الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق

السبكي، محمود خطاب

[المقدمات]

ترجمة الشيخ الإمام المؤلف السيد محمود محمد خطاب السبكي تغمده الله برحمته وعمه برضوانه بقلم فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ أبي القاسم إبراهيم المدرس بالجامعة الأزهرية رحمه الله وجزاه خيرًا الطبعة الخامسة 1411 هـ

المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه (أما بعد) فهذه قطرة من بحر، للتعريف بالشيخ الإمام. المؤلف - هو الفقيه المحدث المفسر الثقة الثبت ناصر السنة وقامع البدعة، المرشد الإمام الكبير أبو محمد محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكى. مولده - ولد الشيخ الإمام ببلدة سبك الأحد من قرى مركز أشمون بمحافظة المنوفية، فى يوم الخميس التاسع عشر من شهر ذى القعدة عام أربع وسبعين ومائتين وألف من الهجرة النبوية (1274 هـ) أول يوليو 1858 م. نشأته - نشأ الشيخ الإمام بين أبوين طاهرين كريمين تعهداه بحسن التربية، وغرس فيه والده منذ نعومة أظفاره روح السخاء والشجاعة والسؤدد وعلو الهمة وتلك مكارم أخلاق تحلى بها هذا الوالد العظيم، وقد كان سيدا فى قومه ذا بسطة فى الرزق والجسم محببا بين عشيرته وعارفى فضله ونبله. ولقد أنجب والد المؤلف ستة ذكور كل اثنين من سيدة فضلى، فكان يبعث واحدا للتعليم الأولى ثم تلقى العلم بالأزهر المعمور، ويبقى الآخر يعمل معه فى مزرعته الفسيحة الخصبة، ويعاونه على أعماله الأخرى. وكان من حظ المؤلف أن يبقى بجانب والده فى بحبوحة العز وعظيم الجاه، ولكن غير خامل ولا كسل، بل تراه فى حداثة سنة يكل إليه والده رعاية غنمه ليقظته النادرة وعزيمته الوثابة، وحسن سياسته وكياسته فكان خير حارس لها، وخير قائم على أمرها. ثم عهد إليه مراعاة خيل كان يملكها لما رآه شجاعا رابط الجأش " قوى القلب " فساس الجموح منها مرة بالشدة، وآونه باللين فاستحال ذلولا منقادا. وهل أحدثك عن آثار شجاعة المؤلف وهمته " وهو حدث (¬1) مراهق " حتى ¬

(¬1) (حدث) بفتحتين أى شاب.

عبادة المؤلف

يتجلى لك أن عناية الله تعالى كانت تحوطه وترعاه من بدايته. كان لوالد الشيخ الإمام حديقة واسعة الأرجاء. مساحتها ستة أفدنه أو تزيد، عدت عليها عوادى الدهر، واستلبت ثمارها أيدى الناهبين فشوهت جمالها، وأذهبت بهجتها، فما كان من هذا الوليد الفتى وهو رابط الجأش شجاع، له نفس أبيه تعاف الضيم، ما خالطها خور (¬1) العزيمة ولا جبن النذلاء (¬2) كان لزاما عليه أن ينهض بتلك الحديقة يغرس أشجارها ويصلح أرضها، ويروى أزهارها ويشذب غصونها (¬3) فإذا جن الليل واختلط، تعهدها بالحراسة غير مستسلم إلى الكرى " النوم " الذى لم يغمض له جفنا. شاء الله تعالى أن تصبح الحديقة روضة أريضة (¬4)، يانعة الثمر وارفة الظل (¬5) دانيه القطوف " تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها " وتجود بأطيب الثمرات. وحذق المؤلف غير هذا. النجارة والحياكة وفن البناء، وهو زراع ماهر صائد لا يخطئ الرماية، يصيب الطائر السريع سابحا فى جو السماء فيخر صريعا وفى الليل البهيم يصيد طيورا معتمدا على سماع صوتها. عبادة المؤلف اتصل المؤلف بعد بلوغه الحلم بالشيخ العارف بربه أبى محمد أحمد بن محمد جبل السبكى الخلوتى، فاشتغل بذكر الله كثيرا وجد فى الطاعة فكان يصوم النهار ويقوم من الليل مقبلا على مناجاة ربه علام الغيوب فى الأسحار. وربما صلى فى الليلة مائة ركعة مع كثرة ما لديه من أعمال النهار، فلاحت عليه علائم السعادة فأذن له شيخه أن يرشد المريدين إلى الطريق القويم، فدعا إلى طاعة الله تعالى، ¬

(¬1) (الخور) بفتحتين، الضعف. وفعله خور من باب طرب. (¬2) (النذلاء) جمع نذيل أى خسيس. (¬3) (يشذب) يقال: شذب الشجر من بابى نصر وضرب القى ما عليه من الاغصان حتى يبدو. (¬4) (الاريضة) الحسنة الزاهرة بكثرة المياه فيها. (¬5) (وارفة الظل) أى كثيرته يقال: ورف الظل من باب ضرب اتسع وطال.

المؤلف يكتب ويقرأ بعد أن كان أميا

وطاعة رسوله " صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله " فألفى آذانا صاغية، وقلوبا واعية جزاء إخلاصه، وصفاء سريرته ". المؤلف يكتب ويقرأ بعد أن كان أميا وبينما هو جالس ذات يوم فى بستان أبيه إذ دخل عليه ابن عم له بيده لوح صغير به بعض حروف الهجاء، فاشتاقت نفسه أن يتعلمها، فاتصل بمعلم القرية فكتبها له فقلد الإمام كتابتها، وما أعظم دهشة المعلم حينما رأى خط تلميذه اليافع (¬1) أحسن من خطه. وما هى إلا أيام تعد على الأصابع حتى صار المؤلف يجيد الكتابة والقراءة. المؤلف يخطو إلى الجامعة الأزهرية تاقت نفس المؤلف إلى الرحلة لتلقى العلم فى الجامع الأزهر المعمور. وبينما هو يناجى مولاه سحرا، جد فى الدعاء طالبا أن يمن عليه المنعم الوهاب بمعرفة العلم ويسهل له طريقه. وما مضى على دعائه أسبوع إلا وقد أشيع بين الناس أن الحكومة التى كانت لا تجند أولاد العمد، غيرت طريقتها. فأشار الشيخ خطاب "رحمه الله " أكبر أخوة المؤلف على أبيه، أن يأخذه معه إلى الجامع الأزهر، ليتمكن من الحصول على شهادة المعافاة من الخدمة العسكرية بانتسابه إلى الأزهر. وهو إذ ذاك الحرم المكين من دخله كان آمنا. وبعد أخذ ورد سافر المؤلف مع أخيه الشيخ خطاب العالم الجليل. وما كادت عينه تبصر السادة العلماء، وبين أيديهم تلامذتهم حتى تملك هذا المنظر سويداء قلبه، واستولى على مشاعره كلها وأخذت الآمال تملأ جوانحه (¬2) حتى فاضت على لسانه إذ فاتحه أخو الشيخ خطاب فى الذهاب إلى أستاذ كبير يشار إليه بالبنان (المرحوم الشيخ حسن العدوى) ¬

(¬1) أيفع الغلام: شب. ويفع الغلام بيفع مثله. واسم الفاعل من الثلاثى فقط وشذ من الرباعى. (¬2) (الجوانح) الاضلاع التى تحت الترائب، وهى مما يلى الصدر كالضلوع مما يلى الظهر. والمفرد جانحه.

وكانت بينهما صداقة وثيقة، ليسهل له شهادة المعافاة فيعود على جناح السرعة إلى والده مخففا عنه هذا العبء الثقيل من أعماله، وهو يقوم بأوفر قسط منها. فقال المؤلف هيهات! ! وكيف أترك هذه الضالة المنشودة، وهل أضيع على نفسى مأربها وبغيتها؟ ؟ لابد من الانضمام إلى هذه الأسرة الدينية لأكون فردا منها ولابد من الجلوس بين هذه الحلقات العلمية ردحا من الزمن (¬1)، مفارقا تلك الحلقات الريفية، مترحما على الأيام الطويلة التى قضيتها بين ذويها وأترابها! ! دهش كل الدهش أخوه إذ يراه قد جاوز العقد الثانى من عمره، فأصبح طلب العلم عليه غير هين أدرك المؤلف منه هذا فقال: قد تسبق العرجاء. والله يختص برحمته من يشاء. ثم أقبل المؤلف على مطلوبة أيما إقبال. فكنت تراه فى اليوم الواحد يحفظ قسطا من كتاب الله تعالى، ومقدارا من المتون الأزهرية على الطريقة المألوفة إذ ذاك، ويتردد على على حلقات العلم يتزود منها ما شاء الله. ومضى عليه نصف عام كامل فهل يدور بخلدك (¬2) أن هذا التلميذ الناشئ فى مكنته (¬3) أن يكون أستاذا لمبتدئين يتلقون عنه دروس العلم فى المساء، ويشرف عليها بعض المعلمين المعجبين بذكاء ابن الريف المتقدم فى سنه! ! ومازال مجدا مواصلا ليله بنهاره، غير مقتصر على أن يملأ مخيلته بالمسائل العلمية يرددها لسانه، بل وضع نصب عينيه العمل بما يتطلبه العلم، موقنا أن الطالب لذلك هو الله تعالى ورسوله شاعرا أن وراءه أبناء الحلقات الريفية، وهم الذين خيم الجهل عليهم فما يدرون حلال ولا حراما، وما يفرقون بين ولى ولا نبى! ! وهؤلاء لابد أن تجمع الأيام بينه وبينهم فتنقلب هذه الحلقات الدينوية حلقات دينية يرى المجتمعون فيها من كان على شاكلتهم أضحى لهم معلما. ومعلم هذه الطبقات ترمقة عيونهم، وتصغى إلى قوله آذانهم. فان عمل بما ¬

(¬1) يقال أقام ردحا من الدهر بفتحتين أى طويلا. (¬2) (الخلد) بفتحتين البال يقال وقع ذلك بخلدى أى فى قلبى. (¬3) (المكنة) بفتح فكسر القدرة.

المؤلف يطارد الراقصات وآلات الملاهى فى الأفراح

أرشدهم إليه التفوا حوله وقدسوه، وان اعوج انفضوا من حوله، واحترزوه. لبث المؤلف يتلقى عن أساتذته الأجلاء بالجامع الأزهر المنير ويلقى فى أوقات فراغه دروسا شتى على بعض الطلاب، ويرشد أبناء الريف إذا ما رجع إليهم فكان أزهريا بين الأزهريين، وواعظا مرشدا بين الريفيين وما رضى المؤلف أيام طلبه العمل أن يتناول جراية من أوقاف الأزهر، ولا أن يدون اسمه بين دفاتره، وما كان شغله الشاغل إلا التفانى فى العلم، والتحللى بالعمل، وهو ثمرة العلم! المؤلف يطارد الراقصات وآلات الملاهى فى الأفراح يتخذ فى بعض البلاد من لا خلاق لهم نسوة راقصات، ورجالا بأيديهم آلات الملاهى من موسيقى وطبل ومزمار وغيرها ليالى الأفراح. وفى الجمع الحاشد الشاب والفتاة، والشيخ والسيدة. وهؤلاء جميعا تثور شهواتهم وتفسد أخلاقهم، وتتغير طباعهم بهذه المناظر المخزية التى يندى لها وجه الفضيلة. فقام المؤلف على قدم وساق يعظ ويرشد ويعلم هؤلاء الجاهلين ما يجب عليهم لخالقهم ورازقهم الغيور على دينه المنتقم الجبار. وبين لهم المفاسد والأضرار المترتبة على اتخاذ الراقصات واستعمال آلات الملاهى، فهدى الله تعالى على يديه الكثير منهم، فثابوا إلى رشدهم وأنابوا إلى ربهم وتابوا من ذنوبهم. المؤلف ينهى عن منكرات المآتم فى كثير من بلدان القطر يأتى النساء منكرات فظيعة اذا ما زار الموت بيتا من البيوت، فترى الصارخة واللاطمة وشاقة الثوب ومن لطخت وجهها بالطين أو صبغته بالنيلج (¬1) وتبصر نسوة متشحات بالسواد سائرات وراء الميت إلى المقبرة، وعائدات إلى المنازل تقودهن النائحة، وتظل تندب لهن وتنوح، وتأتى ما حرم الله ورسوله، وربما نطقت بما يخرجها عن الملة وهى المعلمة الملقنة من ¬

(¬1) النيلج بكسر النون وفتح اللام، دخان الشحم يعالج به الوشم (معرب) النؤور.

المؤلف ينحى باللائمة على أرباب الطرق

حولها تظل هى ومن معها ثلاثة أيام، ثم يعدن سيرتهن الأولى كل خميس حتى ينتهى جناز الأربعين وتلك عادات مزرية، وفعال مشينة، ومنكرات عكف عليها هؤلاء النساء. والرجال القوامون عليهن ساكتون لاهون. وليس هناك الآمر الناهى قوى اليقين. فشمر المؤلف ساعد الجد، وكشف ذراع الغيرة ونهى وزجر أهل كل بلدة يتنقل إليها وبين لهم ما يترتب على هذا الفعل الشينع من الضرر والفساد وغضب الواحد القهار، فثاب إلى رشده كثير ممن كتب الله الهداية لهم، وصلحت نفوسهم، ونفوس نسائهم. المؤلف ينحى باللائمة على أرباب الطرق منى القطر المصرى بالمتصوفة أرباب الطرق. وهم كثير تبلغ طرقهم ثلاثين أو تزيد. وقد كان المؤلف صوفيا خلوتيا قبل أن يخطو إلى الأزهر الميمون واختلط بكثيرين ممن ينتسبون إلى طرق أخرى فسمع الأذكار المحرفة ورأى الألعاب البهلوانية، وشاهد من يتظاهر بأكل النار والحيات والزجاج، وعاين الضرائب التى يجبيها مشايخ الطرق من مريديهم كأنها أموال أميرية وأبصر النذور والهدايا تقدم إليهم كأنها مسوقة إلى حرم الله تعالى، أو مبذولة إلى عيال الله الفقراء والمحاويج، فحمل عليهم الشيخ الإمام حملة شعواء، وأبان للعامة أنهم على غير هدى وأن ما يقدم لهم من الضرائب حرام وسحت، وكل لحم ودم نبتا من حرم فالنار أولى بهما، وأن الطرق الصوفية ليست حرفا ولا مهنا بل هى بأذكارها المحرفة وضرائبها ونذورها، شارة سوداء تشوه جمال الدين الإسلامي، وتجعل الأجانب الغربيين أعداء الدين ينظرون إلينا نظرة السخرية والازدراء فى حين أن الدين منهم براء، وأن سيدنا محمدا صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله يمقت هؤلاء. وكانت النتيجة أن تباعد كثير من هؤلاء المتصوفة، فقلت أرزقهم وقطعت نذورهم، فأخذوا يكيدون للمؤلف، ويدبرون له المؤامرات من يومئذ ولا تنس أن المال شقيق الروح! !

المؤلف يحمل على قراء القرآن

المؤلف يحمل على قراء القرآن اعتاد بعض القراء تلاوة كتاب الله تعالى فى المقابر، وفى الطرقات العامة، وفى المنازل بحضرة النساء، وأمام من لا يعرف للقرآن حرمة كشارب دخان ومهوش أثناء القراءة غير منصت، كما اعتاد بعضهم التلاوة المحرفة غير المشروعة فنصح المؤلف للقراء أولا بالحسنى ثم أخذ يزجرهم ويبين لهم انهم آثمون وأن القرآن الكريم سيكون حجة عليهم لا لهم يوم الوقوف بين يدى ملك الملوك مذل الطغاة والعصاة. وبين للناس ما ينبغى أن يتحلى به القارئ والمستمع من الآداب والتدبر والاعتبار. فهدى الله على يديه كثيرا ممن أراد الله بهم الخير وألهمهم الرشد " لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " (¬1) أخرجه الشيخان عن أبى العباس سهل بن سعد الساعدى. المؤلف يرى البدع فاشية فى الأزهر والمساجد الأخرى رأى المؤلف البدع فاشيه فى الأزهر كعبة العلم، وفى مساجد القطر وهو يعلم أن الناس تسير وراء العلماء شبرا بشبر، وذراعا بذارع، وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى حاجة إلى أدلة صحيحة صريحة تزيل الشبهات حتى يظهر الحق ناصعا، وأنه لابد مع هذا من أخذ أقوال العلماء أرباب المذاهب عن تلك البدع والمنكرات التى شاعت وذاعت وحلت محل السنن والمأمورات حتى التبست على المتعلمين أنفسهم لسكوت فطاحل العلماء عنها فجاهد المؤلف جهاد الأبطال، ورفع أسئلة بذلك إلى حضرات السادة العلماء، فأجابوا بأن جميع بدع العبادات باطلة لا يجوز العمل بها كما هو مقتضى نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، ¬

(¬1) (حمر) جمع أحمر (والنعام) الأنعام والمراد بها الأبل. وحمر النعم كانت أجود الأبل لذلك عناها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

المؤلف يؤدى امتحان العالمية بتفوق

وأمضى بعضهم على هذه الفتاوى وختم آخرون. ولما تسلم المؤلف الفتاوى دونها فى كتاب أسماه (فتاوى أئمة المسلمين) وقام بطبعه ونشره بين الناس ولا تزال صور هذه الفتاوى لمشايخ الأزهر وكبار علمائه محفوظة لمن يريد الاطلاع عليها فى أى وقت يشاء. ثم أخذ المؤلف ينشر كتبا ورسائل يبين فيها بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ونصوص أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الدين ما كان عليه رسول الله "صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله " وأصحابه والأئمة المجتهدون رضوان الله تعالى عليهم، وقد عرضت هذه المؤلفات على جهابذة العلماء فاطلعوا عليها وقرظوها تمام التقريظ، واعترفوا أن ما فيها صواب وحكمة، وأن من يخالف أحكامها يكون مبتدعا آثما، وقد طبعت هذه الكتب والرسائل وتناولتها الأيدي، فعمل بها الكثيرون بعد أن ظهر لهم أن البدع التى فى الأذان والصلاة والصيام والحج والأفراح والمآتم والأضرحة والملبس والمطعم وغيرها مضادة للدين، أحدثها من لا خلاق لهم، وتعودها الناس حتى اختلط الحابل بالنابل (¬1). وماذا كان بعد هذا؟ تبرم (¬2) الناس ممن سكت من السادة العلماء هذه السنين الطويلة على هذه البدع الطاغية حتى تركوها تفرخ كل يوم، وتناولوا العلماء بالسنة حداد. عند ذلك شعر العلماء بما يحيط بهم من خطوب وأهوال فأخذوا يدبرون للمؤلف ما يدبرون، ويشيعون بين الناس أنه يكفرهم ويكفر سواد الأمة، وهذا منهم أمر طبيعى ألفته النفوس. وما أراد المؤلف للعلماء والعامة إلا خيرا دنيا وأخرى. المؤلف يؤدى امتحان العالمية بتفوق كان الأزهر يعنى أبناؤه العناية التامة بدراسة العلوم الشرعية والعربية ومن أراد أن ينال شهادة العالمية، وضع رسالة في مبادئ هذه العلوم يقدمها إلى شيخ الأزهر مرافقة لطلب الامتحان. والمؤلف لا طماعية عنده في نيل هذه الشهادة، ¬

(¬1) (الحابل) سدا الثوب (والنابل) لحمته. (¬2) (تبرم) ضجر وتألم.

المؤلف يشق للأمة طريقا فى الحياة عمليا

التي من ورائها الرواتب والمناصب، إذ أن نفسه الطاهرة لها اتجاه غير هذا. ولكن أحد تلامذته أشار عليه أن يتقدم إلى الامتحان، ونيته تعليم أبناء الأزهر ومن سواهم بعد نيله الشهادة كيما يساير الناس وهم يعتقدون أن العلم لا يؤخذ إلا ممن لديه هذه الشهادة، فأنشرح صدره ووضع الرسالة وقدمها وبعد البحث اتضح أن اسمه غير مدرج في سلك الطلاب، ولم تكن له مدة معلومة فلا يقبل طلبه ولكن الله القدير يسر له الصعاب! ! وفي الأربعاء اليوم التاسع والعشرين من شهر رجب سنه ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف (سنه 1313 هـ) 15 يناير سنه 1896 م أدى المؤلف الامتحان أمام اللجنة المكونة من حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة الأجلاء الشيخ حسونة النواوى شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية. والشيخ بكرى عاشور الصدفى والشيخ عمر الرافعى الحنفيين. والشيخ أحمد الرفاعى والسيد على الببلاوى المالكين. والشيخ محمد حسين الابريرى. والشيخ سليمان العبد الشافعيين. ولقد كان أعجاب اللجنة به عظيما وسرورها فائقا وجاوز المؤلف الميدان ظافرا منصورا! ! وتصادف أن المؤلف قبل أن يؤدى الامتحان ألف كتابا أسماه (الرسالة البديعة الرفعية. فى الرد على من طغى فخالف الشريعة) وخطبته ملأى بإشارات التصوف فطلب منه الأستاذ الشيخ عمر الرافعى قبل أن يغادر اللجنة أن يروح أفئدتهم بطرفه من التصوف، واستعان بالشيخ حسونة ليجاب الطلب. فقال المؤلف: " أن القلوب ممتلئة بحب الدنيا فلا تقبل شيئا من التصوف، ولازال مصرا على هذا الامتناع بعد إلحاح الشيخ النواوى. فتألم جد الألم الشيخ الرافعى ظانا أن المؤلف شامخ بأنفه متكبر، غير أن السيد الببلاوى أفهمه وأفهم الأعضاء أن الأستاذ محمودا صريح غير متكبر، وهو رجل جاهد نفسه، وتعلق بربه تبارك وتعالى! المؤلف يشق للأمة طريقا فى الحياة عمليا (وبعض الشيوخ يكيد له) بعد نيله إجازة التدريس عنى جد العناية فى دروسه التى كان يلقيها فى الأزهر

المعمور وغيره على مئات الطلاب، ببيان البدع الفاشية والخرا فات المضلة، محذرا الناس وبخاصة ذوى العلم من ارتكابها والسير فى طريقها المعوجة، مرشدا إلى العمل بهدى الرسول الأمين. وصحبه الطيبين الطاهرين. وبهذا تبين لكثير من أهل العلم أن ما يرونه محيطا بهم من البدع والمنكرات فى المساجد وسواها، لا يتفق ومبادئ الدين الحنيف، وأنهم لابد مسئولون أمام الله تعالى بتفريطهم وسيرهم فى طرقاتها، والعامة من ورائهم يعملون ويقدسون كما عملوا وقدسوا. ولما رأى فريق من شيوخ الأزهر أن دعوة المؤلف كل يوم تزداد. وأنهم لا يسلمون منه أخذوا يصطادون فى الماء العكر، ويؤلبون عليه ويبيتون ما الله به عليم! ! وأيم الله لقد عملوا كل ما فى وسعهم من تقديم شكاوى إلى أمير البلاد الخديو السابق فوضعت فى زوايا الإهمال، وعادوا بخفى حنبن! ! وياليتهم اكتفوا بهذا بل عمدوا إلى دار الحماية البريطانية يشكون. وماذا كانت شكايتهم؟ أن السبكى قائد جيش عرمرم من التلاميذ والأتباع وهذا الجيش خطر على الأمن العام فى البلاد. ولكن بعد التحرى وبث العيون والأرصاد، تبين أن الرجل برئ، وأنه يدعو إلى الله تعالى والى العمل بدنيه، والاعتصام بسنة حبيبة السيد الهادى الأمين " صلوات الله تعالى وسلامة عليه وعلى آله " وأن من حوله من هذه الجموع المحتشدة قوم أخيار يعملون لدينهم قبل دنياهم. ولما فشل هذا الفريق فى مسعاه السياسي لجأ إلى شيخ الأزهر إذ ذاك المغفور له الإمام الوقور الشيخ سليم البشرى طالبا تشكيلي مجلس علمى يناظر المؤلف ويبحث معه فيما يدعيه من البدع الفاشية، والسنن المتروكة، فأرسل شيخ الأزهر إليه يدعوه فلبى مسرعا. وكانت المناظرة فى إدارة الأزهر فقارعهم بالحجة والدليل فهزمهم وولوا مدبرين! ! ولبث المؤلف يجاهد بقلمه كما جاهد بلسانه فتراه ينشر بين الناس المؤلفات القيمة تدعوهم إلى ما كان عليه النبى وأصحابه والسلف الصالح والأئمة المجتهدون، والعلماء العاملون. وهذه المؤلفات ليست فى حاجة إلى إطراء وتقريظ. عرفها

من اطلع عليها، وسيعرفها من يطلع عليها بعد إن شاء الله تعالى. ويبلغ ما علمنا به منها ثمانية وعشرين مؤلفا. وفيما يلى أسماؤها: 1 - أعذب المسالك المحمودية: فى التصوف والأحكام الفقهية. أربعة أجزاء. 2 - حكمة البصير: على مجموع الأمير " فى فقه الإمام مالك ". أربعة أجزاء. 3 - هداية الأمة المحمدية: فى الحكم المحمودية السنية. وهو ديوان خطب منبريه. 4 - إصابة السهام: فى فؤاد من حاد عن سنة خير الأيام. 5 - تحفة الأبصار والبصائر: فى بيان كيفية السير مع الجنازة إلى المقابر. 6 - الرسالة البديعة الرفيعة: فى الرد على من طغى فخالف الشريعة. 7 - حاشية ديباجة الرسالة البديعة. 8 - المقالة الشرعية للرآسة الإسلامية. 9 - غاية التبيان: لما به ثبوت الصيام والإفطار فى شهر رمضان. 10 - العهد الوثيق: لمن أراد سلوك أحسن طريق. 11 - النصيحة النونية 0 فى الحث على العمل بالشريعة المحمدية. 12 - تعجيل القضاء المبرم: لمحق من سعى سنة الرسول الأعظم. 13 - فتاوى أئمة المسلمين 0 بقطع لسان المبتدعين. 14 - سيوف إزالة الجهالة 0 عن طريق سنة صاحب الرسالة. 15 - فصل القضية 0 فى المرافعات وصور التوثيقات والدعاوى الشرعية. 16 - المقامات العلية 0 فى النشأة الفخيمة النبوية. 17 - السم الفعال 0 لأي أمعاء فرق الضلال. 18 - الصارم الرنان 0 من كلام سيد ولد عدنان. 19 - العضب المنظوم 0 للذب عن سنة المعصوم. 20 - الرياض القرآنية 0 فى الخطب المنبرية. 21 - خلاصة الزاد 0 لمن أراد سلوك سبيل الرشاد. 22 - رسالة البسملة 0

أيها القارئ الكريم

23 - رسالة مبادئ العلوم. 24 - الحكم الإلهية بالدلائل القرآنية (فى الخطب المنبرية). 25 - اتحاف الكائنات. ببيان مذهب السلف والخلف فى المتشابهات. 26 - المنهل العذب المورود. شرح سنن الإمام أبى داود (طبع منه عشرة أجزاء) انتهى إلى " باب الهدى " من كتاب الحج، والأجزاء الأربعة من الحادى عشر إلى الرابع عشر تكملة المنهل العذب. ويظهر ما بعدها إن شاء الله تعالى. 27 - الدين الخالص. أو إرشاد الخلق: إلى دين الحق. طبع منه ثمانية أجزاء تنتهى بانتهاء كتاب الصيام (والتاسع) إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك وهو يجمع مناسك الحج باستفاضة وعلم غزير 28 - محور الوصول. إلى حضرة الرسول. أيها القارئ الكريم إن أمامك هذه الصحف المطهرة هى كتب قيمة تناديك من كل مكان فى ذهابك وإيابك، وحلك وترحالك. فهل متعت بصرك بقراءتها؟ وأنت ذو عقل سليم وتفكير صحيح. فلا يؤثر عليك سحر المؤلف. ولا طلاوة (¬1) أسلوبه، بل يأخذ بلبك ساطع حجته، وقوة منطقة، ونور برهانه. فعليك بمطلعتها، والزود منها. وما نريد إلا العمل بما فيها أن كنت منصفا رشيدا. ولا تظن أيها القارئ أن المؤلف خارت (¬2) عزيمته، وكلت همته إزاء هذه المناوشات. بل سار فى طريقه دائبا مجاهدا معتمدا على ربه، مستعينا بحوله وقوته ومن استعان بربه رعاه ونصره نصرا مؤزرا. ولقد صدق الله تعالى إذ يقول: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وان الله لمع المحسنين " نعم هداه الله تعالى إلى سبيله، فلم يثنه شئ عن قيامه بالنصح والإرشاد ولم يتحول قيد (¬3) شعرة وما برح ¬

(¬1) (طلاوة) بالضم. والفتح لغة أى بهجة. (¬2) (خارت) أى ضعفت: يقال: خار الرجل يخور: ضعف، فهو خوار. اهـ مصباح ومن ذلك تعلم أن خار أصله خور بفتح فكسر مثل خاف أصله فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. (¬3) (قيد أى قدر) ففى المصباح: وقيد رمح بالكسر وقاد رمح أى قدره.

المؤلف ينشئ الجمعية الشرعية

مثلا عاليا للثبات على المبدأ ونبراسا (¬1) وضاء للتضحية بنفسه وماله ووقته. وهل يخطر بباك أن المؤلف وقفت همته عند التدريس والوعظ والتأليف؟ معاذ الله! ! وكيف تقف تلك الهمة الوثابة؟ همة زعيم مصلح خطير، نشأ متحركا وعاش متحركا. ومن كان هذا دأبه فهو مؤسس جماعة، وواضع لها نظاما وقانونا يكفل بقاءها ودوامها. المؤلف ينشئ الجمعية الشرعية أن جهادا فى سبيل الله، وفى سبيل نصرة دينه، واحياء العمل بسنة حبيبه المصطفى سيد المصلحين وإمام المتقين " صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم " - يلبث زهاء (¬2) عشرين عاما (من سنة 1313 إلى سنة 1331 هـ) لابد أن يحاط بسياج (¬3) متين، وسور منيع يكفلان راحة من انصووا (¬4) تحت راية هذا الجهاد ولا شئ أبقى لوحدة الأفراد من تكوين جماعة. وفى الحديث " ويد الله على الجماعة " أخرجه الترمذى عن ابن عباس والبزار عن سمرة بن جندب. عنى المؤلف فى الأربعاء غرة المحرم سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف (سنة 1331 هـ) 11 من ديسمبر سنة 1912 م بتكوين جمعية أسماها (الجمعية الشرعية: لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية) ووضع لها قانونا محكما منظما. مواده ترشد إلى عملى الدنيا والآخرة وتدعو إلى الحسنيين. وقد سارت عليه الجمعية بإشراف مجلس إدارتها تحت رياسة المؤلف زهاء ربع قرن (من سنة 1331 إلى سنة 1352 هـ) وهى تتقدم باطراد كل عام بفضل رجالها الذين صفت نفوسهم، واعتمدوا على بارئهم فى جميع شئونهم، يفرون من الكسالى المتعطلين والخاملين فرار السليم من الأجرب، وإذا فتشت بين صفوفهم فلا ترى متسولا، ولا متسكعا بل ترى كل من انضم إلى هذه الجماعة. قد شق لنفسه طريقا فى الحياة يسلكه إلى عمل مشروع. شأن المسلمين فى صدر الإسلام، ومن بعدهم أيام عزتهم وصولتهم. ¬

(¬1) (النبراس) المصباح. (¬2) (زهاء) كغراب: أى قدر. (¬3) (السياج) ككتاب: ما أحيط به على شئ. (¬4) (انضووا) أى انضموا ودخلوا.

آثار الجمعية

آثار الجمعية (الوعاظ , إنشاء المساجد. شركة المنسوجات الوطنية) فى مقدمة آثار هذه الجمعية الناهضة وعاظها الذين يبلغ عددهم أكثر من مائتى واعظ اختارتهم من بين أفرادها المثقفين المدربين للقيام بتعليم العامة أصول الدين وفروعه فى دروسهم ومحاضراتهم. لا يفترون عن غرس مبادئ الدين الصحيحة فى نفوس اخوتهم المؤمنين واللين رائدهم. والرفق حليفهم والموعظة الحسنة ديدنهم. والحكمة وسداد الرأى قبلتهم. سمحاء حنفاء، لا مشددين ولا معسرين ولا متنطعين ولا رجعيين. ولقد وضعت لهم الجمعية منشورا عاما يسيرون على ضوئه. لا يلى أحدهم هذا المنصب الإسلامي الرفيع إلا بعد أن يتعهد كتابيا بالسير على مقتضاه. والمنشور كله خير مما يدل على أن الجمعية جد حريصة على المحافظة على الوحدة الإسلامية، بعيدة كل البعد عما يوجب تفريقا وانشقاقا وصدعا وانثلاما. واليكم هذا المنشور العام بنصه. وهو والجمعية الشرعية توءمان ولدا عام التكوين (سنة 1331 هـ). بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد من وعظ نفسه قبل أن يعظ سواه، والصلاة والسلام الدائمان الأتمان على كوكب الإرشاد ومنار الهداة، وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله. (أما بعد) فقد رأت الجمعية الشرعية فى حضرة الأستاذ الفاضل ................ من المكانة الأخلاقية والعلمية ما يؤهله لأن يجوب فدافد (¬1) الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا يعظ المسلمين، ويرشد الحائرين، ويذب عن دين الله شبه الضالين والمارقين. لذلك أسندت إليه هذا المنصب السامى مع علمها بخطورته ¬

(¬1) جمع فدفد بوزن مكتب وهو الفلاة والمكان الصلب الغليظ والارض المستوية.

ووعورة مسالكه. والجمعية ترجو منك أيها الأستاذ أن تتقى الله فيها وفى نفسك وفى المسلمين. فانك قد أصبحت أمينا على دين الله، مالكا زمام من ترشدهم تقودهم إلى حيث تريد. فجنتهم ونارهم بين لحييك (¬1). فيجب إذا أن تجعل مركزك فوق مركز ذلك الطبيب الحاذق الذى يعطى من الأدوية لكل مريض ما يناسبه بمقادير خاصة لا ينقص ولا يزيد عليها شيئا. يعرف أن التباب فى طرفى الإفراط والتفريط. وان الجمعية تبيح لك أن تغدو وتروح فى تعليمك، واضعا نصب عينيك إفادة المسلمين، متدليا فى ذلك من أهم إلى مهم فتبتدئ بغرس العقائد فى نفوس من تباشر تعليمهم، مراعيا مذهب أهل السنة والجماعة، بعيدا عن المشاغبات الكلامية والبراهين المنطقية لصعوبتها على أفكار العامة من الناس. وتردف ذلك بتعليم ما لابد منه أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج، وتتبع هذا نهيهم عما هو فاش فى البلاد من المنكرات كترك أركان الإسلام وكالربا والزنا وشرب الخمر والقتل وتعاطى كل مسكر من الأنبذة والحشيش والمنازيل. وتنهاهم أيضا عن السرقة والغش والإيمان الفاجرة والنميمة والغيبة وسم البهائم وشق بطونها وحرق المزروعات وتقليعها، والحسد والحقد والكبر والعجب والرياء والمراء. وتنهاهم أيضا عن لعب الكاب المعروف والسيجة والطاولة والكتشينة وغير ذلك من كل فعلى باطنى أو ظاهرى قبيح. ثم تعرج بهم إلى رياض الآداب النبوية والأخلاق المحمدية كالحلم والصبر والتوضع والكرم والرغبة عن الدنيا وفى الآخرة وحب الخير للمسلمين والسعى فيما يزيل الأحقاد من نفوسهم، والتزاور فى الله، وإفشاء السلام، والتعاون على البر والتقوى، وتعلمهم لباس النبى صلى الله وعلى آله وسلم وآكله وشر به وغير ذلك من كل خلق نبوى يتعلق بعادة أو عبادة تمنحهم منه ما يطيقون. ثم تنحدر إلى ما يخالف ذلك من البدع فتنبه عليه حاثا على اجتنابهم إياها، اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) (اللحى) عظم الحنك وهو الذى عليه الاسنان. وهو من الانسان حيث ينبت الشعر. وهو أعلى وأسفل. ويجمع على الح ولحى مثل فلس وأفلس وفلوس.

إنشاء المساجد

وحبا فى أدب المصطفي صلى الله عليه وسلم، وبغضا لما سواه بعبارة يفهمها العام والخاص يصحبها التأنى، فان فى الناس الغبى والذكى. كل ذلك وأنت رحب الصدر، حلو اللسان، طلق الوجه، أزهد الناس وأبعدهم عن الفحش فى القول، تسع السفيه والجاهل والمتعنت جاعلا محورك الذى يدور حوله الكلام، قوله تعالى على لسان سيدنا لقمان رضى الله عنه إذ يقول لابنه {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وإياك ثم إياك أن يخطر ببالك أن تتكلم فى موضوع سياسى، فان ذلك ليس من شأنك. وحسبنا فى ذلك حكومتنا السنية (حفظها الله وقواها). ومعلوم أن الدين دين الله، والهداية لدينه بيده لا يملكها سواه. وليس علينا سوى أن نعرف، والحمل على الأمور والتعب لتنفيذها خارج عن الواجب علينا، فلا تتعرض له فمن سمع وعمل فالخير أراد لنفسه. ومن أعرض عنا وتركنا وما نأمر به، فالخير أردنا، وما علينا إلا البلاغ اتباعا لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووقوفنا على ما حده الله له إذ يقول: {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ}. إنشاء المساجد ومن آثار الجمعية التى تغتبط عليها، إنشاؤها المساجد العديدة فى مدن الجمهورية وقراها. وفى مقدمتها المسجد الكبير بالقاهرة (فى عطفة الشيخ السبكى بشارع الخيمية على مقربة من باب زويلة " بوابة المتولى " وجامع الوزير طلائع بن رزيك الأثرى) وكان الفراغ من بنائه وتنسيقه سنة 1342 هـ. هذا المسجد الكبير أنشأته الجمعية فى حياة المؤلف " أمام داره الفسيحة التى يؤمها القاصى والدانى " على قطعة أرض تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار ومائتين (203 من الأمتار المربعة) وفيه تصلى الجمعة، والصلوات الخمس كصلاة الرسول وخلفائه ومن استقوا من شرعة الرسول صلى الله

المنسوجات الشرعية

عليه وعلى آله وسلم، وكم كنت تسر وينشرح صدرك حينما ترى الأستاذ المؤلف المرحوم بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع متربعا على كرسيه فى تلك الرقعة البسيطة من الأرض يحتف به حزب الله وجنود الله، كأنما على رءوسهم الطير. والشيخ ينثر بينهم الدرر والجواهر من عظاته البالغة، ونصائحه الحكيمة بأسلوب واضح جلى تصل آثاره إلى النفوس قبل الرءوس، فيهذبها ويحييها. وفى المجلس الحاشد العالم وغيره، فيأخذ كل بغيته وفوق ما يتمنى. وما اقتصر المؤلف (تغمده الله برحماته) على موعظة هذا اليوم الأسبوعي. بل كان يلقى درسين فى هذا المسجد بعينه ليلة الجمعة وليلة السبت من كل أسبوع فى الحديث النبوى. فدرس سنن الإمام النسائى كلها. وجزءا غير قليل من سنن الإمام أبى داود. وما عاقه عن إتمامه إلا المنية أسبغ الله عليه الرحمة وعمه بالإحسان والرضوان. وانك لتعجب العجب كله وأنت متعلم مثقف حينما ترى الأمى الساذج يجلس بجوارك جنبا إلى جنب يتفهم أحكام الدين بسهولة من غير تكلف ومن غير ما حرج! . ألا أن هذا المسجد المؤسس على تقوى من الله ورضوان، ينادى المسلمين أن يفدو إليه ليروا صورة مكبرة لعهد أول الإسلام غير مشوبة بما يبرأ منه الإسلام! والله تعالى يعلم أن الجمعية ما أرادت بإنشاء مساجدها المتعددة فى القاهرة وسواها من بلدان القطر ضرارا ولا تفريقا بين المؤمنين، بل ما قصدت إلا إرشاد المسلم إلى عبادة نقية نائية عن الجلبة والضوضاء والتهويش، عبادة ملؤها الخشوع والخضوع لله الملك الدوس، الذى يعلم خائنه الأعين وما تخفى الصدور. هذا، وان مساجدها مفتحة الأبواب من مطلع الفجر إلى ساعة متأخرة من الليل، يتردد إليها المسلمون على اختلاف طبقاتهم فيجدون إخوانا لهم رحماء فرحين مستبشرين! المنسوجات الشرعية ومن آثار الجمعية الميمونة تلك المنسوجات الشرعية الوطنية. التى كانت تصنع

المؤلف يودع الأزهر

بمصنع الجمعية، وتباع فى مركزها الرئيسى وفى الفروع التابعة لها. وهذه المنسوجات حسنة من حسنات المرحوم الإمام، ورمز منه للنهوض بالمسلم الوطنى فى مصاف أبناء الغرب، من يأخذون نبات التربة المصرية من قطن وكتان وغيرهما بأبخس ثمن ويردونه إلينا منسوجا، الدرهم منه بعشرات الدنانير! . ومنسوجات الجمعية الشرعية من قطنك وكتانك أيها المسلم الوطنى. فلا ترى فيها حريرا فى حين أنها أجود من الثياب الحريرية، ولا تقل عنها نعومة. وهى تنأى بلابسها عن الحرام والمكروه وما فيه ريبة واشتباه فالبس منها يا ذا العقل الراجح، وترحم على الإمام المؤلف الراحل. ومن خرج فى المدرسة الشرعية المحمدية مسلمين عمليين. عبادتهم ومساجدهم وملابسهم يضارع ما كان عليه سلف الأمة "رضى الله عنهم ورضوا عنه". ظلت هذه المنسوجات سنوات طوالا، وما استغنت عنها الجمعية وعن مصنعها إلا بمزاحمة المنسوجات الأخرى الوطنية الكثيرة. المؤلف يودع الأزهر لبث الشيخ يدرس بالأزهر بعد نيله العالمية سبعا وثلاثين سنة من (1313 إلى 1350 هـ) وما ترك الأزهر زهادة فيه، بل حال بينه وبين مواصلة جهاده فيه، إحالة مجلس الأزهر الأعلى له على التعاقد بجلسة يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى سنة 1350 هـ الموافق 17 من سبتمبر سنة 1931 م وإنها لجلسة صارخة روعت فداحتها العالم الإسلامي أجمع، إذ بلغ فيها عدد المحالين إلى المعاش والمفصولين من الأزهر والمعاهد الدينية سبعين عالما. كثير منهم فى مقتبل العمر، ونضرة الشباب، وبذا نكل المجلس بسبعين أسرة، وسامها سوء العذاب! ! وكان ذلك فى عهد حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى شيخ الأزهر ورئيس مجلسه الأعلى. وفى عهد رئيس الوزراء حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقى باشا. ولا تحدثك نفسك أن الشيخ مال إلى الراحة بعد نصب وطول سهاد (¬1) ¬

(¬1) (السهاد) بضم السين الارق. وبابه طرب.

المؤلف يودع الحياة

كما مال غيره من المعمرين. بل ما زال عاكفا على العمل، فى داره بين مسجده الزاهر، ومكتبته العامرة، ومؤلفاته القيمة، وجمعيته الشرعية الميمونة، وتلامذته العديدين الوافدين إليه يغترفون من منهله العذاب، ويحيطون به إحاطة الهالة بالقمر فى مجلسه الخاص بعد عصر كل يوم، ويعلوهم جميعا حياء وأدب جم من هيبة الشيخ وجلاله. وما يمنعهم حياؤهم السؤال عن مهمة دينية أو دنيوية. ومن جلس منهم لا يفك حبوته إلا مؤذن المغرب، يدعوه إلى الوقوف بين يدى الحى القيوم! ! المؤلف يودع الحياة وما طالت حياة الشيخ بعد وداعه الأزهر، إنها لمدة قصيرة: سنتان إلا نحو شهرين. فى نهايتها يزوره الموت الزوام. وما اشتكى ألما، وما انقطع عن عمله الموصول، ولا عن مجلسه الخاص إلا بعد عصر الخميس الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف (13 من ربيع الأول سنة 135 هـ) وفى صبيحة يوم الجمعة الرابع عشر منه، أطل على بعض تلامذته من نافذة حجرته، فناوله آخر ملزمة من الجزء السادس من شرحه لسنن الإمام أبى داود (المنهل العذب المورود) كان يصححها لترسل إلى مطبعة الاستقامة. ولما حان وقت صلاة الجمعة، أخذ القوم يلتفتون يمنه ويسرة، علهم يحظون بطلوع الشيخ عليهم متقدما إلى الصف الأول، يستمع إلى الخطيب، ويؤدى صلاة الجمعة ويعظهم بعدها كعادته. فما حظوا، وارتد البصر منهم وهو كليل! ! وما حسبوا أن فقدانهم الشيخ هذه الساعات، يكون فقدانا لا رجعة بعده، ولا لقاء إلا يوم اللقاء! ! ساعة الوداع: وفى منتصف الساعة الثانية بعد الظهر (الجمعة 14 من ربيع الأول سنة 1352 هـ)، (7 من يوليه سنة 1933) لفظ الشيخ آخر نفس من أنفاسه الطاهرة، وجاد بروحه العظيمة

الوثابة المتفانية فى نصره الدين والسنة المطهرة، ولا ينبغى شهرة ولا أثرة (¬1) وكان النبأ مروعا، وكانت الفاجعة أليمة، والكارثة عظمى، والخسارة غير هينة وليست على مسلمى مصر فحسب، بل على مسلمى الشعوب التى عرفت مكانته، وانطوت قلوبهم على محبته، وعلى العمل بما كان يدعو إليه من خير العمل. وكم كانت دهشة الناس وحيرتهم بهذا النبأ المزعج إذ فقدوا أمامهم ومحط آمالهم، من كانوا إليه يهرعون. وبدعوته إلى العمل بالدين الحق يسارعون. وكم كانت آلامهم التى تفتت الأكباد، وتصدع الأفئدة، وتحز حنايا (¬2) الضلوع، حينما وثقوا أن الشيخ ينتزع من بينهم انتزاعا إلى مقره الأخير، إلى روضته الندية إلى جدثه مهبط الرحمة والرضوان، بعد أن صلى عليه أكبر أنجاله الكرام الأستاذ السيد أمين، يؤم الجم الغفير ممن وصل إليه النبأ من سكان القاهرة، وهم قل من كثر من تلامذته ومحبيه المنتشرين فى القاهرة وضواحيها وبلدان القطر وغيره من الأقطار العربية. تشييع الإمام الراحل إلى قبره: صلى عليه هذا الجم الغفير فى ساحة داره الواسعة بجوار مسجده المعمور. ثم أخذ الناس يتهافتون على حمل سريره كلما مر عليهم وكنت ترى الشوارع مكتظة تموج بهم موجا. حتى أن السرير كانت لا تبصره العيون من ازدحام الجموع المشيعة، وكلهم تبدو على وجوههم علائم الأسى والحزن! ! واخترقت الجنازة فى سيرها شوارع الخيمية، والغورية، والسكة الجديدة، والمشهد الحسينى، والدراسة، وقرافة المجاورين، وخوند طولباى والسلطان أحمد ثم شارع قرافة باب الوزير. وفيه مدفن المرحوم إبراهيم باشا حليم. ثم انعطف السائرون يمنة مخترقين شارع حسن بك حسنى. وفيه على يسارهم المقبرة الشرعية، ¬

(¬1) (الأثرة) بفتحتين، اسهم من استأثر بالشئ استبد به. (¬2) (تحز) أى تقطع الضلوع الشبيهة بالحنايا جمع حنية كفنية وهى القوس.

طريقان آخران للمقبرة الشرعية

للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية والمقبرة فى منطقة قرافة المجاورين حسب التخطيط الجغرافى، رسم مصلحة المساحة المصرية. وفيها لحد شرعى بنى فى عهد الإمام الراحل، واختاره مسكنا له فى أخرته أسلمه مشيعوه إليه وعادوا بعد المغرب ما بين ذاهل وواجم! ! طريقان آخران للمقبرة الشرعية الطريق الأول يبتدئ سالكه السير من المنشية مارا بسكة المحجر على مسجد المحمودية (¬1) وعلى يمينه أسوار قلعة محمد على باشا (¬2). ثم يتجه إلى الشمال مخترقا شارع المحجر حتى يصل إلى حارة باب التربة. وهى عن يمينه، وبها سبيل ومسجد طراباى عن يساره. ثم ينفذ من باب الوزير الأثرى إلى شارع قرافه باب الوزير متجها إلى الشمال الشرقى، فيلتقى عن يمينه بثلاثة قبور داخل مستطيل من أعواد حديدية لا سقف له. هذه القبور الثلاثة أنشأتها مصلحة التنظيم المصرية لحفظ رفات بعض الأولياء الذين عثرت عليهم، وهى تهدم بعض الشوارع لتجديدها وتوسيعها (أما القبر الأول) ففيه (أ) ولى الله الشيخ محمد العراقى المنقولة رفاته (¬3) يوم الأربعاء 30 من ربيع الآخر سنة 1346 هـ. ومعه ولى الله الشيخ محمد أبو قوطة، وجثة أخرى نقلا يوم الأحد 18 من رمضان سنة 1351 هـ (ب) سيدى محمد الخواص نقلت رفاته يوم الثلاثاء 11 من رمضان سنة 1351 هـ وكان أولا بحارة الخواص. بشارع الانبانى تبع قسم باب الشعرية (والقبر الثانى) به ولى الله الشيخ محمد الشافعى الرفاعى الشهير بالأربعين. نقلت رفاته يوم الأربعاء 2 من شعبان سنة 1343 هـ. وكان أولا بجنبينة قاميش بشارع الخليج المصرى تبع قسم السيدة زينب (والقبر الثالث) به السيدة غنيا بنت نور الدين أبى بكر المتوفاة ¬

(¬1) نسبة الى الامير محمود كان حاكما على مصر سنة 1556 م وأنشاء مسجده عام 975 هـ وقتل بمقذوف نارى يوم الاربعاء آخر جمادى الاول سنة 975 هـ ودفن بتربته فى جامعة المطل على ميدان الرملية. (¬2) أنشأ مسجده بالقلعة سنة 1246 هـ. (¬3) المراد بالرفات الجثة.

أول ذى الحجة سنة 664 هـ. نقلت رفاتها من شارع عاكف بالعباسية يوم الاثنين 29 من رجب سنة 1343 هـ. والمسافة من باب الوزير إلى مقبرة مصلحة التنظيم تقدر بكيلو متر تقريبا وتقطع فى عشر دقائق. وأمام هذه المقبرة قناطرة باب الوزير تعلوها سكة حديدية قديمة معطلة الآن. ينفذ السائر من القناطر متجها إلى الشمال مسافة تسعين مترا فى شارع قرافة باب الوزير نفسه. ثم ينعطف عن يمينه فيجد شارع حسن بك حسنى فيسلكه متجها إلى الجنوب الشرقى، قاطعا مسافة قدرها 245 مترا فى نهايتها المقبرة الشرعية المذكورة. وعلى مسافة ثمانين مترا من باب المقبرة يرى الناظر سكة حديد الحكومة المصرية (خط المحاجر) كما يرى جامع التنكزية الأثرى فى الجنوب الشرقى، ويبعد عن السكة الحديدية بمقدار سبعين مترا (انظر المصور الجغرافى شكل (1) (المبتدأ من منتصف شارع قرافة باب الوزير). الطريق الثانى: يبدأ سالكه من باب زويلة (¬1) الأثرى (الشهير بباب المتولى (¬2)) مارا بشارع الدرب الأحمر، وعن يمينه نقطة بوليس الدرب الأحمر، وأمامه مسجد أبى حريبة ثم ينعطف ذات اليمين فيلتقى بشارع التبانة. وبه مسجد الماردانى. وعلى مسافة خمسين ومائة متر يجد زاوية عارف باشا. وهى فى ملتقى شارعى سوق السلاح وباب الوزير. ثم يسلك شارع باب الوزير متجها إلى الجنوب حتى يصل إلى حارة باب التربة وبها سبيل ومسجد طراباى، كما تقدم فى وصف الطريق الأول. ¬

(¬1) انشأه بدر الجمالى وزير المنتصر بالله الفاطمى سنة 484 هـ. وأنشأ قبله بابى النصر والفتوح سنة 480 هـ. ومات الوزير بدر والخليفة بالله عام 487 هـ. (¬2) للعامة خرافات كثيرة بباب المتولى اذ بعتقدون ان وليا اسمه المتولى يسكنه وهو غير صحيح.

وصف المقبرة الشرعية

وصف المقبرة الشرعية قبل أن أصف لك المقبرة الشرعية، أبين لك الغرض الذى من أجله أنشأها المرحوم الشيخ الإمام " تغمده الله برحماته ". أن مقابر المسلمين ليست كلها على النظام الدينى المشروع، فان منها أضرحة مرتفعة مكسوة تعلوها القباب أعدوها للأولياء والصالحين، وهم منها براء (ومنها) مدافن الأثرياء والوجهاء والعظماء يبذلون فى تشييدها القناطير المقنطرة من الذهب والفضة (ومنها) مقابر الطبقات الأخرى وهى قليلة النفقات، غير أن ارتفاعها عن سطح الأرض اكثر من ذراع في حين أن القبر الشرعي لا يزيد ارتفاعه عن ذراع كما بينته كتب السنة المطهرة، وقد بين السلف الصالح والقادة من العلماء والأئمة كيف تكون القبور الشرعية. ولقد رأى المرحوم الشيخ الإمام قبور زمانه مخالفة قبور السلف، فملأ الحزن قلبه، ورأى لزاما عليه أن يبين للناس عمليا صورة القبور الشرعية التى تضم أجساد المسلمين بعد مفارقتهم قصور الدنيا وما فيها من زخارف حتى يمكنهم أن يجعلوها لهم مثالا يحتذونه، فأمر رحمة الله عليه فى سنة 1339 هـ باستصدار إذن من محافظة مصر باتخاذ قطعة أرض مربعة الشكل طول ضلعها أربعة وعشرون مترا فى منطقة قرافة المجاورين، لإقامة مقابر شرعية عليها، وما جاءت سنة 1346 هـ إلا وقد بنى بها ثمانية وثلاثون قبرا شرعيا تكون منها ثلاثة صفوف وكانت هذه المقبرة هى الأولى، ولما امتلأت، سعى خليفة الإمام (أمد الله فى أجله) إلى تشييد المقبرتين الثانية والثالثة، وهما فى الشارع الأخير يسلكه المار عن يمينه إلى الجنوب (الجهة القبلية) وبجوارهما مقبرة آل طعيمة، ومقبرة النوبيين.

الوصف

الوصف للمقبرة الشرعية باب حديدى مرتفع فى الجنوب والمقبرة مكونة من ثلاثة صفوف: الصف الأول تجاه الباب به ستة عشر قبرا: ثمانية قبور متجهة إلى الشمال وثمانية تتجه إلى الجنوب، والصف الثانى به أربعة عشر، سبعة اتجاهها شمالي، وسبعة اتجاهها جنوبي. والصف الثالث به ثمانية فقط تمتد إلى الجنوب مرقومة من الرقم (1) إلى الرقم (8). أين قبر الإمام؟ يمر الزائر على القبور بالصف الثالث من (1) إلى (6) فإذا ما جاوز السادس وجد قبر المرحوم الشيخ الإمام مرقوما بالرقم (7) وهو المشار إليه بعلامة (*) بالشكل رقم (2) المنظور الطبعى من عمل تلميذ محب مخلص من تلامذته، وهو الرسام الماهر السيد الأستاذ أحمد يوسف الموظف بمصلحة الآثار، وقد رقى إلى وكيل مصلحة الآثار، وأسندت إليه أعمال فنية هامة فى منطقة أهرام الجيزة " أجزل الله تعالى له الثواب ". والقبر الثامن: لزوج الإمام وهى أول من دفن بهذه المقبرة (رحمة الله عليها) وقد لحقت بها الزوجة الثانية الصالحة للمرحوم الإمام، وعاشت بعده تسع سنوات ثم لحقت بهما السيدة التقية زوج خليفة الإمام، وشريكته فى الحياة بعد معاشرة طال مداها. وكان ذلك فى صفر سنة 1375 هـ - سبتمبر 1955 م (طيب الله ثراهن ونور لهن روضتهن). وان ضريح الإمام الراحل تعلوه الهيبة، والسكينة، والرحمة، ونور الجهاد لا نور القباب. وان كان فى رأى العين غير مرفوع فهو عند الله مرفوع. وان الناظر إليه تستولى على مشاعره الخشية، يحوطها الاتعاظ، ويبدو له ضريح متواضع لا يزيد عن مترين فى متر قد ضم جثمان إمام ذائع الصيت، لو وضع فيه جهاده مجسما وإرشاده كذلك ما وسعه! !

شيوخ الأزهر الذين عاصرهم الشيخ الإمام طالبا ومدرسا

شيوخ الأزهر الذين عاصرهم الشيخ الإمام طالبا ومدرسا أدرك من شيوخ الأزهر عشرة: 1 - المرحوم الشيخ محمد المهدى العباسى الحنفى، الذى استقال من مشيخة الأزهر سنة 1304 هـ. 2 - ثم المرحوم الشيخ شمس الدين محمد الانبابى الشافعى، الذى استقال لمرضه يوم 25 من ذى الحجة سنة 1312 هـ. 3 - والمرحوم الشيخ حسونة بن عبد الله النواوى (¬1) الحنفى 0 أسندت إليه الرياسة فى المحرم سنة 1313 هـ - وفى رجب من هذه السنة، نال المؤلف شهادة العالمية بعد أن أدى الامتحان إمام أعضاء اللجنة السالفة أسماؤهم - وبقى الشيخ النواوى رئيسا للأزهر إلى أن فصل فى 25 من المحرم سنة 1317 هـ. 4 - والمرحوم الشيخ عبد الرحمن القطب النواوى الحنفى. وتوفى فجأة بعد شهر واحد. 5 - ثم تولى شيخ الإسلام المرحوم الشيخ سليم البشرى (¬2) المالكى يوم الخميس 28 من صفر من هذه السنة. واستقال فى ذى الحجة سنة 1320 هـ. 6 - فخلفه المرحوم السيد على بن محمد الببلاوى (¬3) المالكى، واستقال فى المحرم سنة 1323 هـ. 7 - فخلفه المرحوم الشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى، واستقال فى ذى الحجة سنة 1324 هـ. ثم عاد للرياسة المرحوم الشيخ حسونة النواوى واستقال سنة 1327 (وتوفى يوم 24 من شوال سنة 1343 هـ). ثم عاد للرياسة المرحوم الشيخ سليم البشرى ولبث إلى أن توفى ظهر يوم الجمعة 4 من ذى الحجة سنة 1335 هـ. 8 - فأسندت الرياسة إلى الشيخ محمد أبى الفضل الوراقى الجينزاوى المالكى يوم 14 من ذى الحجة من هذه السنة. وتوفى (رحمة الله عليه) فى المحرم سنة 1346 هـ. 9 - وفى غرة ذى الحجة من هذه ¬

(¬1) نسبة الى نوامى مركز ديروط محافظة اسيوط. (¬2) نسبة الى محلة بشر مركز شبراخيت محافظة البحيرة. (¬3) نسبة الى ببلاو مركز ديروط.

الشيوخ الذين تلقى عنهم المؤلف

السنة أسندت الشيخ محمد مصطفى المراغى (¬1) الحنفى وقد استقال يوم الثلاثاء 6 من جمادى الأولى سنة 1348 هـ. 10 - فأسندت للشيخ محمد الأحمدى الظواهرى بعد ذلك بيومين واستقال يوم الجمعة 23 من المحرم سنة 1354 هـ. (26 من أبريل سنة 1935 م) وتوفي بمنزله في الزيتون مساء السبت 20 من جمادي الأولى 1363 هـ. (13 مايو 1944 م) ودفن فى مقبرته بقرافه المجاورين على مقربة من قبر المرحوم شمس الدين الانبابى. وفى عهده أحيل الشيخ الإمام إلى المعاش، ولحق بجوار ربه العلى الأعلى. الشيوخ الذين تلقى عنهم المؤلف هم كثيرون. ومن بينهم حضرات أصحاب الفضيلة شمس الدين الأنبابى الشافعى والشيخ سليم البشرى المالكى، والشيخ أحمد الرفاعى المالكى. والشيخ إبراهيم الظواهرى الشافعى - من عين آخر حياته شيخا للجامع الأحمدى قبل النظام الحديث سنة 1312 هـ. وتوفى سنة 1314 هـ - 1906 م. أنجال الشيخ الإمام: أعقب رحمه الله خمسة أشبال حاطهم برعايته، وأدبهم فأحسن تأديبهم، وغذاهم بروحه الوثابة المجدة الجريئة غير الهيابة. فكانوا فى مقدمة النابغين الذين يشار إليهم بالبنان تلامذة ومدرسين (أولهم) المرحوم الشيخ محمد. التحق بمدرسة دار العلوم بعد إتمام دراسته بالأزهر. وتخرج فيها سنة 1326 هـ الموافقة (1908 م) وعين مدرسا بمدارس الحكومة ثم بالمدرسة الثانوية بطنطا التابعة حينئذ لمجلس المديرية. ثم بالمدرسة الثانوية بشبين الكوم التابعة وقتئذ لجمعية المساعى المشكورة ثم اشتغل محاميا شرعيا. فكان مثال الجد والنشاط والصدق والنزاهة والدفاع عن الحق حتى يظهر ويزهق الباطل. ثم توفى (رحمة الله عليه) فى حياة والده فى ¬

(¬1) نسبة الى الراغة مركز من محافظة سوهاج.

السادس عشر من شعبان سنة 1335 هـ الموافق 4 يونيو سنة (1917 م). وقد كان معروفا بين أقرانه بسيبويه زمانه (وثانيهم) الأستاذ الشيخ أمين. ولد بسبك الأحد سنة 1304 هـ وفى شوال سنة 1314 هـ التحق بالأزهر. وبعد إتمام الدراسة به تخرج فيه يوم السبت التاسع عشر من شهر رجب سنة 1329 هـ - 15 من يوليه سنة 1911 م. وفى شوال سنة 1331 هـ - سبتمبر سنة 1913 م أدى امتحانا فى العلوم الرياضية، فجازه بتفوق فعين مدرسا للجغرافية والتاريخ بالقسم النظامى بالأزهر. ثم أسند إليه دراسة العلوم الشرعية والعربية بالأزهر والمعاهد. وهو قائم بما يسند إليه خير قيام، مثال الجد والنشاط والذكاء. ولما اكتمل السبعين عاما أحيل إلى التقاعد يوم الثلاثاء 22 من رجب سنة 1372 هـ 7 من أبريل سنة 1953 م (أمد الله تعالى فى أجله المبارك). (وثالث) الأنجال الشيخ شرف الدين. التحق بالأزهر فى شوال سنة 1314 هـ وهو ابن تسع سنين فتغذى فيه بلبان العلوم الأزهرية ثم التحق بمدرسة

دار العلوم فى الثامنة عشرة من عمره وتخرج فيها سنة 1328 هـ سنة 1910 م وكان أول فرقته فى كل السنين فاختير للبعثة الأوربية فسافر بعد إذن والده رغابا فى الثقافة العربية وعاد محافظا على دينه وأخلاقه فزاول التدريس بمدارس الحكومة ثم اختير مدرسا بكلية دار العلوم. ثم عين مفتشا بالمدارس الثانوية بوزارة المعارف سنة 1354 هـ. وفى أبريل سنة 1947 أحيل إلى المعاش لبلوغه الستين. ثم لحق بربه مساء الخميس 6 من ذى القعدة سنة 1370 هـ 9 من أغسطس سنة 1951 م. وصلى عليه أخوه خليفة الإمام ووراءه الجم الغفير قبل صلاة الجمعة 7 من ذى القعدة سنة 1370 هـ. وأودع مقره الأخير فى القبر رقم 9 من مقبرة المرحوم والده الإمام. (ورابع) الأنجال الأستاذ الشيخ عبد الحليم. التحق بالأزهر فى شوال سنة 1314 هـ وهو ابن تسع سنين. ولما أخذ قسطا وافرا من العلوم الأزهرية التحق بمدرسة دار العلوم فى التاسعة عشرة من عمره. وتخرج فيها سنة 1329 هـ الموافق سنة 1911 م فعين مدرسا بمدارس الحكومة. ومنها المدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا ثم نقل مدرسا بدار العلوم سنة 1354 هـ. ثم مدرسا فى كلية البنات بالزمالك. ثم لحق بربه مساء الثلاثاء وصلى على جثمانه الجم الغفير آخر ظهر الأربعاء 9 من رمضان سنة 1373 هـ - 12 من مايو سنة 1954 م وأوداع مقرة الأخير بجوار أخيه المرحوم الشيخ شرف الدين. (وخامس الأنجال) الأستاذ عبد الحكيم. التحق بالأزهر فى السنة الثانية عشرة من عمره ومكث به حتى نال الشهادة الأولية والتحق بالقسم الثانوى به ثم التحق بدار العلوم وتخرج فيها سنة 1344 هـ. فعين مدرسا بمدارس الحكومة. ثم اختير للتدريس بمعهد التربية بالجيزة وأخذ يرقى حتى كان ناظر مدرسة الفسطاط الثانوية بمصر القديمة. وأحيل إلى التعاقد فى مارس سنة 1962 م. تلامذة المرحوم الشيخ الإمام: طوال تلك المدة التى قضاها الشيخ الإمام مدرسا بالأزهر المعمور تخرج على يديه فيها الجم الغفير من تلامذته الأفذاذ النجباء ومن مشاهيرهم حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة الأجلاء: الشيخ عبد المجيد سليم. وقد أسندت إليه رياسة الأزهر لأول مرة يوم السبت 24 من ذى الحجة سنة 1369 هـ. 7 من أكتوبر سنة 1950 م. ثم أعفى منها ثم عاد لرياسة الأزهر يوم السبت 13 من جمادى الأولى سنة 1371 هـ - 9 من فبراير سنة 1952 م. واستقال في يوليو سنة 1952. ولزم داره حتى وافته منيته يوم الخميس 9 من صفر سنة 1374 هـ - 7 من أكتوبر سنة 1954 م. أجزل الله له المثوبة ومنهم المرحوم الشيخ فتح الله سليمان رئيس المحكمة الشرعية العليا سابقا. والمرحوم الشيخ عبد السلام البحيرى كان عضوا بالمحكمة الشرعية العليا. وتوفى عام 1354 هـ - 1935 م (رحمة الله عليه) والمرحوم

الشيخ على محفوظ كان مدرسا بكلية أصول الدين (¬1) والشيخ سليمان نوار (عميد كلية اللغة العربية سابقا) والشيخ محمود الغمراوى (المفتش بالجامعة الأزهرية) وغير هؤلاء كثير ممن يدرس بالأزهر والمعاهد الدينية ومدارس الحكومة، وممن يلى مناصب القضاء الشرعى ومن تلامذته غير الموظفين كثير من العلماء الأجلاء القائمين بالوعظ والإرشاد على سنن أستاذهم الراحل. خليفة الإمام: كثيرا ما تحدثك نفسك - إذا ما وقفت على سيرة الإمام - بمن كان يخلف هذه الشخصية البارزة لم يمهلها الزمان. وان السرور ليملأ جوانحك والبشر لينير وجهك إذا ما علمت أن خليفة الإمام هو شبل الإمام ثانى الأنجال فضيلة الأستاذ الشيخ أمين. وهو بحق خير من يخلف أباه (ومن يشابه أبه فما ظلم) و (أن هذا الشبل من ذاك الأسد) ولقد أجمع تلامذة الإمام كلمتهم من ثانى يوم الوفاة على اختياره للقيام لأعباء هذه المنزلة السامية. فكان قائدا لعشرات الألوف من المتمسكين بدينهم، سائرا على النهج المحمودى الذى كان يسير عليه والده، متمما بعض المؤلفات التى بدأها، محافظا جد المحافظة على من كان يرعاهم والده، وهو في ذلك كله الحليم الحازم ذو الهمة التى لا تعرف سآمة ولا مللا، ويشرف على الأمور دقيقها وجليلها بأمانة ونزاهة. يتنقل في العاصمة وضواحيها والبلاد النائية لإرشاد الناس إلى التمسك بمبادئ دينهم الحنيف حتى يعود إليهم مجد إسلافهم، وعزة آبائهم الأقدمين. وختاما أسأل الله الرحيم أن يتغمد المرحوم الشيخ الإمام برحماته، ويصب على رمسه شآبيب رضوانه، ويسكنه فسيح جناته. وان يبارك في خليفته ويمد في أجله ممتعا بوافر العافية، ودائم التوفيق. والحمد لله أولا وأخر والصلاة والسلام على خاتم النبيين .. وآله وصحبه والتابعين. ¬

(¬1) وتوفى رحمه الله مساء الأربعاء 2 ذى القعدة 1361 هـ - 11 نوفمبر سنة 1942 م.

مقدمة الطبعة الخامسة

مقدمة الطبعة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الخامسة الحمد لله رب العالمين الذي ألهم الذاكرين ذكره والشاكرين شكره والحامدين حمده وأثابهم من فضله واستخدمهم في طاعته وتقبل أعمالهم بنعمته. يرفع من يشاء إلى رفيع الدرجات باتباع سيد الكائنات. والصلاة والسلام على الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم صلى الله عليه وعلى آله أجمعين. أما بعد: فقد دعت الضرورة إلى إعادة طبع كتاب الدين الخالص الجزء الأول وذلك لتصحيح ما وقع في الطبعة الرابعة من أخطاء لا تخفى. وقد من الله سبحانه وتعالى علينا بالاطلاع على الطبعة الرابعة قبل أن تصل إلى أيدي الناس فصوبت الأخطاء الظاهرة في ملزمة ألحقت بالطبعة المشار إليها وذلك مداركة لما ليس منه بد مع إبداء الأسف لما حدث. وقد مكن الله سبحانه وتعالى أسرة الإمام من السيطرة على المقاليد وانتهى إليهم بحمد الله الإشراف على هذه المطبوعات فكان لزامًا عليهم أن يعيدوا الطبع على نحو ما كان يجب أن يتم. فجرى تصوير الطبعة الثالثة التي طبعت في مطبعة السعادة في سنة 1384 هـ ضمانا للدقة وأمانة البحث فالحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات. أما المقدمة الأولى التي كتبها فضيلة الأستاذ الشيخ أبو القاسم ابراهيم أبو القاسم رحمه الله تعالى وجزاه خيرا والتي حررت في حياة الاستاذ الإمام أمين محمود خطاب صارت الآن في حاجة إلى تعديل. فقد تغيرت الأمور فرأى بمعنى النابهين استبقاء المقدمة ونصحوا بتحرير مقدمة لهذه الطبعة الخامسة، تصوب فيها بعض المعلومات التي طرأت على الترجمة المحررة من الإمام المؤلف رحمه الله تعالى. وطلبوا مني تحرير مقدمة إضافية. جزاهم الله خيرًا ولهذا أشير إلى: إن أول معالم التغيير هو وفاة الإمام الشيخ أمين محمود خطاب نجل المؤلف وخليفته في إمامة جماهير أهل السنة. ذلك الإمام الذي شب مع الدعوة وساير مراحلها

وقد ذكرت بعض ترجمته في آخر الجزء الثامن من هذا الكتاب فذكرت أنه ولد بسبك الأحد مركز أشمون منوفية في 1304 هـ / 1887 م والتحق بالأزهر فحضر على شيوخه وحصل على العالمية في رجب سنة 1329 هـ / يونية سنة 1916 م فعين مدرسًا بالمعاهد الدينية الأزهرية بالوجهين القبلي والبحري والقاهرة ثم عين أستاذًا بكلية الشريعة ثم بكلية أصول الدين وتتلمذ على يديه الدعاة والوعاظ والعلماء. وقد شارك في الدعوة إلى الكتاب والسنة فكان وكيلا للجمعية الشرعية ثم تولى الإمامة عقب وفاة والده وعنى بالبحث العلمي والتأليف فحقق وعلق وشرح أجزاء الدين الخالص ثم أضاف مؤلفه الذي نشره من قبل تحت عنوان إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك في حجم الربع ليكون بيد الحاج يحمله معه في سفره ولكنه أعاد طبعه بحجم كتاب الدين الخالص وجعله جزءًا تاسعًا وسماه الدين الخالص أو إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك بالإضافة إلى تخريج الأحاديث الواردة في مؤلفات والده. كما شرع في تكملة كتاب المنهل العذب المورود في أربعة أجزاء كبار. وقد خطت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية في عهده خطوات واسعة. ونمت فروعها وازدهرت مؤسساتها وصارت أكبر الجمعيات العاملة في الحقل الإسلامي في مصر بل وفي الشرق العربي كله، وذلك بفضل دأبه وسهره وانتقالاته إلى أنحاء البلاد معلمًا وواعظًا وداعيًا. كما كان يرعى مشروعات الفروع ومنشآتها وجاهد في سبيل الدعوة ونشر السنة بالحكمة والموعظة الحسنة حتى ترك لنا تراثا دينيا عظيما. فلما أثقلت كاهله السنون والشيخوخة والمرض لم ينقطع عن تلاوة القرآن الكريم وهو على الفراش حتى توقف القلب الكبير وارتحلت الروح الطاهرة إلى الرفيق الأعلى عصر يوم الإثنين 27 من ذي القعدة سنة 1378 الموافق 26 من شهر فبراير سنة 1968. توفي يوم الإثنين وغسل وكفن وصلى عليه يوم الثلاثاء كما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله وطيب تراه ودفن مع أخوته بالمقبرة رقم 9 لأن مقبرة الوالد كانت لحدًا وقد منع أن يدفن معه أحد. وقد طار حبر وفاته إلى سائر محافظات الجمهورية فتوافد الجميع لتشييعه إلى مقره الأخير بعد أن صلى عليه أبنه وخليفته الإمام الشيخ يوسف أمين خطاب ثم أسرع الناس إلى مبايعة إمامًا لأهل السنة في مكان والده وجدَّه والتفوا

حوله وجاء رؤساء الفروع من كل مكان ليظهروا له الطاعة والرضا بإمامته لأهل السنة. وقد ذكرت ترجمة مختصرة له في نهاية إتحاف الكائنات الطبعة الثانية وأنه ولد في 24 محرم سنة 1323 هـ / 7 إبريل سنة 1905 والتحق بالأزهر الشريف في سنة 1338/ 1919 ثم تخرج في مدرسة دار العلوم 1350 هـ / 1931 واشتغل بالتربية والتعليم. ولما توفي والده تسلم الأمانة فكان إماما لأهل السنة ورئيسًا للجمعية الشرعية يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1378 ثم دعا إلى حفل ديني في سبك الأحد في دوار آل خطاب وهناك في الحادي عشر من ذي الحجة سنة 1378 تمت بيعة ثانية له. وواصل الإمام يوسف المسيرة ورأس معهد الإمامه للدراسات الإسلامية وألقى فيه محاضرات في اللغة العربية والحديث النبوي وهذا المعهد أعد لتخريج الدعاة إلى الله من وعاظ الجمعية، ومقره مسجد الإمام محمود خطاب السبكي 19 شارع الجلاء بالقاهرة وقاد الجمعية الشرعية ونشر كتاب الفتاوي الأمينية 1392 هـ / 1972 وقد تولى رياسة جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية وكان يكتب بابا ثابتا في المجلة التي تصدرها الجمعية، ثم كانت وفاته يوم الإثنين 30 من صفر سنة 1369 الموافق أول مارس سنة 1976. وكان قد بنى مقبرة جديدة شرعية إلى جوار مقبرة جده في المجاورين تضم 43 قبرًا وخصص لنفسه وعلى نفقته لحدًا على مثال ما فعل جده الإمام مؤسس الجمعية ورقمه بنفس رقمه رحمهما الله وأجزل مثوبتهما. وبقي استدراك على ما كتب الشيخ أبو القاسم ابراهيم في ترجمة الإمام مؤلف الدين الخالص في ص 31 أن الأستاذ عبد الحكيم محمود خطاب النجل الأصغر أحيل للتقاعد في سنة 1962 ونضيف إلى ما ذكر أنه عكف على تلاوة القرآن وبذل المال في سبيل الله وصلة الرحم حتى انتقل إلى جوار الله عز وجل في السابع من ربيع الأول سنة 1391 الموافق سنة 1971 م رحمه الله رحمة واسعة ودفن إلى جوار أخوته في المقبرة التي تضم أولاد الإمام رحمه الله وجعلهم الله في أعلى عليين ونسأله تعالى أن يوفق ذرية الإمام بفضله ويعينهم على مرضاته ويرزقهم تمام القبول والحمد لله أولا وأخرًا والصلاة والسلام على خاتم المرسلين والنبيين وآله وصحبه أجمعين. شهر ذي القعدة سنة 1411 الموافق مايو سنة 1991 د. عبد العظيم حامد خطاب وكيل الجمعية الشرعية الرئيسية

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق وهو آخر كتاب وضع أصله الشيخ الإمام محيى السنة ومميت البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد المرحوم السيد محمود محمد خطاب السبكى المتوفى في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 1352 هـ - 7 يوليو سنة 1933 م عمه الله تعالى بالرحمة والرضوان وأسكنه فسيح الجنان الجزء الأول عنى بتنقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه خليفة الشيخ الإمام أمين محمود خطاب من علماء الأزهر الطبعة الرابعة سنة 1397 هـ - سنة 1977 م تمتاز بضبط الآيات والأحاديث وترقيمها برقم مسلسل بالأصل والهامش وبيان غريبها وحالها ومراجعها ومراجع النصوص العلمية

[مقدمة المصنف]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، الذى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، المنفرد بتشريع الأحكام، فليس لغيره تعالى تشريع حتى سيد الأنام، عليه وعلى آله الصلاة والسلام. وأشهد أن لا اله إلا الله القائل في حق رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الأعراف عجز آية 158 {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} الحشر عجز آية 7 واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (¬1) " {1} والقائل " بعثت بالحنيفية السمحة ومن خالف سنتى فليس منى (¬2) " {2} صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه. أما بعد: فيقول محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكى (سبك الأحد: مركز أشمون منوفية) قد فشا في الأزمنة الأخيرة الزيغ في العقائد التوحيدية، والتعبد بالبدع المضادة لسنة خير البرية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فيعتقد) أحدهم عقيدة زائفة (فإذا) نهيته عنها يقول لا أرجع عنها اذهى العقيدة السلفية (ويتعبد) ببدع الملحدين "وإذا " نهاه مؤمن عن ذلك وأرشده إلى العمل بالشرع الذى شرعه رب العالمين على لسان رسوله الأمين " قابله " بقوله: هى بدع استحسنها ¬

(¬1) صدر حديث أخرجه أحمد والشيخان عن معاوية بن أبى سفيان. ص 93 ج 4 مسند أحمد. وص 121 ج 1 فتح البارى (من يرد الله به خيرا يفقهه). (¬2) أخرجه الخطيب من جابر. وفى سنده لكن له طريق ترفعه إلى درجة الحسن انظر رقم 3150 ص 203 ج 3 فيض القدير.

الشيخ فلان والشيخ فلان، ويذكر أشخاصا من المتساهلين في دينهم من متأخري المقلدين" والسبب " في ضلال أولئك الجهلة " زلة " بعض المنسوبين للعلم المتعرضين للتأليف، حيث سطروا في تأليفهم بعض العقائد الزائفة، واستحسنوا بعض البدع المضادة لشرع الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وينسب نفسه إلى مذهب أحد الأئمة رضى الله تعالى عنهم، فيعتقد الجاهل أن تلك العقائد والبدع قالها هذا الإمام. ولم يفقه أن جميع الأئمة المجتهدين متبرئون من كل عقيدة فاسدة وبدعة في العبادة، وقد قالوا لأصحابهم: خذوا العلم من حيث أخذنا. أى من الكتاب والسنة. وقالوا: نحن بريئون ممن يخالف الكتاب والسنة. وقالوا: ليس لأحد كلام مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن الله لم يجعل لأحد معه كلاما، وجعل قوله يقطع كل قول. وقال الشافعى في رسالته: إذا وجدتم قولى يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلموا بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واضربوا بقولى عرض الحائط. وقال مالك رحمه الله: من استحسن بدعة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة. وقال: ما لم يكن في زمان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم دينا لم يكن اليوم دنيا وغير ذلك. (والأدهى) أنك لو أرشدت أحد أولئك المقلدين - التقليد الأعمى - إلى العمل بالشرع الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وترك البدع، هاج وماج وأشاع وأذاع أنك تريد أبطال المذهب الذى نسب نفسه إليه بهتانا وزورا. وصاح أمثاله بذلك معه ويشتد مهم الجدال والنزاع الذى يناسب حالهم ويتعصبون تعصب الجاهلية الأولى، فإنا لله وأنا إليه راجعون " ومن شدة " عمى البصيرة "دعواهم " على من تمسك في قوله وعمله بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجانب البدع " أنه ضل وأضل " وخرج على مذاهب المسلمين، وأحدث الفتن والشحناء بين المؤمنين.

مقدمة

(فدعانى) ذلك إلى وضع كتاب أبين فيه عقيدة وكيفية العبادة التى شرعها رب العالمين أمرا ونهيا وتقريرا وعليها الأئمة المجتهدون، ذاكرا دليل كل مسألة من الكتاب أو السنة أو إجماع الأئمة، ليكون المتعبد على بصيرة تامة من دينه، ويخلع ربقة التلقيد من عنقة. وقد ذكرت بعد كل حديث من أخرجه من الأئمة، وبينت حالة من صحة وحسن وضعف غالبا، وأردت بالشيخين البخارى ومسلما، وبالثلاثة أبا داود والترمذى والنسائى، وبالأربعة الثلاثة وابن ماجه، وبالخمسة الشيخين والثلاثة، وبالستة الشيخين والأربعة، وبالسبعة أحمد والستة. وبالجماعة مالكا والسبعة، وسميته " الدين الخالص " أو " إرشاد الخلق إلى دين الحق " والله أسأل أن ينفع به النفع العميم. وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم. وسببا للنجاة والفوز " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " وهو حسبى ونعم الوكيل. مقدمة على العاقل أن يعلم أن جميع أئمة المسلمين على هدى من ربهم، ولا هم لأحدهم إلا الوصول إلى الحق الصحيح، وبيانه بالدليل الصريح، وإرشاد الناس إليه وحثهم على التمسك به والاعتصام بحبله. وتنفيرهم من البدع التى حذر منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيما رواه العرباض بن سارية رضى الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم. أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون. ووجلت منها القلوب. فقال قائل يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان عبدا حبشيا، فانه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا

كثيراً، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الأمور، فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه والدرامى والترمذى وقال: حسن صحيح (¬1) {3}. وما إلى ذلك من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم البدع وأنها ضلالة " فمن " زعم أن بعض البدع في العبادة قد تكون حسنة " فقد أخطأ " وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن كل بدعة ضلالة ولفظ " كل " موضوع للأفراد. فمعنى الحديث: أن كل فرد من أفراد البدع ضلالة. وموضوعه العبادة كما علمت " ومن أدعى " أن الحديث دخله التخصيص بحديث " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ. ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ " أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عن جرير بن عبد الله (¬2) {4}. " فدعواه " باطلة لأن الحديث إنما ورد في الحث على مكارم الأخلاق العادية التى بها ارتباط القلوب واتفاق الكلمة والقضاء على أسباب التباغض والنفور، ¬

(¬1) ص 188 ج 1 - الفتح الربانى. وص 10 و 11 ج 1 سنن ابن ماجه (اتباع سنة الخلفاء الراشدين) وص 97 ج 1 مستدرك (كل محدثة بدعة.) وص 44 ج 1 سنن الدرامى (اتباع السنة) وص 24 ج 1 تيسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة). (¬2) ص 357 ج 4 مسند أحمد. وص 226 ج 16 نووى مسلم (العلم) وص 46 ج 1 - سنن ابن ماجه (من سن سنة حسنة أو سيئة).

وأيضا فان الاستنان فيه ليس المراد به الاختراع. وإنما المراد به العمل بما ثبت بالكتاب والسنة النبوية. وذلك لأن سبب الحديث هو الحث على الصدقة المشروعة. فقد قال جرير بن عبد الله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النمار متقلدى السيوف عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة) الآية، والآية التى في الحشر: (اتقوا الله ولتنظر نفس ما تقدمت لغد) تصدق رجل من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره، حتى قال ولو بشق تمرة. فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفة تعجز عنها بل عجزت. ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: من سن في الإسلام (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (¬1) {5}. (قال) الشاطبى: فتأملوا أين قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من سن سنة حسنة؟ تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه حتى أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى قال " من سن في الإسلام " الحديث. فدل ¬

(¬1) ص 358 ج 4 مسند أحمد، وص 102 ج 7 نووى مسلم (الحث على الصدقة) وص 250 ج 2 تيسير الوصول. و (مجتابى) أى لابيى (النمار) جمع نمرة بفتح فكسر وهى كساء من صوف مخطط. و (كومين 9 بفتح الكاف وضمها: أى صبرتين من طعام. و (مذهبه) كمرسلة: أى مستنيرة صافية.

على أن السنة هاهنا مثل ما فعل ذلك الصحابى. وهو العمل بما ثبت كونه سنة (¬1). (وأما) البدعة التى قسموها إلى حسنة وغيرها فهى اللغوية (ومن المعلوم) أن البدع ليست من الدين، فكيف يتقرب بها إلى الله عز وجل. وهل يصح من عاقل أن يعبد الله تعالى بغير ما شرع؟ وأن سنة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم هى فعله وقوله وتقريره. وأن ما ترك مع قيام المقتضى فرتكه سنة وفعله بدعة. كالأولى والثانية يوم الجمعة تركهما النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع قيام المقتضى وهو التشريع. فتركهما سنة (وكذا) الترقية بين يدى الخطيب ورفع الصوت حال السير مع الجنازة وسائر البدع في العبادة. وتركها مطلوب شرعا لأنها ضلالة يجب البعد عنها 0 (وقد) أجمعوا على أن كل بدعة حدثت رفع مثلها من السنة، لحديث غضيف بن الحارث أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة " أخرجه أحمد بسند جيد (¬2) {6}. (وقال) عبد الله بن الديلمى " بلغنى أن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة " أخرجه الدارمى (¬3) {1}. (فالمطلوب) ممن يريد حفظ دينه من الضياع وسلامة عقيدته من الفساد، ألا يركن إلى أى كتاب ادعي صاحبه استحسان أي بدعه في العبادة أو مال إلى ¬

(¬1) ص 239 ج 1 - الاعتصام (ليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع). (¬2) ص 194 ج 1 - الفتح الربانى (التحذير من الابتداع في الدين). (¬3) ص 45 ج 1 سنن الدرامى (اتباع السنة).

عقيدة فاسدة، وإلا ضل وخاب، وغرق في غياهب التباب. هذا، والمعلوم أن الدين هو ما أوحاه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: وأنه مأمور بتبليغه من غير تغيير ولا زيادة ولا نقص قال الله تعالى " وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى " (3) " إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى " (4) النجم. وقال: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ " (67) المائدة. وقال: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرَ " (112) هود. وقال " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ " (12) آل عمران. وقال: " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ " (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" (47) الحاقة (¬1) وما إلى ذلك من الآيات الناطقة بأنه لا مشرع إلا الله تعالى. (ولو أدرك) المتعرضون للتأليف ذلك ما قالوا بتحسين أى بدعة سيما وأن كل بدعة مردودة بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه الشيخان وأبو داود عن عائشة. وفى رواية لمسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (¬2) " {7}. (ولو عقلوا) أن الأحكام لا تثبت إلا بدليل من الكتاب أو السنة (ما أثبتوا) شيئا من هذه المخالفات فى كتبهم. (وإذا) كانت البدع ليست من الدين فما الدليل على حسنها؟ (وهل) الدين كان ناقصا فكمل بالبدع التى ليست منه؟ ألم يبلغهم قول الله عز وجل: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ¬

(¬1) أى لو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلنا هـ كما يفعل الملوك بمن يكذب عليهم، أو المعنى انتقمنا منه بالحق، فليمين على هذا بمعنى الحق كقوله تعالى (انكم كنتم تأتوننا عن اليمين) أى من قبل الحق. والوتين، عرق بالقلب يتصل بالرأس إذا انقطع مات صاحبه. (¬2) ص 25 ج 1 تسير الوصول (الاستمساك بالكتاب والسنة).

الدين

وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (3) المائدة (¬1)؟ أم بلغهم ولم يفقهوه؟ أم أعتقدوا أن الدين الذى شرعه الله سبحانه وتعالى كامل ولكن البدع أكمل منه؟ فلذا تركوا العمل بالكثير منه وعكفوا على العمل ببدعهم، وغفلوا عن قول بن مسعود رضى الله عنه " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {3}. الدين يجب على كل مكلف أن يعتقد اعتقاد جازما أن الله تعالى أرسل جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو الدين الذى لا يقبل الله تعالى غيره. قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} (128) البقرة. وقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} (67) آل عمران. وقال حكاية عن سيدنا سليمان {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (31) النمل. وقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (19) آل عمران. وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} (85) آل عمران. أى ومن يطلب غير دين النبى محمد ¬

(¬1) قال طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: انكم لتقرءون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيدا. فقال عمر: انى لاعلم حين أنزلت وأين أنزلت أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة فى يوم جمعة يعنى (اليوم أكملت لكم دينكم) أخرجه الخمسة الا أبا داود [2] ص 115 ج 1 تيسير الوصول (سورة المائدة). (¬2) ص 181 ج 1 مجمع الزوائد (الاقتداء بالسلف).

صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو فى الآخرة من الخاسرين، ولا يخرج من النار أبد الآبدين، لأن الله تعالى جعل شرعه ناسخا لجميع الشرائع. هذا. والدين يطلق على الطاعة وعلى الطريقة الثابتة والملة المتبعة، فهو يشمل الشرائع كلها. فذا صدق العبد بكل ما جاء به النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو مؤمن (والإيمان) لغة: التصديق القلبى، قال تعالى حكاية عن اخوة يوسف (وما أنت بمؤمن لنا) أى بمصدق، وشرعا التصديق بكل ما جاء به النبى صلى الله عليه وعلى آله واعتقاده اعتقادا جازما، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والتصديق بالأوامر والنواهى كافتراض الصلاة وتحريم قتل النفس المعصومة وأنا (روى) أبو ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما من عبد قال لا اله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت: وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق؟ قلت: وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق، قلت: وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق على رغم أنف أبى ذر " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى (¬1) (والإسلام) لغة الانقياد والاستسلام. ومنه إيمان الأعراب الذين قال الله تعالى فيهم {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (14) الحجرات، لأنهم تلفظوا بكلمة الشهادة بلا تصديق (وشرعا) انقياد ظاهرى مع اعتقاد باطنى بكل ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم، وعلم من الدين بالضرورة كالصلاة والزكاة والصوم والحج. ¬

(¬1) ص 53 ج 1 - الفتح الربانى. وص 219 ج 10 فتح البارى (الثياب البيض وص 94 ج 2 نوى مسلم (من مات لا يشريك بالله دخل الجنة) وذكره تيسير الوصول بلفظ آخر، ص 11 ج 1.

فكل من الإيمان والإسلام المنجيين لا ينفك عن الآخر. وكل مؤمن مسلم وكلم مسلم مؤمن، لأن المصدق ذلك التصديق للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لابد أن يكون خاضعنا لما جاء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والخاضع هذا الخضوع لابد أن يكون مصدقا ذلك التصديق. هذا. وقوام الدين ثلاثة الإسلام والإيمان والإحسان. وقد بينها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى حديث عمر رضى الله عنه قال: " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد أخبرنى عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت أن استطعت إليه سبيلا. قال: دقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرنى عن الإيمان. قال: أ، تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك. قال: فأخبرنى عن ساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرنى عن إماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان. ثم انطلق. فلبثت مليا، ثم قال: يا عمر أتدرى من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. أخرجه أحمد والخمسة إلا البخارى (¬1) {9}. ¬

(¬1) ص 62 ج 1 - الفتح الربانى. وص 13 ج 1 تيسير الوصول (حقيقة الايمان =

دل الحديث على أن الأحكام الشرعية علمية وعملية. فالعلمية ستة: (الأول) الإيمان بالله، وهو اعتقاد وجود الله تعالى متصفا بكل كمال يليق بجلاله، منزها عن كل نقص. وأنه قادر على إيجاد الممكن وإعدامه. (الثانى) الإيمان بالملائكة، وهو أ، تؤمن بوجودهم، وأنهم عباد مكرمون لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. (الثالث) الإيمان بالكتاب، وهو أن تصدق بان الله كتبا أنزلها على بعض رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام منها: القرآن وهو أفضلها أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والإنجيل أنزل على سيدنا عيسى. والتوراة أنزلت على سيدنا موسى. والزبور أنزل على سيدنا داود. وصحف سيدنا إبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام. ¬

= والاسلام) و (القدر) بفتحتين، هو ايجاد الله تعالى الاشياء على قدر مخصوص وتقدير معين فى ذواتها واحوالها طبق ما سبق به علم الله، بخلاف القضاء فانه تعلق الارادة بالاشياء ازلا. وقيل فيهما غير ذلك. قال الأجهورى: ارادة الله مع التعليق ... فى ازال قضاؤه فحقق والقدر الايجاد للأشياء على ... وجه معين ارده علا وبعضهم قد قال معنى الاول ... العلم مع تلق فى الأزل والقدر الايجاد للأمور ... على وفاق علمه المذكور هذا. ولما كان الايمان بالقدر مستلزما الايمان بالقضاء، لم يتعرض له فى الحديث. و (أن تلد الأمة ربتها) أى سيدتها. وهو كتابة عن كثرة اتخاذ الجوارى. وتلد الجارية بنتا او ابنا من سيدها. والولد بمنزلة ابيه فى السيادة. و (العالة) بفتح اللام المخففة جمع عائل وهم الفقراء. و (رعاء) بكسر الراء جمع راع وبجمع على رعاه بضمها، (والشاء) جمع شاة، (ويتطاولون فى البنيان) أى يتفاخرون بطوله وارتفاعه. والمراد أن الأسفل يصيرون اصحاب ثروة ظاهرة.

(الرابع) الإيمان بالرسل، وهو أن تؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلا من البشر مبشرين الطائعين بالجنة، ومنذرين بالعذاب الأليم. متصفين بما يليق بهم من صدق وأمانة وتبليغ وفطانة ومالا يؤدى إلى نقص فى مراتبهم العلية، ولا إلى نفرة الناس عنهم، منزهين عما لا يليق بمقامهم من كذب وخيانة وكتمان وبلادة. (الخامس) (الإيمان باليوم الآخر. وهو يوم القيامة. وسيأتى أن أوله من الموت أو البعث، وبما اشتمل عليه من سؤال القبر وعذابه ونعيمه وبعث وحشر وميزان ونشر كتب الأعمال وتعليقها فى الأعناق وأخذها باليمين لقوم وبالشمال لآخرين، وقراءة كل كتابه قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائرة فى عنقة ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (¬1) وما إلى ذلك مما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى. (السادس) الإيمان بالقدر كله، أى التصديق والإذعان بان كل ما قدر الله فى الأزل لابد من وقوعه وما لم يقدره يستحيل وقوعه، وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق. " روى " ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " أخرجه مسلم والترمذى (¬2) {10}. وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره. قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) القمر. وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} (2) الفرقان ¬

(¬1) الاسراء: 13 و 14 (وطائره) عمله. (¬2) ص 203 ج 16 نووى مسلم. وص 174 ج 3 تيسير الوصول (ذم القرية).

علم التوحيد

وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} (30) الدهر. وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " كل شئ بقدر حتى العجز والكيس " أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {12}. وقد تكفل بتفصيل هذه الأحكام: علم التوحيد التوحيد لغة العلم بأن الشئ واحد. وشرعا أفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتا وصفاتا وأفعالا ويعرف بمعنى الفن المدون بأنه علم يبحث فيه عن معرفة العقائد الدينية. وهى التى يجب على كل مكلف ذكر أو أنثي حر أو رقيق ¬

(¬1) ص 122 ج 1 - الفتح الربانى، وص 204 ج 16 نووى مسلم (كل شئ بقدر) و (العجز) بالرفع عطفا على كل أو بالجر عطفا على شئ. والمراد به البلادة والتسويف فى الأمور، والكيس ضده، وهو الحذق والنشاط فى الأمور.

(1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالى من واجب ومستحيل وجائز

أن يعتقدها. فيجب عليه أن يعرف الصفات الواجبة لله تعالى والمستحيلة والجائزة فى حقه تعالى. وأن يعرف الصفات الواجبة للأنبياء والرسل والمستحيلة عليهم والجائزة فى حقهم عليهم الصلاة والسلام. وأن يعرف ما جاء فى الكتاب والسنة من أحوال الموت والقبر وما بعدهما. ومن لم يعرف ذلك فليس بمسلم ويخلد فى نار جهنم (والمعرفة) هى الإدراك الجازم المطابق للواقع عن دليل (والواجب) الأمر الثابت الذى لا يقبل الانتفاء ككون الجسم متحركا أو ساكنا وكونه صغيرا أو كبيرا وكونه ناعما أو خشنا. ونحوه ما لابد للجسم متحركا ساكنا أو طويلا قصيرا، أو حيوانا جمادا فى آن واحد (والجائز) ما يقبل الثبوت والانتفاء ككون الجسم صغيرا فى وقت كبيرا فى وقت آخر، وكونه قصيرا فى وقت طويلا فى آخر، وكونه حيا فى وقت ميتا فى آخر. هذا. والكلام هنا فى ثلاثة أصول: إلهيات، ونبويات، وسمعيات. (1) الالهيات هى ما يتعلق بالله تعالى من واجب ومستحيل وجائز (أ) الواجب فى حقه تعالى: يجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بالصفات الجليلة القديمة الثابتة بالأدلة التفصيلية وهى ثلاث عشرة: 1 - الوجود - فهو تعالى موجود بلا ابتداء قبل وجود جميع الحوادث من عرش وكرسى وسموات وسائر العالم (والدليل) على ذلك خلقه تعالى السموات وما فيها من الكواكب والملائكة، والأرض وما فيها من الجبال والرمال والأشجار والأحجار والبحار والأنهار والحيوانات والجمادات، لأن الصنعه لابد لها من صانع

موجود. وقد قال الله عز وجل {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (62) غافر. وقال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} (1) الأنعام. وقال {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} أى خلق كل شئ فسوى خلقه. وقال {أقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق} وقال {وخلق كل شئ فقدره تقديرا} (2) الفرقان. ومن البدهى أن موجد الشئ لا يكون معدوما، لأن المعدوم لا يعطى الوجود. 2 - القدوم - ومعناه انه لا لأول لوجوده تعالى، وأنه لم يسبقه عدم، لقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (62) الزمر. إذ معناه أن كل شئ غير الله مخلوق لله، فلا يجوز أن يكون غيره خالقا له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتجا لغيره كيف وهو ذو الغنى غيره خالقا له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتاجا لغيره كيف وهو ذو الغنى المطلق. وفقر كل شئ إليه محقق؟ (وعن عمران) بن حصين رضى الله عنه قال: انى عند النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذ جاءه قوم من من بنى تميم فقال " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن. فقال: " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم " قالوا: قبلنا. جئناك لنتفقه فى الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال قال: كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شئ " أخرجه البخارى (¬1) {13}. ¬

(¬1) ص 317 ج 13 فتح البارى (وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم) و (أقبلوا البشرى) المراد بها أن من أسلم نجا من الخلود فى النار ثم يجازى على وفق عمله. وذكر بعضهم فى هذا الحدث " كان الله ولا شئ معه وهو الأن على ما عليه كان " وهى زيادة ليست فى شئ من كتب الحديث. ذكره العينى على البخارى. فى بدء الخلق (وكان عرشه على الماء) أى لم يكن تحت العرش الا الماء الذى خلق قبله (وكتب فى الذكر كل شئ). أى قدر كل الكائنات وأثبتها فى اللوح المحفوظ.

3 - البقاء - ومعناه أنه لا انتهاء لوجوده تعالى، وانه لا يلحقه عدم، لقوله تعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (27) الرحمن، وقوله: (كل شئ هالك إلا وجهه) (88) القصص، ولأن من ثبت قدمه استحال عدمه. فهو الأزلى القديم بلا بداية والأبدى الباقى بلا نهاية (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) (3) الحديد. 4 - مخالفته تعالى للحوادث - ومعناها عدم مماثلته لشئ منها لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الأفعال، لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (11) الشورى، ولأنه لو ماثل شيئا منها لكان حادثا مثلها. والحدوث مستحيل فى حق الخالق عز وجل. 5 - قيامه تعالى بنفسه - ومعناه أنه تعالى موجود بلا موجد وغنى عن كل ما سواه، وانه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص، لقوله تعالى: (يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد) (15) فاطر، وقوله تعالى: (والله الغنى وأنتم الفقراء) (38) محمد، ولأنه لو احتاج إلى شئ لكان حادثا وحدوثه محال لما تقدم فاحتياجه محال. 6 - الوحدانية فى الذات والصفات والأفعال - ومعناها أن ذاته ليست مركبة، وليس لغيره ذات تشبه ذاته، وانه ليس له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، وليس لغيره صفة كصفته، وأن الأفعال كلها خيرها وشرها اختياريها واضطراريها مخلوقة لله وحده بلا شريك ولا معين. قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (163) البقرة، وقال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (22) الأنبياء، وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (96) الصافات، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ

عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (3) فاطر، وقال تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) أى قل يأيها النبى - لمن سألك عن صفة ربك جل وعلا - هو المعبود بحق المتصف بكل صفات الكمال، الواحد فى ذاته وصفاته وأفعاله، المقصود فى قضاء حوائج الخلق على الدوام، الذى ليس بوالد ولا مولود ولا شبيه له ولا نظير. (دلت) السورة على أمور: (أ) إثبات ألوهية الله تعالى المستلزمة لا تصافه بكل صفات الكمال كالعلم والقدرة والإرادة. (ب) إثبات أحديته الموجبة تتنزهه تعالى عن التعدد والتركيب وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة فى الخلقه وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة. (جـ) إثبات صمديته تعالى المقتضية استغناءه عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه فى الوجود والبقاء وسائر الأحوال. (د) إبطال زعم من زعم أن له ولدا كاليهود والنصارى بقوله: (لم يلد) لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد ولا يجانس أحدا، ولا يفتقر إلى من يعينه أو يخلفه لا متناع احتياجه وفنائه. (هـ) إثبات قدمه بقوله: (لم يولد) أى لم يفصل عن غيره. وهذا لا نزاع فيه. وإنما ذكر لتقرير ما قبله إذ المعهود أن ما لا يولد لا يلد. (و) نفى مماثلة شئ له تعالى فى أى زمان كان " ومن زعم " أن نفى الكفء فى الماضى لا يدل على نفيه فى الحال والكفار يدعونه " فقد غفل " لأن ما لم يوجد فى الماضى لا يكون فى الحال ضرورة أ، الحادث لا يكون كفئا للقديم.

7 - الحياة - وهى صفة قديمة قائمة بالذات العلية تصحح لموصوفها الاتصاف بالعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر، وما إلى ذلك من الصفات الأئقة به تعالى (وحياته) ليست بروح. ودليلها قوله: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} (2) آل عمران، وقوله: {وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القَيُّومِ} (111) طه، وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} (58) الفرقان. 8 - العلم - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود: واجبا كان أو جائزا، وبكل معدوم: مستحيلا كان أو ممكنا. فهو تعالى يعلم وجود ذاته وصفاته وأنها قديمة لا تقبل العدم. ويعلم أنه لا شريك له، وأن وجود الشريك محال. ويعلم جواز حدوث الممكن وعدمه. ويعلم فى الأزل عدد من يدخل الجنة ومن يدخل النار جملة واحدة فلا يزاد فى ذلك العدد ولا ينقص منه. ويعلم أفعالهم وكل ما يكون منهم. ويعلم أنه عالم بكل الأمور لا تخفى عليه خافية. قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} (14) الملك، وقال: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} (98) طه. وقال: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} (12) الطلاق، وقال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} (255) البقرة، وقال: {هو الله الذى لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة} (22) الحشر، وقال: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (19) غافر، وقال: {إن الله بكل شئ عليم} (75) الأنفال. (وعن) ابن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفى يده كتابان، فقال: " أتدرون ما هذان الكتابان " فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذى فى يده اليمنى: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على أخرهم،

فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا " وقال للذى فى شماله: " هذا كتاب من رب العالمين. فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم اجمل على أخرهم فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا " فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله أن كان الأمر قد فرغ منه؟ قال: " سددوا وقاربوا فان صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وان عمل أى عمل. وان صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وان عمل أى عمل " ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " بيديه فنبذهما " ثم قال: " فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير " أخرجه أحمد والترمذى وقال: حديث حسن غريب صحيح (¬1) {14}. ولأنه تعالى لو لم يكن عالما لكان جاهلا، ولو كان جاهلا لكان حادثا، وحدوثا محال لما سبق. فالجهل عليه تعالى محال. هذا. وعلم الله تعالى ليس كسبيا ولا يوصف بكونه ضروريا أو نظريا أو بديهيا أو يقينيا أو تصوريا أو تصديقيا، لأنه صفة قديمة لا تعدد فيها ولا تكثر. 9 - الإرادة - وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه كوجود المخلوق فى زمن دون غيره. وفى مكان دون آخر وهكذا، لقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (68) القصص، وقوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} (49) الشورى، وقوله تعالى: (فعال لما يريد) (16) البروج، وقوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ ¬

(¬1) ص 138 ج 1 - الفتح الربانى. وص 169 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (اجمل) الحساب جمع آحاده وكمل أفراده. والمراد احصاهم حتى اتى على آخرهم فلا زيادة ولا نقصان. و " السداد " الصواب فى القول والعمل. والمقاربة القصد فيهما.

لِلإِسْلامِ} (25) الأنعام. وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر} (185) البقرة. 10 - القدرة - وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ} (58) الذاريات. وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} (عجز 50) الروم. وقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً) (45) الكهف. ولأنه لو لم يكن قادرا لكان عاجزا، وعجزه محال، كيف وهو خالق كل شئ. (تنبيه) علم أن الإرادة والقدرة يتعلقان بكل ممكن من أفعالنا الاختيارية. وما له سبب كالإحراق عند مماسة النار. وما لا سبب له كخلق السماء. وتعلق القدرة فرع تعلق الإرادة الذى هو فرع تعلق العلم إذ لا يوجد الله تعالى شيئا ولا يعدمه إلا إذا أراد وجوده أو إعدامه وقد سبق فى علمه انه يكون أولا يكون. 11 - السمع - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود واجبا أو ممكنا صوتا أو لونا أو ذاتا أو غيرها، فهو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء فى الليلة الظلماء بلا أذن ول صماخ. 12 - بصر - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بالذات العلية تحيط بكل موجود - واجبا أو جائزا جسما أو لونا أو صوتا أو غيرها بلا حدقة - إحاطة غير إحاطة العلم والسمع. والدلي على انه تعالى سميع بصير قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (56) غافر. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} عجز 57 الحج و 28 لقمان، ولأنه تعالى لو لم يكن سميعا بصيرا لكان أصم أعمى وهو نقص. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

13 - الكلام - وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تدل على كل موجود واجبا أو جائزا، وعلى كل معدوم محالا أو جائزا. وليس كلامه تعالى بحرف ولا صوت، ولا يوصف بجهر ولا سر ولا تقديم ولا تأخير ولا وقف ولاسكوت ولا وصل ولا فصل، لأن هذا كله من صفات الحوادث، وهى محالة علية تعالى. ودليله قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (164) النساء، ولأنه تعالى لو كان غير متكلم لكان. أبكم، والبكم نقص محال فى حقه تعالى لو كان غير متكلم لكان. أبكم، والبكم نقص محال فى حقه تعالى. القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وباقى الكتب المنزلة، تدل على بعض ما يدل عليه الكلام القديم، قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (109) الكهف. وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (27) لقمان. وله تعالى صفات غير ذلك كالجلال والجمال والعزة والعظمة والكبرياء والقوة وهى القدرة، والوجه والنفس والعين واليد والأصابع والقدم (¬1) والمحبة والرضا والفرح والضحك والغضب والكراهة والعجب والمكر ونحو ذلك مما ورد فى الكتاب والسنة. فيجب الإيمان به بلا كيف فنقول: له تعالى يد لا كالأيدى. ونفوض معرفة ذلك، وتفصيله إلى الله تعالى ولا نؤول أن يده تعالى قدرته أو نعمته وأمثال ذلك، لأن فيه إبطال الصفة التى دل عليها الكتاب والسنة، ولكن نقول يده صفة له بلا كيف وهكذا. وغضبه ومكره واستهزاؤه غير انتقامه وغير إرادة الانتقام. بل من صفاته بلا كيف. وهذا مذهب السلف فى المتشابهات. وبه نقول. وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى. هذا ما يلزم اعتقاده ومعرفته تفصيلا من الواجب فى حقه تعالى. ¬

(¬1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوى الى بعض (الحديث) أخرجه الشيخان والترمذى عن أنس [15] ص 240 ج 3 تسير الوصول. وفيه (وقدم رب العزة) كفاية عن اهل النار الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه و (فيزوى) اى يضم ويجمع.

(وأما الواجب معرفته إجمالا فهو أن يعتقد المكلف أن الله تعالى. متصف بكمالات موجودة تليق به تعالى لا نهاية لها يعلمها الله تعالى تفصيلا ويعلم أنها لا نهاية لها، لأنه لو انتفى عنه تعالى شئ من الكمال الذى يليق به لكان ناقصا والنقص محال فى حقه لا ستلزامه الحدوث المحال عليه تعالى. (ب) المستحيل فى حق الله تعالى: يستحيل فى حقه تعالى بالأدلة التفصيلية السابقة ثلاث عشرة صفة مقابلة للصفات الواجبة له تعالى على الترتيب السابق. وهى العدم والحدوث " وهو الوجود بعد عدم " والفناء، ومماثلته تعالى للحوادث " فى الذات " بأن يكون جسما مركبا أو حالا له شبيه " وفى الصفات " بأن يكون حياته كحياة الحوادث وعلمه كعلمهم وهكذا " وفى الأفعال " بألا يكون مؤثرا فى شئ، وإنما له مجرد الكسب. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فهو لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود، ولا يحده مقدار ولا تحويه أقطار، لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) (ومن المستحيل) فى حقه تعالى احتياجه لموجد أو ذات يقوم بها. والتعدد " فى ذات " بأن يكون مركبا يقبل الانقسام أو يكون هناك ذات كذاته " وفى الصفات " بأن يكون له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، أو يكون لغيره صفة كصفته " وفى الأفعال " بأن يكون لغيره تأثير فى شئ من الأشياء بطبعه أو بقوة مودعه فيه. فليست النار محرقة بطبعها ولا بقوة خلقت فيها. وإنما الخالق للإحراق هو الله تعالى عند خلقه النار. ولو شاء خلق النار دون الإحراق لكان. كما حصل لخليله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وليس الماء مرويا بطبعه ولا بقوة خلقت فيه وإنما الخالق للرى الله تعالى عند شرب الماء. وليس الملبوس ساترا وواقيا البرد أو الحر بنفسه ولا بقوة خلقت فيه. بل الخالق لما ذكر هو الله تعالى عند لبس الثياب. فمن يعتقد تأثير شئ من الأسباب فى مسببه بطبعه فهو كافر أو بقوة خلقها الله فيه فهو فاسق. ومن

اعتقد عدم تأثيرها وأن الله هو المؤثر ولكن يستحيل خلق السبب بدون مسببه أو عكسه فهو مؤمن يخشى عليه إنكار معجزات الأنبياء فيكفر، أو إنكار كرامات الأولياء فيفسق. والاعتقاد الصحيح اعتقاد أن المؤثر فى السب والمسبب هو الله تعالى مع إمكان تخلف أحدهما عن الآخر خرقا للعادة (ومن المستحيل) فى حقه تعالى الموت وما فى معناه كالنوم والإغماء. قال الله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} (ومنه) الجهل وما فى معناه كالظن والشك والوهم والغفلة والذهول والنسيان، (ومنه) وجود شئ من الحوادث بلا إرادته تعالى بأن يكون بطريق الطبع أو العلة. فلا يقع فى الملك والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر إلا بقضائه وقدره. (ومنه) العجز عن ممكن ما والصمم وما فى معناه كسمعه الجهر دون السر، وكاختصاصه بالأصوات دون الذوات وسائر الموجودات (ومنه) العمى وما فى معناه كالعشى - بفتحتين مقصورا - وهو عدم الإبصار ليلا - والجهر - بفتحتين وهو عدم الإبصار نهارا (ومنه) البكم وهو الخرس وما فى معناه كالفهاهه والعى والسكوت، وكون كلامه تعالى بحروف وأصوات. هذا ما دلت على استحالة فى حق الله تعالى الأدلة التفصيلية، وهى أدلة الواجب التفصيلى ويجب على كل مكلف أن يعتقد بعد ذلك أن الله تعالى منزه عن كل نقص كما أنه متصف بكل كمال. (جـ) الجائز فى حق الله تعالى: يجوز فى حقه تعالى فعل كل ممكن أو تركه فهو متفضل بالخلق والاختراع والتكليف والأنعام والإحسان لا عن وجوب ولا إيجاب. فلا يجب عليه شئ مما ذكر. ولا يستحيل عليه تعالى فعل ما يضر عباده، بل يجوز أن يفعله بهم بطريق العدل، إذ للمالك أن يتصرف فى ملكه بما يشاء. فهو الخالق للإيمان والطاعة والسعادة والعافية، وسائر النعم فضلا

منه وإحسانا (¬1). وهو الخالق للكفر والمعاصى والشقاوة والأمراض والفقر ونحو ذلك عدلا منه فى مملوكه، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} عجز آية (105) البقرة. وقال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (68) القصص. وقال: (فعال لما يريد) (16) البروج. وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} (93) النحل. وقال: {من يضلل الله فلا هادى له} (86) الأعراف. وقال: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (23) الأنبياء. فيجوز فى حقه تعالى عقلا (تعذيب) المطيع عدلا منه لأنه الخالق للطاعة مع تنزهه عن الانتفاع بها. وإنما ينتفع بها العبد الذى وفقه الله لكسبها، (وإثابة) العاصى فضلا منه لأنه الخالق للمعصية مع تنزهه عن التضرر بها. وإنما يتضرر بها من خذله الله باكتسابها عدلا منه. قال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49) الكهف. وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) فصلت (¬2) وقال: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} عجز (384) البقرة. وقال: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ¬

(¬1) قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) عجز (185) البقرة وقال تعالى (وما الله يريد ظلما للعباد) عجز آية 31 غافر. وفى الحديث القدسى " يا عبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه " أخرجه مسلم عن أبى ذر [16] عجز حديث 782 ص 163 - الاتحافات السنية. (¬2) و (ظلام) صيفة تدل على النسب كتمار، ولبان أى ليس منسوبا للظلم. وليس المراد انتفاء كثرة الظلم عن الله تعالى فحسب بل المراد انتفاء الظلم عنه تعالى وأبلغ منه انتفاء ارادته عنه تعالى كما قال سبحانه (وما الله يريد ظلما للعباد) عجز 31 غافر.

وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (17) فاطر. وفى الحديث القدسى " يا بنى آدم ما خلقتكم لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستعين بكم من وحدة على أمر عجزت عنه، ولا لجر منفعة، ولا لدفع مضرة. بل خلقتكم لتعبدونى طويلا وتشكرونى كثيرا وتسبحونى بكرة وأصيلا. ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم وحيكم وميتكم وصغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، اجتمعوا على طاعتى مازاد فى ذلك ملكى مثقال ذرة. ولو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم وحيكم وميتكم وصغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم، أجتمعوا على معصيتى ما نقص ذلك من ملكى مثقال ذرة (¬1) " {17} وقال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِين} (6) العنكبوت. وهم الفقراء إليه وهو الغنى الحميد (ومن الجائز) رؤيته تعالى بالأبصار وغيرها خرقا للعادة بلا اتصال الأشعة به تعالى ولا كيفية ولا انحصار فى جهة. قال الله تعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (23) القيامة. وسيأتى تمامه فى بحث الرؤية إن شاء الله تعالى. (ومن الجائز) إنزال الكتب وإرسال الرسل مبينين للناس ما نزل إليهم مبشرين الطائعين بالجنة والنعيم، ومنذرين العاصين بالنار والعذاب الأليم. قال تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه. وأنزل التوراة والإنجيل (3) (من قبل هدى للناس، وأنزل على عبده الكتاب) وقال: (تبارك الذى الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) النحل. وقال: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (165) النساء. ¬

(¬1) لم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ.

المتشابه

هذا. ومما تقدم تعلم أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بصفات الجلال والكمال التى تليق بعظمة تعالى الواردة فى الكتاب العزيز والسنة المطهرة. وأنه تعالى منزه عن كل نقص، وعن مشابهة الحوادث، تعالى الله عن ذلك. المتشابه أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة، فقد أجمع السلف والخلف رضى الله عنهم على أنها مصروفه عن ظاهرها، لقوله تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد) وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) الشورى (ثم اختلفوا) فى بيان معانى تلك الآيات والأحاديث (فالسلف) يفوضون علم معانيها إليه تعالى. فيقولون أن الاستواء فى آية {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} (5) طه - لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مع جزمهم بأنه جل جلاله يستحل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه، لأنه تعالى اله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش، لأن القرآن الذى منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على العرش غير موجود؟ ولما خلق الخلق لم يحتج الى مكان يحل فيه. بل هو غنى عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التى كان عليها (والخلف) يقولون فيها: الاستواء لأنه معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك، ومذهب السلف أسلم، لأنه يحتمل أن الله عز وجل أراد معنى فى الآية غير ما فسرها به الخلف. (ووجه) صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربى. والقرآن عربى (وحملهم) على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف

(وجود) المشبهة والمجسمة فى زمانهم زاعمين أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول فى الأمكنة. وقد اغتر بعض العوام بقولهم فاعتقدوا أن الله تعالى جالس على العرش وحال فى السماء. فكفروا والعياذ بالله تعالى، والنفس أمارة بالسوء، والشياطين تحسن لها ارتكاب ما تخلد به فى النار (فوجب) عليهم أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة - حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية - بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعلموا عليه ويتركوا الباطل وأهله فلا يكفرون. فجزاهم الله تعالى خير الجزاء (وقد) نقل العلامة أحمد زروق عن أبى حامد أنه قال: لا خلاف فى وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به أهـ (والحاصل) أن الخلف لم يخالفوا السلف فى الاعتقاد وإنما خالفوهم فى تفسير المتشابه للمقتضى الذى حدث فى زمانهم دون زمان السلف كما علمت. بل اعتقادهم واحد، وهو أن الآيات والأحاديث المتشابهات مصروفه عن ظاهرها الموهم تشبيهه تعالى بشئ من صفات الحوادث وأنه سبحانه وتعالى مخالف للحوادث، فليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا مستقر على عرش ولا فى سماء ولا يمر عليه زمان وليس له جهة إلى غير ذلك مما هو من نعوت المخلوقين (فمن اعتقد) وصفه تعالى بشيء منها فهو كافر بإجماع السلف والخلف. نسأل الله تعالى حسن الاعتقاد أن الله تعالى استقر على العرش وحل فى السماء وأنه فى جهة من الجهات، وأن له مكانا ونحو ذلك مما هو من صفات المخلوق (وجود) بعض مؤلفات لبعض من ينتسبون إلى العلم مال وله جهة ويتصف بالتحول والانتقال إلى غير ذلك من الضلال والإضلال. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (واطلع) عليها من لا علم عنده بأصول الدين الصحيحة فاعتقد أن ما ذكر فيها حق وعقائد صحيحة، وأعانه على ذلك الاعتقاد المكفر من

كفر قبله بسبب هذا الاعتقاد (ويقولون) لهم: هذه كتب أكابر العلماء المحققين. وهذه العقيدة عقيدة السلف، ومن لم يعتقدها يكون كافرا مخلدا فى النار معطلا لصفات الله غير ذلك من البهتان الفظيع (¬1) (ومن) جهلهم استدلالهم على دعواهم الباطلة أن الله تعالى استقر على العرش، بقول بعض السلف كمالك بن أنس رضى الله تعالى عنه جوابا للسائل عن معنى (الرحمن على العرش استوى) الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أظنك الا ضالا. ثم أمر به فأخرج. ولا دليل فيها، فان معنى الاستواء معلوم أنه مصرح به فى القرآن. ففى رواية تأتى للشافعى عن مالك (¬2): الاستواء مذكور وكيفيته مجهولة يعنى لا نعلم معناه، لأنه لا يعلم معنى المتشابه الا الله تعالى. فهو ناطق بأنه لا يتعرض لبيان معناه لعدم علمه به. فكيف يدعى عليه أنه فسر الاستواء بالاستقرار والجلوس؟ سبحانك هذا بهتان عظيم (والأدهى) دعوى هذه الشرذمة أن من لم يعتقد أن لله تعالى جهة، وأنه فى مكان، فهو كافر لانكاره وجود الله عز وجل. ويقولون لمن حضرهم من العوام بسطاء العقول: اذا كان الله تعالى ليس فى جهة فوق ولا تحت ولا أمام ولا خلف ولا يمين ولا شمال، فهو غير موجود. فيجب الكفر بالاله الذى لا جهة له ولا مكان. (فهذه) (الدعوى) ناطقة بأنهم يعتقدون أن الله تعالى جسم كالأجسام شبيه بالحوادث. وهو كفر صريح نعوذ بالله تعالى من الكفر وأهله (فقد) عكسوا الحقائق لانعكاس بصيرتهم وفظيع مركب جهلهم. قال الله تعالى (ومن يضلل الله فما له من هاد) عجز (33) الرعد (اذ لو كانوا) يسمعون أو يعقلون وتأملوا ¬

(¬1) وقد نوه الشيخ الامام فى كتاب " اتحاف الكائنات " عن هذه الكتب وذكر نصوص بعض الائمة المحققين الذين تعرضوا للرد على أربابها وبيان فساد عقيدتهم الزائفة. (¬2) يأتى ص 36 ان شاء الله تعالى (عبارة الفقه الأكبر).

قليلا (لعرفوا) أن (دعواهم) أن الاله القديم يتوقف وجوده على كونه فى جهة من الجهات وله مكان (صريحة) فى اعتقادهم عدم وجود الله سبحانه وتعالى لأنه لا مكان له ولا جهة، مع انه كان موجودا قبل خلق الجهات والأمكنة، وكان موجودا ولا شئ معه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وذلك من صفات الألوهية. كما أن الاحتياج الى المكان والجهة من صفات الأجسام الحادثة. (وكيف) يتوهم من عنده شائبه عقل أن وجود الاله القديم يتوقف على اتصافه 8 بصفات المخلوق. أن هذا لمن أشنع الخبال والبهتان (والأغرب) أنهم يعتقدون أنهم سلفيون وهم كاذبون وبغيهم جاهلون. (ومن خرافاتهم) دعواهم أن من لم يعتقد أن الله عز وجل جالس ومستقر على العرش أو فى السماء، معطل لصفات الإله (مع العلم) الضرورى أن ذلك ليس من صفات الله تعالى، بل هو ضد صفاته سبحانه وتعالى، ناف للألوهية بالكيلة كما علمت. (وأما) السلف والخلف فانهم مجمعون على ثبوت صفات الله تعالى الواردة فى الكتاب العزيز والسنة المحمدية. وإنما خلافهم فى تفويض معنى المتشابه وهو مذهب السلف. وفى بيان معناه وهو مذهب الخلف (قال الإمام) السلفى الجليل ابن كثير فى تفسيره ما نصفه: أما قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف فلنا فى هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هنا موضوع بسطها. وإنما نسلك فى هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعى والثورى والليث ابن سعد قديما وحديثا. وهو أمراها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطليل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفى عن الله تعالى، فإن الله لا يشبهه شئ من خلقه و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) الشورى. بل الأمر كما قاله

الأئمة. منهم نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخارى قال: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه (فمن أثبت) لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى (ونفى) عنه تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى أهـ (وقال) العلامة إسماعيل حقى فى تفسيره روح البيان: من قال أن الله فى السماء، أن أراد به المكان كفر. وان أراد به الحكاية عما جاء فى الظاهر الأخبار لا يكفر، لأنها مؤولة. والأذهان السليمة والعقول المستقيمة لا تفهم بحسب السليقة من مثل هذه التشبيهات إلا عين التنزيه أهـ (ولذا) لم يتعرض السلف لتأويل المتشابهات لكون العقول إذ ذاك كانت سليمة لا تفهم من المتشابه إلا تنزيه الله عز وجل عن صفات الحوادث. (وتعرض) الخلف للتأويل لفساد عقول كثير من أهل زمانهم ففهموا من ظاهر المتشابهات أن الله سبحانه وتعالى جسم يحل فى العرش أو السماء أو الجهة. وقد تقدم التنبيه على ذلك (قال) فى روح البيان: يقال لمن قال أن لله تعالى مكانا: أين كان قبل خلق هذه العوالم؟ ألم يكن له وجود متحقق؟ فان قالوا: لا، فقد كفروا وان قالوا بالحلول والانتقال، فكذلك، لأن الواجب لا يقارن الحادث إلا بالتأثير والفيض وظهور كمالاته، لكن لا من حيث انه حادث مطلقا بل من حيث أن وجوده مستفاض منه، فافهم أهـ (وقال) أيضا: من يثبت له تعالى مكانا فهو من المجسمة. ومنهم جهلة المتصوفة القائلون بأنه تعالى فى كل مكان، ومن يليهم من العلماء الزائغين عن الحق الخارجين عن طريق العقل والنقل والكشف أهـ. (والعلماء) الزائغون عن الحق هم الذين ذمهم الله تعالى بقوله {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (7) آل عمران. وأى فتنة أفظع من كونهم كفروا بالله تعالى

لاعتقادهم أن الله تعالى جالس على العرش أو له مكان أو حل فى جهة زعما منهم أن ظاهر الآيات والأحاديث يدل على ذلك وكفر بسببهم كثير من جهلة العوام ضعفاء العقول كما شاع وذاع فى كثير من البقاع فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. (وقال) البيضاوى فى تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف: استوى أمره أو استولى وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف. والمعنى أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذى عناه منزهتا عن الاستقرار والتمكن اهـ. (وقال) العلامة الخطيب: الله تعالى لا يتصف بالأماكن والجهات والحدود، لأنها صفات الأجسام ولأنه تعالى خلق الأمكنة وهو غير متحيز، وكان فى أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان اهـ. (وقال) العارف الصاوى فى تفسير قوله تعالى: {يخالفون ربهم من فوقهم} (5) النحل: المراد بالفوقية القهر لا الجهة لأنها مستحيلة عليه تعالى أهـ (وقال) الإمام القرطبى فى تفسير قوله تعالى {أمنتم من فى السماء} (16) الملك: المراد بها توقيره وتنزيه تعالى عن السفل والتحت ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود، لأنها من صفات الأجسام، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان فى أزله قبل خلق المكان والزمان ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان أهـ. (وقال): أبو حيان فى تفسيره: معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له ولا يشبه بشئ من خلقه ولا يكيف ولا يتحيز ولا تحله

الحوادث أهـ. (وقال) فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} (3) الأنعام: إنما ذهب أهل العلم إلى الخروج عن ظاهر (فى السموات وفى الأرض) لما قام عليه العقل من استحالة حلول الله تعالى فى الأماكن ومماسة الأجرام ومحاذاته لها وتحيزه فى جهة أهـ. (وقال) الامام النيسابورى فى تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} (54) الأعراف: يقطع بكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة أهـ. (وقال) عماد الدين الكندى فى تفسير قوله تعالى (وهو الله فى السموات وفى الأرض): حلول الله تعالى فى الأماكن مستحيل، وكذلك ممارسة الأجرام أو محاذاته لها، أو تحيزة فى جهة، لا متناع جواز التغير عليه تبارك وتعالى، وقد استقرت القواعد على أن الله تبارك وتعالى لا يجوز عليه الجهة ولا الظرفية اهـ. بتصرف (وقال) فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (61) الأنعام: الفوقية تمثيل للقهر لا للقاهر. وما أغبى الحشوية وأجمدهم حيث الترموا فوقية الجهة والجسمية فيمن يستحيل عليه ذلك. فما بالحشوية الا مكايدة المعقول ومكابرة المنقول أهـ. (وقال) العلامة ابن العادل الدلجى فى تفسير قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} (84) الزخرف: ابن الخطيب: وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر فى السماء، لأنه تعالى بين فى هذه الآية أن نسبته بالهية السماء كنسبته بالهية الأرض. فلما كان الها للأرض مع أنه غير مستقر فيها، فكذلك وجب أن يكون الها للسماء مع انه لا يكون مستقرا فيها أهـ. (وقال) فى تفسير قوله تعالى (وهو معكم): لابد فيه من التأويل. فاذا جوزنا التأويل فى موضع وجب تجويزه فى سائر المواضه اهـ فيجب التأويل فى آية

{الرحمن على العرش استوى} (5) طه - بصرفها عن ظاهرها. وهو الاستقرار والجلوس. وكذلك سائر المتشابهات من الآيات والأحاديث (وقال) أيضا فى تفسير قوله عز وجل (ءأمنتم من فى السماء) قال ابن الخطيب: هذه الآية لا يمكن اجرؤاها على ظاهرها باتفاق المسلمين، لأن ذلك يقتضى احاطة السماء به من جميع الجوانب، فيكون أصغر منها. والعرش أكبر من السماء بكثير. فيكون حقيرا بالنسبة الى العرش وهو باطل بالاتفاق. ولأنه قال {قل لمن ما فى السموات والأرض؟ قل لله} (13) الأنعام. فلو كان فيهما لكان مالكا لنفسه. فالمعنى اما من فى السماء عذابه. واما من فى السماء سلطانه وملكه وقدرته، كما قال الله تعالى {وهو الله فى السموات وفى الأرض} (3) الأنعام. فان الشئ الواحد لا يكون دفعه فى مكانين. والغرض من ذكره السماء تفخيم فى شرح صحيح البخارى فى تفسير الاستواء على العرش: قالت المجسمة: معناه الاستقرار. وهو قول فاسد، لأن الاستقرار من صفات الأجسام. ويازم منه الحلول والتناهى وهو محال فى حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات اهـ. (وقال) العلامة النووى فى شرح صحيح مسلم: مذهب السلف فى أحاديث الصفات أنه يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى مع اعتقادنا أن الله ليس كمثله شئ وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز فى جهة وعن سائر صفات المخلوق اهـ (وقال) القاضى عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبه فقيههم ومحدشهم ومتكلمهم ومجتهدهم ومقلدهم، أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى كقوله تعالى: {ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض} ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم اهـ (وقال) العلامة الأبى فى شرح صحيح مسلم. قال القاضى عياض: لم يختلف المسلمون فى تأويل ما يوهم أنه

تعالى في السماء كقوله تعالى: (ءأمنتم من في السماء) وقد أطلق الشرع أنه القاهرة فوق عباده، وانه استوى على العرش " فالتمسك " بالآية الجامعة للتنزيه الكلى الذى لا يصح فى العقل غيره وهى قوله تعالى (ليس كمثله شئ) " عصمة " لمن وفقه الله تعالى اهـ. (وقال) العلامة أحمد زروق فى شرحه على رسالة ابن أبى زيد القيروانى. قال أبو حامد: انه تعالى مستو - على العرش على الوجه الذى قاله، وبالمعنى الذى أراده - استواء منزها عن الممارسة هو الاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بمحض قدرته ومقهورون فى قبضته أهـ. وهو مذهب السلف الصالح. ومنهم الأئمة المجتهدون أبو حنفية ومالك والشافعى وأحمد وغيرهم. (وقال) العلامة الكبير الشيخ زين الدين الحنفى فى كتابه البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ا) ويكفر " بقوله " يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه، وباثبات المكان لله تعالى فان قال: الله فى السماء. فان قصد حكاية ما جاء فى ظاهر الخبار لا يكفر. وان أراد المكان كفر. وان لم يكن له نية، كفر عند الأكثر وهو الأصح. وعليه الفتوى (ب) " وبقوله " الله جلس للانصاف أو قام له وبوصفه تعالى بالخوق أو بالتحت اهـ بحذف. (وقال) الامام الشافعى فى كتابه الأكبر: فصل واعلموا أن البارئ لا مكان له. والدليل عليه هو أن الله تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفته الأزلية كما كان قبل خلقه المكان. لا يجوز عليه التغيير فى ذاته والتبديل فى صفاته، ولأن من له مكان وله تحت يكون متناهى الذات محدودا. والمحدود مخلوق. تعالى الله عن ذلك. ولهذا المعنى استحال عليه الزوجة والولد، لأن ذلك

لا يتم الا بالمباشرة والاتصال والانفصال. فكذلك الزوجة والولد فى صفته تعالى محال (فان قيل) قال الله تعالى (الرحمن على العرش استوى) (يقال) له ان هذه الآية من المتشابه التى يحار فى الجواب عنها وعن أمثالها من لا يريد التبحر فى العلم، أى يمر بها كما جاءت ولا يبحث عنها ولا يتكلم فيها، لأنه لا يأمن الوقوع فى الشبة والورطة اذا لم يكن راسخا فى العلم. ويجب أن يعتقد فى صفة البارئ ما ذكرناه. وأنه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان منزه عن الحدود والنهايات، مستغن عن المكان والجهات ليس كمثل شئ. ويتخلص عن هذه المهالك (ولهذا) زجر مالك السائل حين سأله عن هذه الآية فقال: الاستواء مذكور وكيفيته مجهولة، والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ثم قال: فان عدت الى مسألتك أمرت بضرب رقبتك. أعذانا الله تعالى واياكم من التشبيه اهـ كلام الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه (ونحوه) للامام أبى حنيفة فى الفقه الأكبر وشرحه (وقال) العلامة الجليل سعد الدين التفتازانى فى كتابه تهذيب الكلام (والقول) بانه تعالى جسم على صورة انسان أو غيره وفى جهة العلو مماسا للعرش أو محاذيا له تمسكا بأن كل موجود جسم أو جسمانى ومتحيز أو حال فيه ومتصل بالعلم أو منفصل عنه (جهالة) والنصوص مؤولة اهـ. (قال) محشية محمد وسيم: وأما ما تقرر فى فطرة العقلاء مع اختلاف آرائهم من التوجه الى العلو فى الدعاء ورفع الأيدى الى السماء فليس من جهة اعتقادهم أنه فى تلك الجهة بل من جهة أن السماء قبلة الدعاء، منها تتوقع الخيرات والبركات وهبوط الأنوار ونزول الأمطار المحيى للأقطار اهـ. (وقال) المحقق الدوانى على العقائد العضدية: ويستحيل عليه تعالى التحيز والجهة ولا يصح عليه الحركة والانتقال أ. هـ (قال) القدوة السنوسي في عقيدة أهل التوحيد الكبرى: ومن هنا - يعنى من وجوب قدمه تعالى وبقائه -

تعلم وجوب تنزهه تعالى عن أن يكون جرماً أو قائماً أو محاذياً له أو في جهة له أو مرتسماً في خياله، لان ذلك كله يوجب مماثلته للحوادث، فيجب له ما وجب لها. وذلك يقدح في وجوب قدومه وبقائه، بل وفي كل وصف أوصاف ألوهيته أهـ. (وقال) العلامة الدسوقي في حاشيته على أم البراهين: أنه يستحيل عليه تعالى أن يكون له جهة، لأن الجهات من عوارض الجسم، والله تعالى يستحيل أن يكون جسماً أهـ. (وقال) العلامة الهدهدي في شرحه على السنوسية: وكذا يستحيل عليه أن يكون في جهة، لأنه لو كان في جهة لزم أن يكون متحيزا أهـ. أي وكونه تعالي متحيزا محال عليه عز وجل. (وقال) اعلامة الفخر الرازي في كتابه اساس التقديس: ظاهر قوله تعالي: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} (16) ق. وقوله: {وهو معكم اينما كنتم} (4) الحديد. وقوله: {وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله} (84) الزخرف. ينفي كونه مستقرا علي العرش وليس تأويل هذه الايات اولي من الايه التي تمسكوا بها يعني (الرحمن علي العرش استوي) أهـ. (وقال) أيضا في كتابه المذكور: ان الدلائل العقلية القاطعة التي قدمنا ذكرها تبطل كونه تعالي مختصا بشئ من الجهات. واذا ثبت هذا ظهر انه ليس المراد من الاستواء الاستقرار. فوجب ان يكون المراد هو الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الاحكام الالهية. وهذا مستقيم علي قانون اللغة، وتمامه فيه. (وقال) العلامة جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه " دفع شبهة التشبيه ": الحق سبحانه وتعالي لا يوصف بالتحيز، لانه لو كان متحيزا لم يخل اما ان يكون ساكنا في حيزه او متحركا عنه، ولا يجوز ان يوصف بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق، ومن جاور او بين فقد تناهي ذاتا، والتناهي اذا اختص بمقدار استدعي مخصصا، وكذا ينبغي ان يقال ليس بداخل

في العالم وليس بخارج منه، لان الدخول والخروج من لوازم المتحيزات. فهما كالحركة والسكون وسائر الاعراض التي تخص الاجرام اهـ. (وقال) ايضا: قال القاضي ابو يعلي في كتابه المعتمد: ان الله عز وجل لا يوصف بالمكان اهـ. (وقال) ومن الايات قوله تعالي (ءامنتم من في السماء) قد ثبت قطعا ان الاية ليست علي ظاهرها لان لفظة " في " للظرفبة. والحق سبحانه وتعالي غير مظروف. واذا منع الحس ان ينصرف الي مثل هذا بقي وصف العظيم بما هو عظيم عند الحق أهـ. (وقال) المحقق الجليل علي القاري في شرح المشكاة: قال جمع من السلف والحلف: ان معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي انه قول لابي حنيفة ومالك والشافعي والاشعري والباقلاني اهـ. ومحل الخلاف في كفره ان اعتقد جهة العلو لله تعالي مع اعتقاد انه تعالي لا مكان له ولا تحيز ولا اتصال بعرش ولا سماء ولا غيرهما من الحوادث، والا فهو كافر باجماع عقلاء المسلمين. (وجملة القول) ان الادلة القطعية والبراهين النقلية ناطقة بانه تعالي ليس له جهة وليس في جهة، وليس جالسا علي العرش ولا حالا السماء ولا غيرها، ولا يتصف بالتحول والانتقال، وليس جسما ولا جوهرا ولا عرضا، ولا غير ذلك من صفات الحوادث (¬1) ¬

(¬1) وقد افتي الشيخ سليم البشري رحمه الله بان من اعتقد الجهة لله تعالي من التجسيم فهو كافر ومن اعتقدها مع التنزيه فهو فاسد العقيدة ضال فيها. قال: الي حضرة الفاضل الشيخ احمد علي بدر ببلصفورة: قد ارسلتم بتاريخ 22 محرم سنه 1325 هـ مكتوبا مصحوبا بسؤال عن حكم من يعتقد ثبوت الجهة له تعالي. فحررنا لكم الجواب =

(ومن الآيات المتشابهات) قوله تعالى: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون ¬

= الاتي وفيه الكفاية لمن اتبع الحق وانصف: اعلم ان مذهب الفرقة الناجية وما عليه اجمع السنيون أن الله تعالى منزه عن مشابهة الحوادث مخالف لها فى جميع سمات الحدوث ومن ذلك تنزهه عن الجهة والمكان دلت على ذلك البراهين القطعية فان كونه فى جهة يستلزم قدم الجهة أو المكان وهما من العالم - وهو ما سوى الله تعالى - وقد قام البرهان القاطع على حدوث كل ما سوى الله تعالى باجماع من أثبت الجهة ومن نفاها ولأن المتمكن يستحيل وجود ذاته بدون المكان مع أن المكان يمكن وجوده بدون المتمكن لجواز الخلاء فيلزم امكان الواجب ووجوب الممكن وكلاهما باطل ولأنه لو تحيز لكان جوهرا لاستحالة كونه عرضا ولو كان جوهرا فاما أن ينقسم واما الا ينقسم وكلاهما باطل فان غير المنقسم هو الجزء الذى لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء - تعالى الله عن ذلك علوال كبيرا - والمنقسم جسم وهو مركب .. والتركيب ينافى الوجوب لذاته غنى عن كل ما سواه مفتقر اليه كل ما عداه سبحانه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير هذا وقد خذل الله أقواما أغواهم الشيطان وأذلهم اتبعوا أهواءهم وتمسكوا بما لا يجدى فاعتقدوا ثبوت الجهة تعالى الله عن ذلك هلوا كبيرا واتفقوا على أنها جهة فوق الا أنهم افترقوا (فمنهم) من اعتقد أنه جسم مماس للسطح العلى من العرش. وبه قال الكراميةاليهود وهؤلاء لا نزاع فى كفرهم (ومنهم) من أثبت الجهة مع التنزية وأن كونه فيها ليس ككون الاجسام وهؤلاء ضلال فساق فى عقيدتهم واطلاقهم على الله ما لم يأذن به الشارع. ولا مرية أن فاسق العقيدة أقبح وأشنع من فاسق الجارحة بكثير سيما من كان داعية أو مقتدى به (وممن نسب) اليه القول بالجهة من التأخرين أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحنبلى. وقد انتدب بعض تلامذته للذب عنه وتبرئته مما نسب اليه وساق له عبارات أوضح معناها وأبان غلط الناس فى فهم مراده واستشهد بعبارات له أخرى صريحة فى دفع التهمة عنه وأنه لم يخرج عما عليه الاجماع وذلك هو المظنون بالرجال لجلالة ورسوخ قدمه. وما تمسك به المخالفون عليه وما تمسكوا به ظواهر =

الله يد الله فوق أيديهم) (10) الفتح (والسماء بنيناها بأيد) (7) الذرايات. ¬

= آيات وأحاديث موهمة كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله (اليه يصعد الكلم الطيب) وقوله (تعرج الملائكة والروح اليه) وقوله (ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض) وقوله (وهو القاهر فوق عباده) وكحديث " أنه تعالى ينزل الى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ " وكقوله للجارية الخرساء (1) أين الله؟ " فأشارت فى السماء " حيث سأل بأين التى للمكان ولم ينكر عليها الاشارة الى السماء بل قال: انها مؤمن (ومثل) هذه يجاب عنها بأنها ظواهر ظنية لا تعارض الأدلة القطعية اليقينية الدالة على انتفاء المكان والجهة. فيجب تأويلها وحملها على محامل صحيحة لا تاباها الدلائل والنصوص الشرعية اما تأويلا اجماليا بلا تعيين للمراد منها كما هو مذهب السلف، واما تأويلا تفصيليا بتعيين محاملها وما يراد منها كما هو مذهب الخلف كقولهم: ان الاستواء بمعنى الاستيلاء كما فى قول القائل: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق وصعود الكلم الطيب اليه قبوله اياه ورضاه به لأن الكلم عرض يستحيل صعوده. وقوله من فى السماء أى أمره وسلطانه أو ملك من ملائكته موكل بالعذاب، وعروج الملائكة والروح اليه صعودهم الى مكان يتقرب اليه فيه، وقوله: فوق عبادة أى بالقدرة والغلبة فان كل من قهر غيره وغلبيه فهو فوقه أى عال عليه بالقهر والغلبة كما يقال: أمر فلان فوق فلان أى أنه أقدر منه وأغلب. ونزوله على سبيل التمثيل وخص الليل لانه مظنة الخلوة والخضوع وحضور القلب، وسؤاله للجارية (بأين) استكشاف لما يظن به اعتقاده من أينية المعبود كما يعتقده الوثنيون. فلما أشارات الى السماء فهم أنها أرادت خالق السماء فاستبيان أنها ليست وثنية وحكم بايمانها. وقد بسط العماء فى مطولاتهم تأويل كل ما ورد من أمثال ذلك عملا بالقطعى وحملا للظنى عليه فجزاهم الله عن الدين وأهله خير الجزاء وان العجيب أن يدع مسلم قو جماعة المسلمين وأئمتهم ويتمشدق بترهات المبتدعين وضلالتهم. أما سمع قول الله تعالى (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) فليتب الى الله تعالى من تلطخ بشئ من هذه القاذورات ولا يتبع = ــــــــــــــــــــــ (1) كذا قال العلامة عضد الدين عبد الرحمن فى المواقف. ولم تر كونها خرساء لغيره وظاهر الحديث يرده أنها قالت (فى السماء) وقالت: أنت رسول الله.

(وقد) اتفق علماء السلف والخلف المعول عليهم على أن اليد فى هذه الآيات ونحوها مصروفه عن ظاهرها، لأن الله تعالى منزه عن الجارحة لقوله تعالى: (ليس كمثله شئ) (11) الشورى. (واختلفوا) فى بيان المراد منها (فالسلف) يفوضون علم المراد منها الى الله تعالى. لقوله عز وجل (وما يعلم تأويله الا الله) (والخلف) يقولون: المراد منها القدرة والنعمة، بناء على أن الوقف فى الآية على قوله تعالى: (والراسخون فى العلم) ولكل وجهة. (ومن الايات) المتشابهات (ويبقى وجه ربك) (27) الرحمن. و (لا اله الا هو كل شئ هالك الا وجهه) (88) القصص. (فالسلف) يقولون: له وجه لا كوجوهنا لا يعلمه الا هو سبحانه وتعالى (¬1) (والخلف) يقولون: المراد بالوجه الذات. وعبر عنها بالوجه على عادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. يقول أحدهم: فعلت لوجهك أى لك، وقس على هذا باقى الآيات المتشابهة. (ومن) الأحاديث المتشابهة حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعونى فأستجب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى ¬

= خطوات الشيطان فانه يآمر بالفحشاء والمنكر ولا يحملنه العناد على التمادى والاصرار عليه فان الرجوع الى الصواب عين الصواب والتمادى على الباطل يفضى الى أشد العذاب (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وصحبه أجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. (¬1) أثبتوا الوجه لله تعالى وقوفا مع كلامه الذى لا ريب فيه كما صرح به فى الآيتين المذكورتين - وقالوا له تعالى وجه لا كالوجوه فرارا من تشبيهه بالحوادث التى يتنزه - الله تعالى عن مماثلتها واتباعا لقوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وكذلك القول فى المتشابه من اليد والرجل والساق والذات وغيرها من بقية المتشابهات الواردة كتابا وسنة.

فأغفر له؟ أخرجه مالك والخمسة الا النسائى (¬1) {18}. وهو مصروف عن ظاهره باجماع السلف. (قال) العلامة ابن جماعة فى كتابه " ايضاح الدليل " ما ملخصه: اعلم أن النزول الذى هو الانتقال من علو الى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه لوجوه: (الأول) أن النزول منصفات المحدثات، ويتوقف على ثلاثة أجسام. منتقل. ومنتقل عنه. ومنتقل اليه. وذا محال على الله تعالى. (الثانى) لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض شيئا فشيئا. فيلزم انتقاله فى سماء الدنيا ليلا ونهارا من قوم الى قوم، عوده الى العرش فى كل لحظة على رأى المجسمة القائلين بأنه تعالى ينزل بذاته ونزوله من العرش الى سماء الدنيا. ولا يقول ذلك ذو لب. (الثالث) أن القائل بأنه تعالى فوق العرش، وأنه ملأه، كيف يرى أن سماء الدنيا تسعه تعالى؟ وهى بالنسبة الى العرش كحلقة فى فلاة. فيلزم عليه أحد أمرين اما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدسة عند ذلك حتى تسعها السماء ونحن نقطع بانقاء الأمرين. ولذا ذهب جماعة من السلف الى عدم بيان المراد من النزول مع قطعهم بأن الله منزه عن الحركة والانتقال. وذهب المؤولن الى أن المراد بالنزول هنا الاقبال بالرحمة والاحسان واجابة الدعاء (وقيل) فى الكلام مضاف مقدر والمعنى ينزل أمر ربنا أو ملك ينزل بأمره. وهو فى القرآن كثير منه قوله تعالى: (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد) (26) النحل. ومعلوم أن حامد الحنبلى المجسم: فى الحديث ما يتعالى الله عنه. وهو أنه ينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وأحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى برئ منه، ولقد تأذى ¬

(¬1) ص 3 ج 2 تيسير الوصول (فضل الدعاء ووقته).

الحنابلة بسوء كلامه واعتقاده أهـ. (فأنت) ترى أن اعتقاد ابن حامد الحنلى وأحزابه دليل واضح على أنهم ما عرفوا أن الله سبحانه وتعالى اله قديم لا يتصف بالجسمية ولا التحول والانتقال، لأن ذلك كله من صفات الحوادث. وأن الامام أحمد رضى الله تعالى عنه برئ منهم (ولو كانوا) يسمعون أو يعقلون، لعرفوا أن الله تبارك وتعالى اله قديم موجود قبل خلق العالم يستحيل عليه الحركة والسكون وغيرهما من صفات المخلوق. قال الله تعالى: {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) غافر (وقال) الامام فخر الدين الرازى فى كتابه أساس التقديس ص 134 ما حاصله: فاما الحديث المشتمل على النزول الى سماء الدنيا فالكلام عليه أن النزول قد يستعمل فى غير الانتقال. وذلك لوجوه (منها) قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (6) الزمر. ونحن نعلم بالضرورة أن الجمل أو البقر ما نزل من السماء الى الأرض على سبيل الانتقال. وقوله تعالى: {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} (6) الفتح. والانتقال على السكينة محال (ومنها) أنه ان كان مقصود من النزول من العرش الى سماء الدنيا أن يسمع نداؤه فهذا لم يحصل. وان كان المقصود مجرد النداء وان نسمع فهذا مما لا حاجة فيه الى النزول. وهذا عبث غير لائق بحكمة الله تعالى. (ومنها) أن من يقول بظاهر الحديث يرى أن كل السموات بالنسبة للكرسى كقطرة فى بحر والكرسى بالنسبة للعرش كذلك. ثم يقول ان العرش مملوءه منه والكرسى موضع قدمه. فاذانزل الى سماء الدنيا فكيف تسعه؟ فاما أن يقال بتداخل أجزائه فى بعض، وهذا يقتضى أنها قابلة للتفرق ويقتضى جواز تداخل جملة العالم فى خردلة واحدة وهو محال. واما أن يقال ان تلك الأجزاء فنيت عند النزول الى سماء الدنيا. وهذا مما لا يقوله عاقل فى حق الله تعالى (فثبت) أن القول بالنزول على الوجه الذى قالوه باطل. وانه يتعين حمل هذا النزول على نزول رحمته الى الأرض فى ذلك الوقت. وخص هذا الوقت بذلك لوجوه (منها) أن التوبة التى يؤتى بها فى جوف الليل شأنها أن

تكون خالية عن شوائب الدنيا خالصة لوجه الله تعالى، لأن الأغيار لا يطلعون عليها، فتكون أقرب الى القبول (ومنها) أن الغالب على الانسان فى جوف الليل الكسل والنوم، فلولا الرغبة الشديدة فى نيل الثواب العظيم لما تحمل مشاق السهر، ولما أعرض عن اللذات الجسمانية، ولذا احتيج فى الترغيب فى الطاعة والعبادة بالليل الى مزيد أمور تؤثر فى تحريك دواعى الاشتغال بالطاعة والتهجد لتكون الدواعى اليه أتم وأوفر، ويكون الثواب أكمل. ولذا أثنى الله تعالى على من تحلى بالطاعة فى الليل. قال تعالى {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون (17) (وبالأسحار هم يستغفرون) (18) الذرايات. وقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (17) السجدة. (وقيل) النزول فى الحديث كناية عن المبالغة فى الاكرام والاحسان. وذلك أن نزل من الملوك عند انسان لاصلاح شأنه والاهتمام بأمره يكون وجوده عنده مبالغة فى اكرامه فلما كان النزول مستلزما لغاية الاكرام وكمال الاحسان، اطلق اسم النزول على الاكرام المذكور. (وقيل) ان " ينزل " فى الحديث بضم الياء من الانزال، أى أن جمعا من أشراف الملائكة ينزلون فى ذلك الوقت بأمر الله تعالى اهت. (وقال) الامام ابن الجوزى الحنبلى فى كتابه " دفع شبهة التشبيه " ص 46: روى حديث النزول عشرون صحابيا وقد تقدم انه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير فيبقى الناس رجلين (أحدهما) المتأول بمعنى أنه يقرب رحمته. وقد وصف أشياء بالنزول فقال: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} (25) الحديد. وان كان معدنه فى الأرض. وقال: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (6) الزمر ومن لم يعرف الجمل فكيف يتكلم فى نزوله (¬1) (والثانى) الساكت عن الكلام فى ذلك مع اعتقاد التنزيه. ¬

(¬1) الجمل من الأنعام وهى فى الأرض فالانزال بمعنى الخلق.

والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة، وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان يحتاج الى ثلاثة أجسام: جسم عال هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو الى سفل. وهذا لا يجوز على الله عز وجل (قال) ابن حامد: هو على العرش بذاته مماس له وينزل وينزل من مكانه الذى هو فيه وينتقل. وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على الله (وقال) أبو يعلى: النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله انتقال، وهذا مغالط (ومنهم) من قال يتحرك اذا نزل. وما يدرى أن الحركة لا تجوز على الله تعالى. وقد حكوا عن الامام أحمد ذلك. وهو كذب عليه. ولو كان النزول صفة ذاتية لذاته لكانت صفته كل ليلة تتجدد. وصفاته قديمة كذاته أهـ. (وقال) العلامة ابن أبى جمرة فى كتابه " بهجة النفوس " ص 39 ردا على المجسمة (وأما) ما زعموا من الجسمية وتعلقوا فى ذلك بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا " الى غير ذلك من الأحاديث التى جاءت فى هذا المعنى (فليس) لهم فى ذلك حجة أيضا، لأن ذلك فى اللغة محتمل لأوجه عديدة كقولهم: جاء زيد، يريدون ذاته ويريدون غلامه ويريدون كتابه ويريدون خبره. والنزول مثله كقولهم: نزل الملك، يريدون ذاته ويريدون أمره ويريدون كتابه ويريدون نائبه. فاذا ارادوا أن يخصصوا الذات قالوا: نفسه، فيؤكدونه بذلك أو بالمصدر. وحينئذ ترتفع تلك الاحتمالات ولذلك قال عز وجل فى كتابه (وكلم الله موسى تكليما) فأكده بالمصدر رفعا للمجاز (فلو قال) الشارع عليه الصلاة والسلام هنا: ينزل ربنا نفسه أو ذاته أو أكده بالمصدر (لكان) الأمر ما ذهبوا اليه. ولكن لما أن ترك اللفظ على عمومه ولم يؤكده، دل على أنه لم يرد الذات، وانما أراد نزول رحمة ومن فضل وطول على عباده وشبه هذا معروف عند الناس، لأنهم يقولون: تنازل الملك لفلان، وهم يريدون

كثرة احسانه وافضاله اليه لا أنه نزل اليه بذاته وتقرب اليه بجسده. فهذا مشاهد فى البشر، فكيف بمن ليس كمثله شئ؟ لقد أعظموا على الله الفرية اهـ (ومما تقدم) تعلم بطلان ما زعمه المجسمة كابن حامد وأبى يعلى وأضرابهما من انه تعالى على العرش بذاته ويزنل منه وينتقل الى سماء الدنيا (وأن) ما فى مختصر الصواعق لابن القيم من أن جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفرج ابن الجوزى صرحوا بأ، هـ تعالى ينزل الى سماء الدنيا بذاته (كذب) وافتراء عليهم. فقد تقدم لك قول ابن الجوزى أنه يستحيل على الله تعالى الحركة والنقلة والتغير. والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة. وأن النزول الذى هو انتقال من مكان الى مكان لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. وقد رد ما ذهب اليه ابن حامد وأبو يعلى قال ومن نسب ذلك الى الامام أحمد فقد كذب عليه (ومنه) تعلم أيضا كذب ما نسب فى مختصر الصواعق الى حماد بن زيد من قوله: ان الله فى مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء. وعلى فرض ثبوته عنه فيحرم التمسك به لمنافاته صريح الآيات القرآنية كقوله تعالى (ليس كمثله شئ) واجماع سلف الأمة وخلفها على أن الله تعالى يستحيل عليه أن يكون له مكان لأنه يستلزم المماثلة والاحتياج وهما محالان فى حقه تعالى (وكذا) ما نسبه الى ابن عبد البر من أن أهل السنة مجمعون على حمل المتشابهات على الحقيقة لا على المجاز، فهو كذب وافتراء. فهاهى ذى كلمتهم متفقة على انه يجب صرف المتشابه عن ظاهرة لقيام الأدلة القطعية عقلية ونقلية على استحالة ظاهرها فى حق الله تعالى. (ومن) هذا القبيل ما زعمه ابن تيمية فى كتابه " شرح حديث النزول " من أن اسحاق بن راهوية وعبد الله بن طاهر وجمهور المحدثين وأحمد بن حنبل يقولون: ان الله ينزل الى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش (فانه) علاوة على ما فيه من التناقض يلزم عليه اثبات المكان لله تعالى. وقد ثبت بالدليل القاطع والنقلى استحالة

كون الاله سبحانه وتعالى فى مكان والا لزم احتياجه تعالى وانقسامه، وكل منقسم مركب وكل مركب ممكن، وكل ممكن حادث. فكيف ينسب ذلك الى قادة الأمة. سبحانك هذا بهتان عظيم (ومن هنا) تزداد علما ببطلان قول ابن تيمية أيضا فى كتابه المذكور: والصواب المأثور عن سلف الأمة وأئمتها أنه لا يزال فوق العرش ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونزوله الى سماء الدنيا ولا يكون العرش فوقه أهـ. (فانه) مع كونه افتراء على سلف الأمة وأئمتها خرفات ومناقضات لا يصح صدورها ممن عنده شائبه تمييز. وهل يتصور من عنده أدنى عقل أن الله سبحانه وتعالى يكون فى سماء الدنيا بذاته مع بقاء ذاته على العرش؟ فضلا عن علماء المسلمين سلفا وخلفا على انه تعالى يستحيل عليه المكان والتحول والانتقال. وعلى انه يجب صرف المتشابهات عن ظاهرها (ومن) تمسك بظاهرها فهو مخالف للمعقول والمنقول مارق من الدين قائل بالتشبيه والتجسيم مبتغ سبيلا غير سبيل المؤمنين. قال الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (7) آل عمران (ومن غفلتهم) اعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالتحول والانتقال والنزول الى سماء الدنيا. ويستدلون على معتقدهم الفاسد بأحاديث الآحاد. مع أنها لا يصح ان يستدل بها فى العقائد. وانما يستدل بها فى الفروع باجماع أئمة الدين (قال) الامام الرازى فى كتابه اساس التقديس: (أما) التمسك بخبر الواحد فى معرفة الله تعالى فغير جائز لوجوه (الأول) أن أخبار الآحاد مظنونة، فلا يجوز التمسك بها فى معرفة الله تعالى وصفاته. وانما قلنا انها مظنونة لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين. وانما لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزا والكذب عليهم جائزا. فحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا فثبت أن خبر الواحد مظنون ووجب ألا يجوز التمسك بع فى العقائد لقوله تعالى فى شأن الكفار {ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا} (28) النجم. وقوله تعالى: {وان تقولوا على الله مالا تعلمون} (169) البقرة. فترك

العمل بهذه العمومات فى فروع الشريعة، لأنه يكتفى فيها بالدليل الظنى. ووجب ان يبقى العمل بتلك العمومات فى العقائد فقط. والعجب من الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهة غير جائز، لأن تعيين ذلك التأويل مظنون، والقول بالظن فى القرآن لا يجوز. ثم انهم يتكلمون فى ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد مع أنها فى غاية البعد من القطع واليقين. واذا لم يجوزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون، فلأن يمتنعوا عن الكلام فى ذات الحق تعالى وفى صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى اهـ. (ومن هذا) القبيل استدلالهم على دعواهم الباطلة " أن الله تعالى فىالسماء " بحديث معاوية بن الحكم قال: كانت لى جارية ترعى غنما لى قبل أحد، فاطعت ذات يوم فاذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم فصككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعظم ذلك على فقلت افلا أعتقها؟ قال ائتنى بها. فأتيته بها فقال لها أين الله؟ قالت: فى السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال. أعتقها فانها مؤمنة. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1) {19}. (فمع) كونه حديث آحاد لا يصح الاستدلال به على معرفة العقائد (هو) مصروف عن ظاهره باجماع السلف والخلف (قال) الامام ابن الجوزى الحنبلى فى كتابه " دفع شبهة التشبيه " ص 45 بعد أن روى الحديث ما نصه: قلت قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا تحويه السماء ولا الأرض ولا تضمه الأقطار. وانما عرف باشارتها تعظيم الخالق جل جلاله عندها أهـ. (وقال) الامام أبو عبد الله الأبى فى شرح صحيح مسلم فى الكلام على حديث الجارية ص 241 ج 2: أراد ¬

(¬1) ص 447 ج 5 مسند أحمد. وص 23 ج 5 نووى مسلم (تحرير الكلام فى الصلاة) وهو عجز حديث ياتى صدره رقم 5 ص 3 ج 4 دين (مبطلات الصلاة).

معرفة ما يدل على ايمانا، لأن معبودات الكفار من صنم ونار بالأرض. وكل منهم يسأل حاجته من معبوده. والسماء قبلة دعاء الموحدين، فأراد كشف معتقدها وخاطبها بما تفهمه فأشارت الى الجهة التى يقصدها الموحدون. ولا يدل ذلك على جهته ولا انحصاره فى السماء كما لا يدل التوجه الى القبلة على انحصاره فى الكعبة (وقيل) انما سألها باين عما تعتقده من عظمة الله تعالى. واشارتها الى السماء اخبار عن جلاله تعالى فى نفسها (وقال) القاضى عياض: لم يختلف المسلمون فى تأويل ما يوهم انه تعالى فى السماء كقوله (ءأمنتم من فى السماء) أهـ. (فقد) بين هذان الامامان معنى حديث الجارية بما يصح اطلاقه على الله تعالى. ونقلا الاجماع على تأويل كل ما يوهم أنه تعالى فى السماء أو جالس على العرش أو نحو ذلك من صفات الحوادث، لقوله تعالى (ليس كمثله شئ) فمن اعتقد خلاف ذلك فهو ضال مضل هالك. (وقال) الامام النووى: هذا الح 0 ديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان (أحدهما) الايمان به من غير خوض فى معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شئ وتنزيهه عن سمات المخلوقات (الثانى) تأويله بما يليق. فمن قال بهذا قال: كأن المراد امتحان الجارية (ا) هل هى موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده؟ وهو الذى اذا دعاه الداعى استقبل السماء؟ كما اذا صلى المصلى استقبل الكعبة، ليس ذلك لأنه منحصر فى السماء كما انه ليس منحصرا فى جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين (ب) أو هى من عبدة الأوثان التى بين أيديهم؟ فلما قالت: فى السماء، علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان اهـ ص 25 ج 5 شرح مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة). وقد أفردت هذا المبحث بكتاب (اتحاف الكائنات، ببيان مذهب السلف

(2) الأنبياء والرسل

والخلف فى المتشابهات. ورد شبه الملحدة والمجسمة وما يعتقدونه همن المفتريات) فمن أراد استيفاء المقام بالأدلة الساطعة، والبراهين القاطعة، والنصوص الواضحة، فلينظره. والله تعالى ولى الهداية والتوفيق. (2) الأنبياء والرسل يجب على كل مؤمن أن يعتقد أن الله تعالى قد أرسل لعباده أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين لا يعلم عددهم الا الله تعالى. قال {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (78) غافر (وأن) سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتم الأنبياء. أرسله الله تعالى للآنس والجن كافة قال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين} (40) الأحزاب. وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (28) سبأ. وقال {واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن. فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضى ولوا الى قومهم منذرين} (29) قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى الى الحق والى طريق مستقيم (30) يا قومنا أجيبوا داعى الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم (31) الأحقاف وقال تعالى {قل أوحى الى أنه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2) الجن}. (وقال) علقمة: قلت لابن مسعود: هل صحب النبى صلي الله عليه وعلي اله وسلم ليلة الجن منكم احد؟ قال ما صحبه منا احد، ولكن قد افتقدباه ذات ليلة وهو بمكة فقلنا اغتيل او استطير ما فعل به؟ فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما

اصبحنا. فاذا هو جاء من قبل حراء. قال: فذكروا له الذي كانوا فيه. فقال اتاني داعي الجن فاتيتهم فقرات عليهم، فانطلق بنا فأرانا اثارهم واثار نيرانهم. وسالوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في ايديكم اوفر ما يكون لحما. وكل بعرة او روثة علف لدوابكم. فقال صلي الله عليه وعلي اله وسلم: فلا تستنجوا بهما فانهما طعام اخوانكم من الجن. اخرجه احمد ومسلم وابو داود والترمذي. وقال حسن صحيح (¬1) {20}. وهو افضل الرسل لقوله تعالي {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين} (107) الانبياء. ومنهم الانبياء والمرسلون. وقوله {لقد جاءكم رسول من انفسكم} (128) التوبة. وقرئ (من انفسكم) بفتح الفاء وكسر السين. وقد نهي اصحابه عن خطابه كسائر الناس. قال تعالي {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} (63) النور. وكانت الامم تخاطب انبياءها باسمائهم ولم ينهوا عن ذلك {يا نوح قد جادلتنا} (32) هود {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا اتنهانا ان نعبد ما يعبد اباؤنا} (62) هود {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} (53) هود {قال اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم لن لم تنته لارجمنك} (46) مريم {اذقال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء} (112) المائدة. (وعن ابي سعيد) الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من ¬

(¬1) ص 163 ج 1 تيسير الوصول (سورة الأحقاف) و (اغتيل) مبني للمجهول أي قتل سرا (واستطير) أي طارت به الجن. و (ذكر اسم الله عليه) هذا لمؤمنيهم. واما غيرهم فطعامه مما لم يذكر اسم الله عليه كما في رواية الترمذى.

نبي يومئذ: آدم فمن سواه الا تحت لوائي، وانا اول من ينشق عنه الارض، وانا اول شافع واول مشفع. اخرجه احمد وابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح (¬1) {21}. (وعن ابن عباس) ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم وقد سمع ناسا من اصحابه يتذكرون في تفاضل الأنبياء فقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم. أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسي نجني الله وهو كذلك وعيسي روح الله وكلمته وهو كذلك، ، وأدم اصطفاة الله وهو كذلك. إلا وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة، فيفتح اله لي فيدخلنيها ومعي فقراء الؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والاخرين ولا فخر، اخرجه الدارمي والترمذي وقال: هذا حديث غريب (¬2) {22}. (وأفضل الخلق) بعد نبينا صلي الله عليه وعلي اله وسلم. سيدنا ابراهيم، ثم سيدنا موسي، ثم سيدنا عيسي، ثم سيدنا نوح، ثم سيدنا ادم ابو البشر، ثم باقي الرسل علي تفاضل بينهم. ثم سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم رؤساء الملائكة كجبريل واسرافيل. ثم رؤساء الامة المحمدية: ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة (¬3) ثم اهل بدر ثم اهل احد ثم اهل بيعة الرضوان ثم عامه الملائكة. هذا. واعلم ان جميع الصحابة عدول لا يجوز الطعن في احدهم. وما جري بينهم من الحروب انما كان باجتهاد منهم فلا يجوز الخوض ¬

(¬1) ص 2 ج 3 مسند احمد. ورقم 2693 ص 42 ج 3 فيض القدير. (¬2) ص 26 ج 1 سنن الدارمي (ما للنبي صلي الله عليه وسلم من الفضل) وص 294 ج 4 تحفة الاحوذي (¬3) (باقي العشرة) أي المبشرون بالجنة وهم الخلفاء الاربعة وطلحة والزبير وسعد ابن ابي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف. وابو عبيدة ابن الجراح.

فيه، لحديث ابن عباس ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: " من سب أصحابي لعنه الله والملائكة والناس اجمعون. اخرجه الطبراني في الكبير. وفي سنده عبد الله بن خراش وهو ضعيف (¬1) {23} هذا. وقد ايد الله تعالي كل رسول منهم بمعجزات (¬2) خارقه للعادة كناقة سيدنا صالح ونار سيدنا ابراهيم (¬3)، وعصا موسي ويده البيضاء (¬4) وفلق ¬

(¬1) ص 21 ج 1 مجمع الزوائد (اثم من سب الصحابة) (وعن عبد الله بن مغفل) ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: الله الله في اصحبي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن احبهم فبحبي احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن اذاهم فقد اذاني ومن اذاني فقد اذي الله ومن اذي الله يوشك ان ياخذه. اخرجة احمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب (24) ص 54 ج 5 مسند اجمد. وص 360 تحفة الاحوذي (من سب اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم). (¬2) المعجزة هي المر الخارق لعادة يظهره الله تعالي علي يد من يشاء من عبادة مقرونة بالتحدي عند دعوي النبوة. وهي بمثابة تصديق منن الله تعالي لمن اظهر المعجزة علي يديه فان تايد الكاذب تصديق له وتصديق الكاذب كذب والكذب علي الله تعالي محال. (¬3) قال ابن عباس رضي الله عنهما: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم عليه السلام حين القي في النار وقالها محمد صلي الله عليه وسلم حين قالوا: ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادوهم ايمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. اخرجه البخاري (4) ص 195 ج 4 فتح الباري (باب قوله الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) وقال ابن عباس: لو لم يقل وسلاما لمات ابراهيم من بردها ذكره البغوي (5) ص 498 ج 5 معلم التنزيل (قوله تعالي يا نار كوني بردا وسلاما علي ابراهيم). (¬4) عصا موسي عليه السلام ذكرها الله تعالي في غير اية قال تعالي: واذ استسقي موسي لقومه لومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثني عشرة عينا قد علم كل اباس مشربهم (60) البقرة. وقال تعالي: فالقي عصاه فاذا هي ثعبان مبين (107) ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين (108) الاعراف. وقال تعالي: واوحينا الي موسي ان الق عصاك فاذا هي تلقف ما يافكون (117) فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون (118) - الاعراف.

البحر وتفجير الماء من الحجر (¬1). كاحياء الموتي وابراء الاكمة والابرص لسيدنا عيسي (¬2)، وكانشقاق القمر لسيدنا محمد (¬3) ونبع الماء من يده الشريفة. وتكثير القليل من الطعام والشراب وتكليم الجمادات له صلوات الله وسلامه عليهم احمعين. (قال) انس رضي الله عنه: رايت رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم بوضوء فوضع يده فيه وامر الناس ان يتوضئوا منه فرايت الماء ينبع من تحت اصابعه فتوضأ الناس عن اخرهم. اخرجه الشيخان (¬4) (وقال) جابر رضي الله عنه: عطش الناس يوم الحديبية فاتوا رسول الله ¬

(¬1) قال تعالي ك واذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا ال فرعون وانتم تنظرون (50) - البقرة. وقال تعالي: فاوحينا الي موسي ان اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم (64) - الشعراء. (¬2) قال تعالي ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل (48) ورسولا الي بني اسرائيل اني قد جئتكم باية من ربكم اني اخلق لكم من الطير كهيئه الطير فانخ فيه فيكون طير باذن الله وابرئ الاكمه والابرص واحي الموتي باذن الله وائنباكم بما تاكلون وما كنتم تدخرون في بيوتكم وان في ذلك لاية لكم ان كنتم مؤمنين (49) ال عمران. (¬3) قال تعالي: اقتربت الساعة وانشق القمر (1) وان يرو اية يعرضون ويقولوا سحر مستمر (2) وكذوا واتبعوا اهوائهم وكل امر مستقر (3) ولقد جائهم من الانباء ما فيه مزدكر (4) حكمهبالغة فما تغني النظر (5) القمر (وقال ابن مسعود) انشق القمر علي ععد رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم بشقين فقال صلي الله عليه وسلم: اشهدوا. أخرجه الشيخان والترمذي (25) ص 335 ج 3 تيسير الوصول (معجزات متفرقه). (¬4) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (زيادة الطعام والشراب).

صلي الله عليه وعلي اله وسلم وبين يديه ركوة وقالوا ليس عندنا ما نتوضا به ولا نشرب الا ما في ركوتك، فوضع صلي الله عليه وعلي اله وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين اصابعة كامثال العيون فتؤضانا وشربنا. قيل لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة الف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. أخرجه الشيخان (¬1) {27}. وقال ابي هريرة رضي الله عنه كنا مع النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم في مسير فنفدت ازواد القوم حتي هموا بنحر بعض حمائلهم فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من ازواد القوم فدعوت الله عليها، ففعل. فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره، وذو النواه بنواته. قيل: ما كاموا يصنعون بالنوي؟ قال كانوا يمصونه ويشربون عليه ماء. فدعا عليها حتي ملاء القوم مزوادهم فقال عند ذلك " اشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله، لايلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنه. اخرجه مسلم (¬2) {28}. (وقال) جابر رضي الله عنه: كنا في حفر الخندق فرأيت برسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم خمصا شديدا فانكفات الي امراتي فقلت هل عندك شئ؟ فاني رايت برسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم خمصا شديدا فاخرجت الي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة دواجن فذبحتها وطحنت الشعير، ففرغت الي فراغي وقطعتها في برمتها. ثم وليت الي رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم. فقالت لا تفضحني برسول الله صلي الله عليه وعلي اله ¬

(¬1) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (زيادة الطعام والشراب) و (الركوة) بفتح فسكون ما يعد للماء وجمعها، ركاء وركوات بفتحات. (¬2) ص 331 ج 3 تيسير الوصول (زيادة ا=-0 لطعام والشراب - المعجزات) و (المزاود) جمع مزود بكسر فسكون، ما يجعل فيه الزاد.

وسلم وبمن معه. فجئته فساررته فقلت يا رسول ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا. فتعال انت ونفر معك، فصح رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم فقال: " يا اهل الخندق، أن جابرا قد صنع سورا فحيهلا بكم " ثم قال صلي الله عليه وعلي اله وسلم: لاتنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتي اجئ وجاء رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم يقدم الناس حيث جئت امراتي فقالت: بك وبك. فقلت: قد فعلت الذي قلت الذي فاخرجت له العجين فبصق فيه وبارك. ثم عمد الي برمتنا فبصق فيها وبارك. ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، فاقسم بالله لاكلوا حتي تركوه وانحرفوا، وان برمتنا لتعظ كما هي، وان عجيننا ليخبز كما هو. أخرجه الشيخان (¬1) { 29}. ¬

(¬1) ص 331 ج 3 تيسير الوصول. و (الخمص) بضم فسكون او بفتحتين او بفتح فسكون الجوع. " فانكافات" أي رجعت الي امراتي واسمها سهيله و (البهيمة) تصغير بهمة وهى ولد الضان ذكراً كان او انثى 0 (والداجن) الشاة التى تالف البيت وتتربى فية (ففرغت) اى فرغت امراتى من طحن الشعير مع فراغى من ذبح البهيمة 0 و (البرمة) بضم الباء القدر 0 و (لا تفضحنى برسول الله) تعنى تحزيرة من ان ياتى بمن لا يكفيهم الطعام القليل الذى عندها. (والسور) بالضم غير مهموز - كلمة فارسية - معناها الوليمه والطعام الذي يدعي اليه .. قال الازهري: فيه ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قد تكلم بالفارسية. وقد يهمز اشارة الي القلة كانه بقيه. وحيهلا أي تعالوا وعجلوا. و (بك وبك) أي فعل الله بك كذا وفعل بك كذا. وهذا كنايه عن الكلام الذي عاقبت به زوجها حيث خالف قولها: لا تفضحني برسول الله. و (بارك) أي دعا بالبركه وغطت القدر، غلت. وغطيتها، صوتها. ...

(وقال) ابو هريرة رضي الله عنه: اتيت النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم يوما بتمرات فقلت: يا رسول الله، ادع الله بالبركة، فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة. فقال خذهن واجعلهن في مزودك هذا، وكلمااردت ان تاخذ منه شيئا فادخل فيه يدك فخذ ولا تنثره نثرا، ففعلت فقد حملت منه كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا ناكل منه ونطعم. وكان لا يفارق حقوى حتي كان يوم مقتل عثمان رضي الله عنه فانه انقطع فسقط فحزنت عليه. اخرجه الترمذي وقال: هذا حديث غريب (¬1) {30} (وقال) علي رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم: بمكه فخرجنا معه في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر الا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله. اخرجه الدارمي والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لكنه روى من عدة طرق (¬2) {31} (وقال) جابر بن سمرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم: ان بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت، اني لاعرفه الان. اخرجه احمد ومسلم والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب (¬3) {32} (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: جاء اعرابي الي رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم فقال بم اعرف انك رسول الله؟ قال ان ادعوا هذا العذق من ¬

(¬1) ص 332 ج 3 تيسير الوصول (زيادة الطعام والشراب) و (المزود) القربه و (الحقو) بفتح فسكون، موضع شد الازار وهو الخاصرة. ثم سمي به الازار. (¬2) ص 12 ج 1 سنن الدارمي (ايمان الشجر به صلي الله عليخ وعلي اله وسلم) وص 329 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له). (¬3) ص 329 منه. وص 95 ج 5 مسند احمد.

النخله فا شيهد لى أنى رسول الله، فده فجعل العذق ينزل من النخله حتى سقط الى رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله. ثمقال له رسول الله صلى الله عنيه ولى اله وسلم: ارجع الى موضعك فعاد الى موضعه والتأم فاسلم الأعربى. اخرجه الترمذي وقال: هذا حسن غريب صحيح (¬1) {33}. (وقال) معن بن عبد الرحمن: سمعت أبى رحمه الله يقول: سآلت مسرقا: من آذن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجن لينا استمعوا القرآن؟ فقال: حدثنى أبوك يعنى ابن مسعود أنه قال: آذنت بهم شجرة. أخرجه الشيخان (¬2) {34}. (وقال) أنس رضى الله عنه: خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى لزق جذع. فلما صنعوا له المنبر فخطب عليه حن الجذع حنين الناقة، فنزل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمسه فسكن. أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح (¬3) {35}. (وله) صلى الله عليه وعلى آله وسلم معجتزات كثيرة غير ما ذكر. أهمها وأفضلها القرآن: فانه المعجزة المستمرة الى قرب القيامة وقد تحدى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم العرب الى معارضته وأحدهم بالاتيان بمثل أقصر سورة منه. فاستولى عليهم العجز وبلغ منهم العى مبلغه وخرست ألسنتهم فلم تحر جوابا قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} 88 - الاسراء. ¬

(¬1) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له صلى الله عليه وسلم) و (العذق) بكسر فسكون: السباطة. و (الى لزق) بكسر فسكون أى الى جنبه. (¬2) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له صلى الله عليه وسلم) و (العذق) بكسر فسكون: السباطة. و (الى لزق) بكسر فسكون أى الى جنبه. (¬3) ص 330 ج 3 تيسير الوصول (تكليم الجمادات له صلى الله عليه وسلم) و (العذق) بكسر فسكون: السباطة. و (الى لزق) بكسر فسكون أى الى جنبه.

وقال: (أم يقلون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) 13 - هود. وقال: {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} 23 - البقرة. (وانما) كان القرآن معجزا لأنه فى أعلى طبقات الفصاحة والبلاغة (¬1)، وهى توخى معانى الألفاظ وأسرار التركيب وترتيب الكلام حسبما تقتضيه المقاصد والأغراض. وهذه هى المزية التى امتاز بها عن سائر الكلام. فعجز المعاندون من العرب عن معارضته مع شهرتهم وامتيازهم عن غيرهم وتفوقهم فى الفصاحة. ولا يلتفت الى ما قاله بعض الكفرة المعاندين من انه شعر وكهانة وأساطير. فانهم قوم لا يعقلون ولا يفقهون. ولو عقلوه وتدبروه ما وسعهم الا الايمان به: (غانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور) (46) الحج. ¬

(¬1) قال القاضى عياض فى الشفاء: اعلم أن القرآن منطو على وجوه مكن الاعجاز كثيرة أهمها اربعة: (أولها) حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه وبلاغته الخارقة (اى المتجاوزة) عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن (الثانى) صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب وكل من هذين النوعين الايجاز والبلاغة بذاتها والاسلوب الغريب بذاته نوع اعجازه على التحقيق. لهم تقدر العرب على الاتيان بواحد منهما (الثالث) ما انطوى عليه من الاخبار بالمغييات وما لم يكن فوجد كما ورد (الرابع) ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البادية والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة الا اللفذ من أحبار أهل الكتاب الذى قطع عمره فى تعلم ذلك فيورده صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وجهه ويأتى به على نصه وهو أمى لا يقرأ ولا يكتب: فهذه الوجه الأربعة من اعجازه بينه لا نزاع فيها. انظر ص 542 وما بعدها ج 1 شرح الشفاء للقارى.

وقال: (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) 46 - النور. وقد رد الله عليهم فى أكثر من آية. قال تعالى: (انه لقول رسول كريم (40) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا يقول كاهن قليلا ما تذكرون (42) (تنزيل من رب العالمين) (43) - الحاقة. صفات الرسل يجب فى حقهم عليهم الصلاة والسلام أربع صفات. (أ) الصدق فى كل الأقوال ولو عادية " لأن ما ظهر على أيديهم من المعجز - وهى امر خلقه الله تعالى " مخالف للعادة مقرون بالتحدى اى واقع عند دعوى الرسالة مع عدم امكان معارضته بمثله " منزل " منزلة قول الله تعالى: صدق عبدى فى كل ما بلغه عنى. كتظليل الغمام وانشقاق القمر وغيرهما مما تقدم. (ب) ويجب فى حقهم العصمة - أى الأمانة - وهى حفظ الله تعالى ظواهرهم وبواطنهم من المعاصى كبيرها وصغيرها (¬1)، لأن الله تعالى أمرنا بالاقتداء بهم فى أقوالهم وأفعالهم غير الخاصة بهم. قال تعالى: {قل ان كنتم تحبون الله ¬

(¬1) قال فى العقد الثمين: ان الله تعالى قد نزههم عن كل وصمة ونقص فهم معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها على المختار. وما وقع فى قصص بعضهم من بعض المفسرين لا يلتفت اليه (وما جاء) فى القرآن من اثبات العصيان لآدم ومن معاتبه جماعة منهم على أمور فعلوها (فانما) هو من باب أن للسيد أن يخاطبل عبده بما يشاء وأن يعاتبه على خلاف الأولى معاتبة غيره على المعصية كما قيل: ان حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولا خلاف بين العلماء فى عصمتهم عن تعمد الكبائر وانما الخلاف فى أن عصمتهم عن ذلك بدليل السمع أو بدليل العقل (فالأول) مذهب أهل السنة (والثانى) قول المعتزلة. واما وقوع الصغائر فجوزه البعض. والمحققون من المحدثين لم يجوزا الا وقوع الصغائر سهوا. وما الكبار مطلقا الصئغائر عمدا فلا وعلى ذلك الكثير.

فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (31) - آل عمران. وقال {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} 158 - العراب. وقال: {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى} 157 - الأعراف. وقال: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} 21 - الأحزاب. وقال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} 90 - النعام. وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم هعنه فانتهوا} 7 - الحشر. والله سبحانه وتعالى لا يأمنر بمعصية. قال تعالى: {ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} 28 - الأعراف. (جـ) ويجب فى حقهم عليهم الصلاة والسلام تبليغ كل ما لأمروا بتبليغه الى الخلق قال الله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالته} 67 - المائدة. (وعن معاوية) رضى الله عنه أن النبى صلى عليه وعلى آله وسلم قال: انما أنا مبلغ والله يهدى وانما أنا قاسم والله يعطى. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسندين أحدهما حسن (¬1) {36}. (د) ويجب فى حقهم الفطانة وهى ملكة يقتدر بها على اقامة الحجة على الخصم واقناعه بالحق، لأن الله تعالى اختارهم للنبوة والرسالة وتعليم الخلق فلا بد أن يكونوا أهلا لذلك. (ويستحيل) فى حقهم عليهم الصلاة والسلام أضداد هذه الصفات للأدلة السابقة، فيستحيل فى حقهم الكذب، والعصيان بارتكاب كبيرة أوة صغيرة ¬

(¬1) ص 263 ج 8 مجمع الزوائد يهدى (حديث أنا مبلغ والله يهدى).

ظاهرية أو باطنية (¬1) (ويستحيل) عليهم البلادة، وكتمان شئ مما أمروا بتبليغه للخلق، قال تعالى: {ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (159) - البقرة. (ويجوز) فى حقهم عليهم الصلاة والسلام كل وصف بشرى لا يؤدى الى نقص فى مراتبهم العلية: كالأكل والشرب والمشى فى الأسواق والنوم والجوع والعطش والجماع الحلال والمرض غير المنفر والبيع والشراء والسهو للتشريع وبيان ما يترتب عليه كما وقع للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى الصلاة. وكذا النسيان فى غير الأحكام التى لم تبلغ. قال تعالى (وما أرسلنا قبلك من المرسلين الا انهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق) (20) الفرقان. وقال عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} (38) - الرعد (وفى حديث) عائشة رضى الله عنها. قلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة ان عينى تنامان ولا ينام قلبى. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى (¬2) {37} (وقال) ابن عباس رضى الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) قال فى العقد الثمين: ويستحيل عليهم الكذب والا لم يكونوا أمناء ونحية سبحانه. وقد علم الله سبحانه منهم الصدق والأمانة فاختارهم لتبليغ رسالته وحفظ أمانته وأمرنا بالاقتدار بهم فى أقوالهم وأفعالهم. ومن المعلوم أن علمه تعالى محيط بما لا نهاية له فلزم أن تصديقه تعالى لهم لما علمه منهم وأن جميع أقوالهم وأفعالهم على وفق مات يختاره سبحانه وتعالى ويرضاه. (¬2) ص 22 ج 3 فتح البارى (قيام النبى صلى الله عليه وسلم بالليل) وص 17 ج 6 نووى مسلم (صلاة الليل والوتر) وص 269 ج 7 - المنهل العذب (صلاة الليل).

يبيت الليالى المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمزى وصححه (¬1) {38}. (وفى حديث) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: انه لو حدث فى الصلاة شئ أنبأتكم ولكن " انما أنا بشر أنسى كما تنسون، فاذا نسيت فذكرونى " أخرجه السبعة الا الترمذى (¬2) {39}. (وعن) ابى أيوب الانصارى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أربع من سنن المرسلين: التعطر والنكاح والسواك والحياء " أخرجه أحمد والترمذى والبيهقى (¬3) {40}. (وحكمة) اتصافهم بما ذكر، التشريع لأممهم واظهار فضلهم والتنبيه على خسة الدنيا عند الله تعالى وعدم رضاه بها دار جزاء لأنبيائه وأوليائه (¬4). ¬

(¬1) رقم 6960 ص 99 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) ص 128 ج 4 - الفتح الربانى. وص 341 ج 1 فتح البارى (التوجه نحو القبلة وص 61 ج 5 نووى مسلم (السيهو فى الصلاة) فى ص 146 ج 6 - المنهل العذب. وص 184 ج 1 مجتبى. وص 189 ج 1 سنن ابن ماجه (من شك فى صلاته). (¬3) ص 421 ج 5 مسند أحمد. ورقم 919 ص 465 ج 1 فيض القدير. (¬4) قال فى العقد الثمين: وفى حصول الأعراض لهم رفع لدرجاتهم من غير قدح فى رسالتهم اذ لا يخل شئ من الاعراض البشرية بمنصبهم ولا يمتنع فى حقهم الا ما يقدح فى ثبوت الرسالة. وليس فى ذلك الا مضاعفة الاجور (وفيه) أيضا أعظم دليل على صدقهم عليهم الصلاة والسلام وأنهم مبعوثون من عند الله تعالى وأن تلك الخوارق التى ظهرت على أيديهم هى بمحض خلق الله تعالى تصديقا لهم عليهم الصلاة والسلام اذ لو كانت لهم قوة على اختراعها لدفعوا عن أنفسهم ما هو أيسر منها من الأمراض والجوع وألم الحر والبرد وغير ذلك مما سلم منه كثير ممن لم يتصف بالنبوة (وفيه) أيضا رفق بضعفاء العقول لئلا يعتقدوا فيهم الألوهية بما يرون لهم من الخوارق والخواص التى =

(3) السمعيات

(3) السمعيات هى أمور لا تعرف الا من طريق النقل من كتاب أو سنة، لا يقبل ايمان عبد حتى يصدق بها تصديقا جازما. المذكور منها هنا ستة: ¬

= اختصهم الله تعالى بها، ولهذا رد سبحانه وتعالى على النصارى قولهم بألوهية عيسى وأمة بافتقارهما الى الأغراض البشرية من أكل الطعام وغيره. هذا والحق أن أفعال الرسل دائرة بين الايجاب والندب لا غير، لأن المباح لا يقع منهم عليهم الصلاة السلام بمقتضى الشهوة فقط كما يقع من غيرهم. بل لا يقع منهم الا مصاحبا لنية يصير بها قربة. وأقل ذلك أن يقصدوا التشريع. وذلك من قربة التعليم. والمؤمن اذا نوى بمباحات جميعا مثل ذلك من النيات أنقلبت طاعات كما اذا نوى بنومه وأكله وشربه التقوى على طاعة الله فانه يكون عبادة .. فكيف بسيد المرسلين الذى فاق يالقيام بحقوق العبودية جميع البرية (وقد) ثبت أنه تورمت قدماه من كثرة قيامه لمولاه مع ما حباه وأولاه (وأعلم) أنه وان جاز لحوق الامراض بهم فهى لا تتعدى أبدانهم الشريفة الى قلوبهم باعتبار ما فيها من المعارف فلا يخل المرض بشئ منها ولا يكدر عليها صفوها ولا يوجب لهم ضجرا ولا ضعفا لقواهم الباطنة. وكذلك النوم والجوع لا يستوليان على قلوبهم. ولهذا كانت تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. وكان النبى صلى الله عليه وسلم ينهى غيره عن الوصال فى الصوم مع أنه كان يفعله قائلا: " أنى لست مثلكم انى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى ". أخرجه أحمد والشيخان عن أبى هريرة [41] يأتى بالصوم رقم 92 (وصال الصوم) ص 312 ج 8 دين. وانما تصاب ظواهرهم بالأمراض تعظيما لاجرهم والله تعالى قادر على أن يكون ثواب من غير ذلك. ولكنه اختار ذلك سبحانه لحمة لو لم يكن منها الا زيادة تصديقهم والرفق بضعفاء العقول من تابعيهم لكفى (وفيه) أيضا تشريع للأمة ليكون لهم قدوة فلا يضجروا عند نزول الحوادث وليصبروا كما صبر من هو أفضل وأعلى منهم (الأنبياء) وليعلموا قيمة الدنيا وأنها حقيرة عند الله تعالى. ففى الحديث: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " أخرجه الترمذى عن سهل بن سعد [42] ص 261 ج 3 تحفة الأحوذى (هو ان الدنيا على الله - الزهد).

(أ) الملائكة

(أ) الملائكة: وهم عالم غيبى لا يعلم حقيقته الا الله تعالى. لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة. خلقوا من نور (لحديث) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلمن قال: ان الملائكة قالت: يا ربنا أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون ويشربون ويركبون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة. قال لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدى كمن قلت له كن فكان. أخرجه الطبرانى فى الكبير (¬1) {43}. (وعن) عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {44}. وهم كما وصفهم الله تعالى (عباد مكرمون (26) (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره ويعلمون) (27) الأنبياء. وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (6) التحريم. لهم القدرة على التشكل بالصور ¬

(¬1) قال الشهاب الالوسى: ثبت فى الصحيح أنه سبحانه قال فى جواب الملائكة: " اجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة " وعزتى وجلالى لا أجعل من خلقته بيدى كمن قلت له كن فكان. ص 374 ج 7 روح المعانى. و (قال يا ابليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) وأخرج البغوى نحوه عن جابر. انظر ص 230 ج 2 مصابيح السنة (بدء الخلق وذكر الأنبياء). (¬2) ص 123 ج 18 نووى مسلم (أحاديث متفرقة - الزهد). و (المارج) لهب النار الخالص من الدخان.

الجميلة كما فى حديث جبريل (¬1) ولقوله تعالى (قالوا يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا إليك) (81) هود. أى قالت الملائكة لسيدنا لوط عليه السلام حين جاءوه على هيئة رجال حسان الوجوه فى صفة أضياف لأجل اهلاك قومه. وقوله تعالى (فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) (¬2) جردهم الله تعالى من الشهوات وجبلهم على الطاعات. " وقوله " تعالى فى حق سيدنا آدم عليه السلام حكاية عن الملائكة (قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء) (30) البقرة " ليس من الغيبة بل القصد التعجب والاستفسار لعدم علمهم بحكمة خلقه " وتعليم " هاروت وماروت الناس السحر على القول بأنهما من الملائكة " انما كان " ابتلاء من الله عز وجل ولئلا يغتر أحد بعمل المبطلين. وذلك أن السحرة كثرت فى ذلك الزمان. ومنهم من ادعى النبوة. فبعث الله هذين الملكين ليعلما الناس السحر ليتمكنوا من معارضة الكذابين {وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر} (102) البقرة. فمن عمل بما تعلم منه واعتقد حقيقته كفر. ومن توقى عن العمل به واتخذخ ذريعة للاتقاء عن الاغترار بمثله، بقى على الايمان ولا يكفر باعتقاد حقيقته وجواز العمل به (فائدة) مستقر الملائكة فى الدنيا السموات، وينزلزن الى الأرض بأمر الله تعالى. ومستقرهم فى الآخرة الجنات، وهم أنواع: منهم المسبح والمكبر ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 9 ص 11 - أن جبريل جاء الى مجلس النبى صلى الله عليه وسلم فى صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر. ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم. (¬2) مريم: آية 17 - أى أرسل الله الى مريم جبريل (فتمثل لها بشرا سويا) مستوى الخلق لم يفقد من صفات الانسان شيئا.

والمهلل والراكع والساجد والقائم وحملة العرش والحافون حوله، وأمنا الوحى، والسياحون فى الجهات، والموكلون بالأرواح والأرزاق والأمطار (ومنهم الحفظة وهم ملائكة تتعاقب على الانسان ليحفظوه بأمر الله تعالى، ويدفعون عنه كل مكروه، واذا جاء القدر تخلو عنه، والراجح أنهم عشرة بالليل وعشرة بالنهار. قال تعالى (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) (61) الأنعام. وقال: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) (11) الرعد. أى بأمره (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. ويجتمعون فى صلاة الفجر وصلاة العصر. ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم. كيف تركتم عبادى؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. أخرجه الشيخان والنسائى (¬1) {45}. (فعليك) ايها العاقل أن تتذكر نعمة ربك عليك، وتديم شكره على ما أولاكم وأن تجتهد فى طاعته ليديم عليك نعمته، وأن تكرم حفظتك بالبعد عن معصية ربك، ففى الحديث " ان معكم من لا يفارقكم الا عند الخلاء، وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم " ذكره ابن هكثير (¬2) {46}. (ومنهم) الكتبة وهم ملكان عن اليمين والشمال صاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات. قال تعالى: (اذ يتلقى المتلقيات عن اليمين وعن الشمال قعيد) (17) (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) (18) ق. وقال تعالى: (وان عليكم لحافظين (10) كراما ¬

(¬1) ص 23 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة العصر). وص 133 ج 5 نووى مسلم. (¬2) ص 503 ج 4 تفسير ابن كثير (له معقبات من بين يديه ومن خلفه).

(ب) الجن

كاتبين (11) (يعلمون ما تفعلون) (12) الانفطار. فاتق الله أيها العاققل وخف ربك واعمل بما يرضيه، واردع نفسك عن شهواتها حيث علمت أن عليها شاهدين على عملها يسطران عليك ما يصدر منك خيرا أو شرا. وتذكر يوم يقال لك (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (14) الاسراء. هذا. والأنبياء أفضل من الملائكة عقلا ونقلا، لأن الانبياء ركبت فيهم الشهوة البشرية، وقد تغلبت عليها عقولهم الشريفة، فعصموا من الوقوع فى المخالفة بخلاف الملائكة فانهم جردوا من الشهوات وجبلوا على الخيرات وقد أمرهم الله بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام. وقال تعالى: {ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين} (33) آل عمران والملائكة من العالمين. (ب) الجن: هم عالم غيبى لا يعلم حقيقتهم الا خالقهم. خلقوا من النار يأكلون ويشربون وينامون. ومنهم الذكور والاناث، والصالح والطالح، والمؤمن والكافر. وهم فى التكليف كالآدميين. لا يرون على فطرتهم. قال تعاغلى: (انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) (27) الأعراف. حضر فى بدء البعثة وفد منهم وسموعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يرهم وقت حضورهم، ولم يعلم بوجودهم (قال) ابن عباس رضى الله عنهما: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الجن ولا رآهم. انطلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت السياطين الى قومهم فقالوا مالكم؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا ما ذلك الا من شئ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا

(جـ) الأجل

القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا الى قومهم (فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا (1) (يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) (2) الجن. فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قل أوحى الى آنه استمع نفر من الجن) أخرجه الشيخان والترمذى (¬1) {47}. وهذا الذى حكاه ابن عباس رضى الله عنهما، انما هو أول ما سمعت الجن قرءاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلمت حاله وفى ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم. ثم بعد ذلك أتاه داعى الجن فقرأ عليهم القرآن ودعاهم الى الله عز وجل (¬2) ويشهد له ماتقدم عن ابن مسعود رضى الله عنه (¬3). (جـ) الأجل: يجب الايمان بأن الانسان وسائر الحيونات والجن والملائكة لايموت احد منهم حتي احد منهم حتي يتم اجله الذي قدره الله له (فاذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون) (61) النحل. وان ملك الموت هو الذي يقبض الارواح بامر الله تعالي، وله اعوان من الملائكة لكرام، وأن كل إنسان يشاهد حال احتضاره مكانه الذي سيصير اليه ويخلد فيه من الجنه أو النار، (قال) البراء بن عازب: خرجنا مع النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم في جنازه رجل من الانصار فانتهينا الي القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم وجلسنا حولهوكان علي رؤسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الارض فرفع راسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين او ثلاثا، ثم قال ان العبد المؤمن اذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الاخره، نزل اليه ملائكة من ¬

(¬1) ص 176 ج 1 تيسير الوصول (سورة الجن). (¬2) انظر ابن كثير فى تفسير (واذ صرفنا اليك نفرا من الجن). (¬3) تقدم رقم (20) ص 51 (الأنبياء والرسل).

السماء بيض الوجوه كان وجوههن الشمس معهم كفن من اكفان الجنه وحنوط (¬1) من حنوط الجنة حتي يجلسوا منه مد البصر. ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتي يجلس عند راسه، فيقول ايتها النفس الطيبة اخرجي الي مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فياخذها، فاذا اخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتي ياخذها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كاطيب نفحه مسك وجدت علي وجه الارض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون علي ملامن الملائكة الا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون فلان بن فلان باحسن اسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتي ينتهوا بها الي السماء الدنيا حتي ينتهوا بها الى السماء الدنيا فيستفتحون له , فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربها الى السماء التى تليها حتى ينتهى به الى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوه الى الارض , فأنى منها خلقته , وفيها اعيدوه ومنها اخرجهم تارة اخرى. قال: فتعاد روحه فى جسده فيأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربى الله فيقولان له وما دينك؟ فيقول دينى الاسلام , فقولان له ما هذا الرجل الذى بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , فيقولان له: وما علمك؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادى مناد في السماء أن صدق عبدي فافر شوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلي الجنة. قال فيأتيه من روحها (¬2) وطيبها ويفسح له فلا قبرة مد بصره. قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب ويفسح الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: له: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير؟ ¬

(¬1) (حنوط) كرسول، طيب يخلط للميت خاصة. وكل ما طيب به الميت من مسل وغيره (¬2) (الروح) بفتح الراء وسكون الواو. الرحمة. (الروح) بفتح الراء وسكون الواو. الرحمة.

فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلي أهلي ومالي. قال: وان العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل أليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح (¬1) فيجلسون منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلي سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود (¬2) من الصوف المبلول، فيأخذها. فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفه عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة آلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به إلي السماء الدنيا، فيستفتح له فلان يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (¬3) " فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلي، فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق) (31) الحج. فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى؟ فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى، فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلي النار، فيأتيه من حرها وسموها هو يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن ¬

(¬1) (المسوح) جمع مسح كحمل وحمول، الثوب الخشن .. (¬2) (السفود) بوزن التنور، الحديدة التي يشوى بها اللحم. (¬3) الأعراف آية 40. وسم الخياط ثقب الابرة.

(د) سؤال القبر ونعيمه وعذابه

الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة. أخرجه أحمد واخرج أبو داود صدره (¬1) {48}. (د) سؤال القبر ونعيمه وعذابه يجب الإيمان بأن أول ما ينزل بالميت بعد موته سؤال منكر ونكير بأن يرد الله عليه روحه وسمعه وبصره، ثم يسألانه عن دينه وربه ونبيه، فأما أن ينعم أو يعذب، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد الشهرة " منها " ما تقدم عن البراء " ومنها " حديث عثمان رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فانه الآن يسأل. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وصححه (¬2) {49}. (وحديث) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وانه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له انظر إلي مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا ويفسح له في قبره سبعون ذراعا وتملأ عليه خضرا إلي يوم يبعثون. وأمام الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس. فيقال له لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصبح صيحة يسمعها من ¬

(¬1) ص 287 ج 4 مسند أحمد. وص 62 ج 9 - المنهل العذب (كيف يجلس عند القبر). (¬2) ص 73 منه (الاستغفار عند القبر) وص 56 ج 4 بيهقى (ما يقال بعد الدفن).

يليه غير الثقلين ويضيق عليه قبره تختلف أضلاعه. أخرجه وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي (¬1) {50}. (وعن عائشة) رضى الله عنا قالت: سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن عذاب القبر فقال: إن عذاب القبر حق وانهم يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم (الحديث) أخرجه الشيخان والنسائي (¬2) {51}. (وعن) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن الموتى ليعذبون فى قبورهم حتى أن البهائم لتسمع أصواتهم. أخرجه الطبرانى في الكبير بسند حسن (¬3) {52}. هذا. والمنعم والمعذب عند أهل السنة الجسد والروح جميعا. (واعلم) أنه وردت أحاديث دالة على اختصاص هذه الأمة بالسؤال في القبر دون المم السابقة. قال العلماء: السر فيه أن الأمم كانت تأتيهم الرسل فان أطاعوهم فالمراد. وان عصوهم اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب. فلما أرسل الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أمسك عنهم العذاب وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أخلص أم لا، وقيض لهم من يسألهم في القبور ليخرج الله سرهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب. وذهب ابن القيم إلي عموم المسألة (¬4) {54}. ومما تقدم يستفاد أن لأهل القبور حياة بها يدرك أثر النعيم والعذاب، ولو تفتت أجسادهم. وهو أمر غيبي لا نبحث عن كيفيته. وحال صاحبه كحال النائم يرى ¬

(¬1) ص 308 ج 3 تيسير الوصول (سؤال منكر ونكير) (ولا تليت) آي ولا اتبعت من يعرف فقلت مثل قوله. (¬2) ص 306 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر). (¬3) ص 56 ج 3 مجمع الزوائد (العذاب في القبر). (¬4) انظر ص 160 ج 2 سبل السلام طبعة صبيح.

(هـ) اليوم الآخر

الملاذ والمؤلمات، ولا يرى من بجواره شيئا. وإنما ستر عنا رحمة بنا " روى " أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر. أخرجه أحمد والنسائي (¬1) {53}. هذا. ولا يسألا الأنبياء والصالحون والصبيان والشهداء. لحديث راشد بن سعد عن صحابي أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم ألا الشهيد؟ فقال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. أخرجه النسائي (¬2) {54} (هـ) اليوم الآخر: هو يوم القيامة. وأوله من الموت، لحديث هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان رضى الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكى وتذكر القبر فتبكى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " القبر أول منزل من منازل الآخرة. فان نجا منه فما بعده أيسر. وان لم ينج منه فما بعده أشد منه " وقال صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه " أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه رزين وزاد: قال هانئ: سمعت عثمان ينشد: فإن تنج منها من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا (¬3) {55} ¬

(¬1) ص 103 ج 3 مسند أحمد. وص 307 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر) و (إن لا تدافنوا) لا يحتمل أن تكون زائدة والمعنى لولا الخوف من الموت والدفن بسبب سماع ذلك لدعوت. ويحتمل أن تكون زائدة والمعنى لولا الخوف ترك دفن موتاكم لما يحصل لكم من الفزع والأهوال لدعوت. . الخ. (¬2) ص 289 ج 1 مجتبى (الشهيد) و (يفتنون) أي يمتحنون بالسؤال في القبر و (كفى ببارقة السيوف .. ) أي بالسيوف البارقة، والمعنى أن ثباتهم فى الصف وبذلهم أرواحهم لله تعالى دليل أيمانهم فلا حاجة إلي سؤالهم. (¬3) ص 306 ج 3 تيسير الوصول (عذاب القبر).

وقيل أوله من النشر " الخروج من القبور " وآخر دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. ولا يعلم وقت مجيئه إلا الله تعالى، ليكون الإنسان منه على وجل. قال تعالى (أن الله عنده علم الساعة) (34) لقمان. أي لا يعلم وقت مجيء القيامة ألا الله تعالى، وقال: (يسألونك عن الساعة أيان مرسها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتا ألا هو، ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم ألا بغتة: يسألونك كأنك حفى عنها قل أنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (¬1). (وعن بريدة) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل: (أن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام. وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا، وما تدرى نفس بآي أرض تموت، إن الله عليم خبير) أخرجه أحمد بسند صحيح (¬2) {56}. والكلام بعد ينحصر في أشراط الساعة ومشتملات القيامة: ¬

(¬1) العراف 187. و (ايان مرساها) اى متى يكون منتهاها (لا يجليها) اى لا يكشفها ولا يظهرها فى وقتها الا الله تعالى. (ثقلت) اى ثقل علمها وخفى أمرها و (عنها) متعلق بيسألونك، اى يسألونك عنها كانك عالم بها. يقال: أخفيت فى المسألة بالغت فيها حتى علمتها. (¬2) ص 230 ج 18 - الفتح الربانى.

(أ) أشراط الساعة

(أ) أشراط الساعة للقيامة علامات صغرى وكبرى (أ) (فمن الصغرى) ما في حديث جبريل قال: فأخبرني عن إماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البينيان (¬1) (ومنها) ما في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويكثر النساء، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد. أخرجه السبعة إلا أبا داود وقال الترمذى: حسن صحيح (¬2) {57}. (وما في) حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يفيض المال، وتظهر الفتن، ويكثير الهرج قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل القتل ". أخرجه ابن ماجة بسند صحيح (¬3) {58}. (وعنه) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج- وهو القتل- حتى يكون فيكم المال فيفيض " أخرجه الشيخان (¬4) {59}. (ومنها) عدم البركة في الوقت وإضاعته في اللهو واللعب، وهو المراد بما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ¬

(¬1) تقدم رقم 9 ص 11 (قوام الدين ثلاثة). (¬2) انظر رقم 7424 ص 532 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) ص 258 ج 2 سنن ابن ماجه (أشراط الساعة) و (الهرج) بفتح فسكون. (¬4) ص 355 ج 2 فتح البارى (ما قيل فى الزلازل والآيات).

واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة من النار ". أخرجه أحمد والترمذى وقال هذا حديث غريب (¬1) {60}. (ومنها) إسناد الأمور لغير أهلها " روى " أبو هريرة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " متى الساعة؟ فقال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها؟ قال إذا أسند الأمر لغير أهله فانتظر الساعة ". أخرجه البخاري (¬2) {61}. (ومنها) ما في حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ارض الحجاز تضئ أعناق الإبل ببصري ". أخرجه الشيخان (¬3) {62}. (قال النووي) هذه النار آية من أشراط الساعة، وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت نارا عظيمة جدا، خرجت من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع اهل الشام وسائر البلدان (¬4). (ومنها) ما في حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ¬

(¬1) (ص 221 ج 3 تيسير الوصول متفرقة ... ) و (الضرمة) ففتحتين، احتراق السعفة (ورقة الجريدة اليابسة) والضرام - بالكسر: اشتعال النار فى الحلفاء ونحوها. (¬2) ص 263 ج 11 فتح البارى (رفع الأمانة - الرقاق). (¬3) ص 219 ج 3 تيسير الوصول (خروج النار قبل الساعة). و (بصرى) بضم فسكون: مدينة بالشام. (¬4) ص 28 ج 18 شرح مسلم (الفتن وأشراط الساعة).

"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفى فتعال فاقتله آلا الغرقد فانه من شجر اليهود". أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم (¬1) {63} (ب) علاماتها الكبرى: (روى) حديقة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لن تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى بن مريم والدخان وثلاثة خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن من فعر عدن تسوق الناس إلي المحشر. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والطيالسى (¬2) {64}. وأهمها ست هاك بيانها: 1 - طلوع الشمس من المغرب: هي أول الآيات الكبرى ظهورا، روى عبد\ الله بن عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن أول ¬

(¬1) ص 44 ج 18 نووى مسلم (الفتن وأشراط الساعة) و (الغرقد) بفتح فسكون نوع من الشجر له شوك عظيم معروف ببلاد بيت المقدس. وهناك يكون قتل اليهود. وكلام الحجر والشجر حقيقى بان ينطقه الله تعالى وهو على كل شئ قدير. ويحتمل ان يكون كناية عما يكون من عدم تمكن اليهود من الفرار والاختباء بأن يدركهم المقاتلون فى يتمكن أحد من الفرار. (¬2) ص 27 ج 18 نووى مسلم (الفتن وأشراط الساعة). وص 260 ج 2 سنن ابن ماجه (الآيات). وص 124 ج 4 سنن أبى داود (إمارات الساعة). و 214 ج 3 تحفة الأحوذى (ما جاء فى الخسف). وص 143 مسند الطالسى. و (ثلاثة خسوف) قد وجد الخسف فى مواضع لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف هنا قدرا زائدا على ما وجد كأن يكون أعظم مكانا وقدرا، وقعر عدن: أى أقصى أرضها.

الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وآيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى عى أثرها قريبا ". أخرجه أحمد وأبو داود ومسلم وزادا: قال عبد الله - يعنى ابن عمرو - وأظن أولهما خروجت طلوع الشمس من مغربها (¬1) {65}. (وعن أبى هريرة) رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعوا. وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬2) {66}. (قيل) يكون ذلك في يوم أو ثلاثة، ثم تطلع من المشرق كعادتها، وإذا طلعت من المغرب غربت في المشرق، وحينئذ يغلق باب التوبة إلى يوم القيامة، لقوله تعالى: (يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) (¬3). (المعنى) لا ينفع الإيمان نفسا كافرة لم تكن آمنت من قبل، ولا ينفع نفسا مؤمنة توبتها من المعاصي. وعليه فاغلاق باب التوبة عام فى الكافر والمؤمن العاصي. (وقيل) المعنى: أو نفسا منافقة كسبت في إيمانها خيرا، أى تصديقا باطنا. وعليه فاغلاق باب التوبة خاص بالكافر. وصحح بعضهم أن عدم قبول ¬

(¬1) ص 164 ج 2 مسند أحمد. وص 114 ج 4 سنن أبى داود (إمارات الساعة وص 222 ج 3 تيسير الوصول (أشراط متفرقة). (¬2) ص 219 ج 3 تيسير الوصول (طلوع الشمس من مغربها). (¬3) الأنعام: 158 (وبعض آيات الرب) طلوع الشمس من المغرب كما فى الحديث رقم 65.

التوبة خاص بمن شاهد طلوع الشمس من مغربها وهو مميز. أما من كان حينئذ غير مميز صبيا كان أو مجنونا ثم ميز بعد ذلك، فانه تقبل منه التوبة (¬1). 2 - نزول الدخان من السماء: قال تعالى: (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) (11) الدخان. قال ابن عباس وابن عمر والحسن وغيرهم: انه دخان يأتى قبل يوم القيامة فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام ويدخل مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ " أى المشوى " وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار. (وعن) أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه. والثانية الدابة: والثالثة الدجال ". أخرجه ابن جرير الطبرى والطبرانى بسند جيد (¬2) {68}. (وقال) على رضى الله عنه: لم تمض آية الدخان بعد تأخذ المؤمن كهيئة الزكام وتنفخ الكافر حتى ينفد: أخرجه بن أبى حاتم وابن كثير (¬3) {6}. ¬

(¬1) والذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة أن قبول التوبة ملغيا بطلوع الشمس من مغربها فلا تقبل بعد (روى) عبد الله بن عمر وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل ". أخرجه أحمد والطبرانى {67} ص 282 ج 11 فتح البارى. الشرح (باب طلوع الشمس من مغربها). (¬2) ص 68 ج 5 جامع البيان. و (الزكمة) بفتح فسكون، نزول فضلات رطبة من الدماغ إلى الأنف. (¬3) ص 422 ج 7 تفسير ابن كثير. و (ينفد) أى ينفى. وروى ابن جرير نحوه من ابن عمر.

(وقال) عبد الله بن أبى ملكية: غدوت على ابن عباس ذات يوم قال: مانمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت ان يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت. اخرجه ابن جرير وابن كثير وقال: وهذا اسناد صحيح (¬1) {7}. (وقال) ابن مسعود: انه ليس من الآيات الكبرى، بل هو عبارة عما أصاب قريشا من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعوا أبصارهم الى السماء، فلا يرون الا الدخان اجابة لدعاء النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليهم بسنين كسنى يوسف لابائهم اتباعه. ولكن الراجح الاول للاحاديث المرفوعة الصحاح والحسان التى فيها مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، وهو ظاهر القرآن. قال تعالى: (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) أى بين واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر به ابن مسعود رضى الله عنه انما هو خيال رأوه فى اعينهم من من شدة الجوع والجهد، وهكذا قوله تعالى: (يغشى الناس) أى يتغشاهم ويعيهم ولو كان امرا خياليا يخص أهل مكة المشركين، لما قيل فيه (يغشى الناس) (¬2). (وقال النووى) فى شرح حديث " لن تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات " (تقدم رقم 64): هذا الحديث يؤيد قول من قل: ان الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام، وانه لم يأت بعد، وانما يكون قريبا من قيام الساعة، وبه قال حذيفة وابن عمر والحسن، وراوه حذيفة عن النبى صلى الله عليه وعلى سلم، وانه يمكث فى الارض اربعين يوما. ويحتمل أنهما دخانان، للجمع بين الآثار. ¬

(¬1) ص 68 ج 25 جامع البيان. وص 423 ج 7 - تفسير ابن كثير. (¬2) ص 423 ج 7 تفسير ابن كثير طبع المنار.

3 - خروج الدابة قال الله تعالى: (واذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) (82) النمل، وهى دابة عظيمة تخرج من صدع فى الصفا أو من غيره فى آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله تعالى وتعاليم الدين، فتكلمهم ببطلان الاديان. (وقيل) تقول: يا فلان انت من هاهل الجنة، ويا فلان أنت من اهل النار. (وقيل) تقول ما قاله اله تعالى (ان الناس) أى الكفار الموجودين وقت خروجها كانوا لا يؤمنون بالقرآن والبعث والحساب والعقاب. (وبخروجها) ينقطع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (¬1)، ولا يبقى منيب ولا تائب، ولا يؤمن كافر كما قال تعالى: (واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن) (36) هود. وهذه الدابة هى الجساسة المذكورة في حديث الدجال آلاتي (رقم 71) (وقد ورد) فيها أحاديث (منها) حديث أبى هريرة: ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: " تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسي وخاتم سليمان عليهما السلام فتخطم انف الكافر بالعصا وتجلوا وجه المؤمن بالخاتم، حتي يجتمع الناس علي الخوان يعرف المؤمن من الكافر " اخرجه ابو داود الطيالسي والترمذي والحاكم (¬2) {69}. ¬

(¬1) أى لعدم فائدة ذلك، لأنه حينئذ يظهر المؤمن والكافر عيانا بوسم الدابة، فمن وسمته بالكفر لا يمكن تغييره. (¬2) ص 334 مسند الطيالسى (أوس بن خالد عن أبى هريرة). وص 152 ج 1 تيسر الوصول (سورة النمل). و (تخطم) بخاء معجمة وطاء مهملة كتضرب لفظا ومعنى، وقبل تسمه (وتجلو) بالجيم أى تغيير. و (الخوان) بالكسر ما يؤكل عليه والضم لغة.

(وحديث) حذيفة بن اسيد الغفاري ان النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم قال: " يكون للدابه ثلاث خرجات من الدهر. فتخرج من الدهر. فتخرج خرجه بأقصى اليمن فيفشو ذكرها في البادية، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة -ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة اخري قريبا ن مكة فيفشوا ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية. فبينما الناس يوما في اعظم المساجد علي الله حرمة - يعني المسجد الحرام - ولم يرعهم الا وهي في ناحية المسجد تدنوا ما بين الركن والمقام، تنفض عن راسها التراب، فارفض الناس عنها وثبت لها عصابة فعرفوا انهم لم يعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتي تركتها كانها الكواكب الدرية، ثم ولت في الارض لايدركها طالب ولا يفوتها هارب، حتي ان الرجل ليتعوذ منها بالصلاة، فتاتيه من خلفه فتقول من يا فلان الان تصلي؟ فيقبل عليها فتسمه في وجهه ثم تنطلق ويشترك الناس في الاموال، ويصطحبون في الاسفار، فيعرف المؤمن من الكافر، فيقال للمؤمن يا مؤمن، وللكافر يا كافر "اخرجه ابو داود الطاليسي وابن كثير (¬1) {70}. 4 - خروج المسيح الدجال: الدجال: الكذاب. وسمي المسيح - بالحاء علي الصحيح - لانه يمسح الارض ويقطعها في اربعين يوما. ولانه ممسوح العين اليمني. (روي) عامر بن شرحبيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس: قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع واسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت احدثكم عن المسيح الدجال: حدثني انه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، ¬

(¬1) ص 144 مسند الطيالسى. وص 306 - ج 6 - تفسير ابن كثير.

فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفئوا (¬1) إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس فجلسوا في اقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر لا يرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك ما انت؟ فقالت: اناالجساسة؟ قالوا وما الجساسة؟ قالت ايها القوم انطلقوا الي هذا الرجل في الدير، فاذا فيه اعظم انسان رايناه قط خلقا واشده وثاقا، مجموعة يداه الي عنقه ما بين ركبته الي كعبيه بالحديد قلنا: يلك ما انت؟ قال: قد قدرتم علي خبري، ثم ارفانا الي جزيرتك هذه، فلقيتنا دابة اهلب كثيرة الشعر، لا يدى ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك ما انت؟ فقالت: انا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت اعمدوا الي هذا الرجل في الدير فانه الي خبركم بالاشواق، فاقبلنا اليك سرعا. فقال: اخبرونيعن نخل (بيسان) قلنا: عن أي شانها تستخبر؟ قال اسالكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: اما انه يوشك الا يثمر.: اخبروني عن بحيرة (طبرية) هل فيها ماء؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء قال: اما ان مائها يوشك ان يذهب قال: اخبروني عن (زغر) هل في العين ماء؟ وهل يزرع اهلها بماء العين؟ قلنا: نعم هي كثيرة الماء، واهلها يزرعون ¬

(¬1) و (ارقئوا) بفتح الهمزة وسكون الراء مهموزا: أي التجئوا إليها، و (اقرب) بضم الراء: جمع قارب علي غير قياس، وهو سفينة صغيرة تكون إلى جانب الكبيرة. أي غليظة الشعر كثيرة، و (الجساسة) من التجسس، وهو الفحص عن بواطن الأمور، واكثر ما يقال ذلك في الشر.

من مائها قال: اخبروني عن نبي الاميين ما فعل؟ قلنا قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال اقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال كيف صنع بهم؟ فاخبرناه انه قد ظهر علي من يليه من العرب، واطاعوه. قال: ذاك خير لهم ان يطيعوه، واني مخبركم عني، انا المسيح الدجال، واني اوشك ان يؤذن لي في الخروج، فاسير في الخروج، فاسير في الارض فلا ادع قرية الا بطما في اربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما اردت ان ادخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده سيف (صلتا) يصدني عنها، وان علي كل (نقب) منهما ملائكة يحرسونها (¬1). ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي اله وسلم - وطعن (بمخصرته) في المنبر - هذه طيبة، هذه طيبة، الا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم قال: فانه اعجبني حديث تميم الداري، انه وافق الذي كنت احدثكم عنه وعن المدينة ومكة (الحديث) اخرجه ابو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، واخرجه ايضا مسلم واللفظ له وابن ماجه (¬2) {71}. (وقد) وصفه النبي صلي الله عليه وعلي اله وسلم وصفا كافيا، لنكون منه علي حذر، وننجو من فتنه (فعن النواس) بن (سمعان) قال: ذكر رسول الله صلي الله عليه وعلي اله وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتي ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا اليه فعرف ¬

(¬1) (اغتلم) أي هاج وجاوز حده المعتاد. و (بيسان) بفتح فسكون: قرية بالشام. و (طبريه) بفتحتين: بلدة بالأردن بالشام. و (زغر) بزاي مضمومة وغين معجمة مفتوحة: بلدة جنوبي الشام. و (صلنا) بفتح الصاد وضمها: أي مسلولا، و (النقب) بفتح فسكون: الطريق في الجبل. (¬2) ص 214 ج 3 تيسير الوصول (الدجال). وص 263 ج 2 - ابن ماجه (فتنة الدجال). و (مخصرة) بكسر فسكون: عصا او قضيب او سوط يكون بيد الخطيب وغيره إذا تكلم.

ذلك فينا. فقال: ما شانكم؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت، حتي ظنناه في طائفة النخل. فقال: غير الدجال (اخوفني) عليكم. ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجة دونكم. وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي علي كل مسلم: انه شاب (قطط عينه طافية) كاني اشبهه بعبد العزي بن قطن، فمن ادركه منكم فليقراعليه (فواتح سورة الكهف، انه خارج خلة) (¬1) بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا. قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: اربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، سائر ايامه كايامكم قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فياتي علي القوم فيدعوهم فيؤمنون به ¬

(¬1) (سمعان) بكسر أو بفتح فسكون. و (خفض ورفع) بالتشديد فيهما، أي حقر شانه بكونه اعور مكتوب بين عينيه كافر، وعظم فتننته لشتمالها علي خوارق العادات والمشهور تخفيف الفاء فيهما، والمعني أن النبي صلي الله عليه وسلم بالغ في تقريب وقت خروجه، واستعمل فيه كل فن من خفض ورفع (حتي ظننا) للمبالغة في تقريبه (انه فيه طائفة) أي ناحية وجانب (النخل) بالمدينة 0 و (اخوفنى) افعل تفضيل قرن بنون الوقاية تشبيها له بالفعل، وأضيف لياء المتكلم، وفى الكلم حذف مضاف 0 والأصل غير الدجال أخوف مخوفاتى عليكم 0 و (قطط) بفتحتين أي شعرة شديد الجعودة. و (طائفة) روى بالهمزة، وهى التى ذهب نورها، وبغير الهمزة، وهي التي نتات وبروزت مرتفعة وفيها ضوء. و (فواتح الكهف) أي لوائلها. وفي راوية (وأخرها) وعليه فيجمع بين الأول والأخر. والكل افضل. ولعل حكمه قراءة ذلك: التسلي بما وقع لأصحاب الكهف من الشدة ثم النجاة بعد الصبر. و (خلة) بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين، هو الطريق بين البلدتين. قال القرطبي: وقد جاء انه يخرج من خرسان ومن اصبهان .. ووجه الجمع ان مبدأ خروجه من خرسان من ناحية اصبهان ثم يخرج الي الحجاز فيما بين العراق والشام.

ويستجيبون له، فيامر السماء فتمطر والارض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم اطول ما كنت ذرا واسبغه ضروعا، وامده خواصر ثم ياتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بايديهم شئ من اموالهم ويمر بالخربه فيقول لها: اخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك اذ طاطا راسه قطر، واذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه الامات، ونفسه ينتهي

حيث ينتهي طرفة فيطلبه حتي يدركه باب لد فيقتله، ثم ياتي عيسي بن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك اذ اوحي الله الي عيسي اني قد أخرجت عبادا لي لايدان لاحد بقتالهم فحرز عبادي الي الطور، ويبعث الله ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر اوائلهم علي بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبى الله عيسى واصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم، فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله عليهم النغف فى رقبابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبى الله عيسى واصحابه الى الارض فلا يجدون فى الأرض موضع شبرا الا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبى الله عيسى واصحابه الى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت (¬1) فتحملهم فتطرحهم ¬

(¬1) (المنارة) بفتح الميم، قال ابن كثير: هذا هو أشهر فى موضوع نزوله، وقد وجدت منارة شرقى دمشق سنة أحدى وأربعين وسبعمائة بالحجارة البيض، وهذا من دليل النبوة الظاهرة، وقد ورد انه عليه وسلم ينزل بيت المقدس وهذا أرجح، ولا ينافيه سائر الروايات، لان بيت المقدس شرقى دمشق. و (مهرودتين) روى بالدال المهملة والذال المعجمة: أى حال كونه لابسا ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران، و (جمان) بضم ففتح: حبات من الفضة، يعنى يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ فى صفائه. و (نفسه) بفتحتين. و (طرفه) فتح فسكون: أى بصره. (فيطلبه) أى يطلب عيسى الدجال. و (لد) بضم الام وشد الدال، بلدة قريبة من بيت المقدس. و (يدان) تثنية يد، أى لا قدرة ولا طاقة (فحزر) أمر من التحريز، أى ضمهم الى الطور وأجلعه لهم حرزا. و (الحد) بفتحتين، المكان المرتفع. و (ينسلون) أى يمشون مسرعين. و (النغف) بنون وغين مفتوحتين: دود يكون فى أنوف الإبل والغنم. و (فرسى) بفتح فسكون مقصورا أى قتلى. و (زهمهم) بفتح الزاى والهاء: أى دسمهم ورائحتهم الكريهة. و (البخت) بضم فسكون: الابل ..

حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الارض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للارض: أنبتى ثمرتك، وردى بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها ويبارك فى الرسل حتى أن اللقحة من الابل لتكفى الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك اذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها، تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة: أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذى وقال: غريب حسن صحيح (¬1) {72}. (وقال) ابو سعيد الخرى: حدثنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: يأتى الدجال وهو محرم عليه ان يدخل نقاب المدينة، فينتهى الى بعض السباخ التى تلى المدينة، فيخرج اليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول له: أشهد انك الدجال الذى حدثنا رسول الله ¬

(¬1) ص 181 ج 4 مسند أحمد. وص 63 ج 3 تحفة الأحوذى (فتنة الدجال). و (لا يكن) بفتح فضم أى لا يستر ولا يمنع من نزول الماء بيت من طين أو غيره. و (المدر) بفتحتين، الطين الصلب. و (الزلقة) بفتحتين وقاف، أوفاء: المرآة، وروى بضم الزاى وسكون اللام. و (العصابة) الجماعة من الناس من عشرة إلى أربعين. و (القحف) بكسر فسكون، مقعر قشر الرمانة، شبهها بقحف الرأس وهو ما فوق الدماغ. و (الرسل) بكسر فسكون. البن. و (اللحقة) بكسر اللام أو فتحها: القريبة العهد بالولادة. و (الفئام) بكسر فهمز: الجماعة الكثيرة. و (الفخذ) بفتح فسكون: الجماعة من الاقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة. و (يتهارجون) أى بجامع الرجال النساء بحضرة الناس بلا اكتراث كما كما يفعل الحمير. و (الهرج) باسكان الراء: الجماع.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثه فيقول الدجال: أرأيتم ان قتلت هذا ثم احييه: والله ما كنت فيك قط اشد بصيرة منى الآن. فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه أخرجه احمد والشيخان (¬1) {73}. (وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما بعث الله من نبى الا انذر أمته، الدجال، وأنه يخرج فيكم فما خفى عليكم من شأنه، فليس يخفى عليكم ان ربكم ليس بأعور، وانه اعور العين اليمنى كأن عينيه عنبة طافية. أخرجه الشيخان (¬2) {74}. (وعن حذيفة) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان مع الدجال اذا خرج ماء ونار، فأمام الذى يرى الناس انه نار فماء عذب، وأما الذى يرى الناس ¬

(¬1) ص 215 ج 3 تيسير الوصول (الدجال). و (نقاب) جمع نقيب وهو الطريق. و (السباخ) جمع سبخة وهى أرض بجوار المدينة تعلوها اللوحة لا تنبت الا قليلا. و (رجل) هو الخضر عليه السلام كما فى مسلم. (ثم يحييه). (أن قيل) كيف ظهرت هذه الخوارق على يد الكذاب، وإنما تكون معجزة لنبى؟ (يقال) هذا الكذاب يدعى الربوبية، وأدلة الحدوث الظاهرة تكذبه، أما النبى فانما يدعى النبوة وليست مستحيلة فى البشر، فاذا أتى بدليل لم يعارضه شئ صدق. (¬2) ص 216 ج 3 تيسير الوصول (الدجال). و (اليمنى) وفى رواية اليسرى، وكلاهما صحيح، والعور فى اللغة العيب. وعيناه معيبتان: أحدهما طافئة بالهمز أى لا ضوء فيها. والأخرى طافية بلا همز أى ظاهرة ناتئة. وقوله صلى الله عليه وسلم: " ان ربكم ليس بأعور والدجال أعور " بيان لعلامة بينه على كذب الدجال دلالة قطعية يدركها كل أحد، ولم يقتصر على كونه ما وغيره من الدلائل القطعية، لكون بعض العوام لا يهتدى إليها. أنظر ص 60 ج 18 شرح مسلم.

أنه ماء فنار تحرق. فمن ادرك ذلك منكم فليقع فى الذى يرى انه نار فانه ماء بارد عذب. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1) {75}. هذه الأحاديث التى ذكرت فى قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق أنه شخص موجود معين ابتلى الله به عباده، واقدره على أمور من احياء الميت الذى يقتله، واظهار زهرة الدنيا وخصبها، وجنته وناره واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء ان تمطر فتمطر، والارض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدره الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم. و " يثبت الله الذين آمنوا ". (وقال) بعض المعتزلة: انه صحيح الوجود، ولكن الذى يدعى مخارف وخيالات لا حقائق لها. وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا غلط، لأنه لم يدع النبوة، فيكون ما معه كالتصديق له، وانما يدعى الالهية، وهو فى نفس دعواه مكذب لها بصورة حالة، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن ازالة العور الذى فى عينيه، وعن ازالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به الا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة، رغبة فى سد الرمق، أو تقية وخوفا من اذاه، لأن فتنته عظيمة جدا، تدهش العقول، وتحير الألباب مع سرعة مروره فى الأمر، فلا يمكث بحيث يتامل الضعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيصدقه من صدقه فى هذه الحال، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته، ونبهوا على نقصه، ودلائل ابطاله. وأما أهل التوفيق، فلا يغترون به، ولا يخدعون لما معه لما ذكر من الدلائل المكذبة له ¬

(¬1) ص 215 ج 3 تيسير الوصول (الدجال).

مع ما سبق لهم من العلم بحاله. ولهذا يقول له يقتله ثم يحييه: ما أزددت فيك الا بصيرة (¬1). 5 - نزول سيدنا عيسى عليه السلام وقتله الدجال دلت السنة وأجمعت الأمة على ان سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل قرب الساعة، ويقتل الدجال، ويحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويمكث فى الأرض ما شاء الله أن يمكث، ثم يموت ويصلى عليه المسلمون. (فعن أبى هريرة) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها. أخرجه أحمد والخمسة الا النسائى (¬2) { 76}. ¬

(¬1) ص 58 ج 18 شرح مسلم. (¬2) ص 213 ج 3 تيسير الوصول (المسيح عيسى بن مريم). و (ليوشكن) بكسر المعجمة. أى ليقربن سريعا نزول عيسى عليه والسلام، حاكما بهذه الشريعة المحمدية، فإنها باقية لا تنسخ، فلا ينزل نبيا بشريعة مستقلة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة. و (مقسطا) أى عادلا، اسم فاعل من أقسط ضد القاسط وهو الجائز، وعند أحمد من حديث عائشة (ويمكث فى الأرض أربعين سنة) وللطبرانى من حديث عبد الله بن مغفل: " ينزل عيسى بن مريم مصدقا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ملته ". (فيكسر الصليب) حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه (وقيل): المراد من كسره إظهار كذب النصارى حيث ادعوا أن اليهود صلبوا عيسى عليه الصلاة والسلام على خشب، فأخبر الله فى كتابه العزيز بكذبهم وافترائهم فقال: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وذلك انهم لما نصبوا له خشبة ليصلبوه عليها، ألقى الله شبه عيسى على الشخص الذى دلهم عليه واسمه يهوذا، وصلبوه مكانه وهم يظنون أنه عيسى، ورفع الله عيسى إلى السماء ثم تسلطوا على أصحابه بالقتل والصلب والحبس حتى بلغ أمرهم ملك الروم فقيل له: أن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول، وكان يحيى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص، ويفعل العجائب، فعدواه عليه وقتلوه وصلبوه فأرسل الى المصلوب فوضع عن جذعه وجئ بالجذع الذى صلب عليه فعظمه صاحب الروم وجعلوا منه صلبانا. فمن ثم عظمت النصارى الصلبان. ومن ذلك الوقت دخل دين النصرانية فى الروم .. ثم يكون كسر عيسى الصليب حين ينزل، إشارة إلى كذبهم فى دعواهم أنه قتل وصلب، والى بطلان دينهم، وأن الدين الحق هو دين الإسلام الذى عيسى لإظهاره وإبطال بقية الأديان بقتل النصارى واليهود وكسر الأصنام وقتل الخنزير وغير ذلك. أنظر ص 35 ج 12 عمدة القارى طبع منير (ويقتل الخنزير) إنما قتله لحرمه اقتنائه وأكله، لأنه نجس العين لا ينتفع به شرعا (ويضع الجزية) أي يسقطها عن أهل الكتاب ولا يقبل منهم الا الإسلام، فان قبول الجزية منهم فى شريعتنا ملغيا بنزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام (فقد) أخبر النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث الصحيح وأشباهه بنسخ قبول الجزية بنزول عيسى عليه السلام. وليس عيسى هو الناسخ. و (يفيض) بفتح المثناة التحتية: أى يكثر. وتنزل البركات وتكثر الخيرات، بسبب العدل وعدم الظلم، وحينئذ تخرج الأرض كنوزها. وتقل الرغبات فى اقتناء المال، لقصر الآمال، وعلمهم بقرب الساعة. فان نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، علم من أعلام الساعة الكبرى، ولذا تكثر رغبتهم فى الصلاة وسائر الطاعات.

(وعن جابر) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال لنا. فيقول لا، ان بعضككم على بعض أمراء، تكرمة الله تعالى لهذه الأمة. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {77}. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج الدجال فى خفقه من الدين وادبار من العلم فله أربعون ليلة يسيحها فى الأرض. اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة. ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا. فيقول للناس، أنا ربكم، وهو أعور ¬

(¬1) ص 345 ج 3 مسند أحمد. وص 213 ج 3 تيسير الوصول (المسيح عيسى ابن مريم).

" وان ربكم ليس بأعور " مكتوب بين عينيه " كافر " يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب. يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة. حرمهما اله عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه. ومعه نهران أنا أعلم بهما منه: نهر يقول الجنة ونهر يقول النار. فمن أدخل الذى يسميه الجنة فهو النار. ومن أدخل الذى يسميه النار فهو الجنة. ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس (¬1) ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس. لا يسلط على غيرها من الناس. ويقول: أيها الناس، هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل. فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتدد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى بن مريم فينادى من السحر فيقول: يأيها الناس: ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جنى. فينطلقون، فإذا هم بعيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فتقام الصلاة. فيقال له: تقدم يا روح الله. فيقول: ليتقدم امامكم فليصل بكم. فإذا صلوا صلاة الصبح، خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشى إليه فيقتله، حتى أن الشجرة والحجر ينادى يا روح الله هذا يهودى. فلا يترك ممن كان يتبعه أحد إلا قتله ". أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (¬2) {78}. ¬

(¬1) (خفقة) فسكون، أى في حال ضعف (من الدين) وقلة لأهله. و (المنهل) بفتح الميم والهاء مكان ورود الماء. و (معه جبال ... ) أى معه قدر الجبال من الخبز، وفى رواية لمسلم ومعه جبال من خبز ولحم. و (الجهد) بفتح الجيم، المشقة (فيما يرى) ظاهرة أن ما يظهر على يد الدجال من الخوارق خيالات وظاهر الروايات السابقة أنها حقائق، وهى أكثر وأقوى اسنادا، وعليها أهل السنة والجماعة كما تقدم. (¬2) ص 367 ج 3 مسند أحمد. و (ينماث). يقال: ماث الشئ - من بابى قال وباع - ذاب. وسمى عيسى روحا، لأنه مخلوق من الريح، وهو نفس جيريل.

والأحاديث في هذا كثيرة صحيحة (قال) القاضى عياض: نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك. وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله. فوجب اثباته. وأنكر ذلك بعض المعتزلة ومن وافقهم (وزعموا) أن الأحاديث مردودة بقوله تعالى: (وخاتم النبيين) وبقوله صلى الله عليه وسلم " لا نبى بعدى (¬1) " وبإجماع المسلمين على أنه لا نبى بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن شريعته مؤيدة إلى يوم القيامة لا تنسخ (وهذا) استدلال فاسد، لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، وليس في هذه الأحاديث ولا في غيرها شئ من هذا. بل صحت الأحاديث أنه حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيى من اموره هجره الناس (¬2). 6 - يأجوج ومأجوج: قال الله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَداًّ * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطَاعُوا أَن ¬

(¬1) روى أبو أمامه الباهلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال في خطبه حجة الوداع " أيها الناس انه لا نبى بعدى ولا أمة بعدكم ". (الحديث) أخرجه الطبرانى في الكبير بسندين رواه أحدهما ثقات [78] ص 263 ج مجمع الزوائد (لا نبى بعده صلى الله عليه وسلم). (¬2) ص 75 ج 18 شرح مسلم (ذكر الرجال).

يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقاًّ (¬1)} (ذو القرنين) كان ملكا عدلا لا نبيا على الصحيح. قال أبو الطفيل: سئل على رضى الله عنه عن ذى القرنين: أكان نبيا أم ملكا؟ قال: لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا أحب الله وأحبه الله، وناصح الله، فناصحه الله. أخرجه البغوى وسفيان بن عيينه في جامعه بسند صحيح (¬2) {8}. وقد أثنى الله عليه بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب وملك الأقاليم وسار في أهلها بالعدالة التامة والسلطان المؤيد (قال ابن عباس) كان ذو القرنين ملكا صالحا أثنى الله عليه في كتابه. وكان منصورا وكان الخضر وزيره {10} وذكر الأزرقى وغيره أنه أسلم على يدى إبراهيم الخليل، وطاف معه الكعبة المكرمة (¬3) ¬

(¬1) الكهف: 94 - 98. و (خرجا) أى أجرا عظيما. و (ردما) أى سدا. و (زبر) كغرف جمع زبرة أى قطعة. و (ساوى ... ) أى سوى بين طرفى الجبلين و (القطر) بكسر فسكون. النحاس المذاب. (¬2) ص 322 ج 5 معالم التنزيل. وص 240 ج 6 فتح البارى. وعن أبى الطفيل أن ابن الكواء سأل على بن أبى طالب عن ذى القرنين. أنبيا كان أم ملكا؟ قال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله ونصح الله فنصحه الله بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات ثم أحياه الله لجهادهم وبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات فأحياه الله لجهادهم، فلذلك سمى ذا القرنين. أخرجه ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه [9] ص 299 ج 3 تفسير الشوكانى وقيل لقب بذلك لأنه بلغ قرنى الشمس مشرقها ومغربها. وقيل لأنه كان له ذؤ ابتان حسنتان. (¬3) ص 103 ج 2 - البداية والنهاية.

(واختلف) في اسمه والصحيح أنه اسكندر بن فيلبس بن بطريوس (¬1) وهو بانى الإسكندرية وسماها باسمه. (ويأجوج ومأجوج) بالهمز وعدمه، اسمان أعجميان لقبيلتين من ولد يافث ابن نوح فهما من بنى آأدم وعلى أشكالهم وصفتهم، (لحديث) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول أخرج بعث النار. قال وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها (¬2) وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ فقال: أبشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف. ثم قال: والذى نفسى بيده انى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة. فكبرنا. فقال: أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. فكبرنا. فقال أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة. فكبرنا فقال: ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود. أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {80}. (وعن) عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن يأجوج ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 3 هامش البداية والنهاية. (¬2) رقم 207 ص 32 - الاتحافات السنية (يشيب السنية (يشيب الصغير ... ) (أن قلت) ليس في الآخرة شيب ولا حمل ولا وضع (نقول) يحتمل أن يكون ذلك عند زلزلة الساعة قبل الخروج من الدنيا فهو حقيقة، ويحتمل أنه كناية عن الهول والشدة يعنى لو تصور حمل هناك لوضع هذا الحمل. انظر ص 239 ج 15 عمدة القارى (طبع منير). (¬3) أنظر ص 243 ج 6 فتح البارى. (باب قول الله تعالى: ويسألونك عن ذى القرنين).

ومأجوج من ذرية آدم، ووراءهم ثلاث أمم، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا. أخرجه الحاكم الحاكم وابن مردويه (¬1) {81}. (وأما السد) فهو حاجز حصين بناه ذو القرنين بين الصدفين، وهما جبلان عاليان جدا أملسان، الفتحة التى بينهما مائة فرسخ (¬2) والفرسخ يسار في ساعة ونصف، فتكون مدة سيرها مائة وخمسين ساعة " أى اثنى عشر يوما ونصف يوم " وبناه بقطع من الحديد كالصخر (¬3) وهى المراد بقوله تعالى: (ءاتونى زبر الحديد) وجعل بين القطع المذكورة الحطب والفحم، ووضع المنافخ والنار حول ذلك وقال: انفخوا حتى صار الحديد نارا، ثم دعا بالنحاس المذاب فأفرغه على الحديد، فدخل بين قطعه فصار شيئا واحدا. فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يظهروه، أى يصعدوه لارتفاعه وملاسته. وقد كان ارتفاعه مائتى ذراع " وما استطاعوا له نقبا " أى خرقا لصلابته وعظم سمكه. وهم يعلمون على خرقه دائما فلم يقدروا. (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذى عليهم " أى رئيسهم " ارجعوا فسنحفره غدا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم واراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذى عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا أن شاء الله تعالى ¬

(¬1) انظر ص 134 راموز الأحاديث. (¬2) الفرسخ 3 أميال والميل 4 آلاف ذراع فلكى وهو 8/ 3 46 سنتيا، فيكون الميل 1855 متر، والفرسخ 5565 متر. والمائة فرسخ 556500 متر أى 2/ 1 556 كيلو متر. (¬3) قال في البداية والنهاية: وقد ذكر أن الخليفة الواثق بعث رسلا ليكشفوا له عن خبره وكيف بنى؟ فلما رجعوا أخبروه أنه بناء محكم شاهق منيف جدا. وأنه في زاوية الأرض الشرقية الشمالية. انظر ص 111 ج 2.

واستثنوا فيعودون إليه وهو بهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء وتتحصن الناس منهم فى حصنهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم ن فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها. والذى نفسى بيده أن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم. أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1) {82}. وبالسد حجز يأجوج ومأجوج حتى إذا جاء وقت خروجهم قرب القيامة، صار دكا " أى مستويا بالأرض" وخرجوا مسرعين. قال تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون) أى حتى إذا فتح السد عنهم خرجوا مسرعين من الآكام والتلال. (وعن) ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لقيت ليلة أسرى بى إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا الساعة، فبدأوا بابراهيم فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم. فرد الحديث إلى عيسى بن مريم فقال: قد عهد إلى فيما دون وجبتها. فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله. فذكر خروج الدجال وقال: فأنزل فأقتله، فيرجع الناس إلى بلادهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فلا يمرون بماء إلا شربوه، ولا بشئ إلا أفسدوه، فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم، فتنتن الأرض من ريحهم ن فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء ¬

(¬1) انظر ص 268 ج 2 - ابن ماجه (خروج يأجوج ومأجوج) (فينشفون الماء) أى يشربونه - من نشفة الثوب ينشفه من باب تعب - شربه، ونشف الماء من بابا ضرب نزحه. و (النغف) بفتحتين دود في أنوف الإبل والغنم. و (الأقفاء) جمع قفا مقصورا مؤخر العنق. (تسمن) يقال " سمن " يسمن من باب تعب وفى لغة من باب قرب، إذا كثر لحمه. و (تشكر) بفتح الكاف، أى تسمن وتمتلئ شحما. (وشكرا) بفتحتين.

(ب) مشتملات اليوم الآخر

بالماء فيحملهم فيلقيهم في البحر، ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم (الحديث) أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1) {83}. والأحاديث في ذلك كثيرة. وفيما ذكر مقنع لمن عقل. والله ولى التوفيق. (ب) مشتملات اليوم الآخر يشتمل أمورا، المذكور منها اثنا عشر: 1 - البعث: وهو إحياء الموتى. قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (104) الأنبياء. وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (27) الروم. وأهون أى هين. وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (79) يس. (وعن) كعب بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " انما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ". أخرجه مالك وأحمد والنسائى وابن ماجه والبيهقى بسند صحيح (¬2) {84}. ¬

(¬1) انظر ص 268 ج 2 - ابن ماجه (خروج يأجوج ومأجوج). وجبتها، أى قيامها. ويجأرون، أى يرفعون أصواتهم ويستغيثون. (فتنتن) مثلث التاء الثانية من باب قرب وضرب وتعب. وتنسف: أى تفتت. و (الأديم) الجلد المدبوغ. (¬2) انظر ص 85 ج 7 - الفتح الربانى وص 223 ج 3 تيسير الوصول (النفخ في الصور والنشور). و (النسمة) الروح. (يعلق) بضم اللام أى يأكل.

(وعن) أبى رزين العقيلى قال: " قلت يا رسول الله كيف يعيد لالله الخلق وما آية ذلك؟ فقال: اما مررت بوادى قومك جدبا. ثم مررت به يهتز خضرا؟ قلت نعم. قال: فتلك آية الله في خلقه. كذلك يحيى الله الموتى ". أخرجه أحمد وأبو الحسن رزين بن معاوية والطبرانى (¬1) {85}. والمعنى: أما مررت بوادى قومك حال خلوه من النبات ثم مررت به بعد أن أخضر بالنبات؟ كذلك يحيى الله الموتى يوم القيامة. 2 - الحشر: وهو سوق الناس إلى مكان الحساب فتجتمع الوفود في هذا اليوم المشهود ليسأل كل عن عمله {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ (¬2)} وقال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (¬3) وقال: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} (¬4). (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يأيها الناس انكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا " (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا أنا كنا فاعلين) ألا وأن أول ¬

(¬1) أنظر ص 11 ج 4 مسند أحمد (حديث أبى رزين العقيلى). وص 223 ج 3 تيسير الوصول. (¬2) الزلزلة: 7، 8. (¬3) الطور: 21. و (رهين) أى مرهون بعمله. فان وفق للأعمال الصالحة نجا والا وقع في الردى. (¬4) العاديات: 9 و 10. و (بعثر ما في القبور) اى أثير وأخرج من كان فيها من الموتى. (وحصل ما في الصدور) أى بين وأظهر ما كان كامنا في القلوب من الايمان وغيره.

الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ألا وانه سيجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال. فأقول: يا رب أصحابى. فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم .. إلى قوله العزيز الحكيم " قال " فيقال لى انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول سحقا سحقا ". أخرجه الشيخان والنسائى والترمذى (¬1) {86}. (وعن) ابى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنف مشاة، وصنف ركبان. وصنف وجوههم، قيل يا رسول الله: كيف يمشون على وجوههم قال: أن الذى أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم. أما انهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى (¬2) {87}. 3 - الحساب: وهو توقيف الله تعالى عباده قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم أقوالا وأفعالا واعتقادات تفصيلا بعد أخذهم كتبهم إلا من استثنى. وكيفية التوقيف أمر غيبى. والناس فيه متفاوتون (فمنهم) من يحاسب حسابا يسيرا يعرض ¬

(¬1) انظر ص 198 ج 8 فتح البارى (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم .. ) وص 293 ج 3 تحفة الأحوذى. وصدره: يحشر الناس. و (غرلا) بضم فسكون أى غرلا غير مختونين. أى كما بدأ الله تعالى الخلق في بطون امهاتهم حفاة عراة كذلك يعيدهم يوم القيامة. و (العبد الصالح) سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام (وانهم لم يزالوا الخ) بيانه لقوله (ما أحدثوا بعدك) والمراد بهم أصحاب الكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين كفروا ببدعتهم. وقيل المراد المنافقون والمرتدون. (¬2) انظر ص 224 ج 3 تيسير الوصول. (الحشر). و (الحدب) بفتحتين ما ارتفع من الأرض.

عمله عليه. فيطلعه الله على سيئاته سرا بحيث لايطلع عليها أحد ثم يعفو عنه ويأمر به إلى الجنة (ومنهم) من يناقش الحساب. بأن يسأل عن كل جزئية ويطالب بالعذر والحجة، فلا يجد عذرا ولاحجة فيهلك مع الهالكين. ويأمر الله تعالى مناديا ينادى عليه بسيئات أعماله، فيفتضح بين الخلائق (فعليك) أيها العاقل أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتبادر بالأعمال الصالحة قبل الفوات، وتصل ما بينك وبين ربك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتؤمن بالحساب وتستعد له. قال الله تعالى {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (47) الأنبياء. وقال {وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49) الكهف. وقال {أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ} (62) الأنعام. وقال {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (14) الإسراء. (وعن) أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شئ منه فليتحلله منه اليوم من قبل ألا يكون دينار ولادرهم. أن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته. وان لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " أخرجه أحمد والبخارى والترمذى (¬1) {88}. (وعنه) رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ووعلى آله وسلم: " لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، ¬

(¬1) ص 224 ج 3 تيسير الوصول (الحساب).

ويسأل الحجر لم انكلب على الحجر ولم نكأ الرجل الرجل؟ قال: وكنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو لا يعرفه فيقول: كنت ترانى على الخطا وعلى المنكر ولا تنهانى " أخرجه مسلم والترمذى ورزين (¬1) {89}. (وعن) عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى عليه وسلم " من نوقش الحساب عذب. فقلت أليس يقول الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (¬2)}؟ فقال إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ". أخرجه الشيخان والترمذى وأبو داود (¬3) {90}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ان أول ما يحاسب به العبد يومك القيامة من عمله صلاته. فان صلحت فقد أفلح وأنجح. وان فسدت فقد خاب وخسر. فان انتقص من فريضته شئ، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة. ثم يكون سائر عمله على ذلك ". أخرجه النسائى وابن ماجه والترمذى وقال: هذا حديث حسن غريب (¬4) {91}. (وعن) أبى برزة الأسلمى رضى الله عنه قال. قال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 3 تيسير (الحساب). والجلحاء التى لا قرن لها وبقال ذكأ الرجل الرجل إذا جرحه. (¬2) الانشقاق 8، 9. (¬3) انظر ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). (¬4) انظر ص 81 ج 1 مجتبى (المحاسبة على الصلاة). وص 224 ج 1 - ابن ماجه (أول ما يحاسب به العبد الصلاة).

ابلاه؟ " أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح والطبرانى وأبو نعيم فى الحلية (¬1) {92}. (وعن) أبى سعيد وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول الله تعالى لهع: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت للك الأنعام والحرث وتركتك ترأس وترتع؟ أكنت تظن أنك ملاقى يومك هذا؟ فيقول لا. فيقول له اليوم أنساك كما نسيتنى ". أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث صحيح غريب (¬2) {93}. هذا (واعلم) أنه سيشهد على العاصى أحد عشر شاهدا فى هذا اليوم المشهود: اللسان، والأيدى، والأرجل، والسمع، والبصر، والجلد، والأرض، والليل، والنهار، والحفظة الكرام، والمال. قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (24) النور. وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (19) فصلت. وقال: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (¬3). وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: " أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسول ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). (¬2) انظر ص 225 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). ووالرؤس التقدم على القوم بأن يصير رئيسهم. وترتع من الرتع وهو التنعم. و (أنساك) أى أتركك فى العذب. (¬3) سورة ق: 21. و (سائق) ملك يسوقها الى المحشر (وشهيد) عليها بما عملت قاله عثمان بن عفان فيما رواه الحاكم وابن المنذر.

أعلم. قال: فان أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. قال فهذه أخبارها ". أخرجه أحمد والترمذى وصححه (¬1) {94}. (وعن) الحارث بن يزيد قال: سمعت ربيعة الجرشى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " تحفظوا من الأرض فانها أمكم، وانه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا الا وهى مخبرة ". أخرجه الطبرانى (¬2) {95}. (وعن) أنس رضى الله عنه قال: " ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجربنى من الظلم؟ يقول: بلى، فيقول: أنى لا أجيز اليوم على نفسى شاهدا الا منى. فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا والكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقول لأركانه: انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل " أخرجه مسلم (¬3) {96}. وفى الحديث " ما من يوم يأتى على ابن آدم الا ينادى فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد وانا فيما تعمل عليك شهيد فاعمل خيرا أشهد لك به غدا فانى لو مضيت لن ترانى أبدا، ويقول الليل مثل ذلك ". أخرجه أبو نعيم (¬4) {97}. (وعن) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 1 تيسير الوصول (سورة الزلزلة) وص 333 ج 18 - الفتح الربانى. (¬2) رقم 3260 ص 234 ج 3 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر ص 229 ج 3 تيسير الوصول (الحساب). (¬4) لم نقف على هذا الحديث بهذا اللفظ.

قال " ان هذا المال خضر حلو، ونعم هو لم أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، وانه من يأخذه بغير حقه كان كالذى يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " أخرجه مسلم (¬1) {98}. (والحكمة) فى ذلك أن يعلم المرء أن لا ظلم فى ذلك اليوم، واظهار مراتب أصحاب الكمال، فيزدادون سرورا على سرورهم، واظهار فضائح أصحاب الشمال فيزدادون حسرة وندامة. نسال الله السلامة. 4 - الميزان: وهو ذو كفتين ولسان (كالميزان المعهود) توزن فيه أعمال من يحاسب بقدرة الله تعالى دفعة واحدة. والصنج مثاقيل الذر والخردل، تحقيقا لاظهار تمام العدل. قال تعالى {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (47) الأنبياء. وقال {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (9) الأعراف وقال {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} (11) القارعة. (وقالت) عائشة رضى الله عنها ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قلت: ذكر النار فبكيت. فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما فى ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا. عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الكتاب حين يقال " هاؤم اقرءوا كتابيه " حتى يعلم أين يقع كتابه، أفى يمينه أم فى شماله ¬

(¬1) هذا عجز الحديث بص 144 ج 7 نووى مسلم (التحذير من الاغترار بزينة الدنيا).

أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط اذا وضع بين ظهرى جهنم حتى يجوز " أخرجه أبو داود (¬1) {99}. (وعن) ابن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ان الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتى على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر. فيقول: أتنكر من هذا شيئا؟ فيقول لا يارب فيقول: أظلمك كتبتى الحافظون؟ فيقول: لا يارب فيقول أفلك عذر أو حسنة؟ فيقول. لا يارب: فيقول الله عز وجل: بلى ان لك عندنا حسنة، وانه لا ظلم عليك اليوم. فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله. فيقول: احضر وزنك فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: انك لن تظلم. فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة. فطاشت السجلات وثقلت البطاقة. ولا يثقل مع اسم الله تعالى شئ ". أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال: هذا حديث حسن غريب والبيهقى والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (¬2) {100}. (وقالت) عائشة رضى الله عنها: جاء رجل فقال يا رسول الله: إن لى مملوكين يكذبوننى ويخونوننى ويعصوننى وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وكذبوك وعصوك، وعقابك إياهم، فان كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا، لا لك ولا عليك. وان كان عقابك إياهم دون ذبوبهم، كان فضلا لك ¬

(¬1) انظر ص 231 ج 3 تيسير الوصول (الحوض والميزان). (¬2) انظر ص 213 ج 2 مسند أحمد. وص 367 ج 3 تحفة الأحوذى (فيمن يموت وهو يشهد أن لا اله الا الله).

وان كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم. اقتص لهم منك اللفضل. قال فتنحى الرجل يبكى ويهتف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما تقرأ كتب الله عز وجل {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (47) الأنبياء. فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجدلى ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم. أشهدكم أنهم كلهم أحرار " أخرجه أحمد والترمذى وقال: حديث غريب (¬1) {101} (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله عظيم " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {102} (ومما) تقدم يعلم أنه يوزن عمل كل من يحاسب حتى من لا حسنة له ليزداد خزيا على رءوس الأشهاد. وبالوزن يظهر العدل فى العذاب والعفو عن الآثام. 5 - الصراط: وهو جسر ممدود على ظهر جهنم يمر عليه الأولون والآخرون كل بحسب عمله. فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح العاصف، وناس كالجواد، وناس هرولة، وناس حبوا، وناس زحفا، وناس يتساقطون فى النار. وعلى جوانبه كلاليب لا يعلم عددها الا الله تخطف بعض الخلائق. قال تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِياًّ * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ} (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 147 ج 4 تحفة الاحوذى (سورة الأنبياء). (¬2) انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح) وص 220 ج 2 - ابن ماجه. (¬3) سورة مريم 72، 72. ونذر الظالمين أى نتركهم فى جهنم جاثين على ركبهم - فجثى بكسر أوله جمع جاث.

(قال) ابن مسعود: " الصراط على جهنم مثل حد السيف. فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم. ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم " أخرجه ابن جرير (¬1) {11}. (وقال) السدى: سألت مرة الهمدانى عن قوله تعالى (وان منكم الا واردها) فحدثنى عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب المسرع ثم كشد الرجل ثم كمشية. أخرجه الترمذى وحسنة (¬2) {103}. ولشدة الهول حينئذ يقول المؤمنون: رب سلم سلم. (روى) المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " شعار المؤمنين على الصراط يوم القيامة: رب سلم سلم".أخرجه الترمذى والحاكم وصححاه (¬3) {104}. (وعن) ابن مسعود رضى الله عنه فى قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم) قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط. منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم. وأدناهم نورا: من نوره فى ابهامه يتقد مرة ويطفأ مرة ". أخرجه ابن ابى حاتم وابن جرير (¬4) {12}. ¬

(¬1) انظر ص 83 ج 16 جامع البيان (وان منكم الا واردها). (¬2) انظر ص 145 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة مريم) و (الحضر) ضم فسكون العدو الشديد. و (الشد) العدو. (¬3) رقم 4884 ص 161 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬4) انظر ص 227 ج 8 تفسير ابن كثير (سورة الحديد).

6 - الحوض: يجب الايمان بأن لكل رسول حوضا يرده الطائعون من أمته، وأن حوض النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكبرها وأعظمها. طوله مسيرة شهر، مربع الشكل. له ميزابان يصبان فيه من الكوثر. ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل. كيزانه أكثر من نجوم السماء. ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا ظمأ ألم. ولم دخل النار يعذب بغير العطش. ويكون شربه منه أو من غيره كالتسنيم (¬1) بعد ذلك لمجرد اللذة. يرده الخيار، وهم المؤمنون بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الآخذون بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وكل من تعامل بالربا، أو جار فى الأحكام، أو أعان ظالما، أو جاوز حدا من حدود الله تعالى. (وما ذكر) ثابت بأحاديث مشهورة تفيد التواتر المعنوى (منها) حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ان لكل نبى حوضا، وانهم يتباهون أيهم أكثر واردة. وانى أرجو أن أكون أكثرهم واردة ". أخرجه الترمذى وقال حديث حسن غريب، وفيه سعيد بن بشير ضعيف (¬2) {105}. (وحديث) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " حوضى مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه فلا يظمأ أبدا ". أخرجه الشيخان (¬3) {106}. ¬

(¬1) قال تعالى (ومزاجه من تسنيم (27) (عينا يشرب بها المقربون) (28) المطففين و (التسنيم) أرفع شراب الجنة. (¬2) انظر ص 230 ج 3 تيسير الوصول (الحوض ... ). (¬3) انظر ص 377 ج 11 فتح البارى. وص 55 ج 15 نووى مسلم (الحوض).

(وقال) أنس رضى الله عنه: بينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى المسجد، اذ أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه صاحكا. فقيل: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت على سورة آنفا فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم، انا أعطيناك الكوثر) حتى ختما، قال: اتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله اعلم، قال: انه نهر وعدنيه ربى عز وجل عليه خير كثير. وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة. آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم فأقول: ربى انه من أمتى. فيقول: ما تدرى ما أحدث بعدك ". أخرجه أحمد والخمسة (¬1) {107}. (فائدة) صحح الغزالى أن الحوض قبل الصرط. وكذا القرطبى وقال: المعنى يقتضيه، فان الناس يخرجون من قبورهم عطاشا فناسب تقديم الحوض، وأيضا فان من جاز الصراط لا يتأتى طرده عن الحوض فقد كلمت نجاته. (ورجح) القاضى عياض انه بعد الصراط، وأن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار. ويؤيده من جهة المعنى أن الصراط يسقط منه يسقط من المؤمنين ويخدش فيه من يخدش، ووقوع ذلك للمؤمن بعد شربه من الحوض بعيد فناسب تقديم الصراط حتى اذا خلص من خلص شرب من الحوض. وقيل: يشهد له ما تقدم من ان للحوض ميزابين يصبان فيه من الكوثر. ولو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين وصول ماء الكوثر اليه، ولكن وصول ذلك ممكن. والله على كل شئ قدير (ويمكن) الجمع بأن يكون الشرب ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 1 تيسير الوصول (سورة الكوثر) وص 33 ج 18 - الفتح الربانى. (وأغفى) أى نام نومه. ولا يقال غفا. (فيختلج) مبنى للمفعول أى يجتذب ويقطع.

من الحوض قبل الصراط لقوم، وبعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب حتى يهذبوا منها على الصراط. هذا، ولم يقم دليل صريح على شئ مما ذكر. فالواجب اعتقاده هو أن النبى صلى الله عليه وسلم حوضا تعدجد أو اتحد، تقدم على الصراط أو تاخير. ولا يضرنا جهل ذلك. وقد جاء فى رواية لأحمد عن الحسن عن أنس أن فيه من الأباريق أكثر من عدد نجوم السماء (¬1). وهذا إشارة إلى غاية الكثرة. والله الموفق. 7 - الكوثر: قيل: هو الحوض. والخبار فيه مشهورة. والمعروف المستفيض عند السلف والخلف أنه نهر فى الجنة أعطاه الله النبى صلى الله عليه وسلم. (روى) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "الكوثر نهر فى الجنة، حافتاه الذهب (¬2)، والماء يجرى على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل ". أخرجه أحمد والبخارى والترمذى، وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬3) {108}. (وعن) أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " دخلت الجنة فاذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدى الى ما يجرى فيه الماء، فاذا مسك أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذى أعطاكه الله عز وجل ". أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والترمذى ,وكذا البخارى بلفظ: لما عرج بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الى السماء قال: ¬

(¬1) انظر ص 379 ج 11 فتح البارى (باب فى الحوض). (¬2) حافتاه جانباه. (¬3) انظر ص 337 ج 18 - الفتح الربانى. وص 219 ج 4 تحفة الأحوذى (سورة الكوثر).

أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ محوف، فقلت: ما هذ 1 ايا جبريل؟ قال: هذا الكوثر (¬1) {109}. (وعنه) أيضا أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكوثر؟ قال: هو نهر فى الجنة أعطانيه ربى، جلهو أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كاعناق الجزر. قال عمر: يا رسول الله، انها لناعمة. قال: أكلتها أنعم منها يا عمر. أخرجه أحمد والترمذى وحسنه ابن جرير (¬2) {110}. (وقال) ابن العباس ومجاهد: الكوثر الخير الكثير فى الدنيا والآخرة. ذكره ابن جرير {13} وقال: هذا التفسير يعم النهر وغيره، لأن الكوثر من الكثرة. وقال عطاء بن السائب: قال لى محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جبير فى الكوثر؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير. فقال: صدق والله أنه للخير الكثير (¬3). 8 - الشفاعة: وهى لغة الوسيلة والطلب، وعرفا سؤال الخير للغير. وهى تكون من الأنبياء والعلماء والعاملين والشهداء والصالحين. (روى) عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) انظر ص 338 ج 18 - الفتح الربانى. مختصر. وص 219 ج 4 تحفة الاحوذى. وص 517 ج 8 فتح البارى (سورة الكوثر) (وأذفر). أى بين الذفر - بفتحتين: وهو كل ريح ذكية طيب أو نتن. (¬2) انظر ص 329 ج 3 تحفة الأحوذى (صفة طير الجنة) وص 209 ج 30 جامع البيان (سورة الكوثر) و (الجزر) بضمتين جمع جزور: وهو الواحد من الابل ذكرا كان أو أنثى. (¬3) انظر ص 208 ج 30 جامع البيان.

قال: " يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ". أخرجه ابن ماجه (¬1) {111}. يشفع كل لأهل الكبائر على قدر منزلته عند الله تعالى. ولايلهم أحد ممن ذكر الشفاعة فى اخراج أحد من النار الا بعد انقضاء المدة المحتمة عند الله تعالى. (والحق) أن الشفاعة من باب القضاء المعلق فنفعها ظاهرى. هذا، واعلم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أول فاتح لباب الشفاعة يفتحه بالشفاعة فى فصل القضاء. وهى الشفاعة العظمى المختصة به يغبطه بها الأولون والآخرون: وهى المقام المحمود المشار إليه بقوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُوداً} (79) الإسراء. (قال) أبو هريرة رضى الله عنه: سئل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المقام خالمحمود فى الآية. فقال: " هو المقام الذى أشفع لأمتى فيه " أخرجه أحمد والترمذى وحسنة (¬2) {112}. (وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن. فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك ثم بموسى فيقول كذلك ثم بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فيشفع ليقضى بين الخلق، فيمشى حتى يأخذ بحلقه ¬

(¬1) انظر ص 303 ج 2 - ابن ماجه (الشفاعة). (¬2) انظر ص 195 ج 18 - الفتح الربانى. وص 137 ج 4 تحفة الاحوذى (ومن سورة بنى إسرائيل).

باب الجنة. فيومئذ يبعثة الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم " أخرجه البخارى وابن جرير (¬1) {113}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لكل نبى دعوة مستجابة فتجعل كل نبى دعوته وانى أختبئ دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة فهى نائلة ان شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا " اخرجه مالك والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {114}. (وعن) جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى " أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذى وقال: غريب، وزاد: قال جابر: " من لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة " (¬3) {115}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى اللهعليه وعلى آله وسلم قال: " انا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين فى صعيد واحد فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. فيقول الناس ألا ترون الى ما أنتم فيه؟ ألا تنظرون من يشفع لكم اللا ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض: عليكم بآدم، فيأتونه فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك ال ¬

(¬1) انظر ص 217 ج 3 فتح البارى (من سأل الناس تكثرا - الزكاة). (¬2) انظر ص 231 ج 3 تيسير الوصول (الشفاعة) وص 301 ج 2 - ابن ماجه. (¬3) انظر ص 232 ج 3 تيسير الوصول (الشفاعة). وص 302 ج 2 - ابن ماجه. وأما حديث " لا تنال شفاعتى أهل الكبائر من أمتى " فموضوع.

له بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسنكك الجنة. اشفع لنا الى ربك. ألا ترى الى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول آدم عليه السلام: ان ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله (¬1). وأنه نهانى عن الشجرة فعصيته (¬2) نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى، اذهبوا الى نوح. فيأتون نوحا عليه السلام فيقولون: يا نوح انت اول الرسل الى أهل الأرض، وقد سماك الله عبد شكورا (¬3)، اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وانى قد كانت لى دعوة دعوتها على قومى (¬4) نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى اذهبوا الى ابراهيم عليه السلام. فيأتون ابراهيم عليه السلام فيقولون: أنت نبى الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وانى قد كنت كذبت ثلاث كذبات (¬5) فذكرها، نفسى نفسى نفسى، ¬

(¬1) (من روحه) الإضافة لتعظيم المضاف أى أن الله تعالى نفخ فى آدم روحا خلقها بلا أب ولا أم. والمراد بغضب الله تعالى لازمة وهو إيصال العقوبة إلى المستحق. (¬2) " فعصيته " تقدم أن مثل هذا مخالفة وقعت قبل النبوة سهوا. قال الله تعالى (فنسى ولم نجد له عزما) غير أن الأمر عظم لدية نظرا لعلو فعد نفسه عاصيا من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين ". فالعصيات صورى لا حقيقى لأن العصيان ملابسة الكبيرة قصدا والقصد هنا منتف لقوله " فنسى ". (¬3) قال الله تعالى (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا) آية 3 .. الإسراء .. (¬4) يرد أن له دعوة واحدة محققة الاجابة وقد استوفاها بدعائه على قومه فى الدنيا بقوله (رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا) أى (أحدا) بعض آية 26 - نوح. (¬5) كذبات: اى فى الصورة لا فى الحقيقة لتنزه الرسل عن الكذب والمخلفات، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: أنى سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله فى شأن سارة: هى أختى، وهى من المعاريض. والمعاريض ذكر لفظ يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم.

اذهبوا الى غيرى، اذهبوا الى موسى عليه السلام. فيأتون موسى عليه السلام فيقولون أنت رسول الله، فضلك برسالته وبكلامه على الناس (¬1) اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وانى قتلت نفسا (¬2) لم أومر بقتلها نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى، اذهبوا الى عيسى عليه السلام. فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون: أنت رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه، وكلمت الناس فى المهد (¬3) اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول: ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. (ولم يذكر ذنبا) (¬4) نفسى نفسى نفسى، اذهبوا الى غيرى، أذهبوا الى محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فيأتوننى فيقولون: أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر (¬5)، اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فأنطلق الى تحت العرش فأقع ساجدا لربى، ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلى. ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه، وأشفع تشفع، فأرفع رأسى فأقول: أمتى يارب، ¬

(¬1) (على الناس) أى أهل زمانه (والكليم) وصف غالب عليه كالحبيب لنبينا صلى الله عليه وسلم وان شارك الكليم فى التكليم والخليل فى الخلة على وجه أكمل وأعلى. (¬2) (قتلت) قال تعالى فى آية 15 - القصص " فوكزه موسى فقضى عليه " استعظمه لكونه لم يؤمر به ومثله لا يقدح فى العصمة لأنه خطأ. (¬3) (وكلمته): اى وجد عيسى عليه السلام بقوله تعالى " كن " لا بتوسط ما يجرى مجرى الزوجين، وسمى روحا لأنه حدث عن نفخة جبريل فى درع مريم بأمر الله تعالى. (¬4) (ولم يذكر ذنبا) فى رواية احمد والنسائى. أنى اتخذت الها من دون الله. " اتخذت " مبنى للمجهول. (¬5) المراد بالذنب: ما فرط من خلاف الأولى بالنسبة إلى مقامه صلى الله عليه وسلم وليس بذنب حقيقة لمنافاته العصمة.

أمتى يارب (¬1)، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم منن الباب الأيمن من أبواب الجنة. وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. ثم قال: والذى نفسى بيده ان ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة ةهجر. أو كما بين مكحة وبصرى " أخرجه أحمد والشيخان والترمذى (¬2) {116}. فعلى المكلف أن يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم شافع مقبول الشفاعة، وانه أول شافع وأول من يقضى بين أمته. وأنه أول من يجوز على الصراط بأمته. (روى) أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " انا سيد ¬

(¬1) (ان قيل) أن الحديث فى الشفاعة العظمى وهى عامة فكيف يخصها بقوله: (أمتى)؟ (فالجواب) ان فيه حذفا تقد=يره أنه أذن له فى الشفاعة العظمى فشفع. ثم خص أمته بشفاعة أخرى. يدل عليه ما فى حديث حذيفة وابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الناس ... (الحديث) وفيه .. فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له (يعنى فى الشافعة) وترسل المانة والرحم (لعظم امرهما تصوران مشخصتين كما يريد الله) فتقومان جنبتى (بفتحات: أى جانبى) الصراط يمينا وشمالا فيمر أو لهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال - بالجيم: جمع رجل. وفى رواية بالحاء المهملة: جمع رحل. وشدها: جريها البالغ - تجرى بهم أعمالهم. ونبيكم قائم على الطراط يقول: رب قائم سلم سلم (الحديث) أخرجه مسلم. ص 70 ج 3 نووى. وبهذا يتصل الحديث لأن الشفاعة التى لجأ اليه الناس فيها هى الشفاعة العظمى ثم حلت الشفاعة فى أمته فقال صلى الله عليه وسلم " أمتى أمتى ". (¬2) انظر ص 276 ج 8 فتح البارى (ذرية من حملنا مع نوح - سورة بنى إسرائيل) وص 232 ج 3 تيسير الوصول (الشفاعة) (من حديث أنس وكذا عند أحمد ص 116 ج 3 مسند أحمد وهجر) بفتحتين: بلد قرب المدنية (وبصرى) بضم فسكون: بلد بالشام. والمراد تقرير اتساع ما بين جانبى أبواب الجنة لا تقديره على التحقيق.

ولد آدم يوم القيامة، أول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع " أخرجه مسلم وأبو داود (¬1) {117}. (وللنبى) صلى الله عليه وعلى آله وسلم شفاعات أخرى (منها) ادخال قوم من آمته الجنة بغير حساب. (ومنها) أنه يشفع فى أقوام قد أمر بهم الى النار فيردون عنها (ومنها) اخراج الموحدين من النار. ويشفع لقوم فى رفع درجاتهم، ولمن مات بالحرمين مؤمنا، ولمن سأل له الوسيلة بعد اجابة المؤذن (¬2)، ولعمه ابى طالب فى اخراجه من غمرات النار الى ضحضاح يصل الى كعبيه. (روى) أبو سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح من نالر يبلغ كعبيه يغلى منه دماغه. أخرجه مسلم (¬3) {118}. (9) النار: وهى دار العذاب ومخلوقة الآن فيها الزقوم والغسلين والمهل (¬4) ومقامع من حديد. ومن أنواع العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بلال انسان. جاء بهال الكتاب والسنة. قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا ¬

(¬1) انظر ص 37 ج 15 نووى مسلم (تفصيله صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق). (¬2) انظر الحديث رقم 218 ص 77 ج 2 - الدين الخالص طبعه ثانية. (الصلاة على النبى). (¬3) انظر 85 ج 3 نووى مسلم (شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم لأبى طالب). (¬4) (الزقوم) شجرة من أخبث الشجر المر بتهامة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كرءوس الحيات اذا أكل أهل النار منه يغلى فى بطونهم كغلى الحميم. قال تعالى " أنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم (64) - طلعهاغ كانه رءوس الشياطين " 65 - الصافات و (الغسلين) صديد أهل النار، او شجر فيها (والمهل) ماء عكر كدردى الزيت الأسود يغلى فى البطون كغلى الحميم. وقيل: هو النحاس المذاب.

لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} (29) الكهف. وقال: (هذان خصمان اختصموا فى ربهم، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم، يصهر به ما فى بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد) (¬1). وقال: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) البقرة. وقال: {وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} (91) الشعراء. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أنم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ناركم هذه التى توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال: " فإنها فضلت بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها " أخرجه مالك والشيخان والترمذى، وقال: حسن صحيح (¬2) {121}. (وعن) الحسن عن عتبة بن غزوان أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " ان الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوى فيها سبعين عاما. ¬

(¬1) الحج: 19 و 20 و (الحميم) الماء البالغ نهاية الحرارة يذاب به أحشاؤهم وشحومهم. (روى) أبو هريرة مرفوعا " أن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما فى جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر .. ثم يعاد كما كان " أخرجه ابن جرير والترمذى وقال: حسن صحيح غريب (119) انظر ص 565 ج 5 تفسير ابن كثير (هذان خصمان). و (المقامع) سياط من حديد. (روى) أبو سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لو أن مقمعا من حديد وضع فى الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض " أخرجه أحمد (20) انظر ص 566 ج 5 تفسير ابن كثير. (¬2) انظر ص 238 ج 3 تيسير الوصول (صفة النار).

ما تفضى إلى قرارها، وقال: وكان عمر رضى الله عنه يقول: أكثروا ذكر النار فإن حرها شديد، وأن قعرها بعيد، وأن مقامها حديد " أخرجه الترمذى وقال: لا نعرف للحسن سماعا من عتبة (¬1) {122}. (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرات فى دار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه " أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح (¬2) {123}. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إنى وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله الها آخر، وبالمصورين " أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح غريب (¬3) {124}. (وعن) النعمان بن بشير أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراً كان من نار، يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وأنه لأهونهم عذابا " أخرجه الشيخان والترمذى (¬4) {125}. (وعن) أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ¬

(¬1) انظر ص 238 ج 3 تيسير الوصول (صفة النار). (¬2) انظر ص 238 ج 3 تيسير الوصول (صفة النار). (¬3) انظر ص 239 منه. و (عنق) بضمتين: أى قطعة. و (الجبار) القهار المتكبر (والعنيد) الحائد من الحق كالمعاند له. (¬4) انظر ص 86 ج 3 نووى مسلم (شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم لأبى طالب) وص 243 ج 3 تيسير الوصول (أهل النار).

" يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع. فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذى غصة، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص فى الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب، فيدفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوهم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم فيقولون: أدعوا خزنة جهنم يخففون عنا، فيدعونهم، فيقولون: ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات. قالوا: بلى قالوا: فادعوا وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال. فيقولون ادعوا مالكا فيقولون: يا مالك ليقض علينا ربك. فيجيبهم أنكم ماكثون. فيقولون: نبئت أن بين دعائهم وبين اجابة مالك إياهم ألف عام فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم، فيقولون: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال: فيجيبهم (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير، وعند ذلك يأخذون فى الزفير والشهيق ويدعون بالحسرة والويل، والثبور " أخرجه البيهقى والترمذى وقال: والناس لا يرفعون هذا الحديث (¬1) {126}. (ولهذه) الأدلة أجمعت الأمة. على أن النار موجودة الآن والحقيقة ممكنة فلا وجه للعدول عنها. هذا، واعلم انه لا يخلد فى النار موحد، ولو ارتكب الكبائر، وفاء بوعده تعالى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (48) النساء. وقوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ¬

(¬1) انظر ص 44 ج 3 تحفة الأحوذى (صفة طعام أهل النار) و (الضريع) نبت بالحجاز له شوك (ويجيزون) من الأجازة بالزاى أى بسيغون من الاساغة (والكلاليب) جمع كلوب بفتح فشد حديدة لها شعب يعلق بها اللحم. و (اخسئوا) أى اسكتوا سكوت ذل وهوان (والزفير) اخراج النفس بشدة (والشهيق) رده. و (لا يرفعون) بل برونه موقوفا على أبى الدرداء وهو فى حكم المرفوع.

يره) " واحتمال " دخوله الجنة أولا جزاء لمال عمله من الخير. ثم يدخل النار عقابا لما عمله من الشر " يبطله " قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (48) الحجر وقوله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ} (185) آل عمران. فهذا يدل على أن استيفاء الأجر بالنسبة لمن يدخل النار لا يكون الا بعد الخروج منها. (وأدل) منه حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون فى نهر الحياة. فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل. ألم تر أنها صفراء ملتوية " أخرجه الشيخان والنسائى (¬1) {127} (وحديث) أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال " يخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبه وزن شعيرة من خير. ويخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبه وزن برة من خير. ويخرج من النار من قال لا اله الا الله وفى قلبه وزن ذرة من خير " أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح (¬2) {128}. ¬

(¬1) انظر ص 55 ج 1 فتح البارى (تفاضل أهل الايمان فى الأعمال) وص 35 ج 3 نووى مسلم وصدره: يدخل الله أهل الجنة الجنة (أخراج الموحدين من النار) و (نهر الحياة) نهر يحيا به من انغمس فيه. (¬2) انظر ص 77 ج 3 فتح البارى (زيادة الايمان ونقصانه) وص 59 ج 3 نووى مسلم (الشفاعة) وص 346 ج 3 تحفة الأحوذى. و (يخرج) بفتح أوله وضم الراء ويروى بالعكس ويؤيده ما فى رواية الترمذى " اخرجوا ".

10 - الجنة وهى دار الثواب، والنعيم المقيم. فيها الحور العين، والولدان، ولحم الطير، والفواكه، والأنهار الجارية من الماء واللبن والعسل والخمر، والسرر، والحرير، والذهب، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. جاء بها الكتاب والسنة. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} (¬1). وقال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} (90) الشعراء. أى قربت لهم بحيث يشاهدونا فى الموقف. ويعرفون ما فيها فتحصل لهم البهجة والسرور. وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فان الجنة هى المأوى} (¬2) وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (123) آل عمران. (وعن) أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى: " أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولآ أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ". قال أبو هريرة: اقرءوا ان شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) أخرجه الشيخان والترمذى وابن ماجه وزاد البخارى فى رواية: وقال محمد ابن كعب: انهم أخفوا لله عملا فأخفى لهم ثوابا. فلو قدموا عليه، أقر تلك العين (¬3) {129}. (وعنه) قال: قلت يا رسول الله: الجنة ما بناؤها؟ قال لبنه من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت. وترابها الزعفران. ¬

(¬1) الكهف: 107 و 108. و (الفردوس) وسط الجنة وأعلاها (والنزل) المنزل أو ما يهيأ للضيف. و (لا يبغون عنها حولا) أى لا يطلبون عنها تحولا وانتقالا الى غيرها. (¬2) النازعات: 40 و 41 (ومقام الرب) الوقوف للحساب. (¬3) انظر ص 235 ج 3 تيسير الوصول. وص 305 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة).

من يدخلها ينعم ولا يبؤس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم (الحديث) أخرجه أحمد والدرامى والبزار وابن حبان والترمذى (¬1) {130}. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ان أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة للبدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درى فى السماء اضاءة لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الالوة أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم. ستون ذراعا فى السماء. أخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {131}. (وعن) ابى سعيد الخرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المؤمن اذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله ووضعه وسنة فى ساعة كما يشتهى. أخرجه أحمد وابن ماجه والدرامى والترمذى وقال: حسن غريب (¬3) {132}. وقد اختلف أهل العلم فى هذا. فقال بعضهم: فى الجنة جماع ولا يكون ¬

(¬1) ص 333 ج 2 سنن الدرامى (بناء الجنة) وص 323، 324 ج 3 تحفة الأحوذى (صفة الجنة ونعيمها) و (الملاط) بكسر الميم: الطين يصلح به الحائط (ولا يبؤس) أى لا يحزن يقال بؤس يبؤس بالضم فيهما: اذا اشتد حزنه، ويقال بئس كسمع أشتدت حاجته. (¬2) انظر ص 240 ج 3 تيسير الوصول (أهل الجنة) وص 306 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) و (الرشح) العرق (والمجامر) جمع مجمرة بكسر فسكون: وهو ما يوضح فيه النار والبخور. (والألوة) بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وتشديد الواو: العود الذى يتبخر به. والظاهر أنها تفوح بغير نار. فان الجنة لا نار فيها. (¬3) انظر ص 338 ج 3 تحفة الاحوذى (ما لأهل الجنة من الكرامة) وص 337 ج 2 سنن الدرامى (ولد أهل الجنة) وص 308 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) (وسنة) أى كمال سنة وهو 30 سنة.

ولد (وقال) محمد يعنى البخارى. وقد روى عن أبى رزين العقيلى عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد ". (وعن) أسامة بن زيد أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذات يوم لأصحابه: ألا مشمر للجنة؟ فان الجنة لا خطر لها هى ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانه تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، حلل كثيرة فى مقام أبدا فى حبرة ونضرة فى دور عالية سليمة بهية، قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله. قال قولوا إن شاء الله. ثم ذكر الجهاد وحض عليه. أخرجه ابن ماجه وابن حبان (¬1) {133}. (وعن) سعيد بن المسيب أنه لقى أبا هريرة فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بينى وبينك فى سوق الجنة قال سعيد: أو فيها سوق؟ قال: نعم. أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم فى مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا. فيزورون الله عز وجل. ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم نابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم- وما فيهم دنئ- على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) و (لا خطر) بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحين (لها) أى لا مثل لها. و (تهتز) أى تتحرك بهبوب الريح. وهو من باب التشبيه البليغ: أى هى كالريحانة فى الاهتزاز. وكالزوجة الجميلة. أو الكلام على التقدير. والمعنى: الجنة فيها النور والأزواج الحسان الى غير ذلك. و (مقام) بفتح الميم وضمها: أى خالدين فيها أبدا. و (الحبرة) بفتح الحاء وسكون الباء: النعمة وسعة العيش (والنضرة) البهجة والحسن.

مجلسا. قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ قال نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا لا. قال كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم عز وجل. ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله عز وجل محاضرة حتى أنه يقول للرجل منكم: ألا تذكر يا فلان يوم عملت كذا وكذا؟ يذكره بعض غدارته في الدنيا (¬1) فيقول يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتب بلغت منزلتك هذه. فبينما هم كذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط. ثم يقول: قولوا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال: فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة. فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب قال. فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها شيء ولا يشتري. وفي ذلك السوق يلقي أهل الجنة بعضهم بعضا. فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقي من هو دونه- وما فيهم دنئ- فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها. ثم ننصرف إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحبا وأهلا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فراقتنا عليه. فنقول: أنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ¬

(¬1) المراد بالسوق مكان يجتمعون فيه فقي كل مقدار أسبوع. وليس هناك أسبوع حقيقة، لفقد الشمس والنهار والليل (فيزورون الله .. الخ) هو من المتشابه المصروف عن ظاهره باتفاق السلف والخلف لقوله تعالى "ليس كمثله شيء" و (أدناهم) أي أقلهم منزلة بالنسبة إلى غيره. و (كثبان) بضم فسكون جمع كثيب. وهو ما اجتمع من الرمل كالتل. و (هل تتمارون) أي هل تشكون؟ والمراد أن المؤمنين يرون الله تعالى في الجنة رؤية لا شك فيها من غير كيفية ولا انحصار ولا مقابلة ولا يعلم حقيقتها إلا الله عز وجل (والمراد بالمحاضرة) كشف الحجاب عن أهل الجنة كلهم للرؤية بدون واسطة. وهو من المتشابه أيضا. (غدرات) بفتحات- جمع غدرة: أي يذكره بعض معاصيه في الدنيا.

ما انقلبنا. أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفيه عبد الحميد كاتب الأوزاعي مختلف فيه وبقية رجاله ثقات (¬1) {134}. (وعن) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة. وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد "لكن أخرجه ابن حبان من حديث ابن وهب وهو من الأعلام الثقات الأثبات" عن عمرو ابن الحارث (¬2) {135}. (وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة. وتسفعه النار (¬3) مرة. فإذا جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الله الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله تعالى شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول: يارب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بها وأشرب من مائها. فيقول الله: يا بن آدم لعلي أن أعطيتكها تسألني غيرها. فيقول: لا يارب، ويعاهده ألا يسأله غيرها. ¬

(¬1) انظر ص 307 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة) وص 231 ج 2 تحفة الأحوذي (سوق الجنة) (فيروعه) أي فيعجبه، مضارع راعه الشيء: أعجبه و (بتخيل) مبنى للفاعل: أي يظهر عليه أن لباسه أحسن من لباس صاحبه (وبحقنا .. ) أي بحق ننا أن نرجع بمثل ما رجعنا حيث كنا في كرامة ربنا. (¬2) انظر ص 338 ج 3 تحفة الأحوذي (مالأدنى أهل الجنة من الكرامة) و (الجابية) بكسر الباء وتخفيف الياء: قربة قرب دمش. (¬3) تسعفه: أي تلفحه لفحا يسيرا يغير لون البشرة.

وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى. فيقول: يا رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يابن آدم: ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ لعلي أن أدنيتك منها تسألني غيرها. فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين. فيقول: يا رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها. لا أسألك غيرها. فيقول: يا بن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها. فإذا أدنى منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول أي رب أدخلني الجنة. فيقول: يا بن آدم ما يصريني منك أيرضيك أن أعطيتك قدر الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: يا رب أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني مم ضحكت؟ فقيل مم تضحك؟ فقال هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم فقيل مم تضحك؟ فقال من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول أني لا أستهزئ بك، ولكني على ما أشاء قادر". أخرجه أحمد ومسلم (¬1) { 136}. (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما منكم من أحد إلإ له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا مات فدخل ¬

(¬1) انظر ص 246 ج 3 تيسير الوصول. (.ما اشتركتا- الجنة والنار- فيه) و (ما يصريني) بضم ففتح فشد الراء. أي ما الذي يرضيك ويقطع مسألتك من التصرية، وهي الجمع والقطع. ومنه المصراة التي جمع لبنها وقطع حلبها.

النار ورث أهل الجنة منزله. فذلك قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون). أخرجه ابن ماجه (¬1) {137}. 11 - الخلود: يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الجنة والنار خالدتان وأهلهما مخلدون لا يفنون. وهذا ثابت بالكتاب والسنة واجماع الأمة. قال الله تعالى: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشى ربه) (¬2). (وعن) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، يأهل النار لا موت. فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم. ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم". أخرجه أحمد والشيخان واللفظ للبخاري. وفي رواية "خلود فلا موت (¬3) " {138}. ¬

(¬1) انظر ص 308 ج 2 - ابن ماجه (صفة الجنة). (¬2) سورة البينة آية 6 إلى 8. و (جنات عدن) أي دار إقامة (رضي الله عنهم) بطاعتهم أياه (ورضوا عنه) بما أعطاهمو من الثواب والنعيم المقيم. (¬3) انظر ص 333 ج 11 فتح الباري (صفة الجنة والنار) و"ذبح الموت" كناية عن اليأس من مفارقة الحالتين في الجنة والنار والخلود فيهما. ويحتمل أن يكون الذبح على حقيقته لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتي بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يأهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه. ثم ينادي: يأهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه. فيذبح ثم يقول يأهل الجنة خلومد فلا موت. ويأهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة" وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا. وهم لا يؤمنون أخرجه البخاري {139} انظر ص 299 ج 8 فتح الباري (وأنذرهم يوم الحسرة). ... (قال) القرطبي: الحكمة في كون الكبش أملح. أن بجمع بين صفتي أهل الجنة والنار السواد والبياض.

12 - رؤية الله تعالى: أعلم أن أهل السنة أجمعوا على أن رؤية الله تعالى ممكنة عقلا واجبة نقلا واقعة في الآخرة للمؤمنين دون الكافرين بلا كيف ولا انحصار. فيرى سبحانه وتعالى لا في مكان ولا جهة من مقابلة أو اتصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى. فإن الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك. فلا يلزم من رؤيته تعالى إثبات جهة له. بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة (وقد) تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك. قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) (¬1) وقال: (كلا أنهم عن ربهم يؤمئذ لمحجوبون) (¬2). (وقال) جرير بن عبد الله: نظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون فلي رؤيته. فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم ثرأ: وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل ¬

(¬1) سورة القيامة آية 22 و 23 أي وجوه المؤمنين يوم القيامة حسنة مضيئة ناظرة إلى ربها بلا جهة ولا كيفية. (¬2) سورة المطففين آية 15 - أي أن الكفار ممنوعون عن رؤية الله تعالى.

الغروب. أخرجه السبعة إلا النسائي (¬1) {140}. (وعن) صهيب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا أزيدكم؟ قال فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. ثم تلا: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) أخرجه مسلم والترمذي (¬2) {141}. (وأما) (رؤيته تعالى في الدنيا فهي ممكنة، ولذا طلبها سيدنا موسى عليه السلام، فعلق الله تعالى حصولها له على استقرار الجبل حين يتجلى الله تعالى عليه، فلم يستقر الجبل حينئذ ولم تحصل له عليه السلام مع إمكانها كما أشير إلى ذلك بقوله تعالى: "قال رب أرني أنظر إليك، قال لن تراني، ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) (¬3) ¬

(¬1) انظر ص 247 ج 3 تيسير الوصول (رؤية الله تعالى) وص 360 ج 4 مسند أحمد و (لا تضامون) بضم أوله وتخفيف الميم. أي لا ينالكم ضيم ولا ظلم في رؤيته. أو بتشديد الميم. أي لا ينضم بعضكم إلى بعض. كما يكون ذلك عند رؤية الشيء الخفي. ومرجع التشبيه بالقمر إلى الوضوح لا للجسمية ولا للجهة ولا للإضاءة، لأن هذا كله مستحيل. بل المعنى أنكم ترون ربكم رؤية لإخفاء ولا شك فيها كرؤيتكم القمبر ليلة تمامه. (¬2) انظر ص 247 ج 3 تيسير الوصول (رؤية الله تعالى) (فيكشف الحجاب) أي عن أهل الجنة لا عن الله فإنه تعالى لا يحجبه شيء. و (للذين أحسنو) لأنفسهم بالإيمان والعمل الصالح. و (الحسنى) الجنة. والزيادة نظر أهل الجنة إلى الله تعالى. (¬3) سورة الأعراف آية 143 علق الله رؤيته على جائز وهو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز. وفي هذا رد على من زعم أن (لن) تفيد تابيد النفي. فالرؤية مستحيلة.

ولم تقع إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة أسرى به على الراجح (روى) ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة أسرى به، والشجرة الملعونة في القرآن، قال: هي شجرة الزقوم. أخرجه البخاري والترمذي (¬1) {142}. وبالرؤية قال ابن عباس وأبو هريرة وأحمد وأبو الحسن الأشعري وجماعة. وأنكرتها عائشة رضي الله عنها. قال مسروق: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) {103} الأنعام. ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب. ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) من آية (34) لقمان. ومن حدثك أنه كتم شيئا من الوحي فقد كذب. ثم قرأت: (يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (الآية 67 المائدة). ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجه الشيخان والترمذي (¬2) {14}. (والمختار) ما ذهب إليه ابن عباس والجمهور: والحجج في هذه المسألة كثيرة ولكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما ومن وافقه. ¬

(¬1) انظر ص 137 ج 1 تيسير الوصول (سورة بني إسرائيل). (¬2) انظر ص 247 ج 3 تيسير الوصول (رؤية الله) و (قف) بفتح القاف وشد الفاء أي قام شعر رأسي وبدني فزعا.

والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة، والمرجع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة وراسله، هل رأى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه (ولا يقدح) في هذا أثر عائشة رضي الله عنها، لأنها لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لم أر ربي. وإنما ذكرت متأوله لقول الله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا) {51} الشورى. ولقول الله تعالى: (لا تدركه الأبصار). (والصحابي) إذا قال قولا وخالفه غيره منهم، لم يكن قوله حجة. فإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية، وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد ثم أنه أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. (فالحاصل) أن الراجح عند أكثر العلماء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لما تقدم. ثم أن عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث ولو كان معها فيه حديث لذكرته. وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات (فأما احتجاجها) بآية "لا تدركه الأبصار" "فجوابه" أن الإدراك هو الحاطة. والله لا يحاط به، ولا يلزم من نفى الإحاطة نفي الرؤية بلا إحاطة "وأما احتجاجها" بآية (وما كان لبشر أن يكمه الله إلا وحيا) "فجوابه" أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية. فيجوز حصول الرؤية بلا كلام، أو أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة (¬1). وكل ما تقدم أخبر به الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والعقل يجوزه. فيجب الإيمان به من غير بحث في حقيقته. ومن أخل بشيء مما ذكر، فيسري جزاء تفريطه يوم الحساب، والعرض على رب الأرباب. ¬

(¬1) انظر ص 5 ج 3 شرح مسلم للنووي المطبعة المصرية (إثبات رؤية الله تعالى).

(و) القضاء والقدر

(و) القضاء والقدر القضاء (لغة) الخلق والأمر والحكم. قال تعالى: "فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها" (12) فصلت. أي خلقهن. وقال تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) (23) الإسراء أي أمر (وعرفا) هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، أي وجود الأشياء في أم الكتاب مجملة (والقدر) لغة التقدير وهو جعل كل شيء بمقدار يناسبه بلا تفاوت "وعرفا" جزئيا حكم القضاء وتفاصيله التي تقع فيما لا يزال (¬1) قال تعالى: (وأن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) (21) الحجر. ومعناه أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة. فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وهو بهذا المعنى يعم القضاء بالمعنى السابق. (وقال) الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله تعالى العبد على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الأخبار عن تقدم علم الله تعالى بما يكون من اكتسابات العبد وصدورها عن تقدير من الله تعالى وخلقه لها خيرها وشرها. والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر (¬2) (ويجب) الإيمان والرضا لقوله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديرًا) آية (2) الفرقان. وقوله: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (49) القمر ¬

(¬1) الأزل القدم والأزلي القديم أصله يزلي نسبة ليزل من قولهم للقديم لم يزل ثم أبدلت ألياء همزة لأنها أخف (ومالا يزال) زمن وجود الحوادث. (¬2) انظر ص 154 ج 1 شرح مسلم (إثبات القدر).

ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث جبريل: "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (¬1) ". ولحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (¬2) {143}. (هذا) ما عليه أهل السنة والجماعة (فيجب) على المكلف أن يعتقد أن جميع أفعال العباد بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى يريد الكفر من العبد ويشاؤه، ولا يرضاه ولا يحبه له. فيشاؤه كونا ولا يرضاه دينا وأن كل إنسان ميسر لما خلق له وأن الأعمال بالخواتيم فالسعيد من سعد بقضاء الله وقدره، فيوفقه تعالى للعمل بالشريعة الغراء إلى أن يموت على ذلك. والشقي من شقى بقضاء الله وقدره، فيموت على الكفر والعياذ بالله تعالى. (قال) على بن أبي طالب رضي الله عنه: كنا في جنازة ببقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى عليه وعلى ىله وسلم فقعد وقعدنا حوله وبيده مخصرة فجعل ينكت بها الأرض ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة. فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: أعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل الشقاء. ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى ¬

(¬1) حديث جبريل تقدم رقم 9 صفحة 11. (¬2) انظر ص 172 ج 3 تيسير الوصول (الرضا بالقدر) وص 22 ج 1 - ابن ماجه (القدر).

وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) الآية. أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬1) {144}. (وعن) جابر رضي الله عنه قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل اليوم؟ فيما جفت الأقلام وجرت به المقادير أم فيما يستقبل؟ قال: فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: أعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله. أخرجه مسلم (¬2) {145}. (وعن) سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيبدو للناس وهو من أهل الجنة". أخرجه الشيخان. وزاد البخاري: وإنما الأعمال بالخواتيم (¬3) {146}. (والأحاديث) والآثار في هذا الباب كثيرة. وفيها رد على القدرية الذين يزعمون أن أفعال العباد مقدرة لهم واقعة منهم استقلالا بواسطة الأقدار والتمكين (وقد) اتفق لشخص منهم أنه رفع رجله بحضرة رجل من أهل السنة وقال: أني رفعت رجلي عن الأرض بقدرتي. فقال له السني: فإذا ارفع رجلك الأخرى فلم يدر له جوابا (وفيها) رد عليهم أيضا في زعمهم أن الله يخلق الخير ولا يخلق ¬

(¬1) انظر ص 170 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (الغرقد) بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء. مقبرة أهل المدينة. سميت بذلك لأنها كان فيها غرقد وهو شجر له شوك. و (المخصرة) بكسر فسكون. ما يمسكه الإنسان بيده من عصا ونحوها. (¬2) انظر ص 170 ج 3 تيسير الوصول (العمل مع القدر) و (الغرقد) بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء، مقبرة أهل المدينة. سميت بذلك لأنها كان فيها غرقد وهو شجر له شوك. و (المخصرة) بكسر فسكون. ما يمسكه الإنسان بيده من عصا ونحوها. (¬3) انظر ص 333 ج 7 فتح الباري (غزوة خيبر) وص 124 ج 2 نووي مسلم (تحريم قتل الإنسان نفسه- الإيمان).

الشر كالمعاصي والكفر. وهو زعم باطل. إذ لو كان العبد يخلق الشر والمخالفات وهي أكثر وقوعا من الطاعات لكان أكثر ما يجري في الوجود من أفعال العباد لا يكون بخلق الله وإيجاده، بل بخلقهم وإيجادهم وذلك جلى البطلان، لأن الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتأثير على وفق علمه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدهم. أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي حازم عن عمر. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين أن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر (¬1) {147}. (وشبههم) صلى الله عليه وسلم بالمجوس حيث فرقوا بين أفعال الله عز وجل فجعلوا بعضها له وبعضها لغيره (قال) الخاطبي: إنما جعلهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجوسا، لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة. يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة، فصاروا ثنوية. (وكذلك) القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره. والله خالق الخير والشر جميعا، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقا وإيجادا، وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا واكتسابا (وفيها) رد أيضا على المعتزلة الذين زعموا أن الله تعالى شاء الإيمان من الكافر فشاء الكافر الكفر. وهو زعم باطل فإنه يلزمه وقوع مشيئة الكافر دون مشيئة الله عز وجل. وهذا من أقبح الاعتقاد، إذ هو مخالف للأدلة القطعية وفيه تعطيل لإرادة الله تعالى، ¬

(¬1) انظر ص 222 ج 4 سنن أبي داود (في القدر) ولم يسمع أبون حازم من أبن عمر فالحديث منقطع.

وقد قامت الأدلة العقلية والنقلية على وجوب الإرادة لله تعالى، وأنه لا يقع في الكون إلا ما أراده رب العالمين وكيف وهو الذي يقول (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (68) القصص. وتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" (¬1) (ومنشأ) خطئهم التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضا. (فقالت) الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فهو محبوب مرضي. (وقالت) القدرية: ليست المعاصي محبوبة ولا مرضية الله تعالى، فليست مقدرة ولا مقضية فهي خارجة عن مشيئته وخلقه (وقد دل) على الفرق بين الإرادة والرضا الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة. قال تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (13) سورة السجدة. وقال تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ ) (99) سورة يونس وقال (وما تشاءون إلا أن يشاء الله، إن الله كان عليما حكيما) (30) سورة الإنسان. وقال (من يشاء) (الله يضلله، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) (39) سورة الأنعام. وقال (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يردن أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) (125) سورة الأنعام. وقال (ذو العرش المجيد (15) (فعال لما يريد) (16) سورة البروج وقال (والله لا يحب الفساد) (205) البقرة. وقال (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) (7) سورة الزمر. ¬

(¬1) تقدم بالحديث رقم 12 ص 14، وصدره: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت.

(وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأدت البنات ومنعا وهات. وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. أخرجه مسلم (¬1) {148}. (وقال) ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله تعالى يحب ان تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه" أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان (¬2) {149}. (وقالت) عائشة رضي الله عنها. فقدت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الفراش فوقعت يدي على بطن قدميه وهو ساجد يقول: "اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" أخرجه مسلم والأربعة (¬3) {150}. (فتأمل) استعاذته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصفة الرضا من صفة السخط وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول للصفة، والثاني لأثرها المترتب عليها. ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه وتعالى، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره فهو يقول: ما أعوذ منه واقع بمشيئتك وغرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك، هو بمشيئتك وإرادتك إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فأعذني مما أكره وامنعه أن يحل بي، وهو بمشيئتك أيضا. فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك ¬

(¬1) انظر ص 11 ن 12 ج 11 نووي مسلم (النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة). (¬2) انظر رقم 1879 ص 292 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر رقم 1521 ص 139 ج 2 فيض القدير.

(فإن قيل) كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه (قيل) أن المراد نوعان: مراد لنفسه ومراد لغيره. (فالمراد) لنفسه مطلوب ومحبوب لذاته وما فيه من الخير. والمراد لغيره قد لا يكون مقصودا لمن يريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوره ومرادهن فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث أنه وسيلة إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما. وهذا كدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتاكل إذا علم أن في قطعة بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه واردته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف بمن لا يخفي عليه خافية. فهو سبحانه يكره الشيء وقد يريده لكونه سببا إلى أمر هو محبوب إليه. (من ذلك) أنه خلق إبليس الذي هو سبب فساد الأعمال والاعتقادات، وسبب لشقاوة كثير من العباد وعملهم بما يغضب الرب سبحانه وتعالى، وهو السعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة الله تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها (منها) أنه يظهر للعباد قدرة الله تعالى على خلق المتضادات المتقابلات. فخلق هذه الذات التي هي أخبث الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي سبب كل خير. كما ظهرت في خلق الليل والنهار والدواء والدراء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر، وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات وقابل بعضها ببعض وجعلها محال تصرفه وتدبيره، فخلو العالم عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفة وتدبير ممتلكته (ومنها) ظهور آثار أسمائه القهرية. مثل القهار، والمنتقم، والضار، والشديد العقاب، والسريع الحساب، وذي البطش الشديد، والخافض، والرافع، والمعز، والمذل، فإن هذه الأسماء والأفعال كمالات

لابد من وجود متعلقها ولو كان الجن والأنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء (ومنها) ظهور آثار أسمائه المتضمنة كلأه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء، لتعطلت هذه الحكم والفوائد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هذا بقوله: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. أخرجه مسلم عن الأسباب المفضية على ظهور آثار هذه الأسماء، لتعطلت هذه الحكم والفوائد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هذا بقوله: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. أخرجه مسلم عن أبي هريرة (¬1) {151}. (ومنها) ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه ولا ينزل في غير منزلته التي قتضيها كمال علمه وتمام حكمته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته وأعلم بمن يصلح لقوبها ويشكر له جميل صنعه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك. فلو قدر عدم الأسباب المكروهة لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة. ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر لتعطيل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي في تلك الأسباب. وهذا كالشمس والمطر والرياح التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر (ومنها) حصول الطاعات المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت. فإن طاعة الجهاد من أحب أنواع الطاعة، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه الطاعة. وتوابعها من الموالاة الله تعالى والمعاداة فيه، وطاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفة الهوى، وإيثار محاب الله تعالى والتوبة والاستغفار والصبر، والاستعاذة بالله أن يجيره ¬

(¬1) انظر ص 65 ج 17 نووي مسلم (سقوط الذنوب بالاستغفار).

من عدوه ويعصمه من كيده واذاه إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها. (هذا) وأعلم أن الله تعالى لم يخلق شرا محضا من جميع الوجوه فإن حكمته تابى ذلك، فلا يمكن في جانبه تعالى أن يريد شيئا يكون فاسدا من كل وجه لا مصلحة في خلقه بوجه ما. فإنه تعالى بيده الخير كله، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير. والشر إنما حصل لعدم النسبة إليه، فلو كان غليه لم يكن شرا وهو من حيث نسبته إليه تعالى خلقا ومشيئة ليس بشر، والشرب الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه. والعدم ليس بشيء حتى ينسب إلى من بيده الخير. وبهذا يظهر رد الله تعالى على المشركين بقوله (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) (148) سورة الأنعام. وإيضاح ذلك أن أسباب الخير ثلاثة: الأبجاد والإعداد والإمداد. فإيجاد الشيء خير وهو إلى الله، وكذلك إعداده وإمداده. فإذا لم يحدث فيه إعداد ولا إمداد، حصل فيه الشر. وهذا يسمى بالتخلية أي أن خلى الله بين العبد وبين نفسه ولم يمده بأسباب الوقاية من الشر وقع فيه. (فإن قيل) كيف يرضى لعبده شيئا ولا يعينه عليه (قيل) لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له. وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه تعالى من محبته لتلك الطاعة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) (46) سورة التوبة. أخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو طاعة، فلما كرهه منهم ثبطهم عنه. ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي تترتب على خروجهم مع رسول الله صلى

الله عليه وعلى آله وسلم فقال (لو خرجوا فيكم ما زادكم إلا خبالا) أي فسادا وشرا (ولأوضعوا خلالكم) أي سعوا بينكم بالفساد والشر (بيعونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) أي قابلون منهم مستجيبون لهم فيتولد من سعي هؤلاء وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه. (ولا يقال) إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله، فكيف ننكره ونكرهه؟ (لأنا) نقول "أولا" نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة. بل من المقضي ما يرضي به، ومنه ما يسخط ويمقت "ثانيا" هنا أمران: قضاء الله وهو فعل قائم بذات الله تعالى. ومقضي وهو المفعول المنفصل عنه المتعلق بالعبد المنسوب إليه. فالقضاء كله خير وعدل وحكمة نرضى به كله. والمقضي قسمان: منه ما نرضى به، ومنه ما لا نرضى به، فمثلا: قتل النفس له اعتباران "فمن حيث" قدرة الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول ونهاية لعمره نرضى به "ومن حيث" صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله "نسخطه" ولا نرضى به. (فهذا جملة) ما يحتاج إليه- في القضاء والقدر- من نور الله قلبه من المؤمنين الراسخين في العلم فإن العلم علمان: معروف للخلق، وغير معروف لهم (فالمعروف) علم الشريعة الذي جاءت به الرسل جملة وتفصيلا أصولا وفروعا. فمن أنكره كان من الكافرين (وغير المعروف) علم القدر الذي أخفاه الله عن خلقه ونهاهم عن البحث فيه، فمن أدعى معرفته وترك العمل بظاهر الشريعة اعتمادا على ذلك فهو من الخاسرين (فالمؤمن) الصادق هو الذي يعمل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويفوض علم القضاء والقدر إلى الله عز وجل.

كلمة التوحيد

(وإنما أطلت) الكلام في هذا لمزيد فائدته، وهلاك كثير من الناس بسبب الجهل به والخوض فيه والله الهادي إلى سواء السبيل. كلمة التوحيد هي "لا إله لا الله، محمد رسول الله" ويتعلق بها خمسة أمور: (أ) ضبطها: ينبغي ترقيق حروفها ما عدا لام الله. وأن تمد "لا" مدا طبيعيا إلى ست حركات. وتحقيق همزة إله. وتمد لأمها مدا طبيعيا. وتفتح هاؤها فتح أبينا بلا إشباع. وتحقيق همزة إلا بلا إشباع وتشدد لأمها ويفخم لفظ الجلالة. وتضم الهاء وصلا، وتسكن وقفا، وحينئذ يجوز مد لفظ الجلالة إلى ست حركات. (ب) فضل لا إله لا الله: قد ورد في فضلها أحاديث كثيرة (منها). 1 - حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. أخرجه مالك والتعرمذي واللفظ له، وقال: حديث غريب (¬1) {152}. 2 - حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: افضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله. أخرجه أحمد والنسائي والترمذي ¬

(¬1) انظر ص 27 ج 2 تيسير الوصول (دعاء يوم عرفة).

وقال: حسن غريب وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه (¬1) {153}. 3 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: قال موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب علمني ما اذكر: به وأدعوك به. فقال: يا موسى قال: لا إله إلى الله. قال موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: قل لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا أنت. إنما أريد شيئا تخصني به. قال: يا موسى لو أن السموات السبع، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله. أخرجه النسائي وابن حبان (¬2) {154}. 4 - حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه. أخرجه الترمذي (¬3) {155}. (جـ) حكم النطق بكلمة التوحيد: يجب على من نشأ مؤمنا، أن يذكرها في العمر مرة ناويا أداء الواجب، وإلا فهو عاص. ثم ينبغي له الإكثار من ذكرها عارفا معناها مستحضرا ما احتوت عليه لينتفع بذكرها دنيا وأخرى. ¬

(¬1) انظر رقم 1253 ص 33 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر رقم 9 ص 75 ج 3 - الترغيب والترهيب طبعة الحلبي (الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد) وأطلق على الحمد دعاء على سبيل التجوز. لأن الحمد يتضمن الدعاء لقوله تعالى "لئن شكرتهم لأزيدنكم" أي فمن حمد الله تعالى كأنه يقول رب أدم على نعمتك وزدني منها. (¬3) انظر رقم 3403 ص 282 ج 3 فيض القدير. و (تخلص إليه) من المتشابه المصروف من ظاهره باتفاق السلف والخلف.

فتتفجر ينابيع الحكم من قلبه، ويرى لها من الأسرار والعجائب إن شاء الله تعالى مالا يدخل تحت حصر. (وأما الكافر) الذي يريد الدخول في الإسلام، فذكره لها ليس شرطا في صحة إيمانه ولا جزءا من مفهومه "وإنما جعل" الشرع النطق بالشهادتين "شرطا" لازما لإجراء الأحكام الدنيوية على المؤمن كالصلاة خلفه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وتزوجه مسلمة "فإذا لم ينطق" بهما لعذر كالخرس، أو لم يتمكن من النطق بهما، بأن مات عقب إيمانه بقلبه، أو اتفق له عدم النطق بهما بعد الإيمان بقلبه "فهو مؤمن" عند الله وناج في الآخرة "وأما من أمتنع" عن النطق بهما عنادا بعد أن عرض عليه ذلك "فهو كافر" والعياذ بالله تعالى ولا عبرة بتصديقه القلبي مع هذا الامتناع. (د) ما تضمنته من العقائد: كل ما تقدم من العقائد يندرج في كلمة التوحيد. وذلك أن معنى لا إله إلا الله "لا معبود بحق إلا الله" (ويلزم) هذا المعنى أن يكون غنيا عن كل ما سواه، وأن يفتقر إليه كل ما عداه. (ويلزم) كونه غنيا عن كل ما سواه، (أ) وجوب الوجود له والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والسمع والبصر والكلام، وعدم الغرض في فعل ما أو حكم ما، وعدم التأثير بالقوة المودعة، وعدم وجوب فعل عليه تعالى (ب) واستحالة العدم والحدوث. والفناء. والمماثلة للحوادث، والاحتياج لموجد أو ذات يقوم بها. والصمم. والعمي. والبكم. والتأثير بالقوة المودعة، والغرض في فعل أو حكم ما. واستحالة وجوب فعل عليه تعالى. فهذه اثنتان وعشرون عقيدة. منها الواجب له تعالى. ومنها المستحيل في حقه تعالى.

(ويلزم) كونه مفتقرا إليهم كل ما عداه (أ) وجوب الوحدانية له تعالى في الذات والصفات والأفعال، والحياة والعلم والإرادة والقدرة، وحدوث العالم، وعدم التأثير بالعلة والطبع والتولد (ب) واستحالة التعدد في الذات والصفات والأفعال اتصالا وانفصالا على ما تقدم، والموت والجهل والكراهية والعجز وقدم العالم والتأثير بالعلة والطبيعة والتولد. فهذه أربع عشرة عقيدة ما بين واجب له تعالى ومستحيل عليه تعالى. (ومعنى) محمد رسول الله: ثبوت الرسالة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويندرج تحته (أ) وجوب الأمانة والتبليغ والصدق، واتصافه بما لا نقص فيه سواء أكان واجبا كالفانة وعدم دناءة الآباء والأمهات، أم جائزا كالمرض والجوع. (ب) وإيماننا بجميع الأنبياء والكتب والملائكة واليوم الآخر، والقضاء والقدر. (جـ) واستحالة الخيانة والكتمان والكذب، واتصافه بما فيه نقص كالبلادة والجنون والعمى، فهذه أربع عشرة عقيدة (¬1) تضم لما تقدم تكون جملتها خمسين عقيدة. (هـ) كيفية الذكر وفضله: قد علمت أن هذه الكلمة من أفضل الأذكار وأشرفها عند الله تعالى. فينبغى للعاقل أن يعنى بها. ويحسن أن يكون حالة الذكر على طهارة متطيبا متجملا مستقبلا القبلة، ويتحرى الانفراد عن الخلق ما استطاع، ويستحضر المعنى بقدر الإمكان. ولا يترك الذكر عند عدم حضور قبله. بل يذكر متحليا ببقية الآداب راجيا أن تغشاه نفحة إلهية تنقله من الغفلة إلى الحضور ¬

(¬1) أربع برقم (أ) وست برقم (ب) وأربع برقم (ج).

ومن الحضور إلى المشاهدة. وألا يتصرف فى شئ من حروفها بزيادة أو نقصان بل يقتصر على الوارد شرعا. وليحذر مما عليه غالب الناس اليوم من تحريف الذكر والإلحاد فى أسمائه تعالى فإنه حرم بالإجماع ولا سند لهم فى ذلك إلا قولهم: وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون: وهذا لا يصدر إلا من الجهلة الذين لا يميزون الغث من لسمين. فعلى المؤمن ألا يخرج فى ذكره وكل أعماله عما جاء به الكتاب العزيز، ونطقت به السنة المطهرة (¬1). هذا. واعلم أن الذكر حقيقة هو ما يجرى على اللسان والقلب، وأكمله ما كان فيه استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفى النقائض عنه، والمراد به ما يشمل التسبيح والتحميد وتلاوة القرآن والاستغفار والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وغير ذلك (قال) الفخر الرازى: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد (والذكر) بالقلب التفكر فى أدلة الذات والصفات والتكاليف من الأمر والنهى، وفى أسرار مخلوقات الله (والذكر) بالجوارح: هو أن تصير مستغرقة بالطاعة، ولذا سمى الله تعالى الصلاة ذكرا فى قوله (فاسعوا إلى ذكر الله). هذا والذكر سبعة أقسام: ذكر العينين البكاء. وذكر الأذنين الاصغاء. وذكر اللسان الثناء. وذكر اليدين العطاء. وذكر البدن الوفاء، وذكر القلب الخوف والرجاء، وذكر الروح التسليم والرضا (واعلم) أن الذكر أفضل الأعمال (فعن) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأذكارها عند مليككم، وأرفعها فى درجاتكم، وخير لكم من ¬

(¬1) وقد بسط الشيخ الامام رحمه الله الكلام فى هذا وبين بطلان ما عليه متصوفة الزمان فى بعض كتبه " الرسالة البديعة" و" العهد الوثيق" وغيرهما.

انفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضبوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى، أخرجه مالك وأحمد والترمذى وابن ماجه والحاكم وصححه (¬1) [156]. (وعن) معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " أخرجه أحمد والترمذى والطبرانى بسند صحيح (¬2) {157}. (وعن) الأغر ابى مسلم أنه قال: أشهد على أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى أنهما شهدا على النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل ألا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده "أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وقال: حديث حسن صحيح (¬3) {158}. (وعن) ابى سعيد الخدرى: خرج معاوية على حلقة فى المسجد فقال ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما أنى لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلى آله وسلم، أقل عنه حديثا منى، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال" ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال: الله ¬

(¬1) انظر ص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الذكر). وص 2180 ج 2 - ابن ماجه (فضل الذكر). (¬2) انظر ص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الذكر). وص 2180 ج 2 - ابن ماجه (فضل الذكر). (¬3) انظر ص 44 ج 2 تيسير الوصول (الذكر).

ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما جلسنا إلا ذاك. قال: أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتانى جبريلا فأجقبرنى ان الله عز وجل يباهى بكم الملائكة. اخرجه مسلم والنسائى والترمذى وقال حسن غريب (¬1) {159}. (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير - فى يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر من ذلك" أخرجه مالك والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬2) {160}. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال" من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة، حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر" أخرجه مالك وأحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه (¬3) {161}. (وعن) مكحول عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله - فإنها كنز من كنوز الجنة " قال مكحول: فمن قالها ثم قال ولا منجى من الله إلا إليه، ¬

(¬1) انظر ص 22 ج 17 نووى مسلم (فضل الاجتماع على الذكر). وص 225 ج 4 تحفة الأحوذى (القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم من فضل). و (حلقة) بفتح فسكون، القوم يجتمعون مستديرين. (آلله) بالمد والجر. (¬2) انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح والتهليل .. ) وص 219 ج 2 - ابن ماجه (فضل لا إله إلا الله). (¬3) انظر ص 160 ج 11 فتح البارى (فضل التسبيح) ورقم 8898 ص 190 ج 6 فيض القدير. وص 250 ج 4 تحفة الأحوذى.

فضل الدعاء

كشف الله عنه سبعين بابا من الضر أدناها الفقر، أخرجه الترمذى، وقال: إسناده ليس بمتصل لأن مكحولا لم يسمع من ابى هريرة، وأخرجه النسائى مطولا بسند رجاله ثقات: ورفع إلى النبى قوله: ولا منجى من الله إلا إليه (¬1) {162}. (وعن) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: استكثروا من الباقيات الصالحات: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أخرجه النسائى وأحمد وابن حبان والحاكم وصححاه (¬2) {163}. فضل الدعاء " (اعلم) أن الدعاء ذكر وزيادة. وقد ورد الأمر به. قال تعالى (وقال ربكم أدعونى أستجب لكم) (60) سورة غافر (وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" من لم يسأل الله يغضب عليه "أخرجه الترمذى وكذا ابن ماجه بلفظ: من لم يدع الله سبحانه غضب عليه (فضل الدعاء) والحاكم وصححه (¬3) {164}. وقد ورد فى فضله أحاديث (روى) النعمان بن بشير رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال" الدعاء هو العبادة " ثم قرأ (وقال ربكم أدعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) ¬

(¬1) انظر ص 32 ج 2 تيسير الوصول (الاستغفار والتسبيح التهليل والتكبير والتحميد والحوقلة). (¬2) انظر ص 87 ج 10 مجمع الزوائد (الباقيات الصالحات). ورقم 30 ص 248 ج 2 - الترغيب والترهيب طبعة منير. (¬3) انظر ص 224 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل الدعاء). وص 223 ج 2 - ابن ماجه.

أخرجه أحمد والأربعة. وقال الترمذى حسن صحيح، وابن حبان والحاكم وصححاه (¬1) {165}. (وعن) أنس مرفوعا "الدعاء مخ العبادة "اخرجه الترمذى وفيه ابن لهيعة، فيه مقال (¬2) {166}. (وعنه) مرفوعا" لا يرد الدعاء بين الأذان والاقامة " أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى وزاد: قالوا فما نقول يا رسول الله؟ قال: سلوا الله العفو والعافية فى الدنيا والآخرة (¬3) {167}. (وعن) شداد بن أوس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت، خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك على، وأبوء لك بذنبى، فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النها موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسى، فهو من أهل الجنة. ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة " أخرجه أحمد والبخارى والدارمى والثلاثة (¬4) {168}. (وعن) ابن عمر رضى الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى وحين يصبح: "اللهم إنى أسألك العفو ¬

(¬1) انظر ص 2 ج 2 تيسير الوصول (فضل الدعاء ووقته) وص 223 ج 2 - ابن ماجه (فضل الدعاء). (¬2) انظر ص 223 ج 4 تحفة الأحوذى (باب ما جاء فى فضل الدعاء). (¬3) يأتى رقم 121 ص 78 ج 2 - الدين الخالص (الدعاء بين الأذان والاقامة). (¬4) انظر رقم 4743 ص 119 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير وص 77 ج 11 فتح البارى (أفضل الاستغفار).

على الطاعة لعموم قوله تعالى: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) (30) سورة الكهف. وفى حديث ابن عباس: رفعت امرأة صبيا لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى (¬1) {1}. وعدم مؤاخذة غير المكلف 5 بالمعصية لعدم تكليفه (روى) على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه (¬2) {2}. (واستمداده) من الكتاب والسنة والإجماع والقياس المستنبط من هذه الثلاثة. (وثمرته) الفوز بسعادة الدارين لمن تعلمه وعمل به (وواضعه) الإمام أبو حنيفة النعمان رضى الله عنه، فإنه أول من دون الفقه ورتب أبوابه، وتبعه الامام مالك رضى الله تعالى عنه فى موطئه. والذى دعت الحاجة إلى بيانه من مباحثه، العبادات: الصلاة والزكاة والصيام والحج. أما الصلاة فهى ثانية أركان الإسلام الخمسة، وأفضل العبادات. ولها شروط لا تصح إلا بها، أولاها بالتقديم: ¬

(¬1) انظر ص 99 ج 9 نووى مسلم (صحة حج الصبى) وص 277 ج 10= المنهل العذب (اصبى يحج) وص 5 ج 2 مجتبى (الحج الصغير) و (نعم) أى للصبى ثواب الحج (ولك أجر) يعنى لحملها الصبى وتحملها المشاق من أجله. وهذا كالصلاة والصوم يؤمر بهما الصبى إذا أطاقهما ويكتب له الأجر. ويكتب لمن يأمره بالطاعة ويرشده إليها أجر. (¬2) يأتى بالزكاة رقم 19 ص 94 ج 8 - الدين الخالص (الزكاة فى مال غير المكلف) والمراد برفع القلم عن الصبى عدم كتابة الشر عليه دون الخير. أما المجنون والنائم فلا يكتب لهما. الخير ايضا لأنهما ليسا أهلا للعبادة لعدم التمييز.

الطهارة

الطهارة وهى بفتح الطاء لغة النظافة والتنزه عن الأدناس ولو معوية كالعيوب والذنوب، وبالكسر ما يتطهر به من الماء ونحوه، وبالضم اسم لما بقى من الماء بعد التهطر. وشرعا النظافة من النجاسة حقيقة كالخبث، وحكمية وهى الحدث أو يقال: هى صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث. (ووسائلها كثيرة) منها الماء، والدابغ، والتراب، والاستحالة، والدلك، والفرك، وغيرها. ثم الكلام هنا فى سبعة مباحث. 1 - الماء هو جسم لطيف سيال يتلون بلون إنائه (وهو قسمان) ما تصح به الطهارة وما لا تصح (أ) فتصح بالماء الطاهر المطهر قليلا أو كثرا مستعملا أو غير مستعمل، عذبا أو ملحا، ماء آبار أو عيون أو مطر أو ندى لا يخرجه عن الطهورية إلا ما غير ريحه أو طعمه أو لونه من نجس يحل فيه. (لحديث) ابى سعيد الخدرى قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الماء طهور لا سنجسه شئ. اخرجه الشافعى وأحمد والثلاثة والحاكم وصححه وحسنه الترمذى (¬1) [3]. ¬

(¬1) انظر ص 20 ج 1 بدائع المنن، وص 214 ج 1 - الفتح الربانى ولفظه: إن الماء. وص 290 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه) و (بضاعة) بتثليث الموحدة، والمحفوظ الضم وبالضاد المعجمة. وحكى بالصاد المهملة. و (الحيض) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية- الخرق التى يمسح بها دم الحيض (والنتن) بفتح فسكون. او بفتحتين- ماله رائحة كريهة. و (طهور) بفتح الطاء المهملة. أى طاهر فى نفسه مطهر لغيره.

(وعن) أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أن الماء طهور إلا أن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه "أخرجه البيهقى (¬1) [4]. وقد اتفق أهل الحديث على ضعف هذه الزيادة، لكن أجمع العلماء على مضمونها. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس (¬2). فالاحتجاج على نجاسة المتغير بالإجماع لا بتلك الزيادة (¬3) (ومعلوم) أن الإجماع حجة ودليل من أدلة الشريعة المطهرة، وإن لم يظهر لنا مأخذه، لأنه لا ينعقد إلا عن دليل كما هو مقرر. فلا ينجس الماء بما لا قاه من النجاسة ولو كان قليلا إلا إذا تغير (وبه) قال ابن عباس وأبو هريرة والحسن البصرى وابن المسيب والثورى وداود الظاهرى والنخعى ومالك والغزالى وهو الراجح (وقال) أكثر الشافعية والحنفية وأحمد وإسحاق: ينجس القليل بما لاقاه من النجاسة وإن لم تتغر أوصافه، إذ تستعمل النجاسة باستعماله، ولحديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده " أخرجه الشافعى وأمد ومسلم والأربعة (¬4) [5]. ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 سنن البيهقى (نجاسة الماء الكثير إذا غيرته النجاسة). (¬2) انظر ص 237 ج 1 - المنهل العذب المورود (باب ما جاء فى بئر بضاعة). (¬3) لم يحتج بهذه الزيادة الجمهور وإن تعددت طرقها لأنها شديدة الضعف جدا ومعظم رجالها متروك. ومن العلماء من قال: أنها تعتض وتأخذ قوة فتصير من قبيل الحسن لغيره- وبذا تقوى وتصلح للاحتجاج بها فتكون دليل الاجماع. (¬4) ص 17 ج 1 بدائع المنن. وص 23 ج 2 - الفتح الربانى. وص 178 ج 3 نووى مسلم (كراهة غمس اليد المشكوك فى نجاستها فى الماء) وص 80 ج 1 - ابن ماجه وص 332 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يدخل يده فى الاناء قبل غسلها) وص 4 ج 1 مجتبى (الطهارة) وص 36 ج 1 تحفة الأحوذى.

(وحديث) ابى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إذا ولغ الكلب فى الاناء فاغسلوه سبع مرات، السابعة بالتراب " أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1) [6]. (وعنه) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم ثم يغسل فيه " أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه والنسائى (¬2) [7]. (وحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا ان الماء قلتين لم يجعل الخبث" أخرجه الشافعى وأحمد والأربعة والبيهقى (¬3) [8]. (قالوا) فحديث " الماء طهور لا ينجسه شئ" فخصص بهذه الأدلة (واختلفوا) فى حد القليل الذى يجب اجتنابه عند وقوع النجاسة فيه (فقال) الحنفيون: ما ظن استعمال النجاسة باستعماله (وقال) الشافعى وأحمد: ما كان دون القلتين على اختلاف فى قدرهما (وأجاب) القائلون بأن القليل لا يتنجس بملاقاة النجاسة ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء بسؤر الكلب) وص 76 ج 1 ابن ماجه (غسل الاناء من ولوغ الكلب). (¬2) انظر ص 240 ج 1 فتح البارى (البول فى الماء الدائم) وص 187 ج 3 نووى مسلم (البول فى الماء الراكد) وص 243 ج 1 - المنهل العذب. وص 73 ج 1 - ابن ماجه. (النهى عن البول فى الماء الراكد). (¬3) انظر ص 19 ج 1 بدائع المنن (أحكام المياه .. ) وص 216 ج 1 - الفتح الربانى وص 223 ج 1 - المنهل العذب. (ما ينجس الماء) وص 63 ج 1 مجتبى. وص 7 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 96 ج 1 - ابن ماجه (مقدار الماء الذى لا ينجس).

إلا أن تغير (1) بأن ما استدلوا به ليس صريحا فى مدعاهم. (2) أو أنه محمول على ما إذا تغير أحد أوصاف الماء جمعا بين الأدلة (3) وبأن الظن لا ينضبط بل يختلف باختلاف الأشخاص وايضا جعل ظن الاستعمال مناطا يستلزم استواء القليل والكثير. (4) وبأن حديث القلتين مضطرب الإسناد والمتن. وعلى تسليم صحته فلا معارضة بينه وبين حديث " الماء طهور لا ينجسه شئ" لأن ما بلغ مقدار القلتين فصاعدا لا يحمل الخبث ولا ينجس بملاقاة النجاسة إلا أن تغير أحد أوصافه، فيتنجس بالاجماع فيخص به حديث القلتين، وحديث لا ينجسه شئ. وأما ما دون القلتين (فإن) تغير خرج عن الطهارة بالاجماع لمفهوم حديث القلتين فيخص بذلك عموم حديث لا ينجسه شئ (وإن) لم يتغير بنجاسة وقعت فيه (فحديث) لا ينجسه شئ، يدل بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرد ملاقاة النجاسة (وحديث) القلتين يدل بمفهومه على خروجه عن الطهورية بملاقاتها. والمنطوق مقدم على المفهوم. (ومما) يدل على جواز التطهير بماء البحر الملح قول أبى هريرة: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء. فإن توضأنا به عطشنا، افنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه مالك وأحمد والأربعة، وقال الترمذى: حسن صحيح (¬1) [9]. (ويدل) على جواز التطهير بماء الثلج والبرد حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول فى دعائه " اللهم اغسل خطاياى بماء الثلج والبرد، ¬

(¬1) انظر ص 290 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه). وص 21 ج 1 - الفتح الربانى. وص 79 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء بماء البحر).

ونق قلبى من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس " أخرجه النسائى (¬1) [10]. (ووجه) الدلالة أنه من باب التشبيه، فدل على أن المشبه به طهارة شرعية حاصلة بماء الثلج والبرد. ب- (ويجوز) التطهير بفضل طهارة المرأة أو الرجل، لقول عائشة رضى الله عنها: كنت أغتسل أنا والنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد، من قدح يقال له الفق. أخرجه الشيخان (¬2) [11]. (وعن) عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: كان الرجال والنساء يغتسلون على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد. أخرجه مالك والبخارى وأبو داود والنسائى (¬3) [12]. (وعن) ميمونة رضى الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اناء واحد من الجنابة. أخرجه الترمذى وقال: حسن صحيح. وهو قول عامة الفقهاء أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من اناء واحد (¬4) [13]. (وعن) ابن عباس رضى الله عنهما قال: اغتسل بعض أزواج النبى صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 1 مجتبى (الوضوء بماء الثلج). (¬2) انظر ص 252 ج 1 فتح البارى (غسل الرجل مع امرأته) وص 4 ج 4 نووى مسلم. و (الفرق) بفتح الراء ثلاثة آصع ووزنة من البر نحو ستة عشر رطلا. (¬3) انظر ص 292 ج 2 تيسير الوصول (أحكام المياه). (¬4) انظر ص 64 ج 1 تحفة الأحوذى (وضوء الرجل والمرأة من اناء واحد)

عليه وعلى آله وسلم فى جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتوضأ منه. فقالت: يا رسول الله، انى كنت جنبا. قال: " ان الماء لا يجنب ". أخرجه أحمد والثلاثة. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح. وهو قول سفيان الثورى ومالك والشافعى (¬1) [14]. وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة. وهو قول أحمد واسحاق. واستدلا بحديث الحكم بن عمرو الغفارى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة. أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى وزاد: أو قال بسؤرها، وحسنه (¬2) [15]. ولكن فيه مقال. وعلى فرض حسنة خ، فالحسن لا يعارض الأحاديث الصحيحة السابقة. وعلى فرض المساواة يحمل النهى على التنزيه (وبذا) تزداد علما بجواز التطهير بماء البرك ونحوها بالطريق الأولى. (فائدة) لم يقم دليل على طلب نية الاغتراف اذا كان الوضوء أو الغسل من اناء مفتوح خلافا لمن زعم ذلك وقال: ان لم ينو الاغتراف أو الغسل وبعد غسل الوجه فى الوضوء، صار الماء مستعملا لا يتطهر به (بل يدل) على عدم طلبها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى له وسلم، فدعا باناء فأكفأ منه على يديه ثلاثا ¬

(¬1) انظر ص 211 ج 1 - الفتح الربانى. وص 240 ج 1 - المنهل العذب (الماء لا يجنب) وص 62 ج 1 مجتبى (المياه). د ص 65 ج 1 تحفة الاحوذى. و (الجفنة) بفتح فسكون، القصعة الكبيرة. (¬2) انظر ص 273 ج 1 - المنهل العذب (النهى عن ذلك) أى عن تطهر الرجل بفضل طهور المرأة والعكس. وص 78 ج 1 - ابن ماجه. وص 65 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية فضل طهور المرأة).

فغسلهما، ثم أدخل يده واستخرجها غمضمض واستشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا. ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه الى المرفقين مرتين مرتين. ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر. ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الشيخان وأحمد، وهذا لفظه (¬1). [16]. (فترى) رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كرر الاغتراف من الإناء، فأتم وضوءه. وكذلك أصحابه رضى الله عنهم. ولم ينقل عنهم أن إدخال اليد فى الإناء بلا نية اغتراف يصيره مستعملا لا يصح التطهير به، لما تقدم أن الماء لا ينجسه شئ، ولا تسلب طهورته إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة. جـ- (ويصح) التطهير بالماء المستعمل فى طهارة بلا كراهة عند الظاهرية لأنه يصدق عليه اسم الماء المطلق. (وقالت) المالكية: يكره التطهر به عند وجود غيره، ولم يضف إليه ماء مطلق لضعفه باستعماله فى الطهارة الأولى. ولا يجوز التيمم مع وجوده. أما إذا لم يوجد غيره أو أضيف إليه ماء مطلق فلا يكره التطهر به (وقال) أبو حنيفة والشافعى: لا تجوز الطهارة به على كل حال لأنه لا يتناوله اسم الماء المطلق (وشذ) أبو يوسف فقال: إنه نجس. (والحق) أن الماء المستعمل طاهر مطهر عملا بالأصل وبالأدلة الدالة على أن الماء طهور. وهو مذهب جماعة من السلف والخلف. ¬

(¬1) انظر ص 203 ج 1 فتح البارى (مسح الرأس كله) وص 121 ج 3 نووى مسلم (صفة الوضوء) وص 4 ج 2 - الفتح الربانى.

2 - السؤر

د - ولا تصح الطهارة بما تغير بطاهر كماء الورد والزعفران والصابون والأشنان (¬1)، فهو طاهر غير مطهر عند الأئمة الثلاثة، لزوال اسم الماء المطلق عنه. (وقال) الحنفيون: انه طاهر مطهر وان تغير بعض أوصافه ما دام باقيا على رقته وسيلانه، لقول عائشة رضى الله قعنها: كان النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه بالخطمى وهو جنب فيجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء أخرجه أبو داود والبيقهى بسند حسن (¬2) [17]. ومعناه أنه كان يكتفى بالماء الذى يزيل به الخطمى، ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيمن سقط عن راحلته فمات - " اغسلوه بماء وسدر ". أخرجه السبعة من حديث ابن عباس (¬3) [18]. والميت لا يغسل الا بما يصح التطهير به للحى. أما ما تغيرت كل أوصافه أو خرج عن رقته وسيلانه، فلا يصح التطهير به اتفاقا. 2 - السؤر هو بالهمز فى الأصل ما بقى فى الإناء بعد شرب الحيوان وهو المراد هنا. ثم عم استعماله فى الباقى من كل شئ (وقد اتفق) العلماء على طهارة سؤر المسلم ¬

(¬1) (الأشنان) بضم الهمزة وكسرها وسكون الشين، دقاق الترمس نافع للحكة والجرب. (¬2) انظر ص 33 ج 3 - المنهل العذب (الجنب يغسل رأسه بالخطمى) وص 182 ج 1 سنن البيهقى. (الخطمى) بكسر أو فتح فسكون. نبت طيب الرائحة ينظف به الرأس وغيره. (¬3) انظر ص 88 ج 3 فتح البارى (الحنوط للميت) وهو بعض حديث يأتى بالجنائز رقم 407 ص 227 ج 7 - الدين الخالص (غسل الميت) و (السدر) بكسر فسكون، ورق النبق.

وبهيمة الأنعام. واختلفوا فيما عدا ذلك (فقال) مالك والأوزاعى وداود الظاهرى بطهارة سؤر كل حيوان. وعن ماتلك أنه استثنى الخنزير فقط (واستثنى) الشافعى وأحمد سؤر الكلب والخنزير. واستثنى ابن القاسم المالكى سؤر السباع عامة (وقال) الحنفيون: سؤر كل شئ كعرقة. وهو أربعة أقسام: (الأول) طاهر غير مكروه استعماله. وهو سؤر الآدمى الطاهر الفم ولو كافرا أو جنبا، وما يؤكل لحمه من الدواب والطيور التى تتوفى النجاسة غالبا، لقول عائشة رضى الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيضع فاه على موضع فى فيشرب. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (¬1) [19]. ولأن لعاب مأكول اللحم متولد من لحم طاهر فأخذ حكمه. (الثانى) نجس وهو سؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم، وهى كل ناب يعدو به كالأسد والذئب والثعلب والهر البرى، لما سيأتى عن أبى هريرة وابن عمر. (الثالث) طاهر يكره استعماله تنزيها عند وجود غيره. وهو سؤر الهرة الأهلية والدجاجة التى تجول فى القاذورات ولم تعلم حال منقارها، وسباع الطير. وهى كل ذى مخلب يصيد به كالحدأة والصقر، اذا لم يعلم طهارة منقارها وسواكن البيوت مما له دم سائل كالحية والفأرة، لحديث أبى قتادة الآتى. (الرابع) متوقف فى طهوريته، وهو سؤر البغل والحمار الأهلى، فان لم يجد ¬

(¬1) انظر ص 210 ج 3 نووى مسلم (طهارة سؤر الحائض) وص 23 ج 1 مجتبى (سؤر الحائض).

ماء غيره تطهر به، وتيمم احتياطا (وأما) سؤر المشرك (فقيل) انه نجس (وقيل) مكروه اذا كان يشرب الخمر. وهو قول ابن القاسم ومثله عنده جميع آسار الحيوانات التى لا تتوقى النجاسة غالبا مثل الدجاج والابل والجلالة والكلاب (وسبب) اختلافهم الآثار بعضها بعضا (اما القياس) فهو أنه لما كان الموت من غير ذكاة سبب نجاسه عين الحيوان بالشرع، وجب أن تكون الحياة سبب طهارة عين الحيوان، وحيث كان كذلك فكل حى طاهر العين، وكل طاهر العين سؤره طاهر (وأما) ظاهر الكتاب فانه عارض هذا القياس فى الخنزير والمشرك. وذلك أن الله تعالى (قال) فى الخنزير: (فانه رجس) أى نجس، وما هو رجس فى عينه فهو نجس لعينه، ولذلك استثنى قوم من الحيوان الخنزير فقط، ومن لم يستثنه حمل قوله رجس على جهة الذم (وقال) الله تعالى فى المشرك: (انما المشركون نجس) (28) سورة التوبة. فمن حمل هذا أيضا على ظاهرة استثنى من مقتضى القياس المشركين. ومن أخرجه مخرج الذم لهم وأن المراد نجاسه العقيدة، طرد قياسه (وأما) الأحاديث فانها عارضت هذا القياس فى الكلب والهر والسباع (أما) فى الكلب فقد تقدم عن أبى هريرة أنه روى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " اذا ولغ الكلب فى الاناء فاغسلوه سبع مرات " أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1) [20]. (وأما) فى الهر فقد روى قرة عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين ". أخرجه الطحاوى (¬2) [21]. ¬

(¬1) تقدم رقم 6 ص 159 (الماء). (¬2) انظر ص 11 ج 1 شرح معانى الاثار (سؤر الهر).

