الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة
محمد البري
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف ... وتكادُ أن تقترف ما يُردها من المآثم لما ترى من إباحة العقل المحظور فيه ليلا ونهارا، وُمعاطاة ... في الدُّور في السواق جهازا. فجمعت جزءا كبير النفع، صغير الجرم. وعلمت أن ... ما كنتم ... العلم يبوء كاتمة بموبقات الإثم، لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار: " مَن بَخل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بيوم القيامة بلجام من نار. وما ينفع من العلم لا يحلُّ منعهُ. وما كلُّ علم ينبغي ... يحب ظهوره وجمعه ". وتمَّ الجزء بِمَنُورْقَةَ وكمل، وبه طالبه ابتهج وعليه اشتمل ... لنفسي، ليكثر بها في وحشة الأسر أنسى. والزمت نفسي حمد الله وشكره، " ورفعتُ " بجلاله ذكره، على ما يسَّر فيه من ذكر مناقب أحرزها خيرته من عباده الصَّفوة.... فيما يرضي بها والقدوة، المظهرون دينه بنفوس بذلت جهدها في جهد أعدائه " المفضَّلين " في أرضه وسمائه ولم أقدر على تفصُّح ما ألَّفتُ لأصلح ما وقع فيه م غلظ " لما كان " يشغلني عنه في الأسر من ذل وامتحان، فلوا أتيت فيه خطابة قُسًّ وبيان " ... " بن صُوحان لأخرس رعبه عن وضع كلمة مع أخرى لساني وأحال عن.... فلمَّا منَّ الله تعالى بفكِّ أسرى من يد العدوِّ، وصرت بعد الخوف " بهُدوٍّ " على يدي رئيس قرشيٍّ همام، أكرم به للمآثر من إمام، يحكمُ بالعدل ... يقظان للحقِّ " ... " غير نائم، ولا يخاف في الله لائم، وهو النَّقابُ الحبر.... أبو عثمان سعيد بن الوزير الأجَلِّ، الأروع، الأزهد، الأتقى، المقدس، المرحوم،.... عمر بن حكم، حرس الله به " مَنُرْقةَ " وحماها، وضاعف ببركته فيها الخيرات وأنماها، " بِرّاً ". ظاهرا ونور عدله في آفاقها زاهرا: " هو " الهُمامُ الأوحدُ الأسعدُ ... سعيدٌ الزاكي العُلا الأمجدُ " ليس " له في مَجْدِه مُشْبِهٌ ... إذْ طابَ منه الفرعُ والمحتِدُ
" يؤمُّهُ خيرُ الورى منهمُ ... خيرُ الهُداةِ المُجتَبَي أحمدُ " لا " كأبي عثمانَ في مَنْسَبٍ ... به أحاطَ الفخرُ والسؤدَدُ " سامٍ " رشيدُ القولِ ذو هِمَّةٍ ... على السَّماكينِ لها مَقْعَدُ في يدِهِ اليُمنى مَنالُ المُنَى ... وفي اليسار واليُسْرُ والأَسعُدُ لقد خلا المأمونُ من حاسدٍ ... ومثلُهُ في فضلهِ يُحسَدُ " صحَّحتُ " مختبرا، ما علقت لنفسي منه، فوجدت فيه مواضع للنَّقد غير محكمة....، إذ متن غذ ذاك ربَّ خاطر مُقسَّم، حالف الخبال، وعقل عقل فأفسد الخيال.... عدوانه، ولا أفهم ما نقما.... .... بهيمة غررا، واتَّسقت آيات أخباره، سورا. وزدت فيها زيادات حبَّرته، وللناظر كالرَّوض أظهرته. فجاء بها رائق المعاني، محكم الرَّصف والماني، إذا تصفَّحه الأريب اللَّحن اتخذه " قريرا "، وان له على فتح ما استغلق من نسب عدنانيٍّ ظهيرا، إذ جمع ما كان في جاهلية وإسلام.... عن هداة أعلام، من عبد المطلب