موسوعة الفقه الإسلامي

التويجري، محمد بن إبراهيم

المقدمة

بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} ... [آل عمران:102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب:70، 71]. أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن الفقه في الدين أفضل الأعمال وأعظمها وأشرفها وأزكاها، وهو تاج الدين الأعظم، وجوهره الأسنى. فهو معرفة الله بأسمائه وصفاته .. ومعرفة مخلوقاته وآياته ... ومعرفة سيرة أنبيائه ورسله .. ومعرفة دينه وشرعه .. والعمل بموجب ذلك .. والدعوة إليه. وأعظم الفهم أن تفهم مراد الله منك، ومرادك منه، ثم تسير إليه مستنّاً بأنبيائه ورسله.

وأعظم الحرمان أن يعزف العبد عن العمل الصالح، وأن تموت عنده الغيرة على الدِّين الذي تُنحر أحكامه، ويُهدم بنيانه في كثير من البلاد. وأشد من هذا وذاك أن يستهلك أوقاته بضده، ويصد عن سبيل الله بقوله وفعله. وأخطر من هذا وذاك أن يرى الحق باطلاً، والباطل حقاً، ويبذل كل ما يملك في سبيل نشر ما يراه، وما يدعوه إليه هواه. وقد جاء الثقب الأسود في جدار الدين في وقت مبكر، فهبت عليه العواصف، وتسللت إليه السباع، ودخلت في حصنه الذئاب، وعاثت في الأرض فساداً، فتغيرت الألوان والأفكار، والأعمال والأحوال. ثم اتسع هذا الثقب، ونزف هذا الجرح، حتى صار المسلمون محل الشفقة، ومهبط الإغاثة، ومسرح الظلم، ومأوى الجهل، وميدان الفساد، ومكان السخرية. ونُزع الإيمان والحياء من حياة كثير من الناس، وصُرفت الأمة بحيل ماكرة عن مصدر عزها ومجدها، ووضع الأعداء لها مائدة السموم والفواحش، فقعد رجالها ونساؤها على موائد المحرمات، وصارت تغرف لها ولغيرها كل شر وسم ومحرم، فاعتل جسدها، وتمزقت شعوبها وبلادها. وظلت تستخدم عقولها في الظلم والكذب والحيل الماكرة، وتستهلك أوقاتها في قضاء شهواتها، وتلتهم كسبها من أوسع أبواب المحرمات. ولما انفصلت عن مصدر عزها تعرضت لسخط ربها، وصارت لقمة سائغة بيد عدوها. فما أشد لطمة الأعداء لهذه الأمة الغافلة المسكينة. إنهم يريدون منها أن تخلع لباس الإيمان والتقوى .. وأن تلبس لباس الكفر والمعاصي .. وتركع لشهواتها لا لربها .. وتسجد لهواها لا لإلاهها .. وتصلح الدنيا وتفسد الآخرة .. وتطيع

الشيطان وتعصي الرحمن. إن صلف الباطل يلهب جسد الأمة المسلمة بالسياط الموجعة، ويفرغ في جسدها سموم المعاصي والبدع، وينثر على ظهور الأيام والليالي صنوف المنكرات والمحرمات. ونتيجة لهذه الغفلة بدأت الأمة تحصد سموم ما جنته، وتتمرغ في أوحال الشهوات، وتعتكف في سجون المحرمات، وتغرف من أنهار المعاصي والمنكرات، وتسبح في بحار الظلم والغش إلا ما رحم ربك. فما أنجس هذه اليد القذرة التي لوثت جسد الأمة، ولعبت بأفكارها، وأضاعت أوقاتها، ونهبت أموالها، وتحكمت في حياتها، وجرتها إلى كل شر وبلاء وفتنة. وقد وجد العالم الإسلام ألم قرصة العقرب، وأحس بلدغة الثعبان، وتألم من نهشة الأسد، وتوجع من طعنة الرمح، وتخدر من لطمة الكف، وذاق مرارة العلقم. فهل يكفي أن تسكب العبرات على هذا الواقع الأليم الذي لا يحتاج إلى دليل؟ وهل يليق بالمسلم القعود عن العمل بعد انفجار تلك الجروح الدامية في كل مكان؟ وهل ينفع الصراخ والصياح والبكاء والتباكي؟ إن ذلك كله لا يجدي شيئاً ما لم يتبع بالعمل الجاد المستمر وفق الكتاب والسُّنة، حتى يُظهر الله دينه، أو يموت المسلم في سبيله. ومن سَلَّم زمام راحلته إلى النفس والهوى ضل وأضل، وقاده الشيطان إلى كل شر وبلاء، وقال على الله غير الحق، وأشعل النار في الأخضر واليابس. وكل من فارق الدليل ضل السبيل، ولا دليل إلى الله والحق سوى القرآن والسنة،

وكل عمل لم يقم على ذلك فهو مطية الشيطان التي أعدها مراكب لأهل النار على مر الدهور. والعجلة باب الشيطان الأعظم، وسوء الظن سلاحه الأكبر، والكبر جناحه الذي لا يطير إلا به، والعصبية سكينه التي يذبح بها كل صيد، والنفاق مخالبه التي يمزق بها البشر، والرياء منقاره الذي يفسد به الثمار. وما أكثر الكتب والفرق والجهات التي تلبس لباس الدِّين، وهي تحارب الحق، وتدافع عن الباطل، وتبغي الحياة عوجاً. ترفع كل سافل .. وتمجد كل باطل .. وتلدغ كل حي .. وتلسع كل مجاهد .. وتدفن كل خير .. وتذيع كل شر. إن الاضطراب في العالم اليوم وقبل اليوم سببه التقصير في إيصال الحق إلى الناس، فلما حرموا من معرفته صاروا أنعاماً لاهية، أو سباعاً مفترسة، هذه مشغولة بشهواتها، وتلك مولعة بسفك دم غيرها. إن العوالم كلها منسجمة منتظمة، تسبح بحمد ربها، كل قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه، إلا ذرية آدم، الذي كرمه الله، وخَلَقَه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في الأرض. وهذه الذرية منهم من آمن، ومنهم من كفر، وأشغلهم الشيطان بالعداوة عن العبادة، لأنهم لم يعرفوا الحق، أو عرفوه ولكنهم لم يعملوا به، أو عرفوه وضلوا عنه. فيجب علينا معرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في سبيله، مع حُسْن الخُلُق، والبذل والعطاء، حتى يُعبدَ اللهُ وحده في الأرض، ويكون الدين كله لله، الذي كل ما في الكون يعبده ويطيعه.

فقد جعل الله عز وجل لكل مخلوق في الكون وظيفة يؤديها، وسُنَّة يسير عليها، فالشمس وظيفتها الإنارة، والسحب وظيفتها نقل المياه، والأرض وظيفتها الإنبات، ولكل منها سنن يسير عليها، ويعبد الله بها. وهكذا الإنسان عليه أمانة يؤديها وهي عبادة الله عز وجل، ووظيفة يؤديها وهي الدعوة إلى الله، وله سنن يسير عليها وهي الدين الكامل الذي أرسل الله به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كافة. وقد وكل الله عز وجل الشمس بالإنارة في العالم كله .. ووكل السحب بتوزيع المياه في العالم كله .. ووكل الأرض بالإنبات في العالم كله .. ووكل الأشجار بالثمار في العالم كله .. ووكلنا بنشر الدين في العالم كله. وهذه المخلوقات العظيمة أدت الأمانة، وأطاعت ربها، وقامت بوظيفتها، فانتظم أمر العالم، وصار الكل يحبها وينتفع بها. ونحن إذا أدينا الأمانة، وقمنا بالوظيفة بإبلاغ الحق للناس كافة، انتظم أمر العالم الإنساني وغيره، وصَفَّ العالم كله يسبحون بحمد ربهم، ويعبدونه وحده، كل قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه. وحاجة الناس للدين أعظم من حاجتهم لغيره، فإنهم يحتاجون للدين بعدد الأنفاس؛ لأن الدين وحده سبب سعادتهم ونجاتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة. والله عز وجل خَلَق الخَلْق لعبادته، وعبادته لا تحصل إلا بمعرفته، ومعرفته لا تحصل إلا بالنظر في آياته ومخلوقاته، ومعرفة ما جاء به رسله. لهذا أرسل الله عز وجل الرسل، وأنزل الكتب، ليتبين الحق من الباطل، والهدى من الضلال. ووهب البشر الأسماع والأبصار والعقول ليعرفوا الحق، ويعبدوا به ربهم وحده

في الأرض، كما يُعبدُ به وحده في السماء. وأحسن ما ركَّبه الله في العقول والفطر حُسْن التوحيد والإيمان .. وأحسن ما ركبه في النفوس حُسْن الخُلُق .. وأحسن ما ركبه في الألسنة قول الحق والدعوة إليه. فما أجمل القلوب إذا تزينت بالتوحيد والإيمان، وما أحسن الأجساد إذا تزينت بالسُّنن، وما أجمل النفوس إذا تزينت بالأخلاق، وما أجمل الحياة إذا كسيت بحلل الدين وجواهر الآداب. والقرآن الكريم فيه تبيان كل شيء، والسنة النبوية فيها تفصيل كل شيء، وسيرة الأنبياء والرسل مملوءة بأحسن الأخلاق والآداب والسنن. وحياة الصحابة والتابعين، وسجل العلماء والدعاة والمصلحين، كل ذلك حافل بكل ما لذ وطاب من العلوم النافعة، والأخلاق الحسنة، وأفضل العبادات، وأحسن المعاملات، وأجمل المعاشرات، وأعظم التضحيات، مع كمال الإيمان والتقوى، والأسوة الحسنة، والصدق في القول والعمل. وأحسن أحوال العبد أن يكون كاملاً بنفسه مكملاً لغيره .. صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره .. حَسَن الخُلُق مع ربه وخَلْقِه .. مطيعاً لله ورسوله. فهو يجني الأرباح من جميع الأقطار، ويكسب الأجور من جميع الأبواب: له أسهم في العبادة .. وأسهم في العلم .. وأسهم في الدعوة .. وأسهم في حُسْن الخُلُق .. وأسهم في الإنفاق .. وأسهم في الجهاد .. وأسهم في الذكر .. وأسهم في الشكر .. وأسهم في الصبر. فهو نائب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته، وخليفته من بعده في زمنه. فهذا الذي أُدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، جمع المجد من أطرافه،

وأحاط بالفضائل كلها، فله النعيم الكامل في الجنة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة: 4]. والله حكيم عليم، فحين ظهرت آثار رحمة الله في الأرض، ونزلت الهدايات في كثير من البقاع، حصل العطش لتعلم دين الله، وزادت الرغبة في العمل بأحكامه، فساق الله من شاء من عباده لجمع أحكام الدين، وجني ثماره من ينابيعه الصافية من القرآن والسنة، لتهدى لهم طيبة مباركة، خالصة من الشوائب والأكدار. فهو سبحانه الحكيم الخبير بما يصلح عباده، فهو الذي ساق هذا ليدعو، وهذا ليعلِّم، وهذا ليكتب، وهذا ليقرأ؛ ليتم أمره، ويظهر فضله، ويجزل العطاء لهذا وهذا. فهو سبحانه الكريم الذي يعطي بلا نوال، ويكرم بالثواب الجزيل على العمل القليل، ولا يبالي كم أعطى، ولمن أعطى، الذي إذا قدر عفا، وإذا عاهد وفَّى. وقد يسر الله لي بفضله وكرمه وتوفيقه وعونه السير في كثير من أقطار الأرض، والاطلاع على كثير من الكتب الإسلامية، فرأيت في هذا وهذا الحسن والقبيح، والطيب والخبيث، والصحيح والسقيم، والسمين والهزيل، والحلو والمر، وغير ذلك مما شاع وذاع، وملأ الأبصار والأسماع. فسألت العزيز الكريم الرحيم أن يجمع البشرية كلها على الدين الحق، وتضرعت إليه أن يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها في الأرض كلها. ثم وفقني ربي عز وجل إلى ما يحبه ويرضاه، وأعانني على ما أرجو أن تصلح به أحوال الأمة، فتجولت في رياض العلم، وسرت في بساتين الفقه، واستمتعت بأنوار التوحيد والإيمان. فوجدت من الثمار ما يحار الإنسان من أيها يقطف، ومن الجواهر من أيها يأخذ،

ومن الأنوار من أيها يقتبس. وقد أعانني الله عز وجل فدونت الموجود، وفتشت عن المستور، وطلبت المفقود، وجمعت المنثور، وكتبت المسموع، وأوضحت المشتبه، وحررت المسائل، حتى أكمل الله البنيان بمنه وفضله، وأظهر سوق الدين الخالص للمحتاجين، وفتح أبواب العلم والهدى للراغبين، وهيأ موائد القلوب والجوارح للطالبين. إن الحق إذا جاء زهق الباطل .. والنور إذا أقبل ذهب الظلام .. والتوحيد إذا جاء أحرق الشرك .. والسُّنن إذا قامت ماتت البدع. وقد أحسن الله إليَّ، ويسر لي جمع هذه الموسوعة من القرآن والسنة، وخلاصة أقوال سلف الأمة في أصول الدين، ومقاصده العظمى، وأحكامه وآدابه؛ ليستبين الحق من الباطل في كل مطلوب. وبينت ذلك بياناً شافياً، سهل الفهم، موجز اللفظ، محكم المعنى؛ ليسهل حفظه والعمل به، وليكون أصلاً لمعرفة التوحيد من الشرك، والإيمان من الكفر، والحق من الباطل، والسنة من البدعة. وجمعت في هذه الموسوعة أحسن أقوال فحول علماء المسلمين، وجهابذة الفقهاء، وفرسان أهل الحديث، وأئمة السلف الصالح، ومنارات الهدى، وأهل العدل والزهد والتقوى في كل عصر. فاجتمع فيها بحمد الله عيون الأخبار .. وجواهر الأحكام .. وأمهات المسائل .. ونفائس الدرر. وتوجت مسائل هذه الموسوعة الشاملة بالآيات القرآنية، والسنن النبوية، والأدلة العقلية، والأمثلة الحسية، والبراهين العلمية.

فجاء هذا المجموع الثمين محكم الأصول، محذوف الفضول، غزير الفوائد، منوع الموائد، حلو الطعم، سهل الفهم، يغني الطالب المبتدي، وينفع العالم المنتهي. أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الخَلْق أجمعين، وأن يُقبل بقلوب عباده لمعرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه. وقد وسمت هذا الدر المنثور باسم: (موسوعة الفقه الإسلامي). والفقه الإسلامي ينقسم إلى ثمانية أقسام: الأول: الأحكام المتعلقة بالتوحيد والإيمان من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان ونحو ذلك، ويسمى هذا الفقه الأكبر. الثاني: الأحكام المتعلقة بعبادة الله من وضوء وصلاة، وزكاة وصيام، وحج وأدعية وأذكار ونحو ذلك، وتسمى هذه بالعبادات. الثالث: الأحكام المتعلقة بالأخلاق والآداب والفضائل ونحوها. الرابع: الأحكام المتعلقة بمعاملة الناس بعضهم بعضاً من بيع وشراء، ورهن وإجارة، وصلح وشركة ونحو ذلك، وتسمى هذه الأحكام بالمعاملات. الخامس: الأحكام المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق، ووصايا وأوقاف وميراث ونحو ذلك، وتسمى هذه الأحكام بأحكام الأسرة. السادس: الأحكام المتعلقة بحفظ الأمن، وعقاب المجرمين ونحو ذلك. وتسمى هذه الأحكام بالقصاص والحدود. السابع: الأحكام المتعلقة بواجبات الحاكم من إقامة العدل، وتنفيذ الأحكام، وواجبات المحكوم من السمع والطاعة ونحو ذلك.

وتسمى هذه الأحكام الخلافة والولايات. الثامن: الأحكام المتعلقة بالراعي والرعية من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ونحو ذلك، وتسمى هذه أحكام الدعوة والجهاد والسِّيَر. فهذه أصول أبواب الفقه الإسلامي التي وردت في الكتاب والسنة. ونظراً لحاجة البشرية إلى الإسلام .. وحاجة المسلمين إلى معرفة أحكام هذا الدين العظيم .. وإقبال طلاب العلم على التزود من علوم الشريعة .. ورغبة كثير من المسلمين في كتاب يجمع ما يهم كل مسلم ومسلمة .. وعودة كثير من المسلمين إلى رياض العلم الشرعي .. ودخول كثير من الكفار في دين الله أفواجاً .. ورغبتهم في معرفة أحكام هذا الدين. ومن جانب آخر كثرة المؤلفات التي جمعت بين الغث والسمين .. وكثرة المصنفات التي تمحضت للشر .. ومزاحمة كتب البدع لكتب السنة .. وارتفاع أصوات مجالس البدع واللهو .. وكثرة الافتراءات التي يطلقها الأعداء على الله ورسوله ودينه .. وإثارة الشبهات التي تحمل الناس على الشك في الدين .. وانتفاخ أجساد المنافقين. ومن جانب ثالث تمزق العالم الإسلامي إلى دول متناحرة .. وشعوب متباغضة .. ومذاهب مختلفة ووجود التعصب الذي أغلق باب الإفادة والاستفادة .. وغرق كثير من المؤلفين والمتبوعين في التوسع في ذكر الخلاف الذي يوهن العزيمة، ويُولِّد الشك، ويقعد عن العمل، ويمزق شمل الأمة، ويشغل الأمة عن واجباتها الكبرى. وأعظم من ذلك كله أداء الأمانة .. والقيام بواجب الدعوة إلى الله .. ونشر العلم الشرعي .. والأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر .. والنصح لكل مسلم.

لهذا كله فقد مَنَّ الله علينا ويَسَّر لنا كتابة هذه الموسوعة التي بين يديك .. لتسد حاجة كل طالب علم .. وتغني كل مسلم ينشد معرفة أوامر الله ورسوله .. وتروي ظمأ كل عطشان .. وتدفع شبهة كل حائر .. لتحيا السُّنن .. وتموت البدع .. ويظهر الحق .. وتجتمع البشرية على الدين الحق .. ويكون الدين كله لله. وقد نظمت أبواب هذه الموسوعة في عقد ثمين اشتمل على اثنين وعشرين باباً، وكل باب يفتح على دار مملوءة بالخيرات والثمرات والمجوهرات. وقد رتبت هذه الأبواب على النحو التالي: 1 - كتاب التوحيد ... 12 - كتاب النكاح وتوابعه 2 - كتاب الإيمان ... 13 - كتاب الأطعمة والأشربة 3 - كتاب العلم ... 14 - كتاب الفرائض 4 - كتاب السيرة النبوية ... 15 - كتاب نواقض الإسلام 5 - كتاب الفضائل ... 16 - كتاب الكبائر 6 - كتاب الأذكار ... 17 - كتاب القصاص والديات 7 - كتاب الأدعية ... 18 - كتاب الحدود 8 - كتاب الآداب ... 19 - كتاب القضاء 9 - كتاب القواعد الشرعية ... 20 - كتاب الخلافة 10 - كتاب العبادات ... 21 - كتاب الدعوة إلى الله 11 - كتاب المعاملات ... 22 - كتاب الجهاد في سبيل الله وقد جنيت ثمار هذه الموسوعة من أعظم البساتين، وقطفت أزهارها وورودها من أحسن الرياض.

أسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الموسوعة قرة عيون الموحدين .. ومناراً يهتدي بسببه الضالون .. ونهراً صافياً يشرب منه المسلمون .. وغيثاً يسكب الإيمان واليقين في القلوب .. ودعامة من دعائم الإسلام .. وفأساً يجتث الجهل .. ومعولاً يكسر هامات البدع .. ورمحاً يركز في جوف الشرك .. وسهماً يجهز على الباطل .. وسكيناً تنحر الهوى .. وناراً تحرق الشبهات. وهذه الموسوعة يرجى أن تزرع السنن في بستان المسلمين، وتحصد البدع النابتة في أرضه، وتزيل الغبار عن مساكنه وأشجاره، وتطرد الهوام والسباع عن داره، وتلوي عنق الباطل والجهل حتى لا يدرج فيه. أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعلها سبباً يشفي القلب والجسد من علله، وأن يزهق بها الباطل بالحق الذي يدمغه .. وأن يجعلها نهراً صافياً يشرب منه كل وارد .. تغني المحتاج عن السؤال .. وتبشر بالحق .. وتزيل الباطل وتفسر المبهم، وتقيم المعوج، وتكسر قرن كل جبار. فهنيئاً لكل مسلم، وكل عابد، وكل داع إلى الله، وكل معلم لشرعه، بهذا المجموع المفيد، الذي جمع الله فيه بمنه وفضله ما تفرق في غيره، وأظهره في وقت الحاجة إليه .. وجمع فيه متين العلم وصلبه. ولا ندعي أن هذا العمل نور يبدد كل الظلمات، ولا بستان فيه كل الثمرات، ولا خزانة جمعت كل المجوهرات. بل هو جهد مخلوق ضعيف جهول عاجز محتاج. ولولا فضل الله ورحمته، وتوفيقه وعونه، ما ظهر لك جسده، ولا بان لك نوره، وإن كانت بين يديك سطوره. أسأله سبحانه أن يجعله قبساً من نور، وشجرة تثمر على مر الدهور، وعيناً تسقي

البشرية إلى يوم الدين .. وتاجاً يتزين به المسلم بين الناس. كما أسأله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من جمعه وكتبه وراجعه، وكل من قرأه وسمعه وأعان على نشره. وهذا غاية اجتهادي، وأغلى ما في فؤادي، وعلى الله اعتمادي، وهو أعلم بمرادي، وما يحترق به فؤادي. والحمد لله أولاً وآخراً على نعمة الإسلام والإيمان .. ونعمة البدء والختام .. ونعمة الإكمال والإتمام .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما. فالله سبحانه وحده هو الذي هيأ القلب للاستئناس به .. وحرك العقل للفكر فيه .. وجمع الفكر لحسن عرضه .. وهيأ الوقت لتحصيله .. وحرك اليد لتحريره. فلله الحمد والشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. وله الحمد كله على ما قضى وقدر .. وله الحمد على ما أمر وشرع .. وله الحمد على ما يسر وأعان .. ونسأله العفو والقبول والرضوان. وكل ما نرجوه ونسعى إليه أن يرضى الله عز وجل عنا .. وأن يرزقنا حسن العمل بشرعه .. وأن يستعملنا فيما يحبه ويرضاه .. وأن يدخل الناس في دين الله أفواجاً .. وأن يتعلم المسلمون أحكام دينهم .. وأن يعبدوا ربهم وحده لا شريك له .. وأن يدخلوا الجنة .. وينجو من النار .. والله عليم بذات الصدور .. ومتم نوره ولو كره الكافرون. هذا وإني ذاكر وشاكر لكل مخلص وناصح من المؤمنين والمؤمنات، وراغب إليهم أن يستفيدوا من هذا الروض الذي تفتحت أزهاره، وطابت ثماره، وجمعنا فيه ما تفرق في غيره من أصول الدين، وأحكامه الميسرة.

نرجو أن يكون قد لاح النور من خلاله، وفاح المسك من أركانه، ونثرت الأزهار والثمار على أوراقه. أرجو من هذا الصنف من المؤمنين حسن الاستفادة، وصدق النصيحة، والعفو عن الزلل، والتنبيه على النقص والخطأ، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. وأعوذ بالله من كل جاهل غشوم، ومن كل دجال لئيم، ومن كل حاسد وشامت، ومن كل شيطان في صورة إنسان بار. فهذا الصنف من الناس ينخر في جسد الأمة، ليهدم كل بنيان، ويطفئ كل مصباح، ويبث كل عمياء وعوراء، ويوقد نار الفتنة التي تمزق شمل الأمة. وحذار من قتل الأوقات بسكين النوم والشهوات .. وجمع البعر والسموم في خزانة العقل والقلب .. وإطلاق اللسان في القيل والقال .. وشغل الجوارح بالمعاصي والمحرمات .. وإنفاق الأموال في الصد عن سبيل الله .. وإطلاق السمع والبصر والفكر فيما يغضب الله. فما أخسر هذه التجارة، وما أسوأ هذا الحصاد، وما أوكس تلك البضاعة التي أغرق الشيطان بها أكثر الخلق، وقادهم بها إلى جهنم: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} [سبأ:20]. ولإزالة غبار الشرك، وكبح جماح الباطل، ودفع شرور الفتن، وقلع أشجار الفساد، وتحقيق الأمن والعدل، لا بد من التوبة الصادقة النصوح، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والإحسان إلى البشرية بالقول والعمل، ورحمة الخلق كلهم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، مع كمال الصبر واليقين اللذَيْن تحصل بهما

الإمامة في الدين. وما أحوجنا إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على جميع البشرية، وتسكب ماءها العذب على ذرية آدم، وتجمع الناس على الدين الحق، فينبت من خلال ذلك الإيمان والعمل الصالح والخُلُق الكريم. وأول الغيث قطرة ثم ينسكب، ووراء غلس الليل فجر ساطع، وإذا جاء الحق زهق الباطل. فابسط يديك بكل خير، وأشغل جوارحك بطاعة الله عز وجل، وأطلق لسانك بذكره وحمده، والدعوة إليه، وتعليم شرعه، وهذا عمل الأنبياء والرسل، فنعم العمل، ونعم الحصاد، وإنما حصاد كل امرئ ما كان يزرع، ومن لم يمت في الجهاد النبيل مات كالبهائم في المرقد. لقد أكمل الله بنيان هذا الدين في القرن الأول، فتحقق الأمن والعدل، وانتشر العلم، وعبد المسلمون ربهم بما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الدين الحق. ثم هبت على العالم الإسلامي رياح عاصفة، فتصدعت جدرانه، وتمزقت دوله، وتفرقت شعوبه، وكادت تسقط أركانه، واشتعلت في جوفه حروب مدمرة أكلت الأخضر واليابس. لكن الله جل جلاله تكفل بحفظ هذا الدين وأتباعه على مر القرون، فيبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها، ويردها إلى ربها. وهذه الموسوعة أرجو الله عز وجل أن يجعلها سبباً يجمع شمل الأمة على الدين الحق .. ويصل ما انقطع من حبال مودتها .. ويربط ما انفصل من أجزائها .. ويداوي ما انفجر من جراحها .. ويسكن ما التهب من جسدها. وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به وعموم المسلمين، وأن يتقبله مني، وأن يغفر لي ولوالدي وأهل بيتي

وجميع المؤمنين، وأن يضاعف لنا به الأجر والمثوبة، وأن يتجاوز عن كل خطأ وتقصير وأن يعفو عن كل سهو وزلل، إنه هو الغفور الرحيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري المملكة العربية السعودية - بريدة جوال: 0508013222 0504953332

مقدمة الموسوعة العلمية

مقدمة الموسوعة العلمية 1 - هذه الموسوعة التي بين يديك تعريف عام بدين الإسلام في التوحيد والإيمان، والفضائل والآداب، والأذكار والأدعية، وأحكام العبادات والمعاملات، والقصاص والحدود وغيرها من أبواب الفقه. والمادة العلمية لهذه الموسوعة تستند إلى أصلين عظيمين هما القرآن الكريم، والسُّنة النبوية الصحيحة، بفهم سلف الأمة. وقد اخترت عامة أصولها وأحكامها ومسائلها من كتب السنة النبوية، وكتب الفقهاء المطولة والمختصرة وغيرها، إلى جانب فتاوى كبار علماء السلف في الماضي والحاضر. واعتمدت الراجح من أقوال علماء الإسلام إذا ظهرت قوة أدلته، خاصة أقوال الأئمة الأربعة (أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد) رحمهم الله. وقرنت في الغالب كل مسألة بأدلتها من الكتاب والسنة، وما لم يرد فيه نص صحيح صريح اعتمدت فيه أقوال واختيارات كبار الأئمة المجتهدين من سلف الأمة في الماضي والحاضر. وجعلت مسائل الفقه على قول واحد، راجياً من الله أن يكون هو الصواب. وقد بسطت ذكر الأدلة الشرعية في جميع أبواب الموسوعة لحاجة العالم والمتعلم والعابد والداعي وكل مسلم إلى ذلك. وعزوت الآيات القرآنية إلى مكانها بذكر اسم السورة ورقم الآية. أما الأحاديث النبوية فقد اجتهدت ألا أثبت في الموسوعة إلا ما كان حديثاً

صحيحاً أو حسناً، مع ذكر مصدره في كتب الحديث، والحكم عليه بالصحة أو الحسن كما يلي: 1 - تم نقل وضبط جميع الأحاديث الواردة في الموسوعة من أصولها الصحيحة. 2 - إذا كان الحديث في صحيحي (البخاري ومسلم) ذكرت رقمه في كل منهما، وصدرت تخريجه بلفظ (متفق عليه)، وإن كان في أحدهما ذكرته مع رقمه فيه. وأحياناً أذكر مع أحدهما من أخرج الحديث في كتب السنة الأخرى لزيادة فائدة، وأثبت لفظه. 3 - إذا كان الحديث في غير الصحيحين كمسند الإمام أحمد، والسنن الأربع، وموطأ مالك، وسنن الدارمي وغيرها من كتب السنة الأخرى، ذكرت له مصدرين، وأحياناً أقل مع ذكر رقمه في الأصل. 4 - اعتمدت في تخريج جميع الأحاديث ذكر رقم الحديث من مصدره، وإذا لم يكن للمصدر ترقيم عام ذكرت رقم الجزء والصفحة. 5 - إذا كان الحديث في الصحيحين فعند التخريج في الهامش صدرته بلفظ متفق عليه، وإن كان في غيرهما كتبت أمام كل حديث (صحيح أو حسن) للحكم بصحة الحديث أو حسنه، مستنداً في ذلك إلى أئمة هذا الشأن من المتقدمين والمتأخرين. 6 - إذا تكرر الحديث في موضع آخر كررت تخريجه معه، ليسهل على القارئ معرفة درجته، وأحياناً أدرج الحديث الصحيح أو بعضه لبيان حكم أو ترغيب أو ترهيب. 2 - رتبت بفضل الله أبواب هذه الموسوعة ترتيباً علمياً يسهل على المستفيد

التقاط ما يريد بسهولة، ويفتح للطالب أبواب العلم الشرعي، ليدخل من باب إلى باب بالرغبة والشوق، والمحبة واللذة، فيدرك مطلوبه بيسر وسهولة، ونشاط وعزيمة، بعيداً عن السآمة والملل. فبدأت هذه الموسوعة بكتاب التوحيد؛ لأنه باب الإسلام الأعظم، ثم كتاب الإيمان؛ لأنه أساس الدين، وشرط في صحة كل عمل، ثم كتاب العلم؛ لأنه لا بد مع الإيمان من العمل، والعمل لا يقبل ولا يصح إلا بعلم، ثم كتاب السيرة النبوية؛ لأن الأسوة في التوحيد والإيمان والعلم والعمل هو محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم بينت كتاب الفضائل؛ لأن الفضائل تحرك القلوب للطاعات، وتنشط الجوارح للإكثار منها. ثم كتاب الأذكار؛ لأن في استدامة ذكر الله كمال الإيمان، وحسن الطاعة، وحلاوة العمل الصالح. ثم كتاب الأدعية؛ لأنه أفضل الأبواب التي يدخل منها العبد على ربه، وكل عبد مفتقر إلى دعاء ربه في جميع أحواله. ثم كتاب الآداب؛ لأن الآداب زينة المسلم التي يتميز بها عن غيره. ثم كتاب القواعد الشرعية؛ لأن أحكام الدين كثيرة ومتنوعة، فتحتاج إلى قواعد تجمع أصولها؛ ليتبين الحق من الباطل، ويُعرف المباح من المحرم، والسنة من البدعة. ثم كتاب العبادات؛ لأنها أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه. ثم كتاب المعاملات التي تكون بين العبد وغيره من الخَلْق؛ لتستقيم حياة الناس بين العدل والإحسان.

ثم كتاب النكاح وتوابعه؛ لتكوين الأسرة المسلمة، ولضبط حياة الأسرة في البيت كما ضبطت حياة الأمة بأحسن المعاملات خارج البيت. ثم كتاب الأطعمة والأشربة؛ لأنه لا بد للفرد والأمة من طعام وشراب حلال، ليستجاب الدعاء، وتصح الأجسام، وتحفظ العقول. ثم كتاب الفرائض؛ لأنه لا بد لكل إنسان من الموت، والفرائض تبين كيفية قسمة الأموال بعد الموت على الورثة حسب الشرع. فهذه جواهر الدين، وبنيانه الأعظم، من قام بها رضي الله عنه، وأسعده في الدنيا، وأدخله الجنة في الآخرة. ثم ذكرت كتاب نواقض الإسلام التي تهدم بنيان الدين في حياة الإنسان؛ ليسلم للمسلم توحيده وإيمانه وأعماله الصالحة. ثم ذكرت كتاب الكبائر التي تأكل الحسنات، وتهلك العباد والبلاد، ويتعرض العبد بسببها لسخط ربه عليه. ثم ذكرت كتاب القصاص الذي تصان به الأنفس من الاعتداء والقتل. ثم كتاب الحدود الذي يزجر الناس عن الكبائر والمحرمات. وبالقصاص والحدود يتم حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال. ثم ذكرت كتاب القضاء الذي شرعه الله للفصل بين الخلق عند الاختلاف، والحكم بينهم بالحق والعدل، وتنفيذ أوامر الله على من تجاوز حدوده. ثم كتاب الخلافة؛ لأن حياة الناس لا تستقيم إلا بإمام صالح مطاع، وهي الإمامة الكبرى التي يؤتيها الله من يشاء من عباده ليحكم بين الناس بما أنزل الله.

ثم ذكرت كتاب الدعوة إلى الله التي هي وظيفة كل مسلم ومسلمة؛ ليتم إبلاغ دين الله إلى البشرية كلها، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، ويعبد الناس ربهم بما شرعه لهم. ثم في الختام ذكرت كتاب الجهاد؛ لأن الحق إذا قام فلا بد له من باطل يعاديه، ومن ثم لا بد من جهاد في سبيل الله يحفظ المؤمنين، ويقمع الظالمين، ويصد عدوان المعتدين، والحمد لله رب العالمين. أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها بقبول حسن، وأن يجعلها قرة للعيون والأبصار، وبضاعة رابحة لأهل الإيمان واليقين. وهذا أوان الشروع في المقصود، والبدء في المطلوب. أسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل، كما أسأله عز وجل العون والتوفيق، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

الباب الأول كتاب التوحيد

الباب الأول كتاب التوحيد ويشتمل على ما يلي: • معنى التوحيد. • أركان التوحيد. • أقسام التوحيد. • شروط كلمة التوحيد. • أساس التوحيد. • أصل التوحيد. • معنى توحيد الربوبية والألوهية. • تلازم توحيد الربوبية والألوهية. • حقيقة التوحيد. • فضل التوحيد. • كمال التوحيد. • عظمة كلمة التوحيد. • براهين التوحيد. • تحقيق التوحيد. • قوة كلمة التوحيد. • محل التوحيد. • حفظ التوحيد. • أهل التوحيد. • فقه التوحيد. • ما يجب على المسلم. • ثمرات التوحيد: 1 - ثمرات التوحيد في الدنيا. 2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة.

معنى التوحيد

كتاب التوحيد • معنى التوحيد: التوحيد: هو أن يتيقن العبد ويقر أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. ومعناه: أن يعلم العبد ويتيقن ويقر أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. فيتيقن ويقر أن الله وحده رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده لا شريك له، له الخلق والأمر في الكون كله. ويتيقن ويقر أن الله سبحانه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وكل معبود سواه فهو باطل. ويتقين ويقر أن الله جل جلاله متصف بصفات الكمال، منزه عن كل عيب ونقص، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} [يونس:3]. - أركان التوحيد: التوحيد له ثلاثة أركان: الاعتقاد .. والقول .. والعمل .. فلا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم .. ويكون باللسان الذي هو القول .. ويكون بالعمل الذي هو فعل الأوامر واجتناب النواهي.

أقسام التوحيد

فمن أخل بشيء من هذه الأركان لم يكن مسلماً. فإن أقر بالتوحيد، وعمل به، فهذا مسلم حقاً. وإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به، فهذا كافر معاند كفرعون، وإبليس. وإن أقر بالتوحيد وعمل به ظاهراً، وكفر به باطناً، فهذا منافق أشر من الكافر. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. - أقسام التوحيد: التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب نوعان: الأول: توحيد الربوبية. وهو توحيد الله بأسمائه، وصفاته، وأفعاله. فالله سبحانه واحد لا شريك له، واحد لا مثيل له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فأسماء الرب كلها حسنى، وصفاته كلها عليا. فالأسماء كالحي والقيوم، والعزيز والعليم، والرحيم والحكيم، والسميع والبصير. والصفات كالعلم والقدرة، والرحمة والحكمة، والسمع والبصر. يفعل ما يشاء وحده .. ويحكم ما يريد وحده .. يعز من يشاء وحده .. ويذل من يشاء وحده .. ويهدي من يشاء وحده .. ويضل من يشاء وحده .. ويخلق ما يشاء وحده .. ويدبر الأمر وحده. فهذا توحيد المعرفة والإثبات الذي يجب على كل مسلم معرفته، وعبادة الله ثمرة تلك المعرفة.

الثاني: توحيد الألوهية، ويسمى توحيد العبادة. وهو توحيد الله وإفراده بأفعال العباد التي يفعلونها على وجه التقرب إلى الله عز وجل. فنوحد الله ونفرده بجميع أنواع العبادة كالدعاء والصلاة، والخوف والرجاء، والتوبة والإنابة، والاستعانة والاستغاثة، والمحبة والتوكل، والنذر والنحر، وغير ذلك من أنواع العبادة، فالعبادة خالص حق الله على عباده، فلا يجوز صرف شيء منها لغيره، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون:117].

شروط كلمة التوحيد

- شروط كلمة التوحيد: يشترط لتحقيق كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) سبعة شروط: الأول: العلم المنافي للجهل. بأن يعلم العبد أن الله وحده بيده كل شيء، وما سواه ليس بيده شيء، وأنه وحده هو المستحق للعبادة. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وَعَنْ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬1). الثاني: اليقين المنافي للشك. بأن يستيقن بأن هذه الكلمة حق، وما دلت عليه هو الحق، وكل ما سواه فهو باطل. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ؛ لاَ يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم رقم (26). (¬2) أخرجه مسلم رقم (27).

الثالث: القبول المنافي للرد. بأن يقبل بقلبه ولسانه كل ما اقتضته هذه الكلمة، ويرد كل ما خالفها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 2 - وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلاً، لا أسْألُ عَنْهُ أحَدًا بَعْدَكَ (وَفِي حَدِيثِ أبِي أسَامَةَ: غَيْرَكَ) قال: «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ». أخرجه مسلم (¬1). الرابع: الانقياد المنافي للترك. بأن ينقاد لكل ما دلت عليه من الإيمان والعمل الصالح، ويترك كل ما خالفها. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف:107]. الخامس: الصدق المنافي للكذب. بأن يصدِّق بلا إله إلا الله بقلبه، ويقر بلسانه، ويصدق ذلك. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. السادس: الإخلاص المنافي للشرك. بأن يخلص العبادة لله وحده لا شريك له، ويصفي عمله من شوائب الشرك. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم رقم (38).

وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة:5]. السابع: المحبة المنافية للبغض. بأن يحب كلمة التوحيد وما دلت عليه، ويحب أهلها، ويبغض كلمة الشرك وأهلها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ». متفق عليه (¬1). 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص:1 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 21 - 22]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16) واللفظ له، ومسلم برقم (43).

أساس التوحيد

- أساس التوحيد: التوحيد هو إفراد الخالق بأسمائه وصفاته، وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له. والتوحيد مبني على معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، فنعرف الله لنكبره ونذكره ونشكره .. ونعرف القادر لنتوكل عليه .. ونعرف الغني لنسأله .. ونعرف الرزاق لنطلب منه أرزاقنا .. ونعرف الصمد فنتوجه إليه وحده في جميع حوائجنا .. ونعرف العفو لنطلب منه العفو .. ونعرف الغفور لنطلب منه المغفرة .. ونعرف الرحيم لنطلب منه الرحمة .. ونعرف السميع فلا نقول ما يسخطه .. ونعرف البصير فنستحي منه .. وهكذا في بقية الأسماء .. ونعرف وعد الله فنرجوه .. ونعرف وعيده فنخافه .. ونعرف فضله وإحسانه فنحبه ونشكره .. وهكذا .. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. - أصل التوحيد: توحيد الربوبية هو الأصل، إذ لا بد لكل عبد أن يعرف معبوده بأسمائه وصفاته وأفعاله ثم يعبده. ولا يغلط في توحيد الألوهية والعبادة إلا من لم يعطه حقه، فالصبر والرضا، والتفويض والتسليم، والاستعانة والتوكل، والإنابة والمحبة، والخوف والرجاء، كلها من نتائج وثمار توحيد الربوبية.

معنى توحيد الربوبية والألوهية

وتوحيد العبادة أعظم وأشهر نتائج توحيد الربوبية، وقد وقع فيه الشرك بسبب الجهل بتوحيد الربوبية. قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. وتوحيد الربوبية أَقَرَّ به أكثر الخلق، ولم ينكره إلا شواذ الخلق، ولكنه لا يكفي للدخول في الإسلام حتى يقترن به توحيد العبادة. وتوحيد الألوهية والعبادة كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل إلى الناس، وأنزل عليهم الكتب، لكي يدعونهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء:25]. - معنى توحيد الربوبية والألوهية: توحيد الربوبية: هو توحيد الرب بأسمائه وصفاته وأفعاله. وتوحيد الألوهية: هو توحيد الله بأفعال العباد كالصلاة والدعاء. والربوبية والألوهية لهما إطلاقان: تارة يذكر أحدهما مفرداً عن الآخر، فيكون معناهما واحداً، كما قال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164]. وتارة يذكران معاً، فيفترقان في المعنى.

تلازم توحيد الربوبية والألوهية

فيكون معنى الرب الخالق المالك، الذي بيده الخلق والأمر كله. ويكون معنى الإله المعبود المستحق للعبادة وحده دون سواه، كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس:1 - 6]. - تلازم توحيد الربوبية والألوهية: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية. فمن أقر بأن الله وحده هو الرب الخالق المالك الرازق، لزمه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له. فلا يدعو إلا الله وحده .. ولا يستغيث إلا به .. ولا يتوكل إلا عليه .. ولا يصرف شيئاً من أنواع العبادة إلا لله وحده دون سواه. وتوحيد الألوهية مستلزم لتوحيد الربوبية. فكل من عبد الله وحده، ولم يشرك به شيئاً، لا بد أن يكون قد اعتقد وعرف أن الله ربه وخالقه ومالكه ورازقه. فهذا مبني على هذا، ولا يقبل هذا إلا بهذا، ولا يصح عمل إلا بهذا وهذا. وتوحيد الربوبية يقرُّ به الإنسان بموجب فطرته ونظره في الكون. والإقرار به وحده لا يكفي للإيمان بالله، والنجاة من النار، فقد أقرّ به إبليس والمشركون فلم ينفعهم، لأنهم تركوا القيام بثمرته وهو توحيد العبادة لله وحده.

حقيقة التوحيد

- حقيقة التوحيد: 1 - حقيقة التوحيد ولبابه أن يرى الإنسان الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع الإلتفات عن غيره من المخلوقات والأسباب، فلا يرى الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر، إلا منه وحده، ويعبده سبحانه وحده لا شريك له. مع كمال الحب له .. وكمال التعظيم له .. وكمال الذل له. 2 - حقيقة التوحيد ترد الأشياء كلها إلى الله وحده .. خلقاً وإيجاداً .. تصريفاً وتدبيراً .. بقاء وفناءً .. حياة وموتاً .. نفعاً وضراً .. حركة وسكوناً .. قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. وحقيقة الشرك ترد الأشياء كلها إلى غير الله. فالتوحيد ألذ شيء، وأحسنه، وأجمله، والشرك أقبح الأشياء. فالتوحيد أعدل العدل .. والشرك أظلم الظلم. ولهذا يغفر الله كل ذنب وجرم إلا الشرك. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء:48]. - فضل التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام:82]. 2 - عَنْ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى

كمال التوحيد

مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ» متفق عليه (¬1). - كمال التوحيد: التوحيد لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب عبادة ما سواه. والتعلق به وحده لا شريك له، وعدم الالتفات إلى ما سواه، والانقياد والتسليم لله في كل شأن. وإيثار كل ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه النفس. وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة كل أحد. وإجلال الله وتعظيمه، والإكثار من ذكره وشكره، والذل والانكسار بين يديه، والتضرع والافتقار إليه، ومحبته وخوفه ورجائه، وامتثال أوامره. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. - عظمة كلمة التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران:18]. 2 - وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3435)، واللفظ له، ومسلم برقم (28).

براهين التوحيد

وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (¬1). - براهين التوحيد: البراهين والأدلة الدالة على وحدانية الله كثيرة منها: 1 - برهان الفطرة، فجميع الخلق مفطورون على معرفة الله والإقرار به. قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم:30]. 2 - برهان الخلق والإبداع. فالله وحده هو المتفرد بالخلق والإبداع، فيجب أن يفرد بالعبادة وحده. قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [الرعد: 16]. 3 - النظر في السماء وما فيها من المخلوقات العظيمة. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح: 15 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق:6]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6583)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (558).

4 - النظر في الأرض وما فيها من العجائب والآيات. 1 - قال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} [ق:7 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج: 5 - 7]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)} [النمل:59 - 61]. 5 - النظر في عجائب خلق الإنسان. 1 - قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} [الروم:20]. 2 - وقال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات:20 - 21]. 6 - النظر في عجائب خلق المخلوقات وتدبيرها وتصريفها. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ

الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة:164]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:54]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس:31 - 32]. 7 - النظر في مظاهر قدرة الله وجلاله. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر:41]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)} [النبأ: 6 - 17]. 3 - وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} [العنكبوت:19 - 20].

8 - النظر إلى سعة علم الله عز وجل. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [لقمان:34]. 9 - النظر في سعة رحمة الله وفضله. 1 - قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [النحل:45 - 47]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)} [النحل:72]. 3 - وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)} [السجدة:27]. 10 - النظر إلى غنى الخالق، وفقر المخلوقات كلها إليه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر:15].

تحقيق التوحيد

2 - وقال الله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)} [يونس:68]. ودلائل وحدانية الله أشهر وأبين من ضوء الشمس، ولا يحصيها إلا الذي أحاط بكل شيء علماً، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. - تحقيق التوحيد: التوحيد يقوم على أصلين: شهادة أن لا إله إلا الله ... وشهادة أن محمداً رسول الله. 1 - فتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي من العبد أن يحب الله، ويحب ما يحبه الله .. ويبغض ما أبغض الله .. ولا يحب إلا لله .. ولا يبغض إلا في الله .. ولا يرجو إلا الله .. ولا يخاف إلا الله .. ولا يسأل إلا الله .. ويأمر بما أمر الله به .. وينهى عما نهى الله عنه .. ويفعل الطاعات .. ويجتنب المعاصي .. ولا يعبد إلا الله .. ولا يستعين إلا بالله .. فهذه ملة إبراهيم، وهي الإسلام الذي بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. 2 - وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله: بطاعته فيما أمر .. وتصديقه فيما أخبر .. واجتناب ما نهى عنه وزجر .. وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. فالحلال ما أحله .. والحرام ما حرمه .. والدين ما شرعه ..

قوة كلمة التوحيد

قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158]. - قوة كلمة التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} [لقمان:22]. 2 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّي قَاصّ ٌعَلَيْكَ الوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَْرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَْرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئاً؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ؟ فَقَالََ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6583)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (558).

محل التوحيد

فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - محل التوحيد: القلوب مكان التوحيد والإيمان .. ومكان الشرك والكفر، وهي منبع كل بر وإحسان .. ومنبع كل إثم وعدوان. وإذا صلح القلب بالمعرفة والتوحيد والإيمان، صلح الجسد كله بالطاعة والتسليم والإذعان لرب العالمين. وإذا فسد القلب بالجهل والشرك والكفر، فسد الجسد كله بالمعاصي والطغيان والفجور. فكل فساد في البدن سببه فساد القلب، وكل نقص في الخارج سببه النقص في الداخل، وكل فساد في الأمة سببه فساد الإنسان، وكل فساد في الإنسان سببه فساد القلب. عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أذُنَيْهِ): «إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وَإِنَّ حِمَىَ اللهِ مَحَارِمُهُ، ألا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ القَلْبُ» متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي رقم (2639)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4300). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) ومسلم برقم (1599) واللفظ له.

حفظ التوحيد

- حفظ التوحيد: التوحيد كالجوهرة يجب حفظه من النفس والهوى والشيطان. والتوحيد والإيمان أعظم شيء في خزائن الله، وأغلى شيء يعطاه أحد، يؤتيه الله من يعلم أنه يصلح له، ويمنعه ممن يعلم أنه لا يصلح له، والله عز وجل وحَّد نفسه في الأسماء والصفات والأفعال. فلا شبيه له ولا مثيل في أسمائه وصفاته، ولا خالق إلا هو، ولا رب سواه. ووحَّد نفسه في الألوهية، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له. ووحَّد نفسه في الأمر والنهي، فلا حكم إلا لله الحكيم العليم. ووحَّد نفسه في الملك، فهو مالك الملك كله، وله الخلق والأمر كله. والتوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم هو معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإفراده وحده بالعبادة. والعبادة حق الله وحده، لاحظ فيها لملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم من الأحياء والأموات والمخلوقات. والتوحيد كالمرآة أدنى شيء يؤثر فيه ويخدشه وينقصه، فهو يدخل في النيات والإرادات، والأقوال والأفعال. فمن عبد الله ليلاً ونهاراً، ثم دعا نبياً أو ولياً عند قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله. قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن:18]. ومن ذبح ألف أضحية لله، ثم ذبح لنبي أو غيره، فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله.

أهل التوحيد

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام:162 - 163]. وهكذا .. في كل نية .. وفي كل عمل. فمن أخلص العبادات كلها لله، ولم يشرك فيها غيره، فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله. ومن جعل فيها مع الله غيره فهو المشرك الظالم الجاحد. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)} [النحل:51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر:6]. - أهل التوحيد: الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له. وهو الذي خلق كل شيء، وبيده أمر كل شيء. خلق الكائنات وحركاتها .. وخلق العباد وأفعالهم .. فهو الذي وفق العبد للعمل ثم أثابه عليه .. ووفقه للتوبة ثم قبلها منه .. ووفقه للدعاء ثم أجابه. فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون شيء إلا بإذنه ومشيئته

وعلمه. فلا بد للمسلم من العلم بأمرين: 1 - العلم بأن الله وحده تفرد بالخلق والأمر، والهداية والإضلال. 2 - أن ذلك وقع منه سبحانه على وجه الحكمة والعدل لا بالاتفاق. بل بحكمة اقتضت هدى مَنْ عَلِمَ أنه يزكو على الهدى ويقبله ويثمر عنده، وإضلال مَنْ عَلِمَ أنه لا يزكو على الهدى ولا يقبله ولا يثمر عنده. فالله أعلم حيث يجعل رسالته. لم يطرد عن بابه، ولم يبعد من جنابه من يليق به التقريب والهدى والإكرام، بل طرد من لا يليق به إلا الطرد والإبعاد والإهانة. فإن قيل: لِمَ خلق من هو بهذه المثابة؟ قيل: لأن خلق الأضداد والمتقابلات من كمال ربوبيته. كالليل والنهار .. والخير والشر .. والحر والبرد .. والبر والفاجر .. والجنة والنار .. ونحو ذلك. وكمال التوحيد وتمامه أن يعلم العبد أن الخلق والأمر كله بيد الله لا بيد غيره. فلا يرى نفعاً ولا ضراً .. ولا حركة ولا سكوناً .. ولا ظلمة ولا نوراً .. ولا قبضاً ولا بسطاً .. إلا ويعلم أن الله خالقه .. وهو مقتضى الحكمة والعدل، والإحسان والرحمة. 1 - قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام:53].

فقه التوحيد

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام:124]. - فقه التوحيد: الله تبارك وتعالى هو الرب الحكيم العليم. له الخلق والأمر كله .. ما شاء الله كان .. وما لم يشأ لا يكون أبداً، يفعل ما يشاء بحكمته. يعطي ويمنع .. ويعز ويذل .. ويهدي ويضل .. ويسعد ويشقى .. هو الذي جعل المسلم مسلماً، وجعل المصلي مصلياً، وهو الذي جعل هذا يدعو إلى الخير، وذاك يدعو إلى الشر، وله سبحانه في كل ما خلقه وقدَّره: حكمة بالغة .. ونعمة سابغة .. ورحمة عامة .. وعلم محيط، لا يفعل شيئاً لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته، ورحمته وحكمته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. والله حكيم عليم رحيم، أحسن كل شيء خلقه، والخير كله بيديه، والشر كله ليس إليه، فلا يفعل قط إلا ما هو خير. وما خلقه الله من الآلام والأمراض، والسيئات والعقوبات، وجهنم وإبليس، فله فيه حكم عظيمة، ونعم جسيمة، وهو سبحانه يستحق الحمد والحب والرضا لذاته وإحسانه. وهو سبحانه الذي خلق كل شيء، وبيده كل شيء. خلق النفس وألهمها فجورها وتقواها، وجعل إبراهيم وآله ومن تبعه أئمة يدعون إلى الخير بأمره، وجعل إبليس وفرعون أئمة يدعون إلى النار.

ما يجب على المسلم

1 - قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. 2 - وقال الله تعالى في آل إبراهيم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [الأنبياء:73]. 3 - وقال الله تعالى في فرعون وآله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)} [القصص:41 - 42]. - ما يجب على المسلم: يجب على المسلم أن يثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته الله ورسوله، وينفى عنه ما نفاه الله ورسوله، ويثبت خلقه وأمره. فيؤمن بخلقه سبحانه لكل شيء، المتضمن كمال علمه وقدرته ومشيئته ويؤمن بنفوذ أمره في كل شيء، ويؤمن بأمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال. ويؤمن بشرعه وقضائه وقدره، ويعبد ربه بموجب ذلك. قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285].

ثمرات التوحيد

- ثمرات التوحيد: 1 - ثمرات التوحيد في الدنيا: الله عز وجل له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولكماله وجماله، وجلاله وكبريائه استحق أن يعبد، ويعبد لما له من الأسماء الحسنى، والصفات العلا، التي تستلزم أن يكون هو المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له، المحبوب غاية الحب لذاته وكماله وإحسانه. الذي يستحق التعظيم والتكبير والحمد والتسبيح والتقديس لذاته وكماله وجلاله وجماله. وإذا عَرَفت القلوب ذلك أثمر لها في الدنيا ما يلي: التوكل على الله وحده .. والإنابة إليه .. والسكون إليه .. والطمأنينة بذكره .. وخوفه ورجائه .. ومحبته وحمده .. وذكره وشكره .. وتعظيمه وإجلاله .. وحسن عبادته .. والأنس به .. والتلذذ بطاعته .. والتسليم لحكمه .. والصبر على ما يحب .. والرضا عنه .. وترك شكاية الخلق ولومهم .. والتوجه إلى الله في كل حال .. وعدم الالتفات إلى ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت:30 - 32]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3].

2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة

2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة: الله تبارك وتعالى يكرم المؤمنين الموحدين يوم القيامة بسبع كرامات، وهي: دخول الجنة .. ورؤية الرب جل جلاله .. والقرب منه .. ورضاه عنهم .. وسماع كلامه .. والتلذذ بنعيم الجنة .. والخلود في دار النعيم. 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72]. 3 - وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ» أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (93).

الباب الثاني كتاب الإيمان

الباب الثاني كتاب الإيمان ويشتمل على ما يلي: 1 - الإسلام. 2 - أركان الإسلام، وتشمل: 1 - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. 2 - إقام الصلاة. 3 - إيتاء الزكاة. 4 - صوم رمضان. 5 - الحج. 3 - الإيمان. 4 - أركان الإيمان، وتشمل: 1 - الإيمان بالله. 2 - الإيمان بالملائكة. 3 - الإيمان بالكتب. 4 - الإيمان بالرسل. 5 - الإيمان باليوم الآخر. 6 - الإيمان بالقدر. 5 - الإحسان. 6 - العبادة.

1 - الإسلام

1 - الإسلام · الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك. والإسلام له معنيان: 1 - عام: وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك. وهذا هو الإسلام والإيمان الذي دعت إليه جميع الأنبياء والرسل. 2 - خاص: وهو أركان الإسلام الخمسة الواردة في شريعتنا. 2 - أركان الإسلام الأركان التي بني عليها الإسلام خمسة وهي: الأول: الشهادتان: وهي مركبة من ركنين: 1 - الأول: شهادة أن لا إله إلا الله. ومعناها: أن يقر الإنسان بقلبه ولسانه أنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، وأن ما سواه من المعبودات فألوهيتها باطلة، وعبادتها باطلة. ولا إله إلا الله مشتملة على ركنين: 1 - «لا إله» نفي جميع ما يعبد من دون الله. 2 - «إلا الله» إثبات العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ربوبيته وخلقه وملكه.

إقام الصلاة

قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} [لقمان:30]. 2 - الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله. ومعناها: أن يقر الإنسان بقلبه ولسانه أن محمداً رسول الله، فيطيعه فيما أمر .. ويصدقه فيما أخبر .. ويجتنب ما نهى عنه وزجر .. ولا يعبد الله إلا بما شرع. وشهادة أن محمداً رسول الله تتضمن ما يلي: الإيمان به .. اليقين التام بأنه رسول الله حقاً للعالمين .. وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين .. وأن كتابه القرآن آخر الكتب المنزلة .. وأن شريعته ناسخة للشرائع قبلها .. وأن محمداً عبد الله ورسوله .. عبد لا يُعبد .. ورسول لا يُكذب .. فتجب محبته، وطاعته، ونصرته، وتحكيم شرعه، والرضا بما جاء به، والتسلم والانقياد لجميع ما جاء به، وعدم الالتفات إلى غير ما جاء به. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء:65]. 2 - وقال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158]. الثاني: إقام الصلاة. وهي الصلوات الخمس المفروضة على كل مسلم ومسلمة. قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103].

إيتاء الزكاة

الثالث: إيتاء الزكاة. وهي الزكاة الواجبة في الأموال. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103)} [التوبة: 103]. الرابع: صوم شهر رمضان. وهو صوم رمضان في كل عام. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185)} [البقرة: 185]. الخامس: حج بيت الله الحرام. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. فهذه أركان الإسلام الواجبة على كل مسلم ومسلمة. فالشهادتان على الدوام .. والصلاة في كل يوم وليلة في أوقاتها .. والزكاة على من ملك النصاب في كل عام .. والصوم في كل سنة شهر .. والحج في العمر مرة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) واللفظ له، ومسلم برقم (16).

- مراتب الدين: الدين ثلاث مراتب هي: الإسلام ... والإيمان .. والإحسان. وكل مرتبة لها أركان. عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا». قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قال: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِل». قال: فَأخْبِرْنِي عَنْ أمَارَتِهَا. قال: «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وَأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ، العَالَةَ، رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ». قال ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً. ثُمَّ قال لِي: «يَا عُمَرُ! أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8).

- الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان: 1 - الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا قُرن الإسلام بالإيمان كما في حديث جبريل، فالمقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة، وهي أركان الإسلام الخمسة، والمقصود بالإيمان الأعمال الباطنة، وهي أركان الإيمان الستة، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات:10]. 2 - الإسلام والإيمان متلازمان كالروح والبدن، فكما أن الإنسان مركب من بدن وروح، فكذلك الدين مركب من الإسلام والإيمان، فلا إسلام بلا إيمان، ولا إيمان بلا إسلام. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر:1 - 3]. 3 - الإسلام أعم من جهة أهله، والإيمان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام. فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً. 4 - الإحسان أعم من الإيمان، والإيمان أعم من الإسلام، ولكل منهما عموم وخصوص. فالإحسان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإيمان، والإيمان أعم من جهة

نفسه؛ لأنه يشمل الإسلام. والإحسان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإحسان طائفة من أهل الإيمان، وأهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام، فكل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسناً. 5 - الإسلام هو الاستسلام لله وحده، وفعل الطاعات الظاهرة، والإيمان هو التصديق بالغيب، وفعل الطاعات الباطنة، وهذا قدر زائد. - درجات الإسلام والإيمان: 1 - مَنْ فعل ما أمره الله، واجتنب ما نهاه عنه، فقد استكمل الإيمان والإسلام الواجب عليه. ومن ترك شيئاً من ذلك نقص من إسلامه وإيمانه بقدر ذلك، فمن نقص من الصلاة والزكاة والصوم والحج نقص من إسلامه بحسب ذلك، والنقصان في الإيمان يكون في الإيمان الذي في القلوب من المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ونقص الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فإذا زاد الإيمان زادت الطاعات، وإذا نقص الإيمان زادت المعاصي، فالإيمان والإسلام لكل منهما مبدأ وكمال .. وظاهر وباطن .. وقوة وضعف .. وطعم وحلاوة. 2 - الإسلام يتناول من أتى بالإسلام الواجب، وما يلزمه من الإيمان، ولم يأت بالإيمان الواجب. ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن، لكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا، ولا من هذا، وهم الفساق يكون في أحدهم شعبة

نفاق أو أكثر. ويتناول من أظهر الإسلام وليس معه شيء من الإيمان، وهو المنافق المحض. فهذا تثبت له أحكام الإسلام في الدنيا لعدم معرفة ما في قلبه، لكنه في الآخرة في الدرك الأسفل من النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: من 2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء:145]. - فضل الإسلام: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. 2 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} [البقرة:112]. 3 - وقال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} [الزُّمَر:22]. - الدين الحق: الإسلام هو الدين الحق الذي أرسل الله به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وهو ضروري

في إصلاح حياة البشر في الدنيا والآخرة. فلا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة إلا بالإسلام، وحاجتهم إليه أعظم من حاجتهم للطعام والشراب والهواء. فكل إنسان مضطر إلى الشرع، فهو بين حركتين: حركة يجلب بها ما ينفعه .. وحركة يدفع بها ما يضره. والإسلام هو النور والهدى والشرع الذي يميز به ما ينفعه وما يضره. وليس المراد بالشرع التمييز بين النافع والضار بالحس، فإن ذلك تدركه البهائم العجم التي تميز بين الشعير والتراب، بل المراد التمييز بين الأفعال التي تنفع صاحبها في معاشه ومعاده كنفع الإيمان والتوحيد، والعدل والإحسان، والأمانة والصدق، وأداء الحقوق، والبر وصلة الأرحام، وتقوى الله، والتوكل عليه، وطاعته، وطاعة رسوله، ونحو ذلك. وكذلك التمييز بين الأفعال التي تضر صاحبها في الدنيا والآخرة كضرر الكفر والشرك، والظلم والإساءة، والإثم والعدوان، والكذب والخيانة، والبغي والفجور، ونحو ذلك. والإسلام هو النور الذي يهتدي به الإنسان إلى ما ينفعه، ولولا الإسلام لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد. فالإسلام أعظم نعم الله على خلقه، والهداية إليه نعمة ثانية فوقها، والإعانة على القيام به نعمة ثالثة فوقها، ومحبته والفرح به نعمة رابعة فوقها، والحصول على ثوابه يوم القيامة نعمة فوق ذلك كله. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ

رَحِيمٌ (3)} [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} [النساء:170]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البيِّنة: 7 - 8]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البيِّنة:6]. - أعمال الإسلام والإيمان: أعمال الإسلام تتعلق بالجوارح قولاً وفعلاً. وأعمال الإيمان تتعلق بالقلوب تصديقاً وإيماناً ومحبة ونحو ذلك. وأعمال القلوب والجوارح كلاهما مطلوب، فالأول أساس للثاني، والثاني شرط لقبول الأول. وإنما خص الله أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح، لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فلولا باعث القلب لما تحرك الجسد بالطاعة أو المعصية، كما قال سبحانه: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)} [العاديات:10]. ولذلك جعل الله القلوب الأصل في الذم كما قال سبحانه: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)} [البقرة:283].

وجعلها الأصل في المدح كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} [الأنفال:2]. - فقه خلق الإنسان: خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وجعله مركباً من ثلاثة أشياء: جسداً مادياً .. ونفساً حيوانياً .. وروحاً ملكياً. فجسد الإنسان يخلقه الله في بطن الأم، وفي نفس الإنسان بحار الشهوات، وفي روح الإنسان بحار الطاعات، والجسد مطية للغالب منهما. والله سبحانه خلق الدنيا لقضاء حاجات الإنسان، لا لإكمال شهواته؛ لأن محل تكميل الشهوات كلها في الجنة. والله يريد تكميل محبوباته في الدنيا، والنفس تريد تكميل محبوباتها في الدنيا. والشهوات والطاعات ليس لها حد. وأوامر الدين كلها في مقابل شهوات النفس. فالإنسان إما أن يترك الشهوات بسبب الطاعات، أو يترك الطاعات بسبب الشهوات، ولا يمكن الجمع بينهما، كما لا يمكن الجمع بين الماء والنار. فالطاعات من الرب .. والشهوات من النفس .. والإنسان إما أن يكون عبداً للرب .. أو عبداً للنفس، والله سبحانه يريد من الإنسان في الدنيا تكميل الإيمان والطاعات، وقضاء حاجته الضرورية من الأكل والشرب.

والشيطان ثَقَّل على الناس الطاعات، وزين لهم الشهوات، فجعل الشهوات ضرورات، وأقعدهم عن الطاعات. 1 - قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)} [مريم:59 - 60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء:27 - 28]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91]. - حقيقة الإنسان: الجسد علبة الإنسان وظرفه، والروح حقيقة الإنسان، فالجسد إذا كان فارغاً من الروح فلا قيمة له، ولا عمل له، ولذلك يدفن في التراب الذي خلقه الله منه. وإذا كانت الروح فيه، فهذا الجسد له قيمة، ولذلك يكون زوجاً وأباً، وعالماً وعابداً، وملكاً ووزيراً، وتاجراً وصانعاً، فإذا خرج صاحب الجسد صار الجسد لا قيمة له، ولذلك يتعفن في الحال. والدنيا إناء للدين، فلا قيمة للدنيا إلا بالدين، ولا قيمة للإنسان إلا بالدين، فإذا ترك الإنسان الدين صار لا قيمة له في الدنيا ولا في الآخرة.

1 - قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام:122]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة: 18 - 20]. - حياة الإنسان في الدنيا والآخرة: أعطى الله عز وجل كل إنسان عقلاً يميز به بين ما ينفعه وما يضره، فإذا لم يستعمله فإنه يضل ويشقى في الدنيا والآخرة، وتكون حياته شراً من البهائم وأضل كما قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف:179]. فالعقل والفكر طاقة جبارة، ونعمة عظيمة، أعطانا الله إياها، لنتعرف بها على الخالق، ونحقق له العبودية. وكل إنسان له حياتان: حياة في الدنيا تنتهي في أي لحظة .. وحياة في الآخرة تبدأ في أي لحظة. فالأولى كالقطرة، والثانية كالبحر. والأولى لها بداية ونهاية، والثانية لها بداية ولا نهاية لها. وإذا عملنا في الدنيا بالدين أصلح الله دنيانا وأخرانا.

وإذا اشتغلنا في الدنيا بالشهوات عن الطاعات فسدت دنيانا وأخرانا. وإذا كانت الدنيا بالنسبة للآخرة كالقطرة بالنسبة للبحر، فجدير بالعاقل أن يكون مسلماً ليسعد في الدنيا والآخرة. يكمِّل محبوبات ربه .. ويؤثر ما يبقى على ما يفنى .. ويزهد في كل ما يشغله عن ربه .. ويرغب في البحر عن القطرة .. ويقضي حياته مقتدياً بمن أرسله الله رحمة الله للعالمين. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام:104]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء: 77]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. - حكم أعمال الكافر قبل الإسلام: 1 - إذا أسلم الكافر ثم أحسن فالسيئات تُغفر له، وإن أساء أُخذ بالأول والآخر. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال:38]. 2 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ؟ قال: «مَنْ أحْسَنَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أسَاءَ فِي الإِسْلامِ أخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6921)، ومسلم برقم (120).

2 - وأعمال الخير يثاب عليها سواء كانت قبل الإسلام أو بعده. عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أرَأيْتَ أمُوراً كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أسْلَمْتَ عَلَى مَا أسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436) ومسلم برقم (123) واللفظ له.

3 - الإيمان

3 - الإيمان - الإيمان: هو تصديق القلب بالغيب. وهو أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. فالله غيب .. وملائكته غيب .. وكتبه غيب .. ورسله غيب .. والآخرة غيب .. والقدر غيب. - فقه الإيمان بالغيب: الله عز وجل عالم الغيب والشهادة. فعالَم الشهادة مكشوف للإنسان والحيوان. وعالَم الغيب مستور عن الإنسان والحيوان. وعالم الغيب أكبر من عالم الشهادة، بل عالم الشهادة بالنسبة لعالم الغيب كالذرة بالنسبة للجبل. وعالم الغيب يصدق به المسلم، ويكذب به الكافر. فيؤمن به المسلم ولم يره، ولكن دلائله وبراهينه وشواهده موجودة ومعلومة بالحس والعقل وأخبار الرسل. والغيب كله لا يعلمه إلا الله وحده، وقد كشف الله منه ما شاء، وستر ما شاء، وأطلع بعض عباده على ما شاء منه. وقد أظهر الله من عالم الغيب أشياء، وأخفى أشياء:

أظهر سبحانه المخلوقات .. وأخفى نفسه. وأظهر الدنيا .. وأخفى الآخرة. وأظهر الأعمال .. وأخفى النيات. وأظهر سنته .. وأخفى قدرته. وأظهر الأبدان .. وأخفى الأرواح. فالتصديق بالغيب هو الذي يميز المؤمن من الكافر. 1 - قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)} [النحل:77]. 3 - وقال الله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة: 1 - 5]. - شعب الإيمان: الإيمان قول باللسان .. وتصديق بالجنان .. وعمل بالجوارح. وشعب الإيمان كثيرة: منها ما يتعلق باللسان .. ومنها ما يتعلق بالقلب .. ومنها ما يتعلق بالجوارح. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ

شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (¬1). - من خصال الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177]. 2 - حب الرسول - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (¬2). 3 - حب المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ» أخرجه مسلم (¬3). 4 - حب الأنصار: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ» متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (35). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، واللفظ له، ومسلم برقم (44). (¬3) أخرجه مسلم برقم (54). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (17)، واللفظ له، ومسلم برقم (74).

5 - حب المسلمين: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ (أوْ قال لأَخِيهِ) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه (¬1). 6 - إكرام الجار والضيف والصمت إلا من خير: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» متفق عليه (¬2). 7 - النصيحة: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أخرجه مسلم (¬3). 8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (¬4). - فضل الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (55). (¬4) أخرجه مسلم برقم (49).

الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64]. 2 - وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إيمَانٌ باللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟. قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفق عليه (¬1). - كمال الإيمان: المحبة التامة لله عز وجل مبنية على كمال معرفته. ومحبته سبحانه تستلزم وجود محبوباته ومحبتها. فإذا كان حب العبد لله، وبغضه لله، وهما عمل قلبه، وعطاؤه لله، ومنعه لله، وهما عمل بدنه، دل ذلك على كمال الإيمان، وكمال محبة الله عز وجل. وقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول .. والجهاد في سبيل الله. وحقيقة الجهاد بذل الجهد في حصول ما يحبه الله، وفي دفع ما يكره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26)، واللفظ له، ومسلم برقم (83).

وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54]. - قوة الإيمان: الله جل جلاله هو القوي الذي خلق القوة في كل قوي، خلق سبحانه الجبال وقهرها بأقوى منها، وهو الحديد الذي يكسرها. وخلق الحديد وقهره بالنار التي تذيبه. وخلق النار وقهرها بالماء الذين يطفئها. وخلق الماء وقهره بالهواء الذي يقلبه ويحمله. وخلق الملائكة أقوى من السماوات والأرض. ولكن قوة الإيمان أقوى من ذلك كله. فمثقال ذرة من إيمان يحصل بها أدنى مسلم على مثل هذه الدنيا عشر مرات. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيَقُولُ اللهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أمْثَالِهَا، أوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي، أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي وَأنْتَ المَلِكُ». فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ

مَنْزِلَةً. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية [السجدة: 17]» أخرجه مسلم (¬2). والحاجات العامة والخاصة كلها إنما تُقضى بالإيمان والأعمال الصالحة. فنوح - صلى الله عليه وسلم - دعا على الكفار فأغرقهم الله جميعاً بالماء كما قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} [القمر: 9 - 15]. وهود - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار عاداً بالريح كما قال سبحانه: {وَأَمَّا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6571) واللفظ له، ومسلم برقم (186). (¬2) أخرجه مسلم برقم (189).

عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 6 - 8]. وصالح - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار ثموداً بالصيحة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)} [هود: 66 - 68]. وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأنجاه من النار والكفار كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء:68 - 71]. ولوط - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فقلب على الكفار ديارهم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود:82 - 83]. وشعيب - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار بالصيحة كما قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} [هود: 94 - 95]. وموسى - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك فرعون وجنوده وأغرقهم بالماء كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ

سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)} [الذاريات:38 - 40]. هذه قوة الإيمان في الدعاء العام بعد إنذار الكفار. وأما قوة الإيمان في الدعاء الخاص فكما يلي: 1 - قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} [الأنبياء:76]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83 - 84]. 3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. 4 - وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:89 - 90]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)} [الأنبياء:91]. فهؤلاء رسل الله ولنا بهم أسوة وقدوة كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}

[الأحزاب:21]. - قوة المؤمن: المؤمن قوته في قلبه، وضعفه في جسمه، والكافر والمنافق قوته في جسمه، وضعفه في قلبه. فالمؤمن يصدِّق بالحق ويحبه ويعمل به، فكل ما يظهر على البدن من الأعمال الصالحة سببه ما في القلب من الإيمان، والنور، والحياة، وكل من القلب والبدن يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل، والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل ينمو ويقوى بفرعه كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم:24 - 26]. والإيمان أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده. وكلما قوي إيمان المسلم زادت أعماله الصالحة وكثرت وتنوعت وحسنت .. ثم رضي الله عنه .. فأسعده في الدنيا بما يقربه إلى ربه ثم أدخله الجنة في الآخرة دار السلام والخلود. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ

بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. - حقيقة الإيمان: كل شيء له ثلاث درجات. لفظ .. وصورة .. وحقيقة. فلفظ الفرس سهل على اللسان أن يقوله، وصورة الفرس سهل أن نشتريها بهللة، لكن حقيقة الفرس ثمنها غال لا نحصل عليه إلا بجهد. وكذا لفظ الإيمان، سهل أن يقول الإنسان آمنت بالله، وقد يقوله بلسانه دون قلبه كالمنافق الذي يأتي بصورة العمل فهذه صورة الإيمان. أما حقيقة الإيمان فتظهر في ثلاثة أماكن بصفة دائمة: قول باللسان .. وتصديق بالقلب .. وعمل بالجوارح. وعلاماتها وثمراتها: وجل القلب عند ذكر الله .. والطمأنينة بذكره .. ومحبة كلامه وشرعه .. وطاعة الله ورسوله .. والإنابة إلى دار الخلود .. والتجافي عن دار الغرور .. والاستعداد للموت قبل نزوله .. والتوجه إلى الله في جميع الأحوال .. وعدم الالتفات إلى ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. - درجات الإيمان: الإيمان له شعب وأركان ودرجات وعلامات. وبحسب معرفة المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان وشعبه، يتأثر قلب الإنسان، وتستقر حقيقة الإيمان في قلبه. فيتذوق طعم الإيمان، ويحس بحلاوته. والإيمان له ثلاث درجات: حقيقة .. وطعم .. وحلاوة. 1 - فحقيقة الإيمان تحصل لمن قام بالدين، وقام بجهد الدين عبادة ودعوة، وبذل في سبيل ذلك كل ما يستطيع. ولا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا

وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وطعم الإيمان يحصل بتجاوز المخلوقات إلى الخالق، وتجاوز الصور إلى المصور، والاستغناء بالله عما سواه. عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وحلاوة الإيمان تحصل بكمال حب الله، وحب من يحب الله، وحب ما يحبه الله، والإكثار من الطاعات، وذكر فضله وإحسانه إليه بنعمة الإسلام. فيرى الخلائق كلها، والأمور كلها بيد الله، وما سواه ليس بيده شيء. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» متفق عليه (¬2). - أقسام المؤمنين: المؤمنون ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات. فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان من الأعمال هو الظالم لنفسه. والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب، وترك المحرم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (34). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).

والسابق بالخيرات هو المحسن الذي فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، وعبد الله كأنه يراه. فهذا بأرفع المنازل. قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر:32]. - تفاضل أهل الإيمان: المؤمنون متفاضلون في الإيمان بحسب المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وخزائنه، وبحسب معرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما هم متفاوتون فيما يشاهدون ويسمعون، وهم درجات. وكذلك هم يتفاوتون في العلم والإرادة والعمل. فمن كان أكثر ذكراً ومحبة وعبادة لله كان إيمانه أقوى، وإن كان لغيره من العلم بالأسماء والصفات ما ليس له. وكذلك هم متفاضلون في أعمال القلوب والجوارح بحسب معرفتهم بأركان الإيمان وأمور الغيب. وكذلك منازل المؤمنين في الجنة متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم وأعمالهم وأخلاقهم. وكل مسلم عليه أن يقوم بما قدر عليه من أعمال الخير، لكن لا بد من الإيمان الواجب، والعبادة الواجبة. وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم العبد ما كان أرضى لله، وما كان نفعه أكثر،

وما يفوت وقته، وما هو عليه أقدر. فيقدم ما هو أنفع له وهو في حقه أفضل. ولا يطلب ما هو الأفضل مطلقاً إذا كان متعذراً في حقه أو متعسراً يفوته ما هو أفضل له وأنفع، كمن ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فهذا الذكر أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه، بل على وجه ناقص، ويفوته به ما هو أنفع له. ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. 1 - قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء:21]. 2 - وقال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} [المزمل: 20]. 3 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:134]. - زيادة الإيمان: الخلق بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام: الأول: الملائكة، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص ولا يتغير، وليس لهم معاص: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا

يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. وليس لهم شهوات تصرفهم عن العمل بموجب الإيمان فهم: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء:19 - 20]. الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم يزيد ولا ينقص. فهم أفضل الخلق إيماناً وعلماً وعملاً وأخلاقاً، اصطفاهم الله، وعلَّمهم، وأرسلهم إلى خلقه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} [الأنعام:89]. الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل، وإيمانهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح:4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475)، ومسلم برقم (57) واللفظ له.

4 - أركان الإيمان

4 - أركان الإيمان - أركان الإيمان أركان الإيمان ستة وهي: الإيمان بالله .. وملائكته .. وكتبه .. ورسله .. واليوم الآخر .. والقدر خيره وشره. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ (177)} [البقرة: 177]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8).

1 - الإيمان بالله

1 - الإيمان بالله - الإيمان بالله: هو التصديق بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله. - أركان الإيمان بالله: أركان الإيمان بالله أربعة: الأول: الإيمان بوجود الله، ويدل على ذلك أمور: 1 - أن الله قد فطر كل مخلوق على الإيمان بخالقه. قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم:30]. 2 - ودل العقل على أن لهذا الكون خالقاً. فهذه المخلوقات لم تخلق نفسها، ولا وجدت صدفة، فتعين أن يكون لها خالق خلقها، وهو الله رب العالمين. قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)} [الطور: 35 - 36]. 3 - ودل الحس على وجود الله سبحانه. فتقليب الليل والنهار، وخَلْق المخلوقات، وتدبير الكائنات، ورِزْق الإنسان والحيوان، كل ذلك يدل دلالة قاطعة على وجود رب قادر حكيم عليم. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ

أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس: 31 - 32]. 4 - إجابة الداعين، وإعطاء السائلين، وإغاثة المكروبين، كل ذلك يدل على وجود رب سميع قادر كريم. 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال:9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء: 83 - 84]. 3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء:87]. 5 - تأييد الأنبياء، والرسل بآيات ومعجزات رآها الناس، أو سمعوا بها، وهي أمور خارجة عن قدرة البشر يؤيد الله بها رسله، وهذا برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله جل جلاله. ومن ذلك: أن الله جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .. وفلق البحر والحجر لموسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأحيا الموتى لعيسى - صلى الله عليه وسلم - .. وشق القمر لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)} [الشعراء: 67 - 68].

6 - ودل الشرع على وجود الله سبحانه. فالأحكام الشرعية المتضمنة لمصالح العباد، والتي أنزلها عز وجل في كتبه على أنبيائه ورسله، دليل قاطع على أنها من رب حكيم قادر، عليم بمصالح عباده. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. الثاني: الإيمان بأن الله هو الرب وحده لا شريك له. والرب هو الملك الذي له الخلق والأمر في الكون كله. فلا خالق إلا الله .. ولا مالك إلا الله .. والأمر كله لله. 1 - قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [المُلك:1]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:54]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران: 26 - 27]. - معرفة الرب: 1 - الله عز وجل هو العليم بكل شيء .. عالم الغيب والشهادة .. يعلم ما في السماوات وما في الأرض .. ويعلم مثاقيل الجبال .. ويعلم مكاييل البحار .. ويعلم عدد قطر الأمطار .. ويعلم عدد ذرات الرمال .. ويعلم عدد ورق

الأشجار، ويعلم بكل ما في العالم العلوي .. ويعلم بكل ما في العالم السفلي .. ويعلم ما في البر والبحر والجو كما قال سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 2 - والله جل جلاله هو العظيم وحده لا شريك له، وهو الواحد القهار، الكبير المتعال، خلق الخلائق بإرادته، وقهر المخلوقات بقوته، وأمسك السماء بقدرته، ودحا الأرض بمشيئته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. وهو سبحانه القوي العزيز الجبار المتكبر، الذي خضعت الأعناق لعظمته، وخشعت الأصوات لهيبته، وذل كل مخلوق لقوته وجبروته. وهو المَلِك الذي بيده المُلك .. القوي الذي بيده القوة .. الغني الذي بيده كل شيء، وعنده خزائن كل شيء .. الرزاق الذي بيده الرزق. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21]. 3 - والله جل جلاله هو الكريم الذي قدر فعفا، وعاهد ووفّى، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى. يعطي من يطيعه ويعصيه .. ومن سأله ومن لم يسأله .. ويعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهو الغني وحده، وكل ما سواه فقير إليه.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر:15]. 4 - والله سبحانه هو القادر على كل شيء. أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، الخلائق كلها في قبضته، والأمور كلها بيده، هو القادر وحده، وكل ما سواه عاجز. قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر:67]. 5 - والله سبحانه هو الخالق الذي خلق كل شيء، ولا يعجزه شيء، يستوي عنده خلق الكبير والصغير، والجبل والذرة، والبحر والقطرة. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر:62 - 63]. 6 - والله جل جلاله كل يوم هو في شأن. يدبر الأمر .. ويرسل الرياح .. ويرسل الصواعق .. وينزل الغيث .. ويحي الأرض بعد موتها .. ويحيي ويميت .. يعز من يشاء .. ويذل من يشاء .. ويهدي من يشاء .. ويضل من يشاء .. ويعطي ويمنع .. ويرفع ويخفض. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ

السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة:164]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران:26 - 27]. 7 - والله وحده عنده خزائن كل شيء، ويملك خزائن كل شيء، فكل شيء في الوجود فخزائنه عند الله. خزائن السماوات .. وخزائن الأرض .. وخزائن الرياح .. وخزائن المياه .. وخزائن النبات .. وخزائن الحيوان .. وخزائن التراب .. وخزائن المعادن .. وخزائن العذاب .. وخزائن الرحمة .. وخزائن الهداية .. وخزائن القوة .. وخزائن العزة. فكل هذه الخزائن وغيرها عند الله .. وبيد الله .. وملك لله. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} [المنافقون: 7]. 8 - إذا علمنا ذلك كله، وتيقنا على كمال قدرة الله، وكمال عظمة الله، وكمال علم الله، وكمال قوة الله، وكمال كبرياء الله، وكمال رحمة الله، وكمال كرم الله، وعظمة خزائن الله، عرفنا ربنا بأسمائه وصفاته، وأنه وحده له الأسماء الحسنى، والصفات العلا. فإذا حصلت هذه المعرفة بالله وأسمائه وصفاته أقبلت القلوب إليه ..

وانشرحت الصدور لعبادته .. وانقادت الجوارح لطاعته .. ولهجت الألسن بذكره .. واجتمعت الألسن والقلوب على تكبيره وتوحيده وتسبيحه وحمده. فلا تسأل إلا إياه، ولا تستعين إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تحب إلا هو، ولا تخاف إلا منه، ولا تعبد إلا إياه. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة:21 - 22]. الثالث: الإيمان بألوهية الله سبحانه. 1 - فنعلم ونتيقن أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، وأنه وحده المستحق للعبادة دون سواه. فنعبده وحده بما شرع، مع كمال الحب له، وكمال التعظيم له، وكمال الذل له. قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة:163]. 2 - ونعلم ونتيقن أن الله كما أنه واحد في ربوبيته لا شريك له، فكذلك هو واحد في ألوهيته لا شريك له. فنوحده في الخلق والأمر، ونوحده في الطاعة والعبادة.

1 - قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} ... [يونس:3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء:25]. 3 - ونعلم ونتيقن أن الله وحده هو المعبود الحق، وأن كل معبود من دون الله فألوهيته باطلة، وعبادته باطلة. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحج:62]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)} [العنكبوت:17]. الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته. ويتضمن ذلك أموراً: 1 - فهمها، وحفظها، والتصديق بها، والعمل بمقتضاها، والتعبد لله بها. فمعرفة أسماء وصفات العظمة لله والكبرياء والمجد والجلال تملأ القلوب هيبة لله، وخشية منه، وتعظيماً له. ومعرفة أسماء وصفات العزة والقدرة والجبروت تملأ القلوب ذلاً وخضوعاً وانكساراً بين يدي ربها. ومعرفة أسماء وصفات الرحمة والبر والجود والكرم تملأ القلوب رغبة

وطمعاً في فضل الله وإحسانه وجوده. ومعرفة أسماء وصفات العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة ربه في حركاته وسكناته. ومجموع هذه الأسماء والصفات تقود العبد إلى ربه، وتجذبه إليه، وتوجب له محبة الله، والشوق إليه، والأنس به، والتوكل عليه، والاستعانة به، والخوف منه، والرجاء له، والثناء عليه، والحمد له، والتقرب إليه، وعبادته وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12]. 2 - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وندعوه بها. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِائَةً إِلا وَاحِداً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» متفق عليه (¬1). 3 - أن نثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677).

ونؤمن بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والآثار: فنؤمن بأن الله (رحيم) وأنه ذو رحمة، وأنه يرحم من يشاء، وهكذا في بقية الأسماء والصفات. ونثبت لله الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. فكما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك أسماؤه وصفاته لا تشبه أسماء وصفات الخلق كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص:1 - 4]. 4 - أسماء الله من حيث الحكم تنقسم إلى قسمين: الأول: ما لا يصح إطلاقه إلا على الله كالخالق، والله ونحوهما. الثاني: ما يصح إطلاقه على الله وعلى المخلوق، ولكلٍ حكمه، وهي الأسماء المشتركة كالحكيم والعليم والعلي والرحيم ونحوها. 5 - الصفات أوسع من الأسماء، والأفعال أوسع من الصفات، ولهذا وصف الله نفسه بصفات ولم يتسم بها، وأطلق على نفسه أفعالاً لم يتسم بها مثل (يريد، ويشاء، ويُحدث) ولم يسم نفسه بالمريد والشائي والمحدث. كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن، وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه ولم يسمّ نفسه بها مثل (يمكر، ويستهزئ، وفتن) ونحوها. وأسماء الله كلها حسنى تدل على المدح، وكل اسم ينقسم إلى كامل وناقص فلا يدخل في أسمائه الحسنى، وإن كان يوصف الله به كالمريد والمتكلم،

فالله يريد ويتكلم، لكن لا يسمى بذلك. 6 - الفرق بين الأسماء والصفات بما يلي: 1 - الصفات مشتقة من الأسماء، فكل اسم يؤخذ منه صفة كالرحمة من الرحيم، والقوة من القوي، والعلم من العليم. 2 - أسماء الله كلها دالة على ذاته. وصفاته نوعان: ذاتية كالحياة والعلم والقدرة، وفعلية كالمجيء، والنزول. 3 - التعبيد في أسماء المخلوقين في الأسماء في لا في الصفات، فيقال عبد الله، ولا يقال عبد العلم، أو عبد الوجه. 7 - وصفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: 1 - الصفات الثبوتية، وهي كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من صفات الكمال كالحياة، والعلم، والقدرة، والرحمة، والنزول، والاستواء ونحو ذلك كالوجه، واليدين. 2 - الصفات السلبية، وهي كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله من صفات النقص كالموت، والنوم، والعجز، والتعب، والجهل، والنسيان، والغفلة، والظلم ونحو ذلك. فهذه الصفات يجب نفيها عن الله عز وجل، وإثبات ضدها على الوجه الأكمل، والصفات الثبوتية أكثر بكثير من الصفات السلبية. وكل ما نفاه الله عن نفسه فالمراد به إثبات كمال ضده كما قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (58)} [الفرقان: 58].

8 - وصفات الله عز وجل نوعان: 1 - صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الذات، ولا يزال الله متصفاً بها، وهي نوعان: 1 - صفات معنوية كالحياة، والعلم، والقدرة، والحكمة ونحوها. 2 - صفات خبرية كالوجه، والعينين، واليدين، والقدمين. فهذه الصفات كلها ملازمة للذات، لا تنفك عنها أبداً. 2 - صفات فعلية: وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، وهي نوعان: 1 - صفات لها سبب معلوم مثل الرضا، والسخط، والحب، والكره ونحو ذلك، فإذا وُجد سبب الرضا رضي سبحانه، وإذا وُجد سبب السخط سخط سبحانه. 2 - صفات ليس لها سبب معلوم كالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر. ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الله يتكلم متى شاء. 9 - وأسماء الله وصفاته وأفعاله مطلقة في الكمال والحسن، لا تناهى ولا تنقطع بآخِر، ولا تُحدّ بأول كعلمِه، وقدرته، وحلمه، ورحمته، وسائر صفاته. 10 - وأسماء الله عز وجل نوعان: 1 - منها ما يطلق على الله مفرداً أو مقترناً بغيره، وهو غالب أسماء الله عز وجل كالعزيز والحكيم، والسميع والبصير ونحو ذلك، فتقول مثلاً: سبحان العزيز، أو تقول: سبحان العزيز الرحيم.

2 - ومنها ما لا يطلق على الله بمفرده، بل مقروناً بمقابله كالمعطي المانع، والنافع الضار، والمعز المذل، ونحو ذلك فهذه أسماء مزدوجة تجري مجرى الاسم الواحد؛ لأنه يراد بها الرب المتفرد بالخلق والأمر. - كيفية الإلحاد في أسماء الله: الإلحاد في أسماء الله عز وجل هو العدول بها عن الحق الذي ثبت لها. والإلحاد في أسماء الله أنواع: 1 - تسمية الأصنام بها كتسمية الكفار اللات من الله، والعزى من العزيز. 2 - نسبة الله تعالى إلى ما لا يليق بجلاله كنسبة النصارى له ابناً هو المسيح، ونسبة اليهود له ابناً هو العزير. 3 - وصفه سبحانه بما يتقدس عنه من النقائص كقول اليهود إن الله فقير، وأن يد الله مغلولة، لعنهم الله بما قالوا. 4 - تعطيل أسماء الله عز وجل عن معانيها كقول الملاحدة إن الله سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. 5 - تشبيه صفات الله بصفات خلقه كقول الملاحدة إن أسماء الله وصفاته كأسماء المخلوقين وصفاتهم. وكل ذلك كفر موجب للخلود في النار. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} [فُصِّلَت:40].

1 - أسماء الله الحسنى

1 - أسماء الله الحسنى - عدد أسماء الله الحسنى: العلم بالله وأسمائه وصفاته من أشرف العلوم وأعظمها وأوجبها، وأسماء الله عز جل كلها حسنى، ولهذا أمرنا الله بالتعبد بها. وأسماء الله جل جلاله كثيرة لا يحصيها إلا الله. منها ما تفرد الله بعلمه .. ومنها ما علّمه الله بعض خلقه .. ومنها ما بينه الله في كتابه، أو سماه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِائَةً إِلا وَاحِداً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي» أخرجه أحمد (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4318)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (199).

أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن والسنة الله: وهو المألوه المعبود الذي تألهه الخلائق، وتحبه وتعظمه، وتخضع له، وتفزع إليه، المستحق لإفراده بالعبادة؛ لما اتصف به من صفات الجلال والجمال والكمال. وهذا الاسم دال على جميع الأسماء الحسنى، ومستلزم لها، ولهذا يضيفها إليه. وهو الإله: الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه، وتفزع جميع الخلائق إليه لكمال غناه، وتطمئن القلوب بذكره، وتسكن إليه. وهو الرحمان: الذي وسعت رحمته كل شيء، ذو الرحمة الواسعة التي عمت كل شيء، الذي يرحم خلقه في كل وقت وآن. وهو الرحيم: الذي يستحق أن يؤله ويعبد، الذي يرحم برحمته جميع خلقه، فهو الرحمان الذي عم برحمته الواسعة جميع خلقه. وهو الأول: الذي ليس قبله شيء، والذي ابتدأ خلق كل شيء، الذي بلغ الكمال في أسمائه وصفاته. وهو الآخر: الذي ليس بعده شيء، وليس وراءه شيء يقصد، الذي إليه يرجع الأمر كله. وهو الملك: الذي ملك الخلائق كلها، بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، المَلك النافذ أمره في ملكه. وهو المالك: الذي يملك كل شيء، فكل مخلوق مملوك له، مالك الملك في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة.

وهو المليك: الرحيم الكريم القادر، ذو الفضل والإحسان الدائم على من اتقاه وأطاعه. الملك الذي ملك الممالك، وملك الملوك، وملك ما يملكون كله؛ لأنه الذي خلقهم، وملَّكهم ما هم فيه. وهو القدوس: الذي تنزه عن العيوب والنقائص، الممدوح بالفضائل والمحاسن، المنزه عن الأولاد والأنداد والنقائص. وهو السلام: الذي سلم من كل عيب وآفة ونقص وذم، لكمال ذاته وأسمائه وصفاته، السلام الذي سلمت حياته من الموت، وسلم علمه من النقص، وسلم الخلق من ظلمه فلا يظلم أحداً. وهو المؤمن: الذي أثنى على نفسه بكل حمد، المصدق لنفسه ولرسله فيما بلغوه عنه، الذي أمن خلقه من أن يظلمهم، خلق الأمن ومنّ به على من شاء من عباده. وهو المهيمن: الشاهد على خلقه بما يصدر منهم، العالم بجميع ما في الكون، المهيمن العلي على جميع خلقه، الخالق المهيمن على كل مخلوق. وهو العزيز: الذي لا يُرام جنابه، القاهر الذي لا يُغلب، القوي الذي خضعت له المخلوقات، الجبار الذي لا يُنال جنابه لكمال عزته وعظمته وجبروته وكبريائه، وله العزة جميعاً. وهو الجبار: العالي على خلقه، القاهر لهم على ما أراد، ذو الجبروت والعظمة، الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب الرزق، الرحيم الذي جبر القلوب المنكسرة. وهو المتكبر: الذي تكبر عن ظلم خلقه، وتكبر عن كل سوء وشر، وتكبر

بأسمائه وصفاته فلا شيء مثله، وتكبر عن صفات الخلق فلا شيء مثله. وهو الكبير: الذي له الملك والعظمة والسلطان، الكبير العظيم الذي كل شيء دون جلاله صغير، وله الكبرياء في السماوات والأرض. وهو الخالق: الذي خلق المخلوقات كلها على غير مثال سابق، وأحكم الخلق وأتقنه، فلا يستطيع أحد أن يخلق مثله. خلق السماوات والأرض، وخلق الإنس والجن، وخلق الليل والنهار، وخلق الدنيا والآخرة. وهو الخلاق: الذي خلق كل شيء، ويخلق كل يوم، بل كل لحظة ما يشاء، بأي قدر شاء، في أي وقت شاء، من أي نوع شاء، من الذرات والنبات والحيوان وغيرها. وهو البارئ: الذي برأ الخلق كلهم، وأوجدهم على غير مثال سابق، وميز بعضهم من بعض، وجعلهم أبرياء، فخلقه كله مستو مستقيم محكم متقن. وهو المصور: الذي خلق الخلق، وصورهم على صور مختلفة في الحجم واللون والشكل والطول والحُسن، الذي أحسن كل شيء خلقه، يصور خلقه على ما يشاء، ويختار بعلمه وحكمته. وهو البديع: الذي بدع الخلق وبدأه وفطره على غير مثال سابق، خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض وما فيهن، الذي خلق كل شيء وأبدعه في غاية الحسن والجمال. وهو البَرّ: الذي عم جميع خلقه بعطائه، الرحيم بعباده، المحسن إليهم، العطوف عليهم، المصلح لأحوالهم في الدين والدنيا والآخرة. وهو البصير: الذي يبصر كل شيء، فلا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا

في السماء، العليم بحاجات الخلق، البصير بأفعال العباد، العالم بخفيات الأمور، الذي يبصر المستور والمنظور. وهو التواب: الذي يحب التوبة من عباده ويقبلها، الذي كلما تكررت التوبة من العبد تكرر منه القبول، الذي يتوب على كل من تاب إليه وأناب. وهو الجميل: الذي خلق الجمال في كل جميل، الجميل بذاته وأسمائه وصفاته، الذي كل جمال في الكون من جماله، الذي تجمل وتكرم بالخير على عباده. وهو الحكيم: الذي يضع الأشياء في محالها، الحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل ولا نقص، الحكيم في أقواله وأفعاله. وهو الحَكَم: الذي لا حَكَم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه، الذي سَلِم له الحُكم، ورُدّ إليه فيه الأمر. وهو الحاكم: الذي يحكم بين عباده بالعدل، أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. وهو الحافظ: الذي تكفل بحفظ الخلائق كلها، الذي يحفظ السماوات والأرض وما فيهن بلا كلفة ولا مشقة، الحافظ لأعمال العباد وأقوالهم، الحافظ للخلائق من المعاطب والمهالك. وهو الحفيظ: الذي حفظ جميع ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، الذي حفظ السماء أن تقع على الأرض، والذي يعلم كل شيء، ولا يغيب عنه شيء، ويحفظ أولياءه من الوقوع في الذنوب. وهو الحاسب: الذي حفظ أعمال خلقه كلهم، المحاسب لهم عليها، المجازي عباده بأعمالهم دقيقها وجليلها.

وهو الحسيب: الكافي عباده، الذي لا غنى لهم عنه أبداً. فهو خالقهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة. الذي أحصى كل شيء عدداً، فلا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وهو الحق: الملك الحق الذي لا إله غيره، فلا يسع أحد إنكاره ولا جحوده، هو الحق، وقوله الحق، وفعله حق، ودينه الحق، وكل شيء نَسَبه إليه فهو حق. وهو الحليم: الذي يدر على خلقه صنوف النعم مع معاصيهم، ويمهلهم ليتوبوا، ولا يعاجلهم بالعقوبة لينيبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فوراً؛ لأنه الحليم الرحيم بعباده، الحكيم الحليم الذي يضع الأمور مواضعها. وهو الحميد: الذي يستحق الحمد كله، المحمود على أسمائه وصفاته، وعلى أقواله وأفعاله، وعلى إحسانه وشرعه وقدره، الذي يحمد خلقه المؤمنين، ويشكرهم على القليل من العمل. وهو الحي: القيوم الدائم الباقي، الحي الذي لا يموت أبداً، الذي يخلق من الأحياء ما لا يحصيه إلا هو، والذي خلق الحياة في كل حي. وهو الحيي: الذي يترك كل ما لا يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه. وهو الخبير: الذي يعلم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء من أمور خلقه من متحرك وساكن، وناطق وصامت، وصغير وكبير. وهو الرازق: الذي خلق الأرزاق، وأوصلها إلى خلقه، وتكفل بأرزاق الخلائق كلها.

وهو الرزاق: الذي وسع الخلق كلهم برزقه، الذي يرزق جميع خلقه بلا كلفة ولا مشقة، خالق الأرزاق ومالكها ومعطيها، يصرفها ويقسمها على الخلائق كيف شاء حسب علمه وحكمته. وهو الرؤوف: الذي يرحم عباده، ويلطف بهم، وييسر أمورهم ويعفو عن سيئاتهم. وهو الرب: الذي له الملك والخلق والأمر وحده لا شريك له، والذي يربي جميع خلقه بأصناف النعم، المصلح أحوال خلقه بما أسبغ عليهم من وافر النعم. فكل شيء خَلْقه، وكل مخلوق عَبْده، وهو ربه الذي لا يصلح إلا بتدبيره، ولا يقوم إلا بأمره، ولا يبقى إلا بإذنه. وهو الرفيق: الذي يسهل الأمور، وييسر لعباده أسباب الخير كلها، الحليم الذي لا يَعْجل بعقوبة العصاة لعلهم يتوبون. وهو الرقيب: الذي يراقب الخلائق في كل حال، القائم على كل نفس بما كسبت، الحافظ الذي لا يغفل، ولا يغيب عما يحفظه، الذي يراقب جميع أفعال الخلق وأقوالهم، وما يجول في خواطرهم. وهو السُّبُّوح: الذي يسبحه ويقدسه كل خلقه، الذي كمل في أسمائه وصفاته وأفعاله، المنزه عن كل عيب ونقص وسوء، الذي تنزه عن الشريك وكل ما لا يليق بجلاله. وهو السِّتِّير: الذي يعلم بجميع أحوال خلقه، ويستر عليهم الكثير من العيوب والقبائح، ولا يفضحهم في المشاهد. وهو السميع: الذي وسع سمعه الأصوات على اختلاف الألسن واللغات

والحاجات، لا يَشْغله سمع عن سمع، ولا يعزب عن سمعه مسموع وإن دق، يسمع السر والنجوى، ويستوي عنده الجهر والخفوت، والنطق والسكوت. وهو السيد: الذي كمل في سؤدده، فله الأسماء الحسنى والصفات العلا، الذي حُقت له السيادة؛ لأنه الملك الذي له الخلق والأمر، وكل الخلائق مفتقرة إليه. وهو الشافي: الذي يشفي خلقه من كل آفة وعاهة ومرض، يشفي الأبدان من الأمراض، ويشفي القلوب من الشبه والشكوك. خلق الداء والدواء، ومَلَكَ الشفاء وحده لا شريك له. وهو الشاكر: الذي يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، ويشكر من شكره ويزيده. وهو الشكور: الذي تفضل على عباده بالنعم، ورضي منهم بالشكر، الذي يشكر اليسير من الطاعة، ويثيب عليها الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعم، ويرضى باليسير من الشكر. وهو الشهيد: المطَّلع على كل شيء، الذي أحاط علمه بكل شيء، الذي شهد على عباده بما عملوا، القريب من خلقه، الذي يراهم جميعاً في آن واحد، ولا يعزب عنه منهم مثقال ذرة. وهو الصمد: الذي بلغ الكمال في سؤدده وعظمته وجوده، الذي صمد لجميع حوائج الخلق، والذي تصمد الخلائق إليه في حوائجها، السيد المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر. وهو الطيب: الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، المنزه عن النقائص

والعيوب، والشر والسوء. وهو الظاهر: الذي ظهر وغلب وقهر جميع المخلوقات، الذي ظهر فوق كل شيء، الذي ظهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به. وهو الباطن: الذي احتجب عن أبصار الخلق، الذي لا يراه أحد في الدنيا، ويراه المؤمنون في الآخرة، لكنهم لا يدركون ولا يحيطون به؛ لكمال عظمته وكبريائه، الذي يعلم ببواطن الأمور وظواهرها فلا يخفى عليه شيء. وهو العليم: الذي يعلم كل شيء، أحاط علمه بالعالم العلوي، والعالم السفلي، وبالظاهر والباطن، فلا تخفى عليه خافية. وهو العالم بكل ما كان، وما يكون، وما سيكون، العالم بالسرائر والخفيات، العالم بالغيوب دون جميع خلقه، هو وحده عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. وهو العلام: الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، الذي أحاط بكل شيء علماً، الذي كل عِلم في الناس من علمه. وهو العظيم: ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، العظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، العظيم في ملكه وسلطانه، الذي يعظمه خلقه ويهابونه؛ لأنه العظيم الذي قهر المخلوقات كلها، وتفرد بالملك والخلق والأمر والجلال والجمال. وهو العفو: الذي وسع عفوه جميع خلقه، الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، الواضع عن المذنبين خطاياهم وآثامهم، فلا يستوفيها منهم إذا تابوا وأنابوا. وهو العلي: الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه.

فله علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القدر، وعلو القهر. الذي علا فوق كل شيء، وعلا عن كل عيب ونقص وسوء. وهو الأعلى: العالي فوق كل شيء، القاهر لكل شيء، وهو الأعلى في كل شيء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله المثل الأعلى في الخلق والأمر، والعلو والكمال، والعظمة والكبرياء. وهو المتعال: في ذاته وأسمائه وصفاته، المنزه عن كل عيب ونقص وسوء وشر، العالي فوق كل شيء. وهو الغفار: الذي يستر ذنوب عباده، ويغطيها بستره، الستار لمساوئ عباده، فلا يكشف أخطاء المذنبين، ولا يهتك أستار العصاة. وهو الغفور: الذي لم يزل ولا يزال يغفر ويصفح ويعفو، يغفر الذنوب والسيئات، ومن كرمه يبدلها بحسنات. وكل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه وإعانته. وهو الغافر: الذي يستر على المذنب ذنبه، ولا يفضحه بين خلقه وهو قادر، واسع المغفرة، يغفر الذنوب جميعاً. وهو الغالب: البالغ مراده من خلقه، الغالب الذي لا يُغلب ولا يُقهر، الغالب على أمره، الذي يفعل ما يشاء، القادر الذي لا يملك أحد أن يرد ما قضى؛ لكمال قدرته وعظمته. وهو الغني: الذي استغنى عن الخلق كلهم بقدرته وعز سلطانه، الذي لا حاجة له إلى أحد أصلاً، والخلق كلهم فقراء إليه.

الغني الذي له الغنى التام، وله خزائن السماوات والأرض، وخزائن كل شيء عنده، المغني خلقه ورازقهم من فضله. وهو الفتاح: الذي يحكم بين عباده بالحق والعدل، الذي يفتح أبواب الرزق والعلم والرحمة لعباده، الناصر للمؤمنين. وهو الفاتح: الذي يفتح جميع أبواب الخير والبر والطاعة، ويفتح ما انغلق من الأشياء والأمور، وييسر المتعسر، ويفتح قلوب الخلق وعيونهم ليبصروا الحق والهدى. وهو الفاطر: الذي ابتدأ خلق جميع المخلوقات، وفطر السماوات والأرض بما أراد، الذي فطر عباده على التوحيد والإيمان. وهو القادر: الذي له القدرة التامة، الذي لا يعجزه شيء، ولا يفوته مطلوبه، ولا يناله عجز ولا فتور. وهو القدير: الذي إذا أراد شيئاً كان، وله القدرة التامة الشاملة الدائمة، وهو على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون. وهو المقتدر: الذي لا يمتنع عليه شيء، المظهر قدرته في خلق الصغير والكبير، والأبيض والأسود، الذي لا يعجزه شيء على الإطلاق. وهو القاهر: الذي علا فوق جميع المخلوقات، القاهر فوق عباده، الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة. وهو القهار: الذي قهر جميع الخلائق على ما أراد، فهو القاهر وكل ما سواه مقهور، فلا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، ولا يموت حي، ولا يزول ملك إلا بإذنه وعلمه، قهر الخلائق كلها بالأمراض والمصائب فلا يستطيع أحد ردها.

وهو القريب: من كل أحد، القريب من الداعي إذا دعاه، الذي يسمع دعاء عباده، القريب اللطيف الذي لا يخفى عليه شيء. وهو القيوم: الذي لا يحتاج إلى أحد، الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام به غيره، وافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد، والإمداد، والبقاء. وهو القائم: الذي تكفل بحفظ كل شيء وتدبيره، القائم على كل نفس، القائم على كل شيء من المخلوقات، القائم بقسمة أرزاق الخلائق، وتصريف أحوالهم، وحشرهم وحسابهم وجزائهم. وهو القوي: القهار العزيز الجبار، الذي له القوة جميعاً، الذي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، ولا يعجزه شيء، الذي له القدرة التامة، الذي خلق العرش والكرسي، وخلق الملائكة العظام، والذي خلق السبع الشداد، وخلق الجبال الراسيات والنجوم الزاهرات. وهو القابض: الذي بيده كل شيء، الذي يطوي بره ومعروفه عمن يشاء من خلقه بحسب علمه وحكمته، الذي يملك كل شيء، ولا يفوته ذرة. وهو الباسط: الذي ينشر فضله على من يشاء من عباده، ويرزق ويوسع بحسب علمه وحكمته، يبسط بفضله، ويقبض بعدله، وهو الحكيم العليم. وهو الكافي: الذي صمد لجميع حوائج الخلق، والذي كفى خلقه وعباده ما يحتاجون من الأرزاق وغيرها، وحفظهم من المكاره، الذي لا يخفى عليه مثقال ذرة من خلقه. وهو الكريم: الذي مَنّ بعطائه وإحسانه جميع خلقه، الكثير الخير دائمه، الذي قدر فعفى، ووعد فوفّى، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، الكريم

الذي يعطي ولا تنقص خزائنه. وهو الأكرم: الذي يجود بكل خير على جميع خلقه، أكرم الأكرمين، لا يضيع من توسل إليه، ولا يَحْرِم أحداً سأله، يجود بالخير في كل آن. وهو الكفيل: القائم بأمور الخلائق كلهم، المتكفل بأرزاقهم، الموصلها إليهم، الذي تكفل برزق كل حي، فلن تموت نفس حتى تستكمل منه رزقها وأجلها وخطاها. وهو اللطيف: الذي أحاط علمه بكل شيء، بالظواهر والبواطن والسرائر والخفايا، الذي لا تخفى عليه خافية، البَرّ بعباده الذي يلطف بهم، ويرزقهم، ويسوق إليهم الخير، ويعصمهم من الشر من حيث لا يحتسبون، اللطيف الذي لا تدركه الأبصار. وهو المبين: الذي لا ريب في وجوده، الذي لا يخفى على خلقه، الذي أوضح لخلقه سبل النجاة في الدنيا والآخرة. وهو المتين: القوي الذي له القوة التامة، الذي لا تنقطع قوته، والذي لا يقف لقوته أحد، الذي نفذت مشيئته في جميع البريات والمخلوقات. وهو المجيب: الذي يجيب كل من دعاه، القريب من خلقه، يجيب من سأله، ويقبل عبادته، ويثيب عليها أجلّ الثواب. وهو المجيد: ذو المجد والكبرياء والعظمة، الذي له المجد كله؛ لعظمة وكمال أسمائه وصفاته، وكثرة خيره ودوامه، الذي تمجَّد بأفعاله، ومجَّده خلقه لعظمته وجلاله وجماله. وهو المحسن: الذي أحسن خَلْقه، وأحسن إلى كل مخلوق، وغمر بإحسانه وفضله جميع عباده.

وهو المحيط: الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وأحاط بجميع خلقه فلا يقدرون على فوته، الذي جميع المخلوقات في قبضته وتحت قهره لكمال علمه وقدرته. وهو المستعان: الغني القوي الذي لا يَطْلب العون من أحد، بل كل أحد يطلب عونه، والخلق كلهم فقراء إليه، ولا يمكن لأحد أن يقوم بعمل إلا بعونه. وهو المعطي: الذي عم بعطائه جميع خلقه، الكريم الذي يجود بكل خير، الذي يعطي الجزيل من غير سؤال، ويعطي على العمل القليل الثواب الكثير. وهو المانع: الذي امتنع بعظمته وجبروته وقدرته، فلا يقف له أحد، الذي منع الجبابرة من التسلط والظلم وقهرهم، ومنع بعض خلقه من تمام الرزق بحكمته وعلمه. وهو المقدِّم: الذي يقدِّم من يشاء، ويرفع من يشاء، ويقبل من يشاء، الحكيم الخبير الذي يُنْزِل الأشياء منازلها. وهو المؤخر: الذي يؤخر من يشاء، ويضع من يشاء، ويرد من يشاء؛ لأنه العليم الخبير الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه. وهو المقيت: الذي خلق الأقوات كلها، وأوصل إلى كل مخلوق ما يقتات به حسب علمه وحكمته، وهو القائم على جميع المخلوقات بالتدبير والتصريف، الحافظ لكل شيء، القائم على كل شيء. وهو المنان: الذي مَنَّ على جميع عباده بأنواع الإحسان والإنعام، الذي ابتدأ خلقه بالنوال قبل السؤال، الذي مَنَّ على رسله بالرسالة، وعلى عباده

بالهداية والنصر وجزيل النعم. وهو الناصر: الذي بيده النصر، الذي ينصر رسله والمؤمنين على أعدائهم؛ لأنه الناصر وحده، والنصر منه وحده. وهو النصير: الذي يملك النصر، الذي ينصر أولياءه، فلا يخذلهم ولا يُسْلِمهم لأعدائهم، الحليم الرحيم الذي ينصر عبده إذا انقطعت عنه الأسباب. وهو النور: الذي كل نور في العالم من نوره، الذي أنار قلوب المؤمنين بمعرفته، وأنار أبصارهم بنوره، فهو النور، وحجابه النور، وكتبه ورسله وشرعه نور. وهو الهادي: الذي يملك الهداية وحده، الذي هدى خلقه إلى معرفته، وهدى عباده إلى صراطه المستقيم، وهدى كل مخلوق إلى ما ينفعه، المبيِّن طريق الحق من الباطل. وهو الواحد: الذي تفرد بالكمال وحده لا شريك له، الذي لا يشاركه أحد في ذرة من ذرات ملكه العظيم. وهو الأحد: الذي لا شبيه له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، الأحد الذي لا شريك له في الخلق والأمر والعبادة. وهو الوارث: الحي الذي لا يموت، الباقي بعد فناء الخلق، الذي يسترد الخلق وما يملكون، والذي يرجع إليه كل شيء، فكل شيء لله، وهو إليه راجع. وهو الواسع: الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، الواسع الكريم الذي وسع رزقه جميع خلقه، ووسع علمه جميع ملكه، واسع الفضل والإحسان، واسع

الرحمة والمغفرة، الذي أحاط علمه بكل ذرة في ملكه، واسع العظمة والملك والسلطان. وهو الوتر: الفرد الذي لا شريك له ولا نظير، الأول الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، الواحد الأحد الذي لا شريك له. وهو الودود: الذي يتودد ويتقرب إلى عباده بصنوف النعم، وجميل الإحسان والعفو، المحب لمن أطاعه وأناب إليه، الذي يودّه عباده ويحبونه؛ لكماله وجلاله وجماله وإحسانه. وهو الوكيل: الذي تكفّل بأمور الخلائق كلها خلقاً وتدبيراً وحفظاً، الذي كل الأمور موكولة إليه، الذي توكل ببيان دينه وحفظ كتابه، والذي تكفل بأرزاق الخلائق كلها، وأوصل إلى كل مخلوق رزقه. وهو الولي: الذي يتولى خلقه بنعمه، فهو سيدهم وربهم وخالقهم ومالكهم ورازقهم، الذي يتولى عباده المؤمنين بعونه وتوفيقه، وحفظه ونصره، وإرشادهم إلى ما ينفعهم. وهو المولى: الذي تولى عباده بصنوف النعم، المحب الناصر لعباده المؤمنين، الذي تولاه عباده المؤمنين، فعبدوه لكمال كرمه وغناه، وكمال جلاله وجماله، فنعم المولى، ونعم النصير. وهو الوهاب: الذي يهب من يشاء من عباده النبوة والملك والسلطان والمال والولد، كثير المواهب والعطايا، الذي يهب خيره وبره وإحسانه على الدوام، ويقسمه بين خلقه حسب علمه وحكمته، ويهب الحسن والجمال لكل مخلوقاته.

2 - زيادة الإيمان

2 - زيادة الإيمان - أصول الإيمان: أصل الدين وأساسه هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وخزائنه، ووعده، ووعيده. فهذه سبعة أصول يقوم عليها الإيمان بالله، ويزيد ويثمر. وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذا الأصل العظيم. فإذا زاد الإيمان، زادت الأعمال الصالحة، وحسنت الأخلاق، وصلحت الأحوال، وحصل رضا الله، فأسعد عبده في الدنيا، وأدخله الجنة في الآخرة. وإذا ضعف الإيمان، نقصت الأعمال الصالحة، وفسدت الأخلاق، فساءت الأحوال، وحصل غضب الله، فشقي الإنسان في الدنيا، وأدخله الله النار في الآخرة. - زيادة الإيمان: حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لا بد من العلم بأمور: الأول: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خالق كل شيء. فالعرش شيء، والكرسي شيء، والجنة شيء، والنار شيء، والسماوات شيء والأرض شيء، والله خالق كل شيء. والشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، والهواء شيء، والسحاب شيء، والله وحده خالق كل شيء.

والنبات شيء، والحيوان شيء، والإنس شيء، والجن شيء، والملائكة شيء، والجبال شيء، والبحار شيء، والله خالق كل شيء. والدنيا شيء، والآخرة شيء، والله خالق كل شيء: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر: 62 - 63]. نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية، نظر اعتبار وتفكر، حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، ونعرف ربنا، ويزيد إيماننا، وقد أمرنا الله عز وجل بذلك: 1 - قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس:101]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد:24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124]. الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خلق المخلوقات كلها وخلق فيها الأثر. خلق الشمس وخلق فيها الأثر وهو النور .. وخلق الحيوان وخلق فيه الأثر وهو الحياة، وخلق النبات وخلق فيه الأثر وهو الثمر .. وخلق النار وخلق فيها الأثر وهو الإحراق. وخلق العين وخلق فيها الأثر وهو البصر .. وخلق الأذن وخلق فيها الأثر وهو السمع .. وخلق اللسان وخلق فيه الأثر وهو الكلام .. فكل مخلوق له من الله ثلاثة أوامر: أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر

بالنفع والضر، فالله وحده الذي يملك الخلق والأمر. قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يملك جميع المخلوقات، فلا يخرج منها ذرة عن ملكه وتدبيره. فالسماء والأرض بيده، والإنس والجن بيده، والملوك والأمراء بيده، والأقوياء والضعفاء بيده. فالله وحده هو الذي يتصرف في ملكه وخلقه، ويدبر الأمر كله في العالم العلوي والسفلي، حسب علمه وحكمته كيف شاء. فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والنار ولا تحرق، والبحر ولا يغرق، والشجرة ولا تثمر، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه العليم القدير الذي يتصرف في الخلق كيف شاء، الملك {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [المُلك: 1]. - معرفة الرب: كمال العبادة مبني على كمال الإيمان، وكمال الإيمان مبني على كمال معرفة الرب العظيم بأسمائه وصفاته. وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق الشيء. والواجب على العبد صفاء الفكر الذي ينقله من المخلوقات إلى الخالق، ومن الصور إلى المصور، ومن الدنيا إلى الآخرة.

وبهذا النظر والفكر والتدبر يصل إلى ربه الذي خلقه وصوره فيعبده وحده لا شريك له. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس:31 - 32]. الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له، فنسأله وحده، ولا نلتفت إلى غيره. فهو الملك الغني الكريم الرحيم، وخزائنه مملوءة لا تنقص أبداً. خزائن الطعام والشراب .. وخزائن الحبوب والثمار .. وخزائن الأموال والمعادن .. وخزائن المياه والبحار .. وخزائن الرياح والجبال .. وخزائن النبات والطير والحيوان. وخزائن الرحمة والهداية .. وخزائن السلامة والعافية، وخزائن الأمن والتوفيق .. وخزائن العلم والإيمان، وخزائن الأخلاق والتقوى .. وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله. فكل ما نحتاجه .. وكل ما نريد .. نطلبه من الله .. ونسأله إياه .. فهو سبحانه الكريم الصمد، قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، وخير المسؤولين، وأجزل المعطين، وأكرم الأكرمين. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21].

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. فمعرفة هذا كله يؤثر في القلب، ويزيد فيه الإيمان، ويحرك الجوارح لطاعة الملك القدوس السلام. وكلما تكرر على القلب ازداد نوره، ونبتت فيه شعب الإيمان، فأقبل على طاعة ربه، وابتعد عن معاصيه. هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال فلا بد من العلم بما يلي: 1 - أن نعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده لا شريك له. فخالق الليل والنهار هو الله .. وخالق النور والظلام هو الله .. وخالق الحياة والموت هو الله .. وخالق الأمن والخوف هو الله .. وخالق الصحة والمرض هو الله .. وخالق الغنى والفقر هو الله .. وخالق الفرح والحزن هو الله .. وخالق الضحك والبكاء هو الله .. وخالق الهداية والضلالة هو الله .. وخالق السعادة والشقاوة هو الله. فهذه الأحوال وغيرها خلقها الله وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} [يونس: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)} [النجم:43 - 48]. 2 - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يدبر الأمر، ويصرِّف جميع هذه الأحوال حسب حكمته وعلمه.

فلا يتبدل فقر الإنسان بالغنى إلا بأمر الله .. ولا يتبدل المرض بالصحة إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الضحك بالبكاء إلا بأمر الله .. ولا تتغير العزة بالذلة إلا بأمر الله .. ولا تتغير الضلالة بالهداية إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الكفر بالإيمان إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الخوف بالأمن إلا بأمر الله، ولا يتبدل الحر بالبرد إلا بأمر الله .. وهكذا .. فتأتي الأحوال كلها بأمر الله سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتزول بأمره. فإذا عرف القلب ذلك، طلب تغيير الأحوال ممن خلقها وملكها وهو الله وحده لا شريك له، فعبد ربه وحده بما شرعه رسوله. 1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} ... [آل عمران:26]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (154)} [آل عمران: 154]. 3 - أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له فالله هو الغني الحميد، فعلينا أن نسأله ونطلب منه أن يعطينا ما ينفعنا، ويمنع عنا ما يضرنا؛ لأنه الملك الكريم القادر، وخزائنه لا تنقص أبداً، الرب الصمد الذي صمد لجميع حوائج الخلق، وهو أكرم الأكرمين، فلندعوه ونسأله. عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي!

كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (¬1). - فقه العلم بقدرة الله: الله جل جلاله هو الرب الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، العليم بكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم، وخلق التراب والنبات والحيوان والإنسان، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويدبر الأمر، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم هو الملك، وكل ما سواه مملوك له. وهو الغني، وكل ما سواه فقير إليه. وهو القادر، وكل ما سواه عاجز. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577).

فالله وحده هو القادر على كل شيء، وقدرة الله مطلقة. يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لأنه الملك الذي يملك كل شيء، ولا يعجزه شيء. أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب، كما جعل الماء سبباً للإنبات، والتقاء الذكر بالأنثى سبباً للإنجاب، والنار سبباً للإحراق. ونحن في دار الأسباب، فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله. وأحياناً الله يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر. وأحياناً الله يستعمل قدرته بضد الأسباب، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وكما نجى موسى - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه، وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نصر موسى - صلى الله عليه وسلم - بأسباب الذلة، وخذل فرعون بأسباب العزة. وكما نجّى يونس - صلى الله عليه وسلم - في ظلمة بطن الحوت والبحر، وإذا عرف القلب أن الله على كل شيء قدير، وأن كل ما سواه عاجز فقير، وأنه الملك الذي يملك كل شيء، آمن به، وعظمه وكبره، وحمده وشكره، ودعاه وسأله. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر:62 - 63]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس:82]. 3 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ

لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12]. - فقه معرفة علم الله: الله تبارك وتعالى هو وحده العليم بكل شيء. يعلم عدد الذرات والنجوم، وعدد الأرواح والملائكة، وعدد الطير والحيوان، وعدد الإنس والجن. ويعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وكل ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار. لا تواري منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، ولا صدر ما في قلبه. ويعلم سبحانه وحده ما يقع في كل لحظة من النيات، والأقوال والأعمال، والحركات والسكنات، والتصرفات، والآثار، والكلمات والأنفاس. ويعلم جل جلاله كل شيء. القريب والبعيد .. والظاهر والباطن .. والقليل والكثير .. والكبير والصغير .. والمؤمن والكافر .. والصادق والكاذب، والبر والفاجر .. والسر والجهر .. والغيب والشهادة. والله جل جلاله أحاط علمه بكل شيء، أحاط علمه بالبشر وحركاتهم .. فهم في قبضته وتحت تصرفه. لا ينامون ولا يقومون إلا بإذنه .. ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه .. ولا يطيعون ولا يعصون إلا بعلمه .. وعليهم ملائكة يحصون ما عملوه من خير أو شر.

فالله سبحانه هو العليم بكل شيء، وكل علم في العالم من علمه، وسع علمه جميع خلقه، فلا يفلت عن علم الله شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه، ولا ستر الشرك والنفاق عنه. فكل شيء معلوم لعلام الغيوب. وإذا تغذى القلب بهذا العلم، وهذه المعرفة، أناب إلى ربه، وخضع له، ووقف ببابه، واستحيا منه، وعبده وأطاعه. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران:29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} [لقمان:16]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 4 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)} [إبراهيم:38]. - فقه العلم برحمة الله: الله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء خَلَقه في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة. ورحمة الله تتجلى على الخلائق عامة، وعلى البشر خاصة، تتجلى ابتداءً في وجود البشر أنفسهم .. وفي تكريم بني آدم على العالمين .. وفي تسخير ما في

هذا الكون العظيم من النعم والأرزاق لهم .. وفي هداية الإنسان للإيمان الذي يسعد به في دنياه وأخراه .. وفي تعليم الإنسان ما لم يعلم .. وموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى كلما نسي أو ضل. وتتجلى في مجازاة العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها .. إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وتتجلى في محو السيئة بالحسنة .. وفي تبديل سيئات من تاب حسنات .. وفي تجاوز الله عن السيئات التي عملها العبد بجهالة ثم تاب .. وفي ملء سماواته بالملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض. وتتجلى كذلك في أن ربنا كتب على نفسه الرحمة، فهي على الخلق عامة، وعلى بني آدم خاصة، وعلى المؤمنين بشكل أخص. وتتجلى كذلك في إكرام المؤمنين بدخول الجنة، ووقايتهم من النار. وإذا عرف القلب هذه العناية العظيمة من الرب بالإنسان، وعرف إحسان المولى الكريم، وعلم مقدار رحمة أرحم الراحمين، وأدرك هذا التحنن والتحبب، والعطف والتلطف، من المولى لعباده، عرف عظمة رحمة رب العالمين. فآمن بربه .. وأقبل على عبادته، وسارع إلى طاعته، واستحى من معصيته، لمعرفته بكمال علمه وعظمته وجزيل نعمه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [النحل:78].

3 - وقال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} [الأنعام: 54]. 4 - وقال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)} [فاطر:2]. - فقه العلم بعظمة الله: الله تبارك وتعالى وحده هو العلي العظيم. العظيم في ذاته .. العظيم في أسمائه وصفاته .. العظيم في خلقه وأمره .. العظيم في دينه وشرعه .. العظيم في ملكه وسلطانه .. العظيم في عدله وإحسانه .. العظيم في ثوابه وعقابه .. هو العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، القوي الذي لا أقوى منه، العليم الذي لا أعلم منه، الرحمن الذي لا أرحم منه، الغني الذي لا أغنى منه، الهادي الذي لا أهدى منه، اللطيف الذي لا ألطف منه، القدير الذي لا أقدر منه. هو الأول فليس قبله شيء .. وهو الآخر فليس بعده شيء .. وهو الظاهر فليس فوقه شيء .. وهو الباطن فليس دونه شيء. وهو عالم الغيب والشهادة، وعالم السر والجهر، الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، ولا يعزب عنه مثقال ذرة. وهو الخالق العظيم الذي خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض، وخلق الدنيا والآخرة. خلق أعظم شيء وهو العرش .. وخلق أصغر شيء وهو الذرة .. وخلق كافة المخلوقات بينها، لتدل على عظمته وكمال قدرته.

وإذا أخذنا خلقاً واحداً من أضعف المخلوقات وأصغرها وهو الذرة، وجدنا أن الخالق العظيم ملأ به الكون كله. فذرات الغرفة كالذرة بالنسبة لذرات البيت .. وذرات البيت كالذرة بالنسبة لذرات المدينة ... وذرات المدينة كالذرة بالنسبة لذرات الدولة .. وذرات الدولة كالذرة بالنسبة لذرات القارة .. وذرات القارة كالذرة بالنسبة لباقي الأرض. وذرات الأرض كلها كالذرة بالنسبة لذرات الجو .. وذرات الجو كالذرة بالنسبة لذرات السماوات السبع. وذرات السماوات والأرض كالذرة بالنسبة لذرات الجنة والنار .. وذرات الدنيا والآخرة كالذرة بالنسبة لذرات الكرسي .. وذرات الكرسي كالذرة بالنسبة لذرات العرش العظيم .. وكل ذرة من هذه الذرات التي لا يحصيها إلا الله لها من ربها. أمر بالإيجاد .. وأمر بالبقاء .. وأمر بالحركة والسكون .. وأمر بالصعود والهبوط .. وأمر بالنفع والضر. وهذه الذرات كلها الله يعلمها ويعلم مكانها ويراها، ولا يخفى عليه منها ذرة واحدة في جميع ملكه العظيم. فهذه عظمة الله وقدرته في خلق واحد من أضعف المخلوقات وهو الذرة، فكيف بعظيم الكائنات الأخرى كالسماوات والأرض، والجبال والبحار .. والحيوان والنبات، والشمس والقمر، والنجوم والملائكة .. والكرسي والعرش.

وكم تكون عظمة العظيم العزيز الجبار المتكبر الذي خلقها وصورها. فما أعظم ملكه .. وما أعظم خلقه .. وما أعظم أمره .. وما أوسع علمه .. وما أعظم قدرته، وما أوسع رحمته .. وما ألطف تدبيره .. وما أحسن خلقه. وإذا عرف القلب عظمة الله وجلاله، آمن به، وخشع له، وأناب إليه، وأحبه، وعبده، وأطاعه. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة:255]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:22 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر:67]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس:61]. 5 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ

فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. - محركات القلوب إلى الله: الخلائق كلها مفتقرة إلى الله في خلقها وبقائها وأعمالها. فهو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن، وهو الذي يرزق العباد، ويجيب المضطر، ويفرج الكربات، ويكشف السوء، ويرحم خلقه. العزيز الكريم الذي لا تسكن الأرواح إلا بحبه، ولا تطمئن القلوب إلا بذكره، ولا تزكوا العقول إلا بمعرفته، ولا يحصل شيء إلا بإذنه، ولا يُدْرَك محبوب إلا بتيسيره، ولا تُنال سعادة إلا بطاعته. ومحركات القلوب إلى الله ثلاثة: المحبة .. والخوف .. والرجاء. فالمحبة لله تلقي العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر قوتها وضعفها يكون سيره إليه. والخوف من الله يمنعه من الخروج عن طريق المحبوب، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى الله. والرجاء يقوده إلى لزوم طريق محبوبه، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى الله. فهذه أصول محركات القبول إلى الله، وأقواها المحبة .. وأصل ذلك كله العلم بالله وأسمائه وصفاته. فمن لم يكن عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه ومولاه، فعليه بكثرة ذكر الله؛ لأن كثرة ذكره تُعلِّق القلب به، ومطالعة آلائه ونعمائه وإحسانه.

وكذلك الخوف من الله تحركه معرفة عظمة الله وجلاله، وكبريائه وقوته، ومطالعة آيات الوعيد، وأهوال يوم القيامة. وكذلك الرجاء يحركه معرفة سعة حلم الله وعفوه وكرمه ورحمته، ومطالعة آيات الوعد بالخير والجنة. وإذا تحركت القلوب إلى الله اعتصمت به، وتوكلت عليه، وأحبته، وأطاعته، وعبدته. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:42]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة:21 - 22].

3 - تفاضل أهل الإيمان

3 - تفاضل أهل الإيمان - أقسام أهل الإيمان: أهل الإيمان ثلاثة أقسام: الأول: الملائكة، وهؤلاء إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص، فهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهم درجات. الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء إيمانهم يزيد ولا ينقص، لكمال معرفتهم بالله، وهم درجات. الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء إيمانهم يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهم درجات. - درجات الإيمان: الإيمان له بداية، وليس له نهاية، وهو متفاوت بحسب العلم باللهِ وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بخزائنه ووعده ووعيده، والعلم بملائكته وكتبه ورسله، والعلم بقضائه وقدره، والعلم بدينه وشرعه، وثوابه وعقابه. ومثقال ذرة من إيمان يحصل بها المسلم على السعادة في الدنيا، وعشر جنان في الآخرة، فهذا أدنى أهل الجنة. وأعلاهم من يحصل على نعيم لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر. فأول درجات الإيمان تقود المسلم لعبادة ربه وطاعته وحمده.

ولحسن المعاملة مع من فوقه أو مثله من الناس، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لغيره. ولحسن المعاشرة مع من دونه، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لمن دونه، كالرجل مع أهله، والحاكم مع رعيته. وهكذا .. كلما زاد الإيمان، زادت الطاعات، وقلّت المعاصي، وصار العبد يؤدي حق الله وحقوق عباده. وكلما زاد اليقين زاد العمل الصالح، وتنوع، واستمر، وصار صاحبه حسن الخلق مع الخالق ومع المخلوق. فهذا بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء:69 - 70]. 2 - وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. - أعلى أهل الإيمان: إيمان الملائكة ثابت لا يزيد ولا ينقص. وأما البشر فهم درجات متفاوتة. فإيمان الأنبياء والرسل أعلى من غيرهم، وإيمان الصحابة أعلى من إيمان غيرهم، وإيمان الصالحين المتقين ليس كإيمان الفاسقين.

وهذا التفاوت العظيم بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته. وأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له. ولهذا كانت الأنبياء والرسل أعظم الناس حباً لله، وتعظيماً له، وإيماناً به، وعبادة له. ومحبة الله لذاته وإحسانه وجماله وجلاله أصل العبادة. وكلما قوي العلم بالله قوي الإيمان بالله، ثم قويت المحبة، وكلما قويت المحبة كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، والأنس بالله أكمل. قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (253)} [البقرة: 253]. - عمل المؤمن: الإنسان آلة العمل، وكل عبد سائر لا واقف. فإما إلى فوق وإما إلى أسفل .. وإما إلى أمام وإما إلى خلف .. وإما إلى يمين وإما إلى شمال. وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة. فكل عبد ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وصاعد ونازل، ومستقل ومستكثر. وليس في الطريق وقوف البتة، وإنما يتخالف الناس في جهة المسير، وفي السرعة والبطء. فمن لم يتقدم إلى الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى النار بالكفر والأعمال السيئة.

وشعب الإيمان تزيد الإيمان، والعبادات، والأخلاق، وشعب الكفر تزيد ضدها. 1 - قال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة:18 - 20]. 2 - وقال الله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} [المدَّثر:36 - 37].

4 - وعد الله على الإيمان

4 - وَعْد الله على الإيمان - وَعَد الله المؤمنين بخيرات كثيرة في الدنيا والآخرة. 1 - موعودات المؤمنين في الدنيا كثيرة منها: 1 - الفلاح كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون:1]. 2 - الهداية كما قال سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)} [الحج: 54]. 3 - العزة كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} ... [المنافقون: 8]. 4 - النصر كما قال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم:47]. 5 - الخلافة في الأرض كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور:55]. 6 - الدفاع عنهم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} [الحج:38]. 7 - الأمن كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام:82]. 8 - النجاة من المهالك كما قال سبحانه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)} [يونس:103].

9 - الرحمة الخاصة كما قال سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]. 10 - الحياة الطيبة كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل:97]. 11 - حصول البركات كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. 12 - المعية الخاصة كما قال سبحانه: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)} [الأنفال:19]. 13 - عدم تسلط الكفار عليهم كما قال سبحانه: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء:141]. 14 - الطمأنينة كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 15 - ولاية الله لهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة:257]. هذه بعض البركات والخيرات والصفات والكرامات التي يكرم الله بها عباده المؤمنين في الدنيا. 2 - أما موعودات المؤمنين في الآخرة فهي: دخول الجنة .. والخلود فيها .. ورؤية ربهم .. والقرب منه .. وسماع كلامه .. ورضوانه عليهم. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]. 4 - وقال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب:44]. - وجود الموعودات: ما وعد الله به المؤمنين في الدنيا ليس موجوداً كله، بل لا يكاد يوجد منه إلا القليل، وذلك لضعف الإيمان واليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، وضعف اليقين على الصفات والأعمال الصالحة. ولا سبيل للحصول على تلك الموعودات إلا بتقوية الإيمان الموجود بالإيمان المطلوب، ولزوم الأعمال الصالحة والتقوى، فإذا جاء التوحيد والإيمان واليقين جاءت الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة:208]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} [البقرة:137].

2 - الإيمان بالملائكة

2 - الإيمان بالملائكة الإيمان بالملائكة: هو التصديق الجازم بأن لله ملائكة موجودين. نؤمن بمن سمى الله منهم كجبريل - صلى الله عليه وسلم - وغيره، ومن لم نعلم اسمه منهم نؤمن بهم إجمالاً، ونؤمن بما علَّمنا الله ورسوله من صفاتهم وأعمالهم. - حكم الإيمان بالملائكة: الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة. 1 - قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. - عدد الملائكة: الله عز وجل وحده هو الذي يعلم من خلق، وعدد من خلق، والملائكة خلق عظيم، وعددهم كثير لا يحصيهم إلا الذي خلقهم. منهم حملة العرش .. والذين يطوفون حول العرش .. وكل سماء مملوءة بالملائكة .. بل ليس فيها موضع شبر إلا وفيه ملك يعبد الله .. ومنهم خزنة الجنة .. ومنهم خزنة النار .. ومنهم الحفظة والكتبة .. وغيرهم كثير لا يعلمهم ولا يحصيهم إلا الله وحده ..

يصلي منهم كل يوم في البيت المعمور فوق السماء السابعة سبعون ألف ملك، ولكثرتهم يصلون فيه مرة واحدة، ثم يأتي غيرهم. ففي قصة المعراج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى السماء السابعة قال: «فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (¬1). - أسماء الملائكة: الملائكة خلق كثير لا يحصيهم إلا الله. منهم من أعلمنا الله باسمه وعمله .. ومنهم من نعلم عمله دون اسمه .. ومنهم من لا نعلم اسمه ولا عمله. 1 - الملائكة الذين أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم منهم: 1 - جبريل: وهو الموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل ونصرتهم. 2 - ميكائيل: وهو الموكل بالماء والنبات. 3 - إسرافيل: وهو الموكل بالنفخ في الصور. وهؤلاء من أعظم الملائكة، وهم موكلون بأسباب الحياة. فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب. وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض. وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد الموت. 4 - مالك: وهو الموكل بالنار. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162).

5 - رضوان: وهو الموكل بالجنة. 6 - منكر ونكير: وهما موكلان بسؤال كل ميت في قبره. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 98]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزُّخرُف: 77 - 78]. 3 - وَعَنْ عَائشَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَان إذا قَامَ مِنَ الليلِ قَال: «اللَّهُمَّ! رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَِحَدِهِمَا المُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ» أخرجه الترمذي (¬2). 2 - الملائكة الذين علَّمنا الله بأعمالهم دون أسمائهم منهم: جميع الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون. منهم حملة العرش .. وملك الموت، والموكلون بقبض الأرواح .. وخزنة الجنة والنار .. والموكلون بحفظ كل إنسان وعمله وكتابته .. ومنهم ملك الجبال .. ومنهم الموكلون بالأجنة في الأرحام الذين يكتبون رزقه وعمله ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (770). (¬2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1071)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1391).

وأجله وشقي أو سعيد. ومنهم الموكل بالإنسان دائماً، ومنهم ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، ومنهم ملائكة يتبعون مجالس الذكر. وغيرهم كثير مما لا يعلمه ولا يحصيه إلا الله الذي أحصى كل شيء عدداً. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر:7]. 2 - قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} [السجدة:11]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} [الانفطار:10 - 11]. 3 - الملائكة الذين لا نعلم أسماءهم ولا أعمالهم: وهؤلاء لا يعلمهم إلا عالم الغيب والشهادة: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدَّثر: 31]. - صفة خلق الملائكة: خلق الله الملائكة من نور، والملائكة عالم غيبي غير عالم الإنس والجن، عالم كله طهر ونقاء وصفاء، وهم كرام أتقياء، خلقهم الله على صور جميلة كريمة، وهم متفاوتون في الخلق والمقدار، ولهم مقامات متفاوتة معلومة. 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر:1]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا

إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} [يوسف: 31]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» أخرجه مسلم (¬1). - مراتب الملائكة: الملائكة على درجات متفاوتة في الخلق والمقدار والرتب .. 1 - فهم من حيث الطاعة لله: منحهم الله الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه، وهم مجبولون على الطاعة: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. 2 - وهم من حيث العمل: يعبدون الله، ويسبحون بحمده، كما قال عنهم: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19 - 20]. 3 - وهم من حيث الخلق: عباد مكرمون، عابدون لله، خلقهم الله من نور، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، وهم درجات متفاوتة في الخلق بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة، وبعضهم أكثر. 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر:1]. 2 - وَعَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2996). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174).

3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ». أخرجه أبو داود (¬1). 4 - وهم من حيث الرتبة: لهم مقامات مختلفة عند ربهم. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات:164 - 166]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير:19 - 21]. 3 - وقال الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)} [النساء:172]. - ما لا يوصف به الملائكة: 1 - الملائكة لا يوصفون بالذكورة والأنوثة. قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} [الزُّخرُف:19]. 2 - الملائكة لا يأكلون ولا يشربون. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)} [هود:69 - 70]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4727)، انظر السلسلة الصحيحة برقم (151).

3 - الملائكة لا يملون ولا يتعبون ولا ينامون. 1 - قال الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فُصِّلَت:38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19 - 20]. - منازل الملائكة: الملائكة في السماء، وينزلون إلى الأرض لتنفيذ مهمات أوكلت إليهم، ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر، ونصرة المؤمنين كما نزلوا في غزوة بدر لنصرة الرسول والمؤمنين. 1 - قال الله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} [الشورى:5]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فُصِّلَت:38]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم:64]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدْر:1 - 5]. 5 - وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: مَا تَعُدُّونَ أهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قال: «مِنْ أفْضَلِ المُسْلِمِينَ» أوْ كَلِمَةً

نَحْوَهَا، قال: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْراً مِنَ المَلائِكَةِ. أخرجه البخاري (¬1). - نصح الملائكة: الملائكة أنصح خلق الله وأنفعهم لبني آدم، وعلى أيديهم حصل للبشر كل سعادة وعلم وهدى. يستغفرون لهم .. ويثنون عليهم .. ويدعون الله لهم .. وينصرونهم على أعدائهم .. ويحرسونهم .. ويحركون بواعث الخير في نفوسهم .. وهم سفراء الله إلى أنبيائه ورسله. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر:7 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (11)} [الرعد: 10 - 11]. 3 - وقال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 193 - 195]. 4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وَقَرينهُ منَ المَلائكةِ». قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3992).

اللهِ! قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلا أنَّ اللهَ أعَانَنِي عَلَيْهِ فَأسْلَمَ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْرٍ» أخرجه مسلم (¬1). - عبادة الملائكة: الملائكة عباد مكرمون، وهم دائبون في عبادة الله عز وجل، وقد جبلهم الله على طاعته، وعلى عدم معصيته. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات:164 - 166]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء:19 - 20]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فُصِّلَت:38]. 4 - وقال الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)} [الأنبياء:26 - 29]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)} [الصافات:1 - 3]. 6 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} ... [الأحزاب:56]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2814).

7 - وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قِصَّةِ المعْراجِ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لما أَتى السَّماءَ السَّابعةَ قَال: «فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (¬1). - حياء الملائكة: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَجِعاً فِي بَيْتِي، كَاشِفاً عَنْ فَخِذَيْهِ، أوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أبُو بَكْرٍ، فَأذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَوَّى ثِيَابَهُ (قال مُحَمَّدٌ: وَلا أقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ، وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ! فَقَالَ: «ألا أسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ المَلائِكَةُ» أخرجه مسلم (¬2). - سرعة الملائكة: أعطى الله عز وجل ملائكته تمام القدرة والسرعة في تنفيذ أوامره الكونية، وأوامره الشرعية. 1 - قال الله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات:1 - 5]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)} ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2401).

[التكوير:19 - 20]. - صفوف الملائكة: الملائكة خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله، وقد كلفهم الله بتنفيذ أوامره في ملكه العظيم، وهم في اجتماعهم وعبادتهم يصفون صفوفاً منتظمة: 1 - قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر:22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات:164 - 166]. 3 - وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا لِي أرَاكُمْ رَافِعِي أيْدِيكُمْ كَأنَّهَا أذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ». قال ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حِلَقاً، فَقَالَ: «مَالِي أرَاكُمْ عِزِينَ؟». قال ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «ألا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟». فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قال: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» أخرجه مسلم (¬1). - كثرة الملائكة: الله جل جلاله ملأ السماوات السبع بالملائكة الذين يعبدونه، ويسبحون بحمده، ويقدسونه، وما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد لله. والملائكة الموكلون بالبشر لا يحصيهم إلا الله، فمع كل إنسان ملائكة لحفظه، وملكان لكتابة عمله، وقرين ملكي لهدايته وإرشاده. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (430).

والملائكة الذين يجرون جهنم فقط أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك. والذين يصلون ويحجون ويطوفون بالبيت المعمور يومياً سبعون ألف ملك، وغيرهم كثير مما لا يحصيه إلا الذي أحصى كل شيء عدداً. 1 - عَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ، سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ المِعْرَاجِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أَتى السَّماءَ السَّابِعَةَ قَالَ: «رُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ حَكيم بنِ حزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ يَا رَسُولَ الله، ِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ إمَّا سَاجِدٌ وَإِمَّا قَائِمٌ» أخرجه الطحاوي وأبو نعيم (¬3). - وظيفة الكرام الكاتبين: خلق الله الملائكة الكرام الكاتبين، وجعلهم علينا حافظين، يكتبون النيات والأقوال والأعمال، ومع كل إنسان ملكان، صاحب اليمين يكتب ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2842). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬3) صحيح/ أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار برقم (956)، وهذا لفظه، وأخرجه أبو نعيم في الحلية برقم (1306).

الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات. وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من أمامه، وواحد من خلفه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار:10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق:17 - 18]. 3 - وقال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)} [الرعد:11]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُولُ اللهُ: إِذَا أرَادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أرَادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» متفق عليه (¬1). - حياة الملائكة: خلق الله الملائكة لعبادته وطاعته وتنفيذ أوامره. وقد خلق الله عز وجل الملائكة قبل خلق آدم. والملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن عند النفخ في الصور. 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7501)، واللفظ له، ومسلم برقم (128).

شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزُّمَر:68]. 2 - وقال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)} [القصص: 88]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)} [الحِجر:28 - 31]. - رؤية الملائكة: الملائكة أجسام نورانية لطيفة. وقد حجبهم الله عن أبصار البشر فلا يرونهم، وحجب أبصارنا عن رؤيتهم. ولم ير الملائكة في صورهم الحقيقية من هذه الأمة إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما رأى جبريل مرتين. والبشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثل الملائكة في صورة بشر. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} [التكوير:23 - 24]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم:13 - 15]. 3 - وعَنْ مَسْرُوقٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ مُتَّكِئاً عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أبَا عَائِشَةَ! ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَبَّهُ فَقَدْ أعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ، قال

وَكُنْتُ مُتَّكِئاً فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أمَّ المُؤْمِنِينَ! أنْظِرِينِي وَلا تَعْجَلِينِي، ألَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} [التكوير: 23]. {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم: 13] فَقَالَتْ: أنَا أوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَألَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأيْتُهُ مُنْهَبِطاً مِنَ السَّمَاءِ، سَادّاً عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ» متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ عُمرَ بنِ الخَطابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرنِي عَنِ الإِسْلامِ. أخرجه مسلم (¬3). - عمل الملائكة مع البشر: للملائكة مع البشر ثلاثة أدوار: الأول: دور عام مع جميع البشر: وذلك بتشكيلهم للنطفة .. وحفظ الإنسان .. ومراقبته .. ونزع الروح ونحو ذلك مما كلفهم الله به. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4855)، ومسلم برقم (177)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174). (¬3) أخرجه مسلم برقم (8).

1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} [الأنعام:61 - 62]. 2 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَكَّلَ اللهُ بِالرَّحِمِ مَلَكاً، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا، قَالَ: أيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ، فَمَا الأجَلُ، فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» متفق عليه (¬1). الثاني: دور خاص مع المؤمنين، وأنواعه كثيرة منها: 1 - محبتهم المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا أحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ» متفق عليه (¬2). 2 - صلاتهم على المؤمنين: قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب:43]. 3 - تأمينهم على دعاء المؤمنين: 1 - عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْوَةُ المَرْءِ لأَخيهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6595)، واللفظ له، ومسلم برقم (2646). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3209)، واللفظ له، ومسلم برقم (2637).

بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمينْ، وَلَكَ بِمِثْلٍ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ».فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» أخرجه مسلم (¬2). 4 - دعاؤهم للمؤمنين: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر:7]. 5 - كتابتهم المسلمين الذين يحضرون الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَقَفَتِ المَلائِكَةُ عَلَى باب المَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشاً، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» متفق عليه (¬3). 6 - تعاقبهم على المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ العَصْرِ، ثُمَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2733). (¬2) أخرجه مسلم برقم (920). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (929)، واللفظ له، ومسلم برقم (850).

يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْألُهُمْ وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» متفق عليه (¬1). 7 - تأمينهم في الصلاة مع المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه (¬2). 8 - مقاتلتهم مع المؤمنين: قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال:12]. 9 - شهودهم مجالس العلم والذكر: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ للهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ. قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» متفق عليه (¬3). 10 - تبشيرهم المؤمنين بالخير: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَّ رَجُلاً زَارَ أخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أخْرَى، فَأرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أتَى عَلَيْهِ قال: أيْنَ تُرِيدُ؟ قال: أرِيدُ أخاً لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ، قال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأنَّ اللهَ قَدْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (555)، واللفظ له، ومسلم برقم (631). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (780)، واللفظ له، ومسلم برقم (410). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6408)، واللفظ له، ومسلم برقم (2689).

أحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ» أخرجه مسلم (¬1). 11 - حمايتهم مكة والمدينة من الدجال: 1 - عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» متفق عليه (¬2). 2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أنْقَابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ» متفق عليه (¬3). هذه بعض أعمال الملائكة مع المؤمنين. فعلينا أن نتولى جميع الملائكة بالحب والتوقير والإكرام، ونتجنب ما يسيء إليهم، وما يؤذيهم، من المعاصي والفواحش، والمحرمات والمنكرات، والروائح الكريهة، والصور والتماثيل، والأجراس والكلاب، والأقذار والأوساخ. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أكْلِ البَصَلِ وَالكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: «مَنْ أكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ المُنْتِنَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ الإنْسُ» متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أَبي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2567). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881)، ومسلم برقم (2943)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1880)، واللفظ له، ومسلم برقم (1379). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (855)، ومسلم برقم (564)، واللفظ له.

كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ» متفق عليه (¬1). الثالث: دور الملائكة مع الكفار والفساق: فالملائكة لا يحبون الكفار والظالمين والمجرمين والفساق، بل يعادونهم ويحاربونهم ويلعنونهم. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} [البقرة:161 - 162]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال:12]. 3 - وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أشَارَ إِلَى أخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أخَاهُ لأبِيهِ وَأمِّهِ» أخرجه مسلم (¬3). - فضل الملائكة والمؤمنين: 1 - الملائكة أفضل من المؤمنين باعتبار البداية: فالملائكة الآن في الرفيق الأعلى، مستغرقون في عبادة الله، ومنزهون عما يلابسه البشر من الغفلة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3322)، واللفظ له، ومسلم برقم (2106). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5194)، واللفظ له، ومسلم برقم (1436). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2616).

والمعاصي، وهذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر. 2 - والمؤمنون أفضل من الملائكة باعتبار كمال النهاية، إذا دخلوا الجنة .. وسكنوا الدرجات العلا ... وكانوا في قرب ربهم .. ورأوه في الجنة .. ورضي عنهم ... وقامت الملائكة في خدمتهم والسلام عليهم وإكرامهم. - عمل الملائكة في الآخرة: ينزل الله جل جلاله يوم القيامة لفصل القضاء، ويحمل عرشه العظيم ثمانية من الملائكة، وتجيء الملائكة صفاً صفاً، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار. 1 - قال الله تعال: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر:21 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة:17]. 3 - وقال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد:23 - 24]. 4 - وقال الله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} [المدَّثر:30 - 31].

5 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم:6]. - فقه الإيمان بالملائكة: الملائكة متفاوتون في الخلق .. متفاوتون في الصفات ... متفاوتون في الأعمال ... متفاوتون في الرتب، جعلهم الله رسلاً في تدبير أوامره الكونية والقدرية. وجعلهم الله رسلاً بينه وبين خلقه في تبليغ أوامره الدينية لرسله وأنبيائه. والعلم بعظمة خلق الملائكة، وعظمة قدرتهم وقوتهم وكثرتهم، تزيد الإيمان في القلب، وتطلعه على كمال عظمة الرب، وكمال قدرته، ورحمته لعباده، وتولِّد في القلب المحبة والخوف والرجاء لرب العالمين. فالملائكة خَلْق عظيم، منحهم الله من القوة والقدرة ما يستطيعون به تنفيذ أوامر ربهم في أسرع وقت، فقوة جميع الخلائق كلها لا تساوي قوة ملك واحد، فكيف بقوة جميع الملائكة، فكيف بقوة العزيز الجبار الذي خلقهم؟ فإسرافيل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة، وكله الله بالنفخ في الصور، والصور قرن كالبوق، بنفخة واحدة منه يصعق جميع من في السماوات والأرض إلا من شاء الله. ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فإذا الخلائق كلهم قيام ينظرون كما قال سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزُّمَر:68]. فهاتان نفختان من إسرافيل بالأولى مات من في العالم، وبالثانية دبت الحياة

في جميع من في العالم. فماذا يملك إسرافيل من النفخات ... ؟ وإذا كانت هذه قوة نفخته فكم تكون قوة جسده .. ؟ وكم تكون قوة من خلقه وأمره جل جلاله .. ؟ فسبحان العزيز الجبار المتكبر، الذي قهر جميع الخلائق، وخلق القوة في كل قوي: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)} [هود: 66]. وجبريل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة، وكَّله الله بالوحي إلى الأنبياء ونصرتهم، خلق الله له ستمائة جناح، جناح واحد منها لما نشره سد الأفق. وبطرف جناحه قلع خمس قرى من قرى قوم لوط بما فيها من المخلوقات والجبال، ثم رفعها إلى السماء، ثم قلبها عليهم بأمر الله عز وجل. وإذا كانت هذه قوة طرف جناحه فكم تكون قوة كامل جناحه .. ؟ وكم تكون قوة جميع أجنحته الستمائة التي خلقها الله له .. ؟ وإذا كانت هذه قوة أجنحته فكم تكون قوة جسده .. ؟ وكم تكون قوة خالقه العزيز الجبار جل جلاله ... ؟ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (¬1). وميكائيل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة، وكله الله بالقطر والنبات. فكم من المياه يكيلها ويفرقها في العالم بأمر الله ... ؟ وكم من الأرزاق والحبوب التي يكيلها للخلائق كلها بأمر الله .. ؟ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174).

فسبحان الخلاق القادر الذي أعطاه القدرة على معرفتها وقسمتها وتوزيعها في العالم. وإذا كان ميكائيل يأخذ كل لحظة من خزائن الله، فكم تكون سعة هذه الخزائن التي يأخذ منها .. ؟ وكم تكون قدرة وعظمة الغني الذي خلقها وتكرم بها على خلقه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21]. 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً

فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (¬1). وأحد حملة العرش خلقه الله ما بين شحمة أذنه ومنكبه مسيرة سبعمائة عام. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود (¬2). وإذا كانت المسافة من الأذن إلى العاتق سبعمائة سنة، فكم تكون المسافة من رأسه إلى رجليه .. ؟ وكم تكون قوة هذا الملك الذي يحمل العرش، الذي السموات والأرض بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في أرض فلاة .. ؟ وكم عظمة العرش الذي هذا الملك العظيم أحد حملته ... ؟ وكم تكون عظمة وقوة وكبرياء الذي خلق العرش، وخلق حملته، وخلق جميع ما في الكون .. ؟ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر:67]. وملك الموت يقسم المنايا بين الخلق بأمر الله، فلا يفر من الموت أحد، ولا يموت أحد قبل أجله، ثم إلى ربهم يحشرون. فكم يقبض ملك الموت من الأرواح في كل لحظة، وفي كل مكان، ومن كل جنس ... ؟ قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} [السجدة:11]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4727)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (151).

والملائكة الكرام الكاتبين كم يكتبون من الأقوال والأفعال، والحركات والخطوات، والحسنات والسيئات .. والأنفاس والكلمات. قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق:18]. وكم ملائكة السماء ... وكم ملائكة الأرض .. وكم ملائكة الجنة. .. وكم ملائكة النار ... وكم ملائكة الجبال والبحار والنبات والرياح. فكل حركة في العالم العلوي والسفلي فسببها الملائكة الذين ينفذون أوامر الله في ملكه العظيم، ويقسمون أوامر الله في خلقه: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} [الأنبياء:27 - 28]. فعلينا أن نؤمن بوجود هؤلاء الملائكة الكرام، الذين يكتبون كل شيء، ويدافعون عن المؤمنين، ويحفظون الإنسان، ويدعون له ويطيعون الله، وينفذون أوامره في ملكه. وعلينا أن نُجِلّهم، ونوقرهم، ونكرمهم، ونستحي منهم، ولا نؤذيهم بقول أو فعل أو معصية. وعلينا محبة الملائكة لما يقومون به من عبادة الله تعالى، والدعاء والاستغفار للمؤمنين. وعلينا حمد الله وشكره على عنايته ببني آدم، حيث وكل بهم من الملائكة من يقوم بحفظهم ونصرتهم وقسمة أرزاقهم. وعلينا عبادة هذا الرب العظيم الذي: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء:44].

3 - الإيمان بالكتب

3 - الإيمان بالكتب - الإيمان بالكتب: هو التصديق الجازم بأن الله تعالى أنزل كتباً على أنبيائه ورسله هداية لعباده، وأنها من كلام الله حقيقة، وأن ما تضمنته حق لا ريب فيه. - عدد الكتب الإلهية: كتب الله عز وجل منها ما سمى الله في كتابه المبين، ومنها ما لا يعلم أسماءها وعددها إلا الله عز وجل. وقد بين الله في القرآن الكريم أنه أنزل الكتب الآتية: 1 - صحف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى:18 - 19]. 2 - التوراة: وهي الكتاب الذي أنزله الله على موسى - صلى الله عليه وسلم - لبني إسرائيل. قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44)} [المائدة: 44]. 3 - الزبور: وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)} [الإسراء:55]. 4 - الإنجيل: وهو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى - صلى الله عليه وسلم - لبني إسرائيل.

قال الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)} [المائدة:46]. 5 - القرآن: وهو الكتاب الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185)} [البقرة: 185]. - حكم الإيمان بالكتب الإلهية: الإيمان بالكتب أحد أركان الإيمان الستة. فيجب على المسلم الإيمان بالكتب والصحف التي أنزلها الله على رسله هداية لعباده، وهي شريعة الله ودينه في أوقاتها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 2 - وقال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} [البقرة:136]. - أقسام أوامر الله عز وجل: أوامر الله عز وجل نوعان: 1 - أوامر كونية قدرية: وقد وكل الله الملائكة بتنفيذها في ملكه العظيم على كافة مخلوقاته كما قال سبحانه:

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات:1 - 5]. 2 - أوامر الله الشرعية: وهي الكتب الإلهية التي أنزلها الله عز وجل على رسله، وهي تشتمل على الأوامر الشرعية التي تصلح بها أحوال العباد في الدنيا والآخرة، وتحصل بها هدايتهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)} [آل عمران:2 - 4]. - حاجة العباد إلى أوامر الله: جميع الخلائق محتاجون بل مضطرون إلى أوامر الله الكونية من الخلق والرزق، والتدبير والتصريف وغيرها. والناس محتاجون إلى أوامر الله الشرعية أعظم من حاجتهم للطعام والشراب والتنفس؛ لأنهم بفقدهم ذلك يموتون ويخسرون الدنيا، لكنهم بفقد الدين يخسرون الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. وأوامر الله الشرعية هي الدين الذي أنزله الله على رسله لهداية عباده، وتعريفهم بخالقهم ومعبودهم، وما يحب وما يكره من الأقوال والأعمال والأخلاق، وتبين ثواب من أطاعه، وعقوبة من عصاه. فلا بد للملك في ملكه العظيم من أوامر تصلح بها أحوال عباده، من حث وتحريض، ونهي وتحذير، وترغيب وترهيب. فمن أحسن أثيب ... ومن أساء عوقب. ولا بد للملك من سفراء بينه وبين خلقه، وهم الأنبياء والرسل الذين يربيهم،

وينزل عليهم الوحي، فيعملون به، ويستقيمون عليه، يبينون للناس ما نزل إليهم من أوامر وأحكام، ويبلغون دينه لخلقه، ويحكمون بين الناس بالعدل والإحسان، وينفذون أوامر الله في خلقه. ولا بد للملك من محكمة يحاسب فيها من أطاعه ومن عصاه، وهي يوم القيامة وبعد الحساب يكون الناس فريقين. فمن آمن وعمل صالحاً دخل الجنة ... ومن كفر بالله دخل النار. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:14]. - حكمة إنزال الكتب. الله عز وجل نظم الكون بسننه، وسيَّره بقدرته. فالنبات له سنن، والمياه لها سنن، والجبال لها سنن. وقد أكرم الله الإنسان حين أنزل عليه كتاباً يسير على هديه، ويعرِّفه بخالقه ورازقه وما يجب له. فإنّ عقل الإنسان قاصر محدود، لا يدرك تفاصيل المنافع والمضار، وتغلب عليه الشهوات، وتلعب به الأهواء، ولا يعلم ما في الغيب، ولا ما بعد الموت، ولا ما في اليوم الآخر. ولو وكلت البشرية إلى عقولها القاصرة لضلت وتناحرت وهلكت، ولكن

الله برحمته أرسل الرسل بالكتب لبيان ذلك كله. قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران:164]. - مقاصد الكتب السماوية: كتب الله عز وجل تجمع للعبد خيري الدنيا والآخرة. وكل كتاب من كتب الله عز وجل جاء بثلاثة أمور: الأول: تعريف الناس بربهم ليعبدوه وحده، ويجتنبوا عبادة ما سواه. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء:25]. الثاني: تعريفهم بالطريق الموصل إليه، وهو امتثال ما شرعه الله من الأوامر، واجتناب ما نهى الله عنه. قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام:153]. الثالث: تعريفهم بمالهم بعد القدوم عليه سبحانه، فللمؤمن الجنة، وللكافر النار. قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} ... [الروم:14 - 16].

- أنواع الشرائع الإلهية: الشرائع التي أنزل الله على عباده ثلاث: الأولى: شريعة العدل: وهي شريعة التوارة، شريعة الجلال والقهر، وفيها الحكم والقصاص بالعدل. الثانية: شريعة الفضل: وهي شريعة الإنجيل، شريعة الجمال والفضل والإحسان، وفيها الحث على مكارم الأخلاق من العفو والصفح والإحسان. الثالثة: شريعة العدل والإحسان، وهي شريعة القرآن، التي تذكر العدل وتوجبه، وتذكر الإحسان وتندب إليه، وتذكر الظلم وتحرمه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. وقد أرسل الله بالأولى موسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأرسل بالثانية عيسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأرسل بالأخيرة محمداً - صلى الله عليه وسلم -. فشريعة موسى - صلى الله عليه وسلم - جاءت بالجلال، وشريعة عيسى - صلى الله عليه وسلم - جاءت بالجمال، وشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - جاءت بالكمال الجامع للجلال والجمال، والعدل والإحسان ولهذا رضيها الله ديناً للبشرية إلى يوم القيامة كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3]. - منزلة الكتب. صحف إبراهيم فيها الأوامر بعبادة الله وحده، والشريعة التي يتقرب بها إليه. والقرآن والتوراة كتابان من عند الله، وكل منهما أصل مستقل، والذي فيهما

دين واحد فيه بيان صفات الله، والأمر بعبادته وحده، والشريعة التي يتقرب بها إليه، كلٌّ في وقته. والزبور فيه دعاء وثناء على الله، وأمر ونهي، وداود - صلى الله عليه وسلم - متبع لشريعة التوراة. وأما الإنجيل فعيسى - صلى الله عليه وسلم - متبع لشريعة التوراة، وأحل لبني إسرائيل بعض الذي حُرِّم عليهم. والقرآن الكريم أصل مستقل بنفسه، مهيمن على غيره، مشتمل على جميع ما في الكتب السابقة من المحاسن، وفيه زيادات وتشريعات لا توجد فيما قبله من الكتب، وهو ناسخ لجميع الكتب قبله. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (48)} [المائدة: 48]. وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52]. - موقف الناس من الكتب: ينقسم الناس بالنسبة للكتب الإلهية إلى أربعة أقسام: الأول: من آمن بها كلها، وهم المؤمنون الذين آمنوا بجميع الأنبياء والرسل، وبما أنزل إليهم. قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285].

الثاني: من كفر بها كلها، وهم جميع الكفار والمشركين. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. الثالث: من آمن ببعض الكتب، وكفر ببعضها، وهم اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم. قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} [البقرة:91]. وقد توعد الله هؤلاء بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} [البقرة:85]. الرابع: من آمن بها ظاهراً، وكفر بها باطناً، وهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، وعذابهم في أسفل النار. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء:145 - 146]. - حكم العمل بالكتب السابقة: 1 - نؤمن بأن الله عز وجل أنزل الكتب السابقة لهداية عباده وهي شريعته ودينه

في أوقاتها، ونصدق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف منها. 2 - نعمل بأحكامها ما لم ينسخ في شريعتنا ذلك الحكم. وجميع الكتب الإلهية السابقة كالتوارة والإنجيل والزبور وغيرها منسوخة بالقرآن كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (48)} [المائدة: 48]. 3 - ما في أيدي أهل الكتاب مما يسمى بالتوراة والإنجيل، أو العهد القديم والعهد الجديد، لا تصح نسبته كله إلى أنبياء الله ورسله، فقد كُتب بعدهم، ووقع فيه التحريف والتبديل، ومنها ما كتموه، ومنها ما افتروه. كقول اليهود عزير ابن الله .. وقول النصارى المسيح ابن الله .. وقول اليهود إن الله فقير .. وقولهم إن يد الله مغلولة .. واتهام الأنبياء بما لا يليق بمقامهم .. ووصف الخالق بما لا يليق بجلاله. فيجب رد ذلك كله، وعدم الإيمان إلا بما جاء في القرآن والسنة وتصديقه. 4 - إذا حدَّثَنا أهل الكتاب فلا نصدقهم ولا نكذبهم، ولكن نقول آمنا بالله وكتبه ورسله. فإن كان ما قالوه حقاً لم نكذبهم، وإن كان ما قالوه باطلاً لم نصدقهم، ونجادلهم بالتي هي أحسن إلا الظالم منهم، ومجادلتنا لهم مبنية على إيماننا بالله وكتبه ورسله، فلا نقدح في شيء من كتب الله المنزلة، ولا في أحد من رسله كما قال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ

وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)} [العنكبوت:46]. وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]» أخرجه البخاري (¬1). - حكم العمل بالقرآن الكريم: القرآن الكريم أعظم الكتب الإلهية، وأفضلها، وأحسنها، وأكملها، أنزله الله على خاتم رسله، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين، كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. فالقرآن العظيم أفضل الكتب .. نزل به أفضل الملائكة وهو جبريل .. على أفضل الخلق وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ... على أفضل أمة أخرجت للناس وهي هذه الأمة .. بأفضل الألسنة وأفصحها وهو اللسان العربي المبين .. بأفضل شريعة وأكملها وهي ما فيه من الأحكام والسنن والفضائل والآداب. فيجب على كل أحد الإيمان به، والعمل بأحكامه، والتأدب بآدابه كما قال سبحانه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)} [التغابن:8]. والقرآن كتاب الله وشرعه ومنهجه للبشرية إلى يوم القيامة. كما قال سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (4485).

وقد تكفل الله بحفظه فسلم من التحريف والتبديل، ومن الزيادة والنقصان كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحِجر:9]. ولا يقبل الله العمل بغيره بعد نزوله، لأنه ناسخ لما قبله، وجميع ما قبله من كتب الله شريعة في وقتها، ثم جاء القرآن ناسخاً لها. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 2 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» أخرجه مسلم (¬1). - فضل القرآن الكريم: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزُّمَر:23]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء:82]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} ... [الإسراء:9 - 10]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (153).

- فقه آيات القرآن الكريم: آيات القرآن فيها تبيان كل شيء، وهي إما خبر أو طلب. وأخبار القرآن نوعان: 1 - إما خبر عن الخالق وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، وهو الله عز وجل. 2 - وإما خبر عن المخلوق. إما في العالم العلوي كالعرش، والكرسي، والسماء، والملائكة، والنجوم ونحو ذلك. وإما في العالم السفلي كالأرض، والنبات، والحيوان، والإنسان، والجبال، والبحار ونحوها. وإما خبر عن الأنبياء والرسل وأتباعهم، وأعدائهم، وجزاء كل فريق ونحو ذلك. وإما خبر عن اليوم الآخر، والجنة والنار ونحو ذلك. والطلب في القرآن نوعان: 1 - إما أَمْر بعبادة الله وحده، وطاعة الله ورسوله، وفعل ما أمر الله به كالصلاة والزكاة، والعدل والإحسان، والدعوة والأمر بالمعروف ونحو ذلك. 2 - وإما نهي عن الشرك بالله، وتحذير مما حرم الله كالربا والفواحش ونحو ذلك مما نهى الله عنه كالظلم والمعاصي وسيء الأخلاق. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12].

2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. - قوة كلام الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} [الرعد:31]. 2 - وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الحشر:21]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} [الكهف:109]. 4 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} [الإسراء:88]. 5 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فُصِّلَت: 41 - 42]. - فقه الإيمان بالكتب: الكتب الإلهية هي كلام الله التي أنزلها رحمة بعباده. وكلمات الله نوعان: 1 - كلمات كونية: وهي التي كوَّن بها الكون وخلقه ودبره، وهي أمره النافذ في جميع ملكه في كل لحظة.

2 - كلمات شرعية: وهي كتبه المنزلة على رسله هداية لعباده. وكلمات الله جل جلاله فيها من العظمة والقوة والفصاحة ما لا يدركه عقل، ولا يخطر على قلب بشر، فالله عظيم، وأسماؤه وصفاته عظيمة، وكلامه عظيم، وعدد كلماته لا يمكن أن يحصيها أحد، وفوق ما يتصور كل أحد، فلو جمعنا أشجار الدنيا أقلاماً، وبحار الدنيا وسبعة أضعافها مداداً ما نفدت كلمات الله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)} [لقمان:27]. وقوة كلام الله عز وجل فوق ما يتصور كل أحد، فمن قوة كلام الله عز وجل أنه بحرفين من كلامه خلق هذا الكون العظيم، وفي كل لحظة يخلق ما لا يحصيه إلا هو من الخلائق في السماء والأرض: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس: 82 - 83]. وإذا كانت هذه قوة حرفين من كلامه (كن)، فكم تكون قوة كلماته التامات التي لو كانت سبعة أبحر مداداً لها لم تنفد .. ؟ وكم قوة كل كلمة منها .. ؟ وكلام الله تبارك وتعالى كله عظيم، وكله حسن، وكله نور، وكله مشتمل على كل خير. وفصاحة كلام الله وحسنه وجماله وجزالته تملك قلب كل أحد، ويعجز عنها كل أحد، بل قد عجز الثقلان عن أن يأتوا بسورة أو آية من أحسن كتبه وهو القرآن كما قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} [الإسراء:88]. فسبحان الملك العظيم القادر على كل شيء.

كم من الكلمات الكونية التي يخلق بها الخلائق كل لحظة ... ؟ وكم من الكلمات التي يأمر ويصرِّف بها الخلائق كل لحظة .. ؟ وكم من الكلمات التي يغير بها الأحوال كل لحظة من حياة وموت ... وغنى وفقر .. وعافية ومرض ... وأمن وخوف .. وحر وبرد .. وعزة وذلة؟ بكلمة واحدة يتغير كل شيء، ويزول كل شيء، ويحصل كل شيء: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر:50]. كم من الكتب الإلهية التي أنزلها الله رحمة بعباده .. ؟ وكم من الأوامر الشرعية التي شرعها لعباده .. ؟ وكم أرسل من الرسل بتلك الكتب .. ؟ فما أعظم هذا الرب العظيم الحليم الكريم العزيز الرحيم. وما أعظم أسماءه وصفاته وأفعاله. فهو أهل أن يُعظّم ... وأهل أن يُعبد .. وأهل أن يُحمد .. وأهل أن يُطاع. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102].

4 - الإيمان بالرسل

4 - الإيمان بالرسل 1 - الإيمان بالرسل - معنى الإيمان بالرسل: الإيمان بالرسل: هو التصديق الجازم بأن الله عز وجل بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعاً مرسلون صادقون. وقد بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به، منهم من أعلمنا الله باسمه، ومنهم من استأثر الله بعلمه. - الفرق بين الرسول والنبي: لفظ الرسول والنبي كلفظ الإسلام والإيمان، إذا اجتمعا فلكل واحد معنى، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر. فيطلق الرسول على النبي، ويطلق النبي على الرسول، فيكون معناهما واحداً، وهذا هو الغالب. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46].

وتارة يذكران معاً في آية واحدة، فيكون لكل واحد منهما معنى. كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} [الحج:52]. فالرسول: من أوحى الله إليه بشرع، وأمره بإبلاغه إلى من لا يعلمه، أو يعلمه ولكنه خالفه. والنبي: من أوحى الله إليه بشرع سابق ليعلِّمه من تركه، ويجدده. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. والذين ذكرهم الله في القرآن كلهم أنبياء ورسل. - بعث الأنبياء والرسل: لم تخل أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحي إليه بشريعة من قبله ليجددها، ويعلِّمها من حوله. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44)} [المائدة: 44]. - حكم الإيمان بالأنبياء والرسل: الإيمان بأنبياء الله ورسله أحد أركان الإيمان الستة. فيجب علينا الإيمان بجميع الأنبياء والرسل وتصديقهم، ومن كفر بواحد

منهم فقد كفر بهم جميعاً. ويجب علينا تصديق ما صح عنهم من أخبار، والاقتداء بهم في صدق الإيمان، وكمال التوحيد، وحسن الخلق، والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم، وهو سيدهم وخاتمهم الذي أرسله الله إلى الناس كافة محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. - حقوق الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل أفضل الخلق؛ لكمال إيمانهم .. وصدق يقينهم .. وحسن عبادتهم .. وحسن أخلاقهم .. وكمال معرفتهم بالله وأسمائه وصفاته وشرعه .. وإحسانهم إلى الخلق .. ورحمتهم للناس .. وصبرهم على دعوة الخلق إلى الدين .. وبذلهم كل ما يملكون في سبيل إعلاء كلمة الله، ليعبد الله وحده لا شريك له. فحقوقهم علينا: الإيمان بهم، وتصديقهم، ومحبتهم، والثناء عليهم من غير إطراء، وتوقيرهم، والصلاة والسلام عليهم عند ذكرهم، والاقتداء بهم في كمال التوحيد والإيمان، وحسن الخلق، والدعوة إلى الله، والاقتداء والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى

الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران:33 - 34]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157]. - حكمة بعث الأنبياء والرسل: بعث الله جميع الأنبياء والرسل لتحقيق ثلاثة مقاصد: الأول: دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل:36]. الثاني: بيان الطريق الموصل إلى الله وإلى رضاه. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. الثالث: بيان حال الناس بعد القدوم على ربهم يوم القيامة. قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ

أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} [الحج:49 - 51]. - عدد الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كثيرون. والذين ذكرهم الله في القرآن قسمان: الأول: مَنْ بَيَّن الله أسماءهم، وقص علينا أخبارهم، وهم خمسة وعشرون: آدم، ونوح، وإدريس، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وأيوب، واليسع، ويونس، ولوط، وإلياس، وزكريا، ويحيى، وذو الكفل، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد ذكر الله هؤلاء جميعاً في القرآن الكريم كما يلي: 1 - آدم - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} [طه:115]. 2 - ثمانية عشر ذكرهم الله بقوله سبحانه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام:83 - 87].

3 - إدريس - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)} [مريم:56]. 4 - هود - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)} [الشعراء:123 - 125]. 5 - صالح - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)} [الشعراء:141 - 143]. 6 - شعيب - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)} [الشعراء:176 - 178]. 7 - ذو الكفل - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} [ص:48]. 8 - محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40]. فهؤلاء خمسة وعشرون كلهم أنبياء ورسل. الثاني: من لم نعلم أسماءهم، ولم يقص الله علينا أخبارهم. وهؤلاء كثيرون لا يحصيهم ولا يعلمهم إلا الذي أرسلهم، فنؤمن بهم

إجمالاً؛ تصديقاً لخبر الله عنهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)} [غافر:78]. 2 - وقال الله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء:164 - 165]. - أولو العزم من الرسل: أولو العزم من الرسل خمسة وهم: نوح .. وإبراهيم .. وموسى .. وعيسى .. ومحمد .. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى:13]. وقد تميز هؤلاء بمواجهة عتاة البشرية: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام: 34]. - أفضل الأنبياء والرسل: أفضل البشر هم المؤمنون .. وأفضل المؤمنين الأنبياء والرسل .. وأفضل الأنبياء والرسل هم أولو العزم .. وأفضل أولي العزم سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

أعلم الخلق بالحق .. وأنصح الخلق للخلق .. وأفصح الخلق في البلاغ والبيان .. وأكملهم معرفة بالله وأسمائه وصفاته .. اجتمع في حقه: كمال العلم بالحق .. وكمال الإيمان به .. وكمال الإرادة له .. وكمال القدرة على بيانه .. وكمال العمل به .. وكمال الدعوة إليه ... وكمال الصبر عليه .. فصلوات الله وسلامه عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه (¬1). - أول الأنبياء والرسل: أول الرسل من ذرية آدم نوح - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163)} [النساء: 163]. 2 - وعن أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - في حديث الشفاعة ... وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهْلِ الأرْضِ» متفق عليه (¬2). - آخر الأنبياء والرسل: آخر الرسل إلى أهل الأرض محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712)، ومسلم برقم (194). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3340)، واللفظ له، ومسلم برقم (194).

- تربية الأنبياء والرسل: الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، اصطفى من البشر رسلاً وأنبياء، علَّمهم ورباهم، وأرسلهم إلى عباده بدينه. واشتملت تربيتهم ودعوتهم على أربعة أمور: تحصيل الإيمان .. وحفظ الإيمان .. والاستفادة من الإيمان ... ونشر الإيمان. فاجتهدوا لتحصيل الإيمان بالنظر والتفكر في آيات الله ومخلوقاته، والعبادة والتزكية، وكثرة ذكر الله، حتى جاء في قلوبهم اليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، وأنه خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له. وبذلوا من أجل الدين كل شيء، وصبروا على كل ذلك، فكمل الإيمان واليقين في قلوبهم. ثم اجتهدوا لحفظ الإيمان بلزوم العبادة، والبيئات الصالحة، والعمل الصالح، والإكثار من ذكر الله، ومواصلة الدعوة إلى الله، وبذل كل جهد في سبيل إعلاء كلمة الله. ثم اجتهدوا لقضاء حاجاتهم وحاجات الدين بالاستفادة من الإيمان، فيرون أن الله معهم حيثما كانوا، ويطلبون منه وحده كل شيء. كما أغرق الله الكفار بدعاء نوح - صلى الله عليه وسلم - .. وفتح البحر لموسى .. وفجر الحجر بالماء لموسى .. وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم .. وخرج الماء من بين أصابع محمد - صلى الله عليه وسلم - .. ونصره في غزوة بدر والأحزاب وحنين وغيرها.

وهكذا استفادوا من قدرة الله، ومن خزائن الله. ثم اجتهدوا على نشر هذا الإيمان، وهذا اليقين بين أقوامهم، ومن أُرسلوا إليه، ليعبدوا الله وحده لا شريك له. فالله ربى أنبياءه ورسله على هذا الإيمان، والأنبياء والرسل يربون أممهم على ذلك، فيزيد إيمانهم وإيمان أتباعهم، ويتحقق مراد الله من خلقه بعبادته وحده لا شريك له. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. - صفات الأنبياء والرسل: 1 - جميع الأنبياء والرسل رجال من البشر، اجتباهم الله واصطفاهم على سائر الناس، وفضّلهم بالنبوة والرسالة، وجمّلهم بأحسن الأخلاق. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل:43]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران:33]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - جميع الأنبياء والرسل أفضل الخلق إيماناً وعلماً، وعملاً وتعبداً، وأخلاقاً وتواضعاً، فقد وصف الله سيدهم وأفضلهم بالعبودية والرحمة في كتابه. 1 - قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1].

2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107]. 3 - جميع الأنبياء والرسل بشر مخلوقون. يأكلون .. ويشربون .. وينسون .. وينامون .. ويمرضون .. ويموتون. وهم كغيرهم من البشر لا يملكون شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من الأمر شيء. فلا يملكون النفع والضر لأحد إلا ما شاء الله، ولا يملكون شيئاً من خزائن الله جل جلاله، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه. لكنهم قدوة البشر في الإيمان، والطاعة، والعبادة، والعمل الصالح، والخلق الحسن. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف:188]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)} [الأنعام:50]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. 4 - الأنبياء والرسل أطهر البشر قلوباً، وأصدقهم إيماناً، وأقواهم عبادة، وأذكاهم عقولاً، وأحسنهم أخلاقاً، وأكملهم ديناً، وأقواهم صبراً، وأشدهم بأساً، وأعظمهم رحمة، وأكملهم أجساماً، وأحسنهم صورة، وأصدقهم حديثاً.

1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159]. 2 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح: 29]. - خصائص الأنبياء والرسل: خص الله الأنبياء والرسل بخصائص أهمها: 1 - أن الله اصطفاهم بالوحي والرسالة. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)} [الحج:75]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163)} [النساء: 163]. 2 - أنهم معصومون فيما يبلغونه للناس من الدين. قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم:1 - 5]. 3 - أنهم لا يورثون بعد موتهم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أنَّ أزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ألَيْسَ قَدْ

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» متفق عليه (¬1). 4 - أنها تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم. عَنْ أنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - في قصة الإسراء- وفيه: وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأنْبِيَاءُ تَنَامُ أعْيُنُهُمْ وَلا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. متفق عليه (¬2). 5 - أنهم يخيرون عند الموت بين الدنيا والآخرة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» متفق عليه (¬3). 6 - أنهم يقبرون حيث ماتوا. عَنْ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُقْبَرَ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ يَمُوتُ» أخرجه أحمد (¬4). 7 - أنهم أحياء في قبورهم يصلون. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ رَأيْتُنِي فِي الحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْألُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَألَتْنِي عَنْ أشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ لَمْ أثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قال: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا ¬

(¬1) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (6730) واللفظ له، ومسلم برقم (1757). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (3570) واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4586)، واللفظ له، ومسلم برقم (2444). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27).

إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) فَحَانَتِ الصَّلاةُ فَأمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأنِي بِالسَّلامِ» أخرجه مسلم (¬1). 8 - أن أزواجهم لا تنكح من بعدهم. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب: 53]. 9 - أن الله يرسل الأنبياء والرسل من الرجال لا من النساء. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل:43]. - إلى من بعث الله الأنبياء والرسل: بعث الله جميع الأنبياء والرسل السابقين إلى أقوامهم خاصة. وبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، والعالم أجمع. فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم، وأرسله الله رحمة للعالمين إلى يوم الدين. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد:7]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (172).

أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ:28]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107]. - الأصول التي دعا إليها الأنبياء والرسل: جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالتوحيد الخالص ... الذي لا ظل فيه للشرك في صورة من صوره، وأمروا الناس بعبادة الله وحده .. وأخبروا أممهم أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه .. ولا يملكون بسط الرزق لأحد .. ولا قبض الرزق عن أحد. وأنذروا قومهم الآخرة، ورغَّبوهم في الجنة .. وحذروهم من النار .. وأمروهم بطاعة الله .. ونهوهم عن معصية الله .. ودعوا إلى مكارم الأخلاق. فهذه الأصول التي دعا إليها كل رسول من رسل الله إلى عباده. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} [الأنعام:151]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36]. - حاجة البشرية إلى الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل هم مصابيح الدجى، وينابيع الهدى في هذه الأرض، فهُدى الله للبشر جاء بواسطتهم.

وما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا، وما أنزل الله الكتب إلا ليُحكم بها بين الناس، ليُعبد الله وحده، ويكون الدين كله لله. وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وإحسانه، فما كان الله ليخلق بني آدم، ويجمعهم في الأرض، ثم يتركهم سدى، ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث إليهم رسولاً يبين لهم ما يتقون، وينزل عليهم كتاباً به يرشدون. بل مَنَّ الله على البشرية كافة ببعثة الأنبياء والرسل إليهم كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران:164]. - حاجة الإنسان إلى الدين: خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وخلق فيه العين يبصر بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأصوات، والعقل يستفيد به من طاقات الأرض التي سخرها الله له، ويميز به بين البدائل الممكنة، وما كان الله ليدع هذا الإنسان وحده بدون منهج يعتمد عليه، ومبادئ يرجع إليها في أقواله وأفعاله، فالعقل لا يستقل بمعرفة ما ينفعه وما يضره، وتسيطر عليه رغباته وشهواته. وليس العقل موكلاً بصياغة نظام للحياة، فهذا مجال الدين والشريعة التي تأتي من الله بواسطة رسله، فيؤمن بها، ويتبع ما جاءت به. ومن ثم لا يكل الله الإنسان إلى العقل وحده، ولا إلى ما أودع في فطرته من معرفة ربه، ولجوئه إليه في الشدائد.

فهذه الفطرة قد تفسد بسبب الإغواء والتضليل والتزيين الذي يقوم به شياطين الإنس والجن. إنما يكل الله الناس إلى وحيه المنزل على رسله، الذي كله هدى ورحمة وشفاء، يكمل به فطرتهم، ويصحح به عقولهم، ويجلو به غاشية الظلام الذي أصابهم. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام:104]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} [النساء:170]. - ثمرات الإيمان بالأنبياء والرسل: معرفة الأنبياء والرسل، والإيمان بهم، له ثمرات: منها: معرفة كمال رحمة الله بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يأمرونهم بعبادة الله وحده، ويبينون لهم كيف يعبدونه. ومنها: حمد الله وشكره على هذه النعمة. ومنها: محبة الرسل، وتصديقهم، والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله آمنوا بالله، وقاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128]. 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (¬1). - فقه الإيمان بالأنبياء والرسل: أكرم الله آدم - صلى الله عليه وسلم - بكرامات: فخلقه سبحانه بيده ... ونفخ فيه من روحه .. وأسجد له ملائكته .. وأسكنه جنته .. وجعله خليفة في الأرض. وأكرم الله بني آدم بكرامات: ففطرهم على التوحيد، ووهبهم العقول والأسماع والأبصار، وجعل منهم الأنبياء والرسل، وأرسلهم إلى خلقه بالدين، واصطفى الله هؤلاء الأنبياء والرسل، وجعلهم أئمة الناس في الخير والهدى، وحسن العبادة، وحسن الخلق. والإيمان بالأنبياء والرسل ليس فقط اعتقاداً بالقلب، بل هو مع ذلك عمل إيجابي في تنفيذ جميع ما جاءوا به، وفيما وقفوا حياتهم كلها من أجله، وهو إبلاغ رسالة الله إلى عباده. فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ودينه وشرعه مقتضاه أن ينهض المؤمن لينصر ما آمن به، وليقيمه في الأرض، وليحققه في حياة الناس كافة. والشرائع السابقة أكملها الله بالإسلام، ورسول الله جاء ليكمل اللبنة الناقصة في البناء الإيماني، ليكمل البناء، ويكون صالحاً مفتوحاً لكل فرد من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15) واللفظ له، ومسلم برقم (44).

البشرية إلى يوم القيامة. فما أعظم فضل الرب على الناس .. وما أعظم رحمته بهم ... وما أعظم عنايته بهم .. وتودده إليهم. يرسل إليهم رسولاً بعد رسول، ويهديهم بكتاب بعد كتاب، حتى أكمل الله الدين، وبعث به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين. إن مصائر البشرية كلها في الدنيا والآخرة منوطة بالرسل، وبأتباعهم من بعدهم، وهي أمانة عظيمة ثقيلة جسيمة كبيرة، إنها أمانة إبلاغ رسالة الله إلى خلقه، والتي عليها مدار سعادتهم وشقاوتهم في الدنيا والآخرة. ولهذا قام بها الأنبياء والرسل على أكمل وجه، وبذلوا كل ما يملكون من أجل وصول الحق إلى الخلق، والله يعينهم ويحفظهم وينصرهم، لمحبته لعباده، ورحمته لهم، وشدة عنايته بهم. فكم أرسل الله من الأنبياء والرسل إلى البشرية .. ؟ وكم من رسالة حملوها إلى ذرية آدم .. ؟ وكم بذلوا من الأوقات والأموال والأنفس في سبيل إبلاغ دين الله إلى الناس .. ؟ وكم تركوا من الديار والأهل والأموال والشهوات من أجل أن يكون الدين كله لله ... ؟ وكم تعرضوا للسب والشتم والقتل وهم يبلغون رسالات الله .. ؟ وكم صبروا على الأذى والظلم، والافتراء والتكذيب، والاستهزاء والسخرية من أقوامهم .. ؟ وكم وقفوا بين يدي ربهم ركعاً وسجداً وبكيًّا .. ؟

وكم أحسنوا إلى الناس .. ؟ وكم رحموا من أهل الأرض؟ وكم من البشرية هداهم الله على أيديهم .. ؟ فنالوا رضوان ربهم .. وبلغوا رسالات الله .. وفازوا بأعلى الجنان. ثم مضى هؤلاء الأنبياء والرسل من أول الرسل نوح - صلى الله عليه وسلم -، إلى خاتمهم وسيدهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبقي هذا الواجب العظيم الثقيل على من بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين برسالته. ولا فكاك أبداً من هذه التبعة الثقيلة إلا بإبلاغ رسالة الله على ذات المنهج الذي بلَّغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدين للناس كافة. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 3 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3]. 4 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)} [يونس:108]. 5 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52].

2 - محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

2 - محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - نسبه - صلى الله عليه وسلم -: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأمه آمنة بنت وهب، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة. عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» أخرجه مسلم (¬1). - مولده - صلى الله عليه وسلم -: ولد محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين بمكة عام الفيل، الموافق عام 570م. ومات والده عبد الله وهو حمل في بطن أمه آمنة. ولما ولد - صلى الله عليه وسلم - كفله جده عبد المطلب، ولما مات جده كفله عمه أبو طالب. وماتت أمه آمنة وهو ابن ست سنين. - صفاته - صلى الله عليه وسلم -: صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى قسمين: الأول: الصفات البدنية. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2276).

كان - صلى الله عليه وسلم - متوسط القامة .. ليس بالطويل ولا بالقصير .. وليس بالجسيم ولا بالنحيف .. عريض الصدر .. ضخم اليدين والقدمين ... مبسوط الكفين لينهما، قليل لحم العقبين ... يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة ... وشعر رأسه يبلغ شحمة أذنيه .. أحسن الناس وجهاً ... أبيض اللون مزهراً ... مستدير الوجه مليحه .... واسع الفم ... رَجِل الشعر ... ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير ... سليم الحواس والأعضاء ... نظيف البدن .. حسن الهيئة والشكل ... طيب الرائحة. الثاني: الصفات الأخلاقية. كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، وكان خُلقه القرآن. فهو أشجع الناس ... وأكرم الناس ... وأرحم الناس .. وأعف الناس .. وأعلم الناس .. وأصدق الناس .. وأزهد الناس .. وأحلم الناس .. وأصبر الناس .. يضحك مع الناس .. ويبكي من خشية الله .. فصيح اللسان .. ثابت الجنان .. لين الجانب ... لطيف المعاملة .. حسن العشرة ... حسن الفهم ... قوي العقل ... صائب الرأي .. يعفو ويصفح عمن أساء ... رحيماً رفيقاً ... بعيداً عن الغلظة والقسوة .. جريئاً في قول الحق .. أميناً في أقواله وأعماله ومعاملاته .. إذا حدث صدق .. وإذا عاهد وفى ... قليل الكلام .. كثير الذكر والاستغفار والتوبة .. يؤثر غيره على نفسه ... ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر. أعظم الخلق إيماناً .. وأفضلهم خلقاً .. وأحسنهم عبادة .. وأصدقهم تقوى .. وأشجعهم نفساً .. وأرحمهم قلباً .. وأشدهم حياءً .. كان خلقه القرآن. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4].