(وأما) فى السباع فقد تقدم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " اذ كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " أخرجه الشافعى وأحمد والأربعة (¬1) [22]. (فهذا الحديث) يدل على نحاسه سؤر السباع، والا لكان التحديد بالقلتين " فى جواب السؤال عن ورودها على الماء " عبثا. (وأما) تعارض الأحاديث (فمنها) حديث أبى هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحياض التى تكون بين مكة والمدينة، فقيل ان الكلاب والسباع ترد عليها فقال: لها ما أخذت فى بطونها ولنا ما بقى شراب وطهور. أخرجه الدار قطنى (¬2) [23]. (ومنها) حديث كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت منه، قالت كبشة: فرآنى أنظر اليه فقال: أتعجبين يابنة أخى؟ فقلت نعم. فقال ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: انها ليست بنجس، انها من الطوافين عليكم والطوافات. أخرجه مالك وأحمد والدارمى والأربعة، وقال الترمذى: حسن صحيح. وصححه البخارى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطنى (¬3) [24]. (ومنها) حديث عائشة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصغى ¬

(¬1) تقدم رقم 8 ص 159 (الماء). (¬2) انظر ص 11 سنن الدارقطنى (باب الماء المتغير). (¬3) انظر ص 26 منه، وص 222 ج 1 - الفتح الربانى. وص 187 ج 1 سنن الدرامى (الهرة اذا ولغت فى الاناء) وص 264 ج 1 - المنهل العذب (سؤر الهرة) وص 63 ج 1 مجتبى.

الى الهرة الاناء حتى تشرب. ثم يتوضأ بفضلها. أخرجه الدارقطنى والطحاوى (¬1) [25]. (وقد) اختلف العلماء فى تأويل هذه الأحاديث ووجه جمعها مع القياس المذكور. فذهب مالك فى الأمر باراقة سؤر الكلب وغسل الاناء منه، الى أن ذلك أمر تعبدى لم تعقل علته. وأن الماء الذى يلغ فيها الكلب فى المشهور عنه. وقال: لا يفهم منه أن الكلب نجس العين، والا عارضه ظاهر قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (4) سورة المائدة. قال: لو كان نجس العين لنجس الصيد بماسته. وأيد هذا التأويل بما جاء فى غسله من العدد والنجاسات لا يشترط فى غسلها العدد بل المدار فى ذلك على ازالتها. فالقياس عنده باق على عمومه. ولم يعول على سائر هذه الأحاديث لضعفها عنده. (قال) ابن رشد: قال القاضى: قد ذهب جدى الى أن هذا الحديث معلل معقول المعنى، ليس من سبب النجاسه، بل من سبب ما يتوقع أن يكون الكلب الذى وله فى الإناء كلبا فيخاف من ذلك السم، ولذلك جاء هذا العدد الذى هو السبع فى غسله، فان هذا العدد قد استعمل فى الشرع فى مواضع كثيرة فى العلاج والمداواة من الأمراض وهذا وجه حسن فانه إذا قلنا: أن ذلك الماء غير نجس، فبيان علة غسله أولى من أن يقال أنه غير معلل (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 25 سنن الدارقطنى (باب سؤر الهرة). وص 11 ج 1 شرح معانى الاثار (سؤر الهر). (¬2) انظر ص 24 ج 1 بداية المجتهد. و (كلب) بفتح الكاف وكسر اللام أى عقور.

(هذا) والذى يشهد له الدليل (ا) أن سؤر الكلب نجس وهو قول الحنفيين والشافعى وأحمد ومالك فى رواية ابن وهب عنه، لما تقدم أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه. فالحديث يقتضى نجاسة سؤره وأن لعابه نجس، وأنه يجب أن يغسل الصيد منه ومثله الخنزير عند الشافعى وأحمد لقوله تعالى: (فانه رجس). (ب) وأن سؤر السنور وباقى السباع والحيوان غير هالكلب والخنزير طاهر ويؤيده قول جابر: سئل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها. أخرجه الشافعى والدارقطنى. وقال البيهقى فى المعرفة: له أسانيد اذا ضم بعضها الى بعض كانت قوية (¬1) [26]. (ولعل) الأرجح أن يستثنى من طهارة أسار الحيوان " الكلب والخنزير والمشرك " لصحة الآثار الواردة فى الكلب، ولأن ظاهر الكتاب أولى أن يتبع فى القول بنجاسه عين الخنزير والمشرك، من القياس. وكذلك ظاهر الحديث نجاسه سؤر الكلب. وعليه أكثر الفقهاء، فان الأمر باراقة ما ولغ فيه الكلب مناسب فى الشرع لنجاسه الماء الذى ولغ فيه. أعنى أن المفهوم بالعادة فى الشرع من الأمر باراقة الشئ وغسل الاناء منه هو لنجاسة الشئ "وما اعترضوا به " من أنه لو كان ذلك لنجاسة الاناء، لما اشترط فيه العدد " فغير نكير " أن يكون الشرع يخص نجاسه دون نجاسة بحكم دون حكم تغليظا لها (¬2). ¬

(¬1) انظر ص 21 ج 1 بدائع المنن (أسآر السباع .. ) وص 23 سنن الدارقطنى. (¬2) انظر ص 23 ج 1 (بداية المجتهد).

3 - الدباغ

3 - الدباغ بكسر الدال مصدر دبغ- من بابي نصر وكتب- ويطلق على ما يدبغ به. والمراد هنا تطهير الجلد بما يزيل منه النتن والرطوبة ويمنع عود الفساد له إذا استعمل في الماء. هذا وجلد الميتة يطهر بالدبغ وينتفع به عند الجمهور لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر" أخرجه الشافعي والسبعة إلا البخاري، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬1) {27}. والإهاب: الجلد إذا لم يدبغ (وفيما يطهر) بالدبغ ستة أقوال. 1 - (قال) الحنفيون: كل جلد دبغ بما يمنع النتن والفساد يطهر ظاهرا وباطنا، فيصح الوضوء منه والصلاة فيه وعليه. (واستثنوا) من ذلك (أ) مالا يحتمل الدباغ كجلد الحية والفأرة والطيور، فلا يطهر بالدبغ لعدم إمكانه. (ب) وجلد الخنزير لأنه نجس العين. لقوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) (145) سورة الأنعام، بناء على عود الضمير إلى المضاف إليه. فإذا لم تقده الحياة الطهارة، فالدباغ أولى. ¬

(¬1) انظر ص 23 ج 1 بدائع المنن. وص 230 ج 1 - الفتح الرباني. وص 53 ج 4 نووي مسلم (طهارة جلود الميتة بالدباغ) وص 191 ج 2 مجتبي (جلود الميتة) وص 66 ج 4 سنن أبي داود (أهب الميتة) ولفظه إذا دبغ الإهاب. وص 198 ج 2 - ابن ماجه (ليس جلود الميتة إذا دبغت) وص 45 ج 3 تحفة الأحوذي (جلود الميتة إذا دبغت).

(وما يطهر به) يطهر بالذكاة الشرعية وهي الصادرة من ذي دين سماوي غير محرم ولا متعمد ترك التسمية، فذكاة المجوسي والمحرم بحج أو عمرة وتارك التسمية عمدا، غير مطهرة. 2 - وقالت الشافعية: كل جلد يطهر بالدباغ، لما تقدم. "واستثنوا" من ذلك (أ) جلد الخنزير، لما تقدم (ب) جلد الكلب قياسا عليه بجامع النجاسة في كل (جـ) جلد ما تولد من أحدهما مع حيوان آخر (¬1). 3 - والمشهور عن مالك أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لكن يجوز استعماله في اليابس والماء دون غيره من المائعات، لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. 4 - والمشهور عند الحنبلية أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ولا يستعمل. واستدل المالكية والحنبلية بحديث عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب إلى جهينة: اني كنت رخصت لكم في جلود الميتة. فإذا جاءكم كتابي هذا، فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه الدارقطني (¬2) {28}. (وعنه) قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل وفاته بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. أخرجه أحمد والأربعة ولم يذكر الشهر إلا أحمد وأبو داود (وذكر) الترمذي في رواية قبل وفاته بشهرين وقال هذا حديث حسن (¬3) {29}. ¬

(¬1) انظر ص 217 و 221 ج 1 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 78 ج 1 نيل الأوطار (نسخ تطهير الدباغ) و (الأهاب) الجلد ما لم يدبغ (والعصب) بفتحتين، العروق التي تشد المفاصل. (¬3) انظر ص 237 ج 1 - الفتح الرباني. وص 67 ج 4 سنن أبي داود (من روى أن لا ينتفع باهاب الميتة) وص 192 ج 2 مجتبي (ما يدبغ به جلود الميتة) وص 198 ج 2 سنن ابن ماجه (لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب) وص 45 ج 3 تحفة الأحوذي (جلود الميتة إذا دبغت- أبواب اللباس).

(وقال) كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين وكان يقول: كان آخر أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم وقال عن عبد الله ابن عكيم عن أشياخ من جهينة. (قالوا) هذا الحديث ناسخ للأحاديث السابقة لأنه كان قبل الموت بشهر أو شهرين (وأجاب) الجمهور عنه (أ) بأنه حديث ضعيف لأن ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس بصحابي فهو مرسل لعدم سماع ابن عكيم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومنقطع لعدم سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من ابن عكيم. ومضطرب سندا ومتنا (¬1). وروى عن مشيخة مجهولين لم تثبت صحبتهم. وتحسين الترمذي له غير مسلم فقد بين هو وغيره وجه ضعفه فلا يقاوم الأحاديث السابقة لصحتها واشتهارها. (ب) وبأنه لا نسخ لإمكان الجمع بأن الإهاب الجلد قبل دباغة (قال) أبو داود: فإذا دبغ لا يقال له أهاب إنما يسمى شنا وقربة فلا يعارض الأحاديث السابقة فإن النهي فيه لما قبل الدباغ، والإباحة في غيره لما بعد الدباغ. ¬

(¬1) فقد رواه الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عكيم. ورواه خالد الحذاء عن الحكم وقال: أنه لم يسمعه من ابن عكيم ولكن من أناس دخلوا عليه ثم خرجوا وأخبروه كما في سند لأبي داود. وتارة رواه عن مشيخة من جهينة وتارة عمن قرأ الكتاب. (أما) اضطراب المتن فرواه الأكثر من غير تقييد بمدة. ومنهم من رواه بتقييد شهر أو شهرين أو أربعين يوما أو ثلاثة أيام. أنظر ص 79 ج 1 نيل الأوطار (ما جاء في نسخ تطهير الدباغ).

5 - (وقال) الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وبعض الحنبلية: يطهر بالدباغ جلد ميتة مأكول اللحم دون غيره. لحديث ابن عباس أن داجنا لميمونة ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألا انتفعتم باهابها؟ ألا دبغتموه؟ فإنه ذكاته. اخرجه أحمد (¬1) {30}. 6 - (وقال) داود والظاهري وسحنون وابن الحكم: يطهر جلد الميتة مطلقا بالدبغ وروى عن أبي يوسف لعموم الأحاديث السابقة. فيجوز استعماله في اليابسات والمائعات، لا فرق بين ماء وغيره. وهذا هو الراجح، لأن الأحاديث لم يفرق بين مأكول اللحم وغيره. هذا (واحتجاج) الشافعية بقوله تعالى: "أو لحم خنزير فإنه رجس" على إخراج الخنزير، وقياس الكلب عليه (لا يتم) إلا بعد تسليم أن الضمير يعود إلى المضاف إليه دون المضافن وهو محل نزاع، ولا أقل من الاحتمال أن لم يكن رجوعه إلى المضاف راجحا. والمحتمل لا يكون حجة على الخصم. وأيضا لا يمتنع أن يقال رجسية الخنزير- على تسليم شمولها لجميعه لحما وشعرا وجلدا وعظما- مخصصة بأحاديث الدباغ (¬2). (مسائل): 1 - لو دبغ الجلد بنجس أو بمجتنس أو بماء نجس فهل يحصل به الدباغ؟ فيهوجهان أصحهما الحصول، لأن الغرض تطيب الجلد وإزالة الفضول ¬

(¬1) انظر ص 232 ج 1 - الفتح الرباني. و (الدواجن) في الأصل، المقيم بالمكان، ومنه الشاة إذا ألفت البيت. (¬2) انظر ص 76 ج 1 نيل الأوطار (ما جاء في تطهير الدباغ).

وهذا حاصل بالنجس كالطاهر ويجب غسله بعد الدباغ ولو دبغه بطاهر لا يجب غسله على الأصل. 2 - لا يفتقر الدباغ إلى نية ولا إلى فاعل فلو أطارت الريح جلد ميتة فألقته في مدبغة فاندبغ صار طاهرا. 3 - لو أخذ شخص جلد ميتة لغيره فدبغه طهر. ولمن يكون؟ "قيل" يكون لدبغ "وقيل" لصاحب الميتة لتقدم حقه. والأصح أنه إن كان صاحبها رفع يده عنها ثم أخذه الدابغ فهو له وإن كان غصبه للمغصوب منه (¬1). 4 - أجمع العلماء على أنه لا يجوز الانتفاع بجلد الميتة إذا لم يدبغ. وعليه يحمل النهي في حديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "نهى عن جلود السباع" أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم. وزاد الترمذي: أن تفترش (¬2) {31}. (وعن) المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية: أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال نعم. أخرجه أبو داود والنسائي بسند صالح (¬3) {32}. (دل) الحديثان على أن جلود السباع لا يجوز الانتفاع بها (وقد) اختلف في حكمة النهي (فقال) البيهقي: يحتمل أن النهي وقع لما يبقى عليها من ¬

(¬1) انظر ص 235 ج 1 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 69 ج 4 سنن أبي داود (جلود السباع) وص 192 ج 2 مجتبي (النهي عن الانتفاع بجلود السباع) وص 66 ج 3 تحفة الأحوذي (في النهي عن جلود السباع). (¬3) انظر ص 68 ج 4 سنن أبي داود (جلود النمور والسباع) وص 192 ج 2 مجتبي.

4 - الآنية

الشعر، لأن الدباغ لا يؤثر فيه. وقال غيره: يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها، لأجل النجاسة، أو أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء (وأما) الاستدلال بهما على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم (فغير ظاهر) لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما فلا معارضة، بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها ونحوه (¬1). 4 - الآنية هي جمع إناء وهو مباح وغيره. (أ) فيباح اتخاذ واستعمال كل إناء طاهر سواء أكان ثمينا كالبلور والياقوت والزمرد، أو ليس ثمينا كالعقيق والخشب والحجارة والنحاس والحديد والجلد. وهو قول الجمهور لقول عبد الله بن زيد: أتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ أخرجه البخاري (¬2) {33}. (وقالت) عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تور من شبه. أخرجه أبو داود (¬3) {34}. ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 1 نيل الأوطار. وسيأتي لهذا البحث زيادة بيان في بحث (ليس الجلود) ص 312 ج 6 - الدين الخالص إن شاء الله تعالى. (¬2) انظر ص 211 ج 1 فتح الباري (الوضوء والغسل في المخضب .. ) و (تور) بفتح فسكون، أي إناء. و (الصغر) كقفل- النحاس. (¬3) انظر ص 367 ج 1 - المنهل العذب (الوضوء في آنية الصفر) و (الشبة) بفتحين ما يشبه الذهب في لونه. وهو النحاس الجيد.

(ب) ولا يجوز استعمال إناء الذهب أو الفضة في شيء عند الجمهور لقول حذيفة: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" أخرجه السبعة (¬1) {35}. (وعن) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من شرب في إناء من دهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" أخرجه مسلم (¬2) {36}. (فهذه) الأحاديث تدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وهو مجمع عليه. وشذ ذاود الظاهري في تحريم الشرب فقط، ولعله لم يبلغه حديث تحريم الأكل. ويقاس على تحريم الأكل والشرب فيها سائر الاستعمالات عند الجمهور (قال) الشافعي في الأم: ولا أكره إناء توضئ فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شيء إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيها. وقال: فإن توضأ أحد فيها أو شرب كرهت ذلك له ولم آمره يعيد الوضوء ولم أزعم أن الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه وكان الشرب فيها معصية (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 385 ج 5 مسند أحمد ولفظه: نهى صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير وص 441 ج 9 فتح الباري (الأكل في إناء مفضض) وص 37 ج 14 نووي مسلم وص 337 ج 3 سنن أبي داود (الشرب في آنية الذهب والفضة) ولفظه كأحمد والديباج ثوب سداه ولحمته من حرير (والصحاف) بكسر أوله جمع صفحة وهي إناء كالقصعة. والضمير للفضة ومنه يعلم حكم الذهب (والحديث) عند أبي داود والترمذي وابن ماجه في الأشربة. وعند النسائي في الزينة. (¬2) انظر ص 30 ج 14 نووي مسلم. (¬3) انظر ص 8 ج 1 من الأم. طبع بولاق.

(وقول) الشوكاني في نيل الأوطار: والقياس على الأكل والشرب. قياس مع الفارق "مردود" بما ذكره النووي من أن العلة السرف والخيلاء. وهذا موجب للتحريم. ولا مانع من أن يضم إلى هذا التشبه بأهل الجنة الذي ذكره هو. فيكون مجموع هذه الأمور قاضيا بصحة القياس "وقوله" أما حكاية النووي الإجماع على تحريم الاستعمال، فلا تتم مع مخالفة داود الظاهري والشافعي وبعض أصحابه "مدفوع" بما ذكره النووي من ان كلام الشافعي وداود معارض بالأحاديث الصحيحة وقد قال الشافعي وغيره من الأئمة: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ففي الحقيقة لا مخالفة والإجماع قائم (أما اتخاذ) أواني الذهب والفضة بدون استعمال، فالجمهور على منعه. (قال) أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة: المذهب تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة. وعن الشافعي إباحته لتخصيص النهي بالاستعمال ولا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير وذكره بعض أصحابنا وجها من المذهب. ولنا ان ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي. وأما الثياب الحرير فإنها تباح للنساء والتجارة فحصل الفرق (¬1). (وعلى) الجملة فيحرم على الرجل وغيره، استعمال شيء من الذهب والفضة ولو قليلا أو صغيرا كالمورد للمكحلة، والخلال، والأبرة والملعقة، والمشط، والمبخرة، والسكين، والمرآة، وظروف وفناجين القهوة، والساعات وريش القلم (ويحرم) على البالغ إلباس الصغير الحرير، أو الذهب، أو غير خاتم الفضة، أو يطعمه أو يسقيه في إنائهما أو يمكنه من استعمالها، لأنه بحرمة اللبس والأكل والشرب، يحرم الإلباس والإطعام والسقي. ولقول عبد الله بن يزيد ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 1 من الأم. طبع بولاق.

5 - المضبب والمحلى بالذهب أو الفضة

كنا عند عبد الله ابن مسعود فجاء ابن له قميص من حرير قال: من كساك هذا؟ قال أمي فشقه وقال: قل لأمك تكسوك غير هذا. أخرجه الطبراني بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح (¬1) {1}. (وقال) بعضهم: إنما دلت الأحاديث على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة. وأما سائر الاستعمالات فلا والأصل الحل فلا تنبت الحرمة إلا بدليل (وقد) علمت أن الجمهور قاسوا سائر الاستعمالات على الأكل والشرب. فالاحتياط الاحتزار عن استعمال آنية الذهب والفضة مطلقا ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. 5 - المضبب والمحلى بالذهب أو الفضة المضبب "المربوط كسره أو شقه بذهب، أو فضة" ويحرم استعماله عند الشافعي وأحمد إلا ما كان مضببا بيسير الفضة (وقال) أبو يوسف بكراهته لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "من شرب في إناء ذهب، أو فضة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم". أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق يحيى بن محمد الجاري عن زكريا ابن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه (¬2). {37} قال ابن القطان: هذا الحديث لا يصح. زكريا وأبوه لا يعرف فهما حال (¬3)، وقال الحاكم: لم نكتب هذه اللفظة "أو إناء فيه شيء من ذلك" إلا بهذا الإسناد. وقال البيهقي: المشهور عن ابن عمر في المضبب موقوف عليه. ¬

(¬1) انظر ص 144 ج 5 مجمع الزوائد (لبس الصغير الحرير) وانظر تمام الكلام في هذا في بحث (منع الصغير مما لا يحل للكبير) ص 261 ج 6 - الدين الخالص طبعة أولى. (¬2) انظر ص 29 ج 1 بيهقي (النهي عن الإناء المفضض). (¬3) انظر ص 29 ج 1 - الجوهر النقي (النهي عن الإناء المفضض).

(وعن) نافع عن ابن عمر أنه كان لا يشرب في قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة. أخرجه البيهقي بسند على شرط الصحيح (¬1). ولأن في ذلك السرف والخيلاء، فأشبه إناء الذهب والفضة. (ويدل) على جواز استعمال المضيف بيسير الفضة قول عاسم الأحول: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أنس ابن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال أنس: لقد سقيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القدح أكثر من كذا وكذا. أخرجه البخاري (¬2) {38}. (وبه) استدل أبو حنيفة على جواز استعمال المضبب بأحدهما. وكذا يحل عنده استعمال المصحف المحلي بالذهب أو الفضة واستعمال إناء أو سرج أو كرسي او سكين أو سرير أو سيف أو لجام أو ركاب مزوق بالذهب أو الفضة، متقيا موضع الفضة والذهب، مستدلا بحديث أنس رضي الله تعالى عنه، قال: كانت قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضة. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3) {39}. (وأطلقت) المالكية حرمة استعمال المضبب بأحدهما. ولعله لم يبلغهم حديث أنس المذكور. وعلى هذا الخلاف المموه بذهب أو فضة إذا كان يخلص منه شيء بعرضه على النار. أما التمويه الذي لا يخلص فلا بأس به اتفاقا، لأنه مستهلك، فلا عبرة ببقائه لونا. ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 1 بيهقي (النهي عن الإناء المفضض). (¬2) انظر ص 79 ج 10 فتح الباري (الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم) و (النضار) بضم النون: أجود الخشب. وقال في المحكم: النضار التبر والخشب. (¬3) انظر ص 30 ج 3 سنن أبي داود (السيف يحلي) و (قبيعة) كطبيعة ما على طرف مقبض السيف يعتمد الكف عليها.

6 - اتخاذ الأنف والسن من ذهب أو فضة وشد السن بهما

6 - اتخاذ الأنف والسن من ذهب أو فضة وشد السن بهما قال أبو حنيفة: لو جدع أنف إنسان لا يتخذه من ذهب ويتخذه من فضة. (وقال) مالك ومحمد بن الحسن: يتخذه من الفضة والذهب. لحديث عرفجة ابن أسعد أنه أصيب أنفه فاتخذ أنفا من الفضة، فأنتن، فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاتخذ أنفا من الذهب. أخرجه الثلاثة بسند جيد، وحسنه الترمذي (¬1) {40}. (وقالت) الشافعية والحنبلية: لا يجوز اتخاذ أنف أو سن من فضة أو ذهب إلا للضرورة للحديث المذكور (قال النووي) في المجموع: أن اضطر إلى الذهب جاز استعماله، فيباح له الأنف والسن من الذهب والفضة، وكذا شد السن العليلة بهما جائز. ويباح أيضا الأنملة منهما. وفي جواز الأصبع واليد منهما وجهان: أشهرهما لا يجوز، لأن الأصبع واليد منهما لا تعمل عمل الأصلية، بخلاف الأنملة (وإذا سقطت) سنة كره عند أبي حنيفة إعادتها وشدها بذهب أو فضة ولكن يأخذ سن شاة مذكاة فيجعلها مكانها (وقال) أبو يوسف يشدها مكانها بالذهب أو الفضة. وأما السن المتحركة فيحل شدها بالفضة لا بالذهب عند أبي حنيفة، لأن استعمالهما حرام إلا للضرورة. وقد زالت بالأدنى فبقى الأعلى على الأصل وهو الحرمة (وقال) مالك ومحمد بن الحسن: يحل بالذهب أيضا لاستوائهما. (تغطية الأواني) يستحب تغطية الأواني، وربط القرب، وذكر اسم الله تعالى عند ذلك، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه ¬

(¬1) انظر ص 92 ج 4 سنن أبي داود (ربط الأسنان بالذهب) وص 286 ج 2 مجتبي (من أصيب أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب؟ ).

7 - سنن الفطرة

وعلى آله وسلم قال: "غطوا الإناء وأوكئوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم" أخرجه مسلم وابن ماجه (¬1) {41}. (وعن جابر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أغلق بابك، وأذكر اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأطفئ مصباحك، وأذكر اسم الله، وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه، وأذكر اسم الله، وأوك سقاءك وأذكر اسم الله. أخرجه الثلاثة واللفظ لأبي داود (¬2) {42}. 7 - سنن الفطرة الفطرة: هي السنة القديمة والخلقة المبتدأة، ومنه فاطر السموات والأرض. أي المبتدئ خلقهن. وسنن الفطرة كثيرة (منها) ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "الفطرة خمس" الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر" أخرجه السبعة (¬3) {43}. (ومنها) ما في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ¬

(¬1) انظر ص 183 ج 13 نووي مسلم (تغطية الإناء ... ) و (الفويسقة) تصغير فاسقة، وهي الفأرة. و (تضرم) بضم فسكون أي تحرق سريعا. (¬2) انظر ص 339 ج 3 سنن أبي داود (إيكاء الأنية). (¬3) انظر ص 272 ج 10 فتح الباري (تقليم الإظفار) وص 146 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة) وص 275 ج 2 مجتبي (الزينة).

1 - الاستحداد

"عشر من الفطرة: قص الشارب واعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء (يعني الاستنجاء بالماء) والمضمضة". أخرجه أحمد ومسلم والأربعة وحسنه الترمذي (¬1) {44}. (وعن) ابن عباس "وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال: ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء" أخرجه عبد الرازق بسند صحيح (¬2) {3}. ذكر في الحديثين والأثر اثنتا عشرة من سنن الفطرة وهاك بيانها: 1 - الاستحداد: هو حلق العانة. وسمي لاستعمال الحديدة، وهي الموسى والكلام في حكمه ووقته (أ) هو سنة بالاتفاق، ويكون بالحلق، والقص، والنتف، والنورة (قال) نافع كنت أطلى ابن عمر فإذا بلغ عانته نورها هو بيده. ذكره الخلال. وقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (¬3) والأفضل الحلق. (والمراد) بالعانة: الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه، والشعر الذي حول فرج المرأة (وقيل) أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر. وعليه فيستحب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما (¬4) وحلق ¬

(¬1) انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم. وص 183 ج 1 - المنهل العذب (السواك من الفطرة) وص 274 ج 2 مجتبي (كتاب الزينة). (¬2) انظر ص 197 ج 1 - المنهل العذب. الشرح (السواك من الفطرة). (¬3) انظر ص 71 ج 1 مغنى ابن قدامة (الاستحداد). (¬4) انظر ص 148 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة).

2 - الختان

العانة مطلوب ولو للمرأة كما اقتضاه الإطلاق. لكن قيده كثيرون بالرجل، وقالوا: الأولى للمرأة النتف، لأنه أنظف ولنفرة الحليل من بقايا أثر الحلق، ولأن شهوة المرأة أضعاف شهوة الرجل، فقد ورد أن لها تسعة وتسعين جزءا منها. وللرجل جزء واحد. فالنتف يضعفها والحلق يقويها. فأمر كل بما هو الأنسب به. (ب) والمختار في وقته أنه يضبط بالحجة والطول فإذا طال حلق وكذا قص الظفر والشارب ونتف الإبط. (وينبغي) ألا يتجاوز في تركه أربعين يوما لقول أنس بن مالك: وقت لنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬1) {45}. معناه أنه لا يترك تركا يتجاوز به الأربعين لا أنه وقت لهم الترك أربعين. 2 - الختان: بكسر المعجمة وتخفيف المثناة (وهو) في حق الذكر قطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف. وفي حق الأنثى قطع جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والكلام في حكمه ووقته. (أ) هو واجب عند الشافعي وكثير من العلماء في حق الرجال والنساء (وواجب) على الرجال ومكرمة للنساء عند أحمد (وسنة) في حق الرجال والنساء عند الحنفيين ومالك وأكثر أهل العلم (والمشهور) عند المالكية أنه سنة في حق الذكور مندوب في حق الإناث محتجين بحديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الختان سنة للرجال مكرمة للنساء. ¬

(¬1) انظر ص 146 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة) وص 84 ج 4 سنن أبي داود (أخذ الشارب) وص 65 ج 1 سنن ابن ماجه (الفطرة).

أخرجه الطبراني وفي سنده حجاج بن أرطأة لا يحتج به. وله شاهد أخرجه الطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن بشر إلى ابن عباس، وسعيد مختلف فيه. وقال البيهقي في المعرفة: لا يصح رفعه، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا. وأخرجه أيضا من حديث أبي أيوب (¬1) {46}. " والحديث" وأن تقوى بكثرة طرقه وبالشاهد (فهو) أعم من مدعاهم، لأن لفظة السنة فى لسان الشارع أعم من السنة فى اصطلاح الأصوليين. (واحتج) منقال بالوجوب بأدلة (منها) حديث ابن جريح قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: قد أسلمت. فقال له النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألق عنك شعر الكفر يقول احلق قال وأخبرنى آخر معه أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لآخر معه: ألق عنك شعر الكفر واختتن. أخرجه أحمد والطبرانى وأبو داود بسند ضعيف، لأن عثيما واباه مجهولان. وفيه انقطاع (¬2) {47}. (والحق) انه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنة كما فى حديث " خمس من الفطرة ". والواجب الوقوف على المتقين إلى أن يقوم ما يفيد خلافه. هذا والرجل إذا أسلم ولم يطق الختان يترك وكذا من مات بلا ختان وهو الصحيح عند الشافعية. (ب) (واختلف) فى وقت الختان. فروى ابن حبيب عن مالك أنه من سبع سنين إلى عشر، وأنه يكره يوم الولادة. فإن بلغ الشخص ولم يختن، فإن أمكنه أن يختن نفسه فعل، وإلا سقط وسقوطه عن الأنثى أولى حينئذ. ¬

(¬1) أنظر رقم 4129 ص 503 ج 3 فيض القدر شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر رقم 1580 ص 161 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(وقالت) الحنبلية: يستحب الختان من بعد السابع إلى التمييز. أما من السابع فمكروه، فإن بلغ وجب عليه ما لم يخف على نفسه (وقال) أبو حنيفة لا علم لى بوقته. ولذا اختلف فى وقته عند الحنفيين فقيل سبع سنين أو تسع، أو عشر، أو اثنتا عشرة، أو حين البلوغ (والصحيح) عند الشافعى أنه فى حال الصغر جائز، وفى وجه أنه يجب على الولى أن يختن الصغير قبل بلوغه. وعلى الصحيح يستحب أن يختن يوم السابع من ولادته، لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين لسبعة أيام. أخرجه أبو الشيخ والبيهقى (¬1) {48}. (وقال الماوردى) للختان وقتان وقت وجوب ووقت استحباب. فوقت الوجوب البلوغ ووقت الاستحباب قبله. والمختار كونه قى اليوم السابع وقبل يوم الولادة فإن أخر ففى الأربعين يوما فإن أخر ففى السنة السابعة فإن بلغ وكان نحيفا يعلم من حاله أنه إذا اختتن تلف سقط الوجوب ويستحب ألا يؤخر عن وقت الاستحباب إلا لعذر وفى ختان الصغير مصلحة فإن الجلد بعد التمييز يغلظ يزداد الم قطعه (ونقل) ابن المنذر عن الحسن ومالك كراهة الختان يوم السابع لأنه فعل اليهود (ويرده) ما تقدم من ختن الحسن والحسين يو م السابع ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق يوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط وفى سنده ضعف (¬2) {4}. ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 10 فتح البارى الشرح (قص الشارب). (¬2) انظر ص 466 ج 9 فتح البارى الشرح (تسمية المولود.) (وتثقب اذنه) هذا فى الأنثى. و (يلطخ من عقيقته) أى يصبغ شعر رأسه بعد حلقه بدم العقيقة ثم يدفن.

3 - قص الشارب

(وعن) موسى بن على عن أبيه "أن إبراهيم عليه السلام ختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام".أخرجه البيهقى (¬1) {5}. هذا ووليمة ختان الذكر مشروعة وتجاب الدعوة اليها بخلاف ختان الأنثى وعليه يحمل ما روى عن عثمان بن أبى العاص أنه دعى إلى ختان فقال: ما كنا نأتى الختان على عهد النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا ندعى له ". أخرجه أحمد (¬2) {49}. (ولذا) قال ابن الحاج فى المدخل: السنة إظهار ختان الذكر والخفاء ختان الأنثى وإذا ولد مختونا لا يختن إلا إذا كان شئ يوارى بعض الحشفة. (واختلف) فى ختان الخنثى. فعند الشافعية يختن فى فرجيه قبل البلوغ. وقيل لا يختن حتى يتبين. وهو لحق عند المالكية. (وقال) الحنفيون: تشترى له أمه تختنه. ويكره أن يختنه رجل أو إمرأة. (وقالت) الحنبلية: يختن فى فرجيه عند البلوغ. 3 - قص الشارب: هو سنة عند الأكثر، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن، لحديث التيامن. والقاص مخير بين أن يتولى ذلك بنفسه أو يوليه غيره، لحصول المقصود من غير هتك مروءة بخلاف الابط، ولا ارتكاب حرمة بخلاف العانة (واختلف) فى حد ما يقص من الشارب، فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه، لظاهر حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " احفوا الشوارب وأعفوا اللحى" أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وصححه (¬3) [50]. ¬

(¬1) انظر ص 266 ج 10 فتح البارى الشرح (قص الشارب). (¬2) انظر ص 217 ج 4 مسند أحمد (حديث عثمان بن أبى العاص الثقفى). (¬3) انظر ص 147 ج 3 نووى مسلم (خصال الفطرة). وص 276 ج 2 مجتبى (اخفاء الشرب). و (احفوا) بقطع الهمزة ووصلها من أحفى الشرب وحفاه إذا استأصل أخذ شعره.

(وقال) الحنفيون: قص الشارب حسن والحلق أحسن. وقال أحمد: الاحفاء اولى من القص. (وقال) مالك والشافعى: احفاء الشرب مثله. والمراد بالاحفاء فى الحديث المبالغة فى أخذ الشارب حتى يبدو حرف الشفة (وقال) أشهب: سألت مالكا عمن يحفى شاربه فقال: أرى أن يوجع ضربا. وقال لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت فى الناس، واحتج من لم ير الاحفاء بكثرة روايات القص. (واحتج) المحفون بأحاديث الأمر بالاحفاء، وهى صحيحة. (والحاصل) أن السنة دلت على جواز الأمرين، ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض، والأحفاء يدل على اخذ الكل وكلاهما ثابت. فيختار المكلف أيهما شاء. وينبغي لمن يريد المحافظة على السنن أن يستعمل هذا مرة وهذا مرة، ليكون قد عمل بكل ما ورد (وقد ذهب) بعض الحنفية وابن حزم إلى وجوب أخذ الشارب. (لحديث) زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من لم يأخذ من شاربه فليس منها". أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه (¬1) {51}. "أما قول" ابن دقيق العيد: لا أعلم أحد قال بوجوب قص الشارب من حيث هو "فأكانه" لم يقف على ما ذكر (هذا) ولا باس بترك سباليه (¬2) ما لم يفحش طولهما لما روى عامر بن الزبير ان عمر كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ. أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات غير أن عامرا لم يدرك عمر (¬3) {6}. ¬

(¬1) انظر ص 368 ج 4 مسند أحمد. وص 276 ج 2 مجتبي (إحفاء الشارب). (¬2) (السبالان) بكسر السين طرفا الشارب. (¬3) انظر ص 166 ج 5 مجمع الزوائد (الشارب واللحية). و (شاربه) أي سباله لأن الشارب لا يفتل.

4 - نتف الإبط

4 - نتف الإبط: بكسر الهمزة والموحدة وتسكن. وقد اتفق العلماء على أن نتفه سنة وهو أفضل أن قوى عليه. ويحصل أيضا بالحلق والنورة. وعن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه (¬1) فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع. ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن (¬2) لحديث التايمن "والحكمة" في طلب إزالة شعر الإبط أنه محل للرائحة الكريهة وإزالته تخففها. والنتف فيه أبلغ، بخلاف الحلق، فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة. ولذا قال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف. ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل. 5 - تقليم الأظافر: هو سنة اتفاقا ولا توقيت فيه، فمتى استحق القص فعل ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين. والأفضل القص يوم الجمعة قبل الصلاة لقول أبي هريرة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقص شاربه ويقلم أظافره يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة. أخرجه البيهقي والبزار والطبراني في الأوسط تفرد به إبراهيم بن قدامه وليس بحجة فيما تفرد به (¬3) {52}. والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال. ولم يرد في ترتيب تقليم الأظافر خبر صحيح. وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة. ولا يجوز اعتقاد استحبابه لأن الاستحباب حكم شرعي لابد له من دليل. وليس استسهال ذلك بصواب. والأولى دفن الأظافر والشعر. ¬

(¬1) الإبط بسكون الباء ما تحت الجناح بذكر ومؤنث والجمع آباط. (¬2) أنظر ص 149 ج 3 شرح مسلم (باب خصال الفطرة). (¬3) يأتي رقم 134 ص 133 ج 4 - الدين الخالص طب 3 (ما يطلب ليلة الجمعة ويومها).

6 - إعفاء اللحية

(فائدة) يستحب نتف الإبط، وحلق العانة وقص الأظافر وتنظيف البدن بالاغتسال في كل أسبوع مرة، فإن لم يفعل ففي كل أسبوعين مرة، ولا عذر في تركه وراء الأربعين، لحديث أنس قال: وقت لنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظفار، وتنف الإبط وحلق العانة، ألا يترك أكثر من أربعين ليلة. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (¬1) {53}. معناه ألا يترك ما ذكر تركا يتجاوز الأربعين. فلا يجوز تجاوزها. ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء الأربعين. 6 - إعفاء اللحية: هو إرسالها وتوفيرها حتى تعفو وتكثر، من عفا الشيء إذا زاد وكثر، وعفاه وأعفاه إذا كثره. ويجب توفير اللحية ويحرم على الرجل حلقها، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال جزوا الشوارب، وأرخوا اللحي، وخالفوا المجوس. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {54}. (وعن ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خالفوا المشركين وفروا اللحي، وأحفوا الشوارب. أخرجه أحمد ومسلم والبخاري، وزاد "وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (¬3) " {55}. والأحاديث الصحيحة الصريحة في أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتوفير اللحية كثيرة والأصل في الأمر الوجوب ولا يصرف عنه إلا لدليل ولا دليل. وأمر يتضمن النهي عن حلقها وقصها. والأصل في النهي التحريم ولا يصرف ¬

(¬1) تقدم رقم 45 ص 174 (وقت إزالة العانة). (¬2) انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم (خصال الفطرة). (¬3) انظر ص 147 ج 3 نووي مسلم. وص 272 ج 10 فتح الباري (تقليم الأظفار).

عنه إلا لدليل ولا دليل. وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عدم إعفائها من فعل المجوس والمشركين. وكفي بذلك زجرا عن حلقها وعدم توفيرها. ومن القواعد المجمع عليها أن كل قول أو رأى أو هوى لا يوافق كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا قياسا صحيحا، فهو باطل. وليس بعد حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم. قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (65) (سورة النساء، وقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) عجز (7) سورة الحشر "وقوله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خالفوا المشركين، خالفوا المجوس "دليل" على حرمة حلق اللحية (وروى ابن عمر) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من تشبه بقوم فهو منهم. أخرجه أبو داود. ورواه الطبراني في الأوسط عن حذيفة وقال: وفيه على ابن غراب وثقه غير واحد وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات (¬1) {56}. وهو دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم، أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة. فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد، ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال يكفر وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال لا يكفر ولكن يؤدب (¬2). هذا، وقد نص أئمة المذاهب على حرمة حلق اللحية. قال العلامة السفاريني: "قال" في الإقناع وشرح المنتهى وغيرهما: لا يكره أخذ ما زاد على القبضة من ¬

(¬1) انظر رقم 8593 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 237 ج 4 سبل السلام (يحرم التشبه بالكفار في زي وغيره).

لحيته (¬1)، ولا أخذ ما تحت. وأخذ الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه من حاجبيه وعارضيه لفعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر. رواه البخاري (¬2). (والمعتمد) في المذهب حرمة حلق اللحية (¬3). (وقال) في شرح العباب (فائدة) قال الرافعي والنووي: يكره حلق اللحية. واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم (قال) الزركشي وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة: وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها (¬4). وقال العلامة النفرواي: وفي قص الشوارب وإعفاء اللحي مخالفة لفعل الأعاجم فإنهم كانوا يحلقون لحاهم ويعفون الشوارب فما عليه الجند في زماننا من امر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم لا شك في حرمته عند جميع الأئمة (¬5). وقال العلامة العدوي في حاشيته على شرح أبي الحسن على رسالة ابن أبي زيد (تتمة) نقل عن مالك كراهة حلق ما تحت الحنك حتى قال: أنه من فعل المجوس. ونقل عن بعض الشيوخ أن حلقه من الزينة، فتكون إزالته من الفطرة ويجمع بحمل كلام الإمام علي ما لم يلزم على بقائه تضرر الشخص ولا تشوبه خلقته. وكلام غيره ¬

(¬1) القبضة بضم القاف ما قبضت عليه من شيء وربما جاء بالفتح. (¬2) تقدم رقم 55 ص 189. (¬3) انظر ص 376 ج 1 غذاء الباب (إعفاء اللحي). (¬4) انظر ص 376 ج 9 حاشيتي الشرواني وابن قاسم على شرح التحفة. قبيل كتاب الأطعمة. (¬5) انظر ص 218 ج 3 - الفواكه الدواني (باب الفطرة).

على ما يلزم على بقائه واحد من الأمرين. واختار ابن عرفة جواز إزالة شعر الخد وندب قص شعر الأنف لا نتفه، لأن بقاءه أمام من الجذام، ونتفه يورث الأكله (¬1). (ويحرم) إزالة شعر العنفقة كما يحرم إزالة شعر اللحية. وإزالة الشيب مكروهة كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموس تحسينا وتزيينا (¬2). (وقال) في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للسادة الحنفية في "باب الحظر والإباحة" ويحرم على الرجل قطع لحيته (¬3) يعني حلقها (وقال) في كتاب الصوم: وأما الأخذ منها "يعني اللحية" وهي دون ذلك "يعني دون القبضة" كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال، فلم يبحه أحد. وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم (¬4) (وقال) العلامة الحاج رجب في شرح الطريقة المحمدية (مسألة) هل يجوز حلق اللحية كما يفعله الجوالفيون؟ الجواب: لا يجوز. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحي (¬5) أي قصوا الشوارب واتركوا اللحي كما هي، ولا تحلقوها ولا تنقصوها عن القدر المسنون. وهو القبضة (¬6). (ومما تقدم) تزداد علما بفساد رأي بعض المتأخرين الذين ي قولون: لا شيء في حلق اللحية لا حرمة ولا كراهة. ينعون على الملتحين والمعممين. وبصرحون بأن الدين ليس عمامة ولا لحية إلى غير ذلك. وهذا حق. لكنهم لم يريدوا به إلا تحقير شان اللحية والعمامة والمتحلين بهما. ولا جرم أن هؤلاء ينطبق عليهم ¬

(¬1) الأكلة بفتح فكسر، داء في العضو يأتكل منه بكسر الكاف. (¬2) انظر ص 290 ج 2 حاشية العدوى. والعنفقة الشعيرات بين الشفة السفلى والذقن. (¬3) انظر ص 269 ج 5 رد المحتار. (¬4) انظر ص 116 ج 2 رد المحتار. (¬5) تقدم رقم 50 ص 177. (¬6) انظر ص 208 ج 4 الوسيلة الأحمدية.

ما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من رغب عن سنتي فليس مني. أخرجه مسلم والنسائي (¬1) {57}. ومنهم من زاد الطين بلة فزعم إباحة حلقها أن لم ترض النساء بإعفائها وبعضهم يزعم أن إعفاء اللحية من القوميات والعادات ولا مدخل لدين فيه. "ولئن سلمنا" جدلا أنه من العادات فقط "فلم" لا نتأسى بعادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخلفاء الراشدين، والصالحين من الأمة المحمدية. (وقد) روى العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فإن كل محدثة بدعة (الحديث). أخرجه الأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {58}. وقال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (115) سورة النساء. فهؤلاء الذين يشاقون الشريعة وينبذونها، قد توعدهم الله تعالى "فهم" وإن مد الله لهم في الدنيا ولم يعجل فيها عقوبتهم "سينالهم" في أخراهم ما هم به جديرون من عذاب. قال تعالى: (والذين كذبوا بأياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم أن كيدي متين) (182، 183) سورة الأعراف، نسأل الله تعالى السلامة من الفتن. ¬

(¬1) انظر رقم 15 ص 46 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترهيب من ترك السنة) والمعنى أن من رغب عن السنة أعراضا عنها معتقدا أرجحية عمله فليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك كفر وأن كانت الرغبة عنها بنوع من التأويل فمعناه ليس على طريقتي السمحة. (¬2) هذا بعض الحديث رقم 3 بالتوحيد ص 4.

هذا، وأما المرأة إذا نبت لها لحية فيجب عليها إزالتها عند الحنفيين ومالك. وقال الشافعي: يستحب لها إزالتها. ويتصل بإعفاء اللحية ثلاثة أمور: (أ) نتف الشيب: هو مكروه عند الأئمة الأربعة والجمهور لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة، ورفعه بها درجة، وحط عنه خطيئة. أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان بأسانيد حسنة، وحسنه الترمذي (¬1) {59}. (وقال) أنس بن مالك: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته ولم يختضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الأثر). أخرجه مسلم (¬2) {70}. وهذا متفق عليه. (وعن طارق) بن حبيب أن حجاما أخذ من شارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرأى شيبة في لحيته. فأهوى بيده إليها ليأخذها، فأمسك صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده وقال: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة. أخرجه الخلال في جامعه (¬3) {60}. (وذهبت) الظاهرية إلى تحريم نتف الشيب، لأنه مقتضى النهي حقيقة. (قال النووي) لو قيل يحرم النتف للنهي الصريح لم يبعد، ولا فرق ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 4 سنن أبي داود (نتف الشيب). وص 278 ج 2 مجتبي. وص 480 راموز الأحاديث. (¬2) انظر ص 96 ج 15 نووي مسلم (شيبه صلى الله عليه وسلم). (¬3) انظر ص 75 ج 1 مغنى ابن قدامة (نتف الشيب).

بين نتفه من اللحية والرأس والشارب والحاجب والعذار، ومن الرجل والمرأة "وفي تعليله" بأنه نور المسلم، ترغيب بليغ في إبقائه، وترك التعرض لإزالته "وتعقيبه" بقوله: ما من مسلم يشيب في الإسلام "والتصريح" بكتب الحسنة، ورفع الدرجة، وحط الخطيئة "نداء" بشرف الشيب وأهله، وأنه من أسباب كثرة الأجور، وإيماء إلى أن الرغبة عنه ينتفه أعراض عن الثواب العظيم. (قال) ابن العربي: وإنما نهى عن النتف دون الخضب، لأن فيه تغييرا للخلقة من أصلها بخلاف الخضب، فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه (¬1). (ب) تغيير الشيب: يستحب خضاب شعر الراس واللحية بالصفرة والحمرة عند الأئمة الأربعة. ويحرم بالسواد عند أبي حونيفة ومحمد، وهو الصحيح عند الشافعية. وصوبه النووي قال: يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد (¬2). ودليل تحريمه حديث جابر بن عبد الله قال: أتى بأبي قحافة يوم الفتح ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد. أخرجه أحمد والأربعة إلا الترمذي (¬3) {61}. ¬

(¬1) انظر ص 293 ج 1 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 294 منه. (¬3) انظر ص 85 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب). وص 278 ج 2 مجتبي (النهي عن الخضاب بالسواد). وص 199 ج 2 سنن ابن ماجه. و (ابو قحافة) هو عثمان والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهاغ. و (الثغامة) بثاء مفتوحة وغير معجمة مخففة: نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه به بياض الشيب.

(وعن أبي الدرداء) أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من خضب بالسوداء، سود الله وجهه يوم القيامة. أخرجه الطبراني في الكبير وفي سنده الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات (¬1) {62}. (وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: يكون في آخر الزمن قوم خضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. أخرجه أبو داود والنسائي (¬2) {63}. (وقالت) المالكية والحنبلية: يكره الخضاب بالسواد. وهو قول للشافعية مالم يكن لغرض شرعي كإرهاب العدو. وإلا فلا كراهة بل يؤجر عليه. لحديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: أن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوكم. أخرجه ابن ماجه بسند حسن (¬3) {64}. ولإطلاق الحديث قال أبو يوسف: يجوز الخضاب بالسواد مطلقا، وروى عن عثمان. ¬

(¬1) انظر ص 163 ج 5 مجمع الزوائد (الشيب والخضاب). (¬2) انظر ص 87 ج 4 سنن أبي داود (في خضاب السواد). ص 278 ج 2 مجتبي و (لا يريحون) بفتح الباء، أي لا يشمون، من راح يريح ويراح، أو بضم الباء من أراح. (¬3) انظر ص 199 ج 2 - ابن ماجه (الخضاب بالسواد). و (لهذا) بفتح اللام. و (أرغب الخ) بيان لكون السواد أحسن فإنه يصير المرء به كالشاب الجميل فترغب فيه امرأته ويهابه العدو.

واتفق الأئمة على جواز خضاب الشعر بالحناء والصفرة والكتم (¬1)، وهل الأفضل الترك أو الفعل؟ روايتان عن مالك، وقال غيره: الفعل أفضل لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن اليهود والنصارى لا يصبغون "يعني شهورهم" فخالفوهم. أخرجه الستة، ولفظ الترمذي: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود (¬2) {65}. (وحديث أبي ذر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم. أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي (¬3) {66}. (قال) القاضي عياض: اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب وفي جنسه. فقال بعضهم: ترك الخضاب أفضل. وروى حديثا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النهي عن تغيير الشيب (¬4). ولأنه صلى الله عليه ¬

(¬1) الكتم بفتحتين، نبت بخلط بالوسمة يختضب به. (¬2) يأتي رقم 19 ج 5 (المواسم الأجنبية). طب 3. (¬3) انظر ص 147 ج 5 مسند أحمد. وص 85 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب). وص 279 ج 2 مجتبي (الخضاب بالحناء والكتمر) والكتم بفتحتين نبات يمني يخرج صبغا بين السواد والحمرة. (¬4) لعله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة يعني الخلوق بفتح الخاء (طيب مركب من زعفران وغيره تغلب عليه الحمرة) وتغيير الشيب (الحديث) أخرجه أبو داود ص 89 ج 4 "خاتم الذهب" والنسائي ص 279 ج 2 (الخضاب بالصفرة) من كتاب الزينة {67}. (وحمل) بعضهم تغيير الشيب على تغييره بالسواد جمعا بين الأحاديث. ... ولو فرض عدم اختضابه لما كان قادحا في سنية الخضاب لورود الإرشاد إليه بالقول في الأحاديث الصحيحة.

وعلى آله وسلم لم يغير شيبه. روى هذا عن عمر وعلي وأبي بكر وآخرين. (وقال) آخرون: الخضاب أفضل. وخضب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، للأحاديث الواردة في ذلك (ثم اختلف) هؤلاء فكان أكثرهم يخضب بالصفرة. منهم علي وابن عمر وأبو هريرة وآخرون. وخضب جماعة منهم بالحناء والكتم، وبعضهم بالزعفران، وخضب جماعة بالسواد. (قال) الطبراني: الصواب أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتغيير الشيب وبالني عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض. بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب ابي قحافة. والنهي لمن له شمط فقط. واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه (¬1). وما تقدم من النهي عن التخضيب بالسواد، عام في الرجال والنساء وحكى عن إسحاق بن راهوية أنه رخص فيه للمرأة، لتتزين به لزوجها. هذا. وللخضب فائدتان: أحداهما تنظيف الشعر مما يعلق بهن الثانية: مخالفة أهل الكتاب. (جـ) ما يكره في اللحية: يكره فيها ثماني خصال بعضها اشد قبحا من بعض: 1 - خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد إرهابا للعدو بإظهار الشباب والقوة فلا بأس إذا كان بهذه النية كما تقدم. 2 - تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة وطلب الرياسة والتعظيم والمهابة والتكريم وإيهام أنه من المشايخ. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 14 نووي مسلم (خضاب الشيب) ..

3 - خضابها بصفرة أو حمرة تشبها بالصالحين ومتبعي السنة لا بنية اتباع السنة. 4 - نتفها في أول طلوعها وتخفيفها بالموسى إيثرا للمرودة واستصحابا للصبا وحسن الوجه. وهذا حرام من أقبح الخصال. 5 - نتف الشيب وتقدم بسطه. 6 - الزيادة فيها عن القبضة وعدم الأخذ من طولها العارضين ونتف جانبيهما من جهة الوجه. 7 - النقص منها بالقص ونتف جانبي العنفقة وحلق أعلى العارضين ونتف جانبيهما من جهة الوجه. 8 - عقدها في الحرب لأنها من زي الأعاجم ومنه معالجة الشعر حتى يتجعد. لحديث رويفع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: يا رويفع لعل الحياة ستطول بك فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا منه برئ. أخرجه أبو داود والنسائي بسند جيد (¬1) {68}. (فائدة) خضاب اليدين والرجلين بالحناء مستحب للمتزوجة من النساء، وحرام على الرجال إلا لحاجة كالتداوي لحديث عائشة قالت: أومأت امرأة من وراء ستر- بيدها كتاب- إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده فقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت: بل ارمأة قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء. أخرجه النسائي وأبو داود (¬2) {69}. ¬

(¬1) انظر ص 133 ج 1 - المنهل العذب (ما ينهي عنه أن يستنجى به). وص 277 ج 2 مجتبي (عقد اللحية). و (الوتر) بفتحتين ما يشد بين طرفي القوس. كانت العرب تزعم أن التقلد بالوتر يرد العين ويدفع المكاره فنهوا عن ذلك. وقد طالت الحياة برويفع حتى مات سنة ثلاث وخمسين بغفريقية، وهو آخر من مات بها من الصحابة. (¬2) انظر ص 77 ج 4 سنن أبي داود (الخضاب للنساء).

7 - السواك

وعن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال: ما بال هذا؟ فقيل يتشبه بالنساء. فأمر به فنفى إلى النقيع فقيل: ألا نقتله يا رسول الله؟ فقال: أني نهيت عن قتل المصلين. أخرجه أبو داود وفيه أبو يسار القرشي مجهول (¬1) {70}. 7 - السواك: كان من الفطرة لأنه مطهرة للفم وهو بكسر السين يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به. (والمراد به) استعمال عود أو نحوه في الأسنان، لتذهب الصفرة وغيرها عنها. والكلام ينحصر في ستة مباحث: (أ) حكمه: هو مستحب عند الوضوء والصلاة مطلقا في المسجد وغيره وعند القيام من النوم: وعند تغير الفم، وعند دخول البيت، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. أخرجه الجماعة (¬2) {71}. (وعنه) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء. أخرجه مالك والبيهقي والحاكم وصححه (¬3) {72}. (وعن عائشة) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". أخرجه أحمد والنسائي والترمذي ¬

(¬1) انظر ص 438 ج 4 عون المعبود (حكم المخنثين). و (النقيع) بالنون موضع على عشرين فرسخا من المدينة بأرض مزينة. (¬2) انظر ص 274 ج 2 - الفتح الرباني. وص 309 ج 2 تيسير الوصول. (¬3) انظر ص 309 ج 2 تيسير الوصول. وص 35 ج 1 سنن البيهقي (السواك سنة) (السواك).

وابن حبان والحاكم والبيهقي والدارمي (¬1) {73}. (وقالت) كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ ألا يتسوك قبل أن توضأ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬2) {74}. والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابا. (الأول) عند الصلاة سواء أكان متطهرا، أو غير متطهر كمن لا يجد ماء ولا ترابا. (الثاني) عند الوضوء. (الثالث) عند قراءة القرآن. (الرابع) عند الاستيقاظ من النوم. (الخامس) عند تغير الفم. وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات. (ب) آلته: (ويحصل) الاستياك بكل طاهر خشن يزيل الوسخ والأفضل أن يكون بالأراك والزيتون. (قال) معاذ بن جبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " نعم السواك الزيتون من شجرة مباركه يطجيب الفم، ويذهب بالحفر. وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ". أخرجه الطبراني في الأوسط (¬3) {75}. ويحصل فضله بالأصبع عند فقد السواك، أو فقد أسنانه، أو ضرر بفمه، لحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " الأصبع ¬

(¬1) انظر ص 29 ج 1 - الفتح الرباني. وص 310 ج 2 تيسير الوصول وص 34 ج 1 سنن البيهقي (فضل السواك). وص 174 ج 1 سنن الدارمي. (¬2) انظر ص 297 ج 1 - الفتح الرباني. وص 200 ج 1 - المنهل العذب (السواك لمن قام من الليل). (¬3) انظر ص 100 ج، مجمع الزوائد (بأي شيء يسناك). و (الحفر) (بفتح لمن قام من الليل).

تجزئ من السواك ". أخرجه البيهقي والضياء في المختار وقال: إسناد لا بأس به (¬1) {76}. (وعن عائشة) رضي الله عنها قالت: يا رسول الله الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال نعم. قلت كيف يصنع؟ قال يدخل اصبعه في فيه فيدلكه. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفي سنده نبيت بن كثير وهو ضعيف (¬2) {77}. ويطلب أن يكون الاصبع نظيفا غير ملوث بما يضر بالصحة. (جـ) كيفيته: يستحب أن يستاك في اللسان طولا، وفي الأسنان عرضا، لحديث أبي بردة عن أبيه "أبي موسى" قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نستحمله فرأيته يستاك على لسانه وهو يقول آه آه يعني يتهوع. أخرجه أبو داود (¬3) {78}. والسنة إمساكه باليمين وخنصرها تحت طرفه الأسفل، والثلاثة الباقية فوقه، والإبهام أسفل راسه كما رواه ابن مسعود. (د) الاستياك بسواك الغير: اتفق العلماء على جواز الاستياك بسواك الغير بإذنه (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما اكبر من الآخر، فناولت السواك ¬

(¬1) انظر ص 41 ج 1 سنن البيهقي (الاستياك بالأصابع). (¬2) انظر ص 100 ج 2 مجمع الزوائد (السواك لمن ليست له أسنان) ويذهب فوه كتابة عن أنه لا أسنان له. (¬3) (انظر ص 177 ج 1 - المنهل العذب) كيف يستاك (. و (تستحمله) أي نطلب أن يحملنا إلى غزوة تبوك. و (أه) بهمزة مكسورة أو مفتوحة أو مضمومة وهاء ساكنة يقول أع أع. و (يتهوع) يتقيأ.

الأصغر منهما، فقيل لي كبر فدفعته للأكبر منهما. أخرجه أحمد والشيخان والبيهقي (¬1) {79}. (هـ) تنظيفه: يسن غسل السواك بعد استعماله، لقول عائشة: كان نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك. ثم أغسله وأدفعه إليه. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند جيد (¬2) {80}. (و) السواك للصائم: يستحب للصائم أن يستاك أول النهار وآخره لحديث عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مالا أحصى يتسوك وهو صائم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والدارقطني وقال: عاصم بن عبد الله غيره أثبت منه والترمذي وقال حسن (¬3) {81}. والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأسا. إلا أن بعضهم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب وكرهوا له السواك آخر النهار ولم ير الشافعي بالسواك بأسا أول النهار وآخره. وكره أحمد وغسحاق السواك أخر النهار. (وباستحبابه) للصائم مطلقا قال الحنفيون ومالك والثوري (ومشهور) مذهب الشافعية وأحمد أنه يكره السواك للصائم بعد الزوال مستدلين بحديث ¬

(¬1) انظر ص 248 ج 1 فتح الباري (دفع السواك إلى الأكبر). وص 21 ج 15 نووي مسلم (الرؤيا). و (أراني) بفتح الهمزة وفي رواية مسلم أراني في المنام فهو من الرؤيا. (¬2) انظر ص 182 ج 1 - المنهل العذب (غسل السواك). وص 39 ج 1 سنن البيهقي. (¬3) انظر ص 298 ج 1 - الفتح الرباني وص 9 ج 10 - المنهل العذب (السواك للصائم). وص 248 الدارقطني. وص 46 ج 2 تحفة الأحوذي.

8 و 9 - المضمضة والاستنشاق

أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. أخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه (¬1) {82}. قالوا: وجه الاستدلال أنه إذا استاك يزول هذا الخلوف. لكنه غير مسلم. فإن المراد من الحديث مدح الصائم من حيث صيامه، حتى أن رائحة فمه التي من شأنها أن تكون كريهة، مرضية عند الله عز وجل، يثاب عليها أكثر ما يثاب من تطيب برائحة المسك المحبوبة شرعا (وقول) علي: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي. أخرجه البيهقي (¬2) {8}. (ضعيف) فإن في سنده كيسان أبو عمر عن يزيد بن بلال وكيسان ليس بالقونى وضعفه يحيى بن معين والساجي. ويزيد بن بلال حديثه منكر. وقال ابن حبان: لا يحتج به "وقول" أبي هريرة: لك السواك إلى العصر، فإذا صليت فألقه. أخرجه الدارقطني والبيهقي (¬3) {9}. "ضعيف" أيضا، فإن في سنده عمر بن قيس، وهو متروك. ولذا نقل الترمذي عن الشافعي أنه قال: لا باس بالسواك للصائم أول النهار وآخره. واختاره جماعة من أصحابه منهم أبو شامة والنووي والمزني. 8 و 9 - المضمضة والاستنشاق: سيأتي بيانهما وافيا في سنن الوضوء إن شاء الله تعالى. 10 - غسل البراجم: بفتح الموحدة وكسر الجيم جمع برجمة بضم الموحدة والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها. وغسلها سنة مستقلة غير خاصة بالوضوء ¬

(¬1) انظر ص 132 ج 1 نيل الأوطار. و (لخلوف فم الصائم) أي تغير رائحته يقال خلف فم الصائم خلوفا من باب قد تغيرت ريحه. (¬2) انظر ص 274 ج 4 - سنن البيهقي. (من كره السواك بالعشي للصائم). (¬3) انظر ص 274 ج 4 - سنن البيهقي. (من كره السواك بالعشي للصائم).

11 - انتقاص الماء

ويلحق بها ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن والصماخ فيزيله بالمسح لأن الغسل ربما أضر بالسمع وكذلك ما يجتمع داخل الأنف وكل وسخ اجتمع على أي موضع من البدن بالعرق والغبار ونحوهما. 11 - انتقاص الماء: بالقاف والصاد المهملة وهو لغة رش الماء على الذكر وفسره وكيع بن الجراح بالاستنجاء بالماء المتنجي به. وكان الاستنجاء من الفطرة لما فيه من تطهير المحل وتنظيفه والكلام فيه ينحصر في سبعة مباحث. (أ) تعريفه: هو لغة غسل موضع الخارج من أحد السبيلين، أو مسحه بحجر أو نحوه. وشرعا إزالة ما على السبيل من النجاسة بنحو الماء، وتقليلها بنحو الحجر (ومن لوازمه) الاستبراء. وهو طلب البراءة من اثر الخارج. فيلزم الرجل الاستبراء حسب عادته بنحو مشي أو تنحنح أو ركض أو اضطجاع. ولا يصح الشروع في الوضوء حتى يطمئن بزوال الرشح، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: عامة عذاب القبر في البول فاستنزهوا من البول. أخرجه البزار والطبراني في الكبير (¬1) {83} وفيه أبو يحيى القتات وثقه ابن معين وضعفه غيره. (وعن عيسى) بن يزداد اليماني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا بال أحدكم فينتر ذكره ثلاثا. أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود في المراسيل (¬2) {84} ويزداد ذكره ابن منده في معرفة الصحابة. وأبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب وفيه زمعة ابن صالح ضعيف. ¬

(¬1) انظر ص 207 ج 1 مجمع الزوائد (الاستنزاه من البول). (¬2) انظر ص 207 منه (فلينتر) من النتر وهو جذب فيه قوة.

ولا تحتاج المرأة إلى استبراء بل تصبر قليلا ثم تستنجى (ولابد) من الاستنقاء أيضا. وهو طلب النقاوة بدلك المقعدة بالأحجار حال الاستجمار، أو بالأصابع حال الاستنجاء بالماء حتى تذهب الرائحة. (ب) حكمه: هو واجب عند الأئمة الثلاثة على من راد الصلاة (وقال) الحنفيون: هو سنة مؤكدة من نجس خارج من أحد السبيلين ولو غير معتاد ما لم يتجاوز المخرج. وإن تجاوز النجس المخرج وجب الغسل إن كان المتجاوز درهما فأقل. ويفترض الغسل إن كان المتجاوز أكثر من الدرهم. وغسل ما عدا المخرج من باب إزالة النجاسة. (جـ) آلته: يكون بالماء والحجر ونحوه (1) فيغسل المحل بالماء حتى يعلم أنه طهر لقول أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء فيستنجى به. أخرجه أحمد والخمسة إلا الترمذي (¬1) {85} (2) ويجزئ فيه الحجر ونحوه من كل عين طاهرة قالعة غير محترمة. يمسح به المحل حتى ينقى. (ويستحب) فيه التثليث عند الحنفيين ومالك لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أكتحل فليوتر. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر. من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج (الحديث) أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي والح وابن حبان في صحيحه (¬2) {86}. والمعنى: من فعل ما قلته كله فقد أحسن، ومن لم يفعل فلا حرج. ¬

(¬1) انظر ص 301 ج 2 تيسير الوصول (ما يستنجى به). (¬2) انظر ص 127 ج 1 - المنهل العذب. وص 169 ج 1 سنن الدارمي (التستر عند الحاجة). وص 276 ج 1 - الفتح الرباني بلفظ: من استجمر.

(وقال) الشافعي وأحمد: لابد من التثليث لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا. أخرجه أحمد والبيهقي (¬1) {87}. (وقال) عبد الرحمن بن يزيد: قيل لسلمان علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ أجل. نهانا أن نستقبل القبلة يغائط أو بول، أو أن نستنجى باليمين أو أن يستنجى أخدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو يستنجى برجيع أو بعظم. أخرجه الستة إلا البخاري (¬2) {88}. (دل) ما ذكر على أنه لا يجزئ في الاستنجاء أقل من ثلاثة أحجار ولو حصل به الإنقاء. فإن حصل بها الإنقاء، وإلا وجبت الزيادة عليها يحصل الإنقاء (وأجاب) الحنفيون بأن ذكر الثلاثة في هذه الأحاديث محمول على الندب جمعا بين الأحاديث (ويؤيده) قول ابن مسعود: أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة. وقال هذه ركس. أخرجه البخاري واللفظ له وابن ماجه والترمذي والنسائي (¬3) {89}. (ووجه الاستدلال) أنه لو كان العدد شرطا لطلب ثالثا لكنه لم يطلبه ومن أنعم النظر في أحاديث الباب ودقق ذهنه في معانيها، علم وتحقق أن المراد الإنقاء لا التثليث (ورد) بأن حديث سلمان نص في أنه لا يقتصر على ما دون الثلاث. ¬

(¬1) انظر ص 277 ج 1 - الفتح الرباني. وص 104 ج 1 - بيهقي (الإيتار في الاستجمار). (¬2) انظر ص 68 ج 1 - ابن ماجه (الاستنجاء بالحجارة .. ) وص 200 ج 2 تيسير الوصول (أداب الاستنجاء). (¬3) انظر ص 302 منه (ما يستنجى به). وص 68 ج 1 - ابن ماجه. و (الركس) بكسر الراء الرجس.

وهو قول، وحديث ابن مسعود فعل. وإذا تعارضا قدم القولي لا سيما وقد ورد الأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار في غير حديث كما تقدم. (وقالت) المالكية: يتعين الماء ولا يكفي الحجر ونحوه في خمس صور: 1 - في إزالة المنى لمن فرضه التيمم أو الوضوء كخروجه بلا لذة أو بلذة غير معتادة. 2 - وفي إزالة دم الحيض أو النفاس، وكذا دم الاستحاضة إن لم يلازم كل يوم ولو مرة، وإلا فهو معفو عنه كسلس البول الملازم لذكر أو أنثى، فلا تجب إزالته. 3 - وفي إزالة بول المرأة بكرا أو ثيبا، لتعديه المخرج إلى جهة المقعدة عادة. 4 - وفي بول أو غائط انتشر عن المخرج انتشارا كثيرا كأن يصل إلى المقعدة أو يعم الحشفة. 5 - وفي مذي خرج بلذة معتادة بنظر أو ملاعبة أو بتذكر مع وجوب غسل جميع الذكر بنية طهارته من الحدث (وهذه النية) واجبة غير شرط على المعتمد. فلذا لو تركها وغسل ذكره بلا نية وتوضأ وصلى له تبطل صلاته على الراجح. وأما غسل جميع الذكر فقيل واجب شرطا، فلو اقتصر على غسل جميع الذكر فقيل واجب غير شرط. فلا تبطل الصلاة بغسل البعض ولو محل النجاسة فقط، وعلى الثاني يجب غسل جميعه لما يستقبل من الصلاة لأنه أمر واجب. (وقال) ابن حبيب المالكي: لا يجزئ الحجر إلا لمن عدم الماء. وهو خلاف ما ثبت في السفة، وما عليه الإجماع من جواز الاقتصار على الحجر ونحوه مطلقا، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم لحاجة، فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وأبو داود والدارقطني. وقال: إسناده صحيح حسن (¬1) {9}. ¬

(¬1) انظر ص 278 ج 1 - الفتح الرباني. وص 18 ج مجتبي (الإجتزاء في الاستطابة بالحجارة). وص 146 ج 1 - المنهل العذب (الاستنجاء بالأحجار).

(د) كيفية الاستجمار: ينبغي أن يجعل المستجمر حجرين للصفحتين وحجرا للمخرج، لحديث سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وعلى آل وسلم سئل عن الاستطابة فقال: أولا لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة. أخرجه البيهقي والطبراني والدارقطني باسناد حسن (¬1) {91}. (هـ) أنواع الاستنجاء- هي ثلاثة: (1) - مسح المحل بالحجر ونحوه ثم غسله بالماء على أن يقع في قلبه أنه طهر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين) في أهل قباء، فسألهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: أنا نتبع الحجارة الماء. أخرجه البزار (¬2) {92}. وفيه محمد بن عبد العزيز ابن عمر الزهري. ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما. وهذا أفضل إذا أمكنه الغسل بلا كشف عورة على من يحرم عليه نظر عورته، وإلا لزم الاستجمار من تحت الثياب. ولا يستنجي بالماء. (2 و 3) - (ويلي) الاستنجاء بهما، الاقتصار على الماء. وبعده الاقتصار على الحجر. والسنة تحصل بالكل. هذا، وأحاديث الباب ترد على من كره الاستنجاء بالماء وعلى من نفي وقوعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (و) ما لا يستنجى به: يكره تحريما عند الحنفيين الاستنجاء بعظم وروث ¬

(¬1) أنظر ص 114 ج 1 سنن البيهقي (كيفية الاستنجاء). وص 211 ج 1 مجمع الزوائد (الاستجمار بالحجر). و (الاستطابة) الاستنجاء. و (الصفحة) الجانب. و (المسربة) بفتح الراء مجرى الغائط ومخرجه. (¬2) انظر ص 212 ج 1 مجمع الزوائد (الجمع بين الماء والحجر).

وفحم وطعام لأدمي كالخبز أو بهيمة كالحشيش (لقول) ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله أنه أمتك أن يستنجوا بعظيم أو روث أو حممة فإن الله جعل لنا فيها رزقا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. أخرجه أبو داود والبيهقي. وفيه إسماعيل ابن عياش وهو ثقة (¬1) {93}. (وكذا) يكره الاستنجاء بخرقة حرير وبالورق سواء ورق الكتابة والشجر والقطن. ولو فعل يجزئه لحصول المقصود. (وحكمة) النهي في الروث النجاسة، وفي العظم، كونه زاد الجن. ولا يستنجى بطعام لأنه إسراف وإهانة. (وقالت) الشافعية والحنبلية وإسحاق والثوري: لا يجوز الاستنجاء بعظم ولا بعر ولا محترم، ولا يجزئ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن. قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد. فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه. يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما. وكل بعرة أو رويثة علف لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام أخوانكم من الجن. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {94}. وتقدم في حديث سلمان: نهانا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نستنجى برجيع أو عظم (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 - المنهل العذب (ما ينهي عنه أن يستنجى به). و (حممة) كرطبة ما أحرق من خشب ونحوه. (¬2) تقدم الحديث رقم 20 ص 73 (الأنبياء والرسل) بأتم من هذا. (¬3) تقدم بالحديث رقم 88 ص 194 (هل يذم التثليث في الاستنجاء بالحجر).

(نبه) النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرجيع على جنس الجنس، فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم فلكونه طعاما للجني فنبه به على جميع المطعومات، وتلحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم. ولا فرق في النجس بين المائع والجامد. فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه الاستنجاء بالماء. ولا يجزئه الحجر، لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية. ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات، فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه، ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها. وقيل: أن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية (¬1). (وقالت) المالكية: لا يجوز الاستنجاء بالنجس كأرواث الخيل والحمير وعظم الميتة والعذرة، ولا بمحترم لكونه مطعوما لآدمي كخبز أو مكتوبا، لحرمة الحروف ولو بخط غير عربي، أو مشرفا لذاته كذهب وفضة، او حقا للغير كجدار مملوك للغير ولو وقفا. وأجزأ الاستنجاء بما ذكر مع الحرمة إن حصل الإنقاء. قالوا: ويكره الاستنجاء بعظم وروث طاهرين. (وحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم، وقال: إنهما لا يطهران. أخرجه الدارقطني وصححه (¬2) {95}. (يرد) على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيا عنه. (ز) آداب قضاء الحاجة- يعني البول والغائط. يندب لمن يريد قضاء الحاجة أمور، ذكر منها سبعة وعشرون. ¬

(¬1) انظر ص 157 ج 3 نووى مسلم (الاستطابة). (¬2) انظر ص 21 - سنن الدارقطني.

1 - أن يقول جهرا عند دخوله محل قضائها: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. 2 - ثم يدخل باليسرى. 3 - ولا يكشف عورته قبل أن يدنو إلى العقود. 4 - ويوسع بين رجليه ويميل على اليسرى. 5 - ولا يرد سلاما، ولا يجيب مؤذنا، فإن عطس حمد الله بقلبه. 6 - ولا ينظر إلى عورته، ولا إلى ما يخرج منه. 7 - ولا يبزق في البول. 8 - ولا يطيل القعود فإنه يولد الناسور (¬1). 9 - ولا يكثر الالتفات. 10 - ولا يعبث ببدنه. 11 - ولا يرفع بصره إلى السماء. 12 - فإذا فرغ من قضاء حاجته، عصر ذكره من أسفله إلى الحشفة. 13 - ثم يغسل يديه ثلاثا. 14 - ثم يفيض الماء باليمنى على فرجه ويغسله باليسرى بادئا بالقبل ويرخى مقعدته، يفعل ذلك ثلاثا، ويدلك كل مرة ويبالغ مالم يكن صائما. 15 - ثم يقوم وينشف فرجه بخرقة نظيفة إن أمكنه، وإلا مسحه بيده مرارا. 16 - ويستر عورته قبل أن يستوى قائما. 17 - ثم يخرج برجله اليمنى ويقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني، الحمد لله الذي اذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه، اللهم حصن فرجي، وطهر قلبي، ومحص ذنوبي. (وقد ورد) في ذلك أحاديث (منها) حديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث. أخرجه البخاري والأربعة (¬2) {96}. ¬

(¬1) (الناسور) بالسين والصاد. ملة تحدث حول المقعدة أو عرق في باطنه فساد. (¬2) انظر ص 171 ج 1 فتح الباري (ما يقول عند الخلاء). وص 29 ج 1 - المنهل العذب. وص 9 ج 1 مجتبيز وص 14 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 65 ج 1 ابن ماجه. و (الخبث) بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة كما في الرواية (وقد) صرح جماعة بأن الباء هنا ساكنة، وهو جمع خبيث، والمراد ذكور الشياطين. و (الخبائث) جمع خبيثة. والمراد إناث الشياطين.

وهذا في الأمكنة المعدة لذلك، أما في غيرها كالصحراء فيقوله عند تشمير الثياب. (وقال) ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) {97}. (وقالت) عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه (¬2) {98}. (قيل) أنه استغفر لتركه الذكر في تلك الحالة، لما ثبت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يذكر الله على كل أحواله إلا في حال قضاء الحاجة، فجعل ترك الذكر في هذه الحالة تقصيرا يستغفر منه. (وقيل) استغفر لتقصيره في شكر نعمة الله تعالى عليه بإقداره على إخراج ذلك الخارج. (وقال) أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافني. أخرجه ابن ماجه (¬3) {99}. ¬

(¬1) (أنظر ص 59 ج 1 - المنهل العذب. كيف التكشف عند الحاجة). (¬2) انظر ص 116 منه (ما يقول إذا خرج من الخلاء). وص 16 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 158 ج 1 مستدرك. وص 65 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) أنظر ص 66 ج 1 - ابن ماجه (ما يقول إذا خرج من الخلاء).

(وفي حمده) صلى الله عليه وعلى آله وسلم إشعار بأن هذه نعمة جليلة ومنه جزيلة، فإن انحباس ذلك الخارج من أسباب الهلاك، فخروجه من النعم التي لا تتم الصحة بدونها "وحق" وعلى من أكل ما يشتهيه من الأطعمة فسد به جوعته، وحفظ به صحته وقوته. ولما لم يبق فيه نفع واستحال إلى تلك الصفة الخبيثة المنتنة التي بقاؤها في الجوف مهلك، خرج بسهولة من مخرج معد لذلك بعيد عن الحواس التي تتأذى بخروجه "أن يكثر" من محامد الله تعالى. 18 - (ويطلب) ممن أراد قضاء الحاجة، ترك استصحاب مافيه ذكر الله تعالى، (لقول) أنس رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس خاتما نقشه: محمد رسول الله. فكان إذا دخل الخلاء وضعه. أخرجه الحاكم (¬1) {100}. وهو دليل على أنه يندب لمن يريد التبرز أن ينحي عنه كل ما عليه معظم من اسم الله تعالى أو اسم نبي أو ملك. (وبهذا) قالت الأئمة الأربعة: فإن خالف كره له ذلك إلا لحاجة. كأن يخاف عليه الضياع، وهذا في غير القرآن. أما القرآن فقالوا: يحرم استصحابه في تلك الحالة كلا أو بعضا إلا أن خيف عليه الضياع، أو كان حرزا، فله استصحابه. ويجب ستره حينئذ ما أمكن. 19 - (ويطلب) ممن يريد قضاء الحاجة، البعد والاستتار عن الناس، لقول جابر: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر، فكان ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 1 سبل السلام (آداب قضاء الحاجة).

لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى. أخرجه ابن ماجه بسند رجاله رجال الصحيح (¬1) {101}. فالحديث يدل على مشروعية الأبعاد لمن يريد قضاء الحاجة، لإخفاء ما يستقبح سماعه أو رائحته. (وعن أبي هريرة) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أتى الغائط فليستتر، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي (¬2) {102}. (وفي الحديث) الأمر بالتستر معللا بأن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم. وذلك أن الشيطان يحضر مكان قضاء الحاجة لخلوه عن الذكر الذي يطرد به. فإذا حضر أمر الإنسان بكشف العورة، وحسن له البول في المواضع الصلبة التي هي مظنة رشاش البول. فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاضي الحاجة ¬

(¬1) انظر ص 72 ج 1 ابن ماجه (التباعد للبراز في القضاء). و (البراز) بفتح الباء الموحدة، اسم للفضاء الواسع من الأرض، كني به عن حاجة الإنسان كما كنى عنها بالغائط والخلاء. (¬2) انظر ص 261 ج 1 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - بيهقي (الاستتار عند قضاء الحاجة). وص 127 ج 1 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - المنهل العذب. وهو عجز حديث صدره: "من اكتحل فليوتر" (الاستثار في الخلاء). وص 72 ج 1 - ابن ماجه (الارتياد للغائط). وصدر الحديث عنده: "من استجمر فليوتر". و (الكثيب) بالمثلثة: قطعة مستطيلة تشبة الربوة، أي فإن لم يجد ستره، فليجمع من التراب أو الرمل قدرا يكون ارتفاعه بحيث يستره.

بالتستر حال قضائها، مخالفة للشيطان ودفعا لوسوسته التي يتسبب عنها النظر إلى سوءة (عورة) قاضي الحاجة المفضي إلى أثمة. 20 - (ويطلب) من المتخلى ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها (لحديث) أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه. وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروثة والرمة. أخرجه مالك وأحمد والأربعة إلا الترمذي (¬1) {103}. (وهو) يدل على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائطز (وبه) قال الأوزاعي والثوري وأحمد في رواية (قالوا) لا يجوز فذلك في الصحراء ولا في البنيان، أخذا بالحديث. (وقال) مالك والشافعي وأحمد في رواية: يحرم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة في الصحرا. ولا يحرم ذلك في البنيان، حملا للنهي في الحديث على الصحراء، لقول ابن عمر: لقد ارتقيت على ظهر البيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبرر القبلة. أخرجه السبعة والبيهقي، وقال الترمذي: حسن صحيح (¬2) {104}. ¬

(¬1) انظر ص 272 ج 1 - الفتح الرباني. (النهي عن استقبال القبلة واستدبارها وقت قضاء الحاجة) وص 43 ج 1 - المنهل العذب (كراهية استقبل القبلة عند قضاء الحاجة). وص 16 ج 1 مجتبي (النهي عن الاستطابة بالروث). وص 67 ج 1 - ابن ماجه. و (لا يستطب) من الاستطابة أي لا يستنجى. و (الرمة) بكسر الراء وتشديد الميم، العظم اليالي. (¬2) انظر ص 274 ج 1 - الفتح الرباني. وص 298 ج 2 تيسير الوصول (أداب الاستنجاء).

هذا، وإنما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان بشرط أن يكون بينه وبين الجدار ونحوه ثلاثة أذرع فما دونها، ويكون الجدار ونحوه مرتفعا نحو نصف متر فإن زاد ما بينهما على ثلاثة أذرع أو قصر الحائل عن نصف متر، فهو حرام، إلا إذا كان في بيت بني لذلك فلا حرج فيه ولو كان في الصحراء وتستر بشيء على ما ذكرناه من الشرطين، زال التحريم، فالاعتبار بالساتر وعدمه. فحيث وجد الساتر بالشرطين، حل في البنيان والصحراء. وحيث فقد أحد الشرطين، حرم في الصحراء والبنيان (¬1). (ويدل) لجوازه في الصحراء بساتر قول مروان الأصفر: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس. أخرجه أبو داود (¬2) {105}. وفي سنده الحسن بن ذكوان مطعون فيه طعنا لا تقوم به معه حجة. (وقال) الحنفيون: يكره استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء والبنيان. وهو رواية عن أحمد وأبي ثور. وحملوا النهي في حديث أبي هريرة السابق ونحوه على كراهة التنزيه، لما تقدم عن ابن عمر وغيره. ولحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى. أخرجه الشيخان (¬3) {106}. ¬

(¬1) انظر ص 78 ج 2 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 298 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). (¬3) انظر ص 298 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء).

فما انحرف أبو أيوب وغيره، إلا لأن في عدم الانحراف مخالفة- وقوله كنا- يشعر بتقرر الحكم عند الصحابة. وله قوة المرفوع إذ مثله لا يصدر عن الرأي. وفي المسألة مذاهب بسطنا الكلام عليها في "النهل العذب المورود: شرح سنن الغمام أبي داود (¬1) ". هذا. وقد دل قوله في حديث أبي أيوب: ولكن شرقوا أو غربوا على جواز استقبال الشمس والقمر واستدبارهما حال قضاء الحاجة بلا كراهة إذ لابد أن يكونا في الشرق أو الغرب (وبه) قال الحنفيون ومالك والجمهور. (وقال) أحمد وبعض الشافعية: يكره استقبالهما بفرجه. (قال) النووي قال كثير من أصحابنا: يستحب ألا يستقبل الشمس ولا القمر واستأنسوا به بحديث ضعيف بل باطل (¬2) ولهذا لم يذكره الشافعي ولا كثيرون وهذا هو المختار لأن الحكم بالاستحباب يحتاج إلى دليل ولا دليل في المسألة (¬3). أقول: قد علم أن حديث أبي أيوب دليل صريح في جواز استقبال القمرين واستدبارهما. 21 - ويطلب من المتخلي ألا يستقبل الريح فيكره استقبالها لئلا ترد عليه رشاش البول فينجسه (¬4). 22 - (ويطلب) من قاضي الحاجة الكف عن الكلام (لحديث) المهاجر ¬

(¬1) انظر ص 39 وما بعدها ج 1 - المنهل العذب المورود. (¬2) هو ماقيل عن الحسن البصرى حدثني رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبول الرجل وفرجه باد على الشمس والقمر. ونسب للترمذي ولم نعثر عليه فيه. (¬3) انظر ص 94 ج 2 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 157 ج 1 مغنى ابن قدامة.

ابن قنفد أنه أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم فلم يرد عليه حتى توضأ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1) {107}. وهو يدل على كراهة ذكر الله حال قضاء الحاجة ولو كان واجبا كرد السلام. ولا يستحق المسلم في تلك الحال جوابا (قال) جابر: إن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم على فإنك إن فعلت ذلك لم ارد عليك. أخرجه ابن ماجه. وفي سنده سويد بن سعد. وهو ضعيف (¬2) {108}. وهذا متفق عليه. ولا ينافي الكراهة قول أبي سعيد سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (¬3) {109}. فإنه "وإن كان" بظاهره يفيد تحريم الكلام حال قضاء الحاجه لأنه علل النهي عنه بمقت الله تعالى الذي هو أشد الغضب "فقد" صرف النهي عن التحريم، الإجماع على عدم تحريم الكلام حال قضاء الحاجة. وربط النهي بتلك العلة لا يبعد حمله على الكراهة، فإن سياق الحديث يدل على أن المقت على مجموع ¬

(¬1) انظر ص 68 ج 1 - المنهل العذب (أيرد السلام وهو يبول). وص 16 ج 1 مجتبي (رد السلام بعد الوضوء). (¬2) انظر ص 75 ج 1 - ابن ماجه (من يسلم عليه وهو يبول). (¬3) انظر ص 163 ج 1 - الفتح الرباني. وص 61 ج 1 - المنهل العذب (كراهية الكلام عند الخلاء). وص 73 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن الاجتماع على الخلاء والحديث عنده). و (يضربان) أي يقصدان الخلاء. و (الرجلان) في الحديث لا مفهوم لهما، بل مثلهما المراتان والرجل والمرأة، بل ذلك اقبح.

الكلام والنظر على العورة لا على مجرد الكلام. وذكر النظر في الحديث لزيادة التقبيح، ضرورة أن النظر إلى عورة الغير حرام مع قطع النظر عن الكلام والتخلي. ومحل النهي عن الكلام حال قضاء الحاجة ما لم تدع إليه ضرورة، كإرشاد أعمى يخشى ترديه في نحو حفرة، أو رؤية نحو عقرب يقصد إنسانا، فإن الكلام حينئذ جائز، وربما كان واجبا. "ولا ينافي" الأحاديث المذكورة "حديث" عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين. وليقل له يرحمك الله وليقل هو يغفر الله لنا ولكم. أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي (¬1) {110}. "فإنها مخصصة لعمومه" وإن العاطس في هذه الحالة يحمد الله في نفسه ولا يحرك به لسانه (وفي الحديث) أيضا دلالة على أنه ينبغي لمن سلم عليه في تلك الحال أن يدع الرد حتى يتوضأ أو يتيمم، ثم يرد، وهذا إذا لم يخش فوته. أما إذا خشى فوته فله أن يرد بعد قضاء الحاجة، وقبل الطهارة، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنما أخر الرد عن الوضوء أو التيمم طلبا للأكمل. وهو الرد حال الطهارة. 23 - (ويطلب) من المتخلي أن يختار المكان اللين الذي لا صلابة فيه، أو المنخفض ليأمن من رشاش البول ونحوه، لقول أبي موسى: إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم، فأراد أن يبول فأتي دمثا في أصل جدار فبال ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا" أخرجه أبو داود (¬2) {111}. ¬

(¬1) انظر رقم 757 ص 403 ج 1 فيض القدير، شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 26 ج 1 - المنهل العذب (الجرل يتبوأ لبوله). و (الدمث) يفتح فكسر أو سكون، الأرض السهلة. و (فليرتد) من الارتياد وهو الاختبار، أي فليختر مكانا سهلا لينا أو متخفضا.

(والحديث) وإن كان ضعيفا، لأن في سنده مجهولا، فإن أحاديث الأمر بالتنزه عن البول تفيده قوة. 24 - (ويطلب) من قاضي الحاجة أن يتقي الجحر لئلا يكون فيه شيء يؤذيه لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ان يبال في الجحر. قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال أنها مساكن الجن. أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي (¬1) {112}. (والحديث) يدل على كراهة البول في الحفر التي تسكنها الهوام والسباع. إما لأنها مساكن الجن. أولا لأنه يؤذي ما فيها من الحيوانات أو تؤذيه. ومثل البول الغائط. 25 - (ويطلب) ممن أراد قضاء الحاجة أن يتجنب طريق الناس وظلهم، لما فيه من أذيتهم بالتنجيس والرائحة الكريهة (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: اتقوا اللاعنين. قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (¬2) {113}. ¬

(¬1) انظر ص 257 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). و (سيرجس) يفتح فسكون فكسر ممنوع من الصرف للعامية والعجمة. و (الجحر) بضم فسكون الشق في الحائط أو في الأرض. (¬2) انظر ص 256 ج 1 - الفتح الرباني. وص 297 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). والمراد باللاعنين الأمران اللذان يحملان الناس على اللعن، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم عادة، فلما صار سببا للعن أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي ويحتمل أن يكون اللاعن بمعنى الملعون، أي الملعون فاعلهما.

26 - ويطلب من قاضي الحاجة ألا يبول في مستحمه، لأنه جالب للوسواس ولحديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه. فإن عامة الوسواس منه". أخرجه أحمد والأربعة وفي رواية "ثم يتوضأ فيه (¬1) " {114}. 27 - ويطلب من المتخلي البول قاعدا. ويكره قائما، لقول جابر رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبول الرجل قائما أخرجه ابن ماجه (¬2) {116}. والنيه فيه محمول على الكراهة لقول حذيفة: أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سباطة قوم فبال قائما، ثم دعا بماء فمسح على خفيه. أخرجه السبعة والبيهقي (¬3) {116}. فعل ذلك بيان الجواز وأنه ليس بحرام وكانت عادته المستمرة البول قاعدا (وقول) عائشة رضي الله عنها: من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بال قائما فلا تصدقوه وما كان يبول إلا جالسا. أخرجه أحمد والأربعة ¬

(¬1) انظر ص 258 ج 1 - الفتح الرباني. وص 297 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). و (الوسواس) بكسر الواو الأولى، حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه، أو بما فيه شر، وإما بفتحها فاسم للشيطان. (¬2) انظر ص 67 ج 1 - ابن ماجه (في البول قاعدا). (¬3) انظر ص 382 ج 5 مسند أحمد، وص 298 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء) و (البساطة) الكناسة بالضم وزنا ومعنى.

إلا أبا داود وقال الترمذي: هو أحسن شيء في الباب وأصح (¬1) {117}. (يحمل) على ما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في البيت. وقد بال قائما في غيره فلم تطلع عليه عائشة وقد حفظه حذيفة والمثبت مقدم على النافي. (وبكراهة) البول قائما قال الحنفيون والشافعي وأحمد (وقال مالك) إن كان البول في مكان لا يتطاير عليه منه شيء فلا بأس به قائما، وإلا كره (¬2) (وأباح) البول قائما طائفة وثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياما (قال) ابن المنذر: البول جالسا أحب إلى وقائما مباح، وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم (قالوا) وأحاديث النهي لم يثبت منها شيء (ورد) بأنها معتضدة بما تقدم عن عائشة من أنه صلى الله عليه وعلى أله وسلم ما كان يبول إلا جالسا. وقد علمت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما بال قائما، لبيان الجواز. (وقال الشافعي) إن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، فلعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان به إذ ذاك. وقيل فعل ذلك لجرح كان في باطن ركبته، أو لامتلاء السباطة بالنجاسة، فلم يجد مكانا للجلوس. (قال النووي) وقد روى في النهي عن البول قائما أحاديث لا تثبت. ولكن حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ثابت. ولهذا قال العلماء: ويكره البول قائما إلا لعذر. وهي كراهة تنزيه لا تحريم (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 260 ج 1 - الفتح الرباني. وص 299 ج 2 تيسير الوصول. وص 66 ج 1 - ابن ماجه (في البول قاعدا). (¬2) تفصيل مذهب مالك (أ) إن كان المكان طارها رخوا جاز البول قائما والجلوس أولي لأنه استر (ب) وإن كان رخوا نجسا بال قائما مخافة التنجس (جـ) وإن كان صلبا نجسا لا يبول فيه قائما ولا جالسا خشية التنجس (د) وإن كان صلبا طاهرا تأكد الجلوس خشية التنجيس. (¬3) انظر ص 166 ج 3 شرح مسلم.

(ولا ريب) أن البول من قيام من الجفاء والغلظة والمخالفة للهيئة المستحسنة، مع كونه مظنة لانتضاح البول وترشرشه على البائل وثيابه. فأقل أحوال النهي مع هذه الأمور أن يكون البول من قيام مكروها. (هذا) وقد أجمع العلماء على أنه يجوز للشخص أن يتخذ ليلا إناء يبول فيه، لقول أميمة بنت رقيقة: كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل. أخرجه النسائي وأبو داود وحسنه الحافظ (¬1) {118}. 12 - شعر الرأس: الشعر بسكون العين وفتحها وهو في الرأس زينة والكلام في إعفائه وفرقه وترجيله وحلقه كلا أو بعضا ووصله ونمصه. (أ) إعفاؤه: هو سنة (قال) في شرح المصابيح: لم يحلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راسه في سني الهجرة إلا في عام الحديبية وعمرة القضاء وحجة الوداع ولم يقصر شعره إلا مرة واحدة كما في الصحيحين (¬2). وسئل الإمام أحمد عن الرجل يتخذ الشعر، فقال سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه. كان للنبي صلى الله عليه وسلم جمة (¬3). (وقالت) عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من ¬

(¬1) انظر ص 297 ج 2 تيسير الوصول (آداب الاستنجاء). و (عيدان) بفتح فسكون اسم لطوال النخل، الواحد عيدانة. (¬2) انظر ص 39 - المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية. (¬3) انظر ص 73 ج 1 مغنى ابن قدامة. و (الجمة) مجتمع شعر الناصية.

إناء واحد وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفره. أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل (¬1) {119}. (ويستحب) أن يكون شعر الإنسان على صفة شعر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إذا طال فالي منكبيهز وإن قصر فالي شحمة أذنيه. (ب) فرقه: هو بفتح فسكون قسم الشعر نصفين من جانب اليمين واليسار وهو ضد السدل الذي هو الإرسال من سائر الجوانب والفرق مستحب (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رءوسم وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم راسه. أخرجه الترمذي في الشمائل والشيخان وأبو داود والنسائي (¬2) {120}. (وإنما) أحب موافقة أهل الكتاب دون المشركين لتمسك أولئك ببقايا شرائع الرسل، والمشركون لا مستند لهم إلا ما وجدوا عليه آباءهم. (وحكمة) عدوله عن موافقتهم في السدل أن الفرق أنظف وأبعد عن الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء. والحديث يدل على جواز الأمرين وأن الفرق أفضل لأنه آخر الأمرين من فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (جـ) ترجيله: الترجل والترجيل تسريح الشعر وتحسينه. ويستحب تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه بطيب وزيت ونحوهما (وقالت) عائشة: ¬

(¬1) انظر ص 41 الشمائل المحمدية. وص 82 ج 4 سنن أبي داود (ما جاء في الشعر). و (الجمة) يضم الجيم وشد الميم شعر الراس يصل إلى المنكبين. و (الوفرة) بفتح فسكون الشعر يصل إلى الأذنين لأنه وفر على الأذن أي اجتمع عليها. (¬2) انظر ص 42 - الشمائل المحمدية (شعره صلى الله عليه وسلم). وص 80 ج 2 تيسير الوصول (السدل والفرق).

كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا حائض. أخرجه الترمذي في الشمائل (¬1) {121}. (وقال) أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع حتى كأن ثوبه ثوب زيات. أخرجه الترمذي في الشمائل (¬2) {122}. وإكثاره الدهن والتسريح كان في وقت دون وقت (لقول) عبد الله ابن مغفل: نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الترجل إلا غبا أخرجه الثلاثة (¬3) {123}. والغب مرة في أسبوع (وقال) عطاء بن يسار: أتى رجل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل ثم رجع، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟ . أخرجه مالك وابن حبان وصححه (¬4) {124}. (د) حلق الرأس: يباح للرجل حلق كل رأسه عند الجمهور لحديث ¬

(¬1) انظر ص 43 - الشمائل المحمدية (ترجله صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 44 منه. و (الدهن) بفتح فسكون استعمال الدهن بالضم وهو ما يدهن به من زيت وغيره. و (القناع) بكسر القاف وتخفيف النون خرقه توضع على الرأس حين استعمال الدهن لتقى العمامة منه وهي المراد بالثوب في قوله: كأن ثوبه ثوب زيات. (¬3) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الترجل). (¬4) انظر ص 79 منه. و (الثائر) الشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل.

عبد الله بن جعفرب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمهل آل جعفر حين أتى نعيه ثلاثا. ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم. ثم قال: ادعوا لي بني أخي. فجيء بنا كأننا أفرخ فقال: أدعوا لي بالحلاق فحلق رؤوسنا" أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن وفي شيخه مقال (¬1) {125}. (وقال) وائل بن حجر (أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولي شعر طويل فلما رآتي قال: ذباب ذباب فرجعت فجزرته ثم أتيته من الغد فقال: أتى لم آعنك، وهذا أحسن. أخرجه أبو داود والنسائي وأبو ماجه. وفيه عاصم بن كليب أحتج به مسلم. وقال أحمد: لا بأس بحديثه (¬2) {126}. (وعن) أحمد وبعض المالكية أنه يكره حلقه إلا للضرورة، لقول النبي صلى الله وعلى آله وسلم: "لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة" أخرجه الدارقطني في الأفرارد. ذكره ابن قدامة (¬3) {127}. (وقال) أحمد: إنما كرهوا الحلق بالموسى. أما بالمقراض فليس به باس، لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق وما استدلوا به لا يقوي على معارضة الأحاديث الصحيحة الدالة على إباحة الحلق بلا كراهة (وقوله) لا توضع النواصي، ليس نصا في الحلق. بل يحتمله والقص (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور من جواز حلق جميع الراس أو تركه بلا كراهة. وهذا كله في حق الرجال. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الحلق). و (أفرخ) جمع فرخ، وهو صغير ولد الطائر، شبههم، بذلك لأن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه. (¬2) انظر ص 82 ج 4 سنن ابي داود (تطويل الجمة). (الذباب) بضم ففتح الشؤم أو الشر الدائم. (¬3) انظر ص 74 ج 1 مغني ابن قدامة.

(وأما النساء) فيحرم عليهن حلق رءوسهن (لقول) على رضي اله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن تحلق المرأة رأسها" أخرجه النسائي والترمذي وقال: فيه اضطراب (¬1) {128}. ولأن في حلقها رأسها تشبها بالرجال، وهو حرام (لما روى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. أخرجه السبعة إلا مسلما (¬2) {129}. (هـ) حلق بعض الرأس: أجمع العلماء على أنه يكره تنزيها حلق بعض الرأس وترك بعضه (لحديث) نافع عن ابن عمر قال: نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القزع فقيل لنافع ما القزع؟ قال: أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه. أخرجه السبعة إلا الترمذي (¬3) {130}.: (ففي الحديث) النهي عن القزع. وأصل النهي للتحريم. لكن قال النووي: أجمع العلماء على كراهة القزع تنزيه وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقا. وقال بعض اصحابه لا بأس به في القصة والقفا للغلام. ومذهبنا كراهته مطلقا للرجل والمرأة لعموم الحديث (والحكمة) في كراهته أنه يشوه الخلقة. وقيل لأنه زي أهل الشر. وقيل لأنه زي اليهود (¬4) وقد جاء هذا ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الحلق). (¬2) انظر رقم 7265 ص 271 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬3) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الحلق) و (القزع) بفتح القاف والزاي جمع قزعة. وهي الأصل القطعة من السحاب. سمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعا، تشبيها بالسحاب المتفرق. (¬4) انظر ص 101 ج 14 شرح مسلم.

مصرحا به في رواية عن الحجاج بن حسان قال: دخلنا على أنس بن مالك "فحدثتني اختي المغيرة" قالت وأنت يؤمئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك، قال: احلقوا هذين أو قصرهما، فإن هذا زي اليهود. أخرجه أبو داود (¬1) {10}. (و) وصل الشعر: هو أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به وهو حرام (لقول) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله: أن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة. أخرجه الشيخان والنسائي (¬2) {131}. (الواصلة) من تصل شعر المرأة بشعر آخر (والمستوصلة) من تطلب وصل شعرها. والحديث صريح في تحريم الوصل. ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقا على الظاهر المختار (وقد) فصل الفهاء. فقال الحنفيون ومالك وكثيرون: الوصل ممنوع سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق (لقول) جابر: زجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا. أخرجه مسلم (¬3) {132}. (وقالت) الشافعية: إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام اتفاقا لعموم الأحاديث. ولأنه يحرم الإنتفاع بشعر الآدمي احتراما وإكراما (وكذا) إن وصلته بشعر نجس من غير آدمي وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل ¬

(¬1) انظر ص 84 ج 4 سنن أبي داود (الرخصة في الذؤاية). (¬2) انظر ص 80 ج 2 تيسير الوصول (الوصل) و (عريسا بضم ففتح فشد الياء مكسورة تصغير عروس. ويطلق على الرجل والمرأة عند الدخول بها (والحصبة) بفتح فسكون، بثر تخرج في الجلد (وتمرق) بالراء المشددة وروى بالزاي المعجمة بمعنى تساقط. (¬3) انظر ص 108 ج 14 نووي مسلم (تحريم فعل الواصلة).

في حياته للحديث ولأنه حمل نجاسة عمدا (وإن) وصلته بشعر طاهر من غير الآدمي ولم يكن لها زوج فهو حرام ايضا وإن كانت ذات زوج فثلاثة أوجه. أصحها إن فعلته بإذن الزوج جاز وإلا فهو حرام لما تقدم (ولحديث) حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول: يأهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهي عن مثل هذه ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم". أخرجه الجماعة (¬1) {133}. (وقال) أحمد والليث: الوصل الحرام مختص بوصل الشعر بالشعر لما فيه من التدليس واستعمال المختلف في نجاسته. وغيره لا يحرم لما فيه من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة ولا مخالفة (أما ربط) خيوط الحرير الملونة وغيرها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهى عنه اتفاقا لأنه ليس بوصل وإنما هو للتجميل والتحسين (¬2). (ز) نمص الشعر: وهو إزالة شعر الوجه والحاجبين وهو حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شارب فلا تحرم الإزالة بل تستحب أو تجب كما تقدم (¬3) وأصله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. أخرجه السبعة (¬4) {134}. ¬

(¬1) انظر ص 8 ج 2 تيسير الوصول (الوصول) و (القصة) بضم القاف وشد الصادر الخصلة من الشعر تؤخذ من الناصية حذاء الجبهة (والحرسي) بفتحتين وأحد الحرس. وهم خدم السلطان المرتبون لحراسته. (¬2) انظر ص 104 ج 14 شرح مسلم. (¬3) تقدم ص 183. (¬4) انظر رقم 7272 ص 272 ج 5 فيض القدير.

(1) أما الواشمة: فهي التي تشم غيرها بأن تغرز أبرة أو نحوها في ظهر الكف أو غيره من البدن حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر وهو حرام على الفاعل والمفعول به باختياره والطالب له. وموضع الوشم يصير نجسا عند الشافعية فإن أمكن إزالته وجبت وإن لم يمكن إلا بالجرح بلا مشقة ولا خوف تلف لزم إزالته فورا (وإن خاف منه) تلفا أو فوات عضو أو شيئا فاحشا لم تجب إزالته. (2) والمستوشمة التي تطلب الوشم وهو حرام أيضا. (3) والنامصة بالصاد المهملة هي التي تزيل الشعر من الوجه والحاجبين والمتنمصة التي تطلب ذلك وهو حرام كما تقدم. والمتفلجة بالجيم التي تفعل الفلج (بفتحتين) في أسنانها بأن ترقق أسنانها بمبرد أظهارا للصغر وحسن الأسنان ويقال له الوشر "بفتح فسكون" ومنه: لعن الله الواشرة والمستوشرة. وهذا الفعل حرام على الفاعل والمفعول به ذلك للحسن. أما أن فعل علاجا أو لعيب في السن فلا باس به (¬1). و(المغيرات خلق الله) صفة لازمة لمن تصنع الوشم وما بعده. فلا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص التماسا للحسن لزوجها أو غيره كمقرونة الحاجبين تزيل ما بينهما توهم البلج (بفتحتين) وهو الوضوح والظهور وهو حرام بالإجماع، لأن الله خلق الصورة فأحسنها وفاوت في الجمال بينها. فمن أراد أن يغير خلق الله فيها ويبطل حكمته فيها فهو جدير بالإبعاد والطرد لأنه ارتكب أمرا ممنوعا غير مأذون فيه. (ومنه) تغيير الوجه والشفتين والحواجب والأظافر بالألوان المختلفة ¬

(¬1) انظر ص 106 ج 14 شرح مسلم (تحريم فعل الواصلة).

(أ) الوضوء

أما المأذون فيه كالسواك والاكتحال فغير داخل في المنع (¬1) والله تعالى ولي الهداية والتوفيق. هذا. ومقاصد الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة. (أ) الوضوء هو بضم الواو (لغة) مأخوذ من الوضاءة. وهي الحسن والنظافة. وبفتح الواو أسم لما يتوضأ به ويقال بالفتح وبالضم فيها (وشرعا) طهارة مائية تتعلق بالأعضاء الأربعة وهي: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان (وهو مشروع) بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} {6} المائدة (وعن أبي هريرة) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي (¬2) {135}. ... وعليه انعقد الإجماع فصار معلوما علما ضروريا للعام والخاص. فمن أنكر مشروعيته كفر (والمعتمد) أنه ليس من خصائص هذه الأمة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء التي لابد منها. ومن توضأ اثنين فله كفلان. ومن توضأ ثلاثا فلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلى. أخرجه أحمد وابن حبان وفيه زيد العمي ضعيف وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح (¬3) {136}. ¬

(¬1) انظر ص 273 ج 5 مناوي الجامع الصغير. (¬2) انظر رقم 9979 ص 452 ج 6 فيض القدير. (¬3) انظر ص 49 ج 2 - الفتح الرباني.

وإنما المختص بهذه الأمة، الغرة والتحجيل، لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء. فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) [137] ويأتي بيان الغرة والتحجيل في متسحبات الوضوء. هذا. وسبب وجوب الوضوء، وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا بالطهارة كصلاة ولو نافلة أو سجدة تلاوة. ثم الكلام ينحصر في اثنى عشر فرعا. 1 - شروط الوضوء ... شروطه ثلاثة أقسام. (أ) شروط وجوب: وهي التي لو فقد واحد منها لا يجب الوضوء وإن كان صحيحا. وهي أربعة. 1 - البلوغ. فلا يجب على صبي ولو مميزا، لكن أن توضأ صح منه وأجزأه عن الواجب إذا بلغ وهو متوضئ. 2 - الحدث. فلا يجب على متطهر قبل الوقت تجديده بعد دخول الوقت. 3 - القدرة على استعمال المطهر. فلا يجب على فاقد الماء ولو حكما، بأن احتاجه لشرب ونحوه ولا على من لم يقدر على استعماله كمريض يضره استعماله، وأقطع لا يجد من يؤضئه ومكره على تركه. 4 - ضيق الوقت. فلا يجب ما دام في الوقت سعة. فإن ضاق وجب الوضوء وجوبا مضيقا، كما لو أراد الدخول في الصلاة ولو نفلا (وهذه) الشروط يجمعها شرط واحد هو قدرة المكلف بالوضوء عليه. (ب) شروط صحة: - وهي التي لو عدم واحد منها لا يصح الوضوء، وإن كان واجبا. وهي أربعة: (1) عدم الحائل المانع من وصول الماء إلى ¬

(¬1) انظر ص 30 ج 2 - الفتح الرباني. وص 167 ج 1 - فتح الباري (فضل الوضوء) وص 135 ج 3 نووي مسلم (استحباب أطالة الغرة والتحجيل في الوضوء).

البشرة كشمع ودهن وعجين. ومنه قذى العين والأوساخ المتجمدة على العضو. (2) عدم حصول ناقض حال الوضوء في حق غير المعذور. فلا يصح الوضوء حال حصول ما يبطله إلا في حق صاحب العذر كالاستحاضة وسلس البول على ما يأتي بيانه إن شاء الله في (وضوء المعذور). (3) أن يكون الماء طهورا على ما تقدم بيانه. (4) ويشترط أيضا عند الشافعية تمييز الفرض من غيره في حق من اشتغل بالعلم حتى عرف ذلك. أما العامي فيشترط في حقه ألا يعتقد الفرض نفلا. (جـ) شروط وجوب وصحة معا: وهي التي إذا فقد واحد منها لا يجب الوضوء ولا يصح. وهي خمسة. (1) الإسلام عند الشافعية والحنابلة، فلا يجب على الكافر لأنه لا يطالب به إلا بعد الإسلام. وإن عوقب على تركه. ولا يصح منه الوضوء لتوقفه على النية. وهي لا تصح من الكافر (وعند) الحنفيين الإسلام شرط وجوب فقط. فلا يجب الوضوء على الكافر، لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة على المشهور عندهم. ويصح وضوءه قبل إسلامه لعدم توقفه على النية (وعند) المالكية الإسلام شرط صحة فقط، فيجب على الكافر لأنه مخاطب بفروع الشريعة على المعتمد عندهم. ولا يصح منه إلا بعد الإسلام لتوقفه على النية ومن شرطها الإسلام. (2) العقل، فلا يجب الوضوء على مجنون ومصروع ومغمي عليه ومعتوه وصبي غير مميز ولا يصح منهم. (3) عدم المنافي من حيض ونفاس وجنون وصرع وإغماء. (4) عدم النوم والغفلة. فلا يجب على حائض ولا نفساء ولا نائم ولا غافل. ولا يصح منهم. (5) بلوغ دعونة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن لم يبلغه أن الله أرسل رسولا يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، لا يجب عليه الوضوء، ولا يصح منه عند غير الحنفيين. ويصح وضوءه عندهم وإن لم يجب عليه.

2 - فروض الوضوء هي جمع فرض. وهو لغة التقدير. وشرعا المطلوب فعله طلبا جازما، فيثاب على فعله ويعاقب على تركه عند غير الحنفيين. وعندهم الفرض ما ثبت لزومه بدليل قطعي وهو قسمان. (أ) فرض قطعي. وهو ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة "أي لا يحتمل التأويل" ويكفر منكره كأصل الغسل والمسح في الوضوء. (ب) فرض اجتهادي. وهو ما ثبت بدليل قطعي الثبوت ظني الدلالة "أي يحتمل التأويل" ولا يكفر منكره كغسل المرفقين والكعبين، ومسح ربع الرأس في الوضوء. (وفرائضه) منها المتفق عليه والمختلف في فرضيته. وهي ثمانية. 1 - النية: وهي لغة القصد. وإصطلاحا قصد الشيء مقترنا بفعله (ووقتها) عند غسل الوجه ويغتفر تقديمها عليه بزمن يسير خلافا للشافعية حيث قالوا: لابد من مقارنتها لأول غسل الوجه. ولا يغتفر تقدمها ولو يسيرا. ولابد عندهم من استصحابها إلى فراغ الوضوء (ومحلها) القلب (وكيفيتها) أن ينوى المتوضئ طاعة لا تصح إلا بالطهارة، أو ينوي الوضوء، أو رفع الحديث، ولا يسن التلفظ بها. "لأنه" لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه "التلفظ" بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف، ولا عن الأئمة الأربعة (¬1). (وشرطها) الإسلام والتمييز والعلم بالمنوى والجزم. فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا صبي غير مميز ولا من متردد كأن يقصد الوضوء أن كان قد أحدث. ومن شروطها عدم الإتيان بمناف للمنوي بينه وبينها، إلا في حق المعذور كما تقدم. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 1 رد المحتار على الدر المختار (محل النية).

ويشترط عند الشافعية ألا ينوي نحو تبرد أو نظافة فقط. أما لو نوي الوضوء مع التبرد والنظافة، فإنه يصح (وحكمها) أنها ركن من أركان الوضوء عند المالكية والشافعية. وشرط صحة عند الحنابلة، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى " (الحديث) أخرجه السبعة (¬1) {138}. (وقال) الحنفيون: النية سنة مؤكدة في الضوء بغير سؤر الحمار ونبيذ التمر. وشرط في صحة الوضوء بهما احتياطان كما أنها شرط في كون الوضوء عبادة. فإذا قصد التبرد أو النظافة بدون نية الوضوء، فله أن يصلي به وأن لم يثب عليه، لأنه لا ثواب إلا بالنية. وقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن تركها بلا عذر مع الإصرار أثم أثما يسيرا. (وأجابوا) عن الحديث بأنه حديث آحاد يقبل التأويل، فيفيد السنية لا الوجوب (وقد) اختلف العلماء في تأويله. فذهب القائلون بلزوم النية، كمالك والشافعي وأحمد على أن المعنى: إنما صحة الأعمال بالنية. ومن لم يجعلها شرطا كالحنفيين والثوري، قالوا: المعنى إنما ثواب الأعمال وكمالها بالنية (ورجح) الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة، لأن ما كان ألزم للشيء، كان أقرب إلى خطورة بالبال (وسبب) اختلافهم تردد الوضوء "بين" أن يكون عبادة محضة، أعني غير معقولة المعنى. وإنما يقصد بها القربة فقط كالصلاة وغيرها "وبين" أن يكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسة. ولا خلاف في أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية. والوضوء فيه شبه من العبادتين. وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة. والفقة أن ينظر بأيهما هو ¬

(¬1) أنظر ص 136 راموز الأحاديث.

أقوى شبها فيلحق به (¬1). وفي قوله في الحديث "وإنما لا مرئ ما نوى" تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال فهون مؤكد لما قبله (وقيل) معناه أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه. ومعنى الجملة الأولى. أن العمل يتبع النية ويصاحبها، فالثانية مؤسسة. 2 - غسل الوجه: هو فرض في الوضوء ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي إذا أردتم القيام لها وأنتم محدثون حدثا أصغر، بقرينة قوله تعالى. (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (وعن ابن عباس) أنه توضأ فغسل وجهه. فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق. ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها على يده الأخرى فغسل بها وجهه. ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى. ثم مسح برأسه. ثم أخذ غرفة من ماء فرض بها على رجله اليمنى حتى غسلها. ثم أخذ غرفة من ماء مغسل بها رجله اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ. أخرجه البخاري (¬2) [139]. (هذا) وحد الوجه طولا ما بين منبت شعر الرأس المعتاد واسفل الذهن، وعرضا ما بين شحمتي الأذنين. (اختلفوا) في البياض الذي بين الأذن والعذار من الوجه (فعند) الشافعية وأكثر الحنفية يجب غسله مطلقا. وهو مشهور مذهب المالكية. (وقال) أبو يوسف: يجب غسله على الأمرد دون الملتحي وهو قول للمالكية. هذا ويطلب عند غسل الوجه تتبع المواضع التي ينبو عنها ¬

(¬1) انظر ص 6 ج 1 بداية المجتهد (شروط الوضوء). (¬2) انظر ص 170 ج 1 فتح الباري (غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة).

الماء كالغضون أو تكون محلا للقذى كموق العين (¬1)، لحديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وكان يمسح الماقين من العين (الحديث) أخرجه أحمد (¬2) {140}. "والغضون" وهي ما تعطف من الوجه "تقاس" على الماقين. 3 - غسل اليدين مع المرفقين: هو فرض في الوضوء بالإجماع، لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ (¬3)} فيفترض غسل المرفقين بالإجماع. (وقال) نعيم بن عبد الله: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ. أخرجه مسلم (¬4) {141}. (قال) الشافعي رضي الله عنه: فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل (¬5). وعليه "فمن" قال بعدم فرضية غسلهما، وهو زفر وأبو بكر ابن داود الظاهري "محجوج" بالإجماع قبله. وبأن "إلى" في الآية بمعنى "مع" كما في قوله ¬

(¬1) (الموق) مجرى الدمع من العين، أو مقدمها أو مؤخرها الذي يلي الأنف. (¬2) انظر ص 28 ج 2 - الفتح الرباني. (¬3) (المرافق) جمع مرفق بكسر الميم وفتح القاف وعكسه وهو المفصل الذي بين العضد والساعد. وإنما جمع لأن العرب إذا قابلت جمعا بجمع حملت كل مفرد من هذا على كل مفرد من هذا. وعليه قوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم" أي فليغسل كل شخص وجهه. (¬4) انظر ص 134 ج 3 نووي مسلم (إطالة الغرة والتحجيل). (¬5) انظر ص 22 ج 1 - الأم.

تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} {25} سورة هود. وقال زفر: إنها للغاية وما بعدها لا يدخل فيما قبلها (ورد) بأن محله إذا لم يكن ما بعدها من جنس ما قبلها. أما إذا كان كما هنا فإنه يدخل اتفاقا. واليد عند أهل اللغة من المنكب على أطراف الأصابع. وإذا كان المتوضئ مقطوع بعض اليد غسل ما بقى مع المرفقين، فإن كان مقطوعا من فوقهما غسل ما بقى منهما، وإن كان مقطوعا ولم يبق شيء من المرفقين فلا غسل عليه. هذا. وإذا كان المتوضئ لابسا خاتما ضيقان لزمه تحريكه ليصل الماء إلى ما تحته عند الثلاثة (وقالت) المالكية: لا يجب تحريك الخاتم المباح وإن كان ضيقا لا يصل الماء إلى ما تحته. فإن نزعه بعد الطهارة، لزمه غسل ما تحته أن ظن أن الماء لم يصل إليه. أما المحرم أو المكروه الضيق (¬1) فيجب نقله من موضعه ليتمكن من ذلك ما تحته. ويكفي تحريك الواسع وإن لم تصل اليد إلى ذلك ما تحته اكتفاء بالدلك به. ومثل الخاتم في ذلك حلي المرأة من أساور وخلاخل ونحوها. 4 - مسح الرأس: هو فرض في الوضوء بالإجماع لوروده في القرآن وثبوته من فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (وعن) عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) (المباح) للرجل خاتم واحد من فضة لا يزيد عن درهمين، ومثله في الحكم الحلي المباح للمرأة (والمحرم) للرجل ما كان من ذهب، أو من فضة زائدا على درهمين، أو متعددا (والمكروه) وما كان من نحاس أو حديد أو رصاص.

مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر. بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه أخرجه الجماعة (¬1) {142}. والمعنى أنه بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بيديه إلى القفا. ثم ردهما إلى المكان الذي بدا منه وهو مبتدأ الشعر. ويؤيد هذا قوله "بدأ بمقدم رأسه" ولا يشكل عليه قوله "فأقبل بهما وأدبر" لأن الواو لا تقتضي الترتيب. وعند البخاري من حديث عبد الله بن زيد بلفظ: فأدبر بيديه وأقبل. والحديث يدل على مشروعية مسح جميع الرأس، والمسح شرعا إصابة بلل غير مستعمل عضوا أو شعرا، سواء أكانت الإصابة بيد أم غيرها، حتى لو أصاب المطر قدر المفروض من رأسه أجزأه وإن لم يمسحه باليد. هذا. والآية لا تقتضي تعميم الرأس بالمسح، لأن الباء في قوله "وامسحوا برءوسكم" للإلصاق. فالمعني ألصقوا المسح بها. وماسح الكل والبعض كلاهما ملصق المسح بها. ولذا اختلف العلماء في قدر المفروض مسحه. (فأخذ) مالك وأحمد والمزني بالاحتياط، فأوجبوا مسح كل الرأس عملا بالحديث، وعن بعض المالكية أنه يكفي مسح الثلث والثلثين. (وأخذ) الشافعيون باليقين. فأوجبوا أقل ما يطلق عليه أسم المسح. وقالوا: يكفي مسح شعرة أو بعضها بحد الرأس "لما صح" من مسحه صلى عليه وعلى آله وسلم على ناصيته وعمامته. وهو يدل على الاكتفاء بمسح البعض، ولأن الباء الداخلة على متعدد كما في قوله "وامسحوا برءوسكم" للتبعيض. (وقال) الحنفيون: المفروض في مسحها قدر الربع، لأن باء الإلصاق إذا دخلت على المحل تعدي الفعل إلى الألة، فيكون التقدير: وامسحوا أيديكم ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 2 تيسير الوصول (صفة الوضوء) وص 34 ج 2 - الفتح الرباني.

برءوسكم. وهذا يقتضي استيعاب اليد دون الرأس واستيعابها ملصقة بالرأس لا يستغرق غالبا غير الربع، فتعين مرادا من الآية. ويؤيده قول أنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة ومسح مقدم رأسه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي. وفي سنده أبو معقل مجهول (¬1) {143}. فإن ظاهرة استيعاب مقدم الرأس وهو لا ينقص عن الربع. وأما استيعاب مسح الوجه في التيمم، فليس من الآية بل من السنة كحديث أبي جهيم بن الحارث قال: أقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه السلام حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام. أخرجه أبو داود والبخاري (¬2) {144}. هذا. والاحتياط مسح جميع الرأس. ولم يصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذ مسح بناصيته كمل على العمامة (¬3). المسح على العمامة: اختلف العلماء في جواز الاقتصار على مسح العمامة ¬

(¬1) انظر ص 98 ج 2 - المنهل العذب (المسح على العمامة) وص 61 ج 1 بيهقي (إيجاب المسح بالرأس .. ) و (قطرية) بفتح فسكون، أي من حلل جياد تصنع بالقطرية ناحية اليمامة. (¬2) أنظر ص 168 ج 3 - المنهل العذب "التيمم في الحضر" وص 302 ج 1 فتح الباري (التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء) (0 فلقيه رجل) وهو أبو الجهيم الراوي. (¬3) انظر ص 49 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات).

بلا ضرورة (فقال) بجوازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. قال الترمذي: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. منهم أبو بكر وعمر وأنس (¬1)، وهو مروي عن الحسن وقتادة ومكحول. (واستدلوا) بحديث أبي أمامة قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الخفين وعلى العمامة في غزوة تبوك. أخرجه الطبراني (¬2) {145}. (وقال) المغير بن شعبة: توضأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح على الخفين والعمامة. أخرجه الترمذي وصححه (¬3) {146}. وعند الأكثر: لا يشترط لبسها على طهارة، ولا توقيت في مسحها، لاطلاق الأدلة. (وقال) الجمهور: لا يجوز الاقتصار على مسح العمامة بلا ضرورة. قل الترمذي: وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي (¬4). وكذا الحنفيون (واحتجوا) بأن الله فرض المسح على الراس، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس. (وبحديث) أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قالك سألت جابر ابن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يلبن أخر. وسألته عن المسح على العمامة فقال: مس الشعر بالماء. أخرجه الترمذي (¬5) {147}. ¬

(¬1) انظر ص 105 ج 1 تحفة الأحوذي "المسح على الجوربين والعمامة". (¬2) انظر ص 257 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الخفين). (¬3) (انظر ص 104 و 106 ج تحفة الأحوذي المسح على الجوربين والعمامة). (¬4) (انظر ص 104 و 106 ج تحفة الأحوذي المسح على الجوربين والعمامة). (¬5) انظر ص 105 منه (المسح على الجوربين والعمامة) ومس بضم فشد أمر من المس يعني لا يجوز المسح على العمامة وحدها فعليك أن تمس الشعر.

(وسئل جابر) عن المسح على العمامة. فقال: لا حتى يمسح الشعر بالماء. أخرجه مالك (¬1) [11]. (وأجابوا) عن أدلة الفريق الأول، بأنها أحاديث آحاد لا تعارض الكتاب الموجب مسح الرأس، أو أنه حكاية حال فيجوز أن تكون العمامة صغيرة مسح عليها بعد مسح مقدم الرأس (ويدل) لهذا حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين. أخرجه مسلم (¬2) [147]. (وقال) بعضهم: أن أحاديث المسح على العمامة منسوخة. فقد روي ملك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد تتوضأ وتنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء. أخرجه مالك (¬3) [12]. وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار. فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة ولا خمار وليمسحا على رؤوسهما. أخرجه مالك (¬4) [13]. وقال محمد بن الحسن: بهذا نأخذ. لا مسح على خمار ولا على عمامة. بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك (¬5). (5) غسل الرجلين مع الكعبين: هو فرض في الوضوء باتفاق الأئمة وأكثر أهل العلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم، لقوله تعالى: (وامسحوا ¬

(¬1) انظر ص 69 ج 1 زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين). (¬2) انظر ص 174 ج 3 نووي مسلم (المسح على الخفين ومقدم الرأس). (¬3) انظر ص 69 و 70 ج 1. زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين). (¬4) انظر ص 69 و 70 ج 1. زرقاني الموطأ (المسح بالرأس والأذنين). (¬5) انظر ص 109 ج 1 شرح العناية على الهداية هامش فتح القدير.

برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) بنصب الأرجل عطفا على الوجوه، أي واغسلوا أرجلكم مع الكعبين وهما العظمن الناتئان عند مفصل الساق والقدم (ولما) ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعلا وقولا. (أما) الفعل فقد ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسل رجليه في الوضوء (قال) النووي: ذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما. ولا يجب المسح مع الغسل. ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع (¬1). (وقال) الحفظ: لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس. وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. (قال) عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على غسل القدمين (¬2). (وأما) القول فمنه قول عبد الله بن عمرو: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادي بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا. أخرجه الشيخان (¬3) [149]. "أما" من قال: أن الواجب مسح الرجلين. ومن قال بالتخيير بين الغسل والمسح "فقد خالفوا" الكتاب والسنة، ولم يأتوا بحجة ناهضة "وأما حديث" رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا تتم صلاة لأحد ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 3 شرح مسلم (وجوب غسل الرجلين). (¬2) انظر ص 187 ج 1 فتح الباري الشرح (غسل الرجلين). (¬3) انظر ص 187 فتح الباري: وص 131 ج 3 نووي مسلم (وجوب غسل الرجلين).

حتى يسبغ كما أمره الله. وفيه: ويمسح برأسه ورجليه الك الكعبين. أخرجه الدارقطني (¬1) [150]. "فهو ضعيف" لأن في سنده يحيى بن علي بن خلاد. قال ابن القطان مجهول. "وحديث" أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى كظامة قوم "يعني الميضأة" فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (¬2) [151]. "لا يصلح" للاحتجاج به لأن فيه اضطرابا في السند والمتن (¬3). والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قد بين للأمة أن المفروض عليهم هو غسل الرجلين لا مسحهما. فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلها مصرحة بالغسل، ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين (فإن) كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح، فالواجب الغسل بما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البيان المستمر جميع عمره. وإن كانت غير مجملة، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل ورودا ظاهرا. ومنه الأمر بتخليل الأصابع، فإنه يستلزم الأمر بالغسل، لأنه المسح لا تخليل فيه، بل يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ. ¬

(¬1) انظر ص 35 سنن الدارقطني (باب وجوب غسل القدمين والعقبين). (¬2) انظر ص 8 ج 4 مسند أحمد. وص 139 ج 2 - المنهل العذب و (كظامة) بكسر ففتح الظاء المخففة، آبار تحفر متناسقة ويباعد ما بينها. ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة "وتفسيبرها" بالميضأة (بكسر فسكون وبهمز مقصورة وقد تمد) لم نقف عليه في كتب اللغة. ولعل الراوي فسرها بها لقرينة علمها. (¬3) انظر ص 142 ج 2 - المنهل العذب المورود.

(فالحق) ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الغسل وعدم أجزاء المسح. (قال) في حجة الله البالغة: ولا عبرة بقوم تجارت بهم الأهواء فأنكروا غسل الرجلين متمسكين بظاهرة الآية. فإنه لا فرق عندي بين من قال بهذا القول، وبين من أنكر غزوة بدر وأحد مما هو كالشمس في رابعة النهار (¬1). (6) الترتيب في الوضوء: (قال) الشافعي وأحمد: الترتيب في الوضوء كما في الآية فرض لأن الله تعالى أدخل ممسوحا بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، وهي هنا الدلالة على الترتيب. والآية ما سيقت إلا لبيان الواجب، ولأن كل من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكاه مرتبا، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه توضأ إلا مرتبا. (وقال) الحنفيون ومالك والثوري: الترتيب في الوضوء سنة مؤكدة على الصحيح وليس بواجب وروى عن أحمد واختاره ابن المنذر، لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس. وعطف بعضها على بعض بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، فكيفما غسل كان ممتثلا. ووضع الممسوح بين مغسولين، لا يدل على أن الترتيب فرض بل فائدته الدلالة على استحباب الترتيب. وعن علي وابن مسعود: ما أبالي بأي أعضائي بدأت وقال ابن مسعود: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء. ذكره ابن قدامة (¬2) [14]. (وأجاب) أحمد عنه بأن المراد به تقديم اليسرى على اليمني. وقال حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه أن عليا سئل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيئ؟ قال لا حتى يكون كما أمر الله تعالى. ذكره ابن قدامة [15] وقال: والرواية الأخرى عن ¬

(¬1) انظر ص 175 ج 1 - حجة الله البالغة "صفة الوضوء". (¬2) انظر ص 127 ج 1 مغنى ابن قدامة (وجوب الترتيب في الوضوء).

ابن مسعود لا يعرف لها أصل (¬1) (والظاهر) من الأدلة وجوب الترتيب بين الأعضاء المذكورة في الآية. (ويؤيده) حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف سبعا رمل ثلاثا ومشي أربعا ثم استلم الركن ثم خرج فقال: إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدءوا بما بدأ الله به. أخرجه النسائي والدارقطني من عدة طرق وصححه ابن حزم (¬2) [152]. وهو بعمومه شامل للوضوء وأن ورد في الحج فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولأن العرب إذا ذكرت متعاطفات بدأت بالأقرب فالأقرب. فلما ذكر في الآية الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين دلت على الأمر بالترتيب. (7) الموالاة في الوضوء: وهي التتبع بأن يطهر العضو اللاحق قبل جفاف السابق مع اعتدال الهواء والزمان والمكان والبدن بلا عذر. وقد اختلف العلماء في حكمه (قال) الأوزاعي ومالك وقتادة والليث وأحمد في رواية والشافعي في القديم: الموالاة في الوضوء فرض (لحديث) خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود والحكم والبيهقي بسند فيه بقية في الوليد. مدلس غير أنه صرح بالتحديد عنه أحمد والحاكم (¬3) [153]. ¬

(¬1) انظر ص 128 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬2) يأتي رقم 166 ص 103 ج 9 - الدين الخالص طب 3 (شروط السعي). (¬3) انظر ص 46 ج 2 - الفتح الرباني. وص 173 ج 2 - المنهل العذب (تفريق الوضوء) و (اللمعة) الموضع الذي لا يصيبه الماء.

(وقال) الحنفيون وسفيان الثوري وأحمد في رواية والشافعي في الجديد: الموالاة سنة لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء ولم يوجب موالاة. (وعن) نافع أن ابن عمر توضأ في السوق، فغسل يديه ووجهه وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه، ثم دعى إلى جنازة فدخل المسجد ومسح على خفيه بعد ما جف وضوءه وصلي. أخرجه مالك والبيهقي. وقل: هذا صحيح عن ابن عمر، ومشهور عن قتيبة. وكان عطاء لا يرى بتفريق الوضوء بأسا (¬1) [16]. وهذا دليل حسن، فإن ابن عمر فعله بحضره حاضري الجنازة ولم ينكر عليه (¬2). (وعن) عبيد بن عمير الليثي أن عمر بن الخطاب رأى رجلا وبظهر قدمه لمعة لم بصبها الماء، فقال له عمر: أبهذا الوضوء تحضر الصلاة؟ فقال يا أمير المؤمنين البرد شديد وما معي ما يدفئني، فرق له بعد ما هم به، فقل له أغسل ما تركت من قدمك وأعد الصلاة وأمر له بخميصة. أخرجه البيهقي (¬3) [17]. (وعن) عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أرجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى. أخرجه أحمد ومسلم (¬4) [154]. فلو كانت الموالاة فرضا، لقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أرجع فأعد ¬

(¬1) انظر ص 73 ج 1 زرقاني الموطأ (المسح على الخفين). وص 84 ج 1 سنن البيهقي (تفريق الوضوء). (¬2) انظر ص 455 ج 1 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 84 ج 1 سنن البيهقي. (¬4) (أنظر ص 45 ج 2 - الفتح الرباني. وص 132 ج 3 نووي مسلم/ استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة).

وضوءك وإنما قال: أحسن وضوءك. وإحسان الشيء لكماله. وهذا هو الراجح لقوة أدلته. (8) الدلك: وهو امرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، وهو فرض في الوضوء والغسل عند المالكية والمزني لحديث عبد الله ابن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يدلك. أخرجه أحمد وأبو داود الطيالسي وأبو يعلي وابن حبان (¬1) [155]. (وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد: الدلك سنة لعدم التصريح به في الأحاديث الكثيرة الواردة في صفة الوضوء والغسل فهو قرينة على صرف الأمر بالدلك للندب. ودعوى أنه من مسمى الغسل أو شرط فيه محل نظر. والمقرر أن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الفرضية. (تنبيه) علم مما تقدم أن أركان الوضوء عند الحنفيين أربعة. غسل الأعضاء الثلاثة ومسح ربع الرأس (وعند) الشافعية ستة: النية، وغسل الأعضاء الثلاثة ومسح بعض الرأس، والترتيب (وعند) الحنبلية ستة: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة. وأما النية فشرط صحة (وعند) المالكية سبعة: النية، وغسل الأعضاء الثلاثة، ومسح الرأس، والدلك والموالاة للذكر القادر فلو كان ناسيا بني على ما فعل مع تجديد النية. وكذا العاجز غير أنه لا يلزمه تجديد النية، لعدم ذهابها. ¬

(¬1) انظر ص 31 ج 2 - الفتح الرباني. وص 148 مسند الطيالسي.

3 - سنن الوضوء السنن جمع سنة وهي لغة الطريقة. وشرعا الطريقة المسلوكة في الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها، وليست خصوصية. وهي قسمان: (أ) مؤكدة. وهي ما واظب عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا إنكار على تاركها. (ب) غير مؤكدة. وهي ما تركها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحيانا. وسنن الوضوء كثيرة. المذكورة منها هنا عشرة: 1 - التسمية في أوله: بأن يقول: باسم الله والحمد لله (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأت نقل: باسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تبرح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء" أخرجه الطبراني في الصغير بسند حسن (¬1) [156]. (وقد) اختلف العلماء في حكمها (قال) الحنفيون والشافعية: أنها سنة مؤكدة وهو المشهور عن أحمد (لحديث) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من توضأ وذكر اسم الله عليه، كان طهورا لجميع بدنه، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه، كان طهورا لأعضاء وضوئه" أخرجه الدارقطني والبيهقي من عدة طرق في كل منها مقال (¬2) [157]. ومشهور مذهب مالك أن التسميه في الوضوء مندوبة. ¬

(¬1) أنظر ص 220 ح 2 مجمع الزوائد (التسميه عند الوضوء). (¬2) انظر ص 44 ج 1 سنن البيهقي (التسمية على الوضوء). و (طهورا ... ) أي مطهرا من صغائر الذنوب.

(وقال) إسحاق بوجوبها في حق العالم الذاكر وروي عن أحمد. فإن تركها عمدا لم تصح طهارته. وإن تركها سهوا أو جهلا فوضوءه صحيح. وإن ذكرها في أثنائه سمي وبني (ودليله) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف (¬1) [158]. وأخرج الترمذي الجملة الأخيرة من طريق رباح بن عبد الرحمن عن سعيد بن زيد وقال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد. وقال إسحاق: أن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء، وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه. وقال البخاري: أحسن شيء في هذا الباب، حديث رباح بن عبد الرحمن (¬2). (والراجح) أنها سنة مؤكدة "والنفي" في حديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "محمول" على نفي الكمال، جمعا بين الأحاديث. ويؤيده قول ابن سيد الناس في شرح الترمذي: قد روى في بعض الروايات: لا وضوء كاملا. فإن ثبتت هذه الزيادة من وجه معتبر فلا أصرح منها في إفادة مطلوب القائل بعدم وجوب التسمية (¬3). 2 - غسل اليدين إلى الرسغين: الرسغ، بضم فسكون أو بضمتين: مفصل الكف بين الكوع والكرسوع. وأما البوع فهو عظم يلي إبهام الرجل. قال بعضهم: ¬

(¬1) انظر ص 19 ج 2 - الفتح الرباني. وص 320 ج 1 - المنهل العذب (التسمية على الوضوء). وص 81 ج 1 - ابن ماجه. وص 43 ج 1 سنن البيهقي. (¬2) انظر ص 39 ج 1 تحفة الأحوذي (التسمية عند الوضوء). (¬3) انظر ص 168 ج 1 نبل الأوطار (غسل اليدين قبل المضمض).

وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي ... لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ... ببوع فخذ بالعلم وأحذر من الغلط والكلام في حكم غسلهما وكيفيته: (1) الحكم ذهب الجمهور إلى أنه يسن غسل الكفين الطاهرتين ثلاثا في ابتداء الوضوء قبل المضمضة وإن لم يكن مستيقظا من نوم، لأن من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكر أنه غسل كفيه ثلاثا أولا من غير تقييد بكونه عن نوم (روي) حمران أن عثمان دعا بماء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما. ثم أدخل يديه في الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا (الحديث) وفيه. ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ نحو وضوئي هذا. أخرجه الشيخان وكذا أبو داود بلفظ: "أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين" (¬1) [159]. ... وهو في حق من استيقظ من نوم ليلا أو نهارا، أكد (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قل: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده". أخرجه الجماعة (¬2) [160]. (ويدل) على عدم الوجوب حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ¬

(¬1) انظر ص 205 ج 2 تيسير الوصول (صفة الوضوء). (¬2) انظر ص 22 ج 2 - الفتح الرباني. وص 310 ج 2 تيسير الوصول (غسل اليدين).

فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويسمح برأسه ورجلين إلى الكعبين" (الحديث). أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) [161] ولم يذكر فيه غسل اليدين قبل المضمضة. ... (وقالت) الحنبلية: يسن غسل الكفين في ابتداء الوضوء لغير قائم من نوم ليل ناقض للوضوء، بأن لم يكن نائما، أو كان نائما بالنهار أو بالليل نوما لا ينقض الوضوء، كنوم يسير من جالس أو قائم "أما للقائم" من نوم ليل ناقض للوضوء "فيجب" عليه غسل كفيه ثلاثا في ابتداء وضوئه تعبدا، لحديث الاستيقاظ فإن تركه عامدا عالما فوضوءه صحيح مع الإثم. ويسقط بالنسيان، لأنه طهارة مفردة لا من الوضوء، ومقتضاه أنه لا يستأنف ولو تذكر في الأثناء، بل ولا يغسلهما بعد. بخلاف التسمية في الوضوء لأنها منه (¬2). ... (فقد حمل) الحنبلية الأمر في الحديث على الوجوب في نوم الليل خاصة، "لكن" التعليل بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده "يقتضي" الحاق نوم النهار بنوم الليل. وذكر البيات نظرا للغالب. (وحمل) الجمهور الأمر في الحديث على الندب، لما تقدم، ولأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب، ولأن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية، يدل على الندبية. وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب، ولأن هذا. ومحل الخلاف إذا شك في طهارتهما كما إذا استيقظ من النوم ليلا ¬

(¬1) انظر ص 304 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه). وص 44 ج 1 سنن البيهقي (التسمية على الوضوء). (¬2) انظر ص 67 ج 1 كشاف القناع (صفة الوضوء).

أو نهارا. أما إذا تيقن طهارتهما فيكون غسلهما سنة اتفاقا (وينوب) عن فرض غسل الكفين بعد غسل الوجه عند الحنفيين بل قيل: هو فرض وتقديمه سنة وإن تيقن نجاستهما، وجب غسلهما اتفاقا. (ب) كيفية غسل الكفين: هي أنه- إذا كان يصب عليه- أن يغسلهما مع الدلك وتخليل الأصابع ثلاثا. وإن كان يغسلهما من إناء صغير كالكوز أو كبير ومعه إناء صغير، فإنه يصب منه على اليمنى ويغسلها ثلاثا مع دلك الأصابع، ثم يفعل باليسرى كذلك، وهذا مستحب مراعاة للتيامن. فلو غسلهما معا ثلاثا أجزأه بلا كراهة. وإن كان الإناء كبيرا لا يمكن رفعه وليس معه إناء صغير، أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة ورفع الماء بها وصبه على يده اليمنى حتى يغسلها ثلاثا مع الدلك. ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على اليسرى حتى يغسلها ثلاثا مع الدلك. فإن خالف ما ذكر بأن أدخل يده في الإناء الصغير أو الكبير ومعه إناء صغير، أو أدخل كفه اليسرى مع الأصابع عند عدم الإناء الصغير، كره تنزيها عند بعض الفقهاء. (3، 4) المضمضة والاستنشاق: المضمضة لغة التحريك. وإصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم ولو بلا إدارة ولا مج. والأكمل مجه. (والاستنشاق) لغة جذب الماء ونحوه بريح الأنف إليه. واصطلاحا إيصال الماء إلى ما لأن من الأنف. ثم الكلام ينحصر في أربعة مباحث. (أ) حكمها: فيهما ثلاثة مذاهب (1) هما سنة في الوضوء عند الحنفيين ومالك والشافعي والأوزاعي والليث والحسن البصري وسفيان الثوري وغيرهم لقوله تعالى: "فاغسلوا وجوهكم" الآية، ولما في حديث رفاعة بن رافع من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتوضأ كما أمرك الله. أخرجه أبو داود

وهو حديث صحيح (¬1) [162]. وموضع الدلالة أن الله إنما أمر بغسل الوجه دون باطن الفم والأنف. وهذا الحديث من أحسن الأدلة، لأن الأعرابي المخاطب به، صلي ثلاث مرات فلم يحسنها، فعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل بحضرة الناس وتشاهد أعمالها، فعلمه واجباتها وواجبات الوضوء فقال: توضأ كما أمرك الله. ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء. فلو كانت المضمضة والاستنشاق واجبين لعلمه أياهما، فإن حكمهما مما يخفي لا سيما في حق هذا الرجل الذي خفيت عليه الصلاة التي تشاهد، فكيف الوضوء الذي يخفي (¬2). (وقال) عبد الله بن زيد بن عاصم رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا. أخرجه الترمذي (¬3) [163]. وتقدم أن المضمضة والاستنشاق من سنن الفطرة وقد حمل الجمهور فيهما على السنية جمعا بين الأدلة. 2 - (وقال) أحمد في رواية وداود الظاهري وابن المنذر: المضمضة سنة في الوضوء لما تقدم (أما الاستنشاق) فواجب لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم ليستنثر. أخرجه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي (¬4) [164]. ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 5 - المنهل العذب المورود (صلاة من لا يقيم صلبه ... ). (¬2) انظر ص 164 ج 1 مجموع النووي. (¬3) انظر ص 41 ج 1 تحفة الأحوذي (المضمضة والاستنشاق من كف واحد). وتقدم مطولا عند أحمد والشيخين رقم 16 ص 158 (الماء). (¬4) انظر ص 310 ج 2 تيسير الوصول (الاستنثار والاستنشاق والمضمضة). وص 25 ج 2 الفتح الرباني (المضمضة والاستنشاق).

وفرقوا بينهما، لأن المضمضة ثابتة بفعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأمره بخلاف الاستنشاق فإنه ثابت بهما. ومجرد فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الوجوب (ورد) بورود الأمر بالمضمضة أيضا. ففي حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فمضمض. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند صحيح (¬1) [165]. فلا وجه للتفرقة بين المضمضة والاستنشاق، وقد علمت أن الأمر بهما محمول على الندب. 3 - (وقال) إسحاق بن راهوية: إنهما فرض في الوضوء والغسل. وهو المشهور عند أحمد لأنهما من تمام غسل الوجه، فالأمر بغسله أمر بهما (ولحديث) لقيط بن صبرة المذكور. (والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من أن الأمر في هذه الأحاديث محمول على الندب (ومن المقرر) أن المواظبة لا تفيد الوجوب إلا إذا صاحبها إنكار على التارك. وهو لم يثبت هنا. (ب) الترتيب بينهما: اتفق العلماء على أن المضمضة مقدمة على الاستنشاق. وهل هو شرط أو مستحب؟ ذهب إلى الأول أحمد وبعض الشافعية. وإلى الثاني الحنفيون ومالك والأوزاعي والثوري وغيرهم (أما) تقديمهما على غسل الوجه، فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه ليس بواجب، لأنهما من أجزائه (ويستحب) تقديمهما عليه لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أنه بدأ بهما (وكذا) يستحب تقديمهما على سائر الأعضاء غير والوجه ¬

(¬1) انظر ص 92 ج 2 - المنهل العذب (الاستنثار). وص 52 ج 1 سنن البيهقي (تأكيد المضمضة والاستنشاق).

عند الأئمة الثلاثة والجمهور وهو رواية عن أحمد (لحديث) المقدام بن معد يكرب قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا. ثم غسل ذراعية ثلاثا. ثم مضمض واستنشق ثلاثا. ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. أخرجه أبو داود بسند صالح وأحمد بزيادة: وغسل رجليه ثلاثا (¬1) [166]. فهو يدل على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه واليدين (وعن أحمد) أنه يجب تقديمهما على غسل اليدين لأنهما من الوجه. لكنه تعليل في مقابلة النص فلا يعول عليه. والأحاديث الكثيرة الدالة على تقديمهما على غسل الوجه، تدل على أنه سنة، وهو متفق عليه (والحكمة) في تقديمهما على الفروض، اختيار أوصاف الماء لأن لونه يدرك بالبصرن وطعمه بالفم وريحة بالأنف. وقدمت المضمضة لشرف منافع الفم. (جـ) كيفيتهما: المضمضة والاستنشاق يحصلان بإيصال الماء على أي صفة إلى الفم والأنف. والأفضل عند غير الحنفيين أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها، لما تقدم عن عبد الله ابن زيد (¬2) والأفضل عند الحنفيين أن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات (لحديث) كعب بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا. أخرجه الطبراني في الكبير. وفيه ليث بن أبي سليم ضعيف. ومصرف بن عمرو فيه مقال (¬3) [167]. ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 2 - الفتح الرباني. وص 48 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) تقدم رقم 163 ص 234 (حكم المضمضة والاستنشاق). (¬3) انظر ص 17 ج 1 نصب الراية (أحاديث المضمضة والاستنشاق).

(ويؤيده) ما في حديث ابن عباس قال: أتيت خالتي ميمونة فبت عندها فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم دخل بيته فوضع رأسه على وسادة فجئت فوضعت رأسي على ناحية منها فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى حاجته ثم جاء إلى قربة على مشجب فيها ماء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا (الحديث) أخرجه أحمد (¬1) [168]. هذا وأحاديث الوصل أقوى من أحاديث الفصل بين المضمضة والاستنشاق. (د) ما يسن فيهما: يسن في المضمضة والاستنشاق أمور ستة: (1) أن يكونا باليمين. (2) أن يكونا ثلاثا. (3) الاستنثار باليسرى (لحديث) علي رضي الله عنه أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ثم قال: هكذا طهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه النسائي (¬2) [169]. (4 و 5) مج الماء في المضمضة واستنثاره في الاستنشاق. (6) المبالغة فيهما لغير الصائم (لحديث) لقيط بن صبرة أنه قال: أخبرني يا رسول الله عن الوضوء فقال "أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي (¬3) [170]. والمبالغة في المضمضة ترديد الماء في الحلق وفي الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى أعلى الأنف. ¬

(¬1) انظر ص 369 ج 1 مسند أحمد. و (المشجب) بكسر فسكون، خشبة منصوبة. (¬2) انظر ص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والاصابع). (¬3) انظر ص 31 ج 1 بدائع المنن (مسح الرأس وإسباغ الوضوء .. ) وص 25 ج 2 - الفتح الرباني. وص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والأصابع).

(5) السواك عند المضمضة: قد تقدم الكلام عليه في بحث خاص (¬1). (6) تخليل اللحية: وهو تفريق شعرها من أسفل إلى فوق بعد تثليث غسل الوجه "واللحية" أما خفيفة، ترى البشرة تحتها، فحينئذ يجب إيصال الماء على ما تحتها اتفاقا، لأنه من مسمى الوجه "وأما كثيفة" وهي التي لا ترى منها البشرة (وقد) اختلف العلماء في حكم تخليلها حينئذ (فقالت) المالكية: يجب تحريكها ليصل الماء بين ظاهر الشعر وإن لم يصل للبشرة (وقالت) الشافعية والحنبلية وأبو يوسف: أنه سنة (وقال) أبو حنيفة ومحمد: أنه مستحب. والأدلة ترجح أنه سنة (أمثلها) حديث عصمان أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخلل لحيته. أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه والحاكم والدارقطني (¬2) [171]. (وعن) أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكة فخلل به لحيته. وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم (¬3) [172]. (وقال) إسحاق بن راهوية وأبو ثور والحسن بن صالح والظاهرية: يجب تخليلها أخذا بظاهر قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث أنس: هكذا أمرنى ربى (وأجاب) الجمهور بأن الأمر فيه وفى نحوه للندب. نعم، الاحتياط والأخذ بالأوفق أولى، لكن بدون مجارأة على الحكم بالوجوب. ¬

(¬1) انظر ص 188 وما بعدها إلى ص 191 وفيه ستة مباحث. (¬2) انظر ص 85 ج 1 ابن ماجه (تخليل اللحية). وص 43 ج 1 تحفة الأحوذي. (¬3) انظر ص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية). وص 54 ج 1 بيهقي.

(7) تخليل الأصابع (قال) الجمهور: يسن في الوضوء تخليل أصابع اليدين والرجلين (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب حسن. وحسنه البخاري (¬1) [173]. (وعن) لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا توضأت فخلل الأصابع. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححاه (¬2) [174]. (وقالت) المالكية: يجب في أصابع اليدين، ويندب في أصابع الرجلين لأن أصابع اليدين مفرقة. فكل إصبع بمنزلة عضو مستقل. وهم يوجبون التدليك في كل عضو. أما أصابع الرجلين فلشدة اتصالها، اعتبرت كعضو واحد، فلا يلزم تخليلها. ومحل الخلاف إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع بلا تخليل. أما إذا لم يصل إلا به، فإنه يجب التخليل لا لذاته، بل لأداء فرض الغسل. (والأكمل) في تخليل أصابع اليدين أن يكون بالتشبيك بينهما جاعلا ظهر أحدهما لبطن الأخرى. وفي أصابع الرجلين يكون بخنصر اليد اليسرى بادئا بخنصر رجله اليمين خاتما بخنصر رجله اليسرى (لقول) المستورد بن شداد: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره. أخرجه البيهقي والأربعة إلا النسائي. وفي سنده ابن لهيعة. وقال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن القطان (¬3) [175]. ¬

(¬1) انظر ص 50 ج 1 تحفة الأحوذي (تخليل الأصابع). (¬2) أنظر ص 49 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 31 ج 2 - الفتح الرباني. (¬3) انظر ص 77 ج 1 سنن البيهقي (كيفية التخليل) وص 311 ج 2 تيسير الوصول (تخليل اللحية والأصابع).

وإنما كان تخليل الرجلين بخنصر اليسرى، لأنهما محل الوسخ. وكان بالكيفية المذكورة، لما فيها من السهولة والمحافظة على التيامن. (8) التيامن في الوضوء: وهو البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من كل عضوين لا يسن تطهيرهما معا كاليدين والرجلين. وهو سنة عند الشافعية وأحمد ومستحب عند المالكية. وهو مشهور مذهب الحنفيين. لكن حقق الكمال ابن الهمام أنه سنة، لثبوت المواظبة (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن ما استطاع في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله. أخرجه السبعة بألفاظ متقاربة (¬1) [176]. (فهو) يدل على مشروعية الابتداء باليمين في لبس النعال وفي تسريح الشعر، وفي الوضوء والغسل. وأن التيامن سنة في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدها استحب فيه التياسر. وأجمع أهل السنة على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه (وقالت) الشيعة: يجب تقديم غسل اليمين قبل اليسار في الطهارة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (¬2) [177]. (وأجاب) الجمهور بأن الأمر فيه محمول على الندب. فقد اشتمل الحديث ¬

(¬1) ص 5 ج 2 - الفتح الرباني. وص 189 ج 1 فتح الباري (التيمن في الوضوء والغسل) وص 161 ج 3 نووي مسلم (حبه صلى الله عليه وسلم للتيامن) ورقم 6995 ص 207 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 5 ج 2 - الفتح الرباني. ورقم 843 ص 436 ج 1 فيض القدير. وص 86 ج 1 سنن البيهقي (البداءة باليمين).

على الأمر بالتيامن في اللبس. والشيعة لا يقولون بوجوبه. فهذا يصلح قرينة لصرف الأمر إلى الندب. ودلالة الاقتران وإن كانت ضعيفة، لكنها لا تقتصر عن الصلاحية للصرف (ويعضدها) ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما أبالي لو بدأت بالشمال قبل اليمين إذا أكملت الوضوء. أخرجه الدارقطني والبيهقي (¬1) [18] ونحوه عن ابن مسعود. (9) تثنية الغسل وتثليثه: اتفق العلماء على أن الغسلة الأولى المستوعبة فرض في الأعضاء الثلاثة "الوجه واليدين والرجلين" وأن الثانية والثالثة سنتان (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي. أخرجه البيهقي (¬2) [178]. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين. والاختلاف دليل على جواز ذلك وأن الثلاث هي الكمال. والواحدة تجزئ. (والأحاديث) الصحيحة في هذا كثيرة. وكلها تدل على ثبوت التوضؤ ثلاثا ثلاثا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا خلاف (وخرج) بالغسل المسح. فلا يسن تكريره عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور بل السنة مسح الرأس، مرة واحدة. لقول أبي حية: رأي عليا توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما. ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا، ومسح برأسه مرة، ثم غسل قدميه إلى الكعبين. ثم قال: ¬

(¬1) انظر ص 87 ج 1 بيهقي (البداءة باليسار). وص 23 سنن الدارقطني. (¬2) انظر ص 80 ج 1 سنن البيهقي (فضل التكرار في الوضوء).

أحببت أن أريكم كيف كان طهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه الترمذي وصححه (¬1) [179]. (وعن عبد الله) بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه مرة. أخرجه ابن ماجه (¬2) [180]. (وعن ابن عباس) أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3) [181]. (وقال) الشافعي وعطاء: يستحب تثليث مسح الرأس (لقول) عثمان رضي الله عنه: ألا أريكم وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تم توضأ ثلاثا ثلاثا. أخرجه مسلم (¬4) [182]. ولم يستثن الرأس (وأجيب) بأن المطلق يحمل على المقيد فلا ينتهض للاحتجاج به على طلب تثليث مسح الرأس (وقال أبو داود) أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا وقالوا فيها: ومسح برأسه. ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره (¬5). (والإنصاف) أن أحاديث الثلاث لم تبلغ درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة "فالوقوف" على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين ¬

(¬1) انظر ص 53 ج 1 تحفة الأحوذي (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم). (¬2) انظر ص 83 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء ثلاثا ثلاثا). (¬3) انظر ص 66 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي). (¬4) انظر ص 113 ج 3 نووي مسلم (فضل الوضوء والصلاة عقبه). (¬5) انظر ص 23 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم).

وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما "هو المتعين" لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة (وقال) الحافظ في الفتح يحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح ابن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعا بين الأدلة (¬1). وعن الربيه بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه (الحديث) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود (¬2) [183] وقد قال بهذا الحديث بعض الكوفيين منهم وكيع بن الجراح "وما" تقدم في حديث عبد الله ابن زيد (¬3) من قوله: مسح صلى الله عليه وسلم رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر "لا يعد" تكرارا للمسح، لأن الرد لم يكن بماء جديد اتفاقا. 10 - مسح الأذنين: الأذنان من الرأس عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور (لقول) أبي أمامة: توضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال "الأذنان من الرأس" أخرجه الترمذي. وأخرجه ابن ماجه بلفظ: الأذنان من الرأس، وكان يمسح رأسه مرة (¬4) [184]. (وقال) الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن بعدهم. وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق (ويسن) عند الحنفيين مسحهما ولو بماء الرأس (لما تقدم) عن ¬

(¬1) انظر ص 208 ج 1 فتح الباري (مسح الرأس مرة). (¬2) انظر ص 45 ج 1 تحفة الأحوذي (باب ما جاء في مسح الرأس). (¬3) تقدم رقم 142 ص 241 (مسح الرأس). (¬4) انظر ص 47 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 87 ج 1 - ابن ماجه (الاذنان من الرأس).

ابن عباس من قوله: ومسح "يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم" برأسه وأذنيه مسحة واحدة (¬1). (وقالت) الحنبلية: يجب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما لأنهما من الرأس ويسن مسحهما بماء جديد (لحديث) عبد الله بن زيد الآتي. (ومن) الرأس البياض فوق الأذنين فيجب مسحه مع الرأس (¬2) وعن أحمد أنه لا يجب مسح الآذنين وهو ظاهر المذهب لأنهما من الرأس على وجه التبع (¬3). (وقال) المالكية والشافعية: يسن مسح ظاهرهما وباطنهما بعد مسح الرأس بماء جديد (لحديث) عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذه لرأسه. أخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح (¬4) [185]. (وأجاب) الحنفيون بأنه إنما أخذ لهما ماء جديدا لعدم بقاء بلل على اليد بعد مسح الرأس، جمعا بينه وبين الروايات الكثيرة الدالة على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح الرأس والأذنين بماء واحد. (ومنه) تعلم ما في قول ابن القيم في الهدى: ولم يثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ لهما ماء جديدا. وإنما صح ذلك عن ابن عمر (¬5). ¬

(¬1) تقدم رقم 181 ص 241 (مسح الأذنين). (¬2) انظر ص 73 ج 1 كشاف القناع (فصل ثم يمسح جميع ظاهر رأسه). (¬3) انظر ص 138 ج 1 - الشرح الكبير لابن قدامة (فصل ويجب مسح الاذنين). (¬4) انظر ص 65 ج 1 سنن البيهقي (مسح الأذنين بماء جديد). (¬5) انظر ص 49 ج 1 زاد المعاد (هدية صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العبادة).

هذا. والسنة عند الجمهور مسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهر ما وباطنهما. أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي بلفظ "ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه" (¬1) [186]. (وعن) المقدام بن معديكرب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح برأسه وأنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل أصبعيه في ضماخي أذنيه. أخرجه أبو داود وابن ماجه والطحاوي بسند حسن (¬2) [187]. 4 - مستحبات الوضوء هي جمع مستحب. وهو لغة المحبوب. وشرعا ما لم يواظب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء فعله مرة وتركه أخرى، أو رغب فيه. وهو المندوب سواء. وللوضوء مستحبات كثيرة المذكور منها سبعة عشر. 1 - استقبال القبلة: يستحب عند الحنفيين ومالك استقبال القبلة حال الوضوء. ويسن عند غيرهم (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خير المجالس ما استقبل به القبلة. أخرجه ابن جرير (¬3) [188]. 2 - تقديمه على الوقت لغير المعذور. 3 - ترك لطم الوجه وغيره من الأعضاء. وهو مستحب عند الجمهور، لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله ¬

(¬1) انظر ص 47 ج 1 تحفة الأحوذي (باب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما). (¬2) انظر ص 52 ج 2 - المنهل العذب. و 86 ج 1 - ابن ماجه (مسح الأذنين). (¬3) انظر ص 281 راموز الأحاديث.

عليه وعلى آله وسلم لم يذكر أنه ضرب وجهه بالماء (وقال) إبراهيم النخعي: لم يكونوا يلطمون وجوههم بالماء في الوضوء. أخرجه سعيد بن منصور [19]. (وقال) بعضهم: يستحب للمتوضئ ضرب الوجه بالماء، لما في حديث على رضي الله عنه قال: يا بن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحديث) وفيه: ثم تمضمض واستنثر. ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها وجهه (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي. وفي رواية أحمد وابن حبان: فصك بها على وجهه (¬1) [189]. وذكره ابن حبان تحت ترجمة "استحباب صك الوجه بالماء للمتوضئ عند غسل الوجه" (وأجاب) الجمهور بأن الحديث متكلم فيه. وعلى فرض صحته فيحمل الضرب أو الصك فيه على صب الماء وإفاضته على الوجه جمعا بين الأحاديث. ولأن لطم الوجه بالماء لا يتفق والكمال. 4 - عدم التكلم حال الوضوء: هو مستحب إلا لحاجة تفوته، كأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد ضال ورد سلام "وأما حديث" عبد الرحمن ابن البيلماني قال: رأيت عثمان بن عفان جالسا بالمقاعد (¬2) يتوضأ فمر به رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه ثم دخل المسجد فوقف على الرجل فقال: لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني سمعت رسول الله صلى اله عليه وعلى آله وسلم يقول: من توضأ فغسل يديه، ثم مضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، ¬

(¬1) انظر ص 35 ج 2 - المنهل العذب. وص 54 ج 1 بيهقي (التكار في غسل الوجه). (¬2) المقاعد، بفتح الميم والقاف، موضع مرتفع قرب مسجد المدينة اتخذه عثمان للقعود فيه لقضاء مصالح الناس.

وغسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم لم يتكلم حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، غفر له ما بين الوضوءين. أخرجه أبو يعلي "فهو شعيف" لأن في سنده محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى وهو مجمع على ضعفه. قال الهيثمي (¬1) [190]. "وكذا" حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حضين ابن المنذر عن المهاجر بن قنقذ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه. فلم يرد علي، فلما فرغ قال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء. أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين (¬2) [191]. "ورد" بأنه معلول. فقد قال ابن دقيق العيد: سعيد بن أبي عروبة كان قد اختلط في آخره. ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن مهاجر منقطعا. وعلى فرض صحته، فهو لا يدل على عدم مشروعية رد السلام من المتوضئ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لم ينه من سلم عليه حال الوضوء عن السلام بل أخر الرد على ما بعد الوضوء اختيارا للأكمل، ولأنه لم يخش فوات رد السلام. 5 - تحريك الخاتم: يستحب عند الحنفيين ومالك للمتطهر تحريك الخاتم الواسع إذا علم وصول الماء إلى ما تحته بدون تحريك. ويسن عند الشافعية ¬

(¬1) انظر ص 239 ج 1 مجمع الزوائد (ما يقول بعد الوضوء). (¬2) انظر ص 15 ج 1 مجتبي (رد السلام بعد الوضوء) وص 74 ج 1 - ابن ماجه (الرجل يسلم عليه وهو بيول).

والحنبلية (لحديث) أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني. وفي سنده معمر بن محمد بن عبيد الله عن أبيه. وهما ضعيفان (¬1) [192]. ومثل الخاتم في ذلك ما يشبهه من الأساور والخلاخل ونحوها. 6 - البداءة بتطهير مقدم الأعضاء: قالت المالكية وبعض الحنفيين: يستحب للمتوضئ البداءة بأعلى الوجه، وبأصابع اليدين والرجلين، وبمقدم الرأس. (وقالت) الحنبلية وبعض الحنفيين: أنه سنة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن الله تعالى جعل المرافق والكعبين غاية الغسل فتكون منتهى الفعل (وقالت) الشافعية: يسن ما ذكر في الوجه والرأس مطلقا، وفي اليدين والرجلين أن اغترف الماء بيده، أما أن توضأ من حنفية أو إبريق أو وضأه غيره بدأ في اليدين من المرفق، وفي الرجلين من الكعبين. ولم نقف لهذا التفصيل على دليل. 7 - إطالة الغرة والتحجيل: (الغرة) في الأصل بياض في جبهة الفرس. والمراد بها هنا غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدا على المفروض غسله. (والتحجيل) في الأصل بياض في رجل الفرس. والمراد به هنا غسل ما فوق المرفقين والكعبين بان يغسل الذراعين لنصف العضدين، والرجلين لنصف الساقين. هذا. وقد اتفق الأئمة على أنه يفترض غسل جزء زائد من محل الفرض إذا لم يتم الفرض إلا به. أما الزيادة على ما ذكر فمستحبة عند غير المالكية ¬

(¬1) رقم 6622 ص 114 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

(لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. أخرجه أحمد والشيخان (¬1) [193]. (وقال) أبو حازم: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ وهو يمر الوضوء إلى إبطه. فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ قال أني سمعت خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) [194]. (وقالت) المالكية: يكره غسل ما زاد عما لا يتم الواجب إلا به. وتأولوا إطالة الغرة والتحجيل بإدامة الوضوء (ويرده) فعل أبي هريرة مستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: تبلغ الحلية من المؤمن إلى حيث يبلغ الوضوء والمراد بالحلية التحجيل. 8 - كونه في مكان طاهر: اتفق العلماء على أنه يستحب كون الطهارة في محل طاهر شأنا وفعلا. فتكره في موضع متنجس بالفعل، وفي موضع شأنه النجاسة ولو لم يتنجس كبيت الخلاء، صونا للعبادة عن محل القذارة (ولحديث) عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه وقال: أن عامة الوسواس منه. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه ¬

(¬1) تقدم رقم 137 ص 317 ص 216 (الوضوء) و (غرا محجلين) أي على وجوههم وفي أيديهم وأرجلهم نور. سمي غرة وتحجيلا تشبيها له بغرة الفرس. (¬2) انظر ص 30 ج 2 - الفتح الرباني. ص 140 ج 3 نووي مسلم (إطالة الغرة والتحجيل) و (تبلغ الحلية .. ) يعني أن حلية المؤمن في الجنة تبلغ منه حيث يبلغ الوضوء.

والترمذي (¬1) [195] فالنهي عن البول في المغتسل يتضمن أن تكون الطهارة في مكان طاهر. 9 - البدء ببعض السنن: (قالت) المالكية: يستحب تقديم غسل اليدين إلى الكوعين، والمضمضة والاستنشاق على غسل الوجه. وقال غيرهم: أنه سنة. 10 - الاقتصاد في الماء: (قال) الحنفيون ومالك: يستحب تقليل ماء الطهارة بحسب الأماكن بعد تعميم العضو بالماء. (وهو) سنة عند الشافعي وأحمد (وقد) أجمعوا على عدم التقدير في ماء الوضوء والغسل، لأنه لم يرد في ذلك تحديد صريح. ولأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. ولكن يطلب التوسط والاعتدال. فلا يقتر ولا يزيد على قدر الكفاية اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وقد ورد) في ذلك أحاديث (فعن) أنس بن مالك أن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قال: يجزئ في الوضوء رطلان من ماء. أخرجه أحمد والترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك (¬2) [196]. (وعنه) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ برطلين، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال. أخرجه الدارقطني وقال: تفرد به موسى بن نصر. وهو ضعيف الحديث (¬3) [197]. ¬

(¬1) انظر ص 84 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر). (¬2) انظر ص 4 ج 2 - الفتح الرباني. و (شريك) أبو عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظله، وشيخه عبد الله بن عيسى ضعيف. (¬3) انظر ص 35 سنن الدارقطني (ما يستحب للمتوضئ والمغتسل).

(وعن) عبيد الله بن أبي يزيد أن رجلا قال لابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد. قال كم يكفيني للغسل؟ قال صاع. فقال الرجل لا يكفيني. فقال: لا أم لك قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير. ورجاله ثقات (¬1) [198]. (وعن) أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ بنحو ثلثي مد. أخرجه أبو داود والنسائي. وصححه أبو زرعة (¬2) [199]. 11 - مسح الصدغين: هما تثنية صدغ بضم فسكون. وهو ما بين العين والأذن. ويطلق على الشعر المتدلي على هذا الموضع. ومسحة مشروع تكميلا لمسح الرأس لا أنه منه، بل هو من الوجه. وفرضه الغسل (ودليله) حديث الربيع بنت معوذ قالت: رأيت رسول الله صلى الله علبيه وعلى آله وسلم يتوضأ فمسح رأسه ومسح ما أقبله منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي. وقال: حسن صحيح (¬3) [200]. وفى سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال. لكن وثقه أحمد والنسائي. وللحديث عدة طرق يقوي بعضها بعضا. 12 - مسح الرقبة: (قال) الحنفيون وبعض الشافعية: يستحب للمتوضئ مسح الرقبة بظهر يديه، لعدم استعمال بلتهما (لقول) وائل بن حجر: حضرت ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 2 - الفتح الرباني وص 218 ج 1 مجمع الزوائد (ما يكفي للوضوء والغسل) و (لا أم لك) هو ذم وسب، أي أنت لقيط لا تعرف لك أم. (¬2) انظر ص 307 ج 1 - المنهل العذب (ما يجزئ من الماء في الوضوء). (¬3) انظر ص 45 ج 1 تحفة الأحوذي (مسح الراس مرة) وص 359 ج 6 مسند أحمد. وص 59 ج 2 - المنهل العذب المورود (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم).

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أتى بإناء فيه ماء فأكفأ على يمينه ثلاثا (الحديث) وفيه: ثم مسح على رأسه ثلاثا ومسح ظاهر أذنيه ومسح رقبته وباطن لحيته بفضل ماء الرأس. أخرجه الطبراني في الكبير والبراز. وفيه سعيد ابن عبد الجبار. قال النسائي: ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات. وفيه محمد بن حجر وهو ضعيف (¬1) [201]. (وروى) طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عمرو بن كعب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح رأسه مرة واحدة حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق. أخرجه أحمد وأبو داود وقال: سمعت أحمد يقول: ابن عيينة كان ينكره، ويقول: أيش هذا طلحة عن أبيه عن جده، وليث بن أبي سليم ضعيف تركه يحيى بن القطان وابن معين وأحمد، لكن أخرج له مسلم (¬2) [202]. (وقال) الجمهور: لا يستحب مسح الرقبة لأنه لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن (وتعقبه) ابن الرفعة بأن لا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر، لأن هذا لا مجال للقياس فيه. والأحاديث السابقة وإن كان في بعضها مقال، إلا أنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا. وبها تعلم أن "قول" النووي: مسح الرقبة بدعة وأن حديثه موضوع "مجازفة" وأعجب من هذا قوله: لم يذكره الشافعي، ¬

(¬1) انظر ص 232 ج 1 مجمع الزوائد (ما جاء في الضوء). (¬2) انظر ص 35 ج 2 - الفتح الرباني. وص 62 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم) و (القذال) بفتحتين، مؤخر الراس. و (أيش) بفتح فسكون فكسر. اصله أي شيء وهو استفهام إنكاري أي لا شيء هذا الحديث لأنه من رواية طلحة عن أبيه عن جده وهما مجهولان.

ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة. فقد قال الروياني من أصحاب الشافعي في كتابه البحر: قال أصحابنا هو سنة (¬1). أما مسح الحلقوم وهو مقدم العنق فبدعة اتفاقا. 13 - عدم الاستعانة بالغير: اتفق العلماء على أنه يستحب للقادر أن يتولى تطهير الأعضاء بنفسه من غير معاونة (لقول) ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه. أخرجه ابن ماجه والدارقطني. وفي سنده علقمة ابن أبي جمرة مجهول. ومظهر ابن الهيثم وهو ضعيف متروك (¬2) [203]. (أما الاستعانة) لإحضار الماء وصبه فقد اتفق الأئمة وعلماء السنة على إباحته (لقول) المغيرة بن شعبة: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر فقال: يا مغيرة خذ الإداوة، فأخذتها ثم خرجت معه، وانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فذهب يخرج يده من كمها فضاقت عليه فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ثم مسح على خفيه ثم صلى. أخرجه الشيخان والنسائي (¬3) [204]. (وأما) ما قيل: بادر عمر ليصب الماء على يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أنا لا استعين في وضوئي بأحد (فباطل) لا أصل له (¬4). ¬

(¬1) انظر ص 204 ج 1 نيل الأوطار (مسح العنق). (¬2) انظر ص 219 ج 1 نيل الأوطار (المعاونة في الوضوء). (¬3) انظر ص 323 ج 1 - فتح الباري (الصلاة في الجبة الشامية) وص 169 ج 3 نووي مسلم (المسح على الخفين) و (الإداوة) بالكسر إناء صغير من جلد يتخذ للماء. (¬4) انظر ص 239 ج 1 مجموع النووي.

(هذا) ويستحب كون المعين عن يسار المتطهر ليسهل تناول الماء عند الصب، وجعل الإناء الذي يصب منه عن يساره ليصب بها على يمينه، وجعل الإناء الكبير الذي يعترف منه عن يمينه ليغترف منه بها. 14 - الدعاء بعد الوضوء: اتفق العلماء على أنه يستحب لمن توضأ (أن يدعو) بعد الوضوء- مستقبلا القبلة رافعا بصره إلى السماء- (بما) في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وزاد: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (¬1) [205]. (ويختم الدعاء) بما في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة" ¬

(¬1) انظر ص 310 ج 1 - الفتح الرباني. وص 118 ج 3 نووي مسلم (الذكر المستحب عقب الوضوء) وص 55 ج 2 - المنهل العذب (ما يقول الرجل إذا توضأ) وص 58 ج 1 تحفة الأحوذي (ما يقال بعد الوضوء) وقوله "هذا في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثير شيء" رده الحافظ في التلخيص قال: لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض والزيادة التي عنده (أي الترمذي) رواها البزار والطبراني في الأوسط عن ثوبان. أنظر ص 59 ج 1 تحفة الأحوذي. وروى الحديث ابن ماجه عن أنس. أنظر ص 90 ج 1 (ما يقال بعد الوضوء).

أخرجه ابن السني والطبراني في الأوسط ورواته رواة الصحيح. والحاكم والنسائي وصحح وقفه (¬1) [206]. (وهذا) الدعاء هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "أما ما اعتاده" بعض الناس وذكره بعض الفقهاء من الدعاء عند كل عضو كقولهم عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه. وعند غسل اليد اليمني: اللهم أعطني كتابي بيميني ولا تعطني كتابي بشمالي. وعند غسل اليد اليسرى: اللهم يسر ولا تعسر "فلم يثبت" فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (قال) النووي في الروضة: هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي ولا الجمهور. وقال ابن الصلاح: لم يصح فيه حديث (¬2). وقد روى فيه عن علي كرم الله وجهه من طرق ضعيفة جدا أوردها علاء الدين على المتقي في كنز العمال وبين ضعفها (¬3). (والحكمة) في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار، أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله وأدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته. وإنما يؤدونها ¬

(¬1) انظر ص 414 راموز الأحاديث. وص 105 ج 1 - الترغيب والترهيب (الترغيب في كلمات يقولها بعد الوضوء) و (الرق) بالفتح جلد رقيق يكتب عليه. (¬2) انظر ص 59 ج 1 تحفة الأحوذي الشرح. (¬3) هي (أ) حديث رقم 2263 ص 112 ج 5 كنز العمال ذكر فيه عن علي هذه الاذكار وقال: فيه خارجة بن مصعب تركه الجمهور وكذبه ابن معين. وقال ابن حبان: كان يدلس عن الكذابين (ب) وحديث 2364 ص 113 وقال: في سنده غير واحد يحتاج إلى معرفته. وفيه أحمد بن مصعب قال في اللسان: متهم بوضع الحديث (جـ) وحديث رقم 2365 ص 112 وقال: وفيه أصرم بن حوشب كان يضع الحديث.

على قدر ما يطيقونه. فالعارف يرى أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك فيستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته (¬1). (فائدة) ذكر بعض الفقهاء أنه يندب قراءة سورة القدر ثلاثا بعد الوضوء (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " من قرأ في أثر وضوئه: أنا أنزلناه في ليلة القدر واحدة، كان من الصديقين. ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء. ومن قرأها ثلاثا يحشره الله محشر الأنبياء " أخرجه الديلمي في مسند الفردوس (¬2) [207]. لكن قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة: حديث قراءة (إنا أنزلناه) عقب الوضوء، لا أصل له، وقال السيوطي: في سنده أبو عبيدة مجهول. (15) الشرب من فضل الوضوء- قال الحنفيون وأحمد والشافعية: يستحب الشرب من فضل ماء الوضوء قائما أو قاعدا مستقبلا القبلة، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرب قائما من فضل وضوئه ومن ماء زمزم. (وعن عبد خير) أن عليا أتى بوضوء أو أتى بإناء فيه ماء فأفرغ على يديه من الإناء فغسلهما ثلاثا (الحديث) وفيه: ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات. ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغرف بيده فشرب. وفي رواية: وشرب فضل وضوئه، ثم قال: هذا طهور. أخرجه أحمد والدارقطني بسند جيد (¬3) [208]. ¬

(¬1) انظر ص 80 ج 1 كشاف القناع (سنن الوضوء). (¬2) انظر ص 438 راموز الأحاديث. (¬3) انظر ص 8 ج 2 - الفتح الرباني. وص 33 سنن الدارقطني.

(16) التنشيف بعد الطهارة: قال الحنفيون والثوري ومالك وأحمد: لا بأس بالتمسح بمنديل ونحوه بعد الطهارة، بل عده في الدر المختار من الآداب (لقول) معاذ: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه. أخرجه البيهقي والترمذى وقال: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث (¬1) [209]. (وعن) أياس بن جعفر عن صحابي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان له منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ. أخرجه البيهقي والنسائي في الكني بسند صحيح (¬2) [210]. والأحاديث في ذلك كثيرة. وهي وإن كان في بعضها مقال إلا أنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا. (والمشهور) عند الشافعية أن المستحب ترك تنشيف الأعضاء، وقيل أنه مباح وقيل مستحب لما فيه من الأحتراز عن الأوساخ ولما تقدم. وقيل: يكره في الصيف دون الشتاء. وهذا كله ما لم تكن هناك حاجة إلى التنشيف كبرد أو التصاق نجاسة، وإلا فلا كراهة قطعا (¬3). (وقال) بعض الشافعية وسعيد بن المسيب: يكره التمسح بمنديل ونحوه (لحديث) أنس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر ولا عمر ولا علي ولا ابن مسعود. ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 1 تحفة الأحوذي (المنديل بعد الوضوء). (¬2) انظر ص 57 ج 1 تحفة الأحوذي الشرح. (¬3) انظر ص 461 ج 1 مجموع النووي.

أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ بسند ضعيف (¬1) [211]. وهو لضعفه لا يحتج به (وعلى) فرض صحته، فهو محمول على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعتاد المسح به (ويؤيده) حديث الأعمش عن سالم عن كريب حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسلا يغتسل به من الجنابة (الحديث) وفيه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض بيده. أخرجه السبعة والبيهقي. وزاد أحمد وأبو داود: "قال الأعمش" فذكرت ذلك لإبراهيم "يعني التيمي" فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأسا. ولكن كانوا يكرهون العادة (¬2) [212]. (وقال) ابن عباس: أنه مكروه في الوضوء دون الغسل. 17 - صلاة ركعتين بعد الوضوء- يندب عند الحنفيين ومالك وأحمد صلاة ركعتين بعد الوضوء في غير وقت كراهة (¬3). ويسن عند الشافعية في أي وقت (لقول) عثمان: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم أتى المسجد فركع فيه ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه. لا تغتروا. أخرجه أحمد والبخاري (¬4) [213]. ¬

(¬1) انظر ص 57 ج 1 تحفة الأحوذي. الشرح. و (ضعيف) لأن فيه سعيد بن ميسرة البصري. قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان يروي الموضوعات. (¬2) أنظر ص 136 ج 2 - الفتح الرباني. وص 266 ج 1 فتح الباري (تفض اليدين من غسل الجناية) وص 230 ج 3 نووي مسلم (صفة غسل الجناية) وص 89 ج 1 - ابن ماجه (المنديل بعد الوضوء) وص 12 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابه. (¬3) أوقات الراهة ثلاثة: بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس، وعند الاستواء حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس. (¬4) انظر ص 308 ج 1 - الفتح الرباني. وص 183 ج 1 فتح الباري (الوضوء ثلاثا) و (لا تغتروا) أي لا تخدعوا بغفران ما تقدم من الذنوب فترتكبوا غيرها معتمدين على المغفرة بالوضوء، فإنها بمشيئة الله تعالى.

(وقال) أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلي ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجلا أو مؤخرا" أخرجه أحمد (¬1) [214]. 5 - مكروهات الوضوء جمع مكروه، وهو لغة ضد المحبوب. واصطلاحا ما طلب تركه طلبا غير جازم وهو عند الحنفيين قسمان (أ) مكروه تحريما. وهو ما ثبت النهي عنه بدليل ظني. وهو إلى الحرام أقرب، كالإسراف في الماء غير الموقوف، وكل ما أدى إلى ترك سنة مؤكدة. (ب) ومكروه تنزيها. وهو ما طلب تركه بلا نهي. وهو إلى الحلال أقرب. كالوضوء إلى غير القبلة، وكل ما أدى إلى ترك سنة غير مؤكدة (وقالت) المالكية: ترك أي سنة من سننه مكروه تنزيها. (وقالت) الشافعية ترك السنة المختلف في وجوبها أو المؤكدة مكروه. وترك غيرهما خلاف الأولى (وقالت) الحنبلية: ترك سنة من سنن الوضوء خلاف الأولى ما لم يرد فيه نهي، وإلا كان مكروها (هذا) ومكروهات الوضوء كثيرة. (منها) الإسراف في الماء: وهو أن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية. وقد اتفق العلماء على أنه مكروه تحريما لو توضأ من ماء مباح أو مملوك "أما الموقوف" على من يتطهر به، ومنه ماء المساجد "فالإسراف فيه حرام" (لحديث) عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد؟ قال أفي الوضوء سرف؟ قال نعم ¬

(¬1) انظر ص 443 ج 6 مسند أحمد (ومن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه).

وإن كنت على نهر جار. أخرجه أحمد وابن ماجه. وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، لكن قال في المرقاة: سنده حسن (¬1) [215]. (ولحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأله عن الوضوء. فأراه ثلاثا ثلاثا وقال: هذا الوضوء، من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق صحيحة. وصححه ابن خزيمة وغيره. أخرجه أبو داود بلفظ "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم (¬2) [216]. (ففيه) دلالة على أن الزيادة في الغسل عن الثلاث اعتداء وفاعله مسيء بتركه المطلوب، ومتعد حد السنة، وظالم بوضع الشيء في غير موضعه ولا خلاف في كراهته (قال) ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم (وقال) أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلي (¬3). (ومنها) التقتير في الماء: وهو ترك المسنون في الغسل، فلو اقتصر على ما دون الثلاث، قيل يأثم أن اعتاد ذلك. وقيل يأثم مطلقا، لما تقدم في رواية أبي داود من قوله عليه الصلاة والسلام: من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم. وقيل لا يأثم لما تقدم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ¬

(¬1) انظر ص 3 ج 2 الفتح الرباني. وص 84 ج 1 - ابن ماجه (القصد في الوضوء) و (السرف) بفتحتين، التجاوز عن الحد في الماء وغيره. (¬2) انظر ص 50 ج 2 - الفتح الرباني. وص 84 ج 1 - ابن ماجه (القصد في الوضوء) وص 72 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء ثلاثا ثلاثا). (¬3) انظر ص 216 ج 1 نيل الأوطار (كراهة ما جاوز الثلاث).

توضأ مرتين وقال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين (الحديث) أخرجه البيهقي (¬1). وهذا هو المختار. وزيادة: أو نقص ضعيفة أو شاذة لأن ظاهرها ذم النقص عن الثلاثة وهو جائر فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف يعبر عنه بأساء أو ظلم. (قال) ابن المواق: إن لم يكن اللفظ شكا من الراوي فهو من الأوهام البينة فإنه لا خلاف في جواز الوضوء مرة ومرتين. والآثار بذلك صحيحة (¬2). (ومنها) مبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق مخافة أن يفسد صومه، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث لقيط بن صبرة. وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. ولفظه عند أحمد "إذا توضأت فأسبغ وخلل الأصابع، وإذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما" (¬3). وعلى الجملة فيكره للمتوضئ كل ما يؤدي إلى ترك سنة أو مستحب على ما تقدم بيانه. (فائدة) قال بعض الفقهاء: يكره استعمال الماء المشمس أي الساخن بالشمس في إناء منطبع غير الذهب والفضة كالنحاس والرصاص في بلد حار. (لقول) عائشة أسخنت ماء في الشمس فأتيت به النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ليتوضأ به فقال: لا تفعلي يا عائشة، فإنه يورث البرص. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه محمد بن مروان السدى مجمع على ضعفه. وأخرجه ¬

(¬1) تقدم رقم 178 ص 240 (تثنية الغسل وتثليثه). (¬2) انظر ص 74 ج 2 - المنهل (الوضوء ثلاثا ثلاثا). (¬3) تقدم رقم 170 ص 237 (ما يسن في المضمة والاستنشاق).

البيهقي من طريق خالد بن إسماعيل وقال: وهذا لا يصح. خالد بن إسماعيل متروك (¬1) [217]. (والمشهور) عند مالك والشافعيةك أنه لا يكره إلا ما قصد تشميسه في قطر حار كالحجاز وفي الأواني النحاسية ونحوها لأنها تورث البرص. أما أواني الفخار والمغشي من النحاس والرصاص والقصدير بما يمنع الزهومة فلا كراهة في استعمال المشمس فيها. (وقالت) الحنبلية: لا يكره استعماله. وبه قال بعض الحنفيين والشافعية وهو المختار، لأن الأصل الإباحة (وأجابوا) عن حديث عائشة بأنه ضعيف باتفاق المحدثين. وقد رواه البيهقي من طرق وبين ضعفها كلها. ومنهم من يجعله موضوعا. (وقال عمر) بن الخطاب لا تغتسلوا بالماء المشمس فإنه يورث البرص. أخرجه البيهقي وهو ضعيف (¬2) [20]. (فإن) فيل إسماعيل بن عياش متكلم فيه (فحصل) من هذا أن المشمس لا أصل لكراهته. ولم يثبت فيه عن الأطباء شيء. (فالصواب) الجزم بأنه لا كراهة فيه، لأنه الموافق للدليل ولنص الشافعي، فإنه قال في الأم: لا أكره المشمس إلا أن يكره من جهة الطب. ونقله البيهقي عن الشافعي في معرفة السنن والآثار (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 214 ج 1 مجمع الزوائد (الوضوء بالشمس) وص 6 ج 1 بيهقي (كراهة التطهير بالماء المشمس). (¬2) انظر ص 6 ج 1 بيهقي (كراهة التطهير بالماء المشمس). (¬3) انظر ص 87 ج 1 مجموع النووي (المياه).

6 - فضل الوضوء قد ورد في فضله أحاديث كثيرة (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه، خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعنه مع الماء. أو مع آخر قطر الماء. فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب" أخرجه مالك وأحمد ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح (¬1) [218]. (وحديث) عبد الله الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه. فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه. فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه. ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له" أخرجه مالك وأحمد والنسائي والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وليس له عله (¬2) [219]. ¬

(¬1) انظر ص 303 ج 2 تيسير الوصول (فضل الوضوء) وص 305 ج 1 - الفتح الرباني. (¬2) انظر ص 304 ج 2 تيسير الوصول، وص 302 ج 1 - الفتح الرباني و (الصنابحي) بضم الصاد وكسر الباء، نسبة إلى صنابح، بطن من مراد. و (الأشجار) جمع شفر بضم فسكون، أصل منبت الشعر في الجفن.

(وعن) أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: اسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة" أخرجه أحمد وابن حبان (¬1) [220]. 7 - هدى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوضوء كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه، وربما صلى الصلوات بوضوء واحد (وكان) يتوضأ بالمد تارة، وبثلثيه تارة، وبأزيد منه تارة (وكان) من أيسر الناس صبا لماء الوضوء (وكان) يحذر أمته من الإسراف فيه. وصح عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا. وفي بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثا (وكان) يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين، وتارة بثلاث (وكان) يصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه. ولا يمكن في الغرفة إلا هذا وأما الغرفتان والثلاث، فيمكن فيهما الفصل والوصل، إلا أن هده صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان الوصل بينهما كما تقدم عن عبد الله ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة. فعل ذلك ثلاثا. وفي لفظ تمضمض واستنثر بثلاث غرفات (¬2). فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق (وكان) يستنشق بيده اليمني ويستنثر باليسري (وكان) يمسح راسه كله. وتارة يقبل بيديه ويدبر. والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء، أفرد مسح الرأس. هكذا جاء عنه صريحا. ¬

(¬1) انظر ص 306 ج 1 الفتح الرباني (فضل الوضوء والمشي إلى المساجد). (¬2) تقدم رقم 163 ص 234 (حكم المضمضة والاستنشاق).

ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض راسه ألبته. ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة (ولم يتوتضأ) صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا تمضمض واستنشق. ولم يحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة (وكذلك) كان وضوءه مرتبا متواليا لم يخل به مرة واحدة ألبته (وكان) يمسح على راسه تارة، وعلى العمامة تارة وعلى الناصبة والعمامة تارة (وأما) اقتصاره على الناصية مجردة، فلم يحفظ عنه كما تقدم (وكان) يغسل رجليه إذا لم يكونا في خفين ولا جوربين. ويمسح عليهما إذا كانا في الخفين (وكان) يمسح أذنيه مع رأسه. وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما (ولم) يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية في أوله وقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" في آخره. ومما يقال بعد الوضوء أيضا: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك (ولم) يكن يقول في أوله نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة. ولا هو ولا أحد من أصحابه ألبته. ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا باسناد صحيح ولا ضعيف (ولم) يتجاوز الثلاث قط (¬1). 8 - كيفية الوضوء أجمع حديث في هذا ما روى عن سيدنا عثمان وعلي رضي الله عنهما: (أ) قال حمران بن أبان: دعا عثمان رضي الله عنه بماء فسكب على يمينه فغسله. وفي رواية "فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما" ثم أدخل يمينه في الإناء فغسل كفية ثلاثا. ثم غسل وجه ثلاث مرار، ومضمض واستنشق واستنثر. وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاث مرات. ثم مسح رأسه. وأمر بيديه على ظهر أذنيه. ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات. ثم قال: سمعت رسول الله ¬

(¬1) انظر ص 48 ج 1 زاد المعاد.

صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما، غمر له ما تقدم من ذنبه". وفي روايه "غفر له ما كان بينهما وبين صلاته بالأمس" أخرجه أحمد والشيخان (¬1) [221]. (ب) (وقال عبد خير): جلس علي رضي الله عنه بعد ما صلى الفجر، ثم قال لغلامه ائتني بطهور، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست ونحن جلوس ننظر إليه. فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى، ثم غسل كفيه. ثم أخذ بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرار، كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى. فعل ذلك ثلاث مرات وفي رواية: فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحدة، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم أدخل يديه اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء، ثم رفعها بما حملت من الماء، ثم مسحها بيده اليسرى ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما مرة. وفي رواية "ثبدأ بمقدم راسه إلى مؤخره"، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليمنى، ثم غسلها بيده اليسرى، ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى فغرف بكفه فشرب فضل وضوئه. ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود، والنسائي بسند جديد (¬2) [222]. ¬

(¬1) انظر ص 6 ج 2 - الفتح الرباني. وص 182 ج 1 فتح الباري (الوضوء ثلاثا ثلاثا). وص 109 ج 3 نووي مسلم (صفة الوضوء وكماله). (¬2) انظر ص 7 ج 2 - الفتح الرباني. وص 26 ج 2 - المنهل العذب (صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم). و (الطست) بفتح الطاء فسكون السين المهملتين. وحكي بالشين المعجمة، إناء من نحاس.

9 - نواقض الوضوء نواقض جمع ناقض، والمراد به ما يخرج الوضوء عن إفادة المقصود منه، وهو استباحه ما لا يحل بدونه (والناقض) قسمان: حقيقي وهو ما كان حدثا بنفسه وحكمي وهو ما يعد سببا للحدث غالبا. (فالأول) كل ما خرج من السبيلين على وجه الصحة، سواء أكان معتادا كالبول، أم غير معتاد كالحصاة، نجسا أو غيره كريح من الدبر، لقوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) (¬1)، وذلك أن الغائط في الأصل المطمئن من الأرض يقصد للحاجة، والمجئ منه ليس ناقضا، فهو كناية عما يلزمه من الخارج (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا ابا هريرة قال: فساء أو ضراط. أخرجه أحمد والشيخان (¬2) [223]. والحدث يشمل كل خارج من السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك، تنبيها بالأخف على الأغلظ، ومنه: (أ) "الودي" بسكون الدال المهملة. وهو ماء أبيض ثخين يخرج عقب البول غالبا. (ب) "والمذي" بسكون الذال المعجمة: وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند ¬

(¬1) سورة المائدة: آية 6. (¬2) انظر ص 75 ج 2 - الفتح الرباني (الوضوء من الربح). وص 166 ج 1 - فتح الباري (لا تقبل صلاة بغير طهور). وص 104 ج 3 نووي مسلم (وجوب الطهارة للصلاة).

ملاعبة من يشتهي أو النظر إليه والفكر ونحوهما من كل من يؤدي إلى نزول المذي فهما ناقضان للوضوء (لقول) ابن عباس: المني والودي والمذي. أما المني فهو الذي منه الغسل، وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك، أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة. أخرجه البيهقي (¬1) [21]. (وقال) على كرم الله وجهه: كنت رجلا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغسل" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2) [224]. وما تقدم ناقض للوضوء اتفاقا (واختلفوا) في القيء والقلس والدم يخرج من الجسد. (أ) (أما القيء) فقال الحنفيون وأحمد وإسحاق: أنه ينقض الوضوء إذا كان ملء الفم، بأن لم يقدر على إمساكه، سواء أكان ماء أم طعاما لم يتغير أو مرة صفراء أو علقا وهو ما اشتدت حمرته وجمد. وأما ما نزل من الرأس فإن كان علقا لم ينقض، وإن كان سائلا نقض ولو قل (لحديث) معدان ابن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاء فتوضأ. قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت ذلك له، فقال: صدق أنا صببت له وضوءه. أخرجه أبو دواد والترمذي وقال: قد رأى غير واحد من أهل العلم الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد ¬

(¬1) انظر ص 169 ج 1 سنن البيهقي (المذي والودي لا يوجبان الغسل). و (المذاكير) الذكر والأنثيان. (¬2) انظر ص 76 ج 2 - الفتح الرباني. وص 94 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من المذي). وص 112 ج 1 تحفة الأحوذي (في المني والمذي).

وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء. وهو قول مالك والشافعي، وقد جود حسين المعلم هذا الحديث وهو أصح شيء في هذا الباب (¬1) وقال ابن مندة: هذا إسناد متصل صحيح (¬2) [225]. (ب) - (والقلس) بفتحتين أو بفتح فسكون، ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه ولم يعد فإن عاد فهو القيء (¬3)، وهو ناقض للوضوء كالقيء عند الحنفيين (لحديث) إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من إصابة قيء أو رعاف أو قلس أو مذي: فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته. وهو في ذلك لا يتكلم". أخرجه الدارقطني (¬4) [226] وأعله غير واحد، بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة. وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه مرسلا. قال أحمد: الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولذا ضعفه ابن معين. (وقال) أحمد: القلس لا ينقض الوضوء لضعف الحديث (وقالت) المالكية ¬

(¬1) انظر ص 315 ج 2 تيسير الوصول (القيء). وص 89 ج 1 تحفة الأحوذي (الوضوء من القيء والرعاف). (¬2) انظر ص 143 ج 1 - الجوهر النقي على البيهقي. (¬3) كذا في النهاية ص 272 ج 3، وقال في المصباح: القلس طعام أو شراب خرج إلى الفم- سواء ألقاه أو أعاده إلى بطنه- إذا كان ملء الفم أو دونه فإذا غلب فهو قيء. (¬4) انظر ص 56 الدارقطني (في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة).

والشافعية: القيء والقلس لا ينقضان الوضوء عملا بالبراءة الأصلية (ولقول) معاذ ابن جبل: ليس الوضوء من الرعاف والقيء ومس الذكر وما مست النار بواجب. أخرجه البيهقي. وفيه مطرف ابن مازن تكلموا فيه وهو ضعيف (¬1) [22]. (وأجابوا) عما استدل به الأولون بأنه ضعيف (ومنه) تعلم أن الأدلة لا تنهض للزوم الوضوء من القيء والقلس ولا لعدمه، ولكن يطلب الوضوء خروجا من الخلاف. (جـ) (الدم الخارج من الجسد) هو ناقض للوضوء إذا سال إلى ظاهر الجسد عند الحنفيين والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق، لحديث ابن جريج المتقدم (ولقول) عائشة: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت: يا رسول الله إني ارماة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة، قال: لا إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم توضئ لكل صلاة حتي يجيء ذلك الوقت. أخرجه السبعة (¬2) [227]. وجه الدلالة أنه علل وجوب الوضوء بأنه دم عرق وكل الدماء كذلك. (وعن) ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع فبني على ما صلى ولم يتكلم. أخرجه مالك والبيهقي وصححه (¬3) [23]. ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم). (¬2) انظر ص 76 ج 2 - الفتح الرباني. وص 230 ج 1 فتح الباري (باب غسل الدم) وص 16 ج 4 نووي مسلم (المستحاضة وغسلها) وص 78 ج 3 المنهل العذب (المرأة تستحاض) وص 64 ج 1 مجتبي (ذكر الاستحاضة ... ). وص 118 ج 1 تحفة الأحوذي (في المستحاضة). (¬3) انظر ص 75 ج 1 - الزرقاني على الموطأ (الرعاف). ص 141 ج 1 الجوهر النقي على البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم).

(وقال) مالك والشافعي: الدم الخارج من الجسد لا ينقض الوضوء (لحديث) أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه. أخرجه الدارقطني والبيهقي. وفيه صالح بن مقاتل ضعيف (¬1) [228]. (وعن) ابن عباس أنه كان يرعف فيخرج فيغسل الدم ثم يرجع فيبني على ما قد صلى. أخرجه مالك (¬2) [24]. وقد تواترت الأخبار على أن المجاهدين كانوا يذوقون آلام الجراحات فلا يستطيع أحد أن ينكر سيلان الدم من جراحاتهم. وأنهم كانوا يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمرهم بإعادة وضوئهم للصلاة من أجل ذلك. وهذا هو الراجح (وحديث) ابن جريج الذي استدل به الأولون (ضعيف) باتفاق الحفاظ كما علمت (وحديث) فاطمة بنت أبي جيش خاص بأرباب الأعذار كسلس البول. والناقض الحكمي ثمانية أمور: (أ) النوم- وقد اختلف فيه على سبعة مذاهب: (الأول) لا ينقض الوضوء على أي حال كان، وهو قول ابي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب. واستدلوا (أ) بحديث أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون. أخرجه مسلم وابو داود وقال: زاد شعبة عن قتاده على ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث). (¬2) انظر ص 75 ج 1 - الزرقاني الموطأ الرعاف.

عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبيهقي والدارقطني وقال صحيح (¬1) [229]. (قال) ابن المبارك هذا عندنا وهم جلوس، وعلى هذا حمله الجمهور. (ب) وبحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا، ثم رقدنا ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬2) [230]. وهو محمول علىة النوم الخفيف عند الجمهور. (الثاني) أن النوم ينقض الوضوء بكل حال قليله وكثيره وهو مذهب الحسن البصري وإسحاق بن راهوية. وقول غريب للشافعي (قال) ابن المنذر: وبه أقول (لحديث) علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني. [231]. ¬

(¬1) انظر ص 317 ج 2 - تيسير الوصول (النوم والإغماء .. ) وص 242 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من النوم). وص 119 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من النوم قاعدا). (¬2) انظر ص 34 ج 2 فتح الباري (النوم قبل العشاء لمن غلب). وص 139 ج 5 نووي مسلم (وقت العشاء). وص 237 ج 2 - المنهل العذب (الوضوء من النوم). و (شغل) بالبناء للمفعول (عنها) أي عن صلاة العشاء الأخرة.

(قالوا) أمر بالوضوء من النوم، ولم يفرق فيه بين قليل النوم وكثيره (ورد) بأن الحديث ضعيف، لأنه من رواية بقية عن الوضين ابن عطاء، قال الجوزجاني: واه. وعلى فرض صحته فهو محمول على نوم غير المتمكن. (الثالث) أن النوم الثقيل ينقض مطلقا، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية، لمفهوم قوله في حديث أنس المتقدم: "حتى تخفق رءوسهم" فإن خفقان الرأس يكون في النوم الخفيف، ومعه يشعر الناعس بالخارج منه، بخلاف الثقيل (ومشهور) مذهب مالك أن النوم الثقيل الطويل ينقض اتفاقا، وكذا القصير على المشهور، أما الخفيف فغير ناقض إلا أنه يستحب الوضوء من طويله. (الرابع) إذا نام على هيئة من قيئات المصلي كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينقض وضوء. وسواء أكان في الصلاة أم لم يكن. وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه، أنتقض. وهو مذهب الحنفيين وداود الظاهرى وقول للشافعي (لحديث) يزيد الدلاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضم جنبه فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله". أخرجه البيهقي وقال: تفرد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني. قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء. ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس

من قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية. ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة (¬1) [232]. "ورده" في الجوهر النقي بأن صاحب الكمال ذكر أنه "أي الدالاني" سمع عن قتادة، وصحح الحديث ابن جرير الطبري وقال الدالاني: لا ندفعه عن العدالة والأمانة. والأدلة تدل على صحة خبره، لنقل العدول من الصحابة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه. ومن اضطجع فعليه الوضوء (¬2). (وعن) يزيد بن قسيط قال سمعت أبا هريرة يقول: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع إذا اضطجع توضأ. أخرجه البيهقي بسند جيد وقال هذا موقوف (¬3) [25]. (الخامس) أنه لا ينقض إلا بنوم الراكع والساجد. وهو رواية عن أحمد. ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض (السادس) أنه لا ينقض إلا نوم الساجد. ويروي أيضا عن أحمد. ولعل وجهه أن مظنة الانتقاض في السجود أكثر منها في الركوع (السابع) أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الارض لا ينقض، سواء أقل أم كثر، وسواء أكان في الصلاة أم خارجها. وهذا مذهب الشافعية لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا أو غيرها من الحالا، بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو بغيرها متمكنا. وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب، فلا ينقض الوضوء بشيء من ذلك (¬4) (واستدلوا). ¬

(¬1) انظر ص 121 ج 1 سنن البيهقي (نوم الساجد). (¬2) انظر ص 121 ج 1 سنن البيهقي (نوم الساجد). (¬3) أنظر ص 122 منه. (¬4) انظر ص 17 ج 2 مجموع النووي.

(أ) بحديث أنس السابق في المذهب الأول (¬1). (ب) وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من نام وهو جالس فلا وضوء عليه فغذا وضع جنبه فعليه الوضوء". أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه الحسن بن أبي جعفر الجفري ضعفه البخاري وغيره. وقال ابن عدى له أحاديث صالحة ولا يتعمد الكذب (¬2) [233]. وقال النووي: حديث ضعيف جدا (¬3). وهذا أقرب المذاهب وبه يجمع بين الأدلة. والأحوط لمن نام على أي هيئة كانت أن يتوضأ خروجا من الخلاف (فوائد) (الأولى) خرج بالنوم النعاس وهو قسمان ثقيل وهو كالنوم. وخفيف وهو لا ينقض الوضوء اتفاقا (لقول) ابن عباس: قام رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم يصلي في الليل فقمت إلى جنبه الأيسر فجعلني في شقة الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمه أذني، فصلي احدى عشرة ركعة. أخرجه الشيخان (¬4) [234]. (والفرق) بين النوم والنعاس أن النوم فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها. والنعاس لا يغلب على العقل، وإنما تفتر به الحواس بغير سقوط حاسة. ومن علامات النعاس أن يسمع كلام من بجواره وغن لم يفهم معناه، ومن علامات النوم الرؤيا. (الثانية) لوشك أنام أم نعس؟ فلا وضوء عليه ويستحب أن يتوضأ (ولو) تيقن النوم وشك أنام متمكنا أم لا؟ لم ينتقض وضوءه ¬

(¬1) تقدم رقم 229 ص 265 (النوم). (¬2) انظر ص 247 ج 1 مجمع الزوائد (في الوضوء من النوم). (¬3) انظر ص 13 ج 2 مجموع النووي. (¬4) انظر ص 242 ج 1 نيل الأوطار (الوضوء من النوم). و (أغفى) أي نام نوما خفيفا.

ويستحب الوضوء (ولو) نام جالسا ثم زالت أليتاه أو إحداهما عن الارض فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوءه لمضي لحظة وهو نائم غير متمكن (وإن) زالت بعد الانتباه أو معه أو شك في وقت زوالها لم ينتقض وضوءه حتى ولو نام متمكنا مستندا على حائط أو غيره لم ينتقض وضوءه ولو كان بحيث لو أزيل المستند لسقط. ولو نام محتبيا (¬1) لا ينتقض وضوءه كالمتربع وقيل ينتقض كالمضطجع وقيل أن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق أليتاه على الأرض انتقض وضوءه وإن كان سمينا بحيث ينطبقان لم ينتقض (¬2). (الثالثة) ثبت أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. ولذا لا ينتقض وضوءهم بالنوم على أي حال. (قالت) عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم صلي ثلاثا، قالت فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال يا عائشة: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي. أخرجه الجماعة (¬3) [235]. وأخرجه البيهقي وقال: قال أنس وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم (¬4) (وعن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلي ولم يتوضأ. أخرجه أحمد والشيخان (¬5) [236]. ¬

(¬1) (الاحتياط) وضع الاليتين على الأرض ونصب الساقين منضمين إلى البطن. (¬2) انظر ص 74 ج 4 شرح مسلم (نوم الجالس). (¬3) انظر ص 221 ج 1 زرقاني الموطأ (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر) (. وص 16 ج 5 - الدين الخالص طب 3 عدد ركعات التراويح). (¬4) انظر ص 122 ج 1 سنن البيهقي (نوم المساجد). (¬5) انظر ص 80 ج 2 - الفتح الرباني (نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه).

(وعن) عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نام حتى سمع له غطيط، فقام فصلى ولم يتوضأ. فقال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محفوظا. أخرجه أحمد والبيهقي وصححه النووي (¬1) [237]. (وقد) نقل منلا على قارئ في شرح الشفاء الإجماع على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نواقض الوضوء كالأمة إلا ما صح من استثناء النوم. "وأما ما قيل" من أنه لا نقض من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مطلقا، وإنما وضوءهم تشريع للأمم "فلم نقف" له على دليل. 2 - غياب العقل: بإغماء أو جنون أو سكر ولو بمباح (كينج أو دواء) وهو ناقض للوضوء اتفاقا قل أو كثر متمكنا أو غير متمكن. (أ) أما الإغماء فهو مرض يزيل القوى ويستر العقل وهو أشد من النوم، فلذا كان ناقضا مطلقا بالإجماع (لقول) عائشة: ثقل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أصلي الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب. ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلي الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلي الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلاة العشاء الآخرة. فأرسل إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس (الحديث). أخرجه الشيخان (¬2) [238]. ¬

(¬1) انظر ص 81 ج 2 - الفتح الرباني (نوم النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه). (¬2) انظر ص 318 ج 2 تيسير الوصول (النوم والإغماء). و (ثقل) اشتد مرضه. و (المخضب) بكسر فسكون ففتح، إناء واسع. و (ينوء) أي ينهض بجهد كيقوم وزنا.

(ب) والجنون مرض يزيل العقل ويزيل القوى وهو ناقض للوضوء اجماعا لأنه أشد من الإغماء. (جـ) والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء، وهو سرور يغلب على العقل بمباشرة ذلك ولا يزيله، ويظهر أثره بالتمايل وتلعثم الكلام، وهو كالإغماء اتفاقا. 3 - لمس المرأة: قال ابن مسعود وابن عمر والزهري والشافعية وغيرهم: لمس المرأة غير المحرم ينقض الوضوء لقوله تعالى: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) من آية (6) سورة المائدة. (قالوا) صرحت الأية بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء، وهو حقيقة في لمس اليد وألحق به الجس بباقي البشرة. ويؤيد بقاءه على معناه الحقيقي، قراءة "أو لمستم" فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع (ولحديث) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه رجل وقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا وقد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل (الحديث). أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي (¬1) [239]. وفيه انقطاع لأن ابن أبي ليلي لم يسمع من معاذ. فقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم السائل بالوضوء من لمسه المرأة. (وعن) سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه كان يقول: قبلة الرجل ارمرأته ¬

(¬1) انظر ص 49 - الدارقطني. وص 125 ج 1 سنن البيهقي (الوضوء من الملامسة).

وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده، فعليه الوضوء. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي. ورواه عن ابن مسعود بلفظ: "القبلة من اللمس وفيها الوضوء واللمس مادون الجماع (¬1) " [26]. (وقال) الحنفيون: لا ينقض من اللمس إلا المباشرة الفاحشة. وهي أن يتماس الفرجان بلا حائل مع الانتشار ولو كانت بين رجلين أو امرأتين أو رجل وغلام فيبطل وضوءهما وإن لم يوجد بلل عند أبي حنيفة وابي يوسف لأنها لا تخلوا غالبا عن خروج مذي (وعن) محمد: لا تنقص ما لم يظهر شيء. أما لمس الرجل امرأة ولو غير محرم بلا مباشرة قاحشة فلا ينقض الوضوء عند الحنفيين (لحديث) عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله وعلى آله وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال عروة: قلت لها من هي إلا أنت؟ فضحكت. أخرجه أحمد والأربعة والدارقطني بسند رجاله ثقات. وأخرجه الزار بسند حسن (¬2) [240]. وقال ابن عبد البر: صححه الكوفيون وأثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له. ¬

(¬1) انظرص 81 ج 1 - الزرقاني على الموطأ (الوضوء من قبلة الرجل امرأته). وص 34 ج 1 بدائع المنن. وص 124 ج 1 سنن البيهقي (الوضوء من الملامسة). (¬2) انظر ص 89 ج 2 - الفتح الرباني. وص 316 ج 2 تيسير الوصول (لمس المرأة). وص 93 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من القبلة) والحديث صحيح "وأما قول الترمذي" سمعت محمد بن إسماعيل- يعني البخاري- يضعف هذا الحديث. ... وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة. انظر ص 88 ج 1 تحفة الأحوذي (ترك الوضوء من القبلة) "فغير مسلم" فإن سماع حبيب من عروة ثابت. قال أبو داود: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثا صحيحا .. انظر ص 189 ج 2 المنهل العذب (وحديث) حمزة عن حبيب هو ما رواه عن عروة أن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. أخرجه الترمذي في الدعوات وقال: حسن غريب [241]

(وأجابوا) (أ) عن الأية بأن المراد بالملامسة فيها الجماع مجازا بقرينة هذه الأحاديث الصريحة في عدم النقض باللمس. وهو تفسير على وابن عباس الذي علمه الله تأويل كتابه (ب) (وعن حديث) معاذ، بأن أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجل بالوضوء يحتمل أنه لأجل المعصية. فإن الوضوء من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروجد المذي فهي من مكفرات الذنوب، أو لأن الحالة التي وصفها مظنة خروج المذي فهي من المباشرة الفاحشة (جـ) وعما روى عن ابن عمر وبان مسعود، بأنه لا حجة فيه، لأنه قول صحابي لا سيما وأنه وقع معارضا لما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (وقال) مالك والليث بن سعد وأحمد في المشهور عنه: إن اللمس إن كان بشهوة نقض وإلا فلا، جمعا بين الأية والأحاديث. فحملوا اللمس في الآية على ما إذا كان بشهوة، وفي الأحاديث على ما إذا كان بدونها، فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد لمس عائشة وهو في الصلاة وهي ليست حال شهوة. (وهذا) التفصيل عند مالك في غير القبلة في الفم. أما القبلة فيه فتنقض مطلقا ما لم تكن لوداع أو رحمة. واللامس والملموس عند مالك في ذلك سواء. وللشافعي في الملموس قولان: أشهرهما نقض الوضوء (وعلى الجملة) ففي نقض الوضوء وعدمه باللمس خلاف. والقول بعدم النقض أقوى دليلا، فهو الراجع. 4 - مس الذكر- قال مالك والشافعي وأحمد واسحاق: مس الذكر ناقض للوضوء، لا فرق بين مسه عمدا أو نسيانا (لحديث) بسرة بنت صفوان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ

أخرجه مالك وأحمد والأربعة، وصححه الترمذي والدارقطني، وقال البخاري: هو اصح شيء في الباب (¬1) [242]. (وعن) عائشة أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون. أخرجه الدارقطني (¬2) [243]. والدعاء بالشر لا يكون إلا على ترك واجب (وقالت) أم حبيبة: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ. أخرجه ابن ماجه وكذا أحمد عن زيد بن خالد (وقال) ابن السكن: لا أعلم له علة (¬3) [244]. ولفظ (من) يشمل الذكر والأنثى، ولفظ (الفرج) يشمل القبل والدبر من الرجل والمرأة. وهو حجة على المالكية حيث خصصوا نقض الوضوء بمس الرجل ذكره وأنه لا ينقض بمسه الأنثيين والدبر، ولا بمس المرأة فرجها على الصحيح (¬4)، ويرده أيضا حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده "عبد الله بن عمرو" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالك أيما رجل مس ذكره فليتوضأ. وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ. أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والترمذي في العلل وقال عن البخاري: وهذا عند صحيح (¬5) [245]. (وقد اختلفوا) فيما يكون به المس الناقض (فقالت) المالكية: المس الناقض ¬

(¬1) انظر ص 86 ج 2 - الفتح الرباني. وص 317 ج 2 تيسير الوصول (لمس الذكر) وص 91 ج 1 - ابن ماجه. وص 53 سنن الدارقطني (ما روى في لمس القبل والدبر). (¬2) انظر ص 54 منه (ما روي في لمس القبل والدبر .. ). (¬3) انظر ص 91 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء من مس الذكر). وص 84 ج 2 - الفتح الرباني. (¬4) انظر ص 136 ج 1 - الفواكه الدوانب. (¬5) انظر ص 85 ج 2 - الفتح الرباني. وص 54 سنن الدارقطني.

يكون بباطن الكف أو جنبه، أو بباطن الأصابع أو بجنبها أو برءوسهاز لا بظفر ولا بظهر كف، ولا ذراع (وقالت) الحنبلية: يكون بباطن الكف وظاهرها وجوانبها، لا بظفر (وقالت) الشافعية: يكون بباطن الكف فقط، لا برءوس الاصابع ولا بجوانبها ولا بظهر الكف (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من افضى بيده على ذكره ليس دونه ستر، فقد وجب عليه الوضوء. أخرجه أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط (¬1) [246]. وفي سندهيزيد بن عبد الملك ضعيف. لكن أخرجه ابن حبان من طريق نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك، كلاهما عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وقال: احتججنا في هذا بنافع دون يزيد. ولذا صحح الحديث وصححه أيضا الحاكم وابن عبد البر من هذا الوجه. (قال) الحافظ في التلخيص: احتج أصحابنا بهذا الحديث في أن النقض إنما يكون إذا مس الذكر بباطن الكف، لما يعطيه لفظ الأفضاء، ومفهوم الشرط يدل على أن غير الإفضاء لا ينقض، فيكون تخصيصا لعموم المنطوق. لكن نازع في دعوى أن الإفضاء لا يكون إلا بباطن الكف غير واحد (قال) ابن سيده في المحكم: أفضى فلان إلا فلان وصل إليه. والوصول أعم من أن يكون بظاهر الكف وباطنها (¬2). (وقال) علي وابن مسعود والثوري والحنفيون: إن مس الذكر غير ناقض للوضوء. (لقول) طلق بن علي: جاء رجل كأنه بدوى فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما توضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال بضعة منه. أخرجه أحمد والبيهقي والطحاوي والثلاثة. وقال الترمذي: هذا ¬

(¬1) انظر ص 85 ج 2 - الفتح الرباني. وص 131 ج 1 سنن البيهقي (الالوضوء من مس الذكر). (¬2) انظر ص 46 - التلخيص الجير.

الحديث أحسن شيء يروي في هذا الباب. وقال علي بن المديني: هو أحسن من حديث بسرة. وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم (¬1) [247]. (ورد) بأنه قد ضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي لأن فيه قيس بن طلق مجهول ولا تقوم به حجة (وادعي) نسخة ابن حبان والطبراني وغيرهما. (وقال) البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة احتجا بجميع رواته. (ويؤيد) حديث بسرة أن حديث طلق موافق لما كان عليه الأمر من قبل. وحديث بسرة ناقل عنه فيصار إليه وبأنه أرجح، لكثرة طرقه وصحتها، وكثرة من صححه من الائمة، وكثرة شواهده، ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار وهم متوفرون. (وقد روى) طلق بن علي نفسه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من مس فرجه فليتوضأ أخرجه الطبراني في الكبير وقال: لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة الأحماد بن محمد (¬2) [248]. وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد وهما عندي صحيحان ويشبه أن يكون طلق سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة (¬3). (فالظاهر) ما ذهب إليه الأولون. ¬

(¬1) انظر ص 88 ج 2 - الفتح الرباني بلفظ: إنما هو بضعة. وص 134 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من مس الفرج) وص 316 ج 2 تيسير الوصول (لمس الذكر). و (مضغة) بضم فسكون (وبضعة) بفتح فسكون، أي قطعة لحم منه، فكما لا ينقض الوضوء بمس الجسد، لا ينتقض بمس الذكر، لأنه جزء منه. (¬2) انظر ص 245 ج 1 مجمع الزوائد (من مس فرجه). (¬3) انظر ص 245 ج 1 مجمع الزوائد (من مس فرجه).

5 - أكل لحم الإبل: (قال) إسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وأحمد: ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل ولو نيئا أو تناوله جاهلا. وروى عن الشافعي واختاره البيهقي (لحديث) جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتعوضأت، وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل (الحديث). أخرجه أحمد ومسلم. وهذا لفظه (¬1) [249]. (وقال) الجمهور: أن الوضوء لا ينقضه أكل لحم الإبل. وبه قال الحنفيون ومالك والشافعي (لقول) جابر: كان آخر الأمرين للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بأسانيد صحيحة. ولذا صححه النووي (¬2) [250]. (ويشهد) له حديث محمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل آخر أمريه لحما ثم صلى ولم يتوضأ. أخرجه الطبراني في الكبير، قال ¬

(¬1) (انظر ص 93 ج 2 - الفتح الرباني. وص 48 ج 4 نووي مسلم) الوضوء من لحوم الإبل (والسر في إيجاب الوضوء من أكلها على قول من قال به، إنها كانت محرمة في التوراة. واتفق جمهور أنبياء بني إسرائيل على تحريمها. فلما أباحها الله لنا شرح الوضوء منها لمعنيين (أحدهما) أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا. و (ثانيهما) أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من أباحتها بعد ما حرمها الأنبياء من بني إسرائيل، فإن النقل من التحرم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب لاطمئنان نفوسهم. أنظر ص 141 ج 1 حجة الله البالغة (موجبات الوضوء). (¬2) انظر ص 218 ج 2 - المنهل العذب (ترك الوضوء مما مست النار). وص 40 ج 1 مجتبي (ترك الوضوء مما غيرت النار).

الهيشمي: وفيه يونس بن أبي خالد ولم أر من ذكره (¬1) [251]. (وهو) عام في لحم الإبل وغيرها. والأصل البراءة فلا يصار إلى غسرها إلا بناقل صريح ولم يوجد. وهذا هو الراجح لقوة أدلته (وأجابوا) عن أدلة المخالف بأن المراد بالوضوء فيها الوضوء اللغوي لا الشرعي (قال الخطابي) وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم متأول على الوضوء الذي هو النظافة ونفي الزهومة. كما روى: توضئوا من لحوم الإبل فإن له دسما. ومعلموم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم. فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفا إلى غسل اليد، لوجود سببه دون الوضوء الذي هو من أجل رفع الحدث، لعدم سببه أهـ بتصرف (¬2). 6 - القهقهة في الصلاة: (قال) مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ودواد الظاهرى والجمهور: ان القهقهة في الصلاة تبطلها دون الوضوء (لقول) أبي سفيان الواسطي: سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يضحك في الصلاة، فقال: يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء. أخرجه البيهقي من عدة طرق (¬3) [27]. (وقال) الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الصوري والحنفيون: أن الوضوء ينقضه قهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود إذا سمعه جيرانه وإن لم تبد أسبابه (لقول) معبد بن أبي معبد الخزاعي: بينما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة إذ أقبل أعمى يريد الصلاة فوقع في زبية، فاستضحك ¬

(¬1) انظر ص 252 ج 1 مجمع الزوائد (ترك الوضوء مما مست النار). (¬2) انظر ص 67 ج 1 معالم السنن (الوضوء من لحوم الآبل). (¬3) انظر ص 144 ج 1 سنن البيهقي (ترك الوضوء من القهقهة في الصلاة).

القوم حتى قهقهوا، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه أبو حنيفة في مسنده والدارقطني وأبو يوسف في الآثار (¬1) [252]. "وما قيل" من أن معبدا لا صحبة لا فالحديث مرسل "رد" بأن معبدا الذي لا صحبة له هو معبد الجهني. ومعبد هذا خزاعى ذكره ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة (¬2) (وقال) عطية بن بقية: حدثني أبي حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن عطاء عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من ضحك في الصلاة قهقة فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه البيهقي وابن عدى في الكامل (¬3) [253]. (وقول) ابن الجوزى فى العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح فإن بقية من عادته التدليس وكأنه سمعه من بعض الضعفاء فحذف اسمه (مردود) بأن بقية صدوق قد صرح بالتحديث. والمدلس الصدوق إذا صرح بذلك زالت تهمة تدليسة (¬4) قال فى الجوهر النقى ثم ذكر البيهقى عن الشافعى أنه لو ثبت حديث الضحك فى الصلاة لقلنا به. (قلت) مذهبه أن المرسل إذا أرسل من وجه آخر أو أسند يقول به. الحديث أرسل من وجوه، وأسند كما مر فيلزمه أن يقول به. (قال) ابن حزم: كان يلزم المالكيين والشافعيين لشدة تواترة عن عدد من أرسله. ¬

(¬1) انظر ص 51 ج 1 نصب الراية. وص 65 سنن الدارقطني. و (زبية) كحفرة وزنا ومعنى. (¬2) ولو سلم أنه معبد الجهني فلا نسلم أنه لا صحبة له فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب ذكره الواقدي في الصحابة وقال: أسلم قديما وهو أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح. أنظر ص 146 ج 1 - الجوهر النقي (الوضوء من القهقهة). (¬3) انظر ص 147 منه. وص 48 ج 1 نصب الراية. (¬4) انظر ص 48 منه. وص 147 ج 1 - الجوهر النقى.

(قلت) ويلزم الحنبلية أيضا لأنهم يحتجون بالمرسل. وعلى تقدير أنهم لا يحتجون به، فأقل أحواله أن يكون ضعيفا. والحديث الضعيف عندهم مقدم على القياس الذى اعتمدوا عليه فى هذه المسألة (فإن قيل) القياس يقضى ألا نقض بالقهقهة، لأنها ليست حدثا ولا سبب حدث (قلنا) لزم الوضوء بها بالنص عقوبة وزجرا وهو موافق للقياس. لأنها ليست حدثا. وعليه يجوز مس المصحف بعدها بلا طهارة. وينبغى ترجيحه لموافقته والأحاديث (¬1). ومنه تعلم رد قول النووى: أما ما نقلوه عن أبى العالية ورفقته فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث ولم يصح فى هذه المسالة حديث (¬2). 7 - الشك فى الحدث: (قالت) المالكية فى المشهور عنهم: أن الوضوء ينتقض بالشك فى الحدث قبل الدخول فى الصلاة. ولا يجوز له الدخول فيها إلا بطهارة متيقنة. أما من شك فى أثناء الصلاة، فإنه يتمادى ولا يقطعها لحرمتها ما لم يتبين حدثه. فإن تبين طهره بعد فلا شئ عليه. وأن دام على شكه أو تبين حدثه، أعاد الوضوء والصلاة، لظاهر حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال: شكى إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ " أى الحدث " فى الصلاة. قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود (¬3) {254}. (قالوا) ولافرق بين من كان فى الصلاة وغيره أن من دخل الصلاة دخل بوجه جائز فلا تبطل الصلاة التى دخل فيها إلا بيقين، وهو ما نص عليه فى ¬

(¬1) انظر ص 42 ج 1 - البحر الرائق (نواقض الوضوء). (¬2) انظر ص 61 ج 2 - مجموع النووى. (¬3) انظر ص 78 ج 2 - الفتح الربانى. وص 168 ج 1 فتح البارى (لا يتوضأ من الشك حتى يستقين) وص 49 ج 4 نووى مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث فله أن يصلى بطهارته). وص 175 ج 2 - المنهل العذب (إذا شك فى الحدث).

الحديث بخلاف من كان خارج الصلاة فلا يدخلها إلا بطهارة متيقنة (وقالت) الحنفية والشافعية والحنبلية والجمهور: أن الشك فى الحدث لا ينقض الوضوء. ولو كان الشك خارج الصلاة (لحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا وجد أحدكم فى بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ". أخرجه مسلم والترمذى (¬1) {255}. (والمراد) بسماع الصوت ووجدان الريح، تيقن وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بالإجماع (والحديث) يدل على طرح الشكوك العارضة لمن فى الصلاة والوسوسة التى أخبر عنها صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأناه من تسويل الشيطان، وعدم الانصراف من الصلاة إلا بناقض متيقن كسماع الصوت وشم الريح ورؤية الخارج (قال) النووي: وهذا الحديث أصل من أصل الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الدين. وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك. ولا يضر الشك الطارئ عليها. فمن ذلك ما ورد فيه الحديث وهو أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة. ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارجها. هذا مذهب الجمهور. وعن مالك روايتان. أحدهما أنه يلزمه الوضوء أن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة. الثانية يلزمه الوضوء مطلقا ولا فرق في شكه بين أن يستوي الاحتمالان في وقع الحدث وعدمه، أو يترجح أحدهما أو يغلب على ظنه، فلا وضوء عليه بكل حال. ويستحب له أن يتوضأ احتياطا (وأما) إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين (ومن) مسائل ¬

(¬1) انظر ص 151 ج 4 نووى مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك فى الحدث له أن يصلى بطهارته).

القاعدة المذكورة، أن من شك في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس، أو نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره، أو أنه صلى ثلاث ركعات أو أربعا أم أنه ركع وسجد أم لا، أو أنه نوي الثلاة أو الصوم أو الوضوء أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه العبادات. وما اشبه هذه الأمثلة. فكل هذه الشكوك لا تاثير لها والأصل عدم هذا الحادث (¬1). (والراجح) مذهب الجمهور: وهو أن الطهارة لا تبطل بالشك مطلقا (وأجابوا) عن حديث عبد الله بن زيد التقييد فيه بالصلاة، إنما وقع في سؤال السائل فلا مفهوم له. 8 - الردة: (قال) الأوزاعي ومالك في المشهور عنه وأحمد: يبطل الوضوء بالردة. وهي الاتيان بما ينافي الإسلام (أ) "نطقا" بإجراء كلمة الكفر على اللسان مختارا. (ب) "أو اعتقادا" مخالفا لما علم من الدين بالضرورة. (جـ) "أوشكا" في عقيدة من العقائد (فمن ارتد) وعاد إلى الإسلام، فليس له الصلاة حتى يتوضأ وإن كان متوضئا قبل ردته لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) من آية 65 - الزمر وقوله تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) من آية 5 - المائدة. والطهارة عمل باق حكما فيجب أن تبطل بالردة، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فيفسدها الشرك كالصلاة والتيمم ولأن الردة حدث (لقول) ابن عباس: الحدث حدثان: حدث اللسان وحدث الفرج وأشدها حدث اللسان. ذكر ابن قدامة (¬2) {28} وإذا أحدث لا تقبل صلاته بغير وضوء (لما تقدم) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تقبل ¬

(¬1) انظر ص 49 و 50 ج 4 شرح مسلم (من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث). (¬2) انظر ص 172 ج 1 مغنى ابن قدامة (نقض الردة للوضوء).

صلاة من أحدث حتى يتوضأ". أخرجه أحمد والشيخان (¬1) {256}. (وقال) الحنفيون والشافعي: لا ينتقض الوضوء بالردة، لأنه يصح من الكافر ابتداء، فلا ينافيه الكفر بقاء. (ولحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا وضوء إلا من حدث أو ريح". أخرجه أحمد وهذا لفظه وابن ماجه والترمذي: وقال: هذا حديث حسن صحيح. روى من عدة طرق (¬2) {257}. ولأنه طهارة فلا يبطل بالردة كالغسل من الجنابة (وأجابوا) عن الآية بأن الاحباط فيها مقيد بالموت على الردة، لقوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه. فيمن وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) 217 - البقرة (أما الكافر) الأصلي إذا توضأ أو تيمم ثم أسلم، فعليه إعادة الوضوء أو التيمم للصلاة عند مالك والشافعي وأحمد، لأن الطهارة عبادة متوقفة على النية، فلا تصح من مشرك (وقال) الحنفيونك يعيد التيمم دون الوضوء. لأن التيمم مفتقر إلى النية. ونية العبادة لا تصح من مشرك والوضوء غير متوقف صحته على نية. فإذا وجد من المشرك حكم بصحته. 9 - تغسيل الميت: (قال) أكثر الحنبلية: يجب الوضوء من غسل الميت. سواء أكان المغسول صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا. وهو قول اسحاق. وروى عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء (وقال) أبو هريرة أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفا في الصحابة، ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت، فكان مظنة ¬

(¬1) تقدم رقم 223 ص 261 (نواقض الوضوء). (¬2) انظر ص 75 ج 2 - الفتح الرباني (في الوضوء من الربح) وص 79 ج 1 تحفة الأحوذي (في الوضوء من الربح).

ذلك قائما مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحديث (¬1). (وقال) الجمهور: لا وضوء لتغسيل الميت. وهو الصحيح لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه. فبقى على الأصل، ولأنه غسل آدمي فأشبه فأشبه غسل الحي. وما روى عن أحمد في هذا، يحمل على الاستحباب دون الإيجاب. فإن كلامه يقتضي نفي الوجوب. فإنه ترك العمل بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من غسل ميتا فليغتسل". أخرجه أحمد والثلاثة وزاد الترمذي ومن حمله فليتوضأ (¬2) {258}. وفيه صالح مولي التوءمة وهو ضعيف قال البيهقي: والصحيح أنه موقوف. وعلل أحمد ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، وإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولي وأحرى (¬3). (تنبيه) علم أن مجمل نواقض الوضوء (أ) عند الحنفيين سبعة: كل ما خرج من أحد السبيلين حال الصحة. وكل نجس خرج من البدن أن سال على مكان يلزم تطهيرة. والقئ ملء الفم. والنوم مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى ما لو أزيل لسقط. وغلبة العقل بالإغماء أو الجنون أو السكر. وقهقهة بالغ يقظان في صلاة ذات ركوع وسجود. ومباشرة فاحشة (ب) وعند المالكية نواقضه ستة: الخارج المعتاد من أحد السبيلين حال الصحة ومنه الريح والهادي على المعتمد "وهو ماء أبيض يخرج قرب الولادة" وغيبة العقل بجنون أو إغماء ¬

(¬1) انظر ص 190 ج 1 مغني ابن قدامة (الوضوء من غسل الميت). (¬2) انظر ص 145 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 2 تيسير الوصول (غسل الميت والغسل منه). (¬3) انظر ص 191 ج 1 مغنى ابن قدامة (الوضوء من غسل الميت).

أو سكر أو نوم ثقيل. ولمس مشتهاة أن قصد اللذة أو وجدها على ما تقدم بيانه. ومس الذكر بشرطه والشك في الحدث أو سببه. والردة. (جـ) وعند الشافعية نواقضه أربعة: كل ما خرج من أحد السبيلين إلا المني. وغلبة العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو صرع أو نوم لم تتمكن فيه المقعدة. ولمس رجل يشتهي امرأة أجنبية تشتهي بلا حائل. ومس قبل أو دبر آدمي بلا حائل. (د) وعند الحنبلية نواقضه ثمانية: كل ما خرج من أحد السبيلين. وكل نجس كثير خرج من سائر الجسد. وغلبة العقل بما تقدم عند الشافعية. ومس فرجه أو فرج آدمي بلا حائل. ولمس ذكر أو أنثى بشرة الآخر على ما تقدم بيانه. والردة وأكل لحم الإبل. وتغسيل الميت على ما تقدم. 10 - وضوء المعذور تقدم أن الوضوء ينتقض بالخارج من أحد السبيلين حال الصحة "أما الخارج لمرض" كاستحاضة، وسلس بول أو غيره، واستطلاق بطن، وانفلات ريح ورعاف دائم، وجرح لا يسكن دمه ولم يمكن حبسه بحشو من غير مشقة ولا بجلوس وكذا بإيماء في الصلاة عند الحنفيين "فصاحبه معذور" لا يبطل وضوءة به. بل بدخول الوقت عند أبي حنيفة ومحمد وأحمد وكذا بخروجه عند أبي يوسف إذا كان العذر موجودا وقت الوضوء او بعده. أما لو توضأ المعذور مع الانقطاع ودام إلى خروج الوقت فلا يبطل وضوءه بخروج الوقت ما لم يحدث حدثا آخر. (ودليله) ما تقدم في حديث عائشة من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمستحاضة فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت (¬1). ¬

(¬1) تقدم رقم 227 ح 263 (الدم الخارج من الجسد).

(واللام) (في قوله لكل صلاة للتوقيت كما في قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس) من آية 78 - الإسراء. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في بحث الاستحاضة (وإلى هذا) ذهب الحنفيون والحنبليون فقالوا: إن المعذور بسلس ونحوه يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي به ما شاء من فرض ونقل، ما لم يطرأ حدث غير العذر. فلو طرأ آخر في الوقت لا تبقى الطهارة كما إذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من الآخر فعفليه الوضوء، لأنه حدث جديد. هذا (ويشترط) في ثبوت العذر استمراره وقتا كاملا بغير انقطاع زمنا يسع الطهارة والصلاة. بأن لم ينقطع أصلا أو انقطع زمنا لا يسعهما (ويشترط) لدوامه عند الحنفيين وجوده في كل وقت بعد ذلك ولو مرة واحدة ويشترط لانقطاعه خلو وقت كامل عنه وبه يخرج الشخص عن كونه معذورا (وشرطه) عند الحنبلية. (أ) دخول الوقت. فلو توضأ قبل دخوله لم يصح وضوءه عندهم إلا إذا توضأ لفائتة أو صلاة جنازة. فإنه يصح. (ب) وداوم الحدث وعدم انقطاعه زمنا يسع الطهارة والصلاة. أما إذا اعتاد انقطاع حدثه زمنا يسع ذلك، لزمه تأدية الصلاة فيه ولا يعد معذورا. (ولو) عرض هذا الانقطاع في أثناء الوقت، بطل الوضوء أن استمر الانقطاع، لأن الحدث مبطل للطهارة وقد عفى عنه للعذر. فإذا زالت الضرورة. وإن عاد العذر فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الانقطاع. فإذا توضأت المستحاضة وقد انقطع الدم ثم سال قبل الصلاة لا تعيد الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل والعذر يجري وينقطع. واعتبار مقدار الانقطاع فيما يمكن فعل العبادة فيه يشق. وإيجاب الوضوء بسببه حرج لم يرد الشرع به. قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) من ىية 78 - الحج. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه هذا

التفصيل (¬1) (وقالت) المالكية: السلس. (أ) ان تمكن صاحبه من التداوي منه لزمه التداوي ولا تغتفر له الصلاة بلا طهارة منه إلا مدة التداوى. (ب) وإن لم يتمكن من الداوي منه والعمل على قطعه ففليه تفصيل. 1 - إن استمر كل أقوات الصلاة أو استمر غالبه أو نصفه ولم ينضبط وقت انقطاعه، لا ينقض الوضوء. ولكن يستحب الوضوء منه لكل صلاة فيما إذا استمر غالب الزمن أو نصفه (ودليله) حديث عروة ابن الزبير: أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشكت إليه الدم فقال: إنما ذلك عرق فانظري إذا اتى قرؤك فلا تصلي. فإذا مر القرء تطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جيد (¬2) {259}. (وجه) الدلالة أنه لم يأمرها بالوضوء، ولأن مثل هذا العذر لم ينص على الوضوء منه، ولا هو في معنى المنصوص، لأن المنصوص عليه الخارج المعتاد. وهذا ليس بمعتاد. وأيضا فإن إيجاب الوضوء منه لكل صلاة فيه مشقة وحرج لم يرد به الشرع (وأجاب) الأولون بأن الحديث مطلق يحمل على المقيد وهو ما رويناه ففيه "ثم صلي وتوضئ لكل صلاة (¬3) " وللمالكية أن يقولوا أن الأمر بالوضوء فيه للاستحباب دفعا للحرج وجمعا بين الأدلة. 2 - وإن انضبط انقطاع السلس "بأن كان في أول الوقت أو آخره، لزم ¬

(¬1) انظر ص 361 ج 1 مغنى ابن قدامة (المستحاضة التي انقطع دمها) .. (¬2) انظر ص 170 ج 2 - الفتح الرباني. وص 110 ج 1 - ابن ماجه (المستحاضة). (¬3) تقدم رقم 227 ص 263 (الدم الخارج من الجسد).

الوضوء منه. وكذا ينقض الوضوء أن استمر أقل من نصف أوقات الصلاة لعدم الحرج وصيرورته كالمعتاد حينئذ وعلى صاحبه أن يتطهر ويصلي وقت الانقطاع. (وقالت) الشافعية: ما خرج على وجه السلس كالاستحاضة والبول والمذي والودي يجب على صاحبه التحفظ والتحرز من خروج شيء بأن يحشو محل الخروج ويعصبه ثم يتوضأ، فإن خرج منه شيء لا يمنع الصلاة وغيرها ان استوفى ما يأتي. (أ) تقدم الاستنجاء على الوضوء. (ب) الموالاة بين الاستنجاء والتحفظ وبين التحفظ والوضوء، وبين أفعال الوضوء، وبين الوضوء والصلاة. (جـ) أن تكون هذه الأعمال كلها بعد دخول الوقت، ولا يضر تأخير الصلاة عن الوضوء لمصلحتها كالذهاب إلى المسجد وانتظار الجماعة. ويصلي بهذا الوضوء فرضا واحدا وما شاء من النوافل قبله أو بعده. وينوي به الاستباحة لا رفع الحديث، لأنه لا يرفعه بل تباح به العبادة وعليه أن يكرر هذه الأعمال لكل فريضة (ودليل) ذلك حديث حبيب ابن ابي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: أني استحضت فقال دعى الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة وأن قطر الدم على الحصير. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي وابن حبان (¬1) {260} وحبيب مدلس وقد عنعن (فظاهر) قوله وتوضئ لكل صلاة، يقتضي أن لا يصلي به أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية. وقد تقدم أن الحنفيين والحنبلية، قالوا: اللام في قوله لكل صلاة للتوقيت. قال ¬

(¬1) انظر ص 171 ج 2 - الفتح الرباني. وص 115 ج 3 - المنهل العذب المورود (من قال تغتسل من طهر إلى طهر) وص 111 ج 1 - ابن ماجه. وص 344 ج 1 بيهقي (المستحاضة تغسل عنها أثر الدم .. ).

الطحاوي: فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لوقت كل صلاة (¬1) ورد بأنك عرفت من الحديث السابق أن الرواية: لكل صلاة لا لوقت كل صلاة. فالحق أنه يجب على المعذور بسلس ونحوه الوضوء لكل فرض. 1 - أقسام الوضوء هي أربعة عند الأئمة الثلاثة، وخمسة عند أبي حنيفة (الأول) فرض على المحدث للصلاة ومس المصحف ونحوهما مما لا يصح إلا بالطهارة وهو. (أ) الطهارة للصلاة: يشترط لصحة الصلاة الطهارة من الحدث إجماعا لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) الآية- 6 - المائدة (وعن ابن عمر) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول. أخرجه مسلم والأربعة وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب (¬2) {261}. (قال) القاضي عياض: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة (فذهب) ابن الجهم إلى أن الوضوء كان في أول الإسلام سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم. (وقال الجمهور) بل كان قبل ذلك فرضا (واختلفوا) في الوضوء. أهو فرض ¬

(¬1) انظر ص 62 ج 1 شرح معاني الآثار. (¬2) انظر ص 102 ج 3 نووي مسلم (وجوب الطهارة للصلاة) وص 8 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 60 ج 1 - ابن ماجه (لا يقبل الله صلاة بغير طهور). وص 207 ج 1 - المنهل العذب المورود (فرض الوضوء) عن ابي الملح عن أبيه. وص 33 ج 1 مجتبي كذلكز و (الغلول) بضم المراد به غير الحلال أخذ خفية أو جهرا.

على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة؟ (فقال) جماعة من السلف: الوضوء لكل صلاة فرض لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) الآية (وقال) الجمهور: إن ذلك كان ثم نسخ وبقى لأمر فيه على الندب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم خلاف. ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين (لحديث) عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسلوك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. أخرجه أحمد والدارمي بسند جيد. وصححه ابن خزيمة (¬1) {262}. (وقال بريدة) كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة. فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته. أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والدارمي (¬2) {263}. وقال: فدل فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن معنى قول الله تعالى: (إذا قمتم على الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية لكل محدث ليس للطاهر. ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا وضوء إلا من حدث". ¬

(¬1) انظر ص 54 ج 2 - الفتح الرباني. وص 168 ج 1 سنن الدارمي (قوله إذا قمتم إلى الصلاة .. ) و (أمر بالسواك) فكان واجبا في حقه صلى الله عليه وسلم وسنة في حقنا. (¬2) انظر ص 177 ج 3 نووي مسلم (جواز الصلوات بوضوء واحد). وص 165 ج 2 المنهل العذب (الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد). وص 63 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 169 ج 1 سنن الدارمي (ما جاء في الطهور).

(ب) الطهارة لمس المصحف: (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: تجب الطهارة لمس المصحف. لظاهر قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم (77) في كتاب مكنون (78) (لا يمسه إلا المطهرون) (79) الواقعة. (ولقول) حكيم ابن حزام: لما بعثني النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم إلى اليمن قال: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر. أخرجه الدارقطني والحاكم وقال صحيح الإسناد والطبراني في الكبير والأوسط. وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي ووثقه ابن معين في رواية (¬1) {264}. (فيحرم) على المحدث مس القرآن أو بعضه بيد أو غيرها ولو في لوح أو درهم أو حائط، أو كان كتوبا بغير العربية من غير حائل منفصل، لأن النهي إنما ورد عن مسه. ومع الحائل إنما يكون المس له دون المصحف. (ومثل) القرآن في ذلك باقي الكتب السماوية (ويكره) تحريما مسه بالكم ونحوه على الصحيح عند الحنفيين (ويحل) تقليب أوراق المصحف بعود ونحوه واختلفوا في مسه بما غسل من الأعضاء والصحيح عدم الجواز إلا بطهارة كاملة (وكذا) يحرم على المحدث حمل القرآن إلا بغلاف منفصل عن القرآن والماس كالكيس والمنديل والصندوق، لأن الحمل أبلغ من المس. نعم يجوز مسه وحمله لضرورة كخوف عليه من حرق أو غرق أو نجاسة أو وقوعه في يد كافر ولم يتمكن من الطهارة (ويحل) حمله في متاع تبعا إذا لم يكن مقصودا بالحمل (ولا يحرم) توسد حقيبة فيها مصحف ولا ركوب عليها في السفر إذا كان للحفظ، والإحرام (ورخص) مالك في مس المصحف للمعلم والمتعلم إذا خشيا النسيان (وقال) ¬

(¬1) انظر ص 276 ج 1 مجمع الزوائد (مس القرآن). وص 45 سنن الدارقطني (نهى المحدث عن مس القرآن).

داود الظاهري وابن حزم: يجوز مسه بدون طهارة (لحديث) ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أنه كان عند هرقل فدعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقلف فقرأه فإذا فيه "بسم الله الرحمن الرحيم" من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم* سلام على من اتبع الهدى (أما بعد) فإني أدعوك بدعاية الإلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك أثم الاريسيين (ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضا بعضا أربابا من دون الله. فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون). أخرجه البخاري (¬1) { 265}. (قال) ابن حزم في المحلي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بعث كتابا وفيه هذه الآية إلى النصارى. وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب (¬2) (ورد) بأن الذي كان في الخطاب آية واحدة فلا تسمى مصحفا على أن الحالة ضرورة، فلا يقاس عليها. وقياس المس على القراءة قياس مع الفارق. فإن القراءة يشق معها الطهارة دائما. فالاحتياط عدم مس المصحف إلا على طهارة. ¬

(¬1) انظر ص 28 ج 1 فتح الباري (بدء الوحي) والآية 64 - آل عمران. واولها قل يا أهل الكتاب تعالوا و (الأريسيين) بفتح فكسر وشد الياء الأولى جمع أريسي وهو الفلاح. وفي رواية البريسيين. والمراد بهم رعيته لأن كل من يزرع فهو فلاح وإن لم يل ذلك بنفسه، أي أن عليه مع اثمه اثم رعاياه إذا لم يسلموا تبعا له ولا ينافيه قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزرة أخرى) لأن وزر الاثيم لا يتحمله غيره .. ولكن الفاعل المتسبب يتحمل أثم فعله وتسببه. (¬2) انظر ص 83 ج 1 - المحلي (مس المصحف).

(الثاني) من أقسام الوضوء الواجب- يجب الوضوء للطواف بالكعبة ولو نفلا عند الحنفيين ورواية عن أحمد. ويفترض عند غيرهم (لحديث) ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم قال: "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم فيه إلا بخير". أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد والبيهقي. وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن حبان (¬1) {266}. (وعن) طاوس عن صحابي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنما الطواف بالبيت صلاة، فإذا طفتم فأقلوا الكلامز أخرجه أحمد والنسائي (¬2) {267}. (فيحرم) الطواف مع الحديث اتفاقا، ولا يصح عند الثلاثة، لأن شرطه الطهارة، ويصح عند الحنفيين، وروى عن أحمد ويلزمه شاة أو بدنة على ما بين في الحج (¬3). (تنبيه) علم أنه يحرم على المحدث حدثا أصغر أربعة أشياء (أ) الصلاة ولو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو شكر، فلا تصح ويحرم أداؤها مع الحدث إجماعا (ب، ج) مس شيء من القرآن وباقي الكتب السماوية، وحمله إلا بغلاف منفصل من القرآن على ما تقدم بيانه (د) الطواف بالكعبة ولو نفلا على ما تقدم تفصيله. ¬

(¬1) انظر رقم 5346 ص 293 ج 4 فيض القدؤر شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر ص 68 ج 12 - الفتح الرباني (ما يقال في الطواف). وص 36 مجتبي (إباحة الكلام في الطواف). (¬3) انظر ص 101 (إرشاد الناسك) (شروط الطواف) وص 265 منه (الجناية على الطواف) طبعة ثانية.

(الثالث) من أقسام الوضوء المندوب- يندب الوضوء في مواضع، المذكور منها عشرة: 1 - الوضوء لكل صلاة: اتفق العلماء على أنه يندب تجديد الوضوء لكل صلاة (لقول) أنس: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قيل له: فأنتم كيف تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصوات بوضوء واحد ما لم نحدث. أخرجه الجماعة إلا مسلما وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬1) {268}. (وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات. أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند ضعيف (¬2) {269}. (وإنما) يندب تجديده عند الحنفيين إذا صلى بالأول أو تبدل المجلس. وعند المالكية إذا صلى بالأول أو طاف. وعند الشافعية إذا صلى بالأولى غير سنة الوضوء (ففي) الحديثين دليل على استحباب الوضوء لكل صلاة. ويحمل عليه حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: "لولا أن أشق ¬

(¬1) انظر ص 54 ج 2 - الفتح الرباني. وص 269 ج 1 فتح الباري (الوضوء من غير حدث) وص 162 ج 2 - المنهل العذب (يصلي الصوات بوضوء) وص 62 ج 1 تحفة الأحوذى (الوضوء لكل صلاة) وص 95 ج 1 - ابن ماجه. (¬2) انظر ص 220 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يجدد الوضوء) وص 62 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 95 ج 1 - ابن ماجه (الوضوء على الطهارة) و (بسند ضعيف) لأن فيه (أ) عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف مدلس (ب) وأبا غطيف (بالتصغير) الهذلي مجهول.

على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك" أخرجه أحمد بسند صحيح (¬1) {270}. 2 - الوضوء لذكر الله تعالى: أجمع المسلمون على أنه يجوز للمحدث أن يذكر الله تعالى بكل أنواع الذكر ما عدا القرآن للمحدث حدثا أكبر. وفي كل الأماكن والأحوال ما عدا محل القاذورات وحال الجماع. فإنه يكره فيهما. واصل ذلك (قول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه. أخرجه أحمد ومسلم وابو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه. وقال في العلل: سألت عنه البخاري فقال صحيح (¬2) {271}. (وقال) على رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة. أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن السكن (¬3) {272}. (واتفقوا) على أنه يندب الوضوء لذكر الله تعالى "لما روى" المهاجر ابن قنفذ: أنه سلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه وقال: أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت ¬

(¬1) انظر ص 56 ج 2 - الفتح الرباني (الوضوء لكل صلاة وجواز الصلوات بوضوء واحد). (¬2) انظر ص 71 ج 1 - المنهل العذب (الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر). وص 95 ج 1 سبل السلام (حديث 12 بنواقض الوضوء) (وهو يبول) فمعنى قوله في الرواية الأولى (وهو يتوضأ) أي وهو في مقدمات الوضوء. (¬3) انظر ص 121 ج 2 - الفتح الرباني. وص 120 ج 1 سبل السلام (حديث 8 بالغسل).

أن أذكر الله إلا على طهارة. أخرجه أحمد وابن ماجه. وكذا أبو داود والنسائي بلفظ: وهو يبول بدل "وهو يتوضأ (¬1) " {273}. 3 - الوضوء لتناول ما مسته النار: (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: لا ينتقض الوضوء بتناول ما مسته النار. وعليه أجمع العلماء بعد الصدر الأول (لقول) ميمونة: أكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كتف شاة ثم قام فصلى ولم يتوضأ. أخرجه أحمد والشيخان (¬2) {274}. (وقال) جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي (¬3) {275}. (هذا) وقد اتفق الائمة الأربعة والجمهور على أنه يندب الوضوء مما مست النار. وعليه تحمل الأحاديث الواردة بالأمر بالوضوء منه جمعا بين الأحاديث (كحديث) إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال: أتدري مم أتوضأ؟ من أثوار أقط أكلتها، لأني سمعت رسول الله ¬

(¬1) انظر ص 264 ج 1 - الفتح الرباني. وص 171 ج 3 - المنهل العذب عن ابن عمر (التيمم في الحضر) والحديث تقدم مطولا منسوبا للنسائي وابن ماجه رقم 191 ص 245 (عدم التكلم حال الوضوء). (¬2) انظر ص 106 ج 2 - الفتح الرباني، وص 216 ج 1 فتح الباري عن ابن عباس (من لم يتوضأ من لحم الشاة). (¬3) انظر ص 218 ج 2 - المنهل العذب (ترك الوضوء مما مست النار) وص 319 ج 2 تيسير الوصول (في ترك الوضوء) أي من أكل ما مسته النار.

صلى الله عليه وعلى أله وسلم يقول: توضئوا مما مست النار. أخرجه السبعة إلا البخاري (¬1) {276}. (وحديث) أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "توضئوا مما غيرت النار لونه" أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقاب (¬2) {277}. 4 - الوضوء للنوم- يستحب عند الأئمة الأربعة والجمهور لمن أراد النوم أن ينام على طهارة كاملة (لحديث) البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم أضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة. واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت ورسولك. قال لا. ونبيك الذي أرسلت. أخرجه السبعة (¬3) {278}. (والحديث) وإن كان خطابا للبراء، فالمراد منه العموم فيشمل جميع المكلفين. ¬

(¬1) انظر ص 95 ج 2 - الفتح الرباني. وص 318 ج 2 تيسير الوصول (أكل ما مسته النار) وص 44 ج 4 نووي مسلم عن ابن عباس (الوضوء مما مست النار) و (الأثوار) جمع ثور وهو القطعة من الأقط. وهو لبلن مخيض يطبخ ويترك حتى يجمد. (¬2) انظر ص 96 ج 2 الفتح الرباني. وص 248 ج 1 مجمع الزوائد (الوضوء ما مست النار). (¬3) انظر ص 57 ج 2 - الفتح الرباني. وص 248 ج 1 فتح الباري (فضل من بات على وضوء) وص 18 ج 2 تيسير الوصول (أدعية النوم) مقتصرا على الدعاء.

(فقد) قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة أخرجه السبعة (¬1) {279}. (وقالت) الظاهرية وابن حبيب المالكي: يجب على الجنب الوضوء إذا أراد النوم لظاهر الأمر بذلك. ورد بأنه محمول على الندب (والحكمة) في الوضوء أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل (ويؤيده) قول شداد ابن أوس الصحابي: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة. أخرجه ابن أبي شيبة {29} (وقيل) الحكمة في الوضوء أنه ينشط إلى العودة، أو إلى الغسل. 5 - وضوء الجنب للأكل أو الشرب- (قالت) الشافعية وجماعة: بستحب للجنب الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب (لقول) عائشة. كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {280}. (وعن) عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءة للصلاة. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (¬3) {281}. ¬

(¬1) انظر ص 141 ج 2 - الفتح الرباني. وص 271 ج 1 فتح الباري (الجنب يتوضأ ثمن ينام) وص 332 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية). (¬2) أنظر ص 142 ج 2 - الفتح الرباني. وص 332 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬3) انظر ص 291 ج 2 - المنهل العذب (من قال الجنب يتوضأ) وص 271 ج 1 نيل الأوطار (مشروعية الوضوء للجنب).

(ولذا) يكره للجنب النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء الكامل. ولا يستحب هذا الوضوء للحائض والنفساء لأنه لا يؤثر في حدثهما ولا يصح الوضوء مع استمراره. أما إذا انقطع حيضها فتصير كالجنب يستحب لها الوضوء في هذه المواضع (¬1) (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد لا يستحب الوضوء لمن اراد أن يأكل أو يشرب وإنما يغسل يديه فقط (لقول) عائشة: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب. أخرجه أحمد والنسائي. وهو حديث صحيح رجاله ثقات (¬2) {282}. (وقال) سعيد بن المسيب: إذا أراد الجنب أن يأكل غسل يديه ومضمض فاه (وأجابوا) عن حديث عمار بأن فيه الترخيص بالوضوء للجنب إذا أراد الأكل وهو لا يفيد الاستحباب (ويمكن) الجمع بين الروايات بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان تارة يتوضأ وضوءه للصلاة وتارة يقتصر على غسل اليدين ولا يخفي حسن التأسي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. د 6 - الوضوء لمعاودة الجماع- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور: يستحب لمن جامع أهله واراد المعاودة أن يتوضأ (لحديث) أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ¬

(¬1) انظر ص 156 ج 2 مجموع النووي. (¬2) انظر ص 141 ج 2 - الفتح الرباني. وص 50 ج 1 مجتبي (اقتصار الجنب على غسل يديه إذا اراد أن يشرب).

بينهما. أخرجه الخمسة (¬1) {283} (والأمر) عند الجمهور محمول على الاستحباب (لقول) عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء. أخرجه أحمد. ولأبي داود والترمذي عن عائشة "كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء" (¬2) {284} قال أحمد: ليس بصحيح وقال أبو داوود: هو وهم (¬3). (وقالت) الظاهرية وابن حبيب: يجب الوضوء على المعاود إبقاء للأمر على ظاهره. لكن قد علمت أنه محمول على الاستحباب (وحمله) أبو يوسف على الإباحة (وحمله) المالكية على الوضوء اللغوي وهو غسل الفرج. والأظهر قول الجمهور. 7 - الوضوء قبل الغسل- اتفق العلماء على أنه يستحب الوضوء قبل الغسل ولو مسنونا. غير أن الأفضل عند الحنفيين اكماله إن كان يغتسل في محل لا يجتمع فيه الماء كأن يغتسل على مرتفع أو بالوعة (وعليه) يحمل قول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة (الحديث) أخرجه الجماعة (¬4) {285}. (وإن كان) يغتسل في مكان يجتمع فيه الماء كطشت فالأفضل تأخير غسل القديمن (وعليه) يحمل قول ميمونة: سترت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فوجه وما أصابه ¬

(¬1) انظر ص 330 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية). (¬2) انظر ص 273 ج 1 نيل الأوطار (جواز وطء نسائه بلال غسل). (¬3) انظر ص 273 ج 1 نيل الأوطار (جواز وطء نسائه بلا غسل). (¬4) انظر ص 128 ج 2 - الفتح الرباني. وص 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجناية).

ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحي رجليه فغسلهما. أخرجه السبعة والبيهقي (¬1) {2086}. (وقال) مالك: والأفضل تقديم غسل الرجلين إلا إذا كان المكان غير نظيف فالأفضل التأخير (وقالت) الشافعية والحنبلية: الأفضل تتميم الوضوء على الأصح المختار عندهم عملا بظاهر الروايات المستفيضة عن عائشة في تقديم وضوء الصلاة فإن ظاهره كمال الوضوء والأمر في هذا واسع فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقدم غسل رجليه تارة ويؤخره أخرى. 8 - الوضوء من حمل الميت- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد: يندب الوضوء من حمل الميت. وقال ابن حزم بوجوبه (لحديث) عمرو بن عمير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي وقال: عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث وليس بالمشهور. وأخرجه عن صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة. وقال: صالح مولى التوءمة: ليس بالقوى ثم قال: والروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم. والصحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفا (¬2) {287}. (ولذا) قال المزني: الوضوء من مس الميت وحمله غير مشروع لأنه لم يصح ¬

(¬1) انظر ص 129 ج 2 - الفتح الرباني. وصدره: وضعت النبي صلى الله عليه وسلم غسلا. وص 329 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة) وص 303 ج 1 بيهقي (الغسل من غسل الميت). (¬2) انظر ص 145 ج 2 - الفتح الرباني. وص 337 ج 2 تيسير الوصول (غسل الميت والغسل منه).

فيهما شيء (ورد) بأن الحديث قد روى من عدة طرق يقوى بعضها بعضا. ولذا حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن حزم معترض. قال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء. 9 - الوضوء للغضب- (قال) الأئمة الأربعة والجمهور: يستحب الوضوء للغضب (لحديث) عطية العوفي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ان الغضب من الشيطان وأن الشيطان خلق من النار. وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1) {288}. (وقال) بعض الحنفيين: لو كان متوضئا واشتد غضبه ندب له الغسل. 10 - الوضوء للخروج من خلاف العلماء- (يندب) للحنفي أن يتوضأ إذا لمس امرأة أو مس ذكره أو أكل لحم جزور وغير ذلك مما ينقض الوضوء عند بعض العلماء (ويندب) للمالكي وغيبره أن يتوضأ من القيء وحروج نجس من غير السبيلين وقهقهة في الصلاة، وغير ذلك مما ينقض الوضوء عند غيرهم على ما تقدم بيانه. (الرابع) من أقسام الوضوء- الوضوء الحرام، كالوضوء من ماء مغصوب وموقوف لغير الطهارة. (الخامس) الوضوء المكروه كالوضوء على الوضوء قبل الصلاة أو الطواف أو تبدل المجلس على ما تقدم بيانه. ¬

(¬1) انظر رقم 2080 ص 377 ج 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

12 - المسح على الخفين المسح لغة امرار اليد على الشيء. وإصطلاحا: إصابة اليد المبتلة أو ما يقوم مقامها أعلى الخف في المدة الشرعية (¬1). والخف الشرعي هو الساتر للكعبين الممكن تتابع المشي فيه عادة (والمسح) على الخفين من خصائص هذه الأمة. وهو رخصة قد أجمع من يعتد به على جوازه للمتوضئ في السفر والحضر ولو بغير حاجة فيجوز ولو للمرأة الملازمة بيتها والزمن والذي لا يمشي (¬2). (قال) الحسن البصري: حدثني سبعون رجلا من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين. أخرجه ابن المنذر وغيره (¬3) {289}. (وقال) أبو حنيفة رحمة الله: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهارز وأخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر (¬4). (ومما) ورد فيه حديث إبراهيم عن همام النخغي قال: بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هذا وقد بلت؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي. وقال حسن صحيح (¬5) {290}. ¬

(¬1) المدة الشرعية، سيأتي أنها يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. (¬2) (الزمن) بفتح فكسر: المريض مرضا طال زمنه. (¬3) انظر ص 162 ج 1 نصب الراية (المسح على الخفي). (¬4) انظر ص 99 ج 1 فتح القدير لابن الهمام. (¬5) انظر ص 57 ج 2 - الفتح الرباني. وص 321 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

(وقال) ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته "وما روى" عن عائشة أنها قالت: لأن اقطع رجلي أحب إلى من أن أمسح عليهما {30} "ففيه" محمد بن مهاجر. قال ابن حبان: كان يضع الحديث (¬1) (وقال أحمد) لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح. هذا، وسبب المسح ليس الخف (وثمرته) الدنيوية حل مالا يصح إلا بالطهارة في مدة المسح. والأخروية الثواب ان قصد به اتباع السنة. ثم الكلام ينحصر في عشرة مباحث: 1 - حكمه- هو رخصة للمتوضئ ولو امرأة لما تقدم، وغسل الرجلين أفضل من المسح عند الأئمة الثلاثة، لأن الغسل عزيمة وقد واظب عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معظم الأوقات (والمشهور) عن أحمد أن المسح أفضل (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه. أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وصححاه (¬2) {291}. ولأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ولأن فيه مخالفة أهل البدع. وأحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه (وأجاب) الأولون بأن محبة فعل الرخصة وكونها أيسر لا يقتضي تفضيلها على العزيمة (وقد) يجب المسح في مواضع (منها) إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه لا يكفي وضوءه. لو مسح على الخفين يكفيه (ومنها) ما لو خاف ¬

(¬1) انظر ص 223 ج 1 نيل الأوطار (المسح على الخفين). (¬2) انظر رقم 1879 ص 292 ج 2 فيض القدير شرح الجامع الصغير.

خروج الوقت لو غسل رجليه، أو خاف فوات فرض آخر كالوقوف بعرفه. 2 - شروط المسح على الخفين- يشترط لجواز المسح على الخف ثمانية شروط: 1 - لبسه على وضوء تام قبل حصول حدث بعده عند الحنفيين وسفيان الثوري والمزني وأبي ثور وداود الظاهري (لقول) المغيرة ابن شعبة: كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة في مسيرة فأفرغت عليه من الأداوة فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما. أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وحسنه وأبو داود (¬1) {292}. (فلو بدأ) بغسل رجليه ثم لبس الخفين ثم كمال الوضوء، أو توضأ فغسل رجلا ولبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها (صح له المسح) إذا تمم الوضوء قبل الحدث (وقال) مالك والشافعي وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق: يشترط للمسح على الخفين لبسهما على طهارة كاملة وقت اللبس (لحديث) أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما. أخرجه الدارقطني وابن خزيمة بسند صحيح (¬2) {293}. (فلو) غسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم لبس الخف أو لبسه قبل غسل عضو ثم أكمل الوضوء أو غسل إحدى رجليه ثم لبس قبل غسل عضو ثم أكمل الوضوء او غسل إحدى رجليه ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها لم يصح المسح على الخف حتى ينزعه ويلبسه بعد كمال الطهارة (¬3). ¬

(¬1) انظر ص 63 ج 2 - الفتح الرباني وص 320 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين). (¬2) انظر ص 71 الدارقطني (المسح على الخفي). (¬3) انظر ص 512 ج 1 مجموع النووي.

2 - أن يكون الخف طاهرا، فلا يصح المسح على نجس أو متنجس. 3 - أن يكون ساترا للرجلين مع الكعبين من الجوانب فلا يضر نظرهما من أعلى خف واسع أو قصير الساق. ومالا يستر الكعبين كالمركوب إذا خيط به ثخين يسترهما كجوخ، صح المسح عليه (لقول) راشد بن نجيح: رايت أنس بن مالك دخل الخلاء وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خز فمسح عليهما. أخرجه البيهقي (¬1) {31}. 4 - استمساكه على الرجل بلا شك لثخاذته، فلا يصح المسح على رقيق لا يستمسك على الرجل بنفسه كجورب من قطن أو صوف. 5 - منعه وصول الماء إلى الرجل لئلا يشف الماء. 6 - خلو الخف من خرق كبير يمنع المسح عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله. أن يكون الخف قويا يمكن متابعة المشي فيه عادة فرسخا (¬2) فأكثر. فلا يصح المسح على متخذ من زجاج أو خشب أو حديد (والمراد) كونه صالحا لقطع المسافة من غير لبس حذاء. 8 - أن يبقى بكل رجل من مقدم القدم قدر المفروض مسحه عند الحنفيين، وهو مقدار ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد، فإذا قطعت رجله فوق الكعب صح مسح خف الأخرى وإن قطعت من تحت الكعب ولم يبق من مقدم القدم قدر المفروض مسحه لا يمسح خف الأخرى. 4 - مدة المسح على الخفين- (قال) الحنفيون والشافعي وأحمد وسفيان ¬

(¬1) أنظر ص 285 ج 1 بيهقي (ما ورد في الجوربين). (¬2) الفرسخ ثلاثة أميال أو 5565 مترا خمسة وستون وخمسمائة وخمسة آلاف متر.

الثوري والجمهور: مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر سفرا لا تقصر فيه الصلاة يوم وليلة، وللمسافر سفر قصر ثلاثة أيام ولياليها. فيستبيح بالمسح ما يستبيحه بالغسل في هذه المدة (لحديث) خزيمة ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوما وليلة. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان (¬1) {294}. (وقال) شريح بن هانئ: سألت عليا عن المسح على الخفين فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي، وأخرجه البيهقي وقال: هو أصح ما روى في هذا الباب (¬2) {295]. (وقال) صفوان بن عسال: أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا قمنا. ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جناية. أخرجه أحمد والنسائي بسند صحيح وصححه الترمذي (¬3) {296}. (وقال) الشعبي وربيعة والليث ومالك: لا يوقت المسح على الخفين، بل يمسح عليهما ما شاء (لقول) أبي بن عمارة: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ ¬

(¬1) انظر ص 66 ج 2 - الفتح الرباني. وص 323 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين) وص 276 ج 1 بيهقي (التوقيت في المسح على الخفين). (¬2) انظر ص 64 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 2 تيسير الوصول. وص 275 ج 1 بيهقي. (¬3) انظر ص 65 ج 2 - الفتح الرباني. وص 322 ج 2 تيسير الوصول (المسح على الخفين).

قال: نعم. قال يوما، قال يوما، قال: يومين قال: ويومين، قال: وثلاثة، قال: نعم وما شئت. أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم (¬1) {297}. وقد اتفق أهل السنن على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به وسننه (4 - 6) فرض المسح وسنته وكفيته- (قال) الحنفيون: فرضه مسح قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على ظاهر أعلى الخف من كل رجل. فلا يصح على اسفله وعقبه وساقه وجوانبه (لقول) على رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظاهر خفيه. أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني بسند صحيح (¬2) {298}. (وسننه) مد الأصابع مفرجة بادئا من رءوس اصابع القدم إلى الساق (لقول) جابر: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم برجل يتوضأ، فغسل خفيه، فنخسه برجله وقالك ليس هكذا السنة، أمرنا بالمسح على الخفين هكذا وأمر بيديه على خفيه. أخرجه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به بقية. وهو متكلم فيه، وأخرج ابن ماجه نحوه، وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق وخطط بالاصابع (¬3) {299}. (وكيفية) المسح المستحبة عندهم أن يضع أصابع يمينه على مقدم خفه الأيمن ¬

(¬1) انظر ص 130 ج 2 - المنهل العذب. وص 279 ج 1 بيهقي (ترك التوقيت في المسح على الخفي). (¬2) انظر ص 145 ج 2 - المنهل العذب (كيف المسح) وص 292 ج 1 بيهقي. (المسح على ظاهر الخفين). (¬3) انظر ص 256 ج 1 مجمع الزوائد (المسح على الخفين) وص 101 ج 1 - ابن ماجه (مسح أعلى الخف وأسفله).

وأصابع يساره على مقدم خفه الأيسر ويمدهما إلى أصل الساق فوق الكعبين مفرفا أصابعه. وإن وضع الكف مع الأصابع كان أحسن (لقول) الممغيرة بن شعبة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الخفين. أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة (¬1) {300}. (ويستحب) الجمع بين الظاهر والباطن في المسح (لحديث) المغيرة ابن شعبة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسح أعلى الخف وأسفله. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث معلول لم يسنده غير الوليد بن مسلم (¬2) عدم مسح الأسفل بقول على: لو كان الدين بالرأي الخ "غير ظاهر" لأنه لنفي الافتراض على معنى لكان أسفل الخف أولي بفريضة المسح إذ المقصود أنه لو كان بالرأي لأعطى وظيفة ظاهر الخف للباطن، ووظيفة الظاهر فريضة المسح أهـ. (والمشهور) عند المالكية أن يجب مسح جميع أعلى الخف إلى الكعبين. ويسن مسح أسفله (وقال) أشهب: الفرض مسح أسفل الخف وأن مسحه دون ¬

(¬1) انظر صفحة 292 ج 1 بيهقي (الاقتصار بالمسح على ظاهر الخفين). (¬2) انظر ص 71 ج 2 - الفتح الرباني. وص 100 ج 1 تحفة الأحوذي (المسح على الخفين أعلاه) وص 322 ج 2 تيسير الوصول، وص 290 ج 1 بيهقي (كيف المسح على الخفين) وص 101 ج 1 - ابن ماجه (مسح أعلى الخف وأسفله).

ظاهره أجزأه (وكيفية) المسح المندوبة عندهم أن يضع يده اليمنى على أطراف أصابع رجله اليمنى، ويده اليسري تحت أطراف الأصابع ويمرهما إلى الكعبين وفي اليسرى يضع اليد اليمنى تحت القدم من أطراف الأصابع اليسرى من فوقها (والمشهور) عند الشافعية أنه يجب مسح جزء من ظاهر أعلى الخف من محل الفرض. وقالوا يسن مسح أعلاه وأسفله خطوطا (والأفضل) أن يضع كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف أصابعه (وقالت) الحنبلية: الواجب مسح أكثر أعلاه، فلا يجزئ الاقتصار على مسح أسفله وعقبه. ولا يسن مسحهما مع الأعلى، ويسن أن يكون المسح باليد اليسرى مفرجة الاصابع مبتدئا من رءوس أصابع الرجل منتهيا إلى الساق. 7 - مكروهات المسح- يكره تكرار المسح على الخف وترك سنة من سننه، وعن عطاء يسن مسحه ثلاثا ونلا دليل عليه. وسكره غسل الخفين، ويكفي عن المسح وإن لم ينوه عند الحنفيين. وقال غيرهم لا يكفي إلا إذا نوى بالغسل رفع الحدث. 8 - ما يبطل المسح على الخفين- يبطل بواحد من ثلاثة: (أ) ما يبطل به الوضوء اتفاقا لأن المسح على الخف بعض الوضوء. (ب) "ويبطل" أيضا عند القائلين فيه بالتوقيت بمضي المدة للمقيم والمسافر إن لم يخف بغلبة الظن تلف رجله من البرد ونحوه إذا نزعه. فإن خاف ذلك لا يلزمه النزع، ويمسح دائما بلا توقيت حتى يأمن، دفعا للحرج. وحينئذ يصيري الخف كالجبيرة فيستوعبه أو أكثره بالمسح. (جـ) "ويبطل أيضا" عند الحنفيين والشافعي والجمهور بنزع الخف أو انتزاعه ولو بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف في الأصح. ولا عبرة بخروج عقبه ودخوله. وهو رواية عن أحمد (لما روى) سعيد بن ابي مريم عن

رجل من أصحاب النبي صلى الله عيه وعلى آله وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له فينزعهما قال: يغسل قدميه. أخرجه البيهقي (¬1) {32}. (وقال) عبد الرحمن بن أبي بكرة: كان أبي ينزع خفيه ويغسل رجليه. أخرجه البيهقي (¬2) {33}. (وعليه) فإذا مضت المدة أو نزع الخف وهو متوضئ غسل رجليه فقط لسراية الحدث إليهما فإن صلى قبل غسلهما لم تصح صلاته لنقصان طهارته (وقال) الحسن وقتادة والظاهرية: نزع الخف لا يبطل المسح فلا يلزم منه غسل القدمين قياسا على من حلق رأسه أو قلم أظفاره بعد الطهارة، فإنه لا يلزمه إعادة مسح الرأس ولا غسل مكان تقليم الأظفار (ورد) بأنه قياس مع الفارق لأن شعر الرأس والأظفار متصلة بموضع الطهارة بخلاف الخف. (وقالت) الحنبلية والأوزاعي متصلة بموضع الطهارة بخلاف الخف. (وقالت) الحنبلية والأوزاعي وإسحاق: نزع الخف يبطل الوضوء وهو أحد قولي الشافعي ومالك (وهذا) الاختلاف مبنى على وجوب الموالاة في الوضوء. فمن أجاز التفريق جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه مغسولة. ولم يبق إلا غسل قدميه، فإذا غسلهما كمل وضوءه. ومن منع التفريق أبطل وضوءه لفوات الموالاة، فعلى هذا لو خلع الخفين قبل جفاف الماء عن يديه أجزأه غسل قدميه وصار كأنه خلعهما قبل مسحه عليهما (¬3) (ومشهور) مذهب المالكية أنه إذا خلع خفيه لزمه غسل قدميه فورا. وإن أخره استأنف الطهارة لأن الطهارة كانت صحيحة في كل الأعضاء إلى حين نزع الخف. وإنما بطلت في القدمين خاصة فإذا غسلهما عقب النزع لم تفت الموالاة، لقرب غسلهما من ¬

(¬1) انظر صفحة 289 ج 1 بيهقي (خلع الخف). (¬2) انظر صفحة 289 ج 1 بيهقي (خلع الخف). (¬3) انظر صفحة 295 ج 1 مغنى ابن قدامة (خلع الخفين الممسوحين).

الطهارة الصحيحة في بقية الأعضاء، بخلاف ما إذا تراخى غسلهما (وفيه) نظر فإن المسح قد بطل حكمه بالنزع. والاعتبار في الموالاة إنما هو بقرب الغسل من الغسل لا من حكمه فإنه متى زال حكم الغسل بطلت الطهارة ولا يفيد قرب الغسل شيئا لكون الحكم لا يعود بعد زواله إلا بسبب جديد (¬1). 9 - الخف المخرق: اتفق العلماء على جواز المسح عليه ما لم يكن الخرق مانعا (وقال) الثوري: كانت خفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس فلو كان في ذلك حظر لورد ونقل عنهم (¬2) (وقد) اختلفوا في الخرق المانع من صحة المسح على الخف (فقال) الحنفيون: يجوز المسح عليه ما دام خاليا من خرق كبير. وهو ما يبدو منه قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل إذا كان الخرق على غير الأصابع والعقب. أما إذا كان على الأصابع فالمعتبر ظهور ذات ثلاث الأصابع. فلا يضر كشف الإبهام مع جاره. وإذا كان على العقب لا يمنع ما لم يظهر أكثره (وتجمع) الخروق في خف لا في خفين حتى لو بلغ مجموع ما فيهما قدر ثلاث أصابع لا يمنع (وأقل) خرق يجمع ما تدخل فيه المسلة (وقال) الشافعي وأحمد: أن ظهر من القدم شيء من الخرق لم يجز المسح على الخفين وإلا جاز. (وقالت) المالكية: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا بأن كان أقل من ثلث القدم ولم ينفتح أو انفتح وكان يسيرا جدا بحيث لا يصل بلل حال المسح لما تحته من الرجل. ولا يصح المسح عليه إذا كان الخرق ثلث القدم سواء أكان منفتحا أم ملتصقا بأن فتقت خياطته مع التصاق الجلد بعضه ببعض. وكذا ¬

(¬1) انظر صفحة 296 ج 1 مغنى ابن قدامة. (¬2) انظر صفحة 16 ج 1 بداية المجتهد (صفة الخف).

إذا كان الخرق دون الثلث وانفتح بأن ظهرت الرجل منه (وقال) قوم منهم الثوري وداود الظاهري واسحق ابن راهويه: يجوز المسح على الخف المتخرق ما دام يسمى حفا وإن تفاحش خرقه. 10 - المسح على الجوربين- (الجورب) بفتح الجيم ما يصنع من قطن أو كتان أو صوف على هيئة الخف (وقد) اختلف العلماء في المسح على الجوربين. (قال) الحنفيون وأحمد: يجوز المسح عليهما سواء أكان (أ) "مجلدين" وهما ما وضع الجلد أعلاهما وأسفلهما (ب) "أم منعلين" وهما ما وضع الجلد أسفلهما كالنعل. (جـ) "أم ثخينين" يمكن المشي فيهما فرسخا فأكثر، ويثبتان على الساق من غير ربط ولا يرى ما تحتهما، ولا ينفذ إليه الماء. وهو الصحيح عند الشافعية (لقول) المغيرة بن شعبة: توضأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومسح على الجوربين والنعلين. أخرجه أحمد والطحاوي والبيهقي والأربعة إلا النسائي (¬1) {302}. وفيه (أ) (أبو قيس) عبد الرحمن الأودي وثقه ابن معين والعجلي وقال ثبت (ب) (وهذيل) بن شر حبيل وثقه العجلي وأخرج لهما البخاري في صحيحه ولذا صحح ابن حبان الحديث وقال الترمذي: حسن صحيح. وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحق قالوا: يمسح على الجوربين وأن لم يكونا نعلين إذا كانا ثخينين. "وقولهوالنعلين" أي مسح عليهما والجوربان تحتهما قاصدا مسح الجوربين لا النعلين، فكان تطهره بالمسح على الجوربين (وعن) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال: ¬

(¬1) انظر ص 71 ج 2 - الفتح الرباني. وص 100 ج 1 تحفة الأحوذي (المسح على الجوربين والنعلين) وص 134 ج 2 - المنهل العذب وصفحة 102 ج 1 - ابن ماجه.

(ب) الغسل

كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح على الخفين والجوربين. أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة. وابن أبي ليلى مستضعف صدوق (¬1) {303}. (وكان) أبو حنيفة لا يجوز المسح على الجورب الثخين، ثم رجع إلى الجواز قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة ومسح على جوربيه الثخيني في مرضه وقال لعواده: فعلت ما كنت أني عنه (وقالت) المالكية: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكونا مجلدين من أعلاهما وأسفلهما، لأنهما حينئذ كالخف. (ب) الغسل الغسل بفتح الغين مصدر غسل. وبالضم أسم مصدر لا غتسل وهو تعميم الجسد بالماء. وبالكسر اسم لما يغسل به من صابون وأشنان (3) ونحوهما. والمشهور في اسعمال الفقهاء "الفتح" إذا أضيف إلى المغسول كغسل الثوب والإناء "والضم" إذا أضيف إلى السبب كغسل الجنابة والجمعة. وهو لغة: الإسالة وشرعا إيصال الماء إلى جميع الجسد. ودليله قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 المائدة. والكلام ينحصر في عشرة مباحث: 1 - شروطه- هي كشروط الوضوء غير أنه (أ) لا يشترط الإسلام في صحة غسل الكتابية بعد انقطاع دم الحيض أو النفاس عند من يرى لزوم النية في الطهارة المائية وهو غير الحنفيين (فيجوز) لزوجها وطؤها بعد غسلها ولو بلا نية عند المالكية والحنبلية (وعند) الشافعية لا يصح غسلها إلا بالنية وإن لم تكن أهلا لها بالضرورة (وعند) الحنفيين يحل للزوج وطء امرأته ¬

(¬1) انظر ص 185 ج 1 نصب الراية (المسح على الجوارين).

ولو مسلمة بلا غسل إذا انقطع الدم لأكثر مدة الحيض أو النفاس كما سيأتي في أحكام الحيض إن شاء الله. (ب) لا يشترط التمييز في صحة غسل المجنونة عند الشافعية. ولذا يحل لزوجها وطؤها بعد غسلها من حيض أو نفاس. وينوي عنها من يغسلها. موجبات الغسل (أسبابه) (¬1) - يفترض الغسل لأمور ستة: (الأول) خروج المني وبرزوه من حشفة الرجل. وإلى فرج المرأة الظاهر بلذة ولو حكما كمحتلم رأى بللا ولم يدرك الشهوة "لما تقدم" عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فقال: من المذي الوضوء. ومن المني الغسل. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث صحيح (¬2) {304}. وفي رواية لأحمد فقال: إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل. (وحذف) يروي بالحاء والخاء ومعناه رمي. وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة (وعن) عائشة أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرأة الغسل إذا احتملت؟ قال نعم إذا رأت الماء فقالت عائشة تربت يداك فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعيها يا عائشة وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الرجل أخواله. ¬

(¬1) (الموجبات) هي في الواقع مبطلات للغسل. عبر عنها الفقهاء بالموجبات أو الأسباب توسعا لسهولة التعليم. وإلا فسببه إراداة ما لا يحل مع الحدث الأكبر إلا بالغسل. (¬2) تقدم رقم 224 صفحة 295 (نواقض الوضوء).

وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الرجل أعمامه. أخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (¬1) {305}. وقوله "إذا رأت الماء" أي المني بعد الاستيقاظ فإن لم تره فلا شيء عليها (لحديث) خولة بنت حكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل. أخرجه أحمد وابن ماجه وفي سنده على بن زيد بن جدعان. ضعيف (¬2) {306}. (وعن) أنس أن أم سليم سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ارمأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال من رأت ذلك منكن فأنزلت فلتغتسل. قالت أم سلمة: أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال نعم. ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا أشبه الولد. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقي (¬3) {307}. وهذا موجب للغسل اتفاقا. واختلفوا في أمور: (أ) إذا خرج المني بلا شهوة بأن خرج لمرض أو برد مثلا (قالت) الشافعية أنه موجب للغسل أيضا (وقال) الأكثرون: أنه غير موجب له (وعلى) الأول ¬

(¬1) انظر ص 119 ج 2 - الفتح الرباني. وص 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). و (تربت يداك) أي افتقرت والصقت بالتراب. والمراد به الزجر لا الدعاء. (¬2) انظر ص 119 ج 2 - الفتح الرباني. وص 108 ج 1 - ابن ماجه (المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل). (¬3) انظر ص 108 منه. وص 119 ج 2 الفتح الرباني. وص 168 ج 1 سنن البيهقي. وص 221 ج 3 نووي مسلم (وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها).

لو خرج من الرجل منيه بعد اغتساله بدون لذة وجب عليه إعادة الغسل وما صلاة بالغسل الأول (أما) لو خرج مني من المرأة بعد غسلها فإن كانت أنزلت قبل الغسل لزمها إعادته لاختلاط منيها بمني الرجل. وإن لم تكن أنزلت قبل الغسل فلاى يلزمها إعادته، لأن هذا مني الرجل لا منيها (ب) إذا انفصل المني عن مقره "صلب الرجل وترائب المرأة (¬1) " بلذة ولم يخرج إلى ظاهر فلا غسل عليه عند الجمهور وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وجوب الغسل لأن الجنابة تباعد الماء عن محله وقد وجد فيجب الغسل (وللجمهور) أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم علق الاغتسال على الرؤية أو الحذفل كقوله "إذا رأيت الماء وقوله إذا حفت الماء فاغتسل" فلا يثبت الحكم بدونه وفي إيجابه بمجرد الإنفصال حرج. والحرج مرفوع. وما ذكره من الاشتقاق لا يصح لأنه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه منه (¬2). (جـ) هل يشترط استمرار اللذة إلى خروج المني إلى ظاهر الجسد؟ (فعند) الجمهور لا يشترط (وعند) أبي يوسف يشترط (وثمرة) الخلاف تظهر في أمور (منها) ما لو احتلم فوجد اللذة ولم ينزل حتى توضأ وصلى يلزمه الغسل عند الجمهور خلافا لأبي يوسف. ولا يعيد الصلاة إلا عند أحمد فقد قال يعيدها لوجوب الغسل عليه بمجرد انفصال المني عن مقره بشهوة (وكذا) لو احتلم في الصلاة ولم ينزل حتى أتمها أو احتلم فأمسك ذكرة حتى سكنت شهوته ثم خرج المني. (ومنها) ما لو اغتسل بعد الجماع قبل النوم أو البول أو المشي الكثير ثم سال منه بقية المني بلا شهوة، فإنه يلزمه إعادة الغسل عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي ورواية عن أحمد (وقال) مالك وأبو يوسف: لا غسل عليه وهو المشهور عن ¬

(¬1) (الصلب) بضم فسكون عظام ظهر الرجل. و (الترائب) عظام صدر المرأة. (¬2) انظر صفحة 202 ج 1 مغنى ابن قدامة (خروج المني).

أحمد (أما) لو خرج بقية المني بعد البول أو النوم أو المشي فلا يعاد الغسل عند الحنفيين ومالك (وقالت) الشافعية: يلزمه إعادة الغسل لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الماء من الماء. ولأنه نوع حدث فنقضمطلقا كالجماع وسائر الأحداث (¬1) (وقالت) المالكية: إذا خرج المني بعد لذة معتادة بلا جماع لزمه إعادة الغسل (وإن) كانت اللذة ناشئة من جماع بأن أولج ولم ينزل ثم أنزل بعد ذهابها، فلا يزلمه إعادة الغسل (¬2) (وقالت) الحنبلية. إذا نزل المني بلذة بعد الغسل لزمه إعادته وإن نزل المني بلا لذة بعده نقض الوضوء فقط. (فائدة) من قام من نومه فوجد بللا (أن تيقن) أنه مني لزمه الغسل اتفاقا وإن لم يتذكر احتلاما. (وإن شك) في كونه منيا أو مذيا يلزمه الغسل عند أبي حنيفة ومحمد ومالك وأن لم يتذكر احتلاما (لقول) عائشة: سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما. قال يغتسل. وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا. قال لا غسل عليه. فقالت أم سليم هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال نعم إنما النسائ شقائق الرجال. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر (يعني العمري) عن عبيد الله بن عمر حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر ¬

(¬1) انظر صفحة 139 ج 2 مجموع النووي. (¬2) وللمالكية تفصيل يأخذ من قول الشيخ الدردير في الصغير: يجب على المكلف الغسل (أ) يخروج مني بنوم ولو بلا لذة وبخروجه يقظة إن كان بلذة معتادة من نظر او نكر في جماع أو مباشرة وإن حصل الخرج بعد ذهاب اللذة فإنه يجب الغسل. (ب) وإن لم يكن خروج المني بلذة معتادة بأن خروج لمرض أو طربة أو كان بلذة غير معتادة كحكة لجرب أو هزة دابة- ففيه الوضوء فقط. كمن غيب الحشفة في الفرج فاغتسل ثم خرج منه مني بعد الغسل فعليه الوضوء فقط لأنه اغتسل للجنابة. أنظر صفحة 52 و 53 ج 1 - الشرح الصغير (فصل الغسل).

احتلاما. وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه لكن وثقه أحمد ويحيى ابن معين (¬1) {308}. (وقال) أبو يوسف: لا غسل على من شك في البلل ولم يتذكر احتلاما، لأن الأصل براءة الذمة فلا يجب الغسل إلا بيقين (ومشهور) مذهب الشافعية أن من شك بعد النوم في البلل لا يلزمه الغسل وأن تذكر احتلاما. بل له أن يحمله على المني فيغتسل أو أن يحمله على المذي فيغسل محله ويتوضأ (¬2) ويرده إطلاق الحديث (وقالت) الحنبلية: إن انتبه بالغ أو مراهق ووجد بللا جهل كونه منيا (فإن تقدم) نومه سبب لهذا البلل كبرد أو نظر أو فكر أو ملاعبة فلا يلزمه الغسل. لاحتمال أنه مذي وقد وجد سببه ولا يجب مع الشك. ويلزم غسل ما أصابه من ثوب وبدون (وإن) لم يتقدم نومه سبب لهذا البلل، لزمه الغسل (لحديث) عائشة رقم 308 لأن الظاهر أنه احتلام. ويلزمه غسل ما أصابه من ثوب وبدن احتياطا (¬3). (الثاني) من موجبات الغسل، التقاء. الختانين، ويتحقق (أ) عند الحنفيين بتوارى حشفة آدمي حي غير خنثى مشتهى أو قدرها من مقطوعها في قبل أو دبر آدمي حي يطيق الجماع بلا حائل يمنع اللذة وحرارة الفرج، فيلزمهما الغسل لو كان مكلفين ولو بلا إنزال (ويلزم) بوطء صغيرة لا تشتهي وإن لم يفضها على الصحيح (ولو لف) ذكره بخرقة وأولجه ولم ينزل، فإن وجد حرارة الفرج واللذة لزمه الغسل وإلا فلا على الأصل. والأحوط لزومه. ¬

(¬1) انظر صفحة 116 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 324 ج 2 - المنهل العذب (الرجل يجد البلة في منامه). - وصفحة 112 ج 1 تحفة الأحوذي (فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما). و (الحديث) معلول بعلتين: ضعف عبد الله العمري وتفرده به لذا قصر عن درجة الحسن. انظر صفحة 327 ج 3 - المنهل العذب. (¬2) انظر ص 146 ج 2 مجموع النووي (الوجه الثالث). (¬3) انظر ص 104 ج 1 كشاف القناع (ما يوجب الغسل).

(ب) (وعند) المالكية يتحقق بتغييب الحشفة بلا حائل يمنع اللذة في قبل أو دبر آدمي أو بهيمة ولو الموطء ميتا. فيجب الغسل على الفاعل المكلف إن كان المفعول مطيقا، وعلى المفعول إن كان الفاعل مكلفا، فمن وطئها صبي لا يلزمها غسل إلا إذا أنزلت. (جـ) (وعند) الشافعية يتحقق بتواري حشفة أو قدرها ولو بحائل يمنع حرارة المحل من آدمي مميز واضح في قبل غير خنثى أو دبر آدمي أو بهيمة ولو كان المفعول به ميتا. فيجب الغسل على الفاعل والمفعول، ولو غير بالغين أو كان المفعول غير مطيق، فعلى ولي الصبي أن يأمره بالغسل. ولا يجب بإيلاج الخنثى ولا بالوطء في قبله إلا بالانزال. (د) (وعند) الحنبلية يتحقق بتوارى حشفة أو قدرها بلا حائل ولو رقيقا من آدمي غير خنثى مطيق الجماع في قبل أو دبر آدمي مطيق أو بهيمة ولو كان المفعول به ميتا. فيجب الغسل على الفاعل والمفعول، إذا كانا بالغين أو مراهقين. (ولا يجب) بإيلاج الخنثى ولا بالوطء في قبله إلا بالإنزال لعدم تغييب الحشفة الأصلية بيقين (وأن) تواطأ رجل وخنثى في دبريهما فعليهما الغسل (وأن) وطيء خنثى امرأة وجامعه رجل في قبله، فعلى الخنثى الغسل وعلى الرجل والمرأة أن يتطهرا احتياطا. (والدليل) على لزوم الغسل بالتقاء الختانين (حديث) عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل. أخرجه أحمد ومسلم (¬1) {309}. ¬

(¬1) انظر صفحة 113 ج 2 - الفتح الرباني. وص 41 ج 4 نووي مسلم (ما يوجب الغسل). و (الشعب) جمع شعبة وهي القطعة من الشيء والمراد يداها ورجلاها. وقيل رجلاها وفخذاها. وقبل فخذاها وشفراها. و (الختان) موضع الختن. والختن في المرأة قطع جلدة في أعلى الفرج مجاورة لمخرج البول كعرف الديك ويسمى الخفاض. وفي الرجل قطع الجلدة الكاسية للحشفة.

(وقالت) عائشة: إذا التقى الختانان وجب الغسل. فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واغتسلنا. أخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان وابن القطان. وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه (¬1) {310}. (والمراد) بالتقاء الختانين ومسهما، تغييب الحشفة في الفرج. وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة. لأن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع (وقد) أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على أحد منهما. فلابد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحا به في حديث عبد الله ابن عمرون بن العاص بلفظ: إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل: أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه. وفي سنده حجاج ابن أرطأة. قال الحافظ صدوق كثير الخلط والتدليس (¬2) {311}. (والأحاديث) صريحة في أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال، بل يجب بمجرد الإيلاج (ففي) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهد نفسه فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (¬3) {313}. ¬

(¬1) صفحة 36 ج 1 بدائع المنن. وص 109 ج 1 سنن ابن ماجه (وجوب الغسل إذا التقى الختانان). (¬2) انظر ص 113 ج 2 - الفتح الرباني. وص 110 ج 1 - ابن ماجه. (¬3) انظر ص 114 ج 2 - الفتح الرباني. وص 39 ج 4 نووي مسلم (الغسل يجب بالجماع). وص 109 ج 1 - ابن ماجه (وجوب الغسل إذا التقى الختانان).

والمراد بالإجهاد إيلاج الحشفة (ونقل) ابن عبد البر إجماع الصحابة على إيجاب الغسل من التقاء الختانين وقال: إن الجمهور من بعدهم انعقد إجماعهم على ذلك أيضًا. (وقال) أبو سعيد الخدري والظاهرية: لا يجب الغسل إلا مع الإنزال (لحديث) أبي سعيد مرفوعا: "إنما الماء من الماء" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي {313}. أي إنما يجب الغسل من نزول المني (ورد) بأن الحديث محمول على حالة النوم كما فسره ابن عباس وغيره جمعا بين الروايات. وعلى فرض عمومه فهو منسوخ بحديث أبي هريرة السابق (ويؤيده) قول أبي بن كعب: أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة، كان رسول الله صلى الله عليه وعلى ىله وسلم رخص بها في أول الإسلام، ثم أمرنا بالاغتسال بعدها. أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والترمذي وصححه (¬1) {314}. (الثالث) انقطاع دم الحيض والنفاس- أجمع الصحابة ومن بعدهم على وجوب الغسل لانقطاع دم الحيض والنفاس (لما تقدم) عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي. أخرجه الشيخان وغيرهما (¬2) {315}. ¬

(¬1) انظر صفحة 110 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 327 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬2) تقدم مطولا رقم 227 صفحة 296 (نواقض الوضوء الدم الخارج من الجسد).

(وعن) معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل. أخرجه البيهقي (¬1) {316}. (الرابع) الولادة بلا دم (قالت) الحنفية والمالكية والشافعية: يجب الغسل على من ولدت ولم تر دما احتياطا، لأنها لا تخلو من أثر دم (وقال) أبو يوسف ومحمد والحنبلية: لا غسل عليها لعدم الدم، ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص. (الخامس) الموت- أجمع العلماء على أنه يفترض على الأحياء فرض كفاية تغسيل الميت المسلم الذي لم يقع به ما يمنع الغسل كالشهادة في المعركة والبغي والقتل ظلما (لما يأتي) عن ابن عباس قال: فبينما رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة فوقصته ناقة فمات. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه. أخرجه السبعة (¬2) {317}. هذا، وسبب لزومه عند الحنفيين الحدث على الأصح، لأن الموت سبب للاسترخاء وزوال العقل (وهو) عند الشافعية للنظافة، وروى عن مالك فلا تلزم فيه النية. ويصح من الكافر والمجنون. و (عند) الحنبلية سببه الموت تعبدا. لا عن حدث، لأن لو كان عنه لم يرتفع مع بقاء سببه كالحائض لا تغتسل مع جريان الدم ولا عن نجس، لأنه لو كان عنه لم يطهر مع بقاء سبب التنجيس وهو الموت (¬3). وهو المشهور عن مالك. (السادس) إسلام الكافر- يجب الغسل على كافر ولو مرتدا أسلم ولو ¬

(¬1) انظر ص 342 ج 1 سنن البيهقي (النفاس). (¬2) يأتي رقم 407 صفحة 227 ج 7 - الدين الخالص طب 2 (غسل الميت). (¬3) انظر ص 108 ج 1 كشاف القناع (الرابع من موجبات الغسل الموت).

صبيا مميزا، وإن اغتسل قبل إسلامه، أو لم يوجد من حال كفره ما يوجب الغسل عند أحمد وروى عن مالك (لقول) قيس بن عاصم: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر. أخرجه أحمد والثلاثة وصححه ابن السكن (¬1) {318}. (وقالت) الشافعية: يجب الغسل على من أجنب حال كفره اغتسل أم لا، لعدم صحة غسله وقتئذ لتوقف صحة الغسل على النية المتوقفة على الإسلام. ويستحب لمن لم يأمر كل من أسلم بالغسل، ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض فيكون ذلك قرينة صرف الأمر إلى الندب (وأما) وجوبه على من أجنب فللأدلة القاضية بوجوبه لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم (وقال) الحنفيون: يجب على من أجنب ولم يغتسل حال كفره. فإن اغتسل لا يجب لما تقدم من الأدلة، ولا يصح قياسه على الصلاة والزكاة، لأنهما لا يصحان بدون النية لعدم الغيمان. بخلاف اغتساله، لأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى النية (والظاهر) الأول، لأن ظاهر الأحاديث وجوب الغسل على كافر أسلم مطلقا. (فائدة) إذا اجتمع شيئان موجبان للغسل كالحيض والجنابة وتغيب الحشفة والإنزال، يكفيه عنهما غسل واحد عند الأئمة الأربعة والجمهور لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يغتسل من الجماع إلا غسلا واحدا وهو يتضمن شيئين إذ هو لازم للإنزال غالبا. 3 - ما لا يوجب الغسل- لا يلزم الغسل لأربعة أنواع (أ) لا يفترض الغسل ¬

(¬1) انظر ص 148 ج 2 - الفتح الرباني. وص 338 ج 2 تيسير الوصول (غسل الإسلام).

اتفاقا لمذي ولا لودي ولا لاحتلام بل بلل. لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فإذا احتلمت بلذة ولم يخرج ماؤها إلى فرجها الظاهر، فلا غسل عليها. (ب) ولا يفترض بتغيب بعض الحشفة ولا بوطء في غير قبل ودبر، ولا بسحاق- وهو اتيان المرأة المرأة بلا إنزال- ولا بالتصال الختانين بلا إيلاج. (جـ) ولا يفترض عند غير الشافعية بخروج مني بلا لذة ولو حكما على ما تقدم. (د) ولا يجب عند المالكية بمني خرج بلذة غير معتادة كأن خرج لنزوله في ماء حار ولحك جرب وتحريك دابة إن لم يتماد فيهما. فإن تمادى بعد شعوره باللذة من حك الجرب وتحريك الدابة ويجب الغسل. 4 - فرائض الغسل- هي عند المالكية خمسة- النية وتعميم الجسد بالماء، والدلك، وتخليل الشعر، والموالاة مع الذكر والقدرة (وعند) الشافعية: النية وتعميم الشعر والبشرة بالماء (وعند) الحنفيين- غسل الفم والأنف وتعميم سائر الجسد بالماء (وعند) الحنبلية- تعميم الجسد بالماء حتى داخل الفم والأنف وظاهر الشعر وباطنه وحشفة أغلف أن أمكن تشميرها بلا مشقة (وأما) النية فشرط صحة إلا في غسل المجنونة والذمية فلا تشترط. وينوي عن المجنونة من يغسلها. ويلزم عند الكل إزالة ما على الجسد من نجاسة وغيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة. وهاك بيان الفرائض مفصلة: (أ) النية- تكون عند غسل أول جزء من الجسد، ولا يضر عند غير الشافعية تقدمها بزمن يسير. وعند الشافعية: يشترط مقارنتها لأول مغسول،

فلا يجزي تقدمها بزمن يسير. ومحلها القلب. والتلفظ بها غير مشروع. وتقدم تمام الكلام عليها في فرائض الوضوء (¬1). (ب) تقميم الجسد بالماء- اتفق العلماء على أنه يفترض في الغسل إيصال الماء إلى جميع ما يمكن وصوله إليه بلا حرج كظفر وأذن وسرة وبشرة لحية وفرج خارج- وهو ما يظهر عند قعود المرأة لقضاء الحاجة- حتى لو بقيت لمعة لو يسيرة لم يصلها الماء لا يكفي الغسل، لقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 - المائدة. وهو أمر بتطهير جميع الجسد فيدخل كل الماء إلى ما تحته كعجين وطين وشمع ودهن متجمد وقذي عين (وكذا) يلزم عند غير المالكية نزع خاتم ضيق لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بنزعه. وعلى المرأة تحريك قرطها الضيق (وقالت) المالكية: لا يلزم المغتسل نزع خاتمه الضيق المبالح استعماله ومثله حلي المرأة على ما تقدم بيانه في الوضوء (وإذا) كان بأذن المرأة أو الرجل ثقب لزم إيصال الماء إلى داخله خلافا للشافعية حيث قالوا لا يلزم غيصال الماء داخل الثقب الذي لا قرط فيه، لأن الواجب عندهم غسل البدن فقط. واختلفوا في أمور: 1 - نقض الشعر في الغسل- (قال) الحنفيون: لا يجب على المرأة نقض ضفيرتها إن بل أصلها (لحديث) أم سلمة أنها قالت " يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت. أخرجه ¬

(¬1) انظر صفحة 218 (النية- فروض الوضوء).

أحمد ومسلم والأربعة. وقال الترمذي حسن صحيح (¬1) {319}. (وعن) عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن. فقالت: يا عجبا لابن عمرو وهو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رءوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؟ لقد كنت أغتسل أن ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. أخرجه أحمد ومسلم (¬2) {320}. أما الرجل فيلزمه نقض ضفائره ولو وصل الماء أصول الشعر على الصحيح، (لحديث) ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الغسل من الجنابة، فقال: أما الرجل فينثر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفهاز أخرجه أبو داود (¬3) {321}. (والحكمة) في التفرقة بين الرجل والمرأة أن عليها في النقض حرجا. وفي الحلق مثلة. فسقط عنها النقض بخلاف الرجل فيجب عليه النقض مطلقا لعدم الحرج. (وقالت) المالكية: إن الشعر إذا كان مضفورا بنفسه واشتد وجب نقضه ¬

(¬1) انظر صفحة 135 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 11 ج 4 نووي مسلم (حكم ضفائر المغتسلة) وصفحة 52 ج 3 - المنهل العذب (المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ). وصفحة 108 ج 1 تحفة الأحوذي. وصفحة 108 ج 1 سنن ابن ماجه (غسل النساء من الجنابة). (¬2) انظر صفحة 135 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 12 ج 4 نووي مسلم (حكم ضفائر المغتسلة). (¬3) انظر صفحة 31 ج 3 - المنهل العذب (المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ ).

في الغسل دون الوضوء (وإن) كان مضفورا بخيوط ثلاثة فأكثر وجب نقضه في الغسل والوضوء اشتد أم لا (وإن) شد بخيط أو خيطين واشتد نقض وإلا فلا. لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين غسل الجنابة وغيرها (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة. أخرجه أبو داود والبيهقي والترمذي. وفي سنده الحارث بن وجيه ضعيف منكر الحديث. وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه غلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك (¬1) {322}. (وقالت) الشافعية والنخعي: إن وصل الماء إلى باطن الشعر بدون نقض لو يجب وإلا وجب. لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين الجنابة والحيض والنفاس، مستدلين بما استدل به المالكية. وقد علمت أنه ضعيفن فلا يعارض أحاديث وعائشة وثوبان. (وقالت) الحنبلية: يجب نقضه في الحيض والنفاس دون الجنابة إن بلت أصوله (لحديث) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان. وإن اغتسلت من جنابة صبت الماء على رأسها صبا وعصرته. أخرجه الدارقطني والطبراني وكذا البيهقي وفيه: وإذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ولم تغتسل بالخطمي والأشنان وقد تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد بن سلمة (¬2) {323}. (ولكن) الأمر فيه محمول على الندب لأن الغسل بالخطمى والأشنان لم يقل ¬

(¬1) انظر صفحة 228 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬2) انظر صفحة 182 ج 1 سنن البيهقي (ترك المرأة نقض قرونها). وصفحة 273 ج 1 مجمع الزوائد (الغسل من الجنابة).

بوجوبه أحد، فهو قرينة على أن الأمر بالنقض للندب، بخلاف حديث أم سلمة فإنه محمول على الإيجاب، لقوله إنما يكفيك. ولذا ذهب بعض الحنبلية إلى أنه لا يجب على المرأة نقض الشعر في الغسل مطلقا وهو الراجح لقوة أدلته. 2 - المضمضة والاستنشاق في الغسل- (قال) مالك والشافعي والليث بن سعد: إنهما سنتان فيه كالوضوء (لقول) ميمونة: سترت النبي صلى عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحي رجليه فغسلهما. وهذا غسله من الجنابة. أخرجه الشيخان والثلاثة (¬1) {324}. (وهو) لا يدل على وجوب المضمضة والاستنشاق لأن مجرد فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يقتضي الوجوب (وقال) الحنفيون والحنبلية والثوري: إنهما فرضان في الغسل، لقوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) من آية 6 المائدة فإنه أمر بتطهير جميع البدن إلا ما تعذر إيصال الماء إليه، وداخل الفم والأنف لا يتعذر إيصال الماء إليه (ورد) بأن الآية مجملة بينت (بحديث) أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين. فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك. أخرجه أبو داود (¬2) {325}. قال أهل اللغة: البشرة ظاهر الجلد. وداخل الأنف والفم من الباطن لا من الظاهر. ¬

(¬1) انظر صفحة 329 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬2) انظر صفحة 175 ج 3 - المنهل العذب (الجنب بتيمم).

3 - الدلك في الغسل- هو سنة عند الأئمة الثلاثة والجمهور وفرض عند المالكية والمزني كما تقدم في الوضوء (¬1) (والسبب) في اختلافهم، اشتراك أسم الغسل ومعارضة ظاهر الأحاديث- الواردة في صفة الغسل- لقياس الغسل في ذلك على الوضوء. وذلك أن الأحاديث الثابتة التي وردت في صفة غسله عليه الصلاةة والسلام من حديث عائشة وميونة الآتية (¬2) ليس فيها ذكر التدلك، وإنما فيها إفاضة الماء فقط. وفي حديث أم سلمة السابق (¬3) "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي على سائر جسدك. فإذا أنت قد طهرت" (وهو) أقوى في أسقاط التدلك من الأحاديث الأخر. لأنه يمكن هنالك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك. وأما ها هنا فإنما حصر لها شروط الطهارة. (فذهب) قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث. وغلبوا ذلك على قياس الغسل على الوضوء فلم يوجبوا التدلك (وغلب) آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر هذه الأحاديث. فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء. فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك. ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى أساقط التدلك (¬4) وهذا هو الظاهر. 4 - سنن الغسل: للغسل سنن كثيرة المذكور منها هنا ثلاث عشرة: 1 - التسمية في أوله- بأن يقول باسم الله والحمد لله. كما تقدم في الوضوء ¬

(¬1) أنظر صفحة 229 (الدلك) الثامن من أركان الوضوء. (¬2) (الآتية) في (كيفية الغسل) رقم: 348، 349، 350. (¬3) (تقدم رقم 319 ص 313 نقض الشعر في الغسل). (¬4) انظر صفحة 34 ج 1 بداية المجتهد (الغسل).

(وهي) سنة عند الحنفيين والشافعي ومندوبة عند مالك، وواجبة على العالم الذاكر عند الحنبلية فإن تركها عندا لم يصح غسله قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى غير أن حكمها هنا أخف، لأن حديث التسمية إنما يتناول بصريحه الوضوء لا غير (¬1). 2 - غسل الكفين- يسن للمغتسل أن يبدأ بغسل كفيه ثلاثا كالوضوء (لقول) عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من جنابة يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها فى الماء ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة. أخرجه السبعة (¬2). [236]. والحكمة فى ذلك أنهما آلة التنظيف فيطهران أولا. 3 - غسل الفرج- يسن لمريد الاغتسال أن يبدأ بغسل قبله ودبره وإن لم يكن عليهما نجاسة (لما) فى حديث ميمونة قالت: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ثم أفاض عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما. أخرجه البخارى (¬3) [237]. 4 - إزالة ما على جسده من نجاسة- يسن للمغتسل أن يبدأ بإزالة ما على جسده من نجاسة ولو قليلة. أما أصل إزالتها فلابد منه لأنه لا يرتفع حدث ما تحتها حتى تزال. ¬

(¬1) انظر صفحة 115 ج 1 كشاف القناع (الغسل المجزئ). (¬2) انظر صـ 126 ج 2 - الفتح الربانى. وصفحة 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). (¬3) انظر صفحة 251 ج 1 - فتح البارى (الوضوء قبل الغسل).

5 - السواك: يسن للمغتسل التسوك كما يستحب للمتوضئ (¬1). 6 - الوضوء: يستحب لمريد الاغتسال الوضوء قبل الغسل كما تقدم بيانه فى الوضوء قبل الغسل (¬2). 7 و 8 - إفاضة الماء والتيامن: يسن للمغتسل بعد الوضوء أن يفيض الماء على رأسه ثلاثا يروى بها أصول الشعر. ثم يفيضه على سائر جسده بادئا بشقه الأيمن (لما) يأتى فى حديث عائشة قالت: حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم افاض على سائر جسده (¬3) وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى شأنه كله. 9 - تخليل اللحية والشعر - يلزم المعتسل إيصال الماء إلى أصول شعره على ما تقدم في بحث نقض الشعر (¬4) وإيصاله إلى ما تحت لفحيته الخفيفة. ويسن له تخليل شعر اللحية والرأس أن وصل الماء إلى أصول الشعر بلا تخليل. والإلزم عند الحنفيين (وعند) الشافعية والحنبلية: يسن تخليل الشعر إن وصل الماء إلى البشرة بدونه والالزم (والمعتمد) عند المالكية أنه يجب تخليله مطلقا ولو كثيفا وصل الماء على ما تحته (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن تحت كل شرعة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة أخرجه أبو داود والترمذي (¬5) {327}. ¬

(¬1) انظر صفحة 188 (حكم السواك). (¬2) انظر صفحة 292 (الوضوزء قبل الغسل) (¬3) انظر رقم 348 صفحة 326 (كيفية الغسل). (¬4) انظر صفحة 213 (نقص الشعر في الغسل). (¬5) انظر صفحة 20 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجناية). وصفحة 109 ج 1 تحفة الأحوذي (إن تحت كل شعرة جنابة).

وقال: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذلك. وقال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف. والتخليل الواجب عندهم تخليل الشعر وتحريكه حتى يصل الماء للبشرة (لما) يأتي في حديث عائشة قالت: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل الشعر وتحريكه حتى يصل الماء للبشرة (لما) يأتي في حديث عائشة قالت: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر (¬1). 10 - تخليل الأصابع: يسن للمغتسل تخليل أصابع الدين والرجلين عند غير المالكية. وهو فرض عند المالكية في أصابع اليدين والرجلين على ما تقدم بيانه في الدلك (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خلل أصابع يديك ورجليك يعني إسباغ الوضوء. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب وفيه صالح مولي التوءمة وهو ضعيف لكن حسنه البخاري لأنه من رواية موسى ابن عقبة عن صالح وسماع موسى عنه قبل أن يختلط (¬2) {329}. 11 - التثليث- يسن في الغسل تثليث غسل الرأس اتفاقا لما تقدم وكذا باقي الجسد عند غير المالكية (لحديث) أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا اغتسل أحدكم فليغتسل كل عضو ثلاثا. أخرجه الديلمي {330}. (ومنه) تعلم رد قول المالكية: لا يطلب تثليث غير الرأس لعدم وروده. 12 - التستر حال الغسل- يطلب من المغتسل ستر العورة حال الاغتسال وأن يغتسل بمكان لا يراه فيه من لا يحل له النظر إلى عومرته (لحديث) يعلي بن ¬

(¬1) يأتي رقم 348 صفحة 326 (حديث عائشة في كيفية الغسل). (¬2) انظر صفحة 44 ج 7 - الفتح الرباني (تخليل الأصابع).

أمية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "إن الله عز وجل حيى ستير يحب الحياء والستر. فإذا أراد أحدطم أن يغتسل فليستتر. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح (¬1) {331}. (وظاهره) وجوب التستر حال الغسل ولو في الخلوة. وإليه ذهب ابن أبي ليلى وبعض الشافعية (وقال) الجمهور: أنه سنة وتركه مكروه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم أم عليا فوضع له غسلا ثم أعطاه ثوبا فقال استرني وولني ظهرك. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (¬2) {332}. (وقالت) أم هانئ: ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب. أخرجه أحمد والشيخان (¬3) {333}. فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتستر في بعضها على الأفضل. قال البخاري: باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة. ومن تستر فلتستر أفضل (¬4). ¬

(¬1) انظر صفحة 123 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 39 ج 4 سنن أبي داود (النهي عن التعري). وصفحة 70 ج 1 مجتبي (الاستتار عند الاغتسال. و (بسند صحيح) رد بأن فيه عبد الملك بن أبي سليمان قال أحمد: ثقة يخطئ. و (البراز) بفتح الباء وقد تكسر، الفضاء الواسع. (¬2) انظر صفحة 269 ج 1 مجمع الزوائد (التستر عند الاغتسال). (¬3) انظر صفحة 123 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 267 ج 1 فتح الباري (التستر في الغسل). (¬4) انظر صفحة 266 منه. وصفحة 167 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 140 ج 3 - المنهل العذب (الاغتسال من الحيض).

3 - استعمال السدر ونحوه- يسن في الغسل استعمال سدر ونحوه كأشنان وصابون (لحديث) عائشة أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله أخبرني عن الطهور من الحيض فقال: نعم لتأخذ أحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، (الحديث) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (¬1) {334}. والنفاس كالحيض. وعلى الجملة يسن في الغسل ما يسن في الوضوء. 5 - مندوباته- يندب في الغسل ما يندب في الوضوء سوى استقبال القبلة، لأنه يكون غالبا مع كشف العورة. 6 - مكروهاته: يكره فيه ما يؤدي إلى ترك سنة من سننه، وما يكره في الوضوء على ما تقدم بيانه. د 7 - أقسام الغسل- هي ثلاثة: فرض وسنة ومندوب. (أ) فيفترض في حالتين: 1 - لواحد من الاسباب المتقدمة. وهي إنزال المنى بشهوة ولو حكما، وتغييب حشفة في قبل أو دبر ولو من كافر ثم أسلم وانقطاع حيض أو نفاس ولو من كافرة ثم أسلمت، وولادة ولو بلا دم، وموت فيفترض تغسيل الميت على ما تقدم بيانه. 2 - يلزم الغسل لإزالة نجاسة أصابت كل البدن أو بعضه وخفي مكانها. (ب) ويسن الغسل لخمسة أشياء: ¬

(¬1) انظر صفحة 166 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 334 ج 2 تيسير الوصول بلفظ: خذي فرصة ممسكة فتطهري بها (الحديث) (في غسل الحائض والنفساء).

1 - غسل الجمعة- يطلب الغسل ممن يريد صلاة الجمعة وإن لم تلزمه (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. أخرجه مالك وأحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذي (¬1) {335}. (وعن عمر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أتى أحدكم إلى الجمعة فليغتسل. أخرجه الجماعة وهذا لفظ أبي داود (¬2) {336}. (ولظاهر الحديثين) قالت الظاهرية بوجوب غسل الجمعة. وحكاه الخطابي عن الحسن البصري (وقال) جمهور العلماء: أنه سنة وهو المعروف من مذاهب الأئمة الأربعة. وقالوا: المراد بالوجوب في الحديث الأول تأكد الاستحباب. والأمر في بعض الأحاديث مصروف عن الوجوب لحديث الحسن عن سمرة ابن جندب أن النبي صلى الله عليه وعلى ىله وسلم قال: من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل. وأخرجه أحمد وابن خزيمة والأربعة بسند جيد لكن اختلف في سماع الحسن من سمرة (¬3) (ويعضده) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من ¬

(¬1) انظر صفحة 235 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجمعة). وصفحة 48 ج 6 - الفتح البرباني. وصفحة 132 ج 6 نووي مسلم (غسل الجمعة). (¬2) انظر صفحة 198 ج 3 - المنهل العذب (الغسل يوم الجمعة). وصفحة 235 ج 2 تيسير الوصول (في غسل الجمعة والعيدين). (¬3) انظر صفحة 336 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجمعة). وص 50 ج 6 - الفتح الرباني. و (اختلف في سماع الحسن .. ) قال النسائي: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة. أنظر صفحة 205 ج 1 مجتبي (الرخصضة في ترك الغسل يوم الجمعة).

توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام. أخرجه مسلم (¬1) {338}. (وهذا) من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة. (وهو) الراجح. والأحوط المحافظة على غسل الجمعة كالمحافظة على اداء الواجبات (ومحل) الخلاف إذا لم يترتب على تركه أذى، وإلا فالغسل واجب اتفاقا، لأن الضرر حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة (وفي) وقت غسل الجمعة ثلاثة أقول: (أ) (قال) مالك والليث والأوزاعي: يدخل وقته عند إرادة الرواح إلى المسجد (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل" أخرجه مسلم (¬2) {339}. (ب) وقال الجمهور: وقته يدخل بطلوع الفجر، ولا يشترط اتصاله بالرواح، بل يستحب. وينتهي وقته بصلاة الجمعة. للأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة. ولأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة. والمقصود عدم تأذي الحاضرين. وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة. (جـ) وقال الحسن بن زياد ومحمد بن الحسن والظاهرية: وقته كل اليوم. فلا يشترط تقديمه على صلاة الجمعة. بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأه للأحاديث المطلقة (واستبعده) ابن دقيق العيد وقال: يكاد يجزم ببطلانه. وأدعى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة. ووجهه أن الغسل ¬

(¬1) انظر صفحة 146 ج 6 نووي مسلم (فضل من استمع وأنصت للخطبة). (¬2) انظر صفحة 130 منه (غسل الجمعة).

للصلاة لا لليوم (لحديث) عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أتى الجمعة فليغتسل. أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وزاد: من لم يأتها فلا يغتسل (¬1) {340}. 2 - غسل العيدين: اتفق العلماء على أنه سنة (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى. أخرجه ابن ماجه والبيهقي. وفيه جبارة بن المغلس وحجاج ابن تميم ضعيفان (¬2) {341}. (وقال) في البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: أحاديث غسل العيدين ضعيفة. وفيه آثار عن الصحابة جيدة (ومنها) ما روى نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلي أخرجه مالك والبيهقي (¬3) {34}. (واختلفوا) في وقته وفي أنه للصلاة أو اليوم. (أ) قال أبو يوسف والحنبلية: هو سنة للصلاة. ويدخل وقته بطلوع الفجر فلا يجزئ قبله ولا بعد صلاة العيد. وعن أحمد أنه يصح قبل الفجر وبعده. (ب) وقالت المالكية والشافعية: هو سنة اليوم. وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنفية. فيطلب ممن يحضر الصلاة ومن لا يحضرها، لأن الغرض منه إظهار الزينة، ويجوز قبل الفجر وبعده. والأفضل أن يكون بعده (ويدخل) ¬

(¬1) انظر صفحة 295 ج 1 سنن البيهقي (الغسل يوم الجمعة سنة اختيار). (¬2) انظر صفحة 204 ج 1 - ابن ماجه (الاغتسال في العيدين). (¬3) انظر صفحة 336 ج 2 تيسير الوصول (غسل العيدين). وصفحة 299 ج 1 سنن البيهقي (الاغتسال للأعياد).

وقته عند المالكية بالسدس الأخير من الليل وينتهي بغروب شمس يومه (وعند) الشافعية يدخل وقته بنصف ليلة العيد إلى غروب شمس يومه. (فائدة) يكفي غسل واحد لعيد وجمعة اجتمعا مع جنابة إذا نوي الكل ويحصل للمغتسل ثواب ما نوى، لحديث "وإنما لا مرئ ما نوى". 3 - غسل من غسل ميتا- يطلب ممن غسل ميتا أن يغتسل. (لما تقدم) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل. ومن حمله فليتوضأ. أخرجه أحمد والثلاثة والبيهقي (¬1) {342}. (وبظاهره) أخذ على وأبو هريرة والإمامية فقالوا: إن من غسل ميتا وجب عليه الغسل (وقالت) الشافعية والحنبلية: هو سنة (وقال) الحنفيون والمالكية يندب لمن غسل ميتا أن يغتسل (وحملوا) الأمر في الحديث على الندب (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه أن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم". أخرجه البيهقي وقال: هذا ضعيف (¬2) {343}. (ولقول) عمر: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل. أخرجه الخطيب بسند صحيح (¬3) {35}. (وقال) الليث: لا يجب ولا يستحب لحديث ابن عباس. (والقول) باستحباب الغسل هو الراجح، وفيه الجمع بين الأدلة. ¬

(¬1) تقدم رقم 87 (الوضوء من حمل الميت). (¬2) انظر صفحة 306 ج 1 سنن البيهقي (الغسل من غسل الميت). (¬3) انظر صفحة 298 ج 1 نيل الأوطار (الغسل من غسل الميت).

4 - غسل الإحرام: يطلب الغسل ممن أراد الإحرام بحج أو عمرة أو بهما ولو حائضاً أو نفساء، لأنه للنظافة (وهو) سنة عند الأئمة الأربعة والجمهور (لحديث) زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجرد لاهلاله واغتسل. أخرجه الدارقطني والترمذي وحسنه (¬1) {344}. (ويأتي) أن عائشة قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد ابن أبى بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬2) {345}. 5 - غسل الوقوف بعرفة - يطلب من الحاج ان يغتسل للوقوف بعرفة (وهو) سنة عند الثلاثة مندوب عند مالك (لحديث) الفاكه بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النحر أخرجه ابن أحمد في زوائد المسند (¬3) {346} وفي سنده يوسف بن خالد كذبه غير واحد (ويدخل) وقته بالزوال عند الحنفيين ومالك. وبطلوع الفجر عند الشافعية والحنبلية (جـ) ويندب الغسل لأمور المذكور منها أحد عشر: 1 - دخول مكة: يستحب الغسل من أراد دخول مكة (وهو) للنظافة عند الحنفيين (ونسك) لا فدية في تركه عند الشافعي وأحمد فيستحب ولو للحائض والنفساء (لما روي) عن ابن عمر أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوي ¬

(¬1) انظر صفحة 256 سنن الدارقطني (الحج). وصفحة 85 ج 2 تحفة الاحوذي (الاغتسال عند الإحرام). (¬2) يأتي في الحج رقم 59 صفحة 44 (إرشاد الناسك). (¬3) انظر صفحة 144 ج 2 - الفتح الرباني.

حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. أخرجه مسلم (¬1) {347} (وقد) أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت أن تفعل ما يفعل الحاج إلا الطواف (وقالت) المالكية: يطلب هذا الغسل لدخول المسجد والطواف فلا يطلب من الحائض والنفساء (والظاهر) قول الجمهور. قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه فدية ويجزيء منه الوضوء (وقال) ابن التين: لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة. وإنما ذكروه للطواف. والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف ملخص من شرح العسقلاني (¬2). 2 - الأفاقة: ويستحب الغسل لمن أفاق من جنون أو إغماء أو سكر ولم يجد بللاً (لما) تقدم في حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أغمى عليه في مرض موته. ثم أفاق فقال أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. فقعد فاغتسل (الحديث) (¬3). أما من أفاق مما ذكر فوجد بللاً (فإن) تيقن أنه منى لزمه الغسل اتفاقاً (وكذا) إن شك في أنه مني أو مذي عند الحنفيين ومالك (وعند) الشافعية والحنبلية تفصيل تقدم فيما إذا قام من نومه ووجد بللاً (¬4) (وان) شك أنه مذي أو ودي فلا غسل عليه اتفاقاً. ¬

(¬1) انظر صفحة 5 ج 9 نووي مسلم (استحباب الاغتسال لدخول مكة). وذو طوي بضم الطاء وفتحها، موضع قرب مكة في طريق التنعيم على فرسخ من مكة. (¬2) انظر صفحة 281 ج 3 فتح الباري (الاغتسال عند دخول مكة). (¬3) تقدم رقم 238 صفحة 269 (غلبة العقل). (¬4) تقدم صفحة 307 (فائدة من قام من نومه فوجد بللاً).

(3 - 11) ويستحب الغسل للمبيت بالمزدلفة ولرمي جمار وطواف زيارة وطواف وداع، ولصلاة كسوف واستسقاء وفزع وظلمة نهاراً وريح شديدة، لأن هذه عبادات يجتمع لها الناس مزدحمين فيعرقون فيؤذي بعضهم بعضاً، فاستحب الغسل للنظافة ودفع الأذى كالجمعة. (فائدة) اختلفوا في أنه هل يقوم التيمم عند العذر مقام ما ذكر من الغسل المسنون والمندوب؟ (قال) الحنفيون: لا يقوم لأن المقصود منها غالباً النظافة (وقالت) الشافعية والحنبلية: يقوم التيمم مقام ما ذكر عند العذر كما يقوم مقام الغسل المفروض للضرورة (قال) الشيخ منصور ابن إدريس: ويسن التيمم- لعذر يبيحه- لما يسن له الوضوء كالقراءة والذكر والآذان، ورفع الشك والكلام المحرم (¬1). 8 - كيفية الغسل - الغسل مجزئ وكامل (أ) فالجزيء هو المشتمل على الفرائض والواجب وهو التسمية عند الحنبلية. وكيفيته: أن يزيل ما على جسده من نجاسة أو غيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة إن كان، ويعمم جسده بالماء على ما تقدم ناوياً لزوماً عند غير الحنفيين ومسمياً عند الحنبلية. (ب) والكامل. هو المشتمل على الفرائض والسنن والمندوبات. وكيفيته: أن ينوي المغتسل بقلبه رفع الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة ونحوها. ثم يقول باسم الله والحمد لله. ثم يغسل كفيه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى. ثم يتوضأ وضوءه للصلاة على ما تقدم. ثم يدخل أصابعه كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ¬

(¬1) انظر صفحة 113 ج 1 كشاف القناع (الاغسال المستحبة).

ولحيته. ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. ثم يفيض الماء على سائر جسده يبدأ بالشق الأيمن. ثم الأيسر. يتوعاهد معاطف بدنه كالإبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الآليين (¬1) وأصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك- فيوصل الماء إلى جميع ذلك- ويدلك ما تصل إليه يداه من بدنه (وإن) كان يغتسل في نهر أو نحوه انغمس حتى يصل الماء إلى جميع بشرته وشعره ظاهره وباطنه وأصول منابته (ويستحب) أن ينوي الغسل من أول شروعه فيه ويستصحب النية إلى الفراغ منه. ويكفي الظن في تعميم الجسد بالماء. ثم يتحول من مكان غسله فيغسل قدميه إن لم يكن غسلهما أولاً. (ودليل) ذلك حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثلاثاً ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه. أخرجه الشيخان. وفي رواية لهما: ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات (¬2) {348}. (وعن) ميمونة قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً. ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده أرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده فذكرت ¬

(¬1) (الآليين) بحذف التاء على غير قياس وبإثباتها في لغة على القياس. (¬2) انظر صفحة 328 ج 2 تيسير الوصول (غسل الجنابة). و (استبرأ) أي أوصل الماء إلى البشرة وكذا (أروى).

ذلك لإبراهيم (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1) {349}. (وأجمع) حديث في كيفية غسل الحائض والنفساء "حديث عائشة" أن أسماء بنت شكل سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن غسل المحيض فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها. قالت أسماء وكيف تطهر بها؟ قال سبحان الله تطهري بها. فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك تتبعي أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة. قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء. فقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحساء أن يتفقهن في الدين. أخرجه مسلم (¬2) {350}. (وفي) الحديث دليل على أنه يسن في حق المغتسلة من الحيض أن تأخذ شيئاً من مسك وتضعه في قطنة أو خرقة وتدخله فرجها بعد الغسل، ومثلها النفساء. ¬

(¬1) انظر صفحة 12 ج 3 - المنهل العذب (الغسل من الجنابة). وصفحة 177 ج 1 بيهقي (إفاضة الماء على سائر الجسد) (ثم ضرب بيده الأرض .. ) فيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب عقب الاستنجاء باناء لكمال الانقاء (فذكرت ذلك لإبراهيم) في رواية البيهقي قال الاعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: إنما كره ذلك مخافة العادة اهـ أي قال سليمان الاعمش ذكرت لإبراهيم التيمي رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنديل. فقال: لا بأس بالتمسح بالمنديل، وإنما رده صلى الله عليه وآله وسلم مخافة أن يصير عادة. (¬2) انظر صفحة 334 ج 2 تيسير الوصول (غسل الحائض والنفساء) (فتطهر) أي تتوضأ. و (شئون رأسها) أصول شعرها. و (فرصة) بكسر فسكون، أي قطعة من صوف أو قطن أو خرقة. و (ممسكة) أي مطيبة بالمسك. و (تخفي ذلك) أي تسربه إليها.

فإن لم تجد مسكاً استعملت أي طيب وجدت (والحكمة) في ذلك تطيب المحل ودفع الرائحة الكريهة. 9 - مقدار ماء الغسل: لم يرد في ذلك تحديد صريح، لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ولكن يطلب التوسط والاعتدال (والمقدار) المجزئ في ذلك ما يحصل به تعميم أعضاء الوضوء والبدن في الغسل على الوجه المعتبر شرعاً. وذلك بإفاضة الماء على العضو وسيلانه عليه. فمتى حصل ذلك تأدى الواجب. وذلك يختلف باختلاف الناس فلا يقدر الماء الذي يغتسل به أو يتوضأ به بقدر معلوم (ويستحب) ألا ينقص في الغسل عن صاع ولا في الوضوء عن مد. وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة. وذلك لاختلاف الأوقات والحالات. (روي) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد. أخرجه الشيخان وأبو داود (¬1) {351}. (وعن) عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك. أخرجه مسلم (¬2) {352}. (وفي هذا) رد علي ابن شعبان المالكي وبعض الحنفيين في تقديرهم الوضوء بالمد والغسل بالصاع تمسكاً بظاهر حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد. أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه (¬3) {353}. ¬

(¬1) انظر صفحة 312 ج 2 تيسير الوصول (مقدار الماء). أي في الغسل والوضوء. (¬2) انظر صفحة 5 ج 4 نووي مسلم (القدر المستجب من الماء في الغسل). (¬3) انظر صفحة 125 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 312 ج 2 تيسير الوصول.

(وحمل) الجمهور هذا على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصحابة قدرهما بذلك (وهذا) إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضاً في حق من يكون خلقه معتدلاً. (فائدتان) (الأولى) الصاع مكيال يسع أربعة امداد بمد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والمد) مختلف فيه (فقال) مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف: هو رطل وثلث رطل عراقي فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثاً (وقال) أبو حنيفة ومحمد: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال (والرطل) العراقي عند الحنفيين ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف. وبه يقول الرافعي من الشافعية (وقالت) الحنبلية: هو ثمانية وعشرون ومائة درهم وأربعة أسباع درهم. ورجحه النووي (وقالت) المالكية هو ثمانية وعشرون ومائة درهم (¬1). (الثانية) دلت أحاديث المبحث على كراهة الإسراف في الغسل والوضوء واستحباب الاقتصاد (وقد) أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء. ولو كان على شاطئ النهر (والأظهر) عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه ما لم يؤد إلى ضرر أو ضياع مال وإلا فيحرم (وقال) الحنفيون: الإسراف مكروه تحريماً لو تطهر بماء مباح أو مملوك. أما الموقوف على الطهارة ومنه ماء المساجد، فالإسراف فيه حرام كما تقدم (¬2). هذا ويتصل بالغسل أمران: 1 - ما يحرم على الجنب يحرم على الجنب (أ) ما يحرم على المحدث حدثاً أصغر وهو الصلاة والطواف ¬

(¬1) انظر أدلة كل وبيان أن الخلاف لفظي في "باب ما يجزيء من الماء في الوضوء" من المنهل العذب المورود ص 303 ج 1. (¬2) تقدم ص 254.

ومس القرآن وحمله الا بغلاف منفصل (ب) ويحرم عليه أيضاً قراءة شيء من القرآن بقصده ولو بعض آية (لقول) عبد الله بن سلمة: دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان ثم دخل المخرج فقضى حاجته ثم خرج فأخذ حفنة من ماء فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن قال فكأنه رآنا أنكرنا ذلك ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة. أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود (¬1) {354}. (وعن) ابن عمر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي (¬2) {355}. وفي سنده إسماعيل بن عياش. وروايته عن الحجازيين ضعيفة. وهذا منها. (وبهذا) قال جمهور الصحابة والتابعين والائمة الأربعة إلا أن الأصح عند الحنفيين جواز القراءة بقصد الذكر أو الثناء أو الدعاء أو افتتاح أمر إن اشتمل على ذلك (وجوز) المالكية القراءة للجنب للتعوذ والرقية والاستدلال (وجوز) الشافعية القراءة بقصد الذكر لا بقصد التلاوة (وجوز) أحمد قراءة بعض آية غير طويلة ومثل الجنب في ذلك الحائض، إلا أن المالكية أجازوا لها قراءة القرآن ما لم ينقطع الدم مخافة النسيان لطول مدة الحيض بخلاف الجنابة (وذهب) ابن عباس وابن المنذر والظاهرية إلى جواز قراءة الجنب والحائض ¬

(¬1) انظر رقم 9983 صفحة 453 ج 6 فيض القدير شرح الجامع الصغير. من قراءة القرآن. وصفحة 301 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يقرأ القرآن) و (المخرج) موضع قضاء الحاجة. و (الجنابة) خبر ليس واسمها ضمير يعود على البعض المفهوم من شيء أي ليس بعض الشيء الجنابة. (¬2) انظر صفحة 120 ج 2 - الفتح الرباني. وصفحة 52 ج 1 مجتبي (حجب الجنب).

(لقول) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه. أخرجه مسلم والأربعة إلا النسائي وصححه الترمذي في العلل (¬1) {356}. (والقرآن) ذكر ولأن الأصل عدم التحريم (لكن) هذا مردود بما تقدم من الأدلة (والمراد) بالذكر في حديث عائشة ما عدا القرآن، جمعاً بين الروايات. (جـ) ويحرم على الجنب دخول المسجد ولو عبورا بلا مكث إلا لضرورة (لقول) عائشة: جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب. أخرجه أبو داود والبخاري في التاريخ (¬2) {357}. وفي سنده (أ) أفلت بن خليفة وثقه ابن حبان وقال أحمد لا بأس به. وروي عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. وهو مشهور ثقة (ب) وجسرة بنت دجاجة قال العجلي تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. وإذا صحح الحديث ابن خزيمة وحسنه ابن القطان وسكت عليه أبو داود فلا حجة لابن حزم في رده. (وبهذا) قال الحنفيون والمالكية، لإطلاق الأحاديث (ومحله) إن لم يكن ثمة ضرورة. فإن كانت كأن يكون باب البيت إلى المسجد ولم يمكن تحويله ¬

(¬1) انظر رقم 7026 صفحة 214 ج 5 فيض القدير شرح الجامع الصغير. (¬2) انظر صفحة 309 ج 2 - المنهل العذب (الجنب يدخل المسجد). و (شارعة) أي أبوابها مفتحة (في المسجد).

ولا السكنى في غيره، فلا مانع من دخوله دفعاً للحرج (ولقول) يزيد بن أبي حبيب: إن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى: (ولا جنباً إلا عابري سبيل). أخرجه ابن جرير الطبري (¬1) {36}. (ولو أجنب) في المسجد تيمم وخرج من ساعته إن لم يقدر على استعمال الماء. وكذا لو دخله جنباً ناسياً ثم تذكر. وإن خرج مسرعاً بلا تيمم جاز. وإن لم يقدر على الخروج تيمم ومكث، ولكنه لا يصلي به ولا يقرأ. وقالوا في قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابري سبيل) من آية 43 - النساء. معناه ولا عابري سبيل على حد قوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ) من آية - 92 - النساء. أي ولا خطأ (وقال) ابن مسعود وابن عباس والشافعية والحنبلية يجوز المرور للجنب في المسجد بوضوء وبغيره ولو لغير حاجة لقوله تعالى: (ولا جنباً الا عابري سبيل) والعبور إنما يكون في محل الصلاة. وحملوا الاحاديث السابقة على منع المكث فقط، للاية المذكورة (ولقول) جابر: كنا نمر في المسجد ونحن جنب. أخرجه ابن المنذر (¬2) {37}. (وعن) زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشون في المسجد وهم جنب. أخرجه ابن المنذر (¬3) {38}. (ومثل) الجنب في ذلك الحائض ان امن التلويث بمرورها (وأجاب) الاولون عن الاية بما تقدم او بحملها هي وحديث عائشة على حالة الضرورة كما يدل ¬

(¬1) انظر صفحة 64 ج 5 تفسير الطبري (القول في تأويل قوله: ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا). (¬2) انظر صفحة 137 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد). (¬3) انظر صفحة 137 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد).

أثر يزيد بن ابي حبيب جمعاً بين الادلة (وقالت) الحنبلية واسحاق يجوز للجنب المكث في المسجد بالوضوء (لقول) زيد ابن اسلم: كان اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء. وكان الرجل يكون جنباً فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث. أخرجه حنبل بن اسحاق من أصحاب أحمد (¬1) {39}. وهذا اشارة الى أن هذا كان من الكل فكان اجماعاً (وقال) عطاء بن يسار: رأيت رجالاً من اصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون اذا توضئوا وضوء الصلاة. أخرجه سعيد بن منصور والاثرم بسند صحيح (¬2) {40}. (ورد) بأن الأثرين ضعيفان فإن في سنديهما هشام بن سعيد. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه ابن معين وأحمد والنسائي. وعلى تسليم الصحة لا يكون ما وقع من الصحابة حجة "ولا سيما إذا خالف الممنوع" إلا أن يكون اجماعاً. (فائدة) ذكر أبو العباس بن القاص وبعض الفقهاء: أن من خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواز مكثه في المسجد مع الجنابة ومثله سيدنا علي كرم الله وجهه (لما روي) على بن المنذر بالسند إلى أبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعلي: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك. أخرجه الترمذي وقال: حسن ¬

(¬1) انظر صفحة 138 ج 1 مغنى ابن قدامة (منع الجنب والحائض من المسجد). (¬2) انظر صفحة 111 ج 1 كشاف القناع (فصل: من لزمه الغسل حرم عليه الاعتكاف).

غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث واستغربه (¬1) {358}. (ورد) بأنه ضعيف لا يحتج به ولا تثبت به الخصوصية. وتحسين الترمذي له غير مسلم، لأن مداره على سالم بن أبى حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان جداً شيعيان متهمان في رواية هذا الحديث. وقد أجمع العلماء على تضعيف سالم وغلوه في التشيع (¬2). 2 - دخول الحمام الحمام- بشد الميم- مؤنث وقد يذكر وهو مكان معد للغسل يجوز دخوله للرجال إذا أمن النظر إلى العورة وكشفها، ولا يجوز للنساء الا للضرورة مع غض البصر وستر العورة (لحديث) عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. ومن كانت تؤمن بالله واليوم الأخر، فلا تدخل الحمام. أخرجه أحمد وفيه أبو خيرة قال الذهبي لا يعرف (¬3) {359}. (وقالت عائشة): نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال والنساء عن دخول الحمام. ثم رخص للرجال أن يدخلوه في المازر ولم يرخص للنساء. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وفي سنده أبو عذرة مجهول وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث حماد ابن سلمة، وإسناده ليس بذاك القائم (¬4) {260}. ¬

(¬1) انظر صفحة 330 ج 4 تحفة الاحوذي (مناقب علي). (¬2) انظر صفحة 162 ج 2 مجموع النووي (مكث الج