أبي حارث حامل لواء الفخر، شيبة " الحمد ذي " السُّؤدد والمجد، أعظم بعبد المطلب الذي أوتي ذكرانا وإناثنا، طاب خيمهم " في " المشارق والمغارب، المبارك زرعهم، ورفع في العالم العُلويِّ والسُّفليِّ ذكرهم.... إلى الله بإذنه الشاهد، البشير، النذير. وذكرت أمهات رسول الله صلى الله عليه " وسلم ".... النَّجار عن السَّفاح، من عبد الله أبيه إلى مضر المطهَّر بالإسلام، المبقى بعد ... الدائمة والأحلام. وذكرت من ولد من آبائه وإخوتهم قبائل اشتركوا معه.... منه بالقرابة والسَّبب. ففيهم هداة من الصحابة مشهورون، ونجباء في " الجاهلية " مذكرون، لا يجهل قدرهم، ولا يغيض فخرهم، ذكرا شافيا، قطع فيه أل.... الإعراض. فالمعرض عنه شُعوبيٌّ يبغض العرب لشقائه، والله معرض عنه يوم.... منه بعون
الله المراد، وتسَّير عرفانه المستجاد، وحسن تلاوة فعندئذ سما.... أن أهديه إلى جلال الرئيس السيد، الهمام، الأوحد، الأمجد، أبي عثمان المذكور.... وأدام لنصر الدين الحنيفيِّ أيامه الذي جَلَّى أجياد العلم بعدما ألفت العرور كلِّ مجعجع وبطل. من بذَّ الملوك عدله وسماحه، وجلَّ في مرضاته..... خيرُ مليكٍ مَلكَ المكْرُماتْ ... كما زَكا نفساً وقدراً و " ذاتْ " أعرقَ في المجدِ لهُ مَحتِدٌ ... سَمتْ مَعاليهِ على النيِّراتْ أعظِمْ به من قُرشيٍ رِضىٍ ... له كما لاحتْ ذُكاءٌ " هباتْ " ربَّ ذَكاءٍ كم جَلا مُشْكلاً ... وكم به أوضحَ مِن " مُبْهماتْ " وذو يمينٍ عزُّها قائمٌ ... إذْ شأنُها المحمودُ بذلُ " الصَّلاتْ " في لَثْمِها العَوزُ بنَيلِ المُنَى ... والعملُ الهادي إلى " الصَّالحاتْ " أعلى بهِ اللهُ مَثارَ الهُدى ... وَخَّصهُ بالفضل " والمأْثُراتْ " ومحرز المناقب الشريفة والفضائل، المنعم لعفاته بعميم النائل، مربي....، الفائز بالعزَّين من مجد القلم والعامل، والمعرق في المكارم القرشية، المحابي بالمعارف.... مظهر السُّن والفرض، ومن أقرض الله أحسن القرض، ذو العقل السديد............. عنانه، ويبهر بيانه.... وشكره، وعطَّل عنبر الشجر في مجالس الأمراء ذكره. مقامه الكريم مؤهَّل لنشر العلم والقريحة، ملأت أحاديثه الحسنة المطربة الآفاق، حتى استقرَّت في أمِّ القرى. حفظه الله من الغير ووقاه، ولحياطة هذه الجزيرة وفتح أختيها أبقاه، وأورثه أرض العدوَّ بهما وديارهم، ومحا بعواليه النافذة وقواضبه الماضية آجالهم وآثارهم، وأمدَّه بمعنونته ونصره، وأجرى المقادير مطيعة عالي أمره: هوَ الهُمامُ الأمجدُ أبْن الهُمامْ ... عن شِرعةِ الدينِ غَدا خَيرَ حامْ القُرشِيُّ المُجْتَبي للعُلى ... إذ قَومُه الصَّيدُ السَّراةُ الكِرامْ
