مختصر التبيين لهجاء التنزيل

سليمان بن نجاح

الجزء الأول

- أ - [الجزء الأول] مقدمة بقلم معالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على المجمع الحمد لله رب العالمين، أنزل كتابه العزيز، وتكفّل بحفظه إلى يوم الدين. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فإنه يسر وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية أن تضع بين يدي الباحثين والمشتغلين بعلوم القرآن الكريم كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» للإمام أبي داود سليمان بن نجاح المتوفى 496 هـ الذي تم إخراجه ونشره بالتعاون العلمي المثمر بين الوزارة، ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وقد بذل الجانبان جهودا طيبة في تقويم الكتاب وتصحيحه وطباعته. وموضوع هذا الكتاب هو رسم المصحف العثماني، وبيان هجائه الذي كتبت به المصاحف العثمانية، فشمل كتابه هجاء جميع القراءات، مع التركيز على قراءة نافع المدني رحمه الله تعالى وهو من أقدم الكتب المؤلفة في هذا العلم، وأنفسها وأوسعها، فحوى بين طياته جميع هجاء مصاحف الأمصار على ما وضعه الصحابة رضي الله عنهم أودع فيه مؤلفه كل ما عرف عن موضوع هجاء المصاحف وما يحتاجه الناسخ للمصحف. فالكتاب يفسح أمام العلماء الطريق في الكشف عن موضوع رسم المصحف وعناية العلماء بتحريره وبيان قواعده، وقد أفاد منه القراء كثيرا، كيف والقراءة مرتبطة برسم المصحف؟ بل هو ركن من الأركان الثلاثة التي يشترطها العلماء لقبول القراءة، كما

- ب - يقول ابن الجزري في النشر (1/ 9): «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة». ولقد احتل هذا الكتاب منزلة سامية من بين الكتب المؤلفة في علم الرسم، ومؤلفه أبو داود شيخ القراء وإمام الإقراء، من أجلّ أصحاب أبي عمرو الداني، وأنبل تلامذته في علوم القرآن والقراءات، بل فاقه في علم الرسم بشهادة علمائه، فكانوا يقدمون ترجيحات التلميذ وتحريراته عند الاختلاف بينهما. وتتأكد أهمية كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» إذا عرفنا أن ثمة روايات غزيرة رواها العلماء المتقدمون الذين ضاعت مصنفاتهم في هذا الباب، ويحتفظ هذا المختصر بجلّ هذه الروايات المفقودة وينقلها عن أصحابها بأسمائهم وألفاظهم. وأود في هذه المقدمة أن أتقدم بالشكر الجزيل لمحقق الكتاب الدكتور أحمد بن أحمد شرشال على ما بذله من جهد علمي في هذا السبيل، كما أتقدم بالشكر لكل من بذل الجهد في تقويم الكتاب وتصحيحه وطباعته. والوزارة ماضية بإذن الله في دعم المسيرة العلمية التي ترعاها حكومة المملكة العربية السعودية التي ما فتئت تدعم كل ما من شأنه خدمة كتاب الله ورعاية علومه. وندعو الله عز وجل أن يديم على هذه البلاد عزها وعطاءها الميمون في ظل قائد هذه المسيرة المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني حفظهم الله جميعا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقدمة مجمع الملك فهد

مقدمة [مجمع الملك فهد] الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية يحرص على إعداد كل ما يتصل بخدمة كتاب الله عز وجل وطباعته ونشره، ومن ذلك علوم القرآن المتنوعة تأليفا وتحقيقا مما يعده الباحثون في إدارة الشئون العلمية، أو الأعمال العلمية المعدّة ممن لهم اهتمام وعناية بالقرآن الكريم وعلومه. وقد قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بطبع كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» للإمام أبي داود سليمان بن نجاح الأموي المتوفى 496 هـ الذي قام بتحقيقه والتعليق عليه الدكتور أحمد بن أحمد شرشال وقد تم إخراجه ونشره بالتعاون العلمي المثمر بين وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وذلك بعد دراسته وتقويمه من قبل الشئون العلمية، ويعدّ الكتاب من أنفس الكتب المؤلفة في علم الرسم وتحرير مسائله، كما أن الطراز في شرح ضبط الخراز للإمام أبي عبد الله التنسي- الذي سبق أن طبع بالمجمع- من أحسن الكتب في علم أصول الضبط لكتاب الله الكريم، وهما عمدة النساخ في رسم المصحف ونقطه بالشكل، ومن أهم مصادر اللجنة العلمية التي أشرفت على إعداد «مصحف المدينة النبوية» وقد جاء في تقريرها: «وأخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم ... وقد روعي في ذلك ما نقله الشيخان أبو عمرو الداني وأبو داود سليمان بن نجاح مع ترجيح الثاني عند الاختلاف غالبا» وبهذين الكتابين اكتمل موضوع كتابة المصحف من حيث رسم حروفها وهجائها، ومن حيث إعرابها بالنقط والشكل.

والكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» موسوعة علمية مطولة في موضوع رسم المصحف العثماني وما يتصل بذلك، لا يستغني عنه الباحثون من علماء القراءات، ولا اللجان العلمية التي تشرف على طباعة المصحف في شتى بقاع العالم. ومؤلفه أبو داود سليمان بن نجاح إمام وحجة في علم الرسم، وقد فاق أقرانه، فعلماء الرسم اهتموا بمؤلفاته، وأخذوا بترجيحاته وتحريراته في هذا العلم. إن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف قد هيأ في سبيل ذلك فريق عمل متخصصا في القرآن الكريم وعلومه، ويسرّه أن يتعاون لتنفيذ مهامه المنوطة به مع العلماء الجادين الذين تهيأت لهم إمكانات علمية وقدرات بحثية للنهوض بالواجبات التي ندبوا أنفسهم للقيام بها. وفي هذا العمل الجليل الذي تمت طباعته في مطابع المجمع وتحت إشرافه المباشر، يلمس القارئ تلك العناية العظيمة التي بذلها السلف الصالح في سبيل كتابة القرآن الكريم ورسمه وضبطه، وكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» حلقة مهمة من هذه الحلقات. ومما يزيد من أهمية هذا السفر الجليل هذه الدراسة العلمية المتقنة التي عني بها المحقق لأجلاء غوامض هذا العلم وما يلزمه من التحرير والبحث في بعض مسائله ومشكلاته، ثم يأتي النص محققا على طائفة من النسخ المخطوطة المعتمدة وفق أسلوب العمل المنهجي في تحقيق التراث الإسلامي ونشره. وندعو الله عز وجل أن يحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الأمانة العامة لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

شكر

شكر إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. أما بعد: فعملا بقول الله عز وجل: لئن شكرتم لأزيدنّكم (إبراهيم: 7) فإنني أحمده وأشكره، وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأثني عليه الخير كله، فهو المستحق للحمد والثناء بما أنعم وتفضل، ويسر وأعان. ومن إنعامه وإفضاله أن وفقنا لإتمام هذا البحث، وجمع لنا بين شرفين عظيمين: شرف طلب القرآن وعلومه وقراءاته، وشرف المقام في مدينة النبي صلى الله عليه وسلّم، وفي أشرف بقعة فيها؛ في مسجده الشريف، ما أعظمها من نعمة! يجب أن نستشعرها، ويستشعرها طلاب العلم، ونسأل الله العظيم الجليل أن يعيننا على أداء حقها، ويرزقنا دوام شكرها، وتبليغ ما حملناه. فهذه الخصوصية لم تتوفر ولن تتوفر في أي بقعة من الأرض، اللهم لك الحمد والشكر، وعلى قدر هذه النعمة والفضل تعظم المسئولية، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وعملا بهدي الرسول صلى الله عليه وسلّم: «من صنع لكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به، فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه» (¬1) وقوله أيضا: «من لا يشكر الناس، لا يشكر الله» (¬2). ¬

_ (¬1) من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود في سننه 2/ 310 رقم 1672 والنسائي 5/ 61 رقم 2568. (¬2) أخرجه الترمذي في سننه 3/ 228، وأبو داود 4/ 304 وأحمد في مسنده الفتح الرباني 19/ 94.

ومن أكبر المعروف وأعظمه أن تيسر للطالب تكاليف العلم وكفايته مئونة الطلب، وتوفير أسبابه في أعظم بقعة على وجه الأرض. لذا أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى القائمين على هذه الجامعة الإسلامية المباركة، التي تقدم لطلابها العلوم النافعة الخالية من الشوائب على المنهج الصحيح هدي السلف الصالح من الكتاب والسنة، ولا شك أن هذه نعمة كبرى على طلاب هذه الجامعة، حيث زودوا بملكة يميزون بها بين المعارف البشرية، والمذاهب والنحل، وبين الوحي المنزل في الكتاب والسنة، وحينئذ يصبحون في منعة وحصانة من أساليب الغزو الفكري ومظاهر الحضارة البرّاقة. فأزجي شكري وتقديري إلى الجامعة الإسلامية بعامة، وإلى كلية القرآن الكريم بخاصة على رعايتها لي في دراسة القرآن وعلومه، وما هيأته لي من سبل الراحة، والتفرغ للتحصيل فكفتني هم تبعات الحياة، نسأل الله العظيم الجليل أن يوفق القائمين عليها ويسدد خطاهم على طريق الخير. ثم إني أتوجه بالشكر الجزيل إلى المشرفين على هذه الرسالة: الشيخ عبد الفتاح المرصفي- اللهم اغفر له وارحمه- والدكتور/ محمد سالم محيسن. وتوج هذا الإشراف الأستاذ الدكتور/ عبد الله بن عمر الأمين وكيل الكلية، أحسن الله إليه وجزاه الله خيرا. وأقدم شكري وخالص تقديري إلى مشايخي في كلية القرآن الكريم، نسأل الله العظيم الجليل أن يمن علينا وعليهم بالعافية والستر، وحسن الخاتمة، ونسأله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

مقدمة الدراسة

مقدمة الدراسة مدخل: إن العناية بكتابة القرآن، ونشره بين الناس سنة نبوية كريمة، ورثها علماء المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، فكان صلى الله عليه وسلّم قد اتخذ كتابا للوحي، منهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومنهم زيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم. وكان كلما أنزل عليه شيء من القرآن، يدعو كتاب الوحي، فيمليه عليهم، ويحدد لهم مواضع الآيات في السور، فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» (¬1). وكان صلى الله عليه وسلّم يحث أصحابه على كتابة القرآن، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، ومن كتب عنّي شيئا سوى القرآن فليمحه» (¬2). وهكذا لم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن كتب القرآن كله بين يديه على العسب (¬3) واللخاف (¬4) والرقاع (¬5) وقطع الأديم والأكتاف وغيرها مما كان متيسرا في عصرهم. ثم توالت كتابة القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث كتب القرآن كله في نسخة موزعة في صحف فحفظها أبو بكر عنده، ثم حفظها عمر بن الخطاب بعده، ثم حفظتها حفصة بنت عمر بعد وفاة أبيها. ¬

_ (¬1) من حديث ابن عباس عن عثمان بن عفان أخرجه الإمام أحمد 1/ 57، 69، وانظر: 4/ 218، 3/ 120، 245 فتح الباري 9/ 8، 22. (¬2) أخرجه الإمام مسلم كتاب الزهد بشرح النووي 18/ 229، وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 119 والخطيب في تقييد العلم 57. (¬3) العسب: جمع عسيب، وهو جريد النخل. (¬4) اللخاف: صفائح الحجارة. (¬5) الرقاع: جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو ورق.

وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه كان أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وهكذا أهل كل بلد يقرءون بقراءة من حلّ به من الصحابة. وعند ما التقوا في فتح أرمينية اختلفوا في وجوه القرآن، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع به أهل العراق، وهؤلاء يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام، فخطّأ بعضهم بعضا (¬1)، فأفزع حذيفة بن اليمان اختلافهم، فأسرع إلى عثمان بن عفان وقال له: «يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى» (¬2). ووقع مثل ذلك في المدينة النبوية بين متعلمي القرآن ومعلميه، فتعاظم عثمان ذلك، فخطب الناس وقال: «أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا ... ». ثم قال: «اجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماما» (¬3). وطلب الصحف من حفصة، واعتمد عليها في استنساخ مصاحف عدة، وأرسلها إلى الأمصار، ومع كل مصحف قارئا. وهذه المصاحف هي التي اصطلح العلماء بعد ذلك على تسميتها ب «المصاحف العثمانية» نسبة إلى الخليفة عثمان بن عفان، لأنها كانت بأمره وإرشاده وليست بخطه، وإنما هي بخط زيد بن ثابت بطريقة خاصة ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري 9/ 21. (¬2) انظر: فتح الباري 9/ 14. (¬3) انظر: تفسير الطبري 1/ 21.

وبرسم مخصوص مجرد من النقط والشكل. وقد صارت أصلا لما كتب بعد ذلك من مصاحف إلى يومنا هذا. ولارتباط القراءة بخط المصاحف تتبع القراء هجاء المصاحف. قال أبو عبيد القاسم بن سلّام (ت 224 هـ): «وإنما نرى القراء عرضوا القراءة على أهل المعرفة بها وتمسكوا بما علموا منها مخافة أن يزيغوا عما بين اللوحين بزيادة أو نقصان، ولهذا تركوا سائر القراءات التي تخالف الكتاب ولم يلتفتوا إلى مذاهب العربية فيها إذا خالف ذلك خط المصحف، وإن كانت العربية أظهر بيانا من الخط، ورأوا تتبع حروف المصاحف وحفظها عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها» (¬1). وحينئذ لاحظ علماء القراءات هيئة هذا الرسم، وخاصة تلك الحروف التي تميزت بزيادة أو حذف أو بدل فوصفوها رواية بالعد والوزن والوصف الدقيق، وترجمة عملية بنسخ المصاحف على وفقها، ومطابقة لها. ومن هؤلاء المبرّزين في هجاء المصاحف أبو داود سليمان بن نجاح المتوفى سنة 496 هـ روى الرسم علما وعملا بتأملاته ومشاهداته للمصاحف في كتابه الكبير المسمى ب «التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه» ضمنه إلى جانب هجاء المصاحف كثيرا من علوم القرآن، إلا أن ضخامته حدّت من انتشاره وتداوله لفتور الهمم، وميل الناس إلى الاختصار، فسأله طلاب العلم أن يختصره، فأجابهم إلى ذلك، ففصل الرسم وحده في كتاب، واقتصر عليه، وسماه «المختصر» وهو كتابنا هذا الذي بين أيدينا، والذي قمت بتحقيقه وخدمته وإخراجه، بعد أن ظل قرونا من الزمن حبيسا في المكتبات الخطية، فكاد يندرس ويندثر. ¬

_ (¬1) فضائل القرآن لأبي عبيد ص 361.

وترجع صلتي بكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» للإمام أبي داود سليمان بن نجاح إلى الأيام الأولى من مراحل البحث لرسالتي الأولى، عند ما قمت برحلة علمية إلى كل من مصر وتونس والمغرب بحثا وجمعا للمصادر والمراجع، فشاء الله سبحانه وتعالى أن أظفر بنسختين مختلفتين من الخزانة الحسنية بالمغرب. واشتدت صلتي بالكتاب، واستهواني موضوعه ومنهجه، ومما زاد في عزمي وحزمي على تحقيقه، زيادة صلتي به حيث كان مصدرا أصيلا لكتاب: «الطراز في شرح ضبط الخرّاز» موضوع رسالتي السابقة، فكان يصحبني وفي صحبتي طيلة مدة البحث من أوله إلى آخره. وحينئذ عرفت مضامينه ومراميه، وعرفت أصوله وفروعه وعرفت أنه أحق بأن تبذل فيه الجهود، وتنفق فيه الأعمار. وبما أن الرسم يتعلق بذات حروف الكلمة حذفا وإثباتا وقطعا ووصلا، والضبط يتعلق بما يعرض لهذه الحروف من حركة وسكون، وذلك وصف للحرف، وهو موضوع رسالتي الأولى. وبما أنه لا بد للصفة من موصوف، فكان لا بد لي أن أتطرق لبيان هذا الموصوف، وهو الرسم. فأردت بهذا الاختيار تكملة موضوع رسالتي السابقة الذي تناولت فيه إعراب المصحف بالنقط والشكل، فيكون موضوع هذه الرسالة في رسم هجاء المصاحف، وبه يكتمل موضوع كتابة المصاحف، من رسم هجائها وضبط حروفها لحاجة أحدهما إلى الآخر.

وحينئذ يتوفر للمكتبة القرآنية كتاب محقق في إعراب المصحف بالنقط والشكل، وهو المسمى ب «الطراز في شرح ضبط الخرّاز» للإمام التنسي وكتاب محقق في رسم هجاء المصاحف وهو المسمى ب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل». وعلى كلا الكتابين اعتمد نساخ المصاحف، وستلاحظ ذلك في خاتمة المصاحف في الشرق والغرب، والحمد لله على التمام والكمال. ومما يزيد في أهمية معرفة هجاء المصاحف بيان معرفة اختلاف القراء في بعض الأحرف. ولن يتسنى لقارئ القرآن معرفة بعض الأحرف التي اختلف فيها القراء إلا بعد معرفة رسم هذه الأحرف. وهو باب مهم في القراءة، ولذلك نجد الكتب المؤلفة في القراءات وشراح الشاطبية خصت فيها بابا لذكر مرسوم المصاحف. قال الإمام أبو العباس المهدوي: «كانت الحاجة إليه كالحاجة إلى سائر علوم القرآن، بل أهم، ووجوب تعليمه أشمل وأعم، إذ لا يصح معرفة بعض ما اختلف القراء فيه دون معرفته (¬1)» أي رسم هجاء المصاحف، كما هو واضح في وقف حمزة وهشام وغيرهما على بعض الحروف. وقال ابن القاصح: «ويحتاج القارئ إلى معرفة الرسم في ذلك، فيقف بالحذف على ما رسم بالحذف، وبالإثبات على ما رسم بالإثبات» (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: هجاء مصاحف الأمصار 75. (¬2) انظر: سراج القاري 127، إبراز المعاني 275.

ثم إنه لم تقتصر أهمية الرسم العثماني على كتابة المصاحف وإعرابها بالشكل فحسب، كما يظن بعض القاصرين، بل إن أهميته تجلت عند بعض اللغويين والنحويين والمفسرين، فضلا عن القراء، فيتخذون من وسائل الترجيح رسم المصحف والاحتجاج به في اللغة والإعراب والصرف، ويظهر ذلك جليا عند سيبويه وأبي إسحاق الزجاج وابن خالويه وابن جني وأبي جعفر الطبري ومكي بن أبي طالب وأبي عمرو الداني، وجمهور كثير من المفسرين (¬1). فتجاوزت أهمية الرسم المصاحف إلى اللغة العربية إعرابا وصرفا واشتقاقا. ولذلك ذكر النحويون علم الخط في كتب النحو لضرورة ما يحتاج إليه، ولأن كثيرا من الكتابة مبنية على أصول نحوية، ففي بيانها بيان لتلك الأصول ككتابة الهمزة على نحو ما يسهل به، وهو باب من النحو كبير (¬2)، بل إن كثيرا من مسائل النحو تستفاد من الرسم ويستغنى به عن النحو والشكل. والحق أن لموضوع الرسم شأنا عظيما، لأنه يكشف بعض النواحي في مسألة نشأة الكتابة العربية، ومن هنا كان لكتاب أبي داود سليمان بن نجاح قيمة كبيرة، لأنه يفسح أمام الباحثين مجالا رحبا في موضوع كتابة اللغة، وطريقة رسم هجاء المصاحف. ¬

_ (¬1) انظر: رسم المصحف للدكتور شلبي 57. (¬2) انظر: همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي 6/ 341.

ثم إن المؤلف أبا داود لم يعتن بمؤلفاته أحد ولم يسبق أن حقق له كتاب، كما لم يعتن أحد بحياة المؤلف، بل لم يعرف من كتبه إلا هذا، لذا أحببت أن أسهم في إحياء هذا الكتاب الذي كاد يندرس، وبإبراز جوانب مهمة عن شخصية أبي داود العلمية وآثاره ومؤلفاته، فكان جديرا بالدراسة والتقويم والتحليل، فالمؤلّف والمؤلّف كلاهما وصف بالإمام والحجة، فكتابه «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» إمام الكتب، وحجة فى موضوع هجاء المصاحف. والمؤلّف أبو داود إمام القراء والإقراء، وحجة في هجاء المصاحف، فإليه المرجع وبه القدوة، ولم يدانه أحد في صناعته هذه نظرا لمكانته في هذا العلم ورسوخه فيه، وكثرة اشتغاله بالنسخ والإقراء والتأليف والتصنيف طوال حياته. فأردت أن أزيح صفحة النسيان عن علم من أعلام الأندلس المعتبرين، فكان جديرا بأن يلحق بأقرانه كالداني، ومكي، والطلمنكي، والمهدوي، وغيرهم. ولو لم يكن من فوائد هذه الرسالة، إلا أنها تعرف هذا العلم أبا داود سليمان بن نجاح، وتبرز معالم شخصيته وآثاره العلمية، لكان ذلك كافيا. وقد شاهدنا كثيرا من الباحثين نالوا درجة علمية على تناولهم هذا الجانب من الدراسة فقط. فكيف بدراسة يضاف إليها تحقيق ديوان من دواوين المؤلف أبي داود المهمة، ومن أمهات كتب هجاء المصاحف التي ضن بها الزمن. لذا فإن دراستي للمؤلف، وتحقيق كتابه سوف تكون بإذن الله بكرا، والفضل لله وحده.

وقد حظي باهتمام الناسخين وجه الرسم الذي اتبعه الإمام أبو داود في «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» فطبعت به مصاحف عدة في الشرق والغرب بروايات مختلفة، بل ورد عن الناسخين ترجيح مذهب أبي داود عند ما يختلف مع شيخه أبي عمرو الداني. يقول نساخ المصاحف: «وقد روعي في ذلك ما نقله الشيخان أبو عمرو الداني، وأبو داود سليمان بن نجاح مع ترجيح الثاني عند الاختلاف». هذا الكلام وقع من نفسي موقعا حسنا، فقوي عزمي أن أختار هذه الشخصية الراجحة، وأنتسب إليها، والحمد لله على فضله وإحسانه. فلمكانة هذا الكتاب العظيم كان اعتزازي بالانتساب لتحقيقه، ولمكانة مؤلفه كان اختياري لدراسته. ثم إن هذا الكتاب حفظ لنا روايات وأقوالا للعلماء المتقدمين الذين لم تصلنا مؤلفاتهم، مثل روايات نافع بن أبي نعيم المدني، وأبي عبيد القاسم ابن سلام، وحكم بن عمران الناقط الأندلسي، وعطاء بن يزيد الخراساني، ونصير بن يوسف النحوي، ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وغيرهم ممن كانوا أئمة في القراءات وهجاء المصاحف. فكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» حفظ لنا بعضا من هذه الروايات، وأقوال المتقدمين؛ لأن كل ما ألّف في موضوع هجاء المصاحف، وإعرابها بالنقط والشكل في العصور المتقدمة يعد في عداد المفقود أو المهمل. وحينئذ يعد الظفر بكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» وإخراجه- والحالة هذه- كنزا وثروة علمية تسد فراغا كبيرا، ونقصا حاصلا،

لنساخ المصاحف، وإعرابها بالنقط والشكل، وكيفية ذلك، ونورا سطع على المهتمين بالمصاحف ونساخها، والفضل لله وحده، ثم لمؤلفه رحمه الله، ولهذه الجامعة الإسلامية التي أتاحت لي الفرصة لمتابعة هذا الكتاب بالتحقيق والتصحيح. يضاف إلى ذلك غزارة المادة العلمية التي اشتمل عليها كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»، فلم أعلم كتابا أوسع وأجمع لهجاء المصاحف من هذا الكتاب حسب علمي واطلاعي، فإنه سفر ضخم من أسفار هجاء المصاحف، بل إنه من أكبر الكتب المؤلفة في ذلك، ضمّنه مؤلفه ما رواه عن شيوخه المتقدمين، وأضاف إليه ما رآه وشاهده في المصاحف العتيقة المظنون بها الصحة والمتابعة لمصاحف الأمصار. روى الإمام أبو داود هجاء المصاحف عن المصاحف المنتسخة من الإمام، التي بعث بها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة والبصرة والكوفة والشام والمصحف الذي جعله لأهل المدينة والمصحف الإمام. فأورد في كتابه هذا وصفا دقيقا لجميع هجاء مصاحف الأمصار المنتسخة من الإمام. ومن ثم لم يكن مغاليا ولا مبالغا عند ما وصف كتابه هذا بالإمام، فقال: «ونجعله إماما» فهو حقا إمام الكتب في وصف هجاء مصاحف الأمصار، بلا منازع. وكان بعض علماء الرسم لا يعتد ببعض المصاحف ولا يعول عليها، ويحتج بالمصاحف التي اطلع عليها أبو عمرو الداني وأبو داود، ويردّ ما عداها.

قال حسين الرجراجي (ت 899 هـ): «إذ لا حجة بالمصاحف الموجودة بين أيدينا اليوم، وإنما الحجة بالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة رضي الله عنهم، وهي التي اطلع عليها أبو عمرو الداني، وأبو داود وغيرهما من الشيوخ المقتدى بهم في هذا الشأن» (¬1). فهذه شهادة من عالم بالرسم بأن أبا داود حجة في هجاء المصاحف. ثم إنه اشتمل على موضوعات إلى جانب هجاء المصاحف كبيان السور المكية والمدنية، وعد الآي والقراءات، والأجزاء والأحزاب، وكل ما يحتاج إليه نساخ المصاحف. ثم إن منهجه الفريد الذي اتبعه في وصف هجاء المصاحف على نسق المصحف الشريف يسهل الرجوع إلى موضوع الكلمة القرآنية في موضعها من السورة. ثم إن دقته في وصف هذه الأحرف القرآنية بالعد والوزن والتقطيع لم تعهد عند غيره. فدوّن المؤلف في كتابه هذا وصفا دقيقا لطريقة رسم الكلمات كما وردت في مصاحف الأمصار، فاستوعب فيه الرسم استيعابا لا مثيل له. ثم منهجه الفريد الذي لاحظته وأنا بصدد قراءته لمست فيه ميزة لم تعهد عند غيره، فالمؤلف كلما ذكر تعليلا للقراءة أو توجيها للرسم، فإنه يردفه، ويعقب عليه بقوله: «هذا مع اتباعه من قرأ عليه» إشعارا منه بأن التعليل والتوجيه لا معول عليه، فهو تابع للرواية والنقل والسماع، وإن كان يوافق ذلك وجها في العربية فصيحا أو أفصح. ¬

_ (¬1) انظر: تنبيه العطشان ورقة 146.

ثم يلتمس التوجيه والتعليل بعد متابعة الرواية. فكان يكثر من قوله: «هذا مع اتباعه من قرأ عليه لقوله صلى الله عليه وسلّم: «اقرءوا كما علمتم»، ومن قوله: «اتباعا للمرسوم، ولمن أخذنا ذلك عنه، إذ ليس للقياس طريق في كتاب الله عز وجل، وإنما هو سماع وتلقين». فهذا دأبه في كتابه «مختصر التبيين لهجاء التنزيل». ومما يدل على أهمية الكتاب أن المؤلف رحمه الله يربط القراءة بالمصاحف، وهو أمر خلت منه جميع الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف. فالمؤلف رحمه الله جمع بين رواية هجاء المصاحف ورواية القراءة ويقرن بينهما، ولم تعهد هذه الطريقة عند غيره فيما أعلم. فكان يقول مثلا: «وكتبوا في مصاحف أهل المدينة والشام: سارعوا وكذا قرأنا لهم، وفي سائر المصاحف: وسارعوا وبذلك قرأنا لهم». فهذا الربط يدل دلالة قطعية على أنّ قبول القراءة لا بد أن يكون موافقا لهجاء أحد مصاحف الأمصار. وكذا لمست في كتابه السهولة واليسر، وعدم التكلف والتعصب سواء كان ذلك فيما يتعلق بالشكل، أو المحتوى أو بما ذهب إليه واختاره، فعباراته ولغته سهلة، وأسلوبه خال من الغريب والإغراق في استعمال الوحشي من الألفاظ. كما ظهرت هذه السهولة واليسر في اختياراته وترجيحاته، ويتجلى ذلك في بعض الكلمات حيث يروي رواية مخالفة لما تلقاه ورواه عن شيوخه فلا يردها بل يحترمها، ويحسن العمل بها، أو يحسن الوجهين

معا، أو يختار وجها، ولا يمنع من الوجه الآخر، ومن حين لآخر كان يقول «فليكتب الكاتب ما أحب من ذلك فهو في سعة». ومما رغبني فيه ما لمسته من التقصير الواضح في خدمة الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف، فقد زهد الناس فيها، وهجروا هذه المصنفات، إذ تخلو المكتبات الإسلامية خلوا تاما من هذا النوع نتيجة للإهمال، فصار رسم المصحف نسيا منسيا، وضاعت أغلب الكتب المؤلفة، ولا سيما الأصول منها. وكاد هذا الأصل يندرس ويندثر، والله المستعان. فمثل هذا السفر عزّ أن يجود الزمن بمثله، وعهدي بنساخ المصاحف أنهم كانوا يعتمدون عليه بواسطة النقل والاقتباس من الكتب، وشراح المورد لعدم توفر نسخه عند أهل المشرق. لذا يعد إخراجه من الأهمية بمكان، والله الموفق.

هذا، وبعد النظر في مجموع المادة العلمية، ودراستها وتصنيفها، اقتضى ذلك تقسيم البحث قسمين: الدراسة، وتحقيق نص الكتاب. القسم الأول: الدراسة جعلت الدراسة في بابين ومقدمة وخاتمة. فالمقدمة: تناولت فيها أهمية الرسم والعناية به وأسباب الاختيار، وخطة البحث. والخاتمة: سجلت فيها أهم نتائج هذا البحث، وما أسفر عنه من ثمرات ويتلو ذلك نصائح وتوجيهات. الباب الأول: عصر المؤلف وحياته وجعلته في فصلين. الفصل الأول: عصر المؤلف وتناولت فيه المبحثين الآتيين: الأول: الحياة السياسية الثاني: الحياة العلمية والفكرية وأبرزت فيها الجوانب الآتية: أ- النشاط العلمي. ب- أهم الأحداث الفكرية. ج- اهتمام علماء الأندلس بهجاء المصاحف.

الفصل الثاني: حياة المؤلف وتناولت فيه اسمه ونسبه، ومولده ووفاته، وأسرته، وشيوخه ومدى تأثره بهم، وتلاميذه ومدى تأثرهم به، ومؤلفاته، ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه. الباب الثاني: نشأة علم هجاء المصاحف وتطوره وجعلته في فصلين: الفصل الأول: ظهور علم هجاء المصاحف وتطور التأليف فيه وتناولت فيه تعريف الرسم لغة واصطلاحا، وأقسام الخط، ونشأة علم الرسم العثماني، ومصادر التأليف في هجاء المصاحف، والمؤلفات فيه، وأقوال العلماء في وجوب اتباع الرسم العثماني، وفي فصاحة الرسم وبلاغته. الفصل الثاني: دراسة الكتاب وتحليله وتقويمه. وتناولت فيه إثبات اسم الكتاب، وإيهاما يجب رفعه، وسبب تأليفه، وإثبات نسبته لمؤلفه، ومنهجه وأسلوبه، ومصادره في كتابه، وتقويم الكتاب، من حيث: قيمته العلمية، وأثره فيمن بعده، ومقارنته بغيره، وملاحظات عليه أو الدراسة النقدية. وخصصت المبحث الأخير لوصف النسخ المخطوطة للكتاب.

القسم الثاني: تحقيق نص الكتاب ويشتمل على ما يلي: نسخت أولا نسخة «ب» نسخا كاملا حسبتها أتقن النسخ وأحسنها، ثم لما انتهيت منها اتضح لي أن نسخة «أ» أتقن منها وأصح نسخة من النسخ الست التي ظفرت بها. فأعدت النسخ من «أ» كاملا، وألغيت الأولى لأمور ذكرتها في وصف نسخة «أ» وجعلت «ب» تالية ل «أ». وحاولت تقويم النص وإخراجه بصورة مرضية باعتمادي على مقابلة النسخ، وإثبات الفروق في الحاشية، ووضعت السقط بين قوسين معقوفين من باقي النسخ الأخرى، واتبعت في ذلك طريقة الترجيح. ونسبت الآيات القرآنية إلى سورها، ورسمتها بالرسم العثماني، وضبطت الهمزات المحققة بالأصفر، والهمزات المسهلة باللون الأحمر، وعلامات الابتداء بألف الوصل باللون الأخضر، وجعلت الحركات والسكون وجميع الملحقات باللون الأحمر ليتميز الرسم من الضبط، ومحافظة على تجريد المصحف. وضبطت الآيات القرآنية وفق قراءة نافع من رواية ورش، إلا في بعض المواضع التي تحتاج إلى بيان الضبط على القراءة الأخرى حسب سياق المؤلف. وذكرت في الحاشية قراءات الأئمة العشرة. وخرجت القراءات من مصادرها المعتمدة. وخرجت الأبيات الشعرية التي استشهد بها المؤلف وهي قليلة جدا. وحاولت التوفيق بين رسم المشارقة والمغاربة، واخترت مذهبا وسطا أحيانا يوافق مذهب المشارقة فأرجحه، وأحيانا يوافق مذهب المغاربة

فأرجحه لعلل وحجج ذكرتها في مواضعها. وترجمت للأعلام الذين وجدت لهم تراجم. وناقشت بعض الحروف التي سكت عنها المؤلف في الحاشية، وبينت وجه الصواب في ذلك، مقدما الحجة على مذهب المشارقة، ومذهب المغاربة. وربطت بين أجزاء الكتاب، ومواضعه، وأحلت المتقدم على المتأخر، والمتأخر على المتقدم، وسلكت في ذلك مسلك المتقدمين، حيث كانوا يحيلون على المسائل والأبواب والفصول، ولم يذكروا الصفحة، فنحوت هذا النحو اقتداء بهم فأحلت على الآيات القرآنية، وهو أنفع من ذكر الصفحة. واتبعت في عزو الآيات القرآنية إلى سورها العدد المدني الأخير اقتداء بالمؤلف واتباعا لمذهبه. وبينت في الحاشية مذاهب علماء العدد الإجمالي للسورة، لأن المؤلف اقتصر على مذهب المدني الأخير. وناقشت المؤلف في بعض المسائل التي خالف فيها، وقابلت كلامه بكلام العلماء، وبينت فيها وجه الصواب بأدلة ونصوص كما سيتبين ذلك في قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم». وجعلت فهارس للكتاب مساعدة للقارئ على الوصول إلى ما يريده. والحمد لله أولا وآخرا، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

قسم الدراسة

قسم الدراسة الباب الأول في عصر المؤلف وحياته الفصل الأول: عصر المؤلف الفصل الثاني: حياة المؤلف

الفصل الأول عصر المؤلف

الفصل الأول عصر المؤلف أولا: الحياة السياسية ثانيا: الحياة العلمية والفكرية: أ- النشاط العلمي ب- أهم الأحداث الفكرية ج- اهتمام علماء الأندلس بهجاء المصاحف

أولا: الحياة السياسية

أولا: الحياة السياسية: ينسب أبو داود سليمان بن نجاح إلى هشام المؤيد بالله بن الحكم، فيقال: المؤيدي أو مولى المؤيد بالله، لأنه أعتق أباه نجاحا. فعاش المؤلف فترة من حياته في ظل هذا الأمير، والفترة الأخرى في ظل ملوك الطوائف. واتسمت الحياة السياسية في هذه الفترة بسمات مميزة، فقد وهن نظام الحكم الأموي، وتضاءل نفوذ خلفائه، وأعقب ذلك سقوط الدولة الأموية في الأندلس وظهرت بعدها دويلات وجماعات. عند ما ورث هشام بن الحكم المؤيد بالله سنة 366 هـ الحكم أخذت الأمور تتدهور في البلاد، فكانت بداية الفتن والفساد، وذلك لأنه بويع، وهو صغير لم يبلغ الحلم بعد (¬1). فاستطاع محمد بن عبد الله بن أبي عامر (¬2) الذي كان قد وصل إلى مرتبة الوزارة في آخر أيام الحكم (¬3)، أن يقفز إلى الحكم، ويستبد بالأمر، واستقل بالأمر، وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وبصر بالحروب والجهاد والفتوحات، فتغلب على هشام وحجره، واستولى على الدولة، ¬

_ (¬1) انظر: جذوة المقتبس 17، بغية الملتمس 21، أعمال الأعلام 43، تاريخ ابن خلدون 4/ 147، نفح الطيب 1/ 396، المعجب 14. (¬2) انظر ترجمته: أعمال الأعلام 59، تاريخ ابن خلدون 4/ 147، البيان 2/ 256. (¬3) الحكم بن عبد الرحمن المستنصر بالله كان عالما فقيها بالمذاهب، إماما في معرفة الأنساب، حافظا للتاريخ، جماعا للكتب، مميزا للرجال. انظر: جذوة المقتبس 13، بغية الملتمس 18، أعمال الأعلام 41.

وملأ القلوب مهابة وخوفا، ولم يخرج إلى جهاد إلا عاد منتصرا. وقدّم رجال البربر وزناتة (¬1)، وأخّر رجال العرب، وأسقطهم من مراتبهم وتسمى بالحاجب المنصور، ونفذ الكتب والمخاطبات والأوامر باسمه، ومحا رسم الخلافة بالجملة، ولم يبق لهشام المؤيد بالله من رسوم الخلافة أكثر من الدعاء على المنابر. ولما توفي المنصور بن أبي عامر عام 392 هـ خلفه ابنه الملقب بالمظفر، أبو مروان عبد الملك، فجرى على سنن أبيه في السياسة والغزو، وكانت أيامه أعيادا دامت سبع سنين في خير وخصب وعز إلى أن مات في صفر 399 هـ (¬2). وقام بتدبير دولة هشام المؤيد بالله أخو المظفر عبد الرحمن، وتلقب بالناصر لدين الله المعروف ب: (شنجول (¬3)). وجرى على سنن أبيه وأخيه في الحجر على الخليفة هشام المؤيد بالله، فانخرم النظام وشرع الفساد، وتمرد وفسق، واستقل بالملك. ثم عنّ له أن يستأثر بما بقي من رسوم الخلافة، فطلب من هشام المؤيد بالله أن يوليه عهده (¬4)، فأجابه هشام مكرها، وأحضر لذلك الملأ من أرباب الشورى وأهل الحل والعقد، وكان ¬

_ (¬1) قبيلة من قبائل البربر. انظر: تاريخ ابن خلدون 7/ 2. (¬2) انظر: أعمال الأعلام 83، البيان 3/ 15، نفح الطيب 1/ 423. (¬3) وهو لقب لقبته به أمه عبدة بنت «شانجة» النصراني تذكرا منها لاسم أبيها، فكانت تدعوه في صغره ب: «شنجول». انظر: البيان المغرب 3/ 38. (¬4) انظر: تاريخ ابن خلدون 4/ 148، نفح الطيب 1/ 424.

يوما مشهودا، فكتب عهده (¬1) فنقم عليه أهل الدولة، وكره ذلك الأمويون والقرشيون، وغصوا بالأمر، وأجمعوا أمرهم، فوثبوا عليه، فقتلوه وخلعوا هشاما المؤيد بالله سنة 399 هـ. وبايعوا محمد بن هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله من أعقاب الخلفاء، ولقبوه بالمهدي بالله، وذهبت الدولة العامرية كأن لم تكن (¬2). وكان محمد بن هشام قد نقم على البربر، وأظهر كراهيتهم، فكان يذمهم في مجالسه، لأنهم ظاهروا المنصور بن أبي عامر، وأصبحوا شيعة لبنيه من بعده، فأمر محمد بن هشام ألا يركبوا، ولا يتسلحوا. ولما رأى البربر ما دهاهم من محمد بن هشام، انضموا إلى هشام بن سليمان الناصر لدين الله، وسموه الرشيد فزحفوا معه على قرطبة، وحاصروا فيها محمد بن هشام، فكانت الكرة لمحمد بن هشام، وقبضوا على هشام بن سليمان وأخيه، فضربت أعناقهما. فأقام البربر سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر لدين الله، فبايعوه، وسموه المستعين بالله (¬3) فقدم بهم قرطبة، فبرز إليهم محمد ابن هشام، فكانت الهزيمة عليه وهلك من خيار الناس وأئمة المساجد ومؤذنيها خلق كثير. وقتل بعض العبيد محمد بن هشام في وقعة أخرى ¬

_ (¬1) انظر: نص كتابة العهد في أعمال الأعلام 88. (¬2) انظر: جذوة المقتبس 18، بغية الملتمس 22، أعمال الأعلام 109، البيان 3/ 34، نفح الطيب 1/ 428، المعجب 22. (¬3) انظر: جذوة المقتبس 19، بغية الملتمس 24، أعمال الأعلام 114، المعجب 23، البيان 3/ 91، تاريخ ابن خلدون 4/ 150، نفح الطيب 1/ 428.

فرجعت الخلافة إلى هشام بن الحكم المؤيد بالله، وجلس للناس وجددت له البيعة. ثم دخل المستعين بالله سليمان بن الحكم قرطبة عنوة سنة 403 هـ، فتنازل هشام عن الخلافة، وسلم الأمر للمستعين بالله. واستمر المستعين بالله على ولاية قرطبة حتى قتله علي بن حمود يوم الأحد لتسع بقين من المحرم سنة 407 هـ (¬1). وبقتل المستعين بالله انتهت دولة بني أمية من الأندلس، وآل الأمر إلى أناس آخرين، كل واحد استقل بإقليم وادعى الولاية له، وتلقب بألقاب الخلافة، وهو ما يعرف بعصر ملوك الطوائف. (¬2) ومن أهمها: 1 - دولة بني زيري بغرناطة، أقامها البربر سنة 403 هـ وسقطت سنة 483 هـ. 2 - الدولة الحمودية بقرطبة ومالقة والجزيرة الخضراء، وقد أقامها بنو حمّود الشيعة في عهد المستعين بالله الأموي، وسقطت سنة 450 هـ. 3 - الدولة الهودية بسرقسطة، أقامها بنو هود من العرب سنة 430 هـ، وسقطت سنة 536 هـ، وقد قامت على انقاض دويلة بني تجيب، التي قامت سنة 408 هـ. 4 - الدولة العامرية، أقامها موالي بني عامر ببلنسية سنة 412 هـ بعدها بعام ولد أبو داود، وسقطت سنة 478 هـ. ¬

_ (¬1) انظر: أعمال الأعلام 121. (¬2) انظر: المعجب 40.

5 - الدولة العبادية، أقامها بنو عباد بإشبيلية سنة 414 هـ وهم من أسرة عربية من لخم من ولد النعمان بن المنذر. وقد سقطت سنة 484 هـ (¬1). 6 - دولة بني صمادح، وهم من البربر، أقاموا دولتهم بالمرية قبل سنة 420 هـ، وسقطت سنة 484 هـ. 7 - دولة بني الأفطس، قامت ببطليوس سنة 422 هـ وسقطت سنة 487 هـ. 8 - دولة بني جهور، قامت بقرطبة، بعد سقوط الخلافة الأموية سنة 422 هـ، وسقطت في أيدي بني عبّاد سنة 461 هـ. 9 - دولة بني ذي النون، أقامتها بطليطلة قبيلة بربرية من هوّارة سنة 427 هـ، واضمحلت بنكبة سقوطها في يد ألفونس السادس قائد القشتاليين سنة 478 هـ (¬2). وسوف أتكلم عن البلدان التي استوطنها أبو داود، وقرأ وأقرأ بها وهي دانية، وبلنسية. أولا: دانية: كان لدانية شأن في زمن عبد الرحمن الأول الأموي، ولكن تعاظم شأنها في أيام ملوك الطوائف بعد سقوط الخلافة؛ إذ جاءها مجاهد العامري مولى عبد الرحمن بن المنصور أبو الجيش الموفق، فاستولى على دانية والجزائر الشرقية، في أول الفتنة التي حصلت بقرطبة، وتسمى بالموفق. ¬

_ (¬1) انظر التفاصيل: أعمال الأعلام 114، البيان المغرب 3/ 153، تاريخ ابن خلدون 4/ 152. (¬2) انظر: نفح الطيب 1/ 438، دول الطوائف 3.

وبعد وفاته عام 436 هـ خلفه ابنه علي بن مجاهد، واستمر في حكمها حتى غلبه عليها أحمد بن سليمان بن هود، والي سرقسطة. ودامت ولاية ابن هود عليها حتى سقطت بأيدي قوات المرابطين حين دخولهم الأندلس عام أربعة وثمانين وأربعمائة (¬1). ثانيا: إمارة بلنسية: في عهد الطوائف في عصر المؤلف أبي داود أصبحت بلنسية في بداية القرن الخامس الهجري مملكة مستقلة شأن العديد من مدن الأندلس، توالى على حكمها عدد من الأمراء، ثم تسلط عليها القشتاليون إلى أن استعادها المرابطون. يبدأ هذا العهد بإعلان الفتيان أو المماليك العامرية استقلالهم بحكم بلنسية على يد مجاهد العامري حول سنة 401 هـ، وأعقبه مبارك ومظفر العامريان سنة 405 هـ اللذان تلقبا بلقب الإمارة، واستقلا بشئونهما عن قرطبة. استمر الفتيان العامريان بحكم بلنسية من سنة 405 هـ إلى سنة 408 هـ، فاهتمّا بها، وبنيا سورا على بلنسية وحصناها، مما لفت أنظار الناس إليها، فلحق بها عريف كل صنعة، وجلبت إليها كل ذخيرة، ورحل الناس إليها من كل قطر، وما زالت حالتها على الاستقرار والهدوء حتى مات مبارك، ثم تلاه مظفر (¬2). فاتفق أهل بلنسية على تقديم لبيب الصّقلبيّ من سنة 408 إلى 411 هـ ¬

_ (¬1) انظر: البيان المغرب 3/ 155، المعجب 74، بغية الملتمس 472، الحلل 3/ 295، دول الطوائف 187. (¬2) انظر: البيان 3/ 158، دول الطوائف 156، الحياة العلمية 122.

فأحدث فيهم أحداثا كثيرة فخلعوه (¬1). ثم آلت تلك النواحي إلى سيطرة عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أبي عامر الذي تلقب بالمنصور، واستمرت إمارته من سنة 417 هـ إلى سنة 452 هـ (¬2). فخلفه ابنه عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي عامر الملقب بالمظفر، واستمرت ولايته من سنة 452 إلى سنة 457 هـ، ثم لم تلبث بلنسية أن أصبحت جزءا من مملكة طليطلة سنة 457 هـ تحت زعامة المأمون يحيى ابن ذي النون من سنة 457 هـ إلى سنة 467 هـ. ثم استعادت استقلالها على يدي أبي بكر أحمد بن أبي عبد الله محمد «ابن روبش» ابن عبد العزيز عام 467 هـ، واستمرت إلى سنة 478 هـ، فتولى أمرها أبو عمرو عثمان بن أبي بكر أحمد بن محمد ابن عبد العزيز في صفر عام 478 هـ إلى شوال منه. ثم تولى القادر بن ذي النون من سنة 478 إلى سنة 485 هـ، وحينئذ بدأ النفوذ القشتالي غير المباشر في بلنسية، وينتهي بثورة أهل بالنسية على القادر وقتله في سنة 485 هـ (¬3). ثم تولى أبو أحمد بن جعفر بن عبد الله بن حجاف المعافري سنة 485 هـ وانتهت إمارة بلنسة في سنة 487 هـ. ¬

_ (¬1) انظر: البيان 3/ 163. (¬2) انظر: البيان 3/ 165. (¬3) انظر: البيان المغرب 3/ 236، تاريخ ابن خلدون 4/ 160.

ومن أهم حكام إمارة بلنسية (401 - 487 هـ)

ثم يبدأ النفوذ القشتالي المباشر في بلنسية في نهاية جمادى الأولى 487 هـ عند ما دخلها القمبيطور (¬1) وجنوده في إثر انعقاد صلح بينه وبين أهل بلنسية، بعد حصار طويل. وينتهي النفوذ القشتالي في 15 رجب 495 هـ باستعادة المرابطين لبلنسية وتعميرها. شهدت هذه المدة (478 - 495 هـ) أحداثا جساما وأهوالا لا يمكن تصورها من القتل والتحريق والتخريب والحصار أصاب أهل بلنسية منها بلاء عظيم (¬2). ومن أهم حكام إمارة بلنسية (401 - 487 هـ): 1 - مجاهد العامري «401 - 405 هـ». 2 - مبارك ومظفر العامريان «405 - 408 هـ». 3 - لبيب الصقلبي (¬3): «408 - 411 هـ». 4 - المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عامر «417 هـ 452 هـ». 5 - المظفر «نظام الدولة» عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي عامر «452 - 457 هـ». ¬

_ (¬1) فارس قشتالي مغامر اسمه: «رود ريجو لذريق» من مواليد قرية فيفار قرب مدينة «برغش»، كان من جند «شانجة» السادس. انظر: الحلل السندسية 3/ 59، الحياة العلمية 129. (¬2) انظر: الحياة العلمية في بلنسية 128. (¬3) انظر: الحياة العلمية في بلنسية ص 127، 128.

6 - المأمون يحيى بن ذي النون «457 - 467 هـ». 7 - أبو بكر أحمد بن أبي عبد الله محمد (ابن روبش) ابن عبد العزيز «467 - 478 هـ». 8 - أبو عمرو عثمان بن أبي بكر أحمد بن محمد بن عبد العزيز «صفر 478 إلى شوال منها». 9 - القادر بن ذي النون «478 - 485 هـ». 10 - أبو أحمد جعفر بن عبد العزيز بن عبد الله بن حجاف المعافري «485 - 487 هـ». ¬

_ () الصقالبة هم الأرقاء الذين اشتراهم الخلفاء من أنحاء بلاد «الإفرنج» أو استرقوهم في غزواتهم، وقد استكثر منهم الخليفة الناصر ودربهم، وسما بعضهم إلى أكبر المناصب، فاستشرى أمرهم من بعده، واستقلوا ببعض الولايات. ووصفهم الزبيدي بقوله: «وهم حمر الألوان صهب الشعور». انظر: تاج العروس 2/ 200، المقتبس لأبي حيان 48، ديوان ابن زيدون 11.

ثانيا: الحياة العلمية والفكرية في عصر المؤلف

ثانيا: الحياة العلمية والفكرية في عصر المؤلف: أ: النشاط العلمي: كان لدانية شأن، ولكن تعاظم شأنها في أيام ملوك الطوائف بعد سقوط الخلافة؛ إذ جاءها مجاهد العامري أبو الجيش (¬1)، فقد باين سائر الملوك في العلم والمعرفة، قال ابن الخطيب: «لم يكن في الأحرار، ولا في الموالي أثبت قدما منه في العلم لا سيما علم العربية، فإنه تحقق به إلى ما يتصرف من علم القرآن قراءته ومعانيه، وغريبه وتفسيره». وجمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من نظرائه، وأتت إليه العلماء من كل صقع، فاجتمع بفنائه جملة من مشيختهم ومشهور طبقاتهم؛ كأبي عمرو المقرئ، وابن عبد البر، وابن معمر اللغوي، وابن سيده، فشاع العلم في حضرته، حتى فشا في جواريه وغلمانه، فكان له من المصنفين عدة يقومون على قراءة القرآن، ويشاركون في فنون من العلم» (¬2). قال ياقوت الحموي: «وكانت قاعدة ملك أبي الجيش مجاهد العامري، وأهلها أقرأ أهل الأندلس، لأن مجاهدا كان يستجلب القراء، ويفضل عليهم، وينفق عليهم الأموال، فكانوا يقصدونه، ويقيمون عنده، فكثروا في بلاده» (¬3) وألفوا له تواليف مفيدة في سائر العلوم. ¬

_ (¬1) انظر: الحلل السندسية 3/ 295، بغية المتلمس للضبي 472. (¬2) أعمال الأعلام 217، 218. (¬3) معجم البلدان 2/ 434.

وقال علي بن بسام المتوفى 542 هـ: «كان مجاهد فتى أمراء دهره، وأديب ملوك عصره، لمشاركته في علم اللسان، ونفوذه في علم القرآن، عني بذلك من صباه، ولم يشغله عن ذلك شاغل حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من دفاتر العلوم خزائن جمة». وكانت دولته أكثر الدول خاصة، وأسراها صحابة، لانتحاله العلم والفهم، فأمّه جماعة العلماء، وأنسوا بمكانه، وخيموا في ظل سلطانه، واجتمع عنده من طبقات علماء قرطبة وغيرها جملة وافرة» (¬1). وذكر العلامة ابن خلدون أن أبا داود سليمان بن نجاح كان من مواليه، فحينئذ لا شك أنه استفاد منه ومن كتبه (¬2). وموطن أبي داود الأصلي هو بلنسية، ولد فيها وتوفي فيها، وكانت مركزا من مراكز العلوم. وهي شرق الأندلس، وهي حاضرة من حواضر الأندلس الكبرى، وما زالت هذه المدينة منذ أن خيم عليها الإسلام إلى أن تقلص ظله عنها دار علم، وتفكير وفضل غزير، ونعيم وملك كبير، وكانت دائما معقل العروبة، ومركز العربية، وموطن بحث وتحقيق، ومحط تصنيف وتنميق، وفيها من كل نزعة عربية صحيحة وكل عرق في العرب عريق (¬3). وقال شكيب أرسلان: «وكان الأقدمون يقولون: إن بلنسية قطعة نزلت ¬

_ (¬1) الذخيرة في محاسن الجزيرة ق 3 ج 1 ص 23. (¬2) انظر: تاريخ ابن خلدون 1/ 366. (¬3) انظر: الحلل السندسية 3/ 44.

من السماء» (¬1). «وأهلها خير أهل الأندلس، يسمون عرب الأندلس» (¬2)، وقال: «وبها مكتبة عظيمة وخزانة كتبها تشتمل على ستين ألف مجلد، وفي هذه الخزانة مئات من الكتب المخطوطة» (¬3). وينتسب إلى كل من بلنسية ودانية وشاطبة وغيرها من بلاد الأندلس جماعة من أهل العلم لكل فن، ونبغ منهم جماعة ومشاهير في اللغة والتفسير والقراءات والأدب والفقه والحديث والتاريخ وغيره فعدد منهم لسان الدين ابن الخطيب في كتابه «أعمال الأعلام» (¬4) وحذا حذوه شكيب أرسلان (¬5). قال لسان الدين ابن الخطيب، وهو يعدد من نبغ في العلم والمعرفة، فقال: «وكان على عهد بيعة هشام بن الحكم مولى أبي داود من الأعلام هضاب راسية، وبحار في العلم زاخرة، وأعلام قولهم مسموع، وبرهم مشروع، وأثرهم متبوع». ثم أحصى عددا كثيرا منهم، فذكر حوالى ثمانية وثلاثين ومائة عالم ووصفهم بالوصف المتقدم. ومن أهم ملوك بني أمية الذين أقاموا للعلم سوقا نافقة الحكم المستنصر بالله. فكان محبا للعلوم مكرما لأهلها، جماعا للكتب بأنواعها مما لم يجمعه أحد من الملوك قبله. ¬

_ (¬1) انظر: الحلل السندسية 3/ 46. (¬2) انظر: الحلل السندسية 3/ 47. (¬3) انظر: الحلل السندسية 3/ 212. (¬4) انظر: أعمال الأعلام ص 48. (¬5) انظر: الحلل السندسية 3/ 301.

قال أبو محمد بن حزم عن صاحب خزانته العلمية: «إن عدة الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة في كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها إلا ذكر الدواوين فقط». وأقام للعلم والعلماء سوقا نافقة جلبت إليه بضائعه من كل قطر. وكان يبعث في الكتب إلى الأقطار رجالا من التجار، ويرسل إليهم الأموال لشرائها، حتى جلب منها إلى الأندلس ما لم يعهدوه. وجمع في داره الحذاق في صناعة النسخ، والمهرة في الضبط، والإجادة في التجليد، واجتمعت بالأندلس خزائن من الكتب لم تكن لأحد من قبله ولا من بعده». وكان ذا غرام بالمصنفات، وله ورّاقون بأقطار البلاد ينتخبون له غرائب التواليف، وقلما يوجد كتاب من خزائنه إلا وله فيه قراءة أو نظر، في أي فن كان، فاستوسع علمه، ودق نظره وجمت استفادته (¬1). ولم يعقب إلا هشاما مولى أبي داود، ولا عقب له ولا لأبيه، وحينئذ فلا شك أن هذه الخزائن من الكتب قد استفاد منها أبو داود، إن لم تكن قد آلت إليه. يقول أبو العباس القلقشندي ت 821 هـ: «ويقال: إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن، منها خزانة خلفاء بني أمية بالأندلس، وكانت من أجل خزائن الكتب أيضا، ولم تزل إلى انقراض دولتهم ¬

_ (¬1) انظر: نفح الطيب 1/ 395، الذخيرة لابن بسام 202، أعمال الأعلام 41، جمهرة أنساب العرب 100.

باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس، فذهبت كتبها كل مذهب» (¬1). وذكر خزانة خلفاء العباسيين ببغداد، وخزانة الفاطميين بمصر. ولما جاء ملوك الطوائف- وكان كثير منهم من أتباع الأمويين- نهجوا على ذلك المنهاج، فكان منهم الكتاب والشعراء، وكذلك كان وزراؤهم، فاتسعت آفاق الفكر وكثر الإنتاج العلمي، فكانت الأندلس روضة من رياض العلم والأدب، فلم يضعف العلم بضعف السياسة، ولم يأفل نجم العلماء كما أفل نجم الأمراء وأصحاب السياسة. وبلغت الحياة العلمية في بلاد الأندلس نشاطا ملحوظا، فبرز عبد الرحمن ابن محمد بن فطيس ت 402 هـ، كان رحمه الله من كبار المحدثين وصدور العلماء المسندين، حافظا للحديث، متقنا لعلومه، وله مشاركة في سائر العلوم. جمع من الكتب في أنواع العلوم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره في الأندلس، وكان له ستة وراقين ينسخون له دائما، وكان قد رتب لهم على ذلك راتبا معلوما، وكان لا يسمع بكتاب حسن إلا اشتراه أو استنسخه. ولما توفي اجتمع أهل قرطبة لبيع كتبه، فأقاموا في بيعها مدة عام كامل في المسجد (¬2). وكان المظفر بن الأفطس أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن مسلمة التجيبي صاحب بطليوس ت 460 هـ «كثير الأدب جمّ المعرفة محبا لأهل ¬

_ (¬1) انظر: صبح الأعشى في صناعة الإنشا 1/ 466. (¬2) انظر: الديباج المذهب 150، الصلة 1/ 298، طبقات المفسرين 1/ 291.

العلم جمّاعا للكتب ذا خزانة عظيمة، لم يكن في ملوك الأندلس من يفوقه في أدب ومعرفة» (¬1). وقال عنه ابن بسام: «كان أديب ملوك عصره من غير مدافع ولا منازع، وله التصنيف الرائق، والتأليف الفائق المترجم بالتذكرة، والمشتهر اسمه بكتاب ابن المظفر (المظفري) في خمسين مجلدا يشتمل على فنون وعلوم» (¬2). وكان أبو محمد عبد الله بن حيان الأروشي ت 487 هـ ذا همة عالية في اقتناء الكتب وجمعها، جمع من ذلك شيئا عظيما (¬3) ذكر ابن علقمة المؤرخ البلنسي ت 509 هـ الذي صاحب الأروشي: إن يحيى بن ذي النون صاحب بلنسية أخذ كتب الأروشي من داره، وسيقت إلى قصره، وذلك مائة عدل وثلاثة وأربعون من أعدال الحمالين، يقدر كل عدل منها بعشرة أرباع (¬4)، وقيل: «قد أخفى منها نحو الثلث» (¬5). وهذه الخزانة حوت أعظم الكتب. ولما أمر بإخراجها الحاجب واضح من موالي المنصور بن عامر، نهب ما بقي منها عند دخول البربر، وأخذها الناس (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 393. (¬2) انظر: الذخيرة لابن بسام ق 2 ج 2 ص 398، التكملة 1/ 393. (¬3) انظر: الصلة 1/ 278، 288 رقم 633، 634. (¬4) انظر: التكملة 1/ 411. (¬5) انظر: بغية 344، وانظر: الصلة 1/ 288 ح 5. (¬6) انظر: نفح الطيب 4/ 242.

ولا بد أن يكون أبو داود قد نال منها حظا كبيرا، وأن يكون قد استنسخ منها الكثير. قال ابن عبّاد: سمعت شيخنا أبا الحسن بن هذيل يقول: «كان أبو داود يكتب من ليلته عشرين ورقة كبارا» (¬1). بلغت مدينة بلنسية مبلغا كبيرا في تنشيط الحركة العلمية، فقصدها طلاب العلم من كل فج عميق من جميع مناطق الأندلس، بل ومن خارج الأندلس. فهذا أبو الليث من علماء المشرق دخل الأندلس، ودرس على علماء بلنسية عند ما قدمها سنة 464 هـ، حيث قطعت بلنسية شأوا كبيرا في ميدان العلم، فقد تصدرها وقتئذ عدد من العلماء الكبار (¬2) كما تتلمذ على أبي الليث عدد من الطلاب ببلنسية (¬3). وكذا صقلّية حيث كان أحد أبنائها ممن تلقى علمه في مصر- وهو أبو محمد جعفر بن علي التميمي الصقلي- قدم الأندلس وبها لقيه أبو داود المقرئ، فسمع منه كتاب أبي بكر بن عزير في غريب القرآن بجامع بلنسية مرتين. وكذا القيروان، فهذا ابن سعدون القروي 485 هـ من القيروان سمع بها وبمصر وبمكة كان من أهل العلم دخل إلى بلنسية، وسمع منه أبو داود المقرئ. ¬

_ (¬1) انظر: التبيين ورقة 35. (¬2) انظر: الصلة 2/ 637، 638. (¬3) انظر: الذيل 1/ 1/ 193، 5/ 1/ 403.

ومن أهل القيروان أيضا الحصري أبو الحسن الفهري القروي المقرئ، ت 488 هـ، دخل الأندلس بعد 450 هـ، واتصل بعلمائها كأبي العباس النحوي البلنسي وغيره (¬1). استقبلت بلنسية كبار علماء قرطبة، فكان لهم تأثيرهم على نشاط الحركة العلمية تعلما وتعليما وبخاصة بعد الفتنة التي ابتليت بها قرطبة، فشهدت هجرة العديد من علماء قرطبة إلى أنحاء من الأندلس، فجاء نصيب بلنسية من ذلك وافرا. ومن أولئك العلماء الأعلام أبو محمد عبد الله بن أبي دليم الذي روى عنه أبو داود. فبلغت بلنسية درجة كبيرة من العلم في القرن الخامس الهجري، وتوافد عليها كثير من طلاب العلم، فأبو الحسن لاوي بن إسماعيل المكتب من أهل طرطوشة صحب أبا داود المقرئ، وأخذ عنه القراءات، واعتمد عليه فيها، وسمع منه كثيرا، ولازمه ببلنسية ودانية من سنة 481 هـ إلى 491 هـ (¬2). ومن أمثلة وفود علماء من قرطبة إلى بلنسية أو هجرتهم: «الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ت 463 هـ شيخ أبي داود، فتحول إلى شرق الأندلس، وسكن دانية وبلنسية وشاطبة، وبها توفي» (¬3). فكان لأبي عمر ببلنسية نشاط ملحوظ، وأثر بارز في الحياة العلمية. ¬

_ (¬1) انظر: المطرب 13، جذوة المقتبس 314. (¬2) انظر: الحياة العلمية 497 وما بعدها. (¬3) انظر: الصلة 2/ 679.

كما تلقى بعض طلاب قرطبة العلم ببلنسية في القرن الخامس الهجري، بعد أن فقدت قرطبة مركزها المرموق، فمثلا أبو محمد بن حزم ت 456 هـ، القرطبي النشأة، كان له مجلس علمي في بلنسية (¬1). ومن العلماء الذين أنجبتهم بلاد الأندلس، وكانوا بحورا في العلم، وأسهموا في الحياة العلمية بمؤلفات عديدة: مكي بن أبي طالب القيسي ت 437 هـ، كان إماما في علوم القرآن والقراءات والتفسير والعربية. ومنهم: الإمام أبو بكر بن محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي ابن العربي، المولود في 468 هـ. صنف كتبا كثيرة في التفسير والحديث والفقه والأصول، ومن أشهرها في التفسير كتاب «أحكام القرآن»، توفي سنة 543 هـ. ومنهم: القاضي عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي الغرناطي. ولد بغرناطة سنة 480 هـ، كان فقيها عالما بالتفسير والحديث والفقه، وكتابه «المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» له قيمة عالية عند جميع المفسرين. والواقع الذي لا شك فيه أن ابن العربي وابن عطية قد استفادا من مؤلفات أبي داود، أو أخذا عن تلاميذ أبي داود. وكذا إمام القراءات أبو القاسم بن فيّره بن خلف أحمد الرعيني الشاطبي ولد سنة 538 هـ كان له اهتمام كبير بمؤلفات أبي عمرو الداني فنظم ¬

_ (¬1) انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1146، 1148.

التيسير في «حرز الأماني» والمقنع في «العقيلة». ولا شك أنه استفاد من مصنفات أبي داود وتعليقاته وتحريراته على مصنفات شيخه أبي عمرو الداني. ومن العلماء البارزين في علم هجاء المصاحف والقراءات: أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ت 429 هـ، ألف كتاب علم المصاحف وكتاب الروضة في القراءات، ثم هو شديد التمسك بالسنة ومحاربة البدع. وغير هؤلاء من علماء اللغة والقراءات والتفسير والحديث لا يأتي عليهم الحصر. ومن تتبع ذلك في كتاب «الصلة» لابن بشكوال، وكتاب «صلة الصلة» لابن الزبير، وكتاب «التكملة» لابن الأبار، وكتاب «أعمال الأعلام» لابن الخطيب؛ علم ما بلغته الأندلس في النشاط العلمي وما أنتجته قرائح العلماء من الدواوين والمصنفات والكتب. وقد كتب أبو محمد بن حزم- المعاصر لأبي داود- رسالة في فضل علماء الأندلس تعطي صورة واضحة عن التقدم العلمي، ونقتبس منها ما يلي: «بلدنا هذا- على بعده من ينبوع العلم، ونأيه من محلة العلماء- قد ذكرنا من تآليف أهله، ما إن طلب مثلها بفارس والأهواز، وديار مضر وربيعة واليمن والشام أعوز وجود ذلك، على قرب المسافة، في هذه البلاد من العراق، دار هجرة الفهم وذويه ومراد المعارف وأربابها». ثم يوازن رحمه الله بينهم وبين نظرائهم في المشرق، ويقرر أنه لا يوجد رجل من مفاخر الشرق إلا كان له نظير من مفاخر الأندلس، فالبخاري

يناظره بقي بن مخلد، والقفال الشافعي تلميذ المزي بالشرق يقابله قاسم بن محمد بالأندلس. وهكذا يجري المقابلات، مما يدل أن الأندلس كان بها طائفة من العلماء لا تقل عن نظيراتها في العراق (¬1). قال المقري: «وأما حال أهل الأندلس في فنون العلم، فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التمييز». فالجاهل الذي لم يوفقه الله للعلم يجتهد أن يتميز بصنعة، ويربأ بنفسه أن يرى فارغا عالة على الناس، لأن هذا عندهم في نهاية القبح» (¬2). ثم قال: «وقراءة القرآن بالسبع، ورواية الحديث عندهم رفيعة، وللفقيه رونق ووجاهة، ولا مذهب لهم إلا مذهب مالك، وخواصهم يحفظون من سائر المذاهب ما يباحثون به بمحاضر ملوكهم ذوي الهمم في العلوم» (¬3). وكانوا يكرهون الفلاسفة والمنجمين، وينفرون من الفلسفة والتنجيم، ويطلقون على من اشتغل بذلك اسم: «زنديق»، ويرجمونه بالحجارة (¬4). وإن الفن الذي برعت فيه بلنسية، وعرف لها فيه نشاط ملحوظ، هو القراءات، وعلوم القرآن، وهجاء المصاحف. فتهيأ لعلم القراءات في ¬

_ (¬1) نفح الطيب 2/ 134، ابن حزم 114. (¬2) انظر: نفح الطيب 1/ 220. (¬3) انظر: نفح الطيب 1/ 221. (¬4) انظر: نفح الطيب 1/ 221.

مدينة بلنسية- موطن أبي داود- عدد كبير من العلماء. وقد لفت انتباهي كثرة القراء الذين ورد ذكرهم في كتاب «الصلة» لابن بشكوال، و «صلة الصلة» لابن الزبير، وكتاب «التكملة» لابن الأبار، و «ذيل التكملة» للمراكشي، وغير ذلك. ومن كبار الأئمة في القراءات: إمام المقرئين ابن الصيرفي أبو عمرو الداني ت 444 هـ، روى عنه ببلنسية أبو أحمد جعفر بن سعيد بن حلبس، الذي صار هو الآخر إماما في القراءات ومن كبار المقرئين الأندلسيين، وعنه أخذ أبو داود (¬1) فصارت إليه الرئاسة والإمامة في علم القراءات والتفسير وعلوم القرآن. ومن العلماء الذين عرف لهم نشاط ملحوظ في القراءات أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعود الأنصاري تصدر للإقراء، فأخذ عنه أبو داود، قراءة نافع من رواية قالون وله تصانيف في علوم القرآن وغيرها منها: الاختلاف بين نافع من رواية قالون وبين الكسائي من رواية الدوري (¬2). ومنهم أحمد بن علي بن أحمد المقرئ أبو العباس الباغاني. كان من أهل العلم والخط والذكاء، بحرا من بحور العلم. قال ابن حيان: «كان ربانيا في علوم الإسلام، لم يخلف بعده أحد أعرف منه في علوم القرآن» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: في شيوخ أبي داود ص 77. (¬2) انظره في شيوخ ص 78. (¬3) انظر: أعمال الأعلام 53.

ومن المؤلفات التي كانت تدرس في مدينة بلنسية: مؤلفات أبي عمرو الداني، ومؤلفات أبي داود، ومؤلفات مكي بن أبي طالب، ومؤلفات أبي عمر الطلمنكي، ومؤلفات أبي العباس أحمد بن عمار المهدوي، وغيرهم. وكانت تشتمل على جملة من علوم القرآن والتفسير والقراءات وهجاء المصاحف وغيرها من علوم اللغة العربية (¬1). وكذا كثر اهتمام علماء بلنسية بالحديث والفقه، إلى جانب التفسير والقراءات واللغة والأدب وغيرها كما تقدم. فهذا ابن الحذّاء أبو عبد الله التميمي الأندلسي ت 410 هـ المحدث الفقيه، تولى قضاء بلنسية، له عدة تصانيف منها: «الاستنباط لمعاني السنن» و «الأحكام» في عدة أسفار، و «التعريف برجال الموطأ» (¬2). ومن علماء بلنسية ابن الفخار الحافظ أبو عبد الله محمد ت 419 هـ، أحد أئمة المالكية حافظ للحديث والأثر، قال عنه أبو عمرو الداني: «هو آخر الفقهاء الحفاظ الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس» (¬3). وكذا ألف عبيد الله بن يوسف بن ملحان ت 430 هـ بمدينة بلنسية مجموعا في الفقه، وكان معدودا من أهل العلم والفقه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الحياة العلمية 418. (¬2) انظر: معجم الأدباء 19/ 108. (¬3) انظر: الصلة 2/ 510، الديباج 271، ترتيب المدارك 4/ 724، نفح الطيب 2/ 60. (¬4) انظر: التكملة 2/ 932.

ب: أهم الأحداث الفكرية في عصر المؤلف

ومن المشهورين بالتأليف في الفقه أبو القاسم خلف مولى يوسف بن بهلول المعروف بالبربري ت 443 هـ، ألف كتابا في شرح المدونة سماه «التقريب» وانتفع به الطلاب في المناظرة، وكان أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه يقول: «من أراد أن يكون فقيها من ليلته فعليه بكتاب البربري» (¬1). أما تآليف الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر ت 463 هـ شيخ أبي داود، فيطول ذكرها في هذه العجالة، فكان موفقا في التأليف معانا عليه ونفع الله بتآليفه، ومارس نشاطات علمية في بلنسية، ومثله أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف ت 474 هـ له تصانيف مشهورة جليلة، كان أكثر تردده بشرق الأندلس ما بين سرقسطة وبلنسية ومرسية ودانية (¬2). ودرس أبو العباس العذري ت 478 هـ صحيح البخاري ومسلم ببلنسية، ودرس عليه عدد كبير من البلنسيين كأبي داود وغيره (¬3) والله أعلم. ب: أهم الأحداث الفكرية في عصر المؤلف: وقعت مخاصمة ونزاع عنيف في عصر المؤلف كان نعمة على شحذ الأذهان، ودفع الهمم إلى التأليف، وتنشيط الحركة العلمية، وله صلة وثيقة بموضوع الكتاب، بل عدّه بعضهم اللبنة الأولى في موضوع علم الرسم، ويبدو لي أن المؤلف شارك فيه كما سيتبين ذلك في موضعه (¬4). وكان قد أثارها شيخ أبي داود أبو الوليد سليمان الباجي (¬5) قال في حق ¬

_ (¬1) انظر: الديباج 113، ترتيب المدارك 4/ 829، الصلة 1/ 169. (¬2) انظر: مبحث شيوخ أبي داود 76، 80. (¬3) انظر: مبحث شيوخ أبي داود 73. (¬4) انظر: مبحث مؤلفات أبي داود 114. (¬5) انظر: مبحث شيوخ أبي داود 76.

معجزة أمية الرسول صلى الله عليه وسلّم قولا استعظمه أهل الأندلس وغيرهم، وتعرّض بسببه إلى امتحان عسير، وأثار جدلا ومناقشات، وذلك أن أبا الوليد الباجي كان يوما بدانية يشرح حديث البخاري في عمرة القضاء الذي رواه البراء بن عازب، وفيه: « ... فلما كتب الكتاب، كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، قالوا: لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا، ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي: «امح رسول الله» قال علي: لا والله لا أمحوك أبدا». فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكتاب، وليس يحسن يكتب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله» (¬1). فصوب أبو الوليد الباجي من قال بظاهر الحديث، فقيل له: وعلى من يعود ضمير قوله: «كتب»، فقال: على النبي صلى الله عليه وسلّم، فقيل له: وكتب بيده، قال: نعم، ألا ترونه يقول في الحديث: «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب». فأثار هذا القول منه ضجة، وتكلم في ذلك من لم يفهم غرضه، وقبّحوا عند العامة ما أتى به، وأسخطوهم عليه، ونسبوا إليه كل تكذيب وتعطيل، وشنّع به بعض الخطباء في الجمع والجماعات. وفي ذلك يقول عبد الله بن هند الشاعر ضمن قصيدة: برئت ممن شرى دنيا بآخرة* وقال إن رسول الله قد كتبا وقد ضمنها خطيب دانية خطبته يوم الجمعة، فأنشدها على رءوس الملأ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري 9/ 44. (¬2) انظر: ترتيب المدارك 8/ 122، سير أعلام النبلاء 18/ 540.

وقد اشتكاه الناس إلى أميرهم، فجمعهم وإياه، واحتجوا عليه بأنه قد خالف نص الآية الكريمة: وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لّارتاب المبطلون 48 بل هو آيات بيّنات في صدور الّذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلّا الظّالمون 49 (¬1). فاستظهر عليهم بما لديه من المعرفة، وقال للأمير: «هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن. وأما بعد أن تحققت أميته، وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك، فلا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم، فتكون معجزة أخرى له، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا» (¬2). فالأمي يجوز أن يكتب بعد أميته، والله سبحانه وتعالى قد أطلق يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالكتابة في تلك الساعة معجزة له. ونزولا عند رغبة الباجي كتب أمير دانية في المسألة إلى شيوخ إفريقية وصقلية، فجاءت الأجوبة من هناك بتصديقه وتصويب وجهة نظره، وتسويغ تأويله، والثناء عليه، مع إنكار تهجم المتهجمين عليه. وقد ناصر قوم ما ذهب إليه الباجي، واحتجوا له بما أخرجه ابن أبي شيبة، وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه، قال: «ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى كتب وقرأ» قال مجاهد: فذكرته للشعبي، فقال: صدق، قد سمعت من يذكر ذلك. ¬

_ (¬1) العنكبوت: الآيات 48 - 49. (¬2) انظر: فتح الباري 9/ 44.

ومن طريق يونس بن ميسرة عن سهل بن الحنظلية العبشمي أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال: عيينة؟! أتراني أذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصحيفة فنظر فيها فقال: «قد كتب لك بما أمر لك»، قال يونس بن ميسرة: «فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كتب بعد ما أنزل عليه» (¬1). وذكر عياض أنه وردت آثار تدل على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلّم حروف الخط، وحسن تصويرها، كقوله لكتابه: «ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك». وقوله لمعاوية: «ألق الدواة، وحرف القلم، وأقم الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم» وقوله: «ولا تمد بسم الله» وأضاف عياض: «هذا وإن لم يثبت أنه كتب فعلا، فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء» (¬2). وكان أبو الوليد الباجي قد اجتهد في تجلية رأيه للموافقين والمخالفين معا، فصنف رسالته المسماة: «تحقيق المذهب» التي ظهر فيها علمه، وبين فيها وجوه المسألة لمن لم يفهمها، وأوضح أن كتابة الرسول صلى الله عليه وسلّم لاسمه غير قادح في المعجزة. وذكر بمن قال بهذا القول من العلماء من أمثال شيخه أبي ذر الهروي (¬3)، ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري 9/ 44. (¬2) انظر: فتح الباري 9/ 44. (¬3) الإمام عبد بن محمد بن محمد بن عبد الله السماك الأنصاري الهروي المالكي شيخ الحرم ت 434 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 554.

وأبي الفتح النيسابوري (¬1)، وأبي جعفر السمناني (¬2). فقبل رأيه علماء جلة، ورجع عن مخاصمته جماعة وعذروه (¬3). ويبدو لي أن المؤلف أبا داود ناصر شيخه الباجي فيما ذهب إليه، وذلك بتأليفه كتابا سمّاه ابن عياد: «كتاب الكتّاب من الأنبياء والسادات والأشراف والصحابة، ومن كتب منهم للنبي صلى الله عليه وسلّم». ويظهر ذلك من وجهين: الأول من عنوان الكتاب. والثاني من قول ابن عياد، حيث قال: «وأغرب شيء عنده فيها [أي مؤلفاته]: «كتاب الكتاب من الأنبياء» وذكر اسم الكتاب كاملا. ولعل وجه الغرابة أن يكون المؤلف أبو داود رحمه الله ضمّن كتابه، وقرر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم تعلم القراءة والكتابة بعد أن قامت حجته وثبتت معجزته. فقد يكون المؤلف ظاهر شيخه بهذا الكتاب. إلا أن أقواما آخرين أصرّوا على معارضته، والتشهير به بكل وسيلة، بما فيها تصنيف الرسائل والكتب، فكان من ذلك جزء كتبه الزاهد أبو محمد بن مفوز في الرد على الباجي، كما أن الفقيه أبا بكر بن الصائغ الزاهد كفره بإجازته الكتابة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعد ذلك تكذيبا ¬

_ (¬1) ناصر بن عمران بن محمد الأنصاري النيسابوري الشافعي ت 552 هـ. انظر: معجم المؤلفين 13/ 70. (¬2) محمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي ت 444 هـ. انظر: السير 17/ 651. (¬3) انظر: المدارك لعياض 8/ 122، الديباج 121.

بالقرآن (¬1). وحتى تلميذه الملازم له والمتفقه أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحاج الهواري المعروف بابن حفاظ الذي كان يميل إلى مذهب شيخه تاب ورجع عن قوله (¬2). وذهب الألوسي إلى ما قاله الباجي، فقال:" ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام: «إنا أمة لا نكتب ولا نحسب» ليس نصا في استمرار نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل ذلك باعتبار أنه بعث عليه الصلاة والسلام، وهو وأكثر من بعث إليهم، وهو بين ظهرانيهم من العرب، أميون لا يكتبون ولا يحسبون، فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد، وأما ما ذكر من تأويل: «كتب» بأمر بالكتابة، فخلاف الظاهر، وفي شرح صحيح مسلم للنووي نقلا عن القاضي عياض أن قوله في الرواية التي ذكرناها: «ولا يحسن يكتب فكتب» كالنص في أنه صلى الله عليه وسلّم كتب بنفسه، فالعدول عنه إلى غيره مجاز، لا ضرورة إليه» (¬3). ورجّحه الدكتور محمد أبو شهبة، وبنى عليه أن الرسم توقيفي، وقال: «وكفى في هذا دليلا حديث البخاري» واستبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلّم في مثل ذكائه وفطنته وطول مدة إملائه للقرآن أن لا يتعلم الكتابة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: طبقات المفسرين 1/ 205. (¬2) نفح الطيب 1/ 361، التكملة 2/ 804. (¬3) انظر: روح المعاني 21/ 4. (¬4) انظر: المدخل لأبي شهبة 352.

ج: اهتمام علماء الأندلس بهجاء المصاحف وإعرابها بالنقط

ج: اهتمام علماء الأندلس بهجاء المصاحف وإعرابها بالنقط: إن من تتاح له فرصة الاطلاع والنظر في المصاحف المخطوطة العتيقة، وطرق رسم هجائها ونقطها والعناية بها، ليقف مبهورا، ويتملكه الإعجاب من الدقة والإتقان، وعجيب الصنع والضبط، سبحان من أنزل هذا الكتاب: إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون [الحجر: 9]. فالمطابع الحديثة، وما جدّ فيها من مبتكرات تقف عاجزة عن التقليد والمحاكاة عما فعله السلف بأيديهم في مرسوم هجاء المصاحف، وخاصة أهل الأندلس الذين فاقت شهرتهم الآفاق وحفظت لنا كتب التاريخ والتراجم بعض العلماء ممن بلغت شهرتهم في مرسوم هجاء المصاحف الآفاق. فبلغت عناية أهل الأندلس بمرسوم هجاء المصاحف إلى حدّ الإعجاب والإكبار. وعدّ المقري رحمه الله من فضائلهم اختراعهم للخطوط المخصوصة بهم، فقال: «وكان خطهم أولا مشرقيا»، ونقل عن ابن سعيد قوله: «أما أصول الخط المشرقي، وما تجده له في القلب واللحظ من القبول فمسلم له، لكنّ خطّ الأندلس الذي رأيته، في مصاحف ابن غطوس الذي كان بشرق الأندلس، وغيره من الخطوط المنسوبة عندهم له حسن فائق، ورونق آخذ بالعقل، وترتيب يشهد لصاحبه بكثرة الصبر والتجويد» (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: نفح الطيب 3/ 151.

قال ابن خلدون: «ولم يزل القراء يتداولون هذه القراءات، وروايتها، إلى أن كتبت العلوم، ودونت، فكتب فيما كتب من العلوم، وصارت كتابة القرآن صناعة مخصوصة، وعلما منفردا وتناقله الناس بشرق الأندلس في جيل بعد جيل وكان علم هجاء المصاحف في هذا العصر مزدهرا، والإقبال عليه كثيرا، ولا أدل على ذلك من وجود وفرة من نساخ المصاحف وكبار القراء، والمصنفين في علم الرسم» (¬1). وكان من هؤلاء العلماء المؤلف أبو داود وشيخه أبو عمرو الداني، ومكي بن أبي طالب، وأبو عمر الطلمنكي، وغيرهم. دخلت المصاحف إلى بلاد المغرب والأندلس مع المسلمين الفاتحين سنة 92 هـ، وكاد يكون لكل قائد مصحفه الخاص؛ قال علم الدين السخاوي: «قال أنس بن مالك رضي الله عنه: أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى كل جند من أجناد المسلمين مصحفا، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف خالف الذي أرسل إليهم» (¬2). وهذا عقبة بن نافع فاتح المغرب كان له مصحف نسخه بالقيروان من المصحف العثماني، وهو يحتل المنزلة الثانية بعد المصحف الإمام عند المغاربة فكان متداولا بينهم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة ابن خلدون ص 437. (¬2) انظر: الوسيلة ورقة 17، نثر المرجان 1/ 8. (¬3) انظر: الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى 2/ 130، القراءات بإفريقيا 53.

وكان هذا من أسباب شيوع حركة نسخ المصاحف، ومقابلتها بالأمهات. وفي ظروف غامضة لا نعلمها انتقل إلى الأندلس أحد المصاحف العثمانية التي وجهها إلى الآفاق، وظل بجامع قرطبة، وتداوله أهل الأندلس، وله عندهم شأن عظيم، ومقام كبير. قال ابن بشكوال: «أخرج هذا المصحف من قرطبة، وغرّب منها، وكان بجامعها الأعظم ليلة السبت 11 شوال سنة 552 هـ في أيام أبي محمد عبد المؤمن بن علي الخليفة الموحدي، ويقال: إنه أحد المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه». قال ابن عبد الملك: لعله الشامي. وأنكره أبو القاسم التجيبي السبتي، فقال: «أما الشامي فهو باق بمقصورة جامع بني أمية بدمشق، وعاينته هناك سنة 657 هـ، كما عاينت المكي بالقبة اليهودية، وهي قبة التراب» (¬1). قال المقري: قلت: عاينتهما مع الذي بالمدينة سنة 735 هـ، وقرأت فيها. قال النخعي: لعله الكوفي أو البصري. قال المقري: «وأقول: اختبرت الذي بالمدينة، والذي نقل من الأندلس، فألفيت خطهما سواء». ثم آل أمره إلى بني عبد الواد ملوك تلمسان (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: نفح الطيب 1/ 605، الاستقصاء 2/ 129 - 130. (¬2) انظر: نفح الطيب 1/ 606، الاستقصاء 2/ 129.

أقول: إن الاختلاف في تعيينه ونسبته لا يقلل من أهمية وجوده. فالشيء المؤكد أنه مصحف عتيق، قابله أهل الأندلس بالتجلة والاحترام، ونسخوا منه مصاحف، وقابلوها عليه. ومن اهتمام أهل الأندلس بالمصاحف ورسمها وإعرابها بالنقط وعنايتهم بشأنها أن كان لهم نساخ مهمتهم نسخ المصاحف وإعرابها بالنقط والشكل، ونشرها بين الناس حسبة لله تعالى، وإن كان بعضهم اتخذها صنعة. وأذكر بعض العلماء الذين اشتهروا بمرسوم خط المصاحف وكتابتها، وإعرابها بالنقط والشكل. فمن علماء هجاء المصاحف البارعين في مرسوم خطها: أحمد بن عبد الوالي بن أحمد الرعيني أبو جعفر. كان متقنا لتجويد القرآن، وقال صاحب" الإحاطة": «وكان ممن تطوى عليه الخناصر معرفة بكتاب الله، وتحقيقا لحقه وإتقانا لتجويده، كان يكتب المصاحف، فقال: «والله ما كتبت قط يميني إلا كتاب الله، فأحب أن ألقاه على سجيتي بتوفيقه إن شاء الله وتسديده» (¬1). ومنهم إبراهيم بن مبشر بن شريف البكري، يكنى أبا إسحاق، وكان يقرئ في دكانه قرب المسجد الجامع بقرطبة، وينقط المصاحف، ويعلم المبتدئين (¬2). ¬

_ (¬1) الإحاطة 1/ 194. (¬2) انظر: الصلة 1/ 89.

ومنهم أحمد بن محمد بن سليمان بن عصام، من أهل بلنسية يكنى أبا جعفر، سمع أبا بكر بن نمارة، وصحبه، وأخذ عنه القراءات وكان يكتب المصاحف، ويجيد ضبط حروفها (¬1). ومن العلماء البارزين الذين كان أهل الأندلس يتنافسون في ابتياع المصاحف منهم: أحمد بن عمر بن أبي الشعري الوراق المقرئ، يكنى أبا بكر. كان أهل قرطبة يعتمدون عليه في القراءات، ويأخذون عنه، وكان يكتب المصاحف، وينقطها، وكان الناس يتنافسون في ابتياعها لصحتها، وحسن ضبطها وخطها. توفي بعد سنة 350 هـ (¬2). ومنهم حسن بن عبد الله بن عبد العزيز بن إسماعيل التجيبي، من أهل بلنسية، ويكنى أبا علي، يعرف بالقشتليوني، نسبة إلى قرية بغرب بلنسية، أخذ عن تلميذ أبي داود أبي الحسن بن هذيل، كان يكتب المصاحف وينقطها (¬3). ومنهم: خلف بن سليمان، يعرف بابن الحجام، من أهل قرطبة يكنى أبا القاسم، وكان يكتب المصاحف وينقطها، أخذ ذلك عن أبي الحسن الأنطاكي، توفي سنة 397 هـ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة/ 96. (¬2) انظر: الصلة 1/ 11. (¬3) انظر: التكملة 1/ 266، الحلل السندسية 3/ 92. (¬4) انظر: الصلة 1/ 158.

وممن كان أهل الأندلس يتنافسون فيما يكتب: خلف بن عمر، من أهل الأندلس جزيرة شقر، وسكن بلنسية، يكنى أبا القاسم، ويعرف بالأخفش، كان ورّاقا محسنا ضابطا، يتنافس الناس فيما يكتبه ويغالون به (¬1). وممن أفنى عمره في هجاء المصاحف ونقطها: سليمان بن إبراهيم بن أبي سعد بن يزيد بن أبي يزيد بن سليمان بن أبي جعفر التجيبي، يكنى أبا الربيع، من أهل طليطلة، وكان خطاطا بارع الخط في المصاحف، وأفنى عمره في كتابتها من أول نشأته بقرطبة إلى أن مات سنة 440 هـ (¬2). ومنهم: سليمان بن إبراهيم بن محمد بن خالد الأنصاري الأندلسي، كان يكتب المصاحف ويجيدها، كان حيا سنة 535 هـ (¬3). ومن أبرعهم في هجاء المصاحف: محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن أبي الفوارس من أهل قرطبة. قال ابن الأبار: «حكى القبشي أنه كان من أكتب الناس للمصاحف» وقال: «يحكى عنه أنه كان يكتب المصحف في جمعتين أو نحوهما (¬4)». ومنهم: محمد بن الحسن بن إبراهيم الأنصاري من أهل غرناطة يعرف ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 297. (¬2) انظر: الصلة 1/ 195. (¬3) انظر: الذيل والتكملة 4/ 60. (¬4) انظر: التكملة 1/ 373.

بابن بداوة، يكنى أبا عبد الله، وكان من أبرع الناس خطا، وأجودهم ضبطا لكتاب الله (¬1). ومنهم: محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد العزيز من أهل: «مرسية» يكنى أبا القاسم، وولي الصلاة والخطبة في جامع بلده. وكان يكتب المصاحف، ويجيد نقطها، ويعرف رسمها، مع براعة الخط، وحسن الوراقة، توفي 633 هـ (¬2). ومنهم: محمد بن عبد الله بن خيار المكتب من أهل: «ميورقة» يكنى أبا عبد الله، كان يعلم القرآن، ويكتب المصاحف، ويؤم الناس في صلاة الفريضة بمسجده من داخل قرطبة، توفي 623 هـ (¬3). وكان من أبرع الناس في هجاء المصاحف ومرسومها، والمعول عليه في ضبطها وتصحيحها: محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن مفرج بن سهل الأنصاري، من أهل بلنسية- موطن أبي داود- يعرف بابن غطوس. ويكنى أبا عبد الله، يروي عن ابن هذيل- تلميذ أبي داود- كان يكتب المصاحف وينقطها، وانفرد في وقته بالإمامة في براعة رسم هجاء المصاحف وجودة ضبطها، ويقال: إنه كتب ألف نسخة من كتاب الله عزّ وجل، ولم يزل الملوك فمن دونهم يتنافسون فيها في عصره، وكان قد آلى على نفسه ألا يخط حرفا من غيره ولا يخلط به سواه ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 2/ 561. (¬2) انظر: التكملة 2/ 634. (¬3) انظر: التكملة 2/ 619.

تقربا إلى الله، وتنزيها لتنزيله. قال صاحب التكملة: «فما حنث فيما أعلم، وأقام على ذلك حياته كلها خالفا أباه وأخاه في هذه الصناعة التي اشتهروا بها وكان معروفا فيها وفي إبداعها، آية من آيات خالقه مع الخير والصلاح، والانقباض عن الناس، والعزوف عنهم، رأيته على هذه الصفة، واستفدت منه بعضا من مرسوم الخط، وتوفي حوالي 610 هـ» (¬1). ومنهم: محمد بن محمد بن واجب القيسي، من أهل بلنسية، كنيته أبو عبد الله، وكان صنيع اليد في هجاء مرسوم المصاحف، بارع الخط، صاحب تهذيب وإتقان وتجويد. توفي سنة 586 هـ (¬2). ومنهم: محمد بن محمد بن يحيى بن خشين، من أهل جزيرة شقر، يكنى أبا عبد الله، كان يكتب المصاحف، ولم يكن أحد من أهل زمانه يدانيه في المعرفة بنقطها، والبصر برسمها مع حسن الخط، والإتقان، حافظا للأشعار والأخبار توفي في حدود 630 هـ (¬3). وممن برع في مرسوم هجاء المصاحف: محمد بن موفق المكتب مولى أبي علي بن ابن أم الحور من أهل بلنسية- موطن أبي داود- يعرف بالخراط- وكنيته أبو عبد الله، سمع من تلميذ أبي داود ابن هذيل توفي في سنة 563 هـ. كان صناع اليد عارفا بمرسوم الخط في المصاحف، معروفا بالضبط حسن الوراقة، يغالى فيما يكتب مع ¬

_ (¬1) التكملة لابن الأدبار 2/ 593، الحلل السندسية 3/ 110. (¬2) انظر: التكملة 2/ 543. (¬3) انظر: التكملة 2/ 631.

التجويد والإتقان (¬1). ومن العلماء الدين برزوا في براعة هجاء المصاحف ومرسوم خطها، محمد بن موسى بن حزب الله. أبو عبد الله، ويعرف بابن جلادة من أهل بلنسية. روى عن أبي الحسن بن هذيل تلميذ المؤلف أبي داود، وكان يكتب المصاحف ويضبطها. قال ابن الأنبازي: «ويتنافس فيما يوجد بخطه منها إلى اليوم، ووقفت على بعضها بضبطه سنة 559 هـ» (¬2). ومنهم: موسى بن عيسى بن خليفة اللخمي، أبو عمران الفخار القرطبي. كان يكتب المصاحف توفي 621 هـ (¬3). ومنهم: نصر المصحفي النقاط من أهل طليطلة، كان يقرئ القرآن وينقط المصاحف (¬4). وحتى نساء أهل الأندلس لم يعدمن هذه الصنعة: كتابة المصاحف ونقطها، فاحترفت مئات من نساء أهل الأندلس نسخ المصاحف وإعرابها بالنقط وغيرها من الكتب، وكن يبعنها إلى الورّاقين بسبب ما تميزن به من الجودة والمهارة والإتقان في الكتابة (¬5). أورد عبد الواحد المراكشي ت 647 هـ نصا يبين أن من نساء أهل الأندلس من كنّ ينسخن المصاحف فقال: «حكى ابن فياض في تاريخه ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 2/ 503، الحلل السندسية 3/ 102. (¬2) التكملة 2/ 495. (¬3) انظر: التكملة 2/ 688. (¬4) انظر: التكملة 2/ 744. (¬5) انظر: المعجب 372.

في أخبار قرطبة، قال: كان بالربض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا ما في ناحية من نواحيها فكيف بجميع جهاتها؟» (¬1). ومنهن: عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم ذكرها أبو حيان في المقتبس لم تكن في جزائر الأندلس في زمانها من تعدلها فهما وعلما وأدبا وشعرا، وفصاحة وعفة وجزالة وحصافة. وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف والدفاتر، وتجمع الكتب، وتعنى بالعلم، ولها خزانة علم كبيرة حسنة وماتت عذراء لم تنكح وتوفيت سنة 400 هـ (¬2). ومنهن: فاطمة بنت زكريا بن عبد الله الكاتب المعروف بالشبلاري مولى بني أمية كانت كاتبة جزلة، استكملت أربعا وتسعين تكتب على ذلك الكتب الطوال وتجيد الخط (¬3). ومثلها في العناية بالمصاحف ونقطها السيدة البهاء بنت الأمير عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية. كانت خيرة عابدة زاهدة شديدة الرغبة في الخير، وكانت تكتب المصاحف وتحبسها، وإليها ينسب المصحف الذي بربض الرصافة توفيت في سنة 305 هـ (¬4). والمتأمل في النصوص المتقدمة يلاحظ أن هؤلاء الذين قاموا بنسخ المصاحف على مرسوم الهجاء العثماني لم يكونوا خطاطين فحسب، بل ¬

_ (¬1) انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص 372، الحياة العلمية 273. (¬2) انظر: الصلة 2/ 654، الذيل والتكملة ق 2 ص 484، نفح الطيب 4/ 290. (¬3) الصلة 2/ 655. (¬4) انظر: الذيل والتكملة ق 2/ 484.

كانوا من علماء القراءات والرسم والضبط إلى جانب الصلاح والتقوى والورع، يتقربون بعملهم هذا إلى الله سبحانه وتعالى، على العكس في زماننا هذا، حيث يتولى نسخ المصحف خطاط لا يعرف غير تحسين الخط وتهذيبه وزخرفته. والذي يتولى نسخ المصحف يجب أن يكون عارفا بمذاهب علماء الرسم وقواعده عالما بالقراءات والأحكام مع الخير والصلاح والتقوى والورع مع احتساب ذلك عند الله. والمؤلف أبو داود نفسه حث على رعاية الخط، لأن الخطأ فيه خطأ في التلاوة. قال: «فيحتاج الناسخ أن يراعي هذا الباب كله حسب ما بيناه، في أول كتابنا هذا، ويترك فسحة مكان الهمزة وحركتها، وأن لا يقع في حرج ويوقع غيره في أعظم من ذلك، إذا كان جاهلا بالخط أو مستهزئا بالأمر، وغير مراع لما يجب عليه من ذلك» (¬1). ومن كلام العرب في ذلك: الخط أحد اللسانين، وحسن الخط أحد الفصاحتين، (¬2) والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: قوله تعالى: ليئوس في الآية 9 من سورة هود من التنزيل. (¬2) تنبيه العطشان ورقة 6.

الفصل الثاني حياة أبي داود

الفصل الثاني حياة أبي داود

اسم المؤلف ونسبه

اسم المؤلف ونسبه : اسمه: سليمان بن أبي القاسم نجاح (¬1). كنيته: أبو داود. نسبه: ينسب إلى المؤيد بالله، فيقال: مولى المؤيد بالله أمير المؤمنين هشام بن الحكم. قال ابن عياد (¬2) (ت 575 هـ): «وأصل أبي داود من بلنسية، وهو معدود من أهلها وولاؤه في بني أمية، وهو سليمان بن أبي القاسم نجاح من أهل بلنسية يكنى أبا داود، ونجاح أبوه كان مولى المؤيّد بالله هشام أمير المؤمنين؛ لأن هشام بن عبد الرحمن هو الذي أعتق نجاحا أبا سليمان» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: - كتاب الصلة لابن بشكوال 1/ 203، 204. - بغية الملتمس للضبي 289، 290. - المعجم في أصحاب القاضي أبي علي لابن الأبّار 302. - سير أعلام النبلاء 19/ 168. - معرفة القراء 1/ 450. - غاية النهاية 1/ 316 - 317. - الوافي بالوفيات 13/ 162. - شذرات الذهب 3/ 403. - نفح الطيب 2/ 135، 4/ 171. - الحلل السندسية 3/ 330. - العبر 3/ 343، 344. (¬2) يوسف بن عبد الله بن سعيد بن عياد الأندلسي الإمام شيخ القراء والمحدثين، كنيته أبو عمرو، عارف بالرجال، سكن بلنسية، وتوفي 575 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 180 التكملة 734 غاية النهاية 2/ 397 معجم المؤلفين 13/ 313. (¬3) انظر: التبيان ورقة 35، 61.

مولد المؤلف أبي داود

ونسبه تلميذه إبراهيم بن سهل العبدري إلى بني أمية، فقال: «سليمان بن أبي القاسم الأموي». فتسميته بالأموي؛ لأنه كان من موالي بني أمية، وكانت كلمة الأموي تطلق على الأموي من الصلب وعلى موالي الأمويين، وأبو داود كان أبوه نجاح مولى وأعتقه هشام (¬1). وينسب تارة إلى المؤيد بالله، فيقال: «أبو داود المؤيدي» (¬2). وينسب تارة أخرى إلى هشام، فيقال: «أبو داود الهشامي» (¬3). وهاتان النسبتان قليلتا الاستعمال، ولم تشتهرا اشتهار الأولى، مع أن المنسوب إليه هو شخص واحد وهو هشام بن الحكم المؤيد بالله كما بينته في مقدمة التنزيل. ونسبه عبد الرحمن بن خلدون إلى موالي مجاهد العامري، ولم يذكر هذه النسبة غيره، فقال: «أبو داود سليمان بن نجاح من موالي مجاهد العامري» والأولى أشهر، وبها يعرف (¬4). مولد المؤلف أبي داود أجمعت المصادر على أن مولده سنة ثلاث عشرة وأربعمائة من الهجرة. قال ابن بشكوال: وقرأت بخط شيخنا أبي عبد الله بن أبي الخير (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة مختصر التبيين لهجاء التنزيل (قسم التحقيق) ص 2. (¬2) انظر: معجم السفر للإمام السلفي 576. (¬3) انظر: التكملة 2/ 785، والذيل والتكملة 4/ 191. (¬4) انظر: تاريخ ابن خلدون 1/ 366. (¬5) ستأتي ترجمته في مبحث تلاميذه صفحة 100.

وفاة المؤلف أبي داود

قال: «وكان مولده سنة ثلاث عشرة وأربعمائة» (¬1) ولم يعلم له مخالف وكانت داره ببلنسية في الجنوب منها عند دار ابن صخر (¬2). وفاة المؤلف أبي داود أجمعت المصادر على أن وفاته كانت في سنة ست وتسعين وأربعمائة، وقد حدد ذلك ابن بشكوال فيما نقله عن شيخه، فقال: وقرأت بخط شيخنا أبي عبد الله بن أبي الخير: توفي أبو داود سليمان بن نجاح يوم الأربعاء بعد صلاة الظهر، ودفن يوم الخميس لصلاة العصر بمدينة بلنسية، وشيّع جنازته خلق كثير، وذلك في رمضان لست عشرة ليلة خلت منه سنة ست وتسعين وأربعمائة» (¬3). وصلى عليه الشيخ إسماعيل بن مهلهل صاحب الصلاة والخطبة بجامع بلنسية (¬4). ودفن بمقبرة باب بيطالة (¬5) ببلنسية، ولم يذكر ذلك أحد، وإنما استقرأته من ترجمة زينب بنت محمد بن محرز الزهري التي تدعى عزيزة. فقال المراكشي: «ودفنت لصلاة العصر بمقبرة باب بيطالة بمقربة من قبر أبي داود سليمان بن نجاح» (¬6). ¬

_ (¬1) كتاب الصلة 1/ 204. (¬2) انظر: الذيل والتكملة ق 5 ج 1 ص 484، الحياة العلمية 74، التبيان ورقة 35. (¬3) كتاب الصلة 1/ 203. (¬4) انظر: التكملة 1/ 181. (¬5) كانت مدينة بلنسية محاطة بسور له ثمانية أبواب، وهذا أحد أبوابها. انظر: الذيل والتكملة ق 5 ج 1/ 231، الحياة العلمية 74. (¬6) انظر: الذيل والتكملة ق 2 ج 8 ص 484، ديوان ابن الزقاق البلنسي 9.

وأنشد أبو داود أبياتا في مرض موته يرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه ويغفر له. قال الإمام أحمد بن محمد السلفي ت 576 هـ (¬1): «سمعت أبا نصر الفتح بن خلف بن عبد الله المقرئ الخبري بالثغر يقول: دخلنا على أبي داود سليمان بن نجاح المقرئ المؤيدي في مرض موته، فأنشد لأبي إسحاق القباب المؤدب، قال أبو نصر: وقد أنشدنيه القباب نفسه ببلنسية، فقال أبو داود: يا أكرم الكرماء يا من لم يزل* يولي الجميل ويستر العصيانا إنّ الكريم متى ألمّ بداره* ضيف قراه البرّ والإحسانا وأحلّ دارك مذنبا متذمما* فاجعل قراي العفو والغفرانا إني جعلت إلى علاك وسيلتي* وشفيعي التوحيد والقرآنا أعلى ظنوني أن عفوك شامل* أهل الذنوب فلم تزل رحمانا (¬2) غفر الله لنا وله، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: ترجمته في غاية النهاية 1/ 102. (¬2) انظر: معجم السفر لأبي طاهر السلفي ص 104 قطعة منه بعنوان أخبار وتراجم أندلسية تحقيق: إحسان عباس.

أسرة المؤلف أبي داود

أسرة المؤلف أبي داود لا نعرف شيئا عن أسرة المؤلف أبي داود سليمان بن نجاح سوى لمحات لا تكاد تكوّن صورة كاملة عن أسرته؛ من ذلك ما ذكره ابن عياد (ت 575 هـ) فقال: «أخبرني الشيخ أبو الحسن بن هذيل، قال: أخبرني أبو داود أنه كان يقرأ عليه ببلنسية رجل يعرف بأحمد بن محرز، قال: وكان فتى فاضلا مقلا، قال: فقال أبو داود يوما: أتحب أن أزوجك ابنتي، قال: فخجل الفتى من ذلك، وذكر له حاجة تمنعه من ذلك قال: فزوجها منه، ونظر لها في دار ومال وأثاث عن مهرها وزفها إليه» (¬1). ترجم لها المراكشي فقال: أسماء بنت أبي داود سليمان بن أبي القاسم نجاح، بلنسية أكثرت عن أبيها، وشاركته في بعض شيوخه، وهي التي زوجها بأحمد بن محرز، فتى كان يقرأ عليه، فأعجبه سمته، فزوجها منه كما سيأتي ذكره في تلاميذه (¬2). ولها أخ من أبيها سماه المراكشي: محمد بن أبي داود سليمان بن نجاح، وذكر أنه روى عن أبيه، فقال: «روى عن أبيه» ولم يزد على ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: التبيان ورقة 35. (¬2) انظر: الذيل والتكملة 8/ 478. (¬3) انظر: الذيل والتكملة 6/ 221.

شيوخ المؤلف أبي داود

شيوخ المؤلف أبي داود توفر للإمام أبي داود سليمان بن نجاح طائفة من العلماء والحفاظ، وكلهم من ذوي التصانيف في مختلف العلوم، وكل منهم وصف بالعلم والفضل، ونعت بالرواية والدراية. وقد ألف فهرسة في ذكر مشايخه ومروياته رواها ابن خير الإشبيلي ت 575 هـ فقال: «فهرسة الشيخ الفقيه أبي داود سليمان بن نجاح المقرئ، روايتي لها عن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن هذيل» (¬1). وهي من الفهارس الجامعة لروايات الشيوخ وتواليفهم. وهذه الفهرسة لم نتوصل إلى العثور عليها، وإذا قدر أن وجدت فسوف تضيء لنا بعض الجوانب الغامضة من حياة أبي داود سليمان بن نجاح. ولقد جردت من كتب التاريخ والتراجم الأندلسية واستخرجت منها طائفة من شيوخه ومجموعة كبيرة من طلابه وتلاميذه. ومن أهم شيوخ أبي داود سليمان بن نجاح ما يلي: 1 - أحمد بن الحسن بن عثمان الغساني. من أهل: «بجاية» المرّية، وسكن دانية، يكنى أبا عمر، ويعرف بابن أبي رئال، بالهمز وكسر الراء، ولي قضاء دانية لمجاهد العامري وجرت له مساءلات مع أبي عمران الفاسي وطبقته، فوضع مائة مسألة في فنون شتى، وكان فقيها نظارا له ¬

_ (¬1) انظر: فهرسة أبي بكر محمد الإشبيلي ص 428.

حظ من الأدب والشعر، وهو أحد شيوخ أبي داود المقرئ حدّث عنه بتلك المسائل المائة. قال ابن الأبار: قرأت نسبه وبعض خبره بخط ابن عياد، وتوفي في حدود 440 هـ (¬1). 2 - أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث بن أنس بن فلذان بن عمران بن منيب بن زغيبة بن قطبة العذري يعرف بابن الدلائي من أهل المرية، يكنى أبا العباس. رحل إلى المشرق مع أبويه، وجاوروا بيت الله الحرام أعواما جمة وسمع من جماعة من المحدثين من أهل العراق والشام الواردين على مكة ورجع إلى الأندلس، وكان معتنيا بالحديث ونقله وروايته وضبطه، مع ثقته، وجلالة قدره، وعلو إسناده. حدّث عنه من كبار العلماء أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم وأبو الوليد الوقشي، وجماعة من كبار الشيوخ، وتوفي سنة 478 هـ (¬2). وكانت له مجالس يتصدر فيها في بلنسية يدرس طلبة العلم. وكتب أبو داود بخط يده صحيح البخاري ومسلم، وقرأهما على أبي العباس العذري مرات، واحتفل في تقييدهما، حتى صار كل منهما أصلا يقتدى به (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 42، بغية الملتمس 174. (¬2) انظر: الصلة 2/ 66، 67، سير أعلام النبلاء 18/ 567. (¬3) بغية الملتمس 303، برنامج الوادي آشي 193.

3 - إشراق السويداء مولاة أبي المطرف عبد الرحمن بن غلبون القرطبي الكاتب. سكنت بلنسية. أخذت عن مولاها أبي المطرف العربية واللغة والآداب أيام إقامته بقرطبة ثم انتقلت بانتقاله عنها، وكانت قد فاقته في كثير مما أخذته عنه، وأحسنت في كل ما تناولته، وكان لها تقدم في العروض، وبالعروضية كانت تشتهر. أخذ عنها العروض أبو داود المقرئ، وقرأ عليها الكامل لأبي العباس المبرد وأمالي أبي علي القالي، قال: «وكانت تحفظ الكتابين ظهرا تنصهما حفظا، وتتكلم عليهما» (¬1). 4 - جعفر بن سعيد بن محمد بن حلبس المقرئ. من أهل بلنسية يكنى أبا محمد، روى عن أبي عمرو المقرئ، وكان له اختصاص بصحبته سمع منه ببلنسية، وأبو عمرو إذ ذاك يرتاد بلدا يستوطنه ثم سمع منه بعد ذلك بدانية. وأقرأ القرآن ببلده، وعنه أخذ أبو داود سليمان بن نجاح، واختلف إليه، وقرأ زمانا عليه، وصحبه رجل إلى أبي عمرو في السماع منه، والأخذ عنه سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. وبقراءته سمع التيسير من تأليفه (¬2). 5 - جعفر بن علي بن محمد التميمي الصقلي يعرف بابن القطاع، ويكنى أبا محمد، سمع بمصر من أبي عبد الله القضاعي، وغيره، وقدم الأندلس، وبها لقيه أبو داود المقرئ، فسمع منه كتاب أبي بكر بن عزير ¬

_ (¬1) انظر: الذيل والتكملة 8/ 480، نفح الطيب 4/ 171، الوافي بالوفيات 9/ 167. (¬2) انظر: التكملة 1/ 239 رقم 630.

في غريب القرآن (¬1) بجامع بلنسية مرتين. وكان من أهل المعرفة الكاملة باللغة والآداب، والشعر مقدم في ذلك، كانت له حلقة بجامع بلنسية لتدريس علوم القرآن واللغة. قال صاحب التكملة: «بعض خبره من أبي داود» (¬2). 6 - الحسين بن محمد بن سكرة أبو علي الصدفي الحافظ. إمام كبير، قرأ على عبد السيد بن عتاب، وقرأ عليه الحسين بن محمد بن عريب، استشهد سنة 514 هـ (¬3). سمع أبو داود بمنزله بدانية من أبي علي رياضة المتعلمين لأبي نعيم في سنة 491 هـ إثر قدومه من المشرق، وسمعها معه جماعة من تلاميذ أبي داود. وأجازه أبو داود في رواية لبعض تآليفه عنه فتدبجا (¬4) وكان ذا دين وورع، وإكباب على العلم، ويد طولى في الفقه، فخلف كتبا نفيسة، وأصولا متقنة، تدل على حفظه وبراعته، وكان ابن سكرة يقابل أصوله بأصول أبي داود (¬5) فهو منه تلميذ أقرب منه إلى الشيخ. ¬

_ (¬1) اسم الكتاب: «نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن على حروف المعجم»، قال القاسم التجيبي: وهذا الكتاب مفيد في بابه، ومؤلفه في غاية الضبط والإتقان وصححه، وهذبه في طول عمره، توفي صاحبه محمد بن عزير السجستاني سنة 330 هـ. انظر: برنامج التجيبي 46، 47، 48، فهرست ابن خير 61. (¬2) انظر: التكملة 1/ 245 رقم 648، سير أعلام النبلاء 19/ 433. (¬3) انظر: الصلة 1/ 144، بغية الملتمس 269. (¬4) انظر: المعجم لابن الأبار 302، سير أعلام النبلاء 19/ 377. والمدبج في اللغة مأخوذ من ديباجتي الوجه، أي جانبه، سمي بذلك لتساوي القرينين وتقابلهما. (¬5) انظر: بغية الملتمس 304.

7 - خلف بن أحمد بن بطال البكري من أهل بلنسية، يكنى أبا القاسم، روى عن أبي عبد الله الفخار، والقاضي أبي عبد الرحمن بن جحّاف، وأبي بكر محمد بن يحيى الزاهد، وغيرهم. حدّث عنه أبو داود المقرئ، وكان فقيها أصوليا من أهل النظر والاحتجاج لمذهب مالك وتردد بالمشرق، وله مؤلفات حسان، وتوفي سنة 454 هـ (¬1). 8 - سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجي أبو الوليد. كان فقيها محدثا محققا حسن التأليف له تصانيف مشهورة جليلة، منها المنتقى في شرح الموطأ، واختصر منه كتاب الإيماء وكتاب السراج، والمقتبس والمهذب وغيرها، فسمع منه المؤلف أبو داود، وكتب بخط يده كتاب البخاري في عشرة أسفار، وكتاب مسلم في ستة أسفار، وقرأهما معا على الباجي، واختلف في تقييدهما حتى صار كل منهما أصلا يقتدى به. ولد سنة 403، وتوفي بالمرية سنة 474 هـ (¬2). 9 - عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن جحّاف المعافري القاضي ببلنسية، كنيته أبو المطرف، من أهل بيت علم وجلالة ورئاسة يتداولون القضاء، سمع الحديث من خلف بن هانئ. روى عنه ببغداد أبو الفتح نصر بن الحسن الشاشي، وروى عنه أبو داود سليمان بن نجاح. ¬

_ (¬1) انظر: الصلة 1/ 170، الديباج المذهب 115. (¬2) انظر: ترجمته مفصلة في ترتيب المدارك 18/ 117 - 127، بغية الملتمس 302، سير أعلام النبلاء 18/ 535، معجم المؤلفين 4/ 26.

وتوفي في سنة 472 هـ (¬1). 10 - عبد الله بن أبي دليم، يكنى أبا محمد. سكن بلنسية، وسمع بطرطوشة من أبي القاسم خلف بن هانئ العمري. روى عنه أبو داود بن نجاح سمع منه أحاديث خراش بن عبد الله (¬2) في سنة 436 هـ، وكان إذ ذاك ابن ثمانين عاما، وله نشاط علمي في بلنسية. قال صاحب التكملة: قرأت ذلك بخط أبي داود (¬3). 11 - عبد الواحد بن محمد بن موهب التجيبي الأندلسي يكنى أبا شاكر المعروف بابن القبري نسبة إلى مدينة قبرة من أعمال الأندلس. يعد من ألمع الوجوه العلمية والأدبية، فقد كان فقيها محدثا أديبا خطيبا شاعرا له باع طويل في العربية والنظر والجدل، نشأ بقرطبة، وخرج منها في الفتنة، فسكن شاطبة بشرق الأندلس، حيث تولى المظالم والأحكام، كما تولى الصلاة ببلنسية وتوفي في سنة 456 هـ (¬4). 12 - عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني القرشي الأموي المعروف في زمانه بابن الصيرفي شيخ مشايخ المقرئين، ولد سنة ¬

_ (¬1) بغية الملتمس 367، الصلة 2/ 340. (¬2) كتاب نسخة خراش بن عبد الله خادم أنس بن مالك أربعة عشر حديثا عن أنس بن مالك، ذكره الذهبي في الضعفاء. انظر: فهرست بن خير 162، الإصابة 1/ 422، المغني في الضعفاء 1/ 209. (¬3) انظر: التكملة 2/ 796، الذيل والتكملة ق 4 ج 1 ص 180. (¬4) انظر: الصلة 2/ 384، جذوة المقتبس للحميدي 290، ترتيب المدارك 4/ 818، سير أعلام النبلاء 18/ 196.

واحد وسبعين وثلاثمائة، وتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة. أخذ عن جلة من العلماء منهم خلف بن إبراهيم بن خاقان، وطاهر ابن عبد المنعم بن غلبون وغيرهما. ومن أجل تلاميذه أبو داود سليمان بن نجاح. كان أحد الأئمة في علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرق إعرابه، وجمع في ذلك تآليف مفيدة يطول تعدادها (¬1) وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته، وكان إماما في هجاء المصاحف وإعرابها بالنقط والشكل (¬2)، وله فيها مصنفات. قال أبو بكر اللبيب: «رأيت لأبي عمرو الداني رحمه الله في برنامج مائة وعشرين تأليفا منها في الرسم أحد عشر كتابا، وأصغرها حجما المقنع» (¬3). 13 - محمد بن أحمد بن سعود الأنصاري المقرئ من أهل دانية يكنى أبا عبد الله. أخذ عن أبي عمرو الداني، وكان من كبار أصحابه، وتلاميذه، وتصدر في حياته للإقراء. وعنه أخذ أبو داود سليمان بن نجاح قراءة نافع من رواية قالون، عند قدومه دانية للأخذ عن أبي عمرو من بلنسية، في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وحكى أنه ساكنه، ونسخ الأصول منه، وهو غلام دون العشرين. وله مؤلفات منها: كتاب الاختلاف بين نافع من رواية قالون وبين الكسائي من رواية الدوري، وكتاب السنن والاقتصاد في الفرق بين السين ¬

_ (¬1) له فهرسة بأسماء كتبه نشرها الدكتور غانم قدوري في مقدمة كتاب «التحديد والإتقان والتجويد» ص 24. (¬2) انظر: الصلة 2/ 405، جذوة المقتبس 286، بغية الملتمس 399، معرفة القراء 1/ 406، غاية النهاية 1/ 503، معجم الأدباء 12/ 127. (¬3) انظر: الدرة الصقيلة للبيب ورقة 7.

والصاد، وكتاب الاقتضاء للفرق بين الذال والضاد والظاء. قال ابن الأبّار: وقفت عليها، وبعضها مكتوب عنه قبل السبعين والأربعمائة، وكان حيّا في حدود 470 هـ (¬1). 14 - محمد بن سعدون بن علي بن بلال البدوي القيرواني المالكي أبو عبد الله. فقيه أصولي حافظ، ولد بالقيروان، ورحل إلى المشرق وطاف بلاد المغرب والأندلس. من آثاره: «تأسي أهل الإيمان بما طرأ على مدينة القيروان» كتاب في الفقه المالكي، أخذ عنه أبو داود سليمان بن نجاح (¬2). توفي سنة 485 هـ (¬3). 15 - محمد بن عبد الله بن حزب الله الوثائقي. من أهل بلنسية، يكنى أبا عبد الله، كان متقدما في علم مالك وأصحابه، وكان مفتيا ببلنسية ذكره ابن خزرج، وقال: توفي بعد سنة ثلاث وأربعمائة. وقال غيره توفي في سنة 440 هـ (¬4)، وهو الأرجح، لأنه في التاريخ الأول لم يكن ولد أبو داود بعد، «وبنو حزب الله أهل علم ونباهة، وإليهم ينسب المسجد بداخل بلنسية»، ويتوفر ذكر لعدة علماء من بني حزب الله (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 395، الذيل والتكملة 5/ 641. (¬2) سير أعلام النبلاء 19/ 168، الصلة 1/ 203. (¬3) انظر: الديباج 273، 311 معجم المؤلفين 10/ 23، الأعلام 7/ 8. (¬4) انظر: الصلة 2/ 524 رقم 1147. (¬5) انظر: التكملة 1/ 281، 2/ 785.

16 - هشام بن أحمد بن هشام الكناني، يعرف بالوقشي (¬1). من أهل طليطلة، يكنى أبا الوليد، قال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد: أبو الوليد الوقشي، أحد رجال الكمال في وقته باحتوائه على فنون المعارف، وجمعه لكليات العلوم، وهو من أعلم الناس بالنحو واللغة ومعاني الأشعار، وعلم العروض، وصناعة البلاغة، وهو بليغ مجيد، متقدم حافظ للسنن وأصول الفقه وغيرها. توفي بدانية سنة 489 هـ (¬2). روى عنه أبو داود المقرئ وغيره (¬3). 17 - يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري شيخ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته، فتردد يدرّس ويقرئ ما بين دانية وشاطبة وبلنسية موطن أبي داود، فسمع منه وروى عنه. وله مؤلفات تشهد بغزارة علمه، مثل كتاب التمهيد، وكتاب الاستذكار، وكتاب التقصي، وكتاب الاستيعاب، وكتاب جامع بيان العلم وفضله، وكتاب البيان على تلاوة القرآن، وكتاب الاكتفاء في القراءات، وكتاب التجويد، وغيرها من المصنفات والشروح مما يطول ذكرها. ولد سنة 368 وتوفي بشاطبة سنة 463 هـ (¬4). ولقد بدا أثر شيوخ أبي داود فيه واضحا للعيان، حيث إنه استفاد من ¬

_ (¬1) نسبة إلى وقش قرية على بريد من طليطلة. (¬2) انظر: الصلة 2/ 653، معجم الأدباء 19/ 286 معجم المؤلفين 13/ 147. (¬3) المعجم ص 302. (¬4) انظر: ترجمته وأخباره وكتبه في: ترتيب المدارك 8/ 127 - 130، الصلة 2/ 677، بغية الملتمس 489، سير أعلام النبلاء 18/ 153، معجم المؤلفين 13/ 289.

تلاميذ أبي داود

علم هؤلاء الشيوخ ومؤلفاتهم، وبالأخص منهم أبو عمرو عثمان بن سعيد الصيرفي وابن عبد البر وأبو الوليد سليمان الباجي. فتصدر للإقراء والتدريس والتأليف بل عارض بعض شيوخه وخالفهم، وعلق على كتبهم، ووضع على بعضها حواشي، ورحل إليه الناس لعلمه وفضله وعلوّ رواياته. وسرى هذا التأثر العلمي في تلاميذه كما نرى في المبحث التالي. تلاميذ أبي داود جردت من كتب التراجم والتاريخ التي عنيت بتاريخ الأندلس وغيرها واستخرجت منها عددا كبيرا من تلاميذ المؤلف، مما يدل على إقبال طلبة العلم عليه، فتوافدوا ورحلوا إليه لتقدمه وفضله وعلمه، وعلو إسناده، وإني أذكرهم على حسب ترتيب حروف المعجم. 1 - آدم بن الخير السرقطي، سمع بدانية من أبي الحسن الحصري، وله أيضا رواية عن أبي داود المقرئ وغيره (¬1). 2 - أبو الحجاج الخولاني روى القراءات عن أبي داود (¬2). 3 - أبو الحسن المعروف بالنقدوي من أهل غرناطة رحل إلى أبي داود بشرق الأندلس، وأخذ عنه القراءات هو وأبو القاسم عبد الرحيم الخزرجي، وأبو عبد الله النوالشي، وتصدروا جميعا للإقراء بعد ذلك وأخذ عنهم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 212. (¬2) انظر: غاية النهاية 1/ 251، 266. (¬3) انظر: التكملة 1/ 268.

4 - إبراهيم بن أحمد بن خلف بن جماعة بن مهدي البكري- بكر بن وائل- من أهل دانية ويكنى أبا إسحاق، روى عن أبي داود المقرئ وغيره، وولي قضاء بلده، وكان عدلا حسن السيرة معتنيا بالحديث توفي سنة 542 هـ (¬1). 5 - إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الله بن الفتح بن عمر العبدري من أهل المرية، يكنى أبا إسحاق، روى عن أبي داود المقرئ وغيره، وكان من أهل التقييد والضبط، وكتب بخطه كثيرا توفي في سنة 514 هـ (¬2). 6 - إبراهيم بن عتيق بن أبي العيش من أهل بلنسية، يكنى أبا إسحاق، سمع أبا داود وأخذ عنه، وأقرأ ببلده، وحمل عنه الأداء توفي بشاطبة سنة 549 هـ (¬3). 7 - إبراهيم بن محمد الصدفي المقرئ يكنى أبا الوليد، روى عن أبي داود المقرئ بدانية، وأجاز له تصانيف أبي عمرو الداني عنه (¬4). 8 - إبراهيم بن خلف الجمحي المقرئ من أهل مرسية يكنى أبا بكر، أجاز له أبو داود المقرئ (¬5). 9 - أحمد بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن جحّاف المعافري من أهل بلنسية وقاضيها يكنى أبا محمد، ولي قضاء بلنسية نحوا من خمس عشرة سنة فكانت سيرته محمودة. سمع من أبي داود المقرئ في غرة شعبان ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 145، المعجم 62، 63. (¬2) انظر: التكملة 1/ 41، المعجم 57، 58. (¬3) انظر: التكملة 1/ 148. (¬4) انظر: التكملة 1/ 149. (¬5) انظر: التكملة 1/ 147.

سنة ست وتسعين وأربعمائة، وفي رمضان منها كانت وفاة أبي داود، وتوفي سنة 547 هـ (¬1). ويجمع إلى المعرفة بالأحكام المشاركة في الأدب مع براعة الخط (¬2). 10 - أحمد بن خيرة أبو جعفر. من أهل بلنسية، قال ابن الأبار: «له سماع من أبي داود المقرئ، وكتب إليه أبو علي، قرأت ذلك بخطه» (¬3). 11 - أحمد بن سعيد الكاتب، يكنى أبا القاسم، لقي أبا عمر بن عبد البر وحمل عنه الموطأ، وبقراءته إياه، سمع أبا داود المقرئ، وهي الثالثة من سماعاته. قال ابن الأبار: «قرأت ذلك بخط أبي داود، ولا أعرفه» (¬4). 12 - أحمد بن طاهر بن علي بن عيسى الأنصاري روى عن أبي داود المقرئ وأبي علي الغساني وأبي محمد بن العمّال وله تصنيف ورحلة وولّي الشورى ببلده دانية، وامتنع من ولاية قضائها. وتوفي في نحو 520 هـ (¬5). 13 - أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن حسين بن عاصم الثقفي من أهل: «برجة» يكنى أبا العباس. رحل إلى شرق الأندلس، فأخذ عن أبي داود المقرئ بدانية، ثم تصدر للإقراء، وإسماع الحديث بجامع المريّة، وكان جيد الضبط، توفي في حدود 540 هـ (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 55، 56. (¬2) انظر: المعجم 36. (¬3) انظر: المعجم ص 11. (¬4) انظر: التكملة 1/ 25. (¬5) انظر: الحلل السندسية 3/ 330. (¬6) انظر: التكملة 1/ 50، بغية الملتمس 189، الذيل والتكملة 1/ 50.

14 - أحمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن إدريس التجيبي أبو العباس من أهل مرسية، وصاحب الأحكام، سمع من أبي علي موطأ مالك، وصحيحي البخاري ومسلم، وجامع الترمذي، وأجاز له أبو الحسن العبسي، وأبو داود المقرئ، وغيرهما. كان فقيها حافظا مشاركا في علوم القرآن، ولي القضاء والشورى توفي سنة 563 هـ (¬1). 15 - أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى بن أفلح بن رزقون بن سحنون القيسي، يكنى أبا العباس. أصله من «باجة» القيروان، أخذ القراءات عن أبي داود المقرئ، وأبي الحسن بن البيّاز وغيرهما وسمع الحديث بقرطبة من أبي عبد الله بن فرج، وكان في مشاهير أصحاب مكي ابن أبي طالب، وتصدر للإقراء، وأخذ الناس عنه. وكان فقيها محدثا حافظا مقرئا نحويا مفسرا، توفي نحو سنة 542 هـ وقيل: 545 هـ (¬2). 16 - أحمد بن محمد بن خلف بن محرز الأنصاري من أهل شاطبة، يكنى أبا العباس مقرئ صنف كتابا في القراءات سماه المقنع وحكى أبو الحسن بن هذيل أن أبا داود المقرئ كان يقرأ عليه ببلنسية رجل يعرف بأحمد بن محرز، قال: وكان فتى فاضلا مقلا، فأعجبه سمته، فقال له أبو داود يوما: أتحب أن أزوجك ابنتي، فخجل الفتى، وذكر له حاجة تمنعه، قال: فزوجها منه، ونظر لها في دار وجهاز وزفها إليه (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: المعجم ص 46، التكملة 1/ 71. (¬2) انظر: التكملة 1/ 54، فهرست ابن خير 433، المعجم 33. (¬3) انظر: التكملة 1/ 27.

17 - أحمد بن محمد بن سعيد بن حرب أبو العباس المسيلي المقرئ، أخذ القراءات على أبي داود، وخازم بن محمد، وكان من أهل الحذق، والتجويد وصنف كتاب التقريب في القراءات السبع وكتابا في الرسم نقل منه الخرّاز في مورده. وتصدر للإقراء بإشبيلية، وأخذ عنه جماعة، وبقي إلى حدود 540 هـ (¬1). 18 - أحمد بن محمد الغافقي الضرير من أهل مالقة، ونزل المرية يكنى أبا العباس. أخذ القراءات عن أبي داود، وابن أخي الدوش وغيرهما، ولم يذكر له تاريخ وفاة (¬2). 19 - أحمد بن موسى بن أحمد الأنصاري المقرئ أبو العباس روى عن أبي عبد الله المغامي وأبي داود المؤيدي، ورحل فأخذ عن أبي معشر الطبري (¬3). 20 - جعفر بن يحيى بن إبراهيم. من أهل دانية، وأصله من بطروشة يعرف بابن غتال، ويكنى أبا الحكم. سمع أبا داود المقرئ، وأخذ عنه القراءات وعن غيره. وكان أديبا كاتبا شاعرا، وأقرأ بالعربية والآداب، وكان يميل إلى الدراية دون الرواية توفي في سنة 539 هـ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 48، والذيل والتكملة 2/ 427، فهرست ابن خير 34. (¬2) انظر: التكملة 1/ 55. (¬3) انظر: التكملة 1/ 25. (¬4) انظر: التكملة 1/ 240، المعجم ص 70.

21 - الخضر بن عبد الرحمن بن سعيد بن يبقى بن غاز بن إبراهيم القيسي المقرئ من أهل المرية يكنى أبا عمرو روى عن أبي داود المقرئ وأبي عمران موسى بن سليمان. وكان من أهل المعرفة والنبل والذكاء واليقظة والإتقان لما يحمله وكان دينا فاضلا وتوفي سنة 540 هـ (¬1). 22 - خليفة بن عيسى بن رافع بن أحمد بن خليفة بن سعيد بن رافع ابن حلبس الأموي من أهل بلنسية، يكنى أبا بكر. روى عن أبي داود المقرئ هو وأبوه عيسى وسمعا منه (¬2). 23 - سعيد بن فتح بن عبد الرحمن بن عمر الأنصاري المقرئ أبو الطيب المعروف بابن الطيّاب أخذ القراءات عن أبي داود، وابن الدوش وابن البياز وابن النحاس بقرطبة، وروى عنه جماعة، وتوفي سنة 515 هـ أو 516 هـ (¬3). 24 - سعيد بن محمد بن سعيد بن محمد بن أبي زاهر اللخمي، سرقسطي، أبو زاهر. روى عن أبي داود الهشامي وصحبه في السماع، وكذا عن أبي الوليد الباجي وغيره (¬4). 25 - سليمان بن حارث بن هارون الفهمي أبو الربيع، روى رواية ورش عن أبي داود سليمان بن نجاح، قراءة منه عليه، وحدّثه جميعا بها ¬

_ (¬1) انظر: الصلة 1/ 181. (¬2) انظر: التكملة 1/ 308. (¬3) انظر: المعجم ص 305. (¬4) انظر: الذيل التكملة 4/ 41.

عن أبي عمرو الداني المقرئ (¬1). 26 - سليمان بن سعيد بن محمد سعيد العبدري الداني أبو الربيع يعرف باللوشي سمع من أبيه، وأبي داود المقرئ، وأبي علي الصدفي، وولي قضاء دانية من سنة 530 هـ إلى سنة 540 هـ وكان فاضلا مع غفلة كانت فيه، توفي بدانية 545 هـ (¬2). 27 - سليمان بن يحيى بن سعيد بن يحيى المعافري. سرقسطي تلا بشرق الأندلس على أبي داود سليمان بن نجاح، وكان يكنى أبا الربيع قال: فلما قرأت على أبي داود الهشامي، قال: تكنّ بكنيتي، فكان ذلك، فعرف بأبي داود الصغير. وكان مقرئا محققا مجودا ماهرا، وتصدر للإقراء والعربية بمسجد العطارين في قرطبة، وقصده الناس للأخذ عنه، وتوفي بعد سنة 540 هـ (¬3). 28 - زاوي بن مناد بن عطية الله بن المنصور الصنهاجي يعرف بابن تقسوط أبو بكر، سمع ببلده دانية أبا داود المقرئ وأبا بكر بن برنجال، وبمرسية أبا علي الصدفي، وبقرطبة أبا محمد بن عتاب وغيره، وأجاز له جلة من العلماء. وكان رجلا صالحا فاضلا قعد لإسماع الحديث، وتوفي بدانية سنة 539 هـ (¬4). كتب علما كثيرا بخط يده (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: فهرست ما رواه عن شيوخه للإشبيلي 34. (¬2) انظر: الحلل السندسية 3/ 322، المعجم 316. (¬3) انظر: الذيل والتكملة 4/ 96، 97. (¬4) انظر: التكملة 1/ 335، الحلل السندسية 3/ 327. (¬5) انظر: بغية الملتمس 282، المعجم 89.

29 - طاهر بن خلف بن خيرة من أهل جزيرة شقر، يكنى أبا الحسن. روى عن أبي الوليد الباجي، وسمع أبا داود المقرئ وغيره، وذلك في جمادى الأخيرة سنة 491 هـ، وسمع أيضا منه الموطأ في اثنتين بعدها، ولم أجد له تاريخ وفاة (¬1). 30 - عبد الجليل بن عبد العزيز بن محمد الأموي أبو الحسن، ويكنى أيضا أبا محمد المعروف بابن الملون، من أهل قرطبة شيخ مقرئيها ورواتها في علم القرآن والحديث، مع مشاركة في الإعراب والآداب. رحل إلى شرق الأندلس، فأخذ عن أبي داود المقرئ وغيره، وأقرأ القرآن بالجامع الأعظم، إلى أن توفي سنة 536 هـ (¬2). 31 - عبد الرحمن بن سعيد بن هارون بن الفهمي المقرئ من أهل سرقسطة سكن قرطبة يكنى أبا المطرف، ويعرف بابن الوراق، روى عن أبي عبد الله المغامي المقرئ، وأبي داود المقرئ، وغيرهما، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر. وأقرأ الناس بالمسجد الجامع بقرطبة، وتولى الصلاة فيها وكان ثقة فيما رواه وعني به، وتوفي 522 هـ (¬3). 32 - عبد الرحمن بن محمد أبو القاسم الخزرجي يعرف بابن وجه الفرس، روى القراءات عن أبي داود، وروى عنه عبد المنعم بن يحيى، ولم يذكر له تاريخ وفاة (¬4). 33 - عبد الرحيم بن محمد بن الفرج بن خلف بن سعيد بن هشام ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 340، الحلل السندسية 3/ 232. (¬2) انظر: المعجم 264، الصلة 2/ 387. (¬3) انظر: الصلة 2/ 351، بغية الملتمس 364. (¬4) انظر: غاية النهاية 1/ 379.

الخزرجي المعروف بابن الفرس، وينتهي نسبه إلى سعيد بن سعد بن عبادة. من أهل غرناطة. ولد بالمرية، ونشأ بها، وأخذ القراءات عن جلة، وهي كانت صناعته، وبيته بيت نباهة وعلم ونزاهة وفي شيوخه كثرة، ومن أعلامهم في القراءات أبو داود سليمان بن نجاح، وإليه كانت الرحلة لتحققه بصناعة الإقراء، وأقرأ الناس دهرا بجامع المرية، ودرس وأفتى، وارتحل القراء إليه لمعرفته وإتقانه، وتوفي في سنة 542 هـ (¬1). 34 - عبد الله بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافريّ. من أهل شاطبة، يكنى أبا محمد. سمع بدانية من أبي داود المقرئ، وكان عريق البيت في العلم والنباهة (¬2)، سمع من ابن الدوش بشاطبة، ومن أبي الحسن العبسي بقرطبة (¬3). 35 - عبد الله بن خلف بن سعيد بن حاتم العبدري، من أهل بلنسية يكنى أبا محمد، ويعرف بالزواوي، صحب أبا داود المقرئ وسمع منه، وحدّث عنه بالتلخيص لأبي عمرو الداني عن مؤلفه، قال ابن الأبار: رأيت خطه بذلك في المحرم سنة 516 هـ (¬4). 36 - عبد الله بن محمد بن حزب الله من أهل بلنسية، يروي عن وهب بن مسرة الحجازي، حدث عنه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الوثائقي الفقيه. وبنو حزب الله أهل علم ونباهة، وإليهم ينسب المسجد بداخل بلنسية (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المعجم ص 245، 246، بغية الملتمس 372، أخبار وتراجم أندلسية من معجم السفر للسلفي 112. (¬2) انظر: التكملة 2/ 810. (¬3) المعجم 208. (¬4) انظر: التكملة 2/ 815، الذيل والتكملة 4/ 223. (¬5) انظر: التكملة 2/ 785، الذيل والتكملة 4/ 191.

37 - عبد الله بن محمد بن سعدون بن مجيب بن سعدون بن حسان التميمي الضرير، سكن بلنسية، يكنى أبا محمد، أخذ القراءات عن أبي داود المقرئ، وغيره، وكان أبو الحسن بن هذيل ينكر أن يكون أخذ القراءات عن أبي داود، ويقال: إنه قرأ عليه بعض ختمة. كان عالما بالقراءات، ومشاركا في العربية، وتصدر للإقراء بجامع بلنسية، وتوفي قبل 540 هـ (¬1). وكان من جلة المقرئين وكبار المجودين (¬2). 38 - عبد الله بن محمد بن الفرج بن خلف بن سعيد الأنصاري الخزرجي من أهل غرناطة يعرف بابن الفرس، ويكنى أبا محمد، سمع من أبي داود، وأبي بحر الأسدي، وغيرهما (¬3). 39 - عبد الله بن محمد بن يحيى العبدري من أهل قلعة حماد، يكنى أبا محمد، يروي عن أبي داود المقرئ، وقد حدّث وأخذ عنه بجامع القلعة، توفي في رجب سنة 519 هـ (¬4). 40 - عبد الله بن محمد بن يحيى بن فرج بن الزّهيري العبدري، يكنى أبا محمد، نشأ بالمرية، ورحل إلى أبي داود المقرئ فأخذ عنه بدانية، بجامعها القديم في سنة 492 هـ. وسمع من أبي علي الصدفي رياضة المتعلمين لأبي نعيم، ونزل قلعة حماد من العدوة فأقرأ بها نحوا من عشرين عاما، ثم انتقل إلى بجاية، وأقام بها على السنن الذي كان عليه إلى أن توفي بها سنة 540 هـ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 2/ 825. (¬2) انظر: الذيل والتكملة 4/ 230. (¬3) انظر: التكملة 2/ 828. (¬4) انظر: التكملة 2/ 915. (¬5) انظر: التكملة 2/ 826، المعجم 217، الحلل السندسية 3/ 322.

41 - عبد الله بن موسى التميمي من أهل طرطوشة، يكنى: أبا محمد أخذ القراءات عن أبي داود، وأخذ عنه أبو علي بن عريب. عرض عليه القرآن- غير مرة- بالسبع (¬1). وتصدر للإقراء ببلده (¬2). 42 - عتيق بن عبد الجبار أبو بكر الحذامي البلنسي. سمع من أبي داود المقرئ وأبي محمد البطليوس، وكان بارعا في الشروط، كتب للقضاء ببلنسية نحوا من أربعين سنة، توفي 539 هـ (¬3). 43 - عتيق بن محمد بن أحمد بن عبد الحميد الأنصاري أبو بكر، من أهل دانية، وصاحب الصلاة والخطبة بجامعها، وله رواية عن أبي الوليد الوقشي، وأبي داود المقرئ، وغيرهما، وكتب بخطه علما كثيرا (¬4). 44 - عثمان بن علي بن عيسى اللخمي أبو عمرو السالمي، من ساكني «مرسية»، سمع أبا علي الصدفي، وأجاز له أبو داود المقرئ ما ألفه، وولي الصلاة والأحكام بموضعه، وأقرأ القرآن (¬5). 45 - علي بن أحمد بن خلف أبو الحسن الباذش الأنصاري الغرناطي؛ أستاذ حاذق ماهر محقق كامل، أخذ القراءات عن أبي داود وابن الدوش، وكان من المحققين البصراء بضروب القراءات والآداب، عارفا بالحديث ورجاله، ذا ورع وديانة وإتقان وشهرة، تصدر للإقراء والنحو بغرناطة فأكثر الناس عنه، مات سنة 528 هـ (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الحلل السندسية 3/ 25. (¬2) انظر: التكملة 2/ 809. (¬3) الحلل السندسية 3/ 199. (¬4) انظر: المعجم 291، 292. (¬5) انظر: المعجم 294. (¬6) بغية الملتمس 419، الصلة 2/ 425، الديباج 107، شجرة النور الزكية 1/ 131.

وألف ابنه أبو جعفر أحمد بن علي كتاب الإقناع في القراءات السبع، وتوهم الدكتور عبد المجيد قطامش، محقق الكتاب، فجعل أبا داود سليمان بن نجاح من شيوخ مؤلف الإقناع. والصواب أن أباه علي بن أحمد هو الذي قرأ على أبي داود، لأن صاحب الإقناع ولد سنة 491 هـ، وتوفي أبو داود سنة 496 هـ، فكان صبيا عمره خمس سنوات يوم أن مات أبو داود، ومثل هذا يقال في بعض الشيوخ الذين ذكرهم الدكتور عبد المجيد (¬1). 46 - علي بن أحمد بن محمد بن أشج الفهمي المقرئ من أهل طليطلة، يكنى أبا الحسن، روى عن أبي عبد الله المغامي، وأبي الحسن الإلبيري، وأبي داود المقرئ، وغيرهم. وكان رجلا فاضلا قديم الطلب وافر الأدب، وتوفي بالعدوة سنة 513 هـ (¬2). 47 - علي بن خلف بن رضا البلنسي المقرئ الضرير الزاهد المشاور، يكنى أبا الحسن، روى عن أبي داود سليمان بن نجاح، وعنه أخذ القراءات، وروى عن غيره معه، أعني شاركه في شيوخه، ورحل فحج وجاور، حدّث عنه الحاج المقرئ أبو الحسن بن كوثر، وتلا عليه بمكة، ووصفه بالفضل والزهد، والمعرفة بالقراءات وإتقانها، وتوفي بها في حدود 550 هـ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة الإقناع 1/ 9، 18. (¬2) انظر: الصلة 2/ 424. (¬3) انظر: صلة الصلة 90، 91.

48 - علي بن عبد الله بن ثابت أبو الحسن الأنصاري الخزرجي العبادي المقرئ المجود إمام ماهر، وكان موصوفا بالحذق، والإتقان، والفضل والصلاح، قرأ القراءات على أبي داود، وأبي الحسن بن الدوش، وابن البياز؛ أصحاب أبي عمرو الداني، تلا على ثلاثتهم بالقراءات السبع، وأمعن عنهم وعن غيرهم، فكان فقيها مقرئا مجودا. وتوفي بغرناطة سنة 539 هـ (¬1). 49 - علي بن محمد بن عبد الله الجذامي أبو الحسن المقرئ من أهل المرية، ويعرف بالبرجي نسبة إلى «برجة» بفتح الباء (¬2)، فأخذ القراءات عن أبي عمران اللخمي وأبي داود المقرئ وغيرهما، وأقرأ القرآن وأسمع الحديث، وتوفي في سنة 509 هـ (¬3). 50 - علي بن محمد بن علي بن هذيل أبو الحسن البلنسي، قرأ الكثير على أبي داود ولازمه سنين، لأنه كان زوج أمه، فنشأ في حجره، وسمع منه كتبا كثيرة، وهو أجل أصحابه وأثبتهم، صارت إليه أصول أبي داود العتيقة. وأجاز له أبو الحسين بن البياز، وحازم بن محمد، وانتهت إليه رئاسة الإقراء، في زمانه عامة عمره لعلو روايته وإمامته في التجويد والإتقان، حدث عن جلة لا يحصون، كان منقطع القرين في الفضل والدين والعدالة، صواما كثير الصدقة (¬4). ¬

_ (¬1) بغية الملتمس 423، التكملة رقم 5847، معجم الصدفي 282، وصلة الصلة 86، معرفة القراء 1/ 439، غاية النهاية 1/ 552. (¬2) مدينة بالأندلس من أعمال البيرة. انظر: معجم البلدان 1/ 374. (¬3) انظر: المعجم 271. (¬4) فهرسة ابن خير 428، وبغية الملتمس 414، معجم الصدفي 284، وصلة الصلة 97.

وهو آخر من حدّث عن أبي داود بالأندلس منفردا بلقائه والسماع منه أزيد من عشرين سنة، وأجازه أبو داود في جميع كتب الداني وغيرها، وتوفي في سنة 564 هـ (¬1). رحل الإمام أبو القاسم الشاطبي ت 590 هـ صاحب الحرز إلى بلنسية، فعرض التيسير من حفظه والقراءات على ابن هذيل وسمع منه الحديث وروى عنه (¬2). 51 - علي بن محمد بن لب بن سعيد القيسي المقرئ، يعرف بالباغي نسبة إلى باغة من دانية، سكن إشبيلية، روى عن أبي عبد الله المغامي وأبي داود المقرئ، وأخذ عنه أبو بكر بن رزق وغيره، استشهد بعد سنة 535 هـ (¬3). 52 - عيسى بن حزم بن عبد الله بن اليسع أبو الأصبع الغافقي الأندلسي، نزيل المرية، مجود محقق، أخذ القراءات عن أبي داود وابن البياز وابن الدوش وغيرهم، وأخذ عنه ولده اليسع، وأبو القاسم بن حبيش، وغيرهم، وكان حيا في سنة 525 هـ (¬4). وكان فقيها خطيبا مشاورا من أهل جيان، وسكن بلنسية، يكنى أبا الأصبع، وقال ابن الزبير كان حيا سنة 530 هـ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: برنامج الإشبيلي 72، 73، 74، برنامج التجيبي 69. (¬2) انظر: غاية النهاية 2/ 20. (¬3) الحلل السندسية 3/ 326. (¬4) انظر: غاية النهاية 1/ 608. (¬5) انظر: صلة الصلة لابن الزبير 48، بغية الملتمس 402.

53 - عيسى بن موسى بن عيسى بن سعيد الأنصاري، بلنسي، روى عن أبيه، وأبي داود المقرئ، وأبي الوليد الباجي، وكان عارفا بالفقه متحققا فيه، وكان مفتي صاحب الأحكام، توفي سنة 523 هـ (¬1). 54 - الفتح بن خلف بن عبد الله المقرئ الخبري الأندلسي يكنى أبا نصر، من سكان الثغر. قال الإمام أبو طاهر السلفي ت 576 هـ: «كان من سكان الثغر، وينسخ نسخا صحيحا، وقد نسخ لي ولمن كان يقرأ علي شيئا كثيرا، وقد قرأ القرآن للسبعة على أبي داود سليمان بن نجاح المؤيدي بالأندلس، وكان اعتماده على أبي داود وقد علقت عنه فوائد رحمه الله. ولد سنة 457 هـ ببلنسية، وسمع الحديث على أبي الوليد الوقشي، وأبي العباس الدلائي، وأبي داود المؤيدي، وآخرين من محدثي الأندلس» (¬2). 55 - الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الكاتب أبو نصر، له سماع من أبي علي، وقرأ عليه، وسمع من أبي محمد البطليوسي، روى عنه أبو عبد الله بن زرقون، توفي في سنة 528 هـ (¬3). 56 - فتح بن يوسف أبو نصر البلنسي، يعرف بابن أبي كبة، أخذ عن أبي داود المقرئ، وأخذ عنه أبو عبد الله محمد الشاري، ولم يذكر له تاريخ وفاة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الذيل والتكملة 5/ 513. (¬2) انظر: أخبار وتراجم أندلسية قطعة من معجم السفر للسلفي 106. (¬3) انظر: المعجم 313، الحلل السندسية 3/ 200. (¬4) معرفة القراء 2/ 533، غاية النهاية 2/ 7، الحلل السندسية 3/ 200.

57 - لاو بن إسماعيل بن ربيع بن سليمان المكتب أبو الحسن، من أهل طرطوشة، وأصله من غرب العدوة، صحب أبا داود المقرئ وأخذ عنه القراءات واعتمد عليه فيها، وسمع منه كثيرا، ولازمه ببلنسية ودانية من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة إلى سنة إحدى وتسعين، وفي هذه السنة سمع من أبي علي مع شيخهما أبي داود وبمنزله رياضة المتعلمين لأبي نعيم. قال ابن الأبار: قرأت أكثر ذلك بخط أبي داود، وهو تولى تقييد السماع رحمه الله (¬1). ومن سماعه على أبي داود كتاب المكي والمدني سنة 492 هـ (¬2). 58 - محمد بن إبراهيم بن محمد بن سعيد الأزدي المقرئ، من أهل بلنسية، يعرف بابن الصناع، ويكنى أبا بكر، ويلقب بالهدهد، أخذ عن أبي داود المقرئ. وكان من جلة أصحابه، وأحد المتقدمين في الإقراء جودة ضبط، وحسن أداء، وأحكام، وتجويد، مع المشاركة في الأدب واللغة، يجمع إلى ذلك حسن الخط، وصحة النقل فيما يكتب. أقرأ دهرا بجامع بلنسية، وتصدر لذلك إثر وفاة شيخه أبي داود. وأخذ عنه جماعة، وتوفي في سنة 508 هـ (¬3). 59 - محمد بن أبي المسك أبو عبد الله، روى عن أبي الوليد الوقشي، وعن أبي داود المقرئ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المعجم 93، 94، الحلل السندسية 3/ 29، التكملة 1/ 353. (¬2) انظر: صلة الصلة 171. (¬3) انظر: التكملة 1/ 411، بغية الملتمس 57. (¬4) انظر: الحلل السندسية 3/ 302.

60 - محمد بن أحمد بن عمّار بن محمد التجيبي، من أهل: «لاردة» يكنى أبا عبد الله، وأبا بكر، أخذ عن أبي عبد الله بن بقاء المقرئ قبل انتقاله إلى دمشق، ورحل إلى بلنسية إثر استرجاعها من الروم في منتصف رجب 495 هـ، فلقي في شوال منها أبا داود المقرئ، وهو إذ ذاك ابن ثمان عشرة سنة، وأخذ عنه بها- وقد تناهت سنه- القراءات السبع في ختمة واحدة، وقرأ عليه من كتب أبي عمرو المقرئ جامع البيان، وإيجاز البيان، وبعض التيسير، وأجاز له سائره، مع جميع رواياته، ثم انصرف إلى بلده، وتصدر للإقراء، وألف كتابا في معاني القراءات، ثم قصد مرسية قبل الخمسمائة، وتصدر بجامعها للإقراء، ثم انتقل إلى «أوريولة» وخطب بجامعها، وتمادى إقراؤه إلى أن توفي بها في رمضان سنة 519 هـ (¬1)، (¬2). 61 - محمد بن جعفر بن خيرة مولى رزق بن فطيس القرطبي، من أهل بلنسية، وصاحب الصلاة والخطبة بجامعها، ويكنى أبا عامر، سمع من أبي داود المقرئ، واقتنى من الدواوين والدفاتر كثيرا، توفي سنة 547 هـ (¬3). 62 - محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد المقرئ يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن غلام الفرس، أخذ القراءات عن أبي داود سليمان بن نجاح، وأبي الحسن بن الدوش، وغيرهما، وكتب إليه أعلام الأندلس، ورحل حاجا ورجع إلى دانية، وتصدر للإقراء، وإسماع الحديث، وتعليم ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 421. (¬2) انظر: المعجم 103. (¬3) انظر: التكملة 2/ 479.

العربية، وكان إماما فاضلا ضابطا متقنا، مشاركا في علوم جمة، رحل إليه الناس للقراءة عليه، لعلو روايته، واشتهار عدالته، وانتهت إليه الرئاسة في القراءات وعللها، وولي الخطابة بجامع بلده من قبل القاضي. سمع من أبي علي المستنير في القراءات لابن سوار والموطأ والصحيحين وجامع الترمذي، وغريب بن عزير، وتوفي سنة 547 هـ (¬1). 63 - محمد بن حسين بن أبي بكر الحضرمي، من أهل دانية، يعرف بابن الحنّاط، ويكنى أبا بكر، سمع من أبي داود المقرئ وأبي علي الغساني، وكان يدرس الفقه، وهو من بيت علم وصلاح توفي في سنة 514 هـ (¬2). 64 - محمد بن الحسين بن سعيد الداني أبو عبد الله، حدّث أنه قرأ على الأئمة، منهم أبو داود سليمان بن نجاح مولى هشام بن الحكم (¬3). 65 - محمد بن حبيب بن عبد الله بن مسعود الأموي أبو عامر، روى عن أبي الحسن بن مفوّز، وأبي داود المقرئ، وابن سعدون القروي. قال ابن بشكوال: كتب إلينا بإجازة ما رواه بخطه، وسمع منه أصحابنا، ووصفوه بالجلالة والنباهة والفضل والديانة، وتوفي بشاطبة سنة 528 هـ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: المعجم 159، التكملة 1/ 475، بغية الملتمس 70، الحلل السندسية 3/ 318. (¬2) انظر: التكملة 1/ 416، الحلل السندسية 3/ 317. (¬3) انظر: برنامج الوادي آشي 183. (¬4) الحلل السندسية 3/ 261، بغية الملتمس 72.

66 - محمد بن سعيد أبو عبد الله الداني، مقرئ مفيد، قرأ على أبي داود وابن البياز وابن الدوش، قرأ عليه إبراهيم بن محارب السبع ومحمد بن سعادة حرف نافع (¬1). 67 - محمد بن سليمان بن مروان بن يحيى القيسي أبو عبد الله المعروف بالبوني، سكن بلنسية وغيرها، وسمع من أبي علي، وله رواية عن أبي داود المقرئ، وكانت له عناية بالعلم، ومعرفة بأسماء الرجال، وتوفي بالمرية في سنة 536 هـ (¬2). 68 - محمد بن طاهر بن علي بن عيسى الأنصاري الخزرجي، من دانية، يكنى أبا عبد الله، سمع ببلده من أبي داود المقرئ ثم خرج حاجا، فقدم دمشق، وأقام بها يقرئ العربية، ثم خرج إلى بغداد، فأقام بها إلى أن توفي 519 هـ (¬3). 69 - محمد بن عبد الرحمن بن الطفيل العبدي الإشبيلي، يعرف بابن عظيمة، أخذ القراءات عن أبي عبد الله السرقسطي، وروى عن أبي داود المقرئ، ورحل حاجا فروى عن جماعة من أهل مكة، وتصدر للإقراء في بلده، وتقدم في صناعته، واشتهر بها. وله أرجوزة في القراءات السبع، وأخرى في مخارج الحروف، وشرح قصيدة السّقراطي، وله كتاب: الفريدة الحمصية في شرح القصيدة الحصرية. وإليه، وإلى بنيه بعده، كانت الرئاسة في هذا الشأن، وتوفي في حدود 540 هـ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: غاية النهاية 2/ 146. (¬2) انظر: المعجم 124، 125، الصلة 2/ 584. (¬3) انظر: التكملة 1/ 419، الحلل السندسية 3/ 317. (¬4) انظر: نفح الطيب 2/ 155، 156، التكملة 1/ 445.

70 - محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عياض المخزومي أبو عبد الله، يعرف بالمنتيشي نسبة إلى قرية مصاقبة لشاطبة، أخذ القراءات عن أبي داود المقرئ، وأبي الحسن بن الدوش وغيرهما، وسمع الحديث من أبي علي الصدفي وأبي بكر بن العربي. وتصدر للإقراء بشاطبة، فأخذ عنه الناس، وكان عالما بتفسير القرآن يقعد لذلك في كل جمعة، مع الحظ الوافر من البلاغة. وتوفي بشاطبة سنة 519 هـ (¬1). وروى عن أبي داود المقرئ الرسالة الواعية مناولة (¬2). 71 - محمد بن عبد العزيز بن أبي الخير بن علي الأنصاري. من أهل سرقسطة، يكنى أبا عبد الله، روى عن أبي الوليد الباجي، واختص به، وبأبي داود المقرئ، وكان عالما بالأصول والفروع، معنيا بالقراءات فجودها وأتقن طرقها، حافظا للقرآن حسن الصوت، قال ابن بشكوال: «وقرأت عليه كثيرا من رواياته، وأجاز لي ما رواه بخطه غير مرة»، توفي في سنة 518 هـ (¬3). 72 - محمد بن عبد الله بن سيف الجذامي، من أهل بلنسية، وسكن شاطبة، يكنى أبا عبد الله، أخذ القراءات عن أبي داود، وابن الدوش، وسمع من أبي بكر مفوّز، وتعلم العربية بدانية. وتصدر للإقراء وكان مقرئا ضابطا وأديبا شاعرا، روى عنه أبو محمد عبد الغني بن مكي، وتوفي قبل 520 هـ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الحلل السندسية 3/ 263. (¬2) انظر: التكملة 1/ 420. (¬3) انظر: الصلة 2/ 573، بغية الملتمس 105. (¬4) الحلل السندسية 3/ 96، التكملة 1/ 425.

73 - محمد بن علي بن أحمد التجيبي من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالنوالشي نسبة إلى بعض أعمالها، أخذ القراءات وجودها على أبي داود المؤيدي، وسمع منه بدانية في سنة 493 هـ، وتصدر للإقراء، وبعد صيته في ذلك لإتقانه وضبطه مع صلاحه وفضله، وأقبل عليه الناس للأخذ عنه. كان حيا سنة 532 هـ (¬1). 74 - محمد بن عيسى بن محمد بن بقاء الأنصاري، من أهل بلاد الثغر الشرقي، يكنى أبا عبد الله، أخذ القراءات عن أبي داود، ورحل حاجا فقدم دمشق، وأقرأ بها القرآن بالسبع، وأخذ عنه جماعة من أهلها بالمسجد الجامع، وأخذ عنه أبو بكر محمد بن أحمد بن عمّار اللاردي، ومات في سنة 512 هـ ودفن بمقابر الصحابة بالقرب من قبر أبي الدرداء (¬2). 75 - محمد بن فرج بن جعفر بن خلف القبسي، من أهل الثغر الشرقي، سكن غرناطة، يعرف بابن سمرة، ذكر ابن عياد أن له رواية عن أبي داود المقرئ، وأقرأ القرآن ودرّس العربية ببلده (¬3). 76 - محمد بن محمد عبد الرحمن بن محمد الحكم أبو عبد الله القرشي ويعرف بالأحمر، وينتهي نسبه إلى هشام بن عبد الملك. روى عن طائفة جليلة منهم أبو داود المقرئ، والمغامي والغساني وغيرهم، وتوفي في سنة 542 هـ (¬4). وكان فقيها مقرئا محدثا مشهورا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 435، الذيل والتكملة 6/ 434. (¬2) انظر: الصلة 1/ 413، نفح الطيب 2/ 153، التكملة 1/ 413. (¬3) انظر: التكملة 1/ 437. (¬4) انظر: المعجم 153. (¬5) بغية الملتمس ص 48.

77 - مروان بن محمد بن عبد العزيز التجيبي، من أهل بلنسية، سمع من أبي المطرف، وأبي الوليد الوقشي، وأبي داود المقرئ، وغيرهم وأجاز له ابن عبد البر، وكان معتنيا بالحديث ورواياته وانتساخ دواوينه، توفي بعد 490 هـ (¬1). 78 - مكي بن أيوب بن أحمد رشيق التغلبي، مولاهم من أهل شاطبة، وأصله من بجاية، يكنى أبا الحسن، أخذ القراءات عن أبي داود وأبي عبد الله المغامي وغيرهم، وسمع الحديث، وكان إماما في القراءات (¬2). 79 - يوسف بن محمد بن سعيد الحذامي الفلكي، فقيه مقرئ مجود. روى عن أبي داود سليمان بن نجاح. قال أحمد الضبي ابن عميرة: وإجازة أبي داود له عندي في جلد رق كبير بخط يد ربيبه علي بن محمد ابن هذيل، إلا يسيرا في آخرها فإنه بخط أبي داود. وتوفي بلورقة بعد سنة 550 هـ (¬3). 80 - ابنة فائز، قرطبية؛ زوج أبي عبد الله بن عتاب، أخذت عن أبيها فائز علم التفسير، واللغة العربية والشعر، وعن زوجها الفقه والرقائق، ورحلت إلى دانية للقاء أبي عمرو الداني، للأخذ عنه فألفته مريضا من قرحة كانت سبب منيته، فحضرت جنازته، ثم سألت عن أصحابه، فذكر لها أبو داود بن نجاح، فلحقت به بعد وصوله إلى بلنسية، فتلت ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 2/ 913، 694. (¬2) انظر: التكملة 2/ 735، الحلل السندسية 3/ 270. (¬3) انظر: بغية الملتمس 473.

مؤلفات أبي داود

عليه القرآن بالسبع في أواخر أربع وأربعين وأربعمائة، وتوفيت بمصر تمام حجها قافلة إلى الأندلس سنة 446 هـ (¬1). 81 - فاطمة بنت عبد الرحمن بن محمد بن حيوة الوشقي، أبوها مقرئ. طلبت العلم، وسمعت من أبي داود المقرئ بدانية في سنة 490 هـ (¬2). ولقد تأثر تلاميذ أبي داود به، فصار بعضهم من المقرئين المشهورين وصار بعضهم من المؤلفين المشهورين، وصار بعضهم من المحدثين والمفسرين، وتصدروا للإقراء والتدريس، وقصدهم طلاب العلم رحمهم الله. مؤلفات أبي داود كان لأبي داود المقرئ سليمان بن نجاح مكتبة عامرة بالكتب، والكثير منها بخط يده (¬3). وقد آلت هذه المكتبة إلى تلميذه أبي الحسن علي بن محمد بن هذيل البلنسي (ت 564 هـ)، فإليه صارت أصوله العتيقة (¬4)، فقال عن شيخه أبي داود: «كان أبو داود يكتب من ليلته عشرين ورقة كبارا» (¬5) ومن خلال الاستقراء والتتبع تبين لي أن كتابة أبي داود كانت: ¬

_ (¬1) انظر: الذيل والتكملة السفر 8 ق 2 ص 394، التكملة 2/ 746 رقم 2118. (¬2) انظر: الذيل والتكملة السفر 8 ق 2 ص 490. (¬3) انظر: الصلة 1/ 203، بغية الملتمس 303. (¬4) انظر: الذيل 5/ 1/ 369، 370، رقم 1 ورقم 638. (¬5) انظر: التبيان ورقة 35.

1 - إما نسخا ونقلا لكتب المتقدمين، كما علم عنه أنه نسخ صحيح البخاري في عشرة أسفار، وصحيح مسلم في ستة أسفار، وغيرهما (¬1). 2 - أو تحريرات وتعليقات وحواشي على كتب شيخه أبي عمرو الداني، بل عارضه في بعضها كما سيأتي ذكره. 3 - وإما تأليفا وتصنيفا مستقلا كما يظهر ذلك في سرد مؤلفاته. فاشتغل بالتصنيف والتأليف إلى جانب اشتغاله بالإقراء والتدريس، ولم يكن همه في ذلك إلا من أجل رغبته الصادقة في أداء الأمانة التي حملها عن شيوخه ابتغاء ما وعد الله به من جزيل الثواب، وخوف الدخول في الوعيد لمن كتم علما كما صرّح بذلك في مقدمة كتابه: «مختصر التبيين»، فشغل وقته بالكتابة والنسخ والتأليف والإقراء وقراءة القرآن ولم يزل على ذلك حتى وافاه أجله. فكان أحد الأئمة في القراءات والتفسير وعلوم القرآن وهجاء المصاحف، وإعرابها بالنقط والشكل، وقد جمع في ذلك تآليف حسانا. وقد أحصى له تلميذه أبو الحسن بن هذيل ستة وعشرين مصنفا، لأنها صارت إليه أصول شيخه أبي داود العتيقة. وسمى الحافظ الذهبي (ت 748 هـ) منها أربعة، وأضفت إلى ذلك ما أمكنني معرفته عن طريق التتبع والنقل، ويظهر أن الذهبي الذي عاش في القرن الثامن الهجري قد توصل إلى إحصاء كتبه من مصادر كانت متوفرة لديه. ¬

_ (¬1) انظر: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه ص 116.

1 - "كتاب أصول الضبط"

فذكر أنه قرأ تسمية تآليف أبي داود، وذكر بعضا منها فقال: «قرأت بخط تلميذ لأبي داود تسمية تواليفه» ثم قال: «وعدة تواليف جملتها ستة وعشرون مصنفا» ثم ذكر عنه فقال: «ثم سمّى تتمة ستة وعشرين مصنفا» (¬1). أقول: وهي فهرسة الشيخ أبي داود بخط تلميذه أبي الحسن بن هذيل. نص على ذلك أبو بكر محمد الإشبيلي ت 575 هـ في الفهارس الجامعة لروايات الشيوخ وتآليفهم، ومن بينها فهرسة الشيخ الفقيه أبي داود سليمان بن نجاح، فقال: «فهرسة الشيخ الفقيه أبي داود سليمان بن نجاح المقرئ، روايتي لها عن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن هذيل ربيبه رحمه الله» (¬2). وأذكر ما وقفت عليه حسب الترتيب التالي: 1 - «كتاب أصول الضبط»: وهو مختصر من الجامع، كما سنذكره، ونص على ذلك أبو داود. فقال: «هذا كتاب أذكر فيه أصول الضبط على قراءة نافع، ومن وافقه من سائر الأئمة». وجعله ذيلا لكتابه «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» وجعله مستقلا وبين سبب تأليفه، فقال: ¬

_ (¬1) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 168. (¬2) فهرست أبي بكر محمد الإشبيلي ص 428، الفجر الساطع لابن القاضي 12.

«وذيلته بكتابنا المختصر في الهجاء» ثم قال: «وأفردته لمن يريد اقتناءه، ونسخه دون الهجاء إذ هو قائم بنفسه، فجمعناه حسبما سألناه صاحبنا ورفيقنا أبو محمد بن شرباط وكتب إلينا في ذلك من المرية، ورغّبنا في تأليفه» (¬1). إلا أنه جاء اسم الكتاب في النسخة الحسنية رقم 8945 بعنوان: «كتاب بيان ما اصطلح عليه الصدر من التابعين مع من تأخر موته من الصحابة الباقين على تقييد كتاب رب العالمين، وإعرابه بالنقط وكيفية ذلك كله على وجه الاختصار مما عني بتهذيبه وتلخيصه أبو داود سليمان ابن أبي القاسم». هذا العنوان وهذا النص ظاهره يفيد أنه كتاب ثان لأبي داود دون الأول، إلا أنني بعد المقابلة والتتبع والنظر ظهر لي أن هذا العنوان ليس من وضع أبي داود نفسه من وجوه: أولها: جميع النسخ اتفقت على ذكر: «كتاب أصول الضبط لأبي داود»، ولم يذكر فيها هذا العنوان. وثانيها: مواضيع هذه النسخة الفريدة هي نفسها المواضيع التي في أصول الضبط كلمة كلمة وحرفا حرفا، إلا ما أضيف في مقدمتها من كلام الداني. وثالثها: وهو أبينها وأظهرها أن الناسخ أو غيره تصرف فيها وأضاف ¬

_ (¬1) حسب ما جاء في نسخة: «م» التي هي محل نظر. ولقد انتهيت من تحقيقه بتوفيق الله، وعونه.

2 - "كتاب إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"

عليها كلاما لأبي عمرو الداني من المحكم، بدليل ما جاء في أولها حيث قال: «وأقدم أولا من كلام الحافظ أبي عمرو» وذكر إسقاط الإسناد للاختصار، ثم قال: «ثم أرجع إلى كلام الشيخ أبي داود رحمه الله». ولما انتهى من كلام أبي عمرو الداني قال: «ونرجع الآن إلى كلام أبي داود»، ثم جاء بكتاب أصول الضبط كما هو عند المؤلف بدون زيادة ولا نقصان. فهذا يدل على أن كتاب أصول الضبط هو المجمع عليه، وهذا العنوان الأخير تصرّف فيه الناسخ أو أراد التلخيص والتهذيب والإضافة، وهو الظاهر. 2 - «كتاب إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم»: ذكره له الشيخ مسعود بن جمّوع الفاسي (¬1) في أول كتابه: «الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع» (¬2). وذكره الشيخ ابن القاضي أبو زيد عبد الرحمن، فقال: «ذكر المقرئ المحدث أبو داود سليمان بن نجاح مؤلف التنزيل في فهرسته أنه ألف كتابا في إيجاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم» (¬3). ¬

_ (¬1) أبو الفضل مسعود بن محمد جمّوع «بتشديد الميم» الفاسي الدار السجلماسي الأصل عالم بالتفسير والحديث وأحكام القراءات، له مصنفات في القراءات والرسم منها الروض الجامع، ومنهاج رسم القرآن في شرح مورد الظمآن مخطوط رقم 1358 بالمغرب، وله نفائس الدرر في السيرة وحواشي وشروح. توفي في 7 جمادى الأولى 1119 هـ. انظر: التقاط الدرر للقادري 2/ 297، نشر المثاني له 3/ 174. (¬2) كتاب مخطوط في الخزانة العامة بتطوان بالمغرب رقم 803 ضمن مجموع. انظر: فهرس الخزانة العامة بتطوان ص 88. (¬3) انظر: الفجر الساطع لابن القاضي ورقة 13 مخطوط رقم 3819 فيلم بالجامعة الإسلامية.

3 - "البيان الجامع لعلوم القرآن"

3 - «البيان الجامع لعلوم القرآن»: يقع في ثلاثمائة جزء، وذكر الحافظ الذهبي أنه قرأ تسمية مؤلفات أبي داود بخط تلميذه، وذكر من بينها البيان الجامع لعلوم القرآن، وقال: إنه يقع في ثلاثمائة جزء» (¬1). وذكره أيضا الحافظ ابن الجزري وغيره (¬2). 4 - «كتاب التبيين لهجاء التنزيل»: يقع في ستة مجلدات، ويسميه أيضا بالكتاب الكبير، وهو مشتمل على جميع القرآن ضمنه الكلام على هجاء مصاحف الأمصار والقراءات والأصول والتفسير والشرح والأحكام والتبيين والرد على الملحدين والتقديم والتأخير والوقف والابتداء والناسخ والمنسوخ والغريب والمشكل والحجج والتعليل ضمنه جملة من علوم القرآن. وبين المؤلف سبب تأليفه، فقال: وقد اخترع قوم متأخرون من العراقيين وجها ثالثا في صورة التشديد، وهو خارج عما اصطلح الناس عليه قديما، غير جائز عند العلماء المحققين. وهذا الوجه غير معمول به ولا مرضي عندنا، ولا معروف عند أهل الأندلس فاعلمه. وإنما ذكرته لئلا يراه من لا علم عنده، فيولع به، ويستعمله ظنا منه أنه حسن لقلته وغرابته، ولولوع الناس قديما بما لم يعرفوه قبل. ¬

_ (¬1) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 168، معرفة القراء 1/ 451. (¬2) انظر: غاية النهاية 1/ 316.

فقد جرى للأستاذ أبي القاسم الأخفش النحوي رحمه الله مثل هذا في مصحف رآه على ذلك الضرب من التشديد ... وكان رأى فيه أيضا ضبط التنوين المنصوب بأن يجعل على الحرف حركة، وعلى الألف اثنتان، فصارت ثلاثة فظن أن ذلك عن معرفة وإتقان حسن، حتى وقفته على علم ذلك، وكان هو السبب لتأليفي كتاب التبيين لعلم التنزيل رحمه الله (¬1). إلا أن ابن عاشر أخبر عن شيخه أن كتاب التبيين لم يدخل هذه العدوة، فقال: «وأخبرني الشيخ الفقيه الخطيب أبو عبد الله محمد بن القاسم القصار أن كتاب التبيين لم يدخل هذه العدوة» (¬2). فيفيد كلامه أن هذا الكتاب لم ينتشر ولم يتداول بين الناس لكبر حجمه. إلا أنني رأيت مقتبسات منه لأبي بكر اللبيب في شرحه على العقيلة، بل نص في مقدمته على أنه طالع التبيين قبل أن يشرع في شرح العقيلة، ثم في ثنايا الشرح كان يذكره وينقل منه (¬3) مما يدل على أنه كان موجودا ومتداولا بين العلماء حتى هذه الفترة التي عاش فيها اللبيب. وحينئذ يجب معرفة تاريخ هذه الفترة، ولم أقف على تاريخ وفاة اللبيب، إلا أن شيخه أبا عبد الله بن خميس توفي 708 هـ. وما جاء في الفهرس الشامل أنه كان حيّا سنة 1108 هـ خطأ ظاهر (¬4). ¬

_ (¬1) كتاب أصول الضبط لأبي داود 139. (¬2) فتح المنان لابن عاشر 15. (¬3) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 2، 18، 21، 25، 27، 28، 33. (¬4) الفهرس الشامل ص 90.

5 - "كتاب الجامع في الضبط للقراء السبعة من جميع طرقهم"

5 - «كتاب الجامع في الضبط للقراء السبعة من جميع طرقهم»: ولم يذكره المؤلف بهذه التسمية، إلا أنني أخذت له ذلك من قوله، وهو يعلل للاختصار في كتابه أصول الضبط، فقال: «إذ قد أفردنا في الضبط كتابا جامعا للقراء السبعة من جميع طرقهم» (¬1). وسماه في بعض المواضع بالكتاب الكبير، وأحال عليه، فقال: «وقد تكلمنا على معنى النقط ... في كتابنا الكبير المذكور» (¬2) فيفيدنا هذا وما تقدم في كتابه التبيين أن للمؤلف كتابين كبيرين الأول في هجاء المصاحف، وهو المسمّى ب «التبيين» والثاني في النقط، وهو «الجامع»، وكلاهما أطلق عليه الكتاب الكبير. 6 - «جزء فيه إجازة أبي داود المقرئ» لأبي الحسن بن هذيل، ولأخيه إبراهيم، وتسمية تآليف الأئمة أبي عمرو عثمان وأبي محمد مكي المقرئين، وابن أبي زمنين، وتسمية شيوخ أبي داود وتآليفه. قال القاسم بن يوسف التجيبي: «تناولت جميع ذلك» (¬3). 7 - كتاب الجواب عن قوله تعالى: حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى. ذكره الحافظ الذهبي بخط تلميذ أبي داود في تسمية تآليفه، وقال إنه يقع في مجلد (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: أصول الضبط لأبي داود ورقة 131. (¬2) انظر: أصول الضبط لأبي داود ورقة 132. (¬3) انظر: برنامج التجيبي ص 245. (¬4) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 168، معرفة القراء 1/ 451.

8 - "كتاب حروف المعجم"

8 - «كتاب حروف المعجم»: نص عليه المؤلف وسماه وأحال عليه، ونسبه إلى نفسه فقال: «وقد تكلمنا على معنى النقط في كتابنا الكبير المذكور وفي كتاب حروف المعجم من تصنيفنا» (¬1). فهذا يدل على أن المؤلف صنف كتابا في حروف المعجم. 9 - «كتاب الحروف التي اختلفت فيها مصاحف عثمان رضي الله عنه»: ذكره الإمام العلامة أبو عبد الله محمد المنتوري ت 834 هـ (¬2) في فهرسته وقال: «سمعت كثيرا منه تفقها على شيخنا الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد القيجاطي، وذكر سنده إلى المؤلف» (¬3). 10 - كتاب الرّجز المسمى ب «الاعتماد»: الذي عارض به شيخه أبا عمرو الداني في أصول القراءات والدين (¬4)، وتسمى «عقود الديانة»، وهي عشرة أجزاء، وعدد أبيات هذه الأرجوزة ثمانية عشر ألفا وأربعمائة وأربعون بيتا. ¬

_ (¬1) انظر: أصول الضبط ورقة 132. (¬2) أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن عبد الله القيسي المنتوري بكسر الميم وسكون النون، وضم التاء، وكسر الراء توفي سنة 834، إمام الإقراء ومعلم الأداء صاحب مصنفات في علوم القرآن منها ريّ الظمآن في عد آي القرآن. انظر: ترجمته في فهرس الفهارس للكتاني 2/ 564، نيل الابتهاج 291، ألف سنة من الوفيات 246. (¬3) انظر: فهرسة المنتوري ورقة 28 نسخة الخزانة الملكية رقم 1578 نقلا من الشيخ عبد الهادي حميتو. (¬4) ولأبي عمرو الداني أرجوزة، ولعلها هي التي عارضها أبو داود اسمها: «الأرجوزة المنبهة في أسماء القراء والرواة، وأصول القراءات، وعقود الديانات، وعدد الآيات بالتجويد والدلالات». منها نسخة خطية رقم 5459 في الخزانة الملكية بالمغرب. وقد حققت في المغرب.

11 - "رجز في علم نقط المصاحف"

ذكرها الذهبي، وقال: إنه قرأ ذلك بخط تلميذه (¬1) وذكرها ابن الجزري (¬2). 11 - «رجز في علم نقط المصاحف»: ولم يذكر اسمه ولا موضوعه، وإنما وردت الإشارة إليه في قوله: «وقد تكلمنا على معنى النقط ... في كتابنا الكبير المذكور، وفي كتابنا حروف المعجم من تصنيفنا وفي الرجز من نظمنا» (¬3). وقد يستدل من الإحالة أن موضوعه في علم نقط المصاحف والله أعلم. 12 - كتاب الردّ (¬4) والياءات والتاءات: ذكره أبو داود في كتابه أصول الضبط، فقال: «والطرق عنهم أكثر من ذلك على ما ذكرناه عنهم في كتاب الرد والياءات والتاءات» (¬5). 13 - «كتاب الطرر على التلخيص (¬6) للداني»: ذكره ونسبه إلى أبي داود الشيخ أبو عبد الله المنتوري المتقدم الذكر في شرحه على ابن بري، وكذلك ذكره ابن القاضي عند ذكر الاختلاف في التسمية في: «الأربع الزهر» (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 168، معرفة القراء 1/ 451. (¬2) انظر: غاية النهاية 1/ 316. (¬3) انظر: أصول الضبط ورقة 132. (¬4) هكذا في أصول المخطوط، ولعلها: «الراءات» وتصحفت والله أعلم. (¬5) انظر: أصول الضبط ورقة 144. (¬6) وهو كتاب التلخيص لأصول ورش وذكره ابن خير باسم: «كتاب التلخيص لأصول قراءة نافع». انظر: التحديد والإتقان 29، فهرست ابن خير 41. (¬7) انظر: الفجر الساطع لابن القاضي ورقة 18.

14 - "كتاب الطرر على التيسير للداني"

14 - «كتاب الطرر على التيسير للداني»: ذكره له عبد الرحمن بن القاضي ت 1082 هـ، ونقل منه مرات عديدة في الفجر الساطع (¬1)، منها في باب هاء الكناية، وفي باب اختلاف الهمزتين، وفي الخلاف لقالون في قوله تعالى: إن أنا إلّا (¬2) في فرش الحروف. 15 - «كتاب الطرر على جامع البيان (¬3) للداني»: نقل عنه الإمام أبو عبد الله المنتوري المتقدم، والشيخ مسعود بن جمّوع الفاسي في شرحيهما على ابن بري في باب الراءات عند ذكر ترقيق الراء في قوله تعالى: فرق (¬4). 16 - «كتاب في ألف الوصل والقطع»: نص عليه في كتابه أصول الضبط فقال: «وقد أشبعنا الكلام في ذلك كله في الجزء الذي أفردناه في ألف الوصل والقطع، ولا غنى لضابط المصحف من مطالعته واقتنائه وحفظه لغموضها وكثرة ترددها» (¬5). ¬

_ (¬1) اسمه الكامل: «الفجر الساطع، والضياء اللامع، في شرح الدرر اللوامع» مخطوط رقم 1798، 2965، 3538، 4481 بالخزانة الحسنية بالمغرب، وأخرى في مكتبة الزاوية الحمزية رقم 510، وأخرى في الجامعة الإسلامية رقم 3819 فيلم. انظر فهارس الخزانة الحسنية 6/ 189، فهرس مكتبة الزاوية الحمزية بالمغرب 510. (¬2) من الآية 188 الأعراف. (¬3) اسمه الكامل «كتاب جامع البيان في القراءات السبع» لأبي عمرو الداني. انظر: مقدمة جامع البيان 69، التحديد في صنعة الإتقان والتجويد 25. (¬4) من الآية 63 الشعراء. (¬5) انظر: أصول الضبط ورقة 144.

17 - فهرسة الشيخ الفقيه المقرئ أبي داود

17 - فهرسة الشيخ الفقيه المقرئ أبي داود: جزء، ذكره ابن خير الإشبيلي ضمن الفهارس الجامعة لروايات الشيوخ وتواليفهم (¬1). 18 - كتاب في حكم الراءات: ذكره ورواه عن المؤلف ونسبه إليه أبو جعفر أحمد بن الباذش، فقال: «وقد ألف في ذلك- حكم الراءات- أبو داود كتابا أذن لنا في روايته عنه» (¬2). 19 - «كتاب الكتّاب من الأنبياء والسادات والأشراف والصحابة، ومن كتب منهم للنبي صلى الله عليه وسلّم»: نص عليه ابن عياد، واستغربه، فقال: «وأغرب شيء عنده فيها: «كتاب الكتّاب من الأنبياء»، وذكر اسم الكتاب كاملا (¬3). 20 - كتاب مختصر التبيين لهجاء التنزيل: والمشتهر بين الناس ب «التنزيل» اختصارا واقتصارا، والذي نحن بصدد تحقيقه، وما كانت هذه الدراسة إلا من أجله، وهو بيت القصيد (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: فهرست ابن خير الإشبيلي ص 428. (¬2) انظر: الإقناع في القراءات السبع 1/ 328. (¬3) انظر: التبيان ورقة 35: ولعل وجه الغرابة أن يكون المؤلف أبو داود رحمه الله ضمّن كتابه وقرّر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم تعلم القراءة والكتابة، بعد أن قامت حجته، وظهرت معجزته، وأن الارتياب، وهذا ظاهر من عنوان الكتاب ومن ملابسات الحال، والقرائن تدلّ عليه حيث إن شيخه الباجي أثار هذا الموضوع في عصره كما تقدم. فقد يكون المؤلف أبو داود ناصر شيخه في هذا الكتاب، وتقدم تفصيل ذلك في مبحث أهم الأحداث الفكرية في عصر المؤلف ص 47. (¬4) انظر: فصل تحليل الكتاب ودراسته وتقويمه.

21 - كتاب هجاء المصاحف

21 - كتاب هجاء المصاحف: ذكره له ابن عاشر، ونقل منه عن أبي إسحاق التجيبي من كتابه التبيان، عند ذكر الخلاف في قوله تعالى: باسقات (¬1). قال: «واختلف قول أبي داود، ففي التنزيل بألف ثابتة، وفي كتاب هجاء المصاحف بحذفهما» (¬2). إلا أن الذي يبدو لي أن كتاب هجاء المصاحف، هو نفسه كتاب «التبيين لهجاء التنزيل» فتصرف ابن عاشر في اسمه فاختصره وسماه باسم موضوعه، والله أعلم. هذا ما تيسر لي جمعه في مؤلفاته، ولعل من يعثر على فهرسة الشيخ أبي داود يمكنه التعرف على جميع كتبه ومصنفاته، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. ¬

_ (¬1) من الآية 10 سورة ق. (¬2) انظر: فتح المنان لابن عاشر ورقة 25.

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: لقد كان لأبي داود مكانة علمية مرموقة، ومن أبرز السمات التي تجلت لي في شخصيته العلمية أمور كثيرة؛ منها: 1 - كثرة ثناء العلماء عليه. 2 - توافد جمع كبير من طلاب العلم من أهل الأندلس عليه، والرحلة إليه للأخذ عنه كما هو واضح في كثرة تلاميذه (¬1). 3 - نقل طائفة من العلماء كتب أبي داود وروايتها وقراءتها على مشايخهم وعنايتهم بها، بل نظم بعضا منها بعض العلماء. 4 - وأبرز ما تتجلى مكانته في مؤلفاته التي خلّفها، لا سيما في كتابيه معاني القرآن، والتبيين ومختصره وغيرها (¬2) كما سأوضّحه فيما يلي: فكل من ترجم لأبي داود وصفه بأوصاف تدل على العلم والمكانة الرفيعة، فكان أبو داود من أجل تلامذة الداني وأشهرهم ذكرا، شيخ القراء وإمام الإقراء، لازم الداني وأخذ عنه مؤلفاته في القراءات وحرّرها وعلق عليها، بل عارضه في بعضها الآخر، واشتهر بحمل علوم الداني ورواية كتبه. ومن طريقه وصل إلينا ما وصل. قال ابن خلدون ت 808 هـ: «كثر الخلاف في الرسم في كلمات وحروف أخرى ذكرها أبو داود سليمان بن نجاح من موالي مجاهد العامري ¬

_ (¬1) انظر: مبحث تلاميذه ص: 81. (¬2) انظر: مؤلفاته ص 103.

في كتبه، وهو من تلامذة أبي عمرو الداني، والمشتهر بحمل علومه ورواية كتبه» (¬1). «وقد جمع ابن عياد جزءا في أخبار أبي داود ومناقبه، حدثت به عنه» (¬2). قال ابن بشكوال أبو القاسم خلف بن عبد الملك ت 578 هـ: «وكان من جلة المقرئين وعلمائهم وفضلائهم وخيارهم، عالما بالقراءات ورواياتها وطرقها، حسن الضبط لها». وكان دينا فاضلا ثقة فيما رواه. وله تواليف كثيرة في معاني القرآن العظيم وغيره، وكان حسن الخط والضبط روى الناس عنه كثيرا ... ثم قال: «وأخبرنا عنه جماعة من شيوخنا، ووصفوه بالعلم والفضل والدين». وقال أيضا: «روى عن أبي عمرو، وأكثر عنه، وهو أثبت الناس به» (¬3). قال الشيخ أحمد بن يحيى بن عميرة (ت 599 هـ): «له تواليف كثيرة تدل على سعة علمه، ومعرفته بالإقراء» ثم قال: «روى عنه جماعة من الأعلام فيهم كثرة، ولم يزل يقرئ كتاب الله عز وجل، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أن توفي وكانت جنازته مشهودة» (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة ابن خلدون 1/ 366. (¬2) انظر: المعجم في أصحاب القاضي 302. (¬3) كتاب الصلة ابن بشكوال ج 1 ص 203. (¬4) بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس للضبي 303، 304.

ومن فضائله وغرر مناقبه ما ذكره ابن عياد، فقال: «سمعت شيخنا أبا الحسن بن هذيل يقول: كان أبو داود من أهل العلم والعمل مجاب الدعوة، وسمعته يقول: ما رأيت أفضل منه، وسمعته يقول: كان أبو داود يكتب من ليلته عشرين ورقة كبارا ثم يقوم حزبه (¬1) من الليل» (¬2). قال حسين بن علي الرجراجي 899 هـ: «وأما حاله، فهو رجل عالم بعلوم القرآن، وغيره، وله تواليف كثيرة في القرآن وغيره، وأخذ عنه العلم ناس كثير، وعدد عظيم» (¬3). وقال: «وكان رجلا فاضلا صالحا مجاب الدعوة، وكان رضي الله عنه يكتب في كل ليلة عشرين ورقة كبارا، ثم يقوم إلى حزبه من الليل، وكان حسن الخط جيد الضبط، وهو مشهور بالفضل والصلاح والعلم» (¬4). ونوه ابن عاشر بمكانة أبي داود في فن هجاء المصاحف، فقال: «لولا مكانة أبي داود في هذا الفن لكان كلامه محل نظر» (¬5). قال ابن عياد: «ولقي أبو داود رحمه الله ببلنسية ودانية وشاطبة وغيرها من بلاد الشرق جماعة من العلماء وجلة الفقهاء» (¬6). ¬

_ (¬1) الحزب هو جزء من الأجزاء الستين من القرآن الكريم عند أهل المغرب، ويساوى نصف جزء عند أهل المشرق. (¬2) التبيان لابن آجطا ورقة 35، تنبيه العطشان ورقة 27. (¬3) انظر: تنبيه العطشان ورقة 27. (¬4) المصدر نفسه. (¬5) انظر: فتح المنان ورقة 58. (¬6) انظر: التبيان ورقة 69.

ومن غرر مناقبه ما قاله ابن عياد: فقال: «أخبرنا الشيخ الصالح أبو الحسن، قال: كنا يوما بدانية مع أبي داود بداره قال: فدق عليه الباب رجل، فأمر بدخوله عليه، فإذا هو رجل أسود طويل من مشاوري الأمير يوسف بن تاشفين قال: فسلّم عليه، وقال: أشخصني إليك أمير المسلمين يوسف، لتدعو له، وليس لي في الأندلس حاجة سوى هذه، قال: فبكى الشيخ رحمه الله حتى أخضل لحيته، ثم دعا له، وودّعه وانصرف القهقرى راجعا إلى الأمير». قال: «وهذه القصة من غرر مناقب الشيخ» (¬1). ووصفه الحافظ الذهبي بقوله: «الشيخ الإمام العلامة شيخ القراء ذو الفنون». وذكر ما ذكره ابن بشكوال، ثم قال: «وكان من بحور العلم، ومن أئمة الأندلس في عصره» (¬2) ووصفه في موضع آخر، فقال: «شيخ الإقراء، مسند القراء، وعمدة أهل الأداء» (¬3). وقال: «قرأت بالروايات من طريقه عن أبي عمرو الداني». وقال: «وأكثر عنه وتخرّج به وهو أنبل أصحابه وأثبتهم (¬4). وصفه ابن الجزري بقوله: «شيخ القراء وإمام الإقراء» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: التبيان ورقة 35. (¬2) سير أعلام النبلاء 19/ 168 رقم 92. (¬3) معرفة القراء 2/ 450. (¬4) سير أعلام النبلاء 19/ 168. (¬5) غاية النهاية 1/ 316.

ونعته الإمام المقرئ أبو عبد الله محمد بن موسى القيسي بقوله: «قال نجل نجاح الحبر الإمام العدل» (¬1). وكان علماء الرسم وهجاء المصاحف يعدّون أبا داود حجة في الرسم لأنه تأمل واطلع على المصاحف العتق القديمة، وكانوا يردّون المصاحف التي لم يطلع عليها الشيخان أبو عمرو وأبو داود. قال حسين الرجراجي 899 هـ: «إذ لا حجة بالمصاحف الموجودة بين أيدينا اليوم، وإنما الحجة بالمصاحف القديمة، التي كتبها الصحابة، رضي الله عنهم، وهي التي اطلع عليها أبو عمرو الداني، وأبو داود، وغيرهما من الشيوخ المقتدى بهم في هذا الشأن» (¬2). فهو يرى أن أبا داود حجة في هجاء المصاحف. وقال الشيخ المقرئ محمد بن سعيد بن عمارة البينوني: «وابن نجاح شيخ هذا الشأن» (¬3) يقصد به هجاء المصاحف ونقطها وشكلها. ومما يدل على اهتمامه بعلم الحديث أنه قرأ على أبي الوليد الباجي وأبي عمر يوسف بن عبد البر وأبي العباس العذري وأبي عمرو الداني، وناهيك بهم علما وفضلا في علم الحديث (¬4). ثم إنه رضي الله عنه قد كتب بخط يده الجامع الصحيح للبخاري في عشرة أسفار، وكتب بخط يده صحيح مسلم في ستة أسفار، وقرأهما ¬

_ (¬1) انظر: الميمونة الفريدة ورقة 7. (¬2) انظر: تنبيه العطشان ورقة 146. (¬3) نظم في الرسم لابن عمارة البينوني ورقة 10. (¬4) انظر: مبحث شيوخه 86.

على الباجي والعذري، واحتفل في تقييدهما حتى صار كل واحد منهما أصلا يقتدى به. قال أحمد بن عميرة الضبي: «محدث فاضل زاهد» وقال: «رحلت إلى بلنسية في عام ستة وتسعين وقابلت بهما كتابي، وانتفعت بهما». وحتى إن بعض شيوخ أبي داود الذين روى عنهم قابل أصليه بأصول أبي داود. قال الضبي: «وأخبرت أن أبا علي بن سكرة الحافظ ت 514 هـ قابل أصليه بالكتابين المذكورين وناهيك بهما صحة وتقييدا وضبطا». ثم قال: «محدث فاضل زاهد، كان إمام وقته في الإقراء رواية ومعرفة مجاب الدعوة» (¬1). فكان أبو داود يجمع بين القراءات والحديث، وتتلمذ عليه عدد كبير من الطلاب البلنسيين، إضافة إلى الأندلسيين، وروى عنه جماعة من الأعلام، ولم يزل يقرئ كتاب الله عزّ وجلّ وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أن توفي رحمه الله، فجمع الله له بين التأليف والإقراء والتدريس. أما كونه مقرئا، فلا يحتاج الأمر إلى بيان، فهذا الجانب أحد أبرز الجوانب التي تفوق فيها. ومما يدل على إمامته في علوم القرآن والتفسير أنه صنف كتابين كبيرين: «البيان في علوم القرآن» في ثلاثمائة جزء، وكتابه «التبيين» وما ¬

_ (¬1) انظر: بغية الملتمس 304، 303.

تضمنه هذان الكتابان من مواضيع في علوم القرآن كالتفسير والبيان والقراءات والأصول والناسخ والمنسوخ والرد على الملحدين والوقف والابتداء، والتوجيه والتعليل والحجج. وكان سريع البديهة في النظم فيعلم ذلك من كتابه الاعتماد، وهو أرجوزة عارض بها شيخه كما يعلم ذلك مما ذكره في سورة الأنعام (¬1) في التنزيل حيث كان ينظم بعض الآيات المتشابهات، وكذا في كتابه المنظوم وقد ذكرته في مؤلفاته (¬2)، بل حتى وهو على فراش الموت أنشد أبياتا يرجو الله فيها العفو والغفران (¬3). أما كونه فقيها فيظهر ذلك جليا في كتابه التنزيل في سورة الفاتحة حيث لاحظت عليه النزوع إلى مذهب الإمام مالك. ومما يلاحظ على المؤلف أبي داود نزوعه الشديد إلى مذهب المالكية، ولقد تأثر بهذا المذهب تأثرا كبيرا. ولقد سرى له هذا التأثر من كثرة ملازمته لشيوخه كأبي عمر بن عبد البر، وأبي عمرو الداني، وأبي الوليد الباجي، وأبي العباس العذري، وغيرهم. ولأن المذهب المالكي ساد في الأندلس في عصر المؤلف. ويتجلى نزوعه إلى المذهب المالكي في كلامه على البسملة في أول فاتحة الكتاب في مقدمة «مختصر التبيين (¬4)»، فذهب يجمع الأدلة ليرجح ¬

_ (¬1) عند قوله: حكيم عليم في الآية 129، وفي قوله: ما لا ينفعنا ولا يضرّنا في الآية 71. (¬2) انظر: مبحث مؤلفاته ص 111. (¬3) انظر: مبحث مولده ووفاته ص 70. (¬4) انظر: مقدمة سورة الفاتحة.

أن بسم الله الرّحمن الرّحيم ليست آية من فاتحة الكتاب. وقد لاحظت في كتب التراجم والتاريخ لأهل الأندلس أن المترجم إذا ذكر علما عاش في عصر أبي داود، ولم يجلس إليه، ولم يرو عنه يصفه بقوله: «ولا رواية له عن أبي داود» (¬1). وكأني به يشير من طرف خفي إلى نقص أو تقصير حصل منه، كما أن المترجم يمدح ويثني على الإسناد الذي أحد رجاله أبو داود، فيقول: «وهذا في نهاية العلو، وجلالة الرجال» (¬2). وأثنى ابن الجزري على الإسناد الذي أحد رجاله أبو داود، وشهد له بالعلم والإمامة والضبط، فقال: «وهذا أعلى إسناد يوجد اليوم متصلا، واختص هذا الإسناد بتسلسل التلاوة والقراءة والسماع، ومنّي إلى المؤلف كلهم علماء أئمة ضابطون» (¬3). وإذا بلغ الرجل درجة من العلم يكنى: «بأبي داود الصغير» (¬4)، وما ذلك إلا لإكبارهم وتعظيمهم لأبي داود سليمان بن نجاح، وكان طلاب العلم يرحلون إليه ويأخذون عنه. قال ابن آجطا عن ابن عياد: «وكانت الرحلة إليه في زمانه لفضله وعلو روايته ومعرفته» (¬5). والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: التكملة 1/ 150. (¬2) انظر: برنامج الوادي آشي 183. (¬3) انظر: النشر 1/ 60. (¬4) انظر: غاية النهاية 1/ 317، معرفة القراء 1/ 508. (¬5) انظر: التبيان ورقة 35.

الباب الثاني نشأة علم هجاء المصاحف وتطوره

الباب الثاني نشأة علم هجاء المصاحف وتطوره الفصل الأول: ظهور علم هجاء المصاحف وتطور التأليف فيه الفصل الثاني: دراسة الكتاب وتحليله وتقويمه

الفصل الأول ظهور علم هجاء المصاحف وتطور التأليف فيه

الفصل الأول ظهور علم هجاء المصاحف وتطور التأليف فيه

تعريف رسم المصاحف العثماني

تعريف رسم المصاحف العثماني عرفت اللغة العربية عددا كبيرا من الكلمات الدالة على مرسوم الخط منها: «الكتاب» و «الهجاء» و «الخط» و «الرسم»، وتطور استعمال هذه الكلمات عبر القرون. فأولها استخداما «الكتاب» الذي هو أحد مصادر «كتب» (¬1)، استخدم علما على الكتابة والرسم، وقد استعمل هذا المصطلح للتعبير عن معنى الكتابة من المتقدمين مثل نافع بن أبي نعيم ت 169 هـ، ويحيى بن زياد الفراء ت 207 هـ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ت 224 هـ، وأبي بكر محمد ابن يحيى الصولي ت 336 هـ، وعبد الله بن درستويه ت 347 هـ، وغيرهم، فكان هؤلاء يكثرون من استعمال «الكتاب» في معنى الرسم والكتابة (¬2). والدليل على استخدامهم «الكتاب» في معنى الرسم والكتابة ما رواه الخطيب البغدادي ت 462 هـ بسنده عن إبراهيم النخعي والأعمش، قال: «كانوا يكرهون كتاب الحديث» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: لسان العرب، أساس البلاغة للزمخشري مادة «كتب»، تهذيب اللغة للأزهري 10/ 150، الصحاح للجوهري 1/ 208، جمهرة اللغة 1/ 196. (¬2) انظر: المقنع 39، معاني القرآن للفراء 1/ 96، 202، أدب الكتاب للصولي 113، كتاب الكتاب لابن درستويه 64، جامع بيان العلم لابن عبد البر 1/ 85. (¬3) انظر: تقييد العلم للخطيب البغدادي 47، 48، سنن الدارمي 1/ 103.

ومن أكثر الكلمات استعمالا، وأكثرها استخداما بعد: «الكتاب» في القرون المتقدمة كلمة: «الهجاء»، ومن يستقرئ الكتب المؤلفة في الرسم والخط لدى المتقدمين يجد أن غالب تسمية كتبهم تحمل هذا الاسم وتعنون به كما يظهر ذلك جليا عند ذكر مؤلفات هجاء المصاحف (¬1). وذكر علماء اللغة لمادة «الهجاء» معنيين: الأول: يدل على الذم، وتعديد العيوب؛ كأن يهجو الشاعر شاعرا آخر، فيعدد معايبه، وهو خلاف المديح (¬2). والثاني: هجاء الحروف، وتقطيع اللفظة بحروفها، وهو تعلم هجاء الحروف يهجّيها ... ، ويتهجاها، أو التلفظ بأسماء الحروف، لا مسمياتها، وتعداد حروف الكلمة المكتوبة (¬3). والمراد به بيان كيفية رسم الألفاظ اللغوية، وهو المقصود هنا. ومما يلاحظ أن معظم المصادر الأولى التي ألفت في موضوع الخط والكتابة كانت تعرف بكتب الهجاء، أو هجاء المصاحف، ثم ظهر مصطلح الخط، فصار يطلق على الكتابة بعامة، وقد ألف السيوطي رسالة في علم الخط (¬4). وقد يقيد بالمصحف، فيقال: خط المصحف، فتخصص بالإضافة. ¬

_ (¬1) انظر: مبحث مؤلفات هجاء المصاحف. (¬2) انظر: أساس البلاغة للزمخشري 696. (¬3) انظر: المخصص لابن سيده 13/ 4. (¬4) مطبوعة ضمن كتاب التحفة البهية، والطرفة الشهية مطبعة الجوائب إستانبول.

وظهر هذا المصطلح عند علماء المصرين: البصرة والكوفة، فأسسوا لعلم الخط ضوابط وروابط بنوها على أقيستهم النحوية، وأصولهم الصرفية، وسموها علم الخط القياسي، أو الاصطلاحي المخترع (¬1). ثم ظهر استعمال مصطلح الرسم أو رسم المصحف، أو الرسم العثماني. وعلى ما يبدو ظهر استعماله للدلالة على علم هجاء المصحف في وقت متأخر، لأن المؤلفات في القرون الأولى لم تستخدم هذه الكلمة للدلالة على خط المصحف، بل إن المعاجم اللغوية لم تكن تذكر أي معنى لها يتعلق بالكتابة في مادة «رسم». قال ابن دريد ت 321 هـ: «رسم كل شيء: أثره، والجمع رسوم» (¬2). وقال الأزهري ت 370 هـ: «الرسم هو الأثر» (¬3). قال ابن منظور ت 711 هـ: «الرسم هو الأثر، وقيل بقية الأثر، وقيل ما ليس له شخص من الآثار» (¬4). وقال: «ورسم على كذا ورشم إذا كتب» (¬5). وهذا المعنى ينطبق على مرسوم خط المصحف، فهو أثر من آثار ¬

_ (¬1) انظر: المطالع النصرية 27. (¬2) جمهرة اللغة لابن دريد 2/ 336. (¬3) تهذيب اللغة للأزهري 12/ 422، الصحاح للجوهري 5/ 1932. (¬4) لسان العرب 12/ 241. (¬5) لسان العرب 12/ 241.

أنواع الخط العربي

الصحابة رضي الله عنهم، وهو خط وكتابة، ويزيد ذلك وضوحا إضافته إلى «المصحف» أو وصفه ب «العثماني» فيقال: «رسم المصحف» أو «الرسم العثماني». فالعلاقة واضحة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لمرسوم خط المصحف، ومن ثم صحت تسميته ب: «رسم المصحف»، فهو أثر وخط وكتابة. وإذا كانت المصنفات الأولى في الرسم يغلب عليها مصطلح هجاء المصاحف، فإن المؤلفات المتأخرة غلب عليها إطلاق مصطلح الرسم والمرسوم، وصار علما على هجاء المصاحف وكتابتها، فتخصص بخط المصحف. ومن ثم أضيف إلى ما يعرفه ويخصصه، فقيل: رسم المصحف، أو أضيف له الوصف فقيل: «الرسم العثماني»، ثم شاع استعماله دلالة على خط المصحف ولو كان مقطوعا عن الإضافة، فشاع استخدامه للتعبير عن هجاء المصاحف، وتحددت دلالته. فتبين لي أن علم الرسم من حيث الاصطلاح تردد في كتب القوم بأكثر من اسم، حتى اشتهر بين المتأخرين باسم «الرسم العثماني» والله أعلم. أنواع الخط العربي: وقد قسم علماء العربية الخط إلى ثلاثة أقسام: الخط القياسي، والخط العروضي، وخط المصحف.

أولا: الخط القياسي،

أولا: الخط القياسي، أو الاصطلاحي المخترع، ويسمى الإملاء، وهو الرسم الذي وضع علماء البصرة والكوفة قواعده، مستمدين ذلك من المصاحف العثمانية ومن علم النحو والصرف. وتعريفه: تصوير اللفظ بحروف هجائه بتقدير الابتداء به والوقف عليه (¬1)، وهذا الرسم وإن كان فصل وبوب، إلا أنه لم يتفق عليه واضعوه، وهو عرضة للتغيير، والتبديل، والتطوير، وهو المستعمل في كتابتنا العادية. وهذا الرسم لم تراع فيه الموافقة التامة بين المكتوب والمنطوق. ثانيا: خط العروض: وهو ما اصطلح عليه أهل العروض في تقطيع أبيات الشعر، ويعتمدون فيه على ما يقع في السمع واللفظ دون المعنى فيكتبون التنوين نونا ساكنة، ويكتبون الحرف المدغم بحرفين، فتراعى فيه المطابقة التامة بين المنطوق والمكتوب (¬2). ثالثا: خط المصحف وهجاؤه: وهو موضوع هذا الكتاب. وهو الذي كتب به زيد بن ثابت حروف القرآن وكلماته في جميع مراحل جمع القرآن التي آخرها كتابته في عهد عثمان رضي الله عنه، وهو علم تعرف به مخالفة المصاحف العثمانية للرسم القياسي (¬3)، وسمي الرسم العثماني نسبة إلى سيدنا عثمان، لأنه أمر بنسخ إمام للناس ¬

_ (¬1) انظر: فتح المنان ورقة 4، همع الهوامع للسيوطي 6/ 305. (¬2) انظر: مفتاح السعادة 1/ 39، البرهان 1/ 376، رسم المصحف للفرماوي 14، همع الهوامع 6/ 341. (¬3) انظر: فتح المنان ورقة 4.

بعد ما اختلف الصحابة في بعض حروف القرآن فقال: «يا أصحاب محمد اجتمعوا، فاكتبوا للناس إماما» (¬1) فنسخ الصحابة رضي الله عنهم من صحف أبي بكر مصحفا إماما ثم نسخوا منه مصاحف لسائر الأمصار، فنسب إليه من هذه الجهة، لا أنه اخترعه وابتكره. ولم تراع الموافقة التامة بين المكتوب والمنطوق، لأن رسمه يحتمل أكثر من صورة منطوقة لعلل وحكم، بل كتب في بعض المواضع على الفرع دون الأصل ليدل الفرع على الأصل، وسيتجلى ذلك في موضعه. وسموا رسم المصحف بالخط المتبع، وقالوا: إن رسمه سنة متبعة مقصورة عليه، فلا يقاس ولا يقاس عليه (¬2)، ويقال: «خطان لا يقاس عليهما: خط المصحف، وخط العروض» (¬3). وموافقة الرسم العثماني للمنطوق تكون تحقيقا كما هو الحال في الخط القياسي، وفي أكثر المواضع في هجاء المصاحف، ويكون تقديرا كما هو الشأن في بعض المواضع في هجاء المصاحف. وذلك لأن الاختلاف يكون اختلاف تغاير وتنوع، وهو في حكم الموافق، فلا يلزم من صحة أحدهما بطلان الآخر. ويكون اختلاف تضاد أو تناقض، ويلزم من صحة أحدهما بطلان الآخر، وهذا لا يوجد في المصاحف. ولذلك وزّع الصحابة رضي الله عنهم الأحرف التي لا يحتملها الرسم ¬

_ (¬1) انظر: البرهان 1/ 376، تاريخ القرآن وغرائب رسمه 6. (¬2) انظر: المطالع النصرية 27، البحر المحيط 8/ 433. (¬3) انظر: أدب الكتاب لابن درستويه 27، البرهان 1/ 376، همع الهوامع 6/ 340.

الواحد على مختلف مصاحف الأمصار، لأن الخط هنا في هذه الحروف يحصر جهة اللفظ، فمخالفه مناقض، وتارة لا يحصرها، بل يرسم على أحد التقادير، فاللافظ به موافق تحقيقا، ولغيره موافق تقديرا لتعدد الجهة. وذلك لأن البدل في حكم المبدل منه، وما زيد في حكم العدم، وما حذف في حكم الثابت، وما وصل في حكم الفصل، وما فصل في حكم الوصل (¬1). وسوّغ ذلك كله تجريد المصحف من النقط الشكل. وتنحصر مخالفة الرسم العثماني للرسم القياسي في ست قواعد، وهي: الحذف، والزيادة، والهمزة، والإبدال، والوصل، والفصل، وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما، تغليبا لها في جميع المصاحف مما يحتمله الرسم. وقسم علماء الرسم الحذف إلى ثلاثة أقسام: 1 - حذف إشارة يكون المقصود منه الإشارة إلى قراءة أخرى في الكلمة، وذلك مثل حذف الألف من كلمتي: أسارى تفادوهم (¬2) فحذف الألف من كلمة: «أسارى» إشارة إلى قراءة حمزة حيث قرأ بفتح الهمزة وإسكان السين، وحذف الألف بعدها. وأما حذف الألف في كلمة: تفادوهم فهي إشارة إلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة وخلف؛ حيث قرءوا بفتح التاء ¬

_ (¬1) انظر: الجواهر اليراعية في رسم المصاحف العثمانية رقم 5233/ ق 2 فيلم بالجامعة، فتح المنان لابن عاشر ورقة 5، إتحاف فضلاء البشر 1/ 82. (¬2) من الآية 84 البقرة.

وسكون الفاء وحذف الألف (¬1). 2 - وحذف اختصار، وهو الذي يكون مطردا في جميع الكلمات المتناظرة كحذف الألف في كل جمع مذكر سالم وشبهه، إذا لم يقع بعد الألف تشديد أو همز مباشرين مثل قوله تعالى: العلمين (¬2) والحفظين والصّدقين. 3 - وحذف اقتصار، وذلك كأن يرد الحذف في كلمة بعينها دون نظائرها في كل القرآن الكريم مثل حذف ألف: الميعد في قوله تعالى: ولو تواعدتّم لاختلفتم في الميعد (¬3) في الأنفال لا غير، وإثبات الألف في بقية المواضع في القرآن الكريم وغيره. وقد يجتمع حذف الاقتصار والإشارة معا في الكلمة الواحدة كقوله تعالى: إذا مسّهم طئف من الشّيطن تذكّروا (¬4) ففيها حذف اقتصار دون نظيرها في سورة نون: فطاف عليها طائف (¬5)، وفيها حذف إشارة لأنه ورد فيها خلاف القراء دون موضع القلم (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: النشر 2/ 218. (¬2) انظر قوله تعالى: رب العالمين في الآية 2 الفاتحة. (¬3) من الآية 42 الأنفال. (¬4) من الآية 201 الأعراف. (¬5) من الآية 19 القلم. (¬6) انظر: تنبيه العطشان ورقة 35، فتح المنان ورقة 21، التبيان ورقة 42، الدرة الصقيلة ورقة 11.

نشأة علم الرسم العثماني

نشأة علم الرسم العثماني: لم تعرف البشرية كتابا حظي بالعناية والاهتمام على مدى الأزمان بمثل ما حظي به القرآن الكريم، سواء من حيث كتابته ورسمه وإعرابه بالنقط، أو من حيث تلاوته وتحقيق قراءاته أو من حيث معرفة أحكامه وحكمه وبيان معانيه. فمن حيث كتابته ورسمه كان ذلك بقلم زيد بن ثابت رضي الله عنه كاتب الوحي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلّم. فكانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلّم فائقة بكتابة القرآن، ومنع أصحابه من كتابة شيء غير القرآن، فروى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» (¬1). وروى الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأتي عليه الزمن، وهو ينزل عليه السور ذات العدد ... فكان إذا نزل الشيء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» (¬2). وفي رواية البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه: «قال النبي صلى الله عليه وسلّم ادع لي زيدا وليجيء باللوح والدواة والكتف، أو الكتف والدواة. ثم قال: اكتب: لا يستوي القعدون (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: شرح مسلم للنووي 18/ 129. (¬2) انظر: فتح الباري 9/ 22، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي 11/ 265، المستدرك 2/ 330، الفتح الرباني 18/ 155، مسند أحمد 1/ 57، 69. (¬3) فتح الباري كتاب التفسير باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلّم 6/ 227.

وقال الشيخ محمد طاهر الكردي: «فقد ورد عن زيد بن ثابت المتخصص في كتابة القرآن أنه قال: «كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو يملي عليّ، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرؤه فإذا كان فيه سقط أقامه» (¬1). وكانت هذه الكتابة منثورة ومتفرقة في اللخاف، والعسب والأكتاف والرقاع. ثم لما استحر القتل في موقعة اليمامة بقراء القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أمر أبو بكر، بإشارة من عمر بن الخطاب، زيد بن ثابت أن يجمع القرآن في صحف، فكانت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر في حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، وهو المسمى بالجمع الثاني (¬2). ثم لما اختلف القراء في قراءته في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، كما لاحظ ذلك حذيفة بن اليمان عند أهل الشام، أمر عثمان زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث، فنسخوا ما في الصحف الأولى في مصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم» ثم أتلف ما عداه (¬3). وسموه بالمصحف الإمام أخذا من قول عثمان: «يا أصحاب محمد اجتمعوا، فاكتبوا للناس إماما يجمعهم» (¬4). ¬

_ (¬1) تاريخ القرآن 61 أدب الكتاب للصولي 165. (¬2) انظر: صحيح البخاري كتاب التفسير باب جمع القرآن، الإتقان 1/ 164. (¬3) انظر: فتح الباري 9/ 11، الإتقان 1/ 168، عارضة الأحوذي 11/ 265. (¬4) انظر: المقنع للداني 6، تاريخ القرآن 50، جامع البيان للطبري 1/ 21.

عدد المصاحف التي نسخها الخليفة عثمان رضي الله عنه

عدد المصاحف التي نسخها الخليفة عثمان رضي الله عنه: واختلف العلماء في عدد النسخ التي جمع فيها عثمان القرآن؛ قيل: أربع نسخ، وقيل: سبع نسخ. قال الرجراجي (ت 899 هـ): والمشهور الذي عليه الجمهور أربع نسخ، إحداها إلى المدينة، وأخرى إلى البصرة، وأخرى إلى الكوفة، وأخرى إلى الشام. (¬1) ومن قال: هي سبع نسخ، قال: الخامسة إلى اليمن، والسادسة إلى البحرين، والسابعة إلى مكة. ومن قال: هي ثمانية مصاحف، السبعة المتقدمة، والثامن هو الذي حبسه عثمان لنفسه، وهو المسمى بالمصحف الإمام الذي رآه وتأمله أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ). وقد أشار الإمام الشاطبي (ت 590 هـ) إلى هذه الثمانية، فقال: وسار في نسخ منها مع المدني* كوف، وشام وبصر تملأ البصرا وقيل مكة والبحرين مع يمن* ضاعت بها نسخ في نشرها قطرا (¬2) وقال مكي بن أبي طالب: «فلما نسخوا المصحف كتبوه في سبع نسخ، وقيل: في خمس، ورواة الأول أكثر» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: تنبيه العطشان ورقة 17، المصاحف 43، الإتقان 1/ 171. (¬2) انظر: الوسيلة للسخاوي ورقة 17، الدرة 11. (¬3) انظر: الإبانة عن معاني القراءات 65، فتح المنان 11.

وقال أبو عمرو الداني (444 هـ): «أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان لما كتب المصحف جعله أربع نسخ» وقيل: إنه جعله سبع نسخ، ثم قال: والأول أصح، وعليه الأئمة (¬1). إلا أن الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) ذكر أن عثمان بن عفان كتب سبعة مصاحف، وعدّ من بينها مصحفا إلى «مصر» بدل «البحرين» (¬2). قال أبو علي الأهوازي (ت 446 هـ) عن مصحف اليمن ومصحف البحرين: «فلم نسمع لهما خبرا، ولا رأينا لهما أثرا» (¬3). وقال السيوطي (911 هـ): «ولكن لم يسمع لهذين المصحفين خبر» (¬4). ومن قال: إنها ثمانية أضاف مصحف مكة واليمن والبحرين، ورده أبو بكر بن عبد الغني اللبيب، فقال: «وهذا قول ضعيف، والصحيح المشهور أنها كانت أربعة غير الإمام». ثم قال: «قال عطاء بن يسار في كتاب علم المصاحف: مصاحف أهل مكة والبحرين واليمن عدمت، فلم يوجد لها أثر» (¬5). وقال ابن حجر (ت 852 هـ): «فالمشهور أنها خمسة» (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المقنع للداني 9. (¬2) انظر: البداية والنهاية 7/ 217، ومثله في المرشد الوجيز 158. (¬3) انظر: المرشد الوجيز ص 73، وص 158، 159. (¬4) انظر: الإتقان 1/ 171 وص 226. (¬5) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 11، عارضة الأحوذي 11/ 268. (¬6) انظر: فتح الباري 9/ 20، الكواكب الدرية 26.

وقال الجعبري (ت 732 هـ): «خمسة متفق عليها، وثلاث مختلف فيها». فأمر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري. وبعث مصحفا إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، فلم نسمع لهما خبرا، ولا علمنا من أنفذ معهما» (¬1). وذكر علم الدين السخاوي (ت 643 هـ): أنها ستة مصاحف، فأما مصحف البحرين ومصحف اليمن فلم يعلم لهما خبر (¬2). أقول: وهذا العدد هو المتعارف عند علماء الرسم لأمرين: أولهما: أن النقل ورد عن هذه المصاحف في المقنع والتنزيل وغيرهما. الثاني: عرف من أرسله سيدنا عثمان مع هذه المصاحف كما تقدم. ورجح هذا العدد الشيخ رضوان المخللاتي، فقال: «وعدة المصاحف على معتمد الأقوال فيها ستة كما يشهد له الاستقراء» (¬3)، وهي المصاحف التي ورد النقل عنها، ومراجعة المصاحف عليها، وتأملها كثير من العلماء، فوصفوا هجاء حروفها بأبلغ وصف وأبينه، وهي: ¬

_ (¬1) انظر: الجميلة للجعبري ورقة 38. (¬2) انظر: الوسيلة ورقة 17، الإعلان لابن عاشر ورقة 54. (¬3) انظر: مقدمة في الرسم والضبط ورقة 67.

الأول: المصحف الإمام

الأول: المصحف الإمام: وهو الذي اتخذه عثمان بن عفان رضي الله عنه لنفسه، وحفظه عنده. وقال الإمام مالك: غاب مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه من المدينة، ولم نسمع بخبره بين العلماء الذين يقتدى بهم في النقل والرواية والدراية. وقال ابن قتيبة: «مصحف عثمان الذي قتل وهو في حجره كان عند ولده خالد، ثم صار مع أولاده، وقد درجوا إلى رحمة الله تعالى». وقال القاسم بن سلام في كتاب القراءات: «استخرج بعض الأمراء من خزانة مصحف عثمان رضي الله عنه الموسوم بالإمام وكان في حجره حين أصيب، ورأيت آثار الدم في مواضع منه وأكثر ما رأيته في سورة والنجم». ورد أبو جعفر بن النحاس قول أبي عبيد، ولم يعتمد عليه متبعا قول مالك. وما صوب أحد من المحققين المنصفين ردّ ابن النحاس، وليس في قول مالك ما يدل على عدم المصحف بالكلية بحيث لا يوجد، لأن ما يغيب يرجى ظهوره، ويتوقع حضوره، طال زمن مغيبه أو قصر، ولا يلزم من عدم علمه به عدمه. أقول: إن القاسم بن سلام مثبت، ومعه زيادة علم، ويؤيده قول ابن قتيبة المتقدم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الجميلة للجعبري 39، الوسيلة للسخاوي 19، شرح العقيلة للكردي 17.

الثاني: المصحف المدني العام

وإلى كل ذلك أشار الإمام الشاطبي (ت 590 هـ): فقال: وقال مصحف عثمان تغيّب لم* نجد له بين أشياخ الهدى خبرا أبو عبيد أولو بعض الخزائن لي* فاستخرجوه، فأبصرت الدّما أثرا وردّه ولد النحاس معتمدا* ما قبله، وأباه منصف نظرا إذ لم يقل مالك لاحت مهالكه* ما لا يفوت فيرجى طال أو قصرا (¬1) وورد النقل عن أبي عبيد عن المصحف الإمام، في مواضع كثيرة في كتاب «المقنع» لأبي عمرو الداني، وكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» لأبي داود (¬2). مما يدل على أن أبا عبيد رآه وتأمله وقرأ فيه ووصف هجاءه. بل هناك غيره من العلماء من ذكر أنه رآه، منهم عاصم الجحدري (ت 128 هـ)، وخالد بن خداش (ت 224 هـ)، وغيرهما (¬3). الثاني: المصحف المدني العام: جعله عثمان بن عفان بين أهل المدينة، وعنه يروي نافع بن أبي نعيم (ت 169 هـ). ويشير الإمام الشاطبي (ت 590 هـ) إلى نقل نافع عن المصحف المدني العام، وإلى نقل أبي عبيد عن المصحف الإمام، واختلافهما في بعض المرسوم، لأن كلا منهما يعتمد على مصحف غير الذي يعتمده الآخر، فقال الشاطبي: ¬

_ (¬1) انظر: تلخيص الفوائد 17. (¬2) انظر: المقنع للداني 15، مختصر التبيين. (¬3) انظر: المقنع للداني 15، 16، 35 وغيرها.

والثالث: المصحف المكي

وبين نافعهم في رسمهم، وأبي* عبيد الخلف في بعض الذي أثرا ولا تعارض مع حسن الظنون فطب* صدرا رحيبا بما عن كلهم صدرا (¬1) والثالث: المصحف المكي: روى عنه أيوب بن المتوكل (ت 200 هـ)، ويحيى بن المبارك اليزيدي (ت 202 هـ)، وأبو حاتم سهل بن محمد (ت 255 هـ)، وخلف بن هشام البزار (ت 229 هـ)، وغيرهم (¬2). والرابع: المصحف الشامي: ويذكره علم الدين السخاوي (ت 643 هـ) في مواضع كثيرة في شرحه على العقيلة (¬3)، ورآه الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ)، والحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ)، في الجامع الأموي بدمشق، وورد عنه النقل في كتاب المقنع لأبي عمرو الداني، وكتاب مختصر التبيين لهجاء التنزيل في مواضع كثيرة. قال ابن كثير عن زيد بن ثابت: «وهو الذي كتب هذا المصحف الإمام الذي بالشام عن أمر عثمان بن عفان، وهو بخط جيد قوي جدا فيما رأيته». وقال: «رأيت المصحف الشامي، فوجدته بخط زيد بن ثابت، وهو خط قوي جدا» (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: تلخيص الفوائد 18. (¬2) انظر: المقنع للداني 39، 41، 66، 107، 110، 112، 114. (¬3) انظر: الوسيلة في شرح العقيلة ورقة 27، 51، 57، 59، 60. (¬4) انظر: البداية والنهاية 8/ 31، 7/ 228، فضائل القرآن 46، النشر 1/ 455.

والخامس: المصحف الكوفي

والخامس: المصحف الكوفي: ورد النقل عنه في مواضع كثيرة في كتاب المقنع لأبي عمرو الداني، وفي «كتاب مختصر التبيين لهجاء التنزيل» لأبي داود، وغيرهما (¬1). والسادس: المصحف البصري: ورد النقل عنه في مواضع كثيرة في كتاب المقنع لأبي عمرو الداني، وفي كتاب مختصر التبيين لأبي داود، وغيرهما (¬2). أما مصحف اليمن، ومصحف البحرين، فلم يرد عنهما نقل، ولم أجد لهما نقولا في كتب الرسم، ولم يجر لهما ذكر عند أهل الرسم. قال ابن عاشر (ت 1040 هـ): «ولم يعهد منهم- كتّاب المصاحف- النقل عن مصحفي اليمن والبحرين» (¬3). وليست المصاحف بخط عثمان، بل هي بخط زيد بن ثابت رضي الله عنه، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه وإمارته (¬4). ومما يجب أن يلاحظ أن الكاتب في مراحله الثلاث هو زيد بن ثابت، الذي شهد العرضة الأخيرة، وكتب القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المقنع للداني ص 66، ومختصر التبيين. (¬2) انظر: المقنع للداني ص 92، ومختصر التبيين. (¬3) انظر: فتح المنان ورقة 11. (¬4) انظر: البداية والنهاية 7/ 228. (¬5) انظر: أسد الغابة 2/ 278، الاستيعاب 2/ 538، الإصابة 2/ 593، البداية والنهاية لابن كثير 7/ 228.

ولما نسخ الكتاب المصاحف، أرسل منها عثمان رضي الله عنه مصحفا إلى مكة، ومصحفا إلى الشام، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، وأبقى في المدينة مصحفا عاما وهو الذي ينقل عنه نافع بن أبي نعيم المدني، كما ستلاحظه في رواية المؤلف أبي داود في كتابه التنزيل (¬1)، واحتبس لنفسه مصحفا، وهو الذي تأمله ونقل منه، ورآه أبو عبيد القاسم بن سلام، وهو الذي يقال له: الإمام، وقيل: يقال لكل منها: إمام. قال ملا علي قاري: «والأظهر أن المراد بالمصحف الإمام جنسه الشامل لما اتخذه لنفسه في المدينة، ولما أرسله إلى مكة والشام والكوفة والبصرة وغيرها» (¬2). أقول: وهو الصواب؛ لأن كل واحد منها أصل كتب بين يديه وتحت إشرافه، وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، وأرسل مع كل مصحف قارئا يوقف الناس على هجائه ورسمه بالمشافهة والتلقي والرواية. وكتبوا هذه المصاحف متفاوتة في الحذف، والإثبات، والنقص، والزيادة، والبدل وغير ذلك، لأنهم قصدوا اشتمالها على الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، وجعلت خالية من النقط والشكل تحقيقا لهذا الغرض. ¬

_ (¬1) انظر: مختصر التبيين لهجاء التنزيل. (¬2) انظر: المنح الفكرية لملا علي قاري 65، الوسيلة للسخاوي 19.

فالكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة، وخلوّها من النقط والشكل يجعلها محتملة لما اشتملت عليه من قراءات، كتبوها برسم واحد في جميع المصاحف، وذلك كنحو قوله تعالى: فتبيّنوا (¬1) وردت فيها قراءتان الأولى: فتبينوا والثانية: فتثبتوا وكلاهما يحتملها الرسم الواحد المجرد من النقط والشكل (¬2). أما الكلمات التي وردت على قراءتين أو أكثر، وتجريدها من النقط لا يجعلها محتملة لما وردت فيها من قراءات، فلم يكتبوها برسم واحد في جميع المصاحف، وإنما كتبوها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخرى، نحو قوله: ووصّى وقوله: وأوصى فكتبوها في بعض المصاحف بواوين بينهما ألف كما هو الحال في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام، وكتبوها في بعضها الآخر بواوين من غير ألف كما هو الحال في مصاحف أهل مكة وأهل العراق (¬3). ووزعوا مثل هذه الحروف التي لا يحتملها الرسم الواحد على سائر المصاحف. وإنما لم يكتبوا هذا النوع من الكلمات برسمين معا في مصحف واحد، خشية أن يتوهم أن اللفظ نزل مكررا بقراءة واحدة. ¬

_ (¬1) من الآية 93 النساء، 6 الحجرات. (¬2) انظر: النشر 2/ 251. (¬3) انظر: الآية 131 البقرة في «مختصر التبيين لهجاء التنزيل».

وكذلك لم يكتبوا هذه الكلمات برسمين، أحدهما في الأصل والثاني في الحاشية، لئلا يتوهم، أن الثاني تصحيح للأول، وأن الأول خطأ (¬1). فكانت هذه الطريقة في كتابة المصاحف أدنى إلى الإحاطة بالوجوه التي نزل عليها القرآن، إيجازا واختصارا. فاشتملت هذه المصاحف على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلّم على جبريل عليه السلام متضمنة لها لم تترك حرفا منها. قال ابن الجزري: «وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له» (¬2). وقيل: إن المصاحف العثمانية اشتملت على جميع الأحرف السبعة (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والأول قول أئمة السلف والعلماء والثاني قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم» (¬4). وعند ما وصلت المصاحف إلى الأمصار سارع المسلمون إلى نسخ المصاحف منها حرفا بحرف، وكلمة بكلمة، ثم مقابلة مصاحفهم عليها، وأصبحت أصولا تقتدى، وحرقوا ما عداها، وترك الصحابة مصاحفهم، واتبعوا المصحف الإمام (¬5) ومن ثم لاحظ علماء القرآن وحفاظه هيئة ¬

_ (¬1) انظر: من علوم القرآن للشيخ القاضي 49، الكواكب الدرية للحداد 23، مقدمة في الرسم والضبط للمخللاتي ورقة 68. (¬2) انظر: النشر 1/ 31، فتاوى شيخ الإسلام 13/ 395. (¬3) انظر: المصدر نفسه. (¬4) انظر: فتاوى شيخ الإسلام 13/ 401. (¬5) انظر: الضياء المبين فيما يتعلق بكلام رب العالمين للإمام التونسي محمد يوسف 50.

هذا الرسم وما جاء فيه من حذف أو إثبات، وزيادة أو نقص أو بدل، فوصفوا هجاء كل كلمة وردت في المصحف العتيق وبخاصة تلك التي تميزت برسم معين، فوصفوها بالعدد والوزن والوصف الدقيق. ومن ثم نشأ علم الرسم، وإن لم يعرف بالعلم كعلم مستقل، ولكن يعد ذلك أصل نشأته. فكانت المصاحف العثمانية التي أرسلها عثمان إلى الآفاق هي المصدر الأول لهذا العلم، وصارت أصل ما يكتب بعد ذلك. ولارتباط القراءة بخط المصاحف تتبع القراء هجاء المصاحف، قال أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ): «ورأوا تتبع حروف المصاحف وحفظها عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها» (¬1). وأوجب الإمام العقيلي الاعتماد على المصاحف الأصول عند نسخ المصاحف فقال: «والقول الحق الذي يجب المصير إليه، أنه لا بد لكل من قصد نسخ مصحف من أصل يعتمد عليه، فإن من وكل إلى نفسه في انتحال مصنوع تعب وزلّ» (¬2). فهذا الغازي بن قيس (ت 199 هـ) عرض مصحفه وصححه على مصحف نافع بن أبي نعيم (ت 169 هـ) ثلاث عشرة مرة أو أربع عشرة مرة (¬3). فأخذ عنه الرسم عمليا وعلميا. ¬

_ (¬1) انظر: فضائل القرآن ورقة 105، البرهان 1/ 380. (¬2) انظر: كتاب مرسوم المصحف للإمام العقيلي ورقة 115. (¬3) انظر: قوله تعالى: حقيق على أن لّا أقول في الآية 104 الأعراف.

مصادر التأليف في الرسم العثماني

وحينئذ وجه الأئمة عنايتهم إلى رسم المصاحف وإقامتها على نحو ما جاء في المصحف الإمام الذي وجه إليهم، فقامت المصاحف المنسوخة من الأمهات مقام الأصول. فروى الأئمة عن المصاحف العثمانية أصولا وفروعا طريقة رسم هجاء الكلمات، وما أن وصلت تلك الرواية إلى عصر انتشار تدوين العلوم، حتى سارع علماء القراءات إلى تسجيل تلك الروايات في كتب، كانت أساسا لحفظ صور هجاء المصاحف، كما فعل ذلك نافع بن أبي نعيم (ت 169 هـ)، والغازي بن قيس (ت 199 هـ)، والمؤلف أبو داود (ت 496 هـ) في مختصر التبيين لهجاء التنزيل. وإلى كل ذلك أشار أبو عبد الله الخراز (ت 718 هـ) في نظمه: ووضع الناس عليه كتبا* كل يبين عنه كيف كتبا (¬1) مصادر التأليف في الرسم العثماني: وإذا تأملنا مصادر هجاء المصاحف، نجد أنها تنحصر في ثلاثة أنواع على الترتيب. أولها المصاحف المنسوخة من الأمهات: وهي النواة الأولى التي عليها مدار التأليف في الهجاء، فأخذ علماء الرسم مادتهم منها، ونقلوا منها وصف هجاء الكلمات القرآنية. ¬

_ (¬1) انظر: تنبيه العطشان ورقة 25، فتح المنان ورقة 14، مجموع البيان في شرح مورد الظمآن للنزوالي الزرهوني ورقة 30، محرر البيان في شرح مورد الظمآن ورقة 25.

والنوع الثاني: الرواية

والنوع الثاني: الرواية: دوّن علماء الرسم ما رأوه في مصاحف بلدهم أو في مصاحف مصر من الأمصار، فوصفوا هجاءها وتناقل العلماء هذه الروايات تبعا لرواية القراءة. والنوع الثالث: الكتب المؤلفة في الرسم بعد عصر التدوين من باب الحرص على كتاب الله، فحفظت لنا هذه المؤلفات صور الكلمات القرآنية ووصف هجائها، وبخاصة تلك التي تميزت بزيادة أو نقص أو بدل، أو حذف أو إثبات. ولسوف نتابع الكلام على الأنواع الثلاثة إن شاء الله. أولا: المصاحف: وقد ظلت المصاحف الأمهات المادة الأولى إلى جانب روايات الأئمة للتأليف في الرسم، فكان العلماء يحملون روايات الرسم ويضيفون إليها ما رأوه في مصاحف أهل بلدهم، أو ربما صححوا بعض الروايات على ما جاء في المصاحف العتق القديمة فيعاضدون الرواية بما تأملوه في المصاحف العتيقة، وقد لاحظت ذلك عند عاصم الجحدري (ت 128 هـ) ويحيى بن الحارث الذماري (ت 145 هـ) وأبي عبيد القاسم (ت 224 هـ)، وأبي حاتم سهل بن محمد (ت 255 هـ) وأبي عمرو الداني (ت 444 هـ) (¬1) وأبي داود سليمان بن نجاح (ت 496 هـ) وغيرهم (¬2). فكان هؤلاء إذا عدموا الرواية أو وجدوا خلافا رجعوا إلى المصاحف الأمهات المظنون بها الصحة. ¬

_ (¬1) انظر: المقنع للداني 15، 16، 88، 66. (¬2) انظر: مختصر التبيين في قوله: اجتباه 121 النحل.

وخير من يمثل هذا الاتجاه أبو عمرو الداني في كتابه «المقنع» وأبو داود في كتابه: «مختصر التبيين». قال الداني: «وتأملت مصاحف أهل العراق» وقال: «تتبعت مصاحف أهل المدينة والعراق العتق القديمة». بل ذكر أنه تتبع المصاحف كلها، فقال: «في المصاحف كلها الجدد والعتق» وقال: «تتبعت ذلك في المصاحف فوجدته على ما أثبته» (¬1). ويشير الداني إلى تتبعه بعض الحركات في المصاحف العتيقة، فيقول: إنه رأى مصحفا جامعا عتيقا، كتب في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة عشر ومائة، كان تاريخه في آخره (¬2). ويقول أيضا: «ورأيت في مصحف كتبه ونقطه حكم بن عمران الناقط ناقط أهل الأندلس في سنة 227 هـ، الحركات نقطا بالحمراء» (¬3). وكذلك أبو داود كان يتتبع بعض الحروف في المصاحف القديمة عند ما يفقد الرواية يتأمل المصاحف، فقال: «تأملتها في المصاحف القديمة» ذكر ذلك عند قوله تعالى: اجتبه (¬4)، فالشيخان حجة في هجاء المصاحف. قال حسين علي الرجراجي (ت 899 هـ): «وإنما الحجة بالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة رضي الله عنهم وهي التي اطلع عليها أبو عمرو الداني وأبو داود، وغيرهما من الشيوخ المقتدى بهم في هذا الشأن» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المقنع 14، 19، 22، 23، 80. (¬2) انظر: المحكم 87. (¬3) انظر: المصدر نفسه. (¬4) من الآية 121 النحل. (¬5) انظر: تنبيه العطشان ورقة 146.

وقد لاحظت أن من أكثر علماء الرسم رجوعا إلى المصاحف العتق المظنون بها متابعة المصاحف العثمانية علم الدين السخاوي (ت 643 هـ)، فيؤكد روايته للرسم برؤيته وتأملاته للمصاحف القديمة العتيقة. روى أبو عمرو الداني بسنده عن أبي الدرداء أن الباء زيدت في الموضعين في قوله تعالى: والزّبر والكتاب المنير (¬1). وذكر عن الأخفش هارون بن موسى (ت 292 هـ) في كتابه أن الباء زيدت في الإمام الذي وجه به إلى الشام: وبالزبر وحدها، قال الداني: «والأول عندي أثبت، لأنه عن أبي الدرداء» (¬2). قال علم الدين السخاوي: «والذي قاله الأخفش هو الصحيح إن شاء الله، لأني كذلك رأيته في مصحف أهل الشام عتيق يغلب على الظن أنه مصحف عثمان، أو هو منقول منه» ثم قال: «وقد كشفته، وتتبعت الرسم الذي اختص به مصحف الشام، فوجدته كله فيه» (¬3). بل إن السخاوي أنكر على من لم يتأمل المصاحف، ويتساهل في إطلاق إجماع المصاحف على حرف ما. فذكر الداني والشاطبي وأبو داود أن قوله تعالى: فخراج ربّك (¬4) في جميع المصاحف بالألف (¬5). ¬

_ (¬1) من الآية 184 آل عمران. (¬2) انظر: المقنع للداني 102. (¬3) انظر: الوسيلة ورقة 27. (¬4) من الآية 72 المؤمنون. (¬5) انظر: المقنع 96، تلخيص الفوائد لأبي البقاء 33.

قال علم الدين السخاوي: «وقد رأيت أنا في المصحف العتيق الشامي الذي ذكرته فيما تقدم: «فخرج بغير ألف، ولقد كنت قبل ذلك أعجب من ابن عامر، كيف تكون الألف ثابتة في مصحفهم، ويسقطها في قراءته، حتى رأيتها في هذا المصحف، فعلمت أن إطلاق القول بأنها في جميع المصاحف بألف ليس بجيد، ولا ينبغي لمن لم يطلع على جميعها دعوى ذلك» (¬1). بل إنه توسع في الرجوع إلى المصاحف، وشملت تأملاته ورؤيته المصاحف المكية والمدنية والعراقية والمصحف الإمام، ولم يقتصر على المصحف الشامي (¬2). فالإمام السخاوي وغيره، لا يكتفى برواية الرسم، وما تلقاه من شيوخه بالرواية، بل يؤكد ذلك برؤيته ومشاهدته للمصحف الإمام العتيق. وأحيانا يتأمل المصاحف ولا يقتصر على البعض كما نص على ذلك بقوله: «فإني قد كشفت جملة من المصاحف» (¬3) ومن ذلك مثلا أن أبا عمرو الداني ذكر أن الألف مرسومة بعد الواو في قوله تعالى: سبع سموات (¬4). قال علم الدين السخاوي: «وهذا الذي ذكره أبو عمرو الداني فيه نظر، فإني كشفت المصاحف القديمة التي يوثق برسمها وتشهد الحال بصرف ¬

_ (¬1) انظر: الوسيلة ورقة 36. (¬2) انظر: الوسيلة 46، 47، 49، 51، 59. (¬3) انظر: الوسيلة ورقة 74. (¬4) من الآية 11 فصلت، المقنع ص 19.

العناية إليها، فإذا هم قد حذفوا فيها الألفين من: سموت في فصلت كسائر السور، وكذلك رأيتها في المصحف الشامي ... » (¬1). وهذا المصحف الذي ينقل منه الإمام السخاوي ذكره الإمام أبو شامة الدمشقي (ت 665 هـ) أنه رآه، فقال: «وكذا رأيته أنا في مصحف عندنا بدمشق، هو الآن بجامعها بمشهد علي بن الحسين، يغلب على الظن أنه المصحف الذي وجهه عثمان رضي الله عنه إلى الشام، ورأيته كذلك في غيره من مصاحف الشام العتيقة» (¬2) وكذا رآه الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) وحدد مكانه، فقال: «وأما المصاحف العثمانية، فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما، بخط حسن مبين قوي، بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم زاده الله تشريفا وتعظيما وتكريما» (¬3). وكذا ذكر الحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) أنه رآه وحدد مكانه، فقال: «هو بالمشهد الشرقي الشمالي، الذي يقال له مشهد علي بالجامع الأموي من دمشق المحروسة، وأخبرنا شيوخنا الموثوق بهم، أن هذا المصحف كان أولا بالمسجد المعروف ب: «الكوشك» داخل دمشق الذي جدد عمارته ¬

_ (¬1) انظر: الوسيلة ورقة 45. (¬2) انظر: إبراز المعاني لأبي شامة 406. (¬3) انظر: فضائل القرآن 46.

الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله، وأن السخاوي رحمه الله كان سبب مجيئه إلى هذا المكان من الجامع» (¬1)، وكذلك الحافظ ابن الجزري كان يتأمل بعض الحروف في المصاحف الأمهات فقال: «ثم رأيتها- يبنؤمّ (¬2) - بالمصحف الكبير الشامي الكائن بمقصورة الجامع الأموي المعروف بالمصحف العثماني، ثم رأيتها بالمصحف الذي يقال له الإمام بالديار المصرية، وهو الموضوع بالمدرسة الفاضلية داخل القاهرة» (¬3). فهذه المصاحف حظيت بالرعاية والتقدير، ونسخ الناس عنها مصاحفهم، فالنظر في المصاحف، وتأمل هجاء حروفها هو أصل الرواية، لأن المصاحف سابقة على الرواية. فالمصاحف الأمهات ظلت ولا تزال مصدرا لكتابة المصاحف ومصدرا للتأليف والتصنيف، فحفظت لنا وصفا دقيقا لهجاء الكلمات القرآنية عمليا في النسخ التي كتبت نقلا عن المصاحف العثمانية، ومطابقة لها، وعلميا برواية صفة تلك الهيئة الإملائية التي كتبت بها المصاحف العثمانية وصفا دقيقا، وهذا ما سيتجلى في المبحث الآتي. ¬

_ (¬1) انظر: النشر لابن الجزري 1/ 455. (¬2) من الآية 92 طه. (¬3) انظر: النشر 1/ 455، 456.

ثانيا: الرواية

ثانيا: الرواية: إن المؤلفات المتقدمة في رسم المصحف لم يصل إلينا منها شيء، إلا أن بعض المؤلفات في هجاء المصاحف التي تأتي متأخرة، قد نقلت ما جاء في تلك الكتب رواية، فنجد المؤلف يسند ما يذكره في كتابه إلى الأئمة المتقدمين، إضافة إلى ما قد يدونه من رؤيته وملاحظته، ونقله عن مصاحف عصره. وإني قد لاحظت أن رواية الرسم سارت جنبا إلى جنب مع رواية القراءة، بل إن الرسم عده علماء القراءات ركنا من أركان قبول القراءة، لذلك نجد أن المؤلفين في القراءات لم تخل كتبهم من الكلام على الرسم، فعقدوا له بابا، وما ذلك إلا لبيان أن الرسم له تعلق كبير بالقراءة. قال أبو العباس المهدوي (ت 430 هـ): «إذ لا يصح بعض ما اختلف القراءة فيه دون معرفته» (¬1) أي رسم المصاحف فقد ظهر في كل مصر من الأمصار إمام روى ما في مصحف بلده، وكان يومها لا يفصل بين رواية القراءة ورواية الرسم، فقد روى أئمة القراءات وصف هجاء الكلمات إلى جانب روايتهم للقراءات، لشدة الصلة الوثيقة بين الرسم والقراءة. وكما كانت المدينة النبوية دارا للسنة، كانت قبل ذلك ومعه دارا للقرآن، قراءاته ورسمه. فكان من أهل المدينة ممن روى الرسم عبد الرحمن بن هرمز ¬

_ (¬1) انظر: كتاب هجاء مصاحف الأمصار ص 75.

الأعرج المدني (ت 117 هـ)، تابعي جليل روى الرسم عن نافع وعن مصاحف أهل المدينة (¬1). إلا أن إمام المدينة في الرسم هو نافع بن أبي نعيم المدني (ت 169 هـ)، قرأ على سبعين من التابعين، فكان أكثر من غيره في رواية رسم هجاء أهل المدينة. قال أبو بكر اللبيب: «فكان المصحف الذي أعطاه عثمان رضي الله عنه لأهل المدينة لا يزال عنده، فبكثرة مطالعته له، ومواظبته إياه، تصوره في خلده، فلم تؤخذ حقيقة الرسم إلا عن نافع» (¬2). ونقل عنه تلاميذه ما رواه في هجاء المصاحف، فكانوا أئمة في ذلك برواية أستاذهم الأول. قال اللبيب: «وعنه [أي نافع] أخذ الغازي بن قيس وعطاء بن يسار وحكم الناقط وغيرهم» (¬3). إضافة إلى ما نقلوه بأنفسهم عن مصاحف المدينة مما شاهدوه ورأوه. ومنهم سليمان بن مسلم بن جماز، المتوفى بعد 170 هـ، قرأ مصحف عثمان وروى منه (¬4). ومنهم خالد بن إياس بن صخر بن أبي الجهم (ت 224 هـ)، ذكر أنه قرأ مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، فوجد فيه مما يخالف ¬

_ (¬1) انظر: المقنع للداني 40، غاية النهاية 1/ 381. (¬2) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 11، الوسيلة 19. (¬3) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 11. (¬4) انظر: المصاحف لابن أبي داود 46، 47، 51.

مصاحف أهل المدينة اثني عشر حرفا (¬1). ومنهم إسماعيل بن جعفر المدني (ت 180 هـ)، روى عن مصاحف أهل الحجاز وأهل العراق (¬2). ومنهم عيسى بن مينا قالون (ت 220 هـ)، أكثر من رواية الرسم والقراءة، فقال: «قرأت على نافع قراءته غير مرة، وكتبتها في كتابي» (¬3). أقول: وقد ضمن أبو عمرو الداني هذه الروايات في كتابه المقنع (¬4)، إلا أن الغازي بن قيس (ت 199 هـ) أكثر منه رواية في الرسم عن نافع. ومن الملازمين له. روى الرسم عن مصاحف أهل المدينة، وهو المعتمد في النقل عنها، وضمن هذه الروايات في كتابه: «هجاء السنة»، وقد سبق أن ذكرنا أنه صحح مصحفه على مصحف نافع ثلاث عشرة مرة أو أربع عشرة مرة (¬5). واعتمد عليه أبو داود في الرواية والنقل عند الاختلاف كما يتبين ذلك في منهجه ومصادره. وظهر في مدينة البصرة عاصم بن أبي الصباح الجحدري (ت 128 هـ)، وهو من المكثرين لرواية الرسم، روى عن المصحف الإمام وقرأه، وتأمل ¬

_ (¬1) انظر: المصاحف 46، المقنع 35. (¬2) انظر: المقنع ص 108، 109، 112، غاية النهاية 1/ 193. (¬3) انظر: غاية النهاية 1/ 615. (¬4) انظر: المقنع للداني ص 10. (¬5) تقدمت الإشارة إليه، وسيأتي في آخر سورة يونس.

ما فيه من الهجاء، ونقل عنه الداني، وكان يقول: «رأيت في مصحف عثمان»، ويقول: «كل شيء في الإمام مصحف عثمان»، وأكثر إحالاته التي وردت في المقنع على المصحف الإمام (¬1). وروى عنه المعلى بن عيسى الوراق، وكان يسأله عن هجاء بعض الحروف. وكان ممن روى عنهما هجاء المصاحف من أهل البصرة إمام القراءة فيها أبو عمرو بن العلاء (ت 154 هـ) روى عن مصاحف أهل المدينة والحجاز وغيرها. ومن البصريين أيضا أيوب بن المتوكل (ت 200 هـ)، روى عن مصاحف أهل المدينة، وأهل الكوفة وأهل مكة وعتق مصاحف أهل البصرة (¬2). ومنهم يحيى بن المبارك اليزيدي، (ت 202 هـ)، روى عن مصاحف أهل المدينة، ومكة والحجاز. ومنهم: خالد بن خداش، (ت 224 هـ)، نقل عن المصحف الإمام ورآه، وروى منه (¬3). وكان في الكوفة من أئمة الرواية في الرسم المقرئ الإمام حمزة بن حبيب الزيات، (ت 156 هـ)، وردت عنه روايات في الرسم نقلها الداني في المقنع، وكذا وردت روايات في الرسم عن علي بن حمزة الكسائي ¬

_ (¬1) انظر: المقنع ص 15. (¬2) انظر: المقنع ص 39. (¬3) انظر: المقنع ص 35، 16، 34 وغيرها.

أجل أصحابه، وذكر أنه رأى بعض مصاحف الصحابة كأبي بن كعب رضي الله عنهم، وروى عن مصاحف أهل الكوفة، وأهل المدينة، وأهل البصرة (¬1). ومن أهل الكوفة أيضا خلف بن هشام البزار أبو محمد، (ت 229 هـ)، وهو من المكثرين في رواية الرسم، ومن المتوسعين في الرواية، وردت عنه روايات عن مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، بل ذكر أنه طالع في عصره المصاحف كلها الجدد والعتق (¬2). ومنهم علي بن زيد بن كيسة (ت 202 هـ)، ويحيى بن زياد الفراء الكوفي (ت 207 هـ)، وأبو جعفر محمد بن سعدان الداني الضرير (ت 281 هـ)، وردت عن هؤلاء روايات في الرسم في المقنع (¬3). ونجد في الشام أن الصحابي الجليل أبا الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري (ت 32 هـ) وردت عنه روايات في الرسم عن مصحف أهل الشام، نقل عنه الداني بسنده في المقنع (¬4)، ولا شك أنه تلقى المصحف الذي أرسله عثمان إلى الشام، وأخذ عنه عبد الله بن عامر الشامي، إضافة إلى ما روي عنه من روايات في رسم مصحف بلده، وروى عنه يحيى بن الحارث الذماري (ت 145 هـ)، وروى عن المصحف الإمام (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المقنع للداني 66، المصاحف 57. (¬2) انظر: المقنع ص 38. (¬3) المقنع ص 38، 74. (¬4) انظر: المقنع 79. (¬5) انظر: المقنع 90.

وممن روى عنه في الرسم من أهل الشام هشام بن عمار ت 245 هـ (¬1). وظهر في بغداد إمام الأئمة أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ)، وغالب ما يرويه في الهجاء عن المصحف الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، فنص على ذلك بقوله: «رأيت في الإمام، مصحف عثمان ابن عفان، استخرج لي من بعض خزائن الأمراء». وكان يكثر من قوله في وصف هجاء بعض الحروف: «ثم تأملتها في الإمام فوجدتها» ثم يذكر ما رآه وشاهدوه، فهذا يدل على أنه اطلع على المصحف الإمام ورآه، وتأمل وصف هجاء بعض الحروف فيه. ونقل أبو عمرو الداني وأبو داود هذه الروايات في كتابيهما: «المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار»، و «مختصر التبيين لهجاء التنزيل (¬2)». وذكر أبو بكر اللبيب أن أبا عبيد رأى المصحف الإمام، وذكر في كتابه المعروف بفضائل القرآن (¬3) أنه تصفحه كله، ورقة ورقة (¬4). إلا أن نافع بن أبي نعيم يروي عن مصحف أهل المدينة، وأبو عبيد يروي عن الإمام مصحف عثمان بن عفان، فإن المصحف الذي رآه أحدهما ونقل منه غير المصحف الذي رآه الآخر ونقل منه. وبتقدم الزمن، وزيادة الاتصال عن طريق الرحلة لطلب العلم وأداء ¬

_ (¬1) انظر: المقنع 52، 88. (¬2) انظر: المقنع 15، 21، 42، مختصر التبيين. (¬3) حقق في رسالة علمية في جامعة أم القرى بمكة. (¬4) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 11.

الحج، توسع علماء الرسم في الرواية، فشمل ما يرويه العالم من مصحف أهل بلده جميع مصاحف الأمصار. فهذا أبو عبيد القاسم يروي عن جميع مصاحف الأمصار، فعقد فصلا في كتابه فضائل القرآن عن اختلاف مصاحف أهل الحجاز، وأهل العراق، وأهل الشام، وأهل الكوفة والبصرة (¬1). وهذا نصير بن يوسف النحوي يروي أيضا عن جميع المصاحف المدنية والبصرية والكوفية، وما يكتب بالشام وما يكتب بمدينة السلام (¬2). فتوفرت روايات عن هجاء مصاحف الأمصار لدى العلماء، وحينئذ أفرده بالتأليف جماعة، اهتماما بشأنه، فصنفوا فيه كتبا ومؤلفات، حفظت لنا رسمه وهجاءه. وننتقل الآن إلى تتبع هذه المؤلفات وذكرها حسب التسلسل التاريخي، وحسب ما تيسر لي، والله الموفق. ¬

_ (¬1) انظر: فضائل القرآن ورقة 93. (¬2) انظر: المصاحف 117، المقنع 83، غاية النهاية 2/ 340.

ثالثا: الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف

ثالثا: الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف: ومن المؤلفين في اختلاف المصاحف والهجاء عبد الله بن عامر اليحصبي المتوفى 118 هـ أحد القراء السبعة. صنف كتابا في مقطوع القرآن وموصوله، وكتابا في اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق، ذكر ذلك ابن النديم (¬1) وروى أبو عمرو الداني بسنده عن عبد الله بن عامر حروفا عن مصاحف أهل الشام (¬2). وذكر ابن النديم كتبا في هجاء المصاحف، فقال: الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف، ونسب كتابا منها إلى يحيى بن الحارث الذماري (¬3) راوي ابن عامر المتوفى 145 هـ (¬4)، وفعلا وردت عنه روايات في الرسم من الأمهات رواها أبو عمرو (¬5). وألف أبو عمرو بن العلاء البصري المتوفى 154 هـ كتابا في مرسوم المصحف (¬6). وألف أبو الحسن الكسائي (ت 180 هـ) كتابا في الهجاء ذكره إسماعيل باشا (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الفهرست 38، 39. (¬2) انظر: المقنع ص 110. (¬3) الفهرست 39. (¬4) انظر: غاية النهاية 2/ 367. (¬5) انظر: المقنع لأبي عمرو 90، 102، 110. (¬6) مخطوط في مكتبة أيا صوفيا تركيا رقم 4814. وانظر: معجم الدراسات 547، والفهرس الشامل 1 رسم المصحف. (¬7) إيضاح المكنون 4/ 450.

وذكر له ابن النديم كتابا في مقطوع القرآن وموصوله (¬1). ومن البارزين في علم هجاء المصاحف الغازي بن قيس أبو محمد الأندلسي، المتوفي 199 هـ، صنف كتابا في هجاء المصاحف سماه" هجاء السنة" روى فيه الهجاء عن مصاحف أهل المدينة، ذكره أبو عمرو الداني ونقل منه في مواضع كثيرة، ورآه فقال: «ورأيت هذه المواضع في كتاب هجاء السنة» واعتمد عليه المؤلف أبو داود ونقل عنه، وذكر اللبيب «أنه طالع بعضا منه قبل أن يشرع في شرحه على العقيلة» (¬2) ومن المؤلفين في هجاء المصاحف حكم بن عمران الأندلسي القرطبي (¬3) نقل عنه أبو داود ونسب له كتابا في الرسم ولم يسمه، إلا أنني من خلال التتبع للناقلين عنه وجدت أبا بكر اللبيب في شرحه على العقيلة سمّى كتابه فقال «وقال حكم الناقط في سبيل الأعراف إلى ضبط المصحف» (¬4) ولقد عثرت على نص يقرب بيان عصر المؤلف، سيأتي بعد، وفيه أن حكما الناقط أخذ عن نافع الرسم. ولعطاء بن يسار الأندلسي (¬5) كتاب في هجاء المصاحف نص عليه أبو بكر اللبيب في شرحه على العقيلة وذكر أنه طالعه وسماه: «الدر المنظوم في معرفة المرسوم» (¬6)، ثم ذكر له كتابا آخر، فقال: «وقال عطاء بن يسار في كتاب اللطائف في علم رسم المصاحف». ¬

_ (¬1) الفهرست 39. (¬2) انظر: المقنع 22، 51. الدرة الصقيلة 5. غاية النهاية 2/ 2. (¬3) لم أقف على ترجمته، واستفدت هذا الاسم من شرح الرجراجي 91. (¬4) انظر: الدرة الصقيلة 46. (¬5) لم أقف على ترجمته، وإنه روى عن نافع المتوفى 170 هـ بخلاف في ذلك. (¬6) الدرة الصقيلة ورقة 5، 11، 51.

وذكر أبو عمر أحمد الطلمنكي صاحب كتاب علم المصاحف أنه رآه فقال: «رأيت في كتاب اللطائف في علم رسم المصاحف لعطاء بن يسار» (¬1). ولقد ظفرت بنص يقرب معرفة عصره الذي عاش فيه، قال اللبيب: «فلم تؤخذ حقيقة الرسم إلا عن نافع، وعنه أخذ الغازي بن قيس، وعطاء بن يسار، وحكم الناقط، وغيرهم» (¬2). ومن المؤلفين في اختلاف المصاحف أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء المتوفى سنة 207 هـ. ذكر له ابن النديم كتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف، وله: «آلة الكتاب» و «الوقف والابتداء» وغيرها من المؤلفات (¬3). ومن حين لآخر نجد له بعض الوصف لهجاء المصاحف في كتابه معاني القرآن (¬4). وألف أبو الحسن علي بن محمد المدائني (ت 225 هـ) (¬5) كتابا في هجاء المصاحف ذكره ابن النديم وسماه بقوله: «وكتابا في اختلاف المصاحف للمدائني» (¬6). ¬

_ (¬1) الدرة الصقيلة 18، 46. (¬2) الدرة الصقيلة 11. (¬3) الفهرست لابن النديم 38، 39. (¬4) معاني القرآن 1/ 439. (¬5) انظر: تاريخ بغداد 12/ 54، سير أعلام النبلاء 10/ 400، معجم الأدباء 14/ 128. (¬6) انظر: الفهرست لابن النديم 38، 39، 61.

ومن المؤلفين في اختلاف المصاحف خلف بن هشام البزار المتوفى سنة 229 هـ (¬1). روى عن الكسائي، ذكر ابن النديم أنه ألف كتاب اختلاف المصاحف (¬2). ولقد رأيت له روايات في الرسم ذكرها أبو عمرو الداني (¬3). ومن العلماء الذين ألفوا في موضوع هجاء المصاحف نصير بن يوسف ابن أبي نصر أبو المنذر الرازي، ثم البغدادي النحوي المتوفى 240 هـ. نقل ابن الجزري عن أبي عبد الله الحافظ، فقال: «كان من الأئمة الحذاق، لا سيما في رسم المصحف، وله فيه تصنيف» ثم قال ابن الجزري: «مصنفه هذا رواه» (¬4). ونقل عنه أبو عمرو الداني مواضع كثيرة بل أبوابا في المقنع (¬5)، ومثله ابن أبي داود في المصاحف (¬6)، كما نقل عنه أبو داود في التنزيل. وصنف كتاب الجامع في القراءات، وكتابا في العدد وفي الرسم. وممن صنف وألف في هجاء المصاحف: محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين أبو عبد الله التيمي الأصبهاني المتوفى 242 هـ. ¬

_ (¬1) انظر: غاية النهاية 1/ 273. (¬2) انظر: الفهرست 38، 39. (¬3) انظر: المقنع ص 107 وغيرها. (¬4) غاية النهاية 2/ 341. (¬5) المقنع 92 وغيرها. (¬6) المصاحف 117.

ذكر له ابن الجزري كتابا في الرسم (¬1)، ونقل أبو عمرو الداني عنه في مواضع كثيرة في المقنع (¬2)، وكذا ابن أبي داود في المصاحف (¬3). كما ذكره الذهبي (¬4). كما نقل منه وسماه أبو محمد عبد الله بن عمر الصنهاجي، فقال: «وقال محمد بن عيسى الأصبهاني في كتابه في هجاء المصاحف» (¬5)، وفعل مثله ابن عاشر (¬6). بل إن علم الدين السخاوي ذكر أنه رآه، قال: «وكذلك رأيته أنا في كتاب محمد بن عيسى الأصبهاني» (¬7). ومن مصنفات هجاء المصاحف ما ذكره أبو بكر اللبيب في شرحه على العقيلة، فقال: «قال الشارح رأيت في تلمسان عند شيخي أبي عبد الله ابن خميس رحمه الله: الدر المنظوم في رسم القرآن العظيم ونسيت المؤلف، وأظنه الطلمنكي» (¬8). ولعل الصواب هو كتاب «الدر المنظوم في معرفة المرسوم» لعبد الله بن سهل، وسماه في بعض المواضع: «الدر المنظم في معرفة المرسوم» (¬9)، وسماه صاحب التبيان أبو محمد الصنهاجي بقوله: «صاحب الدر المنظوم في علم معرفة المرسوم» (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: غاية النهاية 2/ 224. (¬2) المقنع 83 وغيرها وسماه أيضا. (¬3) المصاحف 117 وغيرها. (¬4) معرفة القراء 1/ 223. (¬5) التبيان لابن آجطا 25. (¬6) فتح المنان 27. (¬7) الوسيلة للسخاوي 30، 34. (¬8) الدرة الصقيلة ورقة 41. (¬9) الدرة الصقيلة ورقة 45، 18. (¬10) التبيان لابن آجطا 144.

وقوله: «وأظنه الطلمنكي» ليس صحيحا، لأن الطلمنكي كتابه يعرف باسم «كتاب علم المصاحف» كما سأذكره. وألف أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني المتوفى 255 هـ كتابا في اختلاف المصاحف (¬1)، وكتابا في الهجاء (¬2)، ووردت عنه روايات في الرسم عن المصاحف الأمهات ونقل منها، روى عنه ابن أبي داود وأبو عمرو الداني في مواضع من كتابيهما، وذكر أنه رأى مصحف عثمان رضي الله عنه (¬3). ومن المؤلفين في مقطوع القرآن وموصوله حمزة بن حبيب بن عمارة الكوفي التيمي أحد القراء السبعة المتوفى سنة 256 هـ. ذكر له ابن النديم كتابا في موصول القرآن ومقطوعه تحت ترجمة الكتب المؤلفة في موصول القرآن ومقطوعه (¬4). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف أبو العباس أحمد بن إبراهيم ابن عثمان الورّاق، وراق خلف مشهور، توفي في حدود 270 هـ (¬5)، ذكر له ابن النديم تأليفا في هجاء المصاحف (¬6). ومن المؤلفين في الهجاء محمد بن يزيد المبرد المتوفى 285 هـ له كتاب في الخط والهجاء وتصانيف أخرى (¬7). ¬

_ (¬1) مخطوط في مكتبة برلين في ألمانيا رقم 450 الرابع 3. (¬2) إيضاح المكنون 4/ 350، الفهرست 59، كشف الظنون 1/ 33، بغية الوعاة 1/ 606. (¬3) انظر: المقنع 66، 99، 92، المصاحف 57، 129. (¬4) انظر: الفهرست 39، غاية النهاية 1/ 216. (¬5) انظر: غاية النهاية 1/ 34. (¬6) الفهرست لابن النديم 39، 36. (¬7) انظر: الفهرست 65.

وألف أبو العباس أحمد بن زيد ثعلب المتوفى 291 هـ كتابا في القراءات وفي الوقف والابتداء، وكتابا في الهجاء، وغيرها (¬1). وصنف أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الكسائي المتوفى 297 هـ كتبا. منها: كتاب معاني القرآن، وكتاب القراءات، وكتاب العدد، وكتاب مقطوع القرآن وموصوله، وكتاب الهجاء، وغيرها (¬2). وكتاب اختلاف مصاحف أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة (¬3). وألف أبو عبد الله المفجع بن محمد بن عبد الله الكاتب البصري كتابا في الهجاء، ذكر ابن النديم أن له كتابا في الهجاء وغيره. لقي ثعلب (ت 291 هـ) وأخذ عنه (¬4). ومن المؤلفين في الهجاء أبو بكر محمد بن عثمان الجعد صاحب ابن كيسان المتوفى 299 هـ، صنف كتابا في القراءات، وكتابا في معاني القرآن، وكتاب الهجاء، وغيرها (¬5). وألف أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن كيسان المتوفى 299 هـ كتابا في الوقف والابتداء، وكتاب القراءات، وكتاب الهجاء، وغيرها (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الفهرست 81. (¬2) انظر: الفهرست 81. (¬3) انظر: الفهرست 38، 39. (¬4) انظر: الفهرست 91. (¬5) انظر: الفهرست 90 وهدية العارفين 6/ 23. (¬6) انظر: الفهرست 89.

ومن المصنفين في هجاء المصاحف يعقوب بن أبي شيبة (¬1) ذكر له ابن النديم كتابا في هجاء المصاحف (¬2). ومن المؤلفين في اختلاف المصاحف أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني المتوفى 316 هـ. ذكر له ابن النديم كتاب اختلاف المصاحف (¬3) وله كتاب المصاحف (¬4). ومن المؤلفين في اختلاف المصاحف محمد بن عبد الرحمن بن محمد أبو جعفر الأصبهاني شيخ ابن مجاهد ت 324 هـ (¬5) ذكر له ابن النديم كتابا في اختلاف المصاحف (¬6). ومن أكثر المهتمين برواية الرسم والتأليف فيه أبو بكر محمد بن القاسم ابن بشار الأنباري المتوفى 327 هـ ألف وصنف في هجاء المصاحف، فله كتاب الهجاء ذكره ابن النديم، وياقوت الحموي، والسيوطي، وكتاب الرد على من خالف مصحف عثمان ذكره ابن النديم وابن خلكان (¬7). ورأيت له كتابا مختصرا مخطوطا بعنوان: «كتاب فيه مرسوم الخط، ¬

_ (¬1) لم أقف له على ترجمة. (¬2) انظر: الفهرست 39. (¬3) الفهرست 38، 39. (¬4) طبعته دار الكتب العلمية بيروت ط 1 سنة 1405 هـ. (¬5) انظر: غاية النهاية 2/ 166. (¬6) انظر: الفهرست لابن النديم 38، 39. (¬7) انظر: الفهرست 75، معجم الأدباء 18/ 313، بغية الوعاة 1/ 214، وفيات الأعيان 3/ 463، إيضاح المكنون 4/ 350.

وما اختلف فيه قراء الأمصار وما اتفقوا عليه من ذلك على التمام والكمال» (¬1)، وله كتاب فيه مرسوم الخط (¬2)، وله كتاب في المقطوع والموصول (¬3)، وله كتاب اللامات، وكتاب الهاءات، وكتب أخرى تتعلق بالمصاحف والقراءات (¬4). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف: أبو بكر محمد بن الحسن المشهور بابن مقسم النحوي المتوفى 332 هـ. ألف كتابا في هجاء المصاحف اسمه: «كتاب علم اللطائف في هجاء المصاحف»، وله أيضا كتاب المصاحف. سمى كتابه الأول ونقل منه علم الدين السخاوي، فقال: «وقال ابن مقسم النحوي في كتابه المسمى بكتاب علم اللطائف في هجاء المصاحف»، وسمى كتابه الثاني ابن النديم (¬5) وذكره إسماعيل باشا باسم: «اللطائف في جمع همزة المصاحف» وهو تصحيف والصواب أن اسمه: «اللطائف في جمع رسم المصاحف»، وله كتب أخرى في القراءات والعدد والوقف والابتداء وغيرها (¬6). وصنف أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه المتوفى سنة 347 هـ كتابا في الهجاء، ذكر ذلك أبو بكر محمد الزبيدي الأندلسي (ت 379 هـ) ¬

_ (¬1) مخطوط على فيلم رقم 1469 بالجامعة الإسلامية. (¬2) مخطوط في مكتبة رامبور الهند رقم 279 رسم الخط. (¬3) مخطوط في مكتبة رامبور الهند رقم 385 رسم الخط. (¬4) انظر: الفهرست 82، هدية العارفين 6/ 35. (¬5) انظر: الوسيلة 59، الفهرست 36، معجم الأدباء 18/ 153، بغية الوعاة 1/ 90. (¬6) انظر: هدية العارفين 6/ 47، 48.

فقال: «ومنها كتابه في الهجاء، وهو فائق في معناه غريب في مغزاه» (¬1). وذكره ابن النديم وإسماعيل باشا (¬2). وله كتاب الكتاب أيضا في الهجاء (¬3). وألف أبو الحسن أحمد بن سعد الكاتب الأصبهاني المتوفى في حدود 350 هـ كتاب الهجاء، ذكره حاجي خليفة (¬4). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ابن أشتة الأصبهاني المتوفى 360 هـ له كتابان في علم هجاء المصاحف: الأول: كتاب علم المصاحف، والثاني: كتاب المحبّر. وصفه ابن الجزري بقوله: «وكتابه المحبّر كتاب جليل يدلّ على عظم مقداره». وذكر أبو بكر اللبيب أنه طالع الكتابين، ونقل منهما في شرحه على العقيلة، فقال: «وذكره ابن أشتة في كتاب المحبّر، وفي كتاب علم المصاحف» (¬5). وألف أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري، المتوفى 381 هـ، صاحب كتاب الغاية في القراءات العشر، كتابا في هجاء المصاحف (¬6)، نقل منه وذكر أنه اعتمد عليه صاحب كتاب في الهجاء، لم يرد اسمه في المخطوطة. ذكر في آخره خمسة عشر كتابا استخرج كتابه في الهجاء منها ¬

_ (¬1) انظر: طبقات النحويين واللغويين ص 116. (¬2) انظر: الفهرست 68، هدية العارفين 5/ 446. (¬3) مطبوع في دار الكتب الثقافية في الكويت. (¬4) كشف الظنون 2/ 1471. (¬5) انظر: الدرة الصقيلة 21، 5، غاية النهاية 2/ 184، كشف الظنون 2/ 1459. (¬6) انظر: النشر 2/ 128.

وسردها، ومنها كتاب الهجاء لابن مهران (¬1). وألف أبو الحسن علي بن عيسى الرماني المتوفى 384 هـ كتابا في الهجاء ذكره إسماعيل باشا (¬2). وذكر له ابن النديم تصنيفا في الهجاء، فقال: «له كتاب الهجاء وكتاب الألفات في القرآن» ثم عدد بقية مؤلفاته (¬3). ومن العلماء الذين لهم تصنيف في الهجاء أبو عمرو أحمد بن محمد ابن عبد الله بن لب بن يحيى الطلمنكي الأندلسي المتوفى 429 هـ (¬4) له كتاب الروضة في القراءات، وكتاب علم المصاحف، ونقل منه أبو بكر اللبيب مواضع كثيرة في شرحه على العقيلة وسماه بقوله: «قال الطلمنكي في كتاب علم المصاحف (¬5)» بل ذكر أنه رآه حيث قال: «وكذلك رأيتها أيضا في كتاب الطلمنكي» (¬6). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف أبو العباس أحمد بن عمّار المهدوي المتوفى بعد 430 هـ، ألف كتابا في هجاء مصاحف الأمصار بعنوان: «جزء فيه هجاء مصاحف الأمصار على غاية التقريب والاختصار» (¬7). ¬

_ (¬1) كتاب الهجاء مخطوط 38 ورقة رقم 3840 فيلم بمخطوطات الجامعة الإسلامية. (¬2) إيضاح المكنون 4/ 350. (¬3) انظر: الفهرست 69. (¬4) انظر: معرفة القراء 1/ 322، غاية النهاية 1/ 120. (¬5) الدرة الصقيلة 11. (¬6) الدرة الصقيلة 21، وانظر ورقة 20، 27، 33، 34، 38، 40، 48 وغيرها. (¬7) حققه محيي الدين عبد الرحمن رمضان، ونشرته مجلة معهد المخطوطات، المجلد 19، الجزء الأول، ربيع الآخر 1393 هـ/ 1973 م.

وصنف أبو محمد مكي بن أبي طالب حمّوش بن محمد القيسي المتوفى 437 هـ كتابا في هجاء المصاحف ذكره ياقوت (¬1) وسماه القفطي: «علل هجاء المصاحف» (¬2). وله كتاب الاختلاف في الرسم من: «هؤلاء» والحجة لكل فريق (¬3). ومن المصنفين في هجاء المصاحف الشيخ إسماعيل بن ظاهر بن عبد الله أبو طاهر العقيلي، إمام في فن القراءات، ألّف كتابا في هجاء المصاحف بعنوان: «مختصر في رسم المصحف الشريف» (¬4). وصفه ابن الجزري بقوله: «له كتاب في الرسم من أحسن ما ألف في ذلك» (¬5). ومن المصنفين في هجاء المصاحف الإمام أبو عبد الله محمد بن يوسف ابن أحمد بن معاذ الجهني القرطبي الأندلسي المتوفى 442 هـ ألّف كتابا في هجاء المصاحف سمي ب: «كتاب البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان» (¬6). ولقد بلغ التأليف ذروته في هجاء المصاحف بما كتبه الشيخان الكبيران أبو عمرو الداني وأبو داود سليمان بن نجاح. فأبو عمرو الداني عثمان بن سعيد ألّف كتبا في هجاء المصاحف وفي القراءات وغيرها. ¬

_ (¬1) انظر: معجم الأدباء 7/ 175. (¬2) أنباه الرواة 3/ 318. (¬3) مقدمة الكشف 1/ 25. (¬4) منه نسخة في دار الكتب المصرية 260 قراءات، وأخرى في المكتبة الأزهرية. (¬5) انظر: غاية النهاية 1/ 165. (¬6) حققه الدكتور غانم قدوري الحمد، ونشرته مجلة المورد، المجلد 15، العدد 4، سنة 1407 هـ/ 1986 م.

قال أبو بكر اللبيب: «رأيت لأبي عمرو الداني رحمه الله في برنامج مائة وعشرين تأليفا، منها في الرسم أحد عشر كتابا، وأصغرها حجما المقنع». وهو من أشهر كتبه المطبوعة، واسمه الكامل: «المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار»، وجاء في آخره: «تمّ كتاب الهجاء في المصاحف». وأشار الداني في المقنع إلى أن له كتابا آخر بين فيه علل مرسوم المصاحف. فقال: «وعلل ذلك مبيّنة في كتابنا الكبير» (¬1). وقال أبو محمد عبد الله بن عمر الصنهاجي الشارح الأول: «سمعت الناظم مرارا يقول: إنهما مقنعان لأبي عمرو أحدهما أعظم جرما من الآخر، وأظن هذا الذي بأيدي الناس هو الكبير، وهو مفيد في الرسم، عليه اعتمد كثير» وكان يقول: «إنه رآه في مقدار أربعين ورقة» (¬2). وذكر اللبيب في مقدمة شرحه أنه طالع لأبي عمرو ثلاثة كتب في الرسم: المقنع، والمحكم، والتحبير (¬3). فلعل كتاب التحبير هو الكتاب الكبير والله أعلم. وألّف أيضا كتاب الاقتصاد في رسم المصحف، وهو أرجوزة (¬4) في مجلد. وله رسالة في رسم المصحف (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: المقنع للداني ص 30. (¬2) انظر: التبيان في شروح مورد الظمآن ورقة 32. (¬3) انظر: الدرة الصقيلة للبيب ورقة 2. (¬4) انظر: غاية النهاية 1/ 505، كشف الظنون 1/ 135، هدية العارفين 1/ 653. (¬5) مخطوطة في مكتبة الأوقاف ببغداد رقم 3/ 2405 مجاميع.

والشيخ الثاني الذي له مشاركة فعلية تفوق بها على غيره في علم هجاء المصاحف، هو سليمان بن نجاح، وبخاصة كتابه «التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه» والذي جرد منه هذا المختصر الذي نحن بصدده. وقد ذكر أبو بكر اللبيب في شرحه على العقيلة أنه طالع «التبيين» لأبي داود قبل أن يشرع في الشرح. وقد وصفه الذهبي وابن الجزري وقالا: إنه يقع في ستة مجلدات ويتبين ذلك في مؤلفات أبي داود (¬1). وألف عبد الله بن شبيب في هجاء المصاحف. ذكر ابن النديم أنه ألف كتابا في هجاء المصاحف (¬2). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف المقرئ أبو طاهر إسماعيل بن خلف ابن سعيد السرقسطي، المتوفى سنة 455 هـ، فقد صنف كتابا مختصرا في هجاء المصاحف سمي ب: «مختصر ما رسم في المصحف الشريف» (¬3). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف أبو معشر عبد الكريم القطان الطبري المتوفى 478 هـ، صنف كتابا في هجاء المصاحف سماه الداودي: «كتاب المصاحف» (¬4). ومن المصنفين في هجاء المصاحف أبو عبد الله بن سهل بن يوسف المتوفى 480 هـ، ألف كتابا سمي ب: «كتاب سبل المعارف إلى معرفة رسم ¬

_ (¬1) انظر: مبحث مؤلفاته، ومبحث إثبات اسم كتابه ص 117، 269. (¬2) انظر: الفهرست 39. (¬3) نسخة منه في مكتبة «برتسلافا رقم 23، 8 تشيكوسلوفاكيا» ودار الكتب بالقاهرة رقم 260. (¬4) انظر: طبقات المفسرين للداودي 1/ 339.

المصاحف»، نص عليه أبو بكر اللبيب في شرحه على العقيلة، وذكر أنه طالعه مع كتاب آخر للمؤلف نفسه سمّاه: «درة اللافظ بحكم الناقط» (¬1). ومن المصنفين في هجاء المصاحف المقرئ محمود بن حمزة بن نصر الكرماني المتوفى 505 هـ، صنف كتاب خط المصاحف (¬2)، ومما يدل على تأليفه أنه أحال عليه في البرهان، فقال: «وقد ذكرته في كتاب المصاحف. (¬3)» وذكره حاجي خليفة وغيره (¬4). وممّن ألّف وصنّف في هجاء المصاحف أحمد بن محمد بن سعيد بن حرب، أبو العباس المسيلي (ت 540 هـ)، تلميذ أبي داود، صنف كتاب التقريب في القراءات السّبع وألف كتابا في هجاء المصاحف نقل منه الخرّاز في المورد، قال أبو محمد بن آجطا: «ألف كتابا في المرسوم (¬5)»، كما ذكره الرجراجي ووصفه بأنه «إمام يقتدى به في هذا الشأن (¬6)» وذكره ابن عاشر (¬7). وصنف أبو الحسن علي بن محمد المرادي البلنسي المتوفى 563 هـ أرجوزة في هجاء المصاحف سميت بالمصنف، أكمله في النصف من شعبان سنة 563 هـ. ¬

_ (¬1) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 6، معجم المؤلفين 6/ 62. (¬2) انظر: غاية النهاية 2/ 291، معجم مصنفات القرآن 3/ 281. (¬3) البرهان في متشابه القرآن 96. (¬4) كشف الظنون 1/ 131، هدية العارفين 2/ 402. (¬5) التبيان لابن آجطا 135. (¬6) تنبيه العطشان 107. (¬7) فتح المنان 81.

ونص في صدر النظم، فقال: وإنني لمّا رأيت العمرا* منصرما بلغت نفسي عذرا في رجز قصدت فيه الكشفا* عن اتباع الرسم حرفا حرفا دون زيادة ولا نقصان* على الذي قد جاء في القرآن إذ كنت قد أخذته رواية* عن ابن لب من ذوي الدراية وكان شيخا خص بالإتقان* في عصره من أهل هذا الشأن حدثني عن شيخه المغامي* ذي العلم بالتنزيل والأحكام وكل ما ذكرته فعنه* أخذته مما استفدت منه وذكر الخراز منه بعض الأحرف في نظمه. قال الرجراجي: «وكتاب المنصف تابع للتنزيل» ثم قال: «ويذكر الخرّاز: التنزيل، ويستغني به عن المنصف» (¬1). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن. الهمذاني العطار، المتوفى 569 هـ، صنف كتابا في رسم المصاحف اسمه: «كتاب اللطائف في رسم المصاحف». ذكره الجعبري ونسبه إليه في شرحه على العقيلة (¬2). وممن ألف في هجاء المصاحف: محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري أبو عبيد الله المتوفى ¬

_ (¬1) انظر: التبيان 37، تنبيه العطشان 28، فتح المنان 17. (¬2) انظر: جميلة أرباب المراصد ورقة 41، النشر 2/ 128، غاية النهاية 1/ 204.

634 هـ ابتلي باختصار كتب الناس، فمن ذلك مختصره المسمى: «الدرر المنظومة الموسومة في اشتقاق حروف الهجاء المرسومة» (¬1). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن وثيق الأندلسي الإشبيلي المقرئ، المتوفى 654 هـ، ألف كتابا في هجاء المصاحف، ظهر أثر أبي داود فيه واضحا بعنوان: «الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصحف» (¬2). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف جمال الدين أحمد بن محمد بن الواسطي، المتوفى 653 هـ، صنف أرجوزة في رسم المصاحف سماها حاجي خليفة «مصباح الواقف على رسوم المصاحف» (¬3)، وجاء اسمها في معجم مصنفات القرآن: «المصباح»؛ أرجوزة في الرسم عدد أبياتها واحد وثلاثون ومائة بيت لأبي عبد الله محمد بن الصباح (¬4)، ونسبها الجعبري في شرحه على العقيلة إلى أحمد بن دلة الواسطي، فقال: «والقصيدة المسماة بالمصباح لأحمد بن دلة الواسطي» (¬5). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى 651 هـ صنف كتابا في رسم المصحف الشريف (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الإحاطة في أخبار غرناطة 2/ 441. (¬2) حققه الدكتور غانم قدوري الحمد، ونشرته دار الأنبار ببغداد ط 1 سنة 1408 هـ 1988 م. (¬3) انظر: كشف الظنون 2/ 1711. (¬4) منها نسخة في الخزانة العامة بالرياض رقم 1557. انظر: معجم مصنفات القرآن 3/ 285. (¬5) مخطوط بتركيا بايزيد رقم 7957. (¬6) انظر: معجم الدراسات 380.

ومن المؤلفين في هجاء المصاحف علي بن ريست الطبري أبو الحسن. صنف كتابا في هجاء المصاحف، واكتفى ابن الجزري في ترجمته بقوله: «مؤلف كتاب هجاء المصاحف» (¬1). ثم تطور التأليف في هجاء المصاحف في هذه المرحلة، فتركزت جهود العلماء على نظمين تعلق بهما الناس، وهجروا بهما الكتب الأخرى. فنظم الإمام الشاطبي الرائية، وسماها: «عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد» نظم فيها كتاب المقنع للداني، وزاد عليه ست كلمات، وأشار إليها بقوله: وهاك نظم الذي في مقنع عن أبي* عمرو، وفيه زيادات فطب عمرا وعدة أبياتها مائتان وثمانية وتسعون بيتا، كما أشار إلى ذلك الناظم بقوله: تمت عقيلة أتراب القصائد في* أسنى المقاصد للرسم الذي بهرا تسعون مع مائتين مع ثمانية* أبياتها ينتظمن الدر والدررا وحظيت العقيلة باهتمام العلماء، فأقبلوا عليها حفظا ودراسة وتوالت عليها الشروح ما بين مختصر ومطول وما بينهما. وأول من شرحها تلميذ ناظمها علم الدين السخاوي، ت 643 هـ، وسماها الوسيلة في شرح العقيلة، وشرحها أبو بكر بن أبي محمد المشهور باللبيب، وسمّى شرحه: «الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة» وشرحها الحصاري تلميذ السخاوي ¬

_ (¬1) انظر: غاية النهاية 1/ 542.

وابن جبارة الحنبلي، وأحسن هذه الشروح شرح العلامة برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم الجعبري المتوفى 732 هـ سماه: «جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب المقاصد». فنالت إعجاب علماء المشرق فشرحها جم غفير منهم (¬1). والنظم الثاني الذي نال اهتمام العلماء فحفظوه ودرسوه وشرحوه هو نظم الإمام محمد بن محمد بن إبراهيم الخراز، المتوفى 718 هـ بفاس، المسمى «مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن» وله نظم آخر قبله سماه: «عمدة البيان» وتأليف آخر في الرسم نثرا لا نظما. إلا أن الذي اشتهر بين الناس هو: «مورد الظمآن» وذيله في الضبط الذي كان متصلا «بعمدة البيان»، لأن الناظم عثر على مواضع وهم فيها، ولم يعز الأحكام إلى أصحابها ولم يعين فيه ما انفرد به أبو داود، ولا ما انفرد به أبو عمرو، ولا ما انفرد به الشاطبي والبلنسي، فرأى ذلك نقصا فيه، وعيب عليه، فبدل أكثره، وبين ما لكل كتاب منها من الأحكام، وترك قسم الضبط ذيل عمدة البيان على حاله، لأن أحكامه متفق عليها في الأكثر فنظم ذلك في مورد الظمآن، وأوصل به الضبط الذي كان ذيلا لعمدة البيان، واعتمد في ذلك على أربعة كتب: اثنين منظومين واثنين منثورين: المقنع لأبي عمرو الداني، والعقيلة للشاطبي، والتنزيل لأبي داود وزاد أحرفا قليلة من نظم أبي الحسن البلنسي المسمى بالمنصف. ¬

_ (¬1) انظر: بعض شروحها في كشف الظنون 2/ 1159.

والحقيقة أنه اعتمد على التنزيل والمقنع وهما الأصلان، وغيرهما فرع عنهما، لأن العقيلة نظم للمقنع، والمنصف نظم للتنزيل (¬1). وجعل الخرّاز نظمه وفقا لحرف نافع دون غيره من الأحرف، فاهتم به علماء المغرب، وتعلقوا به، ويصور ابن خلدون منزلة نظم الخراز فيقول: «فنظم الخراز من المتأخرين بالمغرب أرجوزة أخرى زاد فيها على المقنع خلافا كثيرا عزاه لناقله، واشتهرت بالمغرب، واقتصر الناس على حفظها، وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم (¬2)» وبلغت منزلة عظيمة في نفوس المغاربة، فأقبلوا عليها بالشروح والتعليق والحواشي. وأول من شرحها أبو محمد عبد الله بن عمر الصنهاجي توفي بعد 794 هـ تلميذ ناظمها وسماه: «التبيان في شرح مورد الظمآن»، وشرحها الشيخ حسين بن طلحة الرجراجي (ت 899 هـ) وسماه: «تنبيه العطشان على مورد الظمآن»، وشرحها عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري المتوفى 1040 هـ. ولما كانت أرجوزة مورد الظمآن لا تشتمل إلا على قراءة نافع من وجوه الخلاف دون بقية القراءات الأخرى، حاول ابن عاشر أن يكمل بقية هجاء القراءات الأخرى، فذيل مورد الظمآن بنظم سماه: «الإعلان بتكميل مورد الظمآن». ¬

_ (¬1) انظر: تنبيه العطشان للرجراجي ورقة 28. (¬2) انظر: تاريخ ابن خلدون 1/ 792.

فقال: «وهذا تذييل سميته الإعلان بتكميل مورد الظمآن ضمنته بقايا خلافيات المصاحف في الحذف وغيره مما يحتاج إليه من تخطى قراءة نافع إلى غيرها من سائر قراءات الأئمة السبعة» (¬1). ثم شرحه بنفسه ضمن شرحه للمورد، وقسمه على أرباع القرآن وأدرج كلّ ربع ضمن مورد الظمآن. ثم شرحه أيضا الإمام إبراهيم بن أحمد المارغني التونسي سماه: «تنبيه الخلان إلى شرح الإعلان بتكميل مورد الظمآن»، وجعله ذيلا لشرحه على المورد المسمى «دليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم وضبط القرآن» (¬2). ولقد استقصيت شروحه فزادت على الخمسين شرحا بينتها في مقدمة «الطراز في شرح ضبط الخراز» للإمام التنسي. ثم إن اهتمام العلماء بالشروح والاختصارات في هذه المرحلة لا يعني أن الجهود المثمرة قد توقفت، بل إن بعض هذه الشروح حفظت لنا نصوصا من كتب الأقدمين المفقودة، ولولاها ما وصلت إلينا، كما نلمس ذلك في شرح ابن آجطا والرجراجي وابن عاشر. وتوالى التأليف في موضوع هجاء المصاحف، وتركز بعضه في صورة نظم قام بشرحه آخرون، تقيدوا بألفاظ النظم واعتمدوا على المصادر المتقدمة، وتخلل ذلك محاولات لتعليل بعض هجاء المصاحف المخالفة لما هو الشائع من القواعد التي قعدها علماء المصرين: الكوفة والبصرة ¬

_ (¬1) انظر: فتح المنان لابن عاشر ورقة 98. (¬2) مطبوع ومتداول طبعته مكتبة الكليات الأزهرية وغيرها.

في فترات لاحقة لتاريخ نسخ المصاحف، بينما نجد أن مؤلفات القرون الأولى في الهجاء تقوم على الوصف غالبا، وتحدد طريقة رسم الكلمات فحسب. واتسم العمل في بعض الشروح للنظم بتحصيل الحاصل، فالناظم مثلا نظم كتابا ما فيقوم الشارح بتحليل النظم إلى الكتاب المنظوم، وفي أغلب الأحيان يقصر عن الوفاء بردّ الكتاب المنظوم، ويتمثل ذلك في شرح المجاصي والجزولي فيجيء الشرح أقل وفاء بالكتاب المنظوم. وهناك من الشراح من بالغ في الشرح والتحليل والبيان والنقل وخير من يمثل هذا الاتجاه الرجراجي وابن آجطا في شرحيهما «تنبيه العطشان على مورد الظمآن» و «التبيان في شرح مورد الظمآن». وحاكى برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري (ت 732 هـ) الشاطبي، فنظم قصيدة لامية في الرسم عدد أبياتها مائتان وسبعة عشر بيتا سماها في شرحه على العقيلة، فقال: «روضة الطرائف في رسم المصاحف من نظمي» (¬1) نظم فيها العقيلة، وزاد عليها بعض المسائل، وإلى ذلك أشار بقوله: لامية عذبت في عقدها نظمت* رائية وربت مسائلا مثلا (¬2) وفعل العلامة محمد بن خليل بن عمر القشيري الأربلي ما فعل ¬

_ (¬1) انظر: جميلة أرباب المراصد 41، كشف الظنون 1/ 927. (¬2) مخطوطة في دار الكتب المصرية رقم تيمور 571 تفسير، ومعهد المخطوطات رقم 41 تفسير، وفي خدابخش 129 التجويد، برلين ألمانيا 450/ الرابع/ 10.

الجعبري، فنظم قصيدة في الرسم سماها: «واضحة المبهوم في علم المرسوم» عدد أبياتها ثلاثمائة واثنان وثلاثون بيتا، وبين فيها ما زادته على العقيلة بقوله: زادت رسوما على ما في عقيلة أتراب ولم ينل فضلا لها الكبرا (¬1) ولم تتوقف حركة التأليف في موضوع الرسم عند حد نظم العقيلة ونظم المورد، فقد ألف أبو العباس أحمد بن محمد المراكشي الشهير بابن البناء المتوفى 721 هـ كتابا سمّاه: «عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل» (¬2) صنفه في توجيه ما جاء مخالفا لقواعد الخط من رسم المصحف، إلا أن توجيهاته يشوبها الغموض بناها على التخييل والاستنباط الذاتي. ومن المصنفين لهجاء المصاحف أبو إسحاق التجيبي إبراهيم بن أحمد بن علي الجزيري، صنف كتابا في هجاء المصاحف اسمه: «التبيان» نقل منه ابن عاشر في فتح المنان (¬3). كما نقل منه الحسن بن علي بن أبي بكر المنبهي الشهير بالشباني، فقال: «ونص التجيبي في ذلك كنص أبي داود نفسه، فلا زيادة فيه، لأنه في أكثر أحواله ناقل لكلام أبي داود بعينه فلا فائدة في نقل كلامه، إذ لا زيادة فيه» (¬4). ¬

_ (¬1) منها نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية برقم تيمور 447 تفسير. (¬2) حققته وقدمت له هند شلبي بالجامعة الزيتونية، وطبعته دار الغرب الإسلامي سنة 1990 ط 1. (¬3) فتح المنان 28. (¬4) كشف الغمام 183، 2.

وصنّف في رسم القرآن الشيخ محمد بن محمود بن محمد بن أحمد السمرقندي المتوفى 780 هـ كتابا في هجاء المصاحف سمي ب: «كشف الأسرار في رسم مصاحف الأمصار» (¬1) وعنوانه يوهم بأنه في تعليل رسم المصاحف، وليس الأمر كذلك، فإنه اقتصر على وصف هجاء المصاحف مجردة من التعليل والتوجيه واختصره اختصارا شديدا (¬2). وصنّف أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الجريني المتوفى 783 هـ كتابا في هجاء المصاحف اسمه: «جامع الكلام في رسم المصحف الإمام» (¬3). وألف أبو عبد الله محمد بن جابر الغساني المكناسي الناظم الناثر المتوفى سنة 827 هـ تأليفا في رسم القرآن (¬4)، وله أيضا تقييد سمي ب: «إصلاحات ابن جابر على مورد الظمآن» نقلها بعض النبلاء من شرحه على مورد الظمآن، وجعلها مرتبة على أبواب النظم (¬5). وألف الإمام محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي المتوفى سنة 833 هـ كتابا في رسم المصاحف المسمى «الظرائف ¬

_ (¬1) منه نسخة بجامعة الملك سعود 2484/ 3 مجموع، ومكتبة الأوقاف ببغداد برقم 1/ 2405 مجاميع، ومنها صورة في الجامعة الإسلامية. (¬2) وأخيرا حققه الدكتور حاتم صالح الضامن، ونشره في مجلة المورد، المجلد 15، العدد 4، سنة 1407 هـ 1986 م. (¬3) له نسخة خطية في الأزهر رقم (300) 22307، ومنه نسخة في مكة بمركز البحث العلمي رقم 58، ومنه نسخة في مخطوطات الجامعة الإسلامية رقم 771 فيلم. (¬4) انظر: نيل الابتهاج 286، شجرة النور 251. (¬5) صورتها من معهد اللغات الشرقية بباريس رقم 115 ضمن التبيان لشرح مورد الظمآن.

في رسم المصاحف» (¬1)، وكتابا آخر سماه: «البيان في خط عثمان» (¬2). وألف عبد الواحد بن الحسين الرجراجي أرجوزة في رسم القرآن. أولها: الحمد لله على النعماء* حمدا بلا عدّ ولا انتهاء نسخت سنة 860 هـ (¬3). وألف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى 911 هـ مصنفات في هجاء المصاحف، منها رسالة في علم الخط طبعت مع التحفة البهية والطرفة الشهية (¬4)، ومنها: كبت الأقران في كتب القرآن، فقال: «ولا يقاس خط المصحف، لأنه يتبع فيه ما وجد في المصحف الإمام» ثم قال: وقد عقدت له في التحبير بابا حررته، وهذبته بما لم أسبق إليه، ثم جردته في كراسة سميتها: «كبت الأقران في كتب القرآن» (¬5). ومنها: رسالة في أقسام القرآن ومرسوم خطه وكتابته (¬6). ومن مؤلفات هجاء المصاحف: «الفوائد اللطيفة والطريفة في رسوم المصاحف العثمانية» تأليف حسين بن علي الأماسي إمام جامع السلطان محمد الفاتح أتمها سنة 1064 هـ (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة النشر للشيخ الضباع ص ز، ومقدمة منجد المقرئين 33. (¬2) ذكر في هدية العارفين 2/ 187، مقدمة منجد المقرئين 25. (¬3) منها نسخة مخطوطة بالخزانة الصبيحية رقم 128/ 2 سلا المغرب. انظر: الفهرس 19. (¬4) مجموعة رسائل وهي الرسالة الخامسة طبعة إستانبول. (¬5) انظر: إتمام الدراية شرح النقاية 129، إيقاظ الأعلام 18، مكتبة الحلال 285. (¬6) مخطوط في مكتبة الأوقاف ببغداد مجاميع رقم 24/ 22811. (¬7) مخطوطة بمكتبة جامعة الإمام رقم 1616.

ويوجد باسم: «فوائد الطريقة الطريفة في رسم المصاحف العثمانية» للمؤلف نفسه (¬1). ويوجد باسم: «الطارف والطريفة في رسم المصاحف العثمانية الشريفة» للمؤلف نفسه (¬2). ولعله كتاب واحد، ويحتاج البت في الأمر إلى الوقوف على النسخ والمقارنة بينها، والظاهر أن الخلاف في العنوان فقط، ومن المستبعد أن يكون المؤلف صنف ثلاثة كتب. رسالة في رسم المصحف تأليف لطف الله بن محمد الظفيري المتوفى 1035 هـ (¬3). أولها: «الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين غلّط شخص من علماء المغرب رسوم المصاحف التي يتداولها أهالي قطر الشرق مستدلا أنها غير موافقة للرسوم العثمانية» (¬4). رسم قراءات الأئمة السبعة المشهورين: لمؤلفها محمد الرضي بن عبد الرحمن كان حيا 1082 هـ (¬5). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف «الجواهر اليمانية في رسم المصاحف العثمانية» لمؤلفه الشيخ محمد بن أحمد العوفي المتوفى 1049 هـ (¬6). ¬

_ (¬1) مخطوط تيمورية رقم 176 ضمن مجموع. (¬2) مخطوط في المكتبة الأزهرية خط الأزهر (281) 2288. (¬3) انظر: الأعلام 5/ 242، معجم المؤلفين 8/ 155. (¬4) مخطوط في الخزانة الحسنية 5923، الفهرس 6/ 109. (¬5) مخطوط في خزانة تطوان رقم 120/ 11/ 345 م، وفي مكتبة رامبور الهند 296 رسم الخط، انظر: الفهرس الشامل 84. (¬6) انظر: إيضاح المكنون 3/ 381، ومنه نسخة في الجامعة فيلمية رقم 5233/ ق 2.

قال في مقدمته: «هذا مختصر أذكر فيه رسم المصاحف العثمانية بما صح عن ذوي الهمم، وسميته بالجواهر اليراعية في رسم المصاحف العثمانية» وفيه: «اليراعية» بدلا من: «اليمانية»، والله أعلم بالصواب ويظهر لي أن الصواب ما ذكره في مقدمته (¬1). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف أرجوزة رسم المكي في القرآن لمؤلفه عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي (ت 1082 هـ) أوله: الحمد لله الكريم المنان* المانح الفضل لأهل القرآن وآخرها: والحمد لله على التمام* نشكره دأبا على الإنعام ....... .... * .... ..... .... وآله وصحبه الأخيار* ما كور الليل على النهار وبعدها تعليقات وتقييدات في الرسم (¬2) وهي في رسم قراءة ابن كثير (¬3). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف أرجوزة في رسم القرآن لناظمها الشيخ محمد بن العربي السباعي، أولها: باسم الإله الحمد له به ابتدأ* ثم الصلاة والسلام أبدا ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة الكتاب ورقة 1. (¬2) مخطوط في الخزانة الصبيحية رقم 254/ 10 بسلا انظر الفهرس 52. (¬3) منها نسخة في دار الكتب الوطنية بتونس رقم 1448، ومكتبة «جاريت مجموعة يهودا»، ومتحف الجزائر 389، والقرويين 1052/ 1 - انظر: الفهرس الشامل.

نسخها أحمد بن الحاج إبراهيم بن عبد الله الهوزالي ثم التنزرتي عام 1212 هـ (¬1). ومن المصنفين في هجاء المصاحف أبو العلاء إدريس بن عبد الله الودغيري البكراوي المتوفى عام 1257 هـ. نظم أرجوزة في الألفات التي وردت محذوفة في المصحف كما رواها نافع سماها: «عمدة البيان» (¬2). وله كتاب آخر في هجاء المصاحف للقراء الستة غير نافع اسمه «درر المنافع في أصل رسم الستة السمادع غير نافع» (¬3) وله أيضا أرجوزة في الرسم القرآني، مطلعها: حمدا لربنا العظيم الأكرم* من علم الإنسان ما لم يعلم خاتمتها: والله حسبي وبه اعتصامي* والحمد لله على الختام (¬4) ومن المؤلفات في هجاء المصاحف: «أحكام الهمزات في رسم القرآن» لمؤلفه علي بن العربي الدرقاوي الحسني العلمي المتوفى عام 1274 هـ. أوله: «الحمد لله، قال مؤلفه- غفر الله له- عن شيخه سيدي الحاج أحمد ¬

_ (¬1) مخطوط في الخزانة الصبيحية بسلا بالمغرب رقم 281/ 2 - انظر: الفهرس 18. (¬2) منها نسخة في الخزانة الحسنية رقم 10380 ونسخة أخرى معها. انظر: فهارس الخزانة الحسنية 6/ 175. (¬3) مخطوط في الخزانة العامة بالرباط رقم 1148. (¬4) مخطوطة في الخزانة الحسنية بالمغرب مجموع رقم 1051/ 11. انظر: فهارس الخزانة الحسنية 6/ 22.

المؤذن ... ». وآخره: «وهذا ما أخذنا مشافهة عن المؤلف، من غير زيادة ولا نقصان، والعلم الله» (¬1). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف: «الجوهر الفريد في رسم القرآن المجيد» للشيخ سيد بركات بن يوسف عريشة الهوريني ألفه سنة 1286 هـ (¬2). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف: «إرشاد القراء والكاتبين إلى معرفة رسم الكتاب المبين» (¬3) لمؤلفه أبي عيد رضوان بن محمد بن سليمان المعروف بالمخللاتي (ت 1311 هـ)، وله أيضا: مقدمة في رسم الكلمات القرآنية وضبطها، وعد آي القرآن الكريم (¬4)، ووردت باسم آخر: مقدمة في كتبة المصاحف، وعددها ورسم القرآن (¬5)» فلعلها رسالة واحدة، وفي كتابه الأول تقليد واضح لطريقة التنزيل. ومن المؤلفات في هجاء المصاحف: أرجوزة المتولي محمد بن أحمد ابن الحسن المتوفى 1313 هـ 1895 م، سماها مؤلفها: «اللؤلؤ المنظوم في ذكر جملة من المرسوم» وعدد أبياتها ستة وسبعون بيتا، وشرحها الشيخ ¬

_ (¬1) مخطوط في الخزانة الصبيحية بسلا بالمغرب رقم 128/ 6 انظر: الفهرس 18. (¬2) مخطوط في المكتبة الأزهرية رقم 1397 مجاميع، ومنه نسخة فيلمية في مركز البحث العلمي بمكة 207 ونسخة في خزانة تيمور رقم 66، ومنه نسخة في مكتبة الجامعة. (¬3) منه نسخة في الخزانة التيمورية رقم 65، وأخرى في مكتبة الإسكندرية 5136، وأخرى في الأزهرية 241/ 22248. انظر: فهرس التيمورية 1/ 155. (¬4) مخطوطة بالأزهر رقم 130 وصورتها ومسونة 12975. (¬5) مخطوطة في الرياض، جامعة الإمام برقم 2535 ورقم 2545. انظر: معجم مصنفات القرآن 2/ 286.

حسن بن خلف الحسيني، وسمى هذا الشرح: «الرحيق المختوم في نثر اللؤلؤ المنظوم» (¬1). ومن المؤلفين في هجاء المصاحف الشيخ محمد أبو زيد المتوفى سنة 1323 هـ سماه: «فتح الرحمن وراحة الكسلان في رسم القرآن» (¬2). ومن العلماء الذين شاركوا في التأليف في هجاء المصاحف العالم إدريس بن محفوظ بن الحاج أحمد الشريف (ت 1354 هـ). (¬3) له مؤلفات من أهمها: «الدرر الحسان في الرسم والتعليم وتلاوة القرآن»، والتأليف الثاني وهو بيت القصيد: «إتحاف الإخوان في رسم وضبط القرآن» (¬4). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف: أرجوزة في الحذف والإثبات في القرآن لناظم مجهول، أولها: وهاك ما جاء عن الأسلاف* من اختيارهم من الخلاف وآخرها: فهذا جملة من الترجيح* فاسمع وخذ قولا من الفصيح (¬5) ومن المؤلفين في هجاء المصاحف الشيخ عبد الرحمن الشهير بهواش سماه: «كتاب تشحيذ الأذهان في رسم آيات القرآن» (¬6). ¬

_ (¬1) طبعت بمطبعة المعاهد بمصر ط الأولى بدون تاريخ. (¬2) طبع بمطبعة أبي زيد بالقاهرة عام 1315 هـ 1897 م. (¬3) انظر: ترجمته في: تراجم المؤلفين التونسيين 3/ 186. (¬4) منه نسخة مخطوطة في المكتبة الوطنية بتونس رقم 1829 وعندي منها صورة. (¬5) مخطوط بالخزانة الصبيحية بسلا بالمغرب رقم 128/ 5، الفهرس 19. (¬6) انظر: رسم المصحف 185.

ومنها مصباح الرسم، أرجوزة في رسم القرآن على رواية ورش لمؤلف لم يذكر اسمه في المخطوط. وناسخها عبد الله بن محمد البعقيلي (¬1). ومنها: هداية من أراد الكفاية على ضبط أواخر الكلم مما صحّ بالرواية، وانضبط عليه أهل الصلاح والرواية في الرسم والضبط والقراءات، لمؤلفه محمد بن إبراهيم بن عبد الله أعجلي الولتيتي البعقيلي، أوله: «الحمد لله مفصل الآيات والذكر الحكيم» (¬2). ومنها: «تحفة العروس في تحقيق الرسم مع القياس» أرجوزة في ضبط الرسم القرآني من نظم ابن عياش الصنهاجي، مطلعها: يقول نجل العيش الصنهاجي وآخرها: سميتها بتحفة العروس* بتحقيق الرسم مع القياس (¬3) ومن المؤلفات في هجاء المصاحف على البدور السبعة تقييد الشيخ المحقق محمد الراضي بن عبد الرحمن السوسي أصلا التادلي منشأ. قال في مقدمتها: «لما كثر في زماننا هذا الجمع بين قراءة الأئمة المشهورين قصدا من بعض الطلبة لسرعة الترقي». ثم قال: «قام بعض الطلبة من تلاميذنا، وأكرمهم لدينا يطلب منا أن أقيد له الرسم على مقرأ البدور السبعة سوى مقرأ نافع لاستيفاء المورد برسمه ليكون على بصيرة في ¬

_ (¬1) مخطوط في الخزانة الصبيحية رقم 237/ 15، الفهرس 52. (¬2) مخطوط في الخزانة الصبيحية رقم 318، الفهرس 56. (¬3) مخطوط في الخزانة الحسنية رقم 4799/ 2، الفهرس 6/ 56.

ذلك». وقال أيضا: «إذ لا يجوز التصدير للقراءة، وأخذها عمن حقق الرواية وحصّل الدراية دون الرسم» (¬1). ومن العلماء الذين شاركوا في التأليف في هجاء المصاحف الشيخ الطالب عبد الله بن محمد الأمين بن فال بن عبد الله الجاكاني؛ له نظم جامع في الرسم والضبط سماه: «المحتوي الجامع رسم الصحابة وضبط التابع». قال في مقدمته: وأستعين الله في نظم اختصار* للرسم والضبط بصدق وانحصار يكون للمبتدئين تبصرة* وللشيوخ الحافظين تذكرة سميته بالمحتويّ الجامع* رسم الصحابة وضبط التابع وقد قام بشرح هذا النظم الشيخ أحمد مالك حماد سماه: «مفتاح الأمان في رسم القرآن شرح المحتوي الجامع رسم الصحابة وضبط التابع». انتهى منه في 24 صفر 1383 هـ (¬2). ومن المؤلفات في هجاء المصاحف منظومة في رسم السبعة للشيخ علي ابن الشرقي السجدالي (¬3). أولها: يقول راجي عفو ذي الجلال* علي الضعيف المذنب السجدالي الحمد لله الذي علمنا* كتابه وبالنبي فضلنا ¬

_ (¬1) منه نسخة في الخزانة الحسنية ضمن مجموع 74/ 11 بالمغرب وعندي منها نسخة. انظر: فهرس الخزانة الحسنية 1/ 16. (¬2) طبعته دار الطباعة المحمدية بالأزهر. (¬3) لم أقف على ترجمة له.

ثم الصلاة والسلام أبدا* على محمد، ومن به اقتدى وهاك رسم السبعة الأخيار* وضبطهم خذه على المختار المدني والمكي والبصري* وبعده الشامي والكوفي وقال في آخرها: أبياته يمن وعام شاف حل* عن غيره يكفى الذي به استقل (¬1) ومن المؤلفات في رسم هجاء المصاحف: «رسمية البدور السبعة» لم يذكر المؤلف اسم كتابه. فبين المؤلف في مقدمته سبب تأليفه، فقال: وبعد: «فقد سألني بعض الأحبة أن أضع لهم رسم القراءات السبع، وبالله أستعين مشيرا فيه بصورة «س» إلى بعض المسائل من نصوص وتوجيه من كلام أئمتنا الأعلام، ومصابيح الظلام، ومشيرا فيه بصورة: «ش» إلى شيخنا بواسطة مولاي عبد الرحمن بن إدريس الشريف الحسني المجدد لهذه الأمة علم القراءة، وبصورة «غ» لابن غازي، وبصورة «د» لمولاي إدريس، وبصورة «ق» لابن القاضي، وبصورة «خ» لميمون الفخار، وبصورة «جز» لابن الجزري، وما خلا: مما ذكر لغيرهم». وختمها بقوله: «فقد منّ عليّ بإكمال ما رمته من إتمام جميع رسم البدور السبعة كما أخذته عن أشياخي رضي الله عنهم» (¬2). ¬

_ (¬1) مخطوط ضمن مجموع سيدنا عثمان رقم 292. (¬2) منها ثلاث نسخ ضمن مجموع رقم 292 (خ) سيدنا عثمان بالمدينة النبوية، وأخرى في الخزانة العامة برقم 2238، وأخرى بالخزانة نفسها برقم 2465 د. انظر: فهرس الخزانة العامة بالرباط ق 3 ج 1 ص 9.

ومن المؤلفات في هجاء المصاحف نظم الإمام شيخ الجماعة في تحقيق رسم البدور السبعة سماها: «كفاية الطلاب» (¬1) قال في مقدمتها: وبعد خذ تحقيق رسم عن خبير* البصر كوف شامهم وابن كثير على الذي صح لدينا عن ثقات* ذوي علوم وصلاح وهداة فكل ما خالف فيه نافع* أذكره في النظم لا لنافع وإن بجمعهم في اللفظ اتحدوا* في حكمه حقا يراعى المورد فذكر المؤلف رسم القراءات السبع، وجاء في آخرها: والحمد لله على التمام* سبحانه أعلم بالختام انتهى نظم الإمام شيخ الجماعة في تحقيق رسم البدور السبعة بحول الله وتوفيقه وهو شيخ شيخ شيخنا إدريس بن محمد بن أحمد الشريف الحسني الفاسي. ومن المؤلفات في هجاء المصاحف نظم الفقيه الأستاذ المحقق محمد بن سعيد بن عمارة البينوني بواد النون وهي أرجوزة في رسم القرآن، مطلعها: الحمد لله الذي علمنا* من العلوم ما به فضلنا وتناول فيها رسم وضبط قراءة الشامي والبصري والمكي والكوفيين، وأشار إلى ذلك بقوله: وهاك رسما فاستفده عن خبير* للشامي والبصري معا وابن كثير والكوفي أيضا بنصوص تامة* كما أتانا عن خيار الأمة ¬

_ (¬1) منه نسخة ضمن مجموع رقم 292 (خ) في مجموع سيدنا عثمان في المدينة النبوية.

وسلك فيها المؤلف طريقة التنزيل والعقيلة، فقال: طريقة التنزيل قد سلكت* على العقيلة على ما قلت وربما ذكرت فيه أحرفا* بلا انتسابها لشيخ عرفا معتمدا على اشتهارها لدى* أئمة الوقت على ما عهدا وختمها بقوله: وكل ما تركت يا خليلي* كرسم نافع بلا تفضيل والحمد لله على الختام* ثم صلاته مع السلام على النبي العربي أحمدا* وآله وصحبه ذوي الهدى وتحتوي على تسعة وخمسين ومائة بيت (¬1). وألف الشيخ المقرئ محمد بن علي بن خلف الحسيني ت 1357 هـ المعروف بالحداد كتابا في اختلاف المصاحف سماه: «الكواكب الدرية فيما يتعلق بالمصاحف العثمانية». وكان رحمه الله عين شيخا للقراءة سنة 1323 هـ (¬2). ومنه نسخة في مكتبة جامعة الرياض بعنوان مختلف: «المواهب الربانية فيما يتعلق بالمصاحف العثمانية» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: مخطوطة في مجموع سيدنا عثمان رقم 292 (خ) بالمدينة المنورة، وأخرى في خزانة تطوان بالمغرب رقم 118/ 881. (¬2) انظر: مرشد الخلان 240، الأعلام للزركلي 7/ 196، 197. (¬3) مخطوط في مكتبة جامعة الرياض [جامعة الملك سعود، حاليا] رقم 2544 انظر: الفهرس 98.

وصنف الشيخ محمد بن يوسف التونسي المتوفى سنة 1380 هـ كتابا في هجاء المصاحف سماه: «الفرائد الحسان في بيان رسم القرآن» (¬1). وألف الشيخ على محمد الضباع شيخ القراء تصنيفا في رسم القرآن وضبطه سماه: «سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين» (¬2). هذا ما تيسر لي جمعه في هذا الباب، والله أعلم. ¬

_ (¬1) طبع في دمشق بمطبعة العلوم والآداب عام 1375 هـ 1955 م. (¬2) طبع بمطبعة عبد الحميد حنفي بمصر، الطبعة الأولى.

أقوال العلماء في وجوب اتباع الرسم العثماني

أقوال العلماء في وجوب اتباع الرسم العثماني أولا: موقف السلف من الرسم العثماني: وهو مذهب أئمة الأمة وعلمائها، وهم الجمهور، فقالوا: إن كتابة المصحف بالرسم العثماني أمر واجب، لا يجوز العدول عنه، وهؤلاء أهل القرون المفضلة ومن بعدهم. واستدلوا بأن هذا الرسم كتب به كتاب الوحي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلّم، وعلى رأسهم زيد بن ثابت، وأقرهم على كتابتهم، وكان يملي على كتاب الوحي ويرشدهم في كتابته، واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلّم كان يضع لهم القواعد، من ذلك قوله لمعاوية رضي الله عنه: «ألق الدواة، وحرف القلم، وانصب الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسن الله، ومدّ الرحمن الرحيم، وضع قلمك على أذنك اليسرى، فإنه أذكر لك» (¬1). وقال الشيخ محمد طاهر الكردي: «فقد ورد عن زيد بن ثابت أنه قال: كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو يملي عليّ، فإذا فرغت، قال: اقرأه، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه» (¬2). ثم استمرت كتابة القرآن على هذا النحو في عهد أبي بكر رضي الله عنه ثم حذا حذوه عثمان بن عفان في خلافته، فاستنسخ تلك الصحف في مصاحف، وأقر الصحابة عمله. ¬

_ (¬1) تقدم بيان ضعف هذا الأثر ص 61. (¬2) انظر: تاريخ القرآن وغرائب رسمه ص 61.

ومن حكمة الله وتدبيره أن جعل زيد بن ثابت هو الكاتب في المرات الثلاث، مما يدل على أن الرسم الذي كتب به المصاحف في المرات الثلاث واحد، ولم يعلم في ذلك مخالف، ومضى على ذلك كتاب المصاحف في عهد التابعين وتابعيهم، ولم يفكر أحد أن يستبدل بالرسم العثماني رسما آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف. فالرسم قد فاز بإقرار النبي صلى الله عليه وسلّم، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، ثم إجماع الأمة عليه بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين (¬1). ومن أشهر القائلين بهذا المذهب والمنتصرين له الشيخ عبد العزيز الدباغ (ت 1132 هـ)، فقد نقل عنه تلميذه أحمد بن المبارك (ت 1155 هـ) في كتاب الذهب الإبريز، فقال: «ما للصحابة، ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها، لأسرار لا تهتدي إليها العقول». ثم قال: «وهو سرّ من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية». ثم قال: «وكما أن نظم القرآن معجز، فرسمه أيضا معجز» إلى أن قال: «وللقرآن أسرار، لا تستفاد إلا بهذا الرسم، فمن كتب بالرسم التوقيفي، فقد أداه بجميع أسراره، ومن كتبه بغير ذلك فقد أداه ناقصا، ويكون ما كتبه إنما هو من عند نفسه لا من عند الله» (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: مناهل العرفان 1/ 377. (¬2) انظر: كتاب الذهب الإبريز لابن المبارك 55.

ثانيا: موقف الخلف من الرسم العثماني، وفيه رأيان

وهذا المذهب يجعل إعجاز القرآن متناولا لرسمه، فكما أن نظم القرآن معجز، فرسم القرآن معجز (¬1). يرد على هذا المذهب أن الأخبار التي احتجوا بها ضعيفة، يضاف إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب كما تقدم (¬2). ومن قال: إن إعجاز القرآن متناول لخطه فقوله لا يصحبه دليل. ثم إنه لم يرد عن المتقدمين القول بالتوقيف، وإنما ورد عنهم القول بوجوب اتباع الرسم العثماني، كما سيأتي في موضعه. إلا أن الذي يحظى به هذا المذهب تقرير النبي صلى الله عليه وسلّم لكتاب الوحي على هذا الرسم، فظفر بالسنة التقريرية، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، كما سيأتي في موضعه (¬3). ثانيا: موقف الخلف من الرسم العثماني، وفيه رأيان: الرأي الأول: أن رسم المصحف اجتهادي اصطلح عليه الصحابة، لا توقيفي، وعليه فتجوز مخالفته بأي رسم سهل. ومن القائلين بهذا الرأي القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هـ وعبد الرحمن بن خلدون المتوفى 808 هـ. ¬

_ (¬1) انظر: إيقاظ الأعلام ص 36. (¬2) انظر: مبحث أهم الأحداث الفكرية ص 47. (¬3) سيأتي في صفحة 215.

قال الباقلاني في الانتصار: «وأما الكتابة، فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم، وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص وحدّ محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية. بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يأمر برسمه، ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحدا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال. ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية، والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك» (¬1). ¬

_ (¬1) لخص رأيه الشيخ الزرقاني في مناهل العرفان 1/ 380.

أما عبد الرحمن بن خلدون، فيقول في مقدمته: «فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان، والإجادة، ولا إلى التوسط، لمكان العرب من البداوة، والتوحش وبعدهم عن الصنائع، وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها، ثم اقتفى التابعون من السلف فيها تبركا بما رسمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخير الخلق من بعده المتلقون لوحيه من كتاب الله وكلامه» (¬1). فابن خلدون يعزو اصطلاحية الرسم إلى عدم إجادة الصحابة للرسم بالكتابة، وفي زعمه أن هذه الأحرف الزائدة جاءت نتيجة لعدم معرفتهم لقواعد الكتابة، وأن التابعين ومن بعدهم اتبعوا رسم الصحابة للتبرك فقط. وأثبت الشيخ محمد طاهر الكردي أن الرسم العثماني اصطلح عليه الصحابة رضي الله عنهم، وليس توقيفيا، واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يقرأ ولا يكتب. ثم إنه لما اختلف زيد بن ثابت ومن معه في كلمة: «التابوت» أيكتبونه بالتاء أم بالهاء رفعوا الأمر إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمرهم أن يكتبوها بالتاء، فلو كان الرسم توقيفيا بإملاء النبي صلى الله عليه وسلّم، لأمرهم أن يكتبوها بالكيفية التي أملاها رسول الله ولو كان الرسم توقيفيا لنعتوه ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة ابن خلدون الباب الخامس الفصل الثلاثون ص 377.

الرأي الثاني

بالرسم التوقيفي أو النبوي، وما كانوا نعتوه بالرسم العثماني، ولو كان الرسم توقيفيا لما اختلف الرسم في المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار ثم قال: «إن رسم المصحف ليس توقيفيا، وإنما هو من وضع الصحابة واصطلاحهم لحكمة لم ندركها» (¬1). الرأي الثاني: وهو أنه يجوز كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الرسم القياسي، ويجب في الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار الإسلامية، فلا يهمل مراعاة لجهل الجاهلين، بل يجب أن يبقى في أيدي العلماء العارفين. وإلى هذا ذهب الإمام العز بن عبد السلام (ت 606 هـ)، وتابعه الزركشي ورجحه الزرقاني، والدكتور صبحي الصالح، والدكتور محمد أبو شهبة. قال العز بن عبد السلام: «لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال». وقال الزركشي بعد أن ذكر رأي مالك وموافقيه القائلين بتحريم مخالفة خط المصحف: «وكان هذا في الصدر الأول والعلم حيّ غض، وأما الآن فقد يخشى الالتباس». وعقب على كلام العز بن عبد السلام، قائلا: «ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك ¬

_ (¬1) انظر: تاريخ القرآن وغرائب رسمه 99، 100.

مراعاة لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة» (¬1). ورجح هذا التفصيل الشيخ الزرقاني، فقال: «وهذا الرأي يقوم على رعاية الاحتياط للقرآن من ناحيتين: ناحية كتابته في كل عصر بالرسم المعروف فيه ... وناحية إبقاء رسمه الأول المأثور» (¬2). وتبعه الدكتور صبحي الصالح فقال: «بل نأخذ برأي العز بن عبد السلام» وذكر رأيه، ثم قال: «وملخص هذا الرأي الأخير، أن العامة لا يستطيعون أن يقرءوا القرآن في رسمه القديم، فيحسن- بل يجب- أن يكتب لهم بالاصطلاحات الشائعة في عصرهم، ولكن هذا لا يعني إلغاء الرسم العثماني القديم» (¬3) إلا أن الدكتور محمدا أبا شهبة خص الالتزام بالرسم العثماني على المصاحف الكاملة، التي هي الحجة والمرجع، ورجّح أن يكتب القرآن بالرسم القياسي في الأجزاء والصحف والمجلات وغيرها (¬4). ومن القائلين بمذهب العز بن عبد السلام الشيخ أحمد مصطفى المراغي، قال في مقدمة تفسيره: «وقد جرينا على الرأي الذي أوجبه العز بن عبد السلام في كتابة الآيات أثناء التفسير للعلة التي ذكرها، وهي في عصرنا أشد حاجة إليها من تلك العصور» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: البرهان للزركشي 1/ 379. (¬2) انظر: مناهل العرفان 1/ 335. (¬3) انظر: مباحث في علوم القرآن د صبحي الصالح ص 280. (¬4) انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم د. أبو شهبة ص 365. (¬5) انظر: تفسير المراغي 1/ 15.

مناقشة وتعقيب

مناقشة وتعقيب: عامة من تحدث عن الرسم العثماني من المعاصرين، قالوا: اختلف العلماء فيه على قولين، فمنهم من يقول بالتوقيف، ومنهم من يقول بالاصطلاح، فيجعلون رأي المتأخرين قسيم مذهب علماء الأمة (¬1). إن هذا التقسيم الذي وضعه المتأخرون، لا يقوم على أسس علمية، وهو غير صحيح في نظري، لأن العلماء الأوائل لم يختلفوا في وجوب اتباع الرسم العثماني، فأجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم على ذلك، إلى أن جاء محمد بن الطيب الباقلاني المتوفى سنة 403 هـ، ثم جاء بعده العز بن عبد السلام المتوفى سنة 606 هـ، وجاء بعدهما عبد الرحمن بن خلدون المتوفى سنة 808 هـ في القرن الثامن، فقالوا بتغيير الرسم، وكتابة المصاحف على ما أحدثه الناس من الهجاء. ومن ثم رأيت من الإجحاف وعدم الإنصاف أن يقولوا: «اختلف العلماء على قولين»، فهذا فيه إيهام بأنهما متساويان، وفيه إجحاف بأحد القولين، لأن الذين قالوا بعدم الوجوب متأخرون وبعد قرون من الزمن، ويعد هذا القول محدثا طارئا ولا يرقى أن يكون مذهبا يساوي مذهب علماء الأمة، لأن الذين ذهبوا إلى وجوب اتباع الرسم العثماني هم أئمة الأمة وعلماؤها وخيارها كما سيتضح ذلك في نصوصهم ورواياتهم الآتية: ¬

_ (¬1) انظر: لمحات في علوم القرآن للصباغ 125، مناهل العرفان 1/ 377، رسم المصحف للفرماوي 22.

روى الداني بسنده قال: قال أشهب: سئل مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواو والألف: أترى أن تغيّر من المصحف، إذا وجدت فيه كذلك، فقال: لا. قال أبو عمرو الداني: يعني الواو، والألف المزيدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ» (¬1). بل جاء أصرح من ذلك في موضع آخر عن الإمام مالك؛ روى أبو عمرو الداني بسنده عن عبد الله بن عبد الحكم، قال: «قال أشهب: سئل مالك، فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفا اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى» (¬2). وعقب على كلامه أبو عمرو فقال: «ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة» (¬3). وقال الجعبري معقبا على قول مالك رضي الله عنه: «وهذا مذهب الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وخص مالكا لأنه حكى فتياه، ومستندهم مستند الخلفاء الأربعة» (¬4). ومعنى الكتابة الأولى في قول مالك: تجريدها من نحو النقط والشكل (¬5)، ووضعها على مصطلح الرسم من البدل والزيادة والحذف (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: المقنع 28، البرهان 2/ 14، الإتقان 2/ 470. (¬2) انظر: المحكم 11، المقنع 9، 10، البرهان 2/ 13، الوسيلة 18، الإتقان 2/ 470. (¬3) انظر: المقنع 10، الجميلة 39، الإتقان 2/ 470. (¬4) انظر: الجميلة للجعبري ورقة 39. (¬5) سيأتي الكلام عليه في ص: 226. (¬6) انظر: الجميلة للجعبري ورقة 39.

فمعنى كلام أبي عمرو الداني، وهو من كبار العلماء الحفاظ المتقنين أنه لم يعرف مخالفا لوجوب اتباع الرسم العثماني إلى منتصف القرن الخامس، وحتى بعد ذلك لا نعلم أحدا خالف في ذلك ممن يعتد بقوله، إلا العز بن عبد السلام ولا عبرة بخلافه، ولا خلاف غيره إن وجد، وقد ردّ عليه قوم من علماء هذا الشأن كما سنذكره. وبعد هذا فلا معنى لتسوية القول الحادث الطارئ بقول علماء الأمة وخيارها. فأخطئوا في المنهج وأخطئوا فيما ذهبوا إليه من عدم وجوب اتباع الرسم العثماني. فإن المتقدمين لم يختلفوا فيه، وإنّما هو عندهم سنة متبعة، وعقب علم الدين السخاوي على قول مالك، فقال: «والذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ فيه بقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى، بعد الأخرى، ولا شك أن هذا هو الأحرى، إذ في خلاف ذلك تجهيل بأولية ما في الطبقة الأولى» (¬1). أورد الزركشي عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: «وترى القراء لم يلتفتوا إلى مذهب العربية في القراءة، إذا خالف ذلك خط المصحف، واتباع حروف المصاحف عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها» (¬2). ¬

_ (¬1) الوسيلة للسخاوي ورقة 18، إرشاد الحيران 59. (¬2) انظر: البرهان 2/ 15.

وقال الفراء (ت 202 هـ): «اتباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة القراء أحب إليّ من خلافه» (¬1). وقال البيهقي أحمد بن الحسين (ت 458 هـ): «من كتب مصحفا، فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم» (¬2). وقال الإمام أحمد رحمه الله: «تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك» (¬3). وفي شرح الطحاوي: ينبغي لمن أراد كتابة القرآن أن ينظم الكلمات كما هي في مصحف عثمان- رضي الله عنه- لإجماع الأمة على ذلك» (¬4). وجاء في المحيط البرهاني- في فقه الحنفية- ما نصه: «أنه ينبغي أن لا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني» (¬5). وجاء في حواشي المنهج- في فقه الشافعية- ما نصه: «كلمة: الربوا تكتب بالواو والألف كما جاء في الرسم العثماني، ولا تكتب في القرآن بالياء أو الألف لأن رسمه سنة متبعة» (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البرهان 2/ 12. (¬2) انظر: شعب الإيمان للبيهقي 5/ 600، البرهان 2/ 14، الإتقان 2/ 470. (¬3) انظر: البرهان 2/ 14، الإتقان 2/ 470. (¬4) سمير الطالبين 20، الجمع الصوتي 299. (¬5) مناهل العرفان 1/ 379، رسم المصحف 35. (¬6) مناهل العرفان 1/ 379، رسم المصحف 35، ولم أقف على هذه الأقوال في منابعها الأصلية.

فاتفق الجمهور على وجوب التمسك والعمل بالرسم العثماني، ونقل الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتباع مرسوم المصحف العثماني (¬1) كما تقدم. وقال محيي السنة أبو محمد الحسين البغوي (ت 516 هـ): «ثم إن الناس كما أنهم متعبّدون باتباع أحكام القرآن وحفظ حدوده، فهم متعبّدون بتلاوته، وحفظ حروفه على خط المصحف الإمام، الذي اتفقت الصحابة عليه» (¬2). ويرى القاضي عياض المتوفى 544 هـ أن اتباع رسم المصحف واجب، فقال: «من نقص من القرآن حرفا، قاصدا لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا لكل هذا، أنه كافر» (¬3). قال علم الدين السخاوي (ت 643 هـ): «وما كتبوا- الصحابة- شيئا عن ضعف معرفة، وعدم تحصيل. فإياك وما تراه من قول: لم تكن العرب أهل كتاب وأقلام، ففي هجائهم ضعف ونقص، ويحتج بقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» ويحتج أيضا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان لا يكتب، فإنما ذلك كله لعدم التحصيل. ¬

_ (¬1) انظر: الجميلة للجعبري 39. (¬2) انظر: النشر لابن الجزري 1/ 38، تفسير البغوي 1/ 30. (¬3) انظر: نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي 4/ 557.

أما كون رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يكتب فذلك فضيلة في حقه وآية من آياته، على ما لا يخفى، وأما قوله: «إنا أمة أمية» فذلك غالب حالهم. وقد كتب منهم جماعة، وكانوا الغاية القصوى في المعرفة والذكاء والفطنة» (¬1). وقال نظام الدين الحسن النيسابوري المتوفى 728 هـ: «وقال جماعة من الأئمة: إن الواجب على القراء، والعلماء، وأهل الكتابة، أن يتبعوا هذا الرسم في خط المصحف، فإنه رسم زيد بن ثابت، وكان أمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكاتب وحيه، وعلم من هذا العلم- بدعوة النبي صلى الله عليه وسلّم ما لم يعلمه غيره، فما كتب شيئا من ذلك إلا لعلة لطيفة، وحكمة بليغة، وإن قصر عنها رأينا» (¬2). وقال الشيخ بدر الدين الزركشي المتوفى 794 هـ: «ولما كان خط المصحف هو الإمام الذي يعتمده القارئ في الوقف والتمام، ولا يعدو رسومه، ولا يتجاوز مرسومه، قد خالف الخط الإملائي في كثير من الحروف والأعلام، ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق، وجب الاعتناء به، والوقوف على سببه» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الوسيلة للسخاوي ورقة 21. (¬2) انظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان 1/ 40. (¬3) انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 376.

ورد كلام ابن خلدون كثير من العلماء، قال الشيخ حفني ناصف، في معاضدة بقاء الرسم العثماني للمصحف: «ولا نعلم أن أحدا من العلماء تشكك في هذا الأمر، إلا ابن خلدون في القرن الثامن، وبعض رجال الأزهر في القرن الرابع عشر، وليس أحد منهما إماما مجتهدا والحمد لله» (¬1). أقول: إن القرآن كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والوحي لا يزال ينزل، ولو وقع فيه خطأ في الرسم لبينه الوحي ونزل فيه، كما نزلت آيات العتاب، ولم يكن الله عز وجل ليدع الخطأ في كتابه الكريم، وهو الذي يقول: إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحفظون [الحجر: 9]. لأن الخطأ في الرسم يلزم منه خطأ في بعض وجوه القراءة، وبما أن هذا لم يقع يتبين ضعف كلام ابن خلدون ومن سار على شاكلته (¬2). وأما ما يراه أبو بكر الباقلاني من أن الرسم العثماني لا يلزم أن يتبع في كتابة المصحف، فهو رأي ضعيف، لأن الأئمة في جميع العصور المختلفة درجوا على التزامه في كتابة المصاحف، ولأن سد ذرائع الفساد، مهما كانت بعيدة، أصل من أصول الشريعة (¬3). وأن ما احتج به العز بن عبد السلام لما رآه من: «عدم جواز كتابة المصاحف الآن على المرسوم الأول خشية الالتباس، ولئلا يوقع في تغيير من ¬

_ (¬1) تاريخ المصحف، بحث نشر في مجلة المقتطف، ع أول يوليو 1933 8 ربيع الأول 1352، الجزء 2 من المجلد 83 ص 205، نقله اللبيب في الجمع الصوتي 292. (¬2) انظر: الجمع الصوتي ص 300. (¬3) انظر: مجلة الأزهر، ج 1، المجلد 7، ص 729، عدد محرم سنة 1355 هـ.

الجهال» رده كثير من العلماء. وعقب على رأيه الإمام محمد رشيد رضا في فتاويه، وقال: «ليس بشيء، لأن الاتباع، إذا لم يكن واجبا في الأصل وهو ما لا ينكره، فترك الناس له لا يجعله حراما أو غير جائز لما ذكره من الالتباس» (¬1). وقد ذهب إلى تضعيف القول بعدم الوجوب طائفة من العلماء الأعلام. قال الإمام أبو عبد الله بن الحاج (ت 737 هـ) (¬2): «ويتعين عليه- ناسخ المصحف- ترك ما أحدثه بعض الناس، في هذا الزمن، وهو أن ينسخ الختمة على غير مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة على ما وجدته بخط عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال مالك رحمه الله: القرآن يكتب بالكتابة الأولى. ولا يجوز غير ذلك، لأن من لا يعرف الرسم من الأمة، يجب عليه أن لا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصاحف، فإن فعل غير ذلك، فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف، ومن علل بشيء، فهو مردود عليه لمخالفته الإجماع، وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمن، فليتحفظ من ذلك في حق نفسه، وفي حق ¬

_ (¬1) انظر: فتاوى الإمام محمد رشيد رضا، المجلد 2، ص 789 - 794، جمعها صلاح الدين المنجد، نقلا من الجمع الصوتي 302. (¬2) انظر: ألف سنة من الوفيات 190.

غيره» (¬1). ونقل الشيخ محمد حبيب الله عن صاحب كتاب الفوائد المهمة إجماع أئمة القراء، وأهل الأداء على لزوم متابعة مرسوم الخط، وقال: «وقد قالوا إن خط المصاحف سنة متبعة، لا يجوز لأحد أن يخالفه في الحذف، والإثبات، والزيادة، والنقصان، والقطع، والوصل، والإبدال» (¬2). قال الإمام أبو عبد الله الجريني (ت 783 هـ): «فالواجب على القراء والكتاب أن يعرفوا رسم المصاحف العثمانية ويتبعوه، فإنه رسم زيد بن ثابت رضي الله عنه، فإنّه لم يكتب شيئا من ذلك إلا لعلة لطيفة، وحكمة بالغة، ولا يجوز لأحد أن يخالف ما كتبه زيد، لأنه كان أمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكاتب وحيه، ولا يجوز أن يقيس هجاء المصحف العظيم، ولكن يتلقاه بالقبول والتسليم». وقال: «من طعن في شيء من هجائه، فهو كالطاعن في تلاوته. فلا بدّ من معرفة هجاء المصحف الواجب علينا اتباعه، ونميزه من هجاء الخط الذي بني على القياس» (¬3). ونقل أبو العباس الونشريسي (ت 914 هـ) في المعيار قول الإمام المقرئ أبي عبد الله الكناني (ت 811 هـ)، فقال: ¬

_ (¬1) انظر: مدخل الشرع الشريف 4/ 86. (¬2) انظر: إيقاظ الأعلام ص 23. (¬3) انظر: جامع الكلام في رسم مصحف الإمام، مخطوط رقم 771، فيلم بالجامعة الإسلامية، مصدره المكتبة الأزهرية رقم 22307.

«والكتابة عبارة عن الرسوم المخصوصة التي وضعها الصحابة رضي الله عنهم في مصحف الإمام المجمع عليه، والمكتوب كلام الله القديم المدلول عليه بصور تلك الرسوم المجمع عليها، وهي محدثة، ولما كانت كذلك توفرت الدواعي إلى نقلها، فنقلها الناس تواترا لقراءاتهم وكتاباتهم، فلا يجوز لهم أن يقرءوا قراءة تخالف صورة الخط، ولا أن يكتبوا كتابة مخالفة للرسوم التي وضعها الصحابة رضي الله عنهم في المصاحف المجمع عليها، فالمكتوب متواتر بنقل دليله المتحد» (¬1). ونص ابن القاضي- وهو إمام الأئمة في علم هجاء المصاحف- على وجوب اتباع خط المصاحف، فقال: «اعلم رحمنا الله وإياك أن متابعة مرسوم الإمام أمر واجب محتم على الأنام كما نص عليه الأئمة الأعلام، فمن حاد عنه فقد خالف الإجماع، ومن خالفه فحكمه معلوم في الشرع الشريف بلا نزاع» (¬2)، ثم نقل كلام أئمة هذا الشأن، وقال: «ولا يجوز غير ذلك، ولا يلتفت إلى اعتلال من خالفه بقوله: إن العامة لا تعرف مرسوم المصحف، ويدخل عليهم الخلل في قراءتهم في المصحف، إذا كتب على المرسوم أي العثماني، إلى آخر ما عللوا به، فهذا ليس بشيء، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة، يجب عليه أن ¬

_ (¬1) انظر: المعيار المعرب والجامع المغرب للونشريسي 12/ 149، إيقاظ الإعلام 20، بيان الخلاف والتشهير 27. (¬2) انظر: بيان الخلاف ص 24.

لا يقرأ في المصحف حتّى يتعلم القراءة على وجهها، ويتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما أجمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف. ومن علل بشيء فهو مردود عليه لمخالفته للإجماع المتقدم وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمن، فليتحفظ من ذلك في حق نفسه وحق غيره» (¬1). ولقد تأملت رأي من قال: تكتب مصاحف بالرسم العثماني خاصة للعلماء والعارفين، وتكتب مصاحف بالرسم القياسي لعامة الناس، فظهر لي أن فيه تقسيما وتشتيتا للأمة الإسلامية، ومما يزيد في ضعف هذا القول، أنه يؤدي إلى اختلاف المصاحف، وتعددها بين قديم مأثور وحديث، ووحدة المصاحف خير من اختلافها، وتعددها يلزم منه اختلاف القلوب. ثم إن هذا التعدد في المصاحف الذي دعوا إليه هو الذي حدا بسيدنا عثمان رضي الله عنه إلى نسخ المصاحف وإرسالها إلى الآفاق، وأتلف ما عداها بالحرق والمحو وغيرهما، فهؤلاء يريدون تفريق جمع سيدنا عثمان، وما أحرقها إلا لمخالفة رسمها رسم صحف أبي بكر، وكان إحراقها منه إعلاما بأن كل ما يخالف هذا الرسم باطل مردود (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: بيان الخلاف ص 25، 26، إيقاظ الأعلام 20. (¬2) انظر: رسم المصحف للفرماوي 29.

قال الدكتور فهد الرومي: «ولو كان المراد صحة التلاوة، لأبقوا مصاحفهم، وتلوا كما جاء في مصحف عثمان، ولكنهم لما علموا أن الأمر يشمل القراءة والكتابة، بادروا من فورهم إلى التخلص مما بأيديهم (¬1)، ولذلك نجد أن بعض الصحابة كانت لهم مصاحف يقرءون فيها، فلما نسخ سيدنا عثمان المصاحف تركوا مصاحفهم، واتبعوا المصحف الإمام» (¬2). قال مكي: «وهذا الاختلاف الذي يخالف خط المصحف، وما جاء منه مما هو زيادة على خط المصحف، أو نقصان من خط المصحف، أو تبديل لخط المصحف ... هو الذي سمع حذيفة في المغازي وسمع ردّ الناس بعضهم على بعض، ونكير بعضهم على بعض، فحداه ذلك على إعلام عثمان رضي الله عنه، وهو الذي حداه على جمع الناس على مصحف واحد، ليزول ذلك الاختلاف فافهمه» (¬3). ومما اعترضوا به على عدم وجوب اتباع رسم المصحف العثماني اختلاف خطوط المصاحف. وهذا الاعتراض مردود باطل من وجوه: إن أرادوا أشكال الحروف وصورها، فهذا لا خلاف فيه بين علماء الأمة قاطبة، وينحصر الخلاف في الزيادة، والنقص، والبدل. وإن أرادوا اختلاف المصاحف في حروف معينة، فذلك من الحروف ¬

_ (¬1) خصائص القرآن 184. (¬2) انظر: الضياء المبين فيما يتعلق بكلام رب العالمين للإمام التونسي الكافي 50. (¬3) انظر: الإبانة لمكي ص 126.

التي لا يحتملها الرسم فوزعها الصحابة رضي الله عنهم في سائر مصاحف الأمصار، لأنها من الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن مثل قوله تعالى: سارعوا، وقوله: وسارعوا. وإن أرادوا اختلاف مصاحف الصحابة والتابعين، فذلك يكون مما نسخ في العرضة الأخيرة، أو يكون مما ألحقه بعض الصحابة والتابعين، كالتفسير، والبيان. ومما اعترضوا به على القول بإجماع العلماء على وجوب اتباع رسم المصحف قولهم: «وإجماع الأمة عليه بعد ذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين غير مسلم، فقد أحدثوا النقط والشكل». فهذا الاعتراض باطل مردود، فإن ما أحدثه التابعون ومن بعدهم من النقط والشكل، لا يخرق الإجماع ولا يؤثر فيه، لأنهم وضعوا نقط الإعجام ونقط الإعراب والهمزات بعيدا عن الرسم، فلا يلتبس بالرسم، فإن نقط الإعجام ليست له صورة فيتوهم من أجلها دخوله في الرسم. وأما نقط الإعراب فكرهه جماعة كابن عمر، ومحمد بن سيرين، والنخعي، والحسن، وجوّزه مالك في الألواح للصبيان. ثم وفقهم الله عزّ وجل فجعلوه بالألوان، ومنعوا أن يكتب بالسواد منعا لالتباس الرسم بالشكل، فجعلوا الهمزة المحققة بالصفرة، والمسهلة والحركات بالحمرة، وعلامة الابتداء بالخضرة. قال أبو عمرو الداني: «لا أستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم» ثم قال: «وأرى أن تكون الحركات والتنوين والتشديد

والسكون بالحمرة، والهمزات بالصفرة» (¬1). واستمر الحال على ذلك حتى ظهرت المطابع الحديثة فتعسر ذلك، فجعلوا نقط الإعراب وجميع الملحقات بحروف صغيرة تمييزا لها عن الرسم، فهي من الضبط، وبالغ علماء الرسم في المحافظة على هجاء المصاحف فمنعوا أن تقطع خط المصحف أو تتصل به. وأصبح الآن إلحاق هذه الحروف المحذوفة بالحمرة والألوان متيسرا وممكنا، وحينئذ لم يلتبس رسم الصحابة بشكل التابعين. إن هؤلاء الذين ينادون بتغيير الرسم العثماني (¬2)، ارتكبوا أخطاء جمّة في مناداتهم تلك: الأول: اعتقادهم أن القرآن يتلقى من المصاحف والصحف، وهذا أمر لم يقل به أحد من أئمة القراء، وهو خطأ في التصور. فالأساس الذي انطلق منه هؤلاء، وبنوا عليه دعوتهم فاسد، وما بني على فاسد فهو فاسد باطل. فإن حفظ القرآن وتلاوته لم يعتمد على المصاحف وحدها، بل على التلقي، والمشافهة، والسماع، والرواية. وكان أبو داود- رحمه الله- كثيرا ما يحث على الأخذ بالسماع والمشافهة ¬

_ (¬1) انظر: المحكم ص 19، 22. (¬2) طائفة من المحدثين أطلقت ألسنتها تصف الرسم بما نجل الرسم والصحابة الذين كتبوه عن مجرد ذكره، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على الجهالة في العلم، وسوء النية، وخبث القصد، والجهل المطبق بالرسم والقراءات. انظر: الحروف اللاتينية لكتابة العربية لعبد العزيز فهمي 21، 23، الفرقان لابن الخطيب محمد عبد اللطيف ص 57، 71 صودر الكتاب ومنع من التداول بقرار من شيخ الأزهر.

فقال: «إذ لا غنى لقارئ هذا الحرف من مشافهة العالم فيه إذ لا يقدر على اللفظ به من الكتاب» (¬1). وأثر عن بعضهم القول: «لا تأخذوا القرآن من مصحفي، ولا العلم من صحفي» (¬2). وهذا واضح من السنة، فهذا معلم الأمة صلى الله عليه وسلّم كان يتعلم القرآن من جبريل عليه السلام، ويشافهه به، ويعارضه القرآن في كل عام في شهر رمضان، وعارضه عام وفاته بالقرآن مرتين كما جاء في الصحيح (¬3). واتبع سنته صحابته رضي الله عنهم في الحفظ عن طريق السماع والتلقي فهذا عبد الله بن مسعود يقول: «حفظت من في رسول الله صلى الله عليه وسلّم بضعا وسبعين سورة» (¬4). ويبين عمن أخذ باقيه فيقول في رواية أخرى: «وأخذت بقية القرآن عن أصحابه» (¬5). ويتجلى ذلك في المصاحف التي نسخها عثمان رضي الله عنه، فأرسل مع كل مصحف قارئا، فهذا دليل قاطع على أن من أحكام القراءة ما لا يمكن إتقانه، إلا بالتلقي والسماع والمشافهة. ¬

_ (¬1) انظر: أصول الضبط ورقة 153. (¬2) انظر: شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري ص 10. (¬3) انظر: فتح الباري 9/ 43، 4/ 116. (¬4) صحيح البخاري فضائل القرآن 6/ 102، مسلم فضائل الصحابة 4/ 1912. (¬5) فتح الباري لابن حجر 9/ 48.

القراءة رواية وسند وتلق، وليس خط المصاحف إلا كالتذكرة (¬1). ولو كتبناه بالرسم القياسي- كما يقولون- لا يزول اللبس الذي ادعوه، لأن في القراءات كيفيات خاصة ثابتة بالرواية والنقل، وهي لا تعرف إلا بالمشافهة والتلقي والتعليم، إذ لا يوجد في الرسم ما يرشد إليها، كالمدّ، والإمالة، والإظهار، والإدغام، والغنة، والإشمام، والروم، وغيرها. وإن أبا داود رحمه الله خالف شيخه في ضبط الإخفاء والاختلاس، فقال: «وأنا أخالفه في هذا الباب، وأختار ترك ضبط العشر الكلمات المذكورات لمن أخفاها واختلسها ممن تقدم ذكره، إذ لا يقدر أحد أن يلفظ بهن مخفاة ولا مختلسة من الكتاب حتى يأخذ ذلك مشافهة من العالم مع رياضة، وتفهم، وتعلم» (¬2). وعلل ذلك بقوله: «لأنه لا يتوصل إلى حقيقة اللفظ بها إلا بالمشافهة من فم المقرئ دون الضبط والخط» (¬3). الثاني: اعتقادهم أن الصحابة رضي الله عنهم اصطلحوا على هذا الرسم، وحينئذ لا يوجب ذلك اتباعهم وهذا قصور في التصور، وخطأ في الاعتقاد. وهذا الزعم أيضا فاسد، وكل ما بني على فاسد فهو فاسد بل يكون آكد في حقنا اتباعه والعمل به، فتأكد من جهتين: ¬

_ (¬1) انظر: التحرير والتنوير 30/ 556. (¬2) انظر: كتاب أصول الضبط ورقة 240. (¬3) انظر: كتاب أصول الضبط ورقة 137.

الأولى: إقرار الرسول صلى الله عليه وسلّم لهذا الرسم. والثانية: عمل الصحابة رضي الله عنهم، وهذا أيضا وحده كاف في وجوب الاقتداء بهم، والعمل على الاتباع لهم فهؤلاء القوم يزعمون أن عمل الصحابة غير واجب الاتباع وهذا خطأ جسيم. إنّ الصحابة رضي الله عنهم نقلوا لنا القرآن والسنة وما تفرع عنهما بما في ذلك هجاء المصاحف، فيجب عدم مخالفتهم، لأننا مأمورون باتباع الصحابة رضي الله عنهم والاقتداء بهم. فإن كان الرسم توقيفيا كان اتباعنا له ألزم، وإن كان اصطلاحا من الصحابة كان عملنا به أحق واتباعنا له ألزم، فعلى كلا القولين يلزمنا اتباعه. فاتباع الصحابة واجب، وبخاصة الخلفاء الراشدين، وذلك لحديث العرباض بن سارية، ومما جاء فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: « ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» (¬1). وجمع هذين القولين الشيخ محمد بن العاقب، فقال: ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة 1/ 15، وأبو داود 5/ 5، وابن حبان 1/ 166، والترمذي «تحفة الأحوذي 7/ 438» وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم 1/ 95، ووافقه الذهبي، وكذا أخرجه أحمد 4/ 126.

رسم الكتاب سنة متبعة* كما نحا أهل المناحي الأربعة لأنه إما بأمر المصطفى* أو باجتماع الراشدين الخلفا وكل من بدّل منه حرفا* باء بكفر أو عليه أشفى (¬1) قال اللبيب في شرح العقيلة: «فيلزمنا اتباعهم- الصحابة رضي الله عنهم- إذ هم الأئمة، والصحابة، والعمدة، فما فعله صحابي واحد، وأمر به، فلنا الأخذ به، والاقتداء بفعله، والاتباع لأمره، فكيف وقد اجتمعت الصحابة على كتب المصحف حين كتبوه، نحو اثني عشر ألفا من الصحابة رضي الله عنهم، ونحن مأجورون على اتباعهم، ومأثومون على مخالفتهم. فينبغي لكل مسلم عاقل أن يقتدي بهم، وبفعلهم، فما كتبوه بغير ألف فواجب أن يكتب بغير ألف، وما كتبوه متصلا فواجب أن يكتب متصلا، وما كتبوه منفصلا فواجب أن يكتب منفصلا، وما كتبوه من هاء التأنيث بالتاء فواجب أن يكتب بالتاء، وما كتبوه بالهاء فواجب أن يكتب بالهاء» (¬2). ثم قال: «لأنهم لم يرسموا شيئا، إلا على أصل، وعلم، ومعرفة، وقصد، وذلك لمعان جمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم» (¬3). الثالث: جهلهم بالصلة الوثيقة التي بين هذا الرسم ووجوه القراءات وأصواتها وأدائها. ¬

_ (¬1) انظر: إيقاظ الأعلام لمحمد بن حبيب الله 16. (¬2) الدرة الصقيلة 18. (¬3) الدرة الصقيلة ورقة 26.

وقد لا يكون الواحد منهم يحسن رواية واحدة من طريق واحد، فكيف بالقراءات العشر المتواترة بالروايات والطرق المتعددة، فأي تغيير في بعض الحروف يلزم منه تغيير في بعض وجوه هذه القراءات، وإن لم يظهر لنا ذلك في بعضها الآخر. من المعلوم لدى علماء القراءات أن تغيير حرف من رسم القرآن غالبا ما يؤدي إلى تغيير في نص القرآن، إما بتغيير في بنية الكلمة يترتب عليه تحريفها، أو تغيير في الوقف، أو ربّما أدّى إلى إسقاط قراءة منزلة. فكتابة «ملك» بألف بعد الميم يسقط القراءة بحذف الألف وهي متواترة. كما أنه لو كتبت: «امرأت» و «رحمت» و «نعمت» في مواضعها المفتوحة بالهاء لتغير حكم الوقف عليها. ومثلها لو حذفت الألف في الخط من قوله عز وجل: الظنونا (الأحزاب: 10) والرّسولا (الأحزاب: 66) والسبيلا (الأحزاب: 67) لسقطت القراءة بالألف، وهي متواترة، فأي تغيير في الرسم في هذه المواضع وأمثالها يؤدي إلى تغيير في القراءة، أو إخلال فيها، أو إسقاط لها. ولقد عبّر عن هذه الصلة الوثيقة بين القراءة والرسم أبو العباس المهدوي، فقال: «كانت الحاجة إليه كالحاجة إلى سائر علوم القرآن بل أهم، ووجوب تعليمه أشمل وأعم، إذ لا يصح معرفة بعض ما اختلف القرّاء فيه دون معرفته» (¬1) أي الرسم. ¬

_ (¬1) انظر: هجاء مصاحف الأمصار للمهدوي 75.

قال الدكتور عبد الحي الفرماوي: «فربما كان الترخيص في رسم المصحف المأثور قريبا- على نحو ما- من أسلوب التحريف» (¬1). ولو أهملنا هذا الرسم لضاع، وبضياعه يضيع كثير من هذه اللغات، والقراءات، والأوجه، التي لا يمكن الاستدلال عليها حينئذ بالمصاحف التي هي أوثق وأصدق الحديث، فهجاء المصاحف له تعلق كبير بالقراءات، وأصواتها، وأدائها، فيجب الاحتياط الشديد لبقاء القرآن على أصله لفظا وكتابة، سدا للذرائع، ومنعا من فتح باب الاستحسان في كتابة القرآن. الرابع: التناقض العجيب الذي وقعوا فيه، وهو إذا كان السبب الدافع إلى كتابة المصاحف بالرسم القياسي على حد دعواهم هي هذه الحروف المحذوفة والزائدة في المصحف، فإن الكتابة بالرسم القياسي في غير المصحف لا تخلو من هذه الحروف الزائدة والناقصة، من ذلك مثلا: «هذا» و «ذلك» و «لكن» و «أولئك» و «قالوا» و «الشمس» و «النّهار». فيتفقون مع مرسوم المصاحف، ولكثرة استعمالهم لها لا يشعرون بذلك (¬2). قال الشيخ محمد رجب فرجاني: «وليس هذا الحال قاصرا على اللغة العربية وحدها، ولا على رسم المصحف وحده، بل عمّ ذلك جميع اللغات التي يتكلم بها البشر» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: رسم المصحف 165. (¬2) انظر: تاريخ القرآن وغرائب رسمه 133. (¬3) انظر: كيف نتأدب مع المصحف ص 91.

ثم إن رسم المصحف لا يخالف قواعد الرسم القياسي إلا في كلمات معينة معدودة لأغراض بلاغية، ومن السهل معرفتها، ووضعت عليها علامات من الشكل والضبط تدل على الحروف المحذوفة التي ينطق بها، وأمارات معينة تدل على الحروف الزائدة التي لا ينطق بها، ونص على ذلك نساخ المصاحف في ذيل آخر كل مصحف إرشادا وتيسيرا للقارئ، بعد التلقي والسماع من المقرئ، لأنه لكل علم أدواته ومبادئه واصطلاحاته التي يجب أن تعلم قبل الإقدام عليه. ثم إن المبتدئ في أول مراحل التعليم الذي عرف زيادة الألف بعد واو الجمع في نحو: «قالوا»، وحذفها في نحو قوله: «هذا» وشبهه في الرسم القياسي يعرف زيادة ذلك وحذفه في الرسم العثماني، لا فرق بين هذا وذاك. بل إن علامة الفتحة، والضمة، والكسرة، لا تدل في نفسها على كيفية النطق بها في أول مراحل التعليم، وإنما لما اقترن وضع الحركة على الحرف بكيفية النطق بها تعلمها الصغار، فهي علامة على الكيفية، ولا تدل على الكيفية. وهذا واضح وجلي من طريقة أبي الأسود الدؤلي في تنقيط المصحف حيث قال لكاتبه: «إذا فتحت فمي فانقط فوق الحرف، وإذا ضممت شفتي فانقط أمامه، وإذا كسرتهما فانقط تحته (¬1)» فاقترن الخط بالمشافهة بالكيفيات. ¬

_ (¬1) انظر: مراتب النحويين 29، أخبار النحويين 34، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 39، المحكم ص 4.

وبمثل ذلك يقال في الحروف المثبتة والمحذوفة والمبدلة في الرسم العثماني لا فرق بين هذا وذاك. وحينئذ الطريقة واحدة في التعليم والتلقي، لا فرق بين تعلم الرسم العثماني والرسم القياسي، بل هناك ما يدعو إلى أن الرسم في بعض الحالات يكون أسهل، إذا علمت بعض مزايا الرسم العثماني وفصاحته وبلاغته. وإن أهل المغرب (¬1) كانوا، ولا يزالون، لا يفصلون بين حفظ القرآن ورسمه، ودرج على ذلك سلفهم وخلفهم فيعتقدون أن الحفظ لن يتم، ولا يسمى الحافظ حافظا، حتى يتقن حفظ القرآن مع حفظ رسمه حرفا حرفا وكلمة كلمة، فتقرر عندهم أن المكتوب والمحفوظ شيء واحد، لا يمكن الفصل بينهما، ولا يخطر ببالهم غير ذلك، فهذا معتقدهم، ويبالغ الشيخ المقرئ في المحافظة على الرسم في اللوح من أول الحفظ مع تلاميذه المبتدئين. فهذه طريقة المغاربة في الحفظ، التي حفظنا القرآن بها، ولم نسمع أحدا منهم شكا من أمر صعوبة الرسم، بل يأخذونه مسلّما لأنه رسم زيد بن ثابت. ولا يجاز الطالب إلا على حفظ القرآن عرضا وسماعا مع رسمه وإعرابه بالنقط والشكل (¬2). ¬

_ (¬1) لا أعني الاصطلاح الجغرافي الذي صنعه الاستعمار، وإنما أعني به: المغرب، والجزائر، وتونس، وموريتانيا، وليبيا، والأندلس، وكذا بلاد السودان. (¬2) انظر: هذه التسميات: جمال القراء 1/ 23، الإتقان 1/ 144.

والدليل على ما للمغاربة من تفوق في حفظ القرآن، وإتقان رسمه معا، ما ذكره عبد الرحمن بن خلدون، إذ قال: «فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان، الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله» إلى أن قال: «وهذا مذهب أهل الأمصار من المغرب في ولدانهم إلى أن يجاوزوا البلوغ إلى الشبيبة، وكذا في الكبير، إذا رجع إلى مدارسة القرآن الكريم بعد طائفة من عمره، فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه ممن سواهم» (¬1). فابن خلدون يقرر أن الأولاد يتعلمون الرسم مع تعليم القرآن ويحفظون رسمه كما يحفظون القرآن عرضا فهم فيه متفوقون. ولعل هذه هي الحكمة من إطلاق تسميتين مشهورتين على القرآن الكريم، من بين التسميات الكثيرة، فسمي «بالقرآن» وسمي «بالكتاب» (¬2). وبين ذلك العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز، فقال: «روعي في تسميته: «قرآنا» كونه متلوا بالألسن، كما روعي في تسميته: «كتابا» كونه مدوّنا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه، وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين، لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور، والسطور جميعا ... فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب المنقول إلينا، جيلا بعد جيل، على ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة ابن خلدون الفصل 31 في تعليم الولدان 537 مقدمة تقييد وقف القرآن 21، 22. (¬2) انظر هذه التسميات: جمال القراء 1/ 23، الإتقان 144.

من فصاحة الرسم وبلاغته

هيئته التي وضع عليها أول مرة، ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر. وبهذه العناية المزدوجة ... بقي القرآن محفوظا» (¬1). فتوافرت العناية من جهتين مختلفتين من جهة حفظه وعرضه، ومن جهة رسمه وإعرابه بالنقط، وهذا واضح من فعل الرسول صلى الله عليه وسلّم حيث دعا من يكتب الوحي إلى جانب العرض والتلقي والرواية ومعارضته على جبريل. وواضح أيضا من المصاحف التي أرسلها سيدنا عثمان إلى الآفاق حيث أنفذ مع كل مصحف قارئا، فتلازمت الكتابة في الخط مع الحفظ والعرض منذ بداية النزول، ومضت على ذلك الأجيال في كل الأعصار والأمصار، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والخامس: أن العرب الخلص اتسمت لغتهم العربية بالإيجاز، وهو واد من أودية البلاغة والفصاحة، حتى قالوا: البلاغة الإيجاز، فجاء خط المصحف على سنن لغة العرب من الإيجاز في الرسم، فوافق خطهم لغتهم العربية، وبهذا تتجلى فصاحة الرسم القرآني وبلاغته. من فصاحة الرسم وبلاغته: ومما لا شك فيه أن فضل العلم بقدر شرف المعلوم، وموضوع هذا العلم هو المصحف الشريف، وإن شئت قلت: القرآن الكريم، لوجوده ¬

_ (¬1) انظر: النبأ العظيم ص 5، 7.

ومن أهم فوائد الرسم القرآني

فيه، ففضله على العلوم، كفضل المصحف أو القرآن على غيره، وناهيك به فضيلة. ومن أهم فوائد الرسم القرآني: - المطابقة اللفظية للقارئ، والمتابعة الخطية للكاتب، وتمييز أنواع المخالفة المغتفرة من غيرها (¬1). - حفظ اللسان من الخطأ، واللحن، ومعرفة الأفصح في الكتابة، وذلك لأنها نائبة عن التكلم، فالخطأ فيها يعد لحنا كالخطإ فيه، وكما أنهم عدوّا في الألفاظ فصيحا وأفصح، فكذلك عدوّا في الكتابة مثله، فقد قالوا: «الأفصح في كتابة ذوات الياء كذا، والأفصح في كتابة ذوات الواو كذا». ومن كلام العرب: الخط أحد اللسانين، وحسن الخط أحد الفصاحتين (¬2). وكما هو معلوم أن لغة قريش أفصح اللغات، فلذا كانت الكتابة على لغتهم أولى، لا سيما وقد جرى عليها رسم المصحف (¬3). قال المؤلف أبو داود: «إلا أن الخط مبني على لغة أهل الحجاز من قريش، وكنانة، ومن جاورهم» (¬4). وكان رحمه الله يفضل الكتابة بلغة أهل الحجاز على لغة غيرها مثل هذيل وسليم. ¬

_ (¬1) انظر: الجوهر الفريد في رسم القرآن المجيد 19. (¬2) انظر: المطالع النصرية 24 - 26. (¬3) انظر: المقنع 115، منجد المقرئين 100، تنبيه العطشان ورقة 12. (¬4) ذكره عند قوله تعالى: وإذا قيل في الآية 10 البقرة.

فقال عند قوله: فمن تبع هداي (¬1): «وأنا أستحب كتب ذلك بألف موافقة للغة أهل الحجاز، وللمصاحف المرسوم فيها ذلك كذلك، وهروبا من لغة هذيل وبعض سليم». وأكثر خط المصاحف موافق لقواعد الرسم القياسي، وأقله خالف الخط القياسي، منه ما ظهرت فائدته وتجلت حكمته، ومنه ما غاب عن العلماء علمه، ولم يكن ذلك من الصحابة كيف اتفق، بل لأمر عندهم قد تحقق. يقول ابن الجوزي (ت 597 هـ): «إن كتابة الصحابة للمصحف الكريم ممّا يدل على عظيم فضلهم في علم الهجاء، وثقوب فهمهم في تحقيق كل علم» (¬2). وقال علم الدين السخاوي (ت 643 هـ): «وقد كتب منهم جماعة، وكانوا الغاية القصوى في المعرفة، والذكاء، والفطنة» (¬3). وقال النيسابوري (ت 728 هـ): «فما كتب- زيد بن ثابت- شيئا من ذلك إلا لعلة لطيفة وحكمة بليغة، وإن قصر عنها رأينا» (¬4). وقال الزركشي (ت 794 هـ): «ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر ذلك في الآية 37 البقرة. (¬2) انظر: المواهب الفتحية في علوم العربية 1/ 16، النشر 1/ 12. (¬3) انظر: الوسيلة للسخاوي ورقة 21. (¬4) انظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان 1/ 40. (¬5) انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 376.

واستدل أبو الحسن أحمد بن فارس (ت 395 هـ) على قدم علم العربية بما فيه كتابة المصحف، على الوجه الذي يعلله النحاة، فقال: «ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم ذلك كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو، والياء والهمز، والمدّ، والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا، نحو الخبء (النمل: 25) ودفء (النحل: 5) وملء (آل عمران: 90) فصار ذلك كلّه حجة وحتى كره بعض العلماء ترك اتباع المصحف» (¬1). قال الإمام الألوسي (ت 1270 هـ): «والظاهر أن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا متقنين رسم المصحف، عارفين ما يقتضي أن يكتب، وما يقتضي ألا يكتب، وما يقتضي أن يوصل، وما يقتضي ألا يوصل، إلى غير ذلك، لكن خالفوا القواعد في بعض المواضع لحكمة» (¬2). قال الشيخ موسى جار الله الروسي، واصفا عمل زيد بن ثابت: «رجل كتب مصاحف عديدة، وجرى فيها على أصول له سديدة لم ينحرف عنها قط، وقد بقي عمله العظيم أزمانا مديدة، وكان لا يذهل أصلا في المواضع المناسبة عن نكات دقيقة مفيدة» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الصاحبي لابن فارس 14، البرهان 1/ 378. (¬2) انظر: روح المعاني 19/ 185. (¬3) انظر: شرح العقيلة لموسى جار الله 10.

وذهب جمهور القراء وأهل الأداء إلى أن الرسم العثماني كتب بهذه الكيفية، ليشمل الأحرف السبعة، وعللوا ذلك الاختلاف بعلل لغوية ونحوية. قال الدكتور غانم قدوري الحمد: «وهذا الاتجاه أقرب إلى الحق والواقع» (¬1). وخير من يمثل هذا المذهب إمام الإقراء أبو عمرو عثمان بن سعيد (ت 444 هـ)، فقال: «وليس شيء من الرسم، ولا من النقط، اصطلح عليه السلف، رضوان الله عليهم، إلا وقد حاولوا به وجها من الصحة والصواب، وقصدوا فيه طريقا من اللغة والقياس، لموضعهم من العلم، ومكانهم من الفصاحة، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم» (¬2). ثم قال في موضع آخر: «وعلة هذه الحروف وغيرها من الحروف المرسومة على خلاف ما يجري به رسم الكتاب من الهجاء في المصحف، الانتقال من وجه معروف مستفيض إلى وجه آخر مثله في الجواز، والاستعمال، وإن كان المنتقل عنه أظهر معنى، وأكثر استعمالا» (¬3). وقال المؤلف أبو داود عند قوله تعالى: فمال هؤلاء (¬4): ¬

_ (¬1) انظر: رسم المصحف 205. (¬2) انظر: المحكم للداني 196. (¬3) انظر: المحكم للداني 186. (¬4) من الآية 77 النساء.

«كتبوا المواضع الأربعة في جميع المصاحف على الانفصال، وكتبوا سائر ما يرد من مثلها على الاتصال، ليروا جواز الوجهين عندهم، واستعمال المذهبين في عصرهم». وهكذا اتفقت كلمة العلماء على أن كتبة المصاحف كتبوه على هذه الصفة لعلل وحكم، ولم يبينوا وجوه هذه الحكم. فتأملت هذا الموضوع كثيرا، وأعملت الفكر عنده طويلا، وسألت الله العون والتوفيق والسداد، فلاح لي بعد طول نظر وتأمل ما عساه أن يكون أوفق للصواب. من المعروف أن الإيجاز في اللغة العربية، كنز من كنوزها، بل قال بعضهم: «البلاغة الإيجاز» أو «الإيجاز هو البلاغة» (¬1). إن الحذف في الرسم العثماني ليس غريبا في لغة العرب، بل إنه سمة من سمات اللغة العربية وخصائصها. وإذا راجعنا كتاب سيبويه (ت 180 هـ) نجد أنه نص في مواضع كثيرة على ضرورة الحذف، ويبين السبب الذي ألجأ العرب إليه من طلب الخفة على اللسان، وذكر في كتابه صورا كثيرة للحذف إيجازا واختصارا مع وجود القرينة (¬2). ومثله يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) في كتابه معاني القرآن (¬3)، ومثله أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هـ) وغيرهم. ¬

_ (¬1) انظر: البيان والتبيين للجاحظ 1161. (¬2) انظر: الكتاب 1/ 24، 25. (¬3) انظر: معاني القرآن 1/ 90.

وعلل ذلك بقوله: «لأن فيما بقي دليلا على ما ذهب» (¬1)، هذا إذا كان الإيجاز في اللغة العربية يراد به الاختصار، والتخفيف، وعدم التطويل، فحسب، فما بالك بهذا الإيجاز في الرسم العثماني الذي ظهر فيه سمو البلاغة، وحسن الفصاحة، في تأدية وجوه القراءات وأصواتها. فكما أن القرآن معجز مخالف لنظم كلام المخلوقين، كتبوه على ما يخالف خطهم رعاية لتأدية هذه الأحرف المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى (¬2)، فبلاغة الرسم وفصاحته لا تقل أهمية عن بلاغة اللغة العربية وفصاحتها التي نزل بها القرآن الكريم. فالعرب لغتهم اختصت بأنها نالت شرف القرآن الكريم، ومن ثم لاحظ العرب في كتابتهم للقرآن، وبالأخص منهم كتبة المصاحف وزيد بن ثابت في رسم حروف القرآن، ذات الوجه والوجهين بطريقة خاصة وهجاء متميز لاستيعاب الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن. فالقرآن معجز في مبناه ومعناه، وبليغ فصيح في لفظه ومحتواه، فروعي في كتابته ورسمه بهجاء يحمل هذه المعاني المتعددة والأغراض البلاغية. فحفظ لنا الرسم العثماني وجوه القراءات المتواترة، فرسمه لا ينفك عن قراءاته وأداء وجوهه المنزلة. فكل تغيير في رسمه يلزم منه تغيير في بعض وجوهه، فلتنوع أغراضه، اختلفت رسومه في الخط، ومن ثم عدّه ¬

_ (¬1) انظر: أدب الكاتب 242. (¬2) انظر: المضبوط في القراءات مخطوط رقم 1772/ 1 فيلم في مكتبة الجامعة الإسلامية.

أئمة القراءة ركنا من أركان قبول القراءة. قال أبو العباس المهدوي المتوفى بعد 430 هـ: «لما كانت المصاحف التي هي الأئمة قد اجتمعت عليها الأمة تلزم موافقتها، ولا تسوغ مخالفتها، وكان كثير من الخط المثبت فيها يخرج عن المعهود عند الناس، مع حاجتهم إلى معرفته، لتكتب المصاحف على رسمه، وتجري في الوقف على كثير منه، لكل قارئ من القراء على مذهبه وحكمه كانت الحاجة إليه كالحاجة إلى سائر علوم القرآن، بل أهم، ووجوب تعليمه أشمل وأعم، إذ لا يصح معرفة بعض ما اختلف القراء فيه دون معرفته، ولا يسع أحدا اكتتاب مصحف على خلاف خط المصحف الإمام ورتبته» (¬1). فجاءت بلاغة الرسم وفصاحته مطابقة لبلاغة القرآن وفصاحته، ويظهر ذلك من عدة وجوه: أهمها أن الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا المصاحف أخلوها من النقط والشكل، ليؤدي الرسم الواحد عدة أوجه، وقراءات، ودلالات لفظية وصوتية، وإفادة بعض اللغات الفصيحة. منها: أن هاء التأنيث كتبت في بعض المواضع بالتاء، وفي بعضها الآخر بالهاء، فزعم بعضهم أن ذلك من المملي والكاتب، فإن المملي كان إذا وصل الكلمة كتبها الكاتب بالتاء على الوصل وإذا قطع الكلمة كان لفظه بالهاء، فكتب الكاتب بالهاء على لفظه. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب هجاء مصاحف الأمصار للمهدوي ص 75. .

إلا أن الأنباري والمهدوي ذكرا أن لغة طيّئ ترسم بالتاء المفتوحة فيصلون بالتاء ويقفون بالتاء. وروي أنهم نادوا يوم اليمامة: يا أصحاب سورة البقرة، فقال طائي منهم: أحمد الله ما معي منها آيت» (¬1). ونقل سيبويه عن أبي الخطاب «أن ناسا من العرب يقولون في الوقف «طلحت» كما قالوا في تاء الجمع قولا واحدا في الوصل والوقف» (¬2) فجاء الرسم على اللغتين. ومن بلاغة الرسم وفصاحته أنه إذا كان الحرف الواحد المرسوم لا يحتمل أكثر من وجه رسم على خلاف الأصل ليعلم جواز القراءة به، وبالحرف الذي هو الأصل. ويتجلى ذلك في نحو قوله تعالى: الصّراط أجمعت المصاحف على رسمها بالصاد، وإن كانت السين هي الأصل، ليدل الأصل على قراءة السين، ويدلّ الرسم والخط على قراءة الصاد. فرسم بالصاد، وهي لغة قريش، وقرئ بالسين وهي لغة عامة العرب، وكلاهما صحت به القراءة (¬3). ولو كتبت بالسين لفات ذلك، ولاعتبرت القراءة بالصاد مخالفة للأصل والرسم، ولهذا اختلف القراء في قوله تعالى: بصطة في ¬

_ (¬1) هجاء مصاحف الأمصار ص 80، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 282، 287. (¬2) انظر: كتاب سيبويه 4/ 167، إبراز المعاني لأبي شامة 274. (¬3) انظر: الجميلة للجعبري ورقة 42، الوسيلة للسخاوي ورقة 20، شرح ملا علي قاري على العقيلة ورقة 42.

الأعراف (¬1) قرئت بالسين والصاد، ولم يقع اختلاف في قوله تعالى: بسطة في البقرة (¬2) لكونها كتبت بالسين (¬3). ومن بلاغة الرسم وفصاحته ما لاحظه كتاب المصاحف في رسم هجاء المصاحف أن الكلمة إذا وردت فيها قراءات رسموها بصورة تؤدي جميع الأوجه المنزلة، وذلك بتجريدها من النقط والشكل. قال ابن الجزري: «إن الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا تلك المصاحف جرّدوها من النقط والشكل، ليحتمله ما كان في العرضة الأخيرة مما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم». وإنما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولين المفهومين» (¬4). والأمثلة على هذا النمط كثيرة؛ منها قوله تعالى: إن هذن لسحرن (¬5) رسمت في المصحف العثماني دون نقط، ولا شكل، ولا تشديد، ولا تخفيف، ولا ألف ولا ياء. فرسمها بهذه الكيفية، ومجيئها على هذه الحال أدى جميع القراءات المتواترة التي رويت بأسانيد صحيحة. ¬

_ (¬1) من الآية 68 الأعراف. (¬2) من الآية 245 البقرة. (¬3) انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم 346. (¬4) انظر: النشر 2/ 33. (¬5) من الآية 62 طه، انظر: النشر 2/ 320، مناهل العرفان 1/ 374.

فمثل هذا الإيجاز في الفصاحة والبلاغة، يقصر دونه أي رسم آخر، فلو رسمت الألف أو الياء في الخط على حد زعمهم لسقطت جميع القراءات الأخرى المتواترة، فرسم واحد أدّى وجوها كثيرة. قال المؤلف أبو داود وهو يتحدث عن قوله تعالى: لما ءاتينكم (¬1): «واكتفى الصحابة بفتح النون من الألف لدلالتها عليها حسب ما تقدم، وجمعها بين القراءتين بصورة واحدة حسب ما فعلوه في سائر المصاحف رضي الله عنهم». وهذا الحذف حذف الألف لم يكن مقصورا على الرسم العثماني، وليس غريبا على لغة العرب، بل ورد الحذف في لغة العرب، ذكر ذلك أبو جعفر الطحاوي (ت 321 هـ) في معرض حديثه عن قوله تعالى: زكية (¬2) واختلاف المصاحف فيها بالحذف والإثبات، قال: قال الكسائي إنهما لغتان بمعنى واحد، والعرب قد تفعل مثل هذا فتقول: القاصي، والقصي. وأنشدني بعض أهل العربية من أهل العرب لبعض الأعراب في خطابه لزوجته في ولد ولدته فأنكره: لتقعدن مقعد القصيّ* وتحلفي بربك العليّ قال الطحاوي: يريد بالقصي: القاصي، وبالعلي: العالي (¬3). ¬

_ (¬1) من الآية 80 آل عمران. (¬2) من الآية 73 الكهف. (¬3) انظر: مشكل الآثار للطحاوي 4/ 200.

أما القراءات المختلفة المتواترة بزيادة لا يحتملها الرسم نحو قوله تعالى: ووصّى وو أوصى (¬1)، وقوله تعالى: تجري تحتها وتجري من تحتها (¬2)، وقوله تعالى: وفيها ما تشتهيه وو فيها ما تشتهي (¬3)، كل ذلك وجد في المصحف الإمام، فوزعوا هذه الأحرف، التي لا يحتملها الرسم الواحد، على جميع المصاحف (¬4). فتجريد المصاحف من النقط والشكل أدّى إلى الإيجاز، والاقتصاد في عدد الحروف والكلمات. ومن فصاحة الرسم وبلاغته زيادة الألف في نحو قوله تعالى: الظّنونا (¬5)، والرّسولا (¬6)، والسّبيلا (¬7)، وغيرها، فكتب بالألف في المصاحف على لغة من يقول: «لقيت الرجلا». وروى أحمد بن يحيى عن جماعة من أهل اللغة أنهم رووا عن العرب: «قام الرجلو» بواو، و «مررت بالرجلي» بياء في الوصل والوقف، و «لقيت الرجلا» بألف في الحالين. قال الشاعر: إذا الجوزاء أردفت الثريا* ظننت بآل فاطمة الظنونا (¬8) هذا إذا كان رسم الألف يراد به إقامة الوزن، أو يراد به لغة من اللغات، فما بالك إذا كان رسم هذه الألف في هذه الكلمات وغيرها ¬

_ (¬1) من الآية 131 البقرة. (¬2) من الآية 101 التوبة. (¬3) من الآية 71 الزخرف. (¬4) انظر: إيقاظ الأعلام ص 59. (¬5) من الآية 10 الأحزاب. (¬6) من الآية 66 الأحزاب. (¬7) من الآية 67 الأحزاب. (¬8) انظر: مقدمة المباني ص 165.

جاء لرعاية القراءات التي وردت فيه، فهذا من فصاحة الرسم وبلاغته. قال الفراء: «وأهل الحجاز يقفون بالألف، وقولهم أحبّ إلينا لاتباع الكتاب، ولو وصلت بالألف لكان صوابا، لأن العرب تفعل ذلك، وقد قرأ بعضهم بالألف في الوصل والقطع» (¬1). وحينئذ فلا وجه لقول من قال إن هذه الألف زائدة، ولا ينبغي أن توصف بالزيادة. ومثلها قوله تعالى: ولا تايئسوا (¬2)، وإنّه لا يايئس (¬3)، وقوله تعالى: إذا استيئس (¬4)، وقوله تعالى: أفلم يايئس (¬5). فوجه علماء الرسم زيادة الألف بأوجه: منها: أن تكون الألف تقوية للهمزة، وبيانا لها لخفائها. ومنها: أن تكون للفرق بينها وبين ما يشبهها في الصورة، لأن قوله تعالى: تيئسوا يشبه: «يتبينوا» قبل حدوث النقط والشكل. إلا أن الذي يبدو وجيها أن الألف زيدت تنبيها لقراءة ابن كثير من رواية البزي، بتقديم الهمزة إلى موضع الياء، وتأخير الياء إلى موضع الهمزة، ثم تبدل الهمزة ألفا لأنها ساكنة بعد فتحة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 350. (¬2) من الآية 87 يوسف. (¬3) من الآية نفسها. (¬4) من الآية 110 يوسف. (¬5) من الآية 32 الرعد. (¬6) انظر: تنبيه العطشان ورقة 129.

وحينئذ، فلا وجه لقول من قال بزيادتها، فرسمها جاء رعاية لقراءة البزي (¬1). ومن بلاغة الرسم وفصاحته الدلالة على القراءات المختلفة، ويتجلى ذلك في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: مستهزءون (¬2) وشبهها، فلم يرسموا للهمزة صورة بحركة نفسها، وهي الواو، ولم يرسموها بحركة ما قبلها وهي الياء كما رسموها في قوله تعالى: ولا ينبئك (¬3) وبابه بحركة ما قبلها. لقد بين وجه ذلك حسين الرجراجي، فقال: «فعلت الصحابة رضي الله عنهم ذلك جمعا بين اللغتين؛ إذ هاهنا لغتان فصيحتان في الهمزة المضمومة بعد الكسرة: إحداهما: تسهيلها بالياء، اعتبارا بحركة ما قبلها، وهو مذهب الأخفش. والثانية: تسهيلها بالواو، اعتبارا بحركة الهمزة، وهو مذهب سيبويه. فرسموا الهمزة في المفرد ياء على لغة، ورسموا الهمزة في الجمع واوا على لغة أخرى جمعا بين اللغتين» (¬4). إلا أنهم حذفوا الواو التي هي صورة الهمزة كراهة اجتماع واوين، ولو أمعنا النظر في رسمها لوجدنا فيها نواحي من سموّ البلاغة والفصاحة. ¬

_ (¬1) انظر: هجاء مصاحف الأمصار للمهدوي 96. (¬2) من الآية 13 البقرة. (¬3) من الآية 14 فاطر. (¬4) انظر: تنبيه العطشان ورقة 121.

والأجود من هذا أن يقال: إنها رسمت بحذف صورة الهمزة رعاية لقراءة أبي جعفر بحذف الهمزة وضم الزاي وهو أحد وجوه وقف حمزة. والثاني: تسهيل الهمزة بينها وبين الواو، وهو مذهب سيبويه. والثالث: إبدال الهمزة ياء خالصة، وهذا مذهب الأخفش. فالأول يدل عليه حذف الهمزة وصورتها من الخط، والثاني يدل عليه ضم الهمزة، والثالث يدل عليه كسرة الزاي. فجاء الرسم على غاية البلاغة والفصاحة، رعاية لأوجه وأصوات مختلفة. فلو رسمت بالواو أو الياء لحصر الخط جهة اللفظ، وامتنعت بقية الأوجه. قال الشيخ محمد طاهر الكردي: «ويستحسن له اتباعه [المصحف] في الهمزات المرسومة في نحو هذه الكلمات: وسئل، والمنشئات، والظّمئان، قرءان وقد نتفق مع مرسوم المصحف في كتابة بعض الكلمات، ولكثرة استعمالنا لها لا نشعر بذلك» (¬1). ومن بلاغة الرسم وفصاحته: الدلالة على أصل الحرف. ويتضح ذلك في مثل قوله تعالى: الصّلوة، والزّكوة، والحيوة ومثيلاتها بالواو، نسب الإمام أبو بكر الصولي (ت 336 هـ) رسمها ¬

_ (¬1) تاريخ القرآن وغرائب رسمه 132، 133.

بالواو إلى لغة أهل الحجاز (¬1). وقال ابن قتيبة (ت 276 هـ): «وقال بعض أصحاب الإعراب: إنهم كتبوا هذا بالواو على لغات الأعراب». ثم قال: «ويقال: بل كتبت على الأصل، وأصل الألف فيها واو فقلبت ألفا لما انفتحت وانفتح ما قبلها، ألا ترى أنك إذا جمعت قلت: صلوات وزكوات وحيوات» (¬2). قال أبو بكر بن دريد 321 هـ: «والصلاة من الواو، وتجمع صلوات» (¬3). وقال الخليل بن أحمد (ت 175 هـ): «الصلاة» ألفها واو، لأن جماعتها الصلوات» (¬4)، فرسمها بالواو للدلالة على أن أصلها الواو. وكذا يقال في بقية الألفاظ، وهي: الرّبوا، والغدوة، وكمشكوة، والنّجوة ومنوة فجملتها ثمانية ألفاظ (¬5). بل إن هناك حروفا في الرسم العثماني تظهر فيها فصاحة الرسم العثماني وبلاغته، أكثر من الرسم القياسي دلالة على الأصل، ودلالة ¬

_ (¬1) انظر: أدب الكتّاب 255. (¬2) انظر: أدب الكاتب 247، الكشاف 3/ 264. (¬3) انظر: جمهرة اللغة 3/ 88. (¬4) انظر: كتاب العين 7/ 153، كتاب الكتّاب لابن درستويه 90. (¬5) انظر: تنبيه العطشان ورقة 143، الموضح ورقة 25، الوسيلة للسخاوي ورقة 82، جميلة أرباب المراصد 108، شرح الطرة على الغرة للآلوسي 463.

على قراءة الإمالة لمن أمال فيهن، وهي الكلمات التي رسمت بالياء، قال الشيخ محمد طاهر مكي: «أما بيان ما يستحسن لنا اتباعه ففي نحو هذه الكلمات: اشتريه (¬1)، ومثويه (1)، وإحديهما (¬2)، ويغشيها (¬3). فكتابة الرسم العثماني لها أصح من كتابتنا، لأن أصلها يائي، ونحن نكتبها بالألف» (¬4). ورسم قوله تعالى: يويلتى (¬5)، ويحسرتى (¬6)، ويأسفى (¬7) بالياء؛ لأن هذه الألفات منقلبة عن ياء الإضافة، والأصل: يويلتي، ويحسرتي، ويأسفي. والعرب تقلب ياء الإضافة إلى الألف لخفة الألف، فيقولون: «يا غلاما اضرب». وأنشد بعضهم: يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي وهي لغة مسموعة حكاها الخليل ويونس عن العرب (¬8)، فرسمت بالياء على الأصل، وألحقت الألف إقامة للفظ والتلاوة. ¬

_ (¬1) من الآية 21 يوسف في الموضعين. (¬2) من الآية 25 القصص. (¬3) من الآية 4 الشمس. (¬4) انظر: تاريخ القرآن وغرائب رسمه ص 132، 133. (¬5) من الآية 71 هود. (¬6) من الآية 53 الزمر. (¬7) من الآية 84 يوسف. (¬8) انظر: الكتاب 2/ 214، شرح المفصل 2/ 12، المساعد 2/ 375.

ومن بلاغة الرسم وفصاحته الدلالة على أصل الحركة. وبين ذلك الكرماني فقال: «كانت صورة الفتحة في الخطوط قبل الخط العربي ألفا، وصورة الضمة واوا، وصورة الكسرة ياء، فكتبت: لأاوضعوا (¬1) ونحوه بالألف مكان الفتحة، وإيتايء بالياء مكان الكسرة، وأولئك ونحوه بالواو مكان الضمة، لقرب عهدهم بالخط الأول» (¬2). وقال الداني: «إن العرب لم تكن أصحاب شكل ونقط، فكانت تصور الحركات حروفا، لأن الإعراب قد يكون بها كما يكون بهن، فتصور الفتحة ألفا، والكسرة ياء، والضمة واوا، فتدل هذه الأحرف الثلاثة على ما تدل عليه الحركات الثلاث من الفتح، والضم، والكسر» (¬3). وهذا التعليل يشعر بأن الرسم العثماني اجتهادي اصطلح عليه الصحابة رضي الله عنهم ويوافق رأي من قال إن الرسم العثماني كتب على ما كان عليه واقع الكتابة العربية (¬4)، إلا أن الرسم العثماني حفظ لنا هذا النمط من إعراب القرآن. فكما أن في الزيادة فصاحة وبلاغة، فكذلك في الحذف فصاحة وبلاغة، من ذلك قوله تعالى: أيّه المؤمنون (¬5) ومثيلاتها حذفت ¬

_ (¬1) من الآية 47 التوبة، والراجح فيها عدم زيادة الألف، كما سيأتي في موضعها. (¬2) عجائب التفسير وغرائب التأويل للكرماني 1/ 455. (¬3) انظر: المحكم للداني 176، حلة الأعيان ورقة 250. (¬4) وهو ما أثبته الدكتور غانم قدوري الحمد في كتابه رسم المصحف. (¬5) من الآية 31 النور، انظر: أدب الكتّاب للصولي 251.

الألف بعد الهاء، استغناء بالفتحة قبلها ولسقوطها أيضا في الوصل، فجاء الخط موافقا لذلك. قال ابن الأنباري: «ومن العرب من يقول: «يأيه النبي»، و «يأيه الرّجل» وأنشد بيتا للفراء احتجاجا لهذه اللغة، فقال: يأيه القلب اللجوج النفس (¬1). أقول: فجاء رسم المصحف موافقا لهذه اللغة، وبها قرأ عبد الله بن عامر الشامي في مواضعها الثلاثة، وهي لغة لبعض العرب، حكاها الفراء والأصمعي وغيرهما من اللغويين. وقد نبه الشيخ الإمام البلنسي على هذه اللغة في كتابه المنصف، فقال: وحذفها هنا بعيد الهاء* على سبيل اللفظ في الأداء لأنها في الدرج دأبا تذهب* للساكنين، ولذا لا تكتب ومع ذاك قرأ ابن عامر* بضمها درجا، وقال الشاعر وساق أبياتا من الشعر احتجاجا لهذه اللغة (¬2). إن المواضع التي حذفت منها الياء في مثل قوله تعالى: يقوم (¬3)، ويربّ (¬4) ونحوهما الحجة فيها أنهم اكتفوا بالكسرة من الياء فحذفوها، وكثر استعمالهم لهذا الجنس فقوي الحذف. ¬

_ (¬1) انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 278. (¬2) انظر: تنبيه العطشان ورقة 96. (¬3) من الآية 53 البقرة. (¬4) من الآية 30 الفرقان.

واستشهد ابن الأنباري بأبيات للفراء، وحسان بن ثابت، على وقوع هذا الحذف في لغة العرب. وحذفت الياء في مثل قوله تعالى: يوم يات (¬1) وشبهها، استغناء بالكسرة عن الياء، وكذلك في نحو قوله تعالى: فارهبون (¬2). ذكر الزمخشري أن الاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل، وأنشد الطبري بيتا من الشعر شاهدا لهذه اللغة، فقال: «وأنها لغة معروفة لهذيل» (¬3). وحكى سيبويه والخليل أن العرب تحذف الياء، وتجتزئ بالكسرة. قال الزجاج: «وقد جاء مثله في كلام العرب» (¬4). فالمواضع التي رسمت فيها الياء جاءت على الأصل، والمواضع التي حذفت منها الياء اكتفي بالكسرة عنها. وقد جاءت القراءة على اللغتين بالحذف والإثبات. وقد أشار البلنسي صاحب المنصف إلى هذه اللغة، فقال: كذاك جاءت عندنا مسطورة* وهي فاعلم لغة مشهورة (¬5) ¬

_ (¬1) من الآية 105 هود. (¬2) من الآية 39 البقرة انظر: الأمالي الشجرية لأبي السعادات 1/ 72. (¬3) جامع البيان للطبري 11/ 69، الكشاف 2/ 235. (¬4) انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 247، 250، البحر 5/ 262، القرطبي 9/ 97. (¬5) انظر: تنبيه العطشان ورقة 102، معاني القرآن للفراء 1/ 90.

وقال ابن معاذ الجهني (ت 442 هـ): «وهي لغة للعرب فاشية» وأنشد سيبويه لهذه اللغة أبياتا من الشعر (¬1). قال محمد بن يحيى الصولي (ت 336 هـ): «ومن العرب من يسقط الياء في الخفض والرفع، فيقول: هذا القاض ومررت بالغاز» (¬2). وذكر الفراء أن العرب مرة يحذفونها ومرة يثبتونها، وكل صواب مستعمل (¬3). وحذفت الواو من قوله تعالى: يدع (¬4) ومثيلاتها لغير جازم في الأربعة مواضع، أنهم اكتفوا بالضمة عن الواو، فأسقطوها فبني الخط على اللفظ. وحكى الكسائي عن العرب أنهم يكتفون بالضمة عن الواو. قال ابن الأنباري: «وحذف واو الجمع موجود كثير في كلام العرب»، واستشهد على ذلك بأبيات من الشعر، وقال: «لأن العرب حذفت واو الجمع، فحذف واو الجمع أغلظ من حذف لام الفعل، فإذا جاز حذف ما يدل على الجمع كان حذف ما لا يدل على معنى أسهل، ويدل له إجماع المصاحف على حذف اللام» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: كتاب البديع لابن معاذ 268. (¬2) انظر: أدب الكتّاب 252. (¬3) انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 200، 201. (¬4) من الآية 6 القمر. (¬5) انظر: إيضاح الوقف 1/ 280، 270.

ونسب يحيى بن زياد الفراء هذا الحذف إلى لغة هوازن وعليا قيس، وأنشد على ذلك أبياتا من الشعر استشهادا لهذه اللغة، فقال: إذا ما شاء ضرّوا من أرادوا* ولا يألوهم أحد ضرارا (¬1) وكتب الصحابة رضي الله عنهم: أن لّا في بعض المواضع مقطوعة وفي بعضها الآخر موصولة (¬2). فالمواضع التي كتبت فيها مقطوعة كتبت على الأصل، لأن الأصل فيها: «أن لا»، والمواضع التي كتبت فيها موصولة بني الخط فيها على الوصل والإدغام (¬3). ويبدو لي أن الرسم بالقطع جاء على لغة من يبقي الغنة عند اللام، وأن الرسم بالوصل جاء على لغة من يدغم النون في اللام إدغاما محضا. وبعد هذا العرض تبين لي أن الرسم العثماني ليس غريبا على لغة العرب، فكما أن الرسم العثماني اشتمل على حروف زائدة، فكذلك اللغة العربية اشتملت على حروف زائدة، وكما أن الرسم العثماني اشتمل على حروف محذوفة، فكذلك اللغة العربية اشتملت على حروف محذوفة. ¬

_ (¬1) انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 90. (¬2) انظر: قوله تعالى: حقيق عليّ أن لّا أقول في الآية 104 الأعراف. (¬3) انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 146.

فوافق الرسم العثماني لغة العرب، وطابق فصاحة القرآن وبلاغته، فكما أنهم كانوا يراعون في الألفاظ الفصيح والأفصح كانوا يراعون في الخط الفصيح والأفصح، ويكرهون في الخط ما يكرهون في اللفظ. وحينئذ لا وجه للعجب والاستغراب، ولا جفوة ولا قطيعة بين الرسم واللغة العربية وكتابتها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الفصل الثاني دراسة الكتاب وتحليله وتقويمه

الفصل الثاني دراسة الكتاب وتحليله وتقويمه

دراسة الكتاب وتحليله

دراسة الكتاب وتحليله إثبات اسم الكتاب الكبير الأصل: لبيان اسم كتاب المؤلف أبي داود الذي نحن بصدد تحقيقه وإخراجه، يجب قبل كل شيء معرفة اسم الكتاب الأصلي الذي اختصر منه أبو داود هذا، لأن الفرع تابع للأصل. فالأصل صرّح المؤلف في مقدمة كتابه المختصر باسمه، فقال: «كتابي المسمى بالتبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه» (¬1) واتفقت على ذلك جميع النسخ في مقدماتها. وسماه في موضع آخر، فقال: «وكان هو- الأخفش- السبب لتأليفي «كتاب التبيين لعلم التنزيل» رحمه الله» (¬2). فنص المؤلف على هذين العنوانين، والثاني هو أنسب وأكمل وأكثر مطابقة لموضوع الكتاب، لأنه اشتمل على موضوعات كثيرة، كالتفسير والشرح والأصول والقراءات والأحكام، والناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء، والحجج والردّ على الملحدين، والتوجيه والتعليل، إلا أن الذي أجمعت عليه النسخ هو الأول. وكان يشير إليه: ب «الكتاب الكبير» في مواضع كثيرة في المختصر، وأشار إليه في موضع بقوله: «مما جاء مشروحا في كتابنا الكبير في الهجاء» (¬3) فأضاف هنا: «الهجاء» تمييزا له عن كتابه الكبير الذي هو في موضوع النقط والشكل. ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة مختصر التبيين ص 2. (¬2) انظر: أصول الضبط ورقة 139. (¬3) ذكر ذلك عند قوله تعالى: ولفد- اتينا في الآية 86 البقرة.

وتارة يطلق عليه «التنزيل الكبير»، وسماه كذلك ابن القاضي في بيانه، فقال: «أرأيت» مطلقا العمل بالحذف واختاره في التنزيل الكبير» (¬1). وبالرجوع إلى كتاب «التنزيل» - وهو «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» - لم أجد هذا الاختيار، إذن فما هو المراد بالتنزيل الكبير؟ المراد به هو كتابه الكبير المسمى ب: «التبيين لهجاء التنزيل»؛ لأن الاختيار المذكور يوجد فيه كما نص عليه أبو بكر اللبيب، حيث طالعه، ونقل في شرحه على العقيلة كلام أبي داود واختياره، فقال: «وقال أبو داود في التبيين: وأنا أستحب كتب ذلك لمذهب أهل المدينة بغير ألف» (¬2). فثبت أن التنزيل الكبير هو كتابه الكبير المسمى ب: «التبيين لهجاء التنزيل». وأحيانا كان يشير إليه بالأصل، فيقول: «وقد أشبعنا القول في ذلك في أصلنا (¬3)» إلا أن الإمام الذهبي والحافظ ابن الجزري ذكراه باسم: «كتاب التبيين لهجاء التنزيل» وهو اسمه الكامل، فجاءت كلمة: «التنزيل» في موضع: «مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان» تخفيفا واختصارا، لأن كلمة: «التنزيل» تعني القرآن، وهي أخف على اللسان وأوقع على السمع من قوله: «مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه». قال الذهبي: قرأت بخط بعض تلامذة أبي داود قال: «تسمية الكتب التي صنفها أبو داود» (¬4) وذكر بعضا منها. ¬

_ (¬1) انظر: بيان الخلاف والتشهير ص 54. (¬2) ذكر ذلك عند قوله تعالى: مثل الجنة التي في الآية 16 محمد. (¬3) انظر: شرح العقيلة للبيب ورقة 29. (¬4) سير أعلام النبلاء 19/ 168، معرفة القراء 2/ 517، غاية النهاية 1/ 316.

أقول: وهي فهرسة الشيخ أبي داود رواها أبو بكر محمد الإشبيلي عن أبي الحسن بن هذيل ربيبه بخطه (¬1). ثم ذكر الذهبي تسمية تآليفه كما هي موجودة في فهرسة الشيخ، فقال: «وكتاب: «التبيين لهجاء التنزيل» في ستة مجلدات فيكون أبو الحسن ابن هذيل سماه كما سماه مؤلفه في فهرسته وثبت هذا بخط تلميذ أبي داود وهو الحق الثابت الذي يجب تقديمه وقبوله، وهو أقعد بالحال، وأعرف بمؤلفات شيخه أبي داود، وأوثق الناس صلة بكتب أبي داود ومعرفة بأسمائها»، قال ابن الأبّار: «لأن روايته، إنما هى عن أبي داود، عليه اقتصر وعنه أكثر، وهو آخر من حدّث عن أبي داود بالأندلس، منفردا بلقائه، والسماع منه أزيد من عشرين سنة» (¬2). وقال الذهبي: «وهو أجلّ أصحابه وأثبتهم، صارت إليه أصول أبي داود العتيقة» (¬3). فيكون اسم الكتاب: «التبيين لهجاء التنزيل». وقرأه وسماه الذهبي بخط تلميذه. ¬

_ (¬1) فهرسة أبي بكر بن خير الإشبيلي 428. (¬2) المعجم في أصحاب القاضي أبي علي لابن الأبار 285. (¬3) معرفة القراء 2/ 517، غاية النهاية 1/ 573.

إثبات اسم الكتاب المختصر

إثبات اسم الكتاب المختصر: يبدو أن المؤلف أبا داود لم يضع لكتابه المختصر اسما معينا كما فعل لأغلب مصنفاته حيث صرّح باسمها في المقدمة كما فعل في كتابه الأصل المختصر هذا منه. ثم إن مصادر ترجمته لم تتحدث في شيء عن هذا المختصر، إلا أن المؤلف أشار في مقدمته أنه جرّده من كتابه التبيين، فقال: «سألني سائلون من بلاد شتى أن أجرد لهم من كتابي المسمى بالتبيين». وأشار إليه بالمختصر في قوله: «وقد بينا ذلك كله في الكتاب الكبير فأغنى عن إعادته هنا، إذ هو مختصر لئلا يطول الكتاب» (¬1) وإن كان هذا في معرض الوصف. بل ورد عن المؤلف ما يدلّ على أن اسمه المختصر، فقال: «وذيلته [يعني أصول الضبط] بكتابنا المختصر في الهجاء» (¬2)، بل نجد المؤلف رحمه الله صرّح في أكثر من موضع باسمه ب: «المختصر» فقال: «وشبهه مما قد ذكر في هذا المختصر في مواضعه من الرسم»، وقال في موضع آخر: «مما قد ذكر جميعه في الكتاب الكبير، ورسمناه هنا في هذا المختصر» لم يثبت عن المؤلف أنه سماه بغير ما ذكرت. إلا أنه جاء في الفهارس بعناوين مختلفة. فجاء فهرس الخزانة الحسنية باسم: «مختصر كتاب التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر ذلك في سورة قريش. (¬2) انظر: أصول الضبط ورقة 166، 239. (¬3) انظر: فهرس الخزانة الحسنية 1/ 21 رقم 808.

وجاء على نسخة ب في الهامش: «كتاب التنزيل لهجاء التنزيل» لأبي داود، ثم وضع عليها تشطيب، علامة الخطأ وكتب تحتها ما يلي: «مختصر التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان لأبي داود سليمان». وفي آخر سورة الناس آخر الكتاب: «تم كتاب التنزيل». وورد اسمه في فهارس الخزانة الحسنية مختلفا، ففي فهرس الجزء السادس صفحة 62 جاء اسمه بعنوان: «التنزيل في هجاء المصاحف» (¬1). وورد اسمه في فهرس الجزء الأول ص 21 بعنوان: «مختصر كتاب التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفّان» (¬2). وسماه بعضهم ب: «التنزيل في هجاء المصاحف» كما ورد في فهرس المكتبة الظاهرية، وفهرس الخزانة الحسنية (¬3). وسماه بعضهم ب: «التنزيل في هجاء المصاحف ورسمها» (¬4) كما ورد في فهرس خزانة القرويين، وسمي في موضع آخر منها ب: «تأليف في رسم الهجاء الواقع في القرآن» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: فهارس الخزانة الحسنية 6/ 62. (¬2) انظر: فهرس الخزانة الحسنية 1/ 21. (¬3) فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية علوم القرآن 351 فهرس الخزانة الحسنية 6/ 62. (¬4) انظر: فهرس مخطوطات خزانة القرويين 2/ 500. (¬5) انظر: فهرس مخطوطات خزانة القرويين 1/ 242.

واكتفى بعضهم بالإخبار عنه كونه في الرسم، ومنهم من اقتصر على بعض عنوان الكتاب تخفيفا واختصارا. إلا أن الذي ثبت بخط يد المؤلف هو «مختصر» كما تقدم. وما دام معرفة الأصل قد ثبتت باسم «التبيين لهجاء التنزيل» أو باسم «التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان»، وما دام قد ثبت عن المؤلف اسم «المختصر» على كتابه هذا، فنضيف كلمة المؤلف: «مختصر» على عنوان كتابه الأصل فيصير اسم الكتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» وهو الثابت في فهرس الخزانة الحسنية، والثابت على نسخة ب كما تقدم (¬1). فعنوان الأصل والمختصر كلاهما من صنع أبي داود، هذا هو الأنسب، والأولى في الاستعمال، وما جاء خلاف ذلك فهو من باب الاختصار أو الاقتصار، أو من باب تسمية الكتاب بموضوعه. إلا أنه اشتهر عند الناس، ونساخ المصاحف ب: «التنزيل» وصار لا يعرف إلا به، والله أعلم. ولقد توهم كثير من الناس أن كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» هو كتاب آخر غير كتاب: «التنزيل» ولقد وقع هذا للأستاذ محمد المنوني فذكر أنهما كتابان في بحث عنون له: «مخطوطات مغربية في علوم القرآن والحديث» (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: فهرس الخزانة الحسنية 1/ 21 رقم 808. (¬2) نشرته مجلة دار الحديث بالرباط في عددها الثالث سنة 1402 هـ الموافق 1982، ص 71.

إيهام يجب رفعه

وقد رفع هذا الوهم الأستاذ الشيخ عبد الهادي حميتو، فقال: «وعمل الأستاذ المنوني هذا يوقع في لبس، لأنه يوهم أن «مختصر التبيين» هو كتاب آخر غير «كتاب التنزيل» ولو أنه زاد في التعريف فكتب مقدمة كل من الكتابين، لكان قد رفع هذا اللبس عن طريق المقارنة بينهما، ولهذا يبقى الأرجح أنهما اسمان لمسمى واحد، فمرة سمي الكتاب «بمختصر كتاب التبيين» ومرة سمي: «بالتنزيل» ولعل هذا هو السبب في ورود الاسمين معا» (¬1)، إلا أن الذي اشتهر عند الناس هو: «التنزيل» اقتصارا واختصارا. إيهام يجب رفعه: وفي إثبات هذا العنوان: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» إيهام يجب رفعه، فالاختصار هنا يختلف تماما عما هو معروف وشائع في الاختصار والمختصرات في اصطلاح المؤلفين. فالمؤلف أبو داود لم يختصر كتابه قط، كما يفهم من إثبات هذا العنوان، ومن كلامه أنه جرّده من كتابه الكبير، أنه اختصر فيه الرّسم اختصارا. فمقصود المؤلف أنه جرّد منه التفسير والأحكام، والإعراب والوقف والابتداء، والتوجيه والتعليل، وغير ذلك، وأبقى على الرسم ولم يختصره، وإنما خلّصه وهذبه مما كان فيه من علوم القرآن، بل إنه استوعب فيه الرسم واستوفاه، بما لا مزيد عليه، وتكرر ذلك، بل جعله إماما يقتدي به الجاهل، ويستعين به الحافظ الماهر. ¬

_ (¬1) انظر: مذكرة الشيخ عبد الهادي حميتو ص 7.

ومما يدل على ذلك أن المسائل التي لا تعلق لها بوجه من وجوه الرسم، يحيلها على كتابه الأصل المسمى ب: «التبيين». وقد تتبعت هذه الإحالات من أول الكتاب إلى آخره، فلم أجد فيه أنه أحال الرسم على كتابه الأصل، بل يحيل ما يتعلق بغير الرسم من الإعراب والشرح والأحكام وغيرها مما يدلّ على أنه لم يختصر الكتاب، وإنما أراد الإبقاء على ما يتعلق بهجاء المصاحف فقط دون بقية مواضع الكتاب، فلا يدخل في الاختصار المعروف عند الناس كما أشرت آنفا، وهذا واضح من كلام المؤلف نفسه في المقدمة، حيث قال: «سألني سائلون من بلاد شتى أن أجرد لهم من كتابي المسمّى بالتبيين»، ولم يقل: «أن أختصر لهم». وواضح من قوله أيضا: «دون سائر ما تضمنه الكتاب المذكور» فكأنه فصل الرسم وخلّصه في كتاب مستقل، أفرده في هجاء المصاحف. وحصر المؤلف سبب تجريده، فقال: «ليخف نسخه على من أراده ويسهل نسخ المصحف منه لمن رغبه»، وذلك لأن كتابه الأصل ضخم يقع في ستة مجلدات، ويظهر أن ضخامته قد حدّت من تناوله، فجرد منه هجاء المصاحف، ليسهل نسخه ونسخ المصحف منه تشجيعا لطلاب العلم ونساخ المصاحف، وأفرد لهم هجاء المصاحف. فالكتاب: «مختصر التبيين» لا يزال من الموسوعات العلمية المطولة النادرة في هجاء المصاحف، فسرد فيه القرآن آية آية، وحرفا حرفا، من أوله إلى آخره، وجعله إماما فيه غناء عن غيره.

قال: «وأسرد لهم القرآن فيه آية آية، وحرفا حرفا من أوله إلى آخره فيستغني به من لا يحفظ القرآن من الناسخين للمصحف، والدارسين له من المريدين والمتعلمين عن مصحف ينظر فيه، ونجعله إماما يقتدي به الجاهل، ويستعين به الحافظ الماهر، ويزيل عنهم الالتباس في الحروف والكلم والآي ... » (¬1). فالمؤلف استوعب فيه هجاء المصاحف واستوفاها بما لا مزيد عليه، وتكرر ذلك منه تأكيدا للبيان، وخوف النسيان على ناسخ المصحف. ولذلك لم تجده في كتب التراجم باسم المختصر، وإنما عرف ب: «التنزيل» واشتهر به، وصار لا يعرف إلا به، وقيده بعضهم بقوله: «في هجاء المصاحف» أضيف إليه موضوعه، فصار: «التنزيل في هجاء المصاحف». ثم إنني لم ألحظ أثر الاختصار في كتابه: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»، بل لاحظت فيه التفصيل والتطويل والتكرار، والمؤلف نفسه لفتت انتباهه صفة الحشد والتكرار، فاعتذر عن ذلك بقوله: «وإنما تكرر للبيان وخوف النسيان على ناسخ المصحف فيكون تذكرة للحافظ الفاهم، غير ضارّ له، وتنبيها وتعليما لغيره» (¬2). وبهذا يمكن أن يعدّ تأليفا مستقلا بل يحسن ذلك ولا ينسب إلى الاختصار، ولا تشمله سلبياته، ويدل له قوله: «ونجعله إماما» وقوله: «أسرد لهم القرآن فيه آية آية» وقوله: «أن أجرد لهم»، فهذا السياق كله لا يتناسب مع الاختصار، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة المؤلف في كتابه هذا صفحة 4. (¬2) ذكره عند قوله تعالى: لن يضروكم في الآية 111 آل عمران.

سبب تأليفه"مختصر التبيين لهجاء التنزيل"

سبب تأليفه «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»: لقد بين المؤلف رحمه الله في مقدمته سبب اختصاره لكتابه: «التبيين لهجاء التنزيل» حيث تواردت عليه أسئلة من بلاد شتى، يلتمس فيها أصحابها أن يجرد لهم هجاء المصاحف ويفصله في مؤلّف دون سائر ما تضمنه الكتاب المذكور؛ لأن الكتاب الكبير اشتمل على جملة من علوم القرآن فضمنه الأصول، والقراءات، والمعنى والشرح، والأحكام، والتبيين والردّ على الملحدين، والتقديم، والتأخير، والوقف، والناسخ والمنسوخ، والغريب والمشكل، والتعليل. فكان كتابه الكبير ضخما، يصعب الرجوع إليه والاستفادة من بعض جزئياته، وقد وصفه، وأطلق عليه في: «التنزيل» «بالكتاب الكبير» في مواضع كثيرة متعددة. ولم يكتب له الذيوع والانتشار لضخامته، وصعوبة نسخه، قال الذهبي:- كما تقدم- إنه يقع في ستة مجلدات، وضخامته حدت من انتشاره ولم أجد له نسخا في وقتنا هذا فيما أعلم. قال ابن عاشر (¬1): «وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن القاسم القصار (¬2)، أن كتاب: «التبيين» لم يدخل هذه العدوة» (¬3). إلا أن أبا محمد بن عبد الغني المعروف باللبيب، أقام بمدينة تلمسان ¬

_ (¬1) انظر ترجمته: التقاط الدرر 1/ 91، نشر المثاني 1/ 283. (¬2) انظر ترجمته: التقاط الدرر 1/ 39، نشر المثاني 1/ 86. (¬3) انظر: فتح المنان لابن عاشر ورقة 15.

إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه

ودرس بها على أبي عبد الله بن خميس المتوفى 708 هـ شرح العقيلة، وذكر في مقدمة شرحه مصادره، ومن بينها كتاب: «التبيين» وقال: إنه طالعه ونقل منه مباشرة، مما يدل على أن «التبيين» كان موجودا في وقته ودخل بلاد المغرب وتلمسان (¬1). فجرّد المؤلف منه الرسم العثماني ليسهل نسخه ونسخ المصحف منه. فقال: «سألني سائلون من بلاد شتى أن أجرد لهم من كتابي المسمّى «التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه المجتمع عليه، وعلى سائر النسخ معه». وصرح باسم السائل في موضع آخر، فقال: «والسائل لنا تأليفه أخي أبو محمد بن شرباط» (¬2). وقال في موضع آخر: «فجمعناه حسبما سألنا صاحبنا، ورفيقنا أبو محمد بن شرباط، وكتب إلينا في ذلك من المرّية، ورغبنا في تأليفه» (¬3). إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه: لقد حظي «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشهور «بالتنزيل» بعناية العلماء، فنقلوا عنه، واستشهدوا به، ونظمه غير واحد من العلماء، إذ وجدته منسوبا إليه في جميع المصادر والمراجع وشراح المورد، كما وجدته ثابتا له على جميع النسخ المخطوطة وفهارس المكتبات. ومع ذلك، فإنني أشير إلى بعض ما يؤكد نسبته إليه تقليدا لما جرى به العرف، ودرج عليه البحث العلمي. ¬

_ (¬1) انظر: الدرة الصقيلة ورقة 5 رقم 1484، المكتبة الوطنية بتونس. (¬2) لم أقف له على ترجمة. (¬3) انظر: أصول الضبط رقم 8945 في الخزانة الحسنية ورقة 131.

مما يؤكد نسبة الاختصار إلى مؤلف الأصل أبي داود سليمان بن نجاح ما صرّح به المؤلف نفسه بصيغة لا تحتمل اللبس والشك في مقدمته، فقال: «سألني سائلون من بلاد شتى أن أجرد لهم من كتابي المسمى بالتبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه المجتمع عليه على سائر النسخ معه بالزيادة في بعضها والنقصان من بعضها»، إلى أن قال: «دون سائر ما تضمنه الكتاب المذكور» ثم قال: «ونجعله إماما يقتدي به الجاهل، ويستعين به الحافظ الماهر» ثم قال: «فأجبتهم إلى ذلك ابتغاء ما وعد الله من جزيل الثواب وخوف الدخول في الوعيد لمن سئل عن علم فكتمه». فكلامه في مقدمته يدل دلالة قطعية على أن أبا داود اختصر كتابه «التبيين لهجاء التنزيل» بنفسه. وبين سبب اختصاره بقوله: «ليخف نسخ على من أراده ويسهل نسخ المصحف منه لمن رغبه» (¬1). فكلامه في المقدمة فيه دلالة قطعية على أنّ هذا المختصر من صنع أبي داود. فالأصل والمختصر كلاهما من صنع أبي داود. ثم إن تلميذه إبراهيم بن سهل العبدري روى الكتاب، وقرأه على مؤلفه أبي داود سليمان بن نجاح، وسمعه المؤلف منه، فقال: «قال إبراهيم ابن سهل العبدري: قرأت على الفقيه المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح الأموي في سنة تسع وستين وأربعمائة، قلت له: قلت رضي الله عنك» (¬2) وذكر متن الكتاب. ومما يفيد أن أبا داود اختصر «كتاب التبيين» ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة مختصر التبيين صفحة 4. (¬2) انظر: مقدمة مختصر التبيين ص 2.

بنفسه ما جاء في ذيل المختصر فقال: «وإعرابه بالنقط وكيفية ذلك على وجه الاختصار مما عني بتهذيبه وتلخيصه أبو داود سليمان بن نجاح». وقال في موضع آخر: «وقصدنا هنا إلى الاختصار ... ». ثم قال: «فأغنى عن تكراره هنا عن الاختصار الذي بنينا عليه هذا الكتاب» (¬1). وقال في ذيل مختصر التبيين: «قال أبو داود فهذا ما اختصرنا ذكره على حسب توفيق الله إيانا، وهدايته لنا، وهو حسبنا وعليه التكلان» (¬2). وقال في سورة قريش: «واحتججنا له في الكتاب الكبير، فأغنى عن إعادته هنا، إذ هو مختصر لئلا يطول الكتاب» (¬3). بل جاء أصرح من ذلك في قوله: «وذيلته [أصول الضبط] بكتابنا المختصر في الهجاء» (¬4). فهذا يدل دلالة قطعية على أن المؤلف اختصر بنفسه كتاب «التبيين لهجاء التنزيل». ثم إنني قابلت بين النصوص المنقولة في شراح المورد المنسوبة إلى أبي داود، فإذا هي بعينها في الكتاب. من ذلك ما ذكره ابن عاشر حيث نقل جملة من كلام أبي داود، ثم قال: «وهكذا وجدته في عدة نسخ من مختصره» (¬5) وهذه الجملة بعينها في جميع نسخ المخطوطة. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب أصول الضبط ص 166، 170. (¬2) انظر: كتاب أصول الضبط ص 175. (¬3) انظر: مختصر التبيين لهجاء التنزيل في سورة قريش. (¬4) انظر: أصول الضبط ورقة 132. (¬5) انظر: فتح المنان ورقة 93، وانظر: مبحث وصف النسخ.

ومما يؤكد نسبة الكتاب لمؤلفه أبي داود ما صرح به الشيخ المقرئ المنتوري (¬1) في سنده، فقال: «كتاب التنزيل في الرسم» للمقرئ أبي داود سليمان بن نجاح، قرأت بعضه تفقها على شيخنا الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد القيجاطي (¬2)، وأجاز لي جميعه، وحدثني به عن القاضي أبي البركات محمد بن محمد بن الحاج» (¬3)، إلى أن وصل سنده بكتاب التنزيل لمؤلفه أبي داود (¬4). وكذا نظمه أبو عبد الله القيسي المقرئ في نظمه المسمى ب: «الميمونة الفريدة» (¬5) وأدرجه في نظمه الشيخ المقرئ ميمون الفخار المسمى ب: «الدرة الجليلة» (¬6). ومثلهما الشيخ الخراز، فنظمه في عمدة البيان المسمى اليوم: «مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن». ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته. (¬2) محمد بن محمد بن إبراهيم الكناني القيجاطي الغرناطي أبو عبد الله مقرئ وله في القراءات مصنفات، قرأ على أبي البركات بن الحاج، وغيره، توفي 811 هـ. انظر: نيل الابتهاج 282، ألف سنة من الوفيات 137، 236. (¬3) محمد بن محمد بن إبراهيم البلفيقي السلمي أبو البركات القاضي فقيه محدث وشاعر أديب، توفي حوالي 771 هـ. انظر: نيل الابتهاج 254، ألف سنة من الوفيات 100. (¬4) انظر: فهرسة الشيخ المنتوري ورقة 28 رقم 1578 الخزانة الملكية. (¬5) أرجوزة في نقط المصاحف، نظمها المقرئ القيسي سنة 796، وهي من أنفس القصائد في إعراب المصحف والشكل، منها نسخة في الخزانة الحسنية، عندي منها صورة رقم 4558. (¬6) أرجوزة في نقط المصاحف، نظمها المقرئ ميمون الفخار سنة 810 هـ، وعدد أبياتها ألف وخمسمائة وستة وخمسون، وهي من أنفس القصائد في إعراب المصحف، منها نسخة في الخزانة الملكية بالمغرب، وعندي منها صورة، ومنها نسخة رقم 259 في مكتبة الملك عبد العزيز، وأخرى في دار الكتب الناصرية رقم 1689، ورقم 1775، وأخرى في الظاهرية 837.

وغير هؤلاء ممن يطول ذكرهم، وكلهم أثبت نسبة الكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» لمؤلفه أبي داود سليمان بن نجاح، إلا أن المحقق ابن عاشر ذكره، فقال: «وأشهر كتبه: «التنزيل» فهو مشتمل على جميع القرآن، وأما مختصره فيقتصر فيه على رءوس الآي، ويقول: إلى كذا، ثم يتكلم على ما يتعلق بذلك المحل من الرسم. ومن كتبه: «التبيين»، وهو الذي يشير إليه في: «التنزيل» بالكتاب الكبير نقل اللبيب عنه في مواضع من شرحه على العقيلة (¬1). وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله القصارى أن كتاب «التبيين» لم يدخل هذه العدوة، ولم أتحقق أن اختصار «التنزيل» من صنعه» (¬2). وفي كلام ابن عاشر إشكال مما جعلني أتوقف، وأعيد النظر والتأمل، والواقع الذي لا شك فيه أن الذي يشتمل على جميع القرآن هو كتابه «التبيين» لا كما ذكر ابن عاشر، والذي يقتصر فيه على رءوس الآي ويقول: إلى كذا هو مختصره وهو التنزيل. ومن الجائز أن يكون في كلام ابن عاشر تصحيف، فيريد بكلمة: «التنزيل» في أول كلامه: «التبيين» لأن الوصف الذي جاء بعده ينطبق عليه، وحينئذ يستقيم الكلام، ويتفق مع الواقع، إلا أن الذي يعكر هذا التوجيه أن ابن عاشر صرّح بذكر اسم كتاب «التبيين» بعده، فقال: «ومن ¬

_ (¬1) انظر: الدرة الصقيلة للبيب ورقة 3. (¬2) انظر: فتح المنان لابن عاشر ورقة 5.

كتبه التبيين»، وما وصفه به صحيح، فعلى ما ذكرت من التوجيه يكون تكرارا لا مسوغ له. إلا أنه بعد طول نظر وتأمل ومعاناة، لاح لي ما قد يتضح به مقصود ابن عاشر، فأخرج كلامه على النحو التالي. فإن المؤلف أبا داود ألف كتاب «التبيين لهجاء التنزيل» وجرّد منه كتابا آخر اقتصر فيه على هجاء المصاحف، وهو المسمى ب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»، واشتهر بين الناس ب: «التنزيل»، وهو الذي قام باختصاره بنفسه كما تقدم، واقتصر فيه على رءوس الآي، فيقول مثلا: «ثم قال تعالى: قالوا يصلح قد كنت فينا مرجوّا إلى قوله: القويّ العزيز، ثم يتكلم على ما يتعلق بذلك الموضع من الرسم، فهذا ثابت لأبي داود. إلا أن ابن عاشر كما نقل عن شيخه، قال: «ولم أتحقق أن اختصار التنزيل من صنعه». ولعل ابن عاشر يريد «بالتنزيل» مختصر «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» لأنني فعلا ظفرت بنسخة من «مختصر التبيين» (¬1) مختصرة، اقتصر مؤلفها على ذكر رءوس الآي، ولم يزد على ذلك، ثم أبقى على كلام أبي داود، بلفظه ومعناه، بدون زيادة ولا نقص، وأضاف لها ناسخها أو مختصرها رسالة في عد الآي لأبي العباس أحمد بن قاسم بن عيسى المتوفى 410 هـ (¬2)، ثم أضاف إليها بابا في حروف المعجم من كتاب المحكم لأبي عمرو الداني (¬3). ¬

_ (¬1) مخطوطة في الخزانة الحسنية بالمغرب رقم 8945 لم تذكر في فهارس الخزانة. (¬2) انظر: ترجمته في غاية النهاية 1/ 97. (¬3) انظر: المحكم للداني ص 35.

منهج المؤلف في تصنيف كتابه

ومن أوضح الأدلة على أنها مختصرة من كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» ما جاء في ذيلها، أصول الضبط، فقال ناسخها: «وأقدم أولا من كلام الحافظ أبي عمرو الداني»، ثم قال: «ثم أرجع إلى كلام الشيخ أبي داود». وقال في موضع آخر: «ونرجع الآن إلى كلام أبي داود رحمه الله» وكدت أن أجعلها نسخة من نسخ التنزيل، لولا هذا الكلام المتقدم، فهذا يدل على أنها كتاب ثان مختصر من كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» من ناسخ أو مختصر غير أبي داود قطعا. أما مختصر التبيين فأجزم أنه من صنع أبي داود مؤلف الأصل، فالأصل والمختصر كلاهما من صنع أبي داود، والله أعلم. منهج المؤلف في تصنيف كتابه: سلك المؤلف في كتابه هذا منهجا بين بعضا منه في مقدمة كتابه، واستنبطت البعض الآخر من خلال الاستقراء والتتبع. استهل المؤلف بمقدمة بين فيها بعض الملامح لمنهجه في كتابه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلّم. ثم ذكر سبب تأليفه، وهو أن جماعة من العلماء وطلبة العلم سألوه أن يجرد لهم من كتابه الكبير المسمى «بالتبيين» هجاء المصاحف دون بقية مواضعه رغبة منهم في اتباع الصحابة رضي الله عنهم، واقتفاء آثارهم فأجابهم إلى ذلك ابتغاء ما وعد الله من جزيل الثواب، وخوف الدخول في الوعيد لمن سئل عن علم فكتمه.

فذكر المؤلف أنه يبين زيادة بعض الحروف في بعض المصاحف والنقصان من بعضها الآخر، كقوله تعالى: سارعوا، وقوله: وسارعوا كما نبّه أنه يذكر في أول كل سورة إن كانت مكية أو مدنية وعدد آي كل سورة في أولها، وذكر سبب تجريده فقال: «ليخف نسخه على من أراده، ويسهل نسخ المصحف منه لمن رغبه». وقال: «وأسرد لهم القرآن آية آية، وحرفا حرفا من أوله إلى آخره، فيستغني به من لا يحفظ القرآن من الناسخين للمصاحف والدارسين له من المريدين والمتعلمين عن مصحف ينظر فيه، ونجعله إماما يقتدي به الجاهل ويستعين به الحافظ الماهر، ويزيل عنهم الالتباس في الحروف والكلم والآي» (¬1). وذكر المؤلف أنه يجعل في آخره أصولا من الضبط على قراءة نافع بن أبي نعيم المدني، واعتمد في ذلك على مصاحف أهل المدينة في الهجاء وعدد الآي والخمس والعشر مع بيان المخالفين لهم في الهجاء من سائر مصاحف الأمصار. ثم أجمل الكلام على السور المكية والمدنية فقال: «وأنا أجعل ذلك على الأصح من الروايات حسب ما انتقدته ورضيت سنده، وقيدته عن الإمام الحافظ أبي عمرو الداني». فحصر السور المختلف فيها في تسع عشرة سورة وسردها سورة سورة، وحصر السور المدنية في إحدى وعشرين سورة وسردها سورة سورة، ثم قال فيما بقي: «وسائرهن مكيات» وهي ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة المؤلف ص 3، 4.

أربع وسبعون سورة مكية. ثم ذكر أنه يعيد ذكرها في أول كل سورة، وقال: «فإن كانت السورة من التسع عشرة سورة المذكورات المختلف فيهن أضربت عن ذكرها، فإذا لم ير في أولها مكي ولا مدني علم أنها من المختلف فيها» وقال إنه يذكر في أول كل سورة عدد آياتها، وكلما مر برأس الخمس والعشر، ورأس الجزء، ذكر موضعه وقيده وبينه. ثم بين المؤلف في مقدمته اصطلاحات جرى عليها، فجمع بين قارئين أو أكثر بكلمة اصطلح عليها جريا إلى الاختصار، ولم يلتزم بذلك في بعض الأحيان، حيث يتبع الكلمة المصطلح عليها بما تدل عليه، فيذكرها، ويذكر المراد منها. فيجمع بين حمزة والكسائي بالأخوين، ويجمع بين ابن كثير وأبي عمرو بالصاحبين، ويجمع بين قراء الكوفة: عاصم وحمزة والكسائي بالكوفيين، ويجمع بين أبي بكر شعبة وأبي عمرو بالأبوين، ويجمع بين ابن كثير ونافع بالحرميين، ويجمع بين الكسائي وأبي عمرو بالنحويين، ويجمع بين ابن عامر وأبي عمرو بالعربيين، ويجمع بين ابن كثير وابن عامر بالابنين. وذكر أنه إذا أتى حرف ما، له أصل يكثر دوره ويطّرد، ذكره في أول حرف منه، وينبه على كثرة دورانه واطراده، وحصره بعدد ثم يأتي به في كل موضع، ورد فيه في سورته حسب نسق التلاوة، خوف النسيان على ناسخ القرآن.

ثم ختم مقدمة كتابه بسؤال الله سبحانه وتعالى أن يمده بعونه ويعصمه من الزلل في القول والعمل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم استهل حديثه عن البسملة، واستدل على أنها ليست آية من الفاتحة، مما يدل على أنه يتبع مذهب الإمام مالك وأهل المدينة في العدد. ويلاحظ أن المسائل والتوجيهات التي تعترضه، ولم يكن لها وجه في هجاء المصاحف، يحيلها على كتابه الأصل المسمى بالتبيين، ولم أجده أحال الرسم على كتابه. وإذا أتى حرف في أول مواضعه يذكره ويضم إليه نظائره ويحصره بعدد ويشرحه كما تلاحظ ذلك عند الكلام على هجاء: إيّاك نعبد (¬1) فذكر عندها أحكام الهمز وأقسامها، وكل ما يتصل بها، ثم لما مرّ على حرف منها، في موضعه من السور أعاد وصف هجائه وأحال على ما تقدم. ومثله ما فعله عند قوله: هدى لّلمتّقين (¬2) فوصف هجاءها، ثم استطرد في ذكر كل ذوات الياء وجمع نظائرها ثم أعاد ذكر كل ما يرد منها في موضعه من السور. يسرد المؤلف في التنزيل وصف هجاء الكلمات القرآنية على ترتيبها في المصحف، من أول سورة الفاتحة إلى سورة الناس، ولكنه يخالف هذا المنهج في بعض الأحوال، فإذا اشتركت الكلمة مع كلمة أخرى متأخرة ¬

_ (¬1) من الآية 4 الفاتحة. (¬2) من الآية 1 البقرة.

عنها ضمها إلى نظيرتها، فيجمع النظير إلى نظيره، ثم يعيد الكلام عليه في موضعه. انظر ما فعله في قوله تعالى: وإذا قيل لهم (¬1) ضم إليها قوله تعالى: سىء بهم، وسيئت، وسيق، وجىء، وحيل. وانظر ما صنعه في قوله تعالى: سبع سموت (¬2) فضم إليها: سموت فصلت، وجمع معها: ثمنى، وثمنين، وثمنية أيام، واليتمى، واستطرد إلى حذف الألف من الأسماء الأعجمية وإن لم ترد في هذا الخمس من الهجاء. والملابسة هي وجود الألف في اللفظ قبل الميم أو بعدها، والمؤلف نفسه صرّح في مقدمته بأنه يفعل ذلك، إذا كان له أصل يكثر دورانه ويطرد، يحصره بعدد، ثم يأتي به في كل موضع ورد فيه، وما ذكرته ليس من هذا القبيل. وفعل ذلك عند قوله: مستهزءون (¬3) فذكر حذف صورة الهمزة ثم ضم إليها كل ما كان مثلها مما اجتمع فيه واوان ثم لما مرّ على حرف منها في سورته أعاد الكلام عليه. ومثل ذلك ما ذكره في زيادة الألف بعد واو الجمع عند قوله: إنّ الّذين كفروا (¬4) فضم إليه جميع ما يماثله. وما يستثنى منها، ثم لما مرّ على حرف منها في موضعه من السورة أعاد ذكره. ¬

_ (¬1) من الآية 10 البقرة. (¬2) من الآية 28 البقرة. (¬3) من الآية 13 البقرة. (¬4) من الآية 5 البقرة.

ومثله ما فعله في حذف ألف ياء النداء عند قوله: يأيّها النّاس (¬1) وجمع معه نظائرها ثم أعاد ذكرها في موضعها من السورة. فترتب على هذا المنهج حشد الأمثلة، فجاء التكرار ظاهرة لافتة للنظر، وقد لاحظه المؤلف، فقال: «وقد ذكر ذلك كله، وإنما تكرر للبيان وخوف النسيان على ناسخ المصحف، فيكون تذكرة للحافظ الفاهم غير ضار له وتنبيها وتعليما لغيره»، فبين المؤلف وجه الحاجة إليه فهذا المنهج يسهل على نساخ المصاحف الرجوع إلى الكلمة في موضعها من السورة دون البحث والرجوع إلى ما تقدم. وأخذ هذا المنهج من جاء بعده من المؤلفين، مثل عيد رضوان المخللاتي في كتابه إرشاد القراء والكاتبين (¬2). وهذا منهج القرآن الكريم، لأن الله عزّ وجل، وصف كتابه بقوله: كتبا متشبها مّثاني (¬3)، تثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام، وجميع المواضع النافعة لحكم عظيمة وأمرنا بتدبر جميعه، ولا يكتفي منهج القرآن بذكر ما يتعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما يتعلق بالمواضع اللاحقة. ثم استرسل المؤلف في موضوعه مرتبا الكلام في ذلك على السور والآيات، على نسق التلاوة وترتيب المصحف من أول فاتحة الكتاب إلى آخر سورة الناس متبعا في ذلك منهج المفسرين في تناولهم لتفسير القرآن. ¬

_ (¬1) من الآية 20 البقرة. (¬2) توجد منه نسخة مخطوطة عند الشيخ الأستاذ المقرئ تميم الزعبي. (¬3) من الآية 22 الزمر.

وقسم السورة إلى خمس آيات خمس آيات، فيذكر كل ما فيها من هجاء ويصفه وصفا دقيقا، وإذا كانت الخمس تتضمن هجاء كثيرا اقتصر على الآية والآيتين بدل الخمس، ثم يذكر الآية التي تليها إلى نهاية الخمس. ويكثر هذا في مقدمات الكتاب لكثرة الهجاء فيها، وكلما تقدم المؤلف، فإنه يقتصر على الخمس لقلة الهجاء فيه، ولكونه تقدم له نظير. وكلما مر برأس الخمس ذكره، وقال: «رأس الخمس الأول» وهكذا في الثاني والثالث، إلخ. ويقصد بالخمس: خمس آيات، وبالخمس الثاني: خمس آيات بعد العشر، وبالخمس الثالث: خمس آيات بعد العشرين وهكذا. وإذا مر على رأس العشر من الآيات ذكره، وقال: «رأس العشر الأول» وهكذا يفعل كما فعل في الخمس، وهي طريقة الصحابة في الحفظ؛ إذ كانوا لا يتجاوزون الخمس أو العشر آيات حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل. وسلك المؤلف أبو داود في حديثه عن وصف هجاء الكلمة طريقة إحصائية لم نعهدها عند غيره، إما بعدّ حروف الكلمة أو بتقطيعها أو بذكرها بالوزن الصرفي وهذا كثير. وتارة يجمع بين العدّ والتقطيع كما فعل ذلك في وصف هجاء قوله تعالى: فنادته المليكة (¬1)، فقال: فنادته على ستة أحرف، وقطعها حرفا حرفا، فحصره لهجاء الكلمة بالعدّ لضمان عدم الزيادة فيها أو النقص منها مثل ما قال: أنّك (¬2) على ثلاثة أحرف ويقطعها: ¬

_ (¬1) من الآية 39 آل عمران. (¬2) من الآية 90 يوسف.

«أ، نّ، ك» نفيا لتوهم رسم صورة الهمزة ومثل قوله تعالى: وإن مّا نرينّك (¬1) كتبوه في جميع المصاحف بالنون على الأصل ليس في القرآن غيره على أربعة أحرف: «إ- ن- م- ا» وكتبوا سائرها فيما مضى قبل أو يأتي بعد بغير نون على الإدغام على ثلاثة أحرف: «إ- م- ا». أما استعماله للوزن الصرفي لبيان أصل الكلمة، وما حصل فيها من إعلال وإبدال، فأكثر من أن يحصر. وكثيرا ما يهتم بالترجمة والرسم العملي لوصف هجاء الكلمات. ترجم أبو داود للحذف، إذ هو المخالف لقاعدة الرسم القياسي المحتاج إلى البيان، أما الإثبات فلا حاجة إلى التنصيص عليه لمعرفته من قاعدة الخط، وتصوير الكلمة بحروف هجائها، بتقدير الابتداء بها، والوقف عليها، ولذلك لم يتعرض لشيء منه استقلالا، بل لداع وأمر يقتضي ذلك كالاستثناء، أو ما جاء فيه الخلاف، فتعرض مثلا إلى إثبات ألف: النهار، والحساب، والعقاب، والجبار (¬2). وتعرض للفعل المضارع المجزوم بحذف حرف العلة، ولم يقتصر على الرسم الاصطلاحي بل ذكر أيضا الرسم القياسي ويتضح ذلك في باب الهمز عند قوله تعالى: إيّاك نعبد (¬3). وبين المؤلف لناسخ المصحف أن يترك فسحة بين الحروف لإلحاق ¬

_ (¬1) من الآية 41 الرعد. (¬2) انظر قوله تعالى: ولهم عذاب من الآية 6 البقرة. (¬3) من الآية 4 الفاتحة.

الشكل وحروف المدّ، وعدّه المؤلف من كمال الناسخ، ومن مؤكد ما يحتاج إليه الضابط أن يترك موضعا لإلحاق الألف والواو والياء المحذوفات من الرسم فوصفه بقوله: «فهو من كمال الناسخ، ومن مؤكد ما يحتاج إليه الضابط وإلا لم يتم له المراد ولا استبان». وقال: «وأن لا يقع في حرج، ويوقع غيره في أعظم من ذلك، إذا كان جاهلا بالخط، أو مستهزئا بالأمر وغير مراع لما يجب عليه من ذلك». وهذا فيه حرص على المحافظة على الرسم، وفيه الحرص على تجريد المصحف، وعدم خلط إلحاق المحذوف باللون، كما شاع ذلك في القرون الأولى، أو بإلحاق المحذوف بالصغر والدقة تمييزا له عن الرسم كما هو الحال في زماننا هذا، ونظرا لإدماج الحروف بعضها في بعض في بعض مصاحفنا الحالية، رأيت بعض الحركات ليست على حرفها المتحرك بها. فيجب ترك الفسحة وعدم إدماج الحروف لإلحاق المحذوف والحركات. وبين- رحمه الله- أن خط المصاحف رسم على لغة أهل الحجاز واختارها المؤلف على غيرها من اللغات، فقال عند قوله تعالى: وإذا قيل لهم (¬1) كتبوه بياء بعد القاف وفيها لغتان: «الضم والكسر، إلا أن الخط مبني على لغة أهل الحجاز ومن وافقهم من قريش وكنانة ومن جاورهم وهي الكسر لا غير»، ثم إنه اختار هذه اللغة فقال عند قوله تعالى: فمن تبع هداي (¬2): «وأنا أستحب كتب ذلك بألف موافقة ¬

_ (¬1) من الآية 10 البقرة. (¬2) من الآية 37 البقرة.

للغة أهل الحجاز وللمصاحف المرسومة فيها ذلك كذلك، وهروبا من لغة هذيل، وبعض سليم الذين يقولون: «هديّ» مثل: «عليّ» و «لديّ» و «هويّ» و «قفيّ». أقول: وهو الموافق لقول عثمان رضي الله عنه لنفر القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش. قال الشيخ نصر الهوريني: «ومعلوم أن لغة قريش أفصح اللغات، فلذا كان الكتب على لغتهم أولى، لا سيما وقد جرى عليها رسم المصحف» (¬1). ومما يجب معرفته: منهج المؤلف وطريقته في بعض الحروف؛ لأن الناقل عن التنزيل دون معرفة لمنهجه يقع في أخطاء؛ من ذلك مثلا: أن المؤلف إذا ذكر قاعدة ذات وجهين ثم أعاد فردا من أفرادها، مقتصرا على أحدهما، فمحمل الاقتصار عنده على الترجيح للمذكور، والاكتفاء عن الآخر بما قدمه، وتتضح هذه القاعدة في كلام المؤلف عن ألف المثنى، فقال عند قوله تعالى: وما يعلّمان (¬2): «فكتبوه بألف وبغير ألف أيضا، وبالألف أختار لمعنيين: أحدهما موافقة لبعض المصاحف والثاني إعلاما بالتثنية». ثم إذا ما جاء بعد ألف التثنية تراه قد يقتصر فيه على أحد وجهي الخلاف بعد أن قرره اختيارا منه لهذا الوجه. ¬

_ (¬1) المطالع النصرية ص 26. (¬2) من الآية 101 البقرة.

من ذلك مثلا ذكر اختلاف المصاحف في إثبات الألف وحذفها في قوله: إسرائيل (¬1) واختار حذف الألف، ثم اقتصر عليه، عند قوله تعالى: ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل (¬2). ومثل ذلك ما ذكره عند قوله: قل أرأيتكم (¬3) ذكر فيه اختلاف المصاحف ثم اقتصر على الحذف في قوله: أفرايت (¬4) ترجيحا منه للحذف. منهج المؤلف واختياره في بعض الحروف غير واضح، حيث إنه قرّر اختلاف المصاحف في قوله تعالى: بآيتنا في البقرة (¬5) ولم يعين اختياره كعادته، إلا أنه في بعض الكلمات التي تليها كقوله تعالى: بأيت في الأنفال (¬6) اقتصر على رسمها بياءين على أحد الوجهين. وقد يدل اقتصاره عليه ترجيح الرسم بالياءين، وتقدم في البقرة (¬7). وإذا ذكر حرفا بحكم ما وعمّ فيه كقوله: «كيف أتى» أو: «حيث جاء» أو «كيف وقع» و «كيف ما تصرف» فهو عام لجميع حروفه ونظائره سواء فيها ما تقدم ذلك الموضع، أو ما تأخر عنه. وقد يكتفي المؤلف بالسابق عن اللاحق، وسواء أشار في الألفاظ التي بعد المذكور إلى الإحالة عليه أم لا، كأن يقول: «تقدم» أو «هجاؤه مذكور». ¬

_ (¬1) ذكر ذلك في الكتاب عند الآية 28 البقرة. (¬2) من الآية 244 البقرة. (¬3) من الآية 41 الأنعام. (¬4) من الآية 22 الجاثية. (¬5) من الآية 38 البقرة. (¬6) من الآية 55 الأنفال. (¬7) من الآية 38 البقرة.

وسأبين في ملاحظاتي على الكتاب بعض الكلمات التي لم يظهر فيها منهج أبي داود. فالمؤلف- رحمه الله- اعتمد في عد آي القرآن على مذهب أهل المدينة، وأطلق القول في ذلك، فقال: «وعلى مصحف أهل المدينة يكون تعويلنا إن شاء الله في الهجاء وعدد الآي»، وحدّده بعدد المدني الأخير، فقال عند قوله: لعلّكم تتفكّرون (¬1) رأس الآية عند المدني الأخير الذي بنينا كتابنا عليه، في التعشير والتخميس، وعدد الآي» ولذلك التزمت في عزو الآيات إلى سورها على المدني الأخير موافقة لمذهب المؤلف. وعند بداية كل سورة يذكر عدد آياتها على المذهب المذكور دون بقية المذاهب، ومن حين لآخر يذكر بعض رءوس الآي على بقية مذاهب علماء العدد. فقال عند قوله: وأولئك هم المفلحون (¬2) رأس الخمس عند الكوفيين لأنهم عدّوا: ألمّ ولم يعدّها الباقون. وقال عند قوله: لا يؤمنون (¬3) «رأس الخمس عند المدني والمكي، والبصري والشامي». وقال عند قوله: مصلحون (¬4) رأس العشر عند الجميع حاشا الشامي وحده. لكن هذا المنهج لم يطرد ولم يتناول جميع الكتاب. بين المؤلف بعض رءوس الآي على مذهب من عدّه، ومن لم يعدّه، إلا أنه لم يشمل جميع الكتاب بل في بعض المواضع، كقوله تعالى: ¬

_ (¬1) من الآية 217 البقرة. (¬2) من الآية 4 البقرة. (¬3) من الآية 5 البقرة. (¬4) من الآية 10 البقرة.

يأولى الألبب (¬1)، وقوله تعالى: لعلّكم تتفكّرون (¬2)، وقوله تعالى: الحيّ القيّوم (¬3)، وقوله تعالى: إلى النّور (¬4)، وقوله تعالى: من خلق (¬5) وقوله تعالى: خائفين (¬6)، وفي آل عمران في قوله تعالى: والإنجيل (¬7) وقوله تعالى: والفرقان (¬8)، وفي قوله تعالى: والإنجيل في موضعه الثاني (¬9). ومن حين لآخر كان ينبه على ما يشبه رأس الآية ولا يعدّه أحد من العادين. فقال عند قوله تعالى: عذاب أليم (¬10): يشبه بفاصلة، وليس كذلك وقال عند قوله تعالى: جبّارين (¬11)، وليس: جبّارين برأس آية عند أحد من العادين. وقال عند قوله تعالى: يوصي بها أو دين (¬12)، وليس هذا برأس آية. لمست في منهج المؤلف ميزة لم تعهد عند غيره ولم يذكرها غيره، وبسبب خلو الكتب منها أثار المناقشون للرسائل العلمية اختلافا فيما بينهم. فالمؤلف رحمه الله كلما ذكر تعليلا للقراءة أو توجيها للرسم، فإنه يردفه ويعقب عليه بقوله: «هذا مع اتباعه من قرأ عليه» إشعارا منه بأن التعليل ¬

_ (¬1) من الآية 196 البقرة. (¬2) من الآية 217 البقرة. (¬3) من الآية 253 البقرة. (¬4) من الآية 256 البقرة. (¬5) من الآية 199 البقرة. (¬6) من الآية 113 البقرة. (¬7) من الآية 2 آل عمران. (¬8) من الآية 3 آل عمران. (¬9) من الآية 48 آل عمران. (¬10) من الآية 90 آل عمران. (¬11) من الآية 24 المائدة. (¬12) من الآية 11 النساء.

والتوجيه تابع للقراءة وللتلقي وللسماع، وإن كان يوافق ذلك وجها في العربية فصيحا أو أفصح، فالتماس التعليل والتوجيه بعد متابعة الرواية. فقال عند قوله تعالى: فلم تقتلون (¬1) بعد أن بين الوقف على «فلم» قال: «هذا مع اتباعه من قرأ عليه لقوله صلى الله عليه وسلّم: «اقرءوا كما علمتم». وقال عند قوله تعالى: وما أنت بهد العمي (¬2) «اتباعا للمرسوم، ولمن أخذنا ذلك عنه، إذ ليس للقياس طريق في كتاب الله عزّ وجل وإنما هو سماع وتلقين لقوله صلى الله عليه وسلّم: «اقرءوا كما علمتم»، فلا يجوز أن يقرأ أحد إلا بما أقرئ وسمع تلاوة من القارئ على العالم أو من العالم على المتعلم عن قصد منهما لذلك». ويكاد هذا التعقيب والمتابعة يكون عاما في كتابه، فقال عند قوله تعالى: وقد هدان (¬3): «وحذف الياء أبو عمرو ومن وافقه في الوقف موافقة للخط، واتباعا لمن قرأ عليه من أئمته، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين موافقة للخط، واتباعا للرسم وحسب ما قرءوا به على أئمتهم». وقال في موضع آخر: «موافقة للرسم واتباعا لمن قرأ عليه»، وقال: «اتباعا للرسم، ولمن قرأ عليه». لمست في كتابه روح السهولة واليسر، وعدم التكلف والتعصب، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالشكل أم بالمحتوى أم بما ذهب إليه واختاره، فعباراته ولغته سهلة، كما ظهرت هذه السهولة واليسر في اختياراته ¬

_ (¬1) من الآية 90 البقرة. (¬2) من الآية 83 النمل. (¬3) من الآية 81 الأنعام.

وترجيحاته، ويتجلى ذلك في بعض الكلمات حيث يروي رواية مخالفة لما رواه غيره، فلا يردها بل يحترمها ويحسّن العمل بها. فقال عند قوله تعالى: ولولا نعمة ربّي (¬1): «بالهاء هذه روايتنا، ورأيت الغازي بن قيس وحكما وعطاء قد رسموها بالتاء، وكلاهما حسن، فليكتب الكاتب ما أحب من ذلك، فهو في سعة لمجيء الروايتين عنهم بذلك». بل إنه إذا اختلفت المصاحف في حرف ما ولم يجد فيه رواية يختار وجها ويصرح بعدم المنع من الوجه الآخر. فقال عند قوله تعالى: وجعل اللّيل سكنا (¬2): «وأنا أستحب كتاب ذلك بغير ألف لجميع القراء ... وإن كتبه الناسخ للعربيين والحرميين بألف على قراءتهم، وللكوفيين بغير ألف على قراءتهم أيضا فحسن، إذ لم تبلغنا رواية أنه كتب في مصحف من مصاحف الأمصار بوجه ما وإنما جاءت الرواية مبهمة، أن ذلك في بعض المصاحف كذا وفي بعضها كذا من غير تسمية مصر بعينه مخصوص به، فبذلك أوجب إطلاق الناسخ». وإذا تعادل عنده الرأيان حسّن الوجهين، وخيّر ناسخ المصحف أن يختار ما يشاء. فقال عند قوله تعالى: فنظرة بم يرجع المرسلون (¬3): «كتبوه في بعض المصاحف بألف، وفي بعضها بغير ألف، ولا رسمها الغازي، وأما حكم وعطاء فرسماها بألف، والكاتب مخيّر فيها، فليكتب ¬

_ (¬1) من الآية 57 الصافات. (¬2) من الآية 97 الأنعام. (¬3) من الآية 36 النمل.

كيف يشاء لمجيء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم بالوجهين». وكذلك إذا لم يرو في الحرف شيئا يخيّر الكاتب في الإثبات والحذف، فنص على ذلك عند قوله تعالى: ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّرات (¬1). فالمؤلف لا يتشدد ويتمسك بقبول وجه وردّ الآخر إذا اختلفت المصاحف ولم يظهر له وجه الترجيح، فيطلق لناسخ المصحف أن يختار ما يشاء، ويضبط بما يريد، ويحسّن الوجهين، فيقول: «وكلاهما حسن» ويقول: «وكلاهما حسن، فليكتب الكاتب ما أحب من ذلك»، ويقول: «وهو في سعة من ذلك». وحتى عند ما يختار وجها ما، فإنه ينص على عدم منعه من الوجه الثاني، فيقول: «فأختار كذا ولا أمنع من الثاني». ونرى المؤلف يتمسك بالرواية الثابتة والأثر والنقل ولو كان يخالف قراءته، فقال عند قوله تعالى: إذا مسّهم طيف (¬2): اختلفت المصاحف فيه ... وأنا أستحب كتبه بغير ألف على حسب روايتنا ذلك عن نافع بن أبي نعيم المدني، وإن كانت قراءته بألف لروايتنا عنه ذلك في الهجاء، ولتتابع الرواية في الخط واللفظ، ولا أمنع من إثبات الألف للغير لما قدمناه من الرواية أيضا لذلك. ¬

_ (¬1) من الآية 45 الرّوم. (¬2) من الآية 201 الأعراف.

واختياره غالبا ما يكون موافقا لمصاحف أهل المدينة، فقال عند قوله تعالى: سحرن تظهرا (¬1) واختياري حذف الألف الأولى بين السين والحاء لروايتنا ذلك عن مصاحف المدينة، وبعض مصاحف سائر الأمصار. وقال عند قوله تعالى: بكلّ سحر عليم (¬2) بعد أن نقل فيه اختلاف المصاحف، قال: «قال نصير: وفي بعضها «سحر» بغير ألف أيضا، وهو الذي أختار، وبه أكتب موافقة لرسم أهل المدينة، وما رويناه عن بعض المصاحف التي كتب فيها ذلك كذلك». أما إذ اختلفت المصاحف في حرف ما وظهر وجه الترجيح فلا يحسّن الوجهين، فيختار الرسم الذي يحمل القراءتين، فقال عند قوله تعالى: واذكر عبدنا (¬3): وأستحب كتب كلمة «عبدنا» بغير ألف بين الباء والدال لقراءة ابن كثير على التوحيد. وبين أن الصحابة رضي الله عنهم اكتفوا بالفتحة عن الألف لدلالتها عليها ليجمعوا بين القراءتين بصورة واحدة. فقال عند قوله تعالى: لما ءاتينكم من كتب (¬4): «واكتفى الصحابة رضي الله عنهم بفتح النون من الألف لدلالتها عليها حسب ما تقدم وجمعها بين القراءتين بصورة واحدة حسب ما فعلوه في سائر المصاحف رضي الله عنهم أجمعين». ¬

_ (¬1) من الآية 48 القصص. (¬2) من الآية 111 الأعراف، انظر هذا الكلام في سورة يونس عند الآية 81. (¬3) من الآية 44 سورة ص. (¬4) من الآية 80 آل عمران.

وإذا ورد اختلاف المصاحف في رسم حرف ما وتضمن هذا الحرف قراءات، رجح المؤلف الرسم الذي يحمل القراءات، مثال ذلك أن المصاحف اختلفت في رسم: «كلمت» في بعضها بالهاء، وفي بعضها بالتاء. قال أبو داود: فما قرئ من هذا وشبهه بالجمع، فلا يجوز أن يكتب إلا بالتاء على كل حال مثل: «السموت» و «الثمرت» و «الخيرت» وشبهه (¬1). وقال عند قوله تعالى: فلا يخاف ظلما (¬2): «قرأها ابن كثير بجزم الفاء من غير ألف، فعلى قراءته يجب أن تكون هذه الكلمة من غير ألف وعلى قراءة أهل المدينة والعراق والشام يحتمل أن تكتب بالألف لقراءتنا ذلك كذلك لهم، ويجوز حذف الألف على الاختصار، وليس عندنا للمصاحف في هذا الحرف رواية، إلا أن الذي يجب في القياس أن تكون في مصاحف أهل مكة بغير ألف لما ذكرناه»، فهنا استند على القراءة. ولم أجد له إلا موضعا واحدا اختار فيه الرسم الذي يخالف القراءة المتواترة، والمؤلف نفسه نص على أن الصحابة يجمعون برسم واحد بعض القراءات. فقال عند قوله تعالى: يسألون عن أنبائكم (¬3): كتبوه في بعض المصاحف من غير صورة للهمزة، وبذلك أكتب، وهو الذي روينا عن ¬

_ (¬1) انظر قوله تعالى: يرجون رحمت الله في الآية 216 البقرة. (¬2) من الآية 109 طه. (¬3) من الآية 20 الأحزاب.

نافع عن مصاحف أهل المدينة، وكتبوا في بعضها بألف على قراءة رويس، فالمرجح هنا الرسم بالألف رعاية لقراءة يعقوب من رواية رويس، فالمؤلف في هذه الكلمة خالف أصله. وإذا جاءت الرواية شاذة مخالفة لسائر المصاحف لا يقبلها ويختار ما جاء في سائر مصاحف الأمصار، فقال: «وحكى أيوب بن المتوكل أن في مصاحف أهل المدينة: إنّا لننصر (¬1) بنون واحدة ولم أرو ذلك في حروف نافع، لا من طريق قالون ولا من طريق الغازي، ولا ذكر ذلك عطاء ولا حكم في كتابيهما، ولا ابن أشتة، قال أيوب بن المتوكل: وفي سائر المصاحف: إنّا لننصر بنونين». قال أبو داود: «وهو الذي أختار وبه أكتب». وما وقع رسما دون رواية أو رآه في المصحف دون رواية لا يأخذ به، فقال عند قوله تعالى: فبأيّ حديث (¬2): «ووقع في مصحف الغازي ابن قيس بياءين على الأصل، وليست لي فيه رواية، وبياء واحدة أكتب». وقال عند قوله تعالى: وإيتائ ذي القربى (¬3): «ورسمه الغازي ابن قيس بياء بعد التاء من غير ألف بينهما، وبالألف أكتب». فالمؤلف يتبع الغازي بن قيس فيما رواه لا فيما رسمه، فإذا وقع عنده حرف برسم ما دون النص على الرواية لم يتابعه عليه، فهو يتبع روايته دون رسمه؛ مثال ذلك: ¬

_ (¬1) من الآية 51 غافر، وانظر الآية 14 يونس. (¬2) من الآية 185 الأعراف. (¬3) من الآية 90 النحل.

قال: «ورسم الغازي بن قيس هنا: أرحام الانثيين (¬1) بغير ألف وكذا وقع عنده رسما دون ترجمة، ورسم في الأنفال: وأولوا الارحام (¬2) بألف، والله أعلم كيف وقع هذا، والذي أختاره في الجميع بألف». وعند ما وافقت الرواية ما رسمه الغازي بن قيس صححه المؤلف، وتابعه عليه. فقال عند قوله تعالى: إنّما عند الله (¬3): «متصلا كذا رسمه الغازي بن قيس، ورويناه عن جماعة منهم ابن الأنباري ونصير النحوي وحمزة وأبو حفص وغيرهم، ورسمه حكم وعطاء الخراساني منفصلا مثل الذي وقع في الأنعام رسما دون ترجمة، والصحيح ما قدمناه». وقال عند قوله تعالى: فبما رحمة مّن الله (¬4): «ورسم هذه الغازي وحكم وعطاء بالتاء رسما دون ترجمة، لم يذكرها غيرهم، واختياري ما قدمته: «رحمة» بالهاء، ولا يجوز عندي أن يكتب بالتاء». وهذا يدل دلالة قاطعة على أن كل ما ذكره في كتابه هو ما رواه عن شيوخه وإن كان ساقه مجردا من ذكر السند. وإذا عدم الرواية تأمل المصاحف العتيقة، ولم يلجأ إلى القياس إلا إذا كان له سند يقويه من نحو قراءة أو نظير يحمل عليه. فقال عند قوله ¬

_ (¬1) من الآية 144 الأنعام. (¬2) من الآية 76 الأنفال. (¬3) من الآية 95 النحل. (¬4) من الآية 159 آل عمران.

تعالى: وعلمت وبالنّجم (¬1): «بغير ألف كذا رأيته في مصاحف قديمة، وليست لي فيه رواية، ويجب أن يكون في القياس، مثل ما رويناه من حذف ما اجتمع فيه ألفان نحو: فالصّلحت، وقنتت، وشبهه». وأصرح من ذلك ما ذكره عند قوله تعالى: اجتبيه (¬2) فقال: «بغير ألف، وأصل هذه الكلمة أن تكون بياء بين الباء والهاء، إلا أنني لم أرو ذلك عن أحد، ولا رسمها أحد في كتابه لا بالياء ولا بالألف، ثابتة ولا محذوفة فلما رأيتهم قد أضربوا عنها تأملتها في المصاحف القديمة، فوجدتها بغير ألف وفي أكثرها بالألف»، وجوّز فيها الأوجه الثلاثة. وهي أوضح من أن يلتمس لها رواية، لأنها من ذوات الياء فالمؤلف حريص على التزام الرواية. ثم إن المؤلف يرد على من خالف الإجماع، فذكر أن أبا حاتم السجستاني ذكر أن في بعض المصاحف: وهيّئ لنا (¬3)، ويهيّئ لكم (¬4) بألف صورة للهمزة، فرد ذلك المؤلف، وقال: «وذلك خلاف للإجماع، والذي قدمته هو الصحيح». ونقد المؤلف بعض من يكتب المصاحف ولا يعرف العربية، فقال عند ¬

_ (¬1) من الآية 16 النحل. (¬2) من الآية 121 النحل. (¬3) من الآية 10 الكهف. (¬4) من الآية 16 الكهف.

قوله تعالى: وإن تدعوهم (¬1): «وكتبوا في الكهف: وإن تدعهم (¬2) بغير واو، لأنه مجزوم بطرح الواو، لأنه هناك للواحد، وهنا للجماعة، فسقطت النون للجزم، وإنما قيدت ذلك لأني رأيت بعض من يكتب المصاحف ولا يبصر العربية قد غلط فيها». وقال عند قوله تعالى: وألّف بين قلوبهم (¬3) «ألف» بلام واحدة ولا يجوز غير ذلك، إذ هو فعل، وإنما قيدته لأني رأيت كثيرا من كتاب المصاحف وغيرهم قد رسموها بلامين جعلوها مثل الألف واللام اللتين يدخلان للتعريف». وقد اعتنى المؤلف بالقراءات وتوجيهها، وقد يذكر لها شواهد من الشعر. فاستشهد لقراءة ابن عامر عند قوله تعالى: وكذلك زيّن لكثير (¬4)، واستشهد لقراءة ابن كثير عند قوله تعالى: إنّه من يتّق ويصبر (¬5). واستشهد لقراءة الحرميّين عند قوله تعالى: فاسر (¬6). والمؤلف رحمه الله تابع شيخه أبا عمرو الداني في تجزئة رمضان حيث جزّأ القرآن على سبعة وعشرين على عدد الحروف ليوافق ختم القرآن في صلاة التراويح ليلة السابع والعشرين من رمضان، وكلما مرّ بجزء منه ¬

_ (¬1) من الآية 198 الأعراف. (¬2) من الآية 56 الكهف. (¬3) من الآية 64 الأنفال. (¬4) من الآية 138 الأنعام. (¬5) من الآية 90 يوسف. (¬6) من الآية 80 هود.

ذكره، إلا أنه لم يراع هذه التجزئة، لأن معظمها ليس بمحل للوقف لتعلق الكلام بعضه ببعض، فقال: «وأنا أذكر كل جزء منها في موضعه كلما مررت به، وفيها مواضع يكره القطع عليها لتعلق الكلام بعضه ببعض، وارتباطه به، وأستحب الوقوف على ما قبل ذلك بيسير أو بعده بقليل، في كل موضع لم يكن الوقف عليه ليتم» وسأنبه على ذلك كله في موضعه إن شاء الله (¬1). وقال أيضا عند قوله تعالى: ما يوحى (¬2): «وأستحب أنا أن يوقف قبل ذلك بثلاث آيات عند قوله تعالى: بصيرا لأنه آخر سؤال موسى ربه، وهنا عند قوله تعالى: ما يوحى كلام متعلق لا يصلح الوقف عليه، ولا الابتداء بما بعده». وقال أيضا: «وأختار للمصلي بالناس أن يقطع على قوله عزّ وجلّ: وهم صاغرون (¬3) ثم يبتدئ بقوله: قال يا أيّها الملؤا فهو أحسن عندي». لكن بعضها لا يسلم له فيها كما هنا، فالأحسن منه أن يقطع على قوله عزّ وجل: لله ربّ العالمين لأنها نهاية القصة وابتداء أخرى، فيبتدئ في اليوم التالي بقوله تعالى: ولقد أرسلنا إلى ثمود (¬4). وإذا مرّ بالجزء من أجزاء الستين- وهو المسمى عند علماء المغرب ¬

_ (¬1) انظر قوله تعالى: شاكر عليم في الآية 157 البقرة. (¬2) من الآية 37 طه. (¬3) من الآية 38 النمل. (¬4) من الآية 47 النمل.

بالحزب- نبه على موضعه قائلا: «رأس الجزء الأول من أجزاء ستين» متبعا في ذلك مذهب أبي عمرو الداني. وكثيرا ما يخالف هذه المواضع. فذكر رأس الحزب في نهاية سورة الأنعام، وقيل: عند قوله تعالى: أو هم قائلون (¬1)، واختار رأس الحزب آخر سورة الأنعام وذكر قولين لرأس الحزب: الأول في نهاية سورة يونس، والثاني عند قوله تعالى: بذات الصّدور (¬2)، وقال: «وكلاهما حسن والأول أختار». وذكر في هود ثلاثة أقوال، واختار رأس الحزب عند قوله: ببعيد (¬3)، فقال: «والذي أختار هذا لكونه أول قصة، ولكون الثاني متعلقا بالقصة الأولى وهو قوله: الرّشيد (¬4) وودود (¬5). واختار قوله تعالى: العزيز الرّحيم (¬6) نهاية قصة إبراهيم عليه السلام، فقال: «رأس الجزء السابع والثلاثين باختلاف يأتي بعد، وهذا الذي أختار، لأنه تمام قصة وابتداء أخرى». وكلما مر بالآيات المتشابهات التي تكررت في القرآن وألفاظها متفقة، لكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير أو إبدال حرف مكان حرف ذكرها وبينها لتقوية الحفظ وسهولة الاستذكار، إلا أنه ليس ¬

_ (¬1) من الآية 3 الأعراف. (¬2) من الآية 5 هود. (¬3) من الآية 82 هود. (¬4) من الآية 87 هود. (¬5) من الآية 90 هود. (¬6) من الآية 104 الشعراء.

على سبيل الاستقصاء والحصر، ولم يتتبع كل الآيات المتشابهة كما فعل ابن المنادي في كتابه متشابه القرآن، ولم يتعرض للتوجيه والتعليل كما صنع أحمد بن الزبير الغرناطي في ملاك التأويل، ومحمود الكرماني في البرهان، فهو يكتفي ببيان الفرق، وقد تعرض لموضع واحد بالتوجيه فقال: «ووقع في الأعراف: فانبجست (¬1) مكان: فانفجرت (¬2) هنا، ومعناهما واحد، وقيل: الانفجار: خروج الماء الكثير، والانبجاس: خروج الماء قليلا قليلا، فكأنه كان الانبجاس ابتداؤه ثم الانفجار بعده». ويحصر بعضه بعدد معين مثل قوله: إنّنا (¬3) بنونين، وذكر: «اللعب» قبل: ولهو (¬4) أو العكس، وذكر فيه رجزا من نظمه. ومثله: حكيم عليم (¬5) بين جميع مواضعه، وسائرها عليم حكيم. وإذا مرّ بقراءة شاذة خالفت خط المصحف أنكرها وشدد في النكير. فقال: «وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ما لا يصح عنهما، ولا تجوز القراءة به، لورود ذلك عنهما من طريق الآحاد، ومخالفة ما جاء عنهما وعن غيرهما من طريق الأئمة الثقات الذين نقلوا القرآن إلينا عنهما، وهم جماعة عدول رواية وتلاوة مع مخالفة هذه ¬

_ (¬1) من الآية 160 الأعراف. (¬2) من الآية 59 البقرة. (¬3) انظر: الآية 16 آل عمران، والآية 20 الأنعام في الكتاب. (¬4) انظر: الآية 33 الأنعام. (¬5) من الآية 84 الأنعام.

الرواية الشاذة المنكرة خط المصحف المجتمع عليه، وهي قراءة: «ما ءاتيتم به» مكان ما جئتم به (¬1). وقال أيضا: «وجاء عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب ويحيى بن وثاب، وإبراهيم النخعي والأعمش أنهم قرءوا: «يقضي بالحق» بياء بعد الضاد، وزيادة باء الجر في كلمة: «الحق» وهذه القراءة شاذة لا تصح عنهم». فالمؤلف إمام في القراءة لم يمر على قراءة شاذة إلا ردّها وأنكرها، ولم يثبت في كتابه هذا قراءة شاذة. وإذا مر المؤلف بالياء المتطرفة ذكر الوقص والعقص، فقال عند قوله تعالى: فاذكروني أذكركم (¬2): «في بعض المصاحف بياء عقصي، أعني مردودة إلى خلف، وفي بعضها بياء وقصي، أعني معرفة إلى أمام». ثم قال: «وأنا أستحب كتبها للمكيين لمن أراد أن يضبط المصحف بياء وقصي، ولسائر المصاحف والأئمة بياء عقصي». وقال عند قوله: يوصي بها (¬3) «وأنا أستحب كتابها مردودة إلى خلف على قراءة الأخوين ونافع وأبي عمرو، وعلى قراءة أبي بكر والابنين بياء معرفة إلى أمام. وقال في موضع آخر: «وأستحب لمن كتب مصحفا ونيته أن يضبطه ¬

_ (¬1) من الآية 81 يونس. (¬2) من الآية 151 البقرة. (¬3) من الآية 12 النساء.

لأبي عمرو أن يكتب الياء من: نجزي كلّ كفور (¬1) معرقة إلى أمام، ولمن ضبطه لسائر القراء كتبها مردودة». وقال عند قوله تعالى: ماذا ترى (¬2): «قرأ الأخوان: ترى بضم التاء وكسر الراء كسرة محضة، يجعلانه فعلا رباعيا، واختياري على قراءتهما أن تكتب الياء مردودة إلى خلف لمن ضبط لهما أو لأحدهما». واقتصر على العقص في قوله تعالى: ادخلي الصّرح (¬3) لإجماع القراء على قراءته بكسر اللام ولسكون الياء. ثم أطلق للناسخ أن يختار ما يشاء، فقال: «ومن لم يراع ذلك في هذه الحروف وشبهها فهو في سعة إن شاء الله». وإذا مرّ المؤلف رحمه الله على الحروف الموصولة والمفصولة ذكرها عند أول موضع ترد فيه، ويضم لها جميع نظائرها من باقي السور، وإذا كان فيها اختلاف ذكره. ثم إذا مرّ على هذه الحروف في موضعها من السورة ذكرها واقتصر على الوجه المختار عنده إذا كان فيها خلاف. فذكر المقطوع والموصول في قوله: أين ما عند قوله تعالى: فأينما تولّوا (¬4). وفي قوله: كل ما عند قوله تعالى: كلّ ما ردّوا إلى الفتنة (¬5). ¬

_ (¬1) من الآية 36 فاطر. (¬2) من الآية 102 الصافات. (¬3) من الآية 45 النمل. (¬4) من الآية 114 البقرة. (¬5) من الآية 90 النساء.

وفي قوله تعالى: إنما عند قوله تعالى: إنّ ما توعدون (¬1)، وذكر المقطوع والموصول من أن لا عند قوله تعالى: حقيق علىّ أن لّا أقول (¬2). وإذا مرّ على ما يرسم بالتاء المفتوحة ذكره في أول موضع يرد فيه، ويحصره بعدد، ويضم إليه جميع ما يماثله من باقي السور، ويعيد ذكره في موقعه من السورة، وستلاحظ ذلك عند قوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله (¬3)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) من الآية 135 الأنعام. (¬2) من الآية 104 الأعراف. (¬3) من الآية 216 البقرة.

مصادر المؤلف في كتابه

مصادر المؤلف في كتابه: إن علم القراءات- بما فيه الرسم مبناه على الرواية والسماع والتلقي في كل عصر ومصر وخاصة في القرون الأولى. وقد اهتم علماء السلف بالأسانيد، وكانت كل علومهم تتلقى بالرواية أو بالإجازة. والمتتبع لعلماء القراءات حتى نهاية القرن الخامس؛ آخر حياة المؤلف، قل أن يجد منهم من يعتمد فيما يرويه من قراءات وروايات وما يتصل بها على الكتب أو الصحف بأن يقول قرأت في كتاب فلان أو في كتاب كذا، ثم يورد الرواية أو القراءة، فذلك عندهم من العجز والتقصير، بل لا يصح الأخذ عنه لاعتماده على صحف يعتريها التحريف والخطأ. فالطريقة المتبعة عندهم في رواية الكتب هي قراءتها على مؤلفيها، أو على شيوخ اتصلت أسانيدهم بمؤلفي تلك الكتب أو بإجازة شيوخ لهم مرويات تلك الكتب، وحينئذ يصرحون بتلقيهم لما في تلك الكتب بالإجازة (¬1). والمؤلف أبو داود رحمه الله في كتابه التنزيل معتمد في كل ما يرويه من حروف في هجاء المصاحف على شيوخه وإن لم يذكرهم صراحة. وهو ممن روى المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار فصرح في مقدمته بأنه قرأه على مؤلفه أبي عمرو عثمان بن سعيد. ¬

_ (¬1) لاحظ ذلك في كتاب: برنامج التجيبي، وفهرست ابن خير الإشبيلي، وغيرهما من الفهارس الجامعة لروايات الشيوخ وتآليفهم.

فكان هو المصدر الذي اعتمد عليه المؤلف، وكان- كما تقدم- يكرر عبارة: «روينا» أو «هذه روايتنا» ولم يذكر المقنع باسمه الصريح إلا في موضع واحد، وذلك لبيان موضع الكلمة في المقنع، بل قرنها بالرواية، فقال عند قوله عز وجل: لئن أنجيتنا (¬1): «وروى لنا أستاذنا أبو عمرو رضي الله عنه في كتابه المقنع في آخر باب منه». ما عدا هذا الموضع، فإنه يذكر الرواية عن أبي عمرو دون التصريح بذكر كتبه. فقال عند قوله تعالى: هى أربى من أمّة (¬2): «وكذا روينا عن أستاذنا أبي عمرو، وعلى ذلك نعتمد». والمؤلف رحمه الله له استقلاله العلمي وبراعته في الرسم فكان يخالفه، فقال عند قوله تعالى: النّبيين (¬3) «وأنا أخالف أبا عمرو في هذا». والواقع الذي لا مرية فيه أن كلّ ما ذكره في وصف هجاء المصاحف في كتابه التنزيل هو مما تلقاه وحفظه ورواه عن شيوخه مسندا، وما تأمله عن المصاحف العتيقة، وإن كان لم يذكر سنده المتصل للتخفيف والاختصار. فأهل الأندلس والمغرب كانوا ولا يزالون لا يفرقون بين حفظ القرآن وحفظ رسمه، فالأساس الذي عندهم أن رسم القرآن لا ينفصل البتة عن ¬

_ (¬1) من الآية 22 يونس. (¬2) من الآية 92 النحل. (¬3) من الآية 60 البقرة.

حفظ القرآن، فهما متلازمان، فالجزء الذي يكتب في اللوح، وهو ثمن الحزب عندهم، لا ينتقل الطالب منه إلى الثمن الذي يليه إلا إذا حفظه رسما ولفظا، فيقترن الخط باللفظ، ولا يمنح الإجازة إلا إذا حفظ القرآن لفظا ورسما، ولا يسمى حافظا إلا إذا أتقن لفظه ورسمه، ولم تعهد هذه الطريقة عند أهل المشرق، فهم يفصلون بين الحفظ والرسم، والأولى أحكم وأتقن وأسلم. لذا أقول: إن مصدر المؤلف في هذا الكتاب هو حفظه وروايته عن شيوخه. وأستدل على ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن المؤلف- رحمه الله- حينما ذكر وصف هجاء بعض الحروف التي ورد فيها الخلاف، أو لم يجد فيها رواية، نص على أنه لم يجد فيها رواية فقال عند قوله تعالى: وعلمت وبالنّجم (¬1): «بغير ألف، كذا رأيته في مصاحف قديمة، وليست لي فيه رواية». وقد تقدم له ذكر حذف ألف الجمع ذي الألف والألفين في فاتحة الكتاب عند قوله تعالى: ربّ العالمين ولم يذكر أنه رواه. وقال هنا: «ويجب أن يكون في القياس، مثل ما رويناه من حذف ما اجتمع فيه ألفان، نحو: صلحت، وقنتت». فهذا يدل على أن كلّ ما ذكره في كتابه مروي ومسند طبقة عن طبقة، بل هناك كلمات متناظرة صرح في كلمة منها بأنه لم يرو فيها شيئا. مثل ¬

_ (¬1) من الآية 16 النحل.

قوله تعالى: مّن ديارهم (¬1) فذكر جملة ما وقع منه في القرآن خمسة عشر موضعا ونص على حذف الألف بين الراء والياء حيث وقع، وصرّح في قوله تعالى: الدّيار (¬2) بأنه لم يرو فيه شيئا، فقال: «فليست لي رواية فيه». مفهوم كلامه أن الأربعة عشر حرفا الباقية كلها مروية. وقال في قوله تعالى: الرّياح مبشّرات (¬3): «وليست لي فيه رواية كيف كتبه الصحابة رضي الله عنهم». واختار الحذف ثم قال: «ولا أمنع من الإثبات على اللفظ، إذ لم تأت رواية بخلاف ذلك». وقال في موضعه: «ولم أرو في هجاء هذا الحرف شيئا». مفهوم كلامه أن مجموع بقية مواضعه رواها وبلغته هذه الرواية. بل إن المؤلف كما عرفنا في منهجه أنه كان يعتمد في بعض الأحيان على رواية نافع بن أبي نعيم المدني، ومثله الغازي بن قيس، فإذا وقع عنده حرف برسم ما دون النص على الرواية لم يتابعه عليه فهو يتبع روايته دون رسمه. فقال: «ورسم الغازي بن قيس هنا: أرحام الأنثيين (¬4) بغير ألف. وكذا وقع عنده رسما دون ترجمة، ورسم في الأنفال: وأولوا الارحام (¬5) بألف والله أعلم كيف وقع هذا، والذي أختاره في الجميع بألف». ¬

_ (¬1) من الآية 84 البقرة. (¬2) من الآية 5 الإسراء. (¬3) من الآية 45 الروم، وانظر ذلك في الآية 163 البقرة. (¬4) من الآية 144 الأنعام. (¬5) من الآية 76 الأنفال.

وقال: «ووقع في مصحف الغازي بن قيس: فبأيّ (¬1) بياءين على الأصل، وليست لي فيه رواية، وبياء واحدة أكتب». بل إن هناك ما يؤكد أنه يتبع الرواية في رسم المصحف، وإن كانت تخالف قراءته وقراءة المروي عنه. فذكر عند قوله تعالى: إذا مسّهم طئف (¬2) اختلاف المصاحف في حذف الألف وإثباتها، ثم قال: «وأنا أستحب كتابته بغير ألف على حسب روايتنا في ذلك عن نافع بن أبي نعيم المدني، وإن كانت قراءته بألف لروايتنا عنه ذلك في الهجاء، ولتتابع الرواية في الخط واللفظ». الوجه الثاني: أن هذه الحروف التي ذكرها المؤلف رحمه الله ووصف هجاءها بالحذف والإثبات أو بالزيادة أو النقص أو بالبدل هي نفسها وجدناها عند أبي عمرو الداني مسندة ومروية بالسند (¬3). فدلّ هذا على أن مصدر المؤلف في وصف هجاء المصاحف في كتابه هو ما حفظه وتلقاه من شيوخه. فكل ما ذكره المؤلف في هذا الكتاب من هجاء المصاحف مروي أو محفوظ أو منقول عن العلماء، وإن كان هذا النقل مجردا من السند، لأن هذه المصاحف حفظت لنا هذه الصور الهجائية، ثم القراءة هي الأخرى حفظت لنا ذلك. من مصادر المؤلف المصاحف العتيقة، وأعتقد أن المصاحف هي التي ¬

_ (¬1) من الآية 185 الأعراف. (¬2) من الآية 201 الأعراف. (¬3) انظر: المقنع للداني ص 10 وغيرها.

حفظت لنا الهجاء والرسم بطريقة عملية، مما يعطي الثقة الكاملة بكل ما رواه الأئمة. والمؤلف رحمه الله أحيانا كان يلجأ إلى المصاحف ويتأمل فيها وصف الهجاء الذي فقد فيه الرواية. فقال عند قوله عزّ وجل: اجتبيه وهديه (¬1): اجتبيه بغير ألف، وأصل هذه الكلمة أن تكون بياء، بين الباء والهاء، إلا أنني لم أرو ذلك عن أحد، ولا رسمها أحد في كتابه لا بالياء، ولا بالألف، ثابتة ولا محذوفة، فلما رأيتهم قد أضربوا عنها، تأملتها في المصاحف القديمة، فوجدتها بغير ألف، وفي أكثرها بالألف». وقال أيضا: «وعلمت (¬2) بغير ألف، كذا رأيته في مصاحف قديمة، وليست لي فيه رواية». فالمؤلف رحمه الله عند ما يعدم الرواية يتأمل المصاحف القديمة المظنون بها الصحة. قال الشيخ حسين الرجراجي: «وإنما الحجة بالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة رضي الله عنهم وهي التي اطلع عليها أبو عمرو الداني، وأبو داود، وغيرهما، من الشيوخ المقتدى بهم في هذا الشأن» (¬3). كما هو معروف في موضعه أن المؤلف وصف بأنه من أكثر الملازمين لأبي عمرو الداني، ومن أثبتهم فيه. ¬

_ (¬1) من الآية 121 النحل. (¬2) من الآية 16 النحل. (¬3) انظر: تنبيه العطشان 146.

وعلم أن جميع كتب الداني رواها عن شيخه أبي عمرو الداني، وأجازه بها، بل ثبت أنه كان يدرسها ويعلق عليها ووضع على بعضها حواشي. وقد خالفه في بعضها، ومن طريقه وروايته وصل ما وصل منها إلينا. ومن ثم أقول: إن مصادر المؤلف هي كتب الداني، وقد صنع المؤلف رحمه الله فهرسة لما رواه عن شيوخه وتلقاه. قال ابن خلدون في مقدمته: «واشتهر أبو داود بحمل علوم الداني ورواية كتبه» (¬1). ومن مصادر المؤلف: البيان في عد آي القرآن لأبي عمرو الداني (¬2)، ولم يصرح المؤلف باسم الكتاب، ولكن صرح باسم مؤلفه أبي عمرو، واستفاد منه المؤلف في موضوع السور المكية والمدنية حيث قال: «وقد اختلف في بعض سور القرآن، فقيل: مكية وقيل: مدنية، وأنا أجعل ذلك على الأصحّ من الروايات إن شاء الله حسبما ألفيته ورضيت سنده وقيدته عن الإمام الحافظ أبي عمرو» (¬3). واستفاد منه في موضوع تجزئة القرآن على أجزائه الثلاثين والستين، وفي موضوع تجزئة القرآن على سبعة وعشرين لقيام رمضان على عدد الحروف، إلا أن المؤلف- رحمه الله- أظهر استقلاله العلمي، فخالف شيخه الداني في كثير من المواضع التي يكره القطع عليها، واختار مواضع يتم الوقف عليها والابتداء بما بعدها كما تلاحظ في منهجه. ¬

_ (¬1) مقدمة ابن خلدون 1/ 366. (¬2) يوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية. (¬3) انظر: مقدمة المؤلف في كتابه هذا مختصر التبيين.

ومن المؤلفات التي يمكن أن يكون قد استفاد منها: الموضح في الفتح والإمالة وما بين اللفظين، ولم يصرّح باسم الكتاب، إلا أنني لاحظت بعض التشابه عند المؤلف وخاصة فيما يذكره في ذوات الياء مما يرسم بالياء على الأصل والإمالة (¬1). ومن المؤلفات التي قد يكون استفاد منها: المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني، ولم يصرح باسم الكتاب، ولكن صرّح باسم مؤلفه، والنص الذي نقله ونسبه إلى الداني هو نفسه في كتاب المحكم، إلا أن استفادته من هذا الكتاب لا تعدّ في موضوع هجاء المصاحف، وإنما تظهر استفادته جلية في موضوع نقط المصاحف في كتاب أصول الضبط وما نقله إلا للرد عليه، فذكر حذف إحدى الياءين في قوله عزّ وجل: النّبيّين، ونقل عن الداني اختياره حذف الياء الأولى وإثبات الثانية. فقال: «قال أبو داود: وأنا أخالف أبا عمرو في هذا، وأقول: إن المذهب الثاني أحسن عندي من أجل أن البناء يختل بحذف الأولى» واستفاد منه في حذف إحدى الواوين من قوله: يلوون (¬2) وشبهه، وقوله: مستهزءون وشبهه، وقوله: أفإين (¬3) وشبهه في زيادة الألف وزيادة الياء وما أشبهه. فقد لاحظت تشابها في مثل هذه المواضع عند المؤلف كما هي عند أبي عمرو الداني في كتابه: المحكم، وكتابه في النقط الذي جعله ذيلا لكتاب المقنع. ¬

_ (¬1) حققه الأخ محمد شفاعت رباني ونال به درجة الماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (¬2) من الآية 77 آل عمران. (¬3) من الآية 144 آل عمران.

ومن المؤلفات التي استفاد منها المؤلف: كتاب إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري، ولم يعين اسم الكتاب، وصرّح باسم مؤلفه أبي بكر محمد بن الأنباري، وظهرت استفادته واضحة في فصل رسم التاءات المفتوحة عند قوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله (¬1) فجمع جميع التاءات المفتوحة في هذا الموضع، ثم قال: «وهذا الباب رويناه عن ابن الأنباري وغيره بالزيادة والنقصان فأثبتناه على لفظنا وبالله التوفيق». وكل ما ذكره في هذا الباب موافق لكلام ابن الأنباري في كتابه: «إيضاح الوقف والابتداء». ومما يدل على الاعتماد عليه قوله: «ورسم الغازي وحكم وعطاء: فبما رحمة مّن الله (¬2) بالتاء إلا أنه وقع في كتبهم رسما بغير تقييد، واعتمادي على ما قدمته ولا أكتب هذا الذي في آل عمران إلا بالهاء». ويعني به ما رواه عن ابن الأنباري في كتابه إيضاح الوقف والابتداء وقال أيضا: إنّما عند الله (¬3) متصلا، كذا رسمه الغازي ورويناه عن جماعة منهم ابن الأنباري». وهو موافق لما في كتاب إيضاح الوقف والابتداء. ومن المؤلفات التي ظهر أثرها واضحا في كتاب التنزيل واعتمد مؤلفه عليها في أكثر الأحوال: كتاب هجاء السنة للغازي بن قيس، الذي روى هجاء مصاحف أهل المدينة. صرّح المؤلف باسم كتابه في كثير من المواضع، ¬

_ (¬1) من الآية 216 البقرة. (¬2) من الآية 159 آل عمران. (¬3) من الآية 95 النحل.

فقال عند قوله تعالى: بكلّ ساحر (¬1) بغير ألف، وكذا رسمه الغازي ابن قيس في كتاب هجاء السنة له الذي أخذه من مصحف نافع بن أبي نعيم المدني. وبين سبب اعتماده عليه عند قوله تعالى: وتمّت كلمة ربّك الحسنى (¬2)، فقال: «ورسمه الغازي بن قيس في كتابه كذلك»، أي بالهاء ثم قال: «يدل هذا وما قدمناه من قول عاصم، ورسم الغازي بن قيس لذلك بالهاء، أن مصاحف أهل المدينة على الهاء لرواية الغازي بن قيس عن نافع بن أبي نعيم المدني، وأخذه الهجاء عنه ومن مصنفه، وأنه عرض مصحفه بمصحف نافع ثلاث عشرة مرة، وقيل: أربع عشرة مرة، وهو الصحيح في القياس، إذ لم يقرأ أحد هذا الموضع بالجمع». وصرّح المؤلف باعتماده عليه، فقال: «ورسم حكم وعطاء: لا أرى الهدهد (¬3) بألف بعد الراء، ورسمها الغازي بالياء على الأصل، كما قدمنا، وعليه الاعتماد في الخط». لكن المؤلف اعتمد عليه فيما رواه، لا فيما يرسمه ولا رواية له فيه، فقال: «ووقع في مصحف الغازي بن قيس بياءين على الأصل، وليست لي فيه رواية، وبياء واحدة أكتب» ذكر ذلك عند قوله تعالى: فبأيّ (¬4). ¬

_ (¬1) من الآية 111 الأعراف، ذكر هذا الكلام في سورة يونس عند الآية 81. (¬2) من الآية 136 الأعراف. (¬3) من الآية 20 النمل. (¬4) من الآية 185 الأعراف.

وقال عند قوله تعالى: وإيتائ ذى القربى (¬1): «ورسمه الغازي ابن قيس بياء بعد التاء من غير ألف بينهما، وبالألف أكتب». ومثله عند قوله تعالى: أربى من أمّة (¬2): «رسمها الغازي بألف، ورسمها عطاء بالألف والياء معا، قال: والألف أجود وأنا أقول: وبالياء أجود لما أصلناه قبل». ومن مصادر المؤلف التي اعتمد عليها: مصاحف أهل المدينة، وما نقل منها نافع بن أبي نعيم المدني أو الغازي بن قيس، فذكر زيادة الواو في قوله تعالى: لأصلّبنّكم (¬3) ثم اختار عدم زيادتها، وقال: «لأنها لم تزد في شيء من مصاحف أهل المدينة التي بنينا كتابنا عليها في الخط والعدد والخمس والعشر». وقال عند قوله تعالى: وأوصى بها (¬4): «إنهم كتبوا في مصاحف أهل المدينة التي بنينا هجاء كتابنا عليها ... ». بل إن المؤلف صرّح في مقدمته بذلك، ولم يهمل بقية المصاحف فقال: «وعلى مصحف أهل المدينة يكون تعويلنا في الهجاء، وعدد الآي والخمس والعشر مع تنبيها على من خالفهم في الهجاء من سائر المصاحف الموجهة إليهم» (¬5). ¬

_ (¬1) من الآية 90 النحل. (¬2) من الآية 92 النحل. (¬3) من الآية 123 الأعراف. (¬4) من الآية 131 البقرة. (¬5) انظر: مقدمة المؤلف.

وقال عند قوله تعالى: لّكيلا تحزنوا (¬1): «موصولة في مصاحف أهل المدينة التي بنينا كتابنا عليها، واجتمعت عليها مصاحفهم، فلم تختلف، وكذلك في مصاحف أهل الكوفة والبصرة والشام، وبعض مصاحف أهل بغداد». وقال عند قوله تعالى: كلمت ربّك (¬2): «وكتابنا مبني على هجاء مصحف أهل المدينة ومن وافقهم من سائر الأمصار، وتنبيها على الخلاف لهم». ومن الشيوخ الذين نقل المؤلف عنهم في التنزيل حكم بن عمران الناقط الأندلسي القرطبي، ومثله عطاء بن يزيد الخراساني، وغالبا ما يذكرهما المؤلف في نسق واحد مقترنين، وفي الأقل يقتصر على أحدهما عند ما يختلفان. وقد صرح في غير ما موضع أن لهما كتابين، ولم يسم الكتابين، فقال عند قوله تعالى: إنّا لننصر رسلنا (¬3) ردا على من ذكر أنه رسم بنون واحدة: «ولا ذكر ذلك عطاء ولا حكم في كتابيهما». وقال أيضا: «ورسم الغازي وحكم وعطاء رحمت (¬4) بالتاء في آل عمران إلا أنه وقع في كتبهم رسما بغير تقييد». وتارة يفرد عطاء بالذكر مع كتابه. فقال عند قوله تعالى: كلّ ما ردّوا (¬5): «وقال عطاء في ¬

_ (¬1) من الآية 153 آل عمران. (¬2) من الآية 33 يونس. (¬3) من الآية 51 غافر. (¬4) انظر قوله تعالى: يرجون رحمت الله في الآية 216 البقرة. (¬5) من الآية 90 النساء.

كتابه ... »، وتارة أخرى يفرد حكما بالذكر مع كتابه مصحوبا بذكر الغازي، فقال عند قوله تعالى: فالق الحبّ (¬1): وكذا رويناه عن الغازي وحكم، وكذا رسماه في كتابيهما». وكثيرا ما يخالفهما المؤلف ولا يأخذ بمذهبهما، فذكر المؤلف أن قوله تعالى: إنّما عند الله (¬2) «متصلا، كذا رسمه الغازي ورويناه عن جماعة، ثم قال: ورسمه حكم وعطاء منفصلا رسما دون ترجمة، والصحيح ما قدمناه». وقال عند قوله تعالى: جزاء من تزكّى (¬3): «ووقع في كتاب الغازي بن قيس وحكم وعطاء: «جزاء» بألف قبل الواو من غير ألف بعدها رسما دون ترجمة، والذي قدمناه هو المعروف». وذكر المؤلف عند قوله عزّ وجل: من يرتدّ منكم (¬4) رواية عن أبي عبيد القاسم بن سلام، فقال: «وكذلك روينا عن أبي عبيد أنه رآها في الإمام بدالين» ومثلها عند قوله تعالى: لننظر (¬5). فقال: «وروينا أيضا عن أبي عبيد أنه قال: رأيت في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه». ¬

_ (¬1) من الآية 96 الأنعام. (¬2) من الآية 95 النحل. (¬3) من الآية 75 طه. (¬4) من الآية 56 المائدة. (¬5) من الآية 14 يونس.

ونقل عنه المؤلف أيضا عند قوله عزّ وجلّ: إنّ هذن لساحرن (¬1). فقال: «وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام أنه رأى ذلك في الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه استخرج له من بعض خزائن الأمراء». ونقل عنه أيضا في قوله تعالى: والحبّ ذو العصف (¬2)، فقال: «قال أبو عبيد: وكذا رأيتها في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه». ونقل عنه المؤلف أيضا فيما رواه في بقية المصاحف، ولم يقتصر على المصحف الإمام فيها، فذكر عن ذلك عند قوله تعالى: لّئن أنجيتنا (¬3) قال: «وروينا عن أبي عبيد القاسم بن سلام، قال: اختلفت مصاحف أهل العراق والكوفة والبصرة». فالمصحف الإمام روى منه بالرؤية والمشاهدة أبو عبيد القاسم بن سلام. ومثله يحيى بن الحارث الذماري الذي ذكره المؤلف عند قوله تعالى: لننظر (¬4). قال: «وروينا أيضا عن يحيى بن الحارث الذماري أنه وجدها في الإمام بنون واحدة». وكذلك الإمام عاصم الجحدري روى عن المصحف الإمام، ونقل عنه المؤلف عند قوله تعالى: ولؤلؤا ولباسهم (¬5). قال: «وقال عاصم ¬

_ (¬1) من الآية 62 طه. (¬2) من الآية 10 الرحمن. (¬3) من الآية 64 الأنعام. (¬4) من الآية 14 يونس. (¬5) من الآية 21 الحج.

الجحدري: كل شيء في الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه من «اللؤلؤ» فيها الألف إلا التي في الملائكة». وكذلك روى أسيد بن أسيد عن المصحف الإمام، ذكره المؤلف عند قوله: وأن يظهر (¬1)، فقال: «وكذلك روى هارون عن صخر بن جويرية وبشار الناقط عن أسيد أن ذلك كذلك في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه». ومن الروايات التي اعتمد عليها المؤلف: رواية نافع بن أبي نعيم المدني القارئ سواء من طريق قالون أو من طريق الغازي بن قيس. فالمؤلف اعتمد على رواية نافع، وقدمها على غيرها، ولو كانت مخالفة لقراءته، فذكر ذلك عند قوله تعالى: طائف (¬2)، فقال: «وأنا أستحب كتابه بغير ألف حسب روايتنا في ذلك عن نافع بن أبي نعيم المدني، وإن كانت قراءته بألف لروايتنا عنه ذلك في الهجاء، ولتتابع الرواية في الخط واللفظ». فالملاحظ أن المؤلف اختار حذف الألف، وإن كان يخالف قراءته وقراءة نافع. وقال في موضع آخر عند قوله تعالى: ولا تقولنّ لشايء (¬3): «ولم يذكره الغازي في كتابه ولا عطاء ولا حكم، ولا ذكره قالون في ¬

_ (¬1) من الآية 26 غافر. (¬2) من الآية 201 الأعراف. (¬3) من الآية 24 الكهف.

الحروف التي روينا عن نافع». وذكره أيضا عند قوله تعالى: زكية (¬1) بغير ألف. قال: «وهذا الذي أختار لروايتنا ذلك عن نافع بن أبي نعيم المدني». وأشار المؤلف كما ذكرت إلى الطريقين عند قوله تعالى: إنّا لننصر (¬2)، فقال: «ولم أرو ذلك في حروف نافع لا من طريق قالون ولا من طريق الغازي، ولا ذكر ذلك عطاء ولا حكم في كتابيهما، ولا ابن أشتة». ويستفاد ممّا تقدم أنه نقل عن ابن أشتة، بل صرّح في موضع بكتابه ولم يسمه، فقال عند قوله تعالى: تبوّءو الدّار (¬3) «بواوين من غير ألف حكاه ابن أشتة في كتابه عن نصير بن يوسف النحوي في باب اتفاق المصاحف». ولابن أشتة كتابان في هجاء المصاحف: الأول «المحبّر»، والثاني «علم المصاحف». ومما يجب التنبيه عليه أن رواية نافع بن أبي نعيم المدني تنصب على ما رآه في مصاحف أهل المدينة، وأن رواية أبي عبيد القاسم بن سلام تنصب على ما رآه في المصحف الإمام. فإذا قلنا: روى نافع، فمن قبيل ما رآه في المصحف المدني، وإذا قلنا: روى أبو عبيد، فمن قبيل ما رآه في المصحف الإمام. ¬

_ (¬1) من الآية 73 الكهف. (¬2) من الآية 51 غافر. (¬3) من الآية 9 الحشر.

ومن الروايات التي وردت في التنزيل ما رواه المؤلف عن محمد بن عيسى الأصبهاني، فقال: «وروينا عن محمد بن عيسى الأصبهاني حرفا سادسا: وأرسلنا الرّيح لوقح (¬1)»، وذكر روايته أيضا عند قوله: كلّ ما ردّوا إلى الفتنة (¬2)، وقال عند قوله: سحر مّبين (¬3): «وقال أبو حفص الخراز من روايتنا عن محمد بن عيسى الأصبهاني عنه». وذكر عنه في قوله تعالى: لا يخلف الميعاد (¬4) ونقل عنه في مواضع كثيرة. وكذلك روى حروفا كثيرة عن شيخه نصير بن يوسف النحوي صاحب الكسائي، ذكر ذلك عند قوله: أنبؤا (¬5). فقال: «وروينا عن محمد ابن عيسى الأصبهاني، عن نصير بن يوسف النحوي صاحب الكسائي». وقال عند قوله تعالى: فأينما تولّوا (¬6): «وقياس ما رويناه عن نصير ابن يوسف النحوي». وقال عند قوله تعالى: سراجا وقمرا (¬7): «وروينا عن نصير بن يوسف النحوي عن محمد بن عيسى الأصبهاني». وكلاهما من علماء الرسم الذين وردت عنهما روايات في هجاء المصاحف. ¬

_ (¬1) من الآية 22 الحجر. (¬2) من الآية 90 النساء. (¬3) من الآية 112 المائدة. (¬4) من الآية 9 آل عمران. (¬5) من الآية 6 الأنعام. (¬6) من الآية 114 البقرة. (¬7) من الآية 61 الفرقان.

واستفاد المؤلف رحمه الله في موضوع الآيات المتشابهات من كتاب متشابه القرآن لأبي الحسن أحمد بن المنادي ولم يصرح به، ولا باسم كتابه، إلا أنني لاحظت تشابها كبيرا بين ما ذكره المؤلف وما جاء في كتاب ابن المنادي (¬1)، ولم يرو عنه في هجاء المصاحف بالتصريح إلا في موضع واحد، فقال: «وحكى ابن المنادي أنه رأى في المصاحف العتق إن أولياؤه إلّا المتّقون (¬2) بغير ألف ولا صورة للهمزة ولم أروه عن غيره» ولم يتابعه المؤلف واختار رسمه بالألف والواو. وممن روى المؤلف عنهم أيوب بن المتوكل، فذكره عند قوله تعالى: لننظر (¬3) فقال: «وروينا عن أيوب بن المتوكل أن في مصاحف أهل المدينة ... ». وقال عند قوله تعالى: إنّا لننصر (¬4): «وحكى أيوب بن المتوكل من روايتنا عنه أن في مصاحف أهل المدينة ... ». وروى أيضا عن اليزيدي في قوله عزّ وجلّ: وسيعلم الكفّر (¬5) فقال: «وروينا عن اليزيدي أنه قال: في مصاحف أهل المدينة ومكة: وسيعلم الكفر على واحد». ¬

_ (¬1) اسمه «متشابه القرآن العظيم» حققه الشيخ عبد الله الغنيمان، طبعة الجامعة الإسلامية 1408 هـ ط 1. (¬2) من الآية 34 الأنفال. (¬3) من الآية 14 يونس. (¬4) من الآية 51 غافر. (¬5) من الآية 43 الرعد.

وروى أيضا عن معلى الورّاق في قوله تعالى: وتمّت كلمت ربّك الحسنى (¬1) فقال: «وكتبوا: كلمة ربّك بالهاء وكذا رويناه عن معلى الوراق». وممن روى عنهم المؤلف الفراء والكسائي وذكرهما في قوله تعالى: ولؤلؤا ولباسهم (¬2)، فقال: «وقال الفراء هنا في مصاحف أهل المدينة والكوفة بألفين» والله أعلم. ¬

_ (¬1) من الآية 136 الأعراف. (¬2) من الآية 21 الحج.

تقويم كتاب"مختصر التبيين"

تقويم كتاب «مختصر التبيين» أ- قيمته العلمية: إن مؤلفات أبي داود سليمان بن نجاح تعد كلها دررا في تاريخ التراث العربي وبخاصة في القرآن وعلومه؛ لما امتاز به مؤلفها من سعة الرواية والدراية في معاني القرآن والقراءات وهجاء المصاحف وإعرابها بالنقط والشكل وكيفية ذلك. وكتابه: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» يعد من نفائس كتب هجاء المصاحف، فلا يدانيه أي كتاب فيما أعلم. وتتجلى أهميته في أمور كثيرة منها: أسلوب أبي داود في كتابه المتميز بالسهولة، والبعد عن التكلف والتعقيد، وظهر ذلك في شكله ومحتواه، بل تجلت في اختياراته وترجيحاته. فقد لمست روح السهولة تجري في أسلوبه واختياراته، كما بينت ذلك في منهجه وطريقته في الكتاب. فكتابه: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» يعد من نفائس هجاء المصاحف، فلا بد منه للمشتغل بعلم القراءات، ولا بد منه للمشتغل بنسخ المصاحف. وممّا يدل على أهميته أنه اشتمل على بيان السور المكية والمدنية، والمختلف فيها، وعلى بيان عد الآي، وعلى الأجزاء والأحزاب، وعلى الخمس والعشر، وكل ما يحتاج إليه كتبة المصاحف ونساخها، فضلا عن كونه اشتمل على أصول القراءات، وعلى تجزئة رمضان، وبين محل

الوقوف التي يتم عليها المعنى، وينتهي عندها الكلام، مما ستقف عليه في ثنايا هذا الكتاب. أما غزارة مادة الكتاب، فلا أعلم كتابا- حسب اطلاعي- أشمل وأوسع في هجاء المصاحف من: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»، بل إنه من أجمعها وأوسعها وأشملها لكل ما يتصل بكتابة المصاحف وإعرابها بالنقط وكيفية ذلك. فالكتاب حوى بين طياته جميع هجاء مصاحف الأمصار على ما وضعه الصحابة رضي الله عنهم، أودع فيه مؤلفه كل ما عرف عن موضوع هجاء المصاحف وما يحتاجه الناسخ للمصحف. ولأجل هذا كله، لم يكن المؤلف- رحمه الله- مبالغا حين وصف كتابه بالإمام حيث قال في مقدمته: «ونجعله إماما يقتدي به الجاهل، ويستعين به الحافظ الماهر». ومما يدلّ على أهمية الكتاب أن المؤلف- رحمه الله- يربط القراءة بالمصاحف، وهو الأمر الذي خلت منه جميع الكتب المؤلفة في القراءات، أو المؤلفة في هجاء المصاحف، حيث أفردت للمصاحف وهجائها، أو أفردت للقراءات ورواياتها. والمؤلف- رحمه الله- جمع بين القراءة والمصاحف وقرن بينهما، فهذا الربط يدل دلالة قاطعة على أن قبول القراءة لا بد أن يكون موافقا لهجاء أحد المصاحف العثمانية، ولو احتمالا. فهذه السمة البارزة انفرد بها في جميع الكتاب فكان يقول: «وكتبوا في مصاحف أهل المدينة والشام سارعوا (¬1) ¬

_ (¬1) من الآية 133 آل عمران.

بغير واو قبل السين وكذا قرأنا لهم، وفي سائر المصاحف: وسارعوا بواو قبل السين، وبذلك قرأنا لهم». فهذا الربط بين القراءة والمصاحف، يعد ركنا من أركان قبول القراءة، وهي «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصحّ سندها فهي القراءة الصحيحة ... » (¬1). ولذا عدت القراءة التي خالفت خط المصاحف العثمانية شاذة، فهذا أبو جعفر الطبري يرد القراءة المخالفة لرسم المصحف فيقول: «ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين» (¬2). ومما يضفي أهمية على كتاب التنزيل أن مؤلفه أبا داود لم يقتصر في وصفه لهجاء المصاحف على قراءة معينة واحدة كما فعل الخراز في مورد الظمآن الذي اقتصر على رسم قراءة نافع، فاضطر ابن عاشر أن يكمل بقية هجاء المصاحف فنظم تكملة للمورد سماه الإعلان (¬3). وإن كتابه التنزيل ضمنه هجاء جميع مصاحف الأمصار، فشمل كتابه هجاء جميع القراءات، لنافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبي جعفر ويعقوب وخلف. فعلى جميع الرسوم اشتمل، فبين فيه هجاء المصحف المدني والمكي والشامي والكوفي ¬

_ (¬1) انظر: النشر 1/ 9. (¬2) انظر: جامع البيان 2/ 48. (¬3) اسمه الكامل: «الإعلان بتكميل مورد الظمآن» ضمنه باقي خلافيات الرسم على قراءة غير نافع، وجزأه على أرباع القرآن، وأدخله ضمن شرحه على المورد. انظر: فتح المنان ورقة 54.

والبصري، ولقد صرّح بذلك في مقدمته، فقال: «وعلى مصحف أهل المدينة يكون تعويلنا في الهجاء، وعدد الآي والخمس والعشر مع تنبيهنا على من خالفهم في الهجاء من سائر الأمصار» (¬1). والأمثلة على هذا كثيرة منها: أنه استحب لمن كتب مصحفا للمكي أن يكتب الياء معقوصة في قوله تعالى: فاذكروني أذكركم (¬2). وفي موضع آخر قال: «إن كان ضبط المصحف لابن كثير، فاستحب له كتب ذلك: استايس (¬3) بألف لا غير موافقة للمرسوم في بعض المصاحف، ولقراءة البزي ذلك كذلك بألف من غير همز». وقال عند قوله: وجعل (¬4): «وأنا أستحب كتاب ذلك بغير ألف لجميع القراء موافقة لبعض المصاحف، ولقراءة الكوفيين، فمن ضبط لغيرهم جعل الألف بالحمراء». وقال عند قوله: ماذا ترى (¬5): «واختياري على قراءة حمزة والكسائي أن تكتب الياء مردودة إلى خلف لمن ضبط لهما، أو لأحدهما». وقال عند قوله: إلّا قليل مّنهم (¬6): «كتبوه في مصاحف الحجاز والعراق برفع اللام، وكتبوا في مصاحف أهل الشام: «إلا قليلا» بنصب اللام. ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة المؤلف في مختصر التبيين. (¬2) انظر: الآية 151 البقرة. (¬3) من الآية 110 يوسف. (¬4) من الآية 97 الأنعام. (¬5) من الآية 102 الصافات. (¬6) من الآية 65 النساء.

فهو كتاب كبير شامل، موسوعة علمية في موضوع هجاء المصاحف لا يستغني عنه طلاب العلم، لا سيما كتاب المصاحف منهم. ثم إن المنهج الذي سار عليه أبو داود في كتابه التنزيل استغرق هجاء كل مصاحف الأمصار، ولا يكاد الذين ألفوا في علم هجاء المصاحف بعد أبي داود يخرجون عن هذا المنهج، بل قد يقصرون دونه في الاقتصار على حرف، كما صنع الخراز وغيره. فكتاب: «التنزيل» من أقدم الكتب المؤلفة في علم هجاء المصاحف. فالقرن الخامس هو الذي ظهرت فيه أشهر مؤلفات هجاء المصاحف، وإن كانت بدايته ترجع إلى ما قبل ذلك. فيعد كتاب مختصر التبيين لهجاء التنزيل من الكتب المتقدمة، ولم يؤلّف قبله إلا رجال معدودون، وتعد كتبهم مفقودة لم تصل إلينا، وإن ظهرت يوما ما فهي دونه، وهذا واضح من النقول عنها، والاقتباس منها؛ ككتاب حكم وكتاب عطاء وكتاب هجاء السنة للغازي بن قيس وكتاب نصير بن يوسف النحوي وكتاب أبي عمر الطلمنكي وابن الأنباري وابن أشتة وأبي عمرو الداني، كما هو واضح في كتابه المقنع وكتاب النقط. ومما يدل على أهميته وقيمته العلمية قراءته على مؤلفه وروايته. ولقد استفاد منه العلماء، ورجعوا إليه عند الاختلاف، فهو الحجة في هذا الباب. ولما كان كذلك فقد اشتهر كتابه، وشاع ذكره، وعظم النفع به في سائر الأقطار، فاقتبسوا من نصوصه، واستشهدوا به، ونقلوا منه.

وقد نظمه غير واحد من علماء الرسم، كأبي الحسن البلنسي في كتابه المنصف، وأبو إسحاق التجيبي في هجاء المصاحف، والخراز في نظمه مورد الظمآن (¬1). وكذا نظمه الشيخ المحقق أبو عبد الله محمد بن سليمان موسى القيسي في نظمه المسمى: «الميمونة الفريدة (¬2)»، ونظمه ميمون الفخار في نظمه المسمى: «الدرة الجلية (¬3)»، وكذا نظمه الأستاذ المحقق محمد بن سعيد بن عمارة البينوني (¬4)، وغيرهم. فضلا عن النقول الواسعة، والاقتباسات الكثيرة في شروح مورد الظمآن لا يخلو كتاب من كتب الرسم التي ألفت بعده من النقل عنه، والاقتباس منه، والاستشهاد به. بل عده بعضهم حجة، ثم إن مؤلفه أبا داود سلك فيه طريقة المفسرين، فاستوعب مسائل الرسم وحروفه استيعابا لا نظير له عند غيره، ولم يكتف بجمع النظير إلى نظيره، بل أعاد ذكره في موضعه مما يسهل الأخذ منه، والنظر في موضع الحرف من السورة، دون الرجوع إلى ما تقدم. فكان محل اهتمام العلماء وتقديرهم، فنص نساخ المصاحف في آخر كل مصحف على اعتماده، وتقديمه على غيره، وترجيح مذهبه على مذهب أبي عمرو الداني عند الاختلاف. ثم إن مؤلف هذا الكتاب إمام عظيم مشهور بين العلماء، مشهود له ¬

_ (¬1) راجع مبحث المؤلفات في الرسم. (¬2) تقدم الكلام عليها في إثبات نسبة الكتاب. (¬3) تقدم الكلام عليها في إثبات نسبة الكتاب. (¬4) توجد منها نسخة في مكتبة الملك عبد العزيز مجموع سيدنا عثمان رقم 292 (خ).

بالفضل والعلم والدين، وكتابه إمام كتب هجاء المصاحف وإعرابها بالنقط، فكلاهما وصف بالإمام. ومن أهميته أيضا أن بعض اللغويين والنحويين- فضلا عن القراء- يتخذون رسم المصحف من وسائل الترجيح، والاحتجاج به في اللغة والإعراب والصرف. ويظهر ذلك جليا عند سيبويه وأبي إسحاق الزجاج وابن خالويه وابن جني وأبي جعفر الطبري ومكي وأبي عمرو الداني والمؤلف أبي داود وجمهور كثير من المفسرين (¬1) فتجاوزت أهمية الرسم المصاحف إلى اللغة العربية إعرابا، وصرفا، واشتقاقا. لذلك يذكر أن أكثر الصحابة ومن وافقهم من التابعين وأتباعهم يوافقون رسم المصحف في كل ما كتبوه، ولو لم يكن قرآنا، ولا حديثا، ويكرهون خلافه (¬2). فجاء وصف هجاء رسم المصاحف في مختصر التبيين وصفا دقيقا جليا. ذكر النحويون علم الخط في كتب النحو لضرورة ما يحتاج إليه، ولأن كثيرا من الكتابة مبني على أصول نحوية، ففي بيانها بيان لتلك الأصول ككتابة الهمزة على نحو ما يسهل به، وهو باب من النحو كبير (¬3). بل إن كثيرا من مسائل النحو تستفاد من الخط، ويتجلى ذلك في نحو قوله تعالى: أبناءنا فعدم تصوير صورة للهمزة دليل على أنها منصوبة، وقوله تعالى: أبناؤكم فتصوير الهمزة على الواو دليل على أنها مضمومة، وقوله تعالى: أبنائكم فتصوير الهمزة ياء دليل على أنها مكسورة. فالرسم هنا استغني به عن النحو والشكل. ¬

_ (¬1) انظر: رسم المصحف للدكتور عبد الفتاح شلبي 57. (¬2) انظر: المطالع النصرية 27. (¬3) انظر: همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي 6/ 341.

ب: أثر"مختصر التبيين" في غيره

ب: أثر «مختصر التبيين» في غيره: وممن بدا أثر «التنزيل» فيه واضحا جليا مورد الظمآن للخراز، حيث اعتمده ونظمه في مورده كما صرّح بذلك في مقدمته، فقال: وذكر الشيخ أبو داودا* رسما بتنزيل له مزيدا قال الشيخ الرجراجي: «وأكثر نقله إنما هو من: «التنزيل» ثم يليه المقنع، ثم يليه المنصف؛ لأنه ذكر منه اثني عشر موضعا، ثم يليه العقيلة؛ لأنه لم يذكر منها إلا ما زاد على المقنع، وهي ستة مواضع» (¬1). وقال في موضع آخر: «المعتمد عليه عند الناظم المقنع والتنزيل، إذ هما أصول وغيرهما فروع، لأن العقيلة تابع للمقنع، وكتاب المصنف تابع للتنزيل» (¬2). وقال: «لأن كل ما في المنصف هو في التنزيل، إلا تلك الزيادات المشار إليها». وقال أيضا: «اعتمد الناظم كثيرا على التنزيل، ويستغني به عن المنصف» (¬3). وبين المحقق ابن عاشر سبب عدم اعتماد الخراز على نظم البلنسي في المنصف إلا في أحرف قليلة، لأن كتاب المنصف تضمن أكثر المسائل التي ¬

_ (¬1) انظر: تنبيه العطشان ورقة 28. (¬2) انظر: تنبيه العطشان ورقة 54. (¬3) انظر: تنبيه العطشان ورقة 55.

وردت في التنزيل، فقال: «سأل منه طلبته تأليفا في الرسم فنظمه في أيام قليلة، ولم يهذبه، على أن أكثر مسائله مطابقة للتنزيل» (¬1). ولقد بدا أثر: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» واضحا جليا عند علماء الرسم. قال المقرئ الحسن بن علي المنبهي الشهير بالشباني، وهو يتحدث عن مصادره في شرح الضبط المسمى «كشف الغمام»: «وربما استغنيت عن كلام أبي إسحاق التجيبي بنقل كلام أبي داود، إذ لم تكن فيه زيادة معنى، لأن أبا إسحاق في غالب أمره ناقل لكلام أبي داود» (¬2). وقال في موضع آخر: «ونص التجيبي في ذلك كنص أبي داود نفسه، فلا زيادة فيه، لأنه في أكثر أحواله ناقل لكلام أبي داود، فلا فائدة في نقل كلامه، إذ لا زيادة فيه» (¬3). فأنت ترى كيف أن الشيخ الحسن الشباني استبعد كلام التجيبي واستغنى عنه بكلام أبي داود. وكذا ظهر أثر «مختصر التبيين» واضحا في كلام المقرئ سيدي محمد ابن أبي سعيد بن عمارة البينوني، فقلده في المنهج والطريقة. فقال: طريقة التنزيل قد سلكت* على العقيلة على ما قلت (¬4) ولقد بدا أثر «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» في الكتب اللاحقة له بينا واضحا، حيث إن الشيخ أبا عبد الله محمد بن أحمد بن حامد الجريني ¬

_ (¬1) انظر: فتح المنان لابن عاشر ورقة 17. (¬2) انظر: كشف الغمام ورقة 2. (¬3) انظر: كشف الغمام ورقة 183. (¬4) انظر: نظم في تحقيق رسم البدور السبعة للبينوني ورقة 152.

(ت 783 هـ) صنف كتابا في هجاء المصاحف أسماه: «جامع الكلام في رسم مصحف الإمام» اقتفى فيه أثر أبي داود سليمان بن نجاح في المنهج والعرض والأسلوب، بل وستلمس نقلا واقتباسا واضحين (¬1). وهكذا تلمس النقل والاقتباس في كل الكتب المصنفة بعده، ولم يستغن عنه أحد من مصنفي هجاء المصاحف. ثم إن الشيخ محمد غوث الأركاني (ت 1238 هـ) حذا حذو أبي داود في تصنيف كتابه: «نثر المرجان في رسم نظم القرآن». فتتبع ظواهر رسم حروف القرآن على ترتيب المصحف، فبدأه بسورة الفاتحة، وانتهى بسورة الناس (¬2). فأثر التنزيل فيه ظهر واضحا جليا في المنهج وفي الترتيب وفي النقل، ولا يحتاج الأمر إلى أمثلة، بل يكاد يكون نسخة من التنزيل، لولا أن صاحبه ذكر بعض الوجوه الغريبة في الحذف والإثبات، لم يقل بها أحد من علماء الرسم، بل نسب بعض هذه الوجوه إلى أبي داود، ولم ترد في التنزيل ولا في غيره. ¬

_ (¬1) انظر: باب رسم الهمزة مثلا، وهو مخطوط رقم 771، فيلم في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية. (¬2) مطبوع في الهند في سبعة مجلدات.

ج: مقارنة"مختصر التبيين" بغيره

ج: مقارنة «مختصر التبيين» بغيره: وإذا عقدنا موازنة بين كتاب: «المقنع» لأبي عمرو الداني وكتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» لا نجد «المقنع» يبلغ مبلغ «مختصر التبيين» في منهجه وشموله وطريقته وتحقيقاته في علم هجاء المصاحف. ومن الملاحظ أن الداني وأبا داود قد عاشا في عصر واحد، وهو القرن الخامس الهجري، بل إن أبا داود من أجلّ أصحاب أبي عمرو الداني وأكثرهم له ملازمة، وكلاهما عاشا في بيئة واحدة وبلد واحد وهو الأندلس في دانية وبلنسية، وكلاهما ممن له عناية بالغة في علم هجاء المصاحف، ومن المصنفين، بل لكل منهما فيه مصنفات. وكلا الكتابين وضع له مؤلفه ذيلا في علم الضبط، فأبو عمرو الداني وضع ذيلا لكتاب «المقنع» سماه: «كتاب النقط». وأبو داود وضع ذيلا لكتابه: «التنزيل» سماه: «كتاب أصول الضبط»، لكن كتاب أصول الضبط لأبي داود أوسع وأشمل وأكبر حجما من «كتاب النقط» للداني (¬1). وبحكم تقدم الداني على أبي داود، وملازمته له، وأخذه عنه، يتطرق إلى الأذهان أن أبا داود لا بدّ أن يكون قد اعتمد على الداني اعتمادا كلّيا أو أن يكون نسخة من شيخه أبي عمرو، ولكن عند المقارنة والموازنة تبين ¬

_ (¬1) ومن خلال تسمية الكتابين نلحظ أن أبا عمرو الداني مال إلى استعمال نقط أبي الأسود، بل رغب فيه وحث عليه وأنكر استعمال شكل الخليل، فلذلك سمى كتابه «كتاب النقط»، بينما نلاحظ أن أبا داود سليمان بن نجاح رغب في استعمال شكل الخليل ولم يمنع من استعماله في المصحف، فلذلك سمى كتابه «أصول الضبط» إشارة إلى هذا المعنى، لأن شكل الخليل يدخل فيه من باب أولى وأحرى.

لي بجلاء استقلال شخصية أبي داود عن الداني وعن كتابه: «المقنع»، بل ثبت لي تفوق أبي داود على شيخه الداني في علم هجاء المصاحف، وإن كان استفاد منه. ولم أجد بينهما تشابها لا في المنهج، ولا في العرض، ولا في الاختيار والترجيح، فشتان ما بين «التنزيل» و «المقنع»، إذ هناك أمور كثيرة يوجد فيها اختلاف واضح، وتباين كبير بين الكتابين. فتباينا في المنهج، وتباينا في التعليل، وتباينا في الطريقة في وصف هجاء الكلمات، وتباينا في غزارة المادة العلمية، وتباينا من حيث الشمول والاستقصاء. فالداني اعتمد على ما رواه عن شيوخه، واقتصر عليه، ولم يزد على ذلك. وأبو داود أكثر من تتبع ظواهر هجاء جميع مصاحف الأمصار بالوصف والعد والتقطيع والوزن، فكان وصفه دقيقا لم يرق إليه وصف آخر، الأمر الذي خلا منه كتاب المقنع. ولقد برزت شخصية المؤلف أبي داود في اختياراته وترجيحاته، بل خالف شيخه أبا عمرو الداني في كثير من المواضع. وإذا كان الخرّاز وصف في نظمه «مورد الظمآن» كتاب «المقنع» لأبي عمرو الداني بالأجلّ، فإن كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» أجل من الأجل. وهذا يؤخذ من صريح قوله: وذكر الشيخ أبو داودا* رسما بتنزيل له مزيدا (¬1) ¬

_ (¬1) انظر: تنبيه العطشان ورقة 16.

لأن الشيخ أبا داود ذكر في كتابه: «التنزيل» كل ما في كتاب «المقنع» وزاد عليه حروفا كثيرة. قال الشيخ ابن عاشر: «إن جملة المرسوم التي اشتمل عليها التنزيل أكثر من جملة المرسوم التي اشتمل عليها المقنع والعقيلة» (¬1). ثم إن كتاب «التنزيل» وذيله يتسم بالشمول والتوسع وإضافة بعض المباحث المتعلقة بعلوم القرآن، وكل ما يحتاجه نساخ المصاحف كالقراءات وعد الآي والأجزاء والأحزاب والخمس والعشر والمكي والمدني. الأمر الذي خلا منه كتاب «المقنع» للداني. ويتسم التنزيل بمنهجه الفريد الذي رتبه على ترتيب المصحف الشريف واستقصى فيه كل حروف القرآن فضلا عن بعض التوجيهات والتعليلات. فاستوعب الرسم استيعابا لا مثيل له عند غيره، فتلقاه الناس بالرضا والقبول، ونال إعجاب كتّاب المصاحف، فجرى العمل في رسم المصاحف بما قرره واختاره في كتابه. ثم إن لأبي داود مذهبا في الرسم دافع عنه وانتصر له، وخالف فيه غيره، فهو بحق لا يدانيه أي كتاب آخر، ولا تصح مقارنته. قال الشيخ الإمام المقرئ سيدي محمد بن صالح بن ملوكة التونسي، بعد أن تعرض للمقارنة بين كتاب المقنع والعقيلة والتنزيل، قال: «وإن تنزيل أبي داود قد زاد على الجميع، فهو خلاصة الخلاصة لما اشتمل عليه من زيادة المسائل، وكمال التحرير، فكلامه [الخراز] صريح في أن كتاب ¬

_ (¬1) انظر: فتح المنان ورقة 15، التبيان ورقة 67، دليل الحيران 28.

أبي داود، أجل من الأجل» ثم قال: «ومذهب أبي داود أرجح من مذهب أبي عمرو الداني، والخراز ما نوّه بالتعيين بلفظ الشيخ إلا في جانب أبي داود»، ثم قال: «إذ لا يلزم من كون الداني أعلم من أبي داود بالتجويد أن يكون أعلم منه بعلم الرسم، كيف وقد تبين لك أن أبا داود- رحمه الله- أبرع في علم الرسم من أبي عمرو الداني بشهادة الخراز- رحمه الله- وبما ثبت له في مسألتنا على أبي عمرو الداني» (¬1) ثم ذكر حججا قاطعة على براعة أبي داود في علم رسم المصاحف، وقال: «فقد ثبت أن رأي أبي داود في مسألتنا أصوب بلا شك ولا ريب» (¬2). ويقول الشيخ عبد الهادي حميتو: «واعتبر ابن نجاح عميدا لمدرسته- أي الداني-، ومفرعا لمسائله، ومبينا لمقاصده، وإن كان قد تجاوزه في كثير من الاختيارات والترجيحات بحيث يكاد يشكل مدرسة ثانية إن لم يكن كذلك فعلا» (¬3). أقول: لا يظهر أمام «التنزيل» أي كتاب آخر في فن الرسم بما فيه «المقنع» للداني، فالتنزيل إمام كتب هجاء المصاحف. والنتيجة، أن ليس بينهما أدنى تقارب لا في المنهج ولا في الأسلوب، ولا في الطريقة، وإن كان أبو داود استفاد من شيخه أبي عمرو الداني. فكتاب «التنزيل» يمتاز بالشمول والاستيعاب واستقصاء ظواهر الرسم كما يمتاز بالسهولة والترتيب مما يسهل الاستفادة منه، والله أعلم. ¬

_ (¬1) رسالة مخطوطة ضمن مجموعة رقم 169/ 8 بمكتبة الحرم. (¬2) مبحث ضبط الذي والتي ورقة 338. (¬3) رسالة خاصة من الشيخ عبد الهادي حميتو آسفي بالمغرب.

وقد ألف في موضوع هجاء المصاحف من المعاصرين للمؤلف أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي (430 هـ)، ومحمد بن يوسف بن أحمد بن معاذ الجهني (442 هـ). فالمهدوي صنف رسالة في موضوع هجاء المصاحف تقع في نحو 18 ورقة إلى 26 ورقة. وقد جاء في أولها: «جزء فيه هجاء مصاحف الأمصار على غاية التقريب والاختصار» مما عني بتأليفه أبو العباس المهدوي (¬1). وابن معاذ الجهني صنف رسالة في الموضوع نفسه تقع في نحو 28 ورقة بعنوان: «كتاب البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان» (¬2). وعند ما تأملت الكتابين المذكورين، وجدت أنهما بلغا في الإيجاز والاختصار الشديد منتهاه، ولم يدنوا من «التنزيل»، ولا تصح مقارنتهما به بحال من الأحوال. وإذا انتقلنا إلى ما بعد عصر أبي داود نجد أبا إسحاق إبراهيم بن وثيق الأندلسي المتوفى 654 هـ يؤلف رسالة في هجاء المصاحف، تقع في نحو 37 ورقة إلى 50 ورقة، اسمها: «الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصاحف» (¬3)، والمتأمل فيها يجد أن مؤلفها حذا فيها حذو أبي داود في «التنزيل»، وأثر «التنزيل» فيها والاستفادة منه واضحان جدا، إلا أنها تمتاز بالإيجاز والاختصار. وحينئذ سيبقى كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» متميزا على غيره في طريقته، وفي شموله وفي منهجه وفي قيمته العلمية، والله أعلم. ¬

_ (¬1) حققه محيي الدين رمضان، ونشرته مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد 19، الجزء الأول 1393 هـ. (¬2) حققه غانم قدوري الحمد، ونشرته مجلة المورد، المجلد 15، عدد 4، سنة 1407 هـ. (¬3) حققه غانم قدوري الحمد وطبع في مطبعة العاني، بغداد.

د: الدراسة النقدية لكتاب"مختصر التبيين"

د: الدراسة النقدية لكتاب «مختصر التبيين» إن الدراسة النقدية للكتاب، وإبراز ما فيه من جوانب مهمة، وأخرى سلبية، أو مآخذ على المؤلف هو من صنيع العلماء النقاد الذين جمعوا بين العلم والعمل الصالح، والذين هم في مستوى المؤلف أو فوقه، والذين لهم النظر البعيد في موضوع الكتاب، وليس من شأني. إلا أن الذي جعلني أبدي بعض الملاحظات أن الإنسان مهما أحرز من تقدم في ميادين العلم والمعرفة، فلن يبلغ درجة الكمال الذي هو لله وحده، ويسعفني في هذا الأمر الرجوع إلى كلام العلماء في مثل هذه الملاحظات على بعض ما فرط من المؤلف في كتابه، وأبني على كلامهم. فأقول- والله المستعان-: من خلال دراستي للكتاب ومعايشتي له حينا من الدهر تبينت لي بعض الملاحظات على المؤلف ويمكن إرجاع هذه المآخذ إلى قسمين: قسم يتعلق بالناحية المنهجية. وقسم يتعلق بالناحية العلمية. أما فيما يتعلق بالقسم الأول، وهو المنهج الذي سار عليه في كتابه، وهو تتبع وصف هجاء المصاحف من أول القرآن إلى آخره، فاضطره ذلك إلى التكرار وحشد الأمثلة، وإعادتها دون الاكتفاء بالموضع الأول منها، والاستغناء بالمتقدم عن المتأخر وإحالته على المتقدم. بل جاء التكرار ظاهرة لافتة للانتباه، وهذه الملاحظة تعزى للمنهج، لا للمؤلف، لكن المؤلف أفرط فيها. وقد لاحظ المؤلف نفسه ظاهرة التكرار، فبين وجه الحاجة إليه، فقال

عند قوله: والله ذو فضل (¬1): «وقد ذكرت ذلك كله وإنما تكرر للبيان، وخوف النسيان على ناسخ المصحف، فيكون تذكرة للحافظ الفاهم غير ضار له، وتنبيها وتعليما لغيره». إلا أنه أكثر من التكرار؛ مثل ما ذكره في إسقاط الياء من الفعل المضارع لدخول الجازم عليه، فكررها ثلاث مرات ضمن مجموعة، ثم أعاد ذكر كل حرف في موضعه من السورة وقد وجدت في هذا التكرار صعوبة ومشقة في العزو والربط والإحالة. إن المؤلف يذكر بعض الكلمات في أول مواضعها بحكم ما، ويحيل ما تأخر منها على ما تقدم أو يعيد ذكرها، وهذا هو المنهج الذي اتبعه، لكنني لاحظت بعض ما يخالف هذا فيذكر بعض الحروف في أول مواضعها، ويسكت عن البعض الآخر، ثم ينص على صيغة التعميم بعد أن يمر على مواضع ذكرها أو لم يذكرها، فلذلك يجب التنبه إلى مثل هذا المنهج ليكون النقل والاقتباس صحيحا، وحتى لا يحصل خلاف في كلمات متناظرة، والأمثلة على هذا كثيرة: منها: نص المؤلف على حذف الألف في قوله تعالى: والأنعم (¬2)، ولم يصرح بصيغة التعميم، وذكر الموضع الثاني في قوله تعالى: فليبتّكنّ ءاذان الانعم (¬3)، وسكت عن قوله تعالى: أحلّت لكم بهيمة الانعم (¬4)، ولم يصرح بصيغة التعميم إلا في موضعه الرابع عند قوله: والانعم نصيبا (¬5) فقال: «بحذف الألف بين العين والميم ¬

_ (¬1) من الآية 152 آل عمران. (¬2) من الآية 14 آل عمران. (¬3) من الآية 118 النساء. (¬4) من الآية 2 المائدة. (¬5) من الآية 137 الأنعام.

حيثما أتى»، فالذي لم يلاحظ هذا الموضع يأخذ بعض الحروف بالحذف، وبعضها بالإثبات. ومنها قوله تعالى: عقبة لم يصرح بصيغة التعميم إلا في موضعه الثالث عند قوله: عقبة الدّار (¬1)، فقال: «بحذف الألف بين العين والقاف حيثما وقع»، ولقد مر على كلمة السّلطن في مواضع كثيرة، ولم ينص إلا على الحرف الأول بدون تعميم وسكت عن جميع مواضعه إلا عند قوله: مّا أنزل الله بها من سلطن (¬2) فصرّح بحذف الألف في جميع مواضعه. وكذلك فعل في قوله تعالى: شهدة (¬3) فلم يصرّح بحذف الألف بصيغة التعميم إلا في الموضع الثاني (¬4)، ولم يذكر ذلك في الموضع الأول. بل إنه في بعض الأحيان يسكت عن الموضع الأول ويصرّح بالحذف بصيغة التعميم في الموضع الذي يليه، ويتضح ذلك في قوله تعالى: فصيام ثلثة أيّام (¬5) صرّح بالحذف بصيغة التعميم في موضعه الثاني عند قوله تعالى: ثلثة قروء (¬6)، فقال: «حيث وقع». ¬

_ (¬1) من الآية 136 الأنعام. (¬2) من الآية 40 يوسف. (¬3) من الآية 139 البقرة. (¬4) من الآية 282 البقرة. (¬5) من الآية 195 البقرة. (¬6) من الآية 226 البقرة.

فبمثل هذا المنهج يجعل الناظر في موضع واحد- غير عارف بمنهج المؤلف- يقع في الخطأ، ربما يأخذ بعض الحروف بالحذف وبعضها بالإثبات، وهناك من الحروف المتقدمة التي سكت عنها ولم يذكر صيغة التعميم إلا في موضعها الثاني، فإن المؤلف سكت عن قوله تعالى: وأسرّوه بضعة (¬1) فحمل سكوت المؤلف عنها بعض الناس على إثبات الألف فيها ممن لم يطلع على الموضع الثاني عند قوله: اجعلوا بضعتهم (¬2) لأنه صرّح هنا بصيغة التعميم، فقال: «وبضعتهم» بغير ألف حيث ما أتى». فبمثل هذا المنهج أوقع كثيرا من نساخ المصاحف في اللبس والاضطراب ممن لم يطلع على جميع مواضعه. قال ابن القاضي: بضاعة بالحذف في التنزيل* من غير تقييد فخذ تفصيلي وقول من يخص بالإضافة* فردّ قوله وخذ خلافه (¬3) ومثلها قوله تعالى: على ءاثرهم (¬4) لم يصرح بصيغة التعميم إلا عند قوله: على ءاثرهم (¬5) في موضعه الثاني، فقال: حيثما وقع بغير ألف». ومثلها: خزائن (¬6) سكت عن الموضع الأول وصرّح في موضع ¬

_ (¬1) من الآية 19 يوسف. (¬2) من الآية 62 يوسف. (¬3) انظر: بيان الخلاف والتشهير 62. (¬4) من الآية 48 المائدة. (¬5) من الآية 6 الكهف. (¬6) من الآية 55 يوسف.

سبحان (¬1) بإثبات ألفه في سائر القرآن، وقال «كما قدمناه» ولم يتقدم له ذكر. بعض الحروف لم يتضح فيها مذهب المؤلف، مثل قوله: صلاتي وحياتي المضافة إلى الضمير ذكر الخلاف في صدر البقرة دون ترجيح عند قوله: ويقيمون الصّلوة (¬2) فقال: إذا أضيفت إلى الضمير، اختلفت المصاحف في إثبات ألف مكان الواو وفي حذفها، ولم يذكر ترجيحا. وكذلك حين ذكر تلك الكلمات في مواضعها من السور، واقتصر في بعضها كقوله تعالى: في حياتكم الدّنيا (¬3)، وقوله: قدّمت لحياتي (¬4)، وقوله: عن صلاتهم (¬5) على الحذف فتارة يطلق فيها الخلاف بدون ترجيح، وتارة يقتصر على الحذف، ولعل اقتصاره عليه يعد ترجيحا منه، إلا أن المؤلف لم يصرح بمذهبه فيها. وكذا لم يظهر مذهب المؤلف في قوله: بئايتنا فقال: «كتب في بعض المصاحف بياءين على الأصل قبل الاعتلال من غير ألف، وفي بعضها بياء واحدة» وكذا حين ذكرها في مواضعها من السور، واقتصر في بعضها كقوله تعالى: بئايت في الأنفال (¬6) على الياءين ولم يتضح فيها مذهبه. ¬

_ (¬1) من الآية 100 الإسراء. (¬2) من الآية 2 البقرة. (¬3) من الآية 19 الأحقاف. (¬4) من الآية 27 الفجر. (¬5) من الآية 5 الماعون. (¬6) من الآية 55 الأنفال.

وأما ما يتعلق بالقسم الثاني، أي الناحية العلمية، ويتمثل ذلك في أن المؤلف- رحمه الله- فاته عدد كثير من الحروف والكلمات، أغفل ذكرها في مواضعها الأولى، وذكرها في المواضع التي تليها، أو في مواضعها المتأخرة بعد أن يمر على حروف منها. ولم يصرح لا في المتقدم ولا في المتأخر بصيغ تشعر بالتعميم، فأدى ذلك إلى اضطراب وخلط عند نساخ المصاحف والناقلين عنه، فأخذ له بعضهم بالإثبات فيها، لسكوته عنها، وقالوا: إن الأصل الإثبات، وهي من ذوات النظير. وبناء على ذلك وضع المتأخرون ونساخ المصاحف تقسيما جرى عليه العمل في مصاحف أهل المشرق، وآخر جرى عليه العمل في مصاحف أهل المغرب. وقد وضع ذلك في مذكرة بعض مشايخ هذا العلم بين فيها ما اختلف فيه بين مصاحف المشارقة والمغاربة رسما باعتبار عمل اليوم. وركّز على ما جرى به العمل في مصاحف أهل المشرق، وفي مصاحف أهل المغرب. أقول: هذا التقسيم في رسم المصاحف لا يستند على أساس وليس له سند، فقالوا: جرى عمل المشارقة على كذا، وجرى عمل المغاربة على كذا. هذا التقسيم يجب أن يمحى، ويزال العمل به، إنه حادث لم يكن في القرون التي خلت، فالعمل به مخالف للنص، ويوسع من هوة الخلاف بين المسلمين في مصاحفهم. ويكون عمل المشارقة أو المغاربة مقبولا إلى حد ما إذا وجد أصل الخلاف، ولم يظهر وجه الترجيح، كأن تختلف المصاحف الأمهات

العتيقة المظنون بها الصحة في حرف ما، فيرسم في بعضها بالحذف، ويرسم في بعضها الآخر بالإثبات، وجاءت الرواية مبهمة من غير تسمية مصر بعينه، فبهذه الصفة وبهذه الكيفية، قد يسوغ للمشارقة أو المغاربة أن يختاروا أحد الوجهين. أما أن يختار المشارقة أو المغاربة الإثبات في بعض الحروف التي سكت عنها أبو داود بحجة أن الأصل الإثبات، فهذه حجة واهية، لأن غيره نص على حذفها، وكذا الحروف التي سكت عنها الداني. وقد يكون الحرف المسكوت عنه من الحروف التي اتفقت عليها المصاحف بالحذف، فسكوت أحد الشيخين عنها لا يلزم منه الإثبات. من ذلك مثلا قوله تعالى: من تفوت (¬1) جاءت ثابتة في المصحف برسم الداني في الوقت الذي نقل فيه أبو داود حذف الألف في جميع المصاحف، ويؤيد الحذف قراءة الأخوين بحذف الألف وتشديد الواو. والأمثلة على هذا النمط كثيرة، بل هناك كلمات متناظرة حذفت في موضع وأثبتت في موضع آخر، وهذا اضطراب وفساد يجب الرجوع عنه، فتبين لي من خلال استقراء منهج المؤلف وكلام العلماء فيها أن الحذف فيها أرجح، حملا على نظائرها، ولنص غيره عليها ويكون سكوته عليها من قبيل السهو والنسيان، فجل من لا يسهو، والله أعلم. ¬

_ (¬1) من الآية 3 الملك.

ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: عليكم الغمم الموضع الأول (¬1)، وقوله تعالى: ظلل مّن الغمم الموضع الثاني (¬2)، ولم يأت في «التنزيل» في الألفاظ التي بعدهما بما يشعر بتعميم الحذف، واقتصر أهل المشرق عليهما بالإثبات. وعمّم الحذف البلنسي صاحب المنصف في جميع ألفاظه، وتابعه المغاربة في رسم مصاحفهم. ومن الكلمات التي سكت عنها قوله تعالى: وبالولدين إحسنا (¬3) الألف التي بين السين والنون، ونص على الألفاظ التي تليها بالحذف، ولم يرد فيها ما يشعر بتعميم الحذف. فرسمها أهل المشرق بإثبات الألف وحذفوها في بقية المواضع وذهب أهل المغرب إلى الحذف في جميع مواضعه وعليه مصاحفهم موافقة لنظيره ولنص صاحب «المنصف» على الحذف في الجميع. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: من شعيئر الله (¬4) وذكر الموضع الثاني وما يليه ولم يرد فيه ما يشعر بتعميم الحذف في جميع مواضعه. ونظرا لسكوت أبي داود عليه أثبته أهل المشرق في ¬

_ (¬1) في الآية 56 البقرة. (¬2) في الآية 208 البقرة. (¬3) من الآية 82 البقرة. (¬4) من الآية 157 البقرة.

مصاحفهم وحذفوا بقية مواضعه. ونص على الحذف في الجميع صاحب المنصف، وجرى عليه العمل في مصاحف أهل المغرب. بل إن هناك كلمات لم يذكرها البتة في جميع مواضعها وفي جميع النسخ المخطوطة الست التي طالعتها، فذكر له الخرّاز حذف ألف قوله تعالى: الاسبب ما عدا موضع البقرة (¬1) فإنه ثابت لأبي داود، فقال: «وابن نجاح ما سوى البكر نقل» وتبعه على ذلك شراح مورده، ولقد راجعت جميع نسخه المخطوطة وفي جميع مواضعه، ولم أجد أبا داود تعرض له لا بحذف ولا بإثبات. ونص على حذفه صاحب المنصف. وقالوا: وجرى العمل بإثبات ألف: الاسبب في موضعه الأول في مصاحف المشرق، وبحذف الألف في الجميع في مصاحف أهل المغرب. وهذا من الغرائب لأن أبا داود لم يذكرها البتة، وإنما ذكرها بالحذف صاحب المنصف البلنسي. إن المنهج الذي استقرأته من تأملاتي لكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»، لاحظت فيه أن المؤلف إذا لم تبلغه رواية في حرف ما يصرح بذلك، ويقول: «ليس لي في هذا الحرف رواية» ويطلق للناسخ أن يختار ما يشاء، إذا لم يكن هناك ما يقتضي الترجيح كالقراءة. ¬

_ (¬1) من الآية 165 البقرة.

ولو أراد إثبات الألف في بعض الحروف ذوات النظائر لصرّح بذلك كما فعل عند قوله تعالى: عظامه (¬1) قال: بألف ثابتة، مع أنه ذكر في الحروف المتقدمة الحذف في قوله تعالى: عظما فكسونا العظم (¬2). وكما فعل عند قوله تعالى: عامل (¬3) قال: هنا بألف، بعد أن تقدم له النص على الحذف في نظيره في قوله تعالى: عمل عمل (¬4). فلم يبق سكوته عنها إلا من قبيل السهو، أو النسيان لكثرة حروف القرآن، ولكثرة التشابه، فجل من لا يسهو، أو لعله لم يراجع تأليفه. فحينئذ لا ينبغي أن تستثنى له هذه الكلمات، وترسم بالإثبات اعتمادا على سكوته. ثم إن غيره نص على حذفها، ولم يعلم له مخالف. فكلمة العظم سكت عن موضعها الأول (¬5)، ونص على الحذف في بقية مواضعها، ونص على إثبات الألف في الحرف الأخير. فلا ينبغي إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه بالإثبات. وهناك كلمات تجاوزها المؤلف وسكت عنها وهي ذات نظير، ونص على الحذف في موضعها الثاني دون صيغة التعميم، فاضطرب الناس فيها، فأخذ له بعض نساخ المصاحف فيها بالإثبات معتمدين في ذلك على سكوت المؤلف، وقالوا: الأصل الإثبات، وعدّوا هذه الحروف في جملة المستثنيات لأبي داود. ¬

_ (¬1) من الآية 3 القيامة. (¬2) من الآية 14 المؤمنون. (¬3) من الآية 136 الأنعام. (¬4) من الآية 195 آل عمران. (¬5) في الآية 258 البقرة.

ومن هؤلاء العلماء الخرّاز، وتبعه على ذلك شراح «المورد»، وجرى العمل بها عند نساخ مصاحف أهل المشرق، وتمسكوا بسكوت أبي داود عنها. وهي الألف المعانقة للام، أي الواقعة بعد اللام في ثلاث عشرة كلمة أولها قوله تعالى: قل إصلح (¬1) وعبّروا عنها بالمستثنيات. أقول: إن المؤلف أبا داود لم ينص على الاستثناء، ولم يرد عنه ذلك البتة، وإنما سكت عنها وأغفل ذكرها سهوا أو نسيانا. بل إن المؤلف في موضعه الثاني في قوله تعالى: إصلحا (¬2) ألمح إلى الحذف، فقال: «بحذف الألف بين اللام والحاء، وقد ذكر». قوله: «وقد ذكر» فيه إيماء إلى الحذف، ونحن نعلم أنه لا يذكر إلا الحذف في الغالب، وهو كالنص على الحذف، بل إن المؤلف نفسه لم يرض من غيره أن ينص على حرف بالحذف ويسكت عن نظيره. فذكر أن الغازي بن قيس نص على حذف ألف والإبكر في آل عمران (¬3)، وسكت عن موضع غافر فقال: «وأحسبه اكتفى بذكر هذا عن ذلك». وفعل مثل ذلك مع نافع بن أبي نعيم المدني حيث نص على الحذف في حرف دون نظيره، فقال: «وروينا عن نافع في قوله في المائدة: بلغ الكعبة (¬4) بغير ألف وأحسبه اكتفى بذكر ذلك هنا لك عن هذا»، يعني قوله تعالى: ببلغيه في غافر (¬5). ¬

_ (¬1) من الآية 218 البقرة. (¬2) من الآية 226 البقرة. (¬3) من الآية 41 آل عمران. (¬4) من الآية 97 المائدة. (¬5) من الآية 55 غافر.

ومن جملة الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: أنّى يكون لي غلم موضع آل عمران (¬1)، ونص على الحذف في بقية مواضعه. ونص الخراز على استثنائه لأبي داود، وتبعه شراح مورده. أقول: إن أبا داود لم يرد عنه الاستثناء، بل سكت عنه في موضعه، وأغفل ذكره، وقال في الخمس الذي جاء فيه: «وهجاؤه مذكور» وهو لم يتقدم، فلعله أحال على ما يشبهه. وقد ألمح إلى حذف ألفه عند موضعي سورة مريم، فقال: «وبغلم، وبغلم (¬2) بحذف الألف، وقد تقدم ذكره كله». فهذا منه كالنص في أن الحذف يشمل كل ما تقدم، دون استثناء ويدخل فيه موضع آل عمران. ولمجرد سكوت أبي داود ذهب المشارقة إلى إثبات ألفه، فقال الشيخ الضباع- رحمه الله-: «فجرى العمل على إثباته» (¬3). وكيف يصح إثبات ما نص أبو عمرو الداني في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف والبلنسي صاحب المنصف على حذفه؟ بل إن صاحب «نثر المرجان» حكى الإجماع على حذفه، فقال: «أجمع أرباب الرسم على حذف الألف بعد اللام منه في القرآن للاختصار حيثما وقع، وكيفما وقع». وقال ابن القاضي ردّا على من أثبته: «والحق خلافه، لأن الداني صرّح بحذفه» (¬4)، ونص ابن وثيق الأندلسي على الحذف في جميع مواضعه، فقال: «بحذف الألف حيث وقع». ¬

_ (¬1) من الآية 40 آل عمران. (¬2) من الآية 6، 7 مريم. (¬3) انظر: سمير الطالبين 58. (¬4) انظر: المقنع 17، بيان الخلاف 51، الجامع 34.

أقول: ولو سئل عنه أبو داود لقال بحذفه موافقة لنظيره، وقد تقرر أن السكوت لا يقتضي حكما أصلا، والله أعلم. ومن هذه الكلمات التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: سبل السّلم (¬1) ونقل في قوله تعالى: إليكم السّلم (¬2) إجماع المصاحف على الحذف، فلعله اكتفى بهذا عن ذلك كما قال هو للغازي بن قيس فيما تقدم ولم يرد عن المؤلف ما يشعر بالتعميم. ونص أبو عمرو الداني على حذف الألف فيه في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف ونص على حذفه البلنسي، بل حكى اللبيب إجماع المصاحف على حذف ألف: سبل السّلم. وقال علم الدين السخاوي: «السّلم في جميع القرآن مرسوم بالحذف». ثم إن أبا عمرو الداني رواه بالخصوص بالحذف بسنده عن قالون عن نافع بن أبي نعيم (¬3). وهذه الرواية عن نافع هي عمدة أبي داود، وعليها يعول وهو ملاحظ في منهجه ومصادره كما بينته. وبعد هذا فلا ينبغي أن نجعل سكوت أبي داود عنها دليلا على الإثبات. ثم إن أبا الحسن البلنسي تلميذ المؤلف وقد نظم «التنزيل»، وهو أعرف بحال شيخه أبي داود، نصّ على الحذف في جميع الألفات الواقعة بعد اللام دون استثناء. ونص في مقدمة كتابه «المنصف» أن كل ما ذكره ¬

_ (¬1) من الآية 18 المائدة. (¬2) من الآية 93 النساء. (¬3) انظر: المقنع للداني 11، 17.

مرويّ عن شيوخه ذوي الرواية والإتقان. فقال: وإنّني لما رأيت العمرا* منصرما بلغت نفسي عذرا في رجز قصدت فيه الكشفا* عن اتباع الرسم حرفا حرفا دون زيادة ولا نقصان* على الذي قد جاء في القرآن إذ كنت قد أخذته رواية* عن ابن لب من ذوي الدراية وكان شيخا خص بالإتقان* في عصره من أهل هذا الشأن حدثني عن شيخه المغامي* ذي العلم بالتنزيل والأحكام وكل ما ذكرته فعنه* أخذته مما استفدت منه فهذا الإمام نص على حذف الألف المعانق للام في جميع القرآن ولم يستثن من ذلك حرفا. بل إنه نسب حذف الألف المعانق للام إلى المصحف الإمام الذي هو إمام المصاحف المنسوخة منه سواء وقعت الألف بعد اللام المفردة أو بين اللامين. فقال: وحذفوا الألف بعد اللّام* في أءله ثم في السلم إلى أن قال: من كل ما قد أثبتوا بلام* أو اثنتين الحذف في الإمام قال أبو عبد الله الصنهاجي مبينا كلامه: «فذكر أن الحذف مع اللام مفردة، مثل الحذف في الألف بين لامين، ونقلوا الحذف في ذلك كله عن مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ... ونسب ذلك إلى الإمام» (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: التبيان للصنهاجي 87.

قال ابن عاشر: «كيف يخير في رسمها مع أنه لا مخالف لهذا العدل نصا، وزيادة العدل مقبولة» (¬1). وقال: «وقد تقرر أن السكوت من شيخ لا يقتضي حكما». وقد جمع الخراز في نظمه هذه الكلمات التي سكت عنها المؤلف- رحمه الله- فقال: ... سوى قل اصلاح وأولى ظلام تلاوة وسبل السلام* ومثله الأول من غلام وكل حلّاف غلاظ لاهية* ومثله التلاقي مع علانية ثم فلانا لائم ولازب* .... وقد اكتفيت ببيان بعضها (¬2). وقال ابن القاضي: «اعلم أن ما ذكره الإمام الخراز في «مورده» عن أبي الحسن البلنسي في كتابه «المنصف»، لأنه جرى بها العمل في زمانه على الحذف، واشتهرت، وصار الناس يعتمدون عليها، وإلا فلا فائدة لذكرها بالخصوص دون غيرها ... » ثم قال: «كيف وهو إمام قدوة عدل مرضي، وأتى الخرّاز بسنده ونقله عن أئمة أجلة أعلام، فلا يرد قوله، ولا وجه لخموله وعدم اعتباره» (¬3). ومضى ابن القاضي يواصل حديثه في الدفاع عن أقوال صاحب «المنصف». ¬

_ (¬1) انظر: فتح المنان لابن عاشر 45. (¬2) انظر: ذيل عمدة البيان المتصل بمورد الظمآن ص: 15. (¬3) ضمن مجموع الجامع المفيد لأحكام الرسم والتجويد لابن القاضي ذكره الشيخ عبد الهادي حميتو ورقة 3.

ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف أبو داود قوله تعالى: أن يّتمّ الرّضعة في موضعه الأول (¬1)، ونص على الحذف في الموضع الثاني (¬2)، ولم يذكر فيه ما يشعر بتعميم الحذف. ولسكوت أبي داود عنه أخذ له أهل المشرق بالإثبات دون بقية مواضعه. ونص البلنسي صاحب «المنصف» على الحذف في الجميع، وتابعه أهل المغرب في رسم مصاحفهم موافقة لنظيره، ولنص «المنصف» عليه، وسكوت أبي داود لا يقتضي الإثبات. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: إلى العظم في الموضع الأول (¬3)، ونص على الحذف في بقية مواضعه إلا موضع القيامة (¬4)، وليس فيها ما يشعر بتعميم الحذف. قال الشيخ الضباع: «وأطلق أبو داود الحذف في سائر ما جاء من لفظه سوى حرفي البقرة والقيامة». أقول: لا ينبغي التسوية بين حرفي البقرة والقيامة، لأن حرف البقرة سكت عنه، وحرف القيامة نص على إثبات ألفه على الخصوص، وبهذه التفرقة جرى العمل في مصاحف أهل المشرق. ونص صاحب «المنصف» على الحذف في الجميع سوى القيامة، وعليه مصاحف أهل المغرب. ¬

_ (¬1) من الآية 231 البقرة. (¬2) من الآية 23 النساء. (¬3) في الآية 258 البقرة. (¬4) في الآية 3 القيامة.

ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: مّن نّخيل وأعنب في البقرة (¬1)، وقوله تعالى: وجنّت مّن أعنب في الأنعام (¬2)، ونص على الحذف في المواضع التي تلي الموضعين السابقين، ولم يأت فيها ما يشعر بتعميم الحذف فيهن، وبه جرى عمل أهل المشرق بإثبات الألف فيهما نظرا لسكوت أبي داود عنهما. ونص صاحب المنصف على الحذف في الجميع دون استثناء، وعليه عمل أهل المغرب في مصاحفهم. وسكت المؤلف عن قوله تعالى: ضعفا خافوا عليهم (¬3)، وسكوته عنها لا يقتضي الإثبات البتة، لأن هذه الكلمة رواها أبو عمرو الداني بسنده عن قالون عن نافع بالحذف، وهذه الرواية نفسها هي عمدة أبي داود، وعليها يعول كما هو ملحوظ في كتابه «التنزيل» وقد بينته في منهجه وطريقته. ثم إن هؤلاء الذين يأخذون بالإثبات لكل ما سكت عنه أبو داود في «التنزيل»، لم يخالفون في هذه الكلمة، ويأخذونها بالحذف؟! فهذا اضطراب وفساد، ومنهج متباين. ولهذا المعنى أشار صاحب كشف العمى والرين عن ناظري مصحف ذي النورين: ¬

_ (¬1) من الآية 265 البقرة. (¬2) من الآية 100 الأنعام. (¬3) من الآية 9 النساء.

واحذف بقوة ضعفا خافوا ولا تخف إذ ضعف الخلاف (¬1) ومن الكلمات التي سكت عنها المؤلف: العدوة في موضعه الأول في قوله تعالى: فأغرينا بينهم العدوة (¬2)، ولم يأت في الألفاظ التي أتت بعد في «التنزيل» بما يشعر بتعميم الحذف. فرسمه أهل المشرق في مصاحفهم بإثبات الألف، وحذفوها في بقية مواضعه. ونص صاحب «المنصف» على الحذف في جميع ألفاظه. وقال ابن القاضي: «والعمل بالإثبات والحذف أولى لنص المنصف كنظائره». ومن الكلمات التي سكت عنها المؤلف: مبرك، ونصّ على حذف الموضع الأخير في قوله تعالى: كتاب أنزلنه إليك مبرك (¬3)، وسكت عن الموضعين في الأنعام (¬4)، وموضع الأنبياء (¬5). ولم يرد عن المؤلف ما يشعر بتعميم الحذف، وعليه اقتصر رسم مصاحف أهل المشرق. وعمم الحذف في جميعهن أهل المغرب وهو الأولى؛ لأن الداني نص على الحذف فيهن. وكذلك سكت المؤلف عن قوله: مّبركا، ونص على الموضع الأخير في قوله تعالى: ونزّلنا من السّماء ماء مّبركا (¬6)، ولم يذكر ¬

_ (¬1) انظر: كتاب إيقاظ الأعلام 27. (¬2) من الآية 15 المائدة. (¬3) من الآية 28 سورة ص. (¬4) من الآية 93 و 156 الأنعام. (¬5) من الآية 50 الأنبياء. (¬6) من الآية 9 سورة ق.

موضع آل عمران (¬1)، ومريم (¬2)، والمؤمنون (¬3)، ولم يرد عنه ما يشعر بتعميم الحذف، وعليه عمل أهل المشرق، ونص الداني على الحذف في الجميع، وعليه عمل أهل المغرب في مصاحفهم. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف: تبرك وقد وردت في تسعة مواضع، ونص على الحذف في الموضعين الأخيرين في قوله تعالى: تبرك اسم ربّك (¬4)، وقوله تعالى: تبرك الّذي بيده الملك (¬5)، وسكت عن موضع الأعراف (¬6)، والمؤمنون (¬7)، وموضعي الفرقان (¬8)، وموضع غافر (¬9)، والزخرف (¬10). ولم يرد في الموضعين المذكورين ما يشعر بتعميم الحذف، وعلى هذا مصاحف أهل المشرق، والصواب أن الحذف يشمل الجميع طردا للباب، قياسا على نظائرها، بل إن الداني نص على الحذف في جميعهن، فقال: «حيث وقع»، وذكر ذلك في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف (¬11)، فحينئذ العمل بالإثبات في المسكوت عنه مخالف للنص. ونص على ¬

_ (¬1) من الآية 96 آل عمران. (¬2) من الآية 30 مريم. (¬3) من الآية 29 المؤمنون. (¬4) من الآية 77 الرحمن. (¬5) من أول آية في الملك. (¬6) من الآية 53 الأعراف. (¬7) من الآية 14 المؤمنون. (¬8) من الآية 10 و 61 الفرقان. (¬9) من الآية 64 غافر. (¬10) من الآية 85 الزخرف. (¬11) انظر: المقنع للداني ص 18.

الحذف في جميع ألفاظه- حيث وقع- ابن وثيق الأندلسي في «جامعه» (¬1). ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: لا يستخرون ساعة، في الأعراف (¬2)، ونص على حذف الألف بعد التاء في بقية مواضعه، ولم يرد عنه ما يشعر بتعميم الحذف، وبه جرى عمل مصاحف أهل المشرق. ونص على حذف الألف في الجميع البلنسي صاحب المنصف بلا قيد. قال ابن القاضي: «العمل بالإثبات وحذفه أولى». وعليه مصاحف أهل المغرب. ومن الغريب أن نرى في مصحف برواية قالون ألحقت فيه ألف صورة للهمزة، هذا رأي لم يقل به أحد من علماء الرسم. ومن الحروف التي سكت عنها أبو داود قوله تعالى: وإذ أنجينكم مّن ءال فرعون (¬3) فرسمت في مصاحف أهل الشام بألف من غير ياء ولا نون، وفي سائر المصاحف بالياء والنون من غير ألف، ذكر ذلك أبو عمرو الداني في باب ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام المنتسخة من الإمام (¬4). ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف أبو داود الغاوون المعرف بالألف واللام، ولم يذكر منها إلا قوله تعالى: إنّا كنّا غوين (¬5) المجرد من الألف واللام، وسكت عن قوله تعالى: من الغاوين (¬6)، ¬

_ (¬1) الجامع لابن وثيق الأندلسي ص 40. (¬2) من الآية 32 الأعراف. (¬3) من الآية 141 الأعراف. (¬4) انظر: المقنع 104، تلخيص الفوائد 28. (¬5) في الآية 32 الصافات. (¬6) في الآية 175 الأعراف وفي الآية 42 الحجر.

وقوله: للغاوين (¬1)، وقوله: هم والغاوون (¬2)، وقوله: الغاوون (¬3)، فجرى العمل بإثبات الألف في هذه المواضع. ومما سكت عنه أبو داود ولم يتعرض له قوله تعالى: سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام (¬4) فسقاية وعمارة سكت عنهما أبو داود، فأخذ له أهل المشرق وبعض أهل المغرب بالإثبات. والحذف هو الصواب رعاية لقراءة أبي جعفر من رواية ابن وردان بخلف عنه بضم السين وحذف الياء من: سقاية وبفتح العين وحذف الألف بعد الميم من: عمارة. وقال الحافظ ابن الجزري: «وقد رأيتهما في المصاحف القديمة محذوفتي الألف كقيامة وجمالة، ثم رأيتهما كذلك في مصحف المدينة الشريفة، ولم أعلم أحدا نص على إثبات الألف فيهما، ولا في إحداهما، وهذه الرواية تدل على حذفها منهما، إذ هي محتملة للرسم». وقال الشيخ محمد الفيلالي: سقاية عمارة بالحذف* في ألفيهما بغير خلف وقال في النشر ففي المصاحف* أعني القديمة بغير ألف ومن الكلمات التي سكت عنها المؤلف أبو داود قوله تعالى: إنّك كنت من الخطئين الموضع الأول من سورة يوسف (¬5)، ولم يرد في ¬

_ (¬1) في الآية 91 الشعراء. (¬2) في الآية 94 الشعراء. (¬3) في الآية 223 الشعراء. (¬4) من الآية 19 التوبة. (¬5) من الآية 29 يوسف.

الموضع الذي يليه ما يشعر بتعميم الحذف في جميع مواضعه. ولم يذكر موضع أول القصص (¬1). وجرى العمل بالحذف في الجميع في المصحف برواية قالون برسم الداني وعليه مذهب أهل المغرب. وخالف أهل المشرق فأثبتوا الموضع الأول، ووافقوا المغاربة في بقية المواضع، والأول أولى. فاستثناؤه لأبي داود، ونسبة الاستثناء إليه غير سديد، فالمسكوت عنه لا يلحق بالمثبت إلا بنص، وإن أبا داود لما أراد الإثبات من كلمات متناظرة نص على ذلك مثل قوله: جهادا (¬2) في الفرقان نص على إثباتها. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: في أعنقهم في سورة الرعد (¬3)، ونص على الموضع الثاني بالحذف، ولم يصرح بصيغة التعميم. وجرى العمل في مصاحف أهل المشرق بالإثبات في هذا الموضع دون بقية مواضعه تمسكا منهم بسكوت أبي داود. وأطلق صاحب «المنصف» الحذف في الجميع، وبه جرى العمل في مصاحف أهل المغرب. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف أبو داود قوله تعالى: فاجعل أفدة (¬4)، كما سكت عنها أبو عمرو الداني والشاطبي والخراز وشراح مورده، كما لم يذكرها ابن القاضي في بيانه الذي التزم ¬

_ (¬1) من الآية 7 القصص. (¬2) من الآية 52 الفرقان. (¬3) من الآية 6 الرعد. (¬4) من الآية 39 إبراهيم.

فيه بأنه يذكر كل ما سكت عنه المؤلف، وهذه الكلمة: أفئدة رسمت في جميع مصاحف الأمصار في وقتنا هذا بدون صورة للهمزة، وهو القياس الموافق لقراءة الجماعة، إلا أن هشاما عن ابن عامر في أحد وجهيه، قرأ بالياء الساكنة بعد الهمزة وحينئذ يجب أن تكون مرسومة هنا بالياء تنبيها لهذا الوجه، ذكر محمد غوث عن صاحب «الخزانة»، فقال: «رسمت الهمزة هنا خاصة بالياء في جميع المصاحف»، ونسب ذلك إلى «الإرشاد» وإلى «شرح الشاطبية» لملا عماد وإلى رسالة الجزري في الرسم، وقال: «نصوا على رسم الهمزة هنا خاصة بالياء»، وما جرى به العمل في مصاحف الشرق والغرب في يومنا هذا مخالف لهذه النصوص. ومن الكلمات التي سكت عنها أبو داود قوله تعالى: الارض مهدا في موضعه الأول (¬1)، وذكر الموضع الثاني عند قوله تعالى: الارض مهدا (¬2)، وقال: «وفيه: مهدا بحذف الألف وقد ذكر» فيكون قوله: «وقد ذكر» كالنص في أنه ذكره بالحذف ولكن تركه نسيانا أو سهوا. ومن جهة أخرى فإن فيه قراءات مما يترجح بها الحذف رعاية لها، وقد رواها أبو عمرو الداني بسنده عن قالون عن نافع بالحذف في خصوصها، ثم عمم الحذف بقوله: «حيث وقع» وهذه الرواية نفسها هي عمدة المؤلف، وعليها يعول كما هو ملاحظ في منهجه وطريقته كما بينته. وحينئذ بعد هذا لا يبقى مجال للقول بأن الأصل في المسكوت عنه الإثبات كما شاع ذلك عند أهل المشرق، وكما ذكر ذلك الرجراجي حيث ¬

_ (¬1) من الآية 52 طه. (¬2) من الآية 9 الزخرف.

قال: «واستثنى منه الناظم لأبي داود اللفظ الأول منه في القرآن فإنه محمول عند أبي داود على الإثبات». أقول: بل إنه محمول عند أبي داود على الحذف، والصواب تعميم الحذف في مواضعه الثلاثة (¬1)، والله أعلم. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: وخشعت الأصوات (¬2) ونص على حذف الألف في بقية مواضعه، ولم يرد فيها ما يشعر بتعميم الحذف، واتفقت مصاحف أهل المشرق وأهل المغرب على إثبات الألف فيه وحذفها في بقية مواضعه، والأولى الحذف في جميع مواضعه طردا للباب وموافقة لنظيره ولنص أبي إسحاق التجيبي على الحذف في الجميع، والله أعلم. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: قل ربّ احكم (¬3) وقد اجتمعت المصاحف على رسمه بغير ألف، وقرأه كذلك حفص عن عاصم خبرا عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، وقرأها الباقون: «قل» بصيغة الأمر (¬4). ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: أو لم ير الّذين (¬5) فرسمت في مصاحف أهل مكة: ألم ير بغير واو بين الهمزة واللام، وفي سائر المصاحف: أو لم بالواو. ذكرها أبو عمرو ¬

_ (¬1) من الآية 6 النبإ. (¬2) من الآية 105 طه. (¬3) من الآية 111 الأنبياء. (¬4) انظر: النشر 2/ 325، إتحاف 2/ 268، سمير الطالبين 56، المقنع 114. (¬5) من الآية 30 الأنبياء.

الداني في باب ما اختلفت فيه مصاحف أهل الحجاز، والعراق والشام المنتسخة من الإمام (¬1). ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: التّماثيل (¬2) ونص على الحذف في قوله تعالى: وتمثيل (¬3) ولم يرد فيه ما يشعر بتعميم الحذف وعليه عمل مصاحف أهل المغرب والمشرق. ومما يؤخذ على المؤلف ما ذكره عند قوله عزّ وجلّ: فخراج ربّك (¬4)، قال: «ولا أعلم حرفا، اختلف القراء في حذف الألف فيه وإثباتها، واجتمع المصاحف على إثباته غير هذا» متّبعا في ذلك أبا عمرو الداني، والصواب ما ذكره علم الدين السخاوي، حيث قال: «وقد رأيت أنا في المصحف العتيق الشامي الذي ذكرته فيما تقدم «فخراج» بغير ألف، ولقد كنت قبل أن أرى ذلك أعجب من ابن عامر، كيف تكون الألف ثابتة في مصحفهم ويسقطها في قراءته، حتى رأيت هذا المصحف، فعلمت أن إطلاق القول بأنها في جميع المصاحف «فخراج» ليس بجيد، ولا ينبغي لمن لم يطلع على جميعها دعوى ذلك». لذا يجب حذف الألف رعاية للقراءة، وجرى العمل بالإثبات وهو مخالف للنص. ¬

_ (¬1) انظر: المقنع 104، تلخيص الفوائد 34. (¬2) من الآية 52 الأنبياء. (¬3) من الآية 13 سبإ. (¬4) من الآية 73 المؤمنون.

ومن المواضع التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: والقاسية قلوبهم (¬1)، ونص على حذف بقية مواضعه، ولم يرد فيه ما يشعر بتعميم الحذف، وجرى العمل في مصاحف أهل المشرق والمغرب بالإثبات في موضع الحج وبالحذف في بقية مواضعه. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: وتقولون بأفوهكم (¬2)، ونص على حذف الألف في قوله تعالى: ذلكم قولكم بأفوهكم (¬3)، ولم يرد فيه ما يشعر بتعميم الحذف. أما المضاف إلى ضمير الغائبين نحو قوله عزّ وجلّ: أفوههم (¬4) فنص على حذفه في الجميع. ولا أدري لماذا أخذ له بالإثبات في موضع النور دون بقية المواضع؟ ومن الحروف التي أغفلها أبو داود قوله عزّ وجل: ولا يأتل أولوا الفضل (¬5) لم يذكر المؤلف رسمها على قراءة أبي جعفر بياء وتاء بعدها مفتوحتين وهمزة ولام مفتوحتين: ولا يتأل لأن رسمها على قراءة الجماعة يحصر جهة اللفظ بها. كما لم يذكرها ابن القاضي الذي صرّح في بيانه أن يذكر ما سكت عنه التنزيل، كما لم يذكرها عبد الواحد بن عاشر في «إعلانه» الذي ¬

_ (¬1) من الآية 51 الحج. (¬2) من الآية 15 النور. (¬3) من الآية 4 الأحزاب. (¬4) من الآية 118 آل عمران. (¬5) من الآية 22 النور.

ضمّنه باقي خلافيات المصاحف من سائر القراءات سوى قراءة نافع. ولم أجد على كثرة التتبع والبحث من نص على هجاء هذه الكلمة على القراءة المذكورة، والله أعلم. وقياس قراءة أبي جعفر يوجب أن تكون مرسومة كذلك في بعض مصاحف أهل المدينة، إلا أنني عثرت على نص نقله ابن الجزري فقال: «وذكر الإمام المحقق أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم القرّاب في كتابه «علل القراءات» أنه كتب في المصاحف: «يتل» قال: فلذلك ساغ الاختلاف فيه على الوجهين، انتهى (¬1). وهذا الرسم يصلح لحمل القراءتين، ولعله الأولى، لأن الهمزة قد تستغني عن الصورة، والله أعلم. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: الأمثال في جميع مواضعها في النصف الأول من القرآن، وجملتها سبعة مواضع، ولم يذكر الحذف فيها إلا في النصف الثاني من القرآن ابتداء من قوله تعالى: ويضرب الله الأمثل للنّاس في سورة النور (¬2). ولم يأت في الألفاظ التي نص عليها ما يشعر بتعميم الحذف وحذف الجميع أبو إسحاق التجيبي. ومن الكلمات التي سكت المؤلف عن بعض مواضعها كلمة: والقواعد نص المؤلف على حذف الألف في قوله تعالى: والقواعد من النساء (¬3) الواقعة بين الواو والعين، ولم يذكر الموضعين المتقدمين ¬

_ (¬1) انظر: النشر 2/ 331. (¬2) من الآية 35 النور. (¬3) من الآية 58 النور.

في البقرة (¬1) والنحل (¬2)، ولم يرد عنه ما يشعر بالتعميم، وبه جرى العمل في مصاحف أهل المشرق وأهل المغرب. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قول الله عز وجل: ورجلا سلما في سورة الزمر، لم يذكرها لا بحذف ولا بإثبات، وقياس قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بألف بعد السين على أنه اسم فاعل، وقراءة غيرهم بحذف الألف على أنه مصدر، يوجب ذلك أن تكون محذوفة الألف جمعا للقراءتين برسم واحد. ولاحظت في منهج المؤلف أنه عند ما تختلف المصاحف في حرف ما، وقد وردت فيه قراءات، يميل ويرجح الرسم الذي يشمل القراءتين، وقد صرح به عند قوله تعالى: لما ءاتينكم في آل عمران (¬3) فقال: «واكتفى الصحابة بفتح النون عن الألف لدلالتها عليها حسب ما تقدم، وجمعها بين القراءتين بصورة واحدة حسب ما فعلوه في سائر المصاحف رضي الله عنهم أجمعين». وسار على هذه الطريقة في ترجيحاته، إلا أنه خالف ذلك في قوله تعالى: يسألون عن أنبائكم في سورة الأحزاب (¬4) فذكر أن المصاحف اختلفت فيه، فكتبوه في بعض المصاحف بألف بين السين واللام على قراءة رويس عن يعقوب: بالسين مفتوحة وتشديدها وألف ممدودة بعدها ¬

_ (¬1) من الآية 126 البقرة. (¬2) من الآية 26 النحل. (¬3) من الآية 80 آل عمران. (¬4) من الآية 20 الأحزاب.

وهمزة مفتوحة بينها وبين اللام، وكتبوا في بعضها بغير صورة للهمزة لسكون السين قبلها، وبذلك أكتب، وهو الذي روينا عن نافع عن مصاحف أهل المدينة. فهو هنا رجح رسمه دون صورة للهمزة اتباعا لرواية نافع عن مصاحف أهل المدينة، والذي يقتضيه كلامه السابق في طريقة الصحابة في كتابة القرآن أن يكون الرسم بالألف أولى وأحفظ لقراءة رويس. ومما يؤخذ على المؤلف ما ذكره عند قوله: سبع سموت (¬1)، قال: «فإنهم أثبتوا الألف بعد الواو خاصة هنا لك [فصلت] وحذفوها قبلها» متبعا في ذلك أبا عمرو الداني. والذي يظهر من كلام علم الدين السخاوي أن: سموت (¬2) يجري فيها ما يجري في مثيلاتها، وما يجري في الجمع المؤنث ذي الألفين. قال السخاوي: «وهذا الذي ذكره أبو عمرو الداني فيه نظر، فإني كشفت المصاحف القديمة، التي يوثق برسمها، وتشهد الحال بصرف العناية إليها، فإذا هم قد حذفوا فيها الألفين من: سموت في فصلت كسائر السور، وكذلك رأيتها في المصحف الشامي». ثم قال: «فهذا يحتاج إلى تثبت ونظر، ولا ينبغي أن يحكم على البت بأن الألف ثابتة، في سورة السجدة بإجماع». ¬

_ (¬1) من الآية 28 البقرة. (¬2) من الآية 11 فصلت.

ومن الحروف التي سكت عنها أبو داود قوله تعالى: بصائر، ولم يذكر من مواضعه إلا موضع الجاثية (الآية 19)، وسكت عن موضع الأنعام (105)، والأعراف (203)، والإسراء (102)، والقصص (43)، وجرى العمل بالحذف بما نص عليه المؤلف وإثبات ما عداه، والله أعلم. ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: كاذبة- خافضة في سورة الواقعة (¬1)، ونصّ على موضعه الثاني في قوله: كذبة خاطئة في سورة العلق (¬2) بالحذف، ولم يأت فيه ما يشعر بالتعميم، وجرى العمل عند أهل المشرق بالإثبات في الأول والحذف في الثاني، وعمّم أهل المغرب الحذف فيهما جمعا للنظائر، ولنص صاحب «المنصف» على الحذف فيهما ورجحه ابن القاضي، فقال: «العمل بالإثبات، وحذفه أولى للنص والنظائر». ومن الحروف التي سكت عنها المؤلف قوله تعالى: ولا كذّابا (¬3) لم يتعرض له المؤلف لا بحذف ولا إثبات. ونسب الخراز الحذف إلى أبي داود في «مورده»، فراجعت جميع النسخ المخطوطة، فلم أجد أن أبا داود تعرض له لا بحذف ولا إثبات، وقد لاحظ الشيخ الإمام أبو عبد الله الصنهاجي على الخراز الملحظ نفسه في قوله تعالى: ولا كذّابا، فقال: «وقد طالعت نسخا من «التنزيل» ومن: «مختصر التنزيل»، فما رأيت أبا داود تعرض لذكر الأول ولا الأخير لا بحذف ولا بإثبات، فذكرت ذلك مرة ¬

_ (¬1) من الآية 2، 3 الواقعة. (¬2) من الآية 17 العلق. (¬3) من الآية 35 النبأ.

للناظم رحمه الله بمنزله في مدة سكناه بالبلد الجديد، فأخرج مبيضات وأوراقا كثيرة كان بيّض فيها ما نظمه في هذا النظم، فلم يجد فيها: «كذابا» فتعجب من ذلك، فقال لي: وهو صادق في قوله: «ما نظمت شيئا حتى رأيته وتحققته ووعدني بالبحث فيه، والنظر فيما راجعته فيه حتّى مات رحمه الله» (¬1). ومن الحروف التي سكت عنها أبو داود قول الله عز وجل: في المجلس (¬2) في سورة المجادلة، وقراءة عاصم بإثبات الألف على الجمع، وقراءة غيره بحذف الألف على الإفراد يوجب أن تكون محذوفة الألف جمعا للقراءتين برسم واحد. ونص على الحذف الشيخ الضباع وعزاه إلى الشيخين، ولم أقف عليه لا في «المقنع» ولا في «التنزيل». والله أعلم، والموفق والهادي إلى سواء السبيل. ¬

_ (¬1) التبيان في شرح مورد الظمآن 122. (¬2) من الآية 11 المجادلة.

وصف النسخ الخطية لكتاب"مختصر التبيين لهجاء التنزيل"

وصف النسخ الخطية لكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» (¬1) بعد البحث الدءوب ظفرت بست نسخ من هذا المخطوط «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» - بفضل الله- في غاية الأهمية والصحة من جملة ثماني نسخ فيما أعلم، والسابعة والثامنة ناقصتان، الفائدة منهما محدودة، ولم أوفق إلى الحصول على صورة منهما. إحداهما قطعة فقط تبدأ من قوله تعالى: في الكتب مريم من سورة مريم إلى آخر سورة: «قريش». وثانيتهما: سقط منها جزء كبير من بدايتها مقداره ثلاثة أحزاب وربع فتبدأ من قوله: «ذكر رسم امرأت بالتاء». فالنسختان ناقصتان، وتنتفي الحاجة إليهما بوجود ست نسخ كاملة صحيحة، ومقروءة على مؤلفها من قبل أحد تلاميذه، فجاء في أولها: «قال إبراهيم بن سهيل العبدري، قرأت على الفقيه المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح في سنة تسع وستين وأربعمائة، قلت له: قلت رضي الله عنك ... الحمد لله فاطر السّموت والأرض .... وفيما يلي وصف للنسخ المخطوطة للكتاب: ¬

_ (¬1) انظر: فهرس الخزانة الحسنية 6/ 62، 63.

* النسخة (أ) من"مختصر التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين"

* النسخة (أ) من «مختصر التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين (¬1)»: تحمل رقم 40 مجموع 1 محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط ضمن مجموع من ص 1 إلى ص 235، يتلوها كتاب أصول الضبط للمؤلف أبي داود إلى ص 278 وهو آخرها، عدد سطورها 27 سطرا. وهي مكتوبة بخط مغربي حسن بمداد أسود وأحمر، وتسفير مغربي بالجلد، وكتبت أسماء السور والعناوين بخط بارز كبير. وهي مبتورة الأول نحو الصفحة والنصف تبتدئ هكذا: «وهما أيضا على خوف النسيان على ناسخ القرآن» وهذا إقحام ليس محله هنا وهو سطران، فيكون الصواب أن تبتدئ بقوله: «وكذلك رغبوا أن أجعل لهم في آخره أصولا من الضبط». ونهايتها: «خاتمة القرآن ورأس الستين جزءا والحمد لله رب العالمين، يتلوه باب أصول الضبط وكيفيته». وفي آخر كتاب أصول الضبط: «فهذا ما اختصرنا ذكره على حسب توفيق الله تعالى، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم أفضل التسليم». اسم الناسخ: محمد بن عبد الله بن علي بن أحمد بن موسى العبادي البوعزيزي نسبا اليربوي أصلا. وكان الفراغ من نسخها عشية يوم الأحد 12 من المحرم عام 1084 هـ. وهذه النسخة مقروءة ومقابلة بأصل، يدل على ذلك ما ورد في حواشي هذه النسخة من إضافات لبعض الكلمات التي سقطت، ووضعت عليها ¬

_ (¬1) انظر: فهارس الخزانة الحسنية 6/ 62، 63.

* النسخة (ب) من"التنزيل"

علامة: «صح»، وهي كلمة مستعملة عند المقابلة بالأصل، وإثبات أن ما أضيف في حواشي النسخة هو من الأصل. وقد ختمت كل ورقة بالتعقيبات، وهي الكلمة التي تبتدئ بها الورقة التي تليها، وقد تتبعت هذه التعقيبات في أسفل الورقات فوجدتها مطردة؛ مما يدل على كمال النسخة وجودتها، وخلوها من النقص كما يلاحظ ذلك في هوامش التحقيق. وقد اعتمدت هذه النسخة أصلا لجودتها وحسن خطها وخلوها من الطمس والتحريف والسقط، ولأنها مقابلة على نسخة أخرى أقدم منها وأصح، وقد تكون نسخة المؤلف. ثم وجد فيها علامة التضبيب (س) التي حصل فيها وهم أو خطأ، وقد صححت تلك المواضع وعليها علامة «صح»، ثم إنها مقروءة على المؤلف ورواها أحد تلاميذه. ورمزت لها بالرمز: (أ) اختصارا من: «الأصل». * النسخة (ب) من «التنزيل»: تحمل رقم 808 المحفوظة في الخزانة الحسنية (¬1) بالرباط، عدد أوراقها 170 ورقة بما في ذلك كتاب أصول الضبط، منها 148 ورقة تضم «التنزيل» وفي كل صفحة 23 سطرا، وهي نسخة عتيقة بخط أندلسي واضح ممتاز، ورمزت لها بالرمز (ب). أولها: بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم. «قال إبراهيم بن سهيل ابن محمد العبدري- رحمه الله-: قرأت على الفقيه المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح الأموي في سنة تسع وستين وأربعمائة، قلت له ¬

_ (¬1) انظر: فهرس الخزانة الحسنية 1/ 21، وفهارس الخزانة الحسنية 6/ 62، 63.

رضي الله عنه؛ قال أبو داود سليمان بن أبي القاسم الأموى: الحمد لله فاطر السّموت .... إلا أن الأوراق التسع الأولى ضائعة وساقطة، وعوض ناسخها تلك الأوراق الناقصة بخط رديء جدا. وفي أعلى الورقة الأولى كتب: «ملك لله تعالى بيد عبده وأحوج عبيده إليه علي بن عبد الله السباعي العزوزي، كان الله له ولجميع المسلمين» وعلى هامش الورقة الأولى: «كتاب التنزيل» لأبي داود ثم شطب عليها، وكتب تحتها: «مختصر التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان لأبي داود سليمان بن نجاح». وهذه النسخة جيدة وضعت على هوامشها علامة الأجزاء والأحزاب والأرباع وعلامة أجزاء رمضان، وبعض الكلمات اليسيرة الساقطة ألحقت على هوامشها ووضعت عليها علامة: «صح» مما يدل على مقابلتها بالأصل الذي نسخت منه، وليس في هذه النسخة عيب ولا نقص إلا ما جاء في الأوراق الأولى التي عوضت بأوراق أخرى بخط رديء جدا، وما عداها فهي سليمة. وتخلو هذه النسخة من اسم الناسخ وتاريخ النسخ وجاء في آخرها: «خاتمة القرآن ورأس الستين جزءا، والحمد لله رب العالمين»، ثم ورد ذكر لعدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ونقطه ثم قال ناسخها: «تم كتاب التنزيل بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله

* النسخة (ج) من:"مختصر التبيين لهجاء التنزيل"

وسلم تسليما. ويتلوه كتاب أصول الضبط وكيفيته على جهة الاختصار بحمد الله تعالى، وحسبنا الله». إلا أن كتاب أصول الضبط ينقصه نحو الورقة الأخيرة وهي تتناول: «باب اللّام ألف المظفرة» كاملة. وجاء وصفها في فهرس الخزانة الحسنية ما نصه: «وهي عتيقة كتبت فيها عناوين السور بخط كوفي بمداد أصفر، وبرزت آيات القرآن بخط المصاحف الأندلسي، وبقية الكلام بخط أندلسي مجدول بديع سوى التسع الأوراق الأولى التي عوض بها البتر الموجود، في أصل النسخة، فإنها مكتوبة بخط رديء». ثم قال: تسفير مغربي بالجلد. وقال في أولها الشيخ محمد المنوني: «التنزيل في هجاء المصاحف، وهو مختصر لكتاب التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان». وقد اعتمدت هذه النسخة، ونسختها من أولها إلى آخرها، ثم ظهرت لي مميزات في نسخة «أ» فأعدت النسخ من جديد منها لأمور ذكرتها فيها. * النسخة (ج) من: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»: محفوظة في الخزانة الحسنية تحمل رقم 11930 ز (¬1)؛ حرف الزاي إشارة إلى مصدرها الذي جلبت منه وهو المكتبة الزيدانية كما ظهر ذلك في الختم الذي وضع مقابل أول سورة هود، بخط مغربي حسن بمداد بني، تسفير مغربي ¬

_ (¬1) انظر: فهارس الخزانة الحسنية 6/ 64.

بالجلد كاملة غير ناقصة. أولها: بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم: «قال إبراهيم بن سهل ابن محمد رحمه الله، قرأت على الفقيه المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح مولى المؤيد في سنة تسع وستين وأربعمائة، قلت له رضي الله عنك: قال أبو داود سليمان بن أبي القاسم الأموى: الحمد لله فاطر السموات والأرض. وآخرها: «خاتمة الكتاب ورأس الستين جزءا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما». يلي ذلك تقييد في عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ونقطه، ويتلو ذلك كتاب أصول الضبط، وكيفيته على جهة الاختصار، ومما جاء في نهايته: «فهذا ما اختصرنا ذكره على توفيق الله تعالى، كمل جميع الديوان بحمد الله وحسن عونه وتأييده ونصره، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، انتهى وكفى والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. كمل جميع الكتاب ... ». ناسخها: عبد العزيز بن محمد بن سليمان الملالي، وكان الفراغ من كتبه ظهر يوم الثلاثاء في شهر جمادى خلت منه أربعة وعشرون يوما عام مائة وألف ... ). تضم هذه النسخة 179 ورقة، في كل صفحة 23 سطرا، فيها ورقة ضائعة بين ورقة 22 و 23 وبعض العناوين والآيات القرآنية بخط كبير. وعلى هوامشها بعض الأبيات من نظم «مورد الظمآن» للخراز، إلا أن خطها في بعض الصفحات القليلة فيه إدماج مما يتعسر تبيّنه، وألحق

بعض السقط على الهوامش عليه علامة: «صح» أو «أصل». وقد اعتمدتها في المقابلة وأشرت لها بالرمز «ج». وهذه النسخة قد قوبلت على نسخة الأصل المتقدمة، أو على نسخة قوبلت عليها نسخة الأصل لأمور منها أن أغلب الأخطاء والسقط تشترك فيه مع «ب» مما ستراه واضحا في هوامش التحقيق. وأغلب الظن أن إحداهما نقلت من الأخرى، ويبدو لي أن الراجح أن (ج) منسوخة من (ب) لأن السقط الذي في (ب) هو نفسه في (ج) وأن (ب) وصفت بأنها عتيقة، فيلزم منه أن (ب) متقدمة على (ج). وتضم خزانة القرويين نسختين من: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» لأبي داود سليمان بن نجاح. إحداهما عنون لها محمد العابد الفاسي بقوله: *- «تأليف في رسم الهجاء الواقع في القرآن»: وذلك بسبب النقص الكبير الحاصل في أوراقها الأولى، وهي ذات الرقم 830/ 1. والثانية عنون لها بقوله: *- «التنزيل في هجاء المصاحف ورسمها» وهي ذات الرقم 226/ 1. ثم لما نظر في النسختين ورأى ما بينهما من توافق، قال: «وقد تحقق الآن أن الكتابين 830/ 1 و 880/ 1 معا لأبي داود سليمان بن نجاح»، (¬1) وقد ظفرت بهما. ¬

_ (¬1) انظر فهرس القرويين 1/ 232، 2/ 500.

وسيأتي الوصف كاملا لكل نسخة. وجاء في فهرس مخطوط لخزانة القرويين ما يلي: «مجموع ضم أوله كتابا لأبي داود في الرسم (¬1)». ولعله إحدى النسختين التي تقدمت أو هي نسخة: (ق) التي سيأتي وصفها. *- نسخة من مختصر: «التبيين لهجاء التنزيل» محفوظة في خزانة القرويين تحمل رقم 830 مجموع 1. سماها محمد العابد الفاسي: «تأليف في رسم الهجاء الواقع في القرآن» وذلك لبتر وقع في أوله. ينقصه من الأول إلى قوله تعالى: أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رّحيم رأس الآية 216 البقرة وبالذات تبدأ بقوله: «ذكر رسم امرأت بالتاء». يقع في جزء متوسط ضمن مجموع من ورقة 1 أإلى 40 أمع تلاش في بعض أوراقه الأولى، وكتابة الآيات بقلم غليظ. أوله: «ذكر رسم امرأت». ونهايته: «خاتمة القرآن، ورأس الستين جزءا والحمد لله رب العالمين». قال ناسخها: «ويتلوه باب أصول الضبط وكيفيته». وهي تقع في ورقتين بخط مغربي جميل ضمن مجموع من ورقة 40 ب إلى 41 ب وباقيه سقط (¬2). ¬

_ (¬1) فهرس المخطوطات بجامع القرويين ورقة 4 رقم 114 مخطوط. (¬2) فهرس مخطوطات خزانة القرويين 2/ 500 رقم 830/ 1.

* النسخة (ق) من:"مختصر التبيين لهجاء التنزيل"

ولم أتمكن من الحصول على هذه النسخة، مع أنني وفقت في الحصول على نسخة (ق) من الخزانة نفسها. وهذا القدر الذي ذكره محمد العابد الفاسي وحدده بأربعين ورقة لا يمكن بحال أن يتسع له الجزء الذي يستغرقه من قوله «ذكر رسم امرأت» إلى آخر القرآن، ولا بد أن يكون حصل فيها نقص كبير، فالأربعون ورقة لا تتسع إلا للنصف المذكور، وأيا ما كانت الحال يحتاج الأمر إلى الوقوف على النسخة المخطوطة ودراستها. * النسخة (ق) من: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»: محفوظة في خزانة القرويين تحمل رقم 226 مجموع 1 جاء عنوانها في الفهرس «التنزيل في هجاء المصاحف ورسمها». تقع ضمن مجموع من ورقة 1 إلى ورقة 81 ب بخط مغربي جميل مع بعض الألوان وبأطراف الأوراق تسويس. أولها: الحمد لله فاطر السّموت والأرض. يوجد بين الورقة الثانية التي في أول سورة الفاتحة، وبين الورقة الموالية لها بتر ونقص كبير، ومقداره يتناول قوله تعالى: ملك يوم الدّين إلى قوله: الحقّ من رّبّك. الآيات القرآنية والعناوين كتبت بخط بارز كبير، وفيها بعض الصفحات غير واضحة. وألحقت على هوامشها بعض الكلمات والعبارات الساقطة. وخاتمتها: «خاتمة الكتاب ورأس الستين جزءا والحمد لله رب العالمين»، ويليها تقييد في عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ونقطه، وقع

الفراغ من نسخها ضحوة يوم الأحد الثامن عشر من جمادى الآخرة عام خمسة وعشرين وألف. ناسخها: عبد العلي بن علي الأقاوي نسبا المراكشي منشأ ودارا ثم قال: «كتبناه لصاحبنا السيد الأجل الأكمل الفقيه سيدي أحمد بن محمد الرحماني». ويتلو ذلك كتاب «أصول الضبط وكيفيته على جهة الاختصار»، ورقتان ضمن مجموع من ورقة 82 إلى ورقة 83، والباقي ساقط، بخط مغربي، عارية من تاريخ النسخ، عدد سطورها ثلاثون، وكتب على ظهر الورقة الأولى نص عقد البيع؛ حيث إن الفقيه المذكور أحمد بن محمد الرحماني اشترى هذا المجموع المشتمل على: كتاب «التنزيل في الرسم» لأبي داود و «المقنع» لأبي عمرو، و «شرح الجعبري على العقيلة» بثمن قدره ستون أوقية فلوسا، وقبض البائع جميع الثمن معاينة، إلى أن قال: عام 1062 هـ. ويليه عقد آخر للبيع، بعض الكلمات غير واضحة، وهو متأخر عن العقد الأول وعليهما توقيعات. وتخلو هذه النسخة من عنوان الكتاب إلا ما جاء في عقد البيع. وقد جعلت هذه النسخة في المرتبة الرابعة في المقابلة، وأشرت لها بالرمز «ق» اختصارا للقرويين، ويبدو لي- كما يظهر من هوامش التحقيق- أن (ج، ق، ب) ترجع إلى أصل واحد على أغلب الظن، ولذلك لم أستبعدها، وأشرت إلى الفروق في الهوامش.

* النسخة (م) من:"التنزيل"

* النسخة (م) من: «التنزيل»: تحمل رقم 8945 محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط بالمغرب تضم 127 ورقة في 34 سطرا بالتقريب، وألحق بها كتاب «بيان ما اصطلح عليه الصدر من التابعين مع من تأخر موته من الصحابة الباقين على تقييد كتاب رب العالمين». تضم حوالي 57 ورقة، فيصير المجموع 184 ورقة. أول النسخة: «قال إبراهيم بن سهيل بن محمد العبدري، رحمه الله: قرأت على الفقيه المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح مولى المؤيد في سنة تسع وستين وأربعمائة قلت له رضي الله عنك: قال أبو داود سليمان بن أبي القاسم الأموي: الحمد لله فاطر السّموت ... ». قال أبو داود: «فهذا ما اختصرنا ذكره على حسب توفيق الله إيانا». ثم قال: «والسائل لنا تأليفه أخي أبا [؟] محمد بن شرباط» إلى أن قال: «ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على مولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما». وتخلو هذه النسخة من تاريخ التأليف واسم الناسخ وتاريخ النسخ. وقد كتبت بخط مغربي معتاد مقروء. ودوّن عند رأس كل سورة على الهامش في سطور عمودية عدد كلمات السورة وحروفها ونظيرتها، وشيء من فضائلها. وعلى هوامشها علامة الأثمان والأرباع، وبعض التعليقات. إن هذه النسخة (م) ذات وجهين: الأول: تعد نسخة كاملة من «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»؛ لأن

مختصرها لم يتصرف فيها ولم يحذف من كلام أبي داود شيئا يذكر، اللهم إلا أنه حذف الآيات القرآنية، واكتفى بذكر الكلمات التي هي رأس آية فقط، وأضاف لها بعض الكلام من «محكم» أبي عمرو الداني، وفصولا من «كتاب في عد آي القرآن» لأبي العباس أحمد بن قاسم بن عيسى (ت 410 هـ)، فهذه النسخة لا تزال نسخة كاملة من «مختصر التبيين» ومن هذه الجهة يصح نسبتها إلى أبي داود، لأنها حفظت لنا كلامه دون أدنى تصرف. والثاني: لا تعدّ نسخة كاملة من «مختصر التبيين»، لأن مختصرها- غير معروف- أدخل عليها وأضاف لها كلاما من المحكم لأبي عمرو وكلاما لأبي العباس أحمد بن قاسم بن عيسى في عد الآي وحذف الآيات القرآنية، فمن هذه الجهة لا يصح نسبتها لأبي داود. جاء فيها ما يفيد أن مختصرها غير أبي داود؛ من ذلك مثلا جاء فيها: «انتهى كلام أبي داود». وجاء فيها: «ثم أرجع إلى كلام الشيخ أبي داود رحمه الله». وقال صاحبها: «لأن هذا ما أردنا به إلا الاختصار، ونرجع الآن إلى كلام أبي داود رحمه الله». فهذا يقطع أن هذه النسخة لم تكن من تأليف أبي داود من جهة تصرف الناسخ بإدخال كلام غيره فيه. لهذا السبب لم استبعدها، ولم أساوها بالنسخ الأخرى ولم ألتزم بها في كل الحالات، وإنما رجعت إليها، وأثبت منها ما سقط من النسخ الأخرى، وهو نادر جدا، ولم أهملها بل قابلت بها جميع الكتب للتوثيق والتأكيد، وأشرت لها بحرف الميم.

وهذه النسخة جيدة ومصححة، ومن المحتمل جدا أن تكون هذه نسخة ابن عاشر المحقق في علم الرسم. قال ابن عاشر: وقد وجدت بطرة مكتوبة على المحل الثاني من «التنزيل» ما نصه: «قال في كتابه المسمى بالتبيين المختصر هذا منه، يخادعون الله وهو خدعهم بحذف ألفيهما» (¬1). وهذا النص هو بنفسه الموجود على الهامش في نسخة (م) ومن أدل الأدلة على أن مختصرها غير أبي داود أن صاحبها بين في أوائل السور مذاهب علماء العدد، وذكر السور المدنية والمكية المختلف فيها، بينما يصرح أبو داود بأنه يعتمد على ذكر المدني الأخير، ويضرب عن السور المختلف فيها، فيخليها من ذكر المكي أو المدني، وهذا واضح ملموس في جميع النسخ ما عدا هذه النسخة، مما يدل على أن مختصرها غير أبي داود، ولعل شيخ ابن عاشر القصار يعني هذه النسخة عند ما قال: «ولم أتحقق أن اختصار التنزيل من صنعه» وقد تقدم بيان ذلك عند الحديث على تحقيق العنوان وإثبات نسبة الكتاب لمؤلفه. بيان ذلك عند الحديث على تحقيق العنوان وإثبات نسبة الكتاب لمؤلفه. *- قطعة من التنزيل في الظاهرية رقم 340 (51 قراءات) وهي تتناول الجزء الثاني منه، مبتورة الأول والأخير، تبتدئ بقوله تعالى: واذكر في الكتاب مريم وهو رأس الخمس الثاني، وتنتهي بقوله: وءامنهم مّن خوف آخر سورة قريش، جاء اسمها في فهرس الظاهرية: «كتاب في القراءات ورسم المصاحف»، وصفها الدكتور عزة حسن بقوله: «نسخة قديمة خرم أولها وآخرها». ¬

_ (¬1) انظر: فتح المنان ورقة 33.

وطريقته أن يأتي بخمس آيات من القرآن الكريم، ويتكلم على ما فيها من القراءات، وما يتعلق برسم المصاحف، ثم يأتي بخمس آيات ويتكلم عليها، وهكذا إلى آخر التنزيل». ثم قال: «الخط مغربي، قريب من الجيد مشكول بالحمرة والسواد، والهمزات والتشديدات منقوطة بالخضرة، أسماء السور مكتوبة بخط أكبر، وبين آيات القرآن الكريم وكلام المؤلف دوائر كبيرة فاصلة. تضم 110 ورقة في 19 سطرا. إن ما حصل من نقص، في الأول والأخير، هو الذي جعل الدكتور عزة حسن يسميها: «بكتاب في القراءات ورسم المصاحف»، وقد أخذ ذلك من قراءته في موضوع المخطوطة، لأنها فعلا تتعرض للقراءة والرسم. والحقيقة أنها قطعة من كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»، لأن وصف طريقة مؤلفها في الشرح لا ينطبق إلا على مختصر التبيين لأبي داود، فهو الذي انفرد بهذا المنهج، فقسم كتابه في هجاء المصاحف إلى خمس آيات خمس آيات ثم يذكر ما فيها من هجاء ورسم وقراءات، ولا أعلم أن أحدا شاركه في هذه الطريقة، وحينئذ أكاد أجزم أن هذه القطعة هي الجزء الأخير من كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» ولقد حاولت تصويرها ولم أتمكن، وفي الحين نفسه صورت نسخة كاملة جيدة من الظاهرية، وهي التي تحمل رمز: هـ. (¬1) ¬

_ (¬1) انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية 123، 124.

* النسخة (هـ) من:"مختصر التبيين لهجاء التنزيل"

* النسخة (هـ) من: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل»: محفوظة في دار الكتب الظاهرية تحمل رقم 5964 بعنوان: «التنزيل في هجاء المصاحف» بخط حديث مخالف لخط المخطوطة، وهي تتكون من جزءين: الكتاب الأول منهما يتناول النصف الأول من القرآن، وينتهي بآخر سورة الكهف، وفي آخرها: «كمل الكتاب الأول من كتاب التنزيل تأليف أبي داود سليمان بن نجاح». ناسخها محمد السعيد بن عبد الرحمن المعروف بابن العربي، بتاريخ يوم الأحد 18 شعبان سنة 1178 هـ. قال الناسخ: نسخة لسيدي بن علي بن يحيى الشريفي الدجنوني. نسخة جيدة، فيها آثار رطوبة في أطراف الأوراق بخط مغربي مقروء واضح، لا طمس فيه ولا نقص. آيات القرآن مكتوبة بخط أكبر، مشكول بالحمرة، وفيها علامات نقط بالخضرة والصفرة، أسماء السور والأبواب مكتوبة بالحمرة، وبخط أكبر، وأحيانا بالخضرة، وعلى هوامشها علامة الأجزاء، والأحزاب، والأرباع، والأثمان، وألحق ما سقط من المتن على الهامش. وعدد أوراقها من ورقة 1 إلى 152 ورقة، وسطورها 24 سطرا بالتقريب. والكتاب الثاني، وهو يتناول النصف الأخير من القرآن من سورة مريم إلى سورة الناس، وجاء في آخرها: «كمل الكتاب الثاني من كتاب التنزيل تأليف أبي داود سليمان بن نجاح». ناسخها: محمد بن القاسم بن محمد بن الطالب الجلميمي الساكن في قرية الإخليلي.

تاريخ الفراغ منها: يوم الجمعة في الثاني عشر من ذي الحجة عام 1224 هـ ويلي ذلك تقييد في وقوف القرآن. وعدد أوراقها تستغرق من ورقة 184 إلى 317 ورقة، بخط مغربي جيد مقروء وواضح. وسطورها ما بين 13 إلى 26 سطرا. وعلى هوامشها بعض ما سقط من المتن وعلامة الأحزاب والأثمان والأرباع، وبعض الدوائر مما يدل على مقابلتها. وقد ظفرت بنسخة منها مصورة بعد ما أوشكت على الانتهاء. ولما نظرت فيها، وفي جودتها عزّ عليّ أن أستبعدها، فأعدت المقابلة بها لأنها جيدة جدا لانعدام النقص والتصحيف فيها، وأشرت إليها بالرمز (هـ). ويلاحظ أنها تختلف عن باقي النسخ في بعض الترتيب والتنظيم؛ حيث إنه إذا كانت الآية يستغرق هجاؤها كلاما كثيرا، يكتفي بالآية والآيتين عن الخمس الآيات، وهذا ملاحظ في جميع النسخ في أول البقرة إلا أنها استمرت على ذلك أكثر من غيرها. ويلاحظ أنها خلت من قوله: «ثم قال تعالى» عند بداية الكلام على الخمس أو الآيات، ثم إنها كذلك تخلو من قوله: «إلى قوله» مخالفة بذلك باقي جميع النسخ، فتكتب الآيات كاملة، ولم يكتف ناسخها بالاختصار بقوله: «إلى قوله» فتكون بذلك متضمنة وشاملة لجميع القرآن فتشتمل على مصحف كامل، وجاءت الإشارة في نص التمليك في أول الورقة تسميتها: «بالمصحف الشريف». وفي بدايتها أثبت ناسخها: «ثم قال تعالى» ثم خلت من ذلك فكنت

أشير إلى الناقص منها في الهامش، إلا أني لما رأيته مطردا اكتفيت بالتنبيه عليه هنا في الوصف، ولم أنبه عليه في الهوامش للتخفيف. وعلى هوامشها تصحيحات لما سقط من المتن. ونص التمليك: «الحمد لله، وصلى الله على محمد وآله، قد منّ الله عزّ وجلّ على عبده الخاطئ الضعيف محمد بن محمد المبارك الحسني الجزائري بهذا المصحف الشريف وقدره ثلاث مجيديات ليستوهبه ممن كانت تحت يدهم، فوهبوه له بشهادة الفاضل المحترم أخينا في الله سيدي الشيخ أعراب حفظه الله تعالى بمنه وكرمه». «شهد بذلك الحاج عمر نيث أبو علي البويحياوي». إن المحقق ابن عاشر وابن آجطا الشارحين للمورد كان «التنزيل» نصب أعينهما، ومن المصادر الرئيسة لشرحيهما، فكانا ينقلان منه، ويستشهدان به، ويقتبسان منه، ولم يكتفيا بمطالعة النسخة والنسختين، بل اطلعا على جلّ النسخ، وأثبتا بعض الفروق، وكل ما ذكراه وجدته كما ذكر في النسخ التي في حوزتي؛ مما يدل على جودة هذه النسخ، وزيادة الثقة الكاملة بها، والتوثيق منها. قال ابن آجطا: «ورأيته في أكثر النسخ من مختصر التنزيل» (¬1) وقال في موضع آخر: «وقد طالعت نسخا من التنزيل، ومن مختصر التنزيل، فما رأيت أبا داود تعرض لذكر الأول ولا الأخير بحذف ولا إثبات». ¬

_ (¬1) انظر: التبيان 101، فتح المنان 53.

ثم قال: «ولم أر هذا الذي نقل عن أبي داود في عدة مختصرات التنزيل» (¬1). وقال ابن عاشر: «وهكذا وجدته في عدة نسخ من مختصره» (¬2)، وقال في موضع آخر: «هكذا وجدته في ثلاث نسخ من ذيل التنزيل مظنون بها الصحة، إحداهن منتسخة من أصل أبي داود» (¬3). قال أبو إسحاق التجيبي: «وقد طالعت نسخا أربعا من مختصر التنزيل» (¬4). وكل ما ذكروه وجدته بنصه في النسخ التي في حوزتي، وكذا كل ما نفوه، فهو منفي في هذه النسخ، بل حتى إن الخلاف الذي ذكروه في الفروق بين النسخ موجود في النسخ التي قابلت بها، مما يعطي الثقة والاطمئنان والتوثيق لهذه النسخ. وأشار ابن عاشر إلى اختلاف النسخ عند قوله تعالى: الوحد القهّار (¬5) وهذا الاختلاف هو كذلك في النسخ التي اعتمدتها. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. ... ¬

_ (¬1) انظر: التبيان 123، فتح المنان 71. (¬2) انظر: فتح المنان ورقة 40. (¬3) انظر: فتح المنان 93. (¬4) انظر: فتح المنان ورقة 95. (¬5) انظر: الآية 39 يوسف، فتح المنان 59.

نماذج من نسخ كتاب"مختصر التبيين" المعتمدة فى التحقيق

نماذج من نسخ كتاب «مختصر التبيين» المعتمدة فى التحقيق

صورة الورقة الأولى من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (أ)

صورة الورقة الأخيرة من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (أ)

صورة الورقة الأولى من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (ب)

صورة الورقة الأخيرة من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (ب)

صورة الورقة الأولى من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (ج)

صورة الورقة الأخيرة من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (ج)

صورة الورقة الأولى من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (ق)

صورة الورقة الأخيرة من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (ق)

صورة الورقة الأولى من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (م)

صورة الورقة الأخيرة من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (م)

صورة الورقة الأولى من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (هـ)

صورة الورقة الأخيرة من مخطوط كتاب: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» المشار إليه في التحقيق ب: (هـ)

خاتمة البحث

خاتمة البحث نسأل الله حسن الخاتمة، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها .. أهم نتائج البحث وثمراته: أحمد الله وأشكره، وأستعينه، وأستغفره، وأومن به، وأتوكل عليه، وأثني عليه ثناء لا أحصيه، فهو المستحق للحمد بما أنعم وتفضل، ومن إنعامه وإفضاله أن وفقنا لإتمام هذا البحث وإنجازه، والفضل لله وحده ثم لمؤلفه رحمه الله. وليس لي في هذه الرسالة إلا الجمع والترتيب والاستنتاج وإحياء هذا العلم الذي قل أهله وكاد يندرس. وبعد هذا الجهد المتواضع أستطيع أن أضع عددا من النتائج والثمرات، فإن وفقت فبتوفيق الله وتسديده، وإن كانت الأخرى فحسبي أنني بذلت وسعي، واجتهدت وما قصرت، وأستغفر الله من الزلل والخطأ. من ثمرات هذا البحث بيان الحالة السياسية والاجتماعية التي عاش في ظلها الإمام أبو داود سليمان بن نجاح، فبينت الحياة العلمية والنشاط الفكري في بلاد الأندلس عموما، ومدينة دانية وبلنسية موطن أبي داود خصوصا، ولم أجار في هذا غيري تجنبا للتكرار ومنعا للتقليد والمحاكاة. ثم بينت شغف طائفة من علماء الأندلس برسم المصاحف وإعرابها بالنقط والشكل. بل ثبت لديّ أن بعض نساء أهل الأندلس لم يعد من هذه الصنعة، فتفوقن في رسم المصاحف وإعرابها بالنقط والشكل.

لا أعرف أحدا درس حياة المؤلف أبي داود سليمان بن نجاح ومكانته العلمية وآثاره، فكان جديرا بالتعريف به وبمؤلفاته، ومدى اهتمام العلماء به، وبكتابه «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» فالسكوت المطبق ضرب عليه وعلى مؤلفاته. وإن من نتائج هذا البحث أن أبرزت كثيرا من جوانب هذا الإمام، وحسب علمي واطلاعي أن الإمام أبا داود لا يقل أهمية عن أبي عمرو الداني، ومكي بن أبي طالب، إن لم يكن متفوقا عليهما بشهادة علماء أجلاء كما وضحته في موضعه، بل إنه في كتابه هذا، وفي موضوعه يبدو لي جليا أنه مقدم عليهما، إذ عارض شيخه الداني، وأعلن مخالفته له في كثير من المواضع كما بيّنته في هذه الرسالة. ثم كشفت عن بعض مؤلفات أبي داود التي لم تعرف عند الناس ولم تذكرها المصادر والمراجع، فذكرت ما أورده الذهبي، وأضفت إليه ما وفقني الله تعالى لمعرفته والوقوف عليه من خلال الاستقراء، وتتبع النقول والإحالات. فتعد هذه الدراسة بكرا، فلله الحمد والمنة. ومن ثمرات هذا البحث- بعون الله وتوفيقه- أنني استطعت أن أحقق إثبات اسم الكتاب، وإثبات نسبة الاختصار إليه بعد جهد مضن. ورفعت الوهم الذي كان يمكن أن يقع فيه من لم يتبين موضوع الكتاب، ويعش معه زمانا طويلا، وبينت أن الاختصار الذي وسم به يختلف عن الاختصار المعروف عند الناس، وأن المراد به فصل هجاء المصاحف عما تضمنه الكتاب الكبير المسمّى ب «التبيين لهجاء التنزيل».

فالكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» موسوعة علمية مطولة في هجاء المصاحف، وإعرابها بالنقط، وكيفية ذلك. فالمؤلف غفر الله لنا وله لم يحذف من مسائل الرّسم شيئا البتة بل جاء فيه التكرار والاستيعاب. وظهر لي أن كتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» أحد أركان هذا العلم، بل هو الركن الأول الذي جرى عليه رسم المصاحف وإعرابها بالنقط، فاعتمد عليه نساخ المصاحف، واللجان العلمية لمراجعة المصاحف، وتصحيحها، ورجحوه على بقية الكتب، واعتمدوه كما هو مدون في التعريف في خاتمة المصاحف، وأنه احتوى على هجاء جميع مصاحف الأمصار: المصحف الإمام، والمصحف المدني، والمصحف المكي، والمصحف الشامي، والمصحف البصري، والمصحف الكوفي، فعلى جميع الرسوم اشتمل. ومن نتائج هذا البحث وثمراته، أنني بينت كيف ظهر علم هجاء المصاحف علما مستقلا، فتناولت نشأته وتطور التأليف فيه، وبينت المراحل التي مرّ بها، وهي: المصاحف ثم الرواية ثم التدوين. ثم تعرضت لأقوال العلماء في وجوب اتباع الرسم العثماني وبينت الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كل من نادى بتغيير الرسم العثماني إلى الرسم القياسي، وهو خطأ استوجبه جهلهم بالصلة الواضحة بين الرسم القرآني وبين قراءات القرآن وأصواته وأدائه. ثم حاولت بيان فصاحة الرسم وبلاغته، في بعض الحروف التي ظهر

لي فيها ذلك جليا، وهو مبحث نفيس، ولا أزال أتتبع ذلك إلى أن يكتمل إن شاء الله. ودحضت بعض شبهات المتأخرين في مناداتهم بالرسم القياسي، وهي مبنية على جهل بعلاقته التي لا تنفصم عن القراءات وأصواتها وجهل بعلاقته التي لا تنفصم عن اللغة العربية وخصائصها. وثبت لديّ أن الرسم العثماني ليس غريبا على لغة العرب، فكما أن الرسم العثماني اشتمل على حروف زائدة، فكذلك اللغة العربية اشتملت على حروف زائدة. وكما أن الرسم العثماني اشتمل على حروف محذوفة، فكذلك اللغة العربية اشتملت على حروف محذوفة. فوافق الرسم العثماني لغة العرب، وطابق فصاحة القرآن الكريم وبلاغته، بل ظهر لي في بعض الحروف أنه أفصح وأبلغ، كما بينته في موضعه. وحينئذ، لا وجه للعجب والاستغراب، ولا جفوة ولا قطيعة بين الرسم واللغة العربية. ومن أهم نتائج هذا البحث وثمراته بيان أن هذه التجزئة والأحزاب في المصاحف وضعت في غير مواضعها، وأن القطع عليها غير تام، وليست بمحل للقطع، وأن هذه التجزئة بالحروف محدثة، وأن التقدير بالآيات والسور أحسن وأولى، وأن يكون برعاية تمام المعنى وكمال القصة أتم وأكمل، وأن ختم القرآن على نمط تجزئة الحروف في ليلة السابع والعشرين من رمضان، ليوافق ليلة القدر، كما درج عليه أهل المغرب والأندلس لا يوافق السنة.

ومن ثمرات هذا البحث أنني ناقشت ما جرى به العمل في رسم بعض الحروف في بعض المصاحف، وهي مخالفة لأئمة هذا العلم، والمتقدمين منهم، فلا ينبغي إثبات الألف فيها رعاية للقراءة. وبينت فساد التقسيم الذي وضعه المتأخرون في رسم مصاحف أهل المغرب، ومصاحف أهل المشرق، فهذا التقسيم يجب أن يمحى ويزول العمل به، إلا إذا ثبت أصل الخلاف في مصاحف الأمصار ولم يتبين وجه الترجيح، ولم تظهر فائدته، فهذا لا بأس به. ومن ثمرات هذا البحث ونتائجه، أنني أبرزت بعض الحروف التي سكت عنها المؤلف، وبينت وجهة نظري فيه مدعومة بأدلة ونصوص يجب إلحاقها بنظائرها. ولم يكن سكوت المؤلف عنها إلا من قبيل السهو والنسيان، فجل وعلا من لا يسهو، فلا ينبغي استثناؤها لأبي داود لمجرد سكوته عنها. فاستدركت حروفا كثيرة على لجان تصحيح المصاحف، قلّدوا فيها غيرهم، ولم يرجعوا فيها إلى كتب الفن، فوقعوا فيما وقع فيه غيرهم. إن مصادر هذا الفن كلها أو معظمها، لا تزال مخطوطة، فكان من ثمرات هذا البحث أنني أخرجت كتابا منها، بل أخرجت كتابا من أوثقها وأوسعها وأجمعها. إلى جانب ذلك ذكرت بعض المخطوطات التي استعملتها مصادر ومراجع لهذا الفن، والتي لم تعرف، ولم يكتب لها الذيوع والانتشار، وبخاصة لدى علماء المشرق.

ومن ثمرات هذا البحث أنني أكملت العمل الذي كنت بدأت به في رسالتي الأولى: «تحقيق ودراسة لكتاب الطراز في شرح ضبط الخرّاز» للإمام التنسي، والذي كان موضوعه إعراب المصحف بالنقط والشكل، وهو ما أضافه التابعون على رسم الصحابة رضي الله عنهم. فكانت هذه الرسالة تكمل الأولى، فتناولت فيها رسم الصحابة، وحينئذ يكتمل موضوع كتابة المصاحف من حيث رسم حروفه وهجاؤه، ومن حيث إعرابه بالنقط والشكل وكيفية ذلك. وكلا الكتابين اعتمد عليه نساخ المصاحف، والحمد لله على التمام والكمال. ***

نصائح وتوجيهات

نصائح وتوجيهات لاحظت وأنا بصدد هذا البحث ملاحظات على كتابة المصاحف في ثلاثة مجالات: الأول: ملاحظات علمية، وهذه فصلت الحديث عنها في مبحث ملاحظات على الكتاب، استدعى ذكرها المقام هناك (¬1). الثاني: ملاحظات شكلية، وهي ما يتعلق بالشكل والضبط. الثالث: ملاحظات فنية، وهي ما يتعلق بأوضاع الحروف وطريقة رسمها، وإليك طرفا منها. يجب العناية بكتابة المصحف بأحسن الخطوط وأوضحها وأبينها وأن تبين حروفه ولا تدمج، ولا تطمس الميمات وتدغم في اللامات، كما لاحظت ذلك في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: بالواد المقدس (¬2)، فتبين الميم وتفصل من اللام، ولا تدمج فيه؛ هكذا: بالواد المقدّس، ومنها قوله تعالى: ونمارق مصفوفة (¬3) فقد لاحظت أن النون معلقة فوق الميم المطموسة الدائرة، وقد سمعت وشاهدت في المسجد النبوي الشريف من يقرأ قوله تعالى: ونمارق وغارق، فالنون المعلقة على الميم المدغمة حسبها غينا، فبينت له ذلك، ولم يقتنع إلا بعد طول نظر، وحينئذ- والحالة هذه- يجب فصل الحروف بعضها عن بعض، ويجب رسم الميم دارة صغيرة دون طمس. ¬

_ (¬1) انظر: مبحث ملاحظات على الكتاب. (¬2) من الآية 16 النازعات. (¬3) من الآية 15 الغاشية.

ومنها قوله تعالى: وعدسها (¬1)، وقوله تعالى: كانوا أنفسهم (¬2) فحرف السين في هاتين الكلمتين وغيرهما جاء مرسوما بسنتين اثنتين، والواجب رسمه بثلاث سنات كما هو معروف في هجاء اللغة العربية، فيجب أن ترسم الحروف على هيئتها المعروفة في الهجاء، ولا يدخلها استحسان، لأن المبتدئ لا يعرف الميم إلا دارة، ولا يعرف السين إلا بثلاث سنات (¬3)، ويجب عند كتابة المصاحف وضع اعتبار المبتدئين وصغار المتعلمين لا المنتهين. ومما يجب أن يراعيه ناسخ المصحف أن يقرّب علامة الحركة والسكون من الحرف، لأن شأن العلامة أن تكون فوق المعلّم بها، وأن يدنيها من الحرف. وأخبرني من أثق به أنه وجد من يقرأ قوله تعالى: وأهديك (¬4) بمد الدال والياء الساكنة؛ لأن فتحة الياء وضعت بعيدة، فأوجب ذلك لهذا القارئ لحنا. وكذا لاحظت في قوله تعالى: قد جئتكم (¬5) أن الهمزة لم توضع فوق صورتها وهي الياء، وهذا غلط، فإنه ينبغي أن توضع الهمزة فوق صورتها الياء. ثم إن الهاء جاء رسمها في بعض المصاحف هكذا: فيها، ولكن المعروف في هجاء المصاحف أن ترسم هكذا: فيها، وكذلك الكاف ينبغي أن يكون على الشكل التالي: «كذلك»، ولا يلجأ إلى هذا الشكل: «ذلك». ¬

_ (¬1) من الآية 60 البقرة. (¬2) من الآية 8 الروم. (¬3) انظر: البداية والنهاية 10/ 202. (¬4) من الآية 19 النازعات. (¬5) من الآية 104 الأعراف.

ومما يجب أن يلاحظ أن ترسم الهمزة المكسورة في نحو قوله تعالى: متّكئين (¬1) تحت السطر دلالة على أنها مكسورة، ومناسبة لوضع الشفتين، ولا توضع فوق السطر إلا الهمزة المفتوحة والمضمومة. ومنها: أني لاحظت أن نقطة علامة الابتداء ونقطة علامة التسهيل، وضعتا متساويتين، والذي ينبغي أن تكون علامة التسهيل أكبر من علامة الابتداء للتفريق بين هذه وتلك، لأن علامة التسهيل تعبر عن حرف، وعلامة الابتداء تعبر عن حركة، والحرف أكبر من الحركة. ومنها أنه يجب أن تكون نقطة النون المعرقة فوق سنتها، ولا توضع فوق التعريق، لأن تعريق النون غير لازم لها فقد يحذف في بعض الأحوال، فيجب أن تكون النقطة فوق سنتها هكذا: «من». ومنها: يجب تقصير علامة الفتحة، ولا تطول طول الألف، لأنها فرع عن أصلها الألف، ليتميز الفرع عن الأصل، وحدّدها بعض العلماء بثلاث نقط متصلة. ومن الخطأ الواضح إبعاد علامة التنوين عن الحرف الذي يليه عند غير حروف الحلق، كما هو الحال في قوله عز وجل: لعبرة لّمن يخشى وشبهه، وهذا من الخطأ الشائع في مصاحف أهل المشرق يجب الرجوع عنه. ولتفادي بعض الأخطاء في الرسم والضبط في كتابة المصاحف أنصح وألتمس ممن لهم عناية بهذا الشأن أن يحققوا كتبا من الكتب الجامعة للرسم والضبط، وإن الحاجة لشديدة إلى مثل هذه الكتب المخطوطة، ¬

_ (¬1) من الآية 53 الرحمن.

ومن أجمعها وأوثقها، ولا يستغني عنها طالب هذا الفن هي: أولا- كتاب حلة الأعيان على عمدة البيان للحسين بن علي الرجراجي (ت 899 هـ)، «شرح فيه ما يتعلق بالضبط للخرّاز». ثانيا- كتاب تنبيه العطشان على مورد الظمآن للمؤلف نفسه الحسين بن علي الرجراجي «شرح فيه ما يتعلق بالرسم للخراز»، فلم أر كتابا أوسع وأشمل منهما. ثالثا- «التبيان في شرح مورد الظمآن» لأبي عبد الله الصنهاجي المعروف بابن آجطا. رابعا- نظم «الميمونة الفريدة» للإمام المقرئ أبي عبد الله محمد بن سليمان القيسي، في علم نقط المصاحف. خامسا- نظم: «الدرة الجلية» لميمون الفخار في علم نقط المصاحف وإعرابها بالشكل. وهذان الكتابان من أحسن الكتب حسب علمي، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. ***

فهرس محتويات الدراسة

فهرس محتويات الدراسة الموضوع رقم الصفحة شكر 3 مقدمة الدراسة 5 قسم الدراسة الباب الأول: في عصر المؤلف 21 الفصل الأول: عصر المؤلف 23 أولا: الحياة السياسية 25 ثانيا: الحياة العلمية والفكرية في عصر المؤلف 34 الفصل الثاني: حياة أبي داود 65 اسم المؤلف ونسبه 67 مولد المؤلف أبي داود 68 وفاة المؤلف أبي داود 69 أسرة المؤلف أبي داود 71 شيوخ المؤلف أبي داود 72 تلاميذ أبي داود 81 مؤلفات أبي داود 103 مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه 116

الباب الثاني: نشأة علم هجاء المصاحف وتطوره 125 الفصل الأول: ظهور علم هجاء المصاحف وتطور التأليف فيه 127 تعريف رسم المصحف العثماني 129 أنواع الخط العربي 132 نشأة علم الرسم العثماني 137 عدد المصاحف التي نسخها الخليفة عثمان رضي الله عنه 139 مصادر التأليف في الرسم العثماني 150 أولا: المصاحف 151 ثانيا: الرواية 157 ثالثا: الكتب المؤلفة في هجاء المصاحف 164 أقوال العلماء في وجوب اتباع الرسم العثماني 200 أولا: موقف السلف من الرسم العثماني 200 ثانيا: موقف الخلف من الرسم العثماني 202 مناقشة وتعقيب 207 من فصاحة الرسم وبلاغته 230 الفصل الثاني: دراسة الكتاب وتحليله وتقويمه 253 دراسة الكتاب وتحليله 255 إثبات اسم الكتاب الكبير الأصل 255 إثبات اسم الكتاب المختصر 258 إيهام يجب رفعه 261

سبب تأليفه: «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» 264 إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه 265 منهج المؤلف في تصنيف كتابه 271 مصادر المؤلف في كتابه 299 تقويم كتاب «مختصر التبيين» 318 أ- قيمته العلمية 318 ب- أثر «مختصر التبيين» في غيره 325 ج- مقارنة «مختصر التبيين» بغيره 328 د- الدراسة النقدية لكتاب «مختصر التبيين» 333 وصف النسخ الخطية لكتاب «مختصر التبيين لهجاء التنزيل» 364 نماذج من نسخ كتاب «مختصر التبيين» المعتمدة في التحقيق 383 خاتمة البحث 397 نصائح وتوجيهات 403 فهرس محتويات الدراسة 407

(تمّ الجزء الأول) ويتلوه الجزء الثاني، وأوله سورة الفاتحة

الجزء الثانى

[الجزء الثانى] مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم قال إبراهيم بن سهل (¬1) بن محمد العبدري (¬2) رحمه الله: قرأت على الفقيه المقرئ أبي داود سليمان بن نجاح، [مولى (¬3) المؤيد بالله (¬4)] في سنة تسع وستين وأربعمائة، قلت له: قلت (¬5) رضي الله عنك: قال أبو داود سليمان ابن أبي القاسم الأموي: الحمد لله (¬6) فاطر السموات والأرض (¬7) وما بينهما وما تحت الثرى (¬8)، وله الحمد في ¬

_ (¬1) في م: «سهيل» ومضبوطة بالشكل. (¬2) سقطت من: هـ، ويستفاد من السياق أنه تلميذ المؤلف رحمهما الله. ولم أقف على ترجمته، وفي ب: «بن محمد العبدوي». (¬3) يقال للمعتق مولى، وللمعتوق مولى، والمراد هنا المعتوق، لأن هشاما هو الذي أعتق نجاحا أبا سليمان بن نجاح. انظر: تنبيه العطشان ورقة 53. (¬4) المؤيد بالله: المنصور، والمقوى، والمعان، ومنه قوله تعالى: هو الذي أيدك بنصره من الآية 62 الأنفال، ولفظ الجلالة ساقط من: ج. والمراد به هنا هشام بن الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية رضي الله عنه، لما توفي الحكم المستنصر بالله سنة 366 هـ، بويع ولي عهده هشام الملقب بالمؤيد بالله، وهو يومئذ صبي يناهز عشر سنين، وكان طول مدة خلافته مغلوبا، لا يظهر ولا ينفذ له أمر، ثم قتل سنة 403 هـ. انظر: ترجمته: كتاب أعمال الأعلام لابن الخطيب 43، 44، بغية الملتمس للضبي 21، ما بين القوسين المعقوفين سقط من: هـ وفيه: «الأموي». (¬5) سقطت من: ب، ج. (¬6) من هنا بداية نسخة: ق. (¬7) مقتبس من أول سورة فاطر، وعليها طمس في: هـ. (¬8) مقتبس من الآية 6 سورة طه وبعضه عليه طمس في: هـ.

الأولى والآخرة (¬1)، وهو على كل شيء قدير (¬2) وصلى الله أولا وآخرا، على البشير النذير، السراج المنير، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (¬3)، وعلى جميع إخوانه، من النبيين، والمرسلين، وجميع ملائكة ربنا المقربين، وعلى (¬4) عباد الله الصالحين [من الجنة، والناس أجمعين (¬5)] ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [قال أبو داود- رضى الله عنه (¬6) -] سألني سائلون (¬7) من بلاد شتى أن أجرد (¬8) لهم (¬9) من كتابي المسمى ب: «التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه» (¬10) المجتمع (¬11) عليه، وعلى سائر النسخ (¬12)، بالزيادة في بعضها والنقصان من (¬13) بعضها، وأن أنبه (¬14) على ذلك كله، وأذكر لهم في أول (¬15) كل سورة، إن كانت ¬

_ (¬1) مقتبس من الآية 70 القصص وعلى بعضه طمس في: هـ. (¬2) مقتبس من نحو الآية 2 الحديد. (¬3) في هـ: «نبينا محمد وسلام عليه». (¬4) في هـ: «وعلى كل عباد الله». (¬5) مقتبس من الآية 13 السجدة. وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬6) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: هـ، ج، وجملة الترضية من كلام الناسخ. (¬7) في ب: «جماعة» من هؤلاء السائلين ما ذكره في أول كتابه، أصول الضبط فقال: «فجمعناه حسبما سألنا صاحبنا، ورفيقنا أبو محمد بن شرباط، وكتب إلينا في ذلك من «المرّيّة» ورغبنا في تأليفه» وقال في آخره: «والسائل لنا تأليفه أخي أبو محمد بن شرباط» انظر: أصول الضبط ورقة 131، 170. (¬8) في ب: «إلا أن أجرد» وفي ج، ق: «إلى أن أجرد» والأول تصحيف. (¬9) عليها طمس في ق: «لهم من». (¬10) تقدم التعريف به في الدراسة في ذكر مؤلفاته وسيذكره باسم: «الكتاب الكبير». (¬11) في ب: «المجموع» وهو تصحيف. (¬12) في هـ: «النسخ معه». (¬13) ألحقت في هامش: هـ، وسقطت من المتن. (¬14) في ق: «وأن أبينه». (¬15) في ب: «على» وهو تصحيف.

مكية، أو مدنية، (¬1) وعدد آي كل سورة، في أولها أيضا، دون سائر ما تضمنه الكتاب المذكور، من الأصول، والقراءات، والمعنى، والتفسير، والشرح والأحكام، والتبيين، والرد على الملحدين، والتقديم والتأخير، والوقف التام، والكافي والحسن، والناسخ والمنسوخ والغريب والمشكل، والحجج والتعليل، ليخف نسخه على من أراده (¬2)، ويسهل (¬3) نسخ المصحف منه (¬4)، لمن رغبه (¬5)، وإصلاح (¬6) ما قد حذف من هجائه (¬7) من سائر المصاحف (¬8) لمن رامه، وأسرد لهم القرآن فيه آية آية، وحرفا حرفا، من أوله إلى آخره، فيستغني به (¬9) من لا يحفظ القرآن من الناسخين للمصاحف (¬10)، والدارسين له من المريدين (¬11) والمتعلمين (¬12) عن مصحف ينظر فيه، ونجعله إماما [يقتدي به (¬13)] الجاهل، ويستعين ¬

_ (¬1) في ب: «تقديم وتأخير». (¬2) في ج: «أراد». (¬3) بياض في موضعها في: ج. (¬4) المراد بذلك أن يكتب المصحف على الهجاء الذي وصفه في كتابه هذا، حذفا وإثباتا، ووصلا وفصلا، لأنه جرد منه ما ذكر، وأبقى على الرسم. (¬5) وقع فيها تصحيف في ب. (¬6) في ب، ج، ق: «واصطلح» وفي م: «وأصلح» ولعله يريد: «وإلحاق» أو هي وتصحفت، وفي ب: «واصطلح على ما قد». (¬7) في هـ: «حذف هجاؤه». (¬8) في هـ: «المصحف». (¬9) غير واضحة في ب. (¬10) في هـ: «للمصحف، للمصاحف». (¬11) إجراؤها على ظاهرها اللغوي، ولا تصرف إلى اصطلاح الصوفية المحدث، وهي عندهم تعني أتباع الشيخ ومقلدوه. (¬12) في ج: «والمعلمين عن» وفي ب: «على» وما أثبت من: ج، ق، هـ. (¬13) عليه طمس في: ق.

به (¬1) الحافظ الماهر، ويزيل عنهم الالتباس (¬2) في الحروف، والكلم، والآي لكثرة تشابه الآي (¬3)، والكلم، وتكرار (¬4) القصص، رغبة منهم في اتباع الصحابة رضي الله عنهم، واقتفاء آثارهم، وامتثال ما اصطلحوا (¬5) عليه (¬6) من الهجاء قديما، مع ثناء (¬7) الله تعالى (¬8)، في كتابه على التابعين لهم مجملا بقوله تعالى (¬9): والذين اتّبعوهم باحسن رّضى الله عنهم ورضوا عنه (¬10) الآية، فعم تعالى ولم يخص (¬11)، وكذلك (¬12) ما رويناه (¬13) عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «اتبعوا السواد الأعظم ما أنا عليه ¬

_ (¬1) في ج، ق: «ويستغني» وهو تصحيف. (¬2) سقطت من: ب. (¬3) في هـ: «الآي فيه». (¬4) في هـ: «وتكرير». (¬5) تعبيره بالاصطلاح يشعر بأن الرسم العثماني اصطلح عليه الصحابة رضي الله عنهم كما تقدم في الدراسة، ولعله يشير إلى قول عثمان للرهط القرشيين «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش» يريد- والله أعلم- إذا اختلفتم في رسم لفظ من ألفاظ القرآن، فاكتبوه بالرسم الذي يوافق لغة قريش كما يدل على ذلك قصة اختلافهم، في كتابة لفظ «التابوت» فقال زيد: «التابوة»، وقال القرشيون: «التابوت» فترافعا فقال عثمان: اكتبوا: «التابوت» فإنما أنزل القرآن على لسان قريش» أخرجه البخاري والترمذي عن حذيفة. انظر: فتح الباري 9/ 20، جامع الأصول 2/ 305، المقنع للداني 24، البرهان 1/ 376. (¬6) سقطت من: هـ. (¬7) في ب: «سناء» وهو تصحيف. (¬8) سقطت من: ج. (¬9) لم تظهر في ب. (¬10) من الآية 100 التوبة. (¬11) في ب، ج: «تخص». (¬12) في هـ: «وكذا». (¬13) سقطت من: ب، هـ، وفي ج، ق: «أعني»، ولعل ما أثبت هو الصواب قياسا على الموضع الثاني.

وأصحابي (¬1)» فعم أيضا، ولم يخص، وكذلك (¬2) ما رويناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود، أنهما (¬3) قالا: «اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم (¬4) [فجاء (¬5) أيضا على العموم دون خصوص شيء بعينه] (¬6). ¬

_ (¬1) جزء من حديث أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي لا تجتمع على الضلالة، فإذا رأيتم اختلافا، فعليكم بالسواد الأعظم». سنن ابن ماجة 2/ 1303 رقم 3950، كتاب الفتن، كنز العمال 1/ 180 رقم 909، وجاء مرويا عن أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأنس ابن مالك: ... وفيه: « ... كلهم على الضلالة، إلا السواد الأعظم، قالوا يا رسول الله وما السواد الأعظم؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي». قال الهيثمي، ورواه الطبراني في الكبير، مجمع الزوائد 1/ 156، ورواه الحاكم والترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتبعوا السواد الأعظم يد الله مع الجماعة من شذّ شذّ في النار». قال الترمذي هذا حديث غريب. وضعفه الشيخ الألباني، لكن له شاهد عن ابن عباس عند الحاكم بإسناد حسن. قال الحاكم: «استقر الخلاف في إسناد هذا الحديث وقد روي بأسانيد يصح بمثلها الحديث، فلا بد أن يكون له أصل بأحد هذه الأسانيد». المستدرك 1/ 115، مشكاة المصابيح 1/ 62، وتنقيح الرواة 1/ 42، جامع الترمذي تحفة الأحوذي 3/ 368. (¬2) في هـ: «وكذا» وعليها طمس، وفي ق: «كذلك». (¬3) غير واضحة في: ج، هـ. (¬4) الحديث رواه الدارمي في سننه عن عبد الله بن مسعود، سنن الدارمي 1/ 69، والطبراني في المعجم الكبير، وفيه زيادة: «كل بدعة ضلالة» رقم. 877 ج 9 ص 168، قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 1/ 81، وكنز العمال ج 1 ص 221 رقم 1112، وقال في التمييز: «وسنده صحيح»، وأخرجه الديلمي في مسنده، وكذا ابن عدي، والطبراني، وأدلته كثيرة. انظر: كشف الخفاء للعجلوني 1/ 36 رقم 63، والمقاصد الحسنة للسخاوي 407، ومختصره للزرقاني، وتمييز الطيب لابن الديبع ص 8، الدرر المنتثرة ص 31 رقم 55 للسيوطي وفيه زيادة: «عليكم بالأمر العتيق» وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 374، ومعنى الحديث صحيح، كما لا يخفى. ولم أقف عليه مرويا عن عمر بن الخطاب كما جاء عن المؤلف، والله أعلم. (¬5) في أ، ب، ج، ق: «وهما أيضا».، وما أثبت من: م. (¬6) سقط من: ج «شيء بعينه» وفي موضعه بياض، وعليها طمس في: هـ. وما بين القوسين المعقوفين سقط من: أ، ب، ق، وفيه إقحام سطرين، من خاتمة المقدمة بدءا من قوله: «على خوف النسيان على ناسخ القرآن» إلى خاتمتها.

وكذلك (¬1) رغبوا أن أجعل لهم في آخره أصولا (¬2) [من الضبط على (¬3)] قراءة نافع ابن أبي نعيم المدني (¬4)، ومن وافقه (¬5) إذ مصاحف الأندلس، كلها أو معظمها (¬6)، إنما تضبط على قراءته، وعلى مصاحف (¬7) أهل المدينة، يكون تعويلنا إن شاء الله (¬8) فى الهجاء (¬9)، وعدد الآي (¬10)، والخمس (¬11) والعشر (¬12) مع تنبيهنا (¬13) على من ¬

_ (¬1) بداية النسخة: أ، بعد السطرين المقحمين المذكورين. (¬2) في ب: «أصول». (¬3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: أ، وألحق في هامشها عليها: «صح». وسقطت من ق: «من الضبط». (¬4) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، أبو رؤيم، ويقال: أبو نعيم، ويقال: أبو الحسن، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الرحمن، قال الذهبي: «وأشهرها أبو رؤيم، وقال الأندرابي: فقيل عبد الرحمن، وهو الأصح، قرأ على سبعين من التابعين، وأقرأ الناس دهرا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه مالك، وقال: «نافع إمام الناس في القراءة»، وله عناية كبيرة برسم المصاحف، واختلف في سنة وفاته فقيل 170 هـ وقيل أقل من ذلك. انظر: معرفة القراء 1/ 107، غاية النهاية 2/ 330، قراءات القراء للأندرابي 51. (¬5) في ب: «وفقه». (¬6) في ب: «ومعظمها». (¬7) في ج: «مصحف». (¬8) جملة المشيئة سقطت من: هـ. (¬9) المراد به هجاء حروف الكلمة وتقطيعها، وتصويرها، وتعداد حروفها، وكيفية رسمها، وليس المراد به الذم والشتم كما هو معروف في الشعر. وسقطت من: ج. (¬10) الأعداد التي يتداولها الناس بالنقل، ويعدون بها في الآفاق ستة على عدد المصاحف الموجه بها إلى الأمصار، وهو اختيار الداني وغيره، ومنهم من اعتبرها سبعة، وهو اختيار الجعبري، وهي المدني الأول، والمدني الأخير، والمكي والكوفي والبصري والشامي والحمصي، وهو السابع، ومراد المؤلف هنا أنه يتبع عدد المدني الأخير، وهو الذي بنى كتابه عليه، وهو ما رواه الإمام الداني بسنده إلى إسماعيل بن جعفر عن سليمان بن جماز، عن أبي جعفر وشيبة بن نصاح، مرفوعا عليهما. انظر: البيان لأبي عمرو 22، بيان ابن عبد الكافي 4، القول الوجيز 7، نفائس البيان 25، المحرر الوجيز 47. (¬11) في ب: «الخمس». (¬12) في ب: «والعشور» وهو تصحيف. (¬13) وقع فيها في ب تصحيف، وفي ج: «تبيينها».

خالفهم فى الهجاء (¬1) من سائر المصاحف الموجهة (¬2) إليهم، بنسخة من تلك النسخ (¬3)، وإن كانوا قد اختلفوا في السؤال لاختلاف طبائعهم، إلا أنهم اتفقوا في معنى ما ذكرته، أو أكثره (¬4) فأجبتهم إلى ذلك ابتغاء ما وعد الله عز وجل على لسان (¬5) نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من جزيل (¬6) الثواب في غير ما حديث (¬7)، وخوف ¬

_ (¬1) في ب: «الهجاء». (¬2) في هـ: «الموجه». (¬3) في ب: «بنسختين تلك النساخ» فيه تصحيف ونقص. (¬4) في ب: «كثرة». (¬5) في ب: «أثر». (¬6) وقع عليها تصحيف في: ب. (¬7) في ب: «محديث» وهو تصحيف. بلغت الأحاديث في فضل نشر العلم والتعليم وبثه بين الناس، في كتب السنة، حد الكثرة، ومنها ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» صحيح مسلم رقم 1631 ج 3 ص 1255 كتاب الوصية وشرح النووي 10/ 85 باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته. قال القاضي عياض: إن عمل الميت منقطع بموته، لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها ... من اكتسابه الولد، وبثه العلم عند من حمله عنه أو إيداعه تأليفا بقي بعده، وإيقافه هذه الصدقة بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت، ونقله النووي عن العلماء. وذكر القاضي تاج الدين السبكي أن حمل العلم المذكور على التأليف أقوى لأنه أطول مدة، وأبقى على ممر الزمن. وقال الأخنائي: «وعلم ينتفع به وهو ما خلفه من تعليم أو تصنيف ورواية، وربما دخل في ذلك نسخ كتب العلم، وتسطيرها، وضبطها، ومقابلتها، وتحريرها. انظر: سنن النسائي ومعه زهر الربى على المجتبى للسيوطي 6/ 210، صحيح مسلم 4/ 2060 رقم 2674 كتاب العلم، فتح الباري لابن حجر 1/ 175 باب فضل من علم وعلم، مسند أحمد 2/ 272، 16، 3، 350، سنن الدارمي كتاب الوصايا 1/ 94 - 100، الحاكم 1/ 91 - 100، سنن ابن ماجة 1/ 88 رقم 242، 243، 141 باب ثواب معلم الناس الخير، الترمذي في الأحكام 1376، وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر». رواه الطبراني في الكبير، مجمع الزوائد للهيثمي 1/ 166.

الدخول في الوعيد (¬1) [لمن سئل (¬2)] عن علم (¬3) فكتمه (¬4). وقد اختلف (¬5) في بعض سور القرآن، فقيل مكية، وقيل مدنية، وأنا أجعل (¬6) ذلك على ¬

_ (¬1) في هـ: في التوعيد» وفي ب: «في الوفيد» وهو تصحيف. (¬2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، ب. وفي ج: «يسأل» وما أثبت من ق، هـ، م. (¬3) في هـ: «علما» وفي ب: «عن عم فكهة» وهو تصحيف. (¬4) ولفظ الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار». أخرجه الإمام أحمد 2/ 263، 305، 344، 353، وأبو داود رقم 3658 في العلم، باب كراهية منع العلم، والترمذي رقم 2651 في العلم باب ما جاء في كتمان العلم، وقال حديث حسن، انظر عارضة الأحوذي لابن العربي 10/ 118. وله شاهد عند الحاكم 1/ 102 من حديث عبد الله بن عمرو، شرح السنة للبغوي 1/ 301، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله موثقون، مجمع الزوائد للهيثمي 1/ 163، قال الحاكم ووجدنا الحديث بإسناد صحيح لا غبار عليه 1/ 101، وأخرجه ابن ماجة رقم 261 - 265 باب من سئل عن علم فكتمه عن جابر، وانظر عون المعبود 10/ 91. وأما الحديث عن عبد الله بن عمرو أخرجه ابن حبان في صحيحه بنحو حديث أبي هريرة والحاكم، وأحمد، وأبي داود والنسائي، وقال الحاكم صحيح ونحوه لعبد الله بن مسعود، مجمع الزوائد 1/ 163 باب في من كتم علما. أقول: ولهذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يخاف من هذا الوعيد، ويحدث الناس وقال: «لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء» ثم تلا: وإذ أخذ الله ميثق الذين، المستدرك 1/ 108 ونحوه في سنن ابن ماجة 1/ 97 رقم 262، وقال قتادة: «هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئا فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم». قال ابن كثير: «وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم، فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئا». انظر: معاني القرآن للنحاس 1/ 520، تفسير ابن كثير 1/ 446. (¬5) قبلها في ب: «قال الشيخ أبو داود رضي الله عنه». (¬6) تصحيف في ب.

الأصح من الروايات (¬1) - إن شاء الله- حسبما ألفيته (¬2)، ورضيت سنده (¬3)، وقيدته عن الإمام الحافظ (¬4) أبي عمرو الأموي (¬5) - رضي الله عنه- فالمختلف (¬6) فيه من السور- حسب انتقادي (¬7) - تسع عشرة سورة، فقيل (¬8): مكية، وقيل: مدنية، وأنا أقيدها أولا هنا لتحفظ (¬9)، وهن (¬10): الحمد، والرعد، والنحل، والحج، وص (¬11)، والرحمن، والحواريون، والتغابن، والإنسان، والمطففين، وسبح، والفجر، والليل، والقدر، وزلزلت، والعاديات (¬12)، والإخلاص، والمعوذتان تمت العدة (¬13). واعلم (¬14) أيضا أن المدني منها حسب (¬15) انتقادي وتقييدي إحدى وعشرون سورة وهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والنور، والأحزاب، ¬

_ (¬1) في ب: «على أصح رواية». (¬2) تصحفت في ب، ج، وفي هـ: «انتقدته». (¬3) في بقية النسخ «مسنده». (¬4) تصحفت في: ب. (¬5) ذكره أبو عمرو في البيان في عد آي القرآن ورقة 40. (¬6) في ب: «في المختلف». (¬7) تصحفت في ب وعليها مسح في: ج. (¬8) في ب، هـ: «فقيل فيها مكية». (¬9) فيهما تصحيف في: ب. (¬10) سقطت من: ب. (¬11) وقع فيها تصحيف في: ب. (¬12) سقطت من: ب. (¬13) سقط من ب: «تمت العدة». (¬14) في ب: «اعلم». (¬15) في ب: «حسبما».

والقتال، والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والجمعة، والمنافقون، والطلاق، والتحريم، ولم يكن، والنصر تمت العدة. وسائر هن مكيات (¬1) وجملتهن (¬2) [على (¬3) حسب انتقادي وتقييدي أيضا أربعة (¬4)] وسبعون سورة (¬5) تتمة (¬6) مائة وأربع عشرة سورة. ¬

_ (¬1) في ج: «وسائر باقيهن هن مكيات» وفي ب: مكية. (¬2) في هـ: «وهن على». (¬3) سقطت من: ج، ق. (¬4) ما بين القوسين المعقوفين وقع فيه تصحيف ونقص في: ب. (¬5) اختلف العلماء في بيان المكي والمدني على أقوال كثيرة، فذكر ابن شهاب الزهري أن المكي خمس وثمانون سورة، والمدني تسع وعشرون سورة، وأخرج ابن الضريس بسنده عن ابن عباس، ونقله الحافظ ابن حجر، ورواه ابن عبد الكافي عن ابن عباس، والبيهقي عن عكرمة، والحسن بن أبي الحسن، أن المدني تسع وعشرون سورة، وروى أبو عبيد أن المدني خمس وعشرون سورة، وروى أبو بكر بن الأنباري عن قتادة أن المدني ست وعشرون، وحدث ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس: قال نزلت بمكة خمس وثمانون سورة ونزل بالمدينة ثمان وعشرون سورة. وسبب اختلافهم في وصف السورة بأنها مدنية أو مكية، إنما يكون تبعا لما يغلب عليها، أو تبعا لفاتحتها، فقد ورد عن ابن عباس أنه قال: إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت مكية، ثم يزيد الله فيها ما يشاء، وقال البيهقي في بعض السور التي نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة، فألحقت بها، ونحوه لابن شهاب الزهري. واختار أبو الحسن بن الحصار في نظمه أن المدني باتفاق عشرون سورة، والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة، والباقي مكي، وسنذكر في فاتحة كل سورة اتفاقهم واختلافهم. انظر: تنزيل القرآن لابن شهاب الزهري 41، الفهرست لابن النديم 28، بيان ابن عبد الكافي 12، البيان لأبي عمرو 42، دلائل النبوة 7/ 142، فضائل القرآن 73، فتح الباري 9/ 41، الإتقان 1/ 29، التحبير 42، البرهان للزركشي 1/ 194، مقدمتان في علوم القرآن 14، 15. (¬6) في ج، ق، هـ: «تمت».

وسأقول (¬1) في أول كل سورة (¬2)، سورة كذا وكذا آية، وهي (¬3) مكية، أو مدنية (¬4) [فإن كانت السورة من التسع عشرة سورة المذكورات (¬5) المختلف فيهن أضربت عن ذكرها، فإذا لم ير في أولها مكي ولا مدني (¬6) علم أنها من المختلف فيها (¬7)] وسأجعل (¬8) لهم (¬9) عند رأس كل آية ثلاث نقط (¬10)، وأرسم الخمس (¬11) والعشر (¬12)، ورأس الجزء كلما (¬13) مررت بموضوع من ذلك (¬14) مع تقييدي لذلك (¬15) إرادة البيان ورفع الإشكال (¬16). ¬

_ (¬1) في ب، هـ: «وسأقول إن شاء الله». (¬2) في ب: «سورة منها» وسقطت من: هـ. (¬3) في ب: «أهي». (¬4) بعدها في أ، ب: «إن كانت مدنية». (¬5) بعدها في ج: «كذا وفيها» إقحام. (¬6) في ق: «مكية ولا مدنية». (¬7) ما بين القوسين المعقوفين في ب «فيه سقط وتصحيف ورداءة». (¬8) في ق: «سأجعل» وفي ب: «وأجعل». (¬9) سقطت من: هـ، ب. (¬10) في ب: «نقاط». (¬11) في ب: «والخمس». (¬12) في ب: «والعشور» وسقطت من: ج. (¬13) في ب: «وكل ما». (¬14) بعدها في ق: «ضع» لا لزوم لها. (¬15) سقطت من: ب. (¬16) في ب: «إرادة للبيان ورفعا للإشكال» على القطع.

فإن كان الحرف مما تتفق (¬1) المصاحف عليه، [ويختلف (¬2) القراء فيه (¬3)] نبهت أيضا عليه، فإن كان مما اتفق حمزة والكسائي عليه، قلت: قرأ الأخوان، أو مما اتفق ابن كثير وأبو عمرو عليه (¬4) قلت: قرأ الصاحبان، أو مما اتفق (¬5) عاصم وحمزة والكسائي عليه قلت: قرأ الكوفيون، [أو مما اتفق أبو بكر وأبو عمرو عليه قلت: قرأ الأبوان (¬6)] أو مما اتفق ابن كثير ونافع عليه قلت: قرأ الحرميان (¬7)، أو مما اتفق الكسائي وأبو عمرو عليه (¬8) قلت: قرأ النحويان (¬9)، أو مما اتفق ابن عامر وأبو عمرو عليه (¬10) قلت: قرأ العربيان، أو مما اتفق ابن كثير وابن عامر عليه (¬11) قلت: قرأ الابنان [جريا على (¬12) الاختصار، وإذا أتى حرف (¬13)] مما له (¬14) أصل، يكثر ¬

_ (¬1) في ب: «ما تتفق» في ج، هـ: «اتفق». (¬2) سقطت من: ج، ق (¬3) سقطت من: ج، ق، وما بين القوسين المعقوفين في ب وقع فيه تصحيف. (¬4) تقديم وتأخير في: ب (¬5) وقع فيها تصحيف في: ب (¬6) ما بين القوسين المعقوفين في: ب ذكر الابنين، فحصل تكرار في الابنين ونقص في الأبوين. (¬7) وقع فيها تصحيف في: ب (¬8) سقطت من: ج، ق. (¬9) في ب: «النحويون» وهو تصحيف. (¬10) سقطت من: ج، ق. (¬11) تقديم وتأخير في أ، وسقطت من: ج، ق. (¬12) في ج، هـ: «جريا إلى الاختصار». (¬13) ما بين القوسين المعقوفين وقع فيه تصحيف: «حربا لاختصار القوم في ذلك». (¬14) في ج، ق: «ممال» وهو تصحيف.

دورانه، ويطرد، ذكرته في أول حرف (¬1) منه، [وعرفت (¬2) بكثرة (¬3)] دورانه، واطراده، وحصرته (¬4) بعدد، ثم [أتيت بكل موضع منه بعد في سورته (¬5)] حسب نسق (¬6) التلاوة وربما قيدته، إن كان قليلا، ونبهت (¬7) عليه، بعد رسمي [له حسبما قيدته أولا (¬8)] خوف النسيان على ناسخي (¬9) القرآن، وأنا (¬10) أسأل الله تعالى أن يمدني بعونه، ويعصمني من الزلل في القول والعمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (¬11). ¬

_ (¬1) في ب: «في أول كل حرف». (¬2) في ق: «عرفت». (¬3) ما بين القوسين المعقوفين تصحف في: ب. (¬4) في ب: «وقصدته». (¬5) ما بين القوسين المعقوفين في ب: «آت بكل حرف منه». (¬6) في ب: «نصف» وهو تصحيف. (¬7) في ب: «وأنبه». (¬8) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. ومن هنا إلى آخر المقدمة: «العظيم» أقحم وأدرج في أ، ب، ق فيما تقدم ص: (¬9) في ب، ج، ق: «وعلى ناسخ» على الإفراد. (¬10) في ق: «أنا». (¬11) اقتصار في ب على قوله: «ولا قوة إلا بالله».

الفاتحة سورة الحمد سبع آيات في جميع العدد

الفاتحة سورة الحمد (¬1) سبع (¬2) آيات في جميع العدد (¬3) واختلف السلف والخلف (¬4)، في التسمية (¬5) في أولها، فمنهم من جعلها (¬6) من نفس (¬7) السورة، وأنها لا تتم سبع (¬8) آيات إلا بها، وهم أهل الكوفة (¬9)، ¬

_ (¬1) ذكرها المؤلف في مقدمته ضمن السور المختلف فيها، فقيل إنها مكية، بل إنها من أوائل ما نزل، وهو المروي عن علي، وابن عباس، وقتادة، وأبي ميسرة، وأكثر الصحابة. وعن مجاهد أنها مدنية، وقيل ثنيت في النزول بالمدينة حين حولت القبلة، وقد وجه العلماء هذين القولين فقالوا: لعلها نزلت على حرف بمكة ونزلت ببقية وجوهها في المدينة، واستحسنه الحافظان الكبيران ابن حجر وابن الجزري، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني، وضعفه الألوسي والشهاب الخفاجي، قال ابن كثير: «وهو غريب جدا» وقد يحمل على المتقدم، واستدل جمهور المفسرين على مكيتها بقوله تعالى: ولقد ءاتينك سبعا من المثاني والقرآن العظيم من سورة الحجر، وهي مكية بإجماع، والمراد بالسبع المثاني الفاتحة، وقد ورد التفسير به مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة وأبي بن كعب وابن عباس، وبعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فلا تفسير. قال البيهقي: «والتفسير الأول- تفسير النبي صلى الله عليه وسلم- أولى لموافقة الحديث». انظر: فتح الباري 8/ 157، 382، دلائل النبوة 2/ 158، الجامع للبيهقي 5/ 290، حاشية الشهاب 1/ 27، الإتقان 1/ 36، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 1136، البرهان 1/ 206، روح المعاني 1/ 33، جمال القراء 1/ 34. (¬2) في ب: «وهي سبع». (¬3) عند جميع علماء العدد إجمالا، ثم اختلفوا في التفصيل، كما يبينه المؤلف، وسقطت من: ق وبعدها في ق: «وهي مكية» وهو إقحام، لأن المؤلف ذكر هذه السورة ضمن السور المختلف فيها، وقرر أن المختلف فيها يخليها من ذكر المكي والمدني. (¬4) في ب: «والخلفون» وهو تصحيف. (¬5) ألحقت في حاشية: أ. (¬6) في ب: «جعل البسملة». (¬7) سقطت من: ب. (¬8) سقطت من: ب. (¬9) تصحفت في ب: «أهل الكوفة».

[وأهل مكة (¬1)] فرأس الخمس عندهم، على (¬2) ذلك: نستعين والآية (¬3) السادسة: المستقيم (¬4). ومنهم من أسقطها أو لانية (¬5) ولفظا (¬6) في صلاة الفرض (¬7) وهم أهل المدينة، ¬

_ (¬1) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: أ، ب، ج، ق، هـ، وما أثبت من: م. (¬2) في ب، ج، ق: «في ذلك». (¬3) في ب: «بالآية». (¬4) وحجة هؤلاء ما روته أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ... إلى قوله: ولا الضالين فقطعها آية آية، وعدها عد الأعراب، وعد: بسم الله الرحمن الرحيم آية، ولم يعد: أنعمت عليهم. قال: اليعمري رواته موثقون. أخرجه الدارقطني، وابن خزيمة، والحاكم، وأحمد، وذكره الحافظ الزيلعي، والنووي، والشوكاني. انظر: سنن الدارقطني 1/ 307، صحيح ابن خزيمة 1/ 248، المستدرك 2/ 131، الفتح الرباني 3/ 185، نصب الراية 1/ 339، المجموع للنووي 3/ 270، صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 113، نيل الأوطار 2/ 230، السنن الكبرى 2/ 40، الدر المنثور 1/ 4، البيان لأبي عمرو 17. (¬5) وقع عليها تصحيف في: ب. (¬6) يقصد سرا وجهرا. (¬7) في ب: «الفريضة». وهذا تسامح من المؤلف في إدخاله مذاهب الفقهاء في نسق مذاهب علماء العدد، وقد فعل مثل ذلك جار الله الزمخشري فعدّ مذاهب الفقهاء في نسق عد الآي، وأنكر عليه الشيخ الإمام الطاهر بن عاشور: أقول: ولعله لم تعرف عند المتقدمين هذه التخصصات، والاصطلاحات المتأخرة، انظر: الكشاف 1/ 41، التحرير والتنوير 1/ 131. واختلف العلماء في قراءتها في الصلاة فذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين أنها واجبة وجوب الفاتحة، وهو قول طائفة من أهل الحديث، وذهب الأوزاعي ومالك وهو المشهور عنه أنها مكروهة سرا وجهرا إلا في النوافل، وذهب أبو حنيفة والمشهور عن أحمد وأكثر أهل الحديث أنها جائزة بل مستحبة. ويجهر بها الشافعي ومن وافقه، ويسر بها غيره، وبه قال أبو حنيفة وجمهور أهل الحديث والرأي

والبصرة (¬1)، والشام، لكونها عندهم استفتاحا لها، ولكل (¬2) ما يبتدأ به (¬3) من القرآن، [وفصلا حاجزا بينهن في سائر سور (¬4) القرآن (¬5)] وغير (¬6) آية كاملة في شيء من القرآن، لمجيئها (¬7) في سورة النمل، بإجماع من القراء (¬8)، ¬

_ وفقهاء الأمصار، وجماعة من أصحاب الشافعي، وهو مذهب أحمد بن حنبل. قال الترمذي: «والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، لا يرون أن يجهر بها، وقالوا: يقولها في نفسه». هذا غيض من فيض، ولبسط الموضوع والنظر فيه استدلالا وتعقيبا ينظر: سنن الترمذي 1/ 154، سنن الدارقطني 1/ 302، الأم للشافعي 1/ 93، ابن ماجة 1/ 267، صحيح مسلم 4/ 110، تنوير الحوالك 1/ 102، الاستذكار 2/ 163، المغني 2/ 215، الفتاوى 22/ 405، نصب الراية 1/ 323، الإنصاف للمرداوي 2/ 48، المجموع 3/ 274، الفتح الرباني 3/ 190، المنتقى للباجي 1/ 150، المدونة 1/ 64. (¬1) في ب: «وأهل مصر» وهو تصحيف ظاهر. (¬2) في ب: «ولكن» وهو تصحيف. (¬3) سقطت من: ب. (¬4) سقطت من: ب، وما قبلها فيها تصحيف. (¬5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ج، ق. وقد جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم، وفي رواية له: «لا يعلم ختم السورة»، وفي رواية: «لا يعلمون انقضاء السورة»، وفي أخرى: «كان إذا جاء جبريل فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم علم أنها سورة». أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم، وهو من أدلة الأحناف على أنها آية مستقلة من القرآن. انظر: المنهل شرح سنن أبي داود للسبكي 5/ 208، المستدرك 1/ 231، فتح الباري 9/ 42. (¬6) في ب: «وأنها غير». (¬7) وقع فيها تصحيف في: ب. (¬8) في ب: «بأجمعون للقراء» وهو تصحيف.

والفقهاء العالمين (¬1) بكتاب الله وسنة نبيه محمد (¬2) صلى الله عليه وسلم [النصف الآخر من الآية (¬3)] إذ أول (¬4) [الآية هناك بإجماع من أهل العلم (¬5)]: إنّه من سليمن وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم فصارت الآية هناك بإجماع (¬6) [ثمان كلم، أربع منها في التسمية وأربع قبلها، وهي: انّه من سليمن وإنّه (¬7)] وبعيد (¬8) أن تكون في النمل نصف آية (¬9) بإجماع، وتكون (¬10) في أول (¬11): الحمد آية كاملة بغير إجماع، واللفظ (¬12) فيهما واحد (¬13) من غير زيادة (¬14)، مع ¬

_ (¬1) في حاشية هـ «العاملين» وفي ب «العارفين». (¬2) سقطت من: ب. (¬3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬4) في ب: «إذ أولها». (¬5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬6) بعدها في ب: «من أهل العلم». (¬7) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب، وبعدها في ق: «بسم الله الرحمن الرحيم». (¬8) في هـ: «بعيد» وفي ق: «وبعد». (¬9) سقطت من: ق. (¬10) في ق: «تكون». (¬11) سقطت من: ج، ق. (¬12) في ق: «فاللفظ». (¬13) في ب: «حد». (¬14) استدلال المؤلف لا يسلم له، فكونها ليست آية تامة في سورة النمل لا يمنع أن تكون آية في غيرها، لوجود ذلك فى القرآن كقوله تعالى: الرحمن الرحيم هو آية تامة في سورة الفاتحة، وليست بآية تامة من قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم عند الجميع، كذلك قوله تعالى: الحمد لله رب العلمين هو آية تامة في الفاتحة، وهي بعض آية في قوله تعالى: وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العلمين من الآية 10 يونس. وقد رد الألوسي على من قال بقول المؤلف، فقال: «قياس باطل لوجود المقتضي للجزئية هناك، وانتفائه هنا». انظر: روح المعاني 1/ 46، أحكام القرآن للجصاص 1/ 12، مفاتيح الغيب 203.

تكرار (¬1) لفظ (¬2): الرّحمن الرّحيم في آيتين متجاورتين في أول السورة (¬3) إذ هو عند بعضهم على التقديم (¬4) والتأخير (¬5)، فمن ادّعى ذلك بقياس (¬6)، أو بحديث غير معارض، فعليه الدليل (¬7)، ولن (¬8) يجد [إلى ذلك (¬9) ¬

_ (¬1) في أ، هـ: «تكرير» وما أثبت من: ب، ج، ق. (¬2) سقطت من أ، وألحقت في حاشيتها. (¬3) ولقد أبطل هذه الحجة كثير من العلماء، فقال الرازي: «إن التكرار لأجل التأكيد كثير في القرآن، وتأكيد كون الله تعالى رحمانا رحيما من أعظم المهمات». وقال أبو حيان: «تنبيه على قدر هاتين الصفتين وتأكيد أمرهما». وقال ابن جرير الطبري: «لا توجد في القرآن كلمة زائدة لغير معنى مقصود». أقول: إن هذه الحجة عليه، لا له، إن التكرار بلفظ واحد ورسم واحد، هو الذي يثبت أنها من القرآن، ونظيره قوله تعالى: فبأى ءالاء ربكما تكذبان في الرحمن، وقوله تعالى: ويل يومئذ للمكذبين في المرسلات. انظر: مفاتيح الغيب 1/ 205، البحر 1/ 29، أحكام القرآن للجصاص 1/ 12. (¬4) في ب: «التقدير» وهو تصحيف. (¬5) وتقديره عندهم: «الحمد لله، الرحمن الرحيم، رب العالمين» وقد قال بذلك ابن جرير الطبري، وتبعه مكي بن أبي طالب، وعلل ذلك بقوله: «لأن مجاورة الرحمة بالحمد أولى، ومجاورة الملك بالملك أولى، والتقديم والتأخير كثير في القرآن وذكره الطبري عن جماعة من أهل التأويل. وقد رد أبو حيان على مكي، ومن قال بقوله، فقال: «وكلام مكي مدخول من غير وجه، والترتيب القرآني جاء في غاية الفصاحة، لأنه تعالى وصف نفسه بصفة الربوبية، وصفة الرحمة، ثم ذكر شيئين، أحدهما: ملكه يوم الجزاء، والثاني: العبادة، فكان الأول للأول، والثاني للثاني». انظر: جامع البيان 1/ 64، البحر المحيط 1/ 29، ملاك التأويل للغرناطي 1/ 22. (¬6) في ب: «يقيس» وهو تصحيف. (¬7) في ق: «بالدليل». (¬8) في ب: «ولم». (¬9) في ج: «يسلك» وهو تصحيف.

السبيل (¬1)] فوجب على هذا، أن يكون رأس الخمس: المستقيم، والآية السادسة: أنعمت عليهم (¬2) وهذا (¬3) اعتقادي وإليه أميل (¬4)، ¬

_ (¬1) في ب: «سبيلا» وما بين القوسين المعقوفين عليه مسح في ق. الأدلة التي ذكرها المؤلف على أن البسملة ليست آية من الفاتحة مقابلة بأدلة أخرى أقوى منها على أن البسملة آية من الفاتحة أو آية مستقلة. قال الشيخ أحمد الساعاتي: «والذي يظهر أن أدلة القائلين بعدم البسملة مطلقا غير قوية»، وقال ابن تيمية: والتحقيق أن هذه الحجة مقابلة بمثلها، فيقال لهم بل يقطع بكونها من القرآن، وهو قول سائر من حقق القول في هذه المسألة، وهو أوسط الأقوال وأعدلها». وتقدم بعض ما يعارض كلام المؤلف من الحديث والقياس، وقال الحافظ الزيلعي: «والأحاديث الصحيحة توافق هذا القول»، وذكر ابن خزيمة أنه استقصى الأدلة على أن البسملة آية من القرآن في كتاب وفعل مثل ذلك الدارقطني. انظر: الفتح الرباني 3/ 185، الفتاوى 13/ 418، نصب الراية 1/ 228، صحيح ابن خزيمة 1/ 248، سنن الدارقطني 1/ 307. (¬2) أي رأس الآية السادسة وما بعدها إلى آخر السورة، الآية السابعة سقطت من: ق. (¬3) في ب: «وهو». (¬4) وحجة المؤلف، ومن وافقه، ما رواه مسلم، ومالك، وابن خزيمة، والدارقطني عن أبي هريرة جاء فيه: « ... قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العلمين قال الله تعالى: «حمدني عبدي» وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي» وإذا قال: ملك يوم الدين قال: «مجدني عبدي» فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط إلى قوله: ولا الضالين قال: هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل. ووجه الدلالة من الحديث أن قوله: «هؤلاء لعبدي» إشارة إلى ثلاث آيات، وصحت قسمة السبع، ولم يذكر البسملة في أول الحديث. قال شيخ الإسلام: «فهذا الحديث صحيح صريح في أنها ليست من الفاتحة، وأجود ما يروى في هذا الباب» قال النووي: «وهو من أوضح ما احتجوا به»، وقال ابن عبد البر: «وهذا الحديث أبين ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في سقوط البسملة من آي فاتحة الكتاب». انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 101، فتاوى ابن تيمية 22/ 276، الاستذكار 2/ 173، سنن النسائي 2/ 135، سنن الدارقطني 1/ 312، صحيح ابن خزيمة 1/ 253، الفتح الرباني 3/ 191، شرح الزرقاني 1/ 172، المنتقى للباجي 1/ 156.

[وقد (¬1) بينت ذلك كله (¬2) في كتابي الكبير، في أول فاتحة القرآن (¬3)، واستدللت (¬4) على ذلك بدلائل جمة (¬5) يرى ذلك هناك من رغبه إن شاء الله (¬6)]. ¬

_ (¬1) في ق: «قد». (¬2) سقطت من: ق. (¬3) في ق: «الكتاب» وتقدم التعريف به في الدراسة في مؤلفاته. (¬4) وقع فيها تصحيف في: ج. (¬5) في ج، ق: «جملة» وفي حاشية: أمشروحة: أي كثيرة. (¬6) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. تنازع الفقهاء والمحدثون والعلماء في البسملة وكونها من الفاتحة أم لا، أو آية مستقلة، أو هي من أوائل السور، والبحث فيها لا تتحمله هذه الهوامش، وقد استوفاه ابن تيمية في فتاويه، والشوكاني في شرحه للمنتقى، والحافظ الزيلعي في نصب الراية، والنووي في المجموع، وابن عبد البر في الإنصاف، والاستذكار، والساعاتي في الفتح الرباني، والرازي والألوسي في تفسيريهما، وألف فيها بعضهم كتبا كالخطيب البغدادي، وابن خزيمة، والدارقطني، وابن حبان، والبيهقي، والمقدسي. والمؤلف هنا يرى أنها ليست من الفاتحة، واستدل على ذلك بما قدمه، وبعد التأمل في المسألة والنظر في أدلة القوم وما يرد عليها، رأيت- والله أعلم- أن البسملة في أول الفاتحة آية وهي قرآن، ومن قرأها في الصلاة أو في غيرها فقد قرأ قرآنا متلوا مرسوما، والدليل على ذلك وجودها في سورة النمل رسما ولفظا، ولأن أئمة القراءات اتفقوا جميعا على قراءة البسملة في ابتداء كل سورة سوى براءة، والإجماع على أن ما بين دفتي المصحف كلام الله، ثم إن جميع المصاحف الأمهات التي كتبها سيدنا عثمان كتبت فيها البسملة بنفس الرسم مع محافظتهم على تجريد المصحف من كل ما ليس بقرآن، والرسم كما هو معروف حجة قطعية، وأحد أركان القراءة الصحيحة، ثم إن بعض القراء السبعة أثبت البسملة، والقراءات السبعة متواترة فيلزم تواترها. قال الساعاتي: «والذي يظهر أن أدلة القائلين بعدم البسملة مطلقا غير قوية» وقال ابن تيمية ردا على من قال بقول المؤلف: «والتحقيق أن هذه الحجة مقابلة بمثلها فيقال لهم بل يقطع بكونها من القرآن حيث كتبت، وأن ما بين اللوحين قرآن، وهو قول سائر من حقق القول في هذه المسألة، وتوسط أكثر فقهاء الحديث كأحمد، ومحققي أصحاب أبي حنيفة، وعبد الله بن المبارك، وقالوا كتابتها في المصحف تقتضي أنها من القرآن، فهي آية من كتاب الله وهو أوسط الأقوال وأعدلها» قال الحافظ الزيلعي: «وهو الذي تجتمع عليه الأدلة وهو القول الأوسط».

بسم الله الرّحمن الرّحيم قوله تعالى (¬1): الحمد لله إلى قوله (¬2): الرّحيم كتبوا (¬3): الحمد لله ¬

_ قال ابن خزيمة: وأمليت مسألة قدر جزءين في الاحتجاج في هذه المسألة أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من كتاب الله في أوائل سور القرآن. إلا أن الذي أرتاح إليه وأميل هو ما ذكره ابن الجزري، وابن حجر، والسيوطي، وابن تيمية، وابن حزم، ونقله غيرهم، أن حكم البسملة حكم الحروف المختلف فيها بين القراء، فإن البسملة نزلت مع السورة في بعض الأحرف، فمن قرأ بحرف نزلت فيه عدها، ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها، الاختلاف في العدد كالاختلاف في أوجه القراءات. قال ابن الجزري: «وهذه الأقوال ترجع إلى النفي والإثبات، والذي نعتقده أن كليهما صحيح، وأن كل ذلك حق، فيكون الاختلاف فيها كاختلاف القراءات». قال ابن حزم: وصارت في قراءة صحيحة آية من أم القرآن وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن، ومثل هذا وارد في القرآن وهذا كله حق، وهذا كله من تلك الأحرف. ولذلك قال صاحب المراقي: وبعضهم إلى القراءة نظر* وذاك للوفاق رأي معتبر قال الحافظ ابن حجر ينظر إلى القراءات، وذاك أي النظر إلى القراءات رأي معتبر لما فيه من التوفيق بين كلام الأئمة، فلا خلاف حينئذ، قال بعض العلماء. وبهذا الجواب البديع يرتفع الخلاف بين أئمة الفروع، قال البقاعي: «وهذا من نفائس الأنظار». والأحاديث التي استدل بها من نفاها أنها من الفاتحة تدل على هذا، والأحاديث التي استدل بها من أثبتها تدل على هذا، ولا تعارض حينئذ. والحمد لله والله أعلم. انظر: النشر 1/ 263 - 270، نشر البنود للشنقيطي 1/ 81، المنهل 5/ 201، الفتح الرباني 3/ 185، الإتقان 1/ 69، إتحاف 358، الفتاوى 13/ 418، المحلى 3/ 351، الألوسي 1/ 40، ابن خزيمة 1/ 248. (¬1) سقطت من أ، ج، ق وما أثبت من: ب. (¬2) سقطت من: ب، ق وكتبت الآيتان كاملتان. (¬3) في ق: «وكتبوا» والضمير يعود على علماء الصحابة الذين جمعوا القرآن بهذا الرسم.

بغير ألف بين اللام والهاء (¬1) [وكذلك (¬2) في (¬3): بسم الله وقل اللهم (¬4) ورسل الله (¬5) وشبهه ولا خلاف بين القراء السبعة (¬6) والصحابة (¬7) والتابعين في إثباتها لفظا (¬8)]. وكذلك (¬9) أجمعوا على إسقاط ألف (¬10) الوصل (¬11) خطا ولفظا من خمسة ¬

_ (¬1) في هـ «والحاء» وفي حاشيتها: «لعله والهاء». ويريد الألف المعانقة للام، كيف ما وقع، وكيف ما تصرف، وأجمع على ذلك علماء الرسم وعلماء العربية باتفاق الفريقين، وقال الخراز: «لا خلاف بين الأمة في الحذف في اسم الله واللهم» وتكلف بعض الشراح في تفسير: «الأمة» واستعمالاتها، وقالوا: المراد بها علماء الرسم، أقول إن التعبير ب «الأمة» يبقى على ظاهره المستعمل والمتبادر، لأن علماء العربية وافقوا علماء الرسم قاطبة، نص عليه ابن الحاجب في مقدمته في الخط، والسيوطي في علم الخط، والداني، والشاطبي، وغيرهم، وهذا لتحصيل التخفيف، لكثرة الاستعمال، وكراهة توالي الأمثال، وقيل لئلا يشبه رسم: «اللات» وقيل هي لغة فاستعملت في الخط. انظر: المقنع 17، شافية ابن الحاجب 3/ 330، مفاتيح الغيب 1/ 114، المحرر 1/ 58، التبيان 43، تنبيه العطشان 37، نثر المرجان 1/ 20، الجميلة 52. (¬2) في ج، ق وحاشية أ: «وكذا». (¬3) الفاء ساقطة من: ج، ق، هـ. (¬4) سيأتي في الآية 26 آل عمران، وهو موافق لما سبق، لأن أصله: «يا الله». (¬5) من الآية 125 الأنعام. (¬6) هكذا في جميع النسخ، والأولى إسقاطها، لأن الأمة أجمعت على إثباتها لفظا، لأنه مدّ طبيعي، والظاهر أنها مدرجة لا لزوم لها ليتناسق الكلام. (¬7) في أ، ج «من الصحابة» وما أثبت من: ق، هـ. (¬8) واتفق علماء الضبط على عدم إلحاق الألف بالحمراء. وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬9) في ق: «كذلك» وفي ب: «وكذا». (¬10) في ق: «لفظ». (¬11) هي همزة زائدة تثبت في الابتداء، وتسقط في الدرج يؤتى بها للتوصل إلى النطق بالساكن، لأن العرب لا تبتدئ بساكن، ولا تقف على متحرك، ولهذا المعنى سماها الخليل سلم اللسان، وتسمى ألف الوصل، لأنها لا ترسم إلا بالألف، وتسمى همزة الوصل، لأنه ينطق بالهمزة لا بالألف. انظر: ايضاح الوقف والابتداء 1/ 165، تنبيه العطشان 68، معاني الحروف للرماني 143.

مواضع، أولها (¬1) من كلمة: بسم الله حيث ما وقعت (¬2)، إلا أن يأتي بعد [كلمة: بسم (¬3)] لفظة غير: الله فإن الألف فيها ثابتة (¬4) نحو قوله تعالى: فسبّح باسم ربّك (¬5) وباسم ربّك الذى خلق (¬6). وفي كلام المخلوقين: «أبدأ باسم (¬7) زيد» و «أبدأ باسم محمد (¬8)» وشبهه، ¬

_ (¬1) في ب: «الأول». (¬2) في ب: «حيث وقعت». وقعت في ثلاثة مواضع في أوائل السور، وهود في الآية 41، والنمل في الآية 30، وأغفل الداني موضع النمل، قال الرجراجي: «ولو سئل عنه لقال بحذفه». واتفق علماء الرسم وعلماء العربية على حذف الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال، وطولت الباء عوضا عن الألف، وأثر عن عمر بن عبد العزيز، قال لكاتبه: «طول الباء وأظهر السين ودور الميم»، والأولى عدم حذف شيء منه لأنه جاء على لغة من يقول: «سم» و «سم» بلا همز في أوله، ولما دخلته الباء خفف بتسكين السين. انظر: المقنع 29، تنبيه العطشان 70، إعراب النحاس 1/ 167، مفاتيح الغيب 1/ 112، المحرر 1/ 52، معالم التنزيل 1/ 37، الكشاف 1/ 93. (¬3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب، ومكنى عنه بالضمير. (¬4) في ب: «ثانية» وهو تصحيف. (¬5) من الآية 77 الواقعة و 52 الحاقة. (¬6) من أول العلق، وقع فيها تصحيف في أ، ج، ق وما أثبت من: ب، هـ. وجوز الكسائي والأخفش حذف الألف، ولو أضيف إلى غير لفظ الجلالة نحو: «الرحمن» و «القاهر»، ورده الفراء وقال: هذا باطل، ولا تجوز أن تحذف إلا مع «الله» لأنها كثرت معه، فإذا عدوت ذلك أثبت الألف، وهو القياس» ولم يرد هذا في القرآن. انظر: المطالع النصرية 170، البيان 1/ 31، معاني الفراء 1/ 2، نثر المرجان 1/ 20، شرح الطرة على الغرة للآلوسي 460. (¬7) في ب: «كباسم» وفي هـ: «باسم ربك» وألحقت في هامشها. (¬8) سقطت من: ب، وفي ق: «فأبدأ».

وكذلك إن اتصل بها لام، نحو (¬1) قولك: «لاسم محمد حلاوة (¬2)»، أو كاف نحو قولك (¬3): «ليس اسم زيد كاسم عمرو (¬4)» وشبهه (¬5). والثاني إذا (¬6) دخلت لام المعرفة (¬7)، ووليها من قبلها لام أخرى للتأكيد كانت (¬8) أو للجر (¬9)، نحو قوله (¬10) تعالى: ولله الاسماء الحسنى (¬11) وفلله وللرّسول (¬12) وللذى أنعم الله عليه (¬13) وللذين اتّقوا (¬14) ¬

_ (¬1) سقطت من ب، وبعدها: «كقولك». (¬2) في ب: «لاسم زيد، ولاسم محمد حلاوة». (¬3) في ب: «كقولك». (¬4) في ق: «كاسم محمد»، في هـ: «عمر» في موضع: «زيد»، وفي هامشها: «ليس اسمك كاسم». (¬5) وذكر علم الدين السخاوي علة الحذف في: «بسم الله» والإثبات في غيرها، فقال: «وسبب ذلك قلة هذا وكثرة ذاك». انظر: المقنع 29، الوسيلة 64، الجميلة 69، شرح العقيلة لملا 122. (¬6) في ق: «إن». (¬7) أراد ما شأنه التعريف، لأن أل في: «الذي» ليست فيه على الصحيح معرفة، قال ابن جني: «إنما تعرفه بصلته دون اللام التي فيه». انظر: سر صناعة الإعراب 1/ 353، مغني اللبيب لابن هشام 74. (¬8) سقطت من: ب. (¬9) ويندرج في الأولى لام الابتداء، بدليل تمثيله للثلاثة، وقد يكون اقتصر على مذهب البصريين، فعندهم لام الابتداء من أصناف لام التوكيد، وقد استوعب المؤلف التمثيل للمعاني الثلاثة، وكلاهما يفيد التأكيد. انظر: الجنى الداني 165، حروف المعاني للزجاجي 50، المقنع 30، تنبيه العطشان 68. (¬10) في هـ: «لله المذكور» وهو تصحيف. (¬11) من الآية 180 الأعراف، وقبلها في ب، ج، ق: «لله الأمر». (¬12) من الآية 7 الحشر. (¬13) من الآية 37 الأحزاب. (¬14) من الآية 30 النحل.

وللذى ببكّة (¬1) وو للدّار الاخرة (¬2)، وللذين اتّبعوه (¬3) وشبهه. والثالث: إذا دخلت ألف الوصل على همزة الأصل (¬4) الساكنة، ووليه (¬5) واو أو فاء، نحو: فاتوا بسورة (¬6) وفاتوا حرثكم (¬7) وفاتوا بعشر سور (¬8) وفات بها (¬9)، واتوا البيوت من ابوابها (¬10)، واتونى بأهلكم (¬11)، واتمروا بينكم بمعروف (¬12) وشبهه (¬13)، فإن وليها (¬14): ثمّ أو غيرها مما ينفصل ¬

_ (¬1) من الآية 96 آل عمران، واللام فيها للتوكيد. انظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 395. (¬2) من الآية 33 الأنعام، واللام فيه للابتداء. انظر: الكشف المكي 1/ 429، الجامع للقرطبي 6/ 415. (¬3) من الآية 67 آل عمران، وفي ج، ق: «اتبعوهم» وليس فيه موضع الاستشهاد. (¬4) وهي التي تقابل فاء الفعل، ثابتة في الفعل المستقبل، ويبتدأ بها في الماضي بالفتح، مثل: «أتى» يأتي، وتثبت في التصغير في الأسماء. انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 151، 202. (¬5) في ب: «ووليها» وفي ق: «ويليه». (¬6) سيأتي في الآية 22 البقرة. (¬7) سيأتي في الآية 221 البقرة. (¬8) من الآية 13 هود. (¬9) من الآية 257 البقرة. (¬10) ستأتي في الآية 188 البقرة. (¬11) ستأتي في الآية 93 يوسف. (¬12) من الآية 6 الطلاق. (¬13) ووجه سقوط ألف الوصل، أنه اتصل بها ما لا يمكن استقلاله، والوقف عليه، ونزّلت الواو والفاء منزلة الجزء من الكلمة، فاستغني بهما عنها، لاستثقالهم اجتماع المثلين، فجاء الخط موافقا للفظ، ووافق الكتاب علماء الرسم في هذا الباب. انظر: الوسيلة 64، شرح العقيلة لملا 121، إرشاد القراء 47، الدرة الصقيلة 37، فتح المنان 41، جميلة 148. (¬14) بعدها في ب: «حرف».

من الكلام، ويمكن السكوت عليه، أثبتت (¬1) ألف (¬2) الوصل بلا خلاف أيضا (¬3) نحو: الذى اوتمن (¬4) والملك ايتونى (¬5) وثمّ ايتوا صفّا (¬6) وقال ايتونى (¬7) وشبهه. والرابع: إذا كانت (¬8) مكسورة، ودخل عليها ألف الاستفهام (¬9)، نحو: قل اتّخذتم (¬10)، وولدا اطّلع (¬11) وجديد افترى (¬12) وبيدىّ أستكبرت (¬13) وسواء عليهم أستغفرت لهم (¬14) وشبهه (¬15). ¬

_ (¬1) في ب، هـ: «أثبت». (¬2) في ب: «الألف». (¬3) سقطت من: ب. (¬4) من الآية 282 البقرة. (¬5) من الآية 50 يوسف. (¬6) من الآية 63 طه. (¬7) من الآية 59 يوسف. (¬8) في ب، ج، ق وحاشية هـ: «أتت». (¬9) قال ابن الأنباري: فإنك تعرفها بمحنتين إذا جاءت بعدها «أم» أو حسن في موضعها: «هل» قال الخليل: «وأمارتها: «أم». انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 152، كتاب الجمل للخليل 231. (¬10) ستأتي في الآية 79 البقرة. (¬11) من الآية 78، 79 مريم. (¬12) من الآية 7، 8 سبأ. (¬13) من الآية 74 سورة ص. (¬14) من الآية 6 المنافقون. (¬15) وقعت في سبعة مواضع؛ الخمسة المذكورة، وسيأتي ذكر الموضعين الباقيين عند قوله: قل أتخذتم في الآية 79 البقرة. وذكر السخاوي وتبعه المخللاتي وغيرهما أن العلة في حذف الألف كراهة اجتماع ألفين، وقيل إنما

فإن أتت ألف الوصل مفتوحة، نحو: الذّكرين (¬1) وءالله خير (¬2) وءالن (¬3) وشبهه، فقوم (¬4) يذهبون إلى أن المرسومة، هي ألف الاستفهام، وذهب آخرون (¬5) إلى أن ألف الوصل هي المرسومة، وأن المحذوفة هي ألف الاستفهام (¬6). والخامس: إذا دخلت في فعل الأمر المواجه (¬7) به (¬8)، ووليها أيضا (¬9) ¬

_ حذفت همزة الوصل في الأفعال السبعة لعدم الالتباس بين همزة الاستفهام وهمزة الوصل، لاختلاف حركتيهما، لأن همزة الاستفهام مفتوحة، وهمزة الوصل مكسورة، فلا التباس فاستغني عنها بألف الاستفهام. انظر: المحكم 67، الوسيلة 63، شرح العقيلة لملا 120، تنبيه العطشان 176، كتاب الأزهية للهروي 33. (¬1) ستأتي في الآية 144، 145 الأنعام. (¬2) ستأتي في الآية 59 يونس و 61 النمل. (¬3) ستأتي في الآية 51، 91 يونس، والمثال سقط من: ق (¬4) في أ: «وقوم» وغير واضح في ج، والصواب ما أثبته من: ب، ق، هـ لأن الفاء رابطة لجواب الشرط. (¬5) في ج: «قوم آخرون». (¬6) وهو المشهور والمختار عند جميع الشيوخ، كما سيأتي عند قوله: ءانذرتهم في الآية 5 البقرة. وثبتت همزة الوصل هنا ليتبين الفرق بين الخبر، والاستفهام، إذ لو حذفت همزة الوصل مع لام التعريف، وقع الالتباس بين همزة الاستفهام وهمزة الوصل لأنهما مفتوحتان معا، ويقوي هذا رأي الخليل حيث يعد: «أل» بجملتها حرف تعريف. انظر: إيضاح الوقف للأنباري 1/ 193، 154، المقتضب للمبرد 1/ 83، 2/ 378، التصريح على التوضيح للأزهري 148، المقنع 29، تنبيه العطشان 69. (¬7) في ب: «من المواجه». (¬8) في ب: «بها». (¬9) سقطت من: ب.

واو، وفاء، في نحو قوله عز وجل: وسئل (¬1) وفسئل (¬2) من السؤال خاصة (¬3). واعلم أيضا أن الألف (¬4) الداخلة مع اللام (¬5)، في نحو: الحمد لله ربّ العلمين الرّحمن الرّحيم ملك يوم الدّين (¬6) وشبهه (¬7) ألف (¬8) الوصل (¬9) بإجماع من القراء والنحويين، إلا أن (¬10) ابن كيسان (¬11) وحده، فإنه يجعلها ألف قطع (¬12)، وهو شاذ لمخالفته جماعة النحويين والقراء (¬13) ¬

_ (¬1) من الآية 82 يوسف. (¬2) من الآية 94 يونس وقع في ثمانية مواضع. (¬3) وقيل في علة الحذف، أن الواو والفاء، قامت مقام ألف الوصل على مراد الاتصال، فاستغني بهما عنها، وقيل رسمت على قراءة النقل لابن كثير، والكسائي، وخلف العاشر، وهي لغة معروفة. قال ابن عاشر: هذا أظهر، لأن التوجيه الأول يعترض عليه بنحو: فاعفوا واصفحوا مع أنها لم تحذف. وهو الأولى بدليل إجماعهم على قوله: سل بني إسراءيل وسلهم أيهم. انظر: تنبيه العطشان 68، فتح المنان 42، الوسيلة 63، الجميلة 70، إرشاد 49، التبيان 83. (¬4) في ج، ق: «ألف الوصل». (¬5) بعدها في ق: «للتعريف». (¬6) الآيات 1، 2، 3 الفاتحة. (¬7) سقطت من: ب. (¬8) غير واضحة في: ق. (¬9) في ج، هـ: «وصل». (¬10) سقطت من: ب، ج، ق، هـ. (¬11) أبو الحسن محمد بن أحمد المعروف بابن كيسان عالم بالعربية لغة ونحوا أخذ عن المبرد، وثعلب، والخليل، ومن كتبه المهذب في النحو، وغريب الحديث، ومعاني القرآن، توفي سنة 299 هـ. انظر: شذرات الذهب 2/ 232، طبقات النحويين 153، مراتب النحويين 138. (¬12) في ج: «القطع». (¬13) اختلف في «أل» المعرفة، فذهب سيبويه إلى أنها اللام فقط، وألف الوصل اجتلبت

فاعلمه، وقد عرفنا بمذهبه (¬1) في ذلك، واعتلاله، وغلبنا (¬2) حجة غيره، في كتابنا الكبير، المسمى بالتبين (¬3). وكتبوا في جميع المصاحف: العلمين الرّحمن الرّحيم (¬4) بغير ألف بين العين واللام، والميم والنون (¬5)، وكذلك حذفوها من الجمع المسلم (¬6) ¬

_ للابتداء بالساكن، ونقله أبو حيان عن جميع النحويين، إلا ابن كيسان، فإنه ذهب إلى أن «أل» بجملتها تفيد التعريف، وألف القطع تحذف في الوصل لكثرة الاستعمال. انظر: حاشية الصبان 1/ 176، همع الهوامع للسيوطي 1/ 272، المقتضب للمبرد 1/ 83، التصريح على التوضيح للأزهري 1/ 148، شرح كافية ابن الحاجب للجامي 1/ 185. (¬1) تصحفت في ب. (¬2) في ق: «وعللنا». (¬3) تقدم التعريف به في الدراسة. وقد بسط أدلة كل مذهب حسن الرجراجي في تنبيه العطشان على مورد الظمآن ورقة 68. (¬4) الآية 1 - 2 الفاتحة. (¬5) فيه لف ونشر مرتب. وقد اتفق علماء الرسم على حذف الألف بعد الميم من: «الرحمن» حيث ما وقع كما نص عليه الداني، والشاطبي، والسيوطي، ولم يقع في القرآن إلا معرفا، ذكره أبو عمرو الداني في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف واختلف فيه علماء العربية، فقال الكسائي تحذف، وقال ابن قتيبة فإذا حذفت الألف واللام، فأحب إليّ أن يعيدوا الألف، فيكتبوا: «رحمان الدنيا والآخرة» ومثله للسيوطي. انظر: المقنع 16، الجميلة 52، أدب الكاتب 230، الوسيلة 56. (¬6) قال الجعبري: «فالمسلم والسالم والصحيح والمصحح كل جمع سلم واحده من التغيير» هذا في باب النحو والصرف، ونريد هنا بالسالم الذي سلم من الهمز والتضعيف والإعلال والحذف وغيرها كما سيأتي. انظر: الجميلة 63.

الكثير الدور (¬1) في المذكر والمؤنث معا، سواء كان في موضع رفع أو نصب (¬2) أو خفض، نحو: الصّبرين (¬3) والصّبرون (¬4)، والصّدقين (¬5) والصّدقون (¬6) والصّلحين (¬7) والصّلحون (¬8) والفسقين (¬9) والفسقون (¬10) والظّلمين (¬11) والظّلمون (¬12) [والمنفقين (¬13) ¬

_ (¬1) اختلف المصنفون لكتب الرسم في حد كثرة الدور، فمنهم من قال: إذا تكرر ثلاث مرات فصاعدا، ومنهم من قال: خمس مرات، ومنهم من قال: سبع مرات. قال السخاوي: والقول الأول أظهر، وعليه العمل. وقال الجعبري: كثير الدور هو الذي تكرر في القرآن، والشاطبي لم يحدد الكثرة فلتستقرأ من الأمثلة. أقول ذكر هذا الشرط أبو عمرو الداني، والمؤلف، والشاطبي، إلا أنهم مثلوا بالمتكرر وغير المتكرر كما سيأتي للمؤلف مما يدل على عدم اعتباره. قال الرجراجي: «يحتمل أن يكونوا ذكروا التكرار تنبيها على علة حذف الألف في جموع السلامة لتكرارها وكثرة دورها من حيث الجملة، أو كثرة دورها على الألسن» أقول: أراد علماء الرسم وضع قواعد وضوابط لحصر مسائله، ولكنها لا تنضبط، لأن الرسم يتبع فيه النقل والرواية وهو سنة متبعة. انظر: الدرة 34، الجميلة 63، فتح المنان 23، تنبيه العطشان 52، المقنع 22. (¬2) في ب: «تقديم وتأخير». (¬3) من الآية 152 البقرة. (¬4) من الآية 80 القصص. (¬5) من الآية 17 آل عمران. (¬6) من الآية 15 الحجرات. (¬7) من الآية 129 البقرة. (¬8) من الآية 168 الأعراف. (¬9) من الآية 25 البقرة. (¬10) من الآية 98 البقرة. (¬11) من الآية 34 البقرة. (¬12) من الآية 227 البقرة. (¬13) من الآية 60 النساء.

والمنفقون (¬1) والكفرين (¬2) والكفرون (¬3) والخسرين (¬4) والخسرون (¬5) والسّجدين (¬6) والسّجدون (¬7)] [وما أشبه ذلك. ومن المؤنث السالم نحو (¬8)]: والمسلمت والمومنت (¬9) [والطّيّبت (¬10) وبيّنت (¬11)، والمتصدّقت (¬12) والغرفت (¬13) والثّمرات (¬14) والخبيثت (¬15) وشبهه (¬16). ¬

_ (¬1) من الآية 50 الأنفال. (¬2) من الآية 18 البقرة. (¬3) من الآية 252 البقرة. (¬4) من الآية 63 البقرة. (¬5) من الآية 26 البقرة. (¬6) من الآية 98 الحجر، وج، ق، هـ: «الساحرين» وهو تصحيف لعدم وجوده في القرآن، وقد نقل هذا الخطأ ابن عاشر في فتح المنان 23. (¬7) من الآية 113 التوبة، وفي ج، ق، هـ: «الساحرون» 77 يونس. وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬8) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، ج، ق، هـ وما أثبت من: ب. (¬9) كلاهما في الآية 35 الأحزاب. (¬10) من الآية 5 المائدة. (¬11) من الآية 97 آل عمران، وفي ج، ق، هـ: «ثيبت» 5 التحريم. (¬12) من الآية 35 الأحزاب، وفي ج: «والمصدقت» 17 الحديد. (¬13) من الآية 37 سبإ. (¬14) من الآية 21 البقرة. (¬15) من الآية 26 النور. (¬16) اتفق أهل الرسم كلهم على حذف ألف الجمع المذكر والمؤنث السالم ذي الألف الواحد غير المشدد والمهموز، واتفقت على ذلك المصاحف، نص عليه أبو عمرو الداني والشاطبي وغيرهما. انظر: المقنع 22، إرشاد القراء والكاتبين 51، تنبيه العطشان 28 التبيان 45، فتح المنان 23، الجميلة 63، الدرة 34 وسيذكر المؤلف الجمع المشدد والمهموز ذا الألف الواحد عند قوله: ولا الضالين.

وكذا مما (¬1) اجتمع فيه ألفان من جمع (¬2) المؤنث السالم، وسواء (¬3) كان بعد الألف حرف مضعّف، أو همزة (¬4)، وفي هذا (¬5) اختلاف من (¬6) بعض المصاحف، فبعضها حذف منها الألف الثاني وأثبت الأول (¬7)، وبعضها- وهو الأكثر- حذف منها الألفان (¬8)، على الاختصار، وتقليل حروف المد، وبذلك أكتب، وإياه ¬

_ (¬1) في ج، ق: «وكذلك ما اجتمع». (¬2) في أ، ق، هـ: «جميع» وما أثبت من: ج، م. (¬3) في ج، ق: «سواء». (¬4) المراد بالمشدد والمهموز، ما كان الشد والهمز فيه بعد الألف مباشرا له، وروى أصحاب المصاحف في هذا النوع الحذف عن أكثر المصاحف، وورد عن بعض المصاحف المدنية والعراقية ثلاثة أقوال: 1 - إثبات الأولى وحذف الثانية. 2 - إثبات الثانية وحذف الأولى. 3 - إثباتهما معا، والقولان الأخيران ضعيفان، والمشهور الذي عليه العمل حذف ألفيه معا موافقة لمصاحف أهل العراق والشام، واختاره المؤلف كما سيأتي. انظر: الوسيلة 61، الجميلة 63، المقنع 22، تنبيه العطشان 41، التبيان 45. (¬5) في ق: «وهذا». (¬6) في ج، ق: «بين» وما بعدها سقط من: ق. (¬7) قال الهوريني: «لأن الثاني يخص الجمع أنسب بالحذف، إذ هي المعهودة بالحذف حالة الانفراد» واختار الجعبري عكسه؛ حذف الأول وإثبات الثاني، فقال: «والأول أولى، لأنه السابق» وبرهن ب «سماوات» فصلت، ورده صاحب الجوهر الفريد فقال: «ولا وجه لمن نظر في كلام أبي عمرو وأثبت عنه الثاني وحذف الأول، ولا لمن برهن ب «سموت» فصلت. ولتوقيفية الرسم، مهما وضع العلماء قواعد وضوابط، فإن مسائله لا تنتظم وتطرد تحت هذه القواعد، فإن في القرآن كلمات أثبتت فيها الألف الأولى، وكلمة أثبتت فيها الألف الثانية، والجل حذف منها الألفان. انظر: الجوهر الفريد 62، الجميلة 63، فتح المنان 35، إرشاد 51، تنبيه العطشان 41، الجامع 37. (¬8) وهو الأكثر قال أبو عمرو الداني: «فإن الرسم في أكثر المصاحف، ورد بحذفهما معا سواء كان بعد الألف حرف مضعف أو همزة» ثم ذكر أنه أنعم النظر في مصاحف أهل العراق الأصلية، فلم يرها تختلف في ذلك» ومثله للشاطبي. انظر: المقنع 23، تلخيص الفوائد 52، تنبيه العطشان 42. في أ، ب: «ألفان» وما أثبت من: ج، ق، هـ.

أختار (¬1)، وذلك (¬2) نحو قوله (¬3)]: الصّلحت (¬4) [والحفظت (¬5) وحفظت (¬6) والصّبرت والخشعت (¬7)] والصّدقت (¬8) وعبدت (¬9) وفنتت (¬10) [تئبت (¬11)، وسئحت (¬12) والصّئمت (¬13)، والنّزعت (¬14)، والنّشطت (¬15)، والصّفّت (¬16) والسّبحت (¬17)، فالسّبقت (¬18)، والعديت (¬19)، وغيبت (¬20)] وشبهه (¬21). ¬

_ (¬1) وبه جرى العمل موافقة لأكثر المصاحف، واتفقت على ذلك مصاحف أهل المشرق والمغرب، إلا كلمات منصوص عليها في مواضعها. انظر: دليل الحيران 52، سمير الطالبين 36. (¬2) في أ: «وكذلك» وما أثبت من: ج، ق، م، هـ وهو الصواب. (¬3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب (¬4) من الآية 24 البقرة. (¬5) من الآية 35 الأحزاب. (¬6) من الآية 34 النساء. (¬7) كلاهما في الآية 35 الأحزاب. وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب (¬8) من الآية 35 الأحزاب. (¬9) من الآية 5 التحريم، سقطت من: ب. (¬10) من الآية 5 التحريم، وفي ب: «والقننت والغرفت» وهو تصحيف. (¬11) في أ، ق: «ثيبت» وما أثبت من ج، هـ، م لأن الكلام في الجمع ذي الألفين، وهو الصواب. (¬12) من الآية 5 التحريم. (¬13) من الآية 35 الأحزاب. (¬14) من الآية 1 النازعات. (¬15) من الآية 2 النازعات. (¬16) من الآية 1 الصافات. (¬17) من الآية 3 النازعات. (¬18) من الآية 4 النازعات. (¬19) من الآية 1 العديات. (¬20) سيأتي في الآية 15 يوسف. وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬21) في ب: «وشبه ذلك».

ويحتاج الناسخ لكل مصحف يضبطه (¬1)، أن يترك لموضع (¬2) الألف، والياء والواو، في كل ما ذكرناه (¬3) وشبهه، فسحة (¬4) نحو: يادم (¬5) ويأيّها (¬6) وينوح (¬7) ويلوط (¬8)، [وتراء الجمعن (¬9) ونابجانبه (¬10) وبرءاؤا (¬11) وجاءنا (¬12) وشبهه مما حذفت منه الألف، والياء، والواو. ويترك لها (¬13) أيضا (¬14) فسحة، في نحو (¬15) قوله (¬16): داود (¬17) ¬

_ (¬1) في أ، ج، م: «يضبط» وما أثبت من: ب، هـ. (¬2) في هـ: «موضع». (¬3) في ب، ج: «ما ذكرنا» وفي ق: «ذكرت». (¬4) في ب ألحقت فوق السطر. (¬5) ستأتي في الآية 34 البقرة. (¬6) ستأتي في الآية 20 البقرة. (¬7) من الآية 32 هود. (¬8) من الآية 80 هود. (¬9) ستأتي في الآية 61 الشعراء. (¬10) ستأتي في الآية 83 الإسراء، والمثال سقط من: ب. (¬11) ستأتي في الآية 4 الممتحنة. (¬12) ستأتي في الآية 37 الزخرف. (¬13) في ب: «له» وفي أ، ج: «لهما» وما أثبت من: هـ. (¬14) سقطت من: ب، وفي ج: تقديم وتأخير. (¬15) سقطت من: ب. (¬16) في أ: «له» وبعدها في ب: «للواو مثل» وما أثبت من: ج، هـ. (¬17) سيأتي في الآية 249 البقرة و 162 النساء.

وما ورى عنهما (¬1) وفأوا إلى الكهف (¬2)، وو إن تلوا أو تعرضوا (¬3) وليسئوا (¬4) على قراءة من ضم (¬5) الهمزة (¬6) وكذلك: الغاون (¬7) ولا يستون (¬8). وكذلك (¬9) بعد ميم الجمع (¬10) لرواية ورش (¬11)، ومن (¬12) تبعه نحو قوله: ءانذرتهم أم لم (¬13) وعليكم أنفسكم (¬14)، وإذا قيل لهم ءامنوا (¬15) وشبهه. ¬

_ (¬1) ستأتي في الآية 19 الأعراف. (¬2) ستأتي في الآية 16 الكهف. (¬3) ستأتي في الآية 134 النساء. (¬4) ستأتي في الآية 7 الإسراء. (¬5) في ب: «يضم». (¬6) أما على قراءة من فتح الهمزة، فلا مجال لترك الفسحة، لنيابة الواو السوداء عن الواو الحمراء في قراءة الضم، وسيأتي في موضعه. (¬7) ستأتي في الآية 94 الشعراء. (¬8) من الآية 19 التوبة، وفي ب: «يستوون». وسيذكر حذف الواو عند قوله: وإذا لقوا الذين في الآية 13 البقرة. (¬9) في ب، هـ: «كذلك». (¬10) في أ: «الجميع» وما أثبت من، ب ج، م، هـ. (¬11) قرأ ورش من طريقيه بالصلة، إذا وقع بعد ميم الجمع همزة قطع، قال الإمام الشاطبي: ومن قبل همز القطع صلها لورشهم انظر: إبراز المعاني 74، النجوم الطوالع 35، النشر 1/ 274. (¬12) في ب: «من». (¬13) ستأتي في الآية 5 البقرة. (¬14) من الآية 107 المائدة. (¬15) من الآية 12 البقرة.

وكذلك (¬1) إن أراد (¬2) ضبطه لابن كثير، وقالون (¬3) من غير رواية أبي نشيط (¬4) نحو (¬5) قوله: غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين (¬6)، وممّا رزقنهم ينفقون (¬7) وبالاخرة هم يوقنون (¬8) وأم لم تنذرهم لا يومنون (¬9) وشبهه. وكذلك (¬10) بعد: هاء الضمير (¬11) يترك فسحة لمكان الواو، ¬

_ (¬1) في ب: «وكذا». (¬2) في هـ: «إن أريد» وألحقت في حاشيتها. (¬3) ويوافقهما من العشرة أبو جعفر. (¬4) أي من طريق الحلواني، قال مكي: «والاختيار عند القراء، ضم الميمات كلها للحلواني، وإسكانها كلها لأبي نشيط» وهذا إذا وقعت قبل حرف متحرك، قال الشاطبي: وصل ضم ميم الجمع قبل محرك* دراكا وقالون بتخييره جلا انظر: سراج القاري 32، النجوم الطوالع 36، النشر 1/ 273، التبصرة 353، غاية النهاية 2/ 272. (¬5) في ب، ج: «في نحو». (¬6) ستأتي في الآية 7 الفاتحة. (¬7) ستأتي في الآية 2 البقرة. (¬8) من الآية 3 البقرة. (¬9) من الآية 5 البقرة، والمثال سقط من: ب. (¬10) في ب، هـ: «وكذا». (¬11) وتسمى في عرف القراء هاء الكناية، يكنى بها عن المفرد المذكر الغائب، ولا تكون إلا زائدة، متصلة بفعل، أو باسم ظاهر، أو بحرف، ولها أربعة أحوال: الأولى: أن تقع بين ساكنين، الثانية: أن تقع قبل ساكن وقبلها متحرك، واتفق القراء على عدم الصلة في هاتين الحالتين. الحالة الثالثة: أن تقع بين متحركين، وهو مقصود المؤلف، وعليه تلحق للصلة واو حمراء أو ياء مردودة حمراء بحسب حركة الهاء، قال الشاطبي: ولم يصلوا ها مضمر قبل ساكن* وما قبله التحريك للكل وصلا وسيذكر المؤلف الحالة الرابعة عقب هذا. انظر: النشر 1/ 304، إتحاف 1/ 149، سراج القارئ 45، التبصرة 254.

إن كانت مضمومة، نحو قوله: إذ جاءه أليس (¬1) وتاويله إلّا الله (¬2)، وأنّه أهلك (¬3) وإنّه يقول (¬4) ولا تاخذه سنة (¬5)، وأنّه هو (¬6) وشبهه. وكذلك (¬7) يفعل في رواية (¬8) ابن كثير خاصة إذا سكن ما قبل الهاء (¬9) في نحو (¬10) قوله: لا ريب فيه هدى (¬11) وما عفلوه وهم (¬12)، وشروه بثمن (¬13)، وفاجتبه ربّه (¬14)، وعنه تلهّى (¬15)، ومنه حبّا (¬16) وشبهه. ¬

_ (¬1) من الآية 31 الزمر. (¬2) من الآية 7 آل عمران. (¬3) من الآية 49 النجم. (¬4) من الآية 67 البقرة. (¬5) من الآية 253 البقرة، ووقع فيها تصحيف في ب. (¬6) من الآية 43 النجم. (¬7) في ب: «وكذا». (¬8) في قراءة ابن كثير على ما اصطلح عليه القراء. (¬9) وهي الحالة الرابعة لهاء الكناية أن تقع قبل متحرك، وقبلها ساكن، فيصلها ابن كثير بواو لفظية، فتلحق واو حمراء أو ياء مردودة حمراء ويوافقه حفص في قوله تعالى: فيه مهانا. انظر: التبصرة 255. (¬10) في ب: «نحو قوله» وفي ج: «في قوله». (¬11) ستأتي في الآية 1 البقرة. (¬12) من الآية 74 البقرة. (¬13) من الآية 20 يوسف. (¬14) سيأتي في الآية 50 سورة ن. (¬15) من الآية 10 عبس. (¬16) من الآية 99 الأنعام، في ب: «منه» و «عنه».

وكذا (¬1) يترك للياء فسحة في نحو (¬2) قوله (¬3): الدّاع إذا دعان (¬4) وما كنّا نبغ فارتدّا (¬5) وشبهه من الزوائد (¬6). وكذلك (¬7) في قوله: النّبيين (¬8) وربّنيّين (¬9) والامّيّين (¬10) وشبهه. وكذلك (¬11) يفعل (¬12) في قوله: وما يضلّ به إلّا الفسقين (¬13) وعلى عبده (¬14)، واءتوا به متشبها (¬15)، به إن كنت (¬16) وبتاويله إنّا (¬17) ¬

_ (¬1) في ج: «وكذلك». (¬2) في ب: «نحو». (¬3) سقطت من ج. (¬4) ستأتي في الآية 185 البقرة. (¬5) ستأتي في الآية 63 الكهف، ووقع فيها تصحيف في: ب. (¬6) وسيذكرها عند قوله: وإيّى فارهبون رأس الآية 39 البقرة. (¬7) في ب، هـ: «وكذا». وبعدها في ج: «يترك». (¬8) سيذكرها في الآية 60 البقرة. (¬9) من الآية 78 آل عمران. (¬10) من الآية 74 آل عمران. (¬11) في ب، هـ: «وكذا». (¬12) سقطت من أ، وما أثبت من: ب، هـ وفي ج: «يترك». (¬13) من الآية 25 البقرة. (¬14) من الآية 9 الحديد. (¬15) من الآية 24 البقرة، وقبلها في ب، ج: فأتوا بسورة من مثله. (¬16) من الآية 30 الشعراء سقطت من: ج، وفي كل النسخ: «به إن كنتم». (¬17) من الآية 36 يوسف.

وبمزحزحه (¬1) وشبهه (¬2) ليثبت الياء (¬3) أيضا مكان المحذوف (¬4)، أو يخلف مكانها مطة (¬5). وكذلك (¬6) يترك لمكان (¬7) الهمزات (¬8) أيضا فسحة، نحو (¬9): من امن (¬10) ومن عين انية (¬11)، ولقد اتينا (¬12) [والمستهزءين (¬13) ومتّكئين (¬14)] ولّيواطئوا (¬15) ويئوسا (¬16)، وشبهه، فقس على هذا ¬

_ (¬1) من الآية 95 البقرة. (¬2) في ب: «وشبه ذلك». (¬3) ألحقت في حاشية أ، وسقطت من: ج. (¬4) في ب: «المحذوفة». (¬5) ولا عمل عليه ورجح أبو داود في أصول الضبط إلحاق المحذوف بالأحمر دون الاستغناء بالمطة فقال: «وهو الأوجه والأولى في الاستعمال أن ترسم الألف والياء والواو المحذوفات من الرسم بالحمراء» وعلل ذلك بقوله: «فرقا بين المد الطبيعي والمد المتكلف» وبه العمل. انظر: أصول الضبط 149. (¬6) في ب: «وكذا». (¬7) في ج: «مكان». (¬8) في ب: «الهمزة». (¬9) في ب: «في نحو». (¬10) من الآية 18 التوبة. (¬11) من الآية 5 الغاشية. (¬12) من الآية 51 الأنبياء. (¬13) من الآية 95 الحجر، وفي جميع النسخ وقعت منكرة. (¬14) من الآية 53 الرحمن، وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬15) سيأتي في الآية 37 التوبة. (¬16) من الآية 83 الإسراء. انظر: قوله تعالى: وإذا لقوا في الآية 13 البقرة.

كله، واهتد به (¬1)، فهو من كمال الناسخ (¬2)، ومن مؤكد ما يحتاج إليه الضابط، وإلا لم يتم له المراد ولا استبان (¬3). [ثم قال (¬4) تعالى: ملك يوم الدّين (¬5)]، وكتبوا في جميع المصاحف: ملك يوم الدّين بغير ألف، مثل: ملك النّاس (¬6) وكذا كتبوا: قل اللهمّ ملك الملك (¬7) بإجماع (¬8)، واختلف القراء هنا خاصة، فقرأه (¬9) عاصم والكسائي (¬10) بألف بين الميم واللام في اللفظ، مثل المجمع عليه في آل عمران، وقرأ (¬11) سائر القراء بغير ألف، مثل الذي في الناس (¬12)، بإجماع أيضا هناك (¬13)، ¬

_ (¬1) في أ، ج، هـ: «واهتبل» وفي ب: «وأبتهل» وهو تصحيف وما أثبت من: م. (¬2) في ب: «جل النسخ» وهو تصحيف. (¬3) سقطت من: ب. (¬4) سقطت من: أ، ج، وما أثبت أولى. (¬5) الآية 3 الفاتحة، ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬6) من الآية 2 الناس. (¬7) من الآية 26 آل عمران. (¬8) واتفق على ذلك جميع شيوخ الرسم، فذكرها أبو عمرو الداني في باب ما اتفقت على رسمه مصاحف الأمصار عن محمد بن عيسى عن نصير، وذكره الغازي بن قيس في هجاء السنة أنه في مصحف عثمان بن عفان: «ملك» ثلاثة أحرف، ومثله للطلمنكي والشاطبي وغيرهم، ورواها أبو عبيد عن أم سلمة أنها بغير ألف، رعاية للقراءتين. انظر: المقنع 83، الدرة 13، الوسيلة 20، الجميلة 41. (¬9) في ج، هـ: «فقرأ». (¬10) ويوافقهما يعقوب وخلف العاشر. انظر: النشر 1/ 271، إتحاف 1/ 363، التيسير 18. (¬11) في ب: «وقرأه». (¬12) في ب: «في سورة الناس». (¬13) في ب: «منهم هناك».

وفي آل عمران. ثم قال تعالى (¬1): إيّاك نعبد وإيّاك نستعين رأس الآية الرابعة، عند المدنيين (¬2) والبصري، والشامي (¬3). واعلم أن الهمزة ترد على ضربين (¬4): متحركة وساكنة. فأما المتحركة (¬5): فتقع (¬6) من الكلمة ابتداء، ووسطا، وطرفا. فأما التي تقع ابتداء، فإنها ترسم- بأي حركة تحركت، من (¬7) كسر، أو فتح، أو ضم- ألفا لا غير، نحو: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، وشبهه (¬8)، ونحو: أنعمت عليهم (¬9) وألم تر (¬10) وأنزل (¬11) وشبهه (¬12)، ونحو: ¬

_ (¬1) سقطت من: أ، ب، ج، وما أثبت أولى. (¬2) في هـ: «المدني». (¬3) لأنهم لا يعدون البسملة آية، وهي رأس الآية الخامسة عند المكي والكوفي. انظر: البيان 43، بيان ابن عبد الكافي 13، معالم اليسر 65. (¬4) في أ: «الوجهين» وفي حاشيتها: «ضربين» عليها علامة: «صح». (¬5) في ب: «فالمتحركة». (¬6) في ب: «تقع». (¬7) سقطت من: ج. (¬8) ذكر ذلك أبو عمرو الداني في المقنع 59. (¬9) من الآية 6 الفاتحة. (¬10) من الآية 23 آل عمران. (¬11) من الآية 7 آل عمران. (¬12) سقط من: ب.

انزل (¬1) وأولئك (¬2) واخرجوا (¬3) وابسلوا (¬4) وشبهه (¬5)، لأنها لا تخفف رأسا (¬6) من حيث كان التخفيف يقربها من الساكن (¬7)، والساكن لا يقع (¬8) أولا (¬9)، فجعلت لذلك على صورة (¬10) واحدة، واستعير لها الألف دون الياء والواو، واقتصر عليها دونهما من حيث شاركت الهمزة في المخرج (¬11)، وفارقت أختيها في الخفة (¬12). ¬

_ (¬1) من الآية 71 آل عمران. (¬2) سيأتي في الآية 4 البقرة. (¬3) من الآية 38 الحج. (¬4) من الآية 70 الأنعام. (¬5) سقطت من: ب. (¬6) ب: «لا تختلف رأس» وهو تصحيف. (¬7) في ج: «للساكن». (¬8) في ب: «لا يقف بها» وهو تصحيف. (¬9) وتقريبها من الساكن ينزل منزلة الساكن، فيؤدي ذلك إلى الابتداء بالساكن، والعرب لا تبتدئ بساكن ولا تقف على متحرك، ومن أجل هذا الغرض اجتلبت همزة الوصل، إشعارا بحالة الابتداء، لأنها ليست في موضع التخفيف. انظر: تنبيه العطشان 112، نثر المرجان 1/ 84. (¬10) في هـ: «سورة». (¬11) قال مكي: «الألف مخرجها من مخرج الهمزة، والهاء من أول الحلق، لكن الألف حرف يهوي في الفم حتى ينقطع مخرجه في الحلق، فنسب في المخرج إلى الحلق لأنه آخر خروجه» وذكره سيبويه مع مخرج الهمزة والهاء أيضا. انظر: الرعاية 160، المقنع 60، الكتاب 4/ 433. (¬12) قال مكي: «إنه حرف خفي شديد الخفاء، إذ لا علاج على اللسان فيه عند خروجه». وذكر شراح المورد توجيها آخر، لاختيار الألف صورة للهمزة فلما كانت الهمزة المبتدأة لا تتغير، جعل لها الألف، لأنها لا تتغير عن حال المد واللين بخلاف الواو والياء، لأنهما يتغيران عن حال المد واللين، لأن المد واللين لا يلازمان الواو والياء، فجعل ما لا يتغير صورة لما لا يتغير. انظر: الرعاية 160، 127، التبيان 140، تنبيه العطشان 113.

وكذا (¬1) حكمها، إن اتصل بها حرف دخيل، نحو: بإيمن (¬2) وللايمن (¬3) ولبإمام (¬4) ولإّيلف (¬5) ولإخوانهم (¬6) وبأموالهم (¬7) وسأصرف (¬8) وافأنت (¬9) وفبأىّ (¬10) وباية (¬11) وءلاية (¬12) وكأنّه (¬13) وو كأيّن (¬14) وفلأمّه (¬15) وسأنزل (¬16) ولأقطّعنّ (¬17) ولأصلّبنّكم (¬18) وسأوريكم (¬19) ولأوليهم (¬20) ولأخريهم (¬21) وشبه ذلك ¬

_ (¬1) في ج: «وكذلك». (¬2) من الآية 19 والطور. (¬3) من الآية 17 الحجرات. (¬4) من الآية 79 الحجر. (¬5) من الآية 1 قريش. (¬6) من الآية 11 الحشر. (¬7) من الآية 20 التوبة. (¬8) من الآية 146 الأعراف. (¬9) من الآية 99 يونس. (¬10) من الآية 185 الأعراف. (¬11) ستأتي في الآية 38 البقرة. (¬12) من الآية 67 الشعراء. (¬13) من الآية 43 النمل. (¬14) من الآية 146 آل عمران. (¬15) من الآية 11 النساء. (¬16) من الآية 94 الأنعام. (¬17) من الآية 123 الأعراف. (¬18) ستأتي في الآية 123 الأعراف. (¬19) ستأتي في الآية 145 الأعراف. (¬20) من الآية 36 الأعراف، وفي أ: «ولأوليائهم» وما أثبت من: ب، ج، هـ، م. (¬21) من الآية 38 الأعراف، وفي أ، هـ: «لإخوانهم» وقد تقدم هذا المثال، وما أثبت من: ب، ج ..

كله (¬1). وأما (¬2) التي تقع وسطا، فإنها ما لم تفتح (¬3) وينكسر ما قبلها، [أو تنضم وينكسر ما قبلها (¬4)] ترسم بصورة (¬5) الحرف الذي منه حركتها، دون حركة ما قبلها (¬6)، لأنها به تخفف، فإن كانت حركتها فتحة رسمت ألفا، نحو: سألتم (¬7) ورأيت (¬8) وبدأكم (¬9) ولتقرأه (¬10) وشبهه. وإن كانت كسرة رسمت ياء، نحو: يئس، ويئسوا (¬11) وفلا تبتئس (¬12) وشبهه. ¬

_ (¬1) وقد لخص هذا الباب الخراز في بيت في غاية الإيجاز، فقال: فأول بألف يصور* وما يزاد قبل لا يعتبر وتوجيه ذلك أن هذا الحرف الزائد يقدر كأنه معدوم، فرسمت على مراد الانفصال على لغة التحقيق، ولا عبرة بالزوائد قبلها، ولا يخرجها ذلك عن حكم المبتدأة. انظر: تنبيه العطشان 113، فتح المنان 85، التبيان 140. (¬2) سقطت من: ب. (¬3) في ج، هـ: «تنفتح». (¬4) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أوأثبت في حاشيتها. (¬5) في هـ: «سورة». (¬6) وقع فيها تصحيف في: ب. (¬7) من الآية 60 البقرة. (¬8) من الآية 20 الإنسان، وقبلها في ب: «ورأيتم». (¬9) من الآية 28 الأعراف. (¬10) من الآية 106 الإسراء، وفي ب: «ولتقرأ». (¬11) كلاهما في الآية 13 الممتحنة. (¬12) من الآية 36 هود.

وإن (¬1) كانت ضمة رسمت واوا، نحو: يّكلوكم (¬2) ونّفرؤه (¬3) وشبهه. فإن انفتحت وانكسر ما قبلها، أو انضم (¬4)، [أو انضمت وانكسر ما قبلها (¬5)]، صورت بصورة الحرف الذي منه تلك الحركة، دون حركتها، لأنها به تبدل في التخفيف، فترسم مع الكسرة ياء، ومع الضمة واو. فالمفتوحة (¬6) التي قبلها كسرة نحو: بالخاطية (¬7)، وناشية اليل (¬8) وخاشيا (¬9) وشبهه. والتي قبلها ضمة، نحو: الفؤاد (¬10) ويويّد (¬11) ويولّف (¬12) وكفؤا (¬13) وشبهه. ¬

_ (¬1) في ج: «فإن». (¬2) من الآية 42 الأنبياء. (¬3) من الآية 93 الإسراء. (¬4) وقع فيها تصحيف في: ب. (¬5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬6) في ج: «فأما المفتوحة». (¬7) من الآية 8 الحاقة، وفي ب: أنبئكم وسنقرئك، خاطئة. (¬8) من الآية 5 المزمل. (¬9) من الآية 4 الملك. (¬10) من الآية 11 النجم، وفي ب: «فؤاد». (¬11) من الآية 13 آل عمران. (¬12) من الآية 42 النور. (¬13) من الآية 4 الإخلاص، وسيأتي عند قوله: أتتخذنا هزؤا 66 البقرة.

والمضمومة التي قبلها كسرة، نحو: ننبّيكم (¬1) وسنفريك (¬2) وشبهه (¬3) وهذا مع كون ما قبل المتوسطة (¬4) متحركا، وإن كان ساكنا (¬5) - حرف صحة كان (¬6) أو حرف علة- لم ترسم خطا، لأنها تذهب من اللفظ إذا خففت، إما بالنقل وإما بالبدل، وذلك نحو: فسئل (¬7) ويسئمون (¬8) والمشئمة (¬9) وجزءا (¬10) وسوءة (¬11) وسوءتكم (¬12) وشيئا (¬13) ¬

_ (¬1) من الآية 99 الكهف، وفي ب، ج: «أنبئكم» 221 الشعراء. (¬2) من الآية 6 الأعلى. (¬3) ما لم تكن واو الجمع بعد الهمزة، نحو: نبئوني وليواطئوا فإنها ترسم بصورة تجانس حركتها، وحذفت لاجتماع الصورتين ورعاية للقراءتين، قال الصنهاجي: وسبب افتراق هذا الضرب اختلاف لغة العرب فيه، فذهب الأخفش إلى أن هذا الضرب يسهل إما بين نفسه وبين مجانس حركة ما قبله، وإما بإبداله ياء محضة، وذهب سيبويه إلى أنه يسهل بينه وبين مجانس حركة نفسه، فجاء خط المصحف على وفق اللغتين. انظر: تنبيه العطشان 120، فتح المنان 94، التبيان 154. (¬4) في ج: «المتوسط». (¬5) في ب: «بما كان» وهو تصحيف. (¬6) سقطت من: ب. (¬7) من الآية 59 الفرقان، وتقدمت في أول الفاتحة. وفي ب، ج، هـ: يسل. (¬8) من الآية 37 فصلت. (¬9) من الآية 10 الواقعة. (¬10) من الآية 14 الزخرف، وفي أ، ج: «جزء». (¬11) من الآية 33 المائدة. (¬12) ستأتي في الآية 25 الأعراف. (¬13) من الآية 26 مريم.

وسيئت (¬1) وهنيئا مّريئا (¬2) وشبهه. وكذا (¬3) لا ترسم (¬4) المفتوحة خطا إذا وقع بعدها ألف، ولا المكسورة (¬5) إذا وقع بعدها ياء، ولا المضمومة (¬6) إذا وقع بعدها واو، لئلا يجتمع فى الكتابة ألفان، وياءان، وواوان (¬7). فالمفتوحة (¬8): نحو من امن (¬9) وءادم (¬10) وءازر (¬11) وشنئان (¬12) وأن تبوّءا (¬13) ورءا (¬14) ورءاك (¬15) وقرءاه (¬16) وشبهه. ¬

_ (¬1) ستأتي في الآية 27 الملك، ويذكرها في قوله: «وإذا قيل» 12 البقرة. (¬2) من الآية 4 النساء، وفي ب، ج مفصولتان بواو العطف. (¬3) في ج: «وكذلك». (¬4) في ب: «ترسم» وهو خطأ. (¬5) في ب: «والمكسورة». (¬6) في ب: «والمضمومة». (¬7) باتفاق علماء الرسم وإلى هذا المعنى أشار الخراز بقوله: وما يؤدي لاجتماع الصورتين* فالحذف عن كل بذاك دون مين انظر: المقنع 61، التبيان 155، تنبيه العطشان 121. (¬8) في ج: «فأما المفتوحة». (¬9) من الآية 86 الكهف. (¬10) من الآية 118 طه. (¬11) من الآية 75 الأنعام. (¬12) سيأتي في الآية 3 المائدة. (¬13) سيأتي في الآية 87 يونس، وفي ب: تقديم وتأخير. (¬14) ستأتي في الآية 77 الأنعام. (¬15) من الآية 36 الأنبياء (¬16) من الآية 55 الصافات.

[والمكسورة (¬1) نحو: المستهزءين (¬2) والخاطين (¬3) ومتّكين (¬4) وإسراءيل (¬5) وشبهه (¬6)]. والمضمومة (¬7) نحو: يؤده حفظهما (¬8) ويؤسا (¬9) ومبرّءون (¬10) وشبهه. [وإذا كان الساكن الواقع (¬11) قبلها ألفا (¬12)، وانفتحت لم ترسم (¬13) خطا أيضا، نحو: أبناءنا (¬14) وجاءنا (¬15)، ونساءنا ونساءكم (¬16) وشبهه (¬17)]. ¬

_ (¬1) في ج: «وأما المكسورة». (¬2) من الآية 95 الحجر، وفي أ: «مستهزءين». (¬3) من الآية 29 يوسف، وفي ج، هـ: «خطين» 97 يوسف. (¬4) من الآية 53 الرحمن. (¬5) ستأتي في الآيتين 39، 82 البقرة. (¬6) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬7) في ج: «وأما المضمومة». (¬8) من الآية 253 البقرة وصححت في حاشية أ. (¬9) من الآية 83 الإسراء. (¬10) من الآية 26 النور. (¬11) ألحقت في حاشية أعليها «صح». (¬12) في ب: «ألف». (¬13) في ب: «ترسم لها صورة» وهو تفسير وبيان. (¬14) من الآية 60 آل عمران. (¬15) من الآية 9 الملك. (¬16) من الآية 60 آل عمران. (¬17) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ج.

فإن انضمت رسمت واوا، وإن كسرت رسمت ياء. فالمضمومة (¬1) نحو: اباؤكم وأبناؤكم (¬2) وأولياءه (¬3). والمكسورة (¬4) نحو: من ابائهم (¬5) ونّسائهم (¬6) وبئابائنا (¬7). وأما (¬8) التي تقع طرفا فإنها ترسم، إذا تحرك ما قبلها، بصورة الحرف الذي منه تلك الحركة [بأي حركة تحركت هي، لأنها به تخفف لقوته، فإن كانت الحركة (¬9)] فتحة رسمت ألفا، نحو: بدأ (¬10) وأنشأ (¬11) ومن سبإ بنبإ (¬12) والملأ (¬13) وإلى الملإ (¬14) ويستهزاء (¬15) ونتبوّاء (¬16) وشبهه. ¬

_ (¬1) سقطت من أ، ج، هـ وما أثبت من: ب كما هو في المقنع 62. (¬2) من الآية 11 النساء. (¬3) ستأتي في الآية 34 الأنفال، وسيذكرها عند قوله: «أولياؤهم» في الآية 256 البقرة. (¬4) سقطت وما بعدها من أ، ج، هـ وما أثبت من: ب كما هو في المقنع 62. (¬5) من الآية 25 الرعد. (¬6) من الآية 3 المجادلة. (¬7) من الآية 24 الجاثية، وفي ب، ج: «بأبنائنا». (¬8) سقطت من: ب. (¬9) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: هـ. (¬10) من الآية 19 العنكبوت. (¬11) من الآية 142 الأنعام. (¬12) من الآية 22 النمل. (¬13) من الآية 87 الأعراف. (¬14) من الآية 244 البقرة، وسقط من: ج. (¬15) من الآية 139 النساء. (¬16) من الآية 71 الزمر.

وإن كانت كسرة رسمت ياء نحو: يستهزئ بهم (¬1) وقرئ (¬2) واستهزئ (¬3) ولكلّ امرىء (¬4) ومن شطىء (¬5) ويبدئ (¬6) وتبوّئ (¬7) وشبهه. وإن كانت الحركة أيضا ضمة رسمت واوا، نحو: إن إمرؤا هلك (¬8) ولؤلؤ (¬9) وشبهه. فإن سكن ما قبلها- حرف سلامة (¬10) كان ذلك الساكن، أو حرف مد ولين، وهي حروف التعليل- لم ترسم خطا لذهابها (¬11) من اللفظ إذا خففت، وذلك نحو: الخبء (¬12) وبين المرء (¬13) ودفء (¬14) ومّلء الارض (¬15) ¬

_ (¬1) من الآية 14 البقرة. (¬2) من الآية 204 الأعراف. (¬3) من الآية 33 الرعد. (¬4) من الآية 37 عبس. (¬5) من الآية 30 القصص. (¬6) من الآية 13 البروج. (¬7) من الآية 121 آل عمران. (¬8) سيأتي في الآية 175 النساء. (¬9) من الآية 22 الطور، وفي ب: «واللؤلوء» وبعدها في هـ: «ولؤلؤا»، وسيأتي في الآية 21 الحج. (¬10) العبارة في ب: «وكان حرف سلامة ذلك». (¬11) وقع فيها بعض التصحيف: ب. (¬12) من الآية 25 النمل. (¬13) من الآية 101 البقرة. (¬14) من الآية 5 النحل. (¬15) من الآية 90 آل عمران.

وجزء (¬1) وشىء (¬2) والسّوء (¬3) وسىء بهم (¬4) وجىء (¬5) والمسىء (¬6) وبرىء (¬7) ويضىء (¬8) وبالسّوء (¬9) وثلثة فروء (¬10) ودايرة السّوء (¬11) وسوء اعملهم (¬12) وشاء (¬13) وجاء (¬14) وأبناء (¬15) وسواء (¬16) والماء (¬17) والسّفهاء (¬18) ومن اساء (¬19) ومن الماء (¬20) وماء (¬21) وسواء (¬22) وشبهه. ¬

_ (¬1) من الآية 44 الحجر. (¬2) من الآية 35 النحل وسقطت من: ج، هـ. (¬3) من الآية 17 النساء. (¬4) من الآية 76 هود، وسيأتي في الآية 12 البقرة. وفي ب: «شىء بهم» وهو تصحيف. (¬5) من الآية 66 الزمر، وتأتي في الآية 12. (¬6) من الآية 58 غافر، في ب: «النسيء». (¬7) من الآية 20 الأنعام. (¬8) من الآية 35 النور. (¬9) من الآية 148 النساء. (¬10) ستأتي في الآية 226 البقرة. (¬11) من الآية 6 الفتح، غير واضحة في: ب. (¬12) من الآية 37 التوبة. (¬13) من الآية 22 عبس. (¬14) من الآية 1 النصر. (¬15) من الآية 55 الأحزاب، وستأتي في الآية 20 المائدة. (¬16) ستأتي في الآية 5 البقرة. (¬17) من الآية 10 الحاقة. (¬18) من الآية 12 البقرة. (¬19) من الآية 14 الجاثية. (¬20) من الآية 30 الأنبياء. (¬21) سيأتي في الآية 21 البقرة، وتكرر. (¬22) تكرر في هامش 16.

إلا قوله عز وجل (¬1): أن تبوأ بإثمى (¬2) ولتنواء بالعصبة (¬3) [وليسئوا (¬4) على قراءة (¬5)] من نصب (¬6)، فإن ذلك جاء (¬7) مرسوما بألف بعد الواو الساكنة صورة (¬8) الهمزة المفتوحة (¬9). أما الهمزة الساكنة فتقع أيضا من الكلمة وسطا (¬10) وطرفا، وترسم (¬11) في الموضعين بصورة الحرف الذي منه حركة ما قبلها، لأنها به تبدل في التخفيف، فإن كانت الحركة فتحة رسمت ألفا، نحو: البأس البأساء (¬12) ¬

_ (¬1) سقطت من: ب. (¬2) ستأتي في الآية 31 المائدة. (¬3) ستأتي في الآية 76 القصص. قال أبو العباس المهدوي: «هكذا هما في جميع المصاحف» وقال أبو عمرو: «ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن صورت خطا في المصحف إلا في هذين الموضعين لا غير». انظر: هجاء مصاحف الأمصار 93، المقنع للداني 43. (¬4) ستأتي في الآية 7 الإسراء، وسقطت من: ب. (¬5) وما بين القوسين المعقوفين سقط من: هـ. (¬6) وهم ابن عامر، وشعبة، وحمزة، وخلف العاشر، بالياء والنصب، والكسائي بالنون والنصب، والباقون بالياء والضم مع المد، وسيأتي في موضعه. (¬7) سقطت من: ب. (¬8) في ب: «صورت» وفي ج: «تصور» والأول خطأ. (¬9) وهي ستة أحرف خرجت عن الأصل، خمسة منها تصور همزتها بألف وذكر منها المؤلف كلمتين، وبقيت ثلاث كلمات: السوأى أن في الروم والنشأة في العنكبوت والنجم والواقعة، ولفظ واحد تصور همزته بالياء وهو: موئلا بالكهف وسيذكرها المؤلف في مواضعها. انظر: المقنع 43، هجاء مصاحف الأمصار للمهدوي 93، التبيان 144، تنبيه العطشان 115. (¬10) في ج: «تقديم وتأخير». (¬11) في أ: «ترسم» وما أثبت من ب، ج، م، هـ. (¬12) كلاهما في الآية 176 البقرة.

والضّأن (¬1) وشأن (¬2) وكأسا (¬3) ودأبا (¬4) وكدأب (¬5) واقرأ (¬6) وإن نّشأ (¬7) وأم لم ينبّأ (¬8) وشبهه. وإن كانت كسرة (¬9) رسمت ياء نحو: أنبيهم (¬10) ونبّينا (¬11) وجيت (¬12) وجينا (¬13) وشيت (¬14) وشيتم (¬15)، ولملّيت منهم رعبا (¬16) ونبّىء (¬17) وهيّىء (¬18)، ويهيّىء (¬19) وشبهه. ¬

_ (¬1) من الآية 144 الأنعام. (¬2) من الآية 27 الرحمن، وفي جميع النسخ: «الشأن» ولم يرد في القرآن. (¬3) من الآية 34 النبأ. (¬4) من الآية 47 يوسف. (¬5) من الآية 11 آل عمران. (¬6) من الآية 14 الإسراء. (¬7) من الآية 9 سبإ. (¬8) من الآية 35 النجم. (¬9) في أ: «وإن كسرت» وما أثبت من ب، ج، هـ، م. (¬10) من الآية 32 البقرة. (¬11) من الآية 36 يوسف. (¬12) من الآية 70 الكهف. (¬13) من الآية 41 النساء. (¬14) من الآية 60 النور. (¬15) من الآية 161 الأعراف، وألحقت في حاشية أ. (¬16) من الآية 18 الكهف. (¬17) ستأتي في الآية 49 الحجر. (¬18) ستأتي في الآية 10 الكهف، وما بين القوسين المعقوفين سقط من ب. (¬19) ستأتي في الآية 16 الكهف.

وإن كانت ضمة رسمت واوا نحو: يومنون (¬1) والمومنين (¬2) ويوفكون (¬3) وتسؤكم (¬4) وشبهه. فهذا (¬5) قياس رسم الهمزة، فقس عليه [موفقا للصواب (¬6)] إن شاء الله، [إلا ما جاء من ذلك نادرا، خارجا عن أصله لمعان، سأرسمها لك، وأبينها (¬7)، إن شاء الله، والله المستعان (¬8)]. ثم قال تعالى (¬9): إهدنا الصّراط المستقيم رأس الخمس عند المدنيين والبصري والشامي (¬10)، وكتبوا في بعض المصاحف: الصّراط بغير ألف بين الراء والطاء حيث ما وقع (¬11)، [لفظ: الصّراط (¬12)] سواء (¬13) كان معرفا [بالألف واللام (¬14) أو غير معرف، نحو: صراط الذين أنعمت عليهم (¬15)] ¬

_ (¬1) من الآية 60 النور. (¬2) من الآية 35 الأحزاب، وقبلها في ب: «مؤمنين» وبعدها: «والمؤمنون». (¬3) من الآية 4 المنافقون. (¬4) من الآية 103 المائدة. (¬5) غير واضحة في: ب. (¬6) سقطت من: ج، هـ وما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬7) بعدها في ج: «لك». (¬8) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬9) في موضعها بياض في أ، وسقطت من ب، ج وما أثبت أولى. (¬10) ورأس الآية السادسة عند المكي والكوفي، كما تقدم، في ب: «والبصريين، والشاميين». (¬11) في ب: «حيث وقع». (¬12) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬13) في ب: «وسواء». (¬14) أو بالإضافة بدليل تمثيله بالمضاف، والنص الذي نقله ابن عاشر فيه: «سواء كان معرفا أم لا» وهو الصواب. (¬15) الآية 6 الفاتحة.

[وصراطك المستقيم (¬1) وصراطا (¬2) وإلى صراط العزيز الحميد (¬3) وشبهه (¬4)] وفي بعضها (¬5) بالألف (¬6)، وكلاهما حسن، والأول أختار (¬7). وأجمعوا على كتب (¬8): الذين بلام واحدة، سواء كان (¬9) جمعا، أو مفردا أو تثنية، حيث ما وقع كما فعلوا في «مدّ» و «ردّ» كراهة اجتماع صورتين متفقتين، وكذلك (¬10) فعلوا (¬11) في كلمة: اليل (¬12) والتى أرضعنكم (¬13)، ¬

_ (¬1) من الآية 15 الأعراف. (¬2) من الآية 67 النساء. (¬3) من الآية 2 إبراهيم. (¬4) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬5) في أ: «وبعضها» وما أثبت من ب، ج، م، هـ أولى ليتناسق مع الأول. (¬6) قال المخللاتي: «وألفه ثابتة عند الداني». أقول: لم يذكر الداني تصريحا وإنما أخذوا له الإثبات من عموم قوله: «إثبات الألف في كل ما كان على وزن فعال» فيندرج في هذا الوزن، وليس ذلك بمطرد، لأن الكتاب يرسم بحذف الألف مع أنه يوازن «فعال» فالأصل اقتفاء الأثر واتباع النقل. انظر: إرشاد القراء 65، المقنع 44، تنبيه العطشان 46، التبيان 53، فتح المنان 26. (¬7) أطلق الخراز الخلاف للمؤلف، وكان حقه أن يذكر اختياره، قال ابن القاضي: «جرى العمل بالحذف وهو مختار التنزيل». انظر: بيان الخلاف 27، طرر على مورد الظمآن 112. (¬8) في ج: «كتابة». (¬9) سقطت من ج، ومشار إليه في الحاشية. (¬10) في ب، هـ: «وكذا». (¬11) سقطت من: ج. (¬12) حيث وقع أيضا بإجماع المصاحف، ذكر ذلك أبو عمرو الداني والشاطبي وغيرهم. انظر: المقنع 67، تلخيص الفوائد 85، الجميلة 111، الوسيلة 84. (¬13) ستأتي في الآية 23 النساء، وتكررت في ب، هـ.

والّئى يئسن (¬1)، والتى ياتين (¬2) والتى دخلتم بهنّ (¬3) والتى تظّهّرون (¬4) في هذه الحروف (¬5) المذكورة (¬6) حيث ما وقعت، مع حذف الألف، بعد اللام في جميع القرآن (¬7). ¬

_ (¬1) من الآية 3 الطلاق. (¬2) ستأتي في الآية 15 النساء. (¬3) ستأتي في الآية 23 النساء. (¬4) من الآية 4 الأحزاب، وسقطت من: ب. (¬5) في ب: «فهذه الكلمات». (¬6) سقطت من: ب، ج. (¬7) باتفاق الشيخين، واختلفا في اللام المحذوفة، فقال الداني: والمحذوفة عندي هي اللام الأصلية، وجائز أن تكون لام المعرفة والأول أوجه» ورجحه الخراز، وسكت عن مذهب أبي داود، إلا أن قول المؤلف: «كما فعلوا في «مدّ وردّ» وتصريحه في موضع سورة النساء، معين لمذهبه، في اختيار أن المحذوفة الأولى، فقال: كتبوه بلام، وهي عندي «المتحركة المشددة»، وعلل ذلك بقوله «لأن الفرق بين الواحد والتثنية والجمع ظاهر» وتبعه أبو إسحاق التجيبي في اختياره، ورجحه ابن عاشر، فقال: «ومذهب أبي داود ظاهر الرجحان على غيره». ومن الحجج القاطعة على صحة مذهب أبي داود، أن اللام الأولى هي أولى بالحذف لذهابها بالإدغام، فلما ذهبت في اللفظ بالإدغام، حذفت أيضا في الخط حملا للخط على اللفظ، فإبقاء الثانية كبقائها معا، وحذفها كحذفهما معا، وحذف الأولى كلا حذف، وإبقاؤها كالعدم. ومن جهة أخرى أنه يحصل الفرق للجاهل بقواعد العربية بين لفظ: «التي» مفردا ولفظ: «الّتى» جمعا على مذهب أبي داود دون مذهب أبي عمرو، فعلى رأي أبي داود الفرق بين المفرد والجمع حاصل بعدم تظفير «إلحاق الألف» اللام المفرد، ومع تظفيرها في الجمع، وعلى رأي أبي عمرو لا يحصل الفرق بين المفرد والجمع، فيقع الجاهل الذي ما شرع الضبط، وجازت زيادته على ما تأصل في المصحف إلا من أجله في الخطأ وحينئذ يجب وضع الشدة على اللام وإلحاق الألف «تظفير اللام» في المثنى والجمع هكذا: «الّتي» وجرت على ذلك مصاحف أهل المشرق، في حين خلت من ذلك بعض مصاحف أهل المغرب اتباعا للداني، فلا يضعون الشدة ولا يلحقون الألف، فيقع اللبس بين المفرد والجمع. قال الشيخ الإمام المقرئ محمد صالح التونسي: فضبط اللام في زماننا كاد أن يكون

ثم قال تعالى (¬1): غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين (¬2) اجتمعت المصاحف على حذف الواو، من ميم الجمع (¬3)، أين (¬4) ما أتت، سواء أتى (¬5) بعدها، همزة، أو لم يأت (¬6)، واختلف القراء في إسكانها، وصلتها بواو (¬7). وكتبوا: ولا الضّالّين بألف بين الضاد (¬8) واللام المشددة، وكذا (¬9) كل ما جاء من هذا النوع المضعف، نحو: العادّين (¬10) وحافّين (¬11) والظّانّين (¬12) [وكذا (¬13) إن جاء بعد الألف همزة (¬14)] نحو: الصّئمين (¬15) ¬

_ متعينا لازما في «التي» و «الّتي» للفرق بين صيغة الإفراد وصيغة الجمع. انظر: المقنع 67، ضبط الأسماء الموصولة ورقة 737، التبيان 138، تنبيه العطشان 110، فتح المنان 83، دليل الحيران 205. (¬1) سقطت من أ، ب، ج، وما أثبت أولى قياسا على بقية المواضع. (¬2) رأس الآية 7 بإجماع وآخر السورة. (¬3) سقطت من: ب. (¬4) في ج: «حيث». (¬5) في ب: «أتت». (¬6) في ب: «تأت». (¬7) تقدم الكلام على مذهب القراء في ميم الجمع في أول السورة. (¬8) سقطت من: ب. (¬9) في ب: «وهذا في كل». (¬10) من الآية 114 المؤمنون. (¬11) من الآية 72 الزمر. (¬12) من الآية 6 الفتح. (¬13) في ج: «وكذلك». (¬14) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب، وفي موضعه: «وفي هذا الصنف الآخر خلاف بين المصاحف، وهو هذا من المهموز» وهو تكرار. (¬15) ستأتي في الآية 35 الأحزاب، واقتصر هناك على الحذف للنظائر المجاورة لها.

والقائمين (¬1)، والسّائلين (¬2) والخائنين (¬3) وفي هذا الصنف الأخير (¬4) خلاف بين المصاحف (¬5). ¬

_ (¬1) من الآية 24 الحج. (¬2) من الآية 176 البقرة. (¬3) من الآية 52 يوسف. (¬4) سقطت من: ج، وفي ب: «الآخر». (¬5) وهو المهموز قال الداني: «فإن جاء بعد الألف همزة أو حرف مضعف أثبتت الألف في ذلك، على أني تتبعت مصاحف أهل المدينة وأهل العراق العتق القديمة فوجدت فيها مواضع كثيرة مما بعد الألف فيه همزة قد حذفت الألف منها، فالمشدد المذكر لم يرد فيه عن الشيخين خلاف، وإنما نقل الإثبات فيه عن جميعهم، والخلاف ورد عنهم في المهموز، والمشهور الذي عليه العمل، الإثبات، وعللوا الإثبات فيهما بأن المد قد وجب فوجب ثبوت حرفه، لأن الإشباع منزل منزلة حرف آخر، فلم يحذف لقيامه مقام حرفين». والأولى اتباع النقل والرواية، ويقيد هذا بما إذا كان مهموز العين، ولا يندرج فيه مهموز الفاء واللام والمنقوص ومحذوف النون، وسيأتي ذلك في أول مواضعه. انظر: المقنع 23، هجاء مصاحف الأمصار 106، الوسيلة 61، تنبيه العطشان 41، التبيان 47، الجميلة 65، فتح المنان 23، إرشاد القراء 51.

سورة البقرة مدنية وهي خمس وثمانون ومائتا آية.

سورة البقرة مدنية (¬1) وهي خمس (¬2) وثمانون ومائتا آية (¬3). بسم الله الرّحمن الرّحيم ألمّ رأس آية عند الكوفي وحده (¬4). ذلك الكتب إلى قوله (¬5): لّلمتّقين (¬6) كتبوا: ألمّ موصولا، ¬

_ (¬1) أخرج النحاس وابن الضريس عن ابن عباس، والبيهقي عن عكرمة والحسن، وأبو عبيد عن علي بن أبي طلحة، وابن الأنباري عن قتادة، أنها نزلت بالمدينة، وذكرها المؤلف ضمن السور المدنية، ويدل على أنها مدنية ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده». قال ابن حجر: «اتفقوا على أنها مدنية، وأنها أول سورة أنزلت، لأنه لم يدخل على عائشة إلا بالمدينة» واستثنى بعضهم قوله تعالى: واتقوا يوما ترجعون فيه فإنها نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى» وكونها كذلك لا يخرجها عن المدني على القول المشهور بأن المدني ما نزل بعد الهجرة. انظر: فتح الباري 9/ 226، الإتقان 1/ 29، التحبير 48، فضائل القرآن 73، دلائل النبوة 7/ 141، الجامع للقرطبي 1/ 152. (¬2) في ب: «خمسة». (¬3) عند المدني الأول والأخير، والمكي والشامي، وست وثمانون ومائتا آية عند الكوفي، وسبع وثمانون ومائتا آية عند البصري. انظر: البيان 43، بيان ابن عبد الكافي 13، القول الوجيز 24، معالم اليسر 67. (¬4) قال الشيخ القاضي رحمه الله: ما بدؤه حرف التهجي الكوفي عدّ* لا الوتر مع طس مع ذي الرا اعتمد نفائس البيان 28. (¬5) سقطت من: أو ما أثبت من: ج، وفي ب: «كتبت الآية كاملة». (¬6) رأس الآية 1 البقرة.

وكذا سائر ما ورد من حروف (¬1) المعجم، الواقعة (¬2) في أوائل السور (¬3)، وهي (¬4) أيضا (¬5) تسع وعشرون سورة، على عدد حروف المعجم، وعدد الحروف المفتتحة (¬6) بهن أربعة عشر حرفا، وهن (¬7): «أ، ل، م، ص، ر، ك، هـ، ي، ع، ط، س، ح، ق، ن،» ويجمعهن (¬8) سورة «يونس» و «مريم» و «النمل» و «غافر» و «الباسقات» و «ن والقلم (¬9)». وكتبوا: ذلك بغير ألف بين الذال واللام، حيث ما وقع (¬10) وكذلك (¬11): الكتب بغير ألف بين التاء والباء، وسواء (¬12) كان معرفا أو غير معرف، إلا في ¬

_ (¬1) في ب: «من ذلك». (¬2) سقطت من: ب. (¬3) إلا في أول سورة الشورى فإن: حم مقطوعة عن: عسق فجرى مجرى نظائرها طردا للباب، ومن ثم عدت آية، وعسق آية أخرى عند الكوفي. انظر: الإتقان 2/ 479، الجامع للقرطبي 16/ 1، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 480. (¬4) في هـ: «وهنّ». (¬5) سقطت من: ب. (¬6) في ب: «المفتتح». (¬7) سقطت من أ، ج، وما أثبت من: ب، هـ. وسقطت الألف من: ب. (¬8) في هـ: «وتحتهن» وهو تصحيف. (¬9) في ج: «تقديم وتأخير». (¬10) أجمع علماء الرسم على حذف الألف، ذكر ذلك أبو عمرو في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف ووافقه الشاطبي، واتفق علماء العربية أيضا على الحذف للتخفيف لكثرة الاستعمال. انظر: المقنع 16، الدرة 31، التبيان 62، تنبيه العطشان 53، فتح المنان 31. وفي ب: «حيث وقع». (¬11) في ب، هـ: «وكذا». (¬12) في ب، هـ: «سواء».

أربعة (¬1) مواضع، فإنهن بألف (¬2) ثابتة، أولاهن (¬3) في الرعد لكلّ أجل كتاب (¬4) والثاني في الحجر: الّا ولها كتاب مّعلوم (¬5) والثالث في الكهف: من كتاب ربّك (¬6) والرابع في النمل: وكتاب مّبين (¬7). وكتبوا: لا ريب فيه بالهاء، اجتمعت (¬8) المصاحف [على ذلك (¬9)] وعلى كل (¬10) ما كان مثله، من هاء (¬11) الضمير (¬12)، في حال الجر والضم، وسواء تحرك ما قبلها نحو: به إلّا (¬13)، تاويله إلّا الله (¬14) وشبهه، أو سكن نحو: ¬

_ (¬1) فيها نقص في: ب. (¬2) في ب، ج: «بالألف». (¬3) في ب، ج: «أولهن». (¬4) سيأتي في الآية 39 الرعد في موضعه الثالث. (¬5) سيأتي في الآية 4 الحجر في موضعه الثاني. (¬6) سيأتي في الآية 27 الكهف في موضعه الثاني. (¬7) سيأتي في الآية 1 النمل في موضعه الأول. واتفق الشيخان على ذلك ما عدا الأربعة المذكورة نص عليها الداني، والشاطبي، والبلنسي صاحب المنصف. انظر: المقنع 20، التبيان 63، تنبيه العطشان 54، فتح المنان 32، الدرة 33. (¬8) في ب: «بإجماع من». (¬9) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬10) سقطت من: أوما أثبت من: ب، ج، م، هـ. (¬11) في ب: «بهاء». (¬12) في أ، ب، ج، هـ: «التكثير» وما أثبت من: م. (¬13) من الآية 25 البقرة. (¬14) من الآية 7 آل عمران، وفيها نقص في ج.

فيه واليه (¬1) وعليه (¬2) وأبويه (¬3) وعنه (¬4) ومنه (¬5)، واختلف القراء في صلتها بواو، وياء (¬6) إذا سكن ما قبلها، ما لم (¬7) تلق الهاء (¬8) ساكنا (¬9). هدى لّلمتّقين بالياء، واجتمعت (¬10) المصاحف على ذلك (¬11)، وعلى ما كان مثله من ذوات الياء، نحو: فرى (¬12) وعمى (¬13) وفتى (¬14) ومولى (¬15) ومّسمّى (¬16) وسوى (¬17) ومصلّى (¬18) ¬

_ (¬1) من الآية 10 فاطر. (¬2) من الآية 104 يوسف. (¬3) من الآية 100 يوسف. (¬4) من الآية 10 عبس. (¬5) من الآية 115 التوبة. (¬6) تقدم وتأخير في: هـ. (¬7) في ج: «مما لم». (¬8) في موضعها في ب: «الياء أو الواو». (¬9) تقدم عند قوله: «الحمد لله» في أول الفاتحة. (¬10) في ب: «بإجماع من». (¬11) سقطت من: ب. (¬12) موضعان في الآية 18 سبإ، 14 الحشر. (¬13) في الآية 43 فصلت. (¬14) في الآية 60 الأنبياء. (¬15) موضعان في الآية 39 الدخان. (¬16) من الآية 281 البقرة، وقعت في واحد وعشرين موضعا. (¬17) في الآية 57 طه، لا غير، وفي ب: «هدى» وفي هـ: «سدى». (¬18) في الآية 124 البقرة لا غير.

ومّصفّى (¬1) وغزّى (¬2) ومّفترى (¬3) وسدى (¬4) وأذى (¬5). وكذلك: والسّلوى (¬6) والموتى (¬7) والمرضى (¬8) والاسرى (¬9) ولشتّى (¬10) وطوبى (¬11) الحسنى (¬12) ولليسرى (¬13) وللعسرى (¬14) ¬

_ (¬1) في الآية 16 القتال لا غير. (¬2) في الآية 156 آل عمران لا غير. (¬3) في الآية 36 القصص، والآية 43 سبإ لا غير. (¬4) من الآية 35 القيامة لا غير، احترازا من قوله: «سدا» فرسم بالألف في جميع مواضعه. سقط من: ج، وفي هـ: «سوى». (¬5) من الآية 195 البقرة، وقع في ثمانية مواضع، وستأتي في موضعها. وقد حصر علماء الرسم هذا الاسم المقصور في خمسة عشر لفظا، نظمها الرجراجي، وجمعها ابن عاشر والفرمي في بيتين، ونقلها المخللاتي. انظر: حلة الأعيان 40، فتح المنان 106، تقييد من شرح الفرمي 247، إرشاد القراء 67. (¬6) من الآية 56 البقرة، وقعت في ثلاثة مواضع. (¬7) من الآية 72 البقرة وقعت في سبعة عشر موضعا، وفي ب: «المثوى». (¬8) من الآية 92 التوبة، وفي ج: «ومرضى». (¬9) من الآية 71 الأنفال، وبعدها في ب: «والسري». (¬10) من الآية 4 الليل، وفي ب، ج، هـ: «وشتى». (¬11) من الآية 30 الرعد. (¬12) من الآية 94 النساء وقعت في سبعة عشر موضعا. (¬13) من الآية 8 الأعلى، 7 الليل لا غير، وفي ب، هـ: «اليسرى». (¬14) من الآية 10 الليل لا غير، احترازا من قوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر في الآية 184 البقرة. وفي ب، هـ: «العسرى».

وبشرى (¬1) وموسى (¬2) وعيسى (¬3) واخرى (¬4) وإحديهما (¬5) وإحديهنّ (¬6) وبشريكم (¬7) وأخريكم (¬8) ومجريها ومرسيها (¬9) والهدى (¬10) والعمى (¬11) والهوى (¬12) وأدنى (¬13) ¬

_ (¬1) من الآية 126 آل عمران، وفي ب، هـ: «البشرى» 64 يونس، وبعدها: «بشريكم» 12 الحديد- وكله مقصود. (¬2) رسم بالياء على مراد الإمالة، وتغليب الأصل نص عليه الداني فيما اتفقت المصاحف على رسمه بالياء، وذكر المهدوي أن ألفه للتأنيث وزنه: «فعلى» وقيل: وزنه «مفعل» وهو مذهب سيبويه، وقيل إنه اسم أعجمي، واقتصر المؤلف في موضعه الأول على أن وزنه: «فعلى» وهو مذهب القراء واختاره المهدوي. وقبلها في ب: «وعسى». انظر: الموضح للمهدوي 69، الإقناع 1/ 298، الموضح للداني 29، الكتاب 3/ 213. (¬3) رسم بالياء على مراد الإمالة ووزنه عند القراء: «فعلى»، وهو قول سيبويه، والياء فيه ملحقة، قال أبو على الفارسي: وليست للتأنيث، وقال بعضهم إن وزنه: «فعلل» واستدلوا على صحة ذلك بالجمع، واختار المهدوي أن وزنه «فعلى» وألفه للتأنيث، لأنك إذا ثنيت انقلبت الألف ياء؛ تقول: «موسيان» و «عيسيان». انظر: الموضح للمهدوي 69، الموضح للداني 29، الإقناع 1/ 298، الكتاب 3/ 213، الدر النثير 2/ 540. وفي هـ: «تقديم وتأخير». (¬4) من الآية 101 النساء، وفي ب، هـ: إحدى. (¬5) من الآية 281 البقرة. (¬6) من الآية 20 النساء. (¬7) من الآية 12 الحديد. وفي ج: «مثويكم» وسقطت من: ب، هـ. (¬8) من الآية 153 آل عمران، وقبلها في ب: «وأخرى» و «أخريهم» وهو كذلك. (¬9) سيأتي في الآية 41 هود، ويأتي في الآية 187 الأعراف. (¬10) سيأتي في الآية 184 البقرة بعدها في ب: «وهديهم» و «هويه». (¬11) من الآية 16 فصلت لا غير. (¬12) من الآية 134 النساء وقعت في أربعة مواضع. وفي ج، هـ: «تقديم وتأخير» وسقطت من: ب. (¬13) ستأتي في الآية 60 البقرة.

وأزكى (¬1) وأبى (¬2) وسعى (¬3) ورمى (¬4) وتتلى (¬5) وتدعى (¬6) ولا يخفى (¬7) وأخفى (¬8) ولا تعرى (¬9) وءاتيكم (¬10) وءاتيها (¬11) وأريكم (¬12) ولا يصليها (¬13) وشبهه (¬14)، إلا في أصل مطرد، وسبعة أحرف متفرقة، فإن المصاحف (¬15) اتفقت على رسم (¬16) ذلك بالألف. ¬

_ (¬1) من الآية 230 البقرة، وقع في أربعة مواضع، وانظر قوله: «وإذا خلا» 75 البقرة. (¬2) في أ: «أنى» وهو تصحيف، لأنها ستأتي وغير واضحة في ج، وما أثبت من: ب، هـ، وهي من الآية 33 البقرة. (¬3) ستأتي في الآية 113 البقرة. (¬4) في الآية 17 الأنفال لا غير. (¬5) في الآية 101 آل عمران، وستأتي في الآية 75 البقرة. (¬6) في الآية 27 الجاثية وبالياء في الآية 7 الصف. (¬7) من الآية 5 آل عمران وفي ب: «ويخفى». (¬8) من الآية 6 طه. (¬9) من الآية 115 طه. (¬10) من الآية 22 المائدة. (¬11) من الآية 7 الطلاق، وقبلها في ب: «وءاتيهم» في الآية 148 آل عمران. (¬12) من الآية 152 آل عمران، وتصحفت في: ب (¬13) من الآية 15 اليل وتصحفت في: ب. وتوجيه رسمها بالياء ذكره أبو عمرو فقال: «اعلم أن المصاحف اتفقت على رسم ما كان من ذوات الياء، من الأسماء والأفعال بالياء على مراد الإمالة، وتغليب الأصل» قال الجعبري موضحا كلام الداني: «الدلالة على أصلها، وهو معنى قول المقنع على تغليب الأصل، ونقله المخللاتي. انظر: المقنع 63، الجميلة 106، الدرة 48، إرشاد القراء 67. (¬14) في ب: «وشبه ذلك». (¬15) وقع فيها تصحيف في: ب. (¬16) في ب: «رسمها بالألف» وما بينهما سقط.

فالأصل المطرد هو ما وقع قبل الياء فيه ياء (¬1) أخرى، نحو: الدّنيا (¬2) والعليا (¬3) والرّءيا (¬4) والحوايا (¬5) وفأحيابه (¬6) ونموت ونحيا (¬7) وأحياهم (¬8) ومّحياهم (¬9) ومحياى (¬10) وهداى (¬11) ومثواى (¬12) ويبشرى في يوسف (¬13)، وما كان مثله كراهية اجتماع ياءين في الصورة (¬14). واختلفت (¬15) المصاحف في هذه الحروف الستة الأخيرة (¬16)، ففي بعضها بألف كما ¬

_ (¬1) سقطت من: ب. (¬2) من الآية 85 البقرة، وهي ألف تأنيث على وزن: «فعلى» وقعت في خمسة عشر ومائة موضع. (¬3) من الآية 40 التوبة لا غير. (¬4) ستأتي في الآية 5 يوسف وهي من الآية 60 الإسراء. (¬5) سيأتي في الآية 147 الأنعام. (¬6) ستأتي في الآية 163 البقرة وقعت في ستة مواضع. (¬7) في الآية 23 الجاثية. (¬8) ستأتي في الآية 241 البقرة، وقبلها في هـ: «أحياكم» وهو كذلك. (¬9) ستأتي في الآية 20 الجاثية، وفي ب مكرر. (¬10) ستأتي في الآية 164 الأنعام. (¬11) ستأتي في الآية 37 البقرة. (¬12) ستأتي في الآية 23 يوسف. (¬13) ستأتي في الآية 19 يوسف. (¬14) ذكر هذا التعليل أبو عمرو الداني، ورواه بسنده عن الكسائي قال: إنما كتبوها بالألف للياء التي في الحرف، فكرهوا أن يجمعوا بين ياءين». انظر: المقنع 64. (¬15) في ب: «واختلف». (¬16) ابتداء من قوله: «وأحياهم» وما بعدها. في: ب الآخرة، وفي هـ: «السبعة الأخيرة».

رسمت (¬1)، وفي بعضها بغير ألف (¬2): أحياهم (¬3) ومّحياهم ومحياى وهداى ويبشرى ومثواى (¬4)، وكذا: سفياها في والشمس (¬5)، وكلاهما حسن، والحذف أختار، ولا أمنع من الإثبات لمجيء ذلك كذلك (¬6). وأما قول (¬7) الله عز وجل [: يحيى إذا كان اسما نحو (¬8)]: ييحيى خذ الكتب بقوّة (¬9) وبغلم إسمه يحيى (¬10) وشبهه من لفظه، وقوله في الأنفال: ويحيى من حيى عن بيّنة (¬11) وفي «طه» و «سبح»: ولا يحيى (¬12) فإن ذلك كله مرسوم (¬13) بالياء على الإمالة (¬14). ¬

_ (¬1) سقطت من: ب. (¬2) سيأتي بيان ذلك في مواضعها من السور، وبيان ما به العمل. (¬3) في هـ: «أحياكم» و «أحياهم». (¬4) تقديم وتأخير في ب، ج، هـ. (¬5) سيأتي في موضعه في الآية 13، وهي ساقطة من: ب. (¬6) إلا أن اختياره في قوله: «هدى» في موضعها في الآية 37 يخالف ما ذكره هنا فاختار هنا الحذف، واختار هناك الإثبات، كما سيأتي بيان ذلك عند كل كلمة في موضعها. (¬7) في ب: «قوله عز وجل». (¬8) ما بين القوسين المعقوفين تقديم وتأخير في ب مذكور بعد قوله: «وشبهه». (¬9) من الآية 11 مريم. (¬10) من الآية 6 مريم. (¬11) سيأتي في الآية 43 الأنفال، وسيذكره عند قوله: «إن وليي الله» في الآية 196 الأعراف. (¬12) من الآية 73 طه. ومن الآية 13 الأعلى. (¬13) تقديم وتأخير في ب، ج، هـ. (¬14) باتفاق الشيخين، سواء كان اسما أو فعلا كما يلاحظ في الأمثلة التي أوردها الشيخان، وهو مذهب أهل المصاحف، ومذهب النحاة أنه لا يرسم بالياء إلا الاسم العلم، فاتفق الفريقان في الاسم، واختلفا في الفعل. انظر: المقنع 64، التبيان 179، فتح المنان 108، تنبيه العطشان 138.

وأما قوله تعالى: خطينا (¬1) وخطيكم (¬2) وخطيهم (¬3) حيث وقع، فمرسوم بغير ياء ولا ألف بعد الياء المتحركة (¬4)، واختلفت (¬5) المصاحف في إثبات ألف (¬6) بين الطاء والياء المتحركة المذكورة، ففي بعضها بألف، وفي بعض (¬7) المصاحف الألف التي بعد الطاء محذوفة (¬8) أيضا (¬9). وأما السبعة الأحرف فهن في إبراهيم: ومن عصانى (¬10) وإلى المسجد الاقصا في بني إسراءيل (¬11)، وفي الحج: أنّه من تولّاه (¬12) وفي القصص، ويس (¬13) معا: مّن اقصا المدينة (¬14) وفي الفتح: سيماهم (¬15) وفي الحاقة: طغا الماء (¬16) هذه السبعة لا غير [ورسموها بالألف (¬17) على مراد ¬

_ (¬1) من الآية 72 طه و 51 الشعراء. (¬2) من الآية 57 البقرة و 11 العنكبوت. (¬3) من الآية 11 العنكبوت. (¬4) في ب: «المفتوحة» وفي ج: «المحركة». (¬5) في ب: «واختلف». (¬6) في ب: «الفاء» وهو تصحيف. (¬7) في ج: «وفي بعضها بغير ألف» وما بعدها ساقط. (¬8) انظر التفصيل عند قوله: نغفر لكم خطيئتكم في الآية 57 البقرة. (¬9) سقطت من: هـ. (¬10) من الآية 38 إبراهيم. (¬11) ستأتي في الآية 1 سبحان. (¬12) ستأتي في الآية 4 الحج. (¬13) سقطت من: ب. (¬14) سيأتي في الآية 19 القصص، وفي الآية 19 يس. (¬15) سيأتي في الآية 29 الفتح، وسيذكره عند قوله: «تعرفهم بسيماهم» في الآية 272 البقرة. (¬16) ستأتي في الآية 10 الحاقة. (¬17) في ب: «بألف».

التفخيم (¬1) والله أعلم (¬2)]. ثم قال تعالى: الذين يومنون بالغيب إلى قوله (¬3): ينفقون (¬4) وكتبوا: يومنون بواو بعد الياء، صورة للهمزة الساكنة، وكذلك كل ما يأتي مثله (¬5). وكتبوا: الصّلوة بالواو، مكان الألف الموجودة في اللفظ (¬6)، وأصلها: «صلوة» على وزن «فعلة» بفتح الفاء، والعين، واللام (¬7). ¬

_ (¬1) اتفق علماء الرسم على هذه المستثنيات السبعة، فرسمت بالألف، ذكر ذلك أبو عمرو الداني ووافقه الشاطبي وغيره، قال الجعبري: ووجه الألف المخصص الدلالة على اللفظ أو على بقائه على أصله من الفتح، وهو معنى قولهم: «على مراد التفخيم». انظر: المقنع 64 الجميلة 106 فتح المنان 107 تنبيه العطشان 136. (¬2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ج. (¬3) سقطت من أ، ب، وما أثبت من: ج. (¬4) رأس الآية 2 البقرة. (¬5) في ب، هـ: «من مثله» وتقدم عند قوله: إياك نعبد في الآية 4 الفاتحة. (¬6) أين وقع هذا اللفظ إذا كان معرفا بالألف واللام، أو مضافا إلى اسم ظاهر نحو قوله: صلوة الفجر وقوله: صلوة العشاء فإن أضيف إلى ضمير لم يرسم بالواو، كما سيذكره عقب هذا. (¬7) وجه ذلك أبو عمرو الداني فقال: «رسمت الألف واوا على لفظ التفخيم» قال الجعبري معقبا على كلام الداني: هو معنى قول ابن قتيبة: بعض العرب يميل بلفظ الألف إلى الواو، ولم أعلل به لعدمه في القرآن، وكلام الفصحاء، ونحوه لابن الأنباري فقال: رسمت على لغة الأعراب، لأنهم ينحون بها نحو الواو». وقال ابن قتيبة: بل كتبت على الأصل، وأصل الألف فيها واو، فقلبت ألفا لما انفتحت، وانفتح ما قبلها» وهو الموافق لكلام المؤلف. انظر: المقنع 54، الجميلة 104، فتح المنان 113، البيان لابن الأنباري 1/ 48، أدب الكاتب 247، تنبيه العطشان 143.

وشاهد (¬1) ذلك من قول الله عز وجل: أولئك عليهم صلوات مّن رّبّهم ورحمة (¬2) واصلواتك تامرك (¬3) على قراءة من قرأ بالجمع (¬4). وكذلك كتبوا: الحيوة (¬5) والزّكوة (¬6) والرّبوا (¬7) في جميع القرآن اجتمعت على ذلك المصاحف، فلم تختلف (¬8). ومثله: بالغداوة (¬9) في الأنعام (¬10) والكهف (¬11) وكمشكوة في ¬

_ (¬1) في ب: «ذكر» وهو تصحيف، وما بعدها سقط من: هـ وألحق في هامشها. (¬2) ستأتي في الآية 156 البقرة. (¬3) ستأتي في الآية 87 هود. (¬4) سيذكره في قوله: إن صلوتك سكن لهم في الآية 104 التوبة. (¬5) من الآية 84 البقرة، وينبغي تقييده بالمعرف بأل حيث وقع، وسيأتي المنكر في قوله: ولتجدنهم أحرص الناس على حيوة ذكرها أبو عمرو في باب ما رسمت الألف فيه واوا على لفظ التفخيم ومراد الأصل، ويدل على ذلك قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان في الآية 64 العنكبوت، وسيذكر المضاف إلى الضمير. انظر: المقنع 54، الجميلة 104، سر صناعة الإعراب لابن جني 2/ 590، تنبيه العطشان 143. (¬6) من الآية 42 البقرة رسم بالواو على الأصل، لأنه من «زكا يزكو» تنبيها على أصله، كيف وقع ولم يقع في القرآن مضافا. انظر: المقنع 54، الجميلة 104، الوسيلة 82، فتح المنان 113، تنبيه العطشان 143. (¬7) ستأتي عند قوله: الذين ينفقون أمولهم في الآية 273 البقرة. (¬8) ذكر أبو عمرو الداني المواضع الأربعة المطردة بالواو، وروى بشر عن عاصم الجحدري: قال في الإمام بالواو، ووافقه الشاطبي وغيره. انظر: المقنع 54، الدرة 48، الوسيلة 82، الموضح للداني 2. (¬9) وأصل ألف الواو لأنه من: «غدا يغدو» ومنه الغدوة، ورسم كذلك على قراءة ابن عامر الشامي. (¬10) سيأتي في الآية 53 الأنعام. (¬11) من الآية 28 الكهف، وسقطت من: ب.

النور (¬1) والنّجوة في المؤمن (¬2)، ومنوة في والنجم (¬3)، فإذا أضيفت الثلاثة الأحرف المتقدمة إلى مكنى، نحو: صلاتى (¬4) وبصلاتك (¬5) و (زكاتي) و (زكاتك) (¬6) و (حياتي) (¬7) و (حياتك) (¬8) لم تكتب بالواو (¬9). واختلفت المصاحف في إثبات ألف مكانها وفي حذفها (¬10)، وسيأتي ذلك في موضعه (¬11) إن شاء الله. ¬

_ (¬1) ستأتي في الآية 35 النور. (¬2) ستأتي في الآية 41 المؤمن. (¬3) ستأتي في الآية 20 النجم. (¬4) ستأتي في الآية 164 الأنعام. (¬5) ستأتي في الآية 109 الإسراء. (¬6) لم ترد كلمة: «الزكوة» مضافة في القرآن ولم تقع إلا معرفة بأل أو منكرة، ولا يصح التمثيل بها. انظر: تنبيه العطشان 143، دليل الحيران 284. (¬7) في قوله تعالى: قدمت لحياتي من الآية 27 الفجر. (¬8) لم يرد هذا اللفظ في القرآن ولعله يقصد قوله: حياتنا الدنيا سيأتي في الآية 30 الأنعام، ومثله في الآية 37 المؤمنون، و 23 الجاثية، أو قوله: في حياتكم الدنيا سيأتي في الآية 19 الأحقاف. (¬9) اتفقت المصاحف على رسمها بغير واو، إذا أضيفت إلى الضمير كما سيأتي. (¬10) وهي: «الصلاة» و «الحيوة» فقط، لأن: «الزكوة» لم ترد مضافة. فإن أضيفت إلى ضمير فيها خلاف والمشهور رسمه بألف ثابتة. قال أبو عمرو الداني: «فمرسوم ذلك كله بغير واو، وربما رسمت الألف في بعض المصاحف، وهو الأكثر، وربما لم ترسم، وهو الأقل، كذا وجدت ذلك في مصاحف أهل العراق» وسكت عن بقية المصاحف، إلا في ثلاثة مواضع فإنها ترسم بالواو في الآية 104 التوبة، 87 هود، 9 المؤمنون، وستأتي. انظر: التبيان 188، فتح المنان 113، تنبيه العطشان 143، المقنع 54. (¬11) ذكر المؤلف هنا الخلاف دون ترجيح، وكذا حين ذكر تلك الكلم في مواضعها، واقتصر في بعضها كالأحقاف والفجر والماعون على الخلاف، قال ابن عاشر: «فربما يظهر من تلك المواضع ترجيح الحذف» وجرى العمل على إثبات الألف موافقة للفظ، ولأكثر المصاحف. انظر: دليل الحيران 284، فتح المنان 113.

وكتبوا: وممّا متصلا (¬1) في جميع القرآن إلا في النساء (¬2)، والروم (¬3)، والمنافقين (¬4)، ورزقنهم بحذف الألف التي هي ضمير جماعة (¬5) المتكلمين (¬6) الموجودة في اللفظ، بين النون والهاء (¬7) من هذه الكلمة وشبهها حيث ما أتت (¬8) نحو: ءاتينهم (¬9)، وإذ نجّينكم (¬10)، وو وعدنكم (¬11)، ومّكّنّكم (¬12) ¬

_ (¬1) أى وصل: «من» الجارة ل: «ما» الموصولة المجرورة بها. (¬2) في قوله تعالى: فمن ما ملكت سيأتي في الآية 25 النساء. (¬3) في قوله: هل لكم من ما ملكت سيأتي في الآية 27 الروم، وذكر فيه الخلاف في موضعه. (¬4) في قوله: «وأنفقوا من ما رزقنكم» سيأتي في الآية 10 المنافقون. ذكر أبو عمرو الداني بسنده عن محمد بن عيسى المواضع الثلاثة بالقطع، وذكر موضع المنافقين بالخلاف في باب ما اختلفت فيه مصاحف أهل الأمصار، وتابعه الإمام الشاطبي، ونقل المؤلف الخلاف في موضع الروم فقط، وجرى العمل بالقطع في المواضع الثلاثة، وعليها اقتصر أبو العباس المهدوي، ووصل ما عداهن. انظر: المقنع 69، 98، الجميلة 113، الرحيق المختوم 29، هجاء المهدوي 82، دليل الحيران 288، الجامع 81، البديع 277. (¬5) في ب: «هي في جماعة» وما بينهما سقط. (¬6) وقع فيها في ب تصحيف. (¬7) في ب: «تقديم وتأخير». (¬8) ذكرها أبو عمرو الداني في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف بالحذف، إذا اتصل بها ضمير المفعول، وتابعه الإمام الشاطبي وغيره وأجمع عليها كتاب المصاحف. انظر: المقنع 17، الجميلة 54، الدرة 32، الوسيلة 57. (¬9) من الآية 120 البقرة. (¬10) من الآية 48 البقرة، وفي ج، هـ: أنجينكم وفي ب: أنجينهم. (¬11) من الآية 78 طه، وستأتي في الآية 50 البقرة. (¬12) من الآية 25 الأحقاف، وبعدها في ب، ج، هـ: ومكنهم نفس الآية.

وءاتينه (¬1) وعلّمنه (¬2) وانزلنه (¬3)، واتينك (¬4) وأرسلنك (¬5) وفأغوينكم (¬6) وففهّمنها (¬7) وءاتينها (¬8) وفرشنها (¬9) وأنشأنهنّ (¬10) وفجعلنهنّ (¬11) وفجعلنها (¬12) وشبهه (¬13). ثم قال تعالى: والذين يومنون إلى قوله (¬14): هم المفلحون رأس الخمس عند الكوفيين (¬15)، لأنهم عدوّا: ألمّ آية، ولم يعدها الباقون (¬16)، وفي هاتين ¬

_ (¬1) من الآية 175 الأعراف. (¬2) من الآية 68 يوسف. (¬3) من الآية 93 الأنعام. (¬4) من الآية 87 الحجر. (¬5) من الآية 118 البقرة. (¬6) من الآية 32 الصافات. (¬7) من الآية 78 الأنبياء. (¬8) من الآية 84 الأنعام. (¬9) من الآية 48 الذاريات. (¬10) من الآية 37 الواقعة. (¬11) من الآية 38 الواقعة. (¬12) من الآية 65 البقرة. (¬13) ويلاحظ في الأمثلة المذكورة أن هذه الألف الواقعة بعد نون الضمير وقعت في وسط الكلمة، وهذا شرط، وإن لم يصرح به الشيخان، لكن يستقرأ من الأمثلة المذكورة، وإذا وقعت طرفا تثبت باتفاق أئمة الرسم لئلا تلتبس بضمير المؤنث بإجماع من كتاب المصاحف نحو: «وأخذن». انظر: الجامع 35، هجاء مصاحف الأمصار 105، تنبيه العطشان 57، فتح المنان 34، التبيان 68. (¬14) سقطت من: أوما أثبت من: ب، ج. (¬15) رأس الآية 5 البقرة، ورأس الآية 4 البقرة عند غيرهم. (¬16) تقدم في أول السورة.

الآيتين من (¬1) الهجاء، كتبوا: أولئك بواو، بين الألف التي هي صورة الهمزة (¬2) المضمومة، واللام من غير ألف بينها، وبين الياء، التي هي صورة الهمزة (2) المكسورة أيضا، حيث وقعت هذه الكلمة، أعني أولئك، وأولئكم (¬3) اجتمعت على ذلك المصاحف فلم (¬4) تختلف (¬5)، وكذلك زادوا هذه الواو، في قوله: أولوا (¬6) وأولت (¬7) وأولى (¬8) وأولاء (¬9) حيث وقع أيضا. وكذلك زادوها في كلمة: ساوريكم في الأعراف (¬10) والأنبياء (¬11). وكتبوا: على بالياء أين ما أتت، إذا كانت حرفا، فرقا بينها وبين: ¬

_ (¬1) سقطت من: ب. (¬2) في هـ: «للهمزة» في الموضعين. (¬3) من الآية 90 النساء، والآية 43، القمر لا غير، وسقط المثال من: ب. (¬4) وقع عليها تصحيف في: ب. (¬5) وأجمع على ذلك كتاب المصاحف بحذف الألف بعد اللام وزيادة الواو ذكره أبو عمرو الداني، وهذه من الكلمات التي وافق فيها علماء العربية كتاب المصاحف بإجماع الفريقين، وزيدت الواو للفرق بينها وبين ما يشبهها في اللفظ، أو تكون هي الحركة نفسها. انظر: المقنع 16، 53، المحكم 179، التبيان 173، فتح المنان 105، تلخيص الفوائد 46. (¬6) من الآية 268 البقرة. (¬7) من الآية 4 الطلاق. (¬8) من الآية 178 البقرة. (¬9) موضعان في الآية 119 آل عمران، والآية 82 طه. (¬10) سيذكرها في موضعها في الآية 145 الأعراف. (¬11) من الآية 37 الأنبياء سيذكرها مع موضع الأعراف.

علا فى الارض (¬1) التي هي فعل، وكذلك كتبوا: إلى بالياء أيضا (¬2)، فرقا بينها وبين: إلّا المشددة (¬3) اللام (¬4). وكذلك: لدى الحناجر في المؤمن (¬5) بالياء، وفي يوسف: لدا الباب (¬6) بالألف للفرق أيضا (¬7) بينها وبين اسم الإشارة الذي دخلت عليه لام التوكيد (¬8)، إذا قيل: لذا زيد (¬9) ودليل (¬10) هذا إجماع القراء على ¬

_ (¬1) في الآية 3 القصص، ونظيرها: ولعلا بعضهم في الآية 92 المؤمنون، رسمتا بالألف باتفاق لأنها من ذوات الواو. (¬2) سقطت من: ب. (¬3) في ج: «المشدد». (¬4) اقتصر المؤلف على سبب رسمها بالياء للفرق اتباعا لأبي عمرو الداني، وذكر مكي والمهدوي أنها رسمت بالياء لانقلاب ألفها مع الضمير إلى الياء في اللفظ، مثل: «عليه» و «إليه» وهي اللغة المشهورة. انظر: الموضح للداني 5، الموضح في تعليل وجوه القراءات للمهدوي 41، الكشف 1/ 193، تنبيه العطشان 141، التبيان 184، المقنع 65، الجميلة 108. (¬5) ستأتي في الآية 17 غافر، وفي ب، ج: «المؤمنين» وهو تصحيف. (¬6) ستأتي في الآية 25 يوسف. ذكر أبو عمرو الداني: «لدا الباب» في باب ما اتفقت على رسمه مصاحف أهل الأمصار، وذكر «لدى الحناجر» في باب ما اختلفت فيه أهل الأمصار، وقال: وأكثرها على الياء وروى بسنده عن أبي عبيد أنها بالياء، وروى بسنده عن خلف قال سمعت الكسائي يقول: «لدا الباب» كتبت في يوسف بألف، وبه جرى العمل، وجرى العمل في «لدى الحناجر» بالياء موافقة لأكثر المصاحف. انظر: المقنع 65، 85، الدرة 21، الوسيلة 33. (¬7) سقطت من: ب، ج. (¬8) العبارة في ب: «التي قد دخلت عليها لام التأكيد» وفي ج، هـ: «التي قد دخلت لام التوكيد» انظر: الموضح للداني 177. (¬9) في أ، ج: «لذي» وما أثبت من: ب، هـ، م. (¬10) في أ: «دليل» وما أثبت من: ب، ج.

ترك (¬1) الإمالة فيهن (¬2). وكذلك كتبوا: حتّى (¬3) ومتى (¬4) ويويلتى (¬5) ويحسرتى (¬6) ويأسفى (¬7) وعسى (¬8) وبلى (¬9) وأنّى (¬10) التي بمعنى كيف ومتى (¬11) حيث ما وقعت، هذه الأحد عشر حرفا. ¬

_ (¬1) ألحقت في حاشية: أ. (¬2) لأنهن حروف والحروف لا أصل لهن في الإمالات و «لدى» ظرف غير متمكن بمعنى: «عند» ألفه مجهولة الأصل، وتنقلب ياء مع الضمير ونقل الداني عن المفسرين أن معنى الذي في يوسف: «عند» والذي في غافر بمعنى: «في» فلذلك فرق بينهما في الكتابة. انظر: المقنع 98، الموضح 5، الكشف 1/ 193، تنبيه العطشان 241، التبيان 184، حروف المعاني للزجاجي 39. (¬3) ذكر الداني بسنده عن أبي عبيد قال: «فالجمهور الأعظم بالياء ورأيتها في بعض المصاحف بالألف» قال أبو عمرو: «وقد رأيتها أنا في مصحف قديم كذلك بالألف، ولا عمل على ذلك لمخالفته الإمام ومصاحف الأمصار» وقال أيوب لسعيد بن زيد: اجعل: «حتا»، «حتّى»؛ أي اجعل ألفها ياء، وهي حرف لا أصل له في الإمالة، وقال المهدوي: «كتبت بالياء ليفرقوا بين إضافتها إلى الظاهر، وبين إضافتها إلى المضمر» ولا عمل عليه كما قال الداني، واستقر العمل على رسمها بالياء في كل الأحوال. انظر: الموضح للمهدوي 59، المقنع 66، الموضح للداني 5، الجميلة 108، الدر النثير 2/ 543. (¬4) سيذكرها عند قوله: متى نصر الله في الآية 212 البقرة. (¬5) سيذكرها عند قوله: يويلتى أعجزت في الآية 33 المائدة. (¬6) ستأتي في الآية 53 الزمر. (¬7) من الآية 84 يوسف، وسيذكرها في موضع المائدة. ورسمت الألف ياء فيهن لأنها منقلبة عن ياء الإضافة وهو الأصل. انظر: الموضح في تعليل وجوه القراءات للمهدوي 69. (¬8) رسمت بالياء بالاتفاق على الأصل لظهورها في قوله: فهل عسيتم وستأتي في قوله: وعسى أن تكرهوا في الآية 214 البقرة. (¬9) ستأتي عند قوله: بلى من كسب في الآية 80 البقرة. (¬10) سيذكرها في قوله: أنى شئتم في الآية 221 البقرة. (¬11) في أ: «وهي» وهو تصحيف وما أثبت من: ب، ج، هـ.

ثم قال تعالى: إنّ الذين كفروا سواء إلى قوله (¬1): لا يومنون رأس الخمس (¬2) عند المدني (¬3) والمكي (¬4) والبصري والشامي (¬5)، وفيها من الهجاء: إثبات الألف بعد الواو، (¬6) في: كفروا وكذلك (¬7) أثبتت (¬8) في: فسقوا (¬9) وظلموا (¬10) ونسوا الله (¬11) واشتروا الضّللة (¬12)، وعملوا (¬13) وتابوا (¬14) وءامنوا (¬15)، واعتصموا (¬16)، وأصلحوا وبيّنوا (¬17) وقل ادعوا الله أو ادعوا الرّحمن (¬18)، فلا يربوا (¬19)، وارجوا (¬20) ¬

_ (¬1) سقطت من أ، ب وما أثبت من: ج. (¬2) رأس الآية 5 البقرة. (¬3) يشمل المدني الأول، والأخير كما جاء صريحا في ب: «المدنيين». (¬4) في ج: «الكوفي» وهو تصحيف. (¬5) وهي رأس الآية 6 عند الكوفي، لأنه بعد: «الم» آية كما تقدم. (¬6) بعدها في هـ: «من في». (¬7) في هـ: «وكذا» وصححت على حاشيتها. (¬8) في ب: «أثبت». (¬9) من الآية 33 يونس، وقعت في ثلاثة مواضع. (¬10) من الآية 58 البقرة، وجملتها ثلاثة وأربعون موضعا. (¬11) من الآية 67 التوبة ووقع في تسعة مواضع. (¬12) من الآية 15 البقرة وقعت في سبعة مواضع. (¬13) من الآية 24 البقرة وجملتها ثلاثة وسبعون موضعا. (¬14) من الآية 159 البقرة وجملتها عشرة مواضع. (¬15) من الآية 8 البقرة وقعت في ثمانية وخمسين ومائتي موضع. (¬16) موضعان في الآية 145، 174 النساء. (¬17) من الآية 159 البقرة. (¬18) من الآية 109 الإسراء. (¬19) من الآية 38 الروم موضعان في الآية نفسها. (¬20) من الآية 36 العنكبوت.

ويرجوا (¬1) وإنّما أشكوا (¬2) واندعوا (¬3) وأسئوا (¬4). وكذا (¬5): وغدوا (¬6) ومّشوا (¬7) واعتدوا (¬8) واتّقوا (¬9) ولووا (¬10) وءاووا (¬11). وكذا (¬12): لّيبلوا (¬13)، وأو يعفوا الذى (¬14)، ولن نّدعوا (¬15) ولّتتلوا عليهم (¬16)، وما كان مثله من واو الجمع، وواو الأصل، التي في الفعل ¬

_ (¬1) من الآية 105 الكهف، وقعت في خمسة مواضع. (¬2) من الآية 86 يوسف. (¬3) من الآية 71 الأنعام. (¬4) من الآية 9 الروم. (¬5) في أ: «وكذلك» وألحقت في حاشيتها عليها: «صح». (¬6) من الآية 25 القلم. (¬7) من الآية 19 البقرة. (¬8) من الآية 64 البقرة، وفي هـ: «تقديم وتأخير». (¬9) من الآية 102 البقرة، وجملتها تسعة عشر موضعا. (¬10) من الآية 5 المنافقون. (¬11) من الآية 73، 75 الأنفال لا غير. (¬12) في ب، ج، أ،: «وكذلك» وفي حاشيتها: «وكذا» عليها: «صح». (¬13) من الآية 5 القتال. (¬14) من الآية 235 البقرة، واحترز بقيد المجاور عن موضع النساء في الآية 98، وسيذكره. (¬15) من الآية 14 الكهف. (¬16) من الآية 31 الرعد.

حيث وقع (¬1) وسواء كان الفعل الذي الواو فيه لام في موضع نصب، أو رفع، لوقوع (¬2) الواو طرفا في الجميع (¬3). وكذلك (¬4) أثبتت (¬5) بعد الواو التي (¬6) هي علامة الرفع، في نحو قوله: أولوا الالبب (¬7) وأولوا العلم (¬8) وأولوا بقيّة (¬9) وما كان مثله [حيث وقع (¬10)]. وكذا (¬11) أثبتت (¬12) أيضا بعد الواو (¬13) التي هي علامة الرفع، والجمع في قوله: ¬

_ (¬1) ومن أحسن التوجيهات التي ذكرت في سبب زيادة الألف على مذهب أهل المصاحف أنها زيدت للفرق بين ما يتصل وما ينفصل نحو قول: «ضربوهم»، فإن هذا الضمير يحتمل أن يكون مفعولا، فيكون متصلا، ويحتمل أن يكون تأكيدا لضمير الفاعل أو بدلا منه، فيكون منفصلا، وقد أتيا معا في القرآن، مثال الضمير المتصل: وإذا كالوهم أو وزنوهم ومثال الضمير المنفصل: وإذا ما غضبوا هم يغفرون واستظهره الرجراجي، لأنه مطرد في القرآن وفي الكلام وهو الدلالة على فصل الكلمة عما بعدها، وصحة الوقف عليها، وثمت أقوال أخرى لا تخلو من اعتراض، وعدم اطراد، لكن النحاة يزيدون الألف بعد واو الجمع، دون واو الفرد، فرقا بين النوعين، والله أعلم. انظر: المقنع 26، تنبيه العطشان 131، التبيان 166، فتح المنان 101، كشف الغمام 170. (¬2) في ج: «إن وقع» وفي ب: «بوقوع». (¬3) في ب: «في الجمع». (¬4) في ب، هـ: «وكذا». (¬5) في ب: «تثبت». (¬6) في ب: «والتي». (¬7) في الآية 268 البقرة، وجملته سبعة عشر موضعا. (¬8) من الآية 18 آل عمران، وبعدها في ج، هـ: «وأولو العزم» 34 الأحقاف. (¬9) من الآية 116 هود. (¬10) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، هـ، وما أثبت من ب، ج. (¬11) في ج أ: «وكذلك» وفي حاشية أ: «وكذا» عليها: «صح». (¬12) في ب: «ثبت». (¬13) في ب: «بغير الواو» وهو تصحيف.

[بنوا إسراءيل في يونس (¬1). وكذا (¬2) أثبتوها في قوله (¬3)]: مّلقوا الله (¬4)، ومّلقوا ربّهم (¬5)، ومرسلوا النّاقة (¬6)، وكاشفوا العذاب (¬7) وشبهه من الأسماء (¬8). واستثنى الصحابة رضي الله عنهم من هذا الباب ثلاثة أصول مطردة، وسبعة مواضع مفترقة، فحذفوا الألف [بعد الواو (¬9)] فيهن، واجتمعت أيضا (¬10) على ذلك المصاحف (¬11) فلم تختلف. فالأصول الثلاثة المطردة هن (¬12): جاءو (¬13)، وباءو (¬14) حيث (¬15) ما ¬

_ (¬1) من الآية 90 يونس. (¬2) في أ: «وكذلك» وفي حاشيتها: «وكذا» وعليها: «صح». (¬3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ج. (¬4) سيأتي في الآية 247 البقرة. (¬5) ستأتي في الآية 45 البقرة. (¬6) من الآية 27 القمر. (¬7) من الآية 14 الدخان. (¬8) من كل جمع مذكر سالم الذي حذفت نونه باتفاق المصاحف ويندرج معه ما يشبهه مما تقدم كنحو: «أولوا». انظر: المقنع 26، تنبيه العطشان 131، الدرة 37. (¬9) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب. (¬10) سقطت من: هـ. (¬11) تقديم وتأخير في ب، ج. (¬12) سقطت من: ب، ج (¬13) من الآية 184 آل عمران، ووقع في تسعة مواضع. (¬14) من الآية 60 البقرة ووقعت في ثلاثة مواضع. (¬15) في ج: «وحيث».

وقعا، والثالث: هو الاسم المفرد (¬1) المضاف، نحو قوله عز وجل: ذو الجلل (¬2) وذو الفضل (¬3) ولذو فضل (¬4) وذو العرش (¬5) ولذو مغفرة لّلناس (¬6)، وو ذو عقاب اليم (¬7) ولذو علم (¬8) وما كان مثله حيث وقع، وهو يرد في نيف وعشرين (¬9) موضعا (¬10). وأما السبعة الأحرف المتفرقة (¬11) فهن هنا في البقرة: فان فاءو فإنّ الله غفور رّحيم، [رأس أربع وعشرين ومائتي (¬12) آية (¬13)] والثاني في النساء: عسى الله أن يّعفو عنهم عند ثمانية (¬14) وتسعين (¬15) آية منها (¬16)، والثالثة (¬17) في الفرقان رأس إحدى ¬

_ (¬1) في أ: «المنفرد» وما أثبت من ب، ج، م، هـ. (¬2) سيأتي في الآية 25 الرحمن. (¬3) من الآية 104 البقرة وقع في ستة مواضع. (¬4) من الآية 60 يونس ووقع في ستة مواضع. (¬5) من الآية 14 غافر، 15 البروج لا غير. (¬6) من الآية 7 الرعد، ومثله في الآية 42 فصلت، لا غير، وفي هـ: ذو مغفرة. (¬7) من الآية 42 فصلت. (¬8) من الآية 68 يوسف. (¬9) في ب: «وعشرون»، والصواب: «في عشرين ونيف». (¬10) وبالتحديد والحصر يرد في خمسة وثلاثين موضعا، واتفقت على ذلك المصاحف. انظر: المقنع 28. (¬11) في ب: «المفترقة فيهن». (¬12) في ب، ج: «ومائتا». (¬13) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، وألحق في حاشيتها، وسيأتي في موضعه. (¬14) في ب: «ثمان». (¬15) في ب: «وسبعين». (¬16) قال السخاوي: «وفي استثنائه نظر، فإني كشفت ذلك في المصاحف العتيقة العراقية، فوجدته بالألف كأخواته، وكذلك رأيته في المصحف الشامي بعد الواو، وسيأتي في موضعه. (¬17) في ب، ج، هـ: «والثالث».

وعشرين آية منها: وعتو عتوّا (¬1)، والرابع في سبإ في الآية الخامسة منها: سعو (¬2) والخامس في الحشر: تبوّءو الدّار والايمن (¬3) والسادس في التطفيف: كالوهم، والسابع فيها: أو وّزنوهم (¬4) واختلفت بعد هذا في حرفين، وهما: لّتربوا في الروم (¬5)، وءاذوا في الأحزاب (¬6)، ففي بعضها بألف وفي بعضها بغير ألف (¬7). وكذلك (¬8) اجتمعت المصاحف أيضا على زيادة الألف بعد الواو التي هي صورة الهمزة المتطرفة (¬9)، سواء (¬10) وقع قبلها ألف ملفوظ بها أو لم يقع. ¬

_ (¬1) سيأتي في موضعه في السورة. (¬2) سيأتي في موضعه في السورة. (¬3) اقتصر المؤلف على أحد وجهي الخلاف كما سيأتي في موضعه في الآية 9 الحشر. (¬4) ولا يحسن عدهما في جملة المستثنيات إلا عند من يجعل الضمير فيها منفصلا للتوكيد أو للبدل، والراجح أن الضمير متصل فيهما، وحينئذ فلا حذف وسيأتي بيان ذلك في موضعه في الآية 3 المطففين. (¬5) ستأتي في الآية 38 الروم. (¬6) من الآية 69 الأحزاب. (¬7) ذكر أحمد بن يزيد الحلواني: أن في مصاحف أهل المدينة: لتربوا في الروم، ءاذوا في الأحزاب بغير ألف بعد الواو، وأهمل الخراز الخلاف، واستدركه عليه كثير من الشراح، وأصلحوا النظم بأبيات، وأدرجوا فيها الخلاف، واعتذر له بعض الشراح، قال الرجراجي: إنما سكت عنه لضعفه وشذوذه، لأن أبا عمرو: ضعفه، لأنه قال بعد أن ذكره: «ولم أجد ذلك كذلك في شيء من المصاحف» وأطلق الشراح الخلاف فيه لأبي داود من غير ترجيح، لكن مما يرجح زيادة الألف فيه للمؤلف، أنه أطلق الخلاف فيه هنا، ثم لما ذكره في موضعه اقتصر على زيادة الألف، وهو الذي جرى به العمل. انظر: المقنع 27، تنبيه العطشان 132، فتح المنان 102، دليل الحيران 250. (¬8) في هـ: «وكذا». (¬9) في ب: «همزة طرفة» وهو تصحيف. (¬10) في ج: «سوى».

فأما التي قبلها ألف في اللفظ دون الخط لاجتماعهم أيضا على حذفها، فنحو (¬1): جزاؤا (¬2)، وشركؤا (¬3)، وما نشؤا (¬4)، وأبنؤا (¬5)، وما دعؤا (¬6)، والضّعفؤا (¬7)، والبلؤا (¬8)، وبلؤا مّبين (¬9)، وشفعؤا (¬10)، وبرءؤا (¬11) وشبهه. وأما التي لا ألف قبلها في اللفظ والخط، وأثبت (¬12) الألف بعدها فنحو قوله عز وجل: تفتؤا (¬13)، ويعبؤا (¬14)، وأتوكّؤا (¬15)، وو يدرؤا (¬16)، ¬

_ (¬1) في ج: «نحو». (¬2) سيأتي بيان ذكر المتفق عليه والمختلف عند قوله: وذلك جزاؤا في الآية 31 المائدة. (¬3) سيأتي عند قوله تعالى: أنهم فيكم شركؤا في الآية 95 الأنعام. (¬4) سيأتي في الآية 87 هود. (¬5) سيأتي في الآية 20 المائدة. والمثال سقط من: ب، ج. (¬6) سيأتي في الآية 50 غافر، وذكره أيضا في قوله تعالى: وما دعاء في الآية 15 الرعد. (¬7) سيأتي في الآية 23 إبراهيم. (¬8) سيأتي في الآية 106 الصافات. (¬9) سيأتي في الآية 32 الدخان. (¬10) سيأتي في الآية 12 الروم. (¬11) من الآية 4 الممتحنة. (¬12) في: «وأثبتت أيضا». (¬13) سيذكره في الآية 85 يوسف. (¬14) سيذكره في الآية 77 الفرقان. (¬15) سيذكره في الآية 17 طه. (¬16) سيذكره في الآية 8 النور.

ويتفيّؤا (¬1)، ويّنشؤا (¬2)، وينبّؤا الانسن (¬3)، ونبؤا الخصم (¬4)، ونبؤا الذين (¬5)، ونبؤا عظيم (¬6) وشبهه. وكذلك (¬7) زادوها في كلمة: الرّبوا حيث وقع (¬8)، وفي قوله في النساء: إن إمرؤا هلك (¬9) وفي قوله: ولؤلؤا في الحج (¬10) وفاطر (¬11)، على قراءة من خفض الهمزة، وهم الجماعة حاشا نافع وعاصم (¬12). وكتبوا: سواء بألف (¬13) واحدة من غير صورة للهمزة اجتمعت على ذلك المصاحف (¬14) وعلى ما كان مثله. ¬

_ (¬1) سيذكره في الآية 48 النحل. (¬2) سيذكره في الآية 17 الزخرف. (¬3) سيذكره في الآية 13 القيامة. (¬4) سيذكره في الآية 20 سورة ص. (¬5) سيأتي في الآية 11 إبراهيم والآية 5 التغابن. (¬6) سيأتي في الآية 66 سورة ص. (¬7) في هـ: «وكذا». (¬8) في ج: «وقعت». وستأتي في الآية 274 البقرة. (¬9) ستأتي في الآية 175 النساء. (¬10) سيأتي في الآية 21 الحج. (¬11) من الآية 33 فاطر، وذكرها مع موضع الحج. (¬12) ويوافقهما أبو جعفر، ويعقوب في موضع الحج، ويوافق الجماعة في موضع فاطر، وسيأتي بيان ذلك في موضعه. وفي ب، ج، هـ: «نافعا وعاصما». (¬13) في ب: «بالألف». (¬14) في ب، ج: «تقديم وتأخير».

وكتبوا ءانذرتهم بألف واحدة، وكذلك جميع ما أتى من مثله، مما يستفهم به كراهة (¬1) اجتماع (¬2) ألفين، ويحتمل أن تكون المرسومة (¬3) هي همزة الاستفهام، والمحذوفة همزة الأصل والقطع (¬4) فعلى هذا تكون الهمزة في رأس الألف (¬5)، ويحتمل أن تكون المرسومة هي الثانية، فتكون الهمزة حينئذ قبل المرسومة وتكون المرسومة هي همزة الأصل أو القطع (¬6). وقد أتى في كتاب الله عز وجل من الاستفهام موضعان، دخلت فيه همزة الاستفهام على همزتين: الأولى للقطع (¬7) والثانية للأصل، واجتمع (¬8) فيه ثلاث ألفات (¬9) ¬

_ (¬1) في أ، ب، ج: «كراهية» وما أثبت من: هـ. (¬2) في ب: «إجماع» وهو تصحيف. (¬3) سقطت من: ب. (¬4) ألف القطع تكون في كل ما كان على أربعة أحرف في ماضيه ومستقبله، وسميت ألف القطع لأنها تقطع في الأمر في الاستئناف والوصل، نحو: «أحسن» و «أكرم» و «أقام». انظر: معاني الحروف للرماني 144. (¬5) وهو مذهب الفراء، وأحمد بن يحيى ثعلب، وابن كيسان، وحجتهم أنها مبتدأة وجاءت لمعنى. (¬6) وهو مذهب الكسائي، وعلى هذا القول عامة أصحاب المصاحف، وصحح أبو عمرو الداني الوجهين، فقال: «والوجهان في ذلك صحيحان» واختار أن تكون المرسومة هي الثانية، فقال: «وهي عندي الثانية». واختار جماعة من العلماء إعمال القولين والجمع بين المذهبين، فاختاروا في المتفقتين مذهب الكسائي واختاروا في المختلفتين مذهب الفراء، لأن الجمع بين القولين أولى من طرح أحدهما، وعليه العمل. انظر: المحكم 95، المقنع 24، حلة الأعيان 241، تنبيه العطشان 122، كشف الغمام 94. (¬7) وقع فيها تصحيف في: ب. (¬8) في ب، ج: «فاجتمع». (¬9) لأن قياس هذا اللفظ أن يرسم بثلاث ألفات، لأن الهمزة الأولى مبتدأة فقياسها أن ترسم ألفا، وكذلك الهمزة الثانية، قياسها أيضا أن ترسم ألفا، لأنها مبتدأة في التقدير، إذ لا عبرة بالزائد قبلها، والهمزة الثالثة وهي همزة الأصل، فقياسها أن ترسم ألفا، لأنها ساكنة بعد فتح. انظر: تنبيه العطشان 122.

كذلك (¬1) كتبت أيضا (¬2) بألف واحدة مثل ما تقدم سواء (¬3)، وهما كلمة: ءامنتم في الأعراف (¬4) وطه (¬5) والشعراء (¬6) وكلمة: ءالهتنا خير في الزخرف (¬7) لا غير. وتحتمل هذه المرسومة أن تكون (¬8) لهمزة الاستفهام وأن تكون لهمزة القطع وأن تكون لهمزة الأصل (¬9). وكذلك (¬10) كتبوا كل همزة مفتوحة، دخلت على ألف سواء (¬11) كانت تلك (¬12) الألف مبدلة من همزة أو كانت زائدة. ¬

_ (¬1) في أب، ج: «لذلك» وما أثبت من: هـ. (¬2) في ب، ج: «تقديم وتأخير». (¬3) في ج: «سوى». (¬4) من الآية 122 الأعراف. (¬5) من الآية 70 طه. (¬6) من الآية 48 الشعراء. (¬7) من الآية 58 الزخرف. ستأتي كلها في مواضعها وفي موضع الأعراف. (¬8) مكررة في: هـ. (¬9) والمشهور الذي عليه العمل من هذه الثلاثة هو إثبات الصورة لهمزة القطع، دون همزة الاستفهام ودون همزة الأصل، واختاره الأشياخ كلهم أبو عمرو، وأبو داود، والتجيبي. قال أبو عمرو الداني: «وعلى ذلك أصحاب المصاحف، وهو اختياري وإليه أذهب وبه أنقط» وقال: «وكذلك قال أصحاب المصاحف، وذلك عندي أوجه». انظر: المقنع 24، المحكم 100، تنبيه العطشان 122، حلة الأعيان 155. (¬10) في ب، ج: «وكذا». (¬11) في ج: «سوى». (¬12) سقطت من: ب.

فالمبدلة نحو: ءامنوا (¬1)، وءامن (¬2)، وءادم (¬3)، اخر (¬4)، وءازر (¬5) وشبهه. وأما الزائدة فنحو: ولا ءامّين (¬6) وإلّا ءاتى (¬7)، وكلّ اتوه (¬8) وءاسن (¬9) وءانفا (¬10) على (¬11) قراءة بعضهم (¬12) وسيّئات (¬13) والسّيّئات (¬14) وءلات (¬15) ومئارب (¬16) والمنشأت (¬17) على ¬

_ (¬1) من الآية 8 البقرة، وجملتها ثمانية وخمسون ومائتا موضع. (¬2) من الآية 12 البقرة، وجملتها ثلاثة وثلاثون موضعا. (¬3) سيأتي في الآية 30 البقرة. (¬4) من الآية 96 الحجر، ووقع في خمسة عشر موضعا. وسقطت من: ب، ج، هـ. (¬5) من الآية 75 الأنعام، وفي ج: «تقديم وتأخير» في بعض الأمثلة. (¬6) من الآية 3 المائدة. (¬7) من الآية 94 مريم. (¬8) من الآية 89 النمل على قراءة المد، وعلى قراءة القصر تكون الألف صورة الهمزة، وسيأتي بيانه في موضعه من السورة. (¬9) من الآية 16 القتال، على قراءة الجماعة بالمد، أما على قراءة ابن كثير بالقصر، فترسم الهمزة على الألف صورة لها. انظر: النشر 2/ 374، إتحاف 2/ 476، التيسير 200. (¬10) من الآية 17 القتال. (¬11) سقطت من: ب. (¬12) وهي قراءة الجماعة بخلف عن البزي، والوجه الثاني له القصر، وحينئذ، فترسم الهمزة على هذا الوجه على الألف. انظر: النشر 2/ 374، إتحاف 2/ 476. (¬13) من الآية 34 النحل. (¬14) من الآية 18 النساء، وكلاهما سيأتي عند قوله تعالى: بلى من كسب سيئة 80 البقرة. (¬15) من الآية 4 العنكبوت. (¬16) من الآية 17 طه. (¬17) سيذكره في موضعه في الآية 22 الرحمن.

قراءة من فتح الشين (¬1) وشبهه فرسم ذلك كله بألف واحدة. ثم قال تعالى: ختم الله إلى قوله: عظيم (¬2) وفيها من الهجاء حذف الألف من: أبصرهم (¬3) ومن غشوة في الكلمتين (¬4) أين ما أتتا (¬5). وإثبات الألف في عذاب بإجماع حيث ما أتى ذلك، سواء كان معرفا نحو: العذاب أو غير معرف، نحو هذا (¬6). وكذلك أثبتوها في كلمة: الحساب (¬7) والعقاب (¬8) والنّار (¬9) ¬

_ (¬1) هم الجماعة ما عدا حمزة وشعبة بخلف عنه، فإنهم قرءوا بكسر الشين، وسيأتي في موضعه. (¬2) من الآية 6 البقرة. (¬3) كيف وقع سواء كان معرفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكرا، وعليه العمل ولم يتعرض له الداني. انظر: التبيان 62، فتح المنان 31، تنبيه العطشان 53. (¬4) أراد هنا، وفي الآية 22 في الجاثية، ونسب الشيخ الضباع الحذف في موضع الجاثية إلى أبي عمرو، ولم يتعرض له الداني كما نص على ذلك شراح المورد صراحة وضمنا، وسيأتي في موضعه. انظر: التبيان 77، فتح المنان 38، تنبيه العطشان 63. (¬5) في ب، هـ: «أتت». (¬6) أي سواء كان معرفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكرا. سقطت من ج، وفي ب، هـ: «مثل هذا». (¬7) من الآية 200 البقرة. (¬8) من الآية 195 البقرة. (¬9) من الآية 23 البقرة.

والجبّار (¬1)، وكالفجّار (¬2)، والسّاعة (¬3)، والنّهار (¬4)، والانصار (¬5) من النصرة أين ما أتى ذلك (¬6) كله سواء كان أيضا معرفا أو غير معرف في هذه التسع كلم (¬7). ثم قال تعالى: ومن النّاس إلى قوله: وما يشعرون (¬8) وفي هاتين الآيتين ¬

_ (¬1) من الآية 23 الحشر. (¬2) من الآية 27 سورة ص، ولم يقع منكرا. في أ، ج، هـ: «والغفار» وكذا في المقنع المطبوع، والمخطوط، وفي ب: «والقهار» وكلاهما تصحيف، وبالرجوع إلى المصادر والمراجع وشراح المورد تبين لي أن الصواب: «والفجار» تصحفت، لأن هاتين الكلمتين نص المؤلف وغيره على الحذف فيهما في موضعهما، ثم إن الرجراجي وابن آجطا والمارغني لم يذكروهما، بل ذكروا: «والفجار» وهو الصواب. انظر: المقنع 44، المخطوط 279، تنبيه العطشان 52، التبيان 62، دليل الحيران 66. (¬3) من الآية 41 الأنعام. (¬4) من الآية 163 البقرة. (¬5) من الآية 101 التوبة. (¬6) في هـ: «أيضا ذلك». (¬7) وزاد أبو عمرو الداني عن الغازي بن قيس موضعا عاشرا، وهو: «البيان» من الآية 2 الرحمن، ونقص مما قاله أبو داود هنا: «النار» و «الأنصار» فصارت عشرة ألفاظ كلها بإثبات الألف حيث وقعت، وقد جمعها الرجراجي في هذه الأبيات: وألف الساعة والعقاب* وألف العذاب والحساب وألف النهار والجبار* وألف البيان والفجار وألف النار مع الأنصار* ثبت في الخط لدى الأخيار انظر: المقنع 44، تنبيه العطشان 54، التبيان 62. (¬8) رأس الآية 8 البقرة.

من الهجاء حذف الألف من: يخدعون في الكلمتين (¬1) وكذلك (¬2) في النساء: يخدعون الله وهو خدعهم (¬3) وكذا (¬4) حذفوها بعد الخاء من: خلدين وخلدون (¬5) وخلدا (¬6) حيث ما وقع. ثم قال تعالى: فى قلوبهم مّرض إلى قوله (¬7): مصلحون (¬8) رأس ¬

_ (¬1) وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم الياء، وألف بعد الخاء، وكسر الدال، وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون الخاء، وفتح الدال من غير ألف. انظر: النشر 2/ 207، إتحاف 1/ 377، التيسير 72. (¬2) في ب، ج: «وكذا». (¬3) من الآية 141 النساء، باتفاق الشيخين، فذكر ذلك أبو عمرو في باب ما اتفقت على رسمه مصاحف أهل الأمصار، وذكر الثاني فيما رواه عن نافع، واختلف أهل الرسم في قوله: وهو خدعهم لأن الشيخين ذكراه بقصد الحذف، أو تتميما للكلام، إلا أن ابن عاشر قال: «وجدت بطرة مكتوبة على المحل الثاني من التنزيل ما نصه «قال في كتابه المسمى بالتبيين المختصر هذا منه: يخدعون الله وهو خدعهم بحذف ألفيهما» ولقد وقفت على هذه الطرة على الهامش في نسخة م كما ذكر ابن عاشر، ولعلها هي نفسها نسخة ابن عاشر، وقال التجيبي: «في النساء بغير ألف فيهما»، وقال ابن القاضي بالحذف، وبه العمل وهو الحق، قاله في التبيين، وعمدة البيان، والإتقان، والدرة، ونظم ذلك في بيتين فقال: خادعهم بالحذف في التبيين* وفي التجيبي فخذ تبيين ونصه في عمدة البيان* كذاك في اللبيب والإتقان انظر: المقنع 10، 84 بيان الخلاف 71، فتح المنان 33، الدرة 26. (¬4) في ج، هـ: «وكذلك». (¬5) باتفاق الشيخين فيهما، لاندراجهما في قاعدة حذف ألف الجمع كما تقدم في الفاتحة. (¬6) سيأتي عند قوله: هو الذي خلق لكم في الآية 28. (¬7) سقطت من أ، ب، ج، وما أثبت أولى. (¬8) رأس الآية 10 البقرة.

العشر (¬1) عند الجميع، حاشا الشامي وحده (¬2)، وفيها من الهجاء، إثبات الألف في كلمة (¬3): فزادهم الله مرضا، بين الزاي والدال أين (¬4) ما أتى، لفظ الزيادة، اجتمعت على ذلك المصاحف، واختلفت (¬5) القراء في إمالة فتحة الزاي وفي تفخيمها (¬6). وكتبوا: قيل بياء بعد القاف أين ما أتى (¬7) وكذلك (¬8): سىء بهم في هود (¬9) والعنكبوت (¬10) وسيئت في الملك (¬11)، وغيض في هود (¬12) ¬

_ (¬1) سقطت من هـ وألحقت على حاشيتها. (¬2) لأن الشامي يعد قوله تعالى: عذاب أليم رأس آية، فيكون رأس العشر عنده قوله تعالى: بما كانوا يكذبون بعدها. ويوافقه الكوفي، لأنه يعد: ألم آية، فقول المؤلف: «عند الجميع حاشا الشامي وحده» ليس صحيحا، ولعله سهو منه. انظر: البيان 43، بيان ابن عبد الكافي 13، معالم اليسر 67، القول الوجيز 24. (¬3) في هـ «من كلمة». (¬4) في ج: «حيث ما أتى». (¬5) في ب، هـ: «واختلف». (¬6) المراد بها النطق بالحرف مفتوحا من غير تسمين ولا تغليظ. وقرأ بالإمالة حمزة وابن ذكوان وهشام بخلف عنه، وكذا حكم كل ما جاء من هذا الفعل، ووقع في خمسة عشر موضعا، إلا أن ابن ذكوان اختلف عنه في غير موضعه الأول. انظر: النشر 2/ 60، إتحاف 1/ 378. (¬7) وجملة ما وقع منه تسعة وأربعون موضعا. (¬8) ر، ب، ج، هـ: «وكذا». (¬9) من الآية 76 هود. (¬10) من الآية 33 العنكبوت ليس في القرآن غيرهما. (¬11) من الآية 27 الملك. (¬12) من الآية 44 هود، وسقطت من أ، ب، ج، ق، هـ وما أثبت من: م.

وو حيل في سبإ (¬1) وو سيق في الزمر (¬2)، وجىء فيها (¬3) وفي الفجر (¬4) باختلاف (¬5) في هذين الموضعين معا، فكتبوها (¬6) في بعض المصاحف بألف بين الجيم والياء [وفي بعض المصاحف جيم، وياء من غير صورة للهمزة، ولا ألف بين الجيم والياء (¬7)] واجتمعت (¬8) على ذلك المصاحف [فلم تختلف (¬9)] واختلف القراء فيها (¬10) ¬

_ (¬1) من الآية 54 سبإ، وسقطت من: ج. (¬2) موضعان: في الآية 68، وفي الآية 70 الزمر. (¬3) من الآية 66 الزمر، وفي هـ: «وفي الزمر». (¬4) من الآية 25 الفجر. (¬5) في ج: «واختلف». (¬6) في ب، ج، هـ: «فكتبتا». (¬7) لم يذكرها أبو عمرو في المقنع، وإنما ذكرها في المحكم فقال: «وفي مصاحف أهل بلدنا القديمة المتبع في رسمها مصاحف أهل المدينة بألف بين الجيم والياء فيهما» ثم قال: «ولم يجد ذلك في مصاحف أهل العراق القديمة» وذكر السخاوي أنه رآها في المصحف الشامي بالألف واختار المؤلف رسمها بغير ألف في آخر الفجر، وعليه العمل. نسبوا الألف لمصحف المدينة، فقد أطبقوا على ذلك فنجدها في المصحف برواية حفص والمصحف السوداني برواية الدوري بالألف ومع أنهما يتبعان المصاحف العراقية. ولا غرابة في رسم المصحف برواية ورش أو قالون هذه الكلمة بالألف لأنها منسوبة إلى مصاحف أهل المدينة وهو الذي يأخذ عنه نافع. وما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، ب، ج، وما أثبت من: هـ. انظر: المحكم 174، الدرة 28، الوسيلة 49، التبيان 164، مع المصاحف للشيخ يوسف نور 42. (¬8) في ب، هـ: «اجتمعت». (¬9) يعود الإجماع على رسمها بالياء باعتبار ما وجب لها من إعلال. ما بين القوسين المعقوفين سقط من ب، ج. (¬10) ستأتي في مواضعها من السور. وانظر: النشر 2/ 208، إتحاف 1/ 378.

لروايتهم ذلك كذلك عن من أخذوا عليه (¬1) متصلا بالنبي صلى الله عليه وسلم مع اختلاف العرب أيضا (¬2) فيها، إذ فيها لغتان، الضم والكسر (¬3) إلا أن الخط مبني على لغة أهل الحجاز من قريش، وكنانة، ومن جاورهم، وهي الكسر لا غير (¬4) وجملتها ست كلم، وهي كلها أفعال ماضية. ثم قال تعالى: ألا إنّهم هم المفسدون إلى قوله (¬5): لا يعلمون (¬6) وفي هاتين الآيتين من الهجاء حذف الألف بين اللام والكاف من: لكن أين ما أتي (¬7) ¬

_ (¬1) في هـ: «عنه». (¬2) سقطت من أوما أثبت من: ب، ج، هـ. (¬3) وأصل العين في هذه الأفعال الواو، إلا: «غيض» و «جىء» فأصل العين فيهما ياء، على وزن: «فعل» فمن قرأ بالإشمام أراد التنبيه على الحركة الأصلية المحذوفة لموجب التصريف، ومن كسرها أتى بها على ما وجب لها من إعلال. وفيها ثلاث لغات: الأولى الفصيحة الفاشية ترك فائه على كسره كما جاء بها خط المصحف، والثانية إشمام الضمة الكسرة، وهاتان اللغتان مشهورتان، والأولى أشهر من الثانية، وقرئ بهما في العشر، والثالثة: ترك فائه على الضم الذي هو أصله، وتقلب عينه واوا، وهذه اللغة شاذة لم يقرأ بها أحد من القراء، وشاهدها من الشعر: «ليت شبابا بوع، فاشتريت». انظر: الكشف 1/ 229، حجة القراءات 90، شرح ابن عقيل 2/ 115، الحجة 1/ 340. (¬4) سقطت من: ج. (¬5) سقطت من: أ، ب، ج، وما أثبت أولى. (¬6) رأس الآية 12 البقرة. (¬7) باتفاق شيوخ الرسم والعربية حيث وقعت وكيف وقعت، فذكرها أبو عمرو الداني في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف، واقتصر الشاطبي على: «لكن» الساكن النون، قال الجعبري: وحيث كان وضع الباب على العموم عمت عوارضها، فاندرجت: «لكن» المشددة في المخففة» وذكر أبو عمرو أمثلة منوعة وقال: «وشبهه من لفظه حيث وقع». انظر: المقنع 18، الجميلة 52، الوسيلة 55، التبيان 88.

وكذلك (¬1) حذف (¬2) صورة (¬3) الهمزة من: ءامنوا كما قدمنا (¬4) حيث وقع (¬5). ثم قال تعالى: وإذا لفوا الذين ءامنوا إلى قوله (¬6): مهتدين رأس الخمس الثاني (¬7) وفي هذه الثلاث الآيات (¬8) من الهجاء إثبات الألف بعد الواو من: خلوا وقد ذكر (¬9) وحذف الألف من: شيطينهم (¬10)، ومستهزءون بواو واحدة، من غير صورة للهمزة (¬11)، واجتمعت (¬12) على ذلك المصاحف، وكل (¬13) ¬

_ (¬1) سقطت من: أ، وما أثبت من: ب، ج، هـ. (¬2) سقطت من: هـ. (¬3) سقطت من: ب، ج. (¬4) تقدم عند قوله: ءأنذرتهم في الآية 5 البقرة. (¬5) في هـ: «ما وقع». (¬6) سقطت من: أ، ب، ج وما أثبت أولى. (¬7) رأس الآية 15 البقرة. (¬8) في ج: «الثلاثة آيات». (¬9) تقدم عند قوله: إن الذين كفروا في الآية 5 البقرة. (¬10) باتفاق كتاب المصاحف، وقد ذكرها أبو عمرو ضمن جموع السلامة سهوا، إذ هو جمع تكسير. انظر: المقنع 22، التبيان 66، تنبيه العطشان 57، فتح المنان 33. (¬11) وجه إخلاء صورة الهمزة هنا، وشبهه فيه من بلاغة الرسم وفصاحته، كبلاغة نظمه، فقد ذكر علماء الرسم، وجه الحذف لئلا تجتمع واوان، وهو كذلك، إلا أنه لاح لي وجه آخر يبدو لي أنه أهم من كراهية اجتماع المثلين، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم كتبوها بواو واحدة، وهي الواو الدالة على الجمع، وحذفوا صورة الهمزة جمعا بين مذهبي سيبويه والأخفش، لأن سيبويه يسهلها لمجانس حركتها، والأخفش يبدلها لمجانس حركة ما قبلها، فحذف الصورة أوعب للوجهين وأشمل لقراءة أبي جعفر بحذف الهمزة وضم الزاي وصلا ووقفا، ورعاية أيضا لوقف حمزة. انظر: سراج القارئ 88، وغيث النفع 86، التبيان 156، تنبيه العطشان 123. (¬12) في ب، ج، هـ: «اجتمعت». (¬13) في ب: «وعلى» وفي ج: «وكلما».

ما كان مثله نحو: قل إستهزءوا (¬1) والخطئون (¬2) ومتّكئون (¬3) وفمالئون (¬4)، والصّبين على قراءة من همز (¬5) وأنبئونى (¬6) وليطفئوا (¬7) ولّيواطئوا (¬8) وفادرءوا (¬9)، ولا يؤده (¬10) ومبرّءون (¬11)، ويستنبئونك (¬12) وبدءوكم (¬13)، ولا يطئون (¬14) ويؤسا (¬15) وشبهه أين ما أتى (¬16). ¬

_ (¬1) من الآية 64 التوبة لا غير. (¬2) سيأتي في موضعه في الآية 37 الحاقة. (¬3) من الآية 55 يس، ومثله: «يتكئون» 33 الزخرف و «متكئين» 31 الكهف. (¬4) من الآية 66 الصافات ومن الآية 56 الواقعة لا غير. (¬5) سيأتي في الآية 61 البقرة. (¬6) ستأتي في الآية 30 البقرة. (¬7) من الآية 8 الصف ومثله في الآية 32 التوبة لا غير. (¬8) سيذكره في موضعه في الآية 37 التوبة. (¬9) من الآية 168 آل عمران، وقبلها في ب، ج: ويدرءون وهو كذلك من الآية 24 الرعد و 54 القصص. (¬10) من الآية 254 البقرة. (¬11) من الآية 26 النور. (¬12) من الآية 53 يونس. (¬13) من الآية 13 التوبة. (¬14) من الآية 121 التوبة ومثلها في الآية 27 الأحزاب وفي الآية 25 الفتح. (¬15) من الآية 83 الإسراء. (¬16) اتفقت المصاحف على حذف صورة الهمزة، واختار ذلك أبو عمرو الداني فقال: «وجائز أن تحذف واو الجمع وواو البناء، وأن تثبت صورة الهمزة، والأول أقيس، لأن الهمزة قد تستغني عن الصورة وحرف قائم بنفسه، واختلال اللفظ والمعنى جميعا بحذف ما يدل على الجمع أو على البناء»، وقال: «والثابتة عندي في كل ما تقدم في الخط هي الثانية»، واختاره أبو داود في أصول الضبط، فقال: «والأول أختار وبه أنقط، وإليه أميل». انظر: المقنع 36، المحكم 172، أصول الضبط لأبي داود 167.

وكذا (¬1): والغاون (¬2)، ولا يستون (¬3)، ولا تلون (¬4)، وفأوا إلى الكهف (¬5) وشبهه. وكذا (¬6): ما ورى (¬7)، وداود (¬8) مما يجتمع فيه واوان، أين ما أتي ذلك كله (¬9). ويستهزى بهم بياء صورة للهمزة، لانكسار ما قبلها (¬10)، فى طغينهم (¬11) بحذف الألف على ستة أحرف (¬12). ¬

_ (¬1) في ج: «وكذلك». (¬2) سيذكره في موضعه في الآية 94 والآية 223 الشعراء. (¬3) من الآية 19 التوبة، 75 النحل، 18 السجدة، ثلاثة مواضع. (¬4) سيذكرها في الآية 153 والآية 77 آل عمران، ومثلها: «وإن تلووا» سيذكرها في موضعها في الآية 134 النساء. (¬5) سيذكرها في موضعها في الآية 16 الكهف. (¬6) في ب، ج: «وكذلك». (¬7) سيذكرها في الآية 19 الأعراف. (¬8) سيذكرها في الآية 16 ص، والآية 249 البقرة، والآية 162 النساء. (¬9) اتفق الشيخان على رسم الواو الأولى وحذف الواو الثانية، قال أبو عمرو الداني: «والأوجه هاهنا، أن تكون المرسومة الواو الأولى لتحركها، والمحذوفة الواو الثانية لسكونها من حيث كان الساكن أولى بالحذف من المتحرك في ذلك لتولده منه ولدلالة حركة المتحرك عليه» ووافقه أبو داود، وقال: «فصار لذلك كالثابت الذي يعرفه كتاب العرب قديما». انظر: المقنع 36، المحكم 173، أصول الضبط 167. (¬10) لأنها متطرفة وقعت بعد كسر، وتقدم عند قوله: «إياك نعبد» في الآية 4 الفاتحة. (¬11) وجملته تسعة مواضع. (¬12) حيث ما ورد، وكيف ما جاء لأبي داود، ونص أبو عمرو الداني على إثبات ألف هذا الوزن: «فعلان» وذكره ضمن أمثلته، وجرى العمل بالحذف. انظر: المقنع 44، تنبيه العطشان 60، فتح المنان 36، التبيان 72.

والضّللة بلامين من غير ألف بينهما اجتمعت على ذلك المصاحف فلم تختلف، وكذا (¬1) كل ما كان مثله مما فيه لامان (¬2) نحو (¬3): الضّلل (¬4) وضلل (¬5) وظلله (¬6)، وظللهم (¬7) وظللها (¬8)، والكللة (¬9)، ولاخلل (¬10)، ومن خلله (¬11)، وخللكم (¬12)، وخلل (¬13)، وخللها (¬14)، وأغللا (¬15)، والاغلل (¬16)، ومن سللة (¬17) وشبهه (¬18). ¬

_ (¬1) في هـ: «وكذلك». (¬2) وأجمع علماء الرسم والرواة على حذف الألف الواقعة بين اللامين إذا كانت وسطا، وذكره أبو عمرو في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف، ووافقه الشاطبي، ونسب البلنسي صاحب المنصف الحذف إلى المصحف الإمام. انظر: المقنع 17، التبيان 87، الجميلة 53، الوسيلة 56، تنبيه العطشان 60 ودليل الحيران 111. (¬3) في ج: «من نحو». (¬4) من الآية 32 يونس، ووقع في أربعة مواضع. (¬5) من الآية 164 آل عمران ووقع في ثلاثة وثلاثين موضعا. في ج: «في ضلل». (¬6) سيأتي في الآية 48 النحل. (¬7) سيأتي في الآية 16 الرعد، وفي هـ: «تقديم وتأخير». (¬8) سيأتي في الآية 14 الإنسان. (¬9) سيأتي في الآية 175 النساء. (¬10) من الآية 33 إبراهيم. (¬11) سيأتي في الآية 42 النور، ومثله في الآية 47 الروم. (¬12) سيأتي في الآية 47 التوبة. وفي أ: «خلقكم» وهو تصحيف، وما أثبت من ب، ج، هـ. (¬13) سيأتي في الآية 5 الإسراء. وبعدها في ب: «خللا» ولم يقع في القرآن. (¬14) وقعت في الآية 91 الإسراء، وفي الآية 63 النمل، ومثلها: خللهما في الآية 33 الكهف. (¬15) ستأتي في الآية 7 يس والآية 4 الإنسان. (¬16) سيأتي في الآية 157 الأعراف، ووقع في أربعة مواضع. (¬17) من الآية 12 المؤمنون، وسيأتي في الآية 7 السجدة. (¬18) سقطت من أ، ب، هـ، وما أثبت من: ج.

وبالهدى بالياء، ووزنها: «فعل» (¬1) بضم الفاء وفتح العين (¬2) وتّجرتهم بغير ألف (¬3). ثم قال تعالى: مثلهم كمثل الذى استوقد نارا إلى قوله (¬4): بالكفرين (¬5) وفي هذه الثلاث (¬6) الآيات من الهجاء حذف الألف من: ظلمت في الموضعين (¬7) وحذف الألف من: أصبعهم (¬8) وفى ءاذانهم بألف ثابتة بين الذال والنون أين ما أتى (¬9)، وحذف (¬10) الألف من: الصّواعق (¬11) ¬

_ (¬1) في أ، ج: «فعلى» وهو تصحيف وما أثبت من: ب، ج. (¬2) على الأصل والإمالة، لأنها من ذوات الياء، وتقدم. (¬3) كيف وقع لأبي داود سواء كانت معرفة بالألف واللام، أو بالإضافة أو منكرة وعليه العمل ولم يتعرض له أبو عمرو الداني. انظر: التبيان 77، فتح المنان 38، تنبيه العطشان 63. (¬4) سقطت من: ب. (¬5) من الآية 18 البقرة. (¬6) في ج: «الثلاث آيات». (¬7) في الآية 16، والآية 18، وحيث وقع باتفاق الشيخين، لأنه جمع مؤنث سالم كما تقدم في أول الفاتحة. (¬8) ورد في موضعين هنا، وفي الآية 7 نوح، ونص على حذفه في موضعه، ولم يتعرض له الداني، وجرى العمل بالحذف. انظر: التبيان 75، فتح المنان 37، تنبيه العطشان 61. (¬9) وكيف وقع إذا كان بمعنى الجارحة التي هي حاسة السمع احترازا من قوله تعالى: وأذان من الله فإنه سينص عليه بالحذف في موضعه في الآية 3 التوبة. (¬10) في ج: «وحذفوا». (¬11) ورد في موضعين، هنا وفي الآية 14 الرعد، وذكره بالحذف، وعليه العمل ولم يتعرض له أبو عمرو الداني. انظر: التبيان 65، تنبيه العطشان 55، فتح المنان 32.

ومن: الكفرين وقد ذكر (¬1). ثم قال تعالى: يكاد البرق إلى قوله: قدير (¬2)، أبصرهم مذكور (¬3) وكلّما موصول (¬4)، أضاء لهم مّشوا فيه مذكور (¬5) وكذا: بسمعهم وأبصرهم. ثم قال تعالى: يأيّها النّاس اعبدوا ربّكم إلى قوله: تتّقون رأس العشرين، وكتبوا بإجماع من الصحابة: يأيّها النّاس بألف واحدة بين (¬6) الياءين، ولا خلاف في إثبات ألف (¬7) بعد الهاء أين ما أتت هذه الكلمة (¬8) إلا في ثلاثة مواضع، في النور (¬9) والزخرف (¬10) والرحمن (¬11). ¬

_ (¬1) بحذف الألف باتفاق، لأنه جمع مذكر، وتقدم عند قوله: رب العلمين في أول الفاتحة. (¬2) رأس الآية 19 البقرة. (¬3) تقدم نظيره في قوله: وعلى أبصرهم في الآية 6 البقرة. (¬4) باتفاق المصاحف والرواة، وسيذكر المؤلف ما فيه الخلاف عند قوله عز وجل: كل ما ردوا إلى الفتنة في الآية 90 النساء. وفي ب، ج، هـ: «موصول». (¬5) بزيادة ألف بعد واو الجمع، وتقدم عند قوله: إن الذين كفروا في الآية 5. (¬6) مكررة في: هـ. (¬7) في ج، هـ: «الألف». (¬8) بإجماع كتاب المصاحف، ما عدا المواضع الثلاثة. انظر: المقنع 20 تلخيص الفوائد 50. (¬9) ستأتي في قوله تعالى: أيه المؤمنون في الآية 31 النور. (¬10) من قوله تعالى: يأيه الساحر في الآية 48 الزخرف. (¬11) ستأتي في قوله: أيه الثقلن في الآية 29، وسيتكلم عليها في سورة النور أول مواضعها.

وكذا: يأدم (¬1) ويإبراهيم (¬2) وياؤلى (¬3) ويأخت (¬4) ويأرض ابلغى (¬5) ويأبت (¬6) ويأسفى (¬7) وشبهه (¬8). والمحذوفة هي ألف النداء (¬9)، بدليل إجماعهم على حذفها من قوله (¬10): يربّ (¬11) ويقوم (¬12) ويبنى (¬13) وينوح (¬14) ويلوط (¬15) ¬

_ (¬1) سيأتي في الآية 34 البقرة. (¬2) من الآية 75 هود. (¬3) من الآية 178 البقرة. (¬4) من الآية 27 مريم. (¬5) من الآية 44 هود. (¬6) من الآية 4 يوسف. (¬7) من الآية 84 يوسف. (¬8) سقطت من: أ، ب، ج وما أثبت من: هـ وهامش ب. (¬9) مراده الألف الواقعة بعد ياء النداء، لأن الألف لا تقتضي النداء، والذي يأتي للنداء هو الياء، وقيل مجموع الحرفين الياء والألف المصاحبة لها كلاهما معا يفيد النداء، ومن ثم ساغ التعبير ب «ألف النداء». وذهب أحمد بن يحيى ثعلب وموافقوه، أن المحذوفة هي صورة الهمزة والمرسومة هي الألف الساكنة، وردّه أبو عمرو وقال: «وليس ذلك بالوجه وذهب علماء الرسم وجمهور النحاة إلى أن المحذوفة هي ألف النداء، لوقوعها طرفا، والهمزة وقعت ابتداء، ولأنها ساكنة، والثانية متحركة، ولأن التغيير في اجتماع المثلين يلحق الأول دون الثاني قال أبو العباس المهدوي: وهو الأولى وصححه الداني وقال: «وبه أقول». انظر: المحكم 153، تنبيه العطشان 76، هجاء مصاحف الأمصار 108، التبيان 89، الجامع 41. (¬10) سقطت من: ج. (¬11) من الآية 30 الفرقان. (¬12) سيأتي في الآية 53 البقرة. (¬13) من الآية 39 البقرة، ووقع في عشرة مواضع. (¬14) من الآية 32 هود، وقعت في أربعة مواضع. (¬15) من الآية 80 هود لا غير.

ويهود (¬1) ويصلح (¬2) ويشعيب (¬3) ويهرون (¬4)، ويمريم (¬5) ويملك (¬6) ويفرعون (¬7) ويهامن (¬8) ويويلتى (¬9) ويحسرتى (¬10) وشبهه. [ثم قال تعالى (¬11)]: الذى جعل لكم الارض إلى قوله: وأنتم تعلمون (¬12) وفي هذه الآية من الهجاء حذف الألف بين الراء والشين من: فرشا (¬13). واتفقت المصاحف على حذف ألف النصب إذا كان قبلها همزة قبلها (¬14) ألف ساكنة، وعلى حذف صورة الهمزة أين ما أتى ذلك، نحو قوله هنا: ¬

_ (¬1) من الآية 53 هود لا غير. (¬2) من الآية 76 الأعراف، 61 هود لا غير. (¬3) من الآية 87 الأعراف، 87، 91 هود، ثلاثة مواضع لا غير. (¬4) من الآية 91 طه. (¬5) من الآية 37 آل عمران وقعت في خمسة مواضع. (¬6) من الآية 77 الزخرف لا غير. (¬7) من الآية 103 الأعراف، 102 الإسراء، لا غير. (¬8) من الآية 36 غافر، وسيأتى في الآية 5 القصص. (¬9) وقعت في ثلاثة مواضع: 31 المائدة، 71 هود، 28 الفرقان. (¬10) من الآية 53 الزمر. (¬11) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، وما أثبت من: ب، ج. (¬12) رأس الآية 21 البقرة. (¬13) ليس في القرآن غيره، وانفرد بحذف الألف أبو داود، دون أبي عمرو الداني، وعليه العمل. انظر: التبيان 64، تنبيه العطشان 54، فتح المنان 32. وسقطت من: ب، وفي موضعها إشارة إلى الحاشية. (¬14) سقطت من أ، وألحقت في الحاشية عليها «صح».

والسّماء بناء وأنزل من السّماء ماء وكذلك (¬1): غثاء (¬2) وجفاء (¬3) ومراء (¬4) وافتراء (¬5) ومكاء (¬6) ونداء (¬7) وشبهه لئلا يجتمع ألفان (¬8)، وقد يحتمل أن تكون المحذوفة ألف النصب، كما قدمنا، وأن تكون الأولى (¬9) هي المحذوفة، وتكون المرسومة ألف النصب (¬10) والأول أقيس (¬11). فصل: فإن تحرك ما قبل الهمزة، سواء كانت الألف بعدها للنصب أو ¬

_ (¬1) في ب، هـ: «وكذا». (¬2) من الآية 5 الأعلى. (¬3) من الآية 19 الرعد. (¬4) من الآية 23 الكهف. (¬5) موضعان في الآية 139، 141 الأنعام لا غير. (¬6) من الآية 35 الأنفال. (¬7) موضعان في الآية 170 البقرة، 2 مريم. (¬8) والأصل ثلاث ألفات: الألف المرسومة، وصورة الهمزة، وألف التنوين. (¬9) في ب: «الأول». (¬10) بعدها في ب: «كما قدمنا». (¬11) اختلف علماء الرسم في الألف المحذوفة في باب: «ماء» قيل المحذوفة هي التي قبل الألف السوداء، وقيل المحذوفة هي ألف التنوين التي بعد الهمزة، وهو المشهور والمختار عند الشيخين، لوقوع الألف طرفا في موضع الحذف والتغيير، ولأن من العرب من لا يعوض من التنوين في حال النصب ألفا، كما لا يعوض منه في حال الرفع والخفض، حكاه عن العرب الفراء والأخفش. قال أبو العباس المهدوي: «وكونها التي قبل الهمزة أولى لوجودها في الوصل والوقف فهي لازمة، وليست المعوضة من التنوين لازمة» وهو الراجح وبه العمل. انظر: المحكم 66، المقنع 26، هجاء مصاحف الأمصار 109، الدرة الجلية 20، كشف الغمام 29، الميمونة الفريدة للقيسي 36، جامع الكلام في رسم مصحف الإمام 61.

للتثنية، نحو: خطا (¬1) وملجا (¬2) ومتّكا (¬3) وأن تبوّءا (¬4) وما كان مثله [حيث وقع (¬5)] فإحدى الألفين محذوفة أيضا (¬6) إلا (¬7) أن الألف المرسومة في هذا الضرب هي ألف النصب وألف التثنية لا غير، وأن المحذوفة هي صورة الهمزة (¬8) فاعلمه. وكتبوا: فأخرج به من بحذف صلة هاء الكناية حيث ما وقع في القرآن، سواء (¬9) كانت مكسورة أو مضمومة إذا تحرك ما قبلها (¬10) ومن الثّمرات بحذف الألف أيضا (¬11). ¬

_ (¬1) موضعان في الآية 91 النساء وفي الآية 31 الإسراء على أحد وجوه القراءات. (¬2) من الآية 57 التوبة لا غير. (¬3) من الآية 31 يوسف. (¬4) ستأتي في الآية 87 يونس. (¬5) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: أ، هـ وما أثبت من: ب، ج. (¬6) في ب، ج، هـ: «تقديم وتأخير». (¬7) سقطت من: ج. (¬8) واتفق على ذلك الشيخان، قال أبو عمرو: «إلا أن الثانية هاهنا هي ألف النصب وألف التثنية لا غير»، وقال أبو داود في أصوله: «وهو الأوجه عندي، لأن الهمزة قد تستغني عن الصورة، فلا ترسم خطّا» وهو المشهور وعليه المصاحف. وقد أشار أبو عبد الله القيسي إلى هذين الوجهين فقال: وجهان في: تبوءا المختار* الحذف في الأولى حكى الأخيار انظر: المحكم 163، المقنع 26، الميمونة الفريدة 42، تنبيه العطشان 64. (¬9) في ج: «وسواء». (¬10) أجمعت المصاحف على ذلك، وحينئذ تلحق ياء حمراء بعدها مردودة. (¬11) باتفاق الشيخين، لأنه على صيغة الجمع المؤنث.

ثم قال تعالى: وإن كنتم فى ريب إلى قوله (¬1): صدقين (¬2) ووقع هنا، في هذه الآية من الهجاء: مّمّا متصلا على الإدغام (¬3). وفاتوا بسورة مّن مّثله [وقع هنا بزيادة «من»] (¬4) وفي يونس: بسورة مّثله (¬5) بإسقاط «من» وفي هود بعشر سور مّثله (¬6). وكتبوا: فاتوا بسورة، واتوا البيوت (¬7) وفاتوا حرثكم (¬8) وفات بها (¬9)، واتونى بأهلكم (¬10) بألف بعد الواو، والفاء (¬11) صورة لهمزة (¬12) الأصل (¬13) الساكنة، إجماع (¬14) من المصاحف من غير ألف وصل قبلها استغناء ¬

_ (¬1) سقطت من أ، ب، ج، وما أثبت أولى. (¬2) رأس الآية 22 البقرة. (¬3) بإجماع المصاحف، وتقدم بيان الموصول والمقطوع في قوله: ومما رزقنهم في الآية 2. (¬4) ما بين القوسين المعقوفين سقط من أ، ب، ج، هـ وما أثبت من: م. (¬5) من الآية 38 يونس. (¬6) من الآية 13 هود. انظر: ملاك التأويل 1/ 37، البرهان 5، متشابه القرآن 162. (¬7) ستأتي في الآية 188 البقرة. (¬8) ستأتي في الآية 221 البقرة. (¬9) من الآية 257 البقرة. (¬10) من الآية 93 يوسف. (¬11) تقديم وتأخير في: هـ. (¬12) في ج: «للهمزة» ولا يصح. (¬13) ألحقت على حاشية أ، وعليها علامة: «صح». (¬14) في هـ: «بإجماع».

بالواو، والفاء عنها، كما قدمنا (¬1) فإن أتى قبل همزة (¬2) الأصل كلمة: «ثم» أو غيرها، مما ينفصل من الكلام، ويمكن السكوت عليه، أثبتت (¬3) ألف الوصل بلا خلاف أيضا (¬4) في ذلك نحو قوله تعالى: الذى اوتمن (¬5) والملك ايتونى به (¬6) وقال ايتونى (¬7) وثمّ ايتوا صفّا (¬8) وشبهه، وصورت (¬9) همزة الأصل على حركة همزة (¬10) الوصل. وكتبوا: صدقين بحذف الألف حيث ما وقع (¬11). ثم قال تعالى: فإن لّم تفعلوا إلى قوله (¬12): للكفرين (¬13) وفي هذه الآية أيضا (¬14) من الهجاء: فإن لّم تفعلوا بالنون [على الأصل (¬15)] في جميع القرآن، ¬

_ (¬1) تقدم عند قوله: الحمد لله رب العلمين في أول الفاتحة. في ب: «قدمناه». (¬2) في ب، ج: «هذا» وهو تصحيف. (¬3) في ج: «أثبت». (¬4) سقطت من: ب، ج وألحقت في حاشية: ب. (¬5) من الآية 282 البقرة. (¬6) من الآية 50 يوسف. (¬7) من الآية 59 يوسف. (¬8) من الآية 63 طه. (¬9) في أ، ج: «وصورة» وما أثبت من: ب، هـ. (¬10) سقطت من: ب، ج. (¬11) باتفاق الشيخين، لأنه جمع مذكر سالم. (¬12) سقطت من أ، ب، ج وما أثبت أولى. (¬13) رأس الآية 23 البقرة. (¬14) سقطت من: ج، وفي هـ: تكرار. (¬15) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: هـ.

حاشا الذي في هود وحده (¬1) فإنه بغير نون، وللكفرين مذكور أنه بغير ألف (¬2). ثم قال تعالى: وبشّر الذين ءامنوا وعملوا الصّلحت إلى قوله (¬3): خلدون (¬4)، وفي هذه الآية أيضا (¬5) من الهجاء حذف الألف من الصّلحت وجنّت (¬6) والانهر حيث ما ورد، وكذلك (¬7): أنهر (¬8) ولا خلاف في إثبات الألف (¬9) بعد الهاء في كلمة: النّهار أين ما أتت، وبأي وجه تصرفت، من كسر أو نصب أو رفع، كما قدمنا (¬10). وكذا أثبتوها أيضا في كلمة: هاجروا حيث (¬11) وقعت، وحذفوها من كلمة جهدوا أين ما أتت (¬12)، [وكلّما متصلا (¬13) ومتشبها بغير ألف بين ¬

_ (¬1) وهو قوله عز وجل: فإلم يستجيبوا لكم في الآية 14 وسيذكرها في موضعها من السورة. (¬2) باتفاق الشيخين، لأنه جمع مذكر سالم. (¬3) سقطت من أ، ب وما أثبت من: ج. (¬4) رأس الآية 24 البقرة. (¬5) سقطت من: هـ. (¬6) يندرجان في قاعدة حذف ألف الجمع المؤنث كما تقدم. (¬7) في هـ: «وكذا». (¬8) باتفاق الشيخين، فذكره أبو عمرو في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف حيث وقع، ووافقه الشاطبي، سواء كان معرفا أو منكرا. انظر: المقنع 18، الجميلة 56، الدرة 32، التبيان 62، فتح المنان 31. (¬9) في أ، عليها طمس، وتبدو أنها: «ألف» وما أثبت من: ب، ج، هـ، م. (¬10) تقدم عند قوله: ختم الله في الآية 6، وفي ب، ج: «قدمناه». (¬11) في ج: «حيثما». (¬12) سيذكرهما معا عند قوله: إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجهدوا في الآية 216 البقرة. (¬13) باتفاق، وسيأتي بيان الموصول والمقطوع عند قوله: كلما ردوا في الآية 90 النساء.

الشين والباء (¬1)، وأزوج مّطهّرة (¬2)] بغير ألف بين الواو والجيم، أين ما أتى في جميع القرآن وكيفما تصرف (¬3) وكذا: خلدون (¬4). ثم قال تعالى: إنّ الله لا يستحى أن يّضرب إلى قوله: الفسقين. رأس الخمس الثالث (¬5)، في هذه (¬6) الآية من الهجاء: يستحى بياء واحدة، وكذا (¬7) كل ما يأتي من مثله، مما تقع فيه الياء طرفا، ولم يتصل به (¬8) ضمير نحو: أنّى يحى (¬9) ويحى ويميت (¬10) وأنت ولىّ (¬11) وشبهه، سواء كانت الياء ¬

_ (¬1) وكذلك جميع الألفاظ المشتقة من مادة: «تشابه» حيث وقع، وكيف ما تصرف، ولم يوافقه أبو عمرو الداني إلا على قوله: تشبه علينا في الآية 69 البقرة كما سيأتي، وجرى العمل على الحذف في الجميع. انظر: التبيان 86، فتح المنان 44، تنبيه العطشان 71. (¬2) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: هـ. (¬3) وقد وقع في القرآن معرفا بالألف واللام، وبالإضافة، ومنكرا، ولم يتعرض له أبو عمرو الداني، وجرى العمل بالحذف. انظر: التبيان 80، تنبيه العطشان 65، فتح المنان 41. (¬4) باتفاق الشيخين، لأنه جمع مذكر سالم. (¬5) رأس الآية 25 البقرة. (¬6) في ج، هـ: «وفي هذه». (¬7) في ج: «وكذلك». (¬8) في ج، هـ: «بها». (¬9) من الآية 258 البقرة. (¬10) من الآية 257 البقرة. (¬11) من الآية 101 يوسف.

أصلية أو زائدة، للإضافة، فإن الكلمة مرسومة بياء واحدة (¬1). ثم قال تعالى: الذين ينقضون عهد الله إلى قوله: ترجعون (¬2) وفي هاتين الآيتين [من الهجاء (¬3)] حذف الألف من: ميثقه (¬4) وأولئك (¬5) والخسرون (¬6) مذكور، وكذا (¬7): أمواتا أين ما أتى وكيف ما تصرف بحذف الألف بين الواو والتاء (¬8). ¬

_ (¬1) اتفقت المصاحف على رسم ذلك بياء واحدة، قال اللبيب: «كتبن في الإمام بياء واحدة، وذكر الداني أنه وجدها في مصاحف أهل المدينة والعراق بياء واحدة، واختار الشيخان رسم الأولى وحذف الثانية، فقال أبو عمرو: «وهي عندي المتحركة» وقال ابن عاشر قال أبو داود في الذيل: «الأوجه عندي أن تكون الساكنة هي المحذوفة لدلالة الأولى عليها» وعلل أهل الرسم اختيارهم لحذف الثانية لسكونها بعد حركة تجانسها، وتدل عليها، ووقوعها في الطرف، والأطراف محل التغيير، مع جواز أن تكون المحذوفة هي الأولى، وهو المرجوح. انظر: المقنع 50، الدرة 40، التبيان 134، تنبيه العطشان 107، فتح المنان 80، الجامع 45، تلخيص الفوائد 65. (¬2) رأس الآية 27 البقرة. (¬3) ما بين القوسين المعقوفين سقط من: ب، ج. (¬4) وهو متعدد ومتنوع حيث وقع، لأن المؤلف نص في موضعه الثاني على ذلك فقال: «بحذف الألف حيث وقع، وكذا ميثاق» سيأتي في الآية 62 وعليه العمل سواء كان معرفا بالألف واللام أو بالإضافة أو منكرا، ولم يتعرض له الداني. انظر: التبيان 76، فتح المنان 38، تنبيه العطشان 62. (¬5) تقدم عند قوله: أولئك في الآية 4. (¬6) باتفاق الشيخين، لأنه جمع مذكر سالم، وفي ب، ج: وأولئك هم الخسرون. (¬7) سقطت من أ، ج، هـ وما أثبت من: ب. (¬8) انفرد بحذف الألف أبو داود وعليه العمل، ولم يتعرض له أبو عمرو الداني. انظر: التبيان 72، فتح المنان 36، تنبيه العطشان 60.

فأحياكم بألف واحدة، وهي التي للهمزة، وياء واحدة (¬1) بإجماع (¬2)، واختلفوا في حذف الألف، بين الياء والكاف وإثباتها، وقد تقدم (¬3)، وثمّ يحييكم (¬4) بياءين إجماع (¬5)، وكذا (¬6): يحيين (¬7) ويحييها (¬8) ويحييهم (¬9) ويحييكم (¬10) حيث وقع (¬11)، وكذا: حيّيتم (¬12) إذا اتصل به (¬13) ضمير خاصة، وكذلك (¬14) أثبتوها، في قوله: علّيّين في التطفيف (¬15)، وأفعيينا في الباسقات (¬16). ¬

_ (¬1) بعدها في ب: «أيضا» فوق السطر. (¬2) في ب: «إجماع» لأنه من الأصل المطرد الذي وقع الإجماع عليه أن يرسم بياء كراهة اجتماع مثلين، وتقدم. (¬3) تقدم عند قوله: «هدى للمتقين» في أول السورة، وذكر اختياره هناك، فقال: والحذف أختار، ولا أمنع من الإثبات، وجرى العمل بالإثبات عند المغاربة حيث وقع، وجرى العمل عند المشارقة بالحذف في موضعي البقرة وما عداهما بالإثبات. (¬4) وقعت في خمسة مواضع. (¬5) في هـ: «بإجماع». (¬6) في ج: «وكذلك». (¬7) من الآية 81 الشعراء لا غير. (¬8) من الآية 78 يس لا غير. (¬9) هكذا في جميع النسخ، ولم يوجد هذا اللفظ في القرآن، وكذا لم يمثل به أبو عمرو في المقنع 49. (¬10) تقدم، وسقط من: هـ وهو الأولى بالسقوط. (¬11) في هـ: «حيث ما وقع». (¬12) من الآية 85 النساء، وسيذكره في موضعه. (¬13) في ب، هـ: «بها». (¬14) في هـ: «وكذا». (¬15) من الآية 18، وفي ب: «المطففين». (¬16) من الآية 15 سورة ق، واتفقت المصاحف على ذلك، ذكره أبو عمرو والشاطبي وغيرهما. انظر: المقنع 49، تلخيص الفوائد 65.

ثم قال تعالى: هو الذى خلق لكم إلى قوله: عليم (¬1) وفي هذه الآية (¬2) أيضا من الهجاء: استوى بالياء، ووزنه: «افتعل» بسكون الفاء، وفتح العين (¬3)، وفسوّيهنّ بالياء ووزن هذه الكلمة: «فعّل» بفتح الفاء (¬4) وتشديد العين (¬5) وسموت بحذف الألفين (¬6) قبل الواو، وبعدها (¬7) هنا وفي جميع القرآن سواء كان معرفا، أو غير معرف إلا موضعا واحدا في حم السجدة: فقضيهنّ سبع سموات (¬8) فإنهم أثبتوا الألف، بعد الواو خاصة، هنالك (¬9) وحذفوها قبلها (¬10). ¬

_ (¬1) رأس الآية 28 البقرة. (¬2) ألحقت في حاشية: هـ. (¬3) على الأصل والإمالة، لأنها من ذوات الياء. (¬4) ألحقت في حاشية: هـ. (¬5) على الأصل والإمالة، لأنه صار بالتضعيف من ذوات الياء. (¬6) في ج: «الألفان». (¬7) سقطت من أ، وما أثبت من: ب، ج، هـ. (¬8) من الآية 11 فصلت، وسيأتي في موضعه. (¬9) تقديم وتأخير في: ج. (¬10) ذكرها أبو عمرو الداني بمثل ما ذكر المؤلف في فصل ما أجمع عليه كتاب المصاحف عن محمد بن عيسى، وذكر اللبيب أن الصحابة رضي الله عنهم رسموها كذلك، إلا أنني عثرت على نص لعلم الدين السخاوي يبطل الإجماع، ويجعل هذه الكلمة تندرج في الجمع ذي الألفين، وعدم الاعتداد بهذه الخصوصية فقال: «وهذا الذي ذكره أبو عمرو الداني فيه نظر، فإني كشفت المصاحف القديمة التي يوثق برسمها، وتشهد الحال بصرف العناية إليها، فإذا هم قد حذفوا فيها الألفين من: «سموت» في فصلت كسائر السور، وكذلك رأيتها في المصحف الشامي» ثم قال: «فهذا يحتاج إلى تثبت ونظر، ولا ينبغي أن يحكم بأن الألف ثابتة في سورة السجدة بإجماع» فهذا النص يبطل الإجماع، ويجري في هذه الكلمة ما يجري في الجمع ذي الألفين، وهو الأولى، وجرى العمل بما نص عليه الشيخان. انظر: المقنع 19، الدر 26، الوسيلة 45، التبيان 55، فتح المنان 27، تنبيه العطشان 47.

وكذلك (¬1) حذفوا الألف بعد الميم من كلمة: ثمنى (¬2) وثمنين (¬3)، ثمنية أيّام (¬4) وكذا (¬5) حذفوها قبل الميم من: اليتمى ويتمى (¬6) وكتبوا ياء بعدها (¬7) على الأصل، والإمالة. وكذا حذفوها بعدها من سائر (¬8) الأسماء الأعجمية (¬9) نحو: سليمن (¬10) ولقمن (¬11) وملك (¬12) واسمعيل (¬13) وكذا حذفوها من سائر ¬

_ (¬1) في ب: «وكذا». (¬2) من الآية 27 القصص لا غير. (¬3) من الآية 4 النور لا غير. (¬4) من الآية 6 الحاقة، وما ذكر معها ليس قيدا، لأن أبا عمرو الداني ذكرها وقال: «حيث وقع» ووقعت في أربعة مواضع محذوفة باتفاق الشيخين، قال اللبيب: وهو المشهور عند جميع المصنفين لكتب الرسم، وبه العمل. انظر: المقنع 18، الدرة 33، فتح المنان 49، التبيان 94. (¬5) في ب، ج، هـ: «وكذلك». (¬6) سيأتي في موضعه في قوله: «واليتمى والمسكين» في الآية 82. (¬7) وقع بعدها: «مكانها». (¬8) سقطت من: هـ. (¬9) قال ابن عاشر: «أي التي وضعها العجم، وهم خلاف العرب» ثم ذكر أربعة شروط لحذفها، أن يكون علما زائدا على ثلاثة أحرف، كثير الدور والاستعمال، وألفه وسطا، واتفقت على ذلك المصاحف. انظر: المقنع 21، فتح المنان 34، تنبيه العطشان 57. (¬10) من الآية 101 البقرة، وجملته سبعة عشر موضعا. (¬11) من الآية 11، 12 لقمان موضعان لا غير. (¬12) من الآية 3 الفاتحة وجملته ثلاثة مواضع وقع صفة وعلما، وهو من الأسماء العربية، وأدرجه أبو داود ضمن الأسماء الأعجمية تبعا لشيخه أبي عمرو الداني وجرى العمل بالحذف مطلقا. انظر: المقنع 21، تنبيه العطشان 60، فتح المنان 35، التبيان 70. (¬13) من الآية 126 البقرة، وجملته اثنا عشر موضعا.

الأسماء الأعجمية، التي لا ميم قبلها، نحو: إبراهيم (¬1)، وإسحق (¬2)، وهرون (¬3) وعمرن (¬4)، وكذا حذوفها (¬5) من: صلح (¬6) وخلد (¬7) وليستا (¬8) بأعجمية (¬9) مما كثر استعماله (¬10). فأما ما لم يستعمل من الأسماء الأعجمية نحو: طالوت (¬11) وبجالوت (¬12) ¬

_ (¬1) من الآية 123 البقرة، وجملته تسعة وستون موضعا، وسيأتي في أول مواضعه. (¬2) من الآية 132 البقرة، وجملته سبعة عشر موضعا. (¬3) من الآية 246 البقرة، وجملته عشرون موضعا. (¬4) من الآية 33 والآية 35 آل عمران والآية 12 التحريم، لا غير. (¬5) في ج: «حذفوا». (¬6) حيث ورد في القرآن سواء كان اسما أو كان صفة، نص على ذلك المؤلف، وجملته أربعة وأربعون موضعا. (¬7) لم يقع في القرآن: «خلد» اسم علم، وقد ذكره ضمن الأعلام اتباعا لشيخه أبي عمرو وليس الأمر كذلك، فإنه لم يقع في القرآن إلا صفة في أربعة مواضع كما في الآية 16 القتال. (¬8) في هـ: «وليسا». (¬9) في ب، هـ: «بأعجميين». (¬10) وردت في القرآن الأسماء الأعجمية على ثلاثة أقسام، قسم محذوف باتفاق الشيوخ وهو ما كثر استعماله كما هنا، وجملته تسعة أسماء ويلحق به: «ميكل» وإن كان غير مستعمل رعاية لما فيه من قراءات كما سيأتي في موضعه. انظر: المقنع 21، التبيان 71، تنبيه العطشان 57، الوسيلة 60، الدرة 34. (¬11) وقع في الآية 245، وفي الآية 247 البقرة لا غير. (¬12) وقع في ثلاثة مواضع في الآيات: 247، 248، 249 البقرة لا غير.

وياجوج وماجوج (¬1) وشبهها (¬2) فإنهم أثبتوا الألف فيها (¬3). واختلفت المصاحف في: إسراءيل (¬4) وهاروت وماروت (¬5) وو هامن (¬6) وقارون (¬7) هذه الخمسة الأسماء (¬8) ففي بعضها بالألف، ¬

_ (¬1) من الآية 90 الكهف والآية 95 الأنبياء. (¬2) ومثلها قوله تعالى: إلياس في موضعين: في الآية 86 الأنعام وفي الآية 123 الصافات مثلها قوله: ءال ياسين في الآية 130 الصافات، ولم يتعرض لهما الشيخان صراحة. وزاد الرجراجي قوله تعالى: ببابل في الآية 101 البقرة. وقال الخراز في عمدة البيان مشيرا إلى الأول: والنص في إلياس فيه نظر* وثبته فيما رأيت أجدر وجرى العمل بالإثبات في الثلاث كلمات. انظر: فتح المنان 34، تنبيه العطشان 58، دليل الحيران 77، سمير الطالبين 38. (¬3) وهذا القسم الثاني المتفق على إثبات ألفه وهو ما قل استعماله، ويضاف له: «داود» وإن كثر استعماله بسبب حذف الواو فيه كما سيأتي في موضعه في الآية 249 البقرة وفي الآية 162 النساء. انظر: المقنع 21، الجميلة 61، التبيان 70، فتح المنان 34، تنبيه العطشان 59. (¬4) من الآية 39 البقرة، وجملته ثلاثة وأربعون موضعا، واختلفت المصاحف، فقال الداني: رسم بالألف في أكثر المصاحف لأجل حذف الياء صورة الهمزة، ثم قال: «وقد وجدت ذلك في بعض المصاحف المدنية والعراقية العتق القديمة بغير ألف، وإثباتها أكثر». وهو المشهور، وعليه مصاحف أهل المغرب لئلا يتوالى حذفان، وذهب المشارقة إلى الحذف اتباعا لأبي داود، وموافقة لأقل المصاحف، وسيأتي في قوله: يبني إسراءيل في الآية 39. انظر: المقنع 22، التبيان 69، تنبيه العطشان 57، دليل الحيران 76. (¬5) من الآية 101 البقرة. (¬6) من الآية 7 القصص. (¬7) من الآية 76 ا