بغية النقاد النقلة
ابن المواق
أصل هَذَا الْكتاب أطروحة قدمت لنيل دكتوراه الدولة فِي الدراسات الإسلامية "تخصص الحَدِيث وعلومه" بقسم الدراسات الإسلامية - كُلية الْآدَاب عين الشق - الدَّار الْبَيْضَاء بإشراف د. زين العابدين بِلَا فريج بتاريخ 28 صفر الْخَيْر 1418 هـ الْمُوَافق 4/ 7/ 1997 وأحرزت على تَقْدِير "حسن جدا"
تصدير
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تصدير الحمد لله، والصلاة على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: فقد شهد تاريخ العلم عند المغاربة ميلاد مدارس عنيت بنقد الحديث النبوي، ومدارسة ثبوته أو عدم ثبوته وفق الصناعة النقدية التي ابتكرها نقاد الحديث وصيارفته، وكانت من إملاء الفؤاد وجود المخاطر، وتكلفت بصيانة السنة ووصولها إلى الناس غضة طرية، وكانت مستجيبة لقاعد الحفظ ومحققة لما وعد الله به: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. إن قواعد النقد لدى المسلمين قامت على القابلية الساذجة للقبول، وعلمت الناس ما يقبلون وما يردون، ونبهت على أن القبول منوط بشروط وأوصاف لابد من توفرها، وكان تكامل المنهج النقدي واستقامته في الجمع بين ركنين أساسيين في الرواية: العدالة والضبط. فالعدالة: هي السيرة الذاتية من لزوم الفرائض وترك النواهي، وهي باطنة وظاهرة، والضبط: هو القدرة العلمية من صحة الذهن في حفظه وصحة كتبه، وندرة الغلط أو انعدامه. إلى شروط اتصال السند: وهي تحقق الرواية بين الرواة على صفة مرضية للحديث أو الجزء المروي، وبراءة السند من التدليس؛ الذي هو ضرب من التعمية والإيهام، وخلوه من الشذوذ والنكارة، وهما المخالفة والإضطراب المؤذن بالضعف فتقديم الأوثق الأحفظ على من دونه، وتقدم الجماعة من الثقات على الواحد عند المخالفة هو الملحظ النقدي الذي يدل عليه العلم والعقل، فإن خالف الضعيف الثقة أدعى للرد. لقد دخل الحديث إلى بلاد الأندلس بواسطة معاوية بن صالح الحضرمي (ت
168 هـ) -رَحِمَهُ اللهُ- في القرن الثاني الهجرىِ، وشهدت تلك البقاع نبوغ أساطين في نقد السنن، وأعلامًا في صناعهَ النقد الحديثي، برزوا وتميزوا في تاريخ العلم والسنة؛ ذكرهم محاط بالإجلال ويفتح علينا صرحًا من صروح العلم، ويدلنا على قلعة من قلاعه، منهم أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد (ت 276 هـ)، وابن وضاح (ت 277 هـ) القرطبيين، وأبي عمر الطلمنكي (ت 429 هـ) وابن أبي زمنين الإلبيري (ت 399 هـ)، وابن عبد البر القرطبي (ت 463 هـ) .. إلى عبد الحق الإشبيلي الشهير بابن الخراط (ت 582 هـ)؛ صاحب الأحكام الثلاثة: الكبرى والوسطى والصغرى، فقد ظهرت عنايته بأحاديث الأحكام واشتملت كتبه على صناعة واستدلال. وكان ممنِ برز في نقد استدلالات ابن الخراط في أحكامه الناقد البصير علي بن الحسن ابن القطان الكتامي رأس طلحة العلم بمراكش - المراكشي الفاسي المتوفى سنة 628 هـ. في كتاب حافل اشتمل على صناعة حديثية عالية ترجمت مستوى النقد في الغرب الإسلامي وحفلت بصنوف النقود ودراسه المنيفة، وأصبح عند المتأخرين ركنا يعولون عليه؛ وقد رد ابن القطان على ابن الخراط بعض ما صححه أو حسنه؛ فخطأه فيه وكلها دارت على مخالفاته له في أحكامه على الأحاديث تصحيحًا أو تحسينًا أو تضعيفًا. فكان كتاب ابن القطان ديوان نقد عالي القدر عند المعاصرين واللاحقين، واعتمده كبار نقاد عصره من المتأخرين كالذهبي (ت 748 هـ)، والزيلعي (ت 762 هـ)، وابن حجر (ت 852 هـ) وغيرهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحدُ بل تسلسل المسلسل؛ إذ أن حضور النقد وتمكنه من علماء الحديث لا يدعهم يسكنون على المساجلات العلمية والمطارحات النقدية ويلح عليهم دائماً منهج الرد والتعقيب والإستدراك، مما يشير إلى حيوية العلم ومواكبات تطوراته ومناقشة مناهجه وطرائقه، وأن العلم كان ولا يزال عند المسلمين يتميز بحراسة أصوله وقواعده، فلا يمكن استمرار الجميع في خطأ لا
يتأهل أو لا يهتدي أحد إلى كشفه وبيانه، بل عيون النقاد جاحظة وقلوبهم واعية .. يقظة. لم تقف السلسلة الثنائية حتى انبرى تلميذ أبي الحسن ابن القطان: أبو عبد الله ابن المواق المتوفى سنة (642 هـ) عصري الجماعة المتأخرين الذين تكلموا على أحاديث لم يسبق لمن تقدمهم فيها كلام؛ وهم الزكي المنذري (ت 656 هـ) والضياء المقدسي (ت 643 هـ) وابن القطان الكتامي، والدمياطي المصري (ت 705). برز التلميذ أيضًا آخذًا بالإمام، لاحقاً بالركب، فأخرج من بنيانه علومًا نقدية، ومعايير صناعية، واضعًا نفسه بين شيوخه ضاربًا لنفسه بحظه من العلم والنقد، على قاعدة: كم أبقى الأول للآخر. فخرج ديوان نقد على شيخه ابن القطان فيصلا بين المتخاصمين، وحكما بين المتجادلين، قطع فيه بأمور خطأ فيها شيخه وصوب ابن الخراط. وقد أشاد بعلوم هذا الناقد المغمور (¬1) جماعة من كبار علماء المتأخرين كالزين العراقي (ت 804 هـ) وابن حجر (ت 852 هـ) والسخاوي (ت 902 هـ)، والسيوطى (ت 911 هـ)؛ فنقولهم عنه في الإتصال والتدليس وغيره من أعز النقول في علم ومصطح الحديث وأغزرها فائدة، وغلب على منهج ابن المواق الإستقراء لتقرير النتائج النقدية المتوخاة. وديوان النقد الذي فتح به الناقد ابن المواق بين ابن الخراط وابن القطان هو كتاب: ((بغية النقاد النقلة، فيما أخل به كتاب "البيان" وأغفله، أو ألم؛ به فما تممه ولا كمله)). ولا توجد منه إلا قطعة معروفة في خزانة الأسكوريال بمدريد. وقد انتدب لخدمة هذا الكتاب وتحقيقه ودراسته زميلنا الفاضل الأستاذ الوقور ¬
محمد خرشافي الذي عرف بجده وهمته العالية في خدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما إن أريته النسخة من كتاب بغية النقاد حتى وجدت الإستعداد والترحاب يعلو محياه، وأشرقت أسارير وجهه فرحًا بهذا الكتاب، كما هي أخلاق طلبة العلم. فبذل وسعه في تخريج أحاديثه وتتبع الطرق والروايات وإرجاعها إلى مظانها وكان قيمتها من قبول ورد، وأخرج النص سليماً من النسخة الفريدة، وقدم بمقدمة دراسية للمؤلف وعصره وللكتاب؛ فجاء عملًا جيداً مشرفًا وأظهر لنا كنزًا من كنوز العلم، وميراثاً من مواريث الحديث النبوي، أجزل الله له المثوبة وبارك فيه. وفي ختام هذه الكلمة نشكر صاحب مكتبة أضواء السلف بالرياض الأخ الفاضل الدؤوب علي صنهات الحربي على تتبعه نفائس التراث الإسلامي وسعيه في إخراجه وطباعته، بارك الله في جهوده وأكثر من أمثاله. والله من وراء القصد. وكتبه زين العابدين بن محمد بلافريج أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدار البيضاء - المغرب
[مقدمة التحقيق]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدِّمَةٌ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي نه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1). {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬2). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬3). إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: فإن من منة الله على عباده المؤمنين أن أنزل كتابه الكريم هداية مبينة تنير لهم سبيل السعادة في دنياهم وأخراهم، وجعله أعظم رسالة سماوية وأعلاها مكانة، كما جعله معجزة خالدة إلى يوم الدين، فكان هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وقد خصه بمميزات، منها أنه سبحانه وتعالى تكفل بحفظه، قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬4)، في حين أوكل حفظ كتبه ¬
اِلسماوية السالفة للعلماء والمؤمنين بها من أتباع الرسل السابقين؛ قال تِعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}. (¬1) ومن تمام منة الله على هذه الأمة أن جعل السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم، مفصِلة لمجمل أحكامه شارحة لما يحتاج للشرح منه، وفي ذِلك يقول -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2) كما يقول سبحانه: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬3) وهذا المعنى الذي ذكرته الآيتان هو ما نص عليه - صلى الله عليه وسلم - في كثير من أحاديثه، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا إنِّي أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ..) الحديث. (¬4) وجاء في حديث أبي رافع -وغيره- مرفوعًا: (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته؛ يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) (¬5). فالسنة النبوية قسم من أقسام الوحي الموحى به للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز مخالفتها؛ ¬
وقد أوجب الله على المؤمنين طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بذلك في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، وجاء الِتحذِير من مخالفة أوامره - صلى الله عليه وسلم - في قوله عز من قائل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2) بل إننا نجد الله سبحانه وتعالى ينص على أن طاعته في طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبالتالي فعصيان الرسول عصيان لله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} الآية (¬3). وجاء في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشيا، فإنّه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافاً كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة") (¬4). وقد نص غير واحد من العلماء على أنه يستفاد من هذا الحديث -وغيره كثير- وجوب الأخذ بهديه - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء، واجتناب كل البدع المستحدثة. ولا كان للسنة النبوية هذه المكانة السامقة، وكانت المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وجدنا أن الأمة الإسلامية قد خصتها بالرعاية الفائقة والعناية التامة، واستعملت في المحافظة عليها أسلوبًا فريدًا لم يسبق لأمة من الأمم أن سلكته في سبيل الحفاظ على أحاديث رسولها؛ نلمس ذلك في خصيصة ¬
الإسناد وما صاحبه من متابعة أحوال الرواة والكشف عن عدالتهم أو تجريحهم، وكذا ضبطهم أو غفلتهم، بل قد يسلم الحديث من سائر القوادح الظاهرة، ولكن فحول هذه الصناعة الحديثية يستطعون الكشف عما خفي على غيرهم من علل مؤثرة في صحته والإحتجاج به. بدأت بذور الإهتمام بالسند في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كما يبدو ذلك في حديث ضمام بن ثعلبة حينما بلغته دعوة الإسلام، فلم يقنع بما وصله حتى جاء عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليسمع منه بنفسه؛ فيتحقق له السند العالي في هذا الحديث: روى البخاري بسنده إلى أنس بن مالك؛ قال: (بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد - والنبي - صلى الله عليه وسلم -متكئ بين ظهرانيهم- فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد أجبتك. فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. فقال: سل عما بدا لك. فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم. فقال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم نعم. فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة ..) الحديث. (¬1) ثم صارت بوادر التثبت في الرواية تظهر في عهد الخليفة أبي بكر - رضي الله عنه -، ثم من جاء بعده من الخلفاء الراشدين، ولما ظهرت الفتنة وما صاحبها من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انبرى نقاد المحدثين للوضاعين يفضحونهم، ¬
ويتابعون كذبهم لكشفه وتبرئة ساحة السنة من بهتانهم. روى الإمام مسلم عن محمد بن سيرين -رَحِمَهُ اللهُ- أنه قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) (¬1). وقيل للإمام عبد الله بن المبارك: (هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة) (¬2). وهكذا بارك الله في جهود علماء الحديث حتى غدوا سدًا منيعًا وصخرة صلبة تكسرت عليها نصال الفتن وسهام الأهواء فرد كيد الكائدين وتم للبشرية لأول مرة في تاريخها إحصاء الكلمات والعبارات والأفعال والإشارات وأسماء الصغار والكبار والكذبة والأخيار، ومن حل ومن ارتحل؛ كل هذا -وغيره كثير- دُوِّنَ وصُنّفَ وضُبِطَ بقواعد دقيقة لم تعرفها أمة قبل، حتى أصبح لكل راو من الرواة سجل تفصيلي يحدد مرتبته بين الرواة وطبقاتهم؛ سواء من حيث العدالة والضبط، أو الجرح والوهم أو الغفلة. ولم يفت كبار أعلام الحديث أن الثقة العدل مهما علت مكانته وسمت مرتبته فإنّه معرض للخطأ والوهم، وأن هذا وإن كان نادرًا إلا أنه من الثقة العدل خطر؛ لأن روايته مقبولة عند الناس، وهو حجة عندهم في جميع منقولاته، ولمثل هذا أوجد علم العلل. يقول الدكتور محمد مصطفى السباعي، -رَحِمَهُ اللهُ-، في وصف جهود العلماء في مجال النقد: (لا يستطع من يدرس موقف العلماء -منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السنة- من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السنة، وتمييز صحيحها من فاسدها، إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا، -رَحِمَهُمُ اللهُ-، هم أول من ¬
منهج التحقيق
وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال، وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) (¬1). وهذا الكتاب الذي بين أيدينا (بغية النقاد النقلة، فيما أخل به كتاب "البيان" وأغفله، أو أَلَمَّ به، فما تممه ولا كمله. للحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي يَحْيَى؛ الشهير بابن المواق). هو ثمرة للجهود العلمية النقدية الحديثية التي ابتدأت بعبد الحق الإشبيلي بكتابه "الأحكام الوسطى"، ثم أينعت على يد أبي الحسن ابن القطان الفاسي بكتابه: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" ونضجت بمؤلَّف "البغية" هذا. منهج التحقيق تنوعت مناهج المحققين بين اتجاهين: أحدهما: استشراقي غربي هدفه إخراج النص المحقق بغض النهار عن الرجوع إلى مواطن النقل والتخريج، ولا يتناول تراجم لأعلام النص، ولا التعليق على أفكار المصنفٌ، ومن سار على هذا المنهج آثر إخراج النص خلوا من الحواشي والتعليقات والتخريجات. الثاني: يهتم بالرجوع إلى موارد المؤلف ومقابلتها بالمنقول عنها فيه، وتخريج نصوصها، وبيان عزوها. والمنهج الأول قد يتواءم مع طبيعة بعض النصوص ويتناسب معها، فلا ضير في تحقيقها بالإعتماد عليه، في حين أن المنهج الثاني قد يكون هو الأنسب لنصوص أخرى. ¬
ولما كان كتاب "بغية النقاد" من فصيلة التعقيبات العلمية بين العلماء، ثم إنه اشتمل على كثير من الأحاديث التي يدور موضوع تعقيبها على علم العلل، وهذه للعلماء فيها مآخذ قد تختلف بين هذا وذاك. ثم إن موضوع الكتاب يتناول أحاديث الأحكام، والحكم على الحديث فيها بالصحة أو الحسن أو الضعف يترتب عليه أمور أخرى تتعلق بالحكم الشرعي في أفعال العباد وبالحلال والحرام؛ ... كل هذا وغيره كفيل بأن يجعل أمر تحقيق هذا المخطوط يتطلب المنهج الثاني. ولهذا لا ضير إذا توقفت عند التعقيبات الواردة في الكتاب بالرجوع إلى مظانها واستحضار ونصوصها من مصادرها المنقولة منها، ثم تتبع جزئياتها لتمحيصها وبيان وجهها، بل ومناقشتها -حسب ما يتطلبه المقام- لاستصواب ما كان صوابًا، والتعقيب على ما يحتاج لذلك. وهذا مجمل هذه الخطوات: 1 - لما كانت نسخة المخطوط فريدة فإني اعتمدت في المقابلة ببنها وبين الأصول التي نقلت منها، كما قابلت بينها ويين النصوص المنقولة عنها، كما أمكنني ذلك. وهذا ما جعلني في كثير من الأحيان أطمئن لسلامة النص. 2 - قمت بوضع ترقيم مسلسل للأحاديث الواردة في المخطوط، باعتبار أنه يتكلم على كل حديث منها وما فيه من وهم أو علة ... 3 - جعلت بداية كل حديث من الأحاديث المتعقبة في صفحة جديدة إشعارًا مني بالمنهج الذي سار عليه المصنف في تعقيبه؛ حيث جمع الأحاديث المتعقبة التي يجمعها جامع واحد في فصل أو باب، وفصل بينها بعبارة دالة على هذا الفصل مثل: (وذكر)، ونحوها، وذلك عند ذكر كل حديث. 4 - خرجت الأحاديث تخريجًا مسهباً -في قسم التحقيق- تناولت فيه أموراً؛ منها:
أ - عزو الحديث المذكور إلى مصدره المنقول منه، بذكر اسم المصنف، وكتابه، وبابه، والجزء والصفحة، ورقم الحديث فيه، إن كان مرقمًا. ب - تخريج الأحاديث التي لم يعثر عليها المصنف، أو التي تركها دون عزو بعد أن بذل مجهوده ولم يقف على موضعها. ج - في تخريج الأحاديث حرصت على معرفة طرق الحديث التي لم يقف عليها المؤلف، والتي قد تفيد في ذكر متابعة لراو، أو شاهد لحديث، أو تعضيد لرواية، مما يسهل معرفة درجة الحديث المتناول للتعقيب. 5 - متابعة المصنف في أقواله ونقوله، وأحكامه على الأحاديث، والتعقيب على ما يستحق التعقيب منها. 6 - الأحاديث التي ذكرها المصنف في موضعين من كتابه، تناولت التعليق عليها في الموضع الأول، ثم إذا وصلت إلى موضعها الثاني اكتفيت بالإحالة في الحاشية إلى كون الحديث قد سبق ذكره برقم كذا، وذلك تجنبا للتكرار. 7 - درست رجال سند كل حديث من الأحاديث التي أوردها المصنف في كتابه، مما يسر لي أن أقف على أحكام رجال التعديل والتجريح للرواة في مصادرها الأصلية وفي أمهات الكتب، وكثيرا ما أكتفي بحكم الحافظ ابن حجر على الراوي، إذا كان ذلك هو الأنسب. 8 - الصحابة، - رضي الله عنهم -، كلهم عدول؛ لذلك لم أترجم لهم، اللهم إلا لمن كان غير مشتهر منهم، أو لمن ذكر بكنيته منهم، أو لنكتة علمية. 9 - قد يظهر لي مخالفة المصنف فيما ذهب إليه من حكم، أو تعليل، أو غير ذلك، فأذكره في موضعه عند دراسة الحديث والتعليق عليه. وقد يظهر لي تأخير ذلك إلى الدراسة، وفي هذه الحالة قد أشير إلى ذلك في الهامش. 10 - عملت على الحفاظ على النص على الصورة التي وجدتها عليه، ولم أسمح لنفسي بالتدخل إلا فيما تسمح به ضوابط التحقيق ومناهجه؛ مثل
تصحيح ما لم يكتب وفق القواعد الإملائية الصحيحة، أو ما خالف في الرسم؛ مثل إضافة المد لكلمة (الحرث)، فأثبتها: (الحارث)، ونحو إضافة حرف الهمزة في آخر اسم (زكرياء). 11 - قمت بشرح المفردات الغريبة في النص في الهامش، معتمدًا في ذلك على كتب شرح الغريب، وعلي المعاجم اللغوية. 12 - قد يكون بالنص سقط واضح أو معنى مضطرب فأحتاج إلى إثبات السقط أو توضيح المضطرب بكلمة أو نحوها، وفي هذه الحالة أجعل ما أضفت مما ليس في الأصل بين معقوفتين (..) وأضع بعدها مباشرة رقم إحالة في الهامش لبيان أن الإضافة ليست بالمخطوط. 13 - حافظت على ما ورد في النص المخطوط من رموز اصطلاحية حديثية دالة على صيغ التحديث وغيره: فإذا عبر بـ (ني) عن حدثني، أو بعبارة (نا) عن حدثنا، أبو بعبارة (أنا) عن أخبرنا، أو بـ (اهـ) عن انتهى؛ أبقيتها كما ذكرها، ولم أغيرها. 14 - عزوت الآيات الواردة في النص إلى أرقامها في السور المذكورة فيها، معتمدًا على رواية ورش عن نافع. 15 - سرت على المنهج المعروف في ترقيم أوراق المخطوط، كما قسمته إلى لوحات؛ وفي كل لوحة وجه أ، ثم وجه ب، وأشير إليها بخطين مائلين (//)؛ أضع بينهما رقم اللوحة والوجه. 16 - وضعت بعض الخرائط المساعدة على تصور سلسلة السند والاختلافات بين روايات الحديث الواحد، وذلك إذا كان الأمر يستدعي ذلك. 17 - وضعت فهارس فنية لتقريب البحث؛ منها: فهرس الآيات، وفهرس الأحاديث، وفهرس الأعلام، وفهرس الرواة المذكورين بجرح أو تعديل في بغية النقاد، وفهرس مصطلح الحديث، وفهرس الأمكنة والبقاع، وفهرس الغريب، وفهرس المصادر والمراجع.
الصعوبات التي واجهتني
الصعوبات التي واجهتني: - لعل أول الصعوبات التي واجهتني كون هذا المخطوط لا يوجد منه سوى نسخة وحيدة، وهي على يتمها مبتورة الأول والآخر، وهذا يجعل العمل فيها عسيرا. - صعوبة البحث عن النصوص المنقولة في الكتاب من مواردها التي نقل منها المصنف لمقابلتها بما في المخطوط، وكذا صعوبة العثور على جميع ما نقل المحدثون عن ابن المواق - سواء ما نسب منه للبغية بالنص الصريح، أو ما نسب لإبن المواق دون ذكر اسم الكتاب الذي نقل منه، وهذا ما جعلني ملزماً بجرد (¬1) عدة كتب؛ منها: ملء العيبة، لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، والنكت على كتاب ابن الصلاح، للزركشي، والتقييد والإيضاح، للحافظ زين الدين العراقي، والتبصرة والتذكرة له أيضًا -وهو شرحه لألفيته- وفتح الباري، لإبن حجر العسقلاني، والنكت على كتاب ابن الصلاح، لإبن حجر كذلك، والتلخيص الحبير، له أيضًا، وفتح المغيث، للسخاوي، وتدريب الراوي، للسيوطي، وفتح الباقي على ألفية العراقي، لزكرياء الأنصاري، وتوضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للصنعاني، والتعليق المغني على سنن الدارقطني، لأبي الطيب محمد شمس الحق آبادي، وكشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني. - لم يقيد على النسخة سماع ولا رواية؛ وذلك بسبب البتر. - عدم استطاعة الجزم -في أول الأمر- بمؤلف هذا الكتاب: "بغية النقاد"، هل هو لإبن المواق، أو لإبن رشيد السبتي؟ - ترجمة ابن الواق نادرة، وليس في المصادر ما يشفي الغليل عن الحياة العلمية لهذا العَلَم. وعدم وجود دراسة عن ابن الواق تسلط الضوء على منهجه أو تتناول التعريف به. ¬
خطة العمل
خطة العمل قسمت الكتاب إلى قسمين: - قسم للدراسة. - وقسم للتحقيق والتعليق. أما قسم الدراسة: فيحتوي على: مقدمة وبابين. المقدمة: وقد تناولت فيها: - أسباب اختيار الموضوع. - وبيان المنهج الذي سلكته في تحقيق النص. مع الإشارة إلى الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث. أما الباب الأول: فقد افتتحته بمدخل تمهيدي لعلم الحديث بالمغرب. وقسمت هذا الباب إلى قسمين، وجعلت في القسم الأول ثلاثة فصول. الفصل الأول: منها عقدته لعبد الحق الإشبيلي، وتحته المباحث الآتية: المبحث الأول: التعريف بعبد الحق الإشبيلي المبحث الثاني: شيوخ عبد الحق الإشبيلي المبحث الثالث: تلاميذ عبد الحق الإشبيلي المبحث الرابع: مصنفات عبد الحق الإشبيلي المبحث الخامس: المكانة العلمية لعبد الحق الإشبيلي
أما الفصل الثاني: فقد خصصته لإبن القطان الفاسي، وتحته المباحث الآتية: المبحث الأول: التعريف بابن القطان الفاسي المبحث الثاني: نشأته العلمية المبحث الثالث: شيوخ ابن القطان الفاسي المبحث الرابع: تلاميذ ابن القطان المبحث الخامس: مصنفات ابن القطان المبحث السادس: المكانة العلمية لإبن القطان المبحث السابع: أبو الحسن بن القطان محافظ مكتبة القصر الموحدي أما الفصل الثالث: فقد عقدته لإبن رُشَيْد السبتي، وتحته المباحث التالية: المبحث الأول: التعريف بابن رشيد السبتي المبحث الثاني: شيوخ ابن رشيد السبتي المبحث الثالث: تلاميذ ابن رشيد السبتي المبحث الرابع: مذهب ابن رشيد الفقهي المبحث الخامس: رحلة ابن رشيد إلى الأندلس وفاس المبحث السادس: مصنفات ابن رشيد المبحث السابع: مكانة ابن رشيد العلمية أما القسم الثاني من هذا الباب، ففيه تفصيل لحركة التأليف الحديثية من "الأحكام" إلى "البغية". صدرته بتمهيدين، يتلوهما فصلان التمهيد الأول: علم العلل
التمهيد الثاني: الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام الفصل الأول: عقدته لكتابي: الأحكام ("الكبرى" و"الصغرى") لعبد الحق الإشبيلي ابتدأته بتمهيد فيه وإن لسبب تأليف عبد الحق لكتب الأحكام بعده المباحث الآتية: المبحث الأول: الأحكام الكبرى المبحث الثاني: الأحكام الصغرى المبحث الثالث: الكتب المصنفة على الأحكام الصغرى الفصل الثاني وهو خاص بـ"الأحكام الشرعية الوسطى" وفيه المباحث التالية: المبحث الأول: التعريف بـ"الأحكام الوسطى". المبحث الثاني: منهج الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" المبحث الثالث: مصادر الكتاب المبحث الرابع: القيمة العلمية للكتاب الباب الثاني: وقد عقدته للتعريف بابن المواق وكتابه "بغية النقاد" وقد اشتمل على خمسة فصول: خصصت الفصل الأول للتعريف بابن المواق ومكانته العلمية افتتحته بتمهيد: ركزت فيه على ندرة ترجمة ابن المواق وآثار ذلك على الباحثين، تلاه المباحث الآتية:
المبحث الأول: اسم ونسب ابن المواق المبحث الثاني: البيئة العلمية التي نشأ بها ابن المواق المبحث الثالث: شيوخ ابن المواق المبحث الرابع: تلاميذ ابن المواق المبحث الخامس: المذهب الفقهي لإبن المواق المبحث السادس: المكانة العلمية لإبن المواق المبحث السابع: ابن المواق والتصحيح والتضعيف المبحث الثامن: ابن المواق وعلم الجرح والتعديل المبحث التاسع: ابن المواق وعلم علل الحديث المبحث العاشر: مصنفات ابن المواق المبحث الحادي عشر: تأكيد نسبة كتاب "بغية النقاد" لإبن المواق أما الفصل الثاني فقد عقدته لبيان مضمن كتاب: "بغية النقاد". وقد حاولت فيه أن أضع ملخصاً للتعقيبات التي وردت في كتاب: "بغية النقاد". أما الفصل الثالث فقد خُصص لذكر موارد ابن الواق في "بغية النقاد"، وقد قسمتها إلى محاور كالآتي: - كتب متون الحديث - كتب العلل الحديثية - كتب التواريخ - كتب المعاجم
- كتب أطراف الحديث - كتب الجرح والتعديل - كتب المؤتلف، والمختلف، والمتفق والمفترق ... - كتب طبقات الصحابة - كتب الفقه - كتب في فنون وعلوم مختلفة أما الفصل الرابع فقد عقدته لبيان جانب من مشاركة ابن المواق في تأسيس علوم الحديث عنونته بـ: جهود ابن المواق في علوم الحديث، وتحته المباحث التالية: المبحث الأول: الحكم على السند المعنعن المبحث الثاني: الحكم على السند المؤنن المبحث الثالث: متى يحكم على الحديث بالانقطاع المبحث الرابع: حكم مراسيل الصحابة المبحث الخامس: حكم الرواية بالمكاتبة المبحث السادس: حكم النسبة إلى الجد المبحث السابع: هل سمع الحسن من ابن عباس، - رضي الله عنهما -؟ المبحث الثامن: شرط البخاري ومسلم المبحث التاسع: الحديث الحسن المبحث العاشر: الجهالة وحكمها
المبحث الحادي عشر: بم تثبت العدالة؟ المبحث الثاني عشر: الرواية بالمعنى المبحث الثالث عشر: الإهتمام بنسبة روايات كتب الحديث إلى مؤلفيها وآخر هذه الفصول هو الفصل الخامس، وقد تناولت فيه أمورًا متفرقة لها علاقة بـ"بغية النقاد"، من ذلك: - التعقيب وآدابه عند ابن المواق - ضوابط النقل عند ابن المواق - أصول التخريج عند ابن المواق - فوائد كتاب: "بغية النقاد" - نقول عن ابن المواق - مؤاخذات على ابن المواق وبهذا ينتهي قسم الدراسة، ويليه قسم التحقيق والتعليق. هذا وإني لا أدعي الكمال فيما قمت به، بل هو جهد المقل، فما كان منه صوابًا فهو من توفيق الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وما كان فيه من تقصير فأستغفر الله منه. والله أسأل أن يثيبني على هذا العمل دنيا وأخرى؛ وأن ينفع به، إنه سميع مجيب. ثم لا يفوتني أن أتقدم بالشكر والعرفان بالجميل لفضيلة أستاذي الدكتور زين العابدين بلافريج على إشرافه على هذه الرسالة، والأساتذة الكرام: والدكتور محمد يسف، والدكتور الحسن العبادي، والدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي، والدكتور محمد أبو الفضل، جازاهم الله بأحسن الجزاء على ما
قدموا من نصح وإرشاد. كما أتوجه بالشكر العميم للأخوة الأساتذة الذين مكنوني من بعض المصادر والمراجع التي لم يكن لي أن أحصل عليها إلا من طريقهم، كما أسجل هنا شكري الخاص للشيخ الجليل العالم محمد بوخبزة الذي أمدني ببعض المخطوطات القيمة. شكر الله لكل من تقدم ذكرهم ولغيرهم ممن لم أذكرهم، والله يتولى الصالحين. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا الكريم وعلي الله وصحبه أجمعين. وكتبه د/ محمد خرشافي أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء - عين الشق - المغرب
قسم الدراسة
الباب الأول القسم الأول حلقات المحدثين المغاربة في القرنين السادس والسابع الهجريين الفصل الأول: عبد الحق الإشبيلي الفصل الثاني: ابن القطان الفاسي الفصل الثالث: ابن رشيد السبتي
مدخل تمهيدي لعلم الحديث بالغرب
مدخل تمهيدي لعلم الحديث بالغرب: كان دخول الحديث النبوي إلى بلاد المغرب والأندلس مع الفاتحين الأولى شأنه شأن القرآن الكريم، وكانت العناية به واضحة من أول يوم عرف المغاربة شريعة الإسلام، ذلك أنه أحد هذين الأصلين الذين بني عليها هذا الدين، ولكن لم يكن الأمر متسعاً بين سائر العلماء بالمغرب، ولهذا نلمس طائفة من المحدثين الذين يظهرون من حين لآخر؛ وهذه بعض من هذه النماذج: - معاوية بن صالح بن حُدير الحضرمي (ت 168 هـ) راوية أهل الشام، دخل الأندلس سنة ثلاث وعشرين ومائة، قال عنه النباهي: كان من جلة أهل العلم، ورواة الحديث. تولى التحديث بالأندلس، وقصده الناس للرواية عنه من كل صوب. (¬1) - داود بن جعفر بن أبي صغير، من أهل قرطبة، سمع من مالك بن أنس وسفيان الثوري، ومعاوية بن صالح، قال ابن وضاح: ورويت أنا عنه، وروى هو عني. ذكر أنه أملى على أحد تلامذته ثلاثة آلاف حديث. (¬2) وظهور هذه العينات من المحدثين لم يكن يسمح بأن تكون صبغة الحديث صبغة عامة بالبلاد في هذه الفترة، ولكنها كانت بذوراً صالحة لأشجار باسقة فيما يعقبها من الزمن، وقد بدأ هذا التحول نحو هذه الغاية بعد العودة الثانية لمحمد بن وضاح بن بزيغ القرطبي (202 - 277 هـ) من رحلته المشرقية، حيث تم له الأخذ عن كبار المحدثين في عصره أمثال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني. لذا يمكن أن يقال إن ابن وضاح هو أول من أدخل علم الحديث إلى بلاد الأندلس. (¬3) ¬
ويأتي بعد ابن وضاح أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي (201 - 276 هـ)، وله رحلتان إلى المشرق استغرق في الأولى عشرين سنة، وفي الثانية أربع عشرة سنة، وقد كانت الحصيلة العلمية لهاتين الرحلتين هامة، ويرجع الفضل لبقي بن مخلد في إدخال كثير من الكتب إلى الأندلس، منها: مصنف ابن أبي شيبة، كما كان له مزية الانتقال الفعلي للمغاربة من الإنكباب على الفقه المالكي بفروعه إلى دراسة الكتاب والسنة، واستخلاص الأحكام من هذين الأصلين، وقد ألف في التفسير والحديث وطبقات الصحابة. (¬1) ومن أعلام المحدثين بعد هذه الفترة قاسم بن أصبغ البيَّاني (244 - 340 هـ)، وهو الآخر من الذين ارتحلوا إلى المشرق، وجابوا الآفاق، وأخذوا عن كبار محدثي العصر، وإليه يرجع الفضل في إدخال كثير من كتب الحديث وتواريخ الرجال إلى الأندلس؛ مثل: كتاب التاريخ لأحمد بن زهير بن حرب، كما أنه بلغ شأوا عالياً في علم الحديث، له مصنفات قيمة؛ منها مصنفه الخرج على كتاب أبي داود، وغيره. اشتغل بالإقراء والتحديث، ولما طال عمره في ذلك صارت الرحلة تشد إليه، فاجتمع في الأخذ عنه الكبار والصغار، والشيوخ والكهول والأحداث. (¬2) وممن اشتهر من المحدتين المغاربة آنذاك: أبو القاسم، خالد بن سعد القرطبي (ت 352 هـ)، وكان له شأو وأي شأو في علم الحديث، حتى إن الحكم الستنصر (302 - 366 هـ) كان يقول في حقه: "إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى ابن معين (ت 233 هـ) فاخرناهم بخالد بن سعد". (¬3) ¬
ومن المحدثين اللامعين في هذا العصر أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي، كانت له رحلة إلى المشرق من أجل طلب الحديث، فلما رجع عنىِ بالآثار والسنن وجمع الحديث ونشره وروايته، ولم يزل كذلك بين أهل قرطبة حتى توفاه الله إليه سنة 350 هـ. (¬1) وممن يذكر من محدثي المغرب في هذه الفترة: أبو عمر، أحمد بن محمد الطلمنكي (340 - 429 هـ) له رحلة إلى المشرق استفاد منها في علوم القرآن والحديث حتى صار إمامًا فيهما، وكان سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع، قامعاً لهم غيوراً على الشريعة شديدًا في ذات الله -عَزَّ وَجَلَّ-. (¬2) أما يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث (447 - 532 هـ) فقد علا كعبه في علمي الحديث والفقه، وكان -مع سابقه- أحد أئمة هذا الشأن، وإليه يرجع الفضل في تكوين جيل من المحدثين في هذه الحقبة؛ أمثال ابن حزم الظاهري، وأبي الوليد الباجي، وأبي عبد الله بن عتاب. (¬3) ويشهد المغرب في القرن الخامس الهجري ازدهاراً ملحوظاً في علم الحديث على يد أبي عمر يوسف ابن عبد البر (368 - 463 هـ) صاحب التآليف العديدة والتصانيف الهامة مثل: "التمهيد" و"الإستذكار" و"الإستيعاب". قال أبو الوليد الباجي عنه: (لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب). (¬4) ¬
ومن كبار أعلام محدثي هذا القرن كذلك: أبو الوليد؛ سليمان الباجي (403 - 474 هـ)، له رحلة إلى الشرق -استغرقت ثلاثة عشر عامًا- جاور بمكة ثلاثة أعوام، لازم فيها أبا ذر الهروي، كما كانت له رحلة إلى مصر وبغداد وغيرهما من البلدان، وما عاد إلى بلاده حتى كان له القدم الراسخ في علم الحديث وعلله، والدراية الواسعة بعلم الجرح والتعديل، كما كان له إلمام بالفقه ودقائقه وأموره الخلافية. قال عنه تلميذه أبو علي الصدفي: (ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدًا على هيئته وسمته وتوقير مجلسه، وهو أحد أئمة المسلمين). لأبي الوليد الباجي مؤلفات جليلة منها: "التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح". (¬1) وعلي رأس حفاظ المحدثين المغاربة في هذا القرن: أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني (427 - 498 هـ)، من شيوخه الذين أخذ عنهم، وتخرج على أيديهم: أبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو الوليد الباجي. اهتم أبو علي الجياني بالحديث وكتبه، واشتهر بضبط رواياته مع المعرفة الكاملة بغريب اللغة والشعر والأنساب. وترك من المؤلفات ما يشهد بعلو كعبه في علوم الحديث أمثال: تقييد المهمل وتمييز المشكل في رجال الصحيحين (¬2)، وكذا: التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين، وغيرهما. ومن حفاظ الحديث ذوي المكانة العالية كذلك: الحافظ أبو علي حسين الصدفي السرقسطي (454 - 514 هـ)، له رحلة إلى المشرق استغرق فيها تسع ¬
سنوات، ولما عاد إلى بلاده كان ذا علم غزير، فانصرف للإقراء والتحديث حتى توفاه الله إليه. (¬1) قال المقري عنه: (كان أبو علي عالمًا بالحديث وطرقه، عارفًا بعلله وأسماء رجاله ونقلته، بصيراً بالمعدلين والمجرحين، وكان حسن الخط جيد الضبط، وكتب بيده علماً كثيراً وقيده، وكان حافظاً لمصنفات الحديث قائمًا عليها، ذاكراً لمتونها وأساليبها ورواتها). (¬2) وممن تتلمذ على أبي علي الصدفي: القاضي أبو بكر بن العربي، وأبو الفضل القاضي عياض. وفي القرن السادس الهجري يبرز على الساحة العلمية بعض تلاميذ الحافظين أبي علي الجياني، وأبي علي الصدفي؛ وأخص بالذكر منهم: أبا بكر بن العربي المعافري (468 - 543 هـ)، وهذا له رحلة علمية إلى المشرق، تمكن فيها من الأخذ على طائفة؛ منهم الإمام الغزالي، وأبي بكر الشاشي. (¬3) ومن كبار المحدثين المغاربة في هذا القرن -السادس-: أبو الفضل القاضي عياض اليحصبي، السبتي (476 - 544 هـ)، كانت رحلته بين الغرب والأندلس، وعني بلقاء العلماء والمحدثين والأخذ عنهم، قال ابن الأبار عنه: ((كان لا يدرك شأوه ولا يبلغ مداه في العناية بصناعة الحديث وتقييد الآثار وخدمة العلم، من حسن التفنن فيه، والتصرف الكامل في فهم معانيه، إلى اضطلاعه بالآداب، وتحققه بالنظم والنثر، ومهارته في الفقه، ومشاركته في اللغة العربية، وبالجملة فكان جمال العصر ومفخر الأفق، وينبوع المعرفة، ومعدن الإفادة، وإن عدت رجالات الغرب فضلاً عن الأندلس حسب فيهم صدراً، ¬
لعياض تآليف مفيدة؛ كتبها الناس وانتفعوا بها، وكثر استعمال كل طائفة لها)). (¬1) من هذه المصنفات: مشارق الأنوار على صحاح الآثار، والإلماع إلى معرفة الرواية وتقييد السماع، وإكمال المعلم في شرح مسلم، والشفا في التعريف بحقوق المصطفى ... قال أبو الحسن النباهي: (وممن سما ذكرهم بعد وفاتهم، وانقضاء أمد حياتهم، فبهرت ولايتهم، واشتهرت في الآفاق درايتهم، ومنهم كان القاضيان: أبو بكر بن عبد الله بن العربي، وأبو الفضل عياض، فجرت عليهما محن، وأصابتهما فتن، ومات كل واحد منهما مغرباً عن أوطانه، محمولاً عليه من سلطانه). (¬2) هؤلاء بعض رجالات المغرب في علم الحديث، يستدل بهم على غيرهم، ومن لم يذكر من هم أكثر ممن ذكروا. ¬
الفصل الأول عبد الحق الإشبيلي (510 - 582 هـ)
الفصل الأول عبد الحق الإشبيلي (510 - 582 هـ) المبحث الأول: التعريف بعبد الحق الإشبيلي المبحث الثاني: شيوخ عبد الحق الإشبيلي المبحث الثالث: تلاميذ عبد الحق الإشبيلي المبحث الرابع: مصنفات عبد الحق الإشبيلي المبحث الخامس: المكانة العلمية لعبد الحق الإشبيلي
المبحث الأول التعريف بعبد الحق الإشبيلي
لا يمكن أن ندرس كتاب بغية النقاد دون الرجوع إلى المنبع الأول الذي أسست عليه هذه السلسلة من التعقيبات العلمية للعلماء الثلاثة عبد الحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي، وابن المواق. ولما كان لإبن رشيد الفضل في تبييض كتاب بغية النقاد وإتمامه وإخراجه للناس لينتفعوا به -مع مناقشة علمية حول صاحب كتاب بغية النقاد الحقيقي هل هو ابن المواق أو ابن رشيد السبتي- كان لزاماً أن ندرجه ضمن فصول هذه الأبواب فتكون أربعة فصول: الأول لعبد الحق الإشبيلي، والثاني لإبن القطان الفاسي، والثالث لإبن المواق، والرابع لإبن رشيد السبتي، لكن لما كان بيت القصيد في هذه الدراسة هو ابن المواق آثرت أن أجعل الفصل الثالث لإبن رشيد، وأؤخر ابن المواق لأفرده بالباب الثاني، وبالتالي يتسنى لي آنذاك أن أخصه بمزيد العناية سواء من حيث التعريف به، أو من حيث تفصيل منهجه في كتاب بغية النقاد، ومشاركته في بناء صرح علوم الحديث ... المبحث الأول التعريف بعبد الحق الإشبيلي: هو: عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد بن إبراهيم، الأزدي، الإشبيلي نشأة، البجائي موطناً وإقامة، كنيته أبو محمد، لقب بابن الخراط، وبه اشتهر. ذكر أبو العباس الغبريني أنه ولد في ربيع الأول سنة 510 هـ، وكانت وفاته في بجاية في ربيع الثاني عام 582 هـ. (¬1) ويبدو أن كتاب الأحكام قد انتشر بين الناس حتى صار عبد الحق الإشبيلي يعرف به، وهذا ما حدا بالحجوي الثعالبي أن يقول في ترجمته: ¬
المبحث الثاني: شيوخ عبد الحق الإشبيلي
(وأشهر من يسمى عبد الحق في المالكية المغاربة من أهل هذه الطبقة هذا؛ لإشتهار كتبه، وخصوصا "الأحكام"، فإذا أطلق هذا الإسم فإليه ينصرف). (¬1) ولعظم قدر هذا الإمام وصلاحه وتقواه وورعه أقحم الغبريني ترجمته في كتابه: "عنوان الدراية" مع تصريحه بأن ترجمته خارجة عن منهج الكتاب، لأنه إنما وضعه للعلماء الذين عرفوا ببجاية في المائة السابعة، مصرحاً بأنه ما أوردها إلا لإنتشار فضله .... (¬2) المبحث الثاني: شيوخ عبد الحق الإشبيلي: لإبن الخراط شيوخ كثيرون، روى عنهم، وتخرج بهم، وأجازوه بمروياتهم، وهذا ذكر لأشهرهم، مرتبة حسب حروف المعجم: 1 - أحمد بن محمد بن أحمد الإصبهاني السلفي، عماد الدين، أبو طاهر (ت 576 هـ) محدث اعتنى بالرحلة للسماع والتحصيل، سمع من شيوخ لا يحصون كثرة؛ منهم بأصبهان أكثر من ست مائة شيخ، وارتحل إلى بغداد فسمع بها، ومكة والكوفة والبصرة والمدينة ودمشق وقزوين وأذربيجان، والإسكندرية ... وكان متقنًا متثبتاً دينًا خيراً، حافظاً ناقداً، انتهى إليه علو الإسناد، وتسابق المحدثون في الأخذ عنه، استوطن الإسكندرية خمساً وستين سنة، وبها توفي، عن ستة ومائة عام. (¬3) قال عبد الحق: (... وفيما أذن لي أبو طاهر السلفي أن أحدث عنه به، ¬
وكتب إلي، سيما الديوان الذي وقع فيه ...). (¬1) 2 - أحمد بن أبي مروان عبد الملك بن محمد، أبو جعفر -وكناه ابن الأبار أبا العباس- الأنصاري، الإشبيلي (ت 549) الإمام الحافظ، سكن ليلة، وكان متمكناً من الحديث ورجاله، حتى كان يقال له: ابن معين وقته، وبخاري زمانه. قال ابن عبد الملك: وألف في السنن كتابه الكبير المسمى بالمنتخب المنتقي، جمع فيه مفترق الصحيح من الحديث الواقع في المصنفات والمسندات، وطريقه هذا حذا أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن في كتابه "الأحكام"، إذ كان ملازماً له مستفيداً منه. وقال ابن الأبار: سمع من شريح بن محمد، وأبي الحكم بن حجاج، ومفرج ابن سعادة، وكان حافظاً محدثًا فقيهاً ظاهرياً، له كتاب: "المنتخب المنتقى" في الحديث، وعليه بنى عبد الحق "أحكامه" تتلمذ له عبد الحق، استشهد في كائنة ليلة في سنة تسع وأربعين وخمس مائة. (¬2) 3 - خليل بن إسماعيل بن عبد الملك السكوتي، أبو الحسن. قال ابن الزُّبير: "انتقل -أي عبد الحق- في الفتنة إلى لبلة، ولازم بها أبا الحسن خليل بن إسماعيل، وقرأ عليه، وتفقه به وتأدب، وجرت له معه قصة ذكرتها في غير هذا الموضع، وروى معه عن أبي الحسن شريح وأبي بكر عبد العزيز بن خلف بن مدير". وكان فقيهاً حافظاً للفروع، له معرفة بالوثائق. (¬3) 4 - شريح بن محمد بن شريح بن أحمد بن شريح، أبو الحسن الرعيني (451 - 539). ¬
قال عنه عياض: "شيخ المقرئين المتصدرين في زمنه، ومن إليه الرحلة في هذا الشأن، القائمين بعلوم القرآن، والإستقلال بالنحو والعربية، وله سماع في الحديث من أبيه وأبي محمد بن خزرج، وأبي عبد الله بن منظور". وقال الحافظ خلف بن بشكوال: "كان (أبو الحسن) من جلة المقرئين، معدوداً في الأدباء والمحدثين، خطيباً بليغاً، حافظاً محسناً فاضلاً، حسن الخط، واسع الخلق، سمع الناس منه كثيراً، ورحلوا إليه، واستقضي يلده، ثم صرف عن القضاء، لقيته بإشبيلية سنة ست عشرة (وخمس مائة) فأخذت عنه وأجاز لي". ذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى، ونص على تلمذته له الضبي، وابن الأبار، وابن الزبير، والذهبي، وابن فرحون. (¬1) 5 - طارق بن موسى بن يعيش بن الحسين بن علي بن هشام ابن المنصفي المخزومي، أبو الحسن (ت 549 هـ) عالم بالحديث، من أهل بلنسية، له رحلتان إلى المشرق جاور فيهما بمكة، سمع من محمد عبد الباقي المعروف بشقران، والطرطوشي، والسلفي ... له برنامج في مشيخته، توفىِ بمكة. قال ابن عبد الملك: "كان محدثًا ضابطاً عدلاً ثقة، صحيح السماع، ديناً خيراً، متواضعاً، تنافس الناس في الأخذ عنه والسماع منه لعلو سنده وصحة سماعه". يروي عنه عبد الحق، ذكر ذلك كل من: ابن عبد الملك، وابن الأبار، وابن ¬
الزبير، والذهبي، وابن فرحون. (¬1) 6 - طاهر بن أحمد بن عطية بن محمد بن عبد الله المري، أبو محمد: (كان حيًّا إلى غاية سنة 537 هـ). حجازي ذكره في شيوخ عبد الحق: ابن عبد الملك، وابن الأبار، والذهبي، روى عن أبي بكر الميورقي وأبي جعفر بن غزلون، وأبي الحسن بن موهب، وكان فقيهاً محدثًا، راوية عدلاً، واستقضي. قال ابن الأبار: "ويحدث أبو محمد عبد الحق بتفسير عبد بن حميد عن أبي محمد طاهر بن عطية، عن ابن بشر هذا، عن أبي علي الصدفي ... " (¬2) 7 - عبد السلام بن عبد الرحمن بن -أبي الرجال- محمد بن عبد الرحمن اللخمي، المغربي، الإفريقي ثم الأندلسي الإشبيلي، شيخ الصوفية، يعرف بابن بَرَّجان، كنيته: أبو الحكم، وتوفي مغرباً عن وطنه بمراكش في سنة 536 هـ. قال أبو عبد الله بن الأبار: (كان من أهل العلم بالقراءات والحديث، والتحقيق بعلم الكلام والتصوف (¬3)، مع الزهد والإجتهاد بالعبادة، وله تصانيف مفيدة، منها تفسير القرآن، لم يكمله، وكتاب شرح أسماء الله الحسنى). أخذ عنه ابن الخراط كتابه في التفسير. (¬4) ¬
8 - عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن النفطي (¬1) يعرف بابن الصائغ، أبو القاسم. قال ابن الأبار: (دخل الأندلس، وروى بها عن جماعة؛ منهم: أبو علي، وابن العربي، وغيرهما، وحدث أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي عنه بالموطأ، ومصنف النسائي، ومسند البزار، وسنن الدارقطني، وكتاب العلل له، وتاريخ ابن أبي خيثمة، والسن لسعيد بن منصور، وتفسير ابن حميد، وكتاب الحاكم في علوم الحديث، وكتاب هناد بن السري في الزهد، كلها عن أبي علي الصدفي، وله رحلة سمع فيها من أبي عبد الله بن منصور الحضرمي، وأبي الحسن محمد ابن مرزوق الزعفراني، وأبي بكر ابن طرخان التركي، وسواهم، وخرج من دمشق قاصداً نفطة بلده في سنة 518، فولي الصَّلاة والخطبة بتوزر. حدثنا الأستاذ أبو جعفر محمد بن علي بن عون الله الأنصاري في آخرين عن أبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن، وحدثنا أبو عبد الله بن أحمد الأندرشي وأبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي، قالا: نا أبو القاسم بن عساكر الحافظ قال: هو وعبد الحق، نا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد النفطي إجازة ...). (¬2) 9 - عبد العزيز بن خلف بن عبد الله بن سعيد بن العباس بن مدير الأزدي، القرطبي، أبو بكر (ت 544 هـ). له سماع صحيح عال؛ لقراءة أبيه أبي القاسم على أبي الوليد الباجي، وأبي العباس العذري، وأبي عبد الله بن سعدون القروي، وكان آخر مَنْ حَدّثَ عن هؤلاء بالسماع، ومن شيوخه كذلك أبو علي الغساني، وأبو الوليد ابن رشد. ¬
روى عنه ابن بشكوال، وابن خير، وابن حبيش، وآخرون. "وكان من أهل المعرفة بالمسائل الفروعية، وعقد الشروط، ومن أهل العلم والذكاء والفهم." ذكر عبد الحق روايته عنه في الأحكام الوسطى. (¬1) 10 - عبد العزيز بن علي بن محمد بن سلمة بن عبد العزيز السماتي، يعرف بابن الطحان وابن الحاج، أبو محمد، وأبو الإصبغ (ت 559 هـ): من أهل إشبيلية أخذ القراءات عن أبي الحسن شريح وأبي العباس بن عيشون، وسمع جامع الترمذي من أبي جعفر بن نميل، ومصنف النسائي من أبي الحسن ابن مغيث. روى عبد الحق كتاب "المؤتلف والمختلف" لأبي سعد الماليني عن أبي حميد السماتي. وكان ابن الطحان أستاذاً ماهراً في القراءات، من مصنفاته: شعار الأخيار الأبرار في التسبيح والإستغفار)، رحل إلى المشرق فأدى الفريضة، وحمل عنه، وكانت وفاته بحلب. (¬2) 11 - علي بن محمد بن علي بن هذيل، أبو الحسن، المقرئ، ولد ببلنسية وبها توفي (ت 564) وأقرأ بها وأسمع أزيد من ستين سنة. ذكر أخذ عبد الحق عنه ابن عبد الملك. (¬3) 12 - عمر بن عباد بن أيوب بن عبد الله اليحصبي، أبو حفص (ت 545)، حج وسمع بمكة رزينا العبدري، والسلفي بالإسكندرية ... حدث عنه ابن خير ¬
بـ (تجريد الصحاح)، و (أخبار مكة)، لرزين، وحدث عنه عبد الحق بالإجازة، وكان خيراً، زاهداً، فاضلاً، متقدماً في جملة معارف. نص على تتلمذ عبد الحق عليه كل من ابن عبد الملك، وابن الأبار، والذهبي، وابن فرحون. (¬1) 13 - محمد بن الحسين بن أحمد بن يَحْيَى بن بشر الأنصاري، الخزرجي، الميورقي (ت 537 هـ) روى عن أبوي علي الصدفي والغساني، ورزين العبدري بمكة، والطرطوشي بالإسكندرية. حدث بالأندلس في عدة مدن، لتجوله فيها، ممن حمل عنه العلم ابن فرس. كان محدثًا واسع الرواية، عارفاً بالحديث وعلله وأسماء الرجال، مشهوراً بالإتقان والضبط، ثقة فيما نقل وروى، ديناً ذكياً، ظاهري المذهب، داوديه، امتحن من قبل علي بن يوسف؛ فضرب بالسوط وسجن، ثم سرح، وكانت وفاته بالجزائر. ذكر ابن عبد الملك أخذ عبد الحق عنه. (¬2) 14 - محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد، بن العربي، أبو بكر، المعافري، الإشبيلي، المالكي (ت 543 هـ)، إمام حافظ علامة، له رحلة إلى المشرق؛ سمع فيها على كثيرين بمصر والقدس والشام وبغداد، أخذ عن أبي بكر الطرطوشي، وأبي بكر الشاشي وطائفة، وعاد إلى الأندلس بعلم غزير لم يدخله أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق، وكان من أهل التفنن في العلوم والإستبحار فيها والجمع لها، حريصاً على نشرها وأدائها. ¬
المبحت الثالث: تلاميذ عبد الحق الإشبيلي
ذكره الضبي ضمن شيوخ عبد الحق. (¬1) 15 - علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، ابن عساكر، أبو القاسم (ت 571 هـ). سمع بدمشق، ثم رحل، فسمع ببغداد ومكة والكوفة ونيسابور وأصبهان ومرو وهراة، وعدد شيوخه ألف وثلاث مائة شيخ، ونيف وثمانون امرأة. له مصنفات كثيرة من أشهرها "تاريخ دمشق". قال عنه السمعاني: "حافظ ثقة متقن، دين خير، حسن السمت، جمع بين معرفة المتن والإسناد، وكان كثير العلم غزير الفضل، صحيح القراءة، متثبتاً". ذكر إجازَته لعبد الحق كل من: ابن الأبار، وابن فرحون، وابن شاكر. (¬2) المبحت الثالث: تلاميذ عبد الحق الإشبيلي: إن الذي يرجع إلى كتب الشيخات والبرامج والإثبات وفهارس الشيوخ، أو الكتب المتأخرة الروية بالسند المتصل إلى أصحابها ليلحظ أن كتب "الأحكام" لعبد الحق قد أخذت مكانها من هذه الكتب، بحيث يتعذر على الباحث أن يحيط بذكر من رواها عنه من تلاميذه، وحسبي أن أذكر طائفة منهم: 1 - أحمد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مطرف التميمي، أبو جعفر الأندلسي، (ت 627)، له رحلات أربع إلى المشرق، لقي فيها شيوخاً وأخذ عنهم، عني كثيرًا بالرواية ولقاء المشايخ، كان عظيم الصيت واسع المعرفة، مهيباً موقراً، عند الخاصة والعامة، شيخ الطائفة الصوفية قاطبة بالغرب. أجازه عبد الحق الإشبيلي. (¬3) ¬
2 - أحمد بن عبد المجيد بن سالم بن تمام بن سعيد الحجري، الجيار، أبو جعفر المالقي (ت 624)، روى عن ابن بشكوال والسهيلي، وممن أجازه ابن الفرس وعبد الحق، روى عنه أبو بكر سيد الناس وأبو الحسن الرعيني، وكان محدثًا مكثراً حافظاً شديد العناية بشأن الرواية، سنياً فاضلاً، أحرص الناس على نشر العلم وإذاعته، معروفاً بالزهد والورع، جارياً على مناهج السلف الصالح. (¬1) 3 - أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الداني، ثم المرسي، أبو جعفر الحصار، (ت 609) مقرئ الوقت، قال ابن الأبار: "لم يكن أحد يدانيه في الضبط والتجويد، أخذ عنه الآباء والأبناء، اضطرب بأخرة، فأسند عن جماعة أدركهم، وكان بعض شيوخنا ينكر عليه". أجازه عبد الحق. (¬2) 4 - أحمد بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن الصميل الأنصاري، أبو جعفر، أجازه عبد الله بن الفخار، رحل إلى المشرق وحج، ولقي ببجاية عبد الحق، فسمع عليه جملة من تآليفه، ثم فقل راجعاً إلى الأندلس، واستوطن إشبيلية، ولزم بها إكتاب القرآن، وكان رجلاً من خيار عباد الله الصالحين ... (¬3) 5 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد اللخمي بن أبي عزفة، اشتهر بالعزفي، أبو العباس (ت 633 هـ). ورد تلميذاً لعبد الحق في إسناد ذكره الذهبي لحديث: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء ...) الحديث من طريق الطّبرانيّ. قال الذهبي: قال أبو العباس بن فرتون: ثنا أبو العباس العزفي بسبتة، قال: ¬
أنبأنا عبد الحق، ثنا عبد العزيز بن خلفٌ بن مدير، ثنا أبو العباس بن ولهات العذري، ثنا محمد بن نوح بمكة، أنا أبو القاسم الطبراني، فذكره. (¬1) 6 - أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عبد الملك بن عات النفزي، أبو عمر (ت 609) (استشهد بالعقاب، شاطبي، أخذ عن أبيه الحافظ أبي محمد، وأبي الحسن بن سعادة وأكثر عنه، وممن أجازه ابن بشكوال والسهيلي وأبو القاسم بن حبيش، رحل حاجاً فلقي عبد الحق ببجاية وسمع منه. كان من أكابر المحدثين المجلة الحفاظ المسندين للحديث، يسرد الأسانيد والمتون ظاهراً، فلا يخل بحفظ شيء منها، عدلاً ثقة مأموناً مرضياً، متوسط الطبقة في حفظ الفروع والفقه، وكان على سنن السلف في الإنقباض وندرة الكلام، والتقلل من الدنيا، والزهد فيها. (¬2) 7 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي، أبو جعفر (ت 599) المؤرخ الأندلسي صاحب "بغية الملتمس في تاريخ الأندلس". استوفى فيه ما كتبه الحميدي في "جذوة المقتبس" إلى حدود 450 هـ وزاد عليه إلى أيامه، كان يحترف الوراقة، ونال منها مالاً كبيراً، وكتب بخطه كتباً كثيرة، وكان آية في سرعة الكتابة. رحل حاجاً فلقي في طريقه عبد الحق ببجاية، وبالإسكندرية أبا الطاهر بن عوف، وغير واحد، قال عنه: "له تآليف حسان، قرأت عليه بعضها، وناولني أكثرها ... صحبته مدة مقامه ببجاية وسامرته". (¬3) 8 - جعفر بن أحمد بن أمية المجري، أبو أحمد (ت 596). ¬
أجازه عبد الحق، والسلفي، وكان فقيهاً بصيراً بالسائل مشاركاً في الأدب إخبارياً. (¬1) 9 - جعفر بن محمد بن علي بن طاهر بن تميم القيسي، أبو الفضل (ت 598). عالم بالفقه، أديب ورع، من أهل بجاية، كان أبوه قاضياً بها، له رواية عن السهيلي -صاحب الروض الأنف- وعبد الحق الإشبيلي. قال الغبريني: (وله رواية عن أبي القاسم السهيلي ... وأبي محمد عبد الحق ابن عبد الرحمن الإشبيلي، وسمع منه؛ قال: أنشدني أبو محمد عبد الحق لنفسه: قالوا صف الموت يا هذا وشدته ... فقلت وامتد مني عندها الصوت يكفيكم منه أن الناس لو وصفوا ... أمرا يروعهم قالوا هو الموت. (¬2) 10 - الحسن بن محمد بن الحسن بن الرِّهْبيل الأنصاري، أبو علي، وكناه ابن الأبار بأبي جعفر، أصله من عمل بلنسية (531 - 58). أجازه عبد الحق ببجاية في ربيع الأول سنة 577 هـ (¬3) 11 - داود بن سليمان بن عبد الرحمن بن حوط الله الأنصاري الحارثي، الأندي، أبو سليمان -أندة من عمل بلنسية- محدث حافظ، ألف في أسماء شيوخه؛ وهم يزيدون على المائتين، غلبت عليه الرواية على الدراية، وكان من أهل العدالة، حلاه الذهبي بقوله: "الحافظ الإمام، محدث الأندلس" توفي على ¬
قضاء مالقة سنة 621 هـ ولم ير أكثر باكيا في جنازته. روى عن عبد الحق. (¬1) 12 - سليمان بن موسى الكلاعي أبو الربيع: نقل الذهبي عن ابن الأبار أن عبد الحق الإشبيلي أجاز سليمان الكلاعي هذا. (¬2) 13 - سهل بن محمد بن سهل بن محمد بن مالك الأزدي، أبو الحسن الغرناطي (ت 640 هـ). من أهل غرناطة، سمع من خاله أبي عبد الله بن عروس، وخال أمه يحيى بن عروس، وابن كوثر، وأبي القاسم بن حبيش، وابن الجد، وعدة، وكان من جلة العلماء والأئمة البلغاء الخطباء مع التفنن في العلوم. أجازه عبد الحق بأحكامه الصغرى، وروى عنه "الأحكام الكبرى"، توفي بغرناطة، عن إحدى وثمانين سنة. (¬3) 14 - عبد الله بن أحمد بن أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان التميمي، أبو محمد (ت 714)، أحد قضاة العدل، وولاة الدين والفضل، لقي أبا محمد عبد الحق الإشبيلي وأخذ عنه وسمع منه، وأجاز له أبو الطاهر السلفي، ولي قضاء سبتة بالعدوة، وبالأندلس قضاء بلنسية، كان من أهل الوجاهة والنباهة بمحل، وله من التحصيل ما لا يشغله عنه شاغل في الحل والمرتحل، وكانت وفاته بتونس. (¬4) ¬
15 - عبد الله بن سليمان بن داود بن حوط الله الأنصاري الحارثي، الأندلس الأندي، أبو محمد (549 - 612)، قرأ بأندة على والده، وسمع بمرسية من أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن حبيش، وعدة، محدث حافظ، خطيب بليغ، شاعر أديب، نحوي، تصدر للقراءات والعربية، وأدب أولاد المنصور بمراكش، وقال عزاً ودنيا واسعة، ولي قضاء قرطبة وأماكن عدة، وكانت وفاته بغرناطة. روى عن عبد الحق "الأحكام الكبرى" و"الصغرى". (¬1) 16 - محمد بن علي بن حماد بن عيسى بن أبي بكر الصنهاجي، أبو عبد الله (ت 628 هـ). له حظ وافر بعلوم القرآن والحديث والأصول والنحو والأدب والتاريخ، ولاه الموحدون القضاء في المغرب والأندلس في عدة أماكن منهما. روى عن عبد الحق كتاب الموطأ، وغيره من الكتب، له مصنفات، منها كتاب "الإعلام بفوائد الأحكام لعبد الحق الإشبيلي". ذكر ابن عبد الملك أن وفاته كانت بمراكش سنة (629 هـ) بينما أرخها الغبريني في سنة 628، وكان ينيف على الثمانين. (¬2) ¬