فخرُهم بالمصطفى أحمدٍ ... المرْسَلِ المختارِ خيرِ الأنامْ مَن قادَ بالمعْجِزِ مِن قَولهِ ... إلى رضى اللهِ ودارِ السلامْ صلَّى عليهِ اللهُ ما أَشرقَتْ ... زُهْرٌ، وما انْهلَّتْ عَزاليُّ الغَمام فأَيُ فخرٍ قد سَما في السَّما ... واتِ العُلى! فَنَيلُهُ لا يُرامْ هذا الذي يُعْزَى سعيدٌ له ... أَعنى الرئيسَ الأوْحَدِيَّ الهُمامْ مَن عَزْمُه أَوضحَ سُبْلَ الهُدَى ... تَمْحَقُ بالنُّورِ دَآدي الظّلامْ بالعدلِ في الحُكمِ بدا مُغْرَماً ... إنْ غَيرُهُ بالجَور أبدى الغَرامْ نورُ التُّقى من قلبهِ مُشرِقٌ ... إذ لم يُدنَّس باكتسابِ الأَثامْ ما رُئيفي الأملاكِ مثْلٌ لهُ ... في كلِّ ما يَفعلْهُ لا يُذامْ على الذي يَرضَى به ربُّه ... له مساءاً وصباحاً مُقامْ ومَجدُه مِن قِدَمٍ راسخٍ ... حيث تَبدَّى زَمزَمٌ والمَقَامْ يَمنْحُ إحساناً ليَبْقَى لهُ ... ذُخراً ليومٍ جلَّ فيهِ القِيامْ يَبْهَرُ أربابَ النُّهى لفظُهُ ... بَعْجِزٍ من نَثرِهِ أو نظامْ أفهامُنا تَنْبو عن إدراكهِ ... عَجزاً، كما يَنْبو الحُسامُ الكَهامُ وخطُّهُ الباهِرُ دَأباً له ... بأَبدعِ الحُسنِ أَشَدُّ التِئامْ
عَدْلٌ رِضيً في الحُكمِ بَرٌّ له ... بطاعةِ اللهِ اَجلٌّ اعتصامْ حَوى سَدادَ الرأيِ في مَوطِنٍ ... بسعدِه أرجاؤه لا تُضامْ للهِ ثَغرٌ حاطَةُ سَعدُهُ ... وجأشُ قلبٍ يَقِظٍ لا يَينامْ يَفْعَلُ في يوم الوغي بأسُه ... أضعافَ ما يَفْغلُ جيشٌ لُهامْ أَرْوعُ يُحْبي الرَّوعَ أعداؤهُ ... وعزمة تَجْلو الخطوبَ العظامْ فدامَ مَحْميَّ الحِمَى ظافراً ... وللعِدى لا زالَ دَأباً سِمامْ ومثله أيده الله من بالقبول وصله، ولاستحسانه والاشتمال كما هو أهله أهَّله. إذ حلَّ عند من علم، مذ نشأ، مقداره وحقَّه. وجعل إلى تشييد معالمه الكريمة تقدُّمه وسبقه، ونشر ما طواه من غلبت شهوات الدنيا على عقله. ولم يشغل نفسه باستماع آي رشده ونقله، فإنه يروق العيون اطَّلاعه، ويستحسن غاية الاستحسان استماعه، ينتفع به الناشئ والشَّادي، ويزدان به النادي، ويقول بفضله الحاضر والبادي، وكيف لا يكون ذلك كذلك وفيه ذكر أبرار، ذكرهم يرضي الرحمن، ويرغم الشيطان؟ بهم قام دين الله وظهر، وانتشر في الآفاق واشتهر، أزكياء عدول، ما لهم عن الحقِّ عدول. فهو بحمد الله تأليف صحَّت من الصحائح آثاره، وطابت بالانتخاب من كتب التواريخ أخباره، وما اطَّلع على ما حواه من فقيه سنِّي لحن، أو عارف أديب، أريب فطن، بان له صحة ما أقول، والحق لا تنكره العقول: للهِ دَرُّ مُنصفٍ الحسدْ! ... فهْوَ مُبيرٌ للأُجورِ والجسدْ والحقُّ خيرُ مَنْهَج يُتَّبعُ ... به الإلهُ الدَّرجاتِ يرفعُ والكذب المكروهُ شَرُّ خَلَّةْ ... تولي الذي بها يَدينُ ذِلَّهْ وهانَ في الناسِ امرؤ كذابُ ... كأنَّهُ ما بيْنَهُم ذُبابُ
وصاحبُ الحقِّ عزيزٌ مُكرَمُ ... في كلِّ نادٍ قَدرُه يُعظَّمُ يا ربَّنا ارْزقْنا لهُ اتِّباعا ... واجعل لنا بفضلهِ انتفاعا وهذا التأليف أهل لخزانة هذا السيَّد الرئيس الأرضي، أعزَّ الله به الدِّين وأعلاه، وخير ما أولي عباده الصالحين أولاه، فإنه رضي اله عنه، جلب إليها من العلوم الينِّية والمعارف التاريخية والأدبية أعلاقا، وفتح منها بتصحيحه وتنقيحه أغلاقا، تعجز عمَّا حوته المدرسة