2 - عَنْ سَعْد بنِ هِشَامٍ أَنه قَال لِعائِشةَ: يَا أُمَّ المُؤمِنين أنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ القُرْآنَ. أخرجه مسلم (¬1). - أسماؤه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِي خَمْسَةُ أسْمَاءٍ: أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَأنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأنَا العَاقِبُ» متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أسْمَاءً، فَقَالَ: «أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَالمُقَفِّي، وَالحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ» أخرجه مسلم (¬3). - بعثته - صلى الله عليه وسلم -: جاء جبريل - صلى الله عليه وسلم - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو في غار حراء، وأخبره أنه رسول الله إلى الناس كافة. وكان ذلك على رأس الأربعين من عمره. عَنْ عَائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلَى أهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (746). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3532) واللفظ له، ومسلم برقم (2354). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2355).

يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئٍ». قَالَ: «فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئٍ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}. فَرَجَعَ بِهَا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا واللهِ! مَا يُخْزِيكَ اللهُ أبَداً، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَءاً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأخْبَرَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعٌ، لَيْتَنِي أكُونُ حيّاً إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟». قَالَ: نَعَم، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وَإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3) واللفظ له، ومسلم برقم (160).

- دعوته - صلى الله عليه وسلم -: لما نزل الوحي بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى توحيد الله، والإيمان به وعبادته وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه. فلقي صنوفاً من الأذى، فصبر ودعا وجاهد حتى أظهر الله دينه. ولما هاجر إلى المدينة شرعت الأحكام، وبدأ الجهاد في سبيل الله وعز الإسلام، وكمل الدين، فنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - في حجته وهو واقف بعرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3]. - وفاته - صلى الله عليه وسلم -: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة يوم الإثنين من ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة، ولحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى بعدما بلّغ البلاغ المبين، ودل الأمة على كل خير، وحذرها من كل شر، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وصلى عليه المسلمون، ودفن في المكان الذي مات فيه في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فصلوات الله وسلامه عليه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزُّمَر:30]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران:144].

- خصائصه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه خاتم النبيين، وسيد المرسلين .. وإمام المتقين .. ورسالته عامة للثقلين .. أرسله الله رحمة للعالمين .. وأسرى به إلى بيت المقدس .. وعرج به إلى السماء .. وناداه الله بوصف النبوة والرسالة وغير ذلك مما سبق. 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40]. 2 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء:1]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67]. 5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) واللفظ له، ومسلم برقم (521).

2 - ومما خصه الله به دون أمته. الوصال في الصيام .. والزواج بلا مهر .. ونكاح أكثر من أربع نساء .. وعدم أكل الصدقة .. وأنه يسمع ما لا يسمع الناس .. ويرى ما لا يرى الناس كما رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها. - حقوقه - صلى الله عليه وسلم -: للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته حقوق كثيرة أهمها: 1 - الإيمان به، ومحبته، وطاعته، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7]. 2 - الصلاة والسلام عليه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب:56]. 3 - تعظيم ما جاء به، ولزومه، وعدم تجاوزه إلى غيره. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحُجُرات:1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115]. 4 - الاقتداء به في أقواله وأعماله وأخلاقه وسائر أحواله.

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. 5 - توقيره - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح:9]. 6 - عدم إيذاء أحد من أتباعه بغير حق. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب:58]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج:10]. - أزواجه - صلى الله عليه وسلم -: أمهات المؤمنين هن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وكلهن مسلمات، طيبات، طاهرات، نقيات، مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن، وهن إحدى عشرة امرأة: خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وسودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث. فهؤلاء أزواجه - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهن أجمعين، مات قبله منهن خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة. وتوفيت الباقيات بعده. وأفضل أزواجه خديجة، وأحبهن إليه عائشة -رضي الله عنهن أجمعين-.

- أولاده - صلى الله عليه وسلم -: 1 - الأبناء: ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أبناء، وهم: القاسم، وعبد الله، وهذان من زوجته خديجة رضي الله عنها. وإبراهيم من سُرِّيَّته مارية القبطية. وكلهم ماتوا صغاراً، القاسم وعبد الله في مكة، وإبراهيم في المدينة. 2 - البنات: رُزق النبي - صلى الله عليه وسلم - من زوجته خديجة أربع بنات وهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وكلهن تزوجن ومتن قبله إلا فاطمة فماتت بعده. وجميعهن مسلمات، طيبات، طاهرات، رضي الله عنهن أجمعين، وأكملهن فاطمة رضي الله عنها. - أصحابه - صلى الله عليه وسلم -: أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هم خير القرون، ولهم فضل عظيم على جميع الأمة. اختارهم الله عز وجل لصحبة رسوله، فآمنوا بالله ورسوله، ونصروا الله ورسوله، وهاجروا ونصروا من أجل إعلاء كلمة الله، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتى رضي الله عنهم ورضوا عنه، فرضي الله عنهم أجمعين، وأفضلهم المهاجرون، ثم الأنصار. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. 2 - عَنْ عَبْدِاللهِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ

الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أقْوَامٌ: تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» متفق عليه (¬1). - حق أصحابه - صلى الله عليه وسلم -: يجب على كل مسلم في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلي: محبتهم جميعاً بالقلب .. والثناء عليهم باللسان .. والترضي عنهم .. والاستغفار لهم .. والكف عما شجر بينهم .. وعدم سبهم ... فكلهم مجتهد من أصاب فله أجران .. ومن أخطأ فله أجر واحد .. وذلك لما لهم من المحاسن والفضائل وصدق الإيمان، وبذل المعروف والإحسان، ونصرة الله ورسوله بالطاعة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله .. والهجرة والنصرة ابتغاء مرضاة الله، وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله. فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأولئك هم المؤمنون حقاً. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. 2 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح: 29]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَباً، مَا أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، وَلا نَصِيفَهُ» متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2652)، واللفظ له، ومسلم برقم (2533). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2540)، واللفظ له.

5 - الإيمان باليوم الآخر

5 - الإيمان باليوم الآخر 1 - الإيمان باليوم الآخر - اليوم الآخر: هو يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الخلائق للحساب والجزاء. سمي بذلك لأنه لا يوم بعده. حيث يستقر أهل الجنة في الجنة أبداً .. ويستقر أهل النار في النار أبداً. - أسماء اليوم الآخر: كل ما عظم شأنه، كثرت أسماؤه، وتعددت صفاته. وهذه أشهر أسماء ذلك اليوم: 1 - يوم القيامة: سمي بذلك لما يقوم فيه من الأمور العظام، وقيام الناس لرب العالمين. قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء:87]. 2 - اليوم الآخر: سمي بذلك لأنه لا يوم بعده. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} [التوبة:18].

3 - الآخرة: سميت بذلك لأنها الدار الآخرة التي يستقر فيها الإنسان. قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} [القصص:83]. 4 - الساعة: سميت بذلك لقربها، فإن كل آت قريب. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} [الحج:1]. 5 - القارعة: سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها وعرصاتها. قال الله تعالى: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} [القارعة:1 - 4]. 6 - الصاخة: سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع بأهوالها حتى تكاد تصمها. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس:33 - 37]. 7 - الغاشية: سميت بذلك لأنها تغشى الناس وتغمهم بأهوالها. قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} [الغاشية:1].

8 - الواقعة: سميت بذلك لتحقق وقوعها ووجودها. قال الله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)} [الواقعة:1 - 3]. 9 - الحاقة: سميت بذلك لأنها حق لا شك فيه، وفيها يتحقق الوعد والوعيد. قال الله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)} [الحاقة:1 - 4]. 10 - يوم الفصل: سمي بذلك لأن الله يفصل فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)} [الصافات:21]. 11 - يوم الدين: سمي بذلك لأن الله يحاسب العباد ويجازيهم في ذلك اليوم. قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)} [الصافات:19 - 20]. 12 - يوم البعث: سمي بذلك لأن الله يحيي فيه الأموات، ويبعثهم أحياء من قبورهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)} [الروم:56].

13 - يوم الخروج: سمي بذلك لأن العباد يخرجون فيه من قبورهم للحساب والجزاء. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)} [ق:42]. 14 - يوم الحسرة: سمي بذلك لشدة تحسر الكفار لعدم إيمانهم، وتحسر المؤمنين على قلة العمل. قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)} [مريم:39]. 15 - يوم الخلود: سمي بذلك لأن الناس يصيرون إلى دار الخلد، المؤمنون في الجنة، والكفار في النار. قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)} [ق:34]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة:39]. 16 - يوم الحساب: سمي بذلك لأن الله يحاسب فيه عباده بأعمالهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} [غافر:27]. 17 - يوم الجمع: سمي بذلك لأن الله يجمع فيه العباد للحساب والجزاء.

قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} [الشورى:7]. 18 - يوم الآزفة. سمي بذلك لقرب وقوعه، فكل آت قريب. قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ (18)} [غافر:18]. 19 - يوم التغابن: سمي بذلك لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار، ويرثون نصيبهم من الجنة. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [التغابن:9]. 20 - يوم التناد: سمي بذلك لكثرة ما فيه من النداء كلٌّ باسمه. قال الله تعالى: {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)} [غافر:32]. 21 - يوم التلاق: سمي بذلك لأنه يلتقي فيه الخالق بالمخلوق، ويلتقي فيه العباد بعضهم ببعض. قال الله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)} [غافر:15].

22 - يوم الوعيد: سمي بذلك لأنه اليوم الذي أوعد الله به الكفار والعصاة. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)} [ق:20]. 23 - الطامة الكبرى: سميت بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع بأهوالها. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)} [النازعات:34 - 35]. هذه هي أشهر أسماء اليوم الآخر. - الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بكل ما أخبر الله ورسوله به مما يكون في ذلك اليوم العظيم: من البعث والحشر .. والحساب والجزاء .. والصراط والميزان .. والجنة والنار .. وغير ذلك مما يجري في عرصات القيامة. ويلحق بذلك ما يكون قبل الموت من علامات الساعة وأشراطها، وما يكون بعد الموت من فتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه. - حكم الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة. والإيمان بالله واليوم الآخر أعظم أركان الإيمان، وعليهما مع بقية أركان الإيمان مدار استقامة الإنسان وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة. ولأهمية هذين الركنين يقرن الله بينهما كثيراً في آيات القرآن.

1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء:87]. 2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق: 2]. - مقدار يوم القيامة: يوم القيامة على الكافر بمقدار خمسين ألف سنة. وعلى المؤمن بمقدار ما بين الظهر والعصر. 1 - قال الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج:4]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَوْمُ القِيامَةِ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ» أخرجه الحاكم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: يَوْمُ القِيامَةِ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ. أخرجه الحاكم (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (259). (¬2) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (260).

2 - أول منازل الآخرة

2 - أول منازل الآخرة - أول منازل الآخرة: القبر أول منازل الآخرة، وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة، أو يكون حفرة من حفر النار. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه (¬1). - فتنة القبر: 1 - عَنِ البَراءِ بنِ عَازبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرجْنا مَعَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في جَنازة ... وفيهِ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِْسْلاَمُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أصْحَابُهُ، حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فَأ قْعَدَاهُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1379)، ومسلم برقم (2866)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8733)، وأخرجه أبو داود برقم (4753)، وهذا لفظه.

فَيُقَالُ: انظر إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، وَأمَّا الكَافِرُ، أوِ المُنَافِقُ: فَيَقُولُ: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إلا الثَّقَلَيْنِ» متفق عليه (¬1). - مدة عذاب القبر: عذاب القبر نوعان: الأول: عذاب دائم لا ينقطع، وهو عذاب الكفار والمنافقين كما قال سبحانه عن فرعون وآله: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45 - 46]. الثاني: عذاب له أمد ثم ينقطع، وهو عذاب عصاة الموحدين. فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه العذاب، أو ينقطع بسبب رحمة الله، أو حصول مكفرات للذنوب ونحو ذلك. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ». ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، أمَّا أحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ». قَالَ: ثُمَّ أخَذَ عُوداً رَطْباً، فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338)، واللفظ له، ومسلم برقم (2870). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1378)، واللفظ له، ومسلم برقم (292).

عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ، إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» أخرجه مسلم (¬1). - ما ينجي من عذاب القبر: ينجي المؤمن من فتنة القبر وعذابه وأهواله أمور كالشهادة في سبيل الله، والرباط في سبيل الله. - نعيم القبر: القبر روضة من رياض الجنة على أهل الإيمان والتقوى. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ... [فُصِّلَت:30 - 32]. 2 - وَعنِ البَراءِ بنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ في المُؤْمنِ إذا أَجَابَ المَلَكَينِ في قَبرِهِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). - أحوال الأرواح في القبر: الأرواح في البرزخ متفاوتة تفاوتاً عظيماً. فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء والرسل، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1631). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18733)، وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (4753).

وهم متفاوتون في منازلهم. ومنها أرواح في صورة طير يعلق في شجر الجنة، وهي أرواح المؤمنين. ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وهي أرواح الشهداء. ومنها أرواح محبوسة في القبر كالغالّ من الغنيمة. ومنها ما يكون محبوساً على باب الجنة بسبب دين عليه. ومنها ما يكون محبوساً في الأرض بسبب روحه السفلية. ومنها أرواح تسبح في نهر الدم، وتلقم بالحجارة، وهم أكلة الربا. ومنها أرواح في تنور الزناة والزواني ونحو ذلك. 1 - عَنْ مَسْرُوقٍ، قال: سَألْنَا عَبْدَاللهِ (هُوَ ابْنَ مَسعُودٍ)، عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران:169] قال: أمَا إِنَّا قَدْ سَألْنَا، عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَن ْسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يعني- مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأصْحَابِهِ: «هَلْ رَأى أحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟». قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ: ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1887).

كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ المَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. [قَالَ]: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ -قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أبُو رَجَاءٍ- فَيَشُقُّ قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالجَانِبِ الأوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ -قَالَ: وَأحْسِبُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أتَاهُمْ ذَلِكَ اللهبُ ضَوْضَوْا. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَراً فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَألْقَمَهُ حَجَراً. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأكْرَهِ مَا أنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا.

قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لا أكَادُ أرَى رَأْسَهُ طُولا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأيْتُهُمْ قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنْهَا وَلا أحْسَنَ. قَالَ: قَالا لِي: ارْقَ فِيهَا قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأتَيْنَا باب المَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأحْسَنِ مَا أنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأقْبَحِ مَا أنْتَ رَاءٍ. قَالَ: قَالا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأنَّ مَاءَهُ المَحْضُ مِنَ البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أحْسَنِ صُورَةٍ. قَالَ: قَالا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُداً، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ. قَالَ: قَالا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأدْخُلَهُ. قَالا: أمَّا الآنَ فَلا، وَأنْتَ دَاخِلَهُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأيْتُ؟. قَالَ: قَالا لِي: أمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ.

وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الافَاقَ. وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجارةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. وَأمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ. وَأمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -. وَأمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ». قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ الله، وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ. وَأمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَناً وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحاً، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ» متفق عليه (¬1). - أحوال المؤمنين عند الخروج من القبور: 1 - قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7047)، واللفظ له، ومسلم برقم (2275).

وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت:30 - 32]. - أحوال الكفار عند خروجهم من القبور: 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} [يس:51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)} [المعارج:42 - 44]. 3 - وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر:6 - 8].

3 - أشراط الساعة

3 - أشراط الساعة - أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمارات وعلامات وأشراط تدل على قرب قيام الساعة. وتنقسم أشراط الساعة إلى قسمين: أشراط صغرى ... وأشراط كبرى. 1 - أشراط الساعة الصغرى - وقت العلامات الصغرى: أشراط الساعة الصغرى هي التي تتقدم الساعة الكبرى بأزمان متطاولة، وتكون من نوع المعتاد كقبض العلم، وشرب الخمر، وتطاول الناس في البنيان ونحو ذلك. وقد يظهر بعضها مع العلامات الكبرى، أو بعدها كهدم الكعبة، وظهور الريح التي تقبض أرواح المؤمنين. - حكم علامات الساعة: ليس كل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة يكون محرماً أو مذموماً، وإنما هي علامات تكون بالخير والشر، وتكون بالمباح كفشو المال، وتطاول الرعاء في البنيان، وتقارب الأسواق، وتكون بالمحرم ككثرة الهرج، وظهور المعازف، واستحلال الخمر. وتكون بغير ذلك كموت الفجأة والفتوحات ونحوها.

- أقسام علامات الساعة الصغرى: تنقسم أشراط الساعة الصغرى إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: علامات وقعت وانتهت: منها بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وانشقاق القمر آية له .. وموته - صلى الله عليه وسلم - ... فتح بيت المقدس ... وخروج نار من أرض الحجاز. 1 - قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر:1]. 2 - وَعَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أدَمٍ، فَقال: «اعْدُدْ سِتّاً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطاً، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ ألْفاً» أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أرْضِ الحِجَازِ، تُضِيءُ أعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى» متفق عليه (¬2). - فَتْح بيت المقدس سنة عشر من الهجرة في عهد عمر رضي الله عنه ... وخرجت النار في المدينة في منتصف القرن السابع الهجري. القسم الثاني: علامات ظهرت وما زالت مستمرة: وهذه أكثر علامات الساعة، وكلها ثابت في الأحاديث الصحيحة، ومنها: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3176). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7118)، واللفظ له، ومسلم برقم (2902).

ظهور الفتن .. وظهور مدعي النبوة .. وظهور الجهل بالدين .. وظهور الزنا .. وظهور المعازف واستحلالها .. وظهور الشرك في هذه الأمة ... وظهور الفحش .. وظهور القلم .. وظهور الكاسيات العاريات. ومنها: قبض علم الشرع .. وكثرة الشُّرَط وأعوان الظلمة ... وكثرة شرب الخمر واستحلالها .. وكثرة الهرج وهو القتل .. وكثرة المال .. وكثرة الشح .. وكثرة الكذب .. وكثرة الزلازل .. وكثرة شهادة الزور .. وكثرة موت الفجأة. ومنها: تطاول الحفاة العراة رعاء الشاة في البنيان، وتباهي الناس في المساجد وزخرفتها، وتقارب الزمان، وتقارب الاسواق .. وتخوين الأمين .. وائتمان الخائن .. وتسليم الخاصة .. وتكليم السباع للإنس .. وتكليم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله .. وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده. ومنها: انتشار الأمن .. وإسناد الأمر إلى غير أهله .. وارتفاع الأسافل .. والتماس العلم عند الأصاغر .. وإضاعة الأمانة .. وانتشار الربا. ومنها: أن تُرفع الأشرار .. وتوضع الأخيار .. وأن يفتح القول .. ويخزن العمل .. وأن تحاصر العراق ويمنع عنها الطعام والدرهم .. ثم تحاصر الشام ويمنع عنها الطعام والدينار .. ثم تحاصر مصر كذلك ثم تكون هدنة بين المسلمين والروم .. ثم يغدر الروم بالمسلمين. ومنها: عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً .. وفشو التجارة .. وعدم تحري الرزق الحلال .. وقطيعة الرحم .. وسوء الجوار .. وبيع الحكم .. واتباع سنن اليهود والنصارى .. ورفض السنة النبوية .. ومنها حلق اللحى كحواصل الطير أو بالكلية .. وتشبب المشيخة .. وذهاب الصالحين .. وانتفاخ الأهلة .. وكثرة المطر وقلة النبات .. وكثرة الروم وقتالهم المسلمين .. وغير ذلك.

وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي تؤكد ذلك. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ المَشْرِقِ يَقُولُ: «ألا إِنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، ألا إِنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً شِبْراً، وَذِرَاعاً ذِرَاعاً، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟» متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ ألَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِي الخَلَصَةِ» متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيباً مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنَّهُ رَسُولُ اللهِ» متفق عليه (¬4). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كيف إضاعتها يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «إِذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» أخرجه البخاري (¬5). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7093)، ومسلم برقم (2905)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7320)، واللفظ له، ومسلم برقم (2669). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7116)، ومسلم برقم (2906)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3609)، واللفظ له، ومسلم برقم (84) (157) كتاب الفتن. (¬5) أخرجه البخاري برقم (6496).

وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ» متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» أخرجه مسلم (¬2). 8 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُوشِكُ، إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ، أنْ تَرَى قَوْماً فِي أيْدِيهِمْ مِثْلُ أذْنَابِ البَقَرِ، يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللهِ، وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللهِ» أخرجه مسلم (¬3). 9 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» متفق عليه (¬4). 10 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ: أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا» متفق عليه (¬5). 11 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لا يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أخَذَ المَالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِنْ حَرَامٍ» أخرجه البخاري (¬6). 12 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1036)، واللفظ له، ومسلم برقم (47/ 11). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2128). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2857). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7115)، ومسلم برقم (53) (157) كتاب الفتن. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (80)، واللفظ له، ومسلم برقم (2671). (¬6) أخرجه البخاري برقم (2083).

«لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» أخرجه البخاري (¬1). 13 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 14 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ جِبْريلَ سأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأخْبِرُكَ عَنْ أشْرَاطِهَا: إذَا وَلَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وَإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ» متفق عليه (¬3). 15 - وََعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ». قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ» متفق عليه (¬4). 16 - وَعَن المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الكِنْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لاَ يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬5). 17 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5590). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (12379)، وأخرجه أبو داود برقم (449). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (50)، واللفظ له، ومسلم برقم (9). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6037)، واللفظ له، ومسلم برقم (2672). (¬5) متفق عليه، أخرجه أحمد برقم (17174)، واللفظ له، وأخرجه أبو داود برقم (4604).

أُمَّتِي أنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ» أخرجه مسلم (¬1). 18 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنَعَتِ العِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّاْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» أخرجه مسلم (¬2). 19 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ المَالُ وَيَفِيضَ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلا يَجِدُ أحَداً يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَّى تَعُودَ أرْضُ العَرَبِ مُرُوجاً وَأنْهَاراً» أخرجه مسلم (¬3). 20 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإنْسَ وَحَتَّى تُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَتُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ» أخرجه أحمد والترمذي (¬4). 21 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ، يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلا البَلاءُ» أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (6). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2896). (¬3) أخرجه مسلم برقم (12/ 60). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11792)، وأخرجه الترمذي برقم (2181)، وهذا لفظه. (¬5) أخرجه مسلم برقم (52/ 54).

- ظهور الفتن من المشرق: منبع الفتن والبدع والشرور المشرق، العراق وما وراءه، فمن العراق ظهرت الفرق الضالة، والمذاهب الباطلة، ثم انتشرت في الأرض، ومن المشرق ظهر التتار الذين استباحوا ديار المسلمين. وسيكون ظهور الدجال ويأجوج ومأجوج من جهة المشرق. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَت: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: الصَّلاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أنْ يَدُلَّ أمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7094). (¬2) أخرجه البخاري برقم (115).

بَعْضاً، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ، عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إِلَيْه» أخرجه مسلم (¬1). القسم الثالث: علامات لم تظهر وستقع بلا شك: ومنها: انحسار نهر الفرات عن جبل من ذهب .. فتح القسطنطينية بدون سلاح .. قتال الترك .. قتال اليهود ونصر المسلمين عليهم .. خروج رجل من قحطان يُدان له بالطاعة. ومنها: قلة الرجال وكثرة النساء .. ونفي المدينة لشرارها ثم خرابها. ومنها: ظهور المهدي وهو رجل من أهل البيت يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. ومنها: هدم الكعبة على يد رجل من الحبشة ثم لا تعمر بعده .. وهبوب ريح تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ثم تقوم الساعة على شرار الناس وذلك في آخر الزمان. وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كله في الأحاديث الصحيحة، ومنها: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، لَعَلِّي أكُونُ أنَا الَّذِي أنْجُو» أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُوشِكُ الفُرَاتُ أنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1844). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2894).

يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً» متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي البَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي البَحْرِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ ألْفاً مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ فَإِذَا جَاؤُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أحَدُ جَانِبَيْهَا». قَالَ ثَوْرٌ: لا أعْلَمُهُ إِلا قَالَ «الَّذِي فِي البَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ المَغَانِمَ، إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ» أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ» أخرجه مسلم (¬3). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ! يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلا الغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ» متفق عليه (¬4). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7119)، ومسلم برقم (2894). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2920). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2912). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2926)، ومسلم برقم (2922) واللفظ له.

يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لا يُحَدِّثُكُمْ أحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ يَقِلَّ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأةً القَيِّمُ الوَاحِدُ» متفق عليه (¬2). 8 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أخْلَفَ اللهُ فِيهَا خَيْراً مِنْهُ، ألا إِنَّ المَدِينَةَ كَالكِيرِ، تُخْرِجُ الخَبِيثَ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا، كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ» أخرجه مسلم (¬3). 9 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إِلا العَوَافِ -يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ- وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشاً، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا» متفق عليه (¬4). 10 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسْعُود عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي يَمْلأُ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً» أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3517)، ومسلم برقم (2910). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (81)، واللفظ له، ومسلم برقم (2671). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1381). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1874)، واللفظ له، ومسلم برقم (1389). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4282)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2230).

11 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ» متفق عليه (¬1). 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَظْهَرُ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ عَلَى الكَعْبَةِ، قال: حَسِبْتُ أَنَّهُ قال: فَيَهْدِمُهَا» أخرجه أحمد (¬2). 13 - وَعَنْ النَّواسِ بنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ بَعدَ إهْلاكِ يَأجُوجَ وَمَأجُوج: «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحاً طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» أخرجه مسلم (¬3). - وقت خروج المهدي: يخرج في آخر الزمان رجل من أهل البيت يؤيد الله به الدين، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين، وتنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الجَبْهَةِ أَقْنَى الأنْفِ يَمْلأُ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ» أخرجه أبو داود (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1591)، ومسلم برقم (2909). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8094). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4285).

- مكان خروج المهدي: المهدي رجل صالح من أهل البيت، يخرج من جهة المشرق، ويأوي إلى مكة قادماً من المدينة، فيبايع له بين الركن والمقام عند الكعبة. يُبعث إليه جيش لقتله، فيخسف الله بهم، وينصره ويؤيده، فيحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الناس، ويدرك الدجال وعيسى بن مريم، ويلتقي مع نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم -، فيؤم الأمة وعيسى - صلى الله عليه وسلم - يصلي خلفه، ويخرج معه ليساعده على قتل الدجال. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قال: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَلِيٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً» أخرجه أبو داود (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأرض يُخْسَفُ بِأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ». قالتْ: قُلْتُ: ... يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أسْواقهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قال: «يُخْسَفُ بِأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (156). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4283). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2118)، ومسلم برقم (2884).

2 - أشراط الساعة الكبرى

2 - أشراط الساعة الكبرى - عدد أشراط الساعة الكبرى: عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، َ وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. أخرجه مسلم (¬1). 1 - خروج الدجال - مكان خروج الدجال: الدجال رجل من بني آدم، يظهر في آخر الزمان ويدعي الربوبية، يخرج من الشرق من خراسان، من يهودية أصبهان. ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله، إلا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما؛ لأن الملائكة تحرسهما، ولا يدخل كذلك مسجد المقدس والطور. 1 - عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ! ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2901).

فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِالعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بالمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». أخرجه مسلم (¬3). - الأماكن التي لا يدخلها الدجال: 1 - عن أنَس بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ» متفق عليه (¬4). 2 - وعن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال -وفيه- فقال: « ... لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الحَرَامِ، وَمَسْجِدَ المَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الأَقْصَى» أخرجه أحمد (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (12) , وأخرجه الترمذي برقم (2237) وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2944). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881) , ومسلم برقم 29438) واللفظ له. (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (24085) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2934).

- صفات الدجال: حذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من اتباع الدجال أو تصديقه، وبين لنا صفاته لنحذر منه. 1 - عَنْ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لا وَاللهِ، مَا قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعِيسَى أحْمَرُ، وَلَكِنْ قال: «بَيْنَمَا أنَا نَائِمٌ أطُوفُ بِالكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ ألْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أعْوَرُ عَيْنِهِ اليُمْنَى، كَأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً ابْنُ قَطَنٍ». قال الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا، رَأْيَ العَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ العَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَاراً وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنِّي قَدْ حَدَّثتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لاَ تَعْقِلُوا إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ العَيْنِ لَيْسَ بنَاتِئَةٍ وَلاَ حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأَعْوَرَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3441) , واللفظ له، ومسلم برقم (169). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2934). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22764) , وأخرجه أبو داود برقم (4320)، وهذا لفظه.

4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ صَائِدٍ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: أَمَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ، يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّهُ لاَ يُولَدُ لَهُ» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَقَدْ وُلِدَ لِي أَوَلَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ المَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ» أخرجه مسلم (¬1). الدجال عينه اليمنى مطموسة، وعينه اليسرى معيبة. - أتباع الدجال: أكثر أتباع الدجال من اليهود ... والعجم ... وأخلاط من الناس، غالبهم من الأعراب والنساء والعامة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». أخرجه مسلم (¬2). - فتنة الدجال: فتنة الدجال فتنة من الله لهذه الأمة، كما فتن الله قوم موسى بالعجل. وفتنة الدجال أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، وهو منبع الكفر والضلال، وفتنة للناس. فقد ثبت أن معه جنة وناراً .. فناره جنة .. وجنته نار .. ومعه جبال الخبز .. وأنهار الماء .. يأمر السماء فتمطر .. ويأمر الأرض فتنبت .. وتتبعه كنوز الأرض .. ويقطع الأرض بسرعة كالغيث إذا استدبرته الريح. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2927). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2944).

ويمكث في الأرض أربعين يوماً. يوم كسنة .. ويوم كشهر .. ويوم كجمعة .. وسائر أيامه كأيامنا. ثم يقتله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - عند باب لُدّ بفلسطين. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الدَّجَّالُ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا، رَأْيَ العَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ العَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَاراً وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ -وفيه- فقال: «إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِالعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللهِ «فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْماً يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ، قَالَ: «لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ: «كَالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى القَوْمِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2934). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2934).

فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُراً، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعاً وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي القَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْن، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ قَالَ: «وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ إِنَّهُ لاَ يَضُرُّكَ»، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالأَنْهَارَ قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7122) , ومسلم برقم (2939) واللفظ له.

5 - وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً حَدِيثاً طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: «يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ لَهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ قَالَ: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللهِ! مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الآنَ قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). - الوقاية من فتنة الدجال: الوقاية من فتنة الدجال تكون: بالإيمان باللهِ عز وجل وعدم الالتفات إلى ما سواه .. والتعوذ باللهِ من فتنة الدجال في كل صلاة .. وحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف .. والفرار من الدجال عند خروجه لما معه من الشبهات والخوارق التي يجريها الله على يديه فتنة للناس. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أرْبَعٍ، يَقُولُ: اللهمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1882) , ومسلم برقم (2938) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1377) , ومسلم برقم (588) واللفظ له.

2 - نزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -

أوَّلِ سُورَةِ الكَهْف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعنْ عِمرَان بنِ حُصينٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ مِنْهُ -ثَلاَثاً يَقُولُهَا- فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَتَّبِعُهُ، وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 2 - نزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - - وقت نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم -: بعد خروج الدجال، وإفساده في الأرض، يُنزل الله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - إلى الأرض، عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، فيصلي مع المسلمين الذين استعدوا لقتال الدجال، فيقتل الدجال، ويحكم بالإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتذهب الشحناء. يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قِبَل الشام فتقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، يتهارجون تهارج الحمر، ثم يأمرهم الشيطان بعبادة الأوثان، وعليهم تقوم الساعة. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (809). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19968) وهذا لفظه, وأخرجه أبو داود برقم (4319).

السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْراً مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». ثُمَّ يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء: 159]. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قال، فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ (لاَ أَدْرِي: (أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْراً أَوْ أَرْبَعِينَ عَاماً) فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحاً بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلاَمِ السِّبَاعِ، لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُونَ مُنْكَراً فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلاَ تَسْتَجِيبُونَ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتاً وَرَفَعَ لِيتاً» أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3448) , واللفظ له، ومسلم برقم (155). (¬2) أخرجه مسلم برقم (156). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2940).

ذَاتَ غَدَاةٍ -وفيه- فقال: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْن، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» أخرجه مسلم (¬1). - حكمة نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - دون غيره: نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - من السماء في آخر الزمان دون غيره من الأنبياء لحكم يعلمها الله، ولعل منها: الرد على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوا عيسى بن مريم، وأنه حي سيقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال إذا نزل. ونبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - دعا الله أن يكون من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فأبقاه الله حتى ينزل آخر الزمان مجدداً لأمر الإسلام. وينزل مكذباً للنصارى الذين أَلَّهوه، ثم يموت، ويدفن في الأرض كغيره. قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف: 61]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937).

- ما يحكم به عيسى - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل: يحكم عيسى - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل بالشريعة المحمدية، ويكون من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - يصلي مع المسلمين ويحج معهم، فلا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قال، فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجّاً أوْ مُعْتَمِراً، أوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا». أخرجه مسلم (¬2). - مدة بقاء عيسى - صلى الله عليه وسلم - في الأرض: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبيٌّ يَعْنِي عِيسَى وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإسْلاَمِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ المِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإسْلاَمَ وَيُهْلِكُ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَيَمْكُث فِي الأرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (156). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1252). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9270) , وأخرجه أبو داود برقم (4324) وهذا لفظه.

3 - خروج يأجوج ومأجوج

3 - خروج يأجوج ومأجوج - أصل يأجوج ومأجوج: يأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من بني آدم، وهم رجال أقوياء لا طاقة لأحد بقتالهم لقوتهم وكثرتهم، يخرجون في آخر الزمان. 1 - قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)} [الأنبياء: 96 - 97]. 2 - وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قالتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». متفق عليه (¬1). - وقت خروج يأجوج ومأجوج: تخرج أمة يأجوج ومأجوج من المشرق، بعد نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - آخر الزمان، وخروجهم من علامات الساعة الكبرى، وهم الآن خلف السد الذي بناه ذو القرنين يحجز بينهم وبين من استغاثوا به منهم فبناه بين جبلين، فإذا جاء الوقت المحدد لخروجهم اندكّ هذا السد فخرجوا وأفسدوا في الأرض، ثم يدعو عليهم نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيموتون، وتنزل البركة في ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3346) واللفظ له, ومسلم برقم (2880).

الأرض، ثم يرسل الله ريحاً تقبض روح كل مؤمن. 1 - قال الله تعالى: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)} [الكهف: 94 - 98]. 2 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ -وَأنَّ عيسَى يَقْتُلهُ- وفيه-: «فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْراً مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْراً كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَراً لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي

4 - 5 - 6 - الخسوفات الثلاثة

الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحاً طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - 5 - 6 - الخسوفات الثلاثة - الخسوفات الثلاثة من أشراط الساعة الكبرى وهي: خسف بالمشرق .. وخسف بالمغرب .. وخسف بجزيرة العرب. وقد وقع بعض الخسوفات في أماكن متفرقة، وأزمان متباعدة، وتلك من أشراط الساعة الصغرى. أما هذه الخسوفات الثلاثة فهي عظيمة وعامة لعدة أماكن في المشرق والمغرب وجزيرة العرب، وهي لم تقع حتى الآن. عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، َ وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2901).

7 - الدخان

- وقت وقوع الخسوفات: الخسوفات الثلاثة علامة على قرب وقوع الساعة، وتحصل عند كثرة المعاصي والذنوب التي تستوجب غضب الله وعقوبته. 7 - الدخان - وقت ظهور الدخان: ظهور الدخان من علامات الساعة الكبرى. وهو دخان عظيم عام يظهر قرب قيام الساعة بسبب ترك الحق، وكثرة المعاصي، يملأ الأرض كلها فتصبح كبيت أوقد فيه. يأخذ بالمؤمنين كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه. 1 - قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} ... [الدخان: 10 - 12]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتّاً طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّة، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ العَامَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2947).

8 - طلوع الشمس من مغربها

8 - طلوع الشمس من مغربها طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى، وهي أول الآيات المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي. فإذا طلعت من مغربها فلا ينفع الكافر إيمانه، ولا تنفع العاصي توبته، سواء رآها أو لم يرها، وطبع على كل قلب بما فيه. 1 - قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)} [الأنعام: 158]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجاً، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحىً وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيباً». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتّاً طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّة، أَوْ خَاصَّةَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4635) , ومسلم برقم (157) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2941).

9 - خروج الدابة

أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ العَامَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). خاصة أحدكم: الموت .. وأمر العامة: الساعة. 9 - خروج الدابة - وقت خروج الدابة: خروج دابة الأرض في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة ويكون ذلك عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتماديهم في العصيان والطغيان. فإذا خرجت هذه الدابة العظيمة، فإنها تسم المؤمن والكافر، تجلو وجه المؤمن فيشرق .. وتخطم أنف الكافر علامة على كفره. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} [النمل: 82]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي أُمَامةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ، فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ، ثُمَّ يَعْمُرُونَ فِيكُم، حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ البَعِيرَ فَيَقُولُ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ المُخَطَّمِينَ» أخرجه أحمد (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2947). (¬2) أخرجه مسلم برقم (158). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22308) , انظر السلسلة الصحيحة برقم (322).

- تتابع الآيات: إذا ظهر أول أشراط الساعة الكبرى تتابعت بعدها الآيات يتلو بعضها بعضاً كمثل العقد الذي انفرط نظامه. فأول العلامات الكبرى بعد المهدي خروج الدجال، ثم نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - لقتله، ثم ظهور يأجوج ومأجوج ودعاء عيسى - صلى الله عليه وسلم - عليهم فيهلكوا، وتحصل الخسوفات، ويظهر الدخان، ثم تتابع الآيات بطلوع الشمس من مغربها، فيغلق باب التوبة، ثم تخرج الدابة على الناس ضحى لتميز المؤمن من الكافر، ثم آخر الآيات نار تخرج من اليمن تحشر الناس إلى محشرهم في الشام، ثم يكون النفخ في الصور، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق. 1 - عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الأَمَارَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضاً» أخرجه الحاكم (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجاً، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحىً وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيباً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8639) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1762). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2941). (¬3) أخرجه مسلم برقم (148).

10 - خروج النار التي تحشر الناس

10 - خروج النار التي تحشر الناس - مكان خروج النار: تخرج هذه النار من اليمن، من بحر حضرموت، من قعر عدن، ثم تنتشر في الأرض، فتسوق الناس من المشرق إلى المغرب في أرض المحشر في الشام. وهذه النار العظيمة آخر أشراط الساعة الكبرى، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة، فلا شيء بعدها من أمور الدنيا، فيقع بعدها النفخ في الصور، وقيام الساعة. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، َ وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. وفي لفظ: «وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَلَغَ عَبْدَاللهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَأتَاهُ، فَقال: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ: مَا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ، وَمِنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أبِيهِ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2901).

وَمِنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أخْوَالِهِ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفاً جِبْرِيلُ». قال: فَقال عَبْدُاللهِ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ» أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ» قَالُوا: فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّأْمِ» أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - كيفية حشر النار الناس: الذين تحشرهم النار إلى الشام ثلاثة أفواج: 1 - فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون. 2 - فوج يمشون تارة، ويركبون تارة، يعتقبون البعير لقلة الظهر. 3 - فوج لا ظهر لهم فتحشرهم النار وتسوقهم، وتحيط بهم من كل جانب، ومن تخلّف أكلته. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالوا: وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3329). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5146) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2217). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6522) , واللفظ له، ومسلم برقم (2861).

- آخر من تحشرهم النار: راعيان من مزينة يريدان المدينة، فلا يجدان إلا الوحوش والسباع بسبب خلوها من السكان، حيث حشرتهم النار إلى أرض المحشر في الشام، فإذا بلغا ثنية الوداع خرا لوجههما بسبب نفخة الصعق. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إِلا العَوَافِي، ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشاً، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1874) , ومسلم برقم (1389) واللفظ له.

4 - علم الساعة

4 - علم الساعة - علم الغيوب المستقبلة: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يكون من الأمور إلى قيام الساعة، وذلك مما أطلعه الله عليه من الغيوب المستقبلة. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَاماً، مَا تَرَكَ شَيْئاً يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبي زَيْدٍ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الفَجْرَ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ العَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا. أخرجه مسلم (¬2). - علم قيام الساعة: علم الساعة غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وهو مما استأثر الله بعلمه، لم يَطَّلع ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6604) , ومسلم برقم (2891) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2892).

فلا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)} [الأعراف: 187]. 2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب: 63]. 3 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} [النازعات: 42 - 44]. 4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: «تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ! مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ». أخرجه مسلم (¬1). - اليوم الذي تقوم فيه الساعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ». أخرجه مسلم (¬2). - قرب قيام الساعة: 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب: 63]. 2 - وقال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2538). (¬2) أخرجه مسلم برقم (854).

5 - النفخ في الصور

سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)} [القمر: 1 - 2]. 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُعِثْتُ أنَا وَالسَّاعَة كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أوْ: كَهَاتَيْنِ». وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. متفق عليه (¬1). - معنى الساعة: الساعة في اللغة: هي جزء من أجزاء الليل والنهار، وجمعها ساعات، والليل والنهار معاً أربع وعشرون ساعة. والساعة في الشرع: الوقت الذي تقوم فيه الساعة. سميت بذلك لقربها، وسرعة الحساب فيها، ولأنها تفجأ الناس في ساعة. والساعة تطلق على ثلاث معان: 1 - الساعة الصغرى: وهي موت الإنسان، فمن مات فقد قامت قيامته. 2 - الساعة الوسطى: وهي موت أهل القرن الواحد. 3 - الساعة الكبرى: وهي يوم القيامة. وإذا أطلقت الساعة في القرآن فالمراد بها يوم القيامة الكبرى. 5 - النفخ في الصور - وقت النفخ في الصور: إذا اكتملت جميع أشراط الساعة الصغرى والكبرى أمر الله إسرافيل - صلى الله عليه وسلم - أن ينفخ في الصور، وهو قرن كالبوق فينفخ في الصور النفخة الأولى، فيصعق ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5301) , واللفظ له، ومسلم برقم (2950).

من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله. ثم يأمره سبحانه أن ينفخ النفخة الثانية، وهي نفخة البعث، فيقوم الناس لرب العالمين للحساب والجزاء. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزمر: 68 - 70]. - أحوال الناس عند النفخ في الصور: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} [النمل: 87 - 88]. 2 - وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر: 6 - 8]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} [المدثر: 8 - 10]. 4 - وقال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزمر 68 - 70].

- مقدار ما بين النفختين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. متفق عليه (¬1). - استعداد إسرافيل للنفخ في الصور: إسرافيل - صلى الله عليه وسلم - مستعد للنفخ في الصور في أي لحظة. عَنْ أبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُستَعِدٌّ يَنظُرُ نَحوَ العَرشِ مَخافَةَ أَنْ يُؤمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيهِ طَرْفُهُ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوكَبانِ دُرِّيَّانِ» أخرجه الحاكم (¬2). - ما يحصل للخلق بعد نفخة الصعق: يتبع نفخة الصعق تغيير وانقلاب في العالم العلوي والسفلي، فتنفطر السماء، وتتناثر الكواكب، ويخسف القمر، وتكور الشمس، وترجف الأرض، وتتناثر الجبال، وتدك الأرض والجبال دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها، ثم ينزل الله مطراً تنبت منه أجساد الناس، ثم يُنفخ في الصور نفخة البعث. قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)} [الحاقة: 13 - 16]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4935) , ومسلم برقم (2955)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8676) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1078).

6 - البعث والحشر

6 - البعث والحشر - الدور التي يمر بها الإنسان: الدور التي يمر بها العبد ثلاث: دار الدنيا .. ثم دار البرزخ .. ثم دار القرار في الجنة أو النار. وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن وروح. وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبع لها. وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها. وجعل أحكام يوم القيامة من النعيم والعذاب على الأبدان والأرواح معاً. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 16 - 21]. 2 - وقال الله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} [طه: 55]. - البعث: هو إحياء الأموات حين ينفخ في الصور النفخة الثانية. فيقوم الناس لرب العالمين، ويبعث كل عبد على ما مات عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)} [يس: 51 - 53]. 2 - وقال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ

عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن: 7]. 3 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} [المؤمنون: 15 - 16]. 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة البعث: يُنزل الله من السماء ماءً فينبت الناس كما ينبت البقل. 1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف: 57]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ».قَالَ: «وَلَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْماً وَاحِداً وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬2). - أول من ينشق عنه القبر: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2878). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4935) , ومسلم برقم (2955)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2278).

- من يحشر يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 93 - 95]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف: 47]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)} [الواقعة: 49 - 50]. 4 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)} [مريم: 68]. - صفة أرض المحشر: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} [طه: 105 - 107]. 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ». متفق عليه (¬1). - صفة حشر الخلق يوم القيامة: الحشر قسمان: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6521) , ومسلم برقم (2790)، واللفظ له.

الأول: حشر إلى موقف الحساب لعموم الخلق كلهم. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)} [الكهف: 47 - 48]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الملك: 24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38]. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ». متفق عليه (¬1). الثاني: حشر إلى دار القرار في الجنة أو النار للإنس والجن. فالمؤمنون يساقون إلى الجنة مكرمين كما قال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزمر: 73]. والكافرون يساقون إلى جهنم مهانين كما قال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزمر: 71 - 72]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6527) , ومسلم برقم (2859)، واللفظ له.

7 - أهوال يوم القيامة

7 - أهوال يوم القيامة - يوم القيامة يوم عظيم أمره، شديد هوله، ويدل على عظمة أهواله أمور: الأول: أن الله عز وجل وصف ذلك اليوم بالعظيم .. والثقيل .. والعسير .. والعبوس .. وغير ذلك من الأوصاف المروعة: 1 - قال الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4 - 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)} [الإنسان: 27]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)} [المدثر: 8 - 9]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)} [الإنسان: 10]. الثاني: الرعب والفزع الذي يصيب الناس في ذلك اليوم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج: 1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)} [إبراهيم: 42 - 43].

3 - وقال الله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)} [المزمل: 17 - 18]. 4 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)} [النازعات: 6 - 9]. الثالث: فرار الخلق من بعضهم لشدة الأهوال والمخاوف: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)} [لقمان: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 33 - 37]. الرابع: استعداد الكفار لبذل كل شيء للنجاة من العذاب: 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)} [يونس: 54]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 36، 37]. 3 - وقال الله تعالى: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} [المعارج: 11 - 18].

الخامس: طول يوم القيامة حتى يظن الناس أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة: 1 - قال الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)} [يونس: 45]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)} [الروم: 55]. - أهوال يوم القيامة الحسية المروعة: الأول: قبض الله الأرض، وطي السماء: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)} [الأنبياء: 104]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ: أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقاً لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر: 67]. متفق عليه (¬1). الثاني: موران السماء وانشقاقها وانفطارها: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4811) , واللفظ له، ومسلم برقم (2786).

1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)} [الطور: 9]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1 - 2]. 3 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1]. الثالث: تكوير الشمس، وخسوف القمر، وتناثر النجوم: 1 - قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} [القيامة: 6 - 12]. 3 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 1 - 2]. الرابع: دك الأرض، ونسف الجبال وتسييرها: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)} [الحاقة: 13 - 15]. 2 - وقال الله تعالى: { } [الفجر: 21 - 22]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} [طه: 105 - 107]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف: 47]. الخامس: تفجير البحار وتسجيرها واشتعالها ناراً:

1 - قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]. السادس: تبديل الأرض والسماء: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم: 48]. 2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ قَائِماً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ! فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فَقُلْتُ: ألا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ اليَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أهْلِي». فَقَالَ اليَهُودِيُّ: جِئْتُ أسْألُكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ». قال: أسْمَعُ بِأذُنَيَّ، فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ: «سَلْ». فَقَالَ اليَهُودِيُّ: أيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ». أخرجه مسلم (¬2). السابع: شدة الحرارة في الموقف: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (315). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2791).

عَنِ المِقْدَاد بْن الأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ». قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالمِيلِ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ. قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجَاماً». قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. أخرجه مسلم (¬1). - الذين يظلهم الله في الموقف: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال إنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُقبةَ بنِ عَامرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ» أخرجه أحمد وابن خزيمة (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2864). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (660) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17333) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن خزيمة برقم (2431).

8 - فصل القضاء

8 - فصل القضاء - مجيء الله لفصل القضاء: 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 21 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة: 17]. 3 - وقال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)} [البقرة: 210]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقْبِضُ اللهُ الأرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ، أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ». متفق عليه (¬1). - شدة كرب الناس في الموقف: إذا حُشر الناس إلى ربهم يوم القيامة، وبلغ منهم العناء والكرب مبلغاً عظيماً لشدة الأهوال، يرغب الناس إلى ربهم ليحكم فيهم، وليفصل بينهم. فإذا طال موقفهم، وعظم كربهم، ذهبوا إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربهم ليفصل بينهم، فيشفع في هذا الجمع العظيم، وهذا الموقف العظيم، سيد الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويقضي الله بين عباده. 1 - قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7382) , ومسلم برقم (2787).

لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)} [المرسلات: 35 - 39]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ألا تَرَوْنَ مَا أنْتُمْ فِيهِ؟ ألا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ. فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ! أنْتَ أبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ

إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ، بِرِسَالاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلَى النَّاسِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ. فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْباً، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهِ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأرْفَعُ رَأْسِي فَأقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ، مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِ، مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ

لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (¬1). - فصل الله بين الناس: يفصل الله بين الناس يوم القيامة، ويحكم بينهم بالحق والعدل. فتعطى الكتب .. وتوضع الموازين .. وينصب الصراط .. ويحاسب الناس كلهم فرداً فرداً. فآخذ كتابه بيمينه إلى الجنة .. وآخذ كتابه بشماله إلى النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} [الحج: 17]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْواً». قُلْنَا: لا. قال: «فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا». ثُمَّ قال: «يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأصْحَابُ الأوْثَانِ مَعَ أوْثَانِهِمْ، وَأصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، مِنْ بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ. ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ. ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712) , ومسلم برقم (194)، واللفظ له.

مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ. حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، مِنْ بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا. قال: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ. فَيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنَا، فَلا يُكَلِّمُهُ إِلا الأنْبِيَاءُ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ، فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً وَاحِداً. ثُمَّ يُؤْتَى بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قال: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عَقِيفة، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْباً، فَمَا أنْتُمْ بِأشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ. وَإِذَا رَأوْا أنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ. فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا. ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ

9 - أحوال الناس يوم القيامة

فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا. ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». قال أبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]. «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أقْوَاماً قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أبْيَضَ. فَيَخْرُجُونَ كَأنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». متفق عليه (¬1). 9 - أحوال الناس يوم القيامة - أقسام الناس يوم القيامة: الناس يوم القيامة ثلاثة أقسام: الكفار والمنافقون .. والمؤمنون المتقون .. وعصاة الموحدين. الأول: أحوال الكفار يوم القيامة: 1 - أحوال الكفار عند خروجهم من القبور: 1 - قال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , واللفظ له، ومسلم برقم (183).

يُوعَدُونَ (44)} [المعارج: 42 - 44]. 2 - وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر: 6 - 8]. 2 - أحوال الكفار في عرصات القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)} [إبراهيم: 42 - 43]. 2 - وقال الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)} [النساء: 41 - 42]. 3 - وقال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} [الفرقان: 26 - 27]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)} [غافر: 18]. 3 - بطلان أعمال الكفار يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}

[إبراهيم: 18]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)} [النور: 39]. 4 - دخول الكفار والمنافقين النار: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} [الأحزاب: 64 - 65]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} ... [النساء: 140]. الثاني: أحوال المؤمنين المتقين يوم القيامة: 1 - أحوال المتقين عند خروجهم من القبور: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت: 30 - 32]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس: 62 - 64]. 2 - أحوال المؤمنين المتقين في الموقف العظيم: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82].

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ، العَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال إنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬1). 3 - دخول المؤمنين المتقين الجنة: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} [الحج: 14]. الثالث: أحوال عصاة الموحدين يوم القيامة: 1 - أحوال من أهمل الصلاة ومنع الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة: 34 - 35]. 2 - أحوال من كتم ما أنزل الله من العلم: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (660) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

10 - الشفاعة

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة: 174]. 3 - أحوال أهل الغلول: قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران: 161]. 4 - أحوال ذي الوجهين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (¬1). 5 - أحوال أهل الغدر: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَمَعَ الله الأَوّلِينَ وَالآخرينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ». متفق عليه (¬2). 10 - الشفاعة - الشفاعة: هي سؤال العون للغير. - أقسام الشفاعة: الشفاعة يوم القيامة قسمان: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6058) , واللفظ له، ومسلم برقم (2526). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3188) , ومسلم برقم (1735)، واللفظ له.

الأولى: شفاعة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أنواع: 1 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أهل الموقف، فيشفع فيهم، ويقضي الله بينهم، وهي المقام المحمود له، وهذه هي الشفاعة العظمى كما سبق. 2 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أناسٍ من أمته، فيدخلون الجنة بغير حساب، وهم السبعون ألفاً كما سبق. 3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة. 4 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في رفع درجات من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. 5 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه. 6 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المؤمنين أن يدخلوا الجنة. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا أوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الجَنَّةِ، وَأنَا أكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ». متفق عليه (¬2). الثانية: شفاعة عامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الملائكة والأنبياء والمؤمنين. وهذه الشفاعة تكون فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (196). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3885) , ومسلم برقم (210)، واللفظ له.

1 - قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم: 26]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» أخرجه أبو داود (¬2). - شروط الشفاعة: يشترط لقبول الشفاعة شرطان: الأول: إذن الله في الشفاعة. الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له. قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم: 26]. - حكم الشفاعة للكفار: لا يقبل الله شفاعة أحد من الكفار؛ لأنهم مخلدون في النار، ولو فرض أن أحداً شفع لكافر لم تنفعه الشفاعة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6304) , ومسلم برقم (199)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2522).

يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدَّثر: 46 - 48]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أبُوهُ: فَاليَوْمَ لا أعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِنْ أبِي الأبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقال: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - صفة طلب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أراد شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فليطلبها من ربه، ويتبع ذلك بالعمل الصالح الموجب لها بإخلاص العبادة لله وحده، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسؤال الوسيلة له. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ -ظَنَنْتُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ- أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قال لا إلَهَ إلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3350). (¬2) أخرجه البخاري برقم (99).

11 - الحساب

2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 11 - الحساب - الحساب: هو أن يوقف الله عباده بين يديه يوم القيامة، ثم يجازيهم حسب أعمالهم. فيوقف الله عباده بين يديه، المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، ويعرِّفهم بأقوالهم وأعمالهم، ثم يجازيهم بحسب أعمالهم، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها. - من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب: وهؤلاء هم الصفوة من هذه الأمة، أهل كمال الإيمان والتقوى. 1 - عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأجدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قال: لا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قال: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفاً قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قال: كَانُوا لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384).

وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثلاَث حَثيَاتٍ مِنْ حَثيَاتِ رَبي عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - لقاء الرب يوم القيامة: جميع الناس يلقون ربهم يوم القيامة للحساب والجزاء، وهم صنفان: الأول: أهل اللقاء المحبوب، وهم المؤمنون، وهم أسعد الخلق بهذا اللقاء كما قال الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب: 43 - 44]. الثاني: أهل اللقاء المكروه، وهم الكفار والمنافقون، وهم أشقى الخلق؛ لجرمهم وتكذيبهم بهذا اللقاء كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا} ... [الانشقاق: 6 - 12]. - ديوان الحساب يوم القيامة: الحساب يوم القيامة يكون على ثلاثة أشياء: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6541) , واللفظ له، ومسلم برقم (220). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2437) , وأخرجه ابن ماجه برقم (4286)، وهذا لفظه.

جزء مدون فيه الأعمال الصالحة التي فعلها العبد .. وجزء مدون فيه المعاصي التي ارتكبها العبد .. وجزء مدون فيه نعم الله على العبد. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر: 92 - 93]. 3 - وقال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 6 - 8]. - قواعد محاسبة العباد يوم القيامة: لو عذب الله عز وجل جميع خلقه لم يكن ظالماً لهم؛ لأنهم عبيده وملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف شاء. ولكن الله كريم يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، ويحب الإحسان. وقد بين الله في القرآن القواعد التي يحاسب الخلق بموجبها، وهي: 1 - أن الله يحكم بين عباده بالعدل ويوفيهم أجورهم كاملة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8].

2 - يجازي الله عباده بأعمالهم، ولا يأخذ أحداً بجريرة غيره: 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} [النجم: 39 - 41]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} [الأنعام: 164]. 3 - اطلاع العباد على ما فعلوه في الدنيا: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)} [آل عمران: 30]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: 13 - 14]. 4 - يضاعف الله الحسنات دون السيئات: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة: 245]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قال: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا

اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً». متفق عليه (¬1). 5 - تبديل سيئات التائبين حسنات: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان: 68 - 70]. 6 - تكفير صغائر الذنوب لمن اجتنب الكبائر: قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [النساء: 31]. 7 - إقامة الشهود الذين يشهدون على الخلق بما عملوه: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)} [ق: 21 - 22]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} [النور: 24 - 25]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6491) , ومسلم برقم (131)، واللفظ له.

- عرض كتب الأعمال: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)} [الجاثية: 28 - 29]. - عظمة موقف الحساب يوم القيامة: مشهد الحساب يوم القيامة مشهد عظيم؛ لما فيه من الخوف والهول، والوجل والرعب، فتطيش عقول الناس، وتصاب بالرعب الشديد، مما ترى في صحائف الأعمال من مثاقيل الذر من حقوق العباد. 1 - قال الله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 48 - 49]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} [الجاثية: 27 - 28]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزُّمَر: 69 - 70].

4 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} [الأنعام: 94]. 5 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج: 1 - 2]. 6 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8]. - صفة الحساب يوم القيامة: الحساب يوم القيامة نوعان: حساب يسير .. وحساب عسير .. وتكريم .. وتوبيخ .. وعدل .. وعفو .. وستر وفضيحة. الأول: الحساب اليسير: وأهله لا يناقشون الحساب، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم، ثم يتجاوز الله لهم عنها، وهؤلاء هم عامة المؤمنين. 1 - عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا هَلَكَ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألَيْسَ قَدْ قال: اللهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا

ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا عُذِّبَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأى فِي نَفْسِهِ أنَّهُ هَلَكَ، قال: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأنَا أغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}». متفق عليه (¬2). الثاني: الحساب العسير: وأهله يناقشون الحساب، ويُسألون عن كل ما عملوه. وهؤلاء هم الكفار والمشركون، وبعض أهل الكبائر من المسلمين. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)} [الأنعام: 30]. 2 - وقال الله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} [الأنعام: 130]. 3 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر: 92 - 93]. 4 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس: 65]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6537) , واللفظ له، ومسلم برقم (2876). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2441) , واللفظ له، ومسلم برقم (2768).

- أول من يحاسب من الأمم يوم القيامة: أول من يحاسب من الأمم يوم القيامة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). - أول ما يحاسب عليه المسلم: أول ما يحاسب عليه العبد المسلم يوم القيامة من الأعمال الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. وأول ما يقضى بين الناس في الحقوق الدماء. 1 - عَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، فِي الدّمَاءِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انظروا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). - المحاسبون من الأمم: الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: الأول: من لا حساب عليه ولا عذاب من المؤمنين: وهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهم السبعون ألفاً من هذه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6624) , واللفظ له، ومسلم برقم (855). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6533) , ومسلم برقم (1678)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16951) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (866).

الأمة، وأهل كمال الإيمان والتقوى كما سبق. الثاني: من يحاسب ثم يدخل الجنة. وهؤلاء عامة المؤمنين، وعصاة الموحدين بعد عفو الله عن ذنوبهم، أو تطهيرهم في النار ثم خروجهم إلى الجنة. الثالث: من يحاسبون وتعرض عليهم أعمالهم توبيخاً لهم: وهؤلاء هم الكفار والمشركون. وهم متفاوتون في العذاب، ومن له حسنات يخفف عنه العذاب لكنه لا يدخل الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 49]. 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « ... يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يُسأل الناس عنه يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)} [القصص: 62]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577).

3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص: 65]. 4 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر: 92 - 93]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)} [الإسراء: 34]. 6 - وقال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} [الأعراف: 6 - 7]. 7 - وقال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)} [الشعراء: 90 - 95]. 8 - وقال الله تعالى: { } [التكاثر: 5 - 8]. 9 - وَعَنْ أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ». أخرجه الترمذي والدارمي (¬1). - اقتصاص المظالم التي بين الخلق: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2417) , وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (543).

يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الدّمَاءِ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (¬4). 5 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2581). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2582). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6533) , ومسلم برقم (1678)، واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (2449). (¬5) أخرجه البخاري برقم (2440).

- صفة أخذ الكتب: يعطى كل واحد من أهل الموقف كتابه، فمنهم من يعطى كتابه بيمينه وهم السعداء، ومنهم من يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره وهم الأشقياء. 1 - قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: 13 - 14]. 2 - وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 6 - 12]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)} [الحاقة: 18 - 27]. - رؤية الأعمال: تعرض أعمال العباد عليهم يوم القيامة، ويرى المرء عمله وهو يباشره، خيراً كان أو شراً، صغيراً كان أو كبيراً. قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8].

- جزاء الأعمال في الدنيا والآخرة: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». أخرجه مسلم (¬1). - حكم أعمال الكفار: الكفار والمشركون والمنافقون لا يقبل الله قُرَبهم وطاعاتهم؛ لفقدها شرطها وهو الإيمان، وما عملوه لله يجازون به في الدنيا بصحة، وسعة رزق ونحو ذلك، وليس لهم في الآخرة إلا النار. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)} [إبراهيم: 18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)} [النور: 39]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2808).

4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ جُدْعَانَ، كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قال: «لا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الأطفال يوم القيامة: أطفال المؤمنين يدخلون الجنة كما يدخلها الكبار على صورة أبيهم آدم، وكذلك أطفال المشركين. ومن لم يتزوج من الذكور والإناث فإنه يتزوج في الآخرة، فليس في الجنة أعزب. عَنْ سُمرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « ... وَأمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -. وَأمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ». قال: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم أعمال من لا يعقل: كل من لا يعقل كالمجنون والخرف والأبله والأصم، ومن مات في الفترة ونحوهم، هؤلاء كلهم يُمتحنون يوم القيامة. عَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَصَمُّ لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئاً، وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالبَعْرِ، وَأَمَّا الهَرَمُ فَيَقُولُ: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (214). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7047).

12 - الميزان

رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئاً، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، قال: فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاَماً، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا» أخرجه أحمد (¬1). - حساب الحيوانات يوم القيامة: يحشر الله يوم القيامة جميع الدواب، والبهائم، والوحوش، والطيور، ثم يقتص الله لبعضها من بعض، فيقتص للشاة الجماء من القرناء التي نطحتها. فإذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها كوني تراباً فتكون. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». أخرجه مسلم (¬2). 12 - الميزان - الميزان: هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، يوزن به العباد وأعمالهم يوم القيامة. - حجم الميزان: الميزان لا يَقْدر قَدْره إلا الله عز وجل، وهو ميزان عظيم لو وضعت فيه ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16302) , وانظر السلسلة الصحيحة رقم (1434). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2582).

السماوات والأرض لوسعهن. - دقة الميزان: جعل الله الميزان يوم القيامة حَكَماً بين الناس؛ إظهاراً لكمال العدل الإلهي، وهو ميزان دقيق لا يزيد ولا ينقص مثقال ذرة. 1 - قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8]. - نصب الموازين: توضع الموازين يوم القيامة لحساب الخلائق، ويتقدم الناس واحداً واحداً للحساب، فيحاسبهم ربهم، فإذا تم الحساب كان بعده وزن الأعمال. 1 - قال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف: 8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 6 - 11]. 3 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ

القِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). - كيفية الوزن: الذي يوزن يوم القيامة هو العامل، وعمله، وصحف أعماله. توزن أعمال العباد يوم القيامة من حسنات وسيئات. فتوضع الحسنات في كفة الميزان، وتوضع السيئات في الكفة الأخرى، فمن رجحت حسناته بسيئاته أفلح ونجا، ومن رجحت سيئاته بحسناته خسر وهلك، ومن تساوت حسناته وسيئاته فهؤلاء أهل الأعراف، وهم في الجنة. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} [الكهف: 103 - 105]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف: 8 - 9]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَقَالَ: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2441) , ومسلم برقم (2768)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4729) , واللفظ له، ومسلم برقم (2785).

13 - الحوض

4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 13 - الحوض - اسم الحوض: عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَمَا أنَا أسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِباب الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ، أوْ طِيبُهُ، مِسْكٌ أذْفَرُ». متفق عليه (¬3). - صفة الحوض: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْن عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أبداً». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا آنِيَةُ الحَوْضِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا أَلاَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6682) , واللفظ له، ومسلم برقم (2694). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4799) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2002). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6581) , واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6579) , واللفظ له، ومسلم برقم (2292).

فِي اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ المُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ». أخرجه مسلم (¬1). - سعة الحوض: 1 - عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ اليَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالمَدِينَةِ». أخرجه مسلم (¬3). - مَنْ يشرب من الحوض: يشرب من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة كل من آمن به ومات على ذلك. 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَداً، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2300). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6580) , واللفظ له، ومسلم برقم (2303). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2303). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6583) , واللفظ له، ومسلم برقم (2290). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6575) , واللفظ له، ومسلم برقم (2287).

14 - الصراط

- من يطرد عن الحوض: يطرد عن الحوض كل كافر، وكل من ارتد عن الإسلام. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ القِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أصْحَابِي، فَيُجْلَوْنَ عَنِ الحَوْضِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قالتْ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي عَلَى الحَوْضِ حَتَّى أنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقال: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ». متفق عليه (¬2). الرهط: من الثلاثة إلى العشرة. 14 - الصراط - الصراط: هو الجسر المنصوب على ظهر جهنم ليعبر المؤمنون عليه إلى الجنة. - صفة الصراط: عَنْ أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ في حَديثِ الرؤيةِ: « ... وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6585) , واللفظ له، ومسلم برقم (2290). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6593) , واللفظ له، ومسلم برقم (2293).

السَّعْدَانِ، هَلْ رَأيْتُمُ السَّعْدَانَ؟». قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قال: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى». متفق عليه (¬1). - الذين يمرون على الصراط: الذين يمرون على الصراط هم المؤمنون. أما الكفار والمشركون فتتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا من الأصنام والأوثان والشياطين وغيرها من الآلهة الباطلة، فترد النار مع معبودها أولاً. ثم يبقى بعد ذلك من كان يعبد الله وحده في الظاهر، سواء كان صادقاً أم منافقاً. وهؤلاء الذين ينصب لهم الصراط. ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود، وانقطاعهم عن المؤمنين في الظلمة، وَتَمَيُّز المؤمنين عنهم بالنور، فيعود المنافقون إلى الوراء إلى النار. ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم وعموم المسلمين منهم. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7437) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)} [هود: 96 - 98]. 3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ». قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبِعْ كُلُّ أمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلا يَبْقَى أحَدٌ، كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأنْصَابِ إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أهْلِ الكِتَابِ. فَيُدْعَى اليَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا! فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا، يَا رَبَّنَا! فَاسْقِنَا، قال فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أتَاهُمْ رَبُّ العَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أدْنَى صُورَةٍ مِنِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا. قال: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أمَّةٍ

مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا! فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، لا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً (مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً) حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلا أذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أرَادَ أنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رؤُوسَهُمْ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ ربُّنا. ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ العَيْنِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ بِأشَدَّ مُنَاشَدَةً للهِ، فِي اسْتِقْصَاءِ الحَقِّ، مِنَ المُؤْمِنِينَ للهِ يَوْمَ القِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمِ الَّذِينَ فِي النَّارِ. يَقُولُونَ: رَبَّنَا! كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً قَدْ أخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! مَا بَقِيَ فِيهَا أحَدٌ مِمَّنْ أمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا أحَداً مِمَّنْ أمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أمَرْتَنَا أحَداً، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً». وَكَانَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الحَدِيثِ فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]. فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «شَفَعَتِ المَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَماً، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ألا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الحَجَرِ أوْ إِلَى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أبْيَضَ؟». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَأنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالبَادِيَةِ. قال: «فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أهْلُ الجَنَّةِ، هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أدْخَلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ فَمَا رَأيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا! أعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أحَداً مِنَ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا! أيُّ شَيْءٍ أفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ، فَلا أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً». متفق عليه (¬1). - صفة المرور على الصراط: يمر المؤمنون والمنافقون على الصراط، فيسقط المنافقون في النار، ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الحديد: 12]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , ومسلم برقم (183)، واللفظ له.

2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)} [الحديد: 13 - 15]. - وقت المرور على الصراط: يكون المرور على الصراط بعد الحساب، ووزن الأعمال، والفراغ من كل ذلك، ثم يضطر الناس إلى المرور على الصراط. - أول من يعبر الصراط: لا يعبر الصراط إلا المؤمنون. وأول من يعبر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته. فيعطى المؤمنون نورهم على قدر إيمانهم وأعمالهم، ثم يمرون على الصراط بحسب ذلك. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ ِرَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حَديثِ الرؤيةِ: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». متفق عليه (¬1). - ما يكون للمؤمنين بعد عبور الصراط: عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَخْلُصُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

15 - دار القرار

المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأحَدُهُمْ أهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري (¬1). 15 - دار القرار الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء والقرار. لكن لا ينقطع العمل والسؤال إلا بعد دخول دار القرار في الجنة أو النار. أما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع التكليف، كسؤال الملكين الميت في قبره، ودعوة الخلائق إلى السجود لله يوم القيامة، وامتحان المجانين، ومن مات في الفترة ونحو ذلك. ثم يحكم الله بين العباد حسب إيمانهم وأعمالهم. فريق في الجنة .. وفريق في السعير. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} ... [الروم: 14 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]. 3 - وقال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6535).

الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} ... [الحج: 56 - 57]. - صفة حشر المؤمنين إلى الجنة: يحشر المؤمنون إلى الجنة وفداً مكرمين، ويساقون إليها زمراً. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم: 85]. 2 - وقال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزُّمَر: 73]. - صفة حشر الكفار إلى النار: 1 - حشر الكفار إلى النار مرعب ومخيف، يقطع القلب حسرات، فهم يحشرون إلى جهنم أذلاء صاغرين كقطعان الماشية، وينهرون نهراً غليظاً، ويصاح بهم من هنا وهناك. 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزُّمَر: 71]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)} [فُصِّلَت: 19]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)} [الطور: 13]. 2 - ويحشرون إلى جهنم صماً، وبكماً، وعمياً، عطاشاً، زرقاً. 1 - قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ

جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} [الإسراء: 97]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} [مريم: 85 - 86]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)} [طه: 102]. 4 - وَعَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِراً عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). 3 - ويحشر أهل النار أذلاء مع آلهتهم الباطلة وأتباعهم. قال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} [الصافات: 22 - 23]. 4 - وقبل وصول الكفار إلى النار يسمعون أصواتها التي تملأ قلوبهم رعباً وهلعاً، فإذا وصلوها اشتدت حسرتهم، ولكنهم لا يجدون منها مفراً. 1 - قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)} [الفرقان: 11 - 13]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)} [الأنعام: 27]. 3 - وقال الله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)} [الكهف: 53]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (24760) , ومسلم برقم (2806)، واللفظ له.

5 - ثم بعد ذلك يؤمر الكفار بدخول النار هم والشياطين الذين أضلوهم. 1 - قال الله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} [النحل: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 68 - 72]. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل. ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. - دار القرار: الدنيا دار الإيمان والعمل .. وقد رأيناها، ونحن الآن فيها. والآخرة دار الثواب والعقاب .. والخلود في الجنة أو النار. ولا بد للمسلم من أمرين: 1 - معرفة الإيمان والعمل الصالح الذي جعله الله سبباً لدخول الجنة. 2 - معرفة الشرك والمعاصي التي جعلها الله سبباً لدخول النار. وسيكون الحديث هنا إن شاء الله تعالى عن الجنة وعن النار من كتاب من خلقها، وخلق ما فيها، وخلق أهلها. ومن سنة من دخلها، ووطئت أقدامه أرضها محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكل ذلك على ضوء ما ورد في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة.

1 - صفة الجنة

1 - صفة الجنة - الجنة: هي دار السلام التي أعدها الله للمؤمنين والمؤمنات في الآخرة. - أسماء الجنة: الجنة واحدة في الذات، متعددة الصفات، وهي اسم لدار النعيم المطلق في الآخرة. وهذه أشهر أسماء الجنة: 1 - جنة الخلد: قال الله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)} [الفرقان: 15]. 2 - جنة المأوى: قال الله تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)} [السجدة: 19]. 3 - جنة الفردوس: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} [الكهف: 107 - 108]. 4 - جنة عدن: قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص: 49 - 50].

5 - جنات النعيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)} [لقمان: 8]. 6 - دار السلام: قال الله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)} [الأنعام: 127]. 7 - دار المقامة: قال الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} [فاطر: 34 - 35]. - مكان الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 13 - 15]. 2 - وقال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: 22]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7423).

- عدد أبواب الجنة: أبواب الجنة ثمانية: 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزُّمَر: 73]. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». قال: فَقُلْتُ: مَا أجْوَدَ هَذِهِ! فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أجْوَدُ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ، قال: إِنِّي قَدْ رَأيْتُكَ جِئْتَ آنِفاً، قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ» أخرجه مسلم (¬2). - أسماء أبواب الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، نُودِيَ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (¬2) أخرجه مسلم برقم (234).

الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». فَقال أبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: بِأبِي أنْتَ وَأمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا؟ قال: «نَعَمْ، وَأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (¬1). - سعة أبواب الجنة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْراً، وَوَاللهِ! لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ. أخرجه مسلم (¬3). - الأوقات التي تفتح فيها أبواب الجنة في الدنيا: يوم الإثنين .. ويوم الخميس .. وإذا دخل رمضان .. وعند الوضوء. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1897) , واللفظ له، ومسلم برقم (1027). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712) , ومسلم برقم (194)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2967).

1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عُمرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (¬3). - أبواب الجنة مفتوحة يوم القيامة: قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص: 49 - 50]. - أول من يدخل الجنة: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «آتِي باب الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الخَازِنُ: مَنْ أنْتَ؟ فَأقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَُ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2565). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , واللفظ له، ومسلم برقم (1079). (¬3) أخرجه مسلم برقم (234). (¬4) أخرجه مسلم برقم (197).

2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا أكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأنَا أوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ». أخرجه مسلم (¬1). - أول أمة تدخل الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَنَحْنُ أوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). - أول زمرة يدخلون الجنة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ -الألنْجُوجُ، عُودُ الطِّيبِ- وَأزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً، أوْ سَبْعُ مِائَةِ ألْفٍ (لا يَدْرِي أبُو حَازِمٍ أيَّهُمَا قال) مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لا يَدْخُلُ أوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ». متفق عليه (¬4). - دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء: فالدخول هكذا ... ثم لكل درجته حسب عمله. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (196). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (876) , ومسلم برقم (855)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327) , واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6543) ومسلم برقم (219)، واللفظ له.

1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ، يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى الجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - صفة وجوه أهل الجنة: وجوه أهل الجنة بيضاء .. ناعمة .. ناضرة .. ضاحكة .. مسفرة .. مستبشرة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطفِّفين: 22 - 24]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الغاشية: 8 - 10]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} [آل عمران: 107]. 5 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38 - 39]. 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: «أوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2979). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8521) , وأخرجه الترمذي برقم (2354).

وَلا تَحَاسُدَ» متفق عليه (¬1). - درجات الجنة: وهي درجات متفاوتة بعضها فوق بعض. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} [طه: 75 - 76]. 2 - وقال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء: 21]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2 - 4]. - أعلى درجات الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3254) , واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2790).

- إلحاق ذرية المؤمن به إن كانوا مؤمنين محسنين: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} [الطور: 21]. - أعلى منزلة في الجنة: هي الوسيلة، وهي أقرب الدرجات إلى الله، وقد خص الله بها خليله محمداً - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). - تفاوت أهل الجنة في الدرجات: 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قال: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256) , واللفظ له، ومسلم برقم (2831).

جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُقَالُ لِصَاحِب القُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم منزلة: 1 - عَنِ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2790). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1464) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2914). (¬3) أخرجه مسلم برقم (189).

2 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولا الجَنَّةَ، وَآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». متفق عليه (¬1). - عدد صفوف أهل الجنة: عَنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - سعة الجنة وعلوها: الجنة عالية المكان، واسعة المساحة. 1 - قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية: 8 - 11]. 2 - وقال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 21]. 3 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران: 133]. - تفاضل أهل الجنة في القصور: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)} [الإنسان: 20]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7511) , واللفظ له، ومسلم برقم (186). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2546) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4289).

2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)} [العنكبوت: 58]. 3 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزُّمَر: 20]. 4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ!، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ: «بلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (¬1). - أكثر الأمم في الجنة: أعطى الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن تكون أمته شطر أهل الجنة، ثم زاده الكريم إلى الثلثين. 1 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ، فَقال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ». قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ». قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ». قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ، وَذَلِكَ أنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أنْتُمْ فِي أهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأحْمَرِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256) , ومسلم برقم (2831)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6528) , واللفظ له، ومسلم برقم (221).

2 - وَعَنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - عدد الجنات في الآخرة: الجنات كثيرة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} [الحج: 14]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن: 46]. 3 - وَعَنْ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ؟ قال: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى». أخرجه البخاري (¬2). 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». متفق عليه (¬3). - صفة استقبال أهل الجنة: الملائكة وخزنة الجنة تستقبل المؤمنين بالسلام والبِشْر والثناء. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2546)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4289). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2809). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4878) , واللفظ له، ومسلم برقم (180).

1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزُّمَر: 73]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)} [الأنبياء: 103]. 4 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الحديد: 12]. - من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب: 1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأجدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قال: لا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قال: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفاً قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قال: كَانُوا لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثلاَث حَثيَاتٍ مِنْ حَثيَاتِ رَبي عَزَّ وَجَلَّ» ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6541) , واللفظ له، ومسلم برقم (220).

أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً، أوْ سَبْعُمِائَةِ ألْفٍ -لا يَدْرِي أبُو حَازِمٍ أيُّهُمَا قال- مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لا يَدْخُلُ أوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ». متفق عليه (¬2). - صفة أرض الجنة وقصورها: 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزُّمَر: 20]. 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبيَّ لمَّا عُرِجَ بهِ إلى السَّماءِ قَالَ: «ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أتَى بِي السِّدْرَةَ المُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا ألْوَانٌ لا أدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا إِذا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ فَإِذا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَآنَسْنَا أَهَالِينَا وَشَمَمْنَا أَوْلاَدَنَا أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا، فَقَالََ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذلِكَ لَزَارَتْكُمُ المَلاَئِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2437) , وأخرجه ابن ماجه برقم (4286)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6554) , واللفظ له، ومسلم برقم (219). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3342) , واللفظ له، ومسلم برقم (163).

وَلَوْ لَمْ تُذنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ» قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ قَالَ: «مِنَ المَاءِ» قُلْنَا: الجَنَّةُ مَا بنَاؤُهَا؟ قَالَ: «لَبنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبنَةٌ مِنْ ذهَبٍ وَمِلاَطُهَا المِسْكُ الأَذفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثيَابُهُمْ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ» أخرجه أحمد والترمذي (¬1). 5 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ تُرْبَةِ الجَنَّةِ فَقَالَ: «دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ». أخرجه مسلم (¬2). - صفة خيام أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72]. 2 - عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً، مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً». متفق عليه (¬3). وفي لفظ: «فِي الجَنَّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً» أخرجه مسلم (¬4). - صفة استلام قصور الجنة: أهل الجنة يوم القيامة يعرفون مساكنهم كما يعرفون بيوتهم في الدنيا. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8043) , وأخرجه الترمذي برقم (2526)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2928). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4879) , ومسلم برقم (2838)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2838).

بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} [محمد: 4 - 6]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري (¬1). - صفة فرش أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)} [الرحمن: 54]. 2 - وقال الله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} [الواقعة: 34]. - صفة البسط والنمارق في الجنة: 1 - قال الله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 13 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} [الرحمن: 76]. النمارق: الوسائد، الزرابي: البسط، الرفرف: الفرش الزائدة على المجالس. العبقري: المنسوج الفاخر. - صفة آرائك الجنة: الأرائك: هي الأَسِرَّة عليها الكلل، أو الكراسي ذات الوسائد. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطفِّفين: 22 - 23]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2440).

2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)} [الإنسان: 13]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس: 55 - 56]. - صفة سرر أهل الجنة: سرر أهل الجنة عالية .. مصفوفة .. موضونة. 1 - قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} [الحِجر: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)} [الطور: 20]. 3 - وقال الله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)} [الواقعة: 15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية: 13]. - صفة حلي أهل الجنة ولباسهم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا

وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)} [الحج: 23]. 2 - وقال الله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)} [الكهف: 31]. 3 - وقال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} [فاطر: 33]. 4 - وقال الله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)} [الإنسان: 21]. - أول من يكسى يوم القيامة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقال: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}، وَإِنَّ أوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأقُولُ كَمَا قالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْحَكِيمُ} قالَ: فَيُقال: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أعْقَابِهِمْ». أخرجه البخاري (¬1). - صفة أواني أهل الجنة: أواني أهل الجنة من الذهب والفضة في صفاء القوارير. 1 - قال الله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرُف: 71]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)} [الإنسان: 15 - 16]. 3 - وقال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة: 17 - 18]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6526).

4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬2). - صفة خدم أهل الجنة: خدم أهل الجنة ولدان مخلدون في منتهى الحسن والجمال، لا يهرمون ولا يتغيرون. 1 - قال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة: 17 - 18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)} [الإنسان: 19]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} [الطور: 24]. - صفة طعام أهل الجنة: طعام أهل الجنة كل ما لذ وطاب من أنواع الأطعمة والفواكه واللحوم. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد: 35]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7444) , ومسلم برقم (180). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067).

2 - وقال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرُف: 70 - 71]. 3 - وقال الله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)} [الواقعة: 20 - 21]. 4 - وقال الله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 23 - 24]. 5 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)} [يس: 57]. 6 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَكُونُ الأرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ». فَأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقال: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أبَا القَاسِمِ، ألا أخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال: «بَلَى». قال: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قال: ألا أخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قال: إِدَامُهُمْ بَالامٌ وَنُونٌ، قالوا: وَمَا هَذَا؟ قال: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ ألْفاً. متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلاَ يَتْفُلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ» قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6520) , واللفظ له، ومسلم برقم (2792).

وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ». أخرجه مسلم (¬1). 8 - وَعن عُتْبَةَ بن عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً لا أَعْلَمُ أَكْثَرَ شَوْكاً مِنْهَا يَعْنِي الطَّلْحَ، فَقَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِثْلَ خَصْوَةِ التَّيْسُ المَلْبُودُ يَعْنِي الخَصِيَّ، فِيهَا سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ لا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ» أخرجه الطبراني (¬2). 9 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَقَالَ لأَِصْحَابِهِ: إِنْ أَقَرَّ لِي بِهَذِهِ خَصَمْتُهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالجِمَاعِ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الحَاجَةُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ رِيحِ المِسْكِ فَإِذَا البَطْنُ قَدْ ضَمُرَ» أخرجه أحمد والنسائي (¬3). 10 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الكَوْثرُ؟ قَالَ: «ذاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللهُ -يَعْنِي فِي الجَنَّةِ- أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الجُزُرِ» قَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَكَلَتُهَا أَحْسَنُ مِنْهَا». أخرجه أحمد والترمذي (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2835). (¬2) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الكبير» (17/ 130) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2734). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19269) , وأخرجه النسائي في «الكبرى» برقم (11478). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (13206) , وأخرجه الترمذي برقم (2542)، وهذا لفظه.

- أول طعام يأكله أهل الجنة: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: بَلَغَ عَبْدَاللهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَأتَاهُ، فَقال: مَا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: كُنْتُ قَائِماً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ، ... -وفيهِ- فَقَالَ اليَهُودِيُّ: فَمَنْ أوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قال: «فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ». قال اليَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ؟ قال: «زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ». قال: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ قال: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أطْرَافِهَا». قال: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قال: «مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا». قال: صَدَقْتَ. أخرجه مسلم (¬2). - صفة شراب أهل الجنة: شراب أهل الجنة: كل ما لذ وطاب من أنهار الماء واللبن والخمر والعسل والرحيق المختوم. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5 - 6]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3329). (¬2) أخرجه مسلم برقم (315).

3 - وقال الله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)} [الإنسان: 15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} [الإنسان: 17 - 18]. 5 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطفِّفين: 22 - 28]. 6 - وقال الله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)} [الصافات: 45 - 47]. 7 - وقال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)} [الواقعة: 17 - 19]. 8 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الكَوْثرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثلْجِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - صفة أشجار الجنة وثمارها: أشجار وفواكه الجنة كثيرة متنوعة .. مختلفة الأشكال، والألوان، والطعوم، والأحجام. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)} [المرسلات: 41 - 42]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3361) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4334).

2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)} [النبأ: 31 - 32]. 3 - وقال الله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)} [الإنسان: 14]. 4 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)} [ص: 51]. 5 - وقال الله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)} [الدخان: 55]. 6 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة: 27 - 33]. 7 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)} [الحاقة: 19 - 23]. 8 - وقال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)} [الرحمن: 46 - 54]. 9 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 62 - 68]. 10 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَا أنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ -وَذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلاً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، وأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ

وَفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ، جَاءَ فَأتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقالا: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قِيلَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أبْكَاكَ؟ قال: يَا رَبِّ هَذَا الغُلامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابْنٍ

وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأنَّهُ قِلالُ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا كَأنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ، فِي أصْلِهَا أرْبَعَةُ أنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: أمَّا البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالفُرَاتُ. متفق عليه (¬1). 11 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا». متفق عليه (¬2). 12 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِنْ ذهَبٍ». أخرجه الترمذي (¬3). - صفة أنهار الجنة: أنهار الجنة كثيرة منوعة .. مختلفة الأشربة والطعوم .. دائمة الجريان في غير أخدود. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207) , واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6553) , واللفظ له، ومسلم برقم (2828). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2525).

الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1 - 2]. 5 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِي الحَوْضَ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأقُولُ: أصْحَابِي؟ فَيَقُولُ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ». أخرجه البخاري (¬1). 6 - وَعَن عَبْداللهِ بْن عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أبداً». متفق عليه (¬2). 7 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ قَالَ-: وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6582). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6579) , واللفظ له، ومسلم برقم (2292). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2790).

8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة عيون الجنة: عيون الجنة كثيرة .. مملوءة بما لذ وطاب من أنواع الشراب .. يفجِّرها عباد الله متى شاؤا. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5 - 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)} [الحِجر: 45]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطفِّفين: 27 - 28]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} [الإنسان: 17 - 18]. 5 - وقال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)} [الرحمن: 50]. 6 - وقال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)} [الرحمن: 66]. - صفة ظلال الجنة: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)} [الإنسان: 13 - 14]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2839).

3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)} [النساء: 57]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 27 - 30]. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ، لاَ يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}». متفق عليه (¬1). - صفة نساء أهل الجنة: نساء أهل الجنة حسان الأجسام والوجوه .. حور عين .. قاصرات الطرف .. أحسن الخلق صورة وبياضاً وجمالاً .. وأحسنهم كلاماً وريحاً .. أبكار أسنانهن متماثلة. 1 - قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [آل عمران: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)} [الواقعة: 35 - 38]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} [الصافات: 48 - 49]. 4 - وقال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4881) , واللفظ له، ومسلم برقم (2826).

يَعْمَلُونَ (24)} [الواقعة: 22 - 24]. 5 - وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن: 56 - 58]. 6 - وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 70 - 72]. 7 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)} [ص: 52]. 8 - وَعَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أوْ مَوْضِعُ قِيدٍ -يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أنَّ امْرَأةً مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أهْلِ الأرْض لأضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْهُ رِيحاً، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬1). 9 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاء، ِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي الجَنَّةِ أَعْزَبُ؟». متفق عليه (¬2). - صفة عطور وروائح الجنة: عطور الجنة مختلفة الألوان والروائح بحسب اختلاف درجات أهل الجنة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2796) , واللفظ له، ومسلم برقم (1880). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3246) , ومسلم برقم (2834)، واللفظ له.

فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ -الألنْجُوجُ، عُودُ الطِّيبِ- وَأزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي اللهُ عَنْهما، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِداً لَهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بذِمَّةِ الله فَلاَ يُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). - صفة غناء أزواج أهل الجنة: أصوات وكلام وغناء نساء أهل الجنة في غاية الحسن والعذوبة. عَنْ ابنِ عُمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الخَيِّرَاتُ الحِسَانُ ... أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلا يَمُتْنَهْ ... نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327) , واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3166). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1403) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2687).

نَحْنُ المُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّ» أخرجه الطبراني في «الأوسط» (¬1). - جماع أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس: 55 - 56]. 2 - وَعَنْ زَيدِ بنِ أرْقمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ ا? - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالجِمَاعِ»، فقال رجل من اليهود: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ، فَإذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمِرَ». أخرجه الطبراني والدارمي (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قيلَ يا رَسُولَ ا?: هَلْ نَصِلُ إلى نِسَائِنا فِي الجنَّةِ؟ فقالَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي اليَوْمِ إلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ». أخرجه الطبراني في «الأوسط» وأبو نعيم (¬3). 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً، مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (4917). (¬2) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الكبير» (5/ 178) , وهذا لفظه. وأخرجه الدارمي برقم (2721). (¬3) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (5263). وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» برقم (373). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4879) , ومسلم برقم (2838)، واللفظ له.

- صفة الحمل والولادة في الجنة: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤْمِنُ إِذا اشْتَهَى الوَلَدَ فِي الجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - طول أهل الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، ثُمَّ قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ المَلائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ». متفق عليه (¬2). - سن أهل الجنة: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثلاَثينَ أَوْ ثلاَث وَثلاَثينَ سَنَةً». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - صفة سوق الجنة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوقاً، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللهِ! لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11079) , وأخرجه الترمذي برقم (2563). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3326) , واللفظ له، ومسلم برقم (2841). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (7920) , وأخرجه الترمذي برقم (2545)، وهذا لفظه.

وَاللهِ! لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً». أخرجه مسلم (¬1). - صفة مُلك وقصور أهل الجنة: يكرم الله كل واحد من أهل الجنة بملك كبير من الجنان والقصور .. والنساء والخدم .. وألوان النعيم الدائم .. والأنهار والبساتين .. وفوق ذلك كله رؤية ربه .. والفوز برضاه وقربه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان: 20 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72]. 3 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزُّمَر: 20]. 4 - وَعنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ!، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ: «بلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2833). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256) , ومسلم برقم (2831)، واللفظ له.

- دوام نعيم أهل الجنة: أهل الجنة خالدون في نعيم كامل دائم .. لا يزول ولا يتغير ولا ينقص. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54]. 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدريّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قِيلَ: يا رسولَ الله هلْ ينامُ أهلُ الجَنَّةِ؟ قالَ: «لَا، النَّومُ أَخُو المَوتِ» أخرجه البزار (¬2). - صفة نعيم الجنة: في الجنة من النعيم واللذات والشهوات ما لا عين رأت .. ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2837). (¬2) صحيح/ أخرجه البزار برقم (3517) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1087).

[الزُّخرُف: 69 - 73]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)} [الدخان: 51 - 56]. 3 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان: 12 - 22]. 4 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} [الواقعة: 10 - 26]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)

لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} [الواقعة: 27 - 40]. 6 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}». متفق عليه (¬1). - أعظم نعيم أهل الجنة: النعيم في الجنة نوعان: نعيم الاستمتاع بما في الجنة من اللذات والشهوات .. وأعلى نعيم أهل الجنة رؤية الله ورضوانه وسماع كلامه والقرب منه. 1 - قال الله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطفِّفين: 22 - 23]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟». قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكََ» متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3244) , ومسلم برقم (2824)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

قال يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (¬1). 6 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ، رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً». متفق عليه (¬2). - كلام وذكر وتحية أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} [الزُّمَر: 74]. 2 - وقال الله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} [يونس: 10]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} [الواقعة: 25 - 26]. 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ، وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (181). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6549) , ومسلم برقم (2829)، واللفظ له.

المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالحَمْدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ». أخرجه مسلم (¬1). - سلام الرب على أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس: 58]. - أهل الجنة: كل من آمن بقلبه .. وعمل الصالحات بجوارحه .. فهو من أهل الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)} [البقرة: 82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء: 69]. 3 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: « ... وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ قَالُوا: بَلَى قَالَ: - صلى الله عليه وسلم - كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2835). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2865).

لأَبَرَّهُ» متفق عليه (¬1). - أكثر أهل الجنة: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ». متفق عليه (¬2). - آخر من يدخل الجنة: عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ، وَآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». متفق عليه (¬3). - سبب دخول الجنة: دخول الجنة برحمة الله، والعمل سبب، واقتسام المنازل بحسب الأعمال الصالحة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء: 124]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أَحَداً عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (498) , ومسلم برقم (2853)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3241) , واللفظ له، ومسلم برقم (2737). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7511) , واللفظ له، ومسلم برقم (186).

قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ». متفق عليه (¬1). - ما يبشَّر به أهل الجنة: يبشر الله وملائكته أهل الجنة بكل ما يسر عيونهم .. ويفرح قلوبهم. 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} [التوبة: 21 - 22]. 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قال يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ فَمَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6464) , ومسلم برقم (2818)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2837).

أُعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (¬1). - عظمة نعيم الجنة: نعيم الجنة فوق ما يخطر بالبال، فلا يعلم مدى عظمته ومقداره إلا الذي خلقه. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]. 2 - وقال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرُف: 70 - 71]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ تَعَالى: أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ: مَا لا عَيْنٌ رَأتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬3). - خلود أهل الجنة: أهل الجنة خالدون أبداً .. في نعيم لا يزول أبداً. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (181). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3244) , واللفظ له، ومسلم برقم (2824). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3250) , واللفظ له، ومسلم برقم (1881).

وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البيِّنة: 7 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود: 108]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَارَ أهْلُ الجَنَّةِ إِلَى الجَنَّةِ، وَأهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أهْلُ الجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ». متفق عليه (¬1). - إرث أهل الجنة منازل أهل النار: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَهُ مَنْزِلاَنِ مَنْزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ فَإِذا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِث أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}». أخرجه ابن ماجه (¬2). - سيدة الجنان في الآخرة: الفردوس أعلى الجنة .. وأوسط الجنة .. وسقفها عرش الرحمن .. اختارها الله لخيرته من خلقه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف: 107]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6548) , واللفظ له، ومسلم برقم (2850). (¬2) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (4341).

سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). - جنة الدنيا: وهي الإيمان .. وروضة المسجد النبوي .. وحِلق الذكر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا مَرَرْتُمْ برِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «حِلَقُ الذِّكْرِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - ميزان دخول الجنة: دخول المؤمنين الجنة بفضل الله ورحمته .. ودخول الكفار النار بعدل الله .. ورحمة الله سبقت غضبه، فلا يدخل النار إلا من عمل أعمال أهل النار من الكفر والمعاصي. وأما الجنة فيدخلها المؤمنون .. ثم يبقى فيها فضل فينشئ الله لها أقواماً ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7423). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1196) , ومسلم برقم (1391). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (12551) , وأخرجه الترمذي برقم (3510).

يُسكنهم إياها من غير عمل عملوه. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يُدْخِلُ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَلاَ يُجِيرُهُ مِنَ النَّارِ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ». متفق عليه (¬2). - طبقات أهل الجنة: الطبقة الأولى: طبقة الأنبياء والرسل، وهي أعلى درجات الجنة، وهم يتفاوتون في هذه الدرجات، وأعلاهم منزلة محمد - صلى الله عليه وسلم -. الطبقة الثانية: طبقة ورثة الرسل، وهم خلفاء الرسل في أممهم، القائمون بما بُعثوا به علماً وعملاً ودعوة، وهذه أفضل درجات الأمة بعد الأنبياء. الطبقة الثالثة: طبقة أئمة العدل وولاته، وهم الذين يحكمون بالكتاب والسنة، وتُؤْمَن بهم السبل، ويُدفع بهم شر الأعداء. الطبقة الرابعة: طبقة المجاهدين في سبيل الله، وهم جند الله الذين يقيم بهم دينه، ليكون الدين كله لله. الطبقة الخامسة: طبقة أهل الإيثار والإحسان والصدقة، وهم أهل الإحسان إلى الناس بأموالهم إكراماً وإيثاراً ومواساة. فهذه درجات السبق .. وأهلها أنفع الناس لعباد الله .. ولا تستقيم الحياة إلا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2817). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4848) , ومسلم برقم (2848)، واللفظ له.

بهؤلاء. الطبقة السادسة: طبقة من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه كالنوافل والأذكار وتلاوة القرآن ونحوها .. فهذا على خير عظيم .. لكن إذا مات طويت صحيفته. الطبقة السابعة: طبقة أهل النجاة، وهو من يؤدي فرائض الله .. ويجتنب محارم الله .. فهذا من المفلحين. الطبقة الثامنة: طبقة من أسرف على نفسه ثم تاب .. وهؤلاء ناجون من عذاب الله. الطبقة التاسعة: طبقة من خلط العمل الصالح بالعمل السيء، وحسناتهم أكثر من سيئاتهم .. فهؤلاء ناجون فائزون. الطبقة العاشرة: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وهم أهل الأعراف .. فهؤلاء يوقفون بين الجنة والنار .. ثم يدخلهم ربهم الجنة برحمته وفضله. وما تقدم من الطبقات هم أهل الجنة الذين لم تمسهم النار. الطبقة الحادية عشرة: طبقة أهل المحنة والبلية .. وهم من رجحت سيئاتهم على حسانتهم .. وهؤلاء يعذبون في النار على قدر أعمالهم السيئة ثم يخرجون إلى الجنة. الطبقة الثانية عشرة: طبقة من لا طاعة لهم ولا معصية .. ولا كفر ولا إيمان كالمجانين ومن لم تبلغهم الدعوة .. وهؤلاء يمتحنون فمن أطاع دخل الجنة .. ومن عصى دخل النار. - الطريق إلى الجنة: الطريق إلى الجنة هو سلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة بالإيمان

وطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كُلُّ أمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلا مَنْ أبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قال: «مَنْ أطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ». أخرجه مسلم (¬2). اللهم إنا نسألك الجنة .. وما قرب إليها من قول وعمل. ونعوذ بك من النار .. وما قرب إليها من قول وعمل. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7280). (¬2) أخرجه مسلم برقم (93).

2 - صفة النار

2 - صفة النار - النار: هي دار العذاب التي أعدها الله للكفار والمنافقين والعصاة في الآخرة. - أسماء النار: النار واحدة في الذات، متعددة الصفات، بحسب ما فيها من ألوان العذاب. وهذه أشهر أسماء النار: 1 - جهنم: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140]. 2 - الجحيم: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة: 10]. 3 - السعير: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)} [الأحزاب: 64]. 4 - الهاوية: قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 8 - 11]. 5 - سقر: قال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 48].

6 - الحطمة: قال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهُمَزة: 4 - 6]. 7 - لظى: قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)} [المعارج: 15 - 17]. 8 - دار البوار: قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29]. - مكان النار: النار تحت الأرض السفلى. 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطفِّفين: 7]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6]. 3 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إنَّ المُؤمِنَ إِذا حَضَرَهُ المَوْتُ حَضَرَتهُ مَلائِكةُ الرَّحمَةِ، فَإِذا قُبِضَت نَفسُهُ جُعلَت فِي حَريرَةٍ بَيضاءَ، فَيُنْطَلَقُ بِها إِلى بَابِ السَّماءِ، فَيقُولُونَ: مَا وَجدنَا رِيحاً أَطْيَبَ مِنْ هَذِهِ، فَيُقالُ: دَعُوهُ يَستَريحُ فَإِنَّه كَانَ فِي غَمٍّ، فَيُسأَلُ: مَا فَعلَ فُلانٌ؟ مَا فَعلَ فُلانٌ؟ مَا فَعلَت فُلانَةُ؟ وَأَمَّا الكَافِرُ فَإذا قُبِضَت نَفْسُهُ وَذُهِبَ بِها إِلى بَابِ الأَرضِ، يَقُولُ خَزَنَةُ الأَرضِ: مَا وَجدنَا رِيحاً أَنتَنَ مِن هَذهِ، فَتَبلُغُ بِها إِلَى الأَرضِ

السُّفلَى» أخرجه الحاكم وابن حبان (¬1). - عدد أبواب النار: أبواب النار سبعة، وكل باب أسفل من الآخر. قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} [الحِجر: 43 - 44]. - صفة أبواب النار: أبواب النار مغلقة على أهلها. 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهُمَزة: 4 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} ... [السجدة: 20]. - مجيء النار في عرصات القيامة: 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر: 21 - 23]. 2 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ، سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (1304) , وأخرجه ابن حبان برقم (3013).

أخرجه مسلم (¬1). - قعر النار: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفاً، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ». أخرجه مسلم (¬3). - وقود النار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} [الأنبياء: 98]. - قوة حرارة النار: 1 - قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} [الإسراء: 97]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2842). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2844). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2845).

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللهِ! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءاً، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». متفق عليه (¬2). - دركات النار: النار دركات بعضها أسفل من بعض. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أنَّهُ قال: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬3). - صفة ظل النار: أهل النار في سموم وحميم، وظل شديد الحرارة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3265) , ومسلم برقم (2843)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3260) , واللفظ له، ومسلم برقم (617). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3883) , ومسلم برقم (209)، واللفظ له.

1 - قال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} [الواقعة: 41 - 44]. 2 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} [الزُّمَر: 16]. 3 - وقال الله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} [المرسلات: 30 - 31]. - خزنة النار: مالك خازن النار، وعدد خزنة جهنم تسعة عشر. 1 - قال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزُّخرُف: 77 - 78]. 2 - وقال الله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدَّثر: 26 - 31]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49 - 50]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. 5 - وقال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ

أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزُّمَر: 71]. - عظمة خلق أهل النار: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الكَافِرِ، أَوْ نَابُ الكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الكَافِرِ فِي النَّارِ، مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، لِلرَّاكِبِ المُسْرِعِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الكَافِرِ يَومَ القِيامَةِ مِثلُ أُحِدٍ، وَعَرضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِراعاً، وَعَضُدُهُ مِثلُ البَيضاءَ، وَفَخِذُهُ مِثلُ وَرِقانَ، وَمَقعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَا بَينِي وَبينَ الرَّبَذَةَ» أخرجه أحمد والحاكم (¬3). - صفة وجوه أهل النار: وجوه أهل النار يوم القيامة: سوداء .. مظلمة .. باسرة .. كالحة .. خاشعة .. ذليلة .. مغبرة .. عليها قترة. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)} [الزُّمَر: 60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} [القيامة: 24 - 25]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2851). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6551) , ومسلم برقم (2852)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8345) , وأخرجه الحاكم برقم (8759)، وهذا لفظه.

خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} [المؤمنون: 103 - 104]. 4 - وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} [عبس: 40 - 42]. 5 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)} [الغاشية: 2]. - ورود الناس النار: قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. - الذين يمرون على الصراط: الذين يمرون على الصراط المؤمنون والمنافقون، أما الكفار فيساقون إلى جهنم مباشرة. عَنْ أبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي حَديثِ الرؤيةِ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ العَيْنِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». متفق عليه (¬1). - أول من يعبر الصراط: أول من يعبر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته. عَنْ أبي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي حَديثِ الرؤيةِ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَيُضْرَبُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , ومسلم برقم (183)، واللفظ له.

الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ». متفق عليه (¬1). - بعث النار: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفاً». متفق عليه (¬2). - أول من تسعر بهم النار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلََكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3348) , واللفظ له، ومسلم برقم (222).

إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلََكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - أهل النار: أهل النار المخلدون في النار: الكفار والمنافقون .. والمعذبون إلى أمد: وهم بعض عصاة المؤمنين. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} [الأحزاب: 64 - 65]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 3 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: « ... وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعاً لاَ يَبْتَغُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً، وَالخَائِنُ الَّذِي لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلاَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ». وَذَكَرَ البُخْلَ أَوِ الكَذِبَ «وَالشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ». أخرجه مسلم (¬2). - صفة دخول النار: يساق أهل النار إلى النار سوقاً عنيفاً .. ويسحبون على وجوههم .. يدخلونها من مكان ضيق مقرنين في السلاسل .. يدفع بعضهم بعضاً .. ويلعن بعضهم بعضاً. 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1905). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2865).

أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزُّمَر: 71 - 72]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 48]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)} [الطور: 13 - 14]. 4 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت: 25]. 5 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)} [الفرقان: 34]. - اضطراب النار يوم القيامة: النار يوم القيامة إذا رأت أهلها اشتد زفيرها وسعيرها وغيضها .. وزاد لهيبها .. يَحْطِم بعضها بعضاً .. وتَحْطِم كل من يدخلها. 1 - قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} [الفرقان: 11 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ

يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [المُلك: 6 - 8]. 4 - وقال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهُمَزة: 4 - 9]. 5 - وَعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ» أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - أكثر أهل النار: أكثر أهل النار النساء، وأمة يأجوج ومأجوج. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أُرِيتُ النَّارَ فَإذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْن». قِيل: أيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قال: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8411) , وأخرجه الترمذي برقم (2574)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (29) , واللفظ له، ومسلم برقم (907).

قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفاً». متفق عليه (¬1). - أشد أهل النار عذاباً: أشد أهل النار عذاباً إبليس، ثم الأخبث فالأخبث من نُوَّابه وجنوده. 1 - قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} [ق: 24 - 26]. 2 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم: 68 - 70]. 3 - وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45 - 46]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 5 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88]. 6 - وَعَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - «إِنّ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوّرُونَ». متفق عليه (¬2). 7 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3348) , واللفظ له، ومسلم برقم (222). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950) , ومسلم برقم (2109)، واللفظ له.

بثلاَثةٍ بكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ وَبالمُصَوِّرِينَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - أهون أهل النار عذاباً: 1 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ وَالقُمْقُمُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أهْوَنُ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً أبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ». أخرجه مسلم (¬3). - ما يقال لأهون أهل النار عذاباً: عَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ أكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أرَدْتُ مِنْكَ أهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً، فَأبَيْتَ إِلا أنْ تُشْرِكَ بِي». متفق عليه (¬4). - أعظم عذاب أهل النار: العذاب في النار نوعان: عذاب على الأبدان بالنار والإحراق .. وعذاب على الأرواح بالإهانة والصغار، وحجابهم عن رؤية ربهم، وهذا أعظمها. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8411) , وأخرجه الترمذي برقم (2574)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6562) , واللفظ له، ومسلم برقم (213). (¬3) أخرجه مسلم برقم (212). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6557) واللفظ له، ومسلم برقم (2805).

1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام: 124]. 3 - وقال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} [المطفِّفين: 15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56]. - ما يبشَّر به أهل النار: يبشر أهل النار تهكماً بأنواع العذاب الأليم الذي ينتظرهم. 1 - قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} [الجاثية: 7 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)} [النساء: 138]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)} [آل عمران: 21]. - سلاسل النار وأغلالها ومقامعها: خلق الله في جهنم سلاسل يقرن بها كل كافر بمثله .. وأغلالاً تغل بها الأيدي والأعناق .. ومقامع يضربون بها .. ثم يقلب على جمر جهنم .. ويُنْظَم في سلسلة من سلاسل جهنم ويعلق فيها.

1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} [الإنسان: 4]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)} [الحاقة: 30 - 33]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزَّمل: 12 - 13]. 4 - وقال الله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} [الحج: 21 - 22]. 5 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)} [غافر: 70 - 74]. - صفة طعام أهل النار: طعام أهل النار كريه المذاق .. شديد المرارة .. قبيح الطعم .. منتن الريح .. شديد الحرارة .. يغص به آكله لمرارته وبشاعته .. ومنه شجرة الزقوم .. وصديد أهل النار .. والضريع .. والشوك. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزَّمل: 12 - 13]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} [الحاقة: 33 - 37].

3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} [الدخان: 43 - 46]. 4 - وقال الله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} [الصافات: 62 - 68]. 5 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)} [الغاشية: 6 - 7]. - صفة شراب أهل النار: شراب أهل النار في غاية الحرارة .. كريه الطعم .. خبيث الرائحة .. حميم لا يطاق .. وصديد من القيح والدم .. وماء كالمهل غليظ أسود .. حار منتن .. شديد المرارة .. وغساق لا يطاق شربه لبرودته وبشاعته. 1 - قال الله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} [إبراهيم: 15 - 17]. 2 - وقال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف: 29].

4 - وقال الله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)} [ص: 55 - 58]. 5 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ (وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ) فَسَأَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذّرَةِ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ؟ فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنّ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة ثياب أهل النار: ثياب أهل النار قُطِّعت من نار .. وسرابيلهم من قطران، وهو النحاس المذاب الحار. 1 - قال الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} [الحج: 19 - 20]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)} [إبراهيم: 49 - 50]. - فرش أهل النار: فرش أهل النار من نار .. ولحفهم من نار .. ومن فوقهم ظلل من النار .. ومن تحتهم ظلل من النار. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2002).

1 - قال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)} [الأعراف: 41]. 2 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} [الزُّمَر: 16]. - تحية أهل النار: أهل النار يسب بعضهم بعضاً .. ويلعن بعضهم بعضاً .. ويدعو بعضهم على بعض. 1 - قال الله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)} [الأعراف: 38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت: 25]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13 - 14]. - خطبة إبليس في أهل النار: إذا قضى الله الأمر .. وفصل بين العباد .. ودخل أهل النار في النار .. خطب فيهم إبليس ليزيد من كربهم وندامتهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ

وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)} [إبراهيم: 22]. - حسرة أهل النار: إذا استقر أهل النار في النار .. ونالوا جزاء كفرهم .. ازدادت حسرتهم على ما فاتهم من النعيم .. وما حلَّ بهم من العذاب المقيم. 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} [البقرة: 166 - 167]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَدْخُلُ أحَدٌ الجَنَّةَ إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْراً، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ أحَدٌ إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ لَوْ أحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قال: نَعَمْ، قال: فَقَدْ سَألْتُكَ مَا هُوَ أهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي، فَأبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6569). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3334) , واللفظ له، ومسلم برقم (2805).

- طلب النار المزيد: النار يوم القيامة تطلب المزيد من الكفار، لشدة غضبها على من عصى ربها. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ». متفق عليه (¬1). - صور من أحوال أهل النار: عذاب أهل النار في جهنم عظيم فظيع فوق ما يخطر على البال. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)} [الأحزاب: 64 - 66]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56]. 3 - وقال الله تعالى: { } [الزُّخرُف: 74 - 76]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 47 - 48]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4848) , ومسلم برقم (2848)، واللفظ له.

يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36]. 6 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 106 - 107]. - صور من أصناف المعذبين في النار: المعذبون في النار متفاوتون بحسب الكفر والشرك والنفاق .. وبحسب المعاصي والكبائر .. وهؤلاء بعضهم. 1 - الكفار والمنافقون: قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 2 - مانع الزكاة: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة: 34 - 35]. 3 - الذين يكتمون ما أنزل الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة: 174]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ

فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ الله بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 4 - قاتل النفس المعصومة عمداً: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (¬2). 5 - المصورون: 1 - جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنّي رَجُلٌ أُصَوّرُ هََذِهِ الصّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمّ قَالَ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا حَتّىَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَوّرَ صُورَةً فِي الدّنْيَا كُلّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3658) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2649). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3166). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225)، ومسلم برقم (2110) واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7042)، ومسلم برقم (2110) واللفظ له.

6 - آكل مال اليتيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء: 10]. 7 - أهل الكذب والغيبة والنميمة: 1 - قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} [الجاثية:7 - 8]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّاباً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ... يَا نَبيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذونَ بمَا نَتَكَلَّمُ بهِ؟ فَقَالََ: «ثكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). 8 - الذين تخالف أقوالهم أفعالهم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3]. 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ؟ ألَيْسَ كُنْتَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2607). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2616) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3973).

تَأْمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قال: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». متفق عليه (¬1). 9، 10، 11 - آكل الربا، الزناة والزواني، الذين ينامون عن الصلاة: عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في حديث الرؤيا - وفيه أَنَّ المَلَكَيْن قَالاَ للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ. وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحِجَارَةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. أخرجه البخاري (¬2). - بكاء أهل النار وصراخهم: أهل النار يبكون ويصرخون .. ويزفرون ويندمون .. من شدة ما يرون ويعانون من الأهوال. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} [التوبة: 81 - 82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} [فاطر: 37]. 3 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)} [الأنبياء: 100]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3267) , واللفظ له، ومسلم برقم (2989). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7047).

تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13 - 14]. 5 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} [الفرقان: 27]. - دعاء أهل النار: إذا دخل أهل النار فيها نادوا واستغاثوا لعلهم يجدون من يغيثهم، فينادون أهل الجنة .. وينادون خزنة النار .. وينادون خازن النار .. وينادون ربهم .. فلا يجابون إلا بما يزيد حسرتهم. ثم يفقدون الأمل في الخروج منها .. ويأخذون في الزفير والشهيق. 1 - قال الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)} [الأعراف: 50]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49 - 50]. 3 - وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزُّخرُف: 77 - 78]. 4 - وقال الله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: 106 - 108]. 5 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 106 - 107].

- تخاصم أهل النار: إذا رأى الكفار ما أعد الله لهم من العذاب مقتوا أنفسهم .. ومقتوا أحبابهم في الدنيا .. وانقلبت كل محبة بينهم في الدنيا إلى عداوة .. وعند ذلك يخاصم ويحاج أهل النار بعضهم بعضاً. وهذه صور من مخاصمة أهل النار: 1 - مخاصمة العابدين لمعبوديهم: قال الله تعالى: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)} [الشعراء: 96 - 99]. 2 - مخاصمة الضعفاء للسادة: قال الله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} [غافر: 47 - 48]. 3 - تخاصم الأتباع مع قادة الضلال: قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)} [الصافات: 27 - 33]. 4 - تخاصم الكافر وقرينه الشيطان: قال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا

لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)} [ق: 27 - 29]. 5 - ويبلغ الأمر أشده حينما يخاصم الإنسان أعضاءه: قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)} [فُصِّلَت: 19 - 21]. - دعاء أهل النار على من أضلهم: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب: 67 - 68]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)} [فُصِّلَت: 29]. - خلود أهل النار: الكفار والمشركون والمنافقون مخلدون في النار. وأما عصاة الموحدين فهم تحت مشيئة الله .. إن شاء غفر لهم .. وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم ثم أخرجهم إلى الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

- خروج عصاة ا