المبحث الرابع: مصنفات عبد الحق الإشبيلي
المبحث الرابع: مصنفات عبد الحق الإشبيلي: لعبد الحق الإشبيلي مصنفات كثيرة، منها: - كتب الأحكام الثلاثة (¬1)، و"الأنيس في الأمثال والواعظ والحكم والآداب من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - "، و"البهجة"، و"تعقيب التهذيب"- تعقيب على كتاب التهذيب للبراذعي، وهو في الفقه المالكي- وقد يطلق عليه: "تهذيب المطالب"، وفي نسبة الكتاب إلى عبد الحق مقال. و"تلقين الوليد الصغير"، ذكره له ابن فرحون. وقد طبع بالمغرب (سنة 1952). و"الجمع بين المصنفات الستة"، أو"جامع الكتب الستة"، و"كتاب التوبة"، وديوان شعره، و"كتاب العاقبة في الوعظ والزهد". طبع مؤخراً (¬2)، و "كتاب التهجد"، وما ورد في ذلك من الكتب الصحاح وعن العلماء والصلحاء والزهاد - رضي الله عنهم -". وقد طبع مؤخراً (¬3)، و"كتاب فضل الحج والزيارة"، و"مختصر كتاب الرشاطي في الأنساب"، و"مختصر الكفاية في علم الرواية"، و"مختصر صحيح البخاري"، و"المرشد"، و"المستصفى من حديث المصطفى"، و"المعتل في الحديث" و"معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - "، و "مقالة في الفقر والغنى"، و"المنير"، و"الواعي في اللغة" و"الواعي في ¬
المبحث الخامس: المكانة العلمية لعبد الحق الإشبيلي
حديث علي". (¬1) المبحث الخامس: المكانة العلمية لعبد الحق الإشبيلي: سنتناول مكانة عبد الحق الإشبيلي من خلال شهادات العلماء وأقوالهم فيه، وهذه بعضها: قال ابن الزبير: (كان -رَحِمَهُ اللهُ- من أهل العلم، والعمل زاهداً فاضلاً عاكفاً على الإشتغال بالعلم، جاداً في نشره وإذاعته، حسن النية فيه، ولذلك اشتهر ذكره، وعني الناس بتواليفه). (¬2) وقال الغبريني: (الإمام الشيخ الفقيه الجليل المحدث الحافظ المتقن المجيد، العابد الزَّاهد، القاضي، الخطيب، أبو محمد عبد الحق .. - وله - رضي الله عنه - تآليف جليلة نبل قدرها، واشتهر أمرها، وتداولها الناس رواية وقراءة وشرحاً وتبيناً .. وكانت له أخلاق حسنة فاضلة). (¬3) وقال المنذري: (الشيخ الزاهد أبو محمد عبدًا لحق ..). (¬4) ¬
وقال ابن الأبار: (كان فقيها، حافظا، عالما بالحديث وعلله، عارفا بالرجال، موصوفا بالخير والصلاح. والزهد والورع ولزوم السنة والتقلل من الدنيا، مشاركا في الأدب وقول الشعر، قد صنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى، وسبقه إلى مثل ذلك الفقيه أبو العباس بن أبي مروان الشهيد بلبلة، فحظي الإمام عبد الحق دونه). (¬1) وقال النووي: (هو الإمام الحافظ الفقيه الخطيب أبو محمد عبد الحق) (¬2) وقال الذهبي: (الإمام الحافظ البارع المجود العلامة أبو محمد عبد الحق .. المعروف في زمانه بابن الخراط، .. اشتهر اسمه، وسارت بأحكامه الصغرى والوسطى الركبان ... (¬3) وقال الذهبي كذلك: (الحافظ العلامة الحجة .. صنف التصانيف واشتهر اسمه، وبعد صيته) (¬4) وقال الذهبي أيضا: (وعبد الحق ... أحد الأعلام ... وكان مع جلالته في العلم قانعا، متعففا، موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السنة). (¬5) ¬
وقال ابن جعفر الكتاني: (وجلالة عبد الحق لا تخفي، فقد اعتمده الحفاظ في التعديل والتجريح ومدحوه بذلك كالحافظ ابن حجر وغيره، وأما الفقهاء كإبن عرفة، وخليل، وابن مرزوق، وابن هلال، وغيرهم فاعتمدوه من غير نزاع بينهم، بل اعتمدوا سكوته عن الحديث، لأنه لا يسكت إلا على الصحيح والحسن، كعادة ابن حجر في فتح الباري فإنه لا يسكت إلا على ذلك كما نص عليه في مقدمته). (¬1) ¬
الفصل الثاني ابن القطان الفاسي (562 - 628 هـ)
الفصل الثاني ابن القطان الفاسي (562 - 628 هـ) المبحث الأول: التعريف بابن القطان الفاسي المبحث الثاني: نشأته العلمية المبحث الثالث: شيوخ ابن القطان الفاسي المبحث الرابع: تلاميذ ابن القطان المبحث الخامس: مصنفات ابن القطان المبحث السادس: المكانة العلمية لإبن القطان المبحث السابع: أبو الحسن بن القطان محافظ مكتبة القصر الموحدي
المبحث الأول: اسم ابن القطان ونسبه
المبحث الأول: اسم ابن القطان ونسبه: هو أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن محمد ابن إبراهيم بن خلصة بن سماحة، الحميري، الكتامي، الفاسي المولد والمنشأ، نزيل مراكش، اشتهر بابن القطان. (¬1) وقال ابن مسدي بأنه "قصري" نسبة إلى قصر كتامة، ويقال فيه قصر عبد الكريم. (¬2) وذكر طائفة ممن ترجم له كإبن الأبار، وابن القاضي، وأحمد بابا، أن أصل أجداد 5 من قرطبة بالأندلس. (¬3) ولد بفاس فجر يوم عيد الأضحى سنة اثنتين وستين وخمسمائة (562 هـ)، وتوفي -رَحِمَهُ اللهُ- مبطونا، بين العشاءين من أول ليلة من شهر ربيع الأول من سنة ثمان وعشرين وستمائة (628 هـ)، ودفن بالركن الواصل بين الصحنين الشمالي والغربي من الزنقة لصق الجامع الأعظم بسجلماسة، وقال ابن عبد الملك: (وقبره معروف هناك إلى الآن). (¬4) المبحث الثاني: نشأته العلمية: يبدو أن المصادر المترجمة لأبي الحسن بن القطان لم تتناول تفاصيل عن النشأة العلمية التي كانت لهذا العلم، إذ جل ما لدينا له صلة بارزة بمرحلة نبوغه وسطوع نجمه في الدولة الوحدية، وبين أقرانه من العلماء المعاصرين له. ¬
المبحث الثالث: شيوخ ابن القطان
المبحث الثالث: شيوخ ابن القطان: كانت مدينة فاس على عهد الدولة المومنية من المدن النشيطة علميا، فقد ازدهر فيها العلم والطلب وكثرت فيها حلقات التدريس، حتى غدت مقصد العلماء وطلبة العلم على السواء، في ظل هذا الجو العلمي نشأ وترعرع أبو الحسن ابن القطان الفاسي فكان ينهل من معين شيوخ تنوعت مشارب علمهم من حديث وأصول وفقه وعربية ... وقد ألف ابن القطان في أواخر حياته معجم شيوخه، ونقل منه ابن عبد الملك أسماءهم، ويمكن تقسيم شيوخ ابن القطان إلى قسمين: شيوخ الرواية، وشيوخ الدراية، ونظرا لداعي الإختصار أكتفي بذكر طائفة منهم بصفة إجمالية دون تفصيل هذا القسم من ذاك: 1 - أبو جعفر بن يحيى: وهو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن يحيى، الحميري، ويعرف بابن الوزغي، حلاه الذهبي بقوله: "خطيب قرطبة وعالمها". شيخ في القراءات، له إلمام واسع بالعربية والآداب. واللغات، توفي في صفر سنة عشر وست مائة، عن ثمان وستين سنة. (¬1) 2 - أبو جعفر بن مضاء: وهو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي، القاضي، (513 - 592) وصفه ابن فرحون بقوله: (وكان مقرئا مجودا، محدثا مكثرا، قديم السماع، واسع الرواية عاليها، ضابطا لا يحدث به ... من مصنفاته "المشرق" في تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان. (¬2) 3 - أبو جعفر بن عميرة الشهيد: هو أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي، من أهل مرسية، كان حسن الخط، صحيح النقل والضبط، ثقة صدوقا، جلدا على الوراقة محترفا بها تأثل منها مالا كثيرا، وكتب بخطه علما كثيرا، ¬
توفي بمرسية شهيدا، سنة تسع وتسعين وخمس مائة. (¬1) 4 - أبو إسحاق السنهوري: وهو إبراهيم بن خلف بن منصور الغساني، الدمشقي، وسنهور من ديار مصر، قال أبو الحسن بن القطان: قدم علينا تونس سنة اثنتين وست مائة واستجزته لابني حسن، فأجازه وإياي ... ثم ذكر ابن القطان ما ظهر عليه من تغير حاله، ولذا قال: "وقد تبرأت من عهدة جميعه بما أثبت من حاله". (¬2) 5 - أبو بكر المعروف بـ"الفصيح": وهو عتيق بن علي بن حسن الصنهاجي، أصله من مكناسة الزيتون، ونشأ بمدينة فاس، وأخذ عن مشيختها، ثم رحل وسمع بمكة وبغداد ومصر، أخذ عنه أبو الحسن بن القطان، وقال أرانا شعره مجموعا، توفي بمراكش سنة حاله وتسعين وخمس مائة. (¬3) 6 - أبو الحسن: علي بن أحمد بن علي الأنصاري، الطليطلي - أصله منها، وسكن فاس، وتصدر للإقراء بها، روى عنه ابن القطان، وأجاز له سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة. (¬4) 7 - أبو الحسن بن خروف: وهو علي بن محمد، الحضرمي، الإشبيلي (524 - 609) عالم بالعربية، إمام في النحو، له شرح على كتاب سيبويه، وشرح الجمل للزجاجي. (¬5) 8 - أبو الحسن بن النقرات: واسمه علي بن موسى بن علي بن خلف السالي، الجياني، نزل فاس، فتصدر للإقراء بها، وخطب بجامع القرويين، قال ¬
ابن عبد الملك: "كان مقرئا مجودا محدثا راوية". تتلمذ عليه ابن القطان ولازمه، كان حيا إلى سنة 595 هـ. (¬1) 9 - أبو الحسن: نجبة بن يحيى بن خلف بن نجبة الرعيني، الإشبيلي، كان إماما في القراءة، أقرأ بإشبيلية، وبمراكش وإفريقية، أخذ عنه أبو الحسن بن القطان، كانت وفاته سنة 591 هـ. (¬2) 10 - أبو الصبر الفهري: هو أيوب بن عبد الله، من أهل سبتة، تجول بالأندلس وأخذ عن شيوخها، ورحل إلى المشرق فحج، قال ابن القاضي: "وكان محدثا راوية شارعا صوفيا جليلا، من بقايا شيوخ الصوفية السنية، وأخذ الناس عنه كثيرا ... وعلا صيته، وجل قدره، واشتهر بالعلم والعمل .. ". استشهد في كائنة العقاب سنة تسع وست مائة. (¬3) 11 - أبو عبد الله المعروف بابن البقار: ؤهو محمد بن إبراهيم بن حزب الله، فاسي، رحل إلى الأندلس: فسمع من كبار رجالها، روى عنه أبو الحسن بن القطان. قال ابن عبد اطك: "وكان أحد الأئمة في علم الحديث والضبط وحسن التقييد والتنقير عن أحوال الرجال، علما في الزهد والفضل ... ". (¬4) 12 - أبو عبد الله بن الفخار، وهو: محمد بن إبراهيم بن خلف الأندلسي، المالقي، قال ابن الأبار: "كان صدرا في الحفاظ مقدما معروفا يسرد المتون والأسانيد مع معرفة الرجال وحفظ للغريب ... ¬
موصوفا بالورع والفضل، مسلما له في جلالة القدر ومتانة العدالة، استدعي إلى حضرة السلطان بمراكش ليسمع عليه بها فتوفي هناك في شعبان سنة تسعين وخمس مائة". (¬1) 13 - أبو عبد الله التجيبي: وهو محمد بن عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن سليمان، من أهل إشبيلية، ويعرف بنسبه، إمام محدث مقرئ، له رحلة إلى الشرق سمع فيها من الجلة، أمثال السلفي، انتفع به الناس أينما حل وارتحل، قال ابن الأبار: "كان عدلًا خيّرًا حافظا للحديث، وغيره أضبط منه ... ". له مصنفات كثيرة، منها: معجم شيوخه، أربعون حديثا في المواعظ، وأربعون في القضاء وفضله، وأربعون في الحب في الله، وأربعون في الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. توفي بتلمسان عام عشرة وست مائة، عن سبعين سنة. (¬2) 14 - أبو عبد الله الفندلاوي، المعروف بابن الكتاني وهو: محمد بن علي بن عبد الكريم، من أهل فاس، قال ابن عبد الملك: "وكان متحققا بعلم الكلام، متقدما في معرفة أصول الفقه، ذا حظ صالح من علوم اللسان وقرض الشعر ... وكان زاهدا ورعا فاضلا منقبضا عن الملوك وأبناء الدنيا، منقطعا إلى العبادة والإجتهاد في الأعصال الصالحة والإنتصاب لإفادة العلم والتدريس". وهو صاحب كتاب: (المستفاد في مناقب الصالحين والعباد من أهل مدينة فاس وما والاها من البلاد). توفي بفاس سنة سبع وتسعين وخمس مائة. (¬3) ¬
15 - أبو العباس -وأبو جعفر والأولى أشهر- ابن الصيقل: وهو أحمد بن سلمة بن أحمد بن يوسف بن سلمة الأنصاري، قال ابن الأبار: "وكان محدثا حافظا، كامل العناية بالحديث ومن أهل العرفة به، ضابطا متقنا وافر الحظ من علم العربية، استدعاه يعقوب المنصور إلى حضرته بمراكش ليسمع بها عليه، فقدمها وأسمع بها، ثم عاد إلى تلمسان، أخذ عنه أبو الحسن بن القطان، وقال فيه: "عدل إمام في الحديث". توفي على الراجح سنة ثمان وتسعين وخمس مائة. (¬1) 16 - أبو عمر بن عات، وهو: أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفري، الشاطبي، (542 - حلاه الذهبي بقوله: "الحافظ الإمام الثقة". وقال ابن الأبار: كان أحد الحفاظ يسرد المتون ويحفظ الأسانيد عن ظهر قلب، لا يخل منها بشيء، موصوفًا بالرواية والدراية، يغلب عليه الورع والزهد على منهاج السلف. توجه غازيا فشهد وقعة العقاب التي أفضت إلى خراب الأندلس بالدائرة على المسلمين فيها، فلم يوجد لا حيا ولا ميتا -رَحِمَهُ اللهُ- في صفر سنة تسع وست مائة. (¬2) 17 - أبو القاسم بن بقي، وهو: أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن، من نسل بقي بن مخلد الأموي، من أهل قرطبة. ولي قضاء الجماعة بمراكش مضافًا إليه خطة المظالم والكتابة العليا، وحمدت سيرته. قال أبو جعفر بن الزبير: "إنه كانت له إمامة في اللغة، وعلم العربية، وألف كتابا في الآيات المتشابهات، قيل إنه من أحسن شيء في بابه". توفي سنة خمس وعشرين وست مائة. (¬3) ¬
المبحث الرابع: تلاميذ ابن القطان
18 - أبو القاسم بن الملجوم، وهو: عبد الرحيم بن عيسى بن يوسف، الفاسي، اشتهر أمره بالعدوتين المغرب والأندلس، وكان متصل العناية بالرواية ولقاء الشايخ، بصيرا بالحديث، محافظا على تقييده وضبطه، حدث وأخذ عنه الناس واستجازوه من أقاصي البلدان رغبة فيه لعلو روايته. كانت ولادته سنة أربع وعشرين وخمس مائة، ونقل ابن الأبار عمن يثق بحفظه أنه توفي سنة ثلاث وست مائة. (¬1) 19 - أبو محمد التادلي، وهو: عبد الله بن محمد بن عيسى، من أهل مدينة فاس، دخل الأندلس في آخر الدولة اللمتونية، وصحب القاضي أبا الفضل بن عياض، ولقي ابن بشكوال فأجاز له، وكان عالما متقنا، فقيها أديبًا، حسن الخط، جليل القدر، له رسائل وأشعار مع شجاعة وصرامة عرف بها، ولاه الخليفة يوسف بن عبد المؤمن قضاء مدينة فاس بدله، حدث عنه جماعة منهم: أبو الحسن بن القطان، وأبو الربيع بن سالم. توفي بمكناسة مغربا عن وطنه سنة سبع وتسعين وخمس مائة عن سن عالية. (¬2) 20 - أبو يحيى، أبو بكر بن خلف بن فرج بن صاف الأنصاري. (¬3) وهو والد مؤلف "بغية النقاد". المبحث الرابع: تلاميذ ابن القطان كانت للدولة الموحدية عناية واضحة بالحديث النبوي الشريف، وكان ابن القطان إمام المحدثين في عصره بدون منازع، وقد أهلته مكانته العلمية أن يحتل الصدارة عند خلفاء هذه الدولة، سواء برئاسته مجلس طلبة الحضر، أو بمجالسه العلمية التي كان يعقدها بحضرة الخليفة، أو بالرجوع إليه في مستعصيات الأمور ¬
وكبار المشاكل لحلها، كل هذا مكن لأبي الحسن شيوع الذكر، والرغبة في الأخذ عنه، حتى كثر تلاميذه؛ وفي ذلك يقول ابن الأبار: "درس وحدث". (¬1) وذكر ابن عبد الملك طائفة من تلاميذه، ثم عقب بقوله: "في خلق لا يحصون كثرة، أخذوا عنه بمراكش وغيرها من بلاد العدوة إلى إفريقية وبالأندلس" (¬2) وهذا ذكر لبعضهم: 1 - محمد بن أبي يحيى، أبي بكر بن خلف، بن المواق، - مؤلف "بغية النقاد" -وهو من أشهر تلامذته، وكان من الملازمين له، حتى تخرج على يديه، وترجمته مفصلة في القسم المخصص لها. (¬3) 2 - الحسن بن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان، أبو محمد بن المؤلف، الذي تكنى باسمه، تفقه بأبيه، وأخذ كذلك عن طائفة من الشيوخ منهم: الفقيه المحدث محمد بن عيسى الأزدي، المعروف بابن المناصف (ت 620)، وكذا: أبو الحجاج يوسف بن محمد بن العز المكلاتي الفاسي، الملقب بالأحدب (ت 626)، وروى عنه ابن عبد الملك المراكشي فأكثر، وهو مصنف كتاب نظم الجمان. 3 - الحسين بن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان، أبو محمد بن المؤلف أيضا، قال ابن عبد الملك: "روى عنه ابناه أبو محمد حسن شيخنا، وأبو عبد الله حسين". (¬4) 4 - أبو علي بن محمد بن علي بن عمار -ابن أخت بن القطان- ذكره ابن عبد الملك ضمن من روى عن أبي الحسن بن القطان، ولم أقف على ترجمته. (¬5) ¬
5 - أبو بكر بن محرز، وهو: محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن محمد الزهري، (569 - 655) من أهل بلنسية، قرأ بالأندلس، ولقي بها أفاضل من أهل التحصيل، جمع بين الرواية وعلو المنصب وبعد الهمة، وفد حاضرة مراكش فلقي بها أبا الحسن بن القطان وأخذ عنه، حلاه الغبريني بقوله: "الشيخ الفقيه، الحافظ اللافظ، المحدث المتقن، اللغوي التاريخي، الأديب الكامل". (¬1) 6 - أبو الحجاج بن لاهية، وهو يوسف بن موسى بن إبراهيم الهواري مهدوي، سكن مراكش، روى عن أبي الحسن بن القطان وجماعة، قال فيه ابن عبد الملك: "وكان ماهرا في علوم اللسان أدبا ولغة ونحوا ... شاعرا محسنا، كاتبا بليغا، نبيل الأغراض في كل ما يحاول نظما ونثرا، حسن الصوت بالقرآن والشعر يأخذ بمجامع القلوب متى تلا القرآن أو أنشد الشعر". توفي بمراكش سنة تسع وأربعين وست مائة. (¬2) 7 - أبو عبد الله بن حماد، وهو: محمد بن علي بن أبي بكر بن عيسى بن حماد الصنهاجي، القلعي -قلعة بني حماد- تعلم القرآن وعلمه، وأخذ الحديث عن أبي الحسن بن القطان وجماعة، قال فيه ابن عبد الملك: " وكان أديبا بارع النظم والنثر، نزه النفس، حسن الخلق، ذا حظ صالح من الفقه وأصوله ... " من مصنفاته: الإعلام بفوائد الأحكام، لعبد الحق، "والديباج في أخبار صنهاجة". توفي بمراكش سنة تسع وعشرين وست مائة. (¬3) ¬
8 - أبو عبد الله الرندي، وهو: محمد بن أحمد بن محمد القيسي اشتهر بـ (المسلم) -من رندة- سكن مراكش، روى عن خلق كثير، منهم: أبو الحسن بن القطان، قال فيه ابن عبد الملك: "كان محدثا مكثرا متسع الرواية ... جماعا للكتب وفوائد المشايخ .. ذاكرا للتواريخ، حسن المحاضرة ... ولإكثاره غمزه بعض أشياخنا، وتكلموا فيه، وكان شيخنا الناقد حسن ابن علي بن القطان يصرح بتكذيبه وادعائه تحميل شيوخ ما ليس في روايتهم". ولكن ابن عبد الملك لم يرتض ذلك، لذا قال: "ولعله (يعني حمل ذلك) بالإجازة والله أعلم". وتوفي بمراكش سنة ثلاث وخمسين وست مائة. (¬1) 9 - محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي، يكنى أبا عبد الله -حفيد القاضي عياض المشهور- قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: "كان من عدول القضاة وجلة سراتهم، وأهل النزاهة فيهم، شديد التحري في الأحكام والإحتياط، صابرا على الضعيف فيهم والملهوف، حسن السمت، محبا في العلم وأهله، مقربا لأصاغر الطلبة، ومكرما لهم، ومعتنيا بهم. توفى بغرناطة سنة خمس وخمسين وست مائة". (¬2) 10 - أبو عبد الله بن الطراوة، وهو: محمد بن أحمد بن محمد بن أبى الحسين سليمان بن محمد بن عبد الله السبتي، مراكشي، مالقي، روى عن أبي جعفر ابن عون الله الحصاري وابن القطان وآخرين. وكان حافظا للتواريخ على تباين أنواعها، ذاكرا لها محاضرا بها، أديبا بارعا كاتبا محسنا. توفي بسجلماسة سنة تسع وخمسين وست مائة، وقد شارف الثمانين. (¬3) ¬
11 - ابن علي المدعو بالشريف، وهو: محمد بن علي بن يحيى أبو عبد الله، قاضي الجماعة المعروف بالشريف، شهرة لا نسبًا، قال أبو حيان: كان في مراكش في زمن ابن أبي الربيع يدرس كتاب سيبويه والفقه والحديث، يميل إلى الإجتهاد، وله مشاركة في الأصول والكلام والمنطق والحساب، ويغلب عليه البحث لا الحفظ، روى عن الحافظ أبي الحسن بن القطان وغيره. ومات بمراكش سنة اثنتين وثمانين وست مائة. (¬1) 12 - أبو بكر بن مسدي، وهو: محمد بن يوسف بن موسى بن يوسف بن مسدي الأزدي المهلبي، الأندلسي، الغرناطي، أحد من عني بهذا الشأن، أخذ عن خلق كثير بالأندلس، صنف معجما لشيوخه، ذكر ابن مسدي بن القطان فأتنى عليه وقال ابن مسدي: "عاقت الفتن المدلهمة عن لقائه، (¬2) وأجاز لي". قال الذهبي: "ورأيت بعض الجماعة يضعفونه في الحديث، قتل غيلة بمكة سنة ثلاث وستين وست مائة". (¬3) وممن روى عن أبي الحسن بن القطان كذلك: 13 - أبو الحسن الشآري، وهو علي بن محمد بن علي الغافقي السبتي (571 - 649). (¬4) 14 - أبو مروان الباجي، وهو: محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز، الإشبيلي. (¬5) ¬
15 - فاخر بن عمر بن فاخر العبدري، فاسي سكن إشبيلية يكنى أبا الفتوح. (¬1) 16 - عمر بن محمد بن أحمد القيسي، مراكشي، فاسي الأصل. (¬2) 17 - محمد بن عيسى بن مع النصر بن إبراهيم بن دوناس. (¬3) 18 - أبو عبد الله بن الأبار: محمد بن عبد الله بن أبي بكر .. القضاعي الأندلسي البلنسي. (¬4) 19 - ابن أبي عبد الله بن مروان. (¬5) 20 - أبو عبد الله بن المواز. (¬6) 21 - أبو العباس بن محمد الموروري. (¬7) 22 - ابن عمران بن أبي الفضل بن طاهر. (¬8) 23 - أبو القاسم عبد الكريم بن عمران. (¬9) 24 - أبو محمد بن عبد الحق. (¬10) ¬
المبحث الخامس: مصنفات ابن القطان
25 - أبو محمد بن القاسم الحرار. (¬1) 26 - أبو موسى عيسى بن يعقوب الهسكوري. (¬2) 27 - أبو يعقوب بن يحيى بن الزيات. (¬3) 28 - أبو الحسن الكفيف. (¬4) 29 - أبو زيد بن القاسم الطراز. (¬5) 30 - أبو محمد عبد الواحد بن مخلوف بن موسى المشاط. (¬6) 31 - أبو بكر الجملي. (¬7) المبحث الخامس: مصنفات ابن القطان إن الذي يلقي نظرة على شيوخ أبي الحسن بن القطان سيلحظ أن مشاربهم قد تنوعت واختلفت، فبعضهم كان واسع الباع في علم الحديث، عالي الرواية، صحيح النقل والضبط، ومنهم من اشتهر بمعرفته علم الرجال، ومنهم من كان صدرا في الحفاظ معروفا بسرده للمتون والأسانيد، ومنهم من تصدر للإقراء ومنهم من كان عالمًا بالعربية إماما في النحو حافظا للغريب، ومنهم من كان من مشاهير الخطباء، أو كبار الفقهاء، أو من الشعراء ... (¬8) وهذه المشارب المتنوعة ¬
التي نهل منها ابن القطان جعلت إنتاجه يتنوع هو الآخر، بين فقه وأصول وفنون مختلفة، غير أن الجانب الذي لمع فيه وبرز به دون غيره هو علم الحديث، ولهذا الإعتبار أقسم مصنفاته إلى الأقسام الآتية: أ - مصنفات في الحديث: 1 - كتاب: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في الأحكام". (¬1) 2 - نقع الغلل، ونفع العلل في الكلام على أحاديث السنن، لأبي داود. (¬2) 3 - كتاب الرد على أبي محمد بن حزم في كتاب المحلى مما يتعلق به من علم الحديث. (¬3) 4 - كتاب حافل جمع فيه الحديث الصحيح محذوف السند حيث وقع من المسندات والمصنفات. ذكر ابن عبد الملك أنه كمل منه كتب الطهارة والصلاة والجنائز والزكاة: في نحو عشر مجلدات. (¬4) 5 - رسالة في فضل عاشوراء، وما ورد فيه من الترغيب في الإنفاق فيه على الأهل. (¬5) 6 - رسالة في منع المجتهد من تقليد المحدث في تصحيح الحديث لدى العمل. (¬6) ¬
7 - رسالة في تفسير المحدثين في الحديث أنه حسن. (¬1) 8 - رسالة في تبيين التناسب بين قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ويتوب الله على من تاب، وما قبله من الحديث". (¬2) 9 - أحاديث في فضل التلاوة والذكر. (¬3) 10 - تفسير غريب الحديث. (¬4) ب - مصنفات في علم الرجال: 11 - شيوخ الدارقطني، ويقع في مجلد متوسط. (¬5) 12 - كتاب تجريد من ذكره الخطب في تاريخه من رجال الحديث بحكاية أو شعر، مجلدان متوسطان. (¬6) 13 - برنامج شيوخه. (¬7) ج - مصنفات في الفقه: 14 - كتاب النظر في أحكام النظر. (¬8) ¬
15 - كتاب البستان في أحكام الجنان، ويقع في مجلدين متوسطين. (¬1) 16 - رسالة في الإمامة الكبرى. (¬2) 17 - رسالة في القراءة خلف الإمام. (¬3) 18 - رسالة في الوصية للوارث. (¬4) 19 - رسالة في الرهن يوضع على يد أمين فيعتدى فيه. (¬5) 20 - رسالة في مشاطرة العمال. (¬6) 21 - رسالة في الأوزان والمكاييل. (¬7) 22 - رسالة في الطلاق الثلاث. (¬8) 23 - رسالة في الأيمان اللازمة. (¬9) 24 - رسالة في الختان. (¬10) ¬
25 - رسالة في نفي التسعير. (¬1) 26 - ورسالة في معاملة الكافر. (¬2) قال ابن عبد الملك: "جمعها للناصر من بني عبد المؤمن حين وفد عليه البابوج (¬3) -أحد عظماء النصرانية- سوغ له فيها القيام إليه عند معاينته برأيه، فلم يرضها الناصر وتحايل في تلقيه إياه قائما من غير قعود". 27 - المقالة المعقولة في حكم فتوى الميت والفتوى المنقولة. (¬4) 28 - رسالة في حث الإمام على الجلوس لسماع مظالم الرعية. (¬5) 29 - رسالة في تحريم التساب. (¬6) 30 - رسالة في الوصية بالجنين. (¬7) 31 - الإقناع في مسائل الإجماع. (¬8) 32 - رسالة في المنع من إلقاء التفث في عشر ذي الحجة للمضحي. (¬9) ¬
د - مصنفات في علم الأصول: 33 - النزع في القياس، لمناضلة من سلك غير المهيع في إثبات القياس. (¬1) 34 - مسائل في أصول الفقه. قال ابن عبد الملك: (زعم أنه لم يذكرها الأصوليون في كتبهم، مجلد لطيف). (¬2) 35 - مقالة في إنهاء البحث منتهاه، عن مغزي من أثبت القول بالقياس ومن نفاه. (¬3) هـ - مصنفات في فنون متنوعة: 36 - كتاب تقريب الفتح القسي، في مجلد متوسط. (¬4) 37 - كتاب ما يحاضر به الأمراء. قال ابن عبد الملك: (وبين فيه طريق مفاوضتهم، مجلد متوسط). (¬5) 38 - كتاب أسماء الخيل وأنسابها وأخبارها، ويقع في مجلد متوسط. (¬6) 39 - أبو قلمون، ويقع في مجلدين ضخمين. (¬7) ¬
المبحث السادس: المكانة العلمية لإبن القطان
المبحث السادس: المكانة العلمية لإبن القطان: يمكن الإستدلال على المكانة العلمية السامقة التي كانت لأبي الحسن بن القطان بعدة أشياء؛ وهذه بعضها: - وفرة الشيوخ وكثرة التلاميذ. - المكانة التي حظي بها لدى البلاط الموحدي؛ حيث عين رئيسا للطلبة. (وهو أعلى منصب علمي في الدولة الموحدية). - المصنفات القيمة التي صنفها. - كثرة النقول عنه في أمهات كتب الحديث، لكبار المحدثين وحفاظهم من الذين جاؤوا بعده. - الأخذ بأحكامه واعتمادها من طرف الحفاظ من المحدثين. - ثناء العلماء عليه. وأكتفي هنا بعرض صورة لهذا الثناء عليه من خلال النقول عمن ترجم له، أو تحدث عنه: قال ابن عبد الملك: (وكان ذاكرا للحديث مستبحرا في علومه، بصيرا بطرقه، عارفا برجاله، عاكفا على خدمته، مميزا صحيحه من سقيمه، مثابرا على التلبس بالعلم وتقييده عمره). (¬1) وقال ابن الزبير: (كان ذاكرا للرجال والتاريخ عارفا بعلل الحديث نقادا ماهرا). (¬2) ¬
ولا التقى ابن دقيق العيد بالعبدري قال له في أول ما رآه: كان عندكم بمراكش رجل فاضل. فقال العبدري: من هو؛ فقال: أبو الحصن بن القطان، وذكر كتابه بيان الوهم والإيهام وأثنى عليه. (¬1) ولا ترجم العباس بن إبراهيم لإبن القطان ذكر فائدة نقلها من نفح الطيب عن ابن سعيد في ذيل رسالة ابن حزم في تآليف أهل الأندلس، فقال ما نصه: (وأما الحديث فكان بعصرنا في المائة السابعة الإمام علي بن القطان القرطبي الساكن بحضرة مراكش، وله في تفسير غريبه وفي رجاله مصنفات، وإليه كانت النهاية والإشارة في عصرنا). (¬2) أما الذهبي فقد حلاه في التذكرة بقوله: (الحافظ العلامة الناقد). (¬3) ووصفه في السير بقوله: (الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد المجود ..). (¬4) ويقول ابن الأبار فيه: (كان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية، رأس طلبة العلم بمراكش، ونال بخدمة السلطان دنيا عريضة، وله تصانيف، درس وحدث ...). (¬5) وقال ابن عبد الهادي: (العلامة الحافظ الناقد، أبو الحسن علي بن محمد ... جمع وصنف، ووقفت على كتابه السمى: "بيان الوهم والإيهام" ... فرأيته يدل على فرط ذكائه، وكثرة حفظه، وقوة فهمه، على أن له فيه عدة أوهام ...). (¬6) ¬
المبحث السابع: أبو الحسن بن القطان محافظ مكتبة القصر
وقال ابن عماد الحنبلي: (كان حافظا ثقة مأمونا ...). (¬1) وقال ابن ناصر الدين: (وهو حافظ علامة متقن ثقة مأمون ...). (¬2) وقال ابن مخلوف: (العالم الفقيه، الراوية العارف بصناعة الحديث وأسماء رجاله). (¬3) هذه أقوال العلماء وشهاداتهم في أبي الحسن بن القطان، ويلاحظ أنها مجمعة على وصفه بالحفظ والنقد والمعرفة بصناعة الحديث، وكفاه شرفا بذلك، -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-. المبحث السابع: أبو الحسن بن القطان محافظ مكتبة القصر: من المظاهر العلمية التي برزت في عهد الدولة المومنية تكوين مكتبة بالقصر تعاقب اهتمام الخلفاء بها؛ فعملوا على تزويدها بالنفائس واستجلاب الكتب إليها من كل مكان. بل إن صاحب "المعجب" يذكر عن يوسف بن عبد المومن أنه اهتم في وقت ما بالفلسفة، وأمر بجمع كتبها، فاجتمع له قريب مما اجتمع للحكم الستنصر بالله الأموي، ويضيف: "ولم يزل يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب". ثم ذكر قصة استيلاء يوسف على مكتبة خاصة بالأندلس وتعويض صاحبها بولاية ضخمة ما كان يحدث بها نفسه. (¬4) أما الأستاذ المنوني فيقول عن الخلفاء الموحدين: ¬
"كانوا مضرب الأمثال في الإهتمام بإقتناء الكتب وتملكها". (¬1) وقد تولى ابن القطان نظارة هذه المكتبة، فمكنه ذلك من الوقوف على جميع مصادر عبد الحق إلا النادر منها، ولهذا قال ابن القطان في مقدمة البيان: (فليس في كتاب أبي محمد عبد الحق حديث إلا وقفت عليه في الوضع الذي نقله منه، بل في مواضع لم يرها هو قط، بل لعله ما سمع بها، إلا أحاديث يسيرة لم أقف عليها في مواضعها). (¬2) وحتى ابن المواق يعد العثور على حديث لم يعثر عليه ابن القطان من الأمور المستبعدة، ولهذا قال عندما تكلم على حديث عصمة بن مالك الذي نسب عبد الحق تخريجه إلى النسائي: (وناهيك ألا يقف عليه عَ مع تمكنه من الخزانة السلطانية، وشدة اعتنائه بهذا الفن). (¬3) ولعل د. إبراهيم بن الصديق لم يجانب الصواب حينما وصف مكتبة الموحدين بأنها كانت آنذاك أعظم مكتبات العالم الإسلامي. (¬4) ¬
الفصل الثالث ابن رشيد السبتي (657 - 721 هـ)
الفصل الثالث ابن رُشَيْد السبتي (657 - 721 هـ) المبحث الأول: التعريف بابن رشيد السبتي المبحث الثاني: شيوخ ابن رشيد السبتي المبحث الثالث: تلاميذ ابن رشيد السبتي المبحث الرابع: مذهب ابن رشيد الفقهي المبحث الخامس: رحلة ابن رشيد إلى الأندلس وفاس المبحث السادس: مصنفات ابن رشيد المبحث السابع: مكانة ابن رشيد العلمية
المبحث الأول: اسم ابن رشيد ونسبه
المبحث الأول: اسم ابن رشيد ونسبه: فىِ المرحلة الأولى لقيام الدولة المرينية بالغرب، وفي ظل السيادة القاسمية العرفية على مدينة سبتة ولد بهذا الثغر محب الدين؛ أبو عبد الله بن رشيد. هو: أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس بن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر بن رُشَيْد الفهري السبتي، من أهل سبتة، يعرف بابن رشيد، كأنه تصغير رُشْد، ولقبه محب الدين. (¬1) المبحث الثاني: المذهب الفقهي لإبن رشيد: أبو عبد الله بن رشيد مالكي المذهب، وهذا ما حدا بذكر ترجمته في كتب طبقات المالكية من طرف كل من ابن فرحون (¬2)، وابن مخلوف (¬3)، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون له اجتهادات تخالف المذهب، (¬4) أما من حيث العقيدة فهو على مذهب أهل الحديث في إمرار الصفات وعدم تأويلها. ¬
المبحث الثالث: شيوخ ابن رشيد
المبحث الثالث: شيوخ ابن رشيد: نشأ ابن رشيد في مدينة سبتة، وأخذ بها عن أعلامها، وعلى يدهم تكون علمه، وتفجرت قريحته، وهذه أسماء بعض شيوخه بسبتة: 1 - عبيد الله بن أبي الربيع، أبو الحسين، (ت 687) وكان إماما في النحو، فقيها فرضيا، لازمه ابن رشيد، وأخذ عنه القرآن بالقراءات السبع بمضمن كتاب التيسير، وقيد عنه تقييدا حسنا على كتاب سيبويه. (¬1) 2 - علي بن محمد، أبو الحسن التلمساني الكتامي، المعروف بابن الخضار (683 هـ)، قرأ عليه القراءات السبع بأحكامها. (¬2) 3 - عبد العزيز الغافقي، سمع منه ابن رشيد صحيح البخاري. (¬3) فما أنس من نفشه أنه أتم أخذ ما عندهم حتى تاقت نفسه إلى الرحلة، وهو لا -يز ال في عنفوان الشباب -أواسط العقد الثالث من عمره- فكانت رحلته لأداء فريضة الحج ولإتمام المعلومات، ولقاء المشايخ، وأخذ الإجازات، ومما يؤكد ذلك ما سطره في رحلته الحافلة من مناقشات ومذاكرات ومساجلات دارت بينه وبين من لقيه من العلماء والمحدثين تبين فيها نبوغه، وظهر فيها تفوقه. قال ابن القاضي: (رحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج سنة تلاث وثمانين وست مائة (683)، وكانت إجازته البحر من المرية، فتلاقي بها هو والوزير أبو عبد الله محمد بن الحكيم، وكان قصدهما واحدا، ومأمهما متعاضدا، فترافقا في السفر، كما ترافقا في الوطن، فدخل إفريقية ومصر والشام وأخذ بها وبالحجاز عمن لقي من الأئمة الأعلام). (¬4) ¬
بغية النقاد النقلة فيما أخل به كتاب «البيان» وأغفله أو ألم به فما تممه ولا كمله تأليف الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي يحيى أبي بكر بن خلف الشهير بابن المواق (583 - 642 هـ) دراسة وتحقيق وتعليق الدكتور محمد خرشافي أضواء السلف
قال ابن رشيد في وصفه: (وهو شيخ في أخلاقه شكاسة وكبر وعدم فهم ... سمع الأربعين البلدانية للسلفي على الصفراوي، وسمع الخلعيات علي ابن عماد الحراني، وأجاز له جماعة ...). (¬1) 2 - أبو القاسم عبد الرحمن بن سليم بن منصور الهمداني الشافعي، ويلقب بـ"علم الدين". ذكر ابن رشيد أنه أحد وجوه الإسكندرية، وأنه أجاز له ولأبنائه وأخواته، وكتب له بخطه، وله خط جيد، وفيه نبل وفطانة ويقظة، وسمى بعض شيوخه، ثم روى من طريقه حديث عمرو بن نفيل مرفوعا (الكمأة من المن الذي أنزل الله علي بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين). (¬2) 3 - عبد الله بن منصور بن علي، الملقب بالمكين الأسمر، أحد الصلحاء الفضلاء، وكان متصدرا لإقراء القرآن بالإسكندرية. قال ابن رشيد: (قرأت عليه بدكان منزله -عمره الله ببقائه- ضحى يوم السبت الحادي والعشرين لجمادى الآخرة من عام أربعة المذكور جميع المجالس الخمسية السلماسية، التي أملاها الحافظ أبو طاهر السلفي بسلماس سنة ست وخمس مائة). (¬3) 4 - أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف بن عفيف الخزرجي الساعدي، ويلقب بضياء الدين، ويشهر بالخزرجي، من أهل غرناطة، رحل عن الأندلس قديما واستقر بالإسكندرية. وضياء الدين هذا شيخ صالح فاضل ثبت حاضر الذهن، عدل بالديار المصرية، أديب ناظم. أخذ عنه الحديث، وأول سماعه منه الحديث المسلسل: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). (¬4) ¬
5 - أبو الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن عبد المحسن، المعروف بالغَرَّافي (¬1)، سأله ابن رشيد الإجازة فأجابه متمثلا بالبيتين: علم الحديث فضيلة تحصيلها ... بالسعي والتطواف في الأمصار فإذا أردت حصولها بإجازة ... فقد استعضت الصفر بالدينار ذكر ابن رشيد طائفة من مرويات الغرافي، وعدد مجموعة من شيوخه، ونص على سماع 5 منه، فذكر من ذلك: "ثلاثيات أبي عبد الله البخاري" وأرخ هذا السماع بالتاسع والعشرين لشهر جمادى الأولى عام أربعة وثمانين وستمائة، وعين موقعه بدار الحديث النبيهة بثغر الإسكندرية المحروس. (¬2) هذه نماذج من شيوخ ابن رشيد بالإسكندرية، وغيرهم كثير. ثم انتقل أبو محمد إلى القاهرة وبها وجد بغيته في مجموعة من الشيوخ الذين كانت لهم مكانة رفيعة في مختلف العلوم، وخاصة علم الحديث النبوي الشريف، وهؤلاء بعضهم: 1 - أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الحلبي المشهر بابن النحاس، ويلقب ببهاء الدين، وهو أحد أعلام الديار المصرية، إمام في العربية والآداب والخلات، وله نظم رائق، ونثر فائق، وكرم ذات، ومروءة ظاهرة وأخلاق طاهرة، ورواء وبهاء، كانت لإبن رشيد معه عدة لقاءات، منها لقاء في مصر، وآخر في القاهرة - بمسجد الأقمر - وبعد فراغ ابن النحاس من درسه صحبه ابن رشيد إلى منزله، فأكرم وفادته، وعرض عليه جميع كتبه -أو أكثرها- وقال له: حكمك فيها ماض، وهي مباحة لك. أخذ عنه ابن رشيد كتاب سيبويه، وسمع منه قطعة منتخبة من مسند عبد بن ¬
حميد. (¬1) 2 - أبو بكر محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري، الشهير بابن الأنماطي. وصفه ابن رشيد بـ (الشيخ الحبيب الأصيل الراوية المسند). قرأ عليه جميع الثلاثيات المستخرجة من مسند عبد بن حميد بمنزل سكناه، وذلك في ظهر يوم الإثنين الثاني والعشرين من شهر رجب لعام أربعة وثمانين وست مائة. كما سمع منه جميع الجزء الأول من حديث بشر بن مطر عن ابن عيينة. (¬2) 3 - أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد اليماني الأنصاري المعروف بابن الخيَّمي، وصفه ابن رشيد بقوله: (الأديب البارع، الإمام العالم الصوفي الفاضل المعمر، الحسن السمت والصمت). سمع عليه ابن رشيد جامع الترمذي من باب ما جاء في البكاء من خشية الله إلى آخر باب: الإستئذان ثلاثا، ومن باب ما جاء مثل النبي والأنبياء إلى آخر الكتاب. (¬3) 4 - أبو الفتح محمد بن مجد الدين علي بن وهب القشيري، الشهير بابن دقيق العيد، وصفه ابن رشيد بقوله: (الإمام الأوحدِ، العلامة المجتهد، مفتي الإسلام، ذو التصانيف الجليلة والمباحث الدقيقة، مدرس المذهبين المالكي والشافعي، بقية العلماء الأعلام) (¬4). لقيه ابن رشيد أول ما لقيه بالمدرسة الصالحية - دخلها لحاجة عرضت له - وحدث أن سئل الشيخ عن قراءة البسملة في فاتحة الكتاب في الصلاة، فأجاب الشيخ، واستأذن ابن رشيد في ذكر ما يشهد لإختياره، فأذن له، وجرت بينهما مذاكرة طيبة في السألة أوردها ابن رشيد في ¬
رحلته (¬1)، ثم ذكر مروياته عنه. ومن الشام توجه ابن رشيد إلى الحجاز، فالتقى بمشايخ بالمدينة المنورة من أهلها، أو من الوافدين عليها لأداء فريضة الحج؛ نذكر منهم: 1 - أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى الفأسي (¬2) لقيه ابن رشيد شرقي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أقعده الكبر عن التصرف، وكان شيخا فاضلا نبيها، حسن البشر، جميل اللقاء، حاضر الذهن، كريم الخلق. قرأ عليه ابن رشيد جميع ثلاثيات البخاري. (¬3) 2 - أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزوع بن أحمد بن عزاز، لقب بعفيف الدين، البصري ثم المدني الحنبلي، جار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصفه ابن رشيد بقوله: (الشيخ الإمام الفاضل الثقة المرضي النحوي). سمع عليه وأجازه الجزء الأول والثاني من حديث أبي علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان عن شيوخه. (¬4) 3 - أبو نصر، وأبو الحجاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج بن أبي نصر بن الشُّقَاري، لقب بعماد الدين، قدم المدينة زائرا في ركب الشام، وصفه ابن رشيد بقوله: (الشيخ الجليل الفاضل). قرأ عليه ابن رشيد جميع ثلاثيات البخاري بسماعه على ابن الزبيدي بسنده المشهور. (¬5) 4 - أحمد بن عثمان بن عمر الشافعي، الصري، خطيب المسجد النبوي، قرأ ¬
عليه ثلاثيات البخاري. (¬1) وتوجه ابن رشيد من المدينة إلى مكة شرفها الله (¬2)، لأداء فريضة الحج، وممن التقى بها وأخذ عنهم من المشايخ: 1 - 2 - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني، وأخوه أحمد ابن أبي بكر، أخوان فاضلان، فقيها الحرم الشريف ومفتياه، من أهل مكة، لقيهما ابن رشيد بمنزلهما من الحرم الشريف فتذاكر معهما في مسائل فقهية وأصولية، وكان أول حديث سمعه ابن رشيد منهما - بمنزلهما - حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). (¬3) كما سمع من محمد بن أبي بكر بعض (الأربعين حديثا من رواية المحمدين)، (¬4) وأجازه ما فيها بالجملة إن لم يكن بالخصوص. (¬5) 3 - أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن الحسن ابن هبة الله الدمشقي، المعروف بابن عساكر، الشافعي، نزيل مكة. سمع عليه ابن رشيد جملة من الصنفات بأسانيده فيها، منها: كتاب تحفة عيد الأضحى، لأبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي، وجزء من مسلسل يوم العيد، تخريج أبي القاسم علي بن حسن بن هبة الله الشافعي عن شيوخه، كما سمع عليه طائفة من أشعاره ... (¬6) ¬
المبحث الرابع: تلاميذ ابن رشيد
المبحث الرابع: تلاميذ ابن رشيد: عرف ابن رشيد في المرحلة الأولى من حياته بشفغه الكبير لأخذ العلم وتحصيله على أيدي المشايخ، سواء في بلده أو في البلدان التي حلها في طريقه إلى المشرق ذهابا وإيابا، ثم لما اتسع أفق معرفته في الرواية والتحصيل صارت له حلقات للتدريس أينما حل وارتحل حتى اشتهر بمجالسه الحديثية التي كان لِعقدها في سبتة ثم غرناطة ثم مراكش، وأخيرا بمدينة فاس، ولا غرو أن يكون له عدد كبير من التلاميذ والآخذين عنه، وهؤلاء أسماؤهم منتورة بين ثنايا الترجمات في الكتب التي ترجممت لإبن رشيد أو للأعلام المعاصرين. له؛ ومنهم: ابن جزي، وأبو البركات بن الحاج، وأبو الفضل عمر بن إبراهيم (¬1)، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد التميمي. (¬2) المبحث الخامس: رحلة ابن رشيد إلى الأندلس وفاس: لما عاد ابن رشيد من رحلته المباركة -السالفة الذكر- أقام بمسقط رأسه سبتة مدة خمس سنوات كانت كلها عطاءات علمية وجهودًا مشكورة، ففي هذه الفترة أتم تأليف كتابه "الإفادة"، كما ألف "السنن الأبين". ثم كتب إليه رفيقه في الرحلة إلى الحجاز: الوزير أبو عبد الله محمد بن الحكيم يستدعيه إلى حضرة غرناطة، فاستجاب لهذه الدعوة، ورحل إلى غرناطة فأقام بها وتصدر بجامعها الأعظم للخطبة والإمامة ولإقراء الحديث والرواية (¬3)، كما ولي قضاء الأنكحة، واستمر على علمه هذا حتى اغتيل صديقه الوزير محمد بن الحكيم، فرحل عن غرناطة ولحق بحضرة فاس، فحل بها مغززا مكرما من لدن السلطان أبي سعيد المريني الذي مكنه من اختيار المدينة التي تروقه للإقامة بها، فاختار مراكش، ¬
المبحث السادس: مصنفات ابن رشيد
فقدمها للصلاة والخطبة بجامعها العتيق، ثم استدعاه السلطان إلى حضرة فاس، ليصير من خواصه، وتصدر لإقراء الحديث بجامع القرويين، وعرف مجلسه بشرق صحن السجد بين الظهر والعصر لتدريس صحيح البخاري، واستمر على ذلك حتى لبي داعي ربه في الثالث والعشرين لشهر محرم الحرام عام إحدى وعشرين وسبع مائة للهجرة (721 هـ) (¬1)، ودفن خارج باب الفتوح بمطرح الجنة. (¬2) المبحث السادس: مصنفات ابن رشيد: ترك ابن رشيد تصانيف عديدة يمكن تقسيمها حسب الفنون والعلوم الآتية: - في النحو: تقييد على كتاب سيبويه. (¬3) - في البلاغة: إحكام التأسيس في أحكام التجنيس. (¬4) - الإضاءات والإنارات في البديع، وقد سماه كذلك: إيراد المرتع الريع لرائد التسجيع والترصيع. (¬5) - في العروض: وصل القوادم بالخوافي، في ذكر أمثلة القوافي، وهو شرح لكتاب القوافي، لأبي الحسن حازم القرطاجني. (¬6) ¬
- جزء مختصر في العروض. (¬1) - في الحديث وعلومه: إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح للبخاري. (¬2) - السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن. (¬3) - المقدمة المعرفة لعلو المسافة والصفة. (¬4) - الرحلة الحجازية المعروفة بملء العيبة بما جمع في طول الغيبة في الوجهتين الكريمتين مكة وطيبة. (¬5) - إيضاح المذاهب فيمن يطلق عليه اسم الصاحب. (¬6) ¬
المبحث السابع: مكانة ابن رشيد العلمية
- و"ترجمان التراجم في إبداء مناسبة تراجم صحيح البخاري". (¬1) - ومن تآليفه في الحديث كذلك: تخريجه وتتميمه لكتاب ابن المواق في تعقيبه على شيخه ابن القطان الفاسي. (¬2) المبحث السابع: مكانة ابن رشيد العلمية: تمهيد: أجمع من ترجم لإبن رشيد على وصفه وتحليته بأوصاف تبين ما كان له من مكانة سامقة في الحديث وعلومه، كيف لا وهو العلم الذي أحب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستحلى في سبيله المشاق والصعاب وجاب الآفاق، وهو لا يزال في عنفوان الشباب، قال ابن رشيد: (وبعد فإني لما رأيت الحديث يحبه ذكور الرجال ويكرهه إناثهم أحببت الذكورة وكرهت الأنوثة، وصرفت همتي إليه، ولم أعول من العلوم مع كتاب الله إلا عليه، على أني لم أواف هذا العلم بأفقنا إلا كاسدة سوقه، غامرة سوقه، متقلصا بسوقه، قد تلفت بضائعه ودرست صنائعه ... اللهم إلا أني لا رحلت وجدت منه معينا فوردت، ولكني تعجلت الصدر فليتني ما صدرت، ورويت لكني ما ارتويت، ولا كل الذي أملت حويت). (¬3) ¬
وقد كانت رحلته المشرقية التي قضى فيها ثلاث سنوات خير زاد له في هذا العلم؛ حيث مكنته من لقاء المشايخ وكبار الحفاظ والسماع منهم، فحصل له ما لم يحصل لغيره في عصره من علو السند، وكثرة الشيوخ، ونقل المصنفات بأسانيدها إلى أصحابها، ومعرفة العلل وطبقات الرجال، والإطلاع على النادر من الكتب الحديثية والأجزاء والمسلسلات ... وبالرجوع إلى مصنفاته الحديثية نجد ترجمة عملية لهذه المكانة العالية التي بلغها في علم الحديث رواية ودراية. وهذه بعض الشهادات من بطون كتبه، وخاصة رحلته المسماة (ملء العيبة): - شهادة على ضبط ابن رشيد وإتقانه ومعرفته بعلل الحديث: كان لإبن رشيد -رَحِمَهُ اللهُ- معرفة بطرق الأحاديث وأسانيدها ومتابعاتها وشواهدها، ولذا قلما يمر بحديث فيه انقطاع أو علة أو تحريف لمتن أو إسناد إلا ويقف عنده لينبه على الصواب فيه مقارنا ومحتجا برواية غيره ممن أخذ عنه نفس الحديث؛ حتى يميز الصواب من الخطأ، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ومنها هذا الحديث من الجزء المعروف بجزء أبي جهم العلاء بن موسى الباهلي، وهو مما يروى عن الليث بن سعد، وقد قرأه ابن رشيد على الشيخة الصالحة الكاتبة؛ أم الخير: فاطمة بنت إبراهيم. بن محمود البطائحي بالحرم النبوي؛ قال: ((ومنه بالإسناد: أنا الليث بن سعد، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس أنه قال: "إن امرأة اشتكت شكوى فنذرت لئن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرئت وصحت، وظهرت تريد الخروج. فلما أتت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلم عليها، فأخبرتها بذلك، فقالت: انطلقى فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: صلاة فيه أفضل من الف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة")). قال ابن رشيد تعقيبا على هذه الرواية: "قلت كذا سمعنا هذا الحديث على فاطمة، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس أنه قال: "إن
امرأة .. " وكذلك رأيته في الأصل السموع على ابن أبي مسعود الفارسي، وفي غيره من الأصول. ولعله سقط فيه (عن ابن عباس). والحديث عند مسلم بن الحجاج (¬1) -رَحِمَهُ اللهُ- عن قتيبة بن سعيد، ومحمد بن رمح، عن الليث، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن ابن عباس أنه قال. وذكر في الحديث. وفي اللفظ اختلاف يسير. إبراهيم هذا هو ابن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب. أخرج له مسلم دون البخاري، يروي عن أبيه عبد الله. وذكر محمد بن طاهر القدسي في كتابه الذي جمع فيه رجال الصحيحين، أن إبراهيم هذا يروي عن ميمونة عند مسلم، ولم يعين الموضع. فما أدري أعنى هذا الموضع؟ أم غيره فزد فيه بحثا)) (¬2) - شهادة أخرى على ضبط وتحقيق ابن رشيد في ألفاظ الأحاديث ورواياته: التحقيق في روايات الحديث يحتاج إلى سعة إطلاع وتحصيل، وتمكن ودقة نظر، ومعرفة المحفوظ من الشاذ، وإدراك الخفي من مدارك تعقيبات الحفاظ ومقاصدهم وكثرة المارسة لأقوال أهل هذا الشأن ... وهذا مثال لتحقيق ابن رشيد في قولهم إن (من السلمين) زائدة في حديث مالك في زكاة الفطر: قال ابن رشيد: ((قلت: اشتهر بين المحدثين أن مالكا -رَحِمَهُ اللهُ- انفرد من بين الثقات في هذا الحديث بقوله (من المسلمين). قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه البديع الذي صنفه في معرفة أنواع الحديث في النوع المحتوي على معرفة زيادات الثقات وحكمها: (الثالث) ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر ¬
من روى ذلك الحديث: مثاله ما رواه مالك عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكرا وأنثى من المسلمين، فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله (من المسلمين)، وروى عبيد الله بن عمر، وأيوب، وغيرهما هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر دون هذه الزيادة، فأخذ بها غير واحد. من الأئمة واحتجوا بها، منهم الشافعي، وأحمد - رضي الله عنهم - والله أعلم، انتهى ما أردنا إراده من كلام ابن الصلاة، -رَحِمَهُ اللهُ-. وفي كلامه وحكاية ما حكاه عن الترمذي بعض النظر، فقد روى هذه الزيادة عن نافع أبو عثمان الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد القرشي. ذكر ذلك مسلم في صحيحه (¬1)؛ قال مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: وحدثنا - محمد بن رافع، نا ابن أبي فديك؛ قال: أنا الضحاك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين، حرٍّ أو عَبْدٍ أو رَجُلٍ أوْ امْرأةٍ، صغير أو كبير، صاعا من تمر أو صاعا من شعير، ورواه أيضا بزيادة (من المسلمين) عن نافع ابنه عمر بن نافع. ذكر ذلك البخاري في صحيحه. قال البخاري (¬2) -رَحِمَهُ اللهُ- نا يحيى بن محمد بن السكن؛ قال: نا محمد بن جهضم؛ قال: نا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر؛ قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صَاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس من الصلاة. وأورد ابن رشيد كلام الناس في توثيق عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان الراوين للحديث عن نافع بتلك الزيادة، ثم قال: (فهذا ما يَرِد على قول الترمذي، وعلى قول الإمام ابن الصلاح؛ فإنه نقل قول الترمذي كالراضي به. ¬
ويَرِدُ على ابن الصلاح تعقب آخر إلا أنه خفي دقيق، وذلك أنه حكى عن الترمذي أن مالكا تفرد بهذا الزيادة من بين الثقات، وكلام الترمذي في معرضه إذا تُؤمل أقبلُ للتأويل مما حكاه عنه ابن الصلاح -رَحِمَهُ اللهُ- وبإيراد نصه في ذلك يتبين المعنى الذي أشرنا إلى غموضه، قال أبو عيسى -رَحِمَهُ اللهُ- في جامعة ما نصه: (ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثلما روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر؛ قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل حر وعبد ذكرًا أو أنثى من المسلمين صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير؛ قال: وزاد مالك في هذا الحديث (من المسلمين)، وروى أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه (من المسلمين)، وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه، وقد أخذ غير واحد من الائمة بحديث مالك واحتجوا به؛ منهم: الشافعي، وأحمد بن حنبل؛ قالا: إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين لم يؤد عنهم صدقة الفطر، واحتجا بحديث مالك، فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه، انتهى كلام الترمذي. وهو أوسع، فإنه علق الحكم في الزيادة عمن يعتمد على حفظه، وابن الصلاح علق الحكم بالثقة، ولا شك أن المعتمد على حفظه في إطلاقهم أعلى رتبة من الثقة؛ فإن الترمذي موافق على أن عمر بن نافع ثقة، وقد لا يوافق على أنه ممن يعتد على حفظه، فلذلك لم يذكره مع مالك، فافهم هذا فإنه مهم خافٍ والله الموفّق والمرشد)). (¬1) مكانة ابن رشيد العلمية من خلال شهادات ذوي الشأن والاختصاص في التأريخ للرجال: كان ابن رشيد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مشاركا في العلوم إلا أنه أرسخ قدما في ¬
العربية والأدب وعلم الحديث، وصفه ابن خلدون في تاريخه بكبير مشيخة المغرب، وسيد أهله، شيخ المحدثين الرحالة. وقال فيه لسان الدين الخطيب: "الخطيب المحدث المتبحر في علوم الرواية والإسناد، كان -رَحِمَهُ اللهُ-، فريد دهره عدالة وجلالة وحفظا وأدبا وسمتا وهديا، واسع الأسمعة، عالي الإسناد، صحيح النقل، أصيل الضبط، تام العناية بصناعة الحديث، قيما عليها بصيرا بها، محققا فيها، ذاكرا فيها للرجال، جماعة للكتب، محافظا على الطريقة، مضطلعا بغيرها، من العربية واللغة والعروض، فقيها أصيل النظر، ذاكرا للتفسير، ريان من الأدب، حافظا للأخبار والتواريخ، مشاركا في الأصليين، عارفا بالقراءات، عظيم الوقار والسكينة، بارع الخط، حسن الخلق، كثير التواضع، رقيق الوجه، متحملا كلف الخاصة والعامة، مبذول الجاه والشفاعة، كهفا لأصناف الطلبة)). (¬1) ونقل القري عن أبي البركات بن الحاج قوله فيه: ((ابن رشيد ثقة عدل، من أهل هذا الشأن المتحققين به، وكان من أهل المعرفة بعلم القراءات، وصناعة العربية وعلم البيان والآداب والعروض والقوافي، مشاركا في غير ذلك من الفنون، من خدام الكتاب والسنة، حسن العهد، كريم العشرة برا بأصدقائه، فاضلا في جميع أنحائه، أديبا خطيبا بليغا ذاكرا متأدبا، يقرض الشعر على تكلف، ويجود النثر، وييصر مواقع حسنه، وأعظم عنايته بعلم الحديث متنه وسنده ومعرفة رجاله، ولذلك كان جل أشغاله، وفيه أعظم احتفاله حتى حصل منه على غاية قصده ومنتهى آماله)). (¬2) ¬
القسم الثاني حركة التأليف الحديثية من "الأحكام" إلى "اليغية"
القسم الثاني حركة التأليف الحديثية من "الأحكام" إلى "اليغية" تمهيدان: التمهيد الأول: علم العلل التمهيد الثاني: الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام
التمهيد الأول علم العلل
التمهيد الأول علم العلل
الذي يرجع إلى كتب الأحكام الثلاثة، وكذا "بيان الوهم والإيهام"، و "بغية النقاد" يلحظ أن هذه الكتب لها جانبان يمكن أن يُرى من خلالهما موضوعها: 1 - جانب موضوعه من حيث النقد الحديثي؛ وهو: علم العلل. 2 - جانب موضوعه من حيث كون الكتاب تخصص في أحاديث الأحكام. وأتناول الآن ما يتعلق بالجانب الأول: كان من منهج عبد الحق الإشبيلي في كتابه "الأحكام الوسطى" بيان الحديث الصحيح من المعلل، وبالتالي فقد اشتمل كتابه على ما صح من الأحاديث، وما كان به علة بينها إِمَّا بالتنصيص عليها أو بالإشارة إليها، ثم جاء أبو الحسن بن القطان ليعقب عليه فيما وَهِمَه أو تَوَهَّمه في كتابه، وهذا ما حدا به أن يسمي كتابه: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام"، ولما كان الكمال شيئا لا مجال للوصول إليه فقد جاء ابن المواق ليتابع المسيرة فوضع بدوره تعقيبا على كتاب شيخه ابن القطان؛ وهو الكتاب الذي بين أيدينا: "بغية النقاد" فكانت الكتب الثلاثة تدور في محور واحد هو محور علم العلل، وهو علم من أشرف وأدق علوم الحديث، لا يخوض فيه إلا الجهابذة من كبار المحدثين ونقدة الحديث، فاقتضى الأمر أن أضع مقدمة تمهيدية في هذا العلم: العلة فى اللغة: تطلق العلة في اللغة على معان منها: - المرض، يقال: عل واعتل، وأعله الله تعالى، فهو معل وعليل. (¬1) ¬
- التكرار، يقال: عله بالشراب إذا سقاه مرة ثانية. (¬1) - التلهية والأشغال، يقال: علله بالشيء إذا ألهاه وشغله به، ومنه تعليل الصبي بالطعام. وقال صاحب القاموس: "والعلة بالكسر المرض، عل يعِل واعتل، وأعله الله تعالى، فهو معل وعليل، ولا تقل: معلول، والمتكلمون يقولونها، ولست منهم على ثلج". اهـ (¬2) ولكن كثيرا من المحدثين يطلقون على الحديث الذي فيه علة معلول، ومن الذين وقع ذلك في كلامهم: البخاري، والترمذي، والدارقطني، وأبو أحمد بن عدي، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو يعلى الخليلي، وسمى الحافظ ابن حجر كتابه "الزهر المطلول في الخبر المعلول". (¬3) وقد أنكر بعض العلماء استعمال كلمة معلول للحديث الذي توجد فيه علة؛ قال ابن الصلاح: "والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة" (¬4) وتبعه النووي فقال: إنه لحن. (¬5) ووافقه السيوطي على ذلك. (¬6) وحجتهم في ذلك أن اسم الفعول من أعل الرباعي لا يأتي على صيغة مفعول، بل يقولون فيه: معل، أما معلل فهو مفعول ل: علل، وهو بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به. ¬
لكن قد يجاب عن ذلك بأنه قد ورد في لغة العرب هكذا: "معلول"؛ قال الحافظ العراقي: " قد حكاه جماعة من أهل اللغة، منهم قطرب، فيما حكاه اللبي، والجوهري في الصحاح، والمطرزي في المغرب ... واستعمل أبو إسحاق (الزجاج) لفظة المعلول في المتقارب من العروض". (¬1) وقال الجوهري في الصحاح: "اعتل أي مرض، فهو عليل، ولا أعلك الله، أي لا أصابك بعلة ... وعل الشيء فهو معلول". (¬2) وقال محمد بن عمر بن عبد العزنر بن القوطية: "عل الإنسان مرض، والشيء أصابته العلة فيكون استعماله بالمعنى الذي أرادوه غير منكر، بل قال بعضهم: استعمال هذا اللفظ أولى لوقوعه في عبارات أهل الفن، مع ثبوته لغة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، قال ابن هشام في شرح بانت سعاد: تحلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنها منهل بالراح معلول (¬3) والأصل فيه أن الإبل إذا شربت في أول الورد يقال فيها نهلت، من النهل، فإذا ردت إلى أعطانها فسقيت ثانية فذلك علل. ولقد جنح الحافظان البلقيني والعراقي إلى تسميته بالمعلل. قال البلقيني: وصواب الإستعمال "المعلل" إذا كان من أعل. والحافظ العراقي ممن لا يرتضي استعمال معلول في الحديث المعلل لذا يقول في منظومته: وسم مابعلة مشمول ... معللا ولا تقل معلول ويظهر أن صاحب الصباح المنير قد فَصَّل القول في الموضوع حيث انتصر لمن ¬
استعمل العلول فيما قصده المحدثون وعلماء الأصول وغيرهم من حيث اللغة، بل ذهب إلى أنه هو الأكثر استعمالا عند أهل اللغة. (¬1) العلة في الإصطلاح: تناول كثير من المحدثين تعريف العلة، واختلفت تعريفاتهم، فتقاربت بعضها في المعنى واختلفت أخرى. ولعل أول كتاب ذكر. تعريف العلة هو كتاب: معرفة علوم الحديث للحاكم، وقد جاء فيه: "وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل" (¬2) ويقول الحاكم أيضا: " وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل" (¬3) أما ابن الصلاح فيعرف علل الحديث بقوله: "وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه، فالحديث العلل هو الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر" (¬4) وأما الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (ت 804 هـ) فقد عرف العلة بقوله: "العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث فأثرت فيه، أي قدحت في صحته". (¬5) ويمكن أن يقال بأن الحاكم إنما أعطى بعض العالم العامة لعلم العلة، ولم يضع ¬
له تعريفا جامعا مانعا، إذ كلامه لا يشمل ضوابط ومقاييس العلة عند المحدثين. وفي تعريف ابن الصلاح قصور حيث لم يتناول الإشارة إلى وقوع العلة في المتن، هذا بالإضافة إلى الدور؛ حيث ورد في التعريف لفظ العلة. ويلاحظ في تعريف العراقي أن لفظة (طرأت) تشعر بأن الحديث كان في أصله صحيحا فدخلت عليه العلة، لكن هذا ليس بلازم في كل حديث معلول. وللحافظ العراقي تعريف آخر للحديث المعلل نقله عنه برهان الدين البقاعي (ت 855 ص) في نكته على ألفيتة؛ حيث جاء فيه: "والمعلل خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح". (¬1) ولعل هذا التعريف أكثر قبولا من غيره. لكن الذي يرجع إلى كتب العلل يلاحظ أن المحدثين توسعوا في إطلاقها، وهذا ما ذكره ابن الصلاح بقوله: "ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث، الخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به، على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح. وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث. ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف؛ نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ، والله أعلم. اهـ (¬2) ¬
العلة في اصطلاح المحدثين الأندلسيين والمغاربة: الأندلسيون والمغاربة من المحدثين جنحوا إلى الدلالة الواسعة لصطلح العلة، ولذا نجدهم يعللون الحديث بكل ما ينافي شروط القبول سواء كان ظاهرا أم خفيا، فالإرسال والإنقطاع والإعضال والتدليس والإضطراب؛ كل ذلك يعتبر عندهم علة. (¬1) قال ابن عبد البر: الإنقطاع في الأثر علة تمنع من وجوب العمل به. (¬2) وذكر ابن عبد البر حديث خزيمة بن جزي في السؤال عن أحفاش الأرض، وعقب عليه بأنه لا يحتج بمثله لضعف إسناده ولا يعرج عليه بم لأنه يدور على عبد الكريم بن أبي المخارق وليس يرويه غيره، وهو ضعيف متروك الحديث، ثم ذكر شاهدا من حديث عبد الرحمن بن معقل -صاحب الدثنية- وهو رجل يعد في الصحابة، ثم عقب ابن عبد البر عليه بقوله: وهو أيضا حديث ضعيف، وإسناده ليس بالقائم عند أهل العلم؛ وهو يدور على أبي محمد -رجل مجهول- وهو حديث لا يصح عندهم وعبد الرحمن بن معقل لا يعرف إلا بهذا الحديث، ولا تصح صحبته، وإنما ذكرت هذا الحديث والذي قبله ليوقف عليهما، ولرواية الناس لهما، ولتبيين العلة فيهما". (¬3) فالقوادح التي ذكر ابن عبد البر في الحديثين؛ من جرح ابن أبي المخارق وانفراده بالحديث، وجهالة أبي محمد كلها قوادح ظاهرة، وقد جعلها كلها من العلل. ومن منهج ابن حزم أنه لا يفرق بين القوادح الظاهرة والخفية في التعليل، وقد أورد الدكتور إبراهيم بن الصديق بعض النماذج للإستدلال على ذلك؛ منها قوله: ¬
(وقال ابن حزم: فإن ذكروا حديثا رويناه من طريق هشام الدستوائي عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ... فإن رواية عطاء لهذا الخبر مضطربة معلولة، وعطاء قد تغير بأخرة". فسمى الإضطراب والتغير، وهما ظاهران علة كما ترى. وقال ابن حزم أيضا، بعد أن ذكر حديثين عن المغيرة في مسح أعلى الخفين وأسفلهما: "وأما حديثا المغيرة فأحدهما عن ابن شهاب عن المغيرة، ولم يولد ابن شهاب إلا بعد موت المغيرة بدهر طويل. وهذا قادح ظاهر". وأضاف: "والثاني مدلس أخطأ فيه الوليد بن مسلم في موضعين، ثم أسند من طريق ثور بن يزيد، قال حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخفين وأسفلهما، فصح أن ثورا لم يسمع من رجاء ابن حيوة وأنه مرسل لم يذكر كاتب المغيرة". وهذا قادح خفي وهو العلة في الإصطلاح وأضاف: "وعلة ثالثة، وهي أنه لم يسم فيه كاتب المغيرة" والجهل بالراوي قادح ظاهر، ومع ذلك سماه علة). (¬1) والذي يعود إلى قسم "العلل" من كتاب تقييد المهمل لأبي علي الجياني يجده قد سار على نفس النهج الذي اصطلح عليه الغاربة، فهو لا يفرق بين ما كان ظاهرا وما كان خفيا من القوادح. ويزداد الأمر بيانا بالرجوع إلى كتاب الأحكام الشرعية، لعبد الحق الإشبيلي، حيث يطالعنا في مقدمة كتابه بما يسلط الضوء على اتساع دلالة العلة عنده؛ ¬
حيث يقول: (وأكثر ما ذكر من العلل ما يوجب حكما ويثبت ضعفا ويخرج الحديث من العمل به إلى الرغبة عنه والترك له، أو الإعتبار بروايته، مثل القطع والإرسال والتوفيق، وضعف الراوي، والاختلاف الكثير في الإسناد، وليس كل إسناد يفسده الاختلاف. وليس الإرسال أيضا علة عند قوم إذا كان الذي يرسله إماما، ولا التوقيف علة أخرى إذا كان الذي يسنده ثقة، وضعف الراوي علة عند الجميع). (¬1) أما ابن القطان فهو إمام الغاربة في علم العلل في هذه الحقبة -النصف الثاني من القرن السادس والقسم الأول من القرن السابع- ونظرة أولى إلى كتابه: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" تعطي الجزم بأنه لم يخرج عن الإصطلاح الواسع الدلالة لهذا العلم، إذ حتى محترزات الإتصال والعدالة هي الأخرى مما يعلل به ابن القطان ... وسيتضح من خلال منهج ابن المواق في التعليل المزيد من التفصيل العملي لمدرسة التعليل بالمغرب. ¬
التمهيد الثاني الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام
التمهيد الثاني الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام
تقدم الجانب الأول من موضوع الكتب الثلاثة -"الأحكام" و"البيان" و"البغية"- وهو علم العلل أما الجانب الثاني لهذه الكتب فهو تصنيفها باعتبارها كتب أحكام، وهذا يقتضي أن نلقي نظرة موجزة عن الكتب الحديثية التي صنفت في الأحكام. اهتم المحدثون في فترات غير قليلة بذكر سند الحديث، وهم إذا ذكروه قد تفصوا من عهدته، لشيوع المعرفة بالرجال، جرحهم وتعديلهم، سابقهم ولاحقهم، ولمعرفة من سمع من هذا الراوي، ومن لم يسمع منه، ومن يدلس ومن لا يدلس، ومن-روي المناكر، ومن يتحاشاها، من له علم بشيوخه عامة، وبرواة عصره، ومن هو مقصور العلم بمعرفة حال شيوخه الذين أخذ عنهم، وبمن اختلط في فترة من عمره، وبمن لم يختلط، كما كان لهم علم ومعرفة بعلل الأخبار، وناسخها من منسوخها، ومتقدمها من لاحقها. وكانت دائرة العلوم الإسلامية محصورة فى الكتاب والسنة، وثم اتسعت هذه الدائرة لتتفرع إلى علوم أخرى؛ من فقه وأصول وحديث وتفسير وكلام، وأصبح كل علم منها قائما بذاته، له أسسه وقواعده التي تضبط مساره وتحدد اتجاهه، فغلبت إحدى هذه الفروع المعرفية على كل طائفة من العلماء، وشاع التخصص فى الدراسة والتحصيل، وأصبح أهل كل تخصص لا ينازعون أهل التخصص الآخر، لكن التداخل بين العلوم الإسلامية يفرض احتياج كل طائفة إلى الأخرى، وكتاب الله هو أصل هذه العلوم وإليه مرجعها، لكنه أجمل في مواطن كثيرة، وترك للسنة التفصيل فيها، ولم يعرج على أحكام في مجالات أخرى باعتبار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيتكفل ببيانها ... من هنا كانت أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطب الرحى للعلوم الإسلامية، فلا يستعاض عنها بشيء، ولا يقوم مقامها علم من العلوم. ولما كانت جميع أفعال الإنسان وأقواله وتصرفاته محكومة بشرع الله احتاج الناس لعرفة هذا الشرع، ولا مجال لمعرفته إلا بالرجوع إلى ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال والتقريرات التي تبين ذلك، ثم إن مجال اتساع
العلوم من جهة، وضعف الهمة من جهة ثانية لم يعد يسمح لأهل الفقه مثلا أن يعودوا إلى دواوين السنة وكتبها الكثيرة لإنتقاء الصحيح منها دون غيره لبناء الأحكام الفقهية عليه، فكانت الحاجة الملحة للمحدثين -وهم فرسان هذا العلم- أن يدلوا بدلوهم لييسرو للفقهاء النصوص الحديثية التي تكون مرتكز عملهم، وهكذا برزت المؤلفات فى أحاديث الأحكام محذوفة السند، مبينة الرتبة، منصوص على ما فيه علة منها، مع الإشارة إلى مخرجيها، وهذه بعضها: - الجامع في حد صحيح الحديث باختصار الأسانيد، للحافظ أبي محمد علي ابن سعيد، المعروف بابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 هـ. (¬1) - "الجامع لنكت الأحكام" المستخرج من الكتب المشهورة في الإسلام، لأبي القاسم زيدون بن علي القيرواني، الشهير بأبي القاسم الزيدوني -ولما كان مؤلفه فقيها فإنه لم يكن موفيا بالناحية الفنية الحديثية؛ التي وضع الكتاب من أجلها، وفي هذا الصدد يقول عبد الحق الإشبيلي: (وإن أبا القاسم -رَحِمَهُ اللهُ- أخذ الأحاديث غثها وسمينها، صحيحها وسقيمها، فأخرجها بجملتها ولم يتكلم في شيء من عللها إلا الشيء اليسير والنادر القليل، وقد ترك أحاديث فى الأحكام لم يخرجها، إذ لم تكن في الكتب التي أخرج حديثها، وإن كان فيها أحاديث معتلة فقد أخرج أمثالها في الوهن ... وأيضا فإن أبا القاسم عمد إلى الحديث فأخرجه من كتب كثيرة وترجم عليه بأسماء عديدة، ولم يذكر إلا لفظا واحدا، ولم يبين لفظ من هو، ولا من انفرد به، وقلما يجيء الحديث الواحد في كتب كثيرة إلا باختلاف في لفظ أو معنى أو زيادة أو نقصان، ولم يبين هو شيئا من ذلك إلا في النزر القليل، أو في الحديث ¬
من المائة، أو في أكثر، أو فيما كان من ذلك، وليس الاختلاف في اللفظ مما يقدح في الحديث إذا كان المعنى متفقا، ولكن الأولى أن ينسب كل كلام إلى قائله، ويعزى كل لفظ إلى الناطق به). (¬1) وفي نفس المرحلة التاريخية -تقريبا- كانت محاولة أخرى في التأليف في أحاديث الأحكام في المشرق العربي، للحافظ المحدث أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت 516 هـ) تتجلى في كتابه الشهير بـ (مصابيح السنة). وهو كتاب انتخبه البغوي من صحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي والدارمي، ذاكرا أحاديثه محذوفة الأسانيد، ولم يهتم بذكر من أخرج كل حديث على حدة، ولا ذكر صحابيه. يقول في مقدمة كتابه عن أحاديث الكتاب: (جمعتها للمنقطعين إلى العبادة، لتكون لهم بعد كتاب الله تعالى حظا من السن، وعونا على ما هم فيه من الطاعة، وتركت ذكر أسانيدها حذرا من الإطالة عليهم، واعتمادا على نقل الأئمة، ربما سميت في بعضها الصحالي الذي يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وتجد أحاديث كل باب منها تنقسم إلى صحاح وحسان (¬2) ... وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عما كان منكرا أو موضوعا). (¬3) ¬
ومن الذين ساهموا في تثبيت مسيرة التصنيف في أحاديث الأحكام أبو جعفر أحمد بن عبد الملك الأنصاري الإشبيلي، المعروف بابن أبي مروان (ت 549 هـ) وذلك في كتابه: "المنتخب المنتقى" حيث جمع فيه مفترق الصحيح من الحديث الواقع في المصنفات والمسندات. يقول ابن الأبار: (كان حافظا عارفا بالحديث ورجاله، فقيها ظاهري المذهب، على طريقة ابن حزم، وله تأليف مفيد في الحديث سماه: "المنتخب المنتقى" جمع فيه مفترق الصحيح مما افترق في أمهات المسندات من نوازل الشرع. (¬1) ولما كان عبد الحق الإشبيلي من خواص تلامذة أبي جعفر بن أبي مروان فقد استفاد منه ومن كتابه "المنتخب المنتقى" فجعله نواة لكتابه: (الأحكام). قال ابن الأبار: (وعليه بنى كتابه أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي، ومنه استفاد، وكان صاحبا لأبي جعفر هذا وملازما له). (¬2) بل إن الشيخ أحمد بن الصديق، -رَحِمَهُ اللهُ-، ادعى أن عبد الحق قد أغار على كشاب ابن أبي مروان ونسبه إليه، حيث قال: (فائدة في ترجمة أبي جعفر أحمد بن عبد الملك الأنصاري المعروف بابن أبي مروان من تكملة ابن الأبار: كان حافظا عارفا بالحديث ورجاله، فقيها ظاهري ¬
على طريقة ابن حزم، وله تأليف مفيد سماه: "المنتقى" جمع فيه ما افترق في أمهات المسندات من نوازل الشرع، بنى كتابه أبو محمد عبد الحق الإشبيلي في الأحكام عليه، ومنه استفاد، وكان صاحبا لأبي جعفر هذا وملازما له، واستشهد بلبلة عند ثورة أهلها ..... قلت (أحمد بن الصديق): فضاع هذا المسكبن وحاز الشهرة عبد الحق بكتاب الأحكام، ولكن إن كانت تلك الأوهام منه فقد سلمه الله من ابن القطان، ووقع في يده عبد الحق؛ وذلك جزاء من يغير على كتب الناس ويدعي ما ليس له). اهـ (¬1) ¬
الفصل الأول كتابا الأحكام لعبد الحق الإشبيلي "الكبرى" و"الصغرى"
الفصل الأول كتابا الأحكام لعبد الحق الإشبيلي "الكبرى" و"الصغرى" تمهيد: سبب تأليف عبد الحق لكتب الأحكام المبحث الأول: الأحكام الكبرى المبحث الثاني: الأحكام الصغرى المبحث الثالث: الكتب المصنفة على الأحكام الصغرى
المبحث الأول: الأحكام الكبرى
مؤلفات عبد الحق الإشبيلي كثيرة جداً -تقدم ذكرها- وكلها في غاية الجودة وحسن السياق، لكن كتب الأحكام الثلاثة حازت درجة السبق وحسن القبول، وانتشرت في الناس، وهي: الأحكام الكبرى، والوسطى، والصغرى. سبب تأليف عبد الحق لكتب الأحكام: ذكر صاحب صلة الصلة أن أبا الحجاج يوسف بن محمد البلوي بن الشيخ، المالقي (ت 604 هـ) لما رحل إلى الحج سنة 560 - أو نحوها- أخذ فى طريقه ببجاية عن أبي محمد عبد الحق الإشبيلي، وعزم عليه في تأليف كتاب الآحكام، وقد فاوضه في ذلك، ولما قفل من رحلته أقام معه ببجاية وصحبه أشهرا، وأخذ عنه أحكامه، وكير ذلك، وكان من أقعد الناس به وبأخباره. (¬1) حدث بكتاب الأحكام عن عبد الحق، هكذا ذكر الرعيني، وابن الأبار، وعينها ابن غازي، فقال "الأحكام الكبرى". المبحث الأول: الأحكام الكبرى: وهو أصل هذه الكتب ذلك أنه انتقى أحاديثه من الموطأ، والكتب الخمسة، ومسند أبي بكر البزار، والكامل في الضعفاء، لإبن عدي، والمصنف، لإبن أبي شيبة، والمحلى، لإبن حزم، والسنن، والعلل، وكلاهما للدارقطني، ومصنف قاسم ابن أصبغ، ومستدرك الحاكم، وغيرها من الصادر الحديثية. (¬2) وهو عمل ضخم استوعب فيه المصنف أحاديث كثيرة جدا بأسانيدها، حيث ¬
ينقل النصوص من مصادرها كاملة، وقد يسندها منه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، إن كانت له في حديث الباب رواية مسندة، وقد يدخل عليها كلاما تارة للتعريف بأصحاب هذه الأصول، وأخرى للتعريف ببعض رجال الإسناد، وحينا آخر لتناول عللها. وقد نص عبد الحق نفسه على تسمية كتابه هذا بالكتاب الكبير (¬1) وكذلك سماه ابن القطان في غير ما إحالة (¬2) وممن روى هذا الكتاب: (¬3) محمد بن أحمد الهاشمي (¬4) وعلي بن أبي نصر البجائي (¬5) وأبو الحجاج بن الشيخ البلوي (¬6) وسهل بن مالك (¬7) وأبو محمد بن حوط الله (¬8) ¬
المبحث الثاني: الأحكام الصغرى
المبحث الثاني: الأحكام الصغرى هذا الكتاب اختصره عبد الحق من أحكامه الوسطى، ولذلك قد يطلق عليه كذلك: مختصر الأحكام، ومن ميزات هذا الإختصار ما يأتي: - حذف الأحاديث الضعيفة، والإقتصار على ذكر الأحاديث الصحيحة. - الإبقاء على كل الأحاديث الصحيحة في الأغلب الأعم. - ولا تفترق الوسطى عن الصغرى من حيث ترتيب الأبواب (باستثناء الأبواب الأخيرة، ففيها تقديم وتأخير). - حذف بعض الأبواب من الوسطى، وخاصة ما لا يسمح التقييد بالأحاديث الصحيحة بذكره؛ مثل: - باب ذكر أحاديث أعلها برجال، وفيها من هو مثلهم، أو أضعف، أو مجهول لا يعرف. - باب ذكر أحاديث أعلها، ولم يبين من أسانيدها مواضع العلة. - باب ذكر أحاديث ضعفها، وهي صحيحة أو حسنة، وما أعلها به ليس بعلة. (¬1) رواية الأحكام الصغرى: اهتم العلماء برواية الأحكام الصغرى، حتى إنك لتجدها مووية بأسانيدهم إلى مؤلفها في برامجهم وأثباتهم، أو تلقوها عن شيوخهم فأثبتوا روايتهم لها، وهذا بعض من ذكرها ضمن مروياته: المنذري مناولة في تكملته. (¬2) ¬
والتجيبي في برنامجه. (¬1) والذهبي في سيره وتذكرته. (¬2) والمجاري في برنامجه. (¬3) والرصاع في فهرسته. (¬4) والوادي آشي في برنامجه. (¬5) وابن غازي في فهرسته. (¬6) والروداني في صلة الخلف. (¬7) وتوجد عدة نسخ مخطوطة من كتاب الأحكام الصغرى -وقد عنون بعضها بالأحكام الحديثية- في الخزائن العالمية والمغربية، أكتفي بذكر ما في خزانة القروين منها: - مخطوطة تحمل رقم 1079/ 80 في مجلد واحد ضخم بخط أندلسي جيد - تام في كاغد أصفر، في أوراقه طرر، وتعاليق كثيرة،. متلاش، تاريخ نسخه 596 هـ، عار عن اسم الناسخ. (¬8) - مخطوطة تحمل رقم 40/ 218، في سفر واحد بخط أندلسي متقن، متلاشية في الجملة، ناسخها محمد بن علي بن عباد الأنصاري. ¬
ملحوظة: بها نص سماعين: أحدهما من ناسخ الكتاب وإجازة الشيخ إبراهيم ابن عبد الله البكري. (¬1) - مخطوطة تحمل رقم 1533/ 80، سفر واحد كتب بخط أندلسي جيد، بها أكل أرضة أتت على بعض كلماتها، عدد صفحاتها 162، تاريخ النسخ 594 هـ -عار عن اسم الناسخ- ملحوظة: قوبلت على نسخة مسموعة على الأستاذ المحدرث أبي ذر الخشني -بتاريخ 600 هـ على ما يظهر- (¬2) - مخطوطة تحمل رقم 1078/ 80، سفر ضخم، كتب بخط مغربي، مبتور من أواخره، فقد من أوائله ثمان ورقات، عوضت بخط جديد -هو خط العلامة أبي العباس البوعزاوي- متلاش في الجملة، عار عن تاريخ النسخ واسم الناسخ. (¬3) وقد تمت طباعة الأحكام الشرعية الصغرى بتحقيق أم محمد بنت أحمد الهليس، تحت عنوان: (الأحكام الشرعية الصغرى "الصحيحة")، في مجلدين، طبع بمطابع ابن تيمية بالقاهرة، ونشرته مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، ومكتبة العلم بجدة، وصدرت الطبعة الأولى بتاريخ 1413 هـ الموافق 1993 م. الكتب المصنفة على الأحكام الصغرى: اهتم العلماء بهذا الكتاب ما بين شارح وناقل وناقد، واهتم به طلبة العلم حتى كثر حافظوه، وهذه بعض أوجه الإهتمام به: ¬
شرح كتاب الأحكام الصغرى: لما كان الكتاب مختصرا احتاج إلى الشرح ليستفيد منه الناس أكثر، وهذا ما جعل طائفة من الناس تقوم بهذه المهمة؛ فممن قام بشرحه: - محمد بن علي الصنهاجي (ت 628 هـ) واسم كتابه: (الإعلام بفوائد الأحكام). (¬1) - أبو محمد عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي، التميمي، التونسي، المعروف بـ "ابن بَزيزة" (ت 662) 0 الصوفي، المفسر، الفقيه المالكي- اعتمد عليه خليل في التشهير- (¬2) - أبو الأصبغ عبد العزيز بن خلف بن إدريس السلمي، الشاطبي (606 - 662 هـ) (¬3) - أبو عبد الله محمد بن عمر بن علي المصري الشافعي، العروف بـ"ابن الرحل"، و"ابن الوكيل". قال السبكي: كان إماما كبيرا، بارعا في المذهب والأصلين ... وذكر الشوكاني أن ابن المرحل هذا شرع في شرح الأحكام لعبد الحق، فكتب منه ثلاث مجلدات. توفي بالقاهرة (ت 716). (¬4) ولأبي الحسن علي بن وهب القشيري،- الشهير بـ (ابن دقيق العيد) تعقيب ¬
على الأحكام الصغرى. (¬1) - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق التلمساني، عرف بالخطب، المتوفى بمصر (ت 781). (¬2) - محمد بن القصار الفاسي -من أهل القرن العاشر- (¬3) ¬
الفصل الثاني الأحكام الشرعية الوسطى
الفصل الثاني الأحكام الشرعية الوسطى المبحث الأول: التعريف بالأحكام الوسطى المبحث الثاني: منهج الإشبيلي في الأحكام الوسطى المبحث الثالث: مصادر الكتاب المبحث الرابع: القيمة العلمية للكتاب
المبحث الأول: التعريف بالأحكام الوسطى
المبحث الأول: التعريف بالأحكام الوسطى: هذا الكتاب اختصره عبد الحق من الكتاب الكبير، فانتقى أحاديثه وحذف أسانيده، وقد أشار أبو الحسن بن القطان إلى ذلك حيث قال في مقدمة كتاول: "بيان الوهم والإيهام": (... وعلمت ذلك، إما بأن رأيته قد كتبه في كتاول الكبير الذي يذكر فيه الأحاديث بأسانيدها، الذي منه اختصر هذا). (¬1) وقال كذلك في موضع آخر: (هكذا رأيته بخطه (أي بخط عبد الحق) في كتابه الكبير حيث يذكر الأحاديث بأسانيدها، ساقه بإسناده. (¬2) حظي كتاب" الأحكام الوسطى" بمكانة ساقة بين العلماء وطلبة العلم، وتداوله عامتهم، وكثيرا ما يطلق عليه "الأحكام الكبرى" بالقياس إلى الصغرى. ولذا نجد في كثير من الصادر والراجع وصف هذا الكتاب بالكبرى، ولعل سبب ذلك يعود إلى أن "الأحكام الكبرى" لم تنتشر انتشار الكتابين: "الوسطى" و "الصغرى" حتى صار العلماء وطلبة العلم لا يميزون إلا بينهما، فأطلق على "الوسطى" "الكبرى". وتوجد نسخ مخطوطة متعددة من "الأحكام الوسطى" في الخزائن الغربية، وهذه بعضها: - نسخة خزانة القرويين رقم 219/ 40 في جزئين، ولا يتصل الثاني بالأول لضياع فصل من آخر الأول منهما، وهي بخط أندلسي، كتب على السفر الأول منها: "الأحكام الكبرى"، وهو مجرد وهم، تاريخ نسخها 694 هـ ليس بها ذكر لإسم الناسخ. (¬3) ¬
وبالخزانة العامة بالرباط: نسختان ناقصتان: - إحداهما بالكتبة الكتانية، وتحمل رقم 1862 بخط مشرقي مشكول، يوجد منها مجلد إلى كتاب الصيام. - والأخرى بمكتبة الكلاوي، وتحمل رقم 838 (¬1) وبالخزانة الحسنية ثلاث نسخ خطة: - الاُولى كتبت بخط مغربي جميل، ويظهر أنها قديمة، ومصححة، نص فيها على طائفة ممن ملكها من العلماء، آخرهم الشيخ محمد التاودي بن الطالب بن سودة، وهي في مجلد من الأول إلى باب الخلع، وتحمل رقم 5682 (¬2) ويوجد بخزانة تمكروت مصور عن هذه المخطوطة يحمل رقم: 1061 (¬3) - والثانية كاملة في مجلد، إلا أنه سقط من آخره ورقة عوضت بخط مغربي، حديث، وتحمل اسم: "الأحكام الشرعية" ذات رقم 235. عدد صفحاتها 149، خالية من تاريخ النسخ واسم الناسخ. (¬4) - والثالثة وتحمل عنوان "الأحكام الشرعية" ذات رقم 5380، كتبت بخط مغربي جميل، لدي مصور من أجزائها: الثاني (كتاب الصلاة من أوله إلى غاية باب تكبيرة الإحرام وهيئة الصلاة والقراءة والركوع)، والسابع (كتاب الديات والحدود إلى باب في ثواب الأمراض وما يصيب المسلم). - وبخزانة ابن يوسف نسخة خطية، كتبت بخط مغربي جيد وكبير، تمتاز بوضوحها، تحمل بعض أجزائها رقم 540، وقد كتب عليها: "الأحكام الشرعية" ¬
المبحث الثاني: منهج الإشبيلي في الأحكام الوسطى
في ثمانية أجزاء، لدي منها مصور الأجزاء: الأول والثالث والرابع والثامن. (¬1) - وبخزانة القروين نسخة مخطوطة تحمل اسم "الأحكام الشرعية"، ذات رقم 1801، الجزء الأول منها بخط أندلسي مشكول، مبتورة الأول، متلاشية في الجملة، وقضت عليها الخروق والأرضة والرطوبة، تاريخ نسخها في شوال عام 602 هـ. واسم الناسخ: سعيد بن أحمد بن محمد بن سعيد الأنصاري. (¬2) المبحث الثاني: منهج الإشبيلي في الأحكام الوسطى: خير من يضع بين أيدينا منهج عبد الحق الإشبيلي في كتابه "الأحكام الوسطى" هو عبد الحق نفسه وذلك من خلال مقدمته للكتاب المذكور، وهذا نصها: (¬3) "الحمد لله رب العالمين والصلاة والتسليم على محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى جميع عباده الصالحين، أما بعد، وفقنا الله وإياك، فإني جمعت في هذا الكتاب مفترقا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لوازم الشرع وأحكامه وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب وذكر الثواب والعذاب إلى غير ذلك من الآداب والرقائق والحكم والمواعظ وفنونا من الأدعية والأذكار وجملا من الفتن والأشراط وأحاديث في معان أخر مع نبذ من التفسير مما يكسب حافظه العلم الكثير والعمل به الحظ الخطير والملك الكبير. ونقلتها من كتب الأئمة المشهورين الجلة السابقين سرج الدين وهداة المسلمين: أبو عبد الله مالك ابن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأبو عبد الله ¬
محمد بن إسماعيل الجعفي، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عبد الرحمن أحمد ابن شعيب النسائي، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، وأضفت إلى ذلك أحاديث من كتب أخر أذكرها عند ذكر الحديث منها، أو أذكر أصحابها، أو المشهور برواية ذلك الحديث الذي أخرج، مثل أن أقول ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة أو وذكر ابن أبي شيبة أو وروى وكيع ابن الجراح أو فلان، وإذا ذكرت الحديث لمسلم أو لغيره عن صاحب، ثم أقول: وعنه أو وعن فلان وأذكر ذلك الصاحب أو صاحبا آخر فإنما كل ذلك لمسلم، أو من الكتاب الذي أذكر أولا، حتى أسمي غيره، وربما تخللها كلام في رجل أو في شيء ما، وإذا قلت: وفي روايَة أخرى، أو في طريق أخرى ولا أذكر الصاحب؛ فإنه من ذلك الكتاب وعن ذلك الصاحب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا ذكرت الحديث لمسلم أو لسواه، ثم أقول: (زاد البخاري كذا وكذا، أو زاد فلان كذا وكذا، أو قال فلان كذا وكذا، أو لم أذكر الصاحب ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت الزيادة عن صاحب آخر ذكرت الصاحب، وذكرت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما ذكرت الزيادة وقلت: خرجها من حديث فلان، ولم أذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان حديثا كاملا ذكرت الصاحب وذكرت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت الزيادة أو الحديث الكامل لإسناد معتل ذكرت علته، ونبهت عليها بحسب ما اتفق من التطويل أو الإختصار، وإن لم تكن فيه علة كان سكوتي عنه دليلا على صحته، هذا فيما أعلم، ولم أتعرض لإخراج الحديث العتل كله، وإنما أخرجت منه يسيرا مما عمل به أو بأكثره عند بعض الناس، واعتمد عليه، وفُزِع عند الحاجة إليه، والحديث السقيم أكثر من أن أتعرض له أو أشتغل به، وبعض هذه الأحاديث المعتلة ورد من طريق واحدة، فذكرته منها، وربما بينه. ومنها ما ورد من طريقين أو أكثر فذكرت منها ما أمكن، وأضربت عن سائرها. ومنها ما لم أحص طرقه، ولو أردت ذكر ذلك لم أقدر عليه، ولا وجدت
سبيلا إليه، لضيق الباع، وقلة الاتساع، مع ما أكرهه أيضا من التكرار، وأرغب فيه من التقريب والإختصار. وكثيرا ما أخذت من كتاب أبي أحمد بن عدي الجرجاني حديثا وتعليلا، وكذلك من كتاب أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، كتاب السنن، وكتاب العلل له. وأخذت كلاما كثيرا في التجريح والتعديل من كتاب أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ومن كتاب غيره. وربما أخذت حديثا من كتاب وتعليلا من كتاب آخر، أو كلاما في رجل، وقد بينت ذلك فى بعض المواضع. وأكثر ما أذكر من العلل ما يوجب حكما ويثبت ضعفا، ويخرج الحديث من العمل به إلى الرغبة عنه، والترك له، أو إلى الإعتبار بروايته، مثل: القطع، والإرسال، والتوقيف، وضعف الراوي، والاختلاف الكثير في الإسناد وليس كل إسناد يفسده الاختلاف. وليس الإرسال أيضا علة عند قوم إذا كان الذي يرسله إماما، ولا التوقيف علة عند آخرين، إذا كان الذي يسنده ثقة. وضعف الراوي علة عند الجميع. وضعف الراوي يكون بالتعمد للكذب، ويكون بالوهم، وقلة الحفظ وكثرة الخطأ، وإن كان صادقا، ويكون بالتدليس، وإن كان ثقة فيحتاج حديثه إلى النظر، ويكون أيضا بجرحة أخرى مما يسقط العدالة، أو يوهنها أو برأي يراه، ومذهب يذهب إليه مما يخالف السنة ويفارق الجماعة، وقد يكون داعية إلى مذهبه ذلك، وقد يكون يعتقده ويقول به، ولا يدعو إليه، وبينهما عند بعضهم فرق، وللكلام في هذا موضع آخر، وإنما أذكر في هذا الكتاب كلام الأئمة في الراوي مختصرا.
وإذا ذكرته في موضع، وذكرت الكلام فيه، ووقع ذكره في موضع آخر، ربما ذكرت من تكلم فيه، وربما ذكرت ضعفه خاصة، وربما ذكرت الجرحة في بعض المواضع، وربما قلت: لا يصح هذا من قبل إسناده، اتكالا على شهرة الحديث في الضعف. وإنما أعلل من الحديث ما كان فيه أمر أو نهي، أو يتعلق به حكم، وأما ما سوى ذلك، فربما كان في بعضها سمح. وليس فيها شيء عن متفق على تركه، فيما أدري، وليس فيها أيضا من هذا النوع إلا قليل. ولعل قائلا يقول قد كان فيما جمع أبو القاسم الزيدوني -رَحِمَهُ اللهُ- ما يريحك عن تعبك ويغنيك عن نصبك، فما فائدتك فيما قصدت، وما الفائدة التي تعود عليك في هذا الذي جمعت؟ فأقول والله المستعان: إن لكل أحد رأيا يراه، وطريقا يلتمسه ويتوخاه، وإن أبا القاسم -رَحِمَهُ اللهُ- أخذ الأحاديث غثها وسمينها، وصحيحها وسقيمها فأخرجها بجملتها، ولم يتكلم في شئ من عللها إلا في الشيء اليسير والنادر القليل، وقد ترك أحاديث في الأحكام لم يخرجها إذ لم تكن في الكتب التي أخرج حديثها، وإن كان فيها أحاديث معتلة، فقد أخرج أمثالها في الوهن وتلك الأحاديث التي ترك قد أخرجت منها ما يسر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به، وما كان منها فيه علة فقد ذكرتها كما فعلت في سائر ما في الكتب من الحديث المعتل مما أخرجته منها، إلا أن تكون العلة لا توهن الحديث لضعفها، وقلة القائلين بها. وأيضا فإن أبا القاسم عمد إلى الحديث فأخرجه من كتب كثيرة، وترجم عليه بأسماء عديدة، ولم يذكر إلا لفظا واحدا، ولم يبين لفظ من هو؟ ولا من انفرد، وقل ما يجيء الحديث الواحد في كتب كثيرة إلا باختلاف في لفظ أو معنى، أو زيادة أو نقصان، ولم يبين هو شيئا من ذلك إلا في النزر القليل، أو في الحديث من المائة، أو في أكثر، أو فيما كان من ذلك.
وليس الاختلاف في اللفظ مما يقدح في الحديث إذا كان المعنى متفقا، ولكن الأولى أن ينسب كل كلام إلى قائله، ويعزى كل لفظ إلى الناطق به، وأما ما كان في الحديث من اختلاف معنى أو زيادة أو نقصان، فإنه يحتاج إلى تبيين ذلك وتمييزه وتهذيبه وتلخيصه حتى يعرف صاحب الحكم الزائد والعنى الختلف، وإنما ترجم -رَحِمَهُ اللهُ-على الحديث الواحد بما ترجم عليه من الكتب لتعرف شهرة الحديث. فأخرجته من كتاب واحد، وبلفظ واحد، وكذلك ذكرت الزيادة من كتاب واحد وبلفظ واحد ليعرف صاحب اللفظ، ويتميز صاحب النص، وتقع نسبة الحديث إليه صحيحة. وإن الحديث إذا جاء من طريق واحد صحيح، ولم يجيء ما يعارضه فإنه يوجب العمل وتلزم به الحجة (كما يوجب العمل، وتلزم به الحجة) إذا جاء من طرق كثيرة، وإن كانت النفس إلى الكترة أميل، وبها أطيب إذا كانت الكثرة إنما اجتمعت ممن يوثق بحديثه، ويعتمد على روايته. وأن ذكر الحديث في مواضع كثيرة، ومجيئه في دواوين عديدة، وشهرته عند الناس لا يخرجه عن منزلته، ولا يرفعه في الحقيقة عن درجته، وأنه إذا رجع إلى طريق واحد حكم له بحكم الواحد، فإن كان صحيحا حكم له بحكم الصحيح، وإن كان سقيما حكم له بحكم السقيم، لأن الفرع لا يطيب إلا بطيب الأصل. وكما أن التواتر إذا رجع إلى آحاد حكم له بحكم الآحاد، إلا أن يكون الإجماع على عمل يوافق حديثا معتلا، فإن الإجماع حكم آخر، وهو الأصل الثالث الذي يرجع إليه، وليس ينظر حينئذ إلى علة الحديث، ولا لضعف الراوي ولا لتركه. ولم يشتهر بالصحة من الكتب التي أخرج أبو القاسم -رَحِمَهُ اللهُ- أحاديثها إلا كتابا الإمامين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن
الحجاج -رحمة الله عليهما-، وسائرها لم يعرف بالصحة ولا اشتهر بها، وإن كان فيها من الصحيح ما لم يجئ في الكتابين، كما أن فيها من السقيم ما يحتاج إلى الكلام فيه، والتنبيه عليه، والتمييز له، وإلا كان قارئه والعامل به يسير في ظلماء، ويخبط في عشواء. مع أن أحاديث في الكتابين قد تكلم فيها، ولم يسلم لصاحبها إخراجها في جملة الصحيح، وإن كان ذلك الإعتراض لا يخرج الكتابين عن تسميتهما بالصحيحين. ومع أن بعض الكلام في تلك الأحاديث تعسف وتشطط، لا يصغى إليه ولا يعرج عليه. وقد أخرجت في هذا الكتاب أحاديث قليلة من كتاب وتركتها في كتاب أشهر من الكتاب الذي أخرجتها منه، ثم نبهت على كونها في ذلك الكتاب المشهور. وإنما فعلت ذلك لزيادة في الحديث أو لبيانه، أو لكماله وحسن سياقه، أو لقوة في سند ذلك الحديث على غيره، ومنها ما فعلته نسيانا، ونبهت على الكل. وقد يكون حديث بإسناد صحيح، وله إسناد آخر أنزل منه في الصحة، لكن يكون لفظ الإسناد النازل أحسن مساقا، أو أبين، فأخذه لا فيه من البيان، وحسمق الساق، إذ المعنى واحد، إذ هو صحيح من أجل الإسناد الآخر، أو يكون حديث تعضده آية ظاهرة البيان من كتاب الله تعالى، فإنه وإن كان معتلا أكتبه لأن معه ما يقويه، ويذهب علته، وهذا النوع المعتذر عنه في هذا المجموع قليل. وجعلت هذا الكتاب مختصر الإسناد ليسهل حفظه، ويقرب تناوله، وتتيسر فائدته إلأ أحاديث يسيرة ذكرت سندها، أو بعضه ليتبين الراوي المتكلم فيه، لأنه ربما كان الراوي لا يعرف إلا حتى يذكر عَمَّن روى، ومن روى عنه، وربما فعلمت ذلك لقرب السند، وربما يكون مما تقدم ذكره، والكلام عليه في موضع آخر، أو
المبحث الثالث: مصادر الكتاب
لغير ذلك، وربما ذكرت من الإسناد رجلا مشهورا يدور الحديث عليه، ويعرف به كما تقدم. وعلى كتاب مسلم فى الصحيح عولت، ومنه أكثر ما نقلت. وإلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- أرغب، ومنه تبارك وتعالى أسأل، وأطلب أن يجعل ذلك خالصا لوجهه، مقربا إليه، مزلفا لديه، وأن يعين على العمل به، والأخذ بما فيه، وأن ييسر لنا طريق النجاة، وسبيل الهداية، وأن يرزقنا طيب الحياة، وكرم الوفاة برحمته، لا رب غيره، وهو المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". المبحث الثالث: مصادر الكتاب: كانت خدمة أبي الحسن بن القطان لكتاب عبد الحق الإشبيلي خدمة جليلة، ومنها أنه في أواخر كتاب "بيان الوهم والإيهام" قام بالترجمة للمصنفين الوارد ذكرهم عند عبد الحق، وقد اتبع منهجا فريدا في ذلك إذ غايته هو تقريب الكتاب لمن ليس من أهل الاختصاص، وهذا ما ييرره ما ذهب إليه من إغفال الترجمة لبعض من انتشر ذكره، واشتهر أمره بين المحدثين، وقد أشار إلى أنه رتب ذكرهم حسب أزمانهم، وهذه أسماء هؤلاء المصنفين: (¬1) - أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار مولى قيس بن مخرمة، هو صاحب المغازي، وأبو عبد الله سفيان ابن سعيد بن مسروق الثوري، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار، ومالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأبو بشر إسماعيل بن إبراهيم، ووكيع بن الجراح بن مليح، وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم، وأبو محمد سفيان بن عيينة، وأبو داود سليمان بن داود الطالسي، وأبو بكر عبد الرزاق بن همام، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو جعفر محمد بن الصباح البزاز، ¬
وَأَسَد بن موسى، المعروف بأسد السنة، وأبو عثمان سعيد بن منصور الخراسانى، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي -وهو ابن أبي شيبة- وأو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المعروف بابن راهوية، وأبو محمد عبد بن حميد الكشي، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ومحمد بن سنجر الجرجانى، وأبو الحسين مسلم ابن الحجاج النيسابوري، وعباس بن محمد الدوري، وأبو داود سليمان بن الأشعت بن إسحاق، وأبو عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي، وأبو بكر أحمد ابن أبي خيثمة زهير بن حرب، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، وأبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي، وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن ثعلبة الخشني، القرطبي، وعلي بن عبد العزيز بن مروان البغوي، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، وأبو عبد الله محمد بن نصر الروزي، وأبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي، وأبو عبد الرحمن أحمد ابن شعيب بن علي النسائي، وأبو يحيى زكرياء بن داود الساجي، وأبو جعفر محمد بن جعفر بن جرير الطبري، وأبو بكر بن أبي داود سليمان بن الأشعث، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الهمداني، وأبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي، وأبو محمد قاسم بن أصبغ البياني، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، وأبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني، وأبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الصري، وأبو محمد الأصيلي، وهو عبد الله بن إبراهيم، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن أحمد الخليلي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع الحاكم، وأبو الحسن محمد بن علي بن صخر الأزدي، البصري، وأبو أحمد الحاكم، وهو: محمد بن محمد بن أحمد الكرابيسي -صاحب كتاب الكنى- وأبو عمر يوسف بن عبد البر الأندلسي، وأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري.
المبحث الرابع: القيمة العلمية للكتاب
وبعد أن أتم ابن القطان ترجمة من تقدموا قال: (وقد فرغنا من ترتيب ما وجدنا في الكتاب الذكور بالترتيب الصناعي، فما بقي من أمثاله وجب إلحاقه به). (¬1) المبحث الرابع: القيمة العلمية للكتاب: تتجلى تيمة هذا الكتاب من شهادات من تعاملوا معه ودرسوه واستفادوا منه وعرفوا قدره، ولا أحد ممن اطلع عليه يجهل قيمته، لا من الفقهاء ولا من المحدثين؛ فإن الجميع قد أفاد منه في مجاله، والمراجع لكتب الرجال المتأخرين- أمثال: "الميزان"، للذهبي، و"لسان الميزان"، لإبن حجر العسقلاني- يلحظ نقولا من كتاب عبد الحق، واعتمادا للأحكام الواردة فيه. (¬2) وأول الشهادات التي ينبغي الرجوع إليها لعرفة قيمة الكتاب وأهميته شهادة من خبره جملة جملة، وتفحصه كلمة كلمة، ونقده واستدرك عليه وهاجمه بعنف أحيانا، وسالمه أخرى؛ وهُو أبو الحسن ابن القطان، وهذا جزء من مقدمة كتابه "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" يبين هذه الحظوة التي كانت لهذا الكتاب في نفسه: "وبعد: فإن أبا محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي، ثم الإشبيلي- رحمة الله عليه- قد خلد في كتابه الذي جمع فيه أحاديث أفعال المكلفين، علما نافعا، وأجرا قائما زكى به علمه، ونجح فيه سعيه، وظهر عليه ما صلح فيه من نيته وصح من طويته، فلذلك شاع الكتاب الذكور وانتشر، وتلقي بالقبول، وحق له ذلك، لجودة تصنيفه، وبراعة تأليفه، واقتصاده، وجودة اختياره، فلقد أحسن فيه ما شاء، وأبدع فوق ما أراد، وأربى على الغاية وزاد، ودل منه على حفظ وإتقان، وعلم وفهم واطلاع واتساع. ..)) (¬3) ¬
وقد كان كتاب الأحكام مطمحا لكل عالم أو متعلم حتى انتشر بين جميع الناس، واستفاد منه المحدثون، والفقهاء، والتكلمون، والأصوليون، كل بدرجة معينة، ولذلك قال أبو الحسن بن القطان: (لذلك لا تجد أحدا سعى إلى نوع من العلوم الشرعية إلا والكتاب الذكور عنده، أو نفس 5 متعلقة به، قد حداهم حسن تأليفه إلى الإكباب عليه وإيثاره، وخاصة من لا يشارك في طلبه بشيء من النظر في علم الحديث؛ من فقهاء ومتكلمين وأصوليين، فإنهم الذين قد قنعوا به ولم يبتغوا سواه)). (¬1) ولا ترجم الذهبي لعبد الحق الإشبيلي، قال بشأن كتب "الأحكام": (وسارت بـ"أحكامه الصغرى" و"الوسطى" الركبان. وله "أحكام كبرى" قيل هي بأسانيده، فالله أعلم). (¬2) وقد جرى عمل الفقهاء المتأخرين على عد الكتاب من وسائل وأدوات الإجتهاد؛ فمن ذلك أن قاضي الجماعة: ابن عبد السلام -شيخ ابن عرفة- في شرحه على "مختصر ابن الحاجب" قال: "ومواد الإجتهاد في زماننا أيسر منها في زمان التقدمين لو أرإد الله بنا الهداية، لأن كتب الأحاديث والتفاسير دونت، وكان الرجل يرحل في سماع الحديث الواحد". ويعقب عليه ابن عرفة بقوله: (وما أشار إليه ابن عبد السلام من يسر الإجتهاد يساعد عليه مثل قراءة "الجزولية" في النحو، والكتب الفقهية، والإطلاع على أحاديث "الأحكام الكبرى" لعبد الحق، ونحو ذلك يكفي في تحصيل آلة الإجتهاد، مع الإطلاع على فهم مشكل اللغة بـ "مختصر العين" و"صحاح الجوهري" ونحو ذلك من غريب الحديث، سيما مع نظر ابن القطان، وتحقيقه ¬
المبحث الخامس: الأعمال العلمية الموضوعة على كتب الأحكام
أحاديث الأحكام). (¬1) والذي يرجع إلى كثير من كتب الفروع الفقهية المتأخرة يجدها ترجع من حين لاَخر لعبد الحق الإشبيلي ناقلة عنه، أحاديث من كتبه معتمدة على كلامه فيها، ومن هذا القبيل كثرة نقول ابن عرفة في مختصره، وغالبا ما ينقل عن ابن الخراط من كتاب الأحكام، مذيلا على نقله بقوله: تعقبه ابن القطان، أو لم يتعقبه. المبحث الخامس: الأعمال العلمية الموضوعة على كتب الأحكام: من أوجه الإهتمام بكتب الأحكام لعبد الحق ما وضع من المصنفات عليها، ما بين ناقل، أو ناقد، أو مستدرك، أو شارح، أو مختصر ... وقد تنوع أصحاب هذه المصنفات في التعامل مع كتب الأحكام الثلاثة عموما، وكتاب الوسطى خصوصا، تارة بالنقل والإعتماد لما فيها من تصحيح وتضعيف، أو تعديل وتحريح، وأخرى بالنقد والإستدراك، وثالثة بالشرح أو الإختصار. (¬2) وهذه بعض هذه المؤلفات: - استدراك للقاضي محمد بن عبد الله بن طاهر الحسيني الفاسي، أبو عبد الله، اشتهر بـ (ابن الصيقل) (ت 608) قال ابن عبد اللك: (استدرك على "الأحكام الكبرى" لعبد الحق، أحاديث كثيرة في أكثر الكتب، رأى أن أبا محمد أغفلها، وأنها أولى بالذكر مما أورده أبو محمد في ¬
الأحكام، دل ذلك على حسن نظره وجودة اختياره). (¬1) لكن أشهر هذه المصنفات وأكثرها فائدة وعلما وتتبعا وتمحيصا هو: مصنف أبي الحسن بن القطان على هذا الكتاب: "بيان الوهم والإيهام، الواقعين في كتاب الحكام لعبد الحق الإشبيلي"، ومصنف ابن المواق: "بغية النقاد". ¬
الفصل الثالث كتاب بيان الوهم والإيهام
الفصل الثالث كتاب بيان الوهم والإيهام المبحث الأول: اسم الكتاب وأبوابه المبحث الثاني: على أي كتاب من كتب الأحكام الثلاثة وضع كتاب البيان؟ المبحث الثالث: بيان منهج ابن القطان في بيان الوهم والإيهام
المبحث الأول فى اسم الكتاب وأبوابه
المبحث الأول فى اسم الكتاب وأبوابه: اسم هذا الكتاب هو: (بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام)، هكذا ذكره طائفة ممن ترجم لأبي الحسن بن القطان (¬1). وهو كذلك في نسخة القرويين للكتاب. (¬2) وقد يذكر الكتاب مختصرا بـ (الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام) (¬3)، كما يرد بـ (الوهم والإيهام) فقط، وهذا الإختصار الأخير هو الشائع عند كثير ممن نقل عن الكتاب أو استفاد منه، كالحافظ الذهبي وغيره. (¬4) وهذا الإسم الذي سمي به ابن القطان كتابه ينطبق تماما على محتواه، حيث إنه قسمه إلى قسمين: - القسم الأول منهما لتتبع عبد الحق الإشبيلي في أوهامه الراجعة إلى نقوله؛ سواء من حيث التحويف في النقل، أو التصحيف، وما يليه، وهذه هي التي عبر عنها بـ (الوهم). وهذا القسم يندرج تحته اثنى عشر بابا، كل باب يتناول فيه ما تجمع لديه من نفس الوهم من خلال كتاب الأحكام بكامله، وهذه الأبواب هي: 1 - باب الزيادة في الأسانيد. 2 - باب النقص من الأسانيد. ¬
3 - باب نسبة الأحاديث إلى غير رواتها. 4 - باب ذكر أحاديث يوردها من موضع عن راو ثم يردفها زيادة أو حديثا من موضع آخر موهما أنها عن ذلك الراوي، أو بذلك الإسناد، أو في تلك القصة، أو في ذلك الوضع، وليس كذلك. 5 - باب ذكر أحاديث يظن من عطفها على أخر، أو إردافها إياها أنها مثلها في مقتضياتها، وليست كذلك. 6 - باب ذكر أشياء متفرقة تغيرت في نقله، أو بعده عما هي عليه. 7 - باب ذكر رواة تغيرت أسماؤهم وأنسابهم في نقله عما هي عليه. 8 - باب ذكر أحاديث أوردها ولم أجد لها ذكرا، أو عزاها إلى مواضع ليست هي فيها، أو ليست كما ذكر. 9 - باب ذكر أحاديث أوردها على أنها مرفوعة وهي موقوفة أو مشكوك في رفعها. 10 - باب ذكر أحاديث أوردها موقوفة وهي في المواضع التي نقلها منها مرفوعة. 11 - باب ذكر أحاديث أغفل نسبتها إلى المواضع التي أخرجها منها. 12 - باب ذكر أحاديث أبعد النجعة في إيرادها، ومتناولها أقرب أو أشهر. أما القسم الثاني فيعود إلى ما وقع فيه عبد الحق من أوهام متعلقة بنظره من تصحيح ما هو ضعيف، أو تضعيف ما هو صحيح، أو تعليل ما هو سالم من العلة، أو سكوته عما هو ضعيف ... وتحته واحد وعشرون بابا؛ لكن الذي يتعلق بمصطلح (الإيهام) تسعة عشر بابا، والبابان الأخيران يمكن إدراجهما في خدمة ابن القطان للكتاب لتيسير الإستفادة منه لعموم العلماء والمحدثين وطلبة العلم، فهما بمثابة فهارس علمية لكتاب الأحكام، وهي كالآتي:
1 - باب ذكر أحاديث أوردها على أنها متصلة وهي منقطعة أو مشكوك في اتصالها. وضمن هذا الباب أربعة مدارك هي: المدرك الأول لإنقطاع الأحاديث في هذا الباب. المدرك الثاني لإنقطاع الأحاديث في هذا الباب. المدرك الثالث لإنقطاع الأحاديث في هذا الباب، وهو العلم بتاريخ الراوي والمروي عنه. المدرك الرابع لإنقطاع الأحاديث وهو أن يكون الإنقطاع مصرحا به في أسانيدها. 2 - باب ذكر أحاديث ردها بالإنقطاع وهي متصلة. 3 - باب ذكر أحاديث ذكرها على أنها مرسلة لا عيب لها سوى الإرسال، وهى معتلة بغيره، ولم يبين ذلك فيها. 4 - باب ذكر أحاديث أعلها برجال وفيها من هو مثلهم أو أضعف أو مجهول لا يعرف. 5 - باب ذكر أحاديث أعلها بما ليس بعلة، وترك ذكر عللها. 6 - باب ذكر أحاديث عللها ولم يبين من أسانيدها مواضع العلل. 7 - باب ذكر أحاديث سكت عنها مصححا لها وليست بصحيحة. 8 - باب ذكر أحاديث سكت عنها، وقد ذكر أسانيدها، أو قطعا منها، ولم يبين من أمرها شيئا. 9 - باب ذكر أحاديث أتبعها منه كلاما يقضي ظاهره بتصحيحها، وليست
بصحيحة. 10 - باب ذكر أحاديث أتبعها منه كلاما لابين منه مذهبه فيها، فبين أحوالها من صحة أو سقم أو حسن. 11 - باب ذكر أحاديث أوردها على أنها صحيحة أو حسنة، وهي ضعيفة من تلك الطرق صحيحة أو حسنة من غيرها. 12 - باب ذكر أحاديث ضعفها من الطرق التي أوردها منها، وهي ضعيفة منها، صحيحة أو حسنة من طرق آخر. 13 - باب ذكر أحاديث ضعفها، وهي صحيحة أو حسنة، وما أعلها بلا ليس بعلة. 14 - باب ذكر أحاديث ضعفها، ولم يبين بماذا، وضعفها إنما هو الإنقطاع أو توهمه. 15 - باب ذكر أمور جميلة من أحوال رجال يجب اعتبارها، فأغفل ذلك أو تناقض فيه. 16 - باب ذكر رجال لم يعرفهم، وهم ثقات، أو مختلف فيهم. 17 - باب ذكر أحاديث عرف ببعض رواتها فأخطأ في التعريف بهم. 18 - باب ذكر رجال ضعفهم بما لا يستحقون، وأشياء ذكرها عن غيره، وهي محتاجة إلى التعقيب. 19 - باب ذكر أحاديث أغفل منها زيادات مفسرة، أو مكملة أو متممة. 20 - باب ذكر المصنفين الذين أخرج عنهم في كتابه، ما أخرج من حديث أو تعليل أو تجريح أو تعديل.
المبحث الثاني: على أي كتاب من كتب الأحكام الثلاثة وضع كتاب بيان الوهم والإيهام؟
21 - باب ذكر مضمن كتاب الإشبيلي على نسق القصنيف. (¬1) وبهذا يكون الكتاب قد اشتمل على ثلاثة وثلاثين بابا، ضمن قسميه: الوهم، والإيهام. المبحث الثاني: على أي كتاب من كتب الأحكام الثلاثة وضع كتاب بيان الوهم والإيهام؟ وكتاب "بيان الوهم والإيهام" موضوع على "الأحكام الوسطى"، ومن عادة ابن القطان أنه يرجع من حين لآخر إلى "الأحكام الكبرى" إن احتاج إلى ذلك، للنظر في سند حديث، أو تتبع روايات ... وكثيرا ما ينعت هذا الأخير بالكتاب الكبير، لكن التعقيب منه دائما جار على الوسطى. (¬2) وقد أفاد وأجاد فضيلة الدكتور إبراهيم بن الصديق في بيان أن "بيان الوهم" قد وضع على "الوسطى" ولم يُيق في ذلك شكا ولا رييا لمرتاب. (¬3) ومن الغريب أن نجد بعض أهل العلم -حتى من القدماء- يخلطون في المسألة. فأبو العباس الغبريني (ت 714) يرى أن كتاب "البيان"، لأبي الحسن بن القطان موضوع على الصغرى، حيث قال: (وقد كتب أبو عبد الله بن القطان مزوار الطلبة بالمغرب على "الأحكام الصغرى" نكتا واستلحاقا ..). (¬4) ¬
ولعل أبا عبد الرحمن الظاهري تبع الغبريني في هذا الوهم أولا، حتى تبين له الصواب ثانيا، فأخذ به. يقول أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري: (تقصيت ترجمة ابن القطان، وتأملت مواقف عنايته بعبد الحق في "بيان الوهم والإيهام" فما وجدت له إشارة إلى شرح لأحد أحكام عبد الحق، فتيقنت أن المراد بالشرح انتقاد ابن القطان للأحكام الصغرى بكتابه الوهم والإيهام). (¬1) لكن أبا عبد الرحمن الظاهري تبين له أخيرا أن كتاب "بيان الوهم والإيهام" موضوع على الوسطى، وهذا ما صرح به ثانية. (¬2) وبما تقدم بيانه يتبين أن من قال بأن "بيان الوهم" موضوع على الكبرى، ليس بمخطئ، وإن كان المقام يستدعي البيان، سيما واسم "الكبرى" مشترك: حيث وضع للكبرى أصلا وأطلق على الوسطى، وانتشر هذا الإطلاق الثاني للوسطى حتى غلب على أصل التسمية. وممن ذكر أنه موضوع على الكبرى دون أن بببن: أبو جعفر الكتاني؛ وهذا نص كلامه: (كتاب الأحكام الشرعية الكبرى ... في ست مجلدات انتقاها من كتب الأحاديث، وقد وضع عليها الحافظ الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الحميري الكتامي، العروف بابن القطان ... كتابه المسمى: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام"). (¬3) ¬
المبحث الثالث: بيان منهج ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام
المبحث الثالث: بيان منهج ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام: تمهيد: سلك الحفاظ المتقدمون طرقا ثلاثة في تصانيفهم: - طائفة سطرت في مقدمة كتابها مُضَمَّنه، وفصلت المنهج الذي ستسير عليه فيه، حتى يتبين للقارئ المهيع المسلوك، وبالتالي لا يقع اختلاف في مقاصد ومرامي المؤلف. - طائفة ثانية انتقلت في تأليفها مباشرة إلى ما ترمي إليه، دون بيان منهج التصنيف فيه، أو تفاصيله، وهذه كلفت القارئ بالبحث عن المنهج، وحملته عبء استقراء النصوص، وقراءة المرامي والمقاصد من خلال المصنَّف نفسه. - وطائفة ثالثة وسط بين الطائفتين؛ لا هي فصلت المنهج وبيئته بيانا شافيا، ولا هي تركت الأمر غفلا، وهؤلاء ألمعوا إلماعا إلى منهجهم معتمدين في تبيان بقيته على فطنة القارئ ومعرفته وتمرسه بمناهج المصنفين في كتبهم المختلفة. وصاحبنا ابن القطان من الطائفة الأولى التي لم تترك القارئ في حيرة من أمره، ولذا تجده يضع مقدمة لكتابه يسطر فيها منهجه فيه، ويضع بين يدي القارئ صورة مجملة لمضمن الكتاب والأبحاث المتناولة فيه، وهذا نص هذه المقدمة: (¬1) "الحمد لله كما يحق له ويجب، والصلاة والتسليم على محمد نبيه المصطفى المنتخب وبعد؛ فإن أبا محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي، ثم الإشبيلي -رحمة الله عليه- قد خلد في كتابه الذي جمع فيه أحاديث أحكام أفعال المكلفين علما نافعا وأجرًا قائما، زكا به علمه، ونجح فيه سعيه، وظهر عليه ما صلح فيه من نيته، وصح من طويته، فلذلك شاع الكتاب المذكور وانتشر ¬
وتلفي بالقبول، وحق له ذلك لجودة تصنيفه، وبراعة تأليفه واقتصاده وجودة اختياره، فلقد أحسن فيه ما شاء، وأبدع فوق ما أراد، وأربى على الغاية وزاد، ودل منه على حفظ وإتقان، وعلم وفهم واطلاع واتساع، فلذلك لا تجد أحدا ينتمي إلى نوع من أنواع العلوم الشرعية، إلا والكتاب المذكور عنده، أو نفسه متعلقة به، قد حداهم حسن تأليفه إلى الاكباب عليه وإيثاره، وخاصة من لا يشارك في طلبه بشيء من النظر في علم الحديث من فقهاء ومتكلمين وأصوليين، فإنهم الذين قد قنعوا به، ولم يبتغوا سواه، حتى لربما جر عليهم جهالات -ضرهم بها، كما نفع غيرهم ممن ينظر في هذا العلم- منها: اعتقاد أحدهم أنه لو نظر في كتب الحديث نظر أهله، فرواها وتفقد أسانيدها، وتعرف أحوال رواتها فعلم بذلك صحة الصحيح، وسقم السقيم، وحسن الحسن، فإنها كثير مما احتوى عليه الكتاب المذكور من مشتت الأحاديث التي لا يحتوي عليها إلا ما يتعذر على الأكثر من الناس جمعه، وهذا ممن اعتقده غلط، بل إتقان كتاب من كتب الحديث وتعرفه كما يجب، يحصل به أكثر ما يحصل الكتاب المذكور من صناعة النقل. فإنه ما من حديث يبحث عنه حق البحث، إلا ويجتمع له من أطرافه، وضم ما في معناه إليه، والتنبه إلى ما يعارضه في جميع ما يقتضيه، أو بعضه، أو يعاضده ومعرفة أحوال نقلته وتواريخهم ما يفتح له في آلاف من الأحاديث. وكذلك يجب عليه أيضا اعتقاد أن ما ذكره من عند البخاري مثلا لابد فيه من البخاري، وما علم أنه ربما يكون عند جميعهم، وما ذكره من عند أبي داود ربما ليس هو عند الترمذي أو النسائي ولذلك ذكره من عند أبي داود، وما علم أنه ربما لم يخل منه كتاب. وكذلك أيضا يجر عليهم تحصيل الأحاديث منه غاية التشتت، بحيث يتعرض للغلط في نسبتها إلى مواضعها بأدنى غيبة عنها. ولذلك ما ترى المشتغلين به الآخذين أنفسهم بحفظه ينسبون إلى مسلم ما ليس عنده، وإلى غيره ما لم
يذكر كذلك. وربما شعر أحدهم بأنه بذلك مدلس كتدليس من يروي ما لم يسمع عمن قد روى عنه من حيث يوهم قوله: ذكر مسلم أو البخاري كذا، أنه قد رأى ذلك في موضعه ونقله من حيث ذكر، فيتحرج من ذلك أحدهم فيحوجه ذلك إلى أن يقول: ذكره عبد الحق، فحصل من ذلك فى مثل ما يحصل فيه من يذكر من النحو مسألة هي في كتاب سيبويه، فيقول: ذكرها المهدوي فى التحصيل، أو مكي في الهداية، أو يذكر مسألة من الفقه هي في أمهات كتبه، فينسبها إلى متأخري الناقلين منها، بخلاف ما يتحصل الأمر عليه في نفس قارئ كتاب مسلم وأبي داود مثلا، فإنه يعلم الأبواب مرتبة مصنفة، وأطرافها من غيره، وما عليها من زيادات أو معارضات أو معاضدات مرتبة عليها في خاطره، بحيث لا يختل، ولا يتثبج إلا في الندرة. والذي يحصل من علم صحة هذا الذي وصفناه للمزاول أكثر وأبين مما وصفنا منه. فالكتاب المذكور من حيث حسنه وكثرةُ ما فيه، قد جر الإعراضَ عن النظر الصحيح والترتيب الأول من تحصيل الشيء من معدنه، وأخذه من حيث أخذه هو وغيره، هذا على تقدير سلامته من اختلال نقل، أو إغفال أو خطأ في نظر أهل هذا الشأن. فأما والأمر على هذا فقد يجب أن يكون نظر من يقرِؤه وبحثه أكثر وأكبر من بحث من يقرأ أصلا من الأصول، لا كما يصنعه كثير ممن أكب عليه من اعتمادهم على ما نقل، وتقليدهم إياه فيما رأى، وذهب إليه من تصحيح أو تسقيم، وقد يعمم بعضهم هذه القضية في جميع نظر المحدث ويقول: إنه كله تقليد.
وإن غاية ما ينتهي إليه الناظر بنظرهم تقليد معدل أو مجرح، فهو كتقليد مصحح أو مضعف للحديث، وهذا ممن يقوله خطأ، بل ينتهى الأمر بالمحدث إلى ما هو الحق من قبول الرواية، ورد الرأي، فهو لا يقلد من صحح ولا من ضعف، كما لا يقلد من حرم ولا من حلل، فإنها في العلمين مسائل مجتهدة، لكنه يقبل من رواية العدل الناقل له من أحوال من روى عنه الحديث ما يحصل عنده الثقة بنقله أو عكس ذلك. ونقلهم لذلك إما مفصلا، وإما مجملا بلفظ مصطلح عليه، كألفاظ التعديل والتجريح فإنهم قد تواضعوا عليها بدلا من التطواف على جزيئات الأحوال، وتأديتها على التفصيل، فلما كان يحصل لنا من نقل العدل إذا قال لنا: إن فلانا كان ورعا حافظا ضابطا فهما عالما أن فلانا المذكور مقبول الرواية، مرجح جانب صدقه على جانب كذبه، فكذلك يحصل لنا ذلك إذا قال لفظا من الألفاظ المصطلح عليها. ولبيان هذا المعنى والإنفصال عما يعترض به عليه مواضعه. ولما كان الحال على ما وصفت من احتواء الكتاب المذكور على ما لا يعصم منه أحد، ولا سيما من جَمَع جَمْعَه وأكثر إكثاره، وكفى المرء نبلا أن تعد معايبه. تجردت لذكر المعثور عليه من ذلك، فذكرته مقيدا به، وممثلا لما لم أعثر عليه من نوعه، إذ الإحاطة متعذرة، وانحصر في ذلك في أمرين، وهما نقله ونظره. أما نقله ... (¬1) فجميع هذا القسم إيهام منه لصحة سفيم أو سقم صحيح، أو لإتصال منقطع، أو لإنقطاع متصل، أو لرفع موقوت، أو لوقوت مرفوع، أو لثقة ضعيف، أو لضعيف ثقة، أو لتيقن مشكوك، أو لتشكك في مستيقن، إلى غير ذلك من مضمنه. ¬
وباعتبار هذين القسمين من الأوهام والإيهامات سميته: (كتاب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام). والباب الذي لذكر الزيادة المفسرة أو الكملة هو باب يتسع ويكثر مضمنه، ولم نقصده بالجمع، فالذي ذكرنا فيه إنما هو التييسر ذكره، ولعلنا نعثر منه على الأكثر بعد إن شاء الله. وقد كنت شرعت في باب أذكر فيه ما ترك ذكره من الأحاديث الصحاح الفيدة أحكاما لأفعال المكلفين -لست أعني ما ترك من حسن أو ضعيف، فإن هذا قد اعترف هو بالعجز عنه وهو فوق ما ذكر، بل من قسم الصحيح- فرأيته أمرا يكثر ويتعذر الإحاطة به، ورأيت منه كثيرا لا أشك في أنه تركه قصدا بعد العلم به والوقوف عليه، وعلمت ذلك؛ إما بأن رأيته قد كتبه في كتابه الكبير الذي يذكر فيه الأحاديث بإسنادها، الذي منه اختصر هذا، وإما بأن يكون مذكورا في باب واحد من مصنف، أو في حديث صحابي واحد من مسند مع ما ذكر هنا، فعلمت أنه ترك ذلك قصدا خطأ أو صوابا، فأعرضت عن هذا المعنى، وهو أيضا إذا تعرض له لا يصلح أن يكون باب من كتاب، بل ديوانا قائما بنفسه، يتجنب فيه ما ذكره هو فقط، وقد يظن ظان أن كتابنا هذا مقصور الإفادة على من له بكتاب أبي محمد عبد الحق اعتناء، فذلك الذي يستفيد منه إصلاح خلل، أو تنبيها على مغفل، وهذا الظن ممن يظنه خطأ. بل لوكان كتابنا قائما بنفسه، غير مشير إلى كتاب أبي محمد المذكور كان بما فيه من التنبيه على نكت حديثية، خلت عنها وعن أمثالها الكتب، وتعريف برجال يعز وجودهم، ويتعذر الوقوف على المواضع التي استفدنا أحوالهم منها، وأحاديث أفدنا فوائد في متونها، أو في أسانيدها، وعلل نبهنا عليها، وأصول أشرنا إليها، أفيد كتاب وأعظم ثمرة تجتنى. ومن له بهذا الشأن اعتناء يعرف صحة ما قلت: وقد كاد يكون مما لم نسبق إلى مثله في الصناعة الحديثية، وترتيب النظر فيها المستفاد، بطول البحث، وكثرة
المباحثة والمناظرة والمفاوضة وشدة الإعتناء، ووجود الكتب التعذر وجودها على غيرنا مما تيسر الإنعام به من الله سبحانه علينا له الحمد والشكر. فليس في كتاب أبي محمد عبد الحق حديث إلا وقد وقفت عليه في الموضع الذي نقله منه، بل وفي مواضع لم يرها هو قط، بل لعله ما سمع بها، إلا أحاديث يسيرة جدا لم أقف عليها في مواضعها، ولم آل جهدا، ولا أدعي سلامة من الخطأ لكني أتيت بالمستطاع، فإن أصبت فأرجو تضعيف الأجر، والله يعفو عن الزلل، ويتفضل بأجزال ثواب بذل المجهود، ولا حول ولا قوة إلا به، وهذا حين أبتدئ مستعينا بالله سبحانه". اهـ
الباب الثاني ابن المواق وكتابه "بغية النقاد"
الباب الثاني ابن المواق وكتابه "بغية النقاد" الفصل الأول: التعريف بابن المواق ومكانته العلمية الفصل الثاني: أنواع التعقبات في كتاب بغية النقاد الفصل الثالث: موارد ابن المواق في بغية النقاد الفصل الرابع: جهود ابن المواق في علوم الحديث الفصل الخامس: متفرقات
الفصل الأول التعريف بابن المواق ومكانته العلمية
الفصل الأول التعريف بابن المواق ومكانته العلمية تمهيد: ندرة ترجمة ابن المواق وآثار ذلك على الباحثين المبحث الأول: اسم ونسب ابن المواق المبحث الثاني: البيئة العلمية التي نشأ بها ابن المواق المبحث الثالث: شيوخ ابن المواق المبحث الرابع: تلاميذ ابن المواق المبحث الخامس: المذهب الفقهي لإبن المواق المبحث السادس: المكانة العلمية لإبن المواق المبحث السابع: ابن المواق والتصحيح والتضعيف المبحث الثامن: ابن المواق وعلم الجرح والتعديل المبحث التاسع: ابن المواق وعلم علل الحديث المبحث العاشر: مصنفات ابن المواق المبحث الحادي عشر: تأكيد نسبة بغية النقاد لإبن المواق
تمهيد عام بين يدي ترجمة ابن المواق: من الملاحظ أن ترجمة ابن المواق شحيحة ونادرة، ولم تتناولها المصادر والمراجع بالشكل الذي يسمح بإعطاء صورة واضحة العالم عن هذه الشخصية العلمية الفذة، فليس لدينا ما يمكن أن نركب منه الجوانب المكونة لهذا النبوغ الذي كان لديه في علم الحديث، وغيره من العلوم التي شارك فيها. ندرة ترجمة ابن المواق في المصادر، وآثار ذلك على الباحثين: لو رجعنا إلى المصادر التي ترجمت لأبي عبد الله بن المواق، لما وجدنا ما يشفي الغليل في هذا الصدد، بل لعل أفضل من ترجمه هو ابن عبد اللك في "الذيل والتكملة لكتاب موصول الصلة"، ولم تصل فيه ترجمته لأكثر من صفحة ونصف، وحتى صاحب "الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام" لما تناول التعريف به لم يرد على نقل هذه الترجمة بنصها من "الذيل والتكملة"، اللهم إلا ما كان من التعريف بوالد المترجم، وذكر بعض شيوخه، وتسليط الضوء على بعض ما كان يتمتع به من مكانة علمية ... كل ذلك في إيجاز واقتضاب. أما غير هذين المصدرين فلا يعرج على ابن المواق إلا من خلال الكلام على كتابه "بغية النقاد"، أو"المآخذ الحفال ... "، أو نقول عنه وعزوها له ... وقد كان لهذا الشح في هذه الترجمة نتائج على التعريف به، نضرب لذلك أمثلة، منها: - عدم معرفته بالمرة عند بعض رجال العلم، ولا أقول من طرف المشارقة فحسب، بل حتى من طرف أقرب الناس إليه -أعني المغاربة- أسوق لذلك مثالا، فهذا محمد بن الحسين العراقي الحسني، الأستاذ بكلية القرويين وأمين خزانتها - لما قام بالتعليق على شرح الحافظ العراقي لألفيته المسمى بالتبصرة والتذكرة، وكذا على فتح الباقي للحافظ زكرياء الأنصاري، والتعريف بالأعلام الواردة في
الشرحين المذكورين قال في شأن الامام ابن المواق: "ابن المواق الحافظ، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر: هكذا في جل شروح الألفية، ولم أقف على من ترجمه في الكتب المعتمدة في التراجم". اهـ (¬1) - عدم ضبط اسم والده عند طائفة من الباحثين، إذ بعضهم قال فيه: (يحيى) (¬2)، بينما اسمه: (أبو بكر)، وكنيته: (أبو يحيى). (¬3) - بل أكثر من هذا نجد بعضهم زاد إغراقا في الخلط بين مترجمنا: ابن المواق، وبين المواق الفقيه، رغم أن المواق ليس من طبقة الأول: ولا يشترك معه لا في اسمه، ولا في نسبه، ولا فيما اشتهر به من علم، فالمواق اسمه: محمد بن يسوف، (¬4) وقد اشتهر بالفقه، وهو الذي شرح "مختصر خليل" ... وصاحب كتاب "سنن المهتدين في مقامات الدين". وكانت وفاته سنة 897، وممن تنبه إلى هذا الأمر، أبو سالم العياشي، فقد ذكر أنه اطلع على نسخة من "تكملة ابن الأبار"، جاء في هامشها -بخط ¬
الإمام أبي عبد الله القصار- عند الكلام على عبد الحق الإشبيلي وابن القطان الفاسي ما نصه: (وتعقب الناقد المحقق أبو عبد الله المواق كتاب شيخه ابن القطان ... تعقبا ظهر فيه نبله). اهـ فقال أبو سالم العياشي تعفيبا على ذلك: (فظن بعض الأصحاب أن المراد به الواق شارح المختصر، فاستبعد ذلك، فلما ظفرت بهذا (أي كتاب المآخذ الحفال ... . لإبن المواق) علمنا أنه غيره). اهـ (¬1) وممن تنبه إليه كذلك محمد بن جعفر الكتاني حيث قال: (وابن المواق هذا غير محمد بن يوسف المواق شارح مختصر خليل خلافا لما قد يتوهم). (¬2) ووقع في هذا الوهم حاجي خليفة (¬3) وتبعه في ذلك إسماعيل باشا. (¬4) ونفس الوهم نجده عند كثير من الباحثين المعاصرين الذين ذاع صيتهم، وكثر النقل عنهم، واعتمدت أحكامهم عند طائفة كبيرة من الناس. (¬5) ¬
المبحث الأول: اسم ونسب ابن المواق (583 - 642 هـ)
المبحث الأول: اسم ونسب ابن المواق (583 - 642 هـ) محمد بن أبي يحيى (¬1)، أبي بكر بن خلف بن فرج بن صاف الأنصارين مراكشي، قرطبي الأصل قديما، فاسيه حديثا، كنيته أبو عبد الله، اشتهر بابن المواق. ولد ابن المواق في سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة، بمراكش، وبها نشأ وتعلم، وبها توفي سنة اثنتين وأربعين وست مائة. (¬2) توليه القضاء: استقضي من طرف الموحدين ببلنسية أولا، ثم بفاس بعدها. (¬3) ¬
المبحث الثاني: البيئة العلمية التي نشأ بها ابن المواق
المبحث الثاني: البيئة العلمية التي نشأ بها ابن المواق تمهيد: خير ما يعرفنا بالبيئة العلمية التي نشأ بها ابن المواق هو تسليط الضوء على الحياة العلمية لوالده، وسأتعرض لذلك من خلال بعض وصفه به العلماء، وكذا دفاعه عن المذهب المالكي عند الخليفة، كما أترجم لشيوخه وتلاميذه. التعريف بوالد ابن المواق: (-599 هـ) اسمه: أبو بكر بن خلف الأنصاري، وكنيته أبو يحيى، ويعرف بالمواق، كما يعرف بابن صاف. أصله من قرطبة، وسكن مدينة فاس، قال فيه ابن الأبار: (وكان حافظا حافلا في علم الفقه والخلاف فيه، ملازما للتدريس، تام النظر لا يدانيه أحد في ذلك، وله تنبيهات ومقالات مفيدة، منها: "المكاييل والأوزان"، وعني بالحديث على جهة التفقه والتعليل والبحث عن الأسانيد والرجال والزيادات وما يعارض وما يعاضد، ولم يعن بالرواية). (¬1) كان أبو بكر المواق حريصا على العمل بالسنة النبوية، يجيب من دعاه، ويشيع الجنائز، ويأتي أنواع الطاعات والقربات. (¬2) حظي أبو بكر بخدمة السلطان بمراكش، فنال دنيا عريضة، واعتقل أموالا جليلة، وولي قضاء مدينة فاس، وتوفي بها، وهو يتولاه في آخر شوال من سنة تسع وتسعين وخمس مائة، ودفن بداره المعروفة به من درب ابن صافي في داخلها. (¬3) ¬
أبو بكر المواق ودفاعه عن المذهب المالكي: كانت دولة المرابطين ترعى المذهب المالكي وتلتزم بفروعه الفقهية، في حين قامت دولة الموحدين على نبذ التقليد في الفقه والتوجه إلى الإجتهاد وأخذ الأحكام مباشرة من الكتاب والسنة، ومن ثمة كان للدولة الموحدية صلات وثيقة بالمهيع العام في الفكر الظاهري، تتجلى في نوع من التعاطف مع هذا المذهب، وفي هذا الصدد تروى قصة عن أبي عبد الله بن زرقون المدافع عن المذهب المالكى أمام الخليفة عبد المومن الموحدي في مناظرته ... : "أراد (أي عبد المومن) حمل الناس على كتب ابن حزم، فعارضه فقهاء وقته، وفيهم أبي يحيى بن المواق -وكان أعلمهم بالحديث والمسائل- فلما سمع ذلك لزم داره وأكب على جمع المسائل المنتقدة على ابن حزم حتى أتمها -وكان لا يغيب عنه- فلما أتمها جاء إليه، فسأله عن حاله وغيبته -وكان ذا جلالة عنده ومبرا له- فقال له: يا سيدنا، قد كنت فى خدمتكم، لما سمعتكم تذكرون حمل الناس على كتب ابن حزم، وفيها أشياء أعيذكم بالله على حمل الناس عليها، وأخرجت له دفترا، فلما أخذه الأمير جعل يقرؤه ويقول: أعوذ بالله أن أحمل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -على هذا". (¬1) شيوخ أبي يحيى المواق: ما كان لمثل والد ابن المواق أبي يحيى أن يكون له شيوخ قلة، ولكن المصادر التي بين يدي شحيحة في هذا الباب، إذ لم يذكر له فيها إلا أبا الربيع بن سالم، وأبا إسحاق بن قرقول، وأبا عبد الله بن الرمامة، وأبا الربيع سليمان بن عبد الرحمن التلمساني. ¬
1 - أبو الربيع بن سالم: هو: سليمان بن موسى بن سالم (¬1)، عرف بمشيخته لأبي بكر بن صاف، وممن ذكر ذلك: ابن الزيات في تشوفه. (¬2) 2 - أبو إسحاق بن قرقول: من شيوخ ابن قرقول محمد بن خلف بن موسى الأنصاري، الأوسي (¬3)، وممن روى عنه: أبو بكر ابن صاف، (¬4) وسمع منه بسلا محمد بن أحمد بن محمد بن خلف بن مفرج العمي البربري، (¬5) وحضر مجلسه بمالقة عبد الله بن أيوب الأنصاري، أبو محمد المعروف بابن فروج. (¬6) 3 - أبو عبد الله بن الرمامة (479 - 567 هـ) هو: محمد بن علي بن جعفر بن أحمد القيسي، ويكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الرمامة، أصله من قلعة بني حماد من حوز بجاية، وبها نشأ وتأدب، وروى بها عن الفقيه أبي إسحاق إبراهيم بن حماد. وبالجزائر عن خاله أبي الحسن على ابن طاهر بن محشرة. ودخل الأندلس في تحوله قبل طالبا للعلم، سمع عَلَى أبي يحيى وغيره، وأخذ عن أبي الوليد بن طريف، وأبي محمد بن عتاب، وابن رشد، وروى بالعدوة عن أبي محمد عبد الله المقري -من أهل مقرة ببلاد إفريقية- وأبي حفص التوزري، وابن النحوي، وغيرهم، وروى عنه أبوا إسحاق بنا المحمدين: ابن عبد الله الفهري، والأنصاري أبو شامة، وأباء الحسن: ابن محمد بن خيار، وابن عتيق بن مومن، وأبو ذر الخشني، وأبو يحيى أبو بكر بن ¬
المواق، وألف كتاب تسهيل الطلب في تحصيل المذهب، وكتاب التبيين في شرح التلقين، وغير ذلك، واختصر كتاب الإحياء لأبي حامد، غلبت عليه علوم الدراية على الرواية لشغفه بالعلوم النظرية، فعكف على تحصيلها حتى صار رأسا فيها، ولي قضاء فاس مدة، ثم صرف عنه، وكان حسن السيرة، عادلا في أحكامه، فاضلا زاهدا، حسن الطوية، واشتغل في أواخر عمره بالتدريس، فانتفع به خلق كثير. (¬1) 4 - أبو الربيع سليمان بن عبد الرحمن التلمساني: (-579 هـ) أبو الربيع سليمان بن عبد الرحمن المعز الصنهاجي المعروف بالتلمساني قال ابن الزيات في التشوف: "أبو الربيع سليمان. . شيخ أبي بكر بن خلف -المعروف بالمواق-. . وكان زاهدا في الدنيا وأهلها، على سنن أهل الفضل والدين، وكان وثاقا بمدينة سلا؛ فإذا أعطاه أحد على الوثيقة أكثر من حقه، رده إليه. واستقر أخيرا بفاس، وبها مات سنة تسع وسبعين وخمس مائة". (¬2) تلاميذ أبي يحيى المواق: وممن تتلمذ له واشتهر بالسماع منه: 1 - أبو الحسن بن القطان: ممن ذكر أخذ ابن القطان من أبي بكر بن صاف ابنُ الأبار في تكملته (¬3) وممن أخذ عنه كذلك: ¬
2 - أبو محمد القرطبي: (556 - 611 هـ) عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري، المالقي، قرطبي الأصل، حلاه لسان الدين ابن الخطيب فقال فيه: (كان في وقته ببلده كامل المعارف، صدرا في المقرئين والمجودين رئيس المحدثين وإمامهم، واسع المعرفة، مكثرا، ثقة، عدلا، أمينا مكين الرواية، رائق الخط، نبيل التقييد والضبط، ناقدا ذاكرا أسماء رجال الحديث وطبقاتهم وتواريخهم، وما حلوا به من جرح وتعديل، لا يدانيه أحد في ذلك، عزيز النظر، متيقظا، متوقد الذهن، كريم الخلال، حميد العشرة، دمثا، متواضعا، حسن الخلق، محببا إلى الناس، نزيه النفس، جميل الهيئة، وقورا معظما عند الخاصة والعامة، دينا زاهدا، ورعا، فاضلا، نحويا ماهرا، ريان من الأدب، قائلا الجيد من الشعر، مقصدا ومقطعا، وكان له بجامع مالقة الأعظم مجلس عام، سوى مجلس تدريسه، يتكلم (فيه) على الحديث إسنادا ومتنا بطريقة عجز عنها الكثير من أكابر أهل زمانه، وتصدر للإقراء ابن عشرين سنة). (¬1) ثم ذكر لسان الدين طائفة من شيوخ أبي محمد القرطبي، فعد من الذين أخذ عنهم بإشبيلية: ابن صاف. (¬2) 3 - محمد بن طلحة الأموي: (545 - 618 هـ) محمد بن طلحة بن محمد بن عبد الملك بن حزم الأموي النحوي سكن إشبيلية، وأصله من يابرة -من أعمال الغرب: البرتغال- عني بالقراءات والعربية وأخذ عن أبي بكر بن صاف وأبي إسحاق بن ملكون، وأبي بكر بن الجد، وأبي زيد السهيلي، وغلب عليه التخصص في العربية والتمكن منها والتحقق من ¬
المبحث الثالث: شيوخ أبي عبد الله بن المواق
غوامضها، فعكف على تعليمها حتى اعتبر في هذا الميدان أستاذ إشبيلية الذي لا يبارى، وقد انتفع به عدد من الشيوخ اللاحقين مثل أبي علي الشلوبين وغيره، وغلب عليه في أواخر حياته حب العزلة، فاعتكف عن الناس، وتوفي في صفر سنة ثماني عشرة وست مائة للهجرة، ومولده بيابرة سنة خمس وأربعين وخمس مائة. (¬1) 4 - أبو علي الرندي: (547 - 610 هـ). وهو: عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي، المعروف بالرندي. (¬2) المبحث الثالث: شيوخ أبي عبد الله بن المواق: من مقومات العالم العلمية وفرة الشيوخ وكثرة التلاميذ، وبقدر ما علا قدرهم وذاع صيتهم بقدر ما انعكس ذلك على الآخذ منهم، وخاصة إذا ما انضم إلى ذلك حرص على طلب العلم، وحسن استفادة التلميذ من شيخه. ولابن المواق طائفة من الشيوخ الأجلاء الذين كان يرجع إليهم في عصرهم من القاصي والداني، ولو لم يكن له إلا أبوه، وابن القطان لكفاه ذلك مفخرة، فكيف إذا أضيف إليهما، غيرهما ممن يقصد لأخذ الإجازة منهم والإغتراف من معين علمهم، ومن هؤلاء الشيوخ: 1 - أبوه: أبو بكر بن خلف الأنصاري: نشأ أبو عبد الله بن المواق في حضن والده بمراكش، فدرس علم يد والده، وأخذ ما عنده من العلم؛ من لغة وفقه ومسائل وحديث وتفسير. (¬3) ¬
2 - أبو الحسن بن القطان الفاسي: إذا كان للشيوخ فضل ظاهر على تلامذتهم، فصاحبنا ابن المواق من هؤلاء الذين، لا يذكرون إلا بذكر شيوخهم، ذلك أنه تأثر بشيخه أبي الحسن بن القطان؛ لأنه كان من الملازمين له والمتفقهين به، والمتخرجين عليه، درس عليه كتاب "البيان"، ومنه أخذه وعليه قرأه ... (¬1) 3 - أبو الحسن بن قطرال: (563 - 651 هـ) علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف الأنصاري، الفاسي مولدا، القرطبي نشأة، مالكي المذهب، ولد سنة ثلاث وستين وخمس مائة. سمع أبا القاسم بن الشراط، وأبا العباس بن مضاء، وأخذ عنه أصول الفقه، وأبا خالد بن رفاعة، وأبا الحسن بن كوثر، وابن الفخار وعبد الحق بن بُوْنُه، وأخذ قراءة نافع والنحو عن أبي جعفر ابن يحيى، وسمع من يحيى المجريطي، ولازمه في الحضر والسفر، وسمع بسبتة من أبي محمد بن عبيد الله، وأجازه أبو بكر بن الجد، ولما انتقل إلى مراكش حضر مجلس أبي الحسن بن القطان، فكان ابن القطان يجله ويعرف حقه ويحض أهل مجلسه على الرواية عنه والتردد إليه. وكان يحفظ صحيح البخاري عن ظهر قلب. روى عنه ابناه: أبو عبد الله، وأبو محمد عبد الله، وأبو الحسن -بن ابنه أبي محمد عبد الله- وأبو عبد الله بن الأبار، وابن صالح الشاطبي، وطائفة. وولي قضاء أبذة -من أعمال جيان- ثم قضاء شاطبة، ثم شريس، ثم قرطبة، ثم أعيد إلى قضاء شاطبة وخطتها، ثم قضاء سبتة، ثم قضاء فاس، وقضاء أغمات مع خطة المناكح وأحكام النساء بها، وكان من رجال الكمال علما وعملا، يشارك في عدة فنون ويمتاز بالبلاغة والإدراك في الكتابة مع دماثة الخلق ¬
ولين الجانب. وتوفي بمراكش سنة إحدى وخمسين وست مائة. ذكر مشيخته لإبن المواق ابنُ عبد الملك. (¬1) 4 - أبو ذر بن أبي ركب: (- 604 هـ). أبو ذر الخشني: مصعب بن محمد بن مسعود بن عبد الله بن مسعود الخشني، الجياني، الأندلسي، المعروف بالقاضي ابن أبي الركب، كان عالما بالحديث والسير والنحو، أخذ عن والده أبي بكر علم العربية والآداب واللغات، وعن أبي بكر بن طاهر، وسمع من أبي الحسن بن حنين وأبي عبد الله ابن الرمامة، وعبد الحق الإشبيلي، وأجازه أبو طاهر السلفي. قال ابن الأبار: "أخذ عنه جلة. . ولي خطابة إشبيلية، ثم قضاء جيان، ثم سكن فاس مدة، وبعد صيته". له شعر وكتب؛ منها: "شرح غريب السيرة النبوية"، و"شرح الإيضاح"، و "شرح الجُمَل"، توفي بفاس سنة أربع وست مائة. لا يذكره ابن المواق في البغية إلا بـ (شيخنا)، وذكره ابن عبد الملك ضمن مشيخة ابن المواق كذلك. (¬2) ¬
5 - أبو العباس أحمد النباتي: (-637 هـ) أحمد بن محمد بن أبي خليل النباتي، يعرف بالعشاب، وابن الرومية، وهي أشهرهما وألصقهما به. درس الحديث على جماعة من علماء عصره مثل عبد المنعم بن فرس، وأبي ذر الخشني، والحافظ أبي بكر بن الجد، وأبي العباس بن سيد الناس. قال ابن عبد الملك: "إمام المغرب قاطبة فيما كان سبيله، جال الأندلس ومغرب العدوة، ورحل إلى المشرق فاستوعب المشهور من إفريقيه، ومصرهِ، وشامهِ، وعراقهِ، وحجازهِ. . فصار واحد عصره فردا، لا يجاريه فيه أحد بإجماع من أهل ذلك الشأن". كان النباتي ظاهري المذهب، من أنصار الإمام ابن حزم، شديد التعصب له، شديد النكير على أهل الرأي والفروع. كان النباتي غزير التأليف، عامة مؤلفاته في الحديث وعلومه ورجاله، أو في علم النبات والأدوية، وما يتصل بذلك. من مؤلفات النباتي في علم الحديث ورجاله. - المعلم بزوائد البخاري على مسلم. - اختصار غرائب حديث مالك. - حكم الدعاء في أدبار الصلوات. - نظم الدراري فيما تفرد به مسلم على البخاري. - الحافل في تذييل الكامل. توفي -رَحِمَهُ اللهُ- سنة سبع وثلاثين وست مائة بإشبيلية. ذكر ابن المواق أخذه عن النباتي في "البغية"، وأورده ابن عبد الملك ضمن
من تتلمذ عليه في الذيل والتكملة. (¬1) 6 - أبو القاسم بن بقي: (537 - 625 هـ) أحمد بن أبي الوليد؛ يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد مَخْلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن شيخ الأندلس الحافظ بقي مخلد الأموي، مولاهم، البقوي، القرطبي الالكي. حلاه الذهبي بقوله: الإمام العلامة المحدث المسند. سمع أباه وجده أبا الحسن، ومحمد بن عبد الحق الخزرجي صاحب محمد ابن فرج الطلاعي، وخلف ابن بشكوال وأبا زيد السهيلي، وطائفة. ولي قضاء الجماعة بمراكش مضافا إليه خطتا المظالم والكتابة العليا، فحمدت سيرته ولم تزده الرفعة إلا تواضعا. قال ابن الزبير -أو غيره- كان له باع مديد في النحو والأدب، تنافس الناس في الأخذ عنه. روى عنه المعمر أبو محمد بن هارون، وأبو الحسين بن أبي الربيع، وآخرون. ولد سنة سبع وثلاثين وخمس مائة، وكانت وفاته في منتصف رمضان من سنة خمس وعشرين وست مائة. ذكر مشيخته لإبن المواق ابنُ عبد الملك. (¬2) ¬
7 - أبو الربيع بن سالم الكلاعي: (565 - 634 هـ) سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي البلنسي، ولد سنة خمس وستين وخمس مائة، وكان من كبار أئمة الحديث اهتم في نشأته الأولى بدراسة الأدب والحديث، فدرس على كبار شيوخ بلده بلنسية، ثم انتقل إلى سائر نواحي بلاد الأندلس، وعني كل العناية بالتقييد والرواية. من أبرز شيوخه: الحافظ أبو بكر بن الجد، وأبو القاسم بن حبيش، وابن صاف، وأبو عبد الله بن زرقون، وممن أجازه أبو العباس بن مضاء، وأبو محمد عبد الحق الإشبيلي -صاحب كتاب "الأحكام" - ومن أكبر تلاميذه الذي أخذوا عنه العلم ابن المواق، وابن الأبار -صاحب التكملة-. قال أبو عبد الله بن الأبار: وكان إماما في صناعة الحديث بصيرا به حافظا حافلا عارفا الجرح والتعديل ذاكرا بالواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك .. وكتب الكثير وكان خطه لا نظير له في الإتقان والضبط. له تصانيف مفيدة في فنون عديدة، منها: كتاب الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء، وكتاب: مصباح الظلم، وكتاب أخبار البخاري. استشهد أبو الربيع بن سالم بواقعة أنيشة -من عمل بلنسية- مقبلا غير مدبر في سنة أربع وثلاثين وست مائة. (¬1) ¬
8 - أبو مروان الباجي: (- 635 هـ) محمد بن أحمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أحمد بن محدث الأندلس أبي محمد عبد الله بن محمد بن علي بن الشريعة اللخمي الباجي ثم الإشبيلي المالكي، من بيت كبير شهير ولي خطبة إشبيلية زمانا، ثم استقضاه العادل عليها، ثم أضيف إليه قضاء الجماعة في أول مدة المأمون، كان عدلا في الأحكام، حسن التلاوة، سريع السرد للحديث، له معرفة بالرجال، روى عن أبيه عن جده، وقرأ بالسبع على أبي عمر، وعياش بن عظيمة، وسمع صحيح البخاري من أبي بكر بن الجد، وقرأ عليه عدة كتب، وسمع من أبي عبد الله بن مجاهد، رحل إلى المشرق حاجا؛ وسمع بدمشق من محدثها الشهير ابن الصلاح تأليفه في علوم الحديث، وحدث بها، وبالموطأ، ومات عقيب حجه بمصر سنة خمس وثلاثين وست مائة. ذكره في شيوخ ابن المواق: ابن عبد الملك في الذيل والتكملة. (¬1) 9 - أبو عبد الله بن دادوش: (569 - 639 هـ) محمد بن عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الوهاب بن يوسف بن محمد بن دادوش اليفرني، الفاسي، كنيته: أبو عبد الله، واشتهر بابن دادوش. روى عن أبي بكر بن أبي جمرة، وأبي عمر بن عات، وأبي بكر بن أبي زمنين، وأبي جعفر بن مضاء، وأبي ذر بن أبي الركب، وأبي العباس بن سعود القرطبي، وأبي القاسم عبد الرحمن بن ملجوم، وأبي محمد التادلي، وأبي الحسن ابن نجبة. ¬
روى عنه أبو الحسن الرعيني، وأبو عبد الله بن المواق، وأبو العباس بن فرثون. قال ابن عبد الملك: "وكان ففيها حافظا، ذاكرا الآداب والتواريخ، حسن المحادثة، ممتع المحاضرة بهي المنظر، جميل الرواء، نظيف اللبس، سري الهمة". استقضي بغير موضع فشكرت سيره، وارتسم بالعدالة والنزاهة والجزالة وإعداء المظلوم على الظالم، وامتحن بأسر العدو الرومي إياه في البحر، واحتمل إلى إرشبونة، ثم افتك. كان مولده بفاس في ذي القعدة من سنة تسع وستين وخمس مائة، وتوفي بسبتة صدر تسع وثلاثين وست مائة. (¬1) 10 - أبو الحسن الشآري: (571 - 649 هـ) علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن يحيى، الغاففي، يشهر بالشآري -وشآرة بليدة صغيرة من عمل مرسية، وهي محتده، وسبتة مولده. سمع من أبيه أبي عبد الله، وقرأ عليه القرآن، وأخذ القراءات عن أبي بكر الهوزني الإشبيلي، وسمع من المحدث العلم أبي محمد الحجري وأكثر عنه، ووجده معولا فعول عليه، وأسند عالي روايته إليه، وتلا عليه بالسبعة في ختمة واحدة، وقرأ عليه الموطأ -رواية يحيى بن يحيى الأندلسي- والمسند الكبير، لأبي بكر البزار، وسير النبي - صلى الله عليه وسلم - تأليف ابن إسحاق، تهذيب ابن هشام، وغير ذلك، وأخذ عن أبي ذر الخشني وعلي بن خروف علم العربية. ممن سمع منهم ببلده -سبتة- أبو عبد الله محمد بن الغاز السبتي، وأبو الصبر أيوب الفهري، وارتحل إلى فاس فلقي بها جماعة منهم: أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الكريم الفندلاوي، شهر بابن الكتاني، ¬
حضر عنده علم الكلام وأصول الفقه، وأجازه له. وممن سمع منهم وأجازوه: أبو الحجاج بن نمي، وأبو القاسم عبد الرحيم بن الملجوم، وأبو الحسن علي بن عتيق بن مؤمن القرطبي، وأبو الحسن بن خروف. وممن أجازوه ولم يلقهم: أبو جعفر بن مضاء، وأبو الحسن بن القطان، وأبو الحسن نَجبة بن يحيى، وأبو محمد عبد النعم بن فرس، وأبو القاسم بن حبيش. حدث عن أبي الحسن الشآري جماعة من الجلة منهم: أبو فارس عبد العزيز ابن إبراهيم، وأبو الحسن الرعيني، وابن المواق، وأبو جعفر بن الزبير، وأبو عبد الله ابن إبراهيم البكري الفاسي، وحدث عنه بالإجازة أبو عبد الله بن الأبار. قال أبو جعفر بن الزبير: "وكان ثقة متحريا، ضابطا عارفا بالأسانيد والرجال والطرق، بقية صالحة وذخيرة نافعة .. منافرا لأهل البدع والأهواء، معروفا بذلك، حسن النية، من أهل المروءة والفضل التام، والدين القويم، منصفا، متواضعا، حسن الظن بالمسلمين، محبا في الحديث وأهله". وقال ابن رشيد السبتي: "أحيى الشآري بسبتة العلم حيا وميتا، وحصل الكتب بأغلى الأثمان، وكان له عظمة في النفوس -رَحِمَهُ اللهُ-". اقتنى من الدفاتر وأمهات الدواوين شيئا عظيما، لم يكن، عند أحد من أبناء عصره مثله، فبنى مدرسة بسبتة وحبس عليها كتبه، لكنه غرب عن بلده إلى المرية. ولد أبو الحسن الشآري يوم الخميس بخمس خلون من رمضان سنة إحدى وسبعين وخمس مائة، وتوفي -رَحِمَهُ اللهُ- بمالقة في التاسع والعشرين من رمضان سنة تسع وأربعين وست مائة. (¬1) ¬
11 - أبو أمية بن عفير: إسماعيل بن سعد السعود بن عفير، من شيوخه: أبو العباس النباتي، المعروف بابن الرومية. (¬1) وممن أجاز أبو أمية: أبا القاسم عبد الرحمن بن إبراهيم؛ يعرف بابن الحكيم. (¬2) أديب شاعر لما توفي شيخه النباتي رثاه بقصيدة فريدة -تبلغ سبعين بيتا- وفاء لجهاده العلمي وإخلاصه المهني، ومما جاء فيها: من ذا يطهر بالإماطة سنة ... تشكو ذي الآراء والاقياس من ذا يعالج داءها من حفظه ... بعلاج لا ناس ولا متناس جاريت فرسان العلوم ففتهم ... وأتى جوادك أول الأفراس (¬3) 12 - أبو العباس العزفي: (ت 633 هـ). أحمد بن محمد بن أحمد اللخمي العزفي السبتي، ذكره ابن عبد الملك (¬4) ضمن شيوخ ابن المواق، من مصنفاته: "الدر المنظم في مولد النبي المعظم"، لكنه لم يتمه، فأكمله ولده أبو القاسم، ذكر فيه ما خص به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو موجود، في خزانة الأستاذ عبد الهادي الحسيسن (¬5) وله كذلك: "إثبات ما لا منه بد لمريد الوقوف على حقيقة الدينار والدرهم والصاع والمد" (¬6) توفي سنة ثلاث وثلاثين وست مائة للهجرة. ¬
13 - أبو علي الرندي: (547 - 610 هـ). عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي، المعروف بالرندي -من أهل رندة- روى عن الحافظ عبد المنعم بن محمد المعروف بابن فرس، وأبي زيد السهيلي، وأبي محمد القاسم بن دحمان، وأبي عبد الله بن أبان، وعنهم أخذ القراءات السبعة، وعن أبي إسحاق بن قرقول، وأبي عبد الله بن الفخار، وابن صاف، وكان أبو علي الرندي من جملة المقرئين، وجهابذة الأساتذة، مشاركا في فنون عدة، نقادا فاضلا، من تآليفه: شرح جمل أبي القاسم الزجاجي، وجزءا سماه "الحُقْبَى في أغاليط القرطبي"، وألف برنامجا جامعا. ذكره في شيوخ ابن المواق ابنُ عبد الملك. (¬1) شيوخ آخرون لإبن المواق ذكرهم ابن عبد الملك، وكذا التارجي في إعلامه، ولم أقف لهم على ترجمة، وهم: 14 - أبو محمد عبد الحق الزهري. 15 - أبو الوليد بن الحاج. 16 - أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن ثابت. 17 - محمد بن سلمون. 18 - أبو عبد الله بن خلفون. (¬2) ¬
المبحث الرابع: تلاميذ ابن المواق
المبحث الرابع: تلاميذ ابن المواق: قد يكتب لعلم من الأعلام أن ينتشر علمه ويذيع، بأن يفيض الله له تلاميذ يجتهدون في بث ما تلقوه من علم شيخهم، وقد لا يرزق عالم آخر تلاميذ ممن يعول عليهم في نشر العلم وبثه، فينحبس العلم في صدور من تلقوه لا يتعداهم إلى غيرهم، ولعل ابن المواق من هذا الصنف الثاني، وقديما قيل كم من عالم جليل أضاعه تلاميذه. وهذه أسماء من عرف بالأخذ عن أبي عبد الله بن المواق: 1 - أبو الحسن الرعيني (شيخ ابن عبد الملك)، ذكره فيمن أخذ عن ابن المواق ابن عبد الملك. (¬1) 2 - أبو محمد بن القاسم الحرار، أديب شاعر، أخذ عن ابن المواق، واشترك معه في مشيخة أبي العباس النباتي لهما. لما توفي أبو العباس النباتي رثاه الحرار بقصيدة تناول فيها فضائل المرثي، ثم ألف كتابا جمع فيه مراثي النباتي، فذكر من الشعراء الذين رثوه: أبا أمية إسماعيل بن عفير، وأبا الأصبغ عبد العزيز الكبتوري، وأبا بكر محمد بن محمد بن جابر السقطي، وأبا العباس بن سليمان. (¬2) 3 - يوسف بن علي بن عشرة السلاوي، أبو الحجاج، أخذ ببلنسية عن أبي عبد الله بن المواق. (¬3) ¬
4 - أبو محمد بن مطروح (573 - 635) وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مطروح، التجيبي، الإمام الفاضل الفقيه، العالم بالأحكام والنوازل، العاكف على عقد الشروط، الأريب الشاعر، من أهل الشورى والفتيا، سمع أباه، وأبا العطاء بن نذير، وأبا عبد الله ابن نوح -وأخذ عنه القراءات والعربية والأدب، ولزمه طويلا- وأبا ذر الخشني وطائفة، ولي القضاء ببلنسية، وتوفي مصروفا عنها. (¬1) 5 - أبو بكر بن عثمان بن السجلماسي 6 - محمد بن عتيق بن علي 7 - أبو الخطاب سهل بن زغبوش 8 - أبو زكريا بن عبد الله بن يعقوب 9 - أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن زغبوش 10 - أبو جعفر بن محمد بن عبد الحميد 11 - أبو الفضل الغرابيلي. (¬2) هل أخذ ابن رشيد عن ابن المواق؟ وأثناء عودة ابن رشيد السبتي من رحلته إلى الحرمين -مكة وطيبة- وعبوره لتونس ذكر عددا من الشيوخ الذين التقى بهم وأجازوه الإجازة العامة، فذكر ابن المواق من جملتهم، وذلك بقوله: ¬
"والقاضي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خلف الأنصاري -هو ابن المواق-". اهـ (¬1) وعرف به محقق كتاب الرحلة -فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة- في الهامش بقوله: (هو القرطبي المراكشي الفاسي: 583 هـ / 1187 م- 642 هـ/ 1244 م. له شيوخ الدارقطني ... الإعلام 4/ 231 ..). (¬2) هكذا ذكر في الرحلة، وهكذا تم التعريف به في الهامش من طرف المحقق، لكن في الأمر إشكالًا، ذلك أن ابن المواق توفي سنة 642 ص، بينما لم يولد ابن رشيد إلا في سنة 657 هـ، فكيف يعقل أن يلتقى به؟ إذ بين وفاة ابن المواق وولادة ابن رشيد خمس عشرة سنة!. ومن الملاحظ أن مترجمنا (ابن المواق) يشترك معه علم آخر في الإسم والكنية والشهرة بابن صاف، وهو: محمد بن خلف بن محمد بن عبد الله بن صاف، أبو بكر الإشبيلي المقرئ النحوي المتوفى سنة خمس وثمانين وخمس مائة (585 هـ). (¬3) وبهذا يتبين أن هذا هو الآخر ليس مرادا، إذ هو في طبقة قبل طبقة مترجمنا ابن المواق، والذي ادعى ابن رشيد أنه التقى به في طبقة متأخرة عن طبقة ابن المواق ... والخلاصة أنه من المستبعد أن يكون المقصود (ابن المواق) آخر غير صاحب البغية، ذلك أنه وصفه بكونه كان قاضيا، ثم كناه بنفس كنيته، ثم نسبه فسمى والده وجده، وذكر نسبته: (الأنصاري)، بل وختم بكونه المشهور بـ (ابن ¬
المبحث الخامس: المذهب الفقهي لإبن المواق
المواق)، فيبعد أن تنطق كل هذه الأوصاف على غير مترجمنا، ثم إن ابن رشيد، -رَحِمَهُ اللهُ-، مجمع على ثقته وعدالته، فلم يبق إلا أن يقال إنه وهم فيما ذكر من إجازة ابن المواق له، ولم ينتبه إلى ذلك فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة. المبحث الخامس: المذهب الفقهي لإبن المواق: تمهيد: المذهب المالكي عريق الجدور في الغرب، وما إذ دخل المذهب هذا البلد حتى أصبحت له في نفوس المغاربة مكانة خاصة، وتمذهب به عامتهم، لا فرق بين عالمهم وعاميهم، بل أصبح لا يسأل عن مذهب من علم انتسابه إلى المغرب، ولهذا اهتم العلماء بذكر من لم يكن على المذهب من المغاربة. وقد تقدم ذكر قصة دفاع والد ابن المواق على المذهب المالكي بحضرة الخليفة عبد المومن لما أراد هذا الأخير إلزام الناس بمذهب ابن حزم الظاهري، مما اضطره أن يتراجع عما أراد أن يحمل الناس عليه. (¬1) أما أبو عبد الله بن المواق -وهو المعني هنا- فقد صرح بمالكيته عند كلامه على حديث ابن وهب (ح: 189): " ... ومن أجاز عرنة قبل غروب الشمس فلا حج له"، حيث قال ما نصه: (ومن أصحابنا من قال على التراخي؛ لأن أصل الحج على التراخي ..)، والمراد بأصحابنا المالكية. المبحث السادس: المكانة العلمية لابن المواق: احتل الإمام ابن المواق مكانة علمية خاصة، وقد امتدحه وأثنى عليه طائفة من كبار المحدثين، والذي يعود إلى الكتب المعتمدة في علوم الحديث ومصطلحه، وفي نقد الرجال، وكذا كتب الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف يجد ¬
أصحابها يرجعون إلى أقواله تارة لذكرها والاستدلال على صحتها، وأخرى لعرضها ومناقشتها، وثالثة لإبراز أهميتها بين أقوال ذوي الشأن والإختصاص في هذه العلوم، ولا يفهم من هذا أن علم ابن المواق قد انحصر في علوم الحديث فحسب، بل كانت له دراية ومعرفة بعلوم الاَلة (¬1)، وباللغة العربية وغريبها (¬2) وشواهد قواعدها، وبالفقه وأصوله (¬3)، وبالقرآن وعلومه. وهذه بعض هذه الشهادات العامة؛ التي تلقي الضوء على ما كان يتمتع به هذا العَلَم من المكانة العلمية السابقة: قال فيه ابن عبد الملك: (وكان فقيها حافظا محدثا مقيدا ضابطا متقنا، نبيل الخط بارعه، ناقدا محققا ذاكرا أسماء الرجال وتواريخهم وأحوالهم). اهـ (¬4) وقال في وصف تعقبه على كتاب شيخه ابن القطان "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام": (ظهر فيه إدراكه ونبله ومعرفته بصناعة الحديث، واستقلاله بعلومه، وإشرافه على علله وأطرافه، وتيقظه وبراعة نقده واستدراكه) اهـ. (¬5) وقد وقف ابن عبد الملك على قسم لابن المواق من شرح الموطأ، فقال فيه: إنه في غاية النبل وحسن الوضع. (¬6) ولما ذكر ابن عبد الملك طائفة من مؤلفات ابن المواق عقب على ذلك بقوله: ¬
المبحث السابع: ابن المواق وتصحيح الأحاديث وتضعيفها
(وكل ذلك شاهد بوفور معارفه وتبريزه) اهـ. (¬1) ووصفه ابن رشيد السبتي بقوله: (الحافظ الناقد أبو عبد الله بن الإمام أبي يحيى بن المواق). (¬2) ولما تكلم محمد بن جعفر الكتاني على "الأحكام"، لعبد الحق الإشبيلي، ثم على: "بيان الوهم والإيهام على كتاب الأحكام"، لابن القطان الفاسي، قال ما نصه: "وقد تعقب كتابه هذا في توهيمه لعبد الحق تلميذه: الحافظ الناقد المحقق، أبو عبد الله محمد بن الإمام يحيى بن المواق في كتاب سماه: المآخذ الحفال السامية، عن مآخذ الإهمال في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم والإيهام من الإخلال والإغفال، وما انضاف إليه من تتميم وإكمال. تعقبا ظهر فيه كما قال الشيخ القصار: إدراكه ونبله وبراعة نقده". اهـ (¬3) المبحث السابع: ابن المواق وتصحيح الأحاديث وتضعيفها: (قام أئمة الحديث منذ العصور الأولى بنقد الأحاديث وتمييز مقبولها من مردودها، وتكلموا في عللها، وأتوا في ذلك بأبحاث دقيقة تكشف خبايا الأسانيد والمتون، كأنما كانوا يطوفون مع الرواة، وينتقلون مع المتون خلال حلقات الإسناد. فكانت أبحاثهم وأحكامهم حجة تلقاها العلماء بالقبول واحتجوا بأحكامهم في صحتها وحسنها، وعملوا بمقتضاها). (¬4) وبمرور الزمن خشي بعض الأئمة الأعلام من أن تقع أحكام المتأخرين في غير محلها، ولهذا نجد أبا عمرو ابن الصلاح يقول: ¬
"إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الإستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد؛ لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه، عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان؛ فآل الأمر إذن في معرفة الصحيح والحسن، إلى الإعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها، لشهرتها من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود لما يتداول من أسانيد خارجا عن ذلك، إبقاء لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله شرفا آمين". (¬1) وخالف ابن الصلاح طائفة من أهل العلم، منهم الإمام النووي، حيث قال: "والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته". وقال سراج الدين البلقيني في "محاسن الإصطلاح": (والمختار أن المتبحر في هذا الشأن، له ذلك بطرقه التي تظهر له). (¬2) وقال الحافظ العراقي: (وما رجحه النووي، هو الذي عليه أهل الحديث، فقد صحَّح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا). (¬3) ونقل الحافظ السيوطي عن شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- قوله: (وقد اعترض على ابن الصلاح كل من اختصر كلامه، وكلهم دفع في صدر كلامه من غير إقامة دليل ولا بيان تعليل، ومنهم من احتج بمخالفة أهل عصره ومن بعده له في ذلك، كابن القطان، والضياء المقدسي، والزكي المنذري، ومن ¬
المبحث الثامن: ابن المواق وعلم الجرح والتعديل
بعدهم، كابن المواق، والدمياطي، والمزي، ونحوهم). (¬1) وبدر الدين الزركشي من الذين يرون أن مسألة التصحيح ماضية لمن كانت له الأهلية لذلك، ولذا نراه يسوق أسماء طائفة من أعلام المحدثين المتأخرين الذين كان لهم التصحيح، فذكر منهم: ابن القطان، وابن المواق، والضياء المقدسي، والزكي المنذري، والمزي، والذهبي. (¬2) وهكذا نراه هو الآخر يعترف لأبي عبد الله بن المواق بهذه المرتبة التي مكنته من أن يدرج اسمه ضمن الذين كانت لهم هذه الأهلية. المبحث الثامن: ابن المواق وعلم الجرح والتعديل: علم الجرح والتعديل من أهم العلوم، وأعظمها خطرا، إذ هو واجب لصون الشريعة وحفظ الدين من تحريف الغالين، واتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ولا يقدر على القيام به إلا الأفذاذ الجهابذة، والنقاد الصيارفة، الذين اتصفوا بالمهارة العلمية، والعفة الخلقية، مع الدين المتين، والخشية من الله رب العالمين. ومن تتبع سيرة أئمة الجرح والتعديل رآهم من خيرة الناس في علمهم، ودينهم وورعهم، وبعد مداركهم ونبل غاياتهم، فقد تحملوا التعب والنصب والجوع والعطش وصبروا على الإيذاء والكره وهجران الأهل والأوطان لينفوا عن دينهم الزيف والفساد، كي يبقى غضا طريا. (¬3) وقد نص كبار أهل هذا الشأن على الشروط التي تشترط في المتكلم في الرواة بالجرح والتعديل، فهذا الذهبي يقول في ميزان الاعتدال: (والكلام في الرجال لا ¬
يجوز إلا لتام المعرفة، تام الورع). (¬1) ويقول في الموقظة: (والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث وعلله، ورجاله). (¬2) وقال في تذكرة الحفاظ: (لا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى، والدين المتين والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري والإتقان). (¬3) ومعنى هذا أنه ما كان لكبار المحدثين أن يشهدوا لإبن المواق بمعرفة بالجرح والتعديل لولا ما علموا من مكانته العلمية في هذا العلم بالذات، والذي يعود إلى الكتب المتأخرة التي تتكلم على الرواة تعديلا وتجريحا يجد فيها نقولا عن ابن المواق في نقد الرجال. وهذه بعض النماذج لذلك: - لما ترجم الحافظ ابن حجر ل: عمر بن حفص بن سعد بن مالك الحميري الوصابي، ذكر ما نصه: "قلت: قال ابن المواق: لا يعرف حاله". ولا يخفى أن شيخ الإسلام ابن حجر قد قبل من ابن المواق الحكم على هذا الراوي بجهالة الحال، ولذا ساق كلامه دون أن يعقب عليه. (¬4) - قال أبو عبد الله بن المواق في عصمة بن عبد الله: (مجهول، لا أعلم أحدا ¬
المبحث التاسع: ابن المواق وعلم علل الحديث
ذكره). (¬1) - وقال في محمد بن داود بن سفيان: (مجهول بالنقل، لا أعلم روى عنه غير أبي داود). (¬2) - وقال في أبي بكر بن أبي سبرة: (راو متروك، موصوف بالوضع)، (¬3) وغير ذلك كثير. (¬4) المبحث التاسع: ابن المواق وعلم علل الحديث: كانت بداية هذه السلسلة من كتب الحديث بكتاب "الأحكام الشرعية" لعبد الحق الإشبيلي، وهو كتاب يجمع بين أحاديث الأحكام وعلم العلل، لذلك لا غرابة إذا كان مرتكز كتاب أبي الحسن بن القطان: "بيان الوهم والإيهام" خالصا في علم العلل، ثم يأتي كتاب: "بغية النقاد" لإبن المواق في نفس لنسق لأنه إنما وضعه لتعقب أوهام وإيهامات شيخه ابن القطان من جهة، وكذا عبد الحق الإشبيلي من جهة ثانية، وإن كان الكتاب لا يخلو من تعقبات على غيرهما، ومعرفة ابن المواق بعلم العلل بارزة من خلال استدراكاته في جل الأحاديث التي تناولها. المبحث العاشر: مصنفات ابن المواق: لابن المواق مصنفات في مجالات متعددة، ولكن الذي يغلب عليها علما الحديث والفقه، ولم يذكر له عند من ترجمه سوى كتب قليلة، فهذا ابن عبد الملك يذكر له: ¬
- شيوخ الدارقطني - شرح مقدمة صحيح مسلم - شرح الموطأ ثم يقول بعد ذلك: وله مقالات كثيرة في أغراض شتى حديثية وفقهية وتنبيهات مفيدة. وذكر له تعقبا على كتاب "بيان الوهم والإيهام" طائفة من العلماء، منهم: ابن عبد الملك (¬1) والعبدري في رحلته، وآخرون. (¬2) وذكر ابن رشيد -له كتاب: "المآخذ الحفال السامية عن مآخذ الإغفال في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم والإيهام من الإخلال أو الإغفال، وما انضاف إليه من تتميم أو إكمال" (¬3) أما كتاب: "بغية النقاد النقلة فيما أخل به كتاب "البيان" وأغفله، أو ألم به فيما تممه ولا كمله" فقد نسبه له كثير من الأئمة، منهم: بدر الدين الزركشي (ت: 794 ص)، (¬4) والحافظ زين الدين العراقي (ت: 806 هـ) (¬5)، الحافظ ابن ¬
حجر (ت: 851 هـ)، (¬1) والعباس بن إبراهيم التعارجي (ت: 1378 هـ) (¬2)، ورضا كحالة (¬3)، وحاجي خليفة (¬4)، وإسماعيل باشا (¬5)، وعبد العزيز بن عبد الله (¬6)، والدكتور محمد بن شريفة (¬7). ورضا كحالة، ومن بعده ممن ذُكِروا سموا الكتاب: (بغية النقاد في أصول الحديث). وقد جاء في تكملة ابن الأبار -عند ذكر عبد الحق الإشبيلي- أن ابن القطان ألف في أوهام كتاب "الأحكام"، فكتب الإمام القصار في هامشه: (وتعقب الناقد المحقق أبو عبد الله المواق كتاب شيخه ابن القطان هذا تعقبا ظهر في إدراكه ونبله). اهـ (¬8) ¬
المبحث الحادي عشر: تحقيق اسم الكتاب ونسبته إلى ابن المواق
المبحث الحادي عشر: تحقيق اسم الكتاب ونسبته إلى ابن المواق يستخلص مما تقدم أن العلماء أجمعوا على أن لإبن المواق تعقبا على شيخه أبي الحسن بن القطان، -في كتابه: "بيان الوهم والإيهام"- لكن بقي هناك إشكال في اسم الكتاب؟ هل هو: المآخذ الحفال ... ؟ أو: بغية النقاد ... فالجواب: أولا إذا أخذنا بقول ابن رشيد وغيره، فإننا سنذهب إلى أن اسم الكتاب: "المآخذ الحفال السامية عن مآخذ الإغفال في شرح ما تضمنه كتاب ييان الوهم والإيهام من الإخلال أو الإغفال، وما انضاف إليه من تتميم أو إكمال". وقد وافقه على ذلك صاحب الرسالة المستطرفة، وآخرون. (¬1) ثم إن ابن رشيد قد نقل نصا طويلا من هذا الكتاب بالذات (أي المآخذ الحفال)، وقال في آخر نقله عنه: ¬
"انتهى كلام القاضي أبي عبد الله، أوردناه بجملته، وإن كان فيه بعض ما لا تمس حاجتنا إليه في الموضع، لكنه اشتمل على فوائد ومحاسن، فاخترنا إيراده بكماله، والله ينفع بذلك الجميع". (¬1) ومن المعلوم أن أبا عبد الله بن المواق، قد توفي، -رَحِمَهُ اللهُ-، قبل أن يتم إخراج كتابه من المبيضة، فتولى إخراجه وتتمته ابن رشيد السبتي (¬2)، وهذا ما ذكره ابن القصار بقوله: "إلا أنه تولى تخريج بعضه من المبيضة، ثم اخترمته النية ولم يبلغ من تكميله الأمنية، فتولى تخريجه، مع زيادة تتمات وكتب ما تركه المؤلف بياضا أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن رشيد السبتي الفهري المالكي ... ". اهـ (¬3) فيظهر لي أن ابن رشيد السبتي هو الذي سمى الكتاب بعد تبييضه: "بغية النقاد ... " لكن يبقى أن يقال ما هو الفرق بين الكتابين؟ -يعني "المآخذ الحفال .... " و"البغية"- ثم إلى أي مدى تصح نسبة الكتاب إلى ابن رشيد أو ¬
إلى ابن المواق؟ (¬1) أولا: لا خلاف بين الجميع أن أصل الكتاب من تصنيف ابن المواق. ثانيا: من المعلوم الذي لا مرية فيه -كما تقدم- أن ابن رشيد هو الذي أخرج الكتاب من التبييض. ثالثا: الذي يعود إلى النص المخطوط يتضح له أن الذين لهم ذكر في صلبه هم ثلاثة فقط: - الأول: عبد الحق الإشبيلي، وهذا دائما يؤتى بكلامه ليكون موضع نقد، سواء كان بالتصويب أو التخطئة أو التوهيم. - الثاني: أبو الحسن بن القطان، ويؤتى بكلامه كذلك لنفس الغاية. - الثالث: هو أبو عبد الله بن المواق، وهو آخر من يتكلم معقبا على كلام الأول، أو على الثاني، أو عليهما معا. أما ابن رشيد فوجوده في النص فباهت، بحيث يمكن أن نقول: - إن الدور الذي قام به في هذا الكتاب يمكن تحديد جوانبه بصورة عامة، إذ بتتبع الكتاب واستقرائه شكلا ومضمونا تترجح أمور؛ منها: - أن ابن رشيد السبتي -الذي أخرج الكتاب من التبييض- كان أمينا في ¬
النقل عن ابن المواق، ولم يكن يسمح لنفسه بالتصرف في الكتاب بالزيادة أو النقص، بل حتى في تغيير موضع حديث بالتقديم أو التأخير، بحيث نرى في عدة صفحات كتابة الحديث وتعليقه، وبهامشه أن المؤلف أوصى بجعل هذا الحديث في مكان كذا، أو نقله إلى مكان كذا. فنجده يكتب الحديث كما وجده، وبهامشه وصية المؤلف المتعلقة به. - لا وجود لكلام أجنبي عن الثلاثة (عبد الحق الإشبيلي، وابن القطان، وابن المواق)، باستثناء وجه ب من لوحة 26 الذي فيه تعقيب طويل من ابن رشيد السبتي على ابن القطان وابن المواق، وقد ابتدئ هذا التعقيب في -ورقة جديدة بصيغة تنبئ بكونه مستقلا عن النص، حيث افُتتِح بـ: (الحمد لله قول أبي الحسن -رَحِمَهُ اللهُ- ...) واختتم بـ (اهـ من خط ابن رشيد) وبعده كلام لابن التجيبي. آخره (اهـ ما بالأصل). وفي لوحة 27 وجه ب أثبت في الهامش (انظر ما في الوريقة) وهي إشارة إلى التعقيب المذكور. كل هذا يبين أن هذا التعقيب مستقل عن صلب النص. أما في هامش النص وجه ب من لوحة 29، فقد أثبت فيه: (قال ش (¬1) الذي رأيته في كتاب البيان إنما فيه: يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه. على الصواب، لا ما ذكره م). (¬2) وملاحظة هامة في هذين التعقيبين أنهما أوردا مستقلين عن صلب الكتاب، ولم يدرجا في الصلب، ففي الأول ابتدئ بقول: الحمد لله، وهي مشعرة بالبداية، ولم تجر عادة المصنف أن يبدأ بها في كل تعقيب تعقيب، إذ المعهود في طريقته البداية بقوله: (وذكر في باب كذا ..)، أو نحوها، أما التعقيب الثاني فإثباته بالهامش يكفيه دليلا على استقلاله عن النص، وبالتالي لو أريد حذف ¬
هذين التعليقين من الكتاب فإن ذلك لا يخل بالسياق العام للكتاب. والمعتاد في الكتاب كله ألا يذكر فيه إلا ما سيحتاج للتعقيب عليه، ثم بعده مباشرة يأتي كلام ابن المواق، وهذا خلاف ما في النص (ح: 75) إذ فيه التعقيب من ابن رشد بعد انتهاء تعقيب ابن المواق كاملا، ثم هناك كلام آخر لابن التجيبي بعد كلام ابن رشيد. - إن الذي يستقرئ هذا المخطوط لا يبقى عنده شك أنه لإبن المواق، ذلك أنه في نصوص كثيرة منه يصرح بتلقيه عن شيخه ابن القطان، ففي الحديث (78) يقول ما نص: " ... يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه .. الحديث. هكذا رويته عن ع بعد النقل من مبيضته بخطه، وقرأته عليه كذلك". وفي الحديث (148) يقول ما نصه: " ... هكذا بالجيم من ترجيل الشعر، وهكذا تلقيناه عن شيخنا عند قراءة كتاب البيان عليه .. ". وفي الحديث (192) قال في التعقيب الثالث ما نصه: "لقب الحسن هذا (عجرة)، وهكذا أيضا تلقيناه عن ع بالعين المضمومة والراء ... ". ونفس الأمر نَص عليه في الأحاديث (210) و (260) و (317). أما في الحديث (341) فقد نص ابن المواق على أنه نقل من مبيضة ابن القطان (محمد بن عبيد الله)، قال: "فلما كان وقت القراءة عليه رده علي: (محمد بن عبد الله)، فأصلحته، فهو عندي مصلح مصحح عليه". هذه نصوص من داخل الكتاب دالة دلالة قاطعة أن صاحبه هو ابن المواق، إذ هو الذي ثبتت تلمذته على ابن القطان، وهو الذي أخذ كتاب البيان على شيخه
أبي الحسن، وصححه عليه قراءة، ومن المعلوم أن ابن رشيد لم يدرك ابن المواق- فكيف يدرك شيخ ابن المواق، فابن القطان توفي سنة ثمانية وعشرين وست مائة للهجرة (628 هـ) بينما لم يولد ابن رشيد إلا في سنة سبع وخمسين وست مائة للهجرة (657 هـ) ومعنى هذا أن بين وفاة وولادة الثاني تسع وعشرون سنة. والخلاصة أن الكتاب الموجود بين أيدينا هو لإبن المواق أصلا، لكن يبقى لإبن رشيد السبتي فضل إخراجه من المبيضة، وتتميم ما كان محتاجا إلى تتميم، مع العلم أنه لم يضف إلى النص في صلبه شيء يشعر بأنه لغير ابن المواق، ولهذا إذا فيل إن "بغية النقاد" لإبن رشيد، فهي نسبة مجازية باعتبار جهوده في تبييض الكتاب وإخراجه إلى الناس لينتفعوا به، وعلى هذا محمل من نسبه إليه. وهذه بعض الأدلة التي تؤكد أن الكتاب الذي بين أيدينا هو "البغية"، وأنه لإبن المواق: أولا: أثبت على آخر لوحة من الكتاب: (كمل السفو الأول من كتاب: "بغية النقاد النقلة فيما أخل ... "). -وهذا لإثبات اسم الكتاب فقط- ثانيا: كثير من حفاظ المحدثين ذكروا كتاب "بغية النقاد" ونسبوه إلى ابن المواق. ثالثا: عدد لا يستهان به من النقول التي نقلها الأئمة عن "البغية" -وقد نصوا على أنهم نقلوها من "البغية" لإبن المواق- قارنت بينها وبين ما في هذا الكتاب الذي بين يدي، فوجدتها كما ذكروا تارة بألفاظها بالضبط، وأُخرى بتصرف يسير، ونصوص أخرى لم أجدها بالكتاب أرجح أن تكون في القسم المفقود منه. رابعا: نقول أخرى ينقلها العلماء والمحدثون وينسبونها لإبن المواق -دون ذكر اسم كتابه- وأجدها بنصها في هذا الكتاب، مع العلم أن "البغية" هي أهم كتاب انتشر وذاع بين العلماء لهذا الإمام -أي ابن المواق-
وهذه بعض الملاحظات: - الكتاب يدور من أوله إلى آخره على كلام ابن المواق تعقيبا واستدراكا على كلام ابن القطان أو عبد الحق الإشبيلي في حديث أو في راو من رواته، أو بيان علة من علله ... - لا يوجد حديث من أحاديث الكتاب -على الإطلاق- إلا وابن المواق حاضر فيه، وهو آخر من يتعقب. - آثار عدم التنفيح لكتاب "بغية النقاد" واضحة عليه، سواء من حيث وضع أحاديث في غير أبوابها، أو من حيث التكرار لتعقيبات بعينها، أو من حيث وضع الحديث فى مكان ثم التوصية أن ينقل إلى مكان كذا ... وهذه كلها مؤشرات على بقاء الكتاب على حالته التي تركها عليه المؤلف، اللهم إلا فيما يرجع لتعقيبين وضعا في الهامش من طرف ابن رشيد السبتي. لكل ما تقدم آثر الحفاظ والجهابذة من أهل الحديث أن ينسبوا الكتاب: "بغية النقاد" لإبن المواق، ونقولهم من الكتاب والمعزوة لإبن المواق خير شاهد على ذلك. وستأتي نقول كثيرة تثبت ذلك بحول الله. صيغ التعبير في المخطوط عن المؤلف ابن المواق: قسم الكتاب إلى مجموعة من الأبواب، والفصول، وهي عبارة عن مجموعة من الأحاديث في كل باب أو فصل، يجمعها جامع معين. جرت طريقة التصنيف في الكتاب على نسق واحد، ذلك أن المصنف يورد كلام ابن القطان أو كلام عبد الحق أو كلامهما معا، مبرزا في النص المنقول موطن التعقب أو المؤاخذة. فإذا اتضح ذلك أعقبه ببيان ما وقع في النص، إما من وهم في النقل أو من استدراك على المؤلف فيما ذهب إليه ... والذي يرجع إلى الكتاب يلاحظ أن آخر من يتعقب في كل نص من
نصوصه هو ابن المواق. وقد جرت العادة أن يوردَ قول ابن المواق بصيغة: (قال م)، وهذا في الغالب الأعم من النصوص (¬1)، ولكن هذا لا يمنع من أن يتنوع أسلوب التعقيب، فتارة يفتتح تعقبه ب: (أقول) (¬2) وأخرى ب: (قال محمد وفقه الله) (¬3)، وفي أحيان أخرى يورد ابن المواق استدراكه دون أن يذكر اسمه على الإطلاق، ويتبين ذلك من خلال السياق. (¬4) من أوجه الإهتمام ببغية النقاد: ذكر محمد بن محمد العبدري الحيحي أنه لما رحل إلى الشرق التقى بالشيخ الفقيه المحدث أبي الفتح محمد بن علي القشري المعروف بابن دقيق العيد، ففاتحه هذا الأخير بالكلام على أبي الحسن بن القطان الفاسي، وكتابه بيان الوهم والإيهام وأثنى عليه. فقال صاحب الرحلة: "وذكرت له تعقب ابن المواق (¬5) عليه، وأنه تركه في مسودته فعانى إخراجه الفقيه الأديب الأوحد أبو عبد الله ابن عبد الملك، حفظه الله تعالى ... ". (¬6) ولما ترجم ابن عبد الملك لإبن المواق وذكر تعقبه على كتاب "بيان الوهم والإيهام" لشيخه أبي الحسن بن القطان، وأثنى عليه، ذكر أنه أضاف إلى الكتابين المذكورين- "بيان الوهم والإيهام" و"تعقب ابن المواق"- سائر ¬
أحاديث "الأحكام"، عاملا على ترتيبها وتكميل ما نقص منها، ثم وصف ابن عبد الملك كتابه هذا بقوله: "فصار كتابي هذا من أنفع المصنفات وأغزرها فائدة، حتى لو قلت: إنه لم يؤلف في بابه مثله لم أبعد، والله ينفع بالنية في ذلك" (¬1) نستفيد من نص العبدري أن ابن عبد الملك قد أخرج كتاب ابن المواق من مسودته، كما يفيدنا كلام ابن عبد الملك -في الذيل والتكملة- أنه جمع بين كتابي ابن القطان وابن المواق، مع كتاب عبد الحق الإشبيلي. فلقائل أن يقول: ألا يمكن أن يكون هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو كتاب ابن عبد الملك؟ والجواب عليه أن ابن عبد الملك وصف كتابه بأوصاف لا تنطبق على هذا الكتاب؛ منها: أنه قام بعمل ضخم؛ حيث جمع فيه بين "بيان الوهم والإيهام" و"تعقب ابن المواق" وسائر أحاديث "الأحكام"، وهذا هو الذي أهله أن يصف كتابه بأنه من أنفع المصنفات وأغزرها فائدة، وأنه لم يؤلف في بابه مثله. والذي يعود إلى الكتاب الذي بين أيدينا يجد أنه لا يشتمل إلا على الأحاديث المنتقدة في الكتابين المذكورين، فلا وجود للأحاديث التي لم تنتقد فيهما، بينما كتاب ابن عبد الملك كتاب جامع لسائر أحاديث الأحكام كما صرح هو بذلك. ثم إن عبد الملك يشير إلى أنه رتب هذه الأحاديث وكمل ما نقص منها. وهذا الأمر لا يوجد في أحاديث الكتاب الذي بين يدي، فهو لا يهتم بترتيب الأحاديث، ولا باكمال ما نقص منها، بل همه النقد والتعليل والإستدراك عليها، ¬
تارة في بيان سقط في الإسناد، وأخرى في التعديل والتجريح لراو من الرواة، وثالثة في بيان علة لحديث خفيت على ابن القطان، أو على سلفه عبد الحق الإشبيلي، أو عليهما معا، وأخرى في تصحيف في اسم راو أو من حديث، وهكذا تبقى الأحاديث الذكورة في "البيان" و"الأحكام" هي المحور للكتاب، بينما يتجه عمل ابن عبد الملك إلى ناحية أخرى وهي الجمع والإضافة، وشتان بين العملين. كل ذلك يسلمنا إلى توضيح جوانب التفرقة بين كتاب "بغية النقاد"، وكتاب ابن عبد الملك. (¬1) ¬
الفصل الثاني أنواع التعقبات في كتاب: "بغية النقاد"
الفصل الثاني أنواع التعقبات في كتاب: "بغية النقاد"
تمهيد: تنوعت تعقيبات ابن المواق على شيخه أبي الحسن بن القطان، وعلى أبي محمد، عبد الحق الإشبيلي، وهي إما أن تكون على عبد الحق خاصة؛ فيشار إليها بحرف "ق"، أو على ابن القطان؛ فيشار إليها بحرف "ع"، أو عليهما معا، فيشار إليها بـ "ق ع"، وجدير بالذكر أن كل وهم وقع فيه عبد الحق الإشبيلي، ولم ينبه عليه ابن القطان الفاسي، فإن ابن المواق يعتبره وهما مثشركا لهما باعتبار أن الأول وقع فيه، وأن الثاني غفل عن التنبيه عليه، وذلك لأن ابن القطان قد التزم بتقويم جميع الأوهام الواقعة في كتاب "الأحكام الوسطى". تصنيف التعقيبات حسب محاورها: تنوعت تعقيبات ابن المواق على أبي الحسن بن القطان وعبد الحق الإشبيلي، ويمكن أن نجمل هذه التعقيبات في محاور، ثم كل محور يتوزع على عدة عناوين وهي كالآتي: 1 - الزيادة، أو النقص في السند، أو تغيير وقع في اسم راو: أ - الزيادة في الأسانيد وقعت في النصوص التالية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 68 - 107. ب - النقص في السند -أو ادعاؤه- يوجد في النصوص الآتية: 6 - 12 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36 - 37 - 38 - 39 - 40 - 41 - 42 - 43 - 44 - 45 - 46 - 47 - 48 - 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63 - 64 - 66 - 67 - 71 - 74 - 93 - 94 - 95 - 97 - 98 - 188 - 190
- 261 - 339. جـ - تغيير -أو اختلاف- وقع في اسم راو، أو وهم في التعريف به، وذلك في النصوص التالية: 11 - 16 - 39 - 40 - 65 - 72 - 91 - 184 - 192 - 195 - 197 - 198 - 226 - 263 - 267 - 268 - 269 - 275 - 271 - 272 - 273 - 274 - 275 - 27 - 6 - 277 - 278 - 279 - 280 - 281 - 282 - 283 - 284 - 285 - 286 - 287 - 288 - 290 - 291 - 292 - 293 - 294 - 295 - 296 - 297 - 298 - 299 - 300 - 301 - 302 - 303 - 334 - 348 - 353 - 371. 2 - في نسبة حديث لغير راويه، أو رواية لغير راويها، أو قول لغير قائله: أ - نسبة حديث لغير راويه، وهذا وقع في الآتي: 11 - 75 - 78 - 79 - 80 - 81 - 82 - 83 - 84 - 85 - 86 - 87 - 88 - 89 - 90 - 91 - 92 - 93 - 101 - 102 - 103 - 104 - 109 - 108 - 107 - 106 - 105 - 115 - 111 - 112 - 113 - 114 - 115 - 117 - 116 - 149 - 119 - 151 - 152 - 153 - 154 - 162 - 163 - 164 - 166 - 167 - 170 - 171 - 173 - 174 - 187 - 349. ب - في نسبة رواية إلى غير راويها: 58 - 99 - 105 - 146 - 155 - 156 - 157 - 158 - 159 - 160 - 161 - 165 - 168 - 169 - 172 - 181 - 350 - 351 - 352 - 354 - 355 - 356 - 357 - 358 - 359 - 360 - 361 - 362 - 363 - 364 - 365 - 366 - 367 - 368 - 369 - 370. جـ - في نسبة قول لغير قائله، وهذا وقع في الآتي: 73 - 82 - 118 - 119 - 120 - 121 - 123 - 122 - 124 - 125 - 126 -
127 - 128 - 129 - 130 - 131 - 132 - 133 - 134 - 135 - 136 - 137 - 138 - 139 - 140 - 141 - 142 - 143 - 144 - 145 - 148 - 161 - 196 - 266. 3 - أوهام لها صلة بالحكم على الرواة: 11 - 12 - 99 - 191 - 264 - 310. 4 - تغيير في المتن بزيادة أو نقص أو اختلاف في المعنى، وقد. وقع في الآتي: 11 - 68 - 69 - 70 - 150 - 181 - 184 - 189 - 190 - 197 - 199 - 200 - 201 - 202 - 203 - 204 - 205 - 206 - -207 - 208 - 209 - 210 - 211 - 212 - 213 - 214 - 215 - 216 - 217 - 218 - 219 - 220 - 221 - 222 - 223 - 224 - 225 - 228 - 229 - 230 - 231 - 232 - 233 - 234 - 235 - 236 - 237 - 238 - 239 - 240 - 241 - 243 - 242 - 245 - 246 - 250 - 251 - 252 - 253 - 254 - 255 - 256 - 257 - 258 - 259 - 260 - 264 - 265. 5 - أوهام لها صلة بالحكم على الحديث بالصحة أو الضعف أو الحسن أو غير ذلك من الاُحكام: وهذه التعقيبات وقعت في النصوص التالية: 13 - 69 - 73 - 77 - 146 - 150 - 151 - 182 - 185 - 186 - 196 - 198 - 202 - 227 - 286 - 372 - 373. 6 - التعليل بما يتعلق بالاختلاف بين الرفع والوقف والإرسال والإتصال وغير ذلك: وهذا وقع في الآتي: 19 - 69 - 73 - 77 - 182 - 183 - 197 -
208 - 378 - 379 - 381 - 382 - 383 - 384 - 385 - 386. 7 - أوهام تتعلق بموقع الحديث ووجوده أو عدم وجوده، وكذا إبعاد النجعة: وهذه وقعت في النصوص الآتية: 12 - 73 - 76 - 77 - 147 - 175 - 176 - 177 - 178 - 179 - 180 - 261 - 335 - 336 - 337 - 342 - 343 - 344 - 345 - 347 - 376.
الفصل الثالث موارد ابن المواق في "بغية النقاد"
الفصل الثالث موارد ابن المواق في "بغية النقاد"
محاور المواد - كتب متون الحديث - كتب العلل الحديثية - كتب التواريخ - كتب المعاجم - كتب أطراف الحديث - كتب الجرح والتعديل - كتب المؤتلف، والمختلف، والمتفق والمفترق ... - كتب طبقات الصحابة - كتب الفقه - كتب في فنون وعلوم مختلفة
تمهيد: إن الذي يعود إلى كتاب "بغية النقاد" يجده غنيا بمصادره الهامة والمتنوعة، إذ أن ابن المواق شغوف بالرجوع إلى مظان كل حديث من الأحاديث التي يبحث فيها، بل إنه كثيرا ما لا يكتفي بالنسخة الواحدة في تحقيق اسم علم من الأعلام، أو في إصلاح تصحيف في لفظ حديث أو راو، أو البحث في علة من علله ... ومن طبيعة ابن المواق أن يذكر المصدر الذي نقل منه تارة باسمه كاملا، وأخرى باختصاره، وثالثة بالعزو إلى مؤلفه دون ذكر اسم الكتاب، لذلك فقد اجتهدت في الرجوع إلى مظان نقوله، بل ومقابلتها بالمنقول عنها كما أمكنني ذلك. وموارد "البغية" متنوعة، يغلب عليها كتب متون الحديث، والعلل، وكتب الرجال، وهذه محاورها: 1 - متون الحديث: وتقسم إلى مجموعات: الكتب الخمسة والموطأ - المسانيد - السنن - المصنفات - مختلفات. 2 - كتب العلل. 3 - التواريخ. 4 - المعاجم. 5 - كتب الأطراف. 6 - كتب الجرح والتعديل. 7 - كتاب المؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق، والألقاب. 8 - طبقات الصحابة.
9 - كتب الفقه. 10 - مختلفات. وهذا تفصيلها مرتبة حسب محاورها: 1 - متون الحديث (الكتب الخمسة والموطأ): - صحيح البخاري (¬1) - صحيح مسلم (¬2) - سنن أبي داود (¬3) - جامع الترمذي (¬4) ¬
- سنن النسائي - المجتبى - (¬1) - موطأ مالك (¬2) المسانيد: - مسند الطيالسىِ (¬3) التعريف بصاحب السند: سليمان بن داود بن الجارود، أبو داود الطيالسي، الحافظ الكبير، صاحب المسند، البصري، قال الفلاس: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي داود. قال عبد الرحمن بن مهدي: أبو داود هو أصدق الناس. توفي بالبصرة سنة ثلاث ومائتين، وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سنة. / م. 4 (¬4) - مسند الحميدي (¬5) التعريف بصاحب السند: عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي الحميدي، أبو بكر: أحد الأئمة في الحديث، من أهل مكة. رحل منها مع الإمام الشافعي إلى مصر، ولزمه إلى أن مات، فعاد إلى مكة يفتي بها. حدث عنه البخاري، وأبو زرعة، والذهلي، وأبو حاتم، وآخرون. له كتاب "المسند". توفي بمكة سنة تسعة عشرة ومائتين. (¬6) ¬
- مسند ابن أبي شيبة. (¬1) التعريف بصاحب المسند: أبو بكر، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، إبراهيم ابن عثمان بن خواستي، العبسي، مولاهم، الحافظ الكوفي. ومن أقران أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية وعلي بن المديني؛ في السن والمولد والحفظ. قال العجلي: ثقة وكان حافظا للحديث. وقال أبو حاتم وابن خراش: ثقة. له المصنفات الكبار؛ منها: (المسند) (¬2)، و (المصنف) (¬3) و (التفسير). توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين/ خ م د س ق. (¬4) - مسند الحَارث بن أبي أسامة (¬5) التعريف بصاحب المسند: الحارث بن محمد بن أبي أسامة التيمي، صاحب السند، سمع علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وكان حافظا عارفا بالحديث، عالي الإسناد، تُكلم فيه بلا حجة. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الدارقطني: اختلف فيه، وهو عندي صدوق، وقال ابن حزم- في المحلى-: ضعيف. ولينه بعض البغداديين لكونه يأخذ على الراوية. توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. (¬6) ¬
- مسند البزار (¬1) التعريف بصاحب المسند: هو الإمام الحافظ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله، أبو بكر العَتكي، البصري، العروف بالبزار. دأب في طلب الحديث وعلومه، واعتنى بهما عناية فائقة، وتحمل المشاق في سبيلهما، حتى برع فيهما براعة تامة، وصار إماما في الحديث وعلومه، واستطاع أن يدلو بدلوه في علم العلل، فقد صنف مسندا كبيرا، (¬2) كشف فيه العلل الخفية والجلية، وميز فيه بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، كما نكلم فيه على رواة الحديث جرحا وتعديلا، وقد انفرد مسنده الكبير بتعاليل لا توجد في غيره من المسانيد. له رحلات كثيرة لطلب الحديث وسماعه من شيوخه الكثيرين، قال الدارقطني: "يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظا، ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتبه؛ فأخطأ في أحاديث كثيرة، يتكلمون فيه، جرحه أبو عبد الرحمن النسائي". توفي بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومائتين (292 هـ) (¬3) ¬
السنن: -سنن سعيد بن منصور (¬1) التعريف بصاحب السنن: سعيد بن منصور بن شعبة، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثقة مصنف، وكان لا يرجع عن كتابه لشدة وثوقه به، مات بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين/ ع. (¬2) - سنن محمد بن الصباح البزاز (¬3) التعريف بصاحب السنن: محمد بن الصباح الدولابي، أبو جعفر المزني- مولى مزينة- البغدادي، البزاز، التاجر، قال الذهبي: (الإمام الحافظ الحجة ... مصنف السنن الذي نرويه في مجيلد) (¬4)، سمع شريك بن عبد الله، وهُشيم بن بشير، وابن أبي الزناد، وإسماعيل بن علية، وطائفة. حدث عنه أحمد بن حنبل، وابنه عبد الله، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو حاتم. وقال الحافظ: ثقة، حافظ، من العاشرة، مات سنة سبع وعشرين ومائتين. ¬
- السنن الكبرى، للنسائي. (¬1) - سنن ابن السكن. (¬2) التعريف بصاحب السنن: أبو علي، سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ، البغدادي نزيل مصر، سمع أبا القاسم البغوي، وممن روى عنه عبد الغني بن سعيد. صنف الصحيح المنتفى، ويسمى كذلك بالسنن الصحاح المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لكنه محذوف الأسانيد، رتب على الأبواب الفقهية. توفي سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة. (¬3) - سنن الدارقطني (¬4) التعريف بصاحبها: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، قال الخطيب: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الإعتقاد وسلامة المذهب، والإضطلاع بعلوم سوى الحديث؛ ¬
منها القراءات ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء ... له مصنفات كثيرة: منها: كتاب السنن، وكتاب المؤتلف والمختلف، وكتاب القراءات، وكتاب الإلزامات، وكتاب التتبع (¬1)، وكتاب العلل، وسؤالات حمزة السهمي، للدارقطني، وغيرها كثير. توفي سنة خمس وثمانين وثلاث مائة. (¬2) المصنفات: - مصنف عبد الرزاق. (¬3) التعريف بصاحب المصنف: عبد الرزاق بن همام بن نافع، الحميري، مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة، حافظ، مصنف، شهير، عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، وله خمس وثمانون سنة. (ع). (¬4) - مصنف ابن أبي شيبة. (¬5) - مصنف قاسم بن أصبغ. (¬6) التعريف بصاحب المصنف: قاسم بن أصبغ بن محمد بن، يوسف بن ناصح، وقيل: واضح بدل ناصح، أبو محمد القرطبي، يكنى ويعرف بالبياني، سمع بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح، وجماعة، ورحل إلى الشرق مع مجمد بن عبد ¬
الملك بن أيمن؛ فسمع بمكة، والعراق، ومصر، والقيروان .. وانصرف قاسم بن أصبغ إلى الأندلس بعلم غزير؛ فحدث بها، وطال عمره؛ فسمع منه خلق كثير؛ حتى صارت الرحلة معقودة إلى الأندلس للأخذ عنه، وكان بصيرا بالحديث والرجال، يشاور في الأحكام، نبيلا في النحو والغريب والشعر، له مصنفات، منها: المنتقى في الآثار، توفي سنة أربعين وثلاث مائة. (¬1) 2 - كتب العلل (¬2): العلل ومعرفة الرجال، لأحمد بن حنبل. (ت 241 هـ) (¬3) قال الذهبي في أحمد: "شيخ الإسلام، وسيد المسلمين في عصره، الحافظ الحجة ... الذهلي الشيباني، المروزي، ثم البغدادي". له مصنفات عديدة في الحديث والرجال والعلل؛ منها المسند، والزهد .. وقد وصل إلينا كتاب العلل ومعرفة الرجال -وهو من أهم مؤلفات أحمد بن حنبل في علم الرجال- من رواية محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، وعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه (¬4). (¬5) -كتاب "العلل"، لأبي داود صاحب السنن (¬6) -كتاب العلل، للترمذي (ت 279): ¬
لأبي عيسى الترمذي كتابان في العلل أحدهما: "العلل الصغير" (¬1)، وهذا ملحق بآخر الجامع، وهو الذي قام بشرحه ابن رجب الحنبلي في كتاب مستقل، وكتاب آخر في العلل، هو العلل الكبير، وهذا في عداد الكتب المفقودة، ولكنه وصلنا بترتيب القاضي أبي طالب على نسق كتاب الجامع. - العلل، للدارقطني: (¬2) 3 - كتب التواريخ: - تاريخ يحيى بن معين: (¬3) صاحب الكتاب: أبو زكريا، يحيى بن معين (233 هـ) قال فيه الذهبي: (الإمام الفرد، سيد الحفاظ). وقال ابن المديني: (انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين). وقال أحمد بن حنبل: (يحيى أعلمنا بالرجال). ذكر ابن النديم أن (تاريخ ابن معين) من عمل تلاميذه، وقد وصلت إلينا روايات من هذا التاريخ: واحدة بعنوان: (معرفة الرجال)، وهي رواية أبي العباس أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز البغدادي. وأخرى باسم: (التاريخ والعلل)، وهي من رواية العباس بن محمد الدوري. (¬4) ¬
- التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري: (¬1) - تاريخ ابن أبي خيثمة (ت 279 هـ): (¬2) صاحبه: هو أحمد بن أبي خيثمة؛ زهير بن حرب، أبو بكر، الحافظ الحجة، صاحب التاريخ الكبير. قال الدارقطني: ثقة مأمون. وقال الخطب: ثقة عالم متقن حافظ، بصير بأيام الناس، راوية للأدب. مات سنة تسع وسبعين ومائتين. (¬3) - تاريخ واسط: (¬4) التعريف بصاحب التاريخ: أسلم بن سهل بن سلم بن زياد بن حبيب الواسطي، المشهور ببحشل، الرزاز، ترجمه الذهبي بقوله: هو الحافظ الصدوق، محدث واسط، وصاحب تاريخها. سمع من جده لأمه وهب بن بقية وطائفة، وعنه أبو القاسم الطبراني، ومحمد بن عثمان بن سمان. مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين. (¬5) - تاريخ مسلمة بن القاسم. (ت 353 هـ) (¬6) ¬
التعريف بصاحب التاريخ: مسلمة بن القاسم بن إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، أبو القاسم القرطبي، سمع من أهل قرطبة، ورحل إلى المشرق؛ فسمع بالقيروان من أحمد بن موسى التمار، وبمصر، ومكة، والعراق، واليمن، والشام، ورجع إلى بلده بعلم كثير. قال ابن الفرضي: سمعت من ينسبه إلى الكذب، وسأل عنه محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج القاضي، فقال: لم يكن كذابا، بل كان ضعيف العقل. وقال الذهبي: لم يكن بثقة. ذكر له كتاب (التاريخ) ابن خير الإشبيلي. توفي سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة، وهو ابن ستين سنة. (¬1) - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (ت 463 هـ). (¬2) التعريف بصاحب التاريخ: أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي، تفقه على المحاملي، وأبي الطيب، وبرع في الحديث حتى صار حافظا في زمانه، حلاه الذهبي بقوله: الحافظ الكبير الإمام محدث الشام والعراق. صنف في الحديث وغيره المصنفات المفيدة- ومن أجودها (تاريخ بغداد)، وله في المصطلح (الكفاية في علم الراوية) .. - حتى قيل كل من جاء بعد الخطيب كان عيالا على كتبه. توفي سنة ثلاث وستين وأربع مائة. (¬3) " 4 - كتب المعاجم: - معجم ابن الأعرابي (ت 340 هـ) (¬4) ¬
التعريف بصاحب المعجم: أبو سعيد بن الأعرابي: أحمد بن محمد بن زياد ابن بشر بن درهم، البصري، الصوفي، صاحب التصانيف، سمع أبا داود وخلقا عمل لهم (معجما)، وعنه ابن جميع وابن منده، وكان ثقة ثبتا، عارفا عابدا ربانيا كبير القدر، بعيد الصيت، توفي سنة أربعين وثلاث مائة. (¬1) - معجم ابن عدي. (ت 365 هـ). (¬2) - معجم أبي بكر الأصبهاني (ت 381 هـ). (¬3) التعريف بصاحب المعجم: أبو بكر، محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زادان الأصبهاني بن المقري. حدث عن خلق كثير منهم: أبو يعلى الموصلي بالموصل، وأبو جعفر الطحاوي بمصر. وحدث عنه أبو الشيخ بن حيان، وأبو نعيم الحافظ، وحمزة بن يوسف السهمي. من مصنفاته (المعجم) ومسند الإمام أبي حنيفة. قال أبو نعيم: محدث كبير، ثقة، صاحب مسانيد، سمع مالا يحصى كثرة. توفي سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة. (¬4) 5 - كتب الأطراف: - الأطراف، لأبي مسعود الدمشقي. (ت 401 هـ) (¬5) ¬
التعريف بصاحب الأطراف: أبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد، له كتاب الجمع بين الصحيحين، ويسمى كذلك (الأطراف)، رتب فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة. (¬1) - الأطراف لخلف الواسطي. (ت 417 هـ) (¬2) التعريف بصاحب الأطراف: خلف بن محمد بن علي بن حمدون الواسطي، الإمام الحافظ الناقد. له أطراف الصحيحين. وهو أجود من كتاب أبي مسعود الدمشقي. توفي سنة إحدى وأربع مائة. (¬3) - الأطراف، لإبن عساكر (ت 571 هـ) (¬4) التعريف بصاحب الأطراف: غلي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الشافعي، حلاه الذهبي بقوله: الإمام العلامة الحافظ الكبير المجود، محدث الشام، له مصنفات كثيرة؛ منها: "تاريخ دمشق"، والإشراف على معرفة الأطراف، جمع فيه أطراف السنن الأربعة. (¬5) 6 - كتب الجرح والتعديل: كتب الثقات: ¬
- الثقات، للعجلي (ت 261 هـ). (¬1) التعريف بصاحب الكتاب: أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن العجلي، الكوفي، الحافظ. قال عباس الدوري: كنا نعده مثل أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين. له كتاب "الثقات"، وهو أول مصنف في بابه. (¬2) كتب الضعفاء: - الضعفاء، للبخاري (ت 256 هـ) (¬3) للإمام محمد بن إسماعيل البخاري كتابان في الضعفاء: الضعفاء الكبير، والضعفاء الصغير. (¬4) - الضعفاء، للنسائي (ت 303 هـ). (¬5) لأبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب النسائي كتاب في الضعفاء أسماه: ¬
"كتاب الضعفاء والمتروكين" (¬1) - الضعفاء الكبير، للعقيلي (ت 322 هـ) (¬2) التعريف بصاحب الكتاب: أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي، إمام حافظ كثير التصنيف، كان مقيما بمكة والمدينة، له مصنفات منها: الضعفاء الكبير، ترجم فيه للضعفاء سواء كان الضعف في عدالتهم، أم في ضبطهم، وأدرج ضمن الضعفاء: من غلب عليه الوهم، وكذا من نسب إلى الكذب ووضع الحديث، وأصحاب البدع، والمجاهيل الذين رووا ما لا يتابعون عليه، وهو كتاب مرتب على حروف العجم، لكن دون دقة في هذا الترتيب. (¬3) - الكامل في ضعفاء الرجال، لإبن عدي. (ت 365 هـ) ـ (¬4) التعريف بصاحب الكتاب: عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني. طاف البلاد في طلب العلم؛ رحل إلى الحرمين والشام ومصر والعراق وخراسان. ذكر في معجم شيوخه أن شيوخه زادوا على ألف شيخ. روى عنه خلق كثير؛ منهم: أبو سعد الماليني وحمزة السهمي، الذي قال: (وكان أبو أحمد ابن عدي حافظا متقنا، لم يكن في زمانه مثله). من مصنفاته: (الكامل في ¬
الضعفاء)، و (أسماء الصحابة). مات سنة خمس وستين وثلاث مائة. (¬1) مختصر الكامل في الضعفاء، لأبي العباس النباتي. (¬2) الكتب الجامعة بين الجرح والتعديل: - الجرح والتعديل، لإبن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ). (¬3) التعريف بصاحب الكتاب: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، نقل الذهبي عن أبي يعلى الموصلي قوله فيه: "أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال .. ". له عدة مصنفات؛ منها: كتاب "العلل"، و"المراسيل". و"الجرح والتعديل"، وهو أجمع كتاب في الجرح والتعديل، أكثر ابن أبي حاتم فيه من النقل عن أبيه، ثم بالدرجة الثانية عن خاله أبي زرعة الرازي، وفيه فوائد غزيرة: غير الجرح والتعديل. (¬4) - سؤالات حمزة بن يوسف السهمي، للدارقطني. (¬5) التعريف بصاحب السؤالات: حمزة بن يوسف بن إبراهيم، أبو القاسم ¬
السهمي الجرجاني، صاحب تاريخ جرجان لقي الحفاظ في عصره. قال الذهبي: (الحافظ المحدث المتقن المصنف)، سأل أبا الحسن الدارقطني وغيره من الحفاظ عن أحوال الشيوخ، وكتب جوابهم في جزء، اختلف في سنة وفاته؛ فذكر ابن عماد وطائفة أنه توفي سنة سبع وعشرين وأربع مائة، وقال آخرون سنة ثمان وعشرين وأربع مائة. (¬1) 7 - كتب: "المؤتلف والمختلف"، و"المتفق والمختلف"، و"الألقاب": - المؤتلف والمختلف، للدارقطني. (¬2) - المؤتلف والمختلف، لعبد الغني بن سعيد. (ت 409 هـ) (¬3) التعريف بصاحب الكتاب: أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي، المصري، حلاه الذهبي بقوله: "الحافظ الإمام المتقن النسابة .. مفيد مصر". له مصنفات كثيرة؛ منها: "المؤتلف والمختلف"، و"مشتبه النسبة". (¬4) - الإكمال، لإبن ماكولا. أت 475 هـ) (¬5) ¬
التعريف بصاحب الكتاب: علي بن هبة الله بن علي بن جعفر، أبو نصر، المعروف بابن ماكولا. قال السلفي: سألت شجاع الذهلي عن ابن ماكولا، فقال: كان حافظا فهما ثقة. له مصنفات عدة؛ منها: (الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب). (¬1) - المتفق والمفترق، للخطيب البغدادي (¬2) - الألقاب، لإبن الفرضي (¬3) عبد الله بن محمد بن يوسف بن الفرضي، أبو الوليد القرطبي، الحافظ، سمع بالأندلس من جماعة، منهم ابن عبد البر، وأبو زكرياء يحيى بن مالك بن عابد، ومحمد بن يحيى بن عبد العزيز، المعروف بابن الخراز، تم ارتحل إلى إفريقية ومصر ومكة، فسمع من شيوخ هذه البلاد. صنف العديد من المصنفات منها: (تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس)، و (المؤتلف والمختلف،)، و (الألقاب). قتله البربر في داره سنة ثلاث وأربعمائة، عن اثنتين وخمسين سنة. (¬4) 8 - طبقات الصحابة: -كتاب الصحابة، لإبن السكن. (¬5) ¬
-كتاب الإستيعاب، لإبن عبد البر. (¬1) التعريف بصاحب الكتاب: القاضي أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن عبد البر ابن عاصم، النمري، القرطبي، حافظ المغرب، (368 هـ - 463 هـ) له مصنفات كثيرة، منها: (التمهيد لما في الموطأ من العاني والأسانيد)، و (الإستذكار بمذاهب علماء الأمصار) (¬2)، و (الكافي) في الفقه، و (الدر في المغازي والسير)، و (الإستيعاب في معرفة الأصحاب) (¬3) 9 - كتب الفقه: - المختصر، للمزني. (ت 264 هـ (¬4) التعريف بصاحب المختصر: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني، المصري، تلميذ الشافعي، وناصر مذهبه، حلاه الذهبي بقوله: (الإمام العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد)، وقال فيه أيضا: (وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه)، له مصنفات كثيرة، منها "المختصر". توفي سنة أربع وستين ومائتين. (¬5) - التعليق على المختصر، لأبي حامد الإسفرايني. (ت 406 هـ). (¬6) التعريف بصاب التعليق على المختصر: أبو حامد الإسفرايني، أحمد بن ¬
محمد بن أحمد، شيخ الشافعية ببغداد، حدث عن أبي بكر الإسماعيلي، وسمع (السنن) من الدارقطني. من الذين سمعوا منه: القاضي أبو الحسن الماوردي. انتهت إليه رياسة الدين والدنيا ببغداد، وعلق عنه تعاليق في شرح المزني. ذكر الخطيب البغدادي أنه كان ثقة، وأنه سمع منه في مسجد ابن المبارك، وكان يحضر مجلسه جم غفير من الفقهاء. (¬1) 10 - كتب في فنون مختلفة، متون الحديث وغيرها: - المراسيل، لأبي داود. (ت 275 هـ) (¬2) - المنتخب، لعلي بن عبد العزيز. (ت 286 هـ) (¬3) التعريف بصاحب المنتخب: علي بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور، الإمام الحافظ الصدوق، أبو الحسن البغوي، نزيل مكة. سمع أبا نعيم، والقعنبي .. حدث عنه أبو القاسم الطبري، وخلق كثير، من الرحالة. قال الدارقطني.: ثقة مأمون. وقال ابن أبي حاتم: كان صدوقا. وتكلم فيه النسائىِ لأخذه الأجرة على التحديث. قال أبو بكر بن السني: بلغني أنهم عابوه على الأخذ. فقال: يا قوم: إنا قوم بين الأخشبين، إذا خرج الحاج نادى أبو قبيس قُعَيْقعان، يقول: من بقي؟ فيقول: بقي المجاورون. فيقول: أطبق. من مصنفاته (المسند الكبير). (¬4) - عمل اليوم والليلة، للنسائى. (ت 303 هـ) (¬5) ¬
- تهذيب الآثار، لأبي جعفر الطبري. (ت 310 هـ) (¬1) التعريف بالكتاب وصاحبه: محمد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر الطبري. إمام رحالة في طلب العلم، له إطلاع واسع على فنون كثيرة؛ منها: الفقه والتفسير والحديث والنحو واللغة والعروض .. له تصانيف كثيرة، منها: كتاب التفسير، وتهذيب الآثار، وتفصيل معاني الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ياقوت: وهو كتاب يتعذر على العلماء عمل مثله، ويصعب عليهم تتمته. وقال الفرغاني: وابتدأ تصنيف كتاب تهذيب الآثار، وهو من عجائب كتبه .. وتكلم (فيه) على كل حديث بعلله وطرق، وما فيه من الفقه والسنن واختلاف العلماء وحججهم، ما فيه من المعاني والغريب، فتم منه مسند العشرة، وأهل البيت والموالي ومن مسند ابن عَباس جزء، ومات قبل تمامه. (¬2) - شرح معاني الآثار، لأبي جعفر الطحاوي. (ت 321 هـ) (¬3) التعريف بصاحب الكتاب: أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي، المصري، الحنفي، الإمام العلامة الحافظ، قال السيوطي: وكان ثقة ثبتا فقيها لم يخلف بعده مثله، انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، له تصانيف بديعة؛ منها: شرح معاني الآثار، ومشكل الآثار. (¬4) - مشكل الآثار، للطحاوي كذلك. (¬5) ¬
- المراسيل، لإبن أبي حاتم الرازي. (ت 327 هـ) (¬1) -كتاب الحروف، لإبن السكن. (ت 353 هـ) (¬2) -كتاب صحيح ابن حبان. (ت 354 هـ) (¬3) التعريف بصاحب الصحيح: محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ، البستي. قال الخطيب: "كان ثقة نبيلا فهما". وقال الحاكم كان ابن حبان: "من أوعية، العلم في الفقه واللغة والحديث .. " من مصنفاته: المسند الصحيح، والتاريخ، وكتاب الضعفاء. (¬4) - غريب الحديث، للخطابي. (ت 388 هـ) (¬5) التعريف بصاحب الكتاب: حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب، أبو سليمان، البستي، الخطابي، صاحب التصانيف، سمع من أبي سعيد بن الأعرابي بمكة، وأبي بكرداسة بالبصرة، وآخرين، وسمع منه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، وخلق كثير، من مصنفاته: (معالم السنن)، وهو شرح لسنن أبي داود، و (غريب الحديث)، و (أعلام الحديث). (¬6) ¬
- غريب حديث مالك، للدارقطني. (¬1) -كتاب ابن الفرضي. (ت 403 هـ) (¬2) - فوائد الأصيلي. (ت 392 هـ) (¬3) التعريف بصاحب الكتاب: عبد الله بن إبراهيم، أبو محمد، الأصيلي، نشأ بأصيلا، وتفقه بقرطبة، سمع ابن المشاط، وابن السليم القاضي، رحل إلى القيروان وسمع بها، ثم إلى مصر، فسمع من أبي القاسم حمزة بن محمد الكناني، ثم إلى مكة، فسمع من طائفة؛ ومن أبي زيد محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي صحيح البخاري، ودخل بغداد فسمع من أبي بكر الشافعي، ورجع إلى الأندلس بعلم غزير، له كتاب "الدلائل" في اختلاف مالك، وأبي حنيفة، والشافعي. قال عياض: (كان من حفاظ مذهب مالك، ومن العالمين بالحديث، وعلله ورجاله). (¬4) -كتاب هبة الله اللالكائي. (ت 418 هـ). (¬5) التعريف بصاحب الكتاب: هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو القاسم الطبري، الرازي، الشافعي اللالكائي (¬6)، سمع عيسى بن علي الوزير، وأبا طاهر المخلص، روى عنه ابنه محمد بن هبة الله، والخطيب البغدادي. صنف كتابا في ¬
السنن، وكتابا في معرفة أسماء من في الصحيحين، وكتابا في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. قال الخطيب: (كان يفهم ويحفظ)، مات سنة ثمان عشرة وأربع مائة. (¬1) - الإيصال، لإبن حزم. (ت 456 هـ) (¬2) التعريف بالكتاب وصاحبه: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الأندلسي القرطبي، الظاهري، صاحب المصنفات العديدية، منها: كتاب (المحلى)، وكتاب (الإيصال إلى فهم كتاب الخصال): وهو عبارة عن شرح كبير لكتاب الخصال الجامعة لمحصل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام -له كذلك-)، أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة، في مسائل الفقه ودلائله. قيل إن جزءا من "الإيصال" بمكتبة حميد الدين باليمن، ولم يثبت ذلك، وزعم أبو تراب الظاهري أن لديه بعضه. (¬3) - المحلى، لإبن حزم. (¬4) - التمهيد، لإبن عبد البر. (ت 463 هـ) (¬5) -كتاب أبي محمد الرشاطي. (ت 542 هـ). (¬6) التعريف بالمؤلف: عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن خلف بن أحمد ¬
ابن عمر اللخمي، الأندلسي، أبو محمد الرشاطي الحافظ النسابة، من أهل أوريولة، وسكن المرية، يروي عن أبي علي الغساني، وأبي الحسن ابن الدش، وابن فتحون، وجماعة، من مصنفاته: (اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب ولاة الآثار) كان ضابطا محدثا متقنا إماما، ذاكرا للرجال، حافظا للتاريخ والأنساب، فقيها بارعا، استشهد عند دخول العدو المرية سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة. (¬1) - التحقيق في أحاديث التعليق، لإبن الجوزي (ت 597 هـ). (¬2) اسم الكتاب: سماه الذهبي: (التحقيق لأحاديث التعليق) (¬3) وذكره رياض زادة مختصرا باسم (كتاب التحقيق) (¬4) وسماه ابن عبد الهادي: "التحقيق في أحاديث التعليق". وسماه بعضهم: التحقيق في أحاديث الخلاف (¬5) التعريف بصاحب الكتاب: عبد الرحمن بن علي بن محمد، أبو الفرج، الشهير بابن الجوزي، الحافظ الكبير، البغدادي، الحنبلي، الواعظ المتفنن صاحب التصانيف الشهيرة والمفيدة؛ منها: زاد المصير، وتلقيح فهوم أهل الأثر، والموضوعات، وصيد الخاطر، وتلبيس إبليس، والتحقيق في أحاديث التعليق. (¬6) ¬
الفصل الرابع جهود ابن المواق في علوم الحديث
الفصل الرابع جهود ابن المواق في علوم الحديث
مباحث الفصل الرابع المبحث الأول: الحكم على السند المعنعن المبحث الثاني: الحكم على السند المؤنن المبحث الثالث: تدليس التسوية المبحث الرابع: متى يحكم على الحديث بالإنقطاع المبحث الخامس: حكم مراسيل الصحابة المبحث السادس: حكم الرواية بالمكاتبة المبحث السابع: حكم النسبة إلى الجد المبحث الثامن: هل سمع الحسن من ابن عباس المبحث التاسع: شرط البخاري ومسلم المبحث العاشر: الحديث الحسن المبحث الحادي عشر: والجهالة وحكمها المبحث الثاني عشر: بم تثبت العدالة؟ المبحث الثالث عشر: هل في الصحابة من اسمه عبد الله الصنابحي؟ المبحث الرابع عشر: الرواية بالمعنى المبحث الخامس عشر: الإهتمام بنسبة روايات كتب الحديث إلى مؤلفيها
المبحث الأول: الحكم على السند المعنعن
تمهيد: علم مصطلح الحديث من العلوم التي شارك في بناء لبناتها عدد كبير من الحفاظ والمحدثين، وابن المواق شأنه شأن غيره من جهابذة هذا الفن، فقد أدلى بدلوه في كثير من قضاياه، وأسهم في ترسيخ أسسه وأصوله، وهذه بعض النماذج التي لإبن المواق فيها نصيب من البناء والتأصيل: بعض القضايا التي شارك بها ابن المواق في مصطلح الحديث: المبحث الأول: الحكم على السند المعنعن (¬1): اختلف الأئمة في حكم الإسناد المعنعن علي مذاهب؛ منها: المذهب الأول: السند المعنعن من قبيل المرسل والمنقطع ما لم يتبين اتصاله من جهة أخرى. وهذا القول حكاه ابن الصلاح ولم يسم قائله. (¬2) وكان من مذهب شعبة أن الإسناد المعنعن ونحوه ليس بحجة؛ وهذا ما نقله عنه الحافظ السخاوي: (كل إسناد ليس فيه حدثنا وأخبرنا فهو خل وبقل) (¬3). ونُقل عنه كذلك: (فلان عن فلان ليس بحديث). (¬4) ¬
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -بعد نقله لكلام شعبة السابق-: قال وكيع وقال سفيان: (هو حديث). (¬1) لكن الذي استقر عليه شعبة مؤخرا (أنه حديث)، وهذا ما صرح به ابن عبد البر حيث قال: (ثم إن شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان. (¬2) المذهب الثاني: أن العنعنة تفيد الإتصال بشروط ثلاثة هي: المعاصرة وثبوت اللقيا والسلامة من التدليس (¬3)، وهذا الذي عليه حذاق الفن كعلي بن المديني والإمام البخاري وطائفة. (¬4) وقريب من هذا ما ذهب إليه ابن عبد البر -مع دعوى الإجماع- حيث قال: "اعلم وفقك الله أني تأملت أقاويل أئمة أهل الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم ومن لم يشترطه، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك، إذا جمع شروطًا ثلاثة، وهي: 1 - عدالة المحدثين في أحوالهم. 2 - ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة. 3 - وأن يكونوا برآء من التدليس. (¬5) ¬
وقال الخطب البغدادي: "وأهل العلم مجمعون على أن قول المحدث: "حدثنا فلان عن فلان" صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس، ولا يعلم أنه يستجيز إذا حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك حديثًا نازلا فسمى بينهما في الإسناد من حدثه به، أن يسقط ذلك المسمى ويروي الحديث عاليا، فيقول: "حدثنا فلان عن فلان" أعني الذي لم يسمعه منه، لأن الظاهر من الحديث السالم رواية مما وصفنا الإتصال، وإن كانت العنعنة هي الغالبة على إسناده" (¬1) ومن الذين ادعوا الإجماع على عد الأحاديث العنعنة متصلة، إذا خلت من التدليس، الحاكم النسيابوري. (¬2) المذهب الثالث: وهو اشترط المعاصرة مع إمكان اللقاء دون تحقق ثبوته، فمتي كان الراوي بريئا من تهمة التدليس، وكان لقاؤه بالمروي عنه بالعنعنة ممكنا من حيث السن والبلد، كان حديثه عنه متصلا سواء ثبت أنهما التقيا أو لم يثبت ذلك. وهذا ما ذهب إليه الإمام مسلم في صحيحه، ونافح عنه في مقدمة كتابه بما لا مزيد عليه، ومنه قوله: "وذلك لأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبدا، حتى تكون الدلالة التي بينا ". (¬3) ¬
ومذهب أبي الحسن بن القطان أنه لا يعد الحديث المعنعن متصلا وإن ثبت سماع المُعَنْعِن من المعنعَن عنه ما لم يصرح بسماعه لذلك الحديث منه. قال ابن القطان تعقيبا على عبد الحق الإشبيلي في حديث عرفجة: (فعلى طريقة المحدثين ينبغي أن تكون رواية الأكثرين منقطعة فإنها معنعنة، وقد زاد فيها ابن علية واحدا، ولا يدرأ هذا قولهم أن عبد الرحمن بن طرفة سمع جده، وقول- يزيد بن زريع أنه سمع من جده. فإن هذا الحديث لم يقل فيه أنه سمعه منه، وقد أدخل بينهما فيه الأب ...) (¬1) ولما تكلم ابن المواق على حديث رافع بن خديج (¬2) نقل عن ابن القطان قوله: "ففيه كما ترى زيادة "رفاعة بن رافع" بين عباية، وجده رافع، ولم يكن في حديث مسلم، من رواية الثوري وأخيه- وهما روياه عن أبيهما - ذكر لسماع عباية من جده رافع، إنما جاء به معنعنا يحتمل الزيادة لواحد فأكثر؛ فبين أبو الاحوص عن سعيد أن بينهما واحدا، وهو رفاعة بن رافع؛ والد عباية، وإن كان الترمذي قد قال: "أن عباية سمع من جده رافع بن خديج"، فليس في ذلك أنه سمع منه هذا الحديث". (¬3) ثم اجتهد في رده دعوى ابن القطان، وبين أن الحكم على السند المعنعن الذكور بأنه لا يصح دعوى باطلة، ولكننا نجد ابن المواق يتابع شيخه فيتعقبه بعدم تعليله حديثين ذكرهما عبد الحق من طريق أبي الزبير عن جابر معنعنا (¬4)، والذي يظهر لي أنه إنما تعقبه في ذلك جريا على ما التزم به ابن القطان بتعليل رواية أبي الزبير عن جابر بالعنعنة، وإلا فمذهب ابن ¬
المبحث الثاني: الحكم على السند المؤنن
المواق في العنعنة والأنأنة واحد، وسيأتي ذكره في المبحث التالي. المبحث الثاني: الحكم على السند المؤنن (¬1): اختلف المحدثون في حكم الحديث المروي بهذه الصيغة على مذاهب، منها: المذهب الأول: "أن فلانا قال كذا" هو بمنزلة "عن" في الحمل على الإتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه انقطاع. (¬2) وهذا ما ذهب إليه ابن عبد البر حيث قال: "جمهور أهل العلم على أن "عن" و"أن" سواء وأن الإعتبار ليس بالحروف، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع واَلمشاهدة فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض أبدا بأي لفظ ورد محمولا على الإتصال، حتى يتبين فيه علة الإنقطاع". (¬3) وقد نسب هذا المذهب الخطيب البغدادي إلى الإمام مالك بن أنس -رَحِمَهُ اللهُ-. (¬4) المذهب الثاني: أن "عن" و"أن" ليسا سواء. وهو المروى عن الإمام أحمد بن حنبل -رَحِمَهُ اللهُ-. (¬5) وحكى الحافظ ابن عبد البر في التمهيد عن أبي بكر البرديجي: أن حرف "أن" محمول على الإنقطاع حتى يتبين السماع لذلك الخبر بعينه من جهة أخرى. ¬
لكنه لم يرتضه لذا تعقبه بقوله: "هذا عندي لا معنى له، لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء قال فيه: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أو "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال" أو "عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال" أو"سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، كل ذلك سواء عند العلماء، والله أعلم". (¬1) وهناك من فرق بين كون الصحابي الذي روى بـ"عن" أو "أن" وبين، غيره. (¬2) المذهب الثالث: العبرة بإدراك الراوي للمروي عنه أو عدم إدراكه؛ وقد ذكر تفصيل هذا المذهب السيوطي (¬3)، وهو كالآتي: ذلك أن الراوي إذا روى حديثا في قصة أو واقعة، فإن كان ادرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبين بعض الصحابة، والراوي لذلك القصة أدرك تلك الواقعه، فهي محكوم بها بالإتصال. فإن لم يدرك تلك الواقعة فهو مرسل صحابي. فإن كان الراوي تابعيا فهو منقطع. وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها فمتصل، وكذا إن لم يدرك وقوعها، ولكن أسندها له، وإلا فمنقطعة. وختم السيوطي الكلام على ذلك بما نقل عن ابن المواق من قوله: "وقد حكى اتفاق أهل التمييز من أهل الحديث على ذلك ابن المواق". (¬4) ¬
المبحث الثالث: تدليس التسوية وحكمه
وهذا الذي نقله السيوطي عن ابن المواق هو ما عنده في البغية- عند كلامه على حديث عرفجة- فقد نقل -أي أبو عبد الله بن المواق- عن ابن السكن أنه نبه على أن حديث عرفجة مرسل؛ لأن عبد الرحمن تابعي، لم يشاهد القصة، ولم يذكر من حدثه، فبقى الحديث مرسلا، ونص كلامه: "وهو أمر بين لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا اللسان في انقطاع ما يروى كذلك وإرساله إذا علم أن الراوي لم يدرك زمان القصة، كما في هذا الحديث والذي قبله". (¬1) وهذا الذي ذهب إليه ابن المواق هو ما عمل به شيخه أبو الحسن بن القطان في غير ما حديث؛ منه حديث (عكرمة: أن أم حبيبة استحيضت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنظر أيام إقرائها) فقد عده منقطعا؛ حيث قال: ذكر من طريق أبي داود عن عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنتظر أيام أقرائها الحديث. هكذا أورده وسكت عنه. وهو حديث مرسل أخبر فيه عكرمة بما لم يدرك ولم يسمع، ولم يقل إن أم حبيبة أخبرته به، ولا أيضا يصح له ذلك ...). (¬2) المبحث الثالث: تدليس التسوية وحكمه: التدليس في اللغة إخفاء العيب وكتمانه، وأصله من الدلس بالتحريك، وهو اختلاط الظلام بالنور، فمن دلس الحديث فقد جعل أمره مظلما على الواقف عليه بما أخفى من حاله، كما تخفى الأشياء على البصر في الظلمة. (¬3) ¬
وينقسم التدليس إلى قسمين (¬1) أحدهما: تدليس الإسناد (¬2)، وتحته أنواع، أذكر منها الآتي: - تدليس الإسقاط: وهو أن يروي المحدث عمن لقيه وسمعه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه موهما أنه لقيه وسمع منه. ومن صيغة: (عن فلان)، أو (أن فلان)، أو (قال فلان)، ونحو ذلك من الصيغ التي لا تفيد التصريح بالسماع، وقد يكون الساقط واحدا أو أكثر. (¬3) - تدليس القطع: وهو أن يقطع اتصال أداة الرواية بالراوي. (¬4). - تدليس العطف: وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ ويعطف عليه شيخا - آخر له، ولا يكون ذلك المروي من الثاني. (¬5) ¬
- تدليس التسوية: وهو أن يروي المدلس حديثا بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، فيسقط الضعيف ويجعل بين الثقتين عبارة موهمة، فيصير الإسناد كله ثقات بحسب الظاهر، وقد كان القدماء يسمونه (تجويدا) (¬1). قال بدر الدين الزركشي في نكته على ابن الصلاح: "واعلم أن بعضهم سمى هذا النوع تدليس التسوية، ومنهم أبو الحسن بن القطان وتلميذه ابن المواق؛ فقال في "بغية النقاد": (وصورته عند أئمة هذا الشأن أن يعمد الراوي إلى إسقاط راو من بين شيخه وبين من رواه عنه شيخه، أو من بين شيخ شيخه ومن رواه عنه شيخ شيخه ليقرب بذلك الإسناد، وإنما يفعل من يفعله منهم في راويين علم التقاؤهما واشتهرت رواية أحدهما عن الآخر حتى يصير معلوم السماع منه، ثم يتفق له في حديث أن ورويه عن رجل عنه، فيعمد ذلك المسوي إلى ذلك الرجل فيسقطه؛ فيبقى الإسناد ظاهر الإتصال فيسوي الإسناد كله ثقات وهذا شر أقسام التدليس؛ لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على المسند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة، وفى هذا غرور شديد، قال: ومثاله: حديث علي "إذا كان لك ما تبادرهم" ح، جرير (¬2) سمع من أبي إسحاق (¬3)، وروى عنه الكثير، ثم يروي هذا الحديث عن الحسن بن ¬
المبحث الرابع: متى يحكم على الحديث بالإنقطاع
عُمارة (¬1) عنه، فإسقاط الحسن بن عُمارة لكونه ضعيفاً تسوية". اهـ (¬2) المبحث الرابع: متى يحكم على الحديث بالإنقطاع: عقد ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام بابا عنوانه: باب ذكر أحاديث أوردها على أنها متصلة وهي منقطعة، أو مشكوك في اتصالها. فمهد له بالضوابط التي يحكم بها على الحديث بالإنقطاع فقال: "اعلم أن ما أذكره في هذا الباب من انقطاع الأحاديث، هو مدرك من إحدى أربع جهات: - الأولى قول إمام من أئمة المحدثين: هذا منقطع، لأن فلانا لم يسمع من فلان، فنقبل ذلك منه ما لم يثبت خلافه. - الثانية أن توجد رواية المحدث عن المحدث لحديث بعينه بزيادة واسطة بينهما، فيقضى على الأولى التي ليس فيها ذكر الواسطة بالإنقطاع ... - الثالثة أن تعلم من تاريخ الراوي والمروي عنه أنه لم يسمع منه. ¬
- الرابعة أن يكون الإنقطاع مصرحا به من المحدث، مثل أن يقول: حدثت عن فلان، أو بلغني، إما مطلقا، وإما فى حديث حديث". اهـ (¬1) هكذا ذكر ابن القطان هذه المدارك الأربعة للإنقطاع، وكذلك نقلها عنه بدر الدين الزركشي في نكته على ابن الصلاح، ثم نقل تعقيب تلميذه ابن المواق عليه في المدرك الثاني فكان منه أن قال: "قال ابن المواق في بغية النقاد: "وإنما يكون الذي ذكره في الثانية منقطعا بشروط: أحدهما أن يكون الراوي قد عنعن ولم يصرح بالسماع، ولا بما يقتضيه من "حدثنا" وشبهه. الثاني أن يكون راوي الزيادة ثقة، فإن رواية غير الثقة مناقضة غير قادحة، قال النسائي: لا يحكم بالضعفاء على الثقات. الثالث ألا يخالف راوي الزيادة الحفاظ، ولا يأتي بشذوذ وما لا يتابع عليه، وإن كان ثقة (¬2) فإنه إذا خالف الحفاظ أو شذ لم تعتبر روايته وكان القول قول الجمهور، قال: وهذا الشرط لم يعتبره ابن القطان، وليس كما قال؛ فإن الجمهور ردوا رواية عبد الرزاق عن ابن جريج حديث أم كرز في العقيقة (¬3) وحكموا ¬
المبحث الخامس: حكم مراسيل الصحابة
بوهمه لا قالت الحفاظ من أصحاب ابن جريج، فزاد في إسناده راويا (¬1) بين سباع بن ثابت وأم كرز؛ ممن نقل ذلك أحمد بن حنبل وأبو بكر النيسابوري والدارقطني وغيرهم"". (¬2) المبحث الخامس: حكم مراسيل الصحابة: تعريف مرسل الصحابي: "هو ما يرويه الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسمعه منه، إما لصغر سنه، أو تأخر إسلامه أو غيابه عن شهود ذلك". (¬3) ومن هذا القسم كثير من حديث سهل بن سعد الساعدي، والحسن بن علي ابن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، والنعمان بن بشير، وأبو الطفيل الكناني، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن عباس، والمسور بن مخزمة، وغيرهم. (¬4) ذكر ابن الصلاح أن حكم الرسل -غير مرسل الصحابي- حكم الحديث الضعيف، ثم أكد ذلك بقوله: "وما ذكرناه من سقوط الإحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم. وفي صدر صحيح مسلم: "الرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة". وابن عبد البر، حافظ المغرب، ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب ¬
الحديث". (¬1) وبعد كلام له في المرسل انتقل إلى مرسل الصحابي، فقال: "ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي، مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند؛ لأن روايتهم عن الصحابة (¬2)، والجهالة بالصحابي غير قادحة، لأن الصحابة كلهم عدول". (¬3) وقال صاحب محاسن الإصطلاح: "حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة، ولكن الخلاف ثابت، ذكره بعض الأصوليين عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وحكى بعض المحدثين فيه الخلاف، لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين، وللخطيب أبي بكر تصنيف في الصحابة الذين رووا عن التابعين، بلغ عددهم ثلاثة وعشرين صحابيا، والمراد أن غالب رواية الصحابة إنما هو عن صحالي مثله". (¬4) وذهب النووي في التقريب إلى أن مرسل الصحابي "محكوم بصحته على المذهب الصحيح". (¬5) وزاد السيوطي ذلك شرحا " [أنه] الذي قطع به الجمهور من أصحابنا ¬
وغيرهم، وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف الرسل، وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى، لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة وكلهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بينوها". (¬1) قال الزركشي: "قال الحافظ أبو علي الغساني: ليس يعد مرسل الصحابي مرسلا؛ فقد كان يأخذ بعضهم عن بعض ويروي بعضهم عن بعض، وقال: كان لعمر بز الخطاب جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل هو يوماً والآخر يوما، قال: فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره. وقال البراء: ما كل ما نحدثكم به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن سمعناه وحدثنا أصحابنا، وكنا لا نكذب. وقال ابن طاهر في كتاب اليواقيت: كان من مذهب الصحابة - رضي الله تعالي عنهم - أنه إذا صح عندهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر حديثا رووه عنه من غير أن تذكر الواسطة بينهم، فقد روى أبو هريرة وابن عباس قصة -وأنذر عشيرتك الأقربين- وهذه القصة كانت بمكة في بدء الإسلام لم يحضرها أبو هريرة ويصغر عنها سنن ابن عباس، وروى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم -على قليب بدر، وابن عمر لم يحضر بدرا". (¬2) ثم حكى الزركشي الإجماع على الإحتجاج بمراسيل الصحابة. ثم قال: "ولم أر من خالف في ذلك سوى ابن القطان فإنه علل حديث جابر في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الكعبة بأن جابرا لم يدرك من حدثه بذلك ... ". (¬3) ولما كان أبو الحسن بن القطان يعد مرسل الصحابي منقطعا وضعيفا، فإننا نراه ¬
يعلل أحاديث كثيرة من أحكام عبد الحق الإشيبلي بكونها من مراسيل الصحابة، وهو في ذلك لا يفرق بين ما أخرج في الصحيحين أو غيرهما، ومما رده لهذا السبب: - حديث زيد بن حارثة أن جبريل لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أراه الوضوء، فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنة من ماء فرش بها في الفرج. الحديث ذكره عبد الحق الإشبيلي من طريق البزار. (¬1) فقد عقب أبو عبد الله ابن المواق على شيخه في الحديث المتقدم مبينا سبب تعليل ابن القطان لهذا الحديث متناولا أوجه رده المحتملة واحدا واحدا إلى أن خلص إلى القول: فلم ييق موضع نظر إلا فيما بين أسامة والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسامة قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا كثيرا. فأراه إنما يريد، والله أعلم، أن أسامة تصغر سنه عن وقت نزول جبريل، وتعليمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء والصلاة". (¬2) ولما كان مذهب أبي عبد الله بن المواق قبول مرسل الصحابي فقد رد على شيخه في هذا الوجه بقوله: "وهذا إن كان معنيه فليس بصواب (¬3). فإن أقصى ما في ذلك أن يكون سمعه من أبيه، أو من غيره ممن شاهد ذلك، هذا إن لم يكن سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس ذلك بقادح في الحديث؛ فإن الصحابة كلهم عدول لا يوضع في رواياتهم هذا النظر، كما لا يوضع فيهم تعديل ولا تجريح؛ فإنهم عدول بتعديل الله تعالى، وهم الأمناء على الوحي المأخوذ عنهم كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ". (¬4) - حديث جابر بن عبد الله في إمامة جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكره عبد الحق ¬
الإشبيلي من طريق النسائي، وفيه: فتقدم جبريل، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه، والناس خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث. (¬1) قال ابن القطان تعقيبا عليه: "وهو أيضا يجب أن يكون مرسلا كذلك، إذ لم يذكر جابر من حدثه بذلك، وهو لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء، لما علم من أنه أنصاري، إنما صحب بالمدينة، وابن عباس، وأبو هريرة: اللذان رويا أيضا قصة إمامة جبريل، فليس يلزم فى حديثهما من الإرسال ما في رواية جابر، لأنهما قالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك وقصه عليهم". (¬2) - حديث ابن عباس، الذي ذكره الإشبيلي من طريق الترمذي؛ قال: اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ منها الحديث ... فقد رده ابن القطان، وبين أنه مرسل، حيث قال: "فإن شريكا رواه عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة؛ قال: "أجنبت فاغتسلت من جفنة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث. ذكر ذلك الدارقطني، فزاد -كما ترى- "عن ميمونة" فيجب أن تكون رواية شعبة والثوري وأبي الأحوص عن سماك مرسلة إذ لم تذكر فيها ميمونة، ويتبين برواية شريك أن ابن عباس لم يشهد ذلك، وإنما تلقاه من ميمونة خالته، والله أعلم". (¬3) وإذا كان ابن المواق قد رد على شيخه ابن القطان في تعليل الأحاديث ¬
المبحث السادس: الرواية بالمكاتبة