النظامية ببغداد، وتنيل في الدارين المأمول لمن بمعارفها لاذ. ولم أر ملكا سنيا سواه إلى محلِّه يهدي، لمَّا منحه الله السُّلوك على الطريق الأهدى. يدأب ليله ونهاره في سنَّة يحيها، ومكرمة يعليها. ولا يزال بين يديه الكريمتين كتاب علم نافع يصلح خلله، وينشر بالرَّقم الرائق حلله، ويوضح ما أشكل منه بنقده الصحيح، وعرفانه المنتخب الصَّريح. لا يشغله عنه، رضي الله عنه، إلا نظر صالح عضد بالاجتهاد لحياطة هذا الثَّغر بأعمِّ الاستعداد، وقاه الله بحمايته وحاطه، وقرن الأمن به وناطه. والحمد لله الذي أنعم بالإيواء إلى العالي الكريم مقامه ونفع صنفنا بالمفيدين من عرفانه وإنعامه. وأبقى الله مقامه محروسا، هامي الجدا نعمة على الأولياء، نقمة على العدى بمنِّه: أياربِّ حُطْ مَغْناهُ بالْحِفظِ والسَّعدِ ... وسوَّغهُ من نُعماكَ أفضلَ ما تُسْدي فما زالَ دأباً في رضاكَ بجدةِّ ... يقومُ مقامَ الصالحينَ أُلي الرُّشدِ ونِلنا به أمناً ويُمناً وأنعُماً بها ... نحنُ يا ذا العرشِ في عيشةٍ رغْدِ وذاك بتوفيقٍ له منكَ قادَه ... إلى ما بهِ تَرضى من الشكرِ والحمدِ وجمعت هذا التأليف، وانتخبته، وانتقيته، وهذَّبته من: موطَّأ مالك،
وصحيحي البخاري ومسلم، ومسند الترمذيِّ وكتاب الشمائل له، وكتاب سنن النسائي، والمنتقي لابن الجارود، وتاريخ الطبري وسنن أبي داود، وكتاب الاستيعاب لابن عبد البر، وكتابي التقصِّي والإنباه له، والسِّير لابن إسحاق، وكتاب الأسامي والكنى لمسلم بن الحجاج، وكتاب رياضة المتعلمين لأبي نعيم الأصبهاني، وكتاب الشريعة للآجرِّي، وكتاب صفِّين لأبي منذر هشام بن محمد الكلبي وكتاب الأمثال له، وطبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب النوادر لأبي علي البغدادي، وكتاب العقد لابن عبد ربه، وكتاب منتخب نقائض جرير والفرزدق للنَّجيرمي، وكتاب أشعار الهذليين. وسميته كتاب " الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العشرة " ووشَّحته بتنبيهات على رجال الحديث، وتعريف بهم من غير لبس ولا إشكال، ومعرَّى بالبحث عن إغفال، فجلَّ جمعه، وبورك وضعه، ونظم متفرقا من الأخبار والآثار، محررة من التطويل والإكثار. والله يجعله ابتغاء وجهه الكريم، وينفع به يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. وقد آن أن أشرع في سياق النسب الكريم؛ نسب خاتم الأنبياء فإنه سابق إلى الفضل العميم، والمشرع الرَّواء، ثم اتبعه بعد نسب الصحابة العشرة الكرام الأبرار، المسمَّين للجنة، المصطفين الأخيار. ومن الله أسأل الإعانة على ما فيه شرعت، بعد ما ألفت مفترقة وجمعت، فإنه المعين الولَِي الكفيل، وه حسبي ونعم الوكيل. يا ربِّ يسِّر عليَّ فيه ... بالمصطفى أحمدَ الوجيهِ خَيرِ الأنامِ الرشيدِ قولاً ... أَعجزَ لُدَّاً بلا شبيهِ بدأتهُ في أجلِّ شهرٍ ... يُسدِي أجوراً لصائميهِ فمَن تَلا منه في نَدِيِّ ... جلَّ به عندَ سامعيهِ ونالَ حسنَ الثوابِ بَرