيْهِ. وقَالَ بعضهم: نزل على سعد بن خيثمة ابن الحارث، أحد بنى السلم ابن امرئ القيس بْن مالك بْن الأوس. وذلك أَنَّهُ كَانَ يكثر إتيانه للحديث عنده. فظن [1] قوم أَنَّهُ نازل عَلَيْهِ. 611- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَوْهِبٍ [2] ، عَنْ يزيد بن رومان، عن عروة قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ. وَيُؤْتَى لِلسَّلامِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِهِ. فَلِذَلِكَ قَالَ النَّاسُ: نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ. وَكَانَ نُزُولُ النَّاسِ جَمِيعًا عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لَمْ يتجاوزهم. [مسجد قباء] 612- قَالُوا: فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بني عَمْرو بْن عوف الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس. ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الجمعة، فجمع في بني سالم، من بني النجار. وَيُقَالُ: بل أقام بقباء ثلاثًا وعشرين ليلة. وَيُقَالُ: بضع عشرة ليلة. وكان مَن تقدم رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بعد أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، ومن نزلوا عَلَيْهِ بقباء بنوا مسجدا يصلون فِيهِ. والصلاة يومئذ إِلَى بيت المقدس. فجعلوا قبلته إلى ناحية بيت المقدس. فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فِيهِ. وكان سالم مَوْلَى أَبِي حذيفة يؤمّ المهاجرين من مكَّة إلى المدينة. ثُمَّ أمهم بالمدينة حتَّى قدم النبي صلى الله عليه وسلم. 613- حدثني الْحُسَيْنِ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن موسى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ غَيْرَ مَعْرُوفٍ نَسَبُهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِالْمَدِينَةِ لأَنَّهُ أَقْرَؤُهُمْ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَذَلِكَ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. 614- حدثنى عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالا، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَسْرُوقٍ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُذُوا الْقُرْآنَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [1] ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وسالم مولى أبى حذيفة] . 615- وحدثنى الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، نَزَلُوا إِلَى جَنْبِ قُبَاءَ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبُو حُذَيْفَةَ، لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، وإنّ فيهم عمر بْنَ الْخَطَّابِ [2] ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ. وَحَدَّثَنِي/ 124/ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بمثله. قال الواقدى: المجتمع عليه أن سالمًا مَوْلَى أَبِي حذيفة لما شخص عن مكَّة مهاجرًا، كَانَ يصلي بالمهاجرين إلى المدينة ثُمَّ صلى بهم إلى قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنَّه كَانَ أقرأهم الكتاب الله.
616- وقدم عليّ عَلَيْهِ السَّلام المدينة، فنزل عَلَى كلثوم بْن الهدم. فكان يرى رجلًا يجيء إلى امْرَأَة فِي جواره بعد هدء من الليل، فتفتح [1] لَهُ بابها، فيدخل الدار ثُمَّ يخرج. فَقَالَ لها فِي ذَلِكَ. فقالت: يا عَبْد اللَّه، إني امْرَأَة مسلمة أرملة، والرجل الَّذِي يأتيني سهل بْن حنيف يدور عَلَى قومه فيكسر أصنامهم ويأتيني بها لأوقدها إن طبختُ. قَالُوا: وكان عَبْد اللَّه بْن جُبير، وسهل بْن حنيف يكسران الأصنام ويأتيان بها المسلمين ليستوقدوا بها. 617- وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمة، ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [2] ، عن يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن قسيط أن جُنْدَع بْن ضمَرة الجُنْدعِي كَانَ بمكة. فمرض، فَقَالَ لبنيه: أخرجوني منها. فقالوا: إلى أَيْنَ؟ فأومأ بيده نحو المدينة، وهو يريد [3] الهجرة. فلما بلغ أضاة [4] بني غفار، مات. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. وقَالَ الواقدي: هاجر بعد بدر، وهو جندب الجندعي. وبعضهم يَقُولُ: نزلت الآية فِي أكثم بن صيفي. وذلك غير ثبت. وحدثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أنبأ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) ، الآيَةَ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، يُقَالُ له ضمرة بن العيص، أو العيص ابن ضَمْرَةَ بْنِ زِنْبَاعٍ. لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَمَرَ لأَهْلِهِ أَنْ يَفْرِشُوا لَهُ عَلَى سَرِيرٍ وَيَحْمِلُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفَعَلُوا. فَمَاتَ بالتنعيم. فنزلت فيه الآية.
إسلام عبد الله بن سلام
[إسلام عبد الله بن سلام] 618- قَالُوا: وكان عَبْد اللَّه بْن سلام يَقُولُ: كنتُ تعلمت التوراة من أَبِي، وعرفتُ تأويلها. فوقصنى آية [1] ذات يَوْم عَلَى صفة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلاماته وأمره، وقَالَ: إن كَانَ من ولد هارون اتبعته وإلا فلا. ومات قبل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. قَالَ: فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كنتُ فِي عذق لي أهيئ رطبًا. فسمعتُ صائحًا من بني النضير يَقُولُ: قَدْ قدم صاحب العرب اليوم. فأخذني أفكل [2] ، وكبرت تكبيرة عالية. وعمتي تجنى، وهي عجوز، فقالت: أي خبيث، والله لو كَانَ مُوسَى القادم، ما زدتَ عَلَى ما صنعتَ. فقلتُ: إنه أخو مُوسَى ونبي مثله. ثُمَّ نزلتُ، فأتيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيتُ صفته، فعرفتها. وحدّثته حديث أَبِي، وأسلمتُ. فيقال إن قول اللَّه عزَّ وجل (شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [3] نزل فِي عبد اللَّه بْن سلام. ثُمَّ أسلمت عمته، وأسلم مخيريق اليهودي. [الرسول ص في المدينة] 619- قالوا: وركب رسول الله ناقته القصواء [4] ، والناس معه عن يمينه وشماله. فجعل لا يمرّ بقوم من الأنصار إلّا قالوا: هلم هلمّ يا رَسُول اللَّه فِي القوة والمنعة والثروة. [فيقول لهم خيرًا، ويقول: إنها مأمورة، خلوا سبيلها.] وَقَدْ أرخى رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمامها. فبركت عند مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان مرَبدا ليتيمين فِي حجر أسعد بْن زرارة، فِيهِ جدار كَانَ أسعد بناه تجاه بيت المقدس فكان يصلي إِلَيْه من أسلم قبل قدوم مصعب بْن عمير. ثُمَّ صلى بهم إِلَيْه مصعب. وَيُقَالُ إنّ أسعد كَانَ يصلي بهم قبل قدوم مصعب وبعده إلى قدوم المهاجرين، لأن مصعبًا لم يزد عَلَى تعليمهم القرآن. والله أعلم. قَالُوا: فلما بركت الناقة فضربت بجرانها/ 125/ واطمأنت، نَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجاء أَبُو أيوب، وامرأته أم أيوب، والناس يكلمون رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النزول عليهم، فحطا رحله وأدخلاه منزلهما. فلما رآهما قَدْ فعلا ذَلِكَ، [قَالَ: المرء مَعَ رحله.] وأخذ أَبُو أمامة أسعد بن زرارة
بزمام الناقة، فأدخلها منزله. فكانت عنده. وَيُقَالُ إن أَبِيّ بْن كعب أخذها إلى منزله. وكونها عند أسعد أثبت. وقَالَ أَبُو أيوب: بأبي أنت وأمي، إني أُعظم أن أكون فوقك وأنت تحتى. فتحوّل وأهله إلى أسفل، ونزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي علوّ داره. وجعل بنو النجار [1] يتناوبون فِي حمل الطعام إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مقامه فِي منزل أَبِي أيوب. وبعثت إِلَيْه أم يزيد ابن ثابت بثردة مُرّواة سمنا ولبنا. 620- وقيل لأم أيوب، وكان مقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منزل زوجها سبعة أشهر: أي الطعام كَانَ أحب إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالت: ما رَأَيْته أَمَرَ بطعام يصنع لَهُ بعينه، ولا رَأَيْته ذم طعامًا قطّ، ولكنّ أبا أيوب أخبرني أَنَّهُ تعشى معه ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة، فيها طفيشل [2] ، فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهك [3] غيرها. فكنا نعملها لَهُ. وكنا نعمل لَهُ الهريس، فنراه يعجنه. وكان يحضر عشاءه الخمسةُ إلى الستة إلى العشرة. 621- وروى أن أسعد بْن زرارة كَانَ يتخذ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة، وليلة لا. فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها، [قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل جاءت قصعة أسعد؟] فيقال: نعم. هلموا بها. فنعلم أنها تعجبه. 622- قَالَ كعب بْن مالك الْأَنْصَارِيّ: اللَّه أكرمنا بنصر نبينا ... وبنا أقام دعائم الْإِسْلَام وبنا أعز نبيه ووليه ... وأعزّنا بالنصر والإقدام فِي كل معترك تطرّ سيوفنا ... تلك الجماجمَ عن فراخ الهام نَحْنُ الخيار من البرية كلها ... ونظامها وزمام كل زمام الخائضو [4] غمرات كل منية ... والضامنون حوادث الأيام فسألوا ذوي الآكال عن سرواتنا ... يَوْم العريض فحاجر فرؤام
إنا نُمَنِّع ما أردنا منعه ... ونجود بالمعروف للمعتام [1] ينتابنا جبريل في آبائنا ... بفرائض الْإِسْلَام والأحكام فِي أبيات. وقَالَ أَبُو قيس [2] صرمة بْن أَبِي أنس يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] : ثوى فِي قريش بضع عشرة حجة ... يذكِّر لو يلقى صديقًا مواتيًا ويعرض فِي أهل المواسم نفسه ... فلم يرَ من يؤوي ولم يَرَ داعيًا فلما أتانا أظهر اللَّه دينه ... فأصبح مسرورًا بطيبة راضيًا فِي أبيات. وقَالَ أَبُو أَحْمَد بْن جحش الأعمى الأسدي [4] : فلو حلفت بين الصفا أم أَحْمَد ... ومروتها يومًا لبّرت يمينها لنحن الألى كنابها ثُمَّ لم نزل ... بمكة حتَّى عاد غثا سمينها بها خيمت غنم بن دُودان وابتنت ... ومنها غدت غنمٌ فخفّ قطينها إلى اللَّه تغدو بين مثنى وواحد ... ودينُ رَسُول اللَّه بالحق دينها وقَالَ أَبُو أَحْمَد أيضًا [5] : ولما رأتني أمّ أَحْمَد غاديًا ... بذمة من أخشى بغيب وأرهب / 126/ تقول: فإمّا كنت لا بدّ فاعلًا ... فيمم بنا البلدانَ من غير يثرب فقلت لها: لا إن تلك مظنةٌ ... وما يشأ الرحمنُ فالعبد يركبُ إلى اللَّه وجهي والرسول ومن يقم ... إلى اللَّه يومًا وجهه لا يُخَيَّبُ فكم قَدْ تركنا من حميم مناصح ... وناصحة إن تبغ تبك وتندب وكم من عدو قَدْ تركنا ورائنا ... مجدّ مباد للعداوة مجلب
انتقال عائلة الرسول ص للمدينة
نمتُّ بأرحام إليهم قريبة ... ولا قرب للأرحام مَا لم تقرب وأبو أَحْمَد الَّذِي يَقُولُ [1] : أبني أميةَ كيف أُظلم فيكم ... وأنا ابنكم وحليفكم فِي العسر ولقد دعاني غيركم فأبيته ... وأجبتكم لنوائب الدهر وبلغ أبا أَحْمَد أنّ أبا سُفْيَان بْن حرب باع دورهم ودار عثمان، وقضى من ثمنها دينا عَلَيْهِ، فَقَالَ [2] : أبلغ أبا سُفْيَان عن ... أمر عواقبه ندامة دارَ ابْنُ عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامة وحليفكم بالله ربّ الن ... أس مجتهد القسامة اذهبَ بها اذهب بها ... طَوَّقتها طوق الحمامة وكان الَّذِي ابتاعها مِنْهُ عَمْرو بْن علقمة بْن المطلب، أحد بني عامر ابن لؤي. وقالت امْرَأَة من الأنصار: لا هُمَّ إنّ الخير خير الآخرة ... فاغفر اللهم للأنصار والمهاجرة [3] وعافهم من حرّ نار ساعرة ... فإنها لكافر وكافرة [انتقال عائلة الرسول ص للمدينة] 623- قَالُوا: ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رافع وزيد بْن حارثة مولييه إلى مكَّة، لحمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسودة. وأخذ من أبى بكر خمسمائة درهم فدفعها إليهما لما يحتاجون إليه. وأعطاهما بعيرين. وكتب أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إِلَى عَبْد اللَّه ابنه، يأمره بحمل أم رومان امرأته، وعائشة وأسماء. وتّوجه مَعَ زيد وأبى رافع: عبد اللَّه ابن أُريقط الديلي. فوافوا طلحةَ بْن عُبَيْد اللَّه يريد الهجرة، فتصاحبوا. فخرج زَيْد وأبو رافع بفاطمة، وأم كلثوم، وسودة بِنْت زمعة. وحبس زينَب زوجها أَبُو العاص بْن الربيع. وكانت رقية مهاجرة: حملها زوجها عثمانُ بْن عفان. وحمل زَيْد أيضًا امرأته أم أيمن، وأسامة بْن زَيْد. وخرج عَبْد الله بأم رومان
المؤاخاة:
وأختيه عَائِشَةَ وأسماء. فقدموا ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني المسجد وحُجَره. وكان طلحة، حين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالشام. فقدم يريد مكَّة، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فصار إلى مكَّة، ثُمَّ هاجر منها مَعَ عيال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر. 624- قَالُوا: ووهبت الأنصار لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل فضل فِي خططها. وقالوا لَهُ: إن شئت، فخذ منا منازلنا. فَقَالَ لهم خيرًا، وخطّ لأصحابه فِي كل أرض ليست لأحد، وفيما وهبت لَهُ الأنصار من خططها. وأقام قوم من المسلمين لم يمكنهم البناء بقباء عَلَى من نزلوا عنده. وكانت الأنصار أشحّاء على من نزل عليهم، من نزل عليهم، من المهاجرين. المؤاخاة: 625- قَالُوا: [1] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وبين زيد ابن حارثة على الحق والمؤاساة. وبين أَبِي بَكْر وعمر. وبين عثمان وعبد الرحمن ابن عوف. وبين الزُّبَيْر وبين عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود. وبين عبيدة بْن الحارث وبلال. وبين مصعب بْن عمير وسعد بن أَبِي وقاص. وبين أَبِي عبيدة بْن الجراح وسالم/ 127/ مَوْلَى أَبِي حذيفة. وبين سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، وطلحة ابن عُبَيْد اللَّه. [وقَالَ لعلي بْن أَبِي طَالِب: أنت أخي] . 626- وآخى [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المهاجرين عَلَى أن يتوارثوا دون ذوي الأرحام. فلما أن أصيب من أصيب ببدر، طلب إخوانهم الميراث. فنزلت: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [3] » . فانقطعت المؤاخاة في الميراث. وكان ممن آخا بينهم حمزة بْن عَبْد المطلب وكلثوم بْن الهدم [4] . أَوْ غيره. عليّ بْن أَبِي طَالِب وسهل بْن حنيف. زَيْد بْن حارثة وأسيد بْن حضير. أَبُو مرثد الغنوي حليف حمزة، وعبادة بْن الصامت. عبيدة بْن الحارث وحمام بن الجموح، ويقال: عمرو بن الجموح.
(الصلاة، والقبلة، والصوم، والخمر، وأول المولودين، والصفة) :
عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت. أَبُو حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر بْن وقش [1] . الزُّبَيْر بْن العوام وكعب بْن مالك. مصعب بْن عمير وأبو أيوب، وَيُقَالُ: ذكوان بْن قيس. عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف وسعد بْن الربيع. سعد بْن أَبِي وقاص وسعد بْن مُعَاذِ. عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود ومعاذ بن جبل. أبو بكر الصديق وخارجة ابن زَيْد بْن أَبِي زُهَيْر صهره. طلحة بْن عُبَيْد اللَّه وأبيّ بْن كعب. صهيب والحارث ابن الصمة. أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الأسد وسعد بْن خيثمة. أرقم بْن أَبِي الأرقم وزيد ابن سهل أَبُو [2] طلحة. عُمَر بْن الخطاب وعويم بن ساعدة. سعيد بن زيد ابن عَمْرو بْن نفيل ورافع بْن مالك. عثمان بْن مظعون وأبو الهيثم بْن التيهان. خنيس بْن حذافة وأبو عبس بْن جبر. أَبُو عبيدة بْن الجراح ومحمد بْن مسلمة الأوسي. 627- قَالُوا: وكان الَّذِي آخى بينهم تسعين رجلًا: خمسةً وأربعين من المهاجرين، وخمسة وأربعين من الأنصار. وَيُقَالُ إنه لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخى بينه وبين أنصاري. وقوم يقولون: آخى بين أَبِي الدرداء وسلمان، وإنما أسلم سلمان فيما بين أحد والخندق. وقَالَ الواقدي: والعلماء ينكرون المؤاخاة بعد بدر، ويقولون: قطعت بدر المواريث. (الصلاة، والقبلة، والصوم، والخمر، وأول المولودين، والصفة) : 628- قَالُوا: وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ والصلوات (ال) خمس [3] ركعتين ركعتين، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ تمامها بعد شهر من قلوبه. فصارت صلاة المقيم أربعًا، وصلاة المسافر عَلَى حالها ركعتين. 629- وصُرفت القبلةُ إلى الكعبة من جهة بيت المقدس، فِي الظهر من يَوْم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين من الهجرة. وَيُقَالُ عَلَى رأس ستة عشر شهرًا، فِي منزل البراء بْن معرور. فَقَالَ اليهود: «آمنوا بما جاء محمد أول النهار،
واكفروا بِهِ آخره» . فأنزل اللَّه الآيتين [1] . وقوم يقولون: صرُفت فِي صلاة الصبح. والأول أثبت. 630- وفُرض صيام شهر رمضان فِي شعبان سنة اثنتين من الهجرة. وفي سنة أربع من الهجرة حُرمت الخمر. 631- وفي سنة اثنتين من الهجرة وُلد عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بالمدينة. وفيها وُلد النعمان بْن بشير. وهما أول مولودين بالمدينة فِي الْإِسْلَام مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 632- قَالُوا: وكان مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قوم فقراء، لا منازل لهم. وكانوا فِي صفة، يأوون إليها فِي المسجد. منهم واثلة بن الأسقع الكنانى، أبو قرصافة، وأبو هريرة، وأبو ذرّ ويختلف فِيهِ. وكان منهم نُبَيْط بْن شَرِيط الأشجعي [2] . وكان منهم طلحة بْن عَمْرو الليثي، وَيُقَالُ: طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، ونزل البصرة. 633- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن واثلة ابن الأَسْقَعِ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ يَجِدُ ثَوْبًا تَامًّا، قَدْ جَعَلَ الغبار والعرق في جلودنا طرقا. 634- وحدثنا/ 128/ هِشَامٌ، ثنا أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي قَسِيمَةَ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَحْرَسٍ يُقَالُ لَهُ الصَّفَّةِ وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلا. نَابَنَا [3] جُوعٌ. وَكُنْتُ أَحْدَثَ أَصْحَابِي سِنًّا. فَبَعَثُونِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُو جُوعَهُمْ. فَالْتَفَتَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قالوا: نعم، ها هنا كِسْرَةٌ أَوْ كِسَرٌ، وَشَيْءٌ مِنْ لَبَنٍ. قَالَ: فَأْتُونِي بِهِ. فَفَتَّ الْكِسَرَ فَتًّا دَقِيقًا، ثُمَّ صبّ عليه اللبن، ثم
باب الأذان:
جَبَلَهُ [1] بِيَدِهِ حَتَّى جَعَلَهُ كَالثَّرِيدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا وَاثِلَةُ، ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِكَ، وَخَلِّفْ عَشَرَةً. فَفَعَلْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسُوا بِسْمِ اللَّهِ. فَجَلَسُوا. [فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ مِنْ حَوَالَيْهَا، وَاعْفُوا رَأْسَهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا] . قَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ حَتَّى تَمَلُّوا [2] شِبَعًا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: انصرفوا إلى مكانكم، وابعثوا أصحابكم. فأمرهم بمثل الَّذِي أَمَرَ بِهِ الأَوَّلِينَ. فَأَكَلُوا حَتَّى مَلُّوا [3] شِبَعًا، وَإِنَّ فِيهَا لَفَضْلَةً وَقُمْتُ مُتَعَجِّبًا مِمَّا رَأَيْتُ. 635- وكان عباد بْن خَالِد الغفاري من أهل الصفة. ومات أيام معاوية. وكان مهم ربيعة بْن كعب الأسلمي خادم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صحبه قديمًا. وبقي إلى آخر أيام الحرة. وكان منهم جرَهد بْن رَزاح الأسلمي أَبُو عَبْد الرحمن، بقي إلى زمن معاوية. وَيُقَالُ: إلى زمن يزيد. ويعيش بْن طِخفة الغفاري. باب الأذان: 636- قَالُوا: وائتمر رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أن يجعلوا شيئًا للاجتماع للصلاة. فَقَالَ بعضهم: الناقوس. وقَالَ بعضهم: البوق. فروي أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه رَأَى فِي نومه أن لا يجعلوا شيئًا من ذلَكَ، وأن يؤذّنوا بالصلاة. فأتى رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد بلالًا يؤذن. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، حين قص رؤياه: سبقك الوحي يا عُمَر] . 637- وَقَدْ رُوِيَ أيضًا أن عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن ثعلبة الخزرجي رَأَى فِي النوم أَنَّهُ مرَ بِهِ رَجُل ومعه ناقوس، فقال لَهُ: أتبيع الناقوس؟ فَقَالَ الرجل: وما تصنع به؟ قال: أضرب ليجتمع المسلمون للصلاة. فَقَالَ: أجيئك بخير من ذَلِكَ؟ تَقُولُ: اللَّه أكبر اللَّه أكبر حتَّى تختم الأذان بلا إله إلا اللَّه. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخبره، فوجد الوحيَ قَدْ سبقه بذلك. فأمر بلالًا، فأذّن. 638- قَالُوا: وكانت بالمدينة تسعة مساجد. فكانوا يصلون فيها، ويجّمّعون مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أسماء المنافقين من الخزرج:
أسماء المنافقين من الخزرج: 639- عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ بْن سلول، رأس المنافقين، القائل: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [1] . وسلول أم أبيّ، وهي خزاعية، وأبوه مالك بْن الحارث. جدّ بْن قيس، وهو القائل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ندبَ النَّاس إلى غزو تبوك، وذكر بناتَ الأصفر: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر [2] . [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة: من سيدكم يا بني سَلَمة؟ قَالُوا: جدّ بْن قيس عَلَى بخل فِيهِ. فَقَالَ: «وأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد بشر بْن البراء بْن معرور] » . عدي بْن ربيعة الَّذِي كَانَ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورماه مرة بقذر، وكان أعمى. وابنه سويد بْن عدي. قيس بْن عَمْرو بْن سهل، حدثنى به [3] سَعِيد الْأَنْصَارِيّ المحدّث. سعد بْن زُرارة، وكان يدّخن على رسول صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشعر. زَيْد بْن عَمْرو. عقبة بْن قديم، حليف. وذكروا أن أبا قيس بْن الأسلت أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السنة الأولى من الهجرة، فعرض/ 129/ عَلَيْهِ الْإِسْلَام. فَقَالَ: ما أحسن ما تَقُولُ وتدعو إِلَيْه، وسأنظر فِي أمري وأعود إليك. فلقيه ابْنُ أبيّ، فَقَالَ لَهُ: كرهتَ والله حرب الخزرج. فَقَالَ: لا أسلم سنة. فمات فِي ذي الحجة سنة إحدى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِثَوْبِهِ، وَنَزَلَتْ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) ، الآية [4] .
المنافقون من الأوس
المنافقون من الأوس [1] : 640- ومن الأوس: الجلّاس بْن سويد بْن الصامت، من بنى حبيب بن عمرو ابن عوف. وكان عَبْد اللَّه بْن المجذّر بْن ذياد البلوى قتل أباه سويدًا فِي الجاهلية. فلما كَانَ يَوْم أحد، قتل الجلاس بْن سويد: المجذر غيلة. فأخبر جبريل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وأمره بقتل الجلاس بالمجذّر. فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف فِي يَوْم حار، فخرجوا يسلمون عَلَيْهِ، وخرج الجلاس فِي ملاءة صفراء. فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن ساعدة، وأمره بقتله. فقدّمه إلى باب المسجد، فضرب عنقه. وكان الجلاس يَقُولُ: إن كَانَ هَذَا الرجل صادقًا، لنحن شرّ من الحمير. فبلغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلَكَ. فحلف لَهُ أَنَّهُ ما قاله. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) ، الآية [2] . الحارث بْن سويد بْن الصامت، أخوه. يُقال إنه الَّذِي قتل المجذّر، فقتله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الجلاس كَانَ ممن تخلف عن غزاة تبوك. والقول الأول قول الكلبي. ودُريّ بْن الحارث [3] . بجاد بْن عثمان بْن عامر. نبتل بْن الحارث الَّذِي [قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أحبّ أن ينظر إلى شيطان، فلينظر إلى نبتل] » وكان أدلم، ثائر الشعر، جسيمًا، أحمر العينين، أسفع [4] الخدّين. وكان ينقل حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المنافقين. عَبْد اللَّه بْن نبتل، وهو الَّذِي كَانَ ينقل أيضًا حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الواقدي: وكان خارجة بْن زَيْد بْن ثابت يسقي النَّاس الماء المبرد بالعسل. وكان عَبْد اللَّه القرّاظ، وهو فارسي سبي فِي خلافة عُمَر بْن الخطاب، يأتيه. فإذا رآه، قَالَ: اسقوه. فيسقى. فجاء ذات يَوْم وَقَدْ حضر رَجُل من ولد عَبْد الله ابن نبتل، فجعل يهزأ بِهِ. وكان القراظ عظيم الرأس والأذنين، له خلقة منكرة،
فَقَالَ لَهُ: من أنت يا فتى؟ قَالَ: رجل من الأنصار. قال: مرحبا بالأنصار، ممن [1] أنت منهم؟ قَالَ: أَنَا فلان بْن الحارث بن عبد الله بن نبتل. فقال: «أما جدّك فلم ينصر، أعلمتَ ما نزل فِيهِ من القرآن؟ أما تدري ما صنعت بِهِ تراه فضحته. والله وهي الفاضحة» . قيس بْن زَيْد، قتل يَوْم أحد. أبو حبيبة [2] بْن الأزعر، وكان ممن بنى [3] مسجد الضرار: ثعلبة بن حاطب ابن عَمْرو بْن عُبَيْد. معتب بْن قشير. وثعلبة ومعتب هما اللذان عاهدا اللَّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [4] . ومعتب هُوَ الَّذِي قَالَ يَوْم أحد: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا [5] . وهو القائل يَوْم الأحزاب: يعدنا مُحَمَّد كنوز قيصر، وأحدنا لا يقدر عَلَى إتيان الغائط، ما هَذَا إلا غرور [6] . وَيُقَالُ إنّ جد بْن قيس القائل ذَلِكَ. ورافع بْن زَيْد. وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) ، الآيتين [7] وكان خصماؤهم دعوهم فِي خصومتهم إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبوا ذَلِكَ وقالوا: نتحاكم إلى كعب بْن الأشرف. فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاغوتًا. وفي رواية أخرى: فسماه اللَّه. وَيُقَالُ إنهم دعوهم إلى الكاهن. وجارية ابن عامر بن مجمّع (بن العطاف، وبنوه يزيد وزيد ومجمع. وهم ممن اتخذ مسجد الضرار. / 130/ وكان مجمع بْن جارية قَدْ قَرَأَ القرآن، فكان يصلي بهم فِيهِ. وَيُقَالُ إنّ مجمع بْن جارية لم يكن منافقًا. وَيُقَالُ إنه نافق ثُمَّ صح إسلامه، وعني بالقرآن حتَّى حفظه. ومربع بْن قيظي القائل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحرجُ عليك أن تمرّ فِي حائطي. وهو القائل يوم الخندق: «إِنَ
بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [1] . فأذن لنا فِي المقام» . وَيُقَالُ إنّ الَّذِي قال ذلك بالخندق معتب ابن قشير. ومربع هَذَا عم عرابة بْن أوس بن قيظى الجواد الذى مدحه الشماخ ابن ضرار. وكان عرابة قَدْ أقبل من الطائف، ومعه أبعرة عليها زبيب وأدم. فعنّ لَهُ الشماخ بْن ضرار، فاستطعمه من الزبيب. فَقَالَ: خذ برأس القطار. فَقَالَ الشماخ: أتهزأ بي؟ فَقَالَ: خذ عافاك اللَّه برأس القطار، فهو لَكَ. فأخذ الإبل بما عليها، وقَالَ [2] : رَأَيْت عَرَابة الأوسيّ ينمى [3] ... إلى الخيرات مُنقطع القرين وعباد بْن حنيف بْن واهب بْن العكيم، أخو عثمان وسهل ابنى حنيف ابن واهب. وكان عباد ممن بنى مسجد الضرار. وفيه نزلت: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [4] » . وخِذام بْن خَالِد. وهو أخرج مسجد الضرار من داره. وَيُقَالُ إن الَّذِي أَخْرَجَهُ من داره وديعة بْن خذام. ورافع وبشير ابنا زياد. وقيس بْن رفاعة الشَّاعِر، وكان يختلف هُوَ والضحاك بْن حنيف إلى كنيسة يهود، فأصاب عينه قنديل، فذهبت. وحاطب بْن أمية بْن رافع بْن سويد الَّذِي قيل لابنه، وحمل مرتثًا: أبشر بالجنة. فَقَالَ حاطب: جنة من حرمل، لا يغرّنك [5] هَؤُلَاءِ يا بني. وبشر بْن أُبيرق الظفري. وهو أَبُو طعمة. واسم الأبيرق الحارث ابن عَمْرو بْن حارثة بْن الهيثم بْن ظفر. واسم ظفر: كعب. وكان بشر شاعرًا منافقًا. حدثني خلف بْن سالم المخزومي، عَنْ وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أبيه، عن الْحَسَن قَالَ: سرق ابْنُ أبيرق درعا من حديد، ثم ثُمَّ رمى بها رجلًا بريئًا. فجاء قومه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعذروه عنده، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ. بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ
خَصِيماً، إلى قوله (وَساءَتْ مَصِيراً [1] . فلما أنزلت فِيهِ هَذِهِ الآيات، لحق بالمشركين، فمكث بمكة زمينًا، ثُمَّ نقب عَلَى قوم بيتهم ليسرق متاعهم. فألقى اللَّه عَلَيْهِ صخرة فشدخته، فكانت قبره. وروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ قتادة بن النعمان بن زيد ابن عَامِرِ بْنِ سَوَادِ بْنِ ظَفَرٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا ذَوُو فَاقَةٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ: بِشْرٌ، وَبَشِيرٌ، وَمُبَشِّرٌ. وَكَانَ بِشْرٌ مُنَافِقًا يَهْجُو أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُنْحِلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ. فَإِذَا سَمِعَهُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَالَهُ إِلا الْخَبِيثُ بِشْرٌ. فقال: أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا وقالوا ابن الأبيرق قالها [3] متغصّبين [4] كَأَنَّنِي أَخْشَاهُمْ ... جَدَعَ الإِلَهُ أُنُوفَهُمْ فَأَمَالَهَا قَالَ: فابتاع رفاعة بْن زَيْد بْن عامر، عمي، جملًا من دَرْمَك من ضافطة قدمت من الشام. وإنما كَانَ طعام النَّاس بالمدينة الشعير والتمر. فكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك ما يخصّ بِهِ نفسه. فجعل عمي ذَلِكَ الدرمك فِي مشربة لَهُ، وفيها درعان وسيفان وما يصلحهما. فعُدي عَلَيْهِ من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح، أتانى فقال: يا ابن أخي تعلم أَنَّهُ قَدْ عُدي علينا فِي ليلتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. فتحسسنا [5] فِي الدار وسألنا. فقيل لنا: قَدْ رأينا بني/ 131/ أبيرق استوقروا فِي هَذِهِ الليلة، ولا نرى ذَلِكَ إلا من طعامكم. قَالَ: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل فِي الدار، يقولون: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بْن سهل بْن الحارث بْن عروة بْن
عَبْد رَزاح بْن ظفر. وكان للبيد صلاح وإسلام. فلما سَمِعَ لبيد قولهم، اخترط سيفه وقَالَ: أَنَا أسرق؟ والله ليخالطنكم سيفي أَوْ لتبيننّ [1] هَذِهِ السرقة. قَالُوا: إليك عنا أيها الرجل، فلستَ بصاحبها. فسألنا وفحصنا، حتَّى لم نشكَ فِي أن بني أبيرق أصحابها. فَقَالَ عمي: لو أتيتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته؟ قَالَ قَتَادَة: فأتيتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ له: يا رَسُول اللَّه إنّ أهل بيت منا ذوي فاقة وجفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بْن زَيْد، فنقبوا مشربة لَهُ وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا السَّلاح، ولا حاجة لنا فِي الطعام. [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك) ] [2] فلما سَمِعَ بنو أبيرق بذلك، أتوا رجلًا منهم يُقال لَهُ أسير بْن عروة، فكلموه. فانطلق وجماعة من أهل الدار معه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلموه فِي ذلك، وقالوا: إنّ قتادة ابن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، فرمياهم بالسرقة عن غير ثبت ولا بينة. قَالَ قَتَادَة: وأتيتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته. فتجهمني، [وقَالَ: بئس ما صنعتَ وما أتيتَ بِهِ ومشيتَ فِيهِ:] عمدت إلى أهل بيت ذكر لي عَنْهُمْ صلاح وإسلام ترميهم بالسرقة عَلَى غير ثبت ولا بينة. قَالَ: فرجعتُ وأنا أودّ أني خرجتُ من جلّ مالي ولم أكلم [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ. وأتاني عمي، فقال: ما صنعتَ؟ فأخبرته بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّه المستعان. ولم أتلبث أن نزل: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، يعنى بنى أبيرق- (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ- أي مما قلتَ لقتادة- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً- يعني بني الأبيرق- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا - يعنى بشيرا وأصحابه- فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ
عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ - أي عن بني أبيرق أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا؟ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً. (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [1] وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً - قولهم للبيد بن سهل- (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ، يعني بشيرا وأصحابه. قَالَ: فلما نزل القرآن، اشتد بنو ظفر عَلَى بني أبيرق حتَّى أخرجوا السلاح. فأتى بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردّه إلى رفاعة. قَالَ قَتَادَة: فأتيت عمي بالسلاح، وكنتُ أرى أن إسلامه مدخول. فَقَالَ: يا ابْن أخي، هُوَ فِي سبيل اللَّه. فعرفتُ أن إسلامه صحيح. قَالَ: ولحق بشر بْن أبيرق- وهو يصغر فيقال: بُشَيّر- بالمشركين. فنزل بمكة عَلَى سلافة بِنْت سعد بْن شهيد، أخت عمير بْن سعد ابن شهيد، وهو من بني عَمْرو بْن عوف، من [2] الأوس، وكانت سلافة تحت طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ. وَساءَتْ مَصِيراً. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) [3] . ولما نزل بشر عَلَى سلافة، كَانَ يقع/ 132/ فِي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول فِي رَسُول اللَّه، فهجاه حسان بْن ثابت، ورمى سلافة بِهِ. فأخذت رحله، فوضعته عَلَى رأسها، ثُمَّ خرجت فرمت بِهِ فِي الأبطح، وقالت: «أهديتَ إليَّ شعر حسان. ما كنتَ لتأتيني بخير» . قَالَ حسان [4] : وما سارق الدرعين إن كنت ذاكرًا ... بذي كرم عند الرجال أوادعه لقد أنزلته بنتُ سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استه وتنازعه
فهلا بُشيّر حيث جاءك راغبًا ... إليه ولم تعمد لَهُ فترافعه ظننتم بأن يخفي الَّذِي قَدْ فعلتم ... وفيكم نبيّ مفلحّ من يتابعه ولولا رجال منكم أن يسوءهم ... هجائى لقد جلت عليكم طوالعه وجدناهم يرجونكم قد علمتم ... كماء الغيث يرجيه السمين ويانعه وأن تذكروا كعبًا إِذَا ما نسيتم ... فهل من أديم ليس فِيهِ أكارعه وَقَدْ روى أن الَّذِي رماه بنو أبيرق بالدرعين يهودي يُقال لَهُ النعمان بْن مهض [1] . وليس بثبت. وقَالَ بعض الظفريين: بنى الأبرق المشئوم هلّا نهيتم ... سفيهكُم عن آل زَيْد بْن عامر أردتم بأن ترموا ابْنُ سهل بغدرة ... جهارًا. ومن يُغْدر فليس بغادر الضحاك بْن خليفة الأشهلي. وقزمان، حليف بني ظفر، ولا يعرف نسبه، ويكنى أبا الغيداق. رمى يَوْم أحد زرارة بْن عمير العبدري- وَيُقَالُ يزيد بْن عمير- فقتله، وقتل قاسط بْن شريح العبدري، وقطع يد صؤاب الحبشي مَوْلَى بني عَبْد الدار ثُمَّ رماه فقتله. وكان قزمان قَدِ امتنع من الخروج يَوْم أحد حتَّى عيرته النساء، وقلن: إنَّما أنت امْرَأَة. فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حمية وأنفة لقومه، وجعل يَقُولُ: قاتلوا، معشر الأوس، عن أحسابكم فالموت خير من العار والفرار. [وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قزمان فِي النار] . وأثبتَ يَوْم أحد، فحمل إلى دار بني ظفر، فقيل لَهُ: أبشر أبا الغيداق بالجنة، فقد أبليتَ اليوم وأصابك ما ترى. فَقَالَ: «أي جنة؟ والله ما قاتلت إلا حمية لقومي» . فلما اشتد بِهِ الوجع، أخرج سهمًا من كنانته فقطع بِهِ رواهش يده، فقتل نفسه. وفيه [يَقُولُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن اللَّه ليؤيد هَذَا الدين بالرجل الفاجر.] وأبو عامر عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النعمان، من الأوس. وكان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتتبع الرهبان ويألفهم، ويُكثر الشخوص إلى الشام، فسُمّي الراهب. فلما ظهر أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حسده، ومرّ إلى مكَّة وقاتل مع قريش. ثم أتى الشأم،
مسجد الضرار
فمات هناك. فتخاصم فِي ميراثه كنانةُ بْن عبد يا ليل الثقفى، (وكان ممن حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص إلى الشام) ، وعلقمةُ بْن عُلاثة وكان بالشام أيضًا وكان مسلمًا، وَيُقَالُ: بل كَانَ مشركًا ثُمَّ إنه أسلم حين قدم، فأتى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه. حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدّه إنه حُكم بميراث أَبِي عامر لكنانة بن عبد يا ليل لأنَّه من أهل المدر. وحرمه علقمة لأنه بدوي. وكان الحاكم بذلك صاحبُ الروم بدمشق. وقوم يقولون: إنه اختصم فِي ميراثه كنانةُ وعامرُ بْن الطفيل. وذلك غلط، لأن عامرًا أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أربد بْن قيس. وهما يريدان برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرًا، حال اللَّه بَيْنَهُما وبينه. فدعا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما. فأمَّا أربد، فأصابْته صاعقة فأحرقته. وأمَّا عامر فأصابته غدَّة كغدة البعير فِي عنقه، فمات. وذلك فِي سنة خمس. وقَالَ الهيثم بْن عدي: كَانَ أَبُو عامر/ 133/ يهمّ بادّعاء النبوة. فلما ظهر أمرُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر، حسده فهرب إلى مكَّة فقاتل، ثُمَّ أتى الشام. وقَالَ الواقدي: هرب أَبُو عامر إلى مكَّة، فكان يقاتل مَعَ المشركين. فلما فُتحت مكَّة، هرب إلى الطائف. فلما أسلموا، هرب إلى الشام. فدفع ميراثه إلى كنانة ابن عبد يا ليل الثقفى، وكان ممن هرب أيضا. [مسجد الضرار] حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أنبأ أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ بَنِي عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، فيصلى بِهِمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ. فَحَسَدَهُمْ بَنُو إِخْوَتِهِمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عوف، فقالوا: بَنَيْنَا أَيْضًا مَسْجِدًا، وَبَعَثْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا فِيهِ كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يَمُرَّ بِنَا إِذَا أَتَى مِنَ الشَّامِ فَيُصَلِّيَ بِنَا فِيهِ. فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَيْهِمْ، أَتَاهُ الْوَحْيُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [1] . قال: هو أبو عامر.
أسماء عظماء يهود:
حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذِهِ الآيَةِ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بَنَى مَسْجِدَ الأضرار [1] ، وَكَانَ مَوْضِعُهُ لِلَبَّةٍ، تَرْبِطُ فِيهِ حِمَارَهَا. فَقَالَ أَهْلُ مَسْجِدِ الشِّقَاقِ: أَنَحْنُ نَسْجُدُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يُرْبَطُ فِيهِ حِمَارُ لَبَّةٍ؟ لا، وَلَكِنَّا نَتَّخِذُ مَسْجِدًا نُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَجِيئَنَا أَبُو عَامِرٍ فَيُصَلِّي بِنَا فِيهِ. وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالشَّامِ، فَتَنَصَّرَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ. قَالُوا: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فَهَدَمَهُ. قَالُوا: وَحَضَرَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلوا يضحكون ويلعبون ويهزءون، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَرَّ بِرِجْلِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَقَامَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا، حَتَّى أَخْرَجَهُ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُرِّيِّ ابن الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ، فَأُخْرِجُوا جَمِيعًا. 641- حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَابِرَةِ بَيْنَ الْقَطِيعَيْنِ.] أسماء عظماء يهود: من بنى النضير: حيىّ، ومالك، وأبو ياسر، وجديّ بنو أخطب. وفيهم وفي نظرائهم نزل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ،
إلى قوله: (عَذابٌ عَظِيمٌ [1] . وسلام بْن مَشْكَم الَّذِي نزل عَلَيْهِ أبو سفيان ابن حرب بْن أمية، فَقَالَ فِيهِ أَبُو سُفْيَان. سقاني فرواني عُقارًا سلافةً ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم وامرأة سلام هَذَا، واسمها زينب بنت الحارث، هي التي أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومة. وكنانة، وربيع، ورافع، وأبو رافع (واسمه سلام) بنو أَبِي الحقيق. وكعب بْن الأشرف الطائي، من بني نبهان، حليف بني النضير، وأمه عُقيلة بِنْت أَبِي الحقيق. وكان أَبُوهُ أصاب دمًا فِي قومه، فأتى المدينة. وكان كعب طوالًا، جسيمًا، ذا بطن وهامة ضخمة. وهو الَّذِي قَالَ يَوْم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هَؤُلَاءِ ملوك النَّاس وسرواتهم- يعنى قريشا- قد أصيبوا. فخرج إلى مكَّة، ونزل عَلَى أَبِي وداعة بْن ضبيرة، وجعل يهجو المسلمين، ورثى قتلى بدر فَقَالَ [2] : / 134/ طحنت رحى بدر مهلك أهله ... ولمثل بدر تستهلُّ وتدمعُ قتلت سراة النَّاس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تُصَرَّع ويقول أقوام غوى أمرهم ... إنّ ابْنُ أشرف ظلّ كعبًا يجزع صدقوا فليت الأرض ساعة قُتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدّع نبئتُ أنّ الحارث بن هشامهم ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يسعى عَلَى الحسب القديم الأروع فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسان بهجاء من نزل كعب عنده، حتَّى رجع إلى المدينة. وكان كعب كما وصفنا. حجاج، ويجرى ابنا عَمْرو. أَبُو رافع. سعد بْن حنيف، كَانَ متعوذًا بالإسلام. رفاعة بْن قيس. فنحاص الَّذِي سَمِعَ قول اللَّه: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* [3] ، فَقَالَ: أرانا أغنى من ربّ مُحَمَّد حين يستقرض منا، فنزلت فيه: لقد كفر الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا) [4] . محمود بن دحية. عمرو بن جحاش.
643 - ومن بنى قينقاع:
عزيز بن أبى عزيز. نباش بْن قيس. سعية. بْن عَمْرو. نعمان بْن أوفى. سكين بْن أَبِي سكين. زَيْد بْن الحارث. رافع بْن خارجة. أسير بْن زارم، وَيُقَالُ: رزام، كَانَ يحرّض عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبسط لسانه فِيهِ، ثُمَّ أتى خيبر فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتله، وعدَّة من اليهود معه. مخيريق الَّذِي أسلم وقاتل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، وأعطاه ماله، فوقفه، وَيُقَالُ إنه من غير بني النضير. 643- ومن بنى قينقاع: كنانة بن صوبرا [1] ، وَيُقَالُ: صُوريا. زَيْد بْن اللصيت الَّذِي قَالَ: «زعم مُحَمَّد إنه يأتيه خبرُ السماء، فضّلت ناقته فليس يدري أَيْنَ هِيَ؟» . فدله اللَّه عليها، فوجدت وَقَدْ تعلق خطامها بشجرة. سويد، وداعس كانا منافقين يتعوذان بالإسلام. مالك بْن أَبِي قوقل، كَانَ متعوذًا بالإسلام ينقل أخبار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يهود، وهو حبر من أحبارهم [2] . وَيُقَالُ إنّ مخيريق منهم. 644- ومن بني قريظة: الزبير بن باطا بن وهب. كعب بن أسد. عزال [3] ابن شمويل. سهل بْن زَيْد. وهب بْن زَيْد. عليّ بْن زَيْد. قَرْدَم بْن كعب. كردم بْن حبيب. رافع بْن رميلة. رافع بْن حريملة، متعوّذ، وهو الَّذِي [قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم مات: «لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق] » . لبيد بْن أعصم الَّذِي كَانَ يتعاطى السحر. سلسلة بْن أبراهام، وبعضهم يَقُولُ بهرام، والأول أصح. وكان سلسلة متعوّذا. رفاعة بْن زَيْد بْن التابوت. الحارث ابن عوف. سعية بْن عَمْرو منهم، وهو القائل: يخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى مخبرًا عن غائب المرء ما يبدي وَيُقَالُ إن هذا الشعر لسعية بْن عَمْرو النضري. 645- ومن بني حارثة بن الحارث بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس: أبو [4] سنينة.
646 - ومن بنى عبد الأشهل:
646- ومن بني عَبْد الأشهل: يوشع. وكان يبشر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما بعث، آمن بِهِ بنو عَبْد الأشهل سواه. وفيه وفي ضرباء لَهُ نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، إلى قوله (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [1] . 647- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عند قدومه المدينة وادع يهودها، وكتب بينه وبينهم كتابًا، واشترط عليهم أن لا يمالئوا عدَّوه وأن ينصروه عَلَى من دهمه وأن لا يقاتل عن أهل الذمة. فلم يحارب أحدًا، ولم يهجه [2] ، ولم يبعث سرية حتَّى أنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ (لَقَدِيرٌ)) ، إلى قوله (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [3] ) . فكان أول أيام عقده لواء حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو [4] الْحَارِثِ، ثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ/ 135/ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) . وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ، إِلَى قَوْلِهِ (لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [5] ) .
غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم غزوات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 648- غَزَاةَ الأبواء، وهي غزاة وَدّان. خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صفر عَلَى رأس اثني عشر شهرًا من هجرته يريد عيرًا لقريش. فبلغ هذين الموضعين، وبينهما ستة أميال. ولم يلق كيدًا. فانصرف إلى المدينة. وكان خليفته عليها فِي هَذِهِ المرة سعد بْن عبادة الخزرجي. وغاب عَنْهَا خمس عشرة ليلة. وفي هَذِهِ الغزاة وادع بني ضمرة بن كنانة عَلَى أن لا يغزوهم ولا يغزونه وألا يعينوا عَلَيْهِ أحدًا. 649- ثُمَّ غزاة بُواط. خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة في طلب غير لقريش، فيها أمية بْن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش. فلم يلق كيدا. وكان الخليفة عَلَى المدينة سعد بْن مُعَاذِ الأوسي، من ولد النبيت، من بني عَبْد الأشهل بْن جشم بن الحارث بن الخزرج ابن النبيت، واسمه عَمْرو بْن مالك بْن الأوس. 650- ثُمَّ غزاة سَفْوان. خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر ربيع الأول أيضًا فِي طلب كرز بْن جَابِر الفهري، وَقَدْ أغار عَلَى سرح المدينة وكان يرعى بالجماء ونواحيها، حتَّى بلغ بدرًا. ثُمَّ رجع ولم يلق كيدًا. ولم يدرك السرح. وكان خليفته عَلَى المدينة زَيْد بْن حارثة الكلبي مولاه. 651- ثُمَّ غزاة ذي العُشيرة، وَيُقَالُ ذات العشيرة فِي جمادى الآخرة سنة اثنتين. خرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها لطلب عير قريش، التي كَانَ القتال يَوْم بدر بسببها، فِي مائة وخمسين ندبهم. وَيُقَالُ فِي مائتين. ولم يكن معهم غير فرس واحد. ومر بنى مدلج [1] فضيفوه وأحسنوا ضيافته ففاتته العير ولم يلق كيدا. وكان خليفته بالمدينة أبو سلمة بن [2] عبد الأسد المخزومي.
652 - ثم غزاة بدر القتال.
652- ثُمَّ غزاة بدر القتال. وبدر ماء كَانَ ليخلد بْن النضر، وَيُقَالُ لرجل من جُهينة. واسم الوادي الَّذِي هُوَ بِهِ يليل [1] . وبين بدر والمدينة ثمانية برد. قَالُوا: وتحين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصراف العير التي خرج لها إلى ذي العشيرة من الشام، فندب أصحابه لها وقَالَ: هَذِهِ عير قريش قَدْ أقبلت وفيها جلّ أموالهم. وكانت العير ألف بعير. وكان فِي العير أَبُو سفيان بن حرب، ومخرمة ابن نوفل الزُّهْرِيّ، وعمرو بْن العاص وغيرهم من الوجوه. ولم يظنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه يحارب. فذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ» . وكان خروجه من المدينة يَوْم الأحد لاثنتي عشرة. ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين. وأبطأ عن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من أصحابه إذ لم يحسبوا [2] أنهم يحاربون. وهم أسيد بْن حضير الأوسي، وسعد بْن عبادة، ورافع بْن مالك، وعبد اللَّه بْن أنيس، وكعب بْن مالك، وعباس بْن عبادة بْن نضلة، ويزيد بْن ثعلبة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن. ولما رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، هنّاه أسيد بنصر اللَّه وإظهاره إياه عَلَى عدوه، واعتذر من تخلفه، وقَالَ: إنَّما ظننتُ أنها العير ولم أظن أنك تحارب. فصدّقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ خُبيب بْن إساف ذا بأس (و) نجد، ولم يكن أسلم ولكنه خرج منجدًا لقومة من الخزرج طالبا للغنيمة. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يصحبنا إلا من كَانَ عَلَى ديننا.] فأسلم وأبلى. وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين برز من المدينة، فاستصغر عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، وأسامة بْن زَيْد مولاه، ورافع بْن خديج، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وزيد بْن أرقم، وزيد بْن ثابت فلم يجزهم. وردّ عمير بْن أَبِي وقاص، فبكى، فأجازه، / 136/ فكان سعد ابن أَبِي وقاص أخوه يَقُولُ: لقد عقدتُ حمائل سيفه، وإنما لتقصر، وذلك لصغره. ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه، وسعيد بن زيد ابن عمرو يتحسسان خبر قريش والعير. فقد ما المدينة ثم شخصا منها فلقيا
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قافل، فضرب لهما بسهمهما فِي المغنم وبأجرهما. وضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بْن عفان بسهمه وأجره، وكان خلفه عَلَى امرأته رقية بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت مريضة مرضها الَّذِي توفيت فِيهِ. وضرب لبَسْبَس بْن عَمْرو [1] ، وعدي بْن أَبِي الزغباء الجهنيين بسهمهما وأجرهما، وبعث بهما ليعرفا خبر العير ومن فيها من قريش وهم ثلاثون رجلًا، ومن فيها من غيرهم، وإلى أَيْنَ بلغت. فعرفا ذَلِكَ. ثُمَّ أقبلا إلى المدينة ولم يشهد بدرًا. واستخلف عَلَى المدينة فِي هَذِهِ الغزاة أبا لبابة بْن عَبْد المنذر، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وخلف عاصم بْن عدي عَلَى قباء وأهل العالية، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وكسر خوّات بْن جُبَيْر بالروحاء، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وأمر الحارث بْن حاطب بأمر فِي بني عَمْرو بْن عوف، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وكسر الحارث بْن الصمة، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. ويقال إنه ضرب لجعفر ابن أَبِي طَالِب وهو بالحبشة بسهمه وأجره، والثبت أَنَّهُ ضرب لطلحة، وسعيد، والجهنيين، وعثمان، وأبي لبابة، وعاصم بْن عدي، وخوّات. وكان مَعَ المسلمين سبعون بعيرًا، فكانوا يتعاقبون عليها: البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة وكان بين النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي بْن أَبِي طَالِب وزيد بْن حارثة بعير. وكان بين حمزة ومرثد بْن أَبِي مرثد حليفة، وأبي كبشة، وأنسة مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعير. وكان بين عبيدة، والطفيل، والحصين بنى الحارث، ومسطح ابن أثاثة ناضح ابتاعه عبيد (ة) بْن الحارث، من أَبِي دَاوُد الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ. وكان بين عثمان، وبني مظعون بعير. وكان مَعَ المسلمين فرسان. أحدهما للزبير بْن العوام، يسمى السيل. والآخر للمقداد بْن عَمْرو البهراني [2] ربيب الأسود بْن عَبْد يغوث. وَيُقَالُ إنه لم يكن للزبير فرس، وَإِنَّهُ كَانَ لمرثد ابن أَبِي مرثد فرس. ولم يختلفوا فِي فرس المقداد. ولا فِي أَنَّهُ لم يكن مَعَ المسلمين إلا فرسان. وكان يُقال لفرس المقداد سبحة. وقَالَ الواقدي: كَانَ المسلمون الَّذِينَ أسهم لهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غنائم بدر ثلاث مائة وأربعة عشر رجلًا، منهم الثمانية الَّذِينَ لم يحضروا فأسهمَ لهم.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، أنبأ حبيب بن الشهيد وهشام بْنِ حَسَّانٍ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلاثَ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَوْمَ بدر تسع مائة وخمسين رجلا. وروى إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ سَعِيد بْن المسيب أَنَّهُ قَالَ: كَانَ جميع من شهد بدرًا من المسلمين ثلاث مائة وأربعة عشر رجلًا، منهم من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلًا، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلًا. قَالَ الواقدي: والثبت أنهم كانوا ثلاث مائة وأربعة عشر، منهم من المهاجرين أربعة وسبعون، وسائرهم من الأنصار، وأنه لم يشهد بدر (ا) إلا قرشي أَوْ حليف لقرشي أَوْ مَوْلَى لَهُ، والأنصاري أَوْ حليف للأنصاري أَوْ مَوْلَى لهم. 653- قال: وكان مع المشركين مائة فرس، فِي بني مخزوم منها ثلاثون. فنجوا منها بسبعين، وصار فِي أيدي المسلمين ثلاثون. وكان معهم من الإبل سبع مائة بعير. وكان أصحاب الخيل دار عين، وهم مائة. ولما بلغ أبا سُفْيَان بْن حرب طلبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ/ 137/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العير حين بدأ إلى الشام، ثُمَّ بلغه ما هُوَ عَلَيْهِ من طلبها، جعل يسير مما يلي البحر ويُعمي أخباره، ووجه ضَمضم بْن عَمْرو الكناني، وكان معهم فِي العير، إلى مكَّة لينذر قريشًا ويستصرخهم. وَقَدْ جدع أنف بعيره، وشق قميصه من قُبل ودبر، فدخلها وهو ينادي: الغوث الغوث، ذهبت عيركم وما عليها. واستنفر النَّاس، فنفروا عَلَى الصعب والذلول. وكان أَبُو سُفْيَان قَدِ اكترى ضمضما بعشرين دينارًا حين بعثه. وَيُقَالُ إنه بعثه من تبوك. قَالُوا: وأخرجت قريش معها القيان [1] بالدفوف: سارة [2] مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وعزَّة مولاه الأسود بْن المطلب، ومولاة لأمية بْن خلف. فجعلن يتغنين فِي كل منهل.
وخرجوا بالجيش يتعاذفون بالحرام بطرا ورياء للناس، كما قَالَ تبارك وتعالى [1] . ونجا أَبُو سُفْيَان وأصحابه، فبعث إلى قريش من الجحفة يعلمهم سلامته بما معه، وأنَّه لا حاجة بهم إلى التعرض لمحمد وأهل يثرب. فأبوا وقالوا: والله لا نطلب أثرًا بعد عين، ولندعن محمدا وَصَبَأته لا يعودون إلى التعرض لأموالنا وتجاراتنا بعدها. وكان أَبُو جهل يشحذهم، ويحرّضهم، ويزعجهم للخروج. وامتنع أمية بْن خلف الجمحي من الخروج إلى بدر، فأتاه أبو جهل وعقبة بْن أبي معيط ومع أَبِي جهل، مكحل، ومع عقبة، مجمر- فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل: اكتحل فإنما أنت امْرَأَة. وقَالَ لَهُ عقبة: تجمر فإنما أنت جارية فِي أريكة. وقَالَ عتبة بْن ربيعة، وكره الخروج، لأخيه شيبة بن ربيعة: أن ابن الحنظلية [2]- يعنى أبا جهل بن هشام- رجل مشئوم، وليس يمسه من قرابة مُحَمَّد ما يمسنا. فَقَالَ لَهُ شَيْبَة: إنّ فارقنا قريش ورجعنا كان ذلك علينا سبة، يا با الوليد وامض مع قومنا [3] . قَالُوا: وقَالَ أبيّ بْن شريق الثقفي، حليف بني زهرة: يا بني زهرة إن اللَّه قَدْ سلّم عيركم، فارجعوا واعصبوا جُبنها بي. فلما كَانَ المساء، نزل عن بعيره، وقَالَ لأصحابه: قولوا إنه قَدْ نهش أبيّ. وخنس بهم راجعًا، فسمى «الأخنس» . ولم يشهد بدرًا من كفار بني زهرة أحد. وفي ذَلِكَ يَقُولُ عدي ابْنُ أَبِي الزغباء [4] : أقم لها صدورها يا بسبس ... إنّ مطايا القوم لا تحبس واحملها عَلَى الطريق أكيسُ ... قَدْ صنع اللَّه وفرّ الأخنس قالوا: وعدى بنو عدي بْن كعب منصرفين إلى مكَّة، فلقيهم أبو سفيان ابن حرب فَقَالَ: كيف رجعتم، فلا أنتم فِي العير ولا فِي النفير؟ فلم يشهد بدرًا منهم أحد. قَالَ الواقدي: وقَالَ عُمَر بْن الخطاب: يا بني عدي فيكم خصال: لم يشهد بدرًا منكم أحد، ولم تفتح مكَّة ومنكم مشرك. وكان رجوع بني عدي من ثنية لفت.
654- قَالُوا: ورأى جُهيم بْن الصلت بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وهو بين النائم واليقظان، كأن رجلا أقبلَ عَلَى فرس ومعه بعير لَهُ، فوقف فَقَالَ: قُتل عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، وأبو الحكم بْن هشام، وأمية بْن خلف، وعدّد رجالًا من أشراف قريش ممن قتل يَوْم بدر، ثُمَّ ضرب فِي لبة بعيره وأرسله، فلم يبق خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضخ من دمه. فبلغت الرؤيا أبا جهل، فَقَالَ: وهذا أيضًا من بني المطلب، سيعلم غدًا من المقتول إِذَا التقينا. 655- وكان الحارث بْن عامر بْن نوفل أراد أن لا يسير إلى بدر. وذلك أَنَّهُ كَانَ صديقًا لضمضم. فأشار عَلَيْهِ أن لا يفعل. فلم يدعه عقبة بْن أَبِي مُعَيط، والنضر بْن الحارث، وأبو جهل، وبكتوه بالجبن، حتَّى خرج. وبكتوا أيضًا حكيم بْن حزام، وأبا البختري، وعلي/ 138/ بْن أمية بْن خلف بالجبن والضعف، حتَّى خرجوا، وكانوا أرادوا ألا يفعلوا. 656- قَالُوا: ورفد المقلَّ المكثرُ وأعانه. وقوّي سهيل بْن عَمْرو جماعة من المشركين بحملانه وماله. وفعل زمعة بْن الأسود مثل ذَلِكَ. وكان حنظلة وعمرو ابنا أَبِي سُفْيَان يحرّضان، ولم يبذلا شيئا، وقالا: إنَّما المال مال أَبِي سُفْيَان. وكان من المحرّضين طعيمة بْن عدي. وأعطى حويطب بْن عَبْد العزى قريشًا ثلاث مائة دينار، وَيُقَالُ مائتي دينار، فاشتُري بها سلاحٌ وظهرٌ. ولم يتخلف أحد من قريش لعلة إلا وجه مكانه رجلًا. فكان أَبُو لهب مريضًا مرضه الَّذِي مات فِيهِ، فوّجه العاص بْن هشام بْن المغيرة عَلَى أن أبرأه من مال كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ إنه كَانَ لاعبه عَلَى امْرَأَة مطلقة، فقمره، فأسلمه قينا بمكة، ثُمَّ لاعبه فقمره، فوجهه إلى بدر مكانه. ومات أَبُو لهب بعد وقعة بدر بأيام يسيرة. 657- قَالُوا: وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إلى قريش يأمرها بالانصراف، فأبوا. ووجهوا عمير بن وهب الجمحى، فحرّز المسلمين وما معهم، ثُمَّ أتاهم يعلم أمرهم. 658- قَالُوا: ونزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدنى بدر عشيَّة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وأمر فنودي: « [أفطروا يا معشر العصاة] » ،
وكان أمرهم أن يفطروا، فلم يفطر قوم منهم، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا. قَالُوا: واستشار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الأنصار. فأشار عليه الحباب ابن المنذر بْن جموح أن ينزل عَلَى أدنى ماء من القوم ويغّور ما سواه من القلب. فوافق جبريلُ عَلَيْهِ السَّلام فيما أُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذَلِكَ. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد أشرتَ بالرأي.] فكان يدعى «ذا الرأي» . واتخذ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريش من جريد، فدخله وأبو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فكانا يتشاوران فِيهِ. وكانت وقعة بدر يَوْم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين. وكان شعار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر «أمت أمت» . وَيُقَالُ كَانَ شعار المهاجرين «بني عَبْد الرَّحْمَن» ، وشعار الخزرج «بني عَبْد اللَّه» ، وشعار الأوس «بني عُبَيْد اللَّه» . وأمدّ اللَّه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالملائكة، وأظهره عَلَى المشركين، ونصره بالريح. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور.] وأخذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفا من حصباء، فرمى بِهِ، وقَالَ: [شاهت الوجوه.] فانهزموا. ورأى أَبُو جهل عتبةَ بْن ربيعة، فجبنه. فَقَالَ عتبة: يا مصفَر استه، ستعلم أينا [1] أجبن. وكشف عن عرقوب فرس أَبِي جهل، وقَالَ: «انزل، فما كل قومك راكب» . ونزل عتبة، فدعا إلى البراز، فقتل. وكان لواء رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ يَوْم بدر مَعَ مصعب بْن عمير، ولواء الأوس مَعَ سعد بْن مُعَاذِ، ولواء الخزرج مَعَ الحُباب بْن المنذر. وكان للمشركين ثلاثة ألوية: لواء مَعَ النضر بْن الحارث، ولواء مَعَ طلحة بْن أَبِي طلحة، ولواء مَعَ أَبِي عزيز بْن عمير. 659- قَالُوا: ولما تهيأ المسلمون للقتال، قَالَ المقداد بْن عَمْرو: يا رَسُول اللَّه، إنا لا نقول كما قَالَتْ بنو إسرائيل: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [2] ، ولكنا نقول: «اذهب فقاتل إنا معك مقاتلون» . ويقال إنه
قَالَ ذَلِكَ حين ندب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ للخروج إلى بدر. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة فِي غزاة بدر بشير بْن عَبْد المنذر بْن زُنَبْر [1] الأوسي، وهو أبو لبابة. وبعضهم يقول: «مبشر [2] » . وكان الَّذِي أتى أهل مكَّة بخبر وقعة بدر الحَيسُمان [3] بْن إياس الخزاعي. والذي أتي أهل المدينة يخبرها زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ/ 139/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغنم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الفقار سيفه، وكان للعاص بْن منبه بْن الحجاج السهمي، وهو الثبت. وَيُقَالُ: لمنبه، وَيُقَالُ: لنبيه. 660- قَالُوا: ولما مرّت قريش بإيماء [4] بْن رحضة، أهدى لقريش جزرًا، وعرض عليها سلاحًا. فَقَالَوا: نَحْنُ مؤدّون، وَقَدْ بررتَ وجعلتَ. وأيماء [5] كناني، من بني غفار. وكان أَبُو سُفْيَان يكثر أن يَقُولُ: وا قوماه، لقد شامهم ابْنُ الحنظلية. 661- قَالُوا: وقدم زَيْد المدينة حين سُوّي التراب عَلَى رقية ابْنَة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقيع. فَقَالَ رَجُل من المنافقين لأسامة بْن زَيْد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه مَعَ عثمان بالمدينة عَلَى رقية: قتل صاحبكم ومن معه. وقَالَ آخر منهم لأبي لبابة: قَدْ تفرق أصحابكم تفرقًا لا يجتمعون بعده، وقُتل مُحَمَّد وهذه ناقته [6] نعرفها، وهذا زَيْد لا يدري ما يَقُولُ من الرعب. قَالَ أسامة بْن زَيْد: فأتيتُ أَبِي، فكذّب قول المنافقين. وقدم شقران بالأسرى. 692- وقال الواقدي، حَدَّثَنِي يزيد بْن فراس الليثي، عن شريك بْن أبي نمر [7] ، عن عطاء بْن يزيد الليثي أن ابنًا [8] لحفص بْن الأخيف، أحد بنى معيص بن عامر بن
شهداء بدر
لؤي، خرج يبغي إبلًا لَهُ، وهو غلام فِي رأسه ذؤابة وعليه حلة وكان غلاما وضيئا، فمر بعامر بْن يزيد بْن عامر بن الملوح بْن يعمر، وكان بضَجنان. فَقَالَ: من أنت يا غلام؟ قَالَ: ابْنُ حَفْص بْن الأخيف. قَالَ: يا بني بَكْر ألكم فِي قريش دم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: ما كَانَ رَجُل ليقتل هَذَا برجله إلا استوفى. واتبعه رجل من بني بكر، فقتله بدم كَانَ لَهُ فِي قريش. فتكلمت فِيهِ قريش. فقال عامر بن (ى) زيد: «قَدْ كانت لنا فيكم دماء، فإن شئتم فأدّوا ما لنا قِبلكم، ونؤدّي إليكم ما كَانَ فينا، وإن شئتم فإنما هو الدم رَجُل برجل، وإن شئتم فتجافوا عنا فيما فعلنا نتجاف عنكم فيما قبلكم» . فهان ذَلِكَ الغلام عَلَى قريش، وقالوا: صدق، رَجُل برجل. فلم يطلبوا بدمه. فبينا أخوه مِكرز بْن حَفْص بْن الأخيف بمر الظهران إذ نظر إلى عامر بْن يزيد، وهو سيد بني بَكْر، عَلَى جمل لَهُ، فقال: ما أطلب أثرًا بعد عين. وأناخ بعيره، وهو متوشح بسيفه، فعلاه بِهِ حتَّى قتله. ثُمَّ أتى مكَّة، فعلق سيف عامر بأستار الكعبة. فلما أصبحت قريش، رأوا سيفَ عامر، فعرفوا أن مكرز ابن حَفْص قتله لقول كَانَ سُمع من مكرز فِي ذَلِكَ. وجزعت بنو بَكْر بقتل سيدها، وكانت معدَّة لتقتل [1] من قريش سيدين أَوْ ثلاثة. فإنهم لعلى ذَلِكَ حتَّى جاء النفير إلى بدر وهم عَلَى هَذَا. فخافوهم [2] عَلَى من يخلفون بمكة من ذراريهم، حتَّى جاءهم إبليس فِي صورة سراقة بْن (مالك بْن) جعشم، فَقَالَ: أَنَا لكم جار من بني بَكْر فإني سيدهم. فَقَالَ أَبُو جهل: هَذَا سراقة سيد كنانة، وَقَدْ أجاركم وأجار من تخلف منكم. فشجع القومَ، فخرجوا إلى بدر. [شهداء بدر] 663- فاستُشهد ببدر من بني المطلب بْن عَبْد مناف: عبيدة بْن الحارث، قتله شَيْبَة بْن ربيعة. فَدَفَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ بذات أجدال. ومن بني زهرة: عمير بْن أَبِي وقاص، قتله عَمْرو بْن عَبْد وُدّ. وعمير بْن عَبْد عَمْرو الخزاعي، وهو ذو الشمالين، حليف بني زهرة- وَيُقَالُ هو عمير بن عبد عمرو ابن نضلة- قتله أبو أسامة زهير بْن معاوية الجشمي. ومن بني عدي بْن كعب:
ومن بنى الحارث بن فهر:
عاقل بْن البكير الكناني. وبعضهم يَقُولُ: ابْنُ أَبِي البكير. والأول أصح. وهو حليف لبني عدي. قتله مالك بْن زُهَيْر الجشمي. ومِهْجَع مولى عمر بن الخطاب، قتله عامر الحضرمي. فيقال إنه أول قتيل يَوْم بدر. ومن بني الحارث بْن فهر: صفوان بْن بيضاء، قتله طعيمة بْن عدي. وَيُقَالُ إنه مات سنة ثمان وثلاثين. ومن الأوس: مبشر بْن عَبْد المنذر، قتله أَبُو ثور. / 140/ سعد بْن خيثمة، قتله عَمْرو بْن عَبْد ودّ. وَيُقَالُ: طعيمة بْن عدي. ومن الخزرج: حارثة ابن سراقة، رماه حِبّان بْن العَرِقة بسهم فأصاب حنجرته. وقوم يقولون: العرفة، وذلك تصحيف. وعوف، ومعوذ ابنا عفراء بِنْت عُبَيْد. وكانت عفراء عند الحارث بْن رفاعة، فولدت له معاذا، ومعوذا. ثم إنه طلقها، فتزوجها البكير ابن عبد يا ليل، فولدت لَهُ عاقلًا، وعامرًا، وخالدًا، وإياسًا. ثُمَّ رجعت إلى المدينة، فراجعها الحارث، فولدت لَهُ عوفًا. قَالَ الواقدي: فقتل عوف ومعوّذ يومئذ، قتلهما أَبُو جهل. وقَالَ الكلبي: قتل مُعَاذِ ومعوّذ يومئذ، وبقي عوف فجاءت أمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، بقي شر ولدي؟ فَقَالَ: لا. والولد فِي بني عفراء لعوف. وعمير بن الحُمام بْن الجموح، قتله خَالِد بْن الأعلم [1] العقيلي حليف بني مخزوم الَّذِي يَقُولُ [2] : لَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا يقطر الدمُ ورافع بْن المعلى الزرقي، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. ويزيد بن الحارث فُسْحم- وذلك قول الواقدي. وقَالَ الكلبي: يزيد الشَّاعِر بْن الحارث بْن قيس، أحد بني الحارث بْن الخزرج. وَيُقَالُ ليزيد: ابْنُ «فسحم» ، وهي أمه، وهي من بني القين بْن قضاعة- قتله نوفل بْن معاوية الديلي. وقوم يقولون إنّ أنسة مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل يَوْم بدر. وليس ذَلِكَ بثبت. والمجمع عَلَيْهِ أَنَّهُ شهد [3] يَوْم أحد، (وبقي بعد ذَلِكَ) ومات في خلافة أبى بكر. [قتلى مشركين] 664- وقُتل من المشركين، من بني عَبْد شمس بن عبد مناف: حنظلة بن
665 - ومن بنى نوفل بن عبد مناف،
أَبِي سُفْيَان، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. الحارث بْن الحضرمي، قتله عمار بْن ياسر. عامر بْن الحضرمي، قتله عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح. عمير بْن أَبِي عمير، وابنه، موليان لهم، قتل سالم مَوْلَى أَبِي حذيفة عميرًا. عبيدة بْن سَعِيد بْن العاص، قتله الزُّبَيْر بْن العوام. العاص بْن سَعِيد، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. عقبة بْن أَبِي معيط، قتله عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح بأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء صَبرا، وكان أخذ أسيرا. وقَالَ ابْنُ الكلبي: قتل عقبة بعرق الظبية. وقَالَ عقبة: من للصبية يا مُحَمَّد؟ [قَالَ: النار.] وَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلبه، فكان أول مصلوب فِي الْإِسْلَام. فرثاه ضرار بْن الخطاب: عينُ فابكي لعقبة بْن أبان ... فرع فهرٍ وفارس الفرسان وقَالَ أيضا: إذا اتصلت تدعو أباها الحارث ... دعت باسم سيال العطاء زعوف وهو النجيبات المراقيل بالضحى ... بأكوارها تجتاب كل تنوف وعتبة بْن ربيعة، قتله حمزة بْن عَبْد المطلب. وشيبة بن ربيعة، قتله عبيدة ابن الحارث، وذفّف عَلَيْهِ حمزة وعليّ عليهما السَّلام. الوليد بْن عتبة، قتله عليّ. عامر بْن عُبَيْد اللَّه [1] حليف لهم، قتله عليّ، وَيُقَالُ سعد بْن مُعَاذِ الْأَنْصَارِيّ. 665- ومن بني نوفل بْن عَبْد مناف، الحارث بْن عامر بْن نوفل، قتله خبيب ابن إساف. وهو الَّذِي [قَالَ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لقيه فليدعه لأيتام بني نوفل بْن عَبْد مناف.] وفيه نزلت: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [2] » . طعيمة بْن عدي بْن نوفل، قتله حمزة. وكان طعيمة يكنى [3] أبا الرّيان، وأسر يَوْم/ 141/ بدر، فأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله، فقتله حمزة صبرا.
666 - ومن بنى عبد العزى بن قصي:
666- ومن بني عَبْد العزى بْن قصيّ: زَمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، قتله أَبوْ دجانة، وَيُقَالُ: ثابت بْن الجذع، وولده يقولون: الجذع. الحارث ابن زمعة بْن الأسود، قتلة عليّ بْن أَبِي طَالِب. عقيل بْن الأسود بْن المطلب، قتله حمزة وعلي شركاء فيه، ويقال عليّ وحده. أَبُو البختري العاص بْن هاشم، قتله المجذّر بْن ذياد البلوي، وَيُقَالُ أَبُو دَاوُد الْمَازِنِيُّ، من الأنصار، وَيُقَالُ أَبُو اليسر. نَوْفَلُ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد العزي، وهو ابْنُ العدوية، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. 667- ومن بني عَبْد الدار: النضر بْن الحارث، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب صبرًا بالأثيل بأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الَّذِي أسره المقداد بْن عَمْرو. زَيْد بْن مليص [1] مولى عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، قتله على ابن أبى طالب، ويقال بلال. 668- ومن بنى تيم بْن مرة: عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْنِ كعب بْن سعد ابن تيم، قتله عليّ بْن أبي طَالِب، وَيُقَالُ صهيب. 669- ومن بنى محزوم: أَبُو جهل بْن هشام. سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فرعون هَذِهِ الأمة» . ضربه مُعَاذِ بْن عَمْرو بْن الجَموح، فقطع رجله. وضربه أحد بني عفراء ضربة. وَيُقَالُ ضرباه جميعًا. ونفّل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذِ بْن عَمْرو سيفَ أَبِي جهل، فهو عند ولده. وفيه يَقُولُ حسان بْن ثَابِت [2] : النَّاس كنُوه أبا حكم ... والله كنّاه أبا جهل وقال الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ ياسر، عن ربيع بنت معود قَالَتْ: دَخَلْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ مُخَّرِبَةَ، أُمِّ أَبِي جَهْلٍ، فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ الله بن
أَبِي رَبِيعَةَ يَبْعَثُ لَهَا بِعِطْرٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَكَانَتْ تَبِيعُهُ إِلَى الأَعْطِيَةِ، فَكُنَّا نَشْتَرِي مِنْهَا. فَقَالَتْ لِي: وَإِنَّكِ لابْنَةُ قَاتِلِ سَيِّدِهِ؟ قَالَتْ، قُلْتُ: لا، وَلَكِنِّي ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَبِيعُكِ شَيْئًا أَبَدًا. وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وضعت الحربُ أوزارها أن يلتمس أَبُو جهل. قَالَ ابْنُ مَسْعُود: فوجدته مرتثًا فِي آخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه، وقلت: الحمد الله الَّذِي أخزاك. فَقَالَ: إنَّما أخزى اللَّه ابْنُ أم عبد، أروى عينا بالأمس، لقد ارتقيتَ مرتقى صعبًا يا رُويعي الغنم، لمن الدائرة؟ قلتُ: لله ولرسوله. قَالَ: فأقتلع بيضته عن قفاه، وقلتُ: إني قاتلك يا أبا جهل. قَالَ: لستَ بأول عَبْد قتل سيده، أما إنّ أشد شيء لقيته اليوم فِي نفسي لقتلك إياي وألا يكون ولي قتلي رَجُل من الأحلاف أَوِ المطَّيبين. فضربه عَبْد اللَّه فوق رأسه بين يديه، ثُمَّ سلبه، وأقبل بسلاحه ودرعه وبيضته، فوضع ذَلِكَ بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: أبشر يا نبي اللَّه بقتل عدو اللَّه أَبِي جهل. [فقال: والله لذلك أحب إليَّ من حمر النعم،] أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورأى عَبْد اللَّه بجسده خضرة، فوصفها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [فَقَالَ: ذَلِكَ ضرب الملائكة.] وقد يقال إنّ بنى عفراء لما ضربا أبا جهل، لم يقتلهما حتَّى جرحاه. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقف عَلَى مصرع ابني عفراء: « [رحمهما اللَّه، فقد شركا فِي قتل فرعون هَذِهِ الأمة] » . وقيل إنّ الملائكة قتلت أبا جهل مَعَ ابني عفراء/ 142/ وذفّف عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُود. والله تَعَالى أعلم. العاص بْن هشام بْن المغيرة، قتله عُمَر بْن الخطاب. يزيد بْن تميم [1] حليف لهم، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو مسافع الْأَشْعَرِيُّ حليف لهم، قتله أَبُو دجانة. حرملة بْن عَمْرو، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو قيس بْن الوليد ابن المغيرة، قتله عليّ. أَبُو قيس بْن الفاكه بِن المغيرة، قتله حمزة، وَيُقَالُ الحُباب بْن المنذر. مَسْعُود بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. رفاعة بْن أبى رفاعة، - وهو أمية- بْن عائذ، قتله سعد بْن ربيع. أبو [2] المنذر
670 - ومن بنى جمح:
ابن أَبِي رفاعة، قتله معن بْن عدي أخو عاصم بْن عدي. عَبْد اللَّه بْن [1] أَبِي رفاعة، قتله عليّ. زُهَيْر بْن أَبِي رفاعة، قتله أبو أسيد الساعدي. السائب ابن أَبِي رفاعة، قتله عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف. السائب بْن أَبِي السائب- واسمه صيفي- بْن عابد [2] ، قتله الزبير. الأسود بن عبد الأسد [3] ، قتله حمزة. حليفان لهم من طيّئ، أحدهما عَمْرو بْن سُفْيَان، قتله يزيد بْن رقيش الأسدي، والآخر جبّار [4] بْن سُفْيَان، قتله أبو بردة بن نيار. جابر [5] ابن السائب بْن عويمر بْن عائذ، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. وقَالَ الكلبي: قتل جابرًا هذا، وأخاه عويمر (ا) جميعًا عليّ بْن أَبِي طَالِب [6] . عويمر بْن عَمْرو بْن عائذ، قتله النعمان بْن أَبِي [7] مالك. 670- ومن بني جمح: أمية بْن خلف، قتله خبيب بْن إساف وبلال، وَيُقَالُ: قتله رفاعة بْن رافع. عليّ بْن أمية بْن خلف، قتله عمار بْن ياسر. أوس بْن المعير بْن لوذان، قتله عثمان بْن مظعون وعلي جميعًا، وَيُقَالُ عثمان وحده. 671- ومن بني سهم: منبه بْن الحجاج، قتله أَبُو اليسر، وَيُقَالُ عليّ، وَيُقَالُ أَبُو أسيد الساعدي. نبيه بْن الحجاج، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. العاص ابن منبه، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو العاص (بن) قيس بن عدى، قتله
672 - ومن بنى عامر بن لؤي.
أَبُو دجانة، وَيُقَالُ عليّ عَلَيْهِ السَّلام. عاصم بْن أَبِي عوف بْن صُبيرة، قتله أَبُو دجانة. 672- ومن بني عامر بْن لؤي. معاوية بْن عَبْد قيس [1] حليف لهم، قتله عكّاشة ابن محصن. معبد بْن وهب حليف لهم من كلب، قتله أبو دجانة. وقتل عمرو ابن الحضرمي. كعبُ بْن زَيْد النجاري، والثبت أَنَّهُ قتل فِي سرية ابْنُ جحش. 673- وكان ممن أسر يَوْم بدر: عقيل بْن أَبِي طَالِب، أسره عُبَيْد بْن أوس الظفري، وأسر [2] عمه. الْعَبَّاس، فافتداه. نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، أسره جبار بْن صخر. والسائب بْن عُبَيْد، وعبيد [3] بْن عَمْرو بْن علقمة، أسرهما سَلَمة بْن أسلم بْن حَريش الأشهلي، فأطلقهما النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا فدية. عقبة بْن أَبِي معيط، أسره عَبْد اللَّه بن سلمة العجلاني. الحارث بن أبى وجرة. - ويقال: وجرة- بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، أسره سعد بْن أبي وقاص، فقدم فِي فدائه الوليد بْن عقبة فافتداه بأربعة آلاف درهم. عَمْرو بن أبى سفيان بن حرب، سار فِي سهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسله بغير فدية، وكان الَّذِي أسره عليّ عَلَيْهِ السَّلام. وكان سعد بْن [4] أكال، من بني أمية، من الأوس، أتى مكَّة معتمرًا، فأخذه أَبُو سُفْيَان فحبسه بمكة، وقَالَ: لا أخليه حتَّى يخلي سبيل عَمْرو. وقَالَ فِي ذَلِكَ [5] : أرهطَ ابْنُ أكّال أجيبوا دعاءَه ... تفاقدتم لا تتركوا السيد الكهلا فإنّ بني عَمْرو لئام أذلةٌ ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا فخلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبيل عَمْرو بْن أَبِي سُفْيَان، وخلى أَبُو سُفْيَان، ابْنُ أكال. وقَالَ بعضهم: هُوَ سعد بن النعمان بن أكال. وقال
الكلبي: هُوَ زَيْد بْن أكال بْن لوذان بْن الحارث بْن أمية بْن زَيْد بْن مالك. وأبو العاص بْن الربيع/ 143/ أسره خراش بْن الصِّمَّة، فقدم فِي فدائه عَمْرو بْن الربيع أخوه. وعمرو بْن الأزرق، افتكه عَمْرو بن الربيع. أبو العاص ابن نوفل بْن عَبْد شمس أسره عمار بْن ياسر. عثمان بْن عَبْد شمس، وهو ابْنُ أخي عتبة بْن غزوان، حليف، أَبُو ثور، افتداهما جُبَيْر بْن مطعم، وكان الَّذِي أسر أبا ثور: مرثد الغنوي. أَبُو عزيز بْن عمير، أخو مصعب، أسره أَبُو اليسر، وَيُقَالُ غيره. فقال معصب للذي أسره: أشدد يدك بِهِ فإنّ أمه موسرة. فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ وصاتك بي يا أخي؟ قَالَ: هَذَا أخي دونك. فافتدي بأربعة آلاف. عدي بْن الخيار، أسره خراش بْن الصمة. الأسود بن عامر ابن الحارث بْن السباق، قدم فِي فدائه طلحة بْن أَبِي طلحة. السائب بْن أَبِي حُبيش بْن المطلب بْن أسد، أسره عَبْد الرحمن بن عوف. الحويرث بن عباد [1] ابن أسد، أسره حاطب بْن أَبِي بلتعة. مالك بْن عُبَيْد اللَّه بْن عثمان، من بني تيم، أخو طلحة، أسره قطبة بْن (عامر بْن) حديدة، فمات بالمدينة أسيرًا. أمية بْن المغيرة بْن حذيفة، أسره بلال. عثمان بْن عَبْد اللَّه بْن (أَبِي) أمية بْن المغيرة، أسر يَوْم نخلة، فأفلت، فأسره واقد بْن عَبْد اللَّه التميمي يَوْم بدر، فَقَالَ: الحمد لله الَّذِي أمكنني منك فقد كنتَ أفلت فِي المرة الأولى، فافتداه عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة بأربعة آلاف. الوليد بْن الوليد بْن المغيرة، أسره عبد الله ابن جحش الأسدي، فقدم فِي فدائه خَالِد [2] بْن الوليد، وهشام فافتكاه بسكة دابته ثم أفلت وأسلم، وَيُقَالُ أسره سليط بْن قيس. صيفي بن أبى رفاعة بن عابد ابن عبد الله بن عمر بن محزوم، لم يكن لَهُ مال، فمكث عند الَّذِي أسره، ثم أطلقه. وأسر أبو أيوب الأنصارى المطلب بْن حنطب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد ابن عُمَر [3] بْن مخزوم، ولم يكن لَهُ مال فأرسله بعد حين. خالد بن الأعلم
العقيلي حليف بني مخزوم، قدم عكرمة بْن أَبِي جهل فِي فدائه، وكان الَّذِي أسره الْحُبَاب [1] بْن المنذر بْن الجموح. وأسر فروة بن عمرو البياضي: عبد الله ابن أَبِي بْن خلف، فقدم أَبُوهُ فِي فدائه. وأسر أَبُو عزَّة الجمحي، فمن عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحلفه أن لا يكثر عليه جميعا، وأرسله بغير فدية، فأسر يَوْم أحد، فضرب عنقه. وأسر سهيل بْن عَمْرو، وكان الَّذِي أسره مالكُ بْن الدخشم بْن مالك بْن الدخشم بْن مرضخة بْن غنم- وهو قوقل- ابن عوف بْن الخزرج. فَقَالَ مالك [2] : أسرتُ سهيلا فلن أبتغي ... بِهِ غيره من جميع الأمم وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلا فتاها إِذَا تُظّلم ضربتُ بذي الشفر حتَّى انثنى ... وأكرهتُ نفسي عَلَى ذي العلم فقدم فِي فداء سهيل، مكرز بْن حَفْص بْن الأخيف، فأرضى مالكًا ودفع إِلَيْه أربعة آلاف درهم من مال سهيل، وحبس مكرز مكانه حتَّى بعث بالمال من مكَّة. ولما أسر سهيل وقدم بِهِ المدينة، رآه أسامة بْن زَيْد فَقَالَ: «يا رَسُول اللَّه هَذَا الَّذِي كَانَ يطعم النَّاس السريد [3] » ، يعني الثريد. ورأته سودة بِنْت زمعة، وهو فِي القيد [4] ويده إلى عنقه، فلم تملك نفسها أن قَالَتْ: أبأبي يزيد يفعل هَذَا؟ ثُمَّ قَالَتْ: أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، هلا متم كراما؟ [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سودة، أعلى اللَّه ورسوله؟] فقالت: والذي [5] بعثك بالحق، ما ملكتُ نفسي حين رَأَيْته عَلَى هَذِهِ الحال، فاستغفر لي يا رَسُول اللَّه. [فَقَالَ: يغفر اللَّه لَكَ.] وقَالَ عُمَر: يا رَسُول اللَّه، هذا سهيل خطيب قريش، فأنزع ثنيته فلا يقوم خطيبا بك (؟ عليك) أبدًا؟ فَقَالَ: [دعه، فعسى/ 144/ أن يقوم مقامًا تحمده، وينفع اللَّه بِهِ.] فأسلم يَوْم الفتح وحسن إسلامه، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان عتاب
ابن أسيد على مكة، فقام سهيل فقال: يا أيها النَّاس أَنَا أكثر قريش قَتَبًا [1] فِي بر، وجارية فِي بحر، فأقروا أميركم وأعطوه صدقاتكم وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردّها إليكم. وبكى، وسكن النَّاس، ورجع عتاب [2] . فلما كانت خلافة عُمَر، أتاه سهيل، والحارث بْن هشام، ليسلما عَلَيْهِ. فقدّم قبلهما صهيبًا وعمارًا. فغضب الحارث بْن هشام من ذَلِكَ. فَقَالَ سهيل: دعينا ودُعوا، فأجابوا وأبطأنا ثُمَّ نغضب [3] أن يقدموا علينا، فأما إذا فاتت الجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنا نطلبه بعده. فخرجا إلى الشام مجاهدين، فماتا هناك. قَالَ الواقدي: رمى سعد سهيلًا، فأصاب بنساه [4] ، وجاء مالك فأسره. وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ قَالَ: رَأَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ سُهَيْلا، فَقَالَ: «هَذَا الَّذِي كَانَ يُطْعِمُ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ» . [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَبُو يَزِيدَ الَّذِي كَانَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ فَأَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ.] وَكَانَ لَمَّا أُسِرَ، هَرَبَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، فَوَجَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين سهوات [5] . فَأَمَرَ بِهِ، فَرُبِطَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ وَجُنِّبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ. وَفِيهِ يَقُولُ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصلت الثقفى [6] : يا با يَزِيدَ رَأَيْتُ سَيْبَكَ وَاسِعًا ... وَسَمَاءَ جُودِكَ تُسْتَهَلُّ فَتُمْطِرُ 674- قَالُوا: وقَالَ عمير بْن وهب بْن خلف الجمحي لصفوان بْن أمية، لولا دَين علي وعيال، لأتيتُ محمدًا فقتلته، فقد عظمت المصيبة بمن قتل من السادة يَوْم بدر، فإنه بلغني أَنَّهُ يطوف فِي الأسواق. فضمن لَهُ صفوان قضاءَ دينه وأمر عياله. فمضى حتَّى أتى المدينة مكتتمًا، فأناخ راحلته عَلَى باب المسجد وعقلها، وتقلد سيفه وكان قَدْ شحذه وسمّه، ثُمَّ عمد نحو النبي صلى الله عليه
وَسَلَّمَ. فنظر إِلَيْه عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وهو فِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَ لمن عنده: دونكم الكلب فهذا عدوّ الله حرّش بيننا يوم بدر وحرزنا للقوم. فأخذه عُمَر، فانطلق بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: هَذَا عمير بْن وهب دخل المسجد ومعه سلاحه، وهو الغادر الخبيث. فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أقدمك؟ قَالَ: قدمتُ فِي ابنى وهو أسير عندكم لتقاربونا [1] فِيهِ. قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما هَذَا السيف؟ قَالَ: «لعنها اللَّه من سيوف، وهل أغنت عنا شيئًا يَوْم بدر؟ إنَّما نسيته فِي رقبتي حين نزلتُ» . فَقَالَ: اصدقنى فيما قدمت: قدمتُ بسبب أسيري وهب بْن عمير بْن وهب. قَالَ: «فما شرطت لصفوان وما اشترطت عَلَيْهِ؟ فقد ضمنتَ لَهُ قتلي عَلَى أن يقضي [2] دينك، ويعول عيالك. والله حائل بينك وبين إرادتك.» فَقَالَ عمير: «أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُول اللَّه. هَذَا والله وحي السماء. والله ما سَمِعَ هَذَا من صفوان أحد سواي، وما سمعه مني أحد» . فأطلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسيره. وأتي عمير مكة، فلم يقرب صفوان، وأظهر الإسلام، ودعا إليه، ووقف عَلَيْهِ عمير، وهو فِي الحجر، فلم يكلمه. وتشهد عمير وقَالَ لَهُ: أهذا دين: عبادة حجر والذبح لَهُ؟ فلم يكلمه صفوان. وشهد عمير بْن وهب يَوْم أحد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقي إلى بعد خلافة عُمَر بْن الخطاب. ويكنى أبا أمية. وَيُقَالُ إنّ وهب بْن عمير هُوَ الضامن لصفوان ما ضمن، وأن أباه عمير بْن وهب كَانَ الأسير. والأول أثبت. 675- وروى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كَانَ الأَسْرَى سَبْعِينَ، وَالْقَتْلَى سَبْعِينَ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنِ/ 145/ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ، والقتلى أكثر من سبعين أيضا.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ [1] قَالَ: أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلا. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ، مِنَ الْخَزْرَجِ. وقَالَ طَالِب بْن أَبِي طَالِب فِي يَوْم بدر- وقوم يزعمون أنها لأمية ابن أَبِي الصلت- وكان طَالِب قَدْ شهد بدرًا، ثُمَّ انصرف راجعًا فلم يسمع لَهُ بذكر مع قريش [2] : فجّعتنى المنون بالجلة الحمس ... ملوك لدى الحجون صباح إن كعبا وعامرا قد أبيحت ... يوم بدر يوم ذات الطماح شيب الرأس أننى كلما ... شئت سمعت الأنين بالأنواح وفتاة تدعو غلامًا نجيبًا ... سرحت قبل يومها بسراح أصبحت مكَّة الحرام حلالًا ... من لؤي وغالب والبطاح وقَالَ أمية بْن أبي الصلت [3] : هلا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي الممادح كَبُكا الحمام عَلَى فرو ... ع الأيك بالصبح الجوانح يبكين خزى ذات أشجا ... ن يرحن من الروائح أمثالهن الباكيا ... ت المعولات من النوائح ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة [4] جحاجح كسب مَطاعيمٌ مُطاعين ... ملاوذة ماجح [5] المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحمًا كالأنافح لله دَرُّ بني علي ... أيّمٌ منهم وناكح إنْ لم يغيروا غارةً ... شعواء تحجر كل نابح
وقَالَ حسان يهجو أبا جهل [1] : ألا لعن الرحمنُ قومًا يحثهم ... دعيُّ بني شَجع لحرب مُحَمَّد مَشْومٌ لِعينُ قَدْ تبين جهله ... قليل الحياء أمره غير مرشد فأنزلَ ربي نصرهَ لرسوله ... وأيده بالعزّ فِي كل مشهد وقَالَ شداد بْن الأسود الليثي ثُمَّ الشَجعي يبكي قتلاء قريش يوم بدر [2] : دعيني أصطبح با بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والشُّرب الكرام فكم لَكَ بالطويِّ طويِّ بدر ... من الخيرات والدسع العظام وكم لَكَ بالطويِّ طوي بدر ... من الرغبات والنعم الجسام وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزي تكلل بالسنام ألا من مبلغ الأقوام عني ... بأني تارك شهر الصيام يخبّرنا الرسول بأن سنحيى ... وكيف حياة أصداءٍ وهام وقَالَ أمية بْن أبى الصلت [3] : عين بكىّ بالمسبلات [4] أبا العا ... صى ولا تجمدى على زمعه وبكيّا توكلا إذا احتدم البأ ... س ليوم الهياج في الدمعه
677 - ثم غزاة بنى قينقاع،
قتلى كرام لفقدهم خوت الجو ... زاء لا خانةٌ ولا خدعه قوم هُمُ الهامة الوسيطة من كع ... ب وفيهم كذروة القمعه/ 146/ أمسى بنو عمه إذا ذكر البأ س عليهم أكبادهم وجعه وقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبعرى السهمي [1] : ماذا ببدر ثُمَّ ماذا حوله ... من فتية بيض الوجوه كرام تركوا نبيهًا عندها ومنبها ... وابنى ربيعة خير خصم فئام والعاصَ وابنَ منبه ذا مرة ... رمحًا طويلًا غير ذي أوصام تنمي بِهِ أعراقه وجّدوده ... ومآثر الأخوال والأعمام والحارثَ الفياض يبرق وجهه ... كالبدر أشرق ليلةَ الإظلام فإذا بكى باك فأعولَ شجوَه ... فعلى الرئيس الماجد ابْنُ هشام وفي بدر شعر كَثِير سوى هَذَا. فمنه ما يصحح ومنه ما لا يصحح ومنه ما لا يصحح. 676- حَدَّثَنِي مُحَمَّد، عن الواقدي قَالَ: شهد بدرًا عبيدة، وحصين، وطفيل بنو الحارث، ثلاثة إخوة. وعكّاشة ابن محصن، وأخوه أَبُو سنان بْن محصن. وشجاع، وعقبة ابنا وهب. ومدلاج [2] ، وثقاف ابنا عَمْرو السلميان، وكانا حليفي بني أسد بْن خزيمة، فصارا فِي حلف بني عَبْد شمس مَعَ بني أسد. وعمر، وأخوه زَيْد بْن الخطاب. 677- ثُمَّ غزاة بني قَينُقاع، من يهود، فِي شوال سنة اثنتين. وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة. وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينها كتابًا. فلما أصاب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب بدر وقدم المدينة سالمًا غانمًا موفورًا، بغت وقطعت العهد. فجمعهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: [يا معشر يهود، أسلموا فو الله إنكم لتعلمون أنى نبى وإلا أوقع أصبكم أكثر مما أوقع بقريش.] فقالوا: يا مُحَمَّد، لا يغرّنك من لقيتَ، فإنما قهرتَ قومًا أغمارًا، ونحن بنو الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا. فبيناهم
عَلَى بغيهم ومجاهرتهم بكفرهم إذ جاءت امْرَأَة كانت تحت رَجُل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائغ منهم فِي أمر حليّ لها. فجاء رَجُل من بني قينقاع، فجلس من ورائها، وهي لا تشعر، فحلّ درعها إلى ظهرها، بشوكة. فلما قامت تكشفت وبدت عورتها، فضحكوا منها. فقام إِلَيْه رَجُل من المسلمين، فأتبعه فقتله. فتعادوا عَلَى الرجل المسلم، فقتلوه ونبذوا العهدَ إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنزل فيهم: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [1] . وروى أيضًا أن الآية نزلت فِي بني قريظة. فسار إليهم، وَقَدْ تحصّنوا فِي حصنهم. فحصرهم خمس عشرة ليلة. ثُمَّ إنهم نزلوا عَلَى حكمة، فأمر بهم فرُبطوا. واستعمل عَلَى ربطهم وكتافهم المنذر بن قدامة السلمي. فأتى ابْنُ أبيّ المنافق رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدخل يده فِي جيب درعه من خلفه، وقَالَ: يا مُحَمَّد أحسن إلى مواليّ. [فَقَالَ لَهُ: ويلك أرسلني،] وكان قَدْ ضمه إِلَيْه. فَقَالَ لَهُ: «أتريد أن تحصد أربع مائة دارع وثلاث مائة حاسر، منعوني يَوْم الحدائق ويوم بعاث، فِي ساعة؟ أما تخشى يا مُحَمَّد الدوائر؟» [فقال: خلوهم، لعنهم اللَّه ولعنه معهم.] وأعفاهم من القتل، وأجلاهم إلى الشام. فنزلوا أذرعات. فلم يلبثوا إلا قليلا حتَّى هلكوا. وقبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أموالهم. وكانوا صاغة، لا أرضين لهم. وكان الَّذِي أخذ من سلاحهم ثلاث قسيّ: قوسًا تدعي «الكتوم» ، كسرت يَوْم أحد، وأخرى تدعي «الروحاء» ، وأخرى تدعي «البيضاء» ، ودرعين: درعا يقال لها «السعدية» ، وأخرى يُقال لها «فضَّة» ، وثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وآخر يُقال لَهُ «بتار» ، وآخر لم يسمّ [2] / 147/ وثلاثة أرماح: ووُجد فِي حصونهم سلاح كَثِير، وآلة من آلات الصياغة. فأعطى سعدَ ابن مُعَاذِ درعا من دروعهم المذكورة. وأعطى مُحَمَّد بْن مسلمة درعًا أخرى. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر أيضا.
678 - ثم غزاة السويق
678- ثُمَّ غزاة السَّويق فِي ذي الحجة سنة اثنتين. وسببها أن أبا سُفْيَان بْن حرب حرّم عَلَى نفسه الدهن حتَّى يثأر من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، بمن أصيب من المشركين يَوْم بدر. فخرج فِي مائتي راكب، وَيُقَالُ فِي أربعين راكبًا. وسار إلى بني النضير ليلًا، فطرق ومن معه حيي بنَ أخطب اليهودي، ليخبره من أخبار رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أحبّ معرفته. فأبي أن يفتح لهم. وطرقوا سلام بْن مِشْكَم، ففتح لهم، وقراهم، وسقى أبا سُفْيَان خمرًا. فلما كَانَ السحر، خرج أبو سُفْيَان ومن معه، فلقي رجلًا من الأنصار فِي حرث لَهُ، فقتله. وقتل أجيرًا لَهُ كَانَ معه. وحرّق بعض حرثهما. ورأى أن يمينه قَدْ حلّت، فمضى هاربًا، وخاف الطلب. وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبره، فندب أصحابه. فخرج وخرجوا يريدونه. وجعل أَبُو سُفْيَان وأصحابه يتخففون ويُلقون جُربَ السويق، وهي عامة أزوادهم. فجعل المسلمون يمّرون بها فيأخذونها. فسميت الغزاة ذات السويق. ولم يلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها كيدًا. وفي سلام بْن مشكم يَقُولُ أَبُو سُفْيَان بْن حرب [1] : سقاني فروّاني كميتا مُدامة ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم فداك أَبُو عَمْرو يجود ودارُه ... بيثربَ مأوى كل أبيض خضرم وقَالَ بعضهم: كانت كنية سلام «أبا الحكم» ، ويروى هَذَا البيت: أبو الحكم خير الرجال ودارُه ... بيثرب مأوى كل أبيض خضرم وكان الزُّهْرِيّ يَقُولُ: كنيته «أَبُو عَمْرو» . وكان خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أيضًا أبا لبابة. 679- ثُمَّ غزاة قَرقرة الكُدْر. وبعضهم يَقُولُ: «قَرارة» . والأول أثبت. وكان فِي المحرم سنة ثلاث. وكان سببها أَنَّهُ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعًا من غطفان وبني سُلَيم. فسار إليهم، فتفرّقوا. ولم يلق كيدًا، ووجد لهم نعما مَعَ رُعاتها. وَيُقَالُ إنه وجد نعمًا وشاءً. وكانت النعم خمس مائة بعير. وقسّم ذَلِكَ بين المسلمين. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابن أم مكتوم.
680 - ثم غزاة بنى غطفان،
680- ثُمَّ غزاة بني غطفان، بذي أمر، بنجد. وكانت فِي شهر ربيع الأول سنة ثلاث. وكان سببها أن جمعًا من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان بن بغيض ابن رَيث بْن غطفان، وبني محارب بْن خَصَفة بْن قيس تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ الذى جمعهم دعثور ابن الحارث المحاربي. وبلغ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم، فخرج فِي أربع مائة وخمسين. وصار إلى ذي القِّصَّة، فلقي بها رجلًا من بني ثعلبة. فَقَالَ لَهُ المسلمون: أَيْنَ تريد؟ فَقَالَ: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر. فَدَعَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْإِسْلَام. فأسلم، وأخبر أن المشركين تجمعوا. فلما بلغوا خبره، هربوا إلى رءوس الجبال. وكان اسم الرجل جبّارًا. ولم يلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة كيدًا. قَالُوا: ونظر دُعْثُور إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعًا تحت شجرة. فأقبل ومعه سيفه، فَقَالَ: من يمنعك مني اليوم؟ قَالَ: [اللَّه.] ودفع جبريل فِي صدره، فوقع السيف من يده. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 148/ وقال: من يمنعك مني اليوم، يا دُعثور؟ فَقَالَ: لا أحد، وأنا أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّد (ا) رَسُول اللَّه، والله لا أكثر عليك جمعًا أبدًا. فأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه. فمضى إلى أصحابه، فدعاهم إلى الْإِسْلَام، وأخبرهم بما رَأَى. وفيه نزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) ، الآية [1] . وكانت غيبة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المدينة إحدى عشرة ليلة. واستخلف عليها عثمان بْن عفان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. 681- ثُمَّ غزاة بني سُليم بْن مَنْصُور ببَحران، وهي ناحية الفُرُع، فِي جمادى الأولى سنة ثلاث. وكان سببها أن جمعًا من بني سليم تجمعوا ببحران، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فخرج فِي ثلاث مائة من المسلمين، ولم يذكر أَيْنَ يريد؟ فلما صار ببحران، وجدهم قَدْ تفرقوا ورجعوا إلى مياههم. فانصرف ولم يلق كيدًا. وكانت غيبته عشر ليال. واستخلف عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم، وهو عَمْرو بْن قيس، أحد بْني عامر بْن لؤي. وأمه عاتكة مخزومية. 682- ثُمَّ غزاة أحد. وكانت الوقعة يَوْم السبت لسبع ليال خلون من شوال سنة
ثلاث وكان سببها أن أبا سُفْيَان قدم بعير قريش، فوقفها فِي دار الندوة. فلما رجع المشركون من بدر إلى مكَّة، مشت أشراف قريش إلى أبى سفيان ابن حرب: الأسود بْن المطلب بْن أسد، وجبير بْن مطعم، وصفوان بْن أمية، وعكرمة بْن أَبِي جهل بْن هشام، والحارث بْن هشام، وعبد اللَّه بْن أَبِي ربيعة، وحويطب بْن عَبْد العزى، وحجير بْن أَبِي إهاب، فقالوا: يا با سُفْيَان، احتبس هَذِهِ العيرَ فإنها أموال أهل مكة، وهم طيّبو الأنفس بأن يجهزوا بما فيها جيشًا كثيفًا إلى مُحَمَّد، فقد ترى من قتل من أبنائنا وعشائرنا. وَيُقَالُ: بل مشى أَبُو سُفْيَان إلى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سمينا، وغيرهم. فدعاهم إلى توجيه جيش إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأثمان ما في العير. فباعوا ما كَانَ فيها بذهب العين، وتجهزوا به. وقال بعضهم: إنهم تجهزوا بأرباح ما فيها. وكانوا يربحون للدينار دينارًا. وبعثوا إلى أربعة نفر من قريش- وهم عَمْرو بْن العاص، وهبيرة ابن أَبِي وهب المخزومي، وابن الزبعرى، وأبو عزَّة الجمحي واسمه عَمْرو بْن عَبْد اللَّه- فساروا فِي العرب يستنجدونهم ويستنصرونهم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو عزَّة كنانيًا، امتنع من النفوذ لما وجهوه لَهُ، وقَالَ: إنّ بلاء مُحَمَّد عندي حسن: أطلقني يَوْم بدر بلا فداء. فلم يزالوا بِهِ حتَّى خرج، وهو يَقُولُ [1] : أيا بني عَبْد مناة الرزّام ... أنتم حماة وأبوكم حام لا تسلمونى لا يحلّ إسلام ... لا تعدونى نصركم بعد العام وخرج النفر، فجمَّعوا جمعًا من ثقيف وكنانة وغيرهم، وتوجّه المشركون إلى المدينة وخرجوا معهم بالظُّعُن. فأخرج أَبُو سُفْيَان بْن حرب هندَ بِنْت عتبة أم معاوية، وأميمة بِنْت سَعِيد بْن وهب بْن أشيم الكنانية امرأته. وأخرج صفوانُ بْن أمية بْن خلف الجمحي برزةَ بِنْت مَسْعُود الثقفي، وهي أم عبد الله ابن صفوان الأكبر، والبَغُوم بِنْت المعذّل الكنانية، وهي أم عَبْد اللَّه بْن صفوان الأصغر. وخرج طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري بامرأته سُلَافة بنت سعد بن شهيد
الأوسية، وهي أم بني طلحة: مسافع/ 149/ والحارث، وكلاب، وجُلاس الَّذِينَ قتلوا يَوْم أحد. وخرج عكرمة بْن أَبِي جهل بامرأته أم حكيم بنت الحارث ابن هشام وخرج الحارث بْن هشام بامرأته فاطمة بِنْت الوليد بْن المغيرة. وخرج عَمْرو بْن العاص بْن وائل السهمي بامرأته هند بِنْت منبّه بْن الحجاج السهمي، وهي أم عَبْد الله بن عمرو ابن العاص. وخرجت خناس بنت مالك بْن المضرب [1] مع ابنها أبى عزيز ابن عمير، أخي مصعب بْن عمير العبدري. وخرج الحارث بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بامرأته رملة بِنْت طارق بْن علقمة، من كنانة. وخرج كنانة بن عدى [2] ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بامرأته أم حكيم بِنْت طارق. وخرج سُفْيَان بْن عويف بامرأته قُتيلة بِنْت عَمْرو بْن هلال. وخرج النعمان، وجابر ابنا عَمْرو [3] مسك الذئب الكناني بأمهما الدُّغينة. وخرجت عمرة، التي رفعت اللواء حين قُتل من قُتل من بني عَبْد الدار يَوْم أحد، مع زوجها. 683- وكان أبو عامر عبد عَمْرو بْن صيفي الراهبُ خرج فِي خمسين رجلًا من الأوس حتَّى قدم بهم مكَّة. وذلك حين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. فأقام مَعَ قريش، ولم يسر معها إلى بدر، ولكنه سار معها إلى أحد، فقاتل المسلمين. قَالُوا: وخرج نساء مكَّة، ومعهن الدفوف يبكين قتلى بدر وينحن عليهم. ولما ورد المشركون يثربَ، أقبلوا يرعون إبلهم زروعَ الأنصار وَقَدْ قرب إدراكها. وكان قدومهم يثربَ يَوْم الخميس لخمس خلون من شوال. والحرب بعد ذَلِكَ بيومين. وكان جميع المشركين ثلاثة آلاف بمن ضوى إلى قريش. وقادوا مائتي فرس. وكان فيهم سبع مائة دارع. ومعهم ثلاثة آلاف بعير. فكتب الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخبره بذلك ويقول لَهُ: «اصنع ما كنتَ صانعا إذا وردوا عليك، وتقدّم
فِي استعداد التأهب» . وبعث بكتابه إِلَيْه مَعَ رَجُل اكتراه من بني غفار. فوافي الغفاري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بقباء. فلما دفع كتابَ الْعَبَّاس إِلَيْه، قَرَأَه على أَبِيّ بْن كعب، واستكتمه ما فِيهِ. وأتى سعدَ بن الربيع فأخبره بذلك واستكتمه إياه. فلما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند سعد، أتته امرأته فقالت: ما قَالَ لَكَ رَسُول اللَّه؟ فَقَالَ: وما أنت وذاك، لا أم لَكَ. قالت: قَدْ كنتُ أتسمع عليك، وأخبرت سعدًا بما سَمِعْتُ. فاسترجع وقَالَ: أراك كنت تسمعين علينا. وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فأدركه فأخبره خبرها، وقَالَ: يا رَسُول الله إنى خفت أن تفشو الخبر فترى أنى المنشئ لَهُ وَقَدِ استكتمتني إياه. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلّ عنها] . 684- قَالُوا: وتسلح وجوه الأوس والخزرج ليلة السبت. وحرس سعدُ بْن مُعَاذِ، وأسيد بْن حضير، وسعد بْن عبادة رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وباتوا ببابه فِي جماعة. وحرست المدينة. وخطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناسَ يَوْم السبت، فَقَالَ: إني رأيتُ فِي منامي كأني فِي درع حصينة، وكأنّ سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظُبته، ورأيتُ بقرا تذبح، ورأيتُ كأني أردفتُ كبشًا. فسئل عن تأويلها، فَقَالَ: أما الدرع فالمدينة، فامكثوا فيها، وأمَّا انقصام سيفي، فمصيبة فِي نفسي، وأمَّا البقر المذبح، فقتل فِي أصحابي، وأمَّا الكبش المردف، فكبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه. وروى أيضًا أَنَّهُ قَالَ: وأمَّا انقصام سيفي، فقتل رَجُل من أهل بيتي. وروي أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ورأيت فِي سيفي فَلًّا، فهو الَّذِي ناله فِي وجهه. وكان رأي ذوي الأسنان من الأنصار ومن رَأَى رأيهم من المهاجرين أن تجعل [1] النساء والذراري فِي الآطام ويمكث [2] المقاتلة فِي المدينة، وقالوا: نقاتلهم فِي الأزقة/ 150/ فنحن أعلم بها منهم. وأشار عَبْد اللَّه بْن أبيّ بمثل ذَلِكَ. فكرهه قوم لم يكونوا شهدوا بدرًا، وتسرعوا إلى الخروج وبهشوا [3] إِلَيْه، وقَالَ قائلهم: هِيَ إحدى الحسنيين: الظفر أَوِ الشهادة، والله لا تطمع العربُ فِي أن يدخل علينا منازلنا، ولا يظن
ظانّ أنا هبنا عدونا فيجترئ علينا. وخرج النَّاس بجدّ ونشاط. وقال إياس ابن أوس بْن عتيك: نَحْنُ بنو عَبْد الأشهل، وإنا لنرجو أن نكون البقر المذبح. وقَالَ النعمان بْن مالك بْن ثعلبة، أخو بني سالم: البقر المذبح قتلى [1] من أصحابك وأنا منهم. [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن التثبط عجز، ومع الصبر النصر، فاصبروا فإن النصر معكم ما صبرتم] . 685- قَالُوا: ونزل أبن أبىّ ناحية من العسكر، وقَالَ لَهُ قوم من أصحابه المنافقين: أشرتَ بالرأي، فلم يقبل منك وأطاع هَؤُلَاءِ الغلمانَ الَّذِينَ معه. فانصرف فِي ثلاث مائة، وهو يقدمهم كأنه هيق [2] ، وقَالَ: ما ندري عَلَى ما نقتل أنفسنا. فلحقهم عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام، أخو بني سَلَمة في أناس من المسلمين (و) قالوا لهم: «ويلكم، ألا تستحيون؟ قاتلوا عن بيضتكم، وادفعوا عن حوزتكم» . وقَالَ عَبْد اللَّه بْن عمرو: ويحك لم ترض بأن انخزلت راضيا بالمدينة حتى ثبط من ثبط معك. فقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وما أسلمناكم. وأبوا أن يرجعوا. فأنزل اللَّه فيهم: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، الآية [3] . وشمت ابْنُ أبيّ بمصاب من أصيب مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أشرتُ عَلَيْهِ بالرأي فلم يقبله وقبل رأيَ الصبيان. 686- وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مسلمة بْن سَلَمة الأنصاري الحرسَ، فكان يطوف حول العسكر وفي أعراضه فِي خمسين رجلًا. وأدلج رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقاء المشركين، فمرّ بحائط لمربع بْن [4] قيظي، وكان أعمى منافقا، فقال: يا محمد إن كنتَ رَسُول اللَّه كما تَقُولُ، فلا تدخل حائطي. وجعل يحثو التراب فِي وجوه المسلمين. فضربه سعد بْن زَيْد بْن مالك الأشهلي بقوس كانت معه، فشجّه. فغضب لَهُ ناس من بني حارثة بْن الحارث، وهم قومه وكانوا عَلَى مثل رأيه. فهمّ بهم أسيد بْن حضير حتَّى أومى إِلَيْه رَسُول اللَّه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكفّ. وكان مَعَ المسلمين يَوْم أحد فرسان: فرس لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفرس لأبي بُردة بْن نِيار البلوي حليف الأوس. وكانت عدَّة المسلمين ألف رجل. ويقال: كانوا منعتهم يَوْم بدر. وكان فيهم مائة دارع. وعرض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أتى الشيخين غلمانا، منهم عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وزيد بْن ثابت، وأسامة بْن زَيْد، وزيد بْن أرقم، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وعرابة بْن أوس بْن قيظي، وأبو سَعِيد الخدري، وسمرة بْن جُندب، ورافع بْن خديج. فَقَالَ رافع: جعلت أتطاول، وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رام، فأجازني. وقَالَ سمرة لربيبه مُرَيّ بْن ثابت بْن سنان الخزرجي، وهو زوج أمه يا أبته، أجاز رَسُولُ اللَّه رافعَ بْن خَديج وردني. فَقَالَ مُرَيّ: يا رَسُول اللَّه، أجزتَ رافعًا ورددت ابني وابني يصرعه. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تصارعًا. فصرع سمرةُ رافعًا. فأجازه. وكانت أم سمرة امْرَأَة من بني أسد. وقَالَ الكلبي: هِيَ الكلفاء بِنْت الحارث، من بني فزارة. وقَالَ الواقدي، ذكر بعض الرواة أَنَّهُ أصاب رافعًا يَوْم أحد سهم فِي ترقوته. فكان إِذَا ضحك فاستغرب، ندى. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت دعوتُ اللَّه/ 151/ لَكَ فبرأتَ، وإن شئت تركتَه، فإذا متّ كنتَ شهيدًا. فتركه] . حَدَّثَنِي محمد بن حَاتِمِ بْنِ ميمون، ثنى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَاسْتَصْغَرَنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي. 687- وصفّ المشركون يَوْم أحد صفوفَهم، وجعلوا عَلَى ميمنتهم خَالِد بْن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بْن أَبِي جهل، وعلى الخيل صفوان بْن أمية وَيُقَالُ عَمْرو بْن العاص، وعلى الرماة عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة وكانوا مائة رام. 688- وسوّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفوفَ المسلمين وأقامها إقامة القدح، فلم يزل منكب عن منكب. واتخذ ميمنة وميسرة. وخطب النَّاس ورغبهم فِي الجهاد، وحثهم عَلَى الصبر واليقين والجدّ والنشاط. ودفع لِوَاءَ المهاجرين إلى
عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ. ثُمَّ سَأَلَ عن لواء المشركين، فقيل: دفع إلى طلحة بْن أَبِي طلحة. فَقَالَ: نَحْنُ أحق بالوفاء، فدفعه إلى مصعب بْن عمير العبدري. وكان لواء الأوس مَعَ أسيد بْن حضير. ولواء الخزرج مَعَ سعد بْن عبادة، وَيُقَالُ مَعَ الحُباب بْن المنذر. وكان شعار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ «أمت أمت» . ورتّب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الرماة، وجعل عليهم عبد الله ابن جُبَيْر بْن النعمان بْن أمية البُركي الأوسي، أخا خوّات بْن جُبَيْر صاحب ذات النِّحيين [1] . واستقبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وجعل أحدًا وراءه. [وقَالَ للرماة، وهم خمسون: «الزموا مكانكم فلا تريموا، واحموا ظهورنا بنبلكم. وإن رأيتمونا قَدْ هزمناهم، فأقيموا ولا تبرحوا] » . فجعلوا يرشقون المشركين: فما يقع سهم من سهامهم إلا فِي رَجُل أَوْ فرس. 689- قَالُوا: وكانت امْرَأَة من بني شيبان قَالَتْ يَوْم قضَّة [2] ، وهو من أيام بَكْر وتغلب ابنى وائل ويدعى يوم التخالق: «إن تَقبلوا نُعانق، ونفرش النمارق، أَوْ تُدبروا نفارق، فراقَ غير وامق» . فجعل نساء قريش يضربن يَوْم أحد بالدفوف، ويقلن [3] : نَحْنُ بنات طارق ... نمشي عَلَى النمارق إن تُقبلوا نعانق ... أَوْ تُدبروا نفارق فراق غير وامق يُردن: نَحْنُ بنات الكوكب، لرفعته، وأنَّه لا يُنال. وَيُقَالُ إن رملة بِنْت طارقَ، وأم حكيم بِنْت طارق قالتا ذَلِكَ، وقَالَ النساء معهما. وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ قولهن هَذَا. [قَالَ: اللهم إني بك أحول وأصول، وفيك أقاتل، حسبي اللَّه ونعم الوكيل.] قَالُوا: ورأت عَائِشَةُ بناتَ طارق بْن المرقع، من كنانة، فَقَالَت: كذب الَّذِي قَالَ «إنّ الخيل أحسن من النساء» . 690- واستحرّ القتل فِي أصحاب لواء المشركين. ورأى النساء برجالهن أمرا