بمراسيل الصحابة، فإنه كذلك فعل مع عبد الحق الإشبيلي، فهذا الأخير لما ذكر حديثا ذكر أنه من مسند عقبة بن عامر - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن أخته نذرت أن تمشى إلى الكعبة حافية ... - تعقبه ابن المواق بأن الحديث من مسند ابن عباس، - رضي الله عنهما -، فكان منه أن قال: ما نصه: "فابن عباس وإن كان من أصاغر الصحابة فإنه قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا كثيرا، ومحمله على السماع حتى يتبين في لفظه أنه لم يسمعه، وأنه إنما سمعه بواسطة، فحينئذ يقدم على ذلك". (¬1) المبحث السادس: الرواية بالمكاتبة: هو أن يسأل الطالب الشيخ أن يكتب له شيئا من حديثه، أو يبدأ الشيخ بكتاب ذلك مفيدا للطالب بحضرته، أو من بلد آخر. قال صاجما المحدث الفاصل بين الراوي والواعي: "وأما الكتاب من المحدث إلى آخر بأحاديث يذكر أنه أحاديثه سمعها من فلان كما رسمها في الكتاب - فإن الكاتب لا يخلو من أن يكون على يقين من أن المحدث كتب بها إليه، أو يكون شاكا فيه، فإن كان شاكا فيه لم تحز له روايته عنه، وإن كان متيقنا له - فهو وسماعه [و] الإقرار منه سواء، لأن الغرض من القول باللسان فيما تقع العبارة فيه باللفظ إنما هو تعبير اللسان عن ضمير القلب، فإذا وقعت العبارة عن الضمير بأي سبب كان من أسباب العبارة - إما بكتاب وإما بإشارة، وإما بغير ذلك مما يقوم مقامه- كان ذلك كله سواء، وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه أقام الإشارة مقام القول في باب العبارة: (وهو حديث الرجل الذي أخبره أن عليه عتق رقبة، وأحضره جارية فقال إنها أعجمية، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أين ربك"؟ فأشارت إلى السماء، قال "من أنا؟ " قالت أنت ¬
رسول الله. قال: "أعتقها" (¬1) " (¬2). وقد صحح هذا النوع والرواية به كل من أيوب السختياني، ومنصور بن المعتمر، والليث بن سعد، وخلق كثير من المتقدمين والمتأخرين. وذكر القاضي عياض -كذلك- أن المشايخ أجازوا الحديث بذلك متى صح عنده أنه خطه وكتابه؛ وعللوا ذلك بأن كتابه إليه بخط يده أو إجابته إلى ما طلبه هو أقوى إذن بذلك، وبهذا قال حذاق الأصوليين، واختاره المحاملي -من أصحاب الشافعي-؛ قال: وذهب ناس إلى أنه لا تجوز الرواية عنه، وهذا غلط. (¬3) ومن مذهب البخاري الإحتجاج بالمكاتبة وعدها من قبيل الأحاديث المتصلة لذا عقد بابا في صحيحه عنونه بقوله: "باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان". ثم أورد عقبه حديثا معلقا (¬4): "وقال أنس: نسخ عثمان الصاحف فبعث بها إلى الآفاق، ورأى عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك ذلك جائزا، واحتج بعض أهل العلم في المناولة بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث كتب لأمير السرية كتابا وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا كذا. الحديث ... (¬5) قال ابن حجر في الفتح: "والمكاتبة من أقسام التحمل، وهي أن يكتب الضيخ حديثه بخطه، أو يأذن لمن يثق به بكتبه، ويرسله بعد تحريره إلى الطالب، ويأذن في روايته عنه، وقد سوى الصنف بينها وبين المناولة". (¬6) ¬
وقد قال ابن حجر في شرح قوله: (نسخ عثمان المصاحف ...): "ودلالته على تسويغ الرواية بالمكاتبة واضح، فإن عثمان أمرهم بالإعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها، والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان، لا أصل ثبوت القرآن فإنه متواتر عندهم". (¬1) وجاء في صحيح البخاري بالسند المتصل إلى عبد الله بن عباس، - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه رجلا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ... الحديث. (¬2) قال السخاوي عقب ذكره لهذا الحديث: "وقد صارت كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - دينا يدان بها، والعمل بها لازم للخلق، وكذلك ما كتب به أو بكر، وعمر، وغيرهما من الخلفاء الراشدين فهو معمول به". (¬3) وقال عياض: "وقد استمر عمل السلف فمن بعدهم من الشيوخ بالحديث بقولهم: كتب إلى فلان قال: أخبرنا فلان، وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا الحديث وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك، وهو موجود في الأسانيد كثيرا". (¬4) وتبعه ابن الصلاح فقال: "وكثيرا ما يوجد في مصنفاتهم قولهم "كتب إلى فلان: قال حدثنا فلان" والمراد به هذا، وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الوصول". (¬5) ¬
وروى أبو عبد الله الحاكم النيسابوري بسنده إلى إسماعيل بن أبي أويس أنه سمع خاله مالك بن أنس يقول: قال لي يحيى بن سعيد الأنصاري لا أراد الخروج إلى العراق التقط لي مائة حديث من حديث ابن شهاب حتى أرويها عنك عنه، قال مالك: ثم بعثت بها إليه. (¬1) وفي الصحيحين اجتماعا وانفرادا أحاديث من هذا النوع من رواية التابعي عن الصحابي، أو من رواية غير التابعي ونحو ذلك؛ فمما اجتمعا عليه: - حديث ورّاد الثقفي، قال كتب معاويه إلى المغيرة - رضى الله عنهما - أن اكتب إلي ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال وكثره السؤال" (¬2) - حديث عبد الله بن عون؛ قال كتبت أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق وهم غارون. الحديث (¬3) وفي الصحيحين أحاديث أخر من هذا النوع غير ما ذكر. (¬4) ومما انفرد به البخاري حديث هشام الدستوائي؛ قال: كتب إلى يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رفعه: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا ¬
حتى تروني". (¬1) ومما انفرد به مسلم حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص؛ قال: كتبت إلى جابر بن سمرة، - رضي الله عنهما -، مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فكتب إلي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، فذكر الحديث. (¬2) بل روى البخاري عن شيخه محمد بن بشار بالمكاتبة. (¬3) وبهذا يتبين أن مذهب الجمهور جواز الرواية بالمكاتبة واعتبارها من المسند المتصل، لكن من الذين قالوا بالمنع: الماوردي في الحاوي، وقال السيف الآمدي: لا يرويه إلا بتسليط من الشيخ؛ كقوله: فاروه عني، أو أجزت لك روايته. (¬4) أما أبو الحسن بن القطان الفاسي فقد اعتبر الرواية بالمكاتبة من قبيل المنقطع لذا علل أحاديث كثيرة في الصحيحين وردها بذلك، وقد ضمن مذهبه هذا في المدرك الرابع من مدارك الإنقطاع، من باب ذكر أحاديث أوردها على أنها متصلة وهي منقطعة أو مشكوك في اتصالها، ومن أمثلة ذلك حديث جابر بن سلمة المتقدم قرييا، فإنه تعقب عبد الحق الإشبيلي في ذكره لهذا الحديث مع سكوته عنه؛ حيث قال: "وهو عند مسلم -رَحِمَهُ اللهُ- منقطع؛ إنما كتب به جابر بن سمرة عامر بن سعد ... ". (¬5) وتعقب عبد الحق كذلك في حديث عبد الله بن أوفى -الذي ذكره من طريق مسلم- وقال: ¬
المبحث السابع: النسبة الى الجد
"وهو حديث لم يسمعه أبو النضر سالم بن عبد الله بن أبي أوفى وإنما كتب به إلى مولاه ... ". (¬1) ثم ساق نفس الحديث من طريق البخاري وبين أنه رواه كذلك ابن أبي الزناد مكاتبة، وختم بقوله: "فالحديث إذن منقطع حدث به أبو النضر عن كتاب ابن أبىِ أوفى إلى مولاه المذكور". (¬2) وقد استحسن ابن القطان صنيع عبد الحق الإشبيلي حينما ذكر حديث ابن عمر في الدعوة قبل القتال، حيث قال: "وذكر أبو محمد حديث ابن عمر ... كما وقع فبرئت منه عهدت؛ قال: عن ابن عون كتب إلى نافع أسأله عن الدعوة قبل القتال فكتب إلي ... فمثل هذا هو الصواب في أمثاله أن ييين أنه من كتاب فاعلمه". (¬3) ولم يوافق أبو عبد الله بن المواق شيخه على ما ذهب إليه من عده الحديث المروي بالمكاتبة منقطعا لذا رد ذلك على شيخه، وقد نقل هذا الرد الحافظ زين الدين العراقي في شرحه على ألفيته (¬4). المبحث السابع: النسبة الى الجد: من المؤاخذات التي آخذ بها أبو الحسن بن القطان عبد الحق الإشبيلي أنه ¬
نسب بعض الرواة إلى أجدادهم، ومن مذهبه أن الراوي يجب أن ينسب إلى أبيه، وهذه بعض النماذج لذلك: جاء في الأحكام لعبد الحق الإشبيلي ما نصه: "أبو داود عن عبد الرحمن بن يزيد قال: استأذن علقمة والأسود على عبد الله وقد كنا أطلنا القعود ... ". (¬1) فتعقبه ابن القطان بأن صوابه الذي يجب أن يكون عليه هو: "عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد ... والذي أورد أبو محمد [يعني عبد الحق] لا هو ما وقع في سنن أبي داود، ولا هو إصلاح له". (¬2) ولما كان من مذهب أبي عبد الله بن المواق جواز نسبة الراوي إلى جده إذا لم يكن في ذلك لبس فقد استدرك على شيخه ابن القطان بأن غاية جناية عبد الحق فيه أن نسب راويا إلى جده. ثم قال: "وهذا شائع لا حجر فيه إذا لم يكن فيه لبس". ثم استدل ابن المواق على ما ذهب إليه بجزء من حديث البراء بن عازب الذي أخرجه البخاري ومسلم (¬3) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد الطلب". وكذا بحديث ضمام بن ثعلبة الذي أخرجه البخاري، (¬4) وفيه: "يا ابن عبد الطلب إني سائلك ... " وختم بقوله: "وهذا كثير جداً، معمول به عند المحدثين وغيرهم، فالمؤاخذة بمثله ليس فيها درك". (¬5) ¬
وذكر عبد الحق في الأحكام حديث أسامة بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو -مرفوعا- ما تركت بعدي فتنة ... الحديث. فقال عبد الحق "وسعيد بن عمرو" حيث نسبه إلى جده. وفي حديث صلاته - صلى الله عليه وسلم - في مسجد بني عبد الأشهل -الذي ذكره من طريق البزار- قال عبد الحق: "من رواية إبراهيم بن أبي حبيبة" فتعقبه ابن القطان بأنه قد أخطأ في الحديثين وأن الصواب أنه إن وجد الراوي منسوباً إلى جده بينه، لا العكس كما فعل في الراوي إبراهيم بن أبي حبيبة، حيث إن الذي عند البزار "إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة". وقد تعقبه ابن المواق بأن المؤاخذة بمثله قريبة ليس فيها كبير درك في المشاهير من الرواة كإبراهيم المذكور وعبد الرحمن بن الأسود المتقدم وأمثالهما. ثم نص ابن المواق على أن ابن القطان نفسه وقع فيما واخذ به عبد الحق الإشبيلي في مواطن قريبة في كتابه من مكان تعقبه هذا -بل قد يقع له ذلك عدة مرات في الصفحه الواحدة- حيث قال: "ذكره أبو علي بن السكن ... فإن يحيى بن صاعد". وبموجب مذهبه كان عليه أن يقول في الأول: سعيد ابن عثمان بن السكن، وفى الثاني: يحيى بن محمد بن صاعد. وخلاصة مذهب ابن المواق هو الذي ختم به كلامه في هذا الموضوع بقوله: "والصواب في هذا ما ذكرته أن يتسامح في هذا؛ في الرجال المشاهير ... ويتقى غير ذلك في غير المشاهير فإنه يكون فيه إبهام لأمرهم وتعمية لطريق تعرفتهم". (¬1) وقال بدر الدين الزركشي (¬2): "قوله (¬3): "عن ابن مجاهد كان ينسب ¬
المبحث الثامن: هل سمع الحسن من ابن عباس - رضي الله عنهما -؟
النقاش إلى جد له" يقتضي كراهة ذلك، ولهذا جعله تدليسا، وحكى ابن المواق في "بغية النقاد" خلافا في نسبة الرجل إلى جده، واختار التفصيل بين المشهور به فجوز ذلك، وإلا فلا لما فيه من إبهام أمرهم وتعمية طريق معرفتهم". (¬1) المبحث الثامن: هل سمع الحسن من ابن عباس - رضي الله عنهما -؟ ذكر عبد الحق الإشبيلي، من عند أبي داود، حديث ثعلبة بن صعير في زكاة الفطر، وقال بعده: "ورواه أيضا من حديث الحسن عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحسن لم يسمع من ابن عباس". فاعترضه ع في دعوى عدم السماع، ووعد بذكر هذا الحديث في باب الأحاديث التي أوردها على أنها منقطعة، وهى متصلة. ولما لم يذكره حيث وعد، استدرك عليه أبو عبد الله بن المواق مفصلا الكلام في الموضوع ومبرزا لمذهبه فيه، وهذا مجمله: حجة من ادعى سماع الحسن من ابن عباس: رواية رواها نريد بن هارون في هذا الحديث: عن حميد، عن الحسن، قال: "خطبنا ابن عباس" فذكر الحديث. خرجه الترمذي في كتاب العلل الكبير. (¬2) وروي أيضا عن أحمد بن حنبل أنه قال: كانت له من ابن عباس مجالسة (¬3) ولما ذهبت طائفة من المحدثين إلى أنه لم يسمع منه فقد رجحوا رواية أخرى على هذه الرواية، المتقدمة، أو تأولوا قوله: " خطبنا ... ". ¬
فهذا الترمذي يقول: سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال رواه غير يزيد بن هارون، عن حميد، عن الحسن؛ قال خطب ابن عباس. وكأنه رأى هذا أصح من رواية يزيد، وإنما قال هذا لأن ابن عباس كان بالبصرة؛ يقولون في أيام علي، كان علي أمره بالبصرة، والحسن البصري في أيام عثمان وعلي كان بالمدينة. (¬1) وممن تأول قوله "خطبنا" أبو حاتم الرازي، ويحيى بن معين، وأبو بكر البزار. قال أبو جاتم الرازي: "لم يسمع الحسن من ابن عباس، يعني خطب أهل البصرة". (¬2) ونقل قاسم بن أصبغ عن علان، عن عباس الدوري أنه سمع يحيى بن معين يقول: "لم يسمع الحسن من ابن عباس ... يقولون إن الحسن كان غائبا في إمارة ابن عباس على البصرة". (¬3) وتأول البزار قوله "خطبنا"؛ حيث قال: "وذكر أنه خطبهم ابن عباس، فهذا الموضع مما أنكر عليه، وابن عباس كان بالبصرة أيام الجمل، وقدم الحسن أيام صفين، فلم يدركه بالبصرة، وإنما كان عندنا ". (¬4) وروى ابن وضاح عن أبي جعفر السبتي أنه قال: "الحسن عن ابن عباس لم يسمع منه، رسل عنه". (¬5) وبعد ذكر هذه النقول عن هؤلاء الأئمة أشار أبو عبد الله بن المواق إلى أن اتفاقهم على ذلك يدل على صحة قول ق: أنه لم يسمع منه. ¬
وبعد ذلك خلص ابن المواق إلى أن ما نسب إلى أحمد بن حنبل من أنه كانت له منه مجالسة، إنما روي من طريق ابن خيرون عن محمد بن الحسين البغدادي، وابن خيرون يروي المناكير عن محمد بن الحسين -هذا منها- أما محمد بن الحسين البغدادي فمجهول بالنقل؛ لم يذكره الخطيب في تاريخه -ولا غيره- في أهل بغداد، فلا عبرة بنقله. (¬1) قلت: وممن نفى سماع الحسن من ابن عباس كذلك علي بن المديني؛ حيث قال: ""خطبنا ابن عباس بالبصرة" إنما هو كقول ثابت: قدم علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: قدم علينا علي، وكقول الحسن: إن سراقة بن مالك بن جعشم حدثهم، وكقولهم غزا بنا مجاشع بن مسعدة". (¬2) وقال بهز بن أسد: "لم يسمع الحسن من ابن عباس". (¬3) وقال الزيلعي: "وقد أنكر عليه قوله: "خطبنا ابن عباس بالبصرة، لأن ابن عباس كان بالبصرة أيام الجمل، وقدم الحصن أيام صفين، فلم يدركه بالبصرة". (¬4) وأخرج أبو داود عن ابن المثنى، عن سهل بن يوسف، عن حميد، عن الحسن، عن ابن عباس أنه خطب في آخر رمضان على منبر البصرة، فقال: أخرجوا صدقة صومكم ... ". (¬5) وأخرجه النسائي في الزكاة عن ابن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد، ¬
عن الحسن، عن ابن عباس. (¬1) وأخرجه النسائي في الزكاة عن ابن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد به. وقال "الحسن لم يسمع من ابن عباس". وفي الصلاة، وأيضا في الزكاة: عن علي بن حجر، عن يزيد بن هارون، عن حميد، به. (¬2) وأخرجه أحمد في مسنده؛ قال: حدثنا يحيى، حدثنا حميد، عن الحسن، عن ابن عباس؛ قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الصدقة كذا وكذا ونصف صاع بر". (¬3) وقد ادعى الدكتور عمر عبد العزيز الجغبير أن الحسن لقي ابن عباس وسمع منه، محتجا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد؛ وهو: "حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن ابن سيرين أن جنازة مرت بالحسن وابن عباس، فقام الحسن، ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لإبن عباس: (قام له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: قام وقعد". (¬4) وقال الدكتور عمر عقبه: "وفي الحديث تصريح باللقاء والسماع". (¬5) قلت: إن المراد في سند الحديث هو: "الحسن بن علي"، وليس "الحسن البصري". وبالرجوع إلى رواية النسائي يتبين المراد: "أخبرنا قتيبة؛ قال حدثنا حماد عن أيوب، عن محمد بن [ابن سيرين] أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس، فقام الحسن، ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن: أليس قد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجنازة يهودي؟ قال ابن عباس: نعم، ثم ¬
المبحث التاسع: شرط البخاري ومسلم
جلس". (¬1) وجاء في رواية البيهقي كذلك التصريح بأنه الحسن بن علي، وهذا نصها: " أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأ سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا طاهر بن الزبيري، ثنا أبي عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز أن جنازة مرت بابن عباس والحسن بن علي - رضي الله عنهما -، فقام أحدهما ولم يقم الآخر، فقال أحدهما: ألم يقم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال الآخر: بلى ثم قعد". (¬2) ثم إن الحافظ المزي لا أورد رواية محمد بن سيرين عن ابن عباس قال ما نصه: "حديث أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس ... الحديث في مسند الحسن بن علي بن أبي طالب". (¬3) وبهذا يتبين أن لا حجة عند من ادعى سماع الحسن من ابن عباس المبحث التاسع: شرط البخاري ومسلم: لم ينص البخاري ومسلم على شروط اشترطوها في صحيحيهما، ولكن العلماء فهموا شروطهما بالتتبع والإستقراء، اللهم إلا ما كان من مسلم فقد وضع مقدمة لكتابه ضمنها منهجه الذي سار عليه، تناول فيها بعض ما يمكن أن يدخل في هذا الإطار. وقد ذكر الحاكم في "معرفة علوم الحديث" صفة الحديث الصحيح؛ فقال في وصفه: "أن يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابي زائل عنه اسم الجهالة؛ وهو أن يروي ¬
عنه تابعيان عدلان، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا هذا كالشهادة على الشهادة". (¬1) وتكلم الحاكم في "المدخل في أصول الحديث" (¬2) على أقسام الحديث فقسمها إلى عشرة أقسام، خمسة منها متفق عليها، وخمسة منها مختلف فيها، فقال: "فالقسم الأول من المتفق عليها: اختيار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح، ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وله راويان ثقتان، ثم يرويه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابي وله راويان ثقتان، ثم يرويه عن أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواه من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا متقنا مشهورا بالعدالة في روايته، فهذه الدرجة الأولى من الصحيح". (¬3) وفهمت طائفة كبيرة من كلام الحاكم المتقدم أن شرط الشيخين البخاري ومسلم ألا يخرجا إلا حديثا سمعاه من شيخين عدلين، وكل واحد منهما رواه أيضا عن عدلين كذلك إلى أن يتصل الحديث على هذا النوال برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهما لم يخرجا حديثا لم يعرف إلا من جهة واحدة، أو لم يروه إلا راو واحد، وإن كان ثقة. فانبرت طائفة من المحدثين للرد على الحاكم فيما ذهب إليه؛ قال الحازمي: "فاعلم وفقك الله تعالى أن هذا قول من يستطرف أطراف الآثار، ولم يلج تيار الأخبار، وجهل مخارج الحديث، ولم يعثر على مذاهب أهل التحديث. ومن ¬
عرف مذاهب الفقهاء في انقسام الأخبار إلى المتواتر والآحاد وقف على اصطلاح العلماء في كيفية مخرج الإسناد لم يذهب هذا المذهب وسهل عليه المطلب. ولعمري هذا قول قد قيل ودعوى قد تقدمت". (¬1) وقال كذلك؛ "وأما قول الحاكم في القسم الأول: إن اختيار البخاري ومسلم إخراج الحديث عن عدلين، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا غير صحيح طردا وعكسا، بل لو عكس القضية، وحكم كان أسلم، وقد صرح بنحو ما قلت من هو أمكن منه في الحديث، وهو أبو حاتم محمد بن حبان البستي: أخبرني أبو المحاسن محمد بن عبد الملك بن علي الهمداني. أنبأنا أبو القاسم المستملي. أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي. أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد ابن هارون الزوزني. حدثنا ابن حبان البستي، قال وأما الأخبار فإنها كلها أخبار آحاد؛ لأنه ليس يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر من رواية عدلين، روى أحدهما عن عدلين، وكل واحد منهما عن عدلين حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلما استحال هذا وبطل ثبت أن الأخبار كلها أخبار آحاد. ومن اشترط ذلك فقد عمد إلى ترك السنن كلها لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد. هذا آخر كلام ابن حبان، ومن سبر مطالع الأخبار عرف أن ما ذكره ابن حبان أقرب للصواب ". (¬2) وذكر أبو الفضل بن طاهر المقدسي أن شرك البخاري ومسلما أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته (¬3) إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين ¬
الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن له إلا راو واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه ... ". (¬1) ثم أورد ابن طاهر ما ذكره الحاكم ناقلا له من كتابه "المدخل إلى معرفة الإكليل" واعترض عليه بقوله: "إن البخاري ومسلما لم يشترطا هذا الشرط ولا نقل عن واحد منهما أنه قال ذلك، والحاكم قدر هذا التقدير، وشرط لهما هذا الشرط على ما أظن. ولعمري إنه لشرط حسن لوكان موجودا في كتابيهما، إلا أنا وجدنا هذه القاعدة التي أسسها الحاكم منتقضة في الكتابين جميعا". (¬2) وقد مثل كل من الحافظ أبي بكر الحازمي، والحافظ أبي الفضل بن طاهر بأمثلة كثيرة للتدليل على بطلان ما ذهب إليه الحاكم، ويمكن أن يكتفى بالإشارة إلى أن البخاري افتتح صحيحه بحديث فرد غريب: (إنما الأعمال بالنيات ..)، واختتمه بحديث فرد غريب كذلك: (كلمتان خفيفتان). وفي صحيح مسلم أمثلة كثيرة من هذا الصنف كذلك. (¬3) ولما وجد بعضهم أنه لا مجال للقول بأن الشرط المتقدم هو شرط البخاري ومسلم تأولوا كلام الحاكم بأن المراد منه إنما هو اشتراط أن يكون لكل راو في الكتابين راويان؛ لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه. ¬
قال أبو علي الغساني -ونقله عياض عنه-: "ليس المراد أن يكون كل خبر روياه يجتمع فيه راويان عن صحابيه، ثم عن تابعيه، فمن بعده؛ فإن ذلك يعز وجوده. وإنما المراد أن هذا الصحابي، وهذا التابعي قد روى عنه رجلان خرج بهما عن حد الجهالة". (¬1) ولم ير ذلك أبو عبد الله بن المواق مقبولا؛ لذا رد عليه بقوله: "ما حمل عليه الغساني كلام الحاكم، وتبعه عليه عياض وغيره ليس بالبين. ولا أعلم أحدا روى عنهما أنهما صرحا بذلك، ولا وجود له في كتابيهما ولا خارجا عنهما، فإن كان قائل ذلك عرفه من مذهبهما بالتصفح لتصرفهما في كتابيهما فلم يصب؛ لأن الأمرين معا في كتابيهما، وإن كان أخذه من كون ذلك أكثريا فى كتابيهما فلا دليل على كونهما اشترطاه. ولعل وجود ذلك أكثريا إنما هو لأن من روى عنه أكثر من واحد أكثر ممن لم يرو عنه إلا واحد من الرواة مطلقا، لا بالنسبة لمن خرج لهم في الصحيحين. وليس من الإنصاف التزامهما هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به، لأنهما إذا صح عنها اشترط في لك كان في إخلالهما به درك عليهما". (¬2) وقد اطلع الحافظ ابن حجر على نقد ابن المواق فأعجب به؛ ولذا قال: "وهذا كلام مقبول وبحث قوي". (¬3) وإن كان الحافظ ابن حجر علق على ما ذهب إليه الحاكم بقوله: "ما ذكره الحاكم وإن كان منتقضا في حق بعض الصحابة الذين أخرج لهم إلا أنه معتبر في حق من بعدهم، فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد فقط". (¬4) ¬
المبحث العاشر: الحديث الحسن
وقد وجد السخاوي في كلام الحاكم ما فهم منه أنه تراجع عما كان ذهب إليه سابقاً: وهذا كلامه ببعض التصرف: وقد وجدت في كلام الحاكم التصريح باستثناء الصحابة من ذلك، وإن كان مناقضا لكلامه الأول، ولعله رجع عنه إلى هذا، فقال: "الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويا غير تابعي واحد معروف احتججنا به وصححنا حديثه، إذ هو صحيح على شرطهما جميعا، فإن البخاري قد احتج بحديث قيس بن أبي حازم عن كل من مرداس الأسلمي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يذهب الصالحون الأول ... واحتج بحديث قيس عن عدي بن عميرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من استعملناه على عمل ... وليس لهما راو غير قيس بن أبي حازم، وكذلك مسلم قد احتج بأحاديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه، وأحاديث مجزأة بن زاهر الأسلمي عن أبيه. (¬1) المبحث العاشر: الحديث الحسن: قال أبو عيسى الترمذي في العلل، من أواخر كتاب الجامع: "وما ذكرنا في هذا الكتاب "حديث حسن" فإنما أردنا به حسن إسناده -عندنا- كل حديث يروى لا يكون في إسناده متهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن". (¬2) ولما تكلم ابن الصلاح على معرفة الحسن من الحديث، تناول ضمن التنبيهات والتفريعات المتعلقة به التنبيه الثامن؛ فقال: "في قول الترمذي وغيره: هذا حديث حسن صحيح إشكال؛ لأن الحسن ¬
قاصر عن الصحيح ... ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته. وجوابه أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين أحدهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح، أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر ... " (¬1) فقال العراقي مستدركا عليه: "وقد تعقبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في "الإقتراح" بأن الجواب الأول ترد عليه الأحاديث التي قيل فيها "حسن صحيح" مع أنه ليس له إلا مخرج واحد" قال: "وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن الترمذي حيث قال هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن الآخر لا التفرد الطلق، قال: ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين، عن أبي هريرة يرفعه: "من أشار لأخيه بحديدة" الحديث. قال فيه هكذا: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا انتهى". (¬2) لكن هذا الجواب لا يستقيم مع المواضع التي يقول فيها: لا نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا". حيث قال أبو عيسى عقبه: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ. (¬3) ولما ضعف ابن دقيق العيد ما أجاب به ابن الصلاح عن الإستشكال المذكور ¬
أجاب عنه بما حاصله: أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح، وإنما يجيئه القصور حيث انفرد الحسن، وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة؛ لأن وجود الدرجة العليا؛ وهي الحفظ والإتقان لا ينافي وجود الدنيا كالصدق، فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا، صحيح باعتبار الصفة العليا؛ قال: ويلزم على هذا أن يكون كل ص حيح حسنا؛ ويؤيده قولهم: حسن في الأحاديث الصحيحة، وهذا موجود فى كلام المتقدمين انتهى. (¬1) ولما كان ابن المواق قد سبق ابن دقيق إلى هذا التعقيب فقد نقلة عنه غير واحد؛ ولذا قال الحافظ العراقي في التقييد: (وقد سبقه إلى نحو ذلك الحافظ أبو عبد الله بن المواق فقال في كتابه "بغية النقاد": لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح، فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ، ولا يكون صحيحا حتى يكون رواته غير مهتمين، بل ثقات؛ قال فظهر من هذا أن الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص هذا القسم، بل قد يشركه فيها الصحيح؛ قال: فكل صحيح عنده حسن، وليس كل حسن صحيحا". انتهى كلامه). (¬2) وقد اعترض على ابن المواق أبو الفتح اليعمري؛ فقال في شرح الترمذي: (وبقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح). (¬3) ¬
المبحث الحادي عشر: الجهالة وحكمها
هكذا كان اعتراضه على ابن المواق في مقدمة شرحه للترمذي، لكن خالف ذلك في أثناء الشرح عند حديث عائشة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال غفرانك. فإن الترمذي قال عقبه: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة. فأجاب أبو الفتح عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور، ومن لم تثبت عدالته؛ قال: وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه. (¬1) ورغم ذلكم فإن الحافظ ابن حجر قد وافق أبا الفتح على اعتراضه، واعتذر عن ابن المواق فيما ذهب إليه؛ حيث قال: (قلت: وهو تعقب وارد ورد واضح على زاعم التداخل بين النوعين، وكأن ابن المواق فهم التداخل من قول الترمذي: "وألا يكون راويه متهما بالكذب، وذلك ليس بلازم للتداخل، فإن الصحيح لا يشترط فيه ألا يكون متهما بالكذب فقط، بل بانضمام أمر آخر وهو: ثبوت العدالة والضبط بخلاف قسم الحسن الذي عرف به الترمذي، فبان التباين بينهما). (¬2) المبحث الحادي عشر: الجهالة وحكمها: تعريف الجهالة في الإصطلاح: قال الخطيب في الكفاية: (باب ذكر المجهول وما به ترتفع الجهالة. المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد. وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروى عن الرجل اثنان فصاعدا من المشهورين ¬
بالعلم كذلك، إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة روايتهما عنه). (¬1) يمكن أن يقال إن الأوصاف التي من أجلها حكم على الراوي بالجهالة عند الخطيب هي الآتية: - ألا يشتهر الراوي بطلب العلم في نفسه. - ألا يعرفه العلماء بطلب العلم. - ألا يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد. - ألا يعرف بجرح ولا تعديل. ويستفاد من كلامه أن الجهالة ترتفع برواية اثنين من أهل العلم عنه، لكن مع ذلك لا يثبت له بذلك حكم العدالة. (¬2) ولما تكلم ابن الصلاح عن رواية المجهول قسمه إلى ثلاثة أقسام؛ وهي: القسم الأول: المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا. قال: (وروايته غير مقبولة عند الجماهير، على ما نبهنا عليه أولا). (¬3) وقال أيضا: (أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه). (¬4) القسم الثاني: (المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة، وهو عدل في الظاهر، وهو المستور. ¬
قال بعض أئمتنا: فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول ...). (¬1) قلت [ابن الصلاح]: (ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة فى غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم، والله اعلم). (¬2) القسم الثالث: مجهول العين، ومن روى عنه عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة. قال ابن السبكي في جمع الجوامع: (أما المجهول ظاهرا وباطنا فمردود إجماعا، وكذا مجهول العين). (¬3) ولما أشار السخاوي إلى قول ابن السبكي المتقدم أعقبه بما نصه: (ونحوه قول ابن المواق: "لا خلاف أعلمه بين أئمة الحديث في رد المجهول الذي لم يرو عنه إلا واحد، وإنما يحكى الخلاف عن الحنفية"). (¬4) ولما تكلم الزركشي على مجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن ... نقل عن ابن المواق قوله: (المجاهيل على ضربين: لم يرو عنه إلا واحد مجهول، روى عنه إثنان فصاعدا، وربما قيل في الأخير مجهول الحال، فالأول لا خلاف أعلمه بين أئمة الحديث في رد رواياتهم، وإنما يحكى في ذلك خلاف الحنفية، فإنهم لم يفصلوا بين من روى عنه واحد، وبين من روى عنه أكثر من واحد، بل قبلوا رواية ¬
المجهول على الإطلاق). (¬1) قال ابن الصلاح: (قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد ... وكذلك خرج مسلم حديث لا راوي لهم غير واحد ... وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه، والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الإكتفاء بواحد في التعديل). (¬2) قلت: ولعل الحافظ ابن حجر قد أشار إلى مذهب البخاري ومسلم في ذلك حينما قال: (فإن سمي الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه، فهو مجهول العين، كالمبهم فلا يقبل حديثه إلا أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك ...). (¬3) مذهب ابن رشيد السبتي: يرى ابن رشيد أن الذي روى عنه راو واحد لا يسمى مجهول العين، ومع ذلك لا يوافق على قبول روايته؛ قال: (لا شك أن رواية الواحد الثقة تخرج عن جهالة العين إذا سماه ونسبه). (¬4) وقال كذلك: (لا فرق في جهالة الحال بين رواية واحد واثنين ما لم يصرح الواحد أو غيره بعدالته، نعم كثرة رواية الثقات عن الشخص تقوي حسن الظن به). (¬5) وتوجيه هذا القول أن مجرد الرواية عن الراوي لا تكون تعديلا له على ¬
المبحث الثاني عشر: تثبت العدالة؟
الصحيح، وقيل تقبل مطلقا؛ وكأن صاحب هذا المذهب يرى أنه لو لم ير تعديله لذلك الراوي عنه، لما روى عنه، وقد نقل السخاوي (¬1) عن ابن المواق أنه نسب هذا المذهب لأكثر أهل الحديث كالبزار والدارقطني. (¬2) المجهول عند أبي حاتم: إذا وصف أبو حاتم الراوي بكونه مجهولا، فليس مراده أنه لم يرو عنه سوى واحد، بدليل أنه وصف عددا من الرواة روى له أكثر من واحد بذلك؛ فإنه قال في داود بن يزيد الثقفي "مجهول" مع أنه قد روى عنه جماعة. لذا قال الذهبي عقبه: هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم، ولو روى عنه جماعة ثقات، يعنى أنه مجهول الحال. (¬3) ولما تكلم السخاوي عن (القسم الوسط) أي مجهول حال باطن وظاهر، وذكر أن حكمه الرد وعدم القبول عند الجماهير من الأئمة؛ قال ما نصه: "وعزاه ابن المواق للمحققين، ومنهم أبو حاتم الرازي، وما حكيناه من صنيعه فيما تقدم لِشهد له". (¬4) المبحث الثاني عشر: تثبت العدالة؟ التعريف الإصطلاحي للعدالة: قال ابن الصلاح: (أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن ¬
يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه). (¬1) وقال في تفصيل العدالة: (أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة). (¬2) أما ابن حجر فقد لخص تعريف العدالة بقوله: (هي ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة). (¬3) مذاهب المحدثين في إثبات صفة العدالة: إن الذي يرجع إلى تصرف العلماء في ثبوت العدالة يلحظ أنهم انقسموا إلى قسمين: - القسم الأول: يجعل المدار في ثبوت العدالة على تحقق العلم بها، وهذه الفئة تشمل المذهبين التاليين: أ - تثبت العدالة بتنصيص المعدلين عليها. ب - تثبت العدالة بالإستفاضة. (¬4) - القسم الثاني: يجعل مدار ثبوت العدالة على عدم العلم بمفسق، وهذه الفئة تشمل المذاهب التالية: أ - تثبت العدالة لكل حامل علم معروف العناية به. ¬
ب - تثبت العدالة برواية عدل عن رجل سماه. ج - تثبت العدالة برواية عدلين عنه. د - تثبت العدالة برواية أحد أهل العمل الكبار عنه، ممن لا يعرف بالرواية عن المجهولين. هـ - تثبت بالشهرة في غير العلم بالزهد والنجدة. (¬1) ومن مذهب ابن القطان أن العدالة لا تثبت للراوي حتى ينص عليها، ولذا قال في سعيد بن محمد بن جبير: لا يعرف حاله، وإن عرف نسبه وبيته، وروى عنه جمع، فالحديث لأجله حسن لا صحيح. (¬2) وقال في مالك بن خير الزبادي: (هو ممن لم تثبت عدالته). فقال الذهبي: (يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة). (¬3) وبإمعان النظر في القسم الثاني نجد أنه يرتكز على أساسين: الأول منهما: النظر في القرائن التي ترجح جانب العدالة على الفسق، أو العكس. الثاني: النظر في ضبط الراوي في حديثه. فمن قامت لديهم القرائن على عدالته، ولم يجدوا في حديثه ما يخالف فيه الثقات؛ قبلوه ومشوه، وإلا وصفوه بحسب مذاهبهم في ذلك. فإذا وجدنا راويا روى عن جمع من الثقات، وروى عنه جمع من الثقات، ولم يأت بمنكر، يقبل حديثه، ولا يضرنا جهل عدالته الباطنة وذلك لأنه يبعد أن ¬
يكون معروفا بفسق ومع ذلك يروي عنه هؤلاء الثقات، دون بيان حاله. (¬1) قال الذهبي: (وفي الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم. والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه أن حديته صحيح). (¬2) من مسلك البزار في الرواة أن مما تثبت به العدالة رواية جماعة من الجلة عن الراوي. (¬3) أما ابن عبد البر فيرى أن كل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة، حتى تتبين جرحته في حاله، أو في كثرة غلطه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله) (¬4). (¬5) وممن أخذ بقول ابن عبد البر من أهل العلم: - أبو عبد الله بن المواق؛ قال الزين العراقي: (وممن تبع ابن عبد البر على اختيار ذلك -من المتأخرين- أبو عبد الله [بن] أبي بكر بن المواق فقال في كتابه بغية النقاد: "أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك"). (¬6) ¬
المبحث الثالث عشر: هل في الصحابة من اسمه عبد الله الصنابحي؟
- ابن سيد الناس؛ حيث قال عن مذهب ابن عبد البر: (لست أراه إلا مرضيا). (¬1) - الحافظ المزي حيث قال عن مذهب ابن عبد البر: (هو في زماننا مرضي بل ربما تعين). (¬2) - ابن الجزري حيث نقل عنه السخاوي قوله: (إن ما ذهب إليه ابن عبد البر هو الصواب). (¬3) - وابن الوزير، فإنه انتصر لمذهب ابن عبد البر -ومن وافقه- في كتبه، ومن ذلك قوله: (ثم إن ما ذهب إليه ابن عبد البر وابن المواق هو الذي عليه عمل الموافق والمخالف في أخذ اللغة عن اللغويين، وأخذ الفتيا عن المفتين، وأخذ الفقه ومذاهب العلماء عن شيوخ العلم). (¬4) المبحث الثالث عشر: هل في الصحابة من اسمه عبد الله الصنابحي؟ ذكر أبو سالم العياشي أنه لما زار مكة عثر على كتب غريبة منها: رحلة الشيخ المحدث محمد بن رشيد السبتي، وأنه رأى منها عدة أجزاء، وصفها بأنها كثيرة الفوائد العلمية، ثم عدد بعض يراه من فوائدها، فكان منه أن قال: (ومنها لما ذكر عبد الله الصنابحي - راوي حديث الموطأ: إذا توضأ العبد فمضمض واستنشق خرجت خطاياه من فيه الخ ما نصه: اختلف الناس هل وجد في الصحابة من اسمه عبد الله الصنابحي أو لم يوجد، وإنما هو أبو عبد الله ¬
الصنابحي التابعي المشهور، ثم ذكر [أقوال] العلماء، وأطال إلى أن قال: وقد وقفت على كلام جيد في المحاكمة بين هذين القولين في كتاب: "المأخذ الحفال السامية عن مآخذ الأغفال في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم من الإخلال والإغفال وما انضاف إليه من تتميم وإكمال". مما تولى تعليقه الحافظ الناقد أبو عبد الله محمد بن الإمام يحيى بن المواق -رَحِمَهُ اللهُ-، وتولى -رَحِمَهُ اللهُ- تخريج بعضه من المبيضة، ثم اخترمته المنية ولم ييلغ من تكميله الأمنية فتوليت [القائل هو ابن رشيد] تكميل تخريجه مع زيادة تتمات وكتب ما تركه المؤلف بياضا) اهـ. (¬1) وبهذا يتبين أن ابن رشيد لما وجد الناس قد اختلفوا هل في الصحابة من اسمه عبد الصنابحي، أم هو وهم وقع في رواية مالك، وإنما هو أبو عبد الله الصنابحي التابعي ليس إلا، وبالتالىِ فالرواية منقطعة. ذهب إلى ترجيح قول الإمام ابن المواق فيما ذهب إليه من أن مالكا لم يهم؛ وأنهما إثنان: عبد الله صحابي، وأبو عبد الله تابعي. وكذلك اعتمد صاحب الرحلة -أبو سالم العياشي- قول ابن المواق حيث نص هذه الفائدة على ما ختم به من تأكيد ما ذكر من صحة وجود عبد الله المذكور وكونه صحابيا. (¬2) وبالرجوع إلى ملء العيبة نجد أن ابن رشيد إنما اطلع على كتاب العجالة في الأنساب من تأليف أبي بكر محمد بن موسى الحازمي؛ وقد جاء فيه: (الصنابحي منسوب إلى صنابح بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن يحارب، وهو مراد، بطن من مراد، منهم أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، يروي عن أبي بكر، وبلال، وعبادة بن الصامت، روى عنه عطاء بن ¬
يسار، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وليس له صحبة، لأنه قدم الدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس ليال. والصنابح بن الأعسر لا مدخل له مع هذا في الباب. وذاك أحمسي وله صحبة، وهذا صنابحي، وهو تابعي). انتهى كلام الحافظ أبو بكر. فاشتاق ابن رشيد لمعرفة القول الفصل في المسألة، فما كان إلا أن وقف على كتاب: (المآخذ الحفال السامية ....). فكان ذلك شافيا لما في نفسه في هذه المسألة. قال ابن رشيد السبتي: (ونص ما أورده [أي ابن المواق] حاكيا كلام شيخه أبي الحسن، -رَحِمَهُ اللهُ-، ومستدركا عليه ومتعقبا قال: (ومن التردد فيه في هذا الباب الذي رده بالإنقطاع ويغلب على الظن اتصاله ما ذص من رواية مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه ... " الحديث. ثم قال: وعبد الله الصنابحي لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: أبو عبد الله وهو الصواب. واسمه عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي. قال أبو الحصن -رَحِمَهُ اللهُ- انتهى ما ذكر، وهو كله مقول. أكثرهم زعموا أن مالكا وهم في قوله: عن عبد الله الصنابحي في هذا الحديث، وفي الحديث: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان"، وفي صلاته خلف أبي بكر الغرب وقراءته في الأخيرة: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (¬1) كل هذه الأحاديث يقول فيها مالك: عن عبد الصنابحي، يزعمون ¬
أنه وهم فيه، أو لم يعرفه، فأسماه عبد الله، فإن الناس كلهم عبيد الله. ثم ذكر قول الترمذي: سألت البخاري عنه، فقال: وهم مالك في هذا، فقال "عبد الله الصنابحي"، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث مرسل. ثم قال: وممن تبعه على هذا، ونقله كما هو أبو عمر بن عبد البر. وممن نحا نحوه أبو محمد بن أبي حاتم وأبوه، ثم ذكر ما ذكره ابن أبي حاتم إلى قوله: سمعت أبي يقول ذلك. ثم قال: هذا ما ذكره به. وبلا شك أن هذا الذي ذكروا في أبي عبد الصنابحي وهم كما ذكروه. فهو رجل مشهور الخير والفضل، فاتته الصحبة بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وصوله إليه بليال، ولكن التكهن بأنه المراد بقول عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ونسبة الوهم فيه إلى مالك أو إلى من فوقه. كل ذلك خطأ ولا سبيل إليه إلا بحجة بينة. ومالك -رَحِمَهُ اللهُ- لم ينفرد بما قال من ذلك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بل وافقه عليه أبو غسان محمد بن مطرف، وهو أحد الثقات. وثقه ابن معين وأبو حاتم، وأثنى عليه أحمد بن حنبل، واتفق البخاري ومسلم على الإخراج له والإحتجاج به، ثم ذكر من طريق أبي داود، عن محمد بن حرب الواسطي؛ قال: أنا يزيد بن هارون، أنا ابن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عبد عبد الله الصنابحي؛ قال: زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد ... الحديث. وممن وافق مالكا وأبا غسان على ذلك زهير بن محمد، رواه عن زيد بن أسلم. كذلك ذكره أبو علي بن السكن فذكر أيضا: عن عبد الله بن محمد؛ قال: أنا سويد ين سعيد؛ قال أنا حفص بن ميصرة في زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عبد عبد الله الصنابحي، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشمس تطلع مع قرن الشيطان، فإذا طلعت قارنها، وإذا ارتفعت فارقها". وذكر الحديث ثم قال: هؤلاء مالك وأبو غسان وزهير بن محمد وحفص بن ميسرة كلهم يقول
فيه؛ عبد الله الصنابحي. نص حفص بن ميسرة على سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث. وترجم ابن السكن لأسمه في الصحابة، وقال: يقال له صحبة، معدود في المدنيين. روى عنه عطاء بن يسار. قال: ويقال إن عبد الله الصنابحي غير معروف في الصحابة. وسأل عباس الدوري يحيى بن معين عن هذا فقال: عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون، ويشبه أن تكون له صحبة. ثم قال الشيخ أبو الحسن بن القطان -رَحِمَهُ اللهُ-: "والمتحصل من هذا أنهما رجلان؛ أحدهما أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، ليس له صحبة، يروي عن أبي بكر وعبادة، والآخر عبد الله الصنابحي يروي أيضا عن أبي بكر وعن عبادة. والظاهر منه أن له صحبة، ولا أبت ذلك، ولا أيضا أجعله أبا عبد الله عبد الرحمن بن عيسلة، فإن توهين أربعة من الثقات في ذلك لا يصح، فاعلمه. قال القاضي أبو عبد الله بن المواق. -رَحِمَهُ اللهُ-: تكلم أبو الحسن على هذا الحديث كلاما جيدا، ومع ذلك فعليه فيه أدراك. أحدهما: عده حديث صلاة أبي بكر وقراءته في المغرب: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} مما رواه مالك. فقال فيه: "عن عبد الله الصنابحي" فإنه وهم، وإنما قال فيه مالك: "عن أبي عبد الله الصنابحي، روى الرواة عن مالك عن أبي عبيد. مولى سليمان بن عبد الملك. عن عبادة بن نسي، عن قيس بن الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال: قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة فدنوت منه حتى أن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وهذه الآية: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
الثاني: قوله: "عبد الله الصنابحي روى عن أبي بكر، فإنه أيضا وهم جره وهمه الأول". فإنه لما اعتقد أنه الراوي حديث أبي بكر صلاة أبي بكر في المغرب عد فيمن روى عنه عبد الله الصنابحي أبا بكر، وليس كذلك، فإن عبد الله الصنابحي لا تعرف له رواية إلا في الأحاديث الثلاثة: حديث الوضوء، وحديث إن الشمس تطلع، وحديث الوتر، فاعلمه. الثالث: قوله إن مالكا لم يعرفه؛ فأسماه عبد الله، فإن الناس كلهم عبيد الله، ونَسْبُه هذا إلى من يقوله، ولم يسم أحدا وهو خطأ من قائله. فإن مالكا، رحمه الله، أشد الناس تحفظا وتورعا فى رواية الحديث والإتيان به على نص ما سمعه. ويشهد على صحة ما قلناه وخطأ من قال ذلك أنه ذكره في حديث "صلاة أبي بكر المغرب" على ما سمعه من أبي عبيد، فقال: عن أبي عبد الله الصنابحي. فدل ذلك أنه في الحديثين أتى به على ما سمع من زيد بن أسلم. والله أعلم. وقد قال أبو عمر بن عبد البر: ما أظن هذا الإضطراب جاء إلا من زيد بن أسلم. قال القاضي أبو عبد الله محمد بن أبي يحيى: لو كان مالك هو الذي أسماه في الحديثين، لاُنه لم يعرفه كما زعم هذا القائل لأسماه في هذا أيضا كذلك، وإنما نقل -رَحِمَهُ اللهُ- ما سمع. الرابع: أنه أغفل من قول ابن معين وغيره في عبد الله الصنابحي ما يقوي مذهبه فيه. وذلك ما روى ابن أبي خيثمة؛ قال: قال لي يحيى بن معين "الصنابحي؛ عبد الرحمن بن عسيلة لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله الصنابحي، ويقال أبو عبد الله الصنابحي لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -". قال القاضي أبو عبد الله: ففرق ابن معين بينهما، وأتبت، لأحدهما الصحبة ونفاها عن الآخر. فذكر البخاري في التاريخ حديث مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء، ثم قال: وتابعه ابن أبي مريم عن أبي غسان، عن زيد ...
قال القاضي أبو عبد الله وأخرج النسائي الحديثين في مسند مالك، ولوكانا عنده على الوهم ما أخرجهما، وكذلك خرجهما في المصنف، ولم يذكر أنهما مرسلان، وذكر مسلم في التمييز أحاديث نسب الوهم فيها إلى مالك، ولم يذكر هذين الحديثين فيهما، وذكره أبو القاسم بن عساكر في الأطراف فجعله في عدد الصحابة من العبادلة. وذكر أن ابن ماجة القزويني روى حديث: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان" عن إسحاق الكوسجي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم نحوه. وروى روح بن القاسم العنبري، عن مالك، وعن زهير بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: سمعت عبد الله الصنابحي يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشمس تطلع بقرن الشيطان" وذكر الحديث. خرجه الدارقطني في اختلاف الموطآت فقال: أنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني، قال: أنا إسماعيل بن أبي الحارث، وأنا روح فذكره. ففي هذا سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية مالك وزهير بن محمد كما في رواية سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة. ورواه الحارث بن أبي أسامة عن روح بإسناده، وفيه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذكره قاسم. وروح بن قاسم أحد الثقات؛ وإسماعيل بن أبي الحارث شيخ للبزار، روى عنه في مسنده، وقال ثقة مأمون؛ وأحمد بن محمد الزعفراني أحد الثقات ذكره الخطيب ووثقه. وحكى أن يوسف القواس ذكره في جملة شيوخه الثقات، فاعلم ذلك. قال القاضي أبو عبد الله: فهذه الروايات كلها عاضدة لا ذكره، ولكنه أغفلها، والإحاطة لله وحده.
المبحث الرابع عشر: الرواية بالمعنى عند ابن المواق
الدرك الخامس: أنه ذكر هنا رواية زهير بن محمد واعتض بها، ووثقه في جملة من شملهم إطلاق لفظه بل نصه، وقد ضعفه فى حديث عائشة في التسليمة الواحدة؛ وقد ضعف به غير حديث، ونقله هنا اصوب). (¬1) قال ابن رشيد السبتي: (انتهى كلام القاضي أبي عبد الله [أي ابن المواق]، أوردناه بجملته، وإن كان فيه بعض ما لا تمس حاجتنا إليه في الموضع، ولكنه، اشتمل على فوائد ومحاسن، فاخترنا إيراده بكامله، والله ينفع بذلك الجميع، ويتغمدنا برحمته إنه منعم كريم رؤوف رحيم). (¬2) المبحث الرابع عشر: الرواية بالمعنى عند ابن المواق: الرواية بالمعنى عند عبد الحق الإشبيلي: تكلم عبد الحق الإشبيلي على كتاب أبي القاسم الزيدوني، فذكر مؤاخذات عليه منها: (أنه عمد إلى الحديث فأخرجه من كتب كثيرة وترجم عليه بأسماء عديدة، ولم يذكر إلا لفظا واحدا، ولم يبين لفظ من هو، ولا من انفرد به وقلما يجيء الحديث الواحد في كتب كثيرة إلا باختلاف في لفظ أو معنى أو زيادة أو ¬
نقصان، ولم يبين هو شيئا من ذلك إلا في النزر القليل، أو في الحديث من المائة أو في أكثر، أو فيما كان من ذلك، وليس الاختلاف في اللفظ مما يقدح في الحديث إذا كان المعنى متفقا، ولكن الأولى أن ينسب كل كلام إلى قائله، ويعزى كل لفظ إلى الناطق به، وأما ما كان في الحديث الواحد من اختلاف معنى أو زيادة أو نقصان، فإنه يحتاج إلى تبيين ذلك وتمييزه وتهذييه وتلخيصه حتى يعرف صاحب الحكم الزائد والمعنى المختلف). اهـ (¬1) يستفاد من هذا النص أن عبد الحق الإشبيلي يرى: - أن الحديث إذا كان له طرق مختلفة فإنه يجب على من أخرجه أن يبين اللفظ الذي ساق لمن هو. - الاختلاف في لفظ الحديث لا يضره إذا كان المعنى متحدا. - الأولى عند اختلاف الألفاظ واتحاد المعنى أن ينسب كل كلام إلى قائله. - إذا اختلف المعنى في حديث بين رواية وأخرى وجب تبيان ما في كل رواية من زيادة أو نقصان حتى يعرف صاحب الحكم الزائد والمعنى المختلف. بين ابن المواق وعبد الحق الإشبيلي: - لما ذكر أبو محمد الإشبيلي من طريق ابن عدي حديث أبي هريرة مرفوعا: (لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل) (¬2) أورده من طريقين. فبين ابن المواق أن إحدى الطريقين ذكر فيها لفظ (وخاطب)، وأن هذا اللفظ لم يذكر في الطريق الثاني، واستدل ابن المواق على أنه لفظ منكر. وبهذا يتبين أن ابن الخراط خالف أصله الذي ذكره حينما عقب على الزيدوني في وجوب بيان الاختلاف بين الروايات، ونسبة كل كلام إلى قائله. ¬
-أورد عبد الحق الإشبيلي من طريق مسلم حديث عائشة: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها، غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب ...). ثم قال: (وفي رواية: من بيت زوجها، وفي أخرى من حديث أبي هريرة: "من غير أمره فلها نصف أجره"). (¬1) فتناول ابن المواق بيان أن حديث أبي هريرة -عند مسلم- ليس فيه التصريح بأجر المرأة، وإنما فيه: "فإنما نصف أجره له". ثم قال ابن المواق: (وهذا وإن كان مفهوما منه أن النصف الثاني لها على حد ما فهم من قوله جل وعلا: {فلأمه الثلث} أن الثلثين للأب، فإن من لا يرى نقل الحديث بالمعنى لا يتسامح في ذلك، وعلى هذا جرى عمل ق في كتابه). (¬2) وهذا النموذج الذي ذكرت من عطف الإشبيلي رواية على أخرى أو حديث على حديث كثيرا ما يكون سببا في التعقيب من ابن المواق عليه فيه، إذ قلما تجد روايتين متفقتين لا تغاير بينهما بالزيادة أو النقصان ... (¬3) يتبين لنا من التعقيب السابق -وغيره- من ابن المواق تشدده في باب الرواية بالمعنى، فابن المواق وإن كان قد ذكر في غير موضع جواز النقل بالمعنى بشروط فإنه يتشدد في هذا الباب حتى إن هذا التجويز يصير بعيد المنال. - ويلمس تشدده كذلك في متابعة عبد الحق عند نقل الأقوال بالمعنى: فعبد ¬
الحق الإشبيلي لما تكلم على أبي يحيى الأعرج المعرقب، (¬1) نقل عن ابن عدى أنه قال فيه: (زائغا عن الحق)، فبين ابن المواق ان ابن عدى لم يقل ذلك من تلقاء نفسه، بل نقله عن أبي حاتم، ثم بين أن صواب النقل: (زائغا عن الطريق). - ذكر عبد الحق الإشبيلي حديث أبى ثعلبة الخشني في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬2) ثم عطف عليه رواية أخرى فيها جزء مرسل، ولم يصرح بإرساله، فتعقبه ابن المواق حيث قال: "وهذه رواية ظاهرها الإرسال، إذ لا يسوغ لأحد أن يرويها بالإسناد يصله إلى عبد الله بن المبارك .. ولو فعل هذا فاعل عد متساهلا في النقل بالظن، وذلك جرح في فاعله". ولمبحث الرواية بالمعنى ملحقات ثلاثة تناولها أبو عبد الله بن المواق؛ الأول منها حكم الزيادة والنقص في الحديث، والثاني حول ضوابط الإختصار في الحديث، والثالث علاقة فقه الحديث باختصاره، وسأتناولها بالترتيب الذي ذكرت. أ - انقص من الحديث، ولا تزد فيه: - في حديث على بن أبي طالب في النهى عن بيع الضطر، (¬3) أشار ابن المواق إلى قاعدة من قواعد علوم الحديث وهي: "أنقص من الحديث، ولا تزد فيه"، ومثل لها بما يأتي: فلو كان في الرواية النهى عن بيع المضطر، وغيره، جاز له أن يكتفي بذكر النهى عن بيع المضطر، وإنما المنوع عكسه؛ أن يكون المذكور النهى، فيعكس هو؛ فيقول: حرام؛ فيكون قد زاد في ما روى. ¬
- ذكر عبد الحق الإشبيلي من عند الدارقطني حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - مرفوعا: (العين وكاء السه، فإذا نام استطلق الوكاء)، (¬1) فتعقبه ابن المواق بأن لفظ الحديث عند الذي نقل منه هو: (... فإذا نامت العين إستطلق الوكاء). وهكذا نرى بأن ابن المواق لا يجيز تغيير (نامت العين) بـ (نام). وقد تتبع ابن المواق عبد الحق الإشبيلي في مواطن اعتبره أخل فيها بالمعنى، والحال هذه أنه لم يصادف الصواب في ذلك؛ منها: أن ابن الخراط ذكر من مراسيل أبى داود حديث الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبيث ... ". فتعقبه ابن المواق بأن نص لفظ الحديث هو: (إذا دخل). قال: وهذا القول يستفاد منه إباحة هذا القول في الخلاء، وهذا المعنى الذي ذكر لا يصح، والصواب ما ذكرت في التعليق على الحديث. (¬2) وفي بعض الأحيان يتعقب ابن المواق عبد الحق الإشبيلي لإيراده الحديث بالمعنى، ومع ذلك يقر لأنه وإن حدث فيه بالمعنى فإنه لا يخل به. (¬3) والأحاديث التي تتضمن تعقيبا في موضوع الرواية بالمعنى كثيرة جدا في البغية. (¬4) ¬
- وقد نقل ابن المواق كذلك تعقيبات من أبى الحسن بن القطان على عبد الحق الإشبيلي في الرواية بالمعنى؛ منها: - في حديث ابن وهب الذي ذكره عبد الحق الإشبيلي: "ومن أجاز عرنة قبل الغروب فلا حج له". قال ابن القطان؛ (وذلك إنما نقله بالمعنى). وقال كذلك "والنقل بالمعنى شرط جوازه الوفاء بالمقصود، وذلك أن لفظ الخبر عند ابن وهب إنما هو: "فعليه حج قابل"، فنقله هو: فلا حج له"". ثم بين ابن القطان الفرق بين اللفظين، وأجاد في ذلك وأفاد. (¬1) ب - من ضوابط الإختصار: ذكر عبد الحق الإشبيلي حديث أم عطية: (غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي لهم الجرحى)، هكذا ذكره، فتعقبه ابن المواق بأن تتمته: (وأقوم على المرضى)؛ وهكذا اعتبره واهما فيما ترك من بقية لفظ الحديث، إذ يرى ابن المواق أن مثل هذا لا يحسن اختصاره؛ لأنه من جملة ما ذكرت أنها كانت تغزو، بالإضافة إلى نزارة لفظه، وقلة حروفه. (¬2) وإذا كان الحديث قضاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز ذكر قسم من قضائه وترك قسم؛ ومن أمثلة ذلك: أن عبد الحق الإشبيلي ذكر حديث تميم بن طرفة المرسل: "وجد رجل مع رجل ناقة له، فارتفعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقام البينة أنها ناقته، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " إن شئت فخذ بما اشتراها") فتعقبه أبو عبد الله بن المواق بأن تمامه: هكذا: (إن شئت فخذها بالذي اشتراها، وإن شئت فدع). قال: (ولا خفاء بأن هذا لا يختصر مثله: لأنه نظام الكلام وتمام القضاء الذي روى عن المصطفي - عليه أفضل الصلاة والسلام -، ¬
المبحث الخامس عشر: الإهتمام بنسبة روايات كتب الحديث إلى مؤلفيها
فاختصاره إجحاف لا يليق بكتاب الأحكام). (¬1) ومن أمثلة ذلك: إيراد عبد الحق الإشبيلي لحديث (الإيمان قيد الفتك)، فتعقبه ابن المواق بأن مثله لا يختصر لما فيه من زيادة، إذ تتمته؛ (لا يفتك المؤمن). (¬2) ج - الإختصار وفقه الحديث: ابن المواق لا يجيز الإختصار إذا كان ذلك سيؤثر على الحكم الفقهي المستنبط من الحديث، وأمثلة ذلك في النص كثيرة؛ منها: أن عبد الحق الإشبيلي ذكر حديث أبي هريرة مرفوعا -من عند ابن عدي-: "إذا قال الرجل لأخيه في مجلس هلم أقامرك، فقد وجبت عليه كفارة يمين". قال أبو عبد الله ابن المواق معقبا عليه: (وهذا أيضا سقط له من آخره: "وإن لم يفعل" ومثل هذا لا يصح أن يتركه اختصارا، وإنما يتركه سهوا؛ لوضوح موقعه من فقه الحديث). (¬3) ومنه ما ذكره عبد الحق الإشبيلي من حديث عمران بن حصين مرفوعا: (لا نذر في غضب)، قال أبو عبد الله بن المواق: (فإنه سقط له منه آخره أيضا وهو: "كفارته كفارة يمين" ... ولا يخفي موقع هذه الزيادة من فقه الحديث، فلا يكون تركها اختصارا ... " (¬4) المبحث الخامس عشر: الإهتمام بنسبة روايات كتب الحديث إلى مؤلفيها: الأمة الإسلامية أمة سند، وقد كان أوائل المحدثين يؤكدون على أهمية الرجوع إلى سند الحديث، وبالتالي كانت عمدتهم في النقل هي المشافهة ¬
والتلقي المباشر، ولهذا كم من راو جرحوه بكونه صحفي؛ لا يأخذ إلا عن الصحف، ولما ألفت كتب الحديث اهتم العلماء بروايتها عن شيوخها، وأخذها بالسند العالي منهم، ومن ثمة اشتهر رواة لكتب الحديث الشهورة، وقد يقع اختلاف في روايات هذه الكتب بين راوية وآخر، لذا نجد أبا عبد الله بن المواق كثيرا ما يرجع إلى هذه الروايات الموثقة النسبة إلى مؤلفيها ليقارن بينها مرجحا لما يراه راجحا منها، وأضرب مثالا لروايات سنن أبي داود من خلال كتاب: "بغية النقاد". سنن أبي داود رواها عنه أربعة رواة؛ هم: ابن داسة، وابن الأعرابي، والرملي، واللؤلؤي. - رواية ابن داسة رواها عنه كذلك ابن عبد المؤمن، وعنه رواها ابن عبد البر، وعنه رواها أبو علي الغساني. - رواية ابن داسة رواها عنه كذلك الخولاني. - رواية ابن الأعرابي رواها عنه الخولاني، وأبو عمر الصدفي. - رواية الرملي، رواها عنه ابن الخليل، وحميد بن ثوابة الجذامي. أما رواية اللؤلؤي فهي حاضرة في الكتاب، ولم يذكر ابن المواق الطريق الذي وصلت منه إلى المغاربة. وفي الصفحة الموالية تشجير لأصحاب رواة سنن أبي داود:
التشجير لرواة سنن أبي داود أبو داود ابن داسة (1) ... ابن الأعرابي (2) ... الرملي (3) ... اللؤلؤي (4) ابن الخليل (5) حميد بن ثوابة (6) الخولاني (7) أبو عمر الصدفي (8) عيسى بن حنيف (9) الخولاني ابن عبد المؤمن (10) الخطابي (11) أبو محمد عبد الله بن الوليد (12) ابن الحضائري (13) ابن عبد البر (14) أبو علي الغساني (15)
(1) محمد بن بكر بن داسة، أبو بكر، لازم أبا داود وأخذ عنه السنن، وحدث بها؛ قال أبو على الجياني: (ورواية أبي بكر بن داسة أكمل الروايات كلها، ورواية ابن عيسى الرملي تقاربها) (¬1) (2) أبو سعيد بن الأعرابي: أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم، البصري، الصوفي، صاحب التصانيف، سمع أبا داود وخلقا عمل لهم (معجما)، وعنه ابن جُمَيع وابن منده وكان ثقة ثبتا، عارفا عابدا ربانيا كبير القدر، بعيد الصيت، توفي سنة أربعين وثلاث مائة. (¬2) (3) إسحاق بن موسى بن سعيد، أبو عيسى الرملي، المعروف بابن الصريع الوراق، سكن بغداد، وحدث بها عن محمد بن عوف الحمصي ... روى سنن أبي داود عن مصنفها، ورواها عنه أحمد بن دحيم بن خليل القرطبي، وحميد بن ثوابة الجذامي الثغري، سئل الدارقطني عنه، فقال: ثقة. توفي سنة عشرين وثلاث مائة. (¬3) (4) اللؤلؤي، هو: محمد بن أحمد بن عمرو، أبو على اللؤلؤي، البصري، سمع من أبي داود السجستاني السنن، وقرأها عليه عشرين سنة، وروى عن القاسم بن نصر، وجماعة، روى عنه أبو عبد الله الحسين بن بكر بن محمد الوراق، البصري، المعروف بالهراس. حلاه الذهبي بقوله: (الإمام المحدث الصدوق) توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة. (¬4) (5) ابن خليل، هو: أحمد بن دحيم بن خليل، من أهل قرطبة، يكنى: أبا عمر سمع عبيد الله بن يحيى، وسعيد بن عثمان الأعناقي، وأخذ سنن أبي داود ¬
عن الرملي، وعنه رواها أبو عثمان سعيد بن عثمان النحوي المعروف بابن القزاز. قال فيه ابن الفرضي: كان معتنيا بالآثار، جامعا للسنن، ثقة فيما روى. توفي سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة. (¬1) (6) حميد بن ثوابة الجذامي، من أهل وشقة، يكنى أبا القاسم. كانت له عناية بالعلم ورحلة دخل فيها العراق فسمع ببغداد من أبي بكر بن أبي أبي داود السجستاني، ومن أبي بكر أحمد بن محمد بن أبي شيبة، وغيرهما، روى عنه أبو عمر الصدفي، وأحمد بن محمد بن معروف. قال فيه ابن الفرضي: (كان عالما بالحديث بصيرا به). (¬2) (7) عمر بن عبد الملك بن سليمان، أبو حفص، الخولاني، القاضي، المعروف بابن الرفاء، رحل إلى مكة، وقرأ بها على أبي سعيد بن الأعرابي سنن أبي داود، وذلك سنة أربعين وثلاث مائة، وقابله بأصل ابن الأعرابي، ثم رحل إلى العراق بهذا الكتاب، فسمعه بالبصرة نم أبي بكر محمد بن بكر بن داسة سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة، وهو ممسك بكتابه، فكان لنسخته لسنن أبي داود ميزة ليست لغيرها. (¬3) (8) أبو عمر الصدفي هو: أحمد بن سعيد بن حزم بن يونس المنتجيلى، من أهل قرطبة عني بالأثار والسنن وجمع الحديث. اتسعت روايته بالرحلة، فسمع ببلده وبمكة وبمصر والقيروان. له التاريخ الكبير، ترجم فيه للمحدثين فبلغ فيه الغاية، مات سنة خمسين وثلاث مائة. (¬4) (9) عيسى بن حنيف، أبو موسى، يروي عن محمد بن بكر بن داسة، وعنه ¬
رواها أبو محمد عبد الله بن الوليد. (¬1) (10) ابن عبد المؤمن، هو: عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى التجيبي، أبو محمد المعروف بابن الزيات، رحل إلى المشرق رحلتين، فسمع ببغداد من أبي علي إسماعيل بن محمد الصفار وجماعه، وسمع بالبصرة من أبي بكر بن داسة سنن أبي داود، وعنه رواها ابن عبد البر. قال فيه ابن الفرضي: (وكان كثير الحديث مسندا صحيح السماع، صدوقا في روايته، إلا أن ضبطه لم يكن جيدا ...) توفي سنة تسعين وثلاث مائة. (¬2) (11) حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب، أبو سليمان، البستي، الخطابي، صاحب التصانيف، سمع من أبي سعيد بن الأعرابي بمكة، وأبي بكر بن داسة بالبصرة، وآخرين، وسمع منه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، وخلق كثير، من مصنفاته: (معالم السنن)، وهو شرح لسنن أبي داود، و (غريب الحديث)، و (أعلام الحديث)، توفي -رَحِمَهُ اللهُ-، سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة. (¬3) (12) عبد الله بن الوليد، أبو محمد الأندلسي، روى سنن أبي داود عن عيسى بن حنيف، ورواها عنه أبو القاسم بن عمر بن الحسن بن عمر الهوزني الإشبيلي. (¬4) (13) أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن الحضائري، روى سنن أبي داود عن عيسى بن حنيف. (¬5) ¬
(14) ابن عبد البر: هو القاضي أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن عبد البر بن عاصم، النمري، القرطبي، حافظ المغرب، (368 هـ - 463 هـ) له مصنفات كثيرة؛ منها: (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)، (الإستذكار بمذاهب علماء الأمصار)، و (الكافي) في الفقه، (الدرر في المغازي والسير)، و (الإستيعاب في معرفة الأصحاب). (¬1) (15) أبو على الغساني، الجياني، الأندلسي، اسمه: الحسين بن محمد بن أحمد، إمام عصره في الحديث، له إلمام واسع باللغة والشعر والإنساب، أخذ عن كبار المحدثين ببلده، حمل عن أبي عمر بن عبد البر، رحل الناس إليه للأخذ عنه من كل قطر ومكان، حدث عنه عياض إجازة، له مصنفات قيمة؛ منها: (تقييد المهمل وتمييز المشكل)، وهو كتاب ضبط فيه كل لفظ يقع فيه اللبس من رجال الصحيحين .. توفي سنة ثمان وتسعين وأربع مائة. (¬2) ¬
الفصل الخامس متفرقات
الفصل الخامس متفرقات المبحث الأول: التعقيب وآدابه عند ابن المواق المبحث الثاني: ضوابط النقل عند ابن المواق المبحث الثالث: أصول التخريج عند ابن المواق المبحث الرابع: في نماذج من المناقشات العلمية في مصطلح الحديث بين ابن المواق وابن القطان المبحث الخامس: في ذكر بعض فوائد كتاب البغية المبحث السادس: نقول عن ابن المواق المبحث السابع: في ذكر المؤاخذات على ابن المواق
المبحث الأول: التعقيب وآدابه عند ابن المواق
المبحث الأول: التعقيب وآدابه عند ابن المواق: كان ابن المواق -رَحِمَهُ اللهُ- يلتزم بالآداب العلمية في تعقيباته سواء مع شيخه ابن القطان أو مع عبد الحق الإشبيلي، أو غيرهما، وهذه بعض السمات التي كان يسير عليها في تعقيباته: أ - التماس العذر: للواهم أو المخطئ والظن الحسن به: ففي حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (إذا قال الرجل في مجلس هلم أقامرك فقد وجبت عليه كفارة يمين) (¬1) هكذا ذكره عبد الحق الإشبيلي، فتعقبه ابن المواق بأنه أسقط من آخره قوله "وإن لم يفعل" وقال: (ومثل هذا لا يصح أن يتركه اختصارا، وإنما يتركه سهوا لوضوح موقعه من فقه الحديث) اهـ. ب - عدم الإسراع بنسبة الوهم للواهم دون التثبت والتأكيد من ذلك: ففى حديث البراء بن عازب: (قضى رسول الله صلى عليه وسلم بحفظ الحائط ....) (¬2) ذكر عبد الحق الإشبيلي رواية معمر لهذا الحديث، وقد جهد ابن المواق نفسه ليجد هذه الرواية مذكورة عند بعض من روى الحديث، فلما لم يقف عليها، لم يدع عدم وجودها، بل قال: "والإحاطة لله". ومعنى ذلك أنه رجح عدم عثوره عليها، لعدم إحاطته بروايات الأحاديث، ولم يوهم الإشبيلي لمجرد ذلك. ج - الهدف هو الوصول إلى الحق: كان هدف ابن المواق -رَحِمَهُ اللهُ- بيان الأوهام وتصحيح الأخطاء الواقعة في كتاب بيان الوهم والإيهام، وكذا في كتاب الأحكام الوسطى، ولذا كان تارة ينتصر لعبد الحق فيما أصاب فيه، وأخرى يصوب ما ذكره ابن القطان، ¬
وثالثة يشيد بهما معا، ورابعة يوهمهما معا، وكل هذا في آداب متناهية. نموذج لانتصاره لعبد الحق الإشبيلي: في حديث جعفر بن عبد الله المخزومي؛ قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر، ثم سجد عليه، قلت ما هذا؟ قال رأيت خالك ابن عباس قبل الحجر، ثم سجد عليه، وقال رأيت عمر قبله وسجد عليه، وقال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الحجر وسجد عليه (¬1) ساق عبد الحق الإشبيلي هذا الحديث من عند البزاز، لكن ابن القطان نَفَى أن يكون هذا الحديث مذكورا في حديث عمر عند البزاز، وقال: ولعله في بعض أماليه وإنما أعرفه هكذا عند ابن السكن، لكن ابن المواق اعترض عليه بأنه عند البزاز من حديث عمر فيما روى ابن عباس عنه، وإنما لم يعثر عليه، لأن البزاز لم يترجم باسم الراوي عن ابن عباس، بل ضمنه تحت ترجمة نافع بن جبير عن ابن عباس. نموذ لموافقته لإبن القطان: في حديث ابن عمر: (التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس) (¬2) ذكر هذا الحديث عبد الحق ونسبه إلى البزار؛ وقال في إسناده فرج بن فضالة. فجهد ابن القطان نفسه ليجد هذا الحديث في مسند البزار، فلم يقف عليه فيه، ولذا جوز أن يكون وقع له في بعض أماليه، ثم قال أبو الحسن ابن القطان: (والذي في مسند البزار إنما هو الفعل لا القول ومن غير رواية الفرج بن فضالة). وقد بحث ابن المواق عن الحديث في مسند البزار فلم يلقه فيه ولذا قال: (هو كما ذكر، هذا الحديث لم يقع في مسند البزار بذلك اللفظ الذي ذكره ق أصلا، وإنما ذكره الترمذي في كتاب العلل من طريق فرج (بن فضالة.) اهـ. ¬
نموذج آخر في حديث ابن مسعود: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) (¬1) ساقه عبد الحق الإشبيلي من عند البزار، ثم نقل عنه قوله: (ليس له أصل من حديث عبد الله). وعقب عليه ابن القطان بقوله: (5 ذا الحديث والكلام بعده ليس في مسند حديث عبد الله بن مسعود من كتاب البزار، ولعله نقله من بعض أماليه، التي تقع في مجالس مكتوبة في أضعاف كتابه، في بعض النسخ ولعله يعثر عليه بعد إن شاء الله) اهـ. فبحث عنه ابن المواق واستبشر خيرا بوجوده في مسند البزار: حيث قال (قد عثر عليه، والحمد لله، وهو كما قدره؛ فإن البزار ذكره في آخر المسند؛ في المشايخ المقلين عقب حديث وابصة بنت معبد في إملاء ذكره هنالك). اهـ نموذج لتوهيمها معا: ذكر عبد الحق الإشبيلي -من طريق أبي أحمد- حديث ابن مسعود: يا عمير أعتقك الحديث .. وتعقبه ابن القطان في باب نسبه الأحاديث إلى غير رواتها؛ لأن ابن الخراط ذكر في مسنده "القاسم بن عبد الله" بينما هو: "القاسم بن عبد الرحمن"، لكن ابن القطان لم يتنبه لوهم آخر لعبد الحق؛ حث سقط له من سنده: "يونس بن عمران" فإنه هو الذي يرويه عن القاسم بن عبد الرحمن، فاستدرك ابن المواق عليه ذلك وعده من أوهامهما. (¬2) د - بيان سبب الخلل أو الوهم: ابن المواق حريص على بيان سبب الأوهام التي فيها عبد الحق الإشبيلي، أو أبو الحسن بن القطان الفاسى؛ فمن ذلك مثلا أن عبد الحق وهم أوهاما لم يكن هو الذي وهمها في أول الأمر؛ وإنما نقلها عن غيره كما هي؛ فكانت البلية فيها ¬
ممن نقل عنه، وليس منه، وهذا بعض ما نبه عليه الحافظ ابن المواق؛ من ذلك: ففي حديث ابن عباس أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت أن أنحر نفسي ... (¬1) ذكره عبد الحق الإشبيلي بإسقاط راويين من إسناده، وهما: ابن عباس ومولاه كريب الراوي عنه؛ فجعل الحديث معضلا، بينما هو في مسند البزار، الذي نسبه إليه مسندا، قال الحافظ ابن المواق: (وإنما نقله ق من عند أبي محمد ابن حزم؛ فهو السابق إلى هذا الوهم فيه، وتبعه أبو محمد فسقط بسقوطه، والصواب في ذلك ما ذكرناه). اهـ وفي حديث ابن عمر: من مثل بمملوكه فهو حر .. (¬2) تغير لعبد الحق الإشبيلي راو من رواته؛ وهو (عمر بن عيسى) فأورده: (عمرو بن عيسى)، فصحح الحافظ ابن المواق هذا الوهم، ثم بين سببه؛ فقال: (وإنما جر على ق الوهم في هذا الأخير أبو محمد بن حزم؛ فإنه وقع عنده فيه: "عمرو بن عيسى"). اهـ وفي حديث محمد بن عبد الرحمن؛ قال في كتاب صدقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل .. (¬3) وهم عبد الحق في اسم أحد رواته (سليمان بن أبي داود)، فقال فيه: (سليمان بن داود)، فلما نقله ع عن عبد الحق فلم ينتبه لوهمه؛ فنقله كما هو عنده، فوهم بوهمه، فصححه الحافظ ابن المواق، ثم قال: (وإنما غلط -والله أعلم- بما وقع فيه من الوهم في كتاب بن أبي حاتم، فإنه ذكره كذلك في باب السنين، وقاله على الصواب في المحمدين لما ذكر ابنه محمد بن سليمان؛ فقال: ابن أبي داود الحراني، فذكره على الصواب) اهـ. ¬
وفي حديث الحسن مرفوعا: من طلق لاعبا أو أنكح لاعبا ... (¬1) وقع وهم لعبد الحق في أحد رواته وهو (إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى)، حيث قال فيه (إبراهيم بن محمد بن أبي ليلى)، فنبه ابن المواق على هذا الوهم مبينا أصل هذه الجناية؛ فقال: (وإنما جنى عليه هذا الوهم أبو محمد بن حزم؛ فإنه وقع عنده في المحلى كذلك، وكثيرا ما يجني عليه). اهـ وفي حديث زينب بنت جابر الأحمسية التي حجت وهي مصمتة .. (¬2) وقع لإبن القطان وهم في اسم راو من رواته؛ وهو: (أحمد بن بشير)؛ فقال فيه: (أحمد بن بشر)، فصححه ابن المواق ونبه إلى مصدر الوهم حيث قال: (وكما ذكره ع وقع لإبن حزم في المحلى، فوهم فيه جميعهم). اهـ وفي حديث علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-؛ قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا طلق البتة فغضب وقال: "تتخذون آيات الله هزؤا .. " (¬3) وهم أبو محمد الإشبيلي في (إسماعيل بن أمية) فذكره (إسماعيل بن أبي أمية)، فنبه ابن المواق على هذا الوهم؛ وقال: (وإنما غلط ق لأن الدارقطني ذكر قبل هذا الحديث متصلا به حديثا رواه من طريق إسماعيل بن أبي أمية الذراع، عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس؛ قال: سمعت معاذ بن جبل؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ من طلق في بدعة واحدة أو اثنتين، أو ثلاثا ألزمناه بدعته .. " ثم ذكر الحديث المتقدم من طريق إسماعيل بن أمية .. فتوهم ق أنهما رجل واحد، وليس كذلك، ولو تثبت فيما ذكره الدارقطني في كل واحد منهما .. لعلم أنهما رجلان: أحدهما بصري، والآخر كوفي، فالبصري هو إسماعيل بن أبي أمية؛ وهو أبو الصلت الذراع ... والكوفي هو إسماعيل بن أمية القرشي).اهـ ¬
هـ - الدعاء للواهم عند توهيمه تطييبا لخاطره: ذكر عبد الحق الإشبيلي حديث بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركن التشهد: لا إله إلا الله، وأني رسول الله، والصلاة علي، وعلى أهل بيتي .. (¬1) فنبه ابن المواق إلى أن جملة (أهل بيتي) زيدت في هذا الخبر، وأنها ليست في مسند البزار، وهو الأصل الذي نقله منه، ثم قال: (وأراه إنما دخل عليه الوهم من ذكره قبل ذلك: الحديث الذي أورده من حديث أبي مسعود الأنصاري متضمنا هذه الزيادة فاشتبه عليه عند النقل، فنسبه إلى حديث بريدة واهما، والله يتجاوز عنا وعنه، فالظن به أنه لا يأتي شيئًا من هذا بقصد، رحمنا الله وإياه) اهـ. وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كَفَّن حمزة في نمرة في ثوب واحد (¬2)؛ قال: عبد الحق الإشبيلي عقبه: (صحح أبو عيسى هذا الحديث). هكذا ذكر، فنبه ابن المواق أن أبا عيسى الترمذي ذكر حديث عائشة: كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب .. تم قال الترمذي عقبه: (حديث عائشة حديث حسن صحيح). قال ابن المواق: (اعتقد ق أن التصحيح لحديث جابر لما رآه بعده، ولم يتثبت عند النقل، والله يتجاوز عنا وعنه بمنه وكرمه). اهـ وخلاصة القول أن لإبن المواق سمات عامة في تعقيباته؛ منها: التنبيه على موطن الوهم أو الخلل في آداب متناهية، والمعاتبة في لطف، والظن الحسن بمن يقعون في الأوهام، وتنزيههم عن تعمد الوقوع فيما وقعوا من الخلل ونحوه، ونشدان الحق في كل تعقيب تعقيب، والإنصاف ببيان موطن الصواب عند الإصابة، وموطن الخطأ أو الوهم عند الزلل، وعدم إجحاف الواهم حقه، إذا وهم في ذكر حديث، ثم ذكره على الصواب ثانية، والتريث في إصدار الأحكام قبل التأكد ... ¬
المبحث الثاني: ضوابط النقل عند ابن المواق
المبحث الثاني: ضوابط النقل عند ابن المواق: إن الذي يرجع إلى كتاب البغية يجد فيه طائفة من القواعد والضوابط وأصول المبحث العلمي عامة، وفي الدراسات الحديثية خاصة، وهذه بعض المسائل المتفرقة التي تعرض لها في ثنايا كتابه: 1 - وجوب المعارضة عند الإنتهاء: لما تكلم أبو عبد الله بن المواق على حديث أبي حمزة في الرجل الذي نسي الأذان والإقامة، (¬1) الذي نقله عبد الحق الإشبيلي من عند ابن عدي، فوقع في وهم وهو نسبة الحديث إلى راويه هشام بن خالد، وصوابه: هشام بن عبد الملك. بين ابن المواق سبب الوهم بأن هشام بن خالد، وهشام بن عبد الملك؛ معا يرويان عن بقية، ثم إنهما قد ذكرا معا في كتاب "الكامل" في نفس الصفحة التي نقل منها الإشبيلي حديث الباب، فخالف بصره عند النقل من سطر إلى آخر لما أراد أن ينقل الحديث. ثم عقب ابن المواق على ذلك بأنّ كان عليه أن يعارض، فبالمعارضة يذهب كثير من الخلل. 2 - وجوب الإبقاء على الأوهام الواقعة في المصنفات على حالها، التنبيه عليها: إذا وقع تغيير أو تصحيف أو خطأ في الكتب فهل يصحح ويعاد إلى الصواب، أم يبقى على صفته التي وجد عليها؟ من العلماء من يرى جواز التصحيح؛ ومن هؤلاء الشعبي؛ فقد نسب إليه القاضي عياض أنه قال: "لا بأس أن يقوم اللحن في الحديث". (¬2) ¬
ونقل عن الأوزاعي أنه قال: "أعربوا الحديث؛ فإن القوم كانوا عربا". (¬1) وقال أيضًا: "لا بأس بإصلاح اللحن في الحديث". وروي مثل هذا عن جماعة من السلف فمن بعدهم. (¬2) لكن جمهور أهل العلم يرون وجوب الإبقاء على الخطأ على أصله، وروايته تبعا لما تلقوه. روى الخطيب البغدادي بسنده إلى الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر؛ عبد الله بن سخبرة أنه قال: "إني لأسمع الحديث لحنا فألحن إتباعا لما سمعت". (¬3) وهذا ميمون بن مهران يسأل أحمد بن حنبل عن اللحن في الحديث، فيجيبه: "لا بأس به" (¬4). كل ذلك حفاظا على الرواية من التغيير، وسدا لباب الذريعة، حتى لا يلج الباب من يظن أن المصنف أخطأ فيصحح ذلك تبعا لما يرى، فيحرف النص ويدخل عليه التغيير .. فهذا القاضي عياض يقول: (الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرواية كما وصلت إليهم وسمعوها ولا يغيرونها من كتبهم اطردوا ذلك في كلمات من القرآن، استمرت الرواية في الكتب عليها بخلاف التلاوة المجمع عليها، ولم يجيء في الشاذ من ذلك في الموطأ والصحيحين وغيرها حماية للباب، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة في حواشي الكتب، ويقرءون ما في الأصول على ما بلغهم). (¬5) ¬
وهذا المذهب الأخير هو الذي انتصر له أبو عبد الله بن المواق؛ حيث ذكروا رواية للبزار -في حديث- سقط له فيها لفظ، فأعقبها بقوله: "وهذا اللفظ، وإن كان لابد منه ... فلا يجوز تغييره، كما وقعت في كثير من المصنفات أوهام ينبه عليها، وتترك على حالها)). (¬1) 3 - التماس الضوابط العلمية قبل الحكم على مؤلّف ما بوهمه في كتابه أو كتبه. من منهج ابن المواق أنه لا يحكم على مصنف ما بوهمه في كتابه إلا بعد التأكد من ذلك، وقد جرى في هذا السبيل على اعتماد أمور منها: أ - مراجعة أكبر عدد من نسخ الكتاب. (¬2) ب - الإهتمام بالكتب المروية بالسند الصحيح إلى مؤلفيها. (¬3) ¬
ج - الرجوع إلى نسخ الكتاب التي اهتم بها جهابذة العلماء عناية وضبطا وتصحيحا. (¬1) د - اعتماد السند العالي في رواية المصنفات وتقديمه على غيره. (¬2) ¬
المبحث الثالث: أصول التخريج عند ابن المواق
المبحث الثالث: أصول التخريج عند ابن المواق هذه بعض الأمور المتعلقة بأصول التخريج التي اهتم بها ابن المواق: -كان ابن المواق -رَحِمَهُ اللهُ- يهتم بعزو الاُحاديث إلى مواطنها التي رويت فيها، وهو شديد الدقة في ذلك، ولذا فإنه -إذا اختلفت روايات الحديث الواحد سواء في الألفاظ أو المعاني -لم يكن يسمح بنسبة لفظ الحديث إلى راو من رواته دون التأكد من كونه هو اللفظ الذي رواه. -إذا روى الحديث صحابيٌ عن صحابي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنّه ينسب إلى راويه المباشر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. -يجب التفرقة بين ما روي من فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين ما يروي من قوله، ولا يجوز الجمع بينهما دون التنصيص على ذلك. - لا يجوز الجمع بين الأحاديث المتفقة في المعنى والمختلفة في الرفع والوقف إلا ببيان ذلك. - وجوب التفرقة بين أقوال الاُئمة، ومنقولاتهم عن غيرهم، فلا يجوز نسبة القول إلى أحد الأعلام إذا كان هو بدوره نقله عن غيره. - إذا نسبت أقوال مختلفة، أو متعارضة إلى إمام أو عالم، وجب توثيق النسبة لمعرفة صحة ذلك، هل هي روايات عن ذلك الإمام، أو غير ذلك. - يجب التفرقة بين نسبة الأحاديث إلى رواتها، وبين نسبة الأقوال إلى أصحابها.
المبحث الرابع: في نماذج من المناقشات العلمية في مصطلح الحديث بين ابن المواق وابن القطان
المبحث الرابع: في نماذج من المناقشات العلمية في مصطلح الحديث بين ابن المواق وابن القطان: نموذج حول زيادة راو في السند: تكلم ابن القطان على حديث رافع بن خديج؛ قال: قلت يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غدا، وليست معنى مدى الحديث ... (¬1) فقال: (هذا الحديث هو عند مسلم من رواية سفيان الثوري، عن أبيه سعيد ابن مسروق، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، وهكذا رواه عمر بن سعيد؛ أخو سفيان الثوري). ثم ذكر أن أبا الأحوص رواه عن سعيد بن مسروق -والد سفيان الثوري- عن عباية بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، عن جده: رافع بن خديج. فذهب ابن القطان إلى أن رواية أبي الأحوص هاته التي فيها زيادة (عن أبيه) متصلة، بينما حكم على رواية من خالفها بالإنقطاع. هذا مع العلم أن ابن القطان ينقل عن الترمذي قوله: (أن عباية سمع من جده رافع بن خديج) وحجة أبي الحسن ابن القطان في ذلك أن رواية سفيان الثوري، وأخيه عمر -عند مسلم- رويت عن طريق العنعنة، وليس فيها ذكر لسماع عباية بن رفاعة من جده رافع في هذا الحديث بالذات. (¬2) ومن تعقبات ابن المواق على شيخه في هذا الحديث: 1 - مؤاخذته على اعتماد رواية أبي الأحوص وجعلها حجة على كل من ¬
خالفه، مع العلم أن جماعة من الحفاظ الثقات الأثبات خالفوه؛ منهم: شعبة، وسفيان وأخوه عمر؛ ابنا سعيد الثوريان، وأبو عوانة، وزائدة بن قدامة، وعمر بن عبيد الطنافسي، وإسماعيل بن مسلم العبدي، وغيرهم ممن تابعهم، ورواية من ذكر كلها في الصحيحين. 2 - مؤاخذة ابن القطان على تخطئة من خطأ أبا الأحوص، وهم جماعة كبيرة، منهم: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلم بن الحجاج، وأبو عيسى الترمذي، وأبو محمد عبد الغني بن سعيد، وأبو القاسم بن عساكر، وآخرون. 3 - سفيان الثوري أحفظ من أبي الأحوص، وأعلم بحديث أبيه منه، فكيف إذا أضيف إلى ذلك متابعة الحفاظ الأثبات له -الذين كل واحد منهم أثبت من أبي الأحوص- وموافقتهم لروايته، وبالتالي لا يجوز تقديم رواية أبي الأحوص على رواية سفيان الثوري ومن تابعه. 4 - إنما ساق ابن القطان رواية أبي الأحوص من عند الترمذي، وهي موجودة في صحيح البخاري، فكان الأولى ألا يبعد النجعة، إذ إيرادها من الصحيح أقوى لما ذهب إليه ابن القطان من تخطئة من خالفه. ولما كان من مذهب ابن المواق أن الصواب في هذا الحديث مع ما رواه الجماعة، وأن أبا الأحوص قد وهم فيه، فإنَه قد التمس مخرجا لرواية البخاري للحديث من طريق أبي الأحوص؛ لذا قال: (وإدخال البخاري لهذه الرواية في الصحيح لا يقتضي أنها عنده أصح من غيرها مما خالفها؛ لأنه أدخل رواية سفيان، وعمر بن عبيد الطنافسي، وشعبة، وأبي عوانة في الصحيح، وإنما أدخل رواية أبي الأحوص؛ والله أعلم، لأنه لم يحفل بقوله في الإسناد: (عن أبيه)، فإنها زيادة لا تكر على الحديث بعلة فيه بخلاف ما لو نقص راويا من الإسناد، فيصير الإسناد منقطعا، فإنه علة فيه، وهكذا وقع في رواية الشيخ أبي ذر عن أشياخه، عن الفربري، عن البخاري بإثبات (عن أبيه) في الإسناد، ووقع في رواية
ابن السكن عن الفربري بإسقاط (عن أبيه)، كأنه طرح الخطأ منه، وأثبت الصواب، وساق عنه الحديث؛ لأنه لم يخطئ في متنه، والله أعلم). اهـ (¬1) قلت: الطريق التي سلكها الحافظ ابن المواق في هذا الحديث، هي طريق الترجيح؛ حيث رجح رواية جماعة من الحفاظ على رواية أبي الأحوص، وقد سلك هذا السبيل -في هذا الحديث- طائفة من المحدثين، منهم أبو حاتم الرازي؛ قال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عن حديث رواه أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق، عن عباية ابن رفاعة، عن أبيه، عن أبيه، عن جده، رافع بن خديج .. وذكر الحديث. قال قلت: فأيهما أصح؟ قال الثوري أحفظ) اهـ. (¬2) وأرى أنه لا حاجة إلى الترجيح بين هاتين الروايتين، فأبو الأحوص ثقة، لم ينفرد بروايته، فما الذي يمنع من أن يكون عباية بن رفاعة سمع الحديث من أبيه رفاعة، فحدث به كذلك (وهي رواية أبي الأحوص)، وسمعه من جده، فحدث به كذلك؟ ويتأيد ذلك عندي بإخراج البخاري الحديث من طريقه، وكذا من طريق مخالفيه، فالإمام البخاري، -رَحِمَهُ اللهُ- فحل من كبار فحول الصناعة الحديثية، ولم يدخل في صلب صحيحه، إلا ما صح لدي 5 من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمتتبع لمنهاج البخاري في صحيحه يلاحظ كثيرا من الدقائق في هذا الباب: فحتى الأحاديث المعلقة عنده، التي كثيرا ما يترجم بها لأبوابه، لا يوردها إيرادا واحدا، فما صح لديه من طريق آخر أورده بصيغة الجزم الدالة على صحة الحديث، وما لم يصح لديه ساقه بإحدى صيغ التضعيف، أو البناء للمجهول. ولا أرى بأن البخاري لم يكترث لهذه الزيادة في السند -في رواية أبي ¬
الأحوص- فكما أن نقصان راو علة في الحديث، فكذلك زيادة راو فيه، نعم ليس الأمر سيان، فعلة النقصان انقطاع في السند، بينما الزيادة إدخال في سند الحديث من ليس منه، فالأمر الثاني أخف من الأول. نموذج في الاختلاف بين ابن المواق وابن القطان على حكم حديث؛ بين التصحيح والتحسين ذكر ابن القطان حديث أنس؛ قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا بعد الركوع في صلاة الصبح .. الحديث. (¬1) وبعد كلام له قال: (نعم روي قنوته عليه السلام قبل الركوع من حديث أنس ولكن في غير كتاب مسلم). ثم أورد رواية عبد الرزاق من مصنفه من طريق أبي جعفر، عن عاصم، عن أنس؛ قال: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، وكان قنوته قبل ذلك، وبعده قبل الركوع). ثم كان منه أن حكم على حديث عبد الرزاق بالصحة. لكن ابن المواق لم يرتض من شيخه ابن القطان تصحيح حديث عبد الرزاق، مستدلا على ما ذهب إليه بأمرين: الأول منهما هو الشك في الراوي أبي جعفر الواقع في سند الحديث، بين أن يكون أبا جعفر والد علي بن المديني، وهذا ضعيف عندهم، وبين أن يكون أبا جعفر الرازي؛ عيسى بن ماهان، فإن كان الثاني فإن أئمة الحديث قد اختلفوا فيه بين معدل ومجرح؛ فقد وثقه إمامان هما: يحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، ووهنه أحمد بن حنبل، والنسائي، ثم أضاف ابن المواق أنه ليس من رجال الصحيحين، وبهذا يترجح عنده أن هذا الحديث حسن. (¬2) ثم رجح ابن المواق أن أبا جعفر الوارد في الحديث هو الرازي. ¬
أما الأمر الثاني فهو مخالفة رواية عبد الرزاق من طريق أبي جعفر عن عاصم للروايات الصحيحة عن أنس. نموذج آخر في الاختلاف بين ابن المواق وابن القطان في الحكم على رواية لحديث: لما تكلم ابن القطان على حديث ابن عباس: من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له، إلا من عذر. (¬1) ذكر في الأمر الثاني رواية سليمان بن حرب عن شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، واعتمدها، بل وقال: (وحسبك بهذا الإسناد صحة). لكن ابن المواق يرى أن رواية سليمان بن حرب بالسند المتقدم وهم، وأنه يجب التوقف فيها؛ لأن سليمان بن حرب انفرد عن شعبة بذكر حبيب بن أبي ثابت في هذا الحديث، دون سائر من رواه عن شعبة. (¬2) المبحث الخامس: في ذكر بعض فوائد كتاب البغية: تصحيح كتاب بيان الوهم والإيهام: كان المحدثون يهتمون بطرق التحمل، ويريدون تحصيل السند العالي في كل رواية يروونها، وكثيرا ما لا يكتفون بالإجازة العامة، فهذا ابن المواق نقل كتاب "بيان الوهم والإيهام" من مبيضة شيخه أبي الحسن بن القطان، التي كتبها بيده، ومع ذلك لم يكتف بذلك، فقرأ ما نقل على شيخه وهو ماسك أصله بيده، فكان ابن القطان يصحح لتلميذه ما قد يقع فيه من سهو أو نسيان، كما كان ¬
يصحح لنفسه ما قد يكون وهم فيه، ثم تنبه له عند هذه المقابلة، ومن أمثلة هذا التصحيح ما ذكره ابن المواق عند الكلام على حديث عمرة عن عائشة: لما قدم جعفر من أرض الحبشة خرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعانقه (ح: 341) ففي سند هذا الحديث عند الدارقطني في العلل محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير) لكن وقع فيه وهم عند ق، وهذا نص ما ذكره ابن المواق: "وقع فيه ق وهم في ذكر ابن عمير هذا؛ فإنه قال فيه: (محمد بن عُبيد الله)، ولكن ع أراه أصلحه؛ فإني نقلته من مبيضته كذلك: (محمد بن عبيد الله)، فما كان وقت القراءة عليه رده علي: (محمد بن عبد الله)، فأصلحته، فهو عندي مصلح مصحح عليه، وبحسب ما ألفيته في الأحكام كتبته في الأغفال؛ من الباب الذي قبل هذا، وبالله التوفيق". اهـ ولما تحدث ابن المواق عن حديث ابن السعدي: "لن تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" (ح: 11) ذكر تعقيبات ثلاثة، صحح في التعقيب الأول ما وقع لشيخه ابن القطان في الراوي (عمرو بن أبي سلمة)؛ فإنه أخذه عنه هكذا (عمرو بن سلمة)، ولتأكيد ذلك قال ما نصه: (وكما ذكرته عن ع هي روايتي فيه عنه، قراءة مني عليه، وهو يمسك أصله الذي نقلت منه بخط يده). وفي حديث محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه، في نفاس أسماء بنت عميس الخثعمية بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة (ح: 148) وقع تصحيف لأبي محمد الإشبيلي في قوله (وترحل)، فجعلها (وترجل) فوافقه ع على ذلك وتكرر منه ذكره على نفس الوهم، ولذا قال ابن المواق عن شيخه ابن القطان: "ذكر هذه اللفظة؛ هكذا بالجيم من ترجيل الشعر، وهكذا تلقيناه عن شيخنا عند قراءة كتاب البيان عليه، وهو وهم، وصوابه: (وترحل)، بالحاء المهملة من الرحيل ..)
وبهذا نخلص إلى الآتي: -أن نسخة ابن المواق من بيان الوهم والإيهام نسخة منقولة من الأصل الذي كتبه المؤلف بيده. -وهي نسخة مقروءة على المؤلف. -وهي نسخة معتنى بها ومصححة من المؤلف نفسه. وبالتالي فهي أقرب نسخة من البيان إلى نسخة المؤلف، وينبغي في تحقيق هذا الكتاب الرجوع إلى بغية النقاد؛ فهي الحكم الفصل في منقولاتها عند اختلاف نسخ هذا الكتاب، ثم إنها تساعد على تنقية الكتاب من الأوهام الواقعة للنساخ فيه. ومن فوائده: إعادة ترتيب ما تبعثر من أوراق بيان الوهم والإيهام في النسخة المصرية؟ حيث حدث فيها تقديم وتأخير اضطرب معه المعنى في كثير من الأحيان. ومنها كذلك: معرفة روايات الرواة لكتب الحديث: نأخذ على سبيل المثال رواة سنن أبي داود، وسن النسائي، ورواة الموطأ. ومنها كذلك: معرفة الطرق المغربية لكتب الحديث: وخاصة سنن أبي داود، وسنن النسائي. ومنها:
تصحيح الأوهام المركبة: وهي الأوهام التي وقع فيها عبد الحق، أو ابن القطان، أو هما معا، ثم انبنى على تلك الأوهام أوهام أخرى أو أحكام. (¬1) ومنها: تصحيح الأوهام الواقعة في طبعات الكتب الستة: ومن أمثلتها: ما وقع في جامع الترمذي في كتاب فضائل الجهاد من حديث أبي أمامة؛ قال: (حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الوليد بن جميل عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله، ومنيحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله"). قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح غريب). هكذا وقع عند الترمذي، في باب فضل الخدمة في سبيل الله: 4/ 168 ح: 1627. (حسب طبعة الجامع التي حقق أحمد محمد شاكر جزءا منها). لكن الذي في البغية، وغيرها أن الترمذي يحدث بهذا الحديث عن زياد بن أيوب عن يزيد بن هارون. وهذا هو الصواب من وجوه، ذكرتها في تعليقي على حديث (112). ومنها: معرفة منهج عبد الحق في الأحكام: - منها أن من منهج عبد الحق الإشبيلي أنه إذا ساق الحديث من عند إمام كبير مشهور لم ينزل بذكره ممن هو دونه إلا لفائدة. ذكر ذلك ابن المواق عند ¬
المبحث السادس: نقول عن ابن المواق
كلامه على (ح: 75). - الإشبيلي لا يجيز نقل الحدبها بالمعنى حسب ما نقل عنه ابن المواق (ح: 158). - نص ابن المواق على اعتناء عبد الحق وابن القطان بالأحاديث المرفوعة فقط - وينظر كذلك بيان الوهم (1/ 70/ أ) -فإنه لا يذكر في كتابه (كتاب عبد الحق إلا ما كان من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -). - الروايات المنقطعة، أو التي فيها راو ضعيف ليست من مراد عبد الحق فيما يسوق من روايات لأنها ليست من شرطه. (ح: 167). - إذا عطف عبد الحق الإشبيلي رواية على أخرى أفاد أنه الرواية الثانية مخرجة من نفس الكتاب، المذكور أولا، ما دام لم يصرح بغيره. ذكر ذلك ابن المواق عند كلامه على (ح: 158). - أن عبد الحق الإشبيلي يعد إبهام راو في الحديث انقطاعا، ويعل الحديث بذلك. (ح: 1). المبحث السادس: نقول عن ابن المواق: تقدم أن مخطوط "بغية النقاد" الذي بين يدي غير تام، وعند رجوعي لأمهات الكتب الحديثية وجدت نقولا منسوبة إلى ابن المواق ووجدتها في الكتاب، لكن نقولا معزوة إليه، وبعضها منصوص على أنه في "بغية النقاد"، ولا توجد في القسم الذي بين يدي منه، يرجح أنها من الجزء الذي ضاع منه، وقد حاولت أن أستثمر هذه النقول في ثنايا التحقيق والدراسة، لكن يبقى أن بعضها لم يتيسر لي استثماره، لذا قمت بوضع جدول لطائفة من هذه النقول عن ابن المواق أو ما نسب إليه:
الناقل ... الموضوع ... موطنه في البقية إن وجد * ابن رشيد السبتي في ملء العيبة 5/ 50 ... هل في الصحابة من اسمه عبد الله الصنابجي؟ ... ذكر مختصرا في (ح: 58)، لكن يرجح أنه أعيد كاملا في القسم المفقود من البغية. * الزركشي في نكته على ابن الصلاح (قسم الماجستير) 1/ 198 ... في جواز تصحيح الأحاديث لمن كانت له الأهلية. طبق ذلك عمليا في أحاديث من البغية. * الزركشي (القسم الأول): 2/ 401. صفة الحديث الحسن عند الترمذي. غير موجود في القسم الموجود من البغية. * الزركشي، نفس المصدر 3/ 615. فيمن روى من الصحابة قصة لم يحضرها. موجود في البغية (ح: 70)، لكن بتصرف. * الزركشي في نفس المصدر، قسم الدكتوراه 1/ 132. في نسبة الراوي إلى جده. موجود في البغية (ح: 262). * الزكشي، نفس المصدر 1/ 42. متى يحكم على الحديث بالإنقطاع؟. منسوب لإبن المواق في البغية، وليس في القسم الموجود منها. * الزركشي، نفس المصدر 1/ 56. ضابط الإتصال وعدمه في الحديث المعنعن والمؤنن. موجود في البغية بنصه (ح: 1). * الزكشىِ، نفس المصدر 1/ 70. تدليس التسوية، وكونه شر أنواع التدليس. ذكر باختصار في (ح: 12)، وأرجح أنه ذكر مفصلا باللفظ الذي أورده الزركشي في القسم المفقود من البغية. * الزركشي، قسم الدكتوراة 3/ 792. حكم الرواية بالمكاتبة. مذكور في البغية بتصرف. * الزركشي في نفس المصدر 2/ 573. تفصيل القول في المجهول وضريبه. لا يوجد في القسم الموجود من البغية. * العراقي في التبصرة والتذكرة 1/ 85. في صفة الحديث الحسن. لا يوجد في القسم الموجود من البغية. * العراقي في نفس المصدر 1/ 110. في صفة الحديث الحسن كذلك. لا يوجد في القسم الموجود من البغية. * العراقي في نفس المصدر 1/ 171. ضابط الإنقطاع والإتصال في الحديث المعنعن. موجود بنصه في البغية (ح: 1).
الناقل ... الموضوع ... موطنه في البغية إن وجد * العراقي في نفس المصدر 2/ 105. حكم الرواية بالمكاتبة. غير موجود بنصه في البغية ولكن نفس الحكم المنصوص عليه فيها. * العراقي في شرحه المسمى فتح المغيث ص: 33. في الحديث الحسن. غير موجود في القسم الموجود من البغية. * العراقي في نفس المصدر ص: 48. في الحديث الحسن كذلك. غير موجود * العراقي في نفس المصدر ص: 76. ضابط الإنقطاع والإتصال في الحديث المعنعن. موجود بنصه في البغية (ح: 1) * العراقي في نفس المصدر ص: 223. حكم الرواية بالمكاتبة. غير موجود في البغية، ولكن نفس الحكم منصوص عليه فيها. * العراقي في التقييد والإيضاح ص: 53. حكم الحديث الذي سكت عنه أبو داود. غير موجود في القسم الذي بين يدي من البغية. * العراقي في نفس المصدر 61. في الحديث الحسن. غير موجود في القسم الذي بين يدي من البغية. * العراقي في نفس المصدر ص: 86. ضابط الإنقطاع والإتصال في الحديث المعنعن. موجود بنصه في البغية (ح: 1). * العراقي في نفس المصدر ص: 139. حمل أهل العمل على العدالة. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * العراقي في نفس المصدر ص: 443، 444 (وكذلك نقله عن العراقي صاحب نهاية الإغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط ص: 247). كون حماد بن زيد سمع من عطاء ابن السائب قبل الاختلاط. غير موجود في القسم الذي بين يدي من البغية. * ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم (ت 840): 1/ 307. حامل العلم المعروف بعنايته به، محمول أبدا على السلامة حتى يظهر ما يجرحه. غير موجود في القسم الذي بين يدي من البغية. ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 127. ادعاء تصحيف في حديث الوصية بتوسيع القبر موجود بنصه ح: 238 * الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 174. التنبيه على علة خفية في حديث. غير موجود في القسم الذي بين يدي من البغية. * ابن حجر في نفس المصدر 4/ 8. في عودة الضمير، على من يعود. موجود بنصه في (ح: 183).
الناقل ... الموضوع .... موطنه في البغية إن وجد * ابن حجر في ت. التهذيب 6/ 78. الكلام على الراوي عبد الله بن أبي يعقوب. ذكر الحديث الذي بمناسبة كلام ابن المواق على الراوي عبد الله بن أبي يعقوب، لكنه أشار إلى أنه فصل الكلام فيه في موضع آخر من كتابه. (ح: 6). * ابن حجر في ت. التهذيب 7/ 381. جهالة حال عمر بن حفص الوصابي. ذكر ابن المواق الحديث الذي فيه عمر بن حفص الوصابي (ح: 256)، لعلة أخرى، ووعد بتتمه الكلام فيه، لكن لم يذكر فيما بين يدي، فالمرجح أنه في القسم المفقود. * ابن حجر في الفتح 2/ 515. رد ابن المواق على ابن القطان في دعوى التعليق في حديث عند البخاري. موجود بنصه في (ح: 46). * ابن حجر في الفتح 2/ 157. عدم توهيم جماعة من الثقات بمخالفة الواحد لهم. موجود بنصه في (ح: 96). * ابن حجر في الفنح 12/ 407. قول ابن المواق بكون زيادة وقعت في حديث مدرجة. منسوب إلى ابن المواق في البغية، وهو بنصه في (ح: 380). * ابن حجر في نكته على ابن الصلاح 1/ 476. في صفة الحديث الحسن عند الترمذي. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * البقاعي (ت 885) في نكته الوفية في شرح الألفية. مخطوط مكتبة الأوقاف، بغداد ل. 62. ب (عن هـ النكت للزركشي) ق 1/ 401). في صفة الحديث الحسن عند الترمذي. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * السخاوي في فتح المغيث 1/ 197. ضابط الإتصال والإنقطاع في الحديث المعنعن. موجود بنصه في (ح: 1). * السخاوي في نفس المصدر 2/ 18. أهل العلم محمولون على العدالة. غير موجود في القسم الذي بين يدي.
الناقل ... الموضوع ... موطنه في البغية إن وجد * السخاوي في نفس المصدر 2/ 44. في رد رواية المجهول الذي لم يرو عنه إلا واحد. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * السخاوي في نفس المصدر 2/ 50. في جهالة الحال. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * السخاوي في نفس المصدر 2/ 51. هل الرواية عن الراوي تعد تعديلا له؟. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * السخاوي في نفس المصدر 4/ 377. حول اختلاط سعيد بن أبي عروبة ومن سمع منه قبل الاختلاط أو بعده. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * السيوطي في التدريب 1/ 126. في شرط البخاري ومسلم. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * السيوطي في التدريب 1/ 155. صفة الحديث الحسن عن الترمذي. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * الحافظ زكرياء الأنصاري (ت 925) في فتح الباقي على ألفية العراقي 1/ 110. صفة الحديث الحسن عن الترمذي. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * العجلوني (ت: 1162) في كشف الخفاء 1/ 118. ترجيح الوصل على الإرسال في حديث أنس: أرحم أمتي. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * الصنعاني في توضيح الأفكار 1/ 159. في صفة الحديث الحسن عند الترمذي. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * الصنعاني في نفس المصدر 1/ 240. في صفة الحديث الحسن عن الترمذي كذلك. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * الصنعاني في توضيح الأفكار 2/ 129. هل الرواية عن الراوي تعد تعديلا له؟. غير موجود في القسم الذي بين يدي. * أبو الطبب شمس الدين آبادي في التعليق المغني على الدارقطني 3/ 298. في عودة الضمير في رواية، على من هو؟. موجود بنصه في (ح: 183). * أبو الطيب شمس الدين آبادي في التعليق المغني على الدارقطني 4/ 127. عدم توهيم جماعة من الثقات لراو خالفهم. موجودة بمعناه في (ح: 96)
المبحث السابع: في ذكر المؤاخذات على ابن المواق
المبحث السابع: في ذكر المؤاخذات على ابن المواق تمهيد: إن الإنسان إذا أقدم على تصنيف كتاب في موضوع ما، واعتنى به مراجعة وضبطا وتنقيحا، فإن من يأتي بعده ويطلع عليه لابد أن يجد فيه مجالا للتعقيب والمؤاخذة، وهذا شيء لا مندوحة منه، لأن البشر من طبيعته النقصان، فما بالك بمؤلف: "بغية النقاد" الذي توفي صاحبه قبل أن يخرجه من مبيضته، لهذا لا يستغرب ما يمكن أن يلاحظ من أول وهلة من تداخل بعض الأبواب والفصول، أو وضع حديث في غير موضعه من الكتاب، وابن المواق دقيق الملاحظة لذا فإنه يمكن الجزم بأنه لو أطال الله في عمره حتى أتم كتابه مراجعة وتنقيحا لكان في صورة أفضل من هذه بكثير، فسبحان من بيده الأمر من قبل ومن بعد. وبالرجوع إلى هذا القسم الموجود من بغية النقاد في وضعه الحالي يلاحظ أنه يحتاج إلى مزيد تنقيح وترتيب ومراجعة؛ كما أنه لا يخلو من أماكن هى في حاجة إلى التعقيب العلمي؛ سواء فيما تعقب هو، أو فيما لم ينتبه إليه من أوهام أو إيهامات إما لعبد الحق الإشبيلي، أو لإبن القطان الفاسي. وقد قمت بالتعقيب على ما يحتاج لذلك في موضعه من التحقيق، ولكن هذا لا يمنع من ذكر بعض هذه النماذج: من أوهام ابن المواق في تعقيباته على شيخه ابن القطان: لما ذكر عبد الحق الإشبيلي حديث أبي حمزة (¬1) أنه قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رجل نسي الأذان والإقامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله تجاوز عن أمتي السهو في الصلاة. وذكر أنه من رواية هشام بن خالد. تعقبه ابن القطان، فبين وهمه فيه بقوله: ¬
(وهو خطأ لا شك، وإنما رواه عن بقية: هشام بن عبد الملك، أبو تقي الحمصي، وهو شيخ متقن، يروي عن بقية، وجماعة من الشاميين سواه. وروى عنه الأئمة كأبي داود، والرازيين، وغيرهم، والأمر في ذلك، في نفس الإسناد، في الموضع؛ الذي نقله منه). ثم تناول ابن القطان الأسباب المحتملة التي قد تكون أوقعت عبد الحق في هذا الوهم؛ فذكر منها: الإحتمال الأول: أن يكون اعتمد على حفظه، ونسب والد هشام، فلما أراد أن ينسبه قال: هشام بن خالد، ولم يراجعه في الأصل. الإحتمال الثاني: أن فيما كتب أوهاما؛ فأراد أن يفسر من أمر هشام ما يتمم به الفائدة للقارئ؛ فظنه هشام بن خالد، خاصة أنه أشهر أصحاب بقية بن الوليد. وقال في الإحتمال الثالث: (ويحتمل على بعد أن يكون قد رأى الحديث أيضًا من رواية هشام بن خالد عن بقية. فأراد أن يعرف بذلك. وهذا إنما كان يستقيم له بعد أن يعرف راويه عن بقية في الموضع الذي نقله منه؛ هو هشام بن عبد الملك، ثم يتبعه أن يقول: ورواه أيضًا هشام بن خالد عن بقية. فأما أن يذكره من عند أبي أحمد، تم يتبعه أنه رواه هشام بن خالد عن بقية. فعمل غير صحيح لما فيه من إيهام الخطأ أنه عند أبي أحمد كذلك، فاعلم ذلك، والله الموفق). (¬1) والإمام ابن المواق ما علم منه إلا الدقة في التعقب، وعدم إصدار الأحكام إلا بعد التحري، والضبط؛ فالعجب منه كيف ادعى أن ابن القطان لم يتعقب عبد الحق الإشبيلي في بيان أن الراوي في هذا الحديث هو هشام بن عبد الملك، وليس هشام بن خالد. ¬
الإهتمام ببيان النكارة حتى في الروايات الضعيفة: لما ذكر ابن المواق حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عند ابن عدي: (لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل). (¬1) كان من تعقيباته بيان أن لفظ (وخاطب) لفظ منكر، وقد استدل على ذلك بكون محمد بن إبراهيم بن شعيب، أبي الحسين المغازي انفرد بالراوية التي فيها هذه الزيادة، وأن روايتي: أحمد بن محمد بن الفرات، وأحمد بن عمار النسوي ليس فيهما لفظ (وأخاطب). قلت: وكان عليه، -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، أن يبين أن هذا الحديث ضعيف في رواياته التي عند ابن عدي، سواء التي فيها (وخاطب) أو التي ليس فيها ذلك اللفظ المنكر. إذ كلها تلتقي في المغيرة بن موسى، وقد نقل البيهقي عن أبي أحمد؛ قال: ثنا الحميدي، ثنا البخاري؛ قال مغيرة بن موسى بصري منكر الحديث -قال أبو أحمد: المغيرة بن موسى في نفسه ثقة- (¬2) وإذا تبين أن الحديث من جميع طرقه عند ابن عدي ضعيف، فلا حاجة إلى بيان نكارة هذه اللفظة في إحدى هذه الطرق الضعيفة. فإن قيل إن ابن عدي وثق المغيرة في الكامل بقوله: (والمغيرة بن موسى في نفسه ثقة، ولا أعلم له حديثا منكرا فأذكره، وهو مستقيم الرواية). (¬3) يقال إنه لم يوثق 5 معه غير ابن حبان، أما الساجي، والعقيلي، والدولابي، وابن الجارود؛ فإنهم بأجمعهم ذكروه في الضعفاء. وأورد له العقيلي حديثا في سنده محمد بن جحادة، وقال لا أصل له عن محمد بن جحادة ... (¬4) عد حديث له طرق متصلة مرسلًا: في حديث عرفجة (¬5) جاء فيه: (عن عبد الرحمن بن طرفة بن عرفجة أن ¬
جده قطع أنفه يوم الكلاب) الحديث. قال فيه ابن المواق إن عبد الرحمن روى قصة لم يدركها فالحديث مرسل. قلت: ولكن للحديث روايات؛ منها ما ثبت فيه (عن جده)، وعبد الرحمن سمع من جده، فالحديث متصل حسب هذه الرواية. اعتماد ابن المواق لتصحيف وفي رواية صحيحا: ذكر عبد الحق حديث ابن عباس: "ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه ... فبحسبكم أن تغسلوا أيديكم" (¬1) ونقله عن ابن القطان للتعقيب عليه في سنده، فاستدرك عليه ابن المواق في لفظة (أيديكم) بأن الصواب فيها: (آنيتكم) ... وبأنه كذلك عند عبد الحق وفي سنن الدارقطني الذي نقل منه الحديث. قلت: الذي في سنن الدارقطني -المطبوعة- (فبحسبكم أن تغسلوا أيديكم)، وهو كذلك عند الحافظ أبي محمد الغساني الجزائري في كتابه (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني) (¬2). وفي مخطوط (الأحكام) لعبد الحق الإشبيلي (آنيتكم) عوض (أيديكم). فذهب الحافظ ابن المواق إلى أن اللفظ الوارد في هذا الحديث هو: (آنيتكم)، وجعل من أورده على خلاف ذلك وهما، معتمدا على ما في (الأحكام)، وكذا النسخة التي وقعت بين يديه من كتاب سنن الدارقطني. قلت: ولا أرى أن ما ذهب إليه الحافظ ابن المواق صوابا لأمرين: - الأول: أنه لا وجه له من حيث المعنى، فالأواني لا تنجس، والأيدي هي التي تباشر غسل الميت، والأجدر أن يذكر الشرع حكمها، أما غسل الأواني فهو من تحصيل الحاصل، فلا حاجة للتنصيص عليه. ¬
- الثاني: أن كل من روى الحديث أو نقله عن غيره؛ كله لم يورده إلا بلفظ (أيديكم)، وأذكر على سبيل المثال: الحاكم، والبيهقي. وعليه فإن ابن القطان لم يهم فيه، بل الصواب ما أورده، ومما يتأيد به ذلك ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في حمل الأمر بالغسل في حديث أبي هريرة المتقدم على غسل الأيدي، حسب تصريح هذا الحديث بذلك. (¬1) نسبة حديث للترمذي، وهو غير موجود فيه: - ذكر ابن القطان حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح، ولم يجمع الصوم. (¬2) فتعقبه ابن المواق، لكنه أثناء تعقيبه عليه نسب الحديث إلى الترمذي. قلت: نسب الحافظ ابن المواق هذا الحديث إلى الترمذي؛ وليس له ذكر في جامعه، ولا في غيره من كتبه التي اطلعت عليها، والحديث ذكره عبد الحق في الأحكام (¬3) من عند ابن حزم -في المحلى- (¬4) ولعل سبب وهمه أنه ذكر الحديث أثناء كلامه على حديث سمرة بن جندب: سكتتان حفطهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث. فإنه ذكره من عند الترمذي، فوهم، فأعاد الضمير على حديث الباب. وهذه بعض الإشارات المجملة إلى مؤاخذات على الحافظ ابن المواق: في الحديث (46) عرف بالراوي أبي بكر، فقال هو: (ابن عبد الرحمن)، والصواب أنه: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم). وفي الحديث (69) ذهب ابن القطان إلى أن معني النسائي بقوله: (هذا خطأ فاحش، والصواب حديث بشر، أراد بالخطأ زيادة (في الرهان)، ووافقه على ¬
ذلك ابن المواق. قلت: الصواب أن النسائي إنما صوب حديث عمران بن حصين، وإنما خطأ حديث أنس. (¬1) وفي الحديث (77) وقع ابن القطان في وهم فيه؛ فنسبه إلى أبي هريرة، وهو في مسند عمر بن الخطاب، ولم ينبه الحافظ ابن المواق على هذا الوهم. وفي الحديث (181) ينظر التعقيب الثاني -من تعقيباتي- في الهامش. وفي الحديث (190) من مخطوط البغية جاء ما نصه: (أن رجلا من جدام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال له: "اقضيا يوما مكانه. الحديث". قلت: إن الذي عند جميع من ذكر الحديث (اقضيا نسككما ..)، والحديث ورد في باب الحج، وليس في باب الصيام. فإما أن يكون الوهم من الناسخ، وهذا ما يرجح، أو أن يكون من ابن المواق، وهذا مستبعد، والله أعلم. وفي الحديث (191) عرف الحافظ ابن المواق بعبد الرحمن بن ميسرة الوارد في سند الحديث فقال: هو أبو ميسرة الحضرمي، فأخطأ التعريف به، إذ المراد به عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، الحمصي ... (¬2) وفي الحديث (199) كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث ... تعامل معه الحافظ ابن المواق بحرفية معناه، فرجح أن فقه الحديث يقتضي أن التعوذ يكون في الخلاء، وهذا الفهم مرجوح، كما بينت في التعليق. ¬
وفي الحديث (224) استدل الحافظ ابن المواق بأن عبد الحق الإشبيلي سقطت له لفظة (حتى يصلى عليه)، وهي مذكورة في نص الحديث عند أبي داود. قلت: إن عبد الحق أخرج الحديث من عند مسلم، ولا حاجة لإيراد رواية أبي داود وبناء التعقيب عليها، إذ رواية مسلم كفيلة بأن تسعفه إلى نفس التعقيب المذكور في هذا الحديث. وفي الحديث (249) استدرك الحافظ ابن المواق على شيخه ابن القطان ثلاثة استدراكات، قال في الثاني منها: أن الصواب في رواية هذا الحديث لفظ (الدبر)، وليس لفظ (الدم)، والأرجح عندي أنه عكس ما قال، على أن الحديث ضعيف من جميع الطرق المذكورة له. (¬1) وفي الحديث (351) الذي ذكره عبد الحق من مسند حذيفة بن اليمان: كل مسجد فيه إمام ومؤذن ... الحديث. من عند ابن عدي، فنفى ابن المواق أن يكون له ذكر عند أبي أحمد، والحديث موجود عنده. (¬2) وفي الحديث (353) الذي ذكره عبد الحق الإشبيلي من مسند ابن مسعود مرفوعا: "لا تأتوا النساء في أعجازهن، ولا في أدبارهن". من طريق أبي أحمد. هذا الحديث أعله الإشبيلي بحمزة بن محمد الجزري، وقد جهد نفسه ابن المواق أن يجد الحديث عند ابن عدي فلم يجده، والصواب أنه لا يوجد فيه ذكر لحمزة ابن محمد، وإنما هو: محمد بن حمزة فهذا القلب هو الذي سبب المتاعب لإبن المواق، بل وأوقعه في ما أوقعه من أوهام. وفي الحديث (359) نفى الحافظ ابن المواق أن يكون لحديث الباب ذكر في كتابي السنن والعلل، للدارقطني، والحديث موجود في السنن له. ¬
وفي الحديث (360) طال بحث الحافظ ابن المواق عن حديث الباب المنسوب إلى عبد الرزاق في مصنفه، فلم يلفه فيه، والحديث موجود فيه. أما الحديث رقم (363) الذي رواه عبد الحق الإشبيلي من مسند معاذ بن جبل: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأصبحت يوما قريبا منه ... الحديث. من طريق النسائي. فقد نفى الحافظ ابن المواق أن يكون النسائي خرجه، والصواب أنه عنده في سننه الكبرى.
قسم التحقيق
قسم التحقيق
تمهيد
تمهيد خدم أسلافنا، -رَحِمَهُمُ اللهُ-، سائر فروع العلوم الإسلامية، حتى غدت هذه الأمة متميزة بين جميع الأمم بإرث حضاري خاص، لا يشاركها غيرها فيه، سواء من حيث الكم أو الكيف، وبذل الخلف جهودا مشكورة في سبيل إحياء بعض هذا التراث، لكنها تبقى دون المستوى المطلوب لإتمام الإخراج والنشر، وخصوصا أن هذا الأمر يتطلب قدرة علمية، وضوابط منهجية للتحقيق، ولا يخفى أن ما نشر من هذا التراث لا يخضع كله لهذه المقاييس والمعايير، ولذا فإنه من الواجب أن يعاد النظر في كثير منه للنظر فيما حقق مستوفيا للشروط العلمية والفنية، وفيما كان متسما منه بالصبغة التجارية. إن الهدف الرئيسي لتحقيق أي نص من النصوص هو رده إلى حالته الأولى التي وضعه عليها المؤلف، أو على الأقل إلى أقرب صورة منها، وهذا عمل ليس بالأمر الهين؛ إذ يتطب مقاييس جد دقيقة، وأدوات للعمل؛ منها جمع النسخ والمقابلة فيما بينها، والرجوع إلى الموارد الأصلية التي استورد المؤلف منها نصوصه، فكانت معينة في تأليفه لمصنفه، وقد اعتاد الباحثون أن يتيسر لهم جمع المادة كما كان النص المراد تحقيقه غير موغل في القدم، لكن الأمر يصعب وتزداد المشقة كما تعلق التحقيق بمصنف يعود إلى قرون وقرون، وهذه المشقة غالبا ما تتكون من شقين شق يتعلق -بندرة النسخ للنص المراد تحقيقه، وشق ثان مرجعه إلى عدم توفر موارد المؤلف والمصنفات التي ألفت حوله شرحا أو تلخيصا أو استدراكا أو تعليقا. لقد ترك سلف هذه الأمة تراثا إسلاميا ضخما، أخرج منه إلى النور القليل، ولا زال الكثير ينتظر أقلام العلماء وجهودهم لانتزاعه من ركام الرفوف وإنقاذه من عبث الأرضة به ومن شأن الباحثين أن ينتقوا من النصوص ما يكفل لهم أكبر قدر من النجاح
في القيام بمهمتهم، وبأدنى جهد؛ وهذا ما جعل الباحثين في كثير من الأحيان يمكثون مدة طويلة لاختيار النص الذي يصلح للتحقيق، ونتيجة لذلك لا تجد من الباحثين من يقبل على المخطوطات اليتيمة التي ليست لها في الخزائن العامة والخاصة إلا نسخة واحدة، أو لها نسخ ولكنها كلها مبتورة، ومن الباحثين من لا يكترث لهذا النوع من الصعاب ويتجشمها مقتحما لها، ولعلي أكون من هذا القسم الثاني. كان هذا شأني مع تحقيق كتاب غرر الفوائد المجموعة في ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، لرشيد الدين العطار، -مرحلة دبلوم الدارسات العليا- وهو كتاب لا توجد منه سوى نسختين في الخزائن العالمية -حسب علمي- ولكنهما مبتورتان معا؛ ومما زاد الأمر صعوبة كون جزء من البتر مشتركا في النسختين في نفس الموضع منهما، وقبل أن أقدم على تسجيله -رسالة علمية- لتحقيقه سجله أحد الباحثين في إحدى الجامعات السعودية، لكن ما إن تحقق الباحث أن البتر مشترك بين النسختين في نفس الموضع منهما حتى تخلى عنه ليبحث عن موضوع جديد، واستطعت بحول الله تعالى، وعونه أن أقدم عليه رغم بتره المذكور، وما اكتنف ذلك من الصعاب، وقد يسر الله لي تذليلها، وقد ساعدنا على ذلك التمكن من معرفة موارد رشيد الدين العطار في كتابه، وكذا الإطلاع على نقول عنه من الكتاب المذكور، فتمكنت من ترميم المخطوط وإصلاح ما به من بتر، فتم بفضل الله إخراج الكتاب كاملا. كان ما تقدم في تحقيق كتاب "الغرر"، لكن الأمر في مخطوط "بغية النقاد" لإبن المواق، أشد وطأة إذ لا يعرف لهذا الكتاب إلا نسخة يتيمة في دير الأسكوريال بأسبانيا، وهي مبتورة من الأول والأخير، هذه كلها عوامل لا تشجع على الإقبال على تحقيق هذا المخطوط، لكن لمن تترك هذه الجوهرة الفريدة، وهذا الكنز الثمين؟ وخصوصا أن عوادي الزمان كثيرة؛ لا تبقي ولا تذر، إن سلم الكتاب من بعضها أصابه البعض الآخر .... وإذا كانت بعض الجامعات العربية قد اشترطت توفر نسختين من المخطوط -
على الأقل -لتسجيل الموضوع في الرسائل الجامعية، فإن جماعة من كبار الباحثين قد انتقدوا ذلك، وفي طليعة هؤلاء الباحثين الدكتور أكرم ضياء العمري حيث قال: (ويبدو لي أن حالة المخطوطة وتوفر الصفات الإيجابية فيها، أو عدمها هو الذي يقرر قبول تسجيلها أو رفضه، وإلا فإن بعض الأصول الفريدة المهمة ستبقى لا يقبل على إخراجها أحد خاصة وأن معظم ما يحقق في الوقت الحاضر هو ثمرة الدارسات الجامعية العليا. لكن المسلم به عدم جواز نشر المخطوطة بالإعتماد على نسخة واحدة مع توفر نسخة أو نسخ أخرى). (¬1) إن "بغية النقاد" جزء من التراث العلمي الهام الذي بني عليه كبار الحفاظ علمهم؛ فالحافظ زين الدين العراقي، وبرهان الدين الزركشي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ السيوطي؛ هؤلاء وغيرهم ينقلون عن ابن المواق من البغية ويستشهدون بأقواله ويرجعون إليها، أو يناقشونه فيها، وتبقى الخزانة الحديثية شديدة الحاجة إلى هذه اللبثة العلمية التي استفاد منها كبار المحدثين المتأخرين، ولا زالت لم تر نور الطاعة حتى يستفيد منها أهل هذا الشأن في هذا العصر، لكل ذلك كان إحياء هذا الكتاب وبعثه من الواجبات المتحتمة، وإذا تهيبت أنا وتهيب غيري من الباحثين الإقدام على هذا العمل كان مصيره مصير غيره من النوادر التي ظل العلماء ينتظرونها بشوق ولهف، حتى ترجح لديهم اندراسها وفقد الأمل في العثور عليها. إننا لم نعثر على كتاب "بغية النقاد" كاملا، لكننا نعلم أنه وضع تعقيبا على كتابين هما: بيان الوهم والإيهام، لأبي الحسن بن القطان، والأحكام الوسطى، لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي، وهذان الكتابان كتب الله لهما البقاء، وقدر لهما ان تبقى نسخ منهما، وبالتالي فإن هاتين الدعامتين الأساسيتين لعمل ابن المواق تبقى شاهدة حاضرة تستجيب للباحث كما كانت الحاجة ماسة لشهادتهما، ثم مما يتمم هذه البنية العلمية نقول من جاء بعد ابن المواق عنه، وكتب المتأخرين طافحة بذلك. ¬
وصف مخطوطة: "بغية النقاد"
وصف مخطوطة: "بغية النقاد" أصل هذا المخطوط من خزانة الأسكوريال ويحمل رقم 1749 (*) تقع المخطوطة التي بين يدي في ثلاثين ومائة لوحة -قسمت كل لوحة إلى (أ) و (ب) -ذات خط مغربي أندلسي واضح، سليمة من المحو والتشطب، أثبت القليل من أحاديثها في الهامش، مع التنبيه إلى أنها كذلك في أصل المؤلف، في حين كتبت بعض أحاديثها في الهامش، ثم كررت في صلب النص، وبعض أجزاء أحاديثها غير واضحة بسبب سوء التصوير من الأصل، استعنت على معرفتها بنسخة الشيخ الفاضل محمد بوخبزة الذي نسخها عن الأصل بخط يده، وأسطرها خمسة وعشرون سطرا، أولها مبتور، تبتدئ بحديث عرفجة بن سعد المذكور فيه قطع أنفه واتخاذه أنفا من ذهب، المروي في سنن أبي داود، وآخر أحاديثها حديث بلال: لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وحسنتهما وأجملتهما .. الحديث، وهو مروي في سنن أبي داود كذلك. وهي مقسمة إلى أبواب وفصول، تحت كل فصل عدة أحاديث تشترك فيما بينها في تعقيب واحد؛ سواء بالنقص لراو، أو زيادته، أو غير ذلك من أوجه الأوهام أو التعليلات. والكتاب في الأصل مكون من جزئين، الأول منهما هو المعثور عليه، أما الجزء الثاني فإنه كان موجودا بخزانة القرويين إلى حوالي عالم 1183 هـ أو ما بعده بقليل؛ نقل أستاذي الشيخ محمد العابد الفاسي، -رَحِمَهُ اللهُ-، في كتابه الذي جمع فيه قائمة بالمخطوطات المتواجدة بخزانة القرويين، وألحق بها أسماء الكتب التي كانت بها، والتي ضاعت بسبب استعارتها، فكان منه أن كتب: (ومما قيد بيد مولاي امحمد العراقي: الأعلام لإبن القطان، وجزء من صلة ابن بشكوال، والثاني من بغية النقاد، لإبن المواق، والأول من العلل، ¬
للدارقطني، والمجروحين، لإبن حبان ...). (¬1) قلت: ويستفاد من هذا التقييد أن اسم الكتاب: "بغية النقاد"، وكذا أنه لإبن المواق، وبالتالي فلو قدر للكتاب ألا تسطو عليه يد الاستعارة لكان الكتاب موجودا بجزأيه، ولكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأثبت في نهاية مخطوط الأسكوريال: (كمل السفر الأول من كتاب بغية النقاد النقلة فيما أحل به كتاب البيان وأغفله، أو ألم به مما تممه ولا كمله، ويتلوه السفر الثاني وفي باب أحاديث أغفل نسبتها إلى المواضع المخرجة منها وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله). وهذه النسخة منقولة عن الأصل ومقابلة بها؛ ولذا جاء في آخرها ما نصه: (عورض بأصله فصح صحته، إن شاء الله تعالى، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى). * * * * ¬
إثبات نسبة كتاب "بغية النقاد" إلى أبي عبد الله بن المواق
إثبات نسبة كتاب "بغية النقاد" إلى أبي عبد الله بن المواق اشتهر ابن المواق بكتاب "بغية النقاد" عند طائفة غير قليلة من العلماء، وقد توارد النقل منهم عن هذا الكتاب وعزو المنقول لإبن المواق، ومن هؤلاء الذين عرفوا بذلك: بدر الدين الزركشي، وزين الدين العراقي، والسخاوي، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، والعجلوني، والصنعاني، والعباس بن إبراهيم التعاجي (¬1)، وأبو الطيب محمد شمس الحق الآبادي، وغيرهم (¬2). ¬
توضيح الرموز المستعملة في المخطوط
توضيح الرموز المستعملة في المخطوط في المخطوط أعلام ثلاثة يكثر تداولها فيه، لذا نرى المصنف يرمز إليها برموز دالة عليها؛ وهي: ق: لعبد الحق الإشبيلي (وقد استعمل ق كذلك -مرة واحدة- لقاسم بن أصبغ ح: 72) ع: لإبن القطان الفاسي م: لإبن المواق ش: لإبن رشيد (استعمل مرتين فقط، وليس في صلب النص) يذكر المصنف عبد الحق الإشبيلي في الكتاب برمزه ق، وقد يكنيه بكنيته: أبو محمد، وتستخدم نفس الكنية لإبن حزم الأندلسي، وفي هذه الحالة لا يوضح المراد منها إلا السياق. أما ابن عدي -صاحب الكامل في الضعفاء- فيرد في الكتاب بكنيته أبي أحمد.
صور المخطوطة
وجه (أ) من اللوحة الأولى
تعليق ابن رشيد السبتي على الحديث الخامس والسبعين
نموذج مما كتب من متن النص الحاشية: اللوحة 69/ أ
الوجه الثاني من اللوحة الثامنة والعشرين بعد المائة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة الطبعة الأولى 1425 هـ - 2004 م مكتبة أضواء السّلف - لصَاحِبهَا عَليّ الْحَرْبِيّ الرياض - الربوة الدائري الشَّرْقِي مخرج 15 ص. ب: 121892 - الرَّمْز: 11711 - ت: 2321045 - جوال: 55280328
بُغْيةُ النُّقَّادِ النَّقَلةَ فِيمَا أَخَلَّ بِهِ كِتَابُ «البْيَانِ» وأَغْفَلَهُ أَوْ أَلمَّ بِهِ فَمَا تَمَّمَهُ وَلَا كَمَّلَه [الْجُزْءُ الأول]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
نص الكتاب المحقق
(1)
(1) وذكر (¬1) من طريق أبي داود هكذا: ¬
عن عرفجة بن أسعد (¬2) أنه قطع أنفه يوم الكُلاب (¬3) فأخذ أنفًا من ورِق فأنتن عليه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفًا من ذهب. (¬4) فذكر ع هذا الحديث في باب الأحاديث المصححة ¬
بالسكوت عنها، وليست بصحيحة للكلام في بعض رواته، فنقله كما نقله ق سواء، ولم يتنبه لما وقع فيه من الزيادة في إسناده على الوهم بل تابعه على ذلك. وهو حديث ذكره أبو داود مرسلًا هكذا: نا موسى بن إسماعيل (¬5) ومحمد بن عبد الله الخزاعي (¬6) المعنى؛ قالا: نا أبو الأشهب (¬7) عن عبد الرحمن بن طرفة (¬8) أن جده عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكُلاب. فذكر الحديث مرسلًا، فإن عبد الرحمن تابعي لم يشاهد القصة، ولم يذكر من حدثه، فبقي الحديث مرسلًا، فقولهما فيه: عن عرفجة زيادة في الإسناد وقعت على الوهم بحيث صيرت الحديث متصلًا، وهو مرسل، وقد نبه أبو علي بن السكن الحافظ (¬9) على ذلك؛ فذكر الحديث من رواية علي بن الجعد (¬10) وأبي نصر التمار (¬11) عن أبي الأشهب، عن ¬
(2)
عبد الرحمن بن طرفة أن عرفجة أصيب أنفه. قال: فذكرا الحديث مرسلًا، ولم يقولا عن عرفجة. قال م: هذا نص كلام ابن السكن، وهو أمر بين لا خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا اللسان في انقطاع ما يروى كذلك وإرساله، إذا علم أن الراوي لم يدرك زمان القصة، كما في هذا الحديث، والذي قبله. وقد اعتبر ع هذا في غير حديث، من ذلك حديث عكرمة: أن أم حبيبة (*) استحيضت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنظر أيام أقوائها (¬12). فإنه ذكره في المدرك الثالث من مدارك الإنقطاع فى الأحاديث، واعتمد في انقطاعه على ما اعتمدناه في هذا والذي قبله، وما يأتي من مثل ذلك. وكذلك عمل في حديث أخذ العوض على تعليم القرآن؛ ذكره في باب ما أعله، /1. ب/ ولم يبين علته وهو أصوب عمليه، فاعلمه واعتبره ق كذلك في حديث محمد بن عمرو بن سعيد بن العاصي (¬13) أن بني سعيد بن العاصي كان لهم غلام فأعتقوه الحديث .. فإنه قال بعده: هذا منقطع لأن محمد بن عمرو بن سعيد لم يذكر من حدثه، فكان هذا صوابًا. (2) وذكر (¬1) حديث ناقة البراء، حديث قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ الحَوَائِط بالنهار على أهلها الحديث .. (¬2) من طريق أبي داود، من رواية .... ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
الأوزاعي (¬3) ¬
عن الزهري (¬4)، عن حرام بن مُحيصة (¬5)، عن البراء بن عازب، ثم أعله بالإنقطاع. ثم قال: وقد رواه: معمر (¬6) عن الزهري، عن حرام بن مُحيْصة، عن أبيه، عن البراء. وذكر غير ذلك من الاختلاف في إسناد هذا الحديث، والمقصود من ذلك رواية معمر، فإن أبا داود ذكرها، وليس فيها: (عن البراء)، وإنما قال: عن حرام بن مُحيْصة، عن أبيه أن ناقة للبراء الحديث .. وهذا مثل ما تقدم في الحديثين الذين قبله، فذكر ع هذا الحديث في باب الأحاديث التي أغفل ق نسبتها إلى المواضع التي أخرجها منها، ونقله كما ذكره ق سواء علي الوهم بزيادة: (عن البراء) في إسناده فشاركه في ذلك، وإن كان قد ذكره بعد ذلك على الصواب، ولكنه لم يتثبت أولًا في إيرادها، وصرح بما لم يصرح به ق من نسبة هذه الرواية إلى أبي داود، وليس عند أبي داود فيها إلا ما أوردته. وليس لقائل أن يحتج على ق بأنه لم يعز هذه الرواية إلى أبي داود فيلزمه هذا الوهم، إذ لعله قد وقف عليها عند غيره، على نحو ما أَورده من الإتصال في إسنادها. فأما ع الذي اعترف بأنها منقولة من عند أبي داود فإنه لم يلزمه ذلك، ولا يلزم ق، فإني أقول: الظاهر محكوم لصاحبه، ويشهد للظهور أنه لما نقل رواية الأوزاعي/2. أ/ من سنن أبي داود كانت عند أبي داود ثانية من رواية معمر. ورواية معمر مقدمة أول الباب، دل على أنه نقلها من عنده، فوهم كما وهم في ¬
(3)
غير ذلك؛ مما ذكرناه في هذا الباب، ولو قدرنا أنه نقلها من غير سنن أبي داود، ولم يهم في قوله (عن البراء) بل نقله على ما وقع في الموضع الذي نقله منه، للزمه ذكر ما أورد أبو داود، إذ كان يكون على هذا التقدير قد اختلف في ذلك عن معمر؛ فلم يسغ له ذكر إحدى الروايتين عن معمر، وتَرْكَ الرواية الأخرى، وهو قد رآها وعلم موضعها من سنن أبي داود، لاسيما وقد تعرض لذكر الاختلاف في هذا الحديث. فتبين أنه لم يرد سواها. وقد بحثت جهدي عن رواية معمر في هذا الحديث أن أجد أحدًا رواها على حسب ما أورده ق فلم أجد، ولله سبحانه الإحاطة، ومنه التوفيق، لا رب غيره. (3) وذكر حديث أبي هريرة في قصة ماعز من طريق النسائي، وفيه: (فهلا تركتموه) (¬1). ¬
ثم قال (¬2): وقال أبو داود: "لعله أن يتوب فيتوب الله عليه". قال: وليس إسناد هذا بالقوي (¬3)؛ لأنه من حديث هشام بن سعد (¬4)، ¬
عن يزيد بن نعيم (¬5) بن هزال، عن أبيه (¬6)، عن جده: ¬
(4)
هَزَّال (¬7)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحتج بهذا الإسناد. (¬8) قال م: فذكر ع هذا الحديث في باب الأحاديث المصححة بالسكوت عنها، كما ذكره ق فشملهما الوهم في ذلك بزيادة راو في إسناده، وهو قوله فيه: (عن جده)، فإنه ليس كذلك عند أبي داود، وإنما هو عنده من حديث نعيم ابن هَزَّال، لا من حديث هَزَّال، فاعلمه، هكذا: عن هشام بن سعد، عن يزيد بن نعيم عن أبيه. (4) وذكر (¬1) حديث أم عطية (¬2) في الخِفَاض (¬3) أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تُنْهِكِي (¬4) /2. ب/ الحديث .. ذكره أبو محمد هكذا: (أبو داود عن محمد بن حسان (¬5)؛ قال حدثنا عبد الوهاب ¬
الكوفي (¬6)، عن عبد الملك بن عمير (¬7)، عن أم عطية)، فذكر الحديث (¬8). فنقله ع كما ذكره ق: في باب ما أعله براو وترك غيره (¬9)، وأعله بالجهل بعبد الوهاب [ال] كوفي (¬10)، وذلك وهم منهما، ولا وجود لعبد الوهاب الكوفي في هذا الإسناد. وقد شرحت أمره وبينته بيانًا شافيًا حيث ذكره ع من الباب المذكور (¬11)، ولا بأس بشرح أمره ها هنا على أخصر ما يمكن: فاعلم أن الحديث عند أبي داود هكذا: (نا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي (¬12)، وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي الدمشقي؛ جميعًا قالا: نا مروان (¬13)، قال نا محمد بن حسان -قال عبد الوهاب: (الكوفي) - عن عبد الملك بن عمير، عن أم عطية الأنصارية) (¬14). ¬
هذا نص الإسناد عند أبي داود. فاعلم الآن أن عبد الوهاب هو: ابن عبد الرحيم الأشجعي شيخ أبي داود الذي روى عنه هذا الحديث مقرونًا بسليمان بن عبد الرحمن، فانفرد عبد الوهاب بن عبد الرحيم بأن نسب محمد بن حسان راوي الحديث إلى أنه كوفي. ولم يقل ذلك سليمان بن عبد الرحمن، فقال أبو داود: قال عبد الوهاب -أي عبد الوهاب الأشجعي- أن محمد بن حسان: (أنه الكوفي)، فالكوفي نعت [لـ] محمد (¬15) بن حسان، لا لعبد الوهاب. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(5)
فقول أبي داود: قال عبد الوهاب بمثابة: زاد عبد الوهاب في وصف محمد ابن حسان أن نسبه إلى الكوفة، وهذا مما لا خفاء به على من تأمله فنقله ق وزاد فيه بعد قال (حدثنا)، فاستقام له زيادة رجل في الإسناد لا وجود له؛ وهو (عبد الوهاب). فنقله ع وزاد توغلًا في الوهم؛ فأعل الحديث به، واستدرك ذلك على أبي محمد في إعلاله الحديث بمحمد بن حسان خاصة. ومن الله أسأل العصمة، فهو أهل الطول والمنة. (5) فصل فيما وقع عند ع خاصة من جنس ما تعقبه في هذا الباب؛ فمن ذلك أنه ذكر، في باب ما أعله ولم يبين علته/ 3. أ/: حديث أبي الدرداء: (لا صلاة لملتفت)، وتكلم على علته، فحكى عن الدارقطني أنه قال: (فرواه الصلت بن طريف (¬1) المعولي ¬
عن أبي شَمِر (¬2)؛ قال حدثني رجل عن ابن أبي مليكة، عن يوسف بن عبد الله بن سلام (¬3) عن أبي الدرداء). قال م: وهذا غلط، فإنه لم يقع عند الدارقطني كذلك، وإنما قال: عن أبي شَمِر، قال حدثني رجل يقال له أبو مليك (¬4) عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبي الدرداء). وعلى ما نقله ع يزداد في الإسناد من ليس منه إلى ما وقع فيه من التغيير في (أبي مليك) بـ (ابن أبي مليكة)، وكذا ذكره الأمير في باب: (مليل ومليك)، وستراه في موضعه إن شاء الله (¬5). ¬
(6)
(6) وذكر (¬1) في باب ما سكت عنه مصححًا له، وليس بصحيح حديث أبي أمامة: (عليك بالصوم فإنه لا مثل له) (¬2) فذهب إلى أن يأتي بإسناد النسائي فيه فاعتراه ما اعترى أبا محمد في إسناده حديث عبد الله بن عباس في الإستسقاء المتقدم في هذا الباب من رواية إسحاق بن عبد الله بن كنانة، عن ابن عباس حيث سقط له ذكر إسحاق، وانتسب الحديث إلى أنه من رواية عبد الله ابن كنانة عن ابن عباس (¬3) وذلك أن ع قال: ¬
يرويه مهدي بن ميمون (¬4). قال: حدثني (¬5) عبد الله بن أبي يعقوب، حدثني رجاء بن حَيْوة (¬6) عن أبي أمامة فذكره، ثم قال: إن عبد الله هذا لا تعرف له حال. قال م: وصدق ع في قوله: (لا تعرف له حال)، بل أقول: ولا رواية، فاعلم أن الحديث إنما يرويه ابنه محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب (¬7) عن رجاء ابن حيوة، وقد بينته بيانًا مستوفى حيث وقع من الباب المذكور، وإنما ذكرت هذا في هذا الباب لأنه ذكر مثله فيه، وإلا فباب نسبة الأحاديث إلى غير رواتها أولى به، لأن فيه نقصًا وزيادة، فلم يتخلص لهذا الباب، ولا للباب الذي بعده، وفيه بلا شك نسبة الحديث إلى غير راويه، وهنالك نذكر ما أغفله من هذا النوع إن عثرنا لك عليه إن/3. ب/ شاء الله (¬8). ¬
(7)
(7) وذكر في الباب المذكور (¬1) حديث ضباعة بنت الزبير (¬2) زوج المقداد ابن الأسود (¬3) في قصة الجُرْذ (¬4) والدنانير. فأورده هكذا: (وذكر من طريق أبي داود عن الزمعي (¬5) عن قريبة بنت عبد الله بن وهب، عن أمها، عن كريمة ¬
(8)
بنت المقداد) (¬6) (¬7) فوهم ع في قراءة: (عن كريمة) وهما أوجب إدخاله في هذا الباب لما استزاد له في إسناده راو، والصواب: (عن أمها كريمة). وقد بين حيث وقع، فاعلمه. (8) وذكر (¬1) فى باب الأحاديث المصححة بالسكوت عنها المذكورة بقطع من أسانيدها حديث: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه)، فقال ما هذا نصه: (وذكر من طريقه أيضا -يعني من طريق أبي داود - عن موسى بن باذان (¬2)، عن يعلى بن أمية (¬3)، عن أبيه (¬4)، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه). (¬5) قال م هكذا ذكره بزيادة (عن أبيه) فى الإسناد، ولم يقع كذلك في "الأحكام" (¬6)، ولا في كتاب أبي داود الذي نقل من عنده. ¬
(9)
وإنما عند أبي داود فيه: عن موسى بن باذان، قال: أتيت يعلى بن أمية فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه) فاعلمه. (9) وذكر (¬1) في باب ما رده بالإنقطاع وهو متصل: حديث عمرو بن ¬
عوف المزني (¬2) في إقطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - بلال بن الحارث معادن القَبَلية (¬3). ثم أورد إسناد أبي داود فيه، فاستزاد له في الإسناد راو؛ وهو: إسحاق بن إبراهيم ¬
(10)
الحنيني بين العباس بن محمد الدوري (¬4)، والحسين بن محمد (¬5) وسترى ذلك مبينًا هنالك، إن شاء الله (¬6). (10) وذكر (¬1) في باب ما سكت عنه مصححًا له، وليس بصحيح حديث: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ فلبك غنى الحديث .. فساق إسناد/4. أ/ الترمذي فيه، فقال فيه: (عن أبي خالد الوالبي، عن أبيه، عن أبي هريرة)، ¬
(11)
ثم قال: إن والد أبي خالد لا يعرف. قال م: وهذا أيضا كذلك، وما لوالد أبي خالد فيه ذكر، وإنما هو عن أبي خالد، عن أبي هريرة، بغير واسطة، وسترى ذلك هنالك إِن شاء الله. (11) وفي باب النقص من الأسانيد (¬1) ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
قال في حديث ابن السعدي (¬2) ¬
(حديث لن (¬3) تنقطع الهجرة ما قُوتل الكفار). قولًا بين فيه أوهامًا وقعت في "الأحكام"، وأورد إسنادًا للنسائي فى هذا الحديث من طريق محمود بن خالد (¬4) عن مروان. هكذا غير منسوب، عن عبد الله بن العلاء بن زبر (¬5). ثم قال بعد تمام الحديث: وهكذا رواه أيضا عمرو بن سلمة عن عبد الله بن العلاء بن زبر، كما رواه مروان بن محمد (¬6)؛ قال: وعلة هذا الخبر الجهل بحال حسان بن عبد الله؛ فإنه لا يعرف إلا برواية أبي إدريس (¬7) عنه لهذا الحديث عن ابن السعدي. ثم أورد الحديث أيضا من طريق ابن السكن بإسناده ومتنه، وفيه عن ابن السعدي أنه لما دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (حاجتك؟) قال حاجتي تحدثني آنقطعت الهجرة؟ قال: حاجتك خير من حوائجهم، لا تنقطع الهجرة ما قُوتل العدو). وقال م: انتهى ما قصدت من كلامه في هذا الحديث محتويًا على أوهام أربعة: ¬
أحدها: قوله في الراوي عن ابن زبر: (عمرو بن سلمة)، وإنما هو: (عمرو ابن أبي سلمة) (¬8)، وهو أبو حفص التنيسي، الشامي، لا يشكل ذلك على من زاول هدا العلم، ومع ذلك فإني لا أعلم في المحدثين، في هذه الطبقة فما فوقها، من يسمى عمرو بن سلَمة البتة، أعني هكذا بفتح اللام، فأما بكسرها، فعمرو بن سلِمة الجرمي (¬9)، له صحبة، وعمرو بن سلمة الهمداني (¬10) الكوفي تابعي ثقة، سمع عليا، وسلمان بن ربيعة. وكما ذكرته عن ع هي روايتي فيه عنه، قراءة مني عليه، وهو يمسك أصله الذي نقلت منه بخط/4. ب/ يده. الثاني: قوله في مروان الراوي عن عبد الله بن العلاء بن زبر: أنه ابن محمد، وليس كذلك، وإنما هو مروان بن معاوية (¬11) الفزاري، ¬
الدمشقي، أبو عبد الله، وإنما قلت إنه ابن معاوية؛ لأنه كذلك وقع في إسناد هذا الحديث عند النسائي، فى رواية ابن قاسم عنه؛ هكذا: أنا محمود (¬12) بن خالد (¬13) قال: نا مروان، يعني ابن معاوية، نا عبد الله بن العلاء بن زبر. ومروان بن معاوية، ومروان بن محمد الطاطري في طبقة واحدة. مات مروان بن معاوية سنة ثلاث وتسعين ومائة، ومات مروان بن محمد سنة عشر ومائتين. وبقي عندي في هذا نظر، أعني في الاستظهار على هذا الموضع بغير رواية ابن قاسم، فإن محمود بن خالد مذكور بالرواية عن مروان بن محمد، فزد فيه بحثا. الثالث: وهم وقع له في متن حديث ابن السكن، وهو قوله: (حاجتك خير من حوائجهم) وليس لفظ الخبر كذلك عند ابن السكن؛ وإنما هو: (حاجتك من خير حوائجهم). وهكذا روايته فيه في كتاب الحروف، لابن السكن عن الشهيد أبي الربيع سليمان بن سالم (¬14) الكلاعي، -رحمة الله عليه-، وعن غيره. وكذلك في أصل القاضي أبي عبد الله بن مفرج (¬15) بخط يده. وفرق ¬
(12)
كبير بين معني اللفظين. الرابع: قوله في حسان بن عبد الله (¬16) الضمري: إنه لا يعرف، وأنه علة هذا الخبر. وليس كذلك فإنه معروف ثقة، والثقة لا يضره ألا يروي عنه إلا واحد. قال أبو مسلم صالح بن أحمد (¬17) بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي: حدثني أبي (¬18)؛ قال: وحسان بن الضمري شامي تابعي ثقة، وذلك لا يضره فيه أيضا قول من لم يعرفه: إنه غير مشهور، فمن علم أولى ممن لم يعلم. وأبو الحسن الكوفى أحد الأئمة في هذا الشأن، والله المستعان. (12) وقال في حديث وائل بن حجر في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، الذي ذكره ق (¬1) من طريق أبي داود (¬2) من حديث شريك، عن ¬
عاصم/5. أ/ بن كليب (¬3)، عن أبيه (¬4)، عن وائل بن حجر. وفيما أتبعه من قوله: (رواه همام (¬5) عن عاصم مرسلا) (¬6)، قولا بين فيه الإنقطاع فيما بين همام وعاصم، وأن هماما إنما رواه عن شقيق أبي الليث، عن عاصم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا مرسلا. قال ع: "ويؤكد قبح هذا العمل ضعف شقيق، الذي عنه رواه همام، فإنه شقيق؛ أبو الليث، وهو لا يعرف بغير رواية همام عنه، فإسقاطه إزالة ضعيف من الإسناد: وهي التسوية، وقد تبين في كتاب (المراسيل) (¬7) -في نفس الإسناد- أنه شقيق أبو الليث". (¬8) قال م: كل ما ذكر ع في هذا صحيح، ولكنه أغفل وهما آخر؛ من هذا الباب، في هذه الرواية، وأبعد النجعة في بعض ما نقله. أما الإغفال ففي رواية همام هذه التي ذكرها ق وقال: (عن عاصم مرسلا). فإنها ليست كذلك، وإنما هي: (عن همام، عن شقيق، عن عاصم، عن أبيه مرسلا). فتكلم ع على إسقاطه لشقيق منها، ولم يتكلم على إسقاطه لكليب -والد عاصم- منها، وإن كان ع ذكره على الصواب ¬
فإنه أغفل التنبيه عليه بأنه وهم ثان من هذا الباب، وهكذا وقع الحديث في كتاب السنن لأبي داود، فجعل ق الحديث مرسلا عن عاصم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس كذلك، وإنما هو مرسل عن أبيه كليب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال م: واعلم بأن السائق إلى هذين الوهمين؛ بإسقاط شقيق، وكليب من الإسناد هو: أبو عيسى الترمذي (¬9)، وتبعه ق، وأظنه إنما نقل كلامه في قوله: (رواه همام عن عاصم مرسلا)، فوهمه كوهمه، فإن أبا عيسى الترمذي ذكر رواية شريك المتقدمة عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، ثم قال: (لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك). (¬10) ثم قال آخر الباب: (وروى همام عن عاصم هذا مرسلا، ولم يذكر فيه وائل بن حجر). (¬11) وأما إبعاد النجعة ففيما نقله من المراسيل، وهو ثابت في سنن أبي داود، بعد رواية همام من/5. ب/ طريق حجاج بن المنهال (¬12) عن همام، عن شقيق، عن عاصم بن كليب، عن أييه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو داود: (رواه عفان عن همام، قال: نا شقيق أبو الليث) (¬13). قال م: وهذه الرواية بعينها هي التي ذكرها في المراسيل. وقول ع في شقيق: (إنه ضعيف). مما تسامح فيه، وإنما هو (مجهول، لم ¬
يرو عنه غير همام)، (¬14) والله أعلم. ¬
(13)
(13) وقال في الحديث الذي ذكره ق من طريق أبي أحمد في حق الجار؛ قال: ولا يستطيل عليه بالبناء، يحجب عنه الريح إلا بإذنه الحديث .. قولا بين فيه وهم ق في إسناده، فأسقط له منه، ثم أورده ع بإسناده ومتنه الطويل من كتاب أبي أحمد، فقال: قال أبو أحمد: أنا أبو قصي (¬1)، قال: نا سليمان بن عبد الرحمن، قال: نا سويد بن عبد العزيز؛ قال: نا عثمان بن عطاء الخراساني (¬2)، ¬
عن أبيه (¬3) عن جده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) (¬4)، فذكر الحديث، ثم قال: (وكذا وقع في النسخة من كتاب أبي أحمد (¬5) عثمان بن عطاء عن أبيه، عن جده، عن عمرو بن شعيب (¬6)، عن أبيه (¬7) عن جده). (¬8) قال ع: (وأخاف أن يكون قوله: "عن جده" في عثمان بن عطاء خطأ، فإني لا أعرف لعبد الله أبي مسلم والد عطاء الخراساني، مولى المهلب بن أبي صفرة رواية، وإنما يروي عن عمرو بن شعيب عطاء الخراساني نفسه لا بواسطة ¬
أبيه. فينبغي أن يكون الحديث هكذا: عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬9). ثم قال ع آخر كلامه عليه: (والحديث غاية في الضعف، بضعف عثمان المذكور) (¬10). قال م: كل ما ذكر ع في هذا صحيح إلا موضعًا واحدًا؛ وهو تضعيفه الحديث بعثمان بن عطاء الخراساني وحده، وفي الإسناد من هو أضعف منه؛ وهو سويد بن عبد العزيز الدمشقي (¬11)، يقال قاضي دمشق، ويقال قاضي بعلبك. قال البخاري: (عنده مناكير، أنكرها أحمد) (¬12). وقال الدولابي: نا عبد الله بن أحمد عن أبيه، قال: سويد بن عبد العزيز متروك الحديث .. وحدثنا معاوية عن يحيى، قال: سويد بن/ 10. أ/ عبد العزيز ضعيف، وروى ¬
عنه عباس أنه ليس بشيء. كان قاضيا بدمشق بين النصارى. قلت ليحيى: فالمسلمين (¬13) من كان يقضي لهم؟ قال يقضي لهم قاض آخر. قال يحيى: وسويد واسطي انتقل إلى دمشق، وليس حديثه بشيء. قال م: فإعلال الحديث بعثمان بن عطاء -ودونه هذا الذي ذكره الأئمة بما نقلته عنهم- ليس بصواب، ولعل عثمان لم يسمع بهذا الخبر قط، وتكون البلية فيه من سويد هذا، فلعله وضعه عليه، وعثمان بريء من عهدته، وعثمان وإن كان وصف بالضعف، فَإنَّ دُحَيما قد حسن فيه القول. قال أبو حاتم الرازي. سمعت دُحَيما، وسألته عن عثمان بن عطاء. فقال: لا بأس به. فقلت: إن أصحابنا يضعفونه. فقال: وأي شيء حدث عثمان من الحديث، واستحسن حديثه) (¬14). وقال البخاري: (ليس بذاك القوي، صاحب مراسيل). وضعفه ابن معين وغيره، ولكن هذا الحديث لم يعرف عنه إلا من طريق سويد بن عبد العزيز، فالحمل فيه على سويد حتى نجده عن عثمان من غير رواية سويد ممن يكون أحسن حالا من سويد، وحينئذ نحمل فيه على عثمان، ودون سويد أيضا فيه: سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي (¬15)، وفي النفس منه ما فيها، وإن كان قد حدث عنه أبو عبد الله البخاري في الصحيح، فإن أبا حاتم جرحه وقال: ¬
(كان في حد لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم، قال: وكان لا يميز) (¬16) قال م: وقد روى سليمان هذا حديثا منكرا رواه عنه الثقات، ومن فوقة في إسناده ثقة، وهو ما ذكره أبو عيسى الترمذي، قال: نا أحمد بن الحسن (¬17) أنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، أنا الوليد بن مسلم (¬18) نا ابن جريج (¬19) عن عطاء بن أبي رباح (¬20) وعكرمة (¬21) مولى ابن عباس، عن ابن عباس، أنه قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه علي ابن أبي طالب، فقال: بأبي أنت وأمي تفلت هذا القرآن من صدري، فما أجدني أقدر عليه. فذكر الحديث بطوله في الحفظ (¬22). وقال: لا نعرفه إلا من ¬
حديث/6. ب/ الوليد بن مسلم (¬23). ¬
قال ع: وقد رواه عن سليمان بن عبد الرحمن أيضا أبو طاهر الأصبهاني، وعثمان بن سعيد الدارمي. رواه البزار في مسنده عن أبي الطاهر. ذكره أبو بكر ابن ثابت الخطيب عن الدارمي. وقال أبو أحمد الحاكم: هذا حديث منكر موضوع. ¬
(14)
(14) وقال في حديث أبيض بن حمال أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عَمَّا يحمى من الأراك؟ قال: (ما لم تنله أخفاف الإبل)؛ قولا بين فيه أنه نقص من إسناده راو، ثم قال: (وقد ذكرت هذا الحديث، وبينت علته في باب الأحاديث التي سكت عنها مصححا لها، فإن فيه خمسة مجهولين). قال م: وليس كما ذكر، وسترى الكلام على هذا الحديث حيث ذكره من الباب الذي ذكر، مما هو مذكور بقطعة من سنده. أخرت الكلام عليه إلى هنالك؛ لأنه لم يفسر هؤلاء المجاهيل هنا، وفسرهم هنالك، فأرجأت الكلام معه فيه إلى حيث التفسير، واكتفيت ها هنا بالتنبيه على ذلك والله الموفّق. (15) فصل في الإغفال الكائن من هذا الباب؛ من ذلك أن ق ذكر في البيوع من طريق البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة؛ رجل أعطى بي، ثم غدر، ورجل باع حرا، فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره). هكذا ذكره حاذفا منه أول إسناد 5 مما لا يجوز أن يحذف إلا وهمًا وغلطا، وإنما يرويه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه ¬
(16)
جل وعلا. كذلك وقع عند البخاري الذي نقله ق من عنده في موضعين من جامعه؛ قال في أحدهما: نا بشر بن مرحوم (¬1). وفي الآخر: نا يوسف بن محمد (¬2). قالا: نا يحيى بن سليم (¬3) في إسماعيل بن أمية (¬4) عن سعيد بن أبي سعيد (¬5)، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة؛ رجل أعطى لي، ثم غدر، ورجل باع حرا، فأكل ثمنه،/7. أ/ ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره). (16) وذكر (¬1) ¬
مرسل عبيد بن السباق (¬2) في السواك، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: (وقد رواه خالد بن نريد بن سعيد الصباحى الأسكندراني، عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووهم فيه؛ والصحيح عن مالك، [عن ابن شهاب]، (¬3) -يعني عن ابن السباق-كما تقدم. ذكر ذلك الدارقطني). (¬4) قال م: هكذا ذكر ق هذا الحديث، وفيه وهمان: أحدهما لهذا الباب؛ وهو إسقاط راو بين أبي هريرة، سعيد المقبري، وهو أبو ¬
(17)
سعيد المقبري (¬5)، كذلك ثبت في الإسناد، في الموضع الذي نقله منه. الثاني: تسميته الصباحي خالد بن يزيد. وإنما اسمه: يزيد بن سعيد (¬6) وكنيته أبو خالد، وبيان ذلك بإيراد ما ذكره الدارقطني، قال في العلل: (وسئل عن هذا الحديث يرويه مالك، واختلف عنه فرواه أبو خالد يزيد بن سعيد بن يزيد الصباحي الأسكندراني، عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووهم فيه: وإنما روى مالك هذه الألفاظ في الموطأ عن الزهري، عن عبيد بن السباق مرسلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬7). قال م: وقد روي عن الصباحي بإسقاط: عن أبيه. من الإسناد، ولم يقع ذلك عن الدارقطني في (العلل)، وإنما ذكره أبو عمر بن عبد البر، فيما ذكر من الإضطراب في الحديث على الصباحي، (¬8) فاعلمه، وبالله التوفيق. (17) وذكر (¬1) حديثا عائشة في مضاجعة الحائض هكذا: وذكر أبو عمر (¬2) في التمهيد (¬3) من حديث ابن لهيعة (¬4) أن قرط بن عوف (¬5) سأل ¬
عائشة، فقال: يا أم المؤمنين أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم (¬6) الحديث .. قال م: هكذا ذكره بإسقاط راويين من إسناده فيما بين قرط بن عوف، وابن لَهِيعة. فإن ابن لَهِيعة إنما يرويه عن يزيد بن أبي حبيب (¬7)، عن سويد بن قيس التجيبي (¬8). أن قرط / 7. ب/ بن عوف حدثه أنه سأل عائشة. كذا وقع الحديث عند أبي عمر بن عبد البر في التمهيد. قال أبو عمر: (وذكر دُحَيم (¬9) قال: نا الوليد بن مسلم؛ قال: أنا ابن لَهِيعة عن يزيد، عن سويد بن قيس التجيبي أن قرط بن عوف حدثه أنه سأل عائشة. فذكر الحديث (¬10)، فوهم بقوله: أن قرط بن عوف سأل عائشة، وذلك انقطاع آخر. وقد روي كذلك عن سويد. وصوابه كما ذكرته عن سويد أن قرط بن عوف حدثه أنه سأل عائشة الحديث .. والله أعلم. وهذا نحو من الحديث نجد من الحديث الذي ذكره ع في هذا الباب، وهو ¬
حديث أفصل بين الواحدة و (¬11) الثنتين بالسلام. (¬12) فإن ق ذكره من طريق ابن لَهِيعة عن نافع (¬13)، عن ابن عمر. (¬14) فنبه ع على سقوط يزيد بن أبي حبيب، فيما بين نافع وابن لَهِيعة، ولكنه غفل عن (¬15) هذا (¬16). وفيه مع ذلك زيادة انقطاع إلى بقوله أن [قرط بن عوف سأل عائشة]. (¬17) ¬
(18)
(18) وذكر (¬1) حديث إذا قَاء أحدكم في صلاته أو ¬
قَلَس (¬2) فلينصرف، فليتوضأ وليبنِ على ما مضى من صلاته، ما لم يتكلم. ذكره ق في الطهارة من طريق الدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن أبيه (¬3) وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: (والصحيح في هذا الحديث عن ابن جريج مرسل. وإسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين. وابن جريج وابن أبي مليكة حجازيان). قال م: في كلام ق هذا وهمان: أحدهما قوله: (والصحيح في هذا الحديث عن ابن جريج مرسلا). فإنه أسقط منه والد ابن (*) جريج. والصواب فيه: (عن ابن جريج، عن أبيه مرسلا) (¬4). كذلك وقع في الوضع الذي نقله منه من قول الدارقطني، والإمام أبي عبد الله محمد بن يحيى الذهلي (¬5). قال الدارقطني بعد ذكره الروايات عن إسماعيل بن عياش رواية داود بن رشيد (¬6) عنه، وهي التي نقل أبو محمد، ¬
ورواية محمد بن الصباح (¬7) ومحمد بن المبارك الصوري (¬8) والربيع بن نافع (¬9) أبي توبة (¬10). ثم قال: (وأصحاب / 8. أ/ ابن جريج الحفاظ عنه يروونه عن ابن جريج، عن أبيه مرسلا). ثم أورد روايات الحفاظ عن ابن جريج، وهم: أبو عاصم النبيل (¬11)، ومحمد بن عبد الله الأنصاري (¬12)، وعبد الرزاق (¬13)، كلهم قالوا: عن ابن جريج، عن أبيه. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا قاء أحدكم أو قَلَس أو وجد مَذيا، وهو في الصلاة فلينصرف فليتوضأ، وليبن على صلاته ما لم يتكلم. ثم قال الدارقطني (¬14): (قال لنا أبو بكر (¬15) -يعني ¬
(19)
النيسابوري-: سمعت محمد بن يحيى يقول: هذا هو الصحيح عن ابن جريج، وهو مرسل). الثاني قوله: (وإسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين، وابن جريج، وابن أبي مليكة حجازيان). فإن ظاهر هذا القول ينبئ أنه اعتقد أن إسماعيل بن عياش روى هذا الخبر عن ابن أبي مليكة. وأن قوله: (عن ابن جريج عن أبيه، وعن ابن أبي مليكة، عن عائشة، معطوف على ابن جريج. وأن إسماعيل بن عياش حدث به عنهما، ولذلك أعلم أنهما حجازيان، وأن روايته عن غير الشاميين ضعيفة. وذلك وهم، وإنما يرويه إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، وابن جريج يرويه عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا، وعن ابن أبي مليكة، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسندا، لا ريب في ذلك. وذلك مبين عند الدارقطني من رواية محمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن الصباح البزاز، وأبي توبة؛ الربيع ابن نافع؛ جميعهم عن إسماعيل بن عياش. فإنهم فصلوا بين الروايتين؛ فحدثوا بإحداهما عن إسماعيل، عن ابن جريج، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحدثوا بالأخرى عن إسماعيل، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاعلمه. (19) وذكر (¬1) حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} مرفوعا. ¬
قال: إذا كانت بالرجل جراحة فخاف إذا اغتسل أن يموت فليتيمم. من رواية جرير (¬2) عن عطاء بن السائب (¬3) /8. ب/ عن ابن عباس. من طريق أبي أحمد. ثم قال: وقد ذكره أبو بكر البزار أيضا. قال م: هكذا ذكر هذا الحديث، فنقص راو من إسناده فيما بين ابن عباس، وعطاء بن السائب، وهو سعيد بن جبير (¬4). وعلى الصواب وقع عند البزار وأبي أحمد. قال/ البزار: نا يوسف بن موسى (¬5). قال: نا جرير عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. رفعه في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}. قال إذا (¬6) كان بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح، أو الجدري فخاف أن يموت إن اغتسل يتيمم. قال البزار: ولا نعلم أسند هذا الحديث رجل ثقة عن عطاء بن السائب غير جرير. قال م: وهذا الحديث اختلف فيه على يوسف بن موسى؛ فرواه البزار عنه ¬
(20)
هكذا مرفوعا، ورواه الحسين بن إسماعيل المحاملي (¬7) عنه موقوفا على ابن عباس من قوله. كذلك رواه الدارقطني (¬8) عن المحاملي، فاعلمه. (20) وذكر (¬1) من طريق أبي أحمد من حديث بقية (¬2) عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي، عن بشر بن منصور (¬3)، عن علي بن زيد بن جدعان (¬4)، عن ¬
سلمان. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم، فماتت فهو الحلال أكله وشربه ووضوؤه). ثم قال: خرجه الدارقطني من حديث بقية بن الوليد بهذا الإسناد. وقال لم يروه غير بقية عن سعيد بن أبي سعيد، وهو ضعيف. وقال م: وهذا أيضا كذلك سقط من إسناده راو بين سلمان، وعلي بن زيد ابن جدعان. وهو سعيد بن المسيب. (¬5) وعلي بن زيد معروف الرواية عن سعيد ابن المسيب. وعلى الصواب وقع عند أبي أحمد، والدارقطني. قال الدارقطني: (نا أبو هاشم عبد الغافر (¬6) بن سلامة (¬7). قال: وجدت في كتابي: عن يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي (¬8). قال: نا بقية بن الوليد، عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي، عن بشر بن منصور، عن/9. أ/ علي بن زيد. وحدثنا (¬9) محمد بن حميد بن سهيل (¬10). قال: نا أحمد بن أبي الأخيل (¬11). قال حدثني أبي. قال: ثنا بقية. حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن ¬
(21)
بشر بن منصور، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم، فماتت فيه، فهو حلال أكله وشربه ووضوؤه). قال الدارقطني: لم يروه غير بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي. وهو ضعيف. (21) وذكر (¬1) من طريق الدارقطني من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل حين تزول الشمس جمع بين الظهر والعصر، وإذا مد به السير أخَّرَ الظهر، وعجل العصر، ثم يجمع بينهما). ثم قال ق: (هذا يرويه المنذر بن محمد (¬2). قال: ثنا أبي. نا ¬
محمد بن الحسين بن علي ابن الحسين (¬3)، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن علي. قال: والمنذر بن محمد. ومحمد (¬4) بن الحسين لم أجد لهما ذكرا). انتهى ما ذكر بإسقاط راو من إسناده؛ وهو (¬5) جد النذر، فإنه إنما يرويه المنذر عن أبيه، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الحسين. هكذا وقع في سنن الدارقطني الذي نقل منه. وقد استظهرت على هذا الموضع بعدة نسخ صحيحة معتنى بها؛ ومعتنى فيها بالتصحيح على قوله: حدثني أبي. اهـ وأعلم مع ذلك أن هذا الرفع في نسب (محمد بن الحسين)؛ الذي وقع عند ق. لمَ يقع كذلك عند الدارقطني الذي نقله من عنده، فالعجب منه حيث رفع في نسبه، وهو غير منسوب كذلك في الوضع الذي نقل منه، وهو القائل أنه لم يجد له ذكرا. وأما المنذر بن محمد، فإن البرقاني (¬6) ذكر أنه سأل الدارقطني عن المنذر بن محمد القابوسي. فقال: متروك الحديث. فالله أعلم إن كان الذي في هذا الإسناد اهـ. ¬
(22)
(22) وذكر (¬1) من طريق أبي داود، ¬
من طريق عمرو بن مرة (¬2)، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير ابن مطعم (¬3)، عن أبيه؛ أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة. قال عمرو -يعني ابن مرة-: لا أدري أي صلاة هي. فقال: -الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا الحديث. وفيه: أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه/ 9. ب/ وهمزه الحديث .. ثم قال: (اختلف في اسم العنزي؛ فقال (¬4) شعبة: عن عمرو بن مرة، عن عاصم (¬5). وقال ابن فضيل (¬6): عن حصين (¬7)، عن عمرو بن مرة، عن عباد ابن عاصم (¬8). وقال زائدة: عن عمرو بن مرة، عن عمار بن عاصم. والرجل ليس بمعروف. ذكر ذلك أبو بكر البزار، عند ذكر هذا الحديث). (¬9) قال م: هكذا ذكره. والمقصود منه قوله: (وقال زائدة: عن عمرو بن ¬
مرة). [فإنه وهم؛ وإنما يرويه زائدة عن حصين، عن عمرو بن مرة]، (¬10) كذلك قال البزار الذي نقله من عنده. وزائدة لم يدرك عمرو بن مرة. وإنما يحدث عن رجل عنه. قال البزار: (وقال ابن فضيل: عن حصين عن عمرو، عن عباد بن عاصم. وقال زائدة: عن حصين، عن عمرو، عن عمار بن عاصم. والرجل ليس بمعروف). اهـ هذا نص كلام البزار، وفيه بيان ما قلناه، والحمد للَّه. وسنذكر هذا الحديث في باب رجال لم يعرفهم، وهم ثقات، أو مختلف فيهم، وفى باب المدرج في النقل (¬11). من جملة الأبواب التي أضفناها إلى هذا الكتاب لأمر اعترى فيه من ذلك القبيل، إن شاء الله. ¬
(23)
(23) وذكر من طريق أبي داود عن عبد الرحمن بن يزيد (¬1)؛ قال: استأذن علقمة (¬2) والأسود على عبد الله الحديث .. في صلاة الرجلين مع الإمام كيف يقومان. هكذا ذكره بإسقاط راو من إسناده، وهو الأسود بن يزيد (¬3): والد عبد الرحمن، فإنه إنما يرويه عن أبيه؛ قال استأذن علقمة والأسود على عبد الله. وعلى الصواب وقع في سنن أبي داود الذي نقل منه. قال أبو داود: (نا عثمان بن أبي شيبة (¬4)؛ قال: نا محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة (¬5) عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه؛ قال استأذن علقمة والأسود على عبد الله، وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية، ¬
(24)
فاستأذنت لهما، فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل). قال م: وقد ذكر ع هذا الحديث في باب التغييرات الواقعة في الأسماء والأنساب لأجل قول ق في عبد الرحمن بن يزيد: نسبه إلى جده / 10. أ/ فإنه عبد الرحمن بن الأسود بن نىيد. واشتغال ع بهذا الذي نبهنا عليه كان الأولى، إلا أنه لم يتنبه له. ولولا أن ع ذكره هنالك على الصواب لما نقل الواقع من ذلك عند أبي داود لكتبناه في فصل الإشتراك. (24) وذكر حديث وائل بن حجر في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود من رواية شريك عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، ثم قال: رواه همام عن عاصم مرسلا. قال م: فوهم في ذلك وهمين كلاهما من هذا الباب: أحدهما ذكره ع في هذا الباب، والآخر أغفله، وإن كان ذكر الحديث على الصواب. لكن ظهر منه أنه لم يتنبه له، وهو قوله: (رواه همام عن عاصم عن أبيه مرسلا. والصواب: رواه همام عن شقيق، عن عاصم، عن أبيه مرسلًا. وقد تقدم بيان هذا حيث ذكر الحديث من هذا الباب. (25) وذكر (¬1) من طريق ¬
أبي أحمد بن عدي (¬2) هكذا: وروى هشام بن سعد عن عطاء بن يسار (¬3)، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث ¬
لا يفطرن الصائم؛ القيء والرعاف والاحتلام). قال م: وهذا أيضا من ذلك القبيل، فإنه سقط منه راو بين هشام بن سعد، وعطاء بن يسار، وهو: زيد بن أسلم (¬4). ولو كان كما ذكره ق لكان الخديث منقطعا؛ فإن هشام بن سعد لم يدرك عطاء. وكذلك ذكره أبو أحمد وغيره. والحديث مشهور قد ذكره البزار، إلا أنه قال الحجامة مكان الرعاف. قال البزار: (نا عبد الرحمن بن عيسى بن ساسان السوسي (¬5)، قال: نا محمد بن عبد العزيز الرملي (¬6)؛ قال: نا سليمان بن حيان (¬7)؛ قال: نا هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم (¬8) عن عطاء بن يسار (¬9)، عن ابن عباس. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث لا يفطرن الصائم، القيء والحجامة والإحتلام) (¬10). قال م: ورواه شعيب بن حرب (¬11) عن هشام بن سعد؛ فخالف أبا خالد ¬
(26)
الأحمر سليمان بن. حيان فيه [ف] جعله (¬12) من مسند أبي سعيد الخدري. قال الدارقطني (¬13): نا أحمد بن محمد بن يزيد / 10. ب / الزعفراني. (¬14) نا محمد ابن ماهان (¬15). نا شعيب بن حرب، نا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والإحتلام). اهـ (26) وذكر (¬1) من طريق البزار عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن ¬
عوف (¬2)، عن أبيه؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صائم رمضان في السفر كمفطره في الحضر، ثم قال (¬3): يروى موقوفًا على أبي سلمة. قال م: كذا قال، وهو وهم، وإنما قال البزار: يروى موقوفًا على عبد الرحمن ابن عوف. فأسقط ق ذكره من الإسناد. قال البزار: وهذا الحديث أسنده أسامة ابن زيد (¬4)، وتابعه يونس (¬5). ورواه ابن أبي ذئب (¬6) ¬
(27)
وغيره عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه موقوفًا على عبد الرحمن. قال م: وهذا هو الصواب. وبالله التوفيق. اهـ (27) وذكر (¬1) من مراسيل أبي داود ما هذا نصه: ¬
(28)
(قال: نا أبو توبة (¬2)، نا معاوية (¬3) -يعني ابن سلام- أخبرني -يزيد بن نعيم (¬4) -أو زيد بن نعيم (¬5) - شك أبو توبة. أن رجلا من جذام جامع امرأته، وهما محرمان) الحديث .. قال م: هكذا ألفيته في عدة نسخ من الأحكام بنقص راو من إسنده فيما بين معاوية بن سلام، وابن نعيم. وإنما يرويه معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير (¬6) عن يزيد بن نعيم -أو زيد بن نعيم- فيحيى بن أبي كثير هو القائل: أَخبرني يزيد بن نعيم، لا معاوية بن سلام. وقد ذكر ع هذا الحديث في باب التغييرات المفترقة لما وقع في لفظه من الاختلاف، وفي باب المراسيل التي لها علل. ولم ينبه على ما وقع في إسناده من هذا الوهم الذي ذكرناه. والله المستعان. اهـ (28) وذكر (¬1) ما هذا نصه: ¬
(مسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين (¬2)، عن أبي أيوب (¬3). وسأله: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - /11.أ/ يغسل رأسه وهو محرم؟)، فذكر الحديث. قال م: هكذا ألفيت هذا الحديث في عدة نسخ من "الأحكام". وهو غلط؛ ينقص من إسناده راو؛ وهو: عبد الله بن حنين (¬4) -والد إبراهيم- فعنه يرويه ابنه إبراهيم. وعبد الله هو الذي سأل أبا أيوب. فأما ابنه إبراهيم فلا يصح له ذلك. والحديث معروف مشهور في "الموطأ" فما دونه من رواية إبراهيم ابن عبد الله بن حنين عن أبيه، أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة (¬5) اختلفا بالأبواء (¬6). فقال عبد الله: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه. قال: فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري. قال فوجدته يغتسل بين القرنين (¬7) وهو يستر (¬8) بثوب. فسلمت عليه، فقال: من ¬
(29)
هذا؟ فقلت؛ أنا عبد الله بن حنين، أرسلنى إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل رأسه؛ وهو محرم. وذكر الحديث. اهـ (29) وذكر (¬1) ما هذا نصه: وروى حجاج بن أرطأة (¬2) وسعيد بن بشير (¬3)؛ كلاهما عن الحسن (¬4) عن سمُرة بن جندب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم. ذكره أبو داود والترمذي. اهـ انتهى ما ذكره بنقص راو كذلك من إسناده فيما بين الحسن وحجاج، وسعيد. وإنما يرويانه عن قتادة (¬5)، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، ذكر ¬
رواية الحجاج أبو داود، وذكر رواية سعيد بن بشير الترمذي. فجمع أبو محمد الروايتين من الموضعين. فوهم فيهما. قال أبو داود: نا سعيد بن منصور (¬6)؛ قال: نا هُشيم (¬7)؛ قال نا حجاج. وقال الترمذي: (نا أبو الوليد الدمشقي -هو هشام بن عمار (¬8) - نا الوليد ابن مسلم عن سعيد بن بشير؛ كلاهما عن قتادة. قال حجاج. نا قتادة عن الحسن، عن سمرة بن جندب. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقتلوا شيوخ الشركين، واستبقوا/ 11. ب / شرخهم) (¬9). هذا لفظ رواية حجاج. وفي ¬
(30)
حديث سعيد بن بشير: (واستحيوا) مكان: (واستبقوا). وقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحديث. اهـ (30) وذكر من طريق البخاري عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. اهـ هكذا ذكره أبو محمد، جعله من مسند أنس، وليس كذلك، وإنما رواه أنس عن أبي طلحة الأنصاري (¬1). كذلك ثبت في الجامع الصحيح للإمام أبي عبد الله البخاري في الجهاد بنصه هذا، وفي المغازي من حديث أطول من هذا؛ فاعلمه. وكذلك هو الحديث محفوظ في غير الجامع، ذكره النسائي، وغيره. اهـ (31) وذكر (¬1) من طريق أبي داود عن ابن جريج، عن صفوان بن ¬
سليم (¬2)، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار يقال له نضرة (¬3)؛ قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها، فدخلت عليها، فإذا هي حبلى الحديث .. ثم قال (¬4): (وهذا الحديث إنما يروى مرسلا عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. كذا رواه قتادة، ويزيد بن نعيم، وعطاء الخراساني (¬5)؛ كلهم عن سعيد. وفي حديث يزيد أن رجلا يقال له بصرة بن أكثم). انتهى ما قصدت من كلامه. والمقصود منه ما ذكر من أن قتادة يرويه عن سعيد بن المسيب. فإنه وهم، سقط له من بينهما راو، فإن قتادة إنما يرويه عن سعيد بن يزيد (¬6)، عن سعيد بن المسيب. وإنما اختصر ق كلام أبي داود، ولم يتقنه، وذلك أن أبا داود فرغ من حديث ابن جريج عن صفوان بن سليم قال ما هذا نصه: (روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد، عن سعيد، بن المسيب، ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب. وعطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب؛ أرسلوه كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7). وفي حديث يحيى ¬
(32)
ابن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة؛ (¬8) كلهم قال في حديثه: جعل الولد عبدا له). انتهى ما قصدت / 12. أ/ منه؛ فقد تيين بما ذكرته وهم أبي محمد في إسقاط "سعيد بن يزيد" فيما بين قتادة وسعيد بن المسيب. ولو قدرنا أنه نقله من موضع آخر وقع فيه كما ذكر لوجب أن يكون ما ذكره منقطعا، بما بين أبو داود من أمره، وكان يتعين حينئذ كتبه في المنقطعات، فاعلمه. اهـ (32) وذكر (¬1) ما هذا نص القصود منه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير (¬2)؛ قال: قال مجاهد (¬3): استشهد رجال يوم ¬
(33)
أحد فآم نساؤهم منهم، وكن متجاورات في دار. الحديث .. في منع المعتدة من وفاة زوجها من البيت في غير بيتها، ثم قال: هذا مرسل. قال م: وهذا أيضا سقط له منه راو، ويظن من وراه هكذا أنه متصل فيما بين عبد الرزاق وابن جريج، كما هو معلوم في جل ما يذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، وليس كذلك، بل هذا الحديث مما رواه عن رجل عنه، فسقط له عند النقل ذكر ذلك الرجل لكثرة ما يروي عبد الرزاق عن ابن جريج من غير واسطة. قال عبد الرزاق: وأخبرني محمد بن عمرو (¬4) عن ابن جريج، فذكره. وأرى محمدا هذا اليافعي. والله أعلم. اهـ (33) وذكر (¬1) من طريق أبي داود ¬
بإسناده إلى الثوري (¬2) عن صالح الهمدانى (¬3)، عن الشعبي (¬4) عن عبد خير (¬5) عن زيد بن أرقم (¬6)؛ قال: أتي علي بثلاثة -وهو باليمن- وقعوا على امرأة في طهر واحد. فذكر الحديث، ثم قال: هذا الحديث إسناده صحيح، كلهم ثقات، فإن قيل: إنه خبر قد اضطرب فيه، فأرسله شعبة (¬7) عن سلمة بن كهيل (¬8)، عن الشعبي، عن ¬
مجهول. وأبو إسحاق الشيباني (¬9) عن رجل من حضرموت، عن زيد عن أرقم. قال: قد وصله سفيان -وليس هو بدون شعبة- عن صالح بن حي - وهو ثقة- عن عبد خير -وهو ثقة- عن زيد بن أرقم. ثم قال ق: ذكر هذا الكلام في هذا الحديث أبو محمد. قال م: نقل ق كلام أبي محمد بن حزم كما وقع عنده (¬10)، فوهم فيما وهم فيه قائله إذ لم يتفقده، ولم يتنبه لما فيه من الوهم؛ وذلك في موقعين: أحدهما قوله: رواه أبو إسحاق الشيباني عن رجل، عن زيد بن أرقم. والثاني قوله: عن صالح بن حي، عن عبد خير؛ فإنه سقط له الشعبي في الموضعين؛ فإن صالح بن حي والشيباني إنما يرويانه عن الشعبي. فصالح يقول: عنه، عن عبد خير، عن زيد بن أرقم. والشيباني يقول: عنه، عن رجل من حضرموت، عن زيد بن أرقم. أما رواية صالح ففيما تقدم ذكره من إسناد أبي داود صحة ما ذكرناه عنها، وكذلك ذكرها النسائي بإسناد أبي داود سواء. أما رواية أبي إسحاق الشيباني (¬11) فذكرها أيضا النسائي؛ قال: نا إسحاق ابن شاهين الواسطي؛ قال. نا خالد -هو ابن عبد الله الواسطي الطحان- (¬12) - ¬
(34)
عن الشيباني، عن الشعبي، عن رجل من حضرموت، عن زيد بن أرقم، قال بعث رسول / 12. ب / الله - صلى الله عليه وسلم - عليا على اليمن، فأتي بغلام تنازع فيه ثلاثة، وساق الحديث. فهذا صواب ما وهما فيه. والله الموفق. اهـ (34) وذكر (¬1) من طريق أبي محمد بن حزم مرسل ابن أبي مليكة؛ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (في العبد شفعة، وفي كل شيء). ثم ذكره أيضا من طريق ابن أبي شيبة بلفظ آخر، ثم قال ما هذا نصه: وقد أسنده عمر بن هارون (¬2) - وهو -متروك- عن شعبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشفعة في العبد، وفي كل شيء. ذكره ابن عدي). قال م: هكذا ذكره بنقص راو كذلك من إسناده فيما بين شعبة وسعيد بن جبير، فإن شعبة لا يروي عن سعيد بن جبير إلا بوساطة أبي بشر، جعفر بن أبي ¬
(35)
وحشية (¬3) أو غيره. وعن أبي بشر يروى هذا الحديث عند أبي أحمد بن عدي، قال أبو أحمد: ناه (¬4) علي بن سعيد (¬5)؛ قال نا محمد بن حميد؛ قال: نا عمر بن هارون؛ قال: نا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الشفعة في العبد، وفي كل شيء). قال م: فقد تبين بهذا ما ذكرناه، والحمد لله، وهذا الحديث مما أعله ق براو وترك غيره، وسأبين أمره في الإغفال من ذلك الباب إذا انتهينا إليه، إن شاء الله. اهـ (35) وذكر (¬1) من طريق الدارقطني عن عثمان بن عفان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ¬
قال: (لا شفعة في بئر ولا فحل). ونقل كلام الدارقطني عليه في "العلل"؛ فكان منه أن قال: (ورواه مالك عن أبي بكر بن حزم (¬2) عن عثمان، ولم يذكر أبان (¬3). وكلهم وقفوه). قال م: هكذا ذكره بإسقاط راو بين مالك، وأبي بكر بن حزم. وإنما قال الدارقطني: (ورواه مالك عن محمد بن عمارة (¬4)، عن أبي بكر بن حزم، عن عثمان)، وهو الصواب، وكذلك هو في الموطأ. ومالك لم يدرك أبا بكر بن حزم؛ وإنما يروي عن رجل عنه، أما عن ابنه عبد الله بن أبي بكر عنه، وأما عن ابن شهاب عنه، وأما عن غيرهما عنه، فاعلم ذلك / 13. أ/ ¬
(36)
(36) وذكر (¬1) من طريق أبي محمد بن حزم عن القاسم بن عيسى الطائي (¬2)، عن الثوري، عن علي بن الأقمر (¬3)، عن أبي جحيفة (¬4)، عن ¬
علي: حديث النهي أن يقضي بين الخصمين حتى يسمع من الآخر. ثم قال: (والقاسم هذا مجهول. ذكره أبو محمد وأسنده إلى القاسم). انتهي ما ذكره ق؛ بِنَقْص راو من إِسناده، فإن القاسم بن عيسى إنما يرويه عن مؤمل بن إسماعيل (¬5)، عن سفيان الثوري. كذلك ثبت في الإسناد عند أبي محمد علي ابن أحمد بن حزم في كتابه "المحلى" (¬6). رواه من طريق ابن الأعرابي (¬7) عن سهل بن أحمد الواسطي (¬8) عن القاسم. اهـ وكذلك هو في معجم ابن الأعرابي الذي نقله ابن حزم منه، قال أبو سعيد ابن الأعرابي: (نا سهل بن أحمد بن عثمان أبو العباس، الواسطي، ببغداد؛ قال: نا القاسم بن عيسى بن إبراهيم الطائي، قال نا المؤمل بن إسماعيل عن سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة، عن علي (¬9)، قال؛ بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقلت: يا رسول الله، إنك بعثتني إلى قوم يسألوني، وأنا حدث السن. فوضع يده على صدري وقال: "اللهم اهد قلبه وسدد لسانه، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". قال علي: فما شككت في قضاء بعد -أو ما شككت في قضاء-). قال م: فهذا صواب إسناده. واتفق فيه لأبي محمد أمر آخر، خالف فيه أصله فيمن روى عنه اثنان فصاعدا أنه يقبل رواياتهم، ولم يجر على أصله في ¬
(37)
القاسم هذا، وذلك أنه ضعف الحديث بالجهل بالقاسم بن عيسى هذا، والقاسم هذا روى عنه أبو داود السجستاني، وسهل بن أحمد بن عثمان الواسطي، وأبو محمد أسلم بن سهل، العروف ببحشل (¬10) صاحب "تاريخ الواسطيين" وغيرهم. فخالف في هذا أصله وترك فيه مذهبه المعلوم له، فقف عليه تجده كما قلناه. والله المستعان. اهـ (37) وذكر (¬1) من طريق أبي داود ¬