عظيمًا، حتَّى ولولن، وتركن ما كن [1] فِيهِ. فانهزم المشركون حتَّى انهزمت هندُ بِنْت عتبة وصواحبها متحيرات ما دونهن دافع ولا مانع وحتى لو يشاء المسلمون لأخذوهن. ودخل المسلمون عسكر المشركين، فأقبلوا يغنمون وينتهبون مكّبين عَلَى ذَلِكَ، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوهم إلى اتباع القوم ويقول: [إن الغنائم لكم.] وأخلَّ الرُّماة، وهم خمسون ويقال أربعون، بمكانهم وأقبلوا ينتهبون. فَقَالَ/ 152/ لهم ابْنُ جُبَيْر صاحبهم: ما هَذَا؟ فَقَالَ قائلهم: إنَّما أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوقوف ما دامت الحرب. وتركوا الجبل. فلما رَأَى المشركون فعلهم، كرّوا عَلَى المسلمين، فانحدر خَالِد بْن الوليد من الجبل فِي كتيبة، وألحّ المشركون عَلَى المسلمين بالحرب وأكثروا فيهم القتل. فلم يثبت مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا خمسة عشر رجلًا، فكانوا لا يفارقونه وحموه حين كرّ المشركون. وهم أَبُو بَكْر، وعمر، وعلى، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، وَالزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، وأبو عبيدة ابن الجراح. ومن الأنصار: الْحُبَاب بْن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت ابن أَبِي الأقلح، والحارث بْن الصمة، وسهل بْن حنيف، وأسيد بن حضير، وسعد بْن مُعَاذِ. وكان رافع بْن خديج يحدّث أن الرماة لما انصرفوا، نظر خَالِد إلى خلا الجبل، وإخلال الرماة بمكانهم، فكرّ عَلَى الخيل. واتبعه عكرمة ابن أَبِي جهل. وبايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد عَلَى [2] الموت ثمانيةُ: عليّ بْن أَبِي طَالِب، والزبير، وطلحة، وأبو دجانة، والحارث ابن الصمة، وحباب بْن المنذر، وعاصم بْن ثابت، وسهل بْن حنيف، فلم يقتل أحد منهم. وجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو النَّاس حين انهزموا، وهو فِي أخراهم، إلى الرجوع. ورمى مالك بْن زُهَيْر الجشمي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتقاه طَلْحَة بيده فأصاب السهم خنصره فشلت، وقَالَ حين أصابته الرمية: «حس» . [فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قَالَ بسم اللَّه ولم يقل حس، لدخل الجنة والناس ينظرون إِلَيْه.] وَيُقَالُ إن الَّذِي رمى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصاب خنصر طلحة: حبّان بن العرقة، وقال حين
رماه: خذها وأنا ابن العرقة. [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عرّق اللَّه وجهك فِي النار.] وهو قول الكلبي. وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ حبان بْن أبى قيس ابن علقمة بن عَبْد، من بني عامر بْن لؤي. وأم عبد [1] : قلابة بنت سعيد ابن سهم، وهي العرقة، فنسبوا إليها. وَيُقَالُ إن يد طلحة شلت إلا السبابة والإبهام. والأول أثبت. وضرب طلحة يَوْم أحد عَلَى رأسه المصلبة. فذكر ضرار بْن الخطاب الفهري أَنَّهُ ضربه عَلَى رأسه ضربة، ثُمَّ كرّ فضربه أخرى. وكان فِي الرماة الحارث بْن أنس بْن رافع، فجعل يَقُولُ لأصحابه: احفظوا وصية نبيكم، احفظوا عهد نبيكم. ولم يبرح فِي نفر ثبتوا معه. فقتل عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر والنفر، وقوم ثابوا إِلَيْه بعد كرور خَالِد بْن الوليد وعكرمة بْن أَبِي جهل. 691- وانتقضت صفوف المسلمين. وشطبت رباعيةُ رَسُول اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشقت شفته، وكُلم فِي وجنتيه وفي أعلى جبهته. وكان عَبْد اللَّه بْن شهاب الزُّهْرِيّ- جد مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن شهاب- وعتبة بْن أَبِي وقاص (أخو سَعْد بْن أَبِي وقاص) ، وابن قَميئة الأدرمي (من بني تيم بْن غالب، فكان تيم أدرم، ناقص الذقن) ، وأبيّ بْن خلف الجمحي، وعبد اللَّه بْن حميد بْن زُهَيْر بْن الْحَارِثِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قصي تعاقدوا عَلَى قتل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأمَّا ابْنُ شهاب فأصاب جبهته. وأمَّا عتبة بْن أَبِي وقاص فرماه بأربعة أحجار فكسر رباعيته اليمنى وشقّ شفته السفلى. وأما ابْنُ قميئة الأدرمي فكلم وجنتيه وغيب حلق المغفر فيها، وعلاه بالسيف فلم يقطع. وسقط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجُحشت ركبته. وأما أُبَيّ بْن خلف فشدّ عَلَيْهِ بحربة، فأعانه اللَّه عَلَيْهِ فقتله. وكان لما شدّ عَلَيْهِ بالحربة يَقُولُ: لأقتلنك بها يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ/ 153/ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بل أَنَا قاتلك إن شاء اللَّه. فيقال إنه انتزعها من يده، فقتله بها. وَيُقَالُ إنه أخذ حربة من الزُّبَيْر، وَيُقَالُ: من الحارث بْن الصمة، فطعنه بها. فكان أبيّ يَقُولُ: قتلني مُحَمَّد. فقيل: إنه إنَّما خدشك. فَقَالَ: أَنَا أعلم بالأمر. فسقط ومات فِي الطريق. وأمَّا عَبْد اللَّه بْن حميد فأقبل يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فشدّ عَلَيْهِ أَبُو دجانة فضربه، وقَالَ: خذها وأنا ابْنُ خرَشة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ارضَ عن ابْنُ خرشة، فإني عَنْهُ راض] . 692- وكانت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسقي المسلمين الماء، فِي نسوة من نساء الأنصار، فرماها حبان بْن العرقة بسهم فأصاب ذيلها (فانكشف عَنْهَا) [1] ، فاستغرب ضحكًا. فَدَفَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سعد ابن أَبِي وقاص سهما، وقَالَ: ارمه. فأصابه، فسقط مستلقيا [2] ميتا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى بدت نواجذه، وقَالَ: [استقاد لها سعد، أجاب اللَّه دعوتك وسدّد رميتك] . 693- ونادى أَبُو عامر الراهب: أَنَا أَبُو عامر. فقالت لَهُ الأنصار: لا مرحبًا بك ولا أهلًا يا فاسق. فَقَالَ: لقد أصاب قومي بعدي شرّ. واستشهد ابنه حنظلةُ بْن أَبِي عامر، وكان قَدْ تزوج امرأة وبات عندها بإذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا اجتمع المسلمون للقتال، خرج جُنُبًا، فقاتل حتَّى استشهد. فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والملائكة تغسله بماء المزن. فبعث إلى امرأته فسألها عن شأنه، فأخبرته أَنَّهُ خرج إلى الحرب جُنبًا لا يتمالك من الزماع [3] وحُبّ لقاء المشركين. فهو غسيل الملائكة. وولده يعرفون ببني الغسيل. وكان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد درعان، ومغفر، وبيضة. 694- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة، أنبأ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَنْفُضُهُ: [كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) [4] .
وحدثنى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ مسلمة، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال يَوْمَ أُحُدٍ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ هَمَزُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ.] قَالُوا: وَدَخَلَ حِلَقٌ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُقَالُ: حَلَقَتَانِ- فَانْتَزَعَهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِأَسْنَانِهِ حَتَّى سَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ. فَلَمْ يُرَ قَطُّ أَثْرَمَ كَانَ أَحْسَنَ فَمًا مِنْهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: يُقَالُ إِنَّ الَّذِي انْتَزَعَ حِلَقَ الْمِغْفَرِ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ الْغَطَفَانِيُّ حَلِيفُ الأَنْصَارِ. وَيُقَالُ أَبُو الْيُسْرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ يُرْوَى: أَنَّهُمْ عَالَجُوهَا جَمِيعًا، فَانْكَسَرَتْ ثَنِيَّتَا أَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَاتَّفَقَ خُرُوجُ الْحِلَقِ لِعُقْبَةَ بْنِ وَهْبٍ. قَالَ الواقدي: كَانَ أَبُو سَعِيد الخدري يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما أصيب يَوْم أحد ما أصيب، دخلت حلقتان من المغفر فِي وجنتيه. فلما نُزعتا، جعل الدم يسرب كما يسرب الشنّ. قَالَ: فجعل أَبِي- مالك بْن سنان- يأخذ الدم بفيه ويمجّه ويزدرد مِنْهُ. فقيل لَهُ: أتشرب الدم؟ فَقَالَ: نعم، دم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [/ 154/ من مسّ دمه دمي، لم تمسه النار] . 695- ودعى عبدُ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الصديق، وهو مَعَ المشركين، إلى البراز، فأراد أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أن يبارزه. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا أبا بَكْر، شم سيفك وأمتعنا بنفسك.] وأعان ابْنُ شعوب أبا سُفْيَان عَلَى حنظلة الغسيل. وكان حنظلة قَدْ علا أبا سُفْيَان. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان [1] : ولو شئتُ نجتني كميتٌ طِمِرَّةٌ ... ولم أحمل النعماءَ لابن شَعوب وسَلَّي شجون النفس بالأمس أننى ... قتلت به مل الأوس كل نجيب
وما زال مهري [1] مَزْجَرَ الكلب منهم ... لدن غدوة حتَّى دنت لغروب 696- واستشهد حمزةُ بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكان قَدْ بارز أبا نيار سِباع بْن عَبْد العزى الْخُزَاعِيُّ. وَكَانَتْ أُمُّهُ قَابِلَةً بِمَكَّةَ. فَقَالَ لَهُ حمزة: إليَّ يا ابْن مقطعة البظور. فقتله حمزة، وأكبّ عَلَيْهِ ليأخذ درعه، فزرقه وحشي الحبشي فقتله، وأخذ كبده فأتى بها هندَ بِنْت عتبة فمضغتها ثُمَّ لفظتها، وجاءت فمثلت بِهِ، واتخذت مما قطعت مِنْهُ مسكين ومعضدتين وخدمتين، وأعطت وحشيًا حليًا كَانَ عليها من ورِق وجزع ظفَار- وظفار جبل باليمن يؤتى مِنْهُ بهذه الحجارة- وأعطته خواتيم ورِق كانت فِي أصابيع رجلها. وكان حمزة قتل أباها يَوْم بدر. ودفن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ، وعبد الله ابن جحش بْن رئاب الأسدي- وأمه أُميمة بِنْت عَبْد المطلب- فِي قبر واحد. وكان حمزة صائمًا، فاستشهد ولم يفطر. 697- قَالُوا: ضرب بعض المسلمين بعضا حين اختلطوا ولم يدركوا شعارًا. فضرب أَبُو بردة بْن نيار: أسيدَ بْن حضير وهو يظنه كافرًا. وضرب أَبو زعنة أبا بردة ضربتين وهو لا يعرفه. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قُتل منكم فهو شهيد.] والتفّتْ سيوف المسلمين عَلَى أَبِي «حذيفة بْن اليمان» ، وهو حسيل [2] ابن جَابِر، فقتل، وحذيفة يَقُولُ: «أَبِي أَبِي» . ثُمَّ قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [3] . وَيُقَالُ إن الَّذِي أصابه عتبة بْن مَسْعُود. فوهب حذيفة دمه للمسلمين. وَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بديته أن تخرج. وأظهر المسلمون الشعار بعدُ، فكفّ بعضهم عن بعض. 698- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي ابْن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْد الْمَجِيدِ بْن سُهَيْلٍ قَالَ: لم يمدّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد بملك واحد. قَالَ، وحدَّثني مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حضرت الملائكة ولم تقاتل لما كان من المسلمين.
الرماة يوم أحد
699- قَالُوا: وادّعى ابْنُ قميئة قتلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ علاه بالسيف فلم يقطع، ونادى: قتلتُ محمدًا. فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان: إذن نسوّرك كما تفعل الأعاجم. فَقَالَ خَالِد بْن الوليد: كذب ابن قميئة، رأيت محمد (ا) فِي نفر من أصحابه مصعدين فِي الجبل. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: كذب ابْنُ قميئة. وقاتل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد قتالا شديدًا.، فرمى بالنبل حتَّى فنيت نبله، وتكسرت سية قوسه، وانقطع وتره. [الرماة يوم أحد] 700- قَالُوا: وكان الرماة المذكورون من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سعد بْن أَبِي وقاص، فرمى مالك بْن زُهَيْر فأصاب عينه وخرج السهم من قفاه، فقتله اللَّه، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، والمقداد بْن عَمْرو البهرانى [1] وزيد ابن حارثة مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاطب/ 155/ بْن أبي بلتعة، وعتبة بْن غزوان، وخراش بْن الصمة، وأبا طلحة، وقطبة بْن عامر، وَيُقَالُ: عَمْرو بْن حديدة، وبشر بْن البراء بْن معرور، وأبا نائلة سِلكان بْن سلامة، وعاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح، وقَتَادَة بْن النعمان الظفري. وكان أَبُو رُهم الغفاري رُمي بسهم فوقع فِي نحره، فتفل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلم، فكان أبو رهم يسمى «المنحور» . [المتعاقدون على اغتيال الرسول ص] 701- وكان سعد يَقُولُ: لقد حرصتُ عَلَى قتل أخى [2] . ولقد كان، ما علمته بما [3] قالوا لديه، سيئ الخلق، واعتمدته. فراغ عني روغان الثعلب. 702- وقَالَ الواقدي: دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ تعاقدوا عَلَى قتله، [فَقَالَ: اللهم لا تحُلْ عَلَى أحد منهم الحول.] فمات عتبة [4] من وجع الجنب أصابه، فتعذّب بِهِ. وأصيب ابْنُ قميئة فِي المعركة. وَيُقَالُ إنه لما رمى مصعبَ بْن عمير فقتله، قَالَ: أَنَا ابْنُ قميئة، قَالَ: [رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقمأك اللَّه.] فعمد إلى شاة ليحلبها بعد الوقعة، فنطحته وهو معتقلها، فقتلته، ووُجد ميتًا بين الجبال. ولم يذكر الواقدى ابن شهاب ومهلكه،
معالجة جراح الرسول ص عقب أحد
وأحسب ذَلِكَ بالوهم مِنْهُ. وكان من أمر أبيّ وابن حُميد ما قَدْ ذكرناه. وبعضهم يزعم أن عَبْد اللَّه بْن حميد قتل يَوْم بدر، والثبت أَنَّهُ قتل يَوْم أحد. وحدَّثني بعض قريش أن أفعى نهشت عَبْد اللَّه بْن شهاب فِي طريقه إلى مكَّة. فمات. وسألت بعض بني زهرة عن خبره، فأنكر أن يكون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عَلَيْهِ، أَوْ يكون شجّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: الَّذِي شجه فِي جبهته عَبْد اللَّه بْن حميد الأسدى. [معالجة جراح الرسول ص عقب أحد] 703- قالوا [1] : ورأت فاطمة عليها السَّلام ما بوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتنقته وبكت وجعلت تمسح الدم عن وجهه. وأتيّ عليّ عَلَيْهِ السَّلام بماء، فجعلت تغسل وجهه. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن ينالوا منا مثلها أبدًا.] فلم يرقأ الدم حتَّى أحرقت فاطمةُ قطعةَ حصير، وأخذت رمادها فألصقته بالجرح. وروي أَنَّهُ دووي [2] بصوفة محرّقة. وَيُقَالُ أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تداوى بعظمِ بالٍ. 704- قَالَتْ صفية بِنْت عَبْد المطلب: كُنَّا بفارع، ومعنا حسان بْن ثابت. فجاء يهود فجعلوا يرمون الأطم، فقلت: إليك يا ابْن الفريعة. فَقَالَ: والله ما أستطيع ذَلِكَ. وصعد يهودي إلى الأطم. فقلت: شُدّ السيف عَلَى يدي. ففعل. فضربتُ عنقه، ورميتُ إلى أصحابه برأسه. قَالَتْ: وأشرفتُ من الأطم فِي أول النهار، فرأيتُ المزراق زُرق بِهِ. فقلت: أَوْ من سلاحهم المزاريق؟ ولم أعلم أَنَّهُ إنَّما وقع بأخي حمزة. وكانت تحدّث أنها كانت تعرف انكشاف المسلمين برجوع حسان إلى أقصى الأطم. وكان إِذَا رَأَى الدولة للمسلمين، أقبل حتَّى يقف عَلَى جدار الأطم. 705- قَالُوا: وسأل [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حمزة. فخرج الحارث بْن الصمة فِي طلبه، فأبطأ. فخرج عليّ فِي أثره، وهو يَقُولُ [4] : يا رَبّ إنّ الحارث بْن الصِّمَّة ... كَانَ رفيقًا وبنا ذا ذمّه
نسيبة المازنية
قَدْ ضلّ فِي مهامه مهمَه ... يلتمس الجنَّة فيما يمه 706- وكان عَمْرو بْن ثابت بْن وقش شاكًّا فِي الْإِسْلَام. فلما كَانَ يَوْم أحد، أسلم وقاتل حتَّى استشهد. فَقَالَ رَسُول اللَّه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لمن أهل الجنة، فهو الَّذِي دخل الجنة ولم يصلّ صلاة قط.] وكان مخيريق حبرًا عالمًا، فَقَالَ/ 156/ يَوْم أحد لليهود: والله إنكم لتعلمون أن محمدًا نبي وأن نصره حق عليكم. فقالوا: إن اليوم يَوْم سبت. فَقَالَ: لا سبت، وأخذ سلاحه وقاتل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل. وكان حين خرج للقتال، قَالَ: إن أصبتُ فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه اللَّه. فجعلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة. وكان مخيريق من بني قينقاع. وَيُقَالُ من بني النضير. ويقال من بنى الفطيون [1] . [نسيبة المازنية] 707- قَالُوا: وكانت نُسيبة بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن مبذول أمّ عمارة امْرَأَة غزّية بْن عمرو شهدت يَوْم أحد، وزوجها، وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى. فقاتلت يومئذ وأبلت، وجرحت أثني عشر رجلًا بسيف ورمح. وكانت فِي أول النهار تسقي المسلمين والدولة لهم. ثُمَّ قاتلت حين كرّ المشركون. فضربها ابْنُ قميئة ضربة بالسيف على عاتقها. وقاتلت نسيبة يَوْم اليمامة، فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة لتقتله. قَالَتْ: فما كانت لي ناهية حتَّى رأيتُ الخبيثُ مقتولًا، وإذا ابني عَبْد اللَّه بْن زَيْد المازني يمسح سيفه بثيابه. فقلت: أقتلته؟ قَالَ: نعم. فسجدتُ شكرًا لله. وولدت نسيبة من غزية بْن عَمْرو المازني تميم ابن غزية، ومن زَيْد بْن عاصم بْن كعب: حبيبَ بْن زَيْد الَّذِي قطع مسيلمةُ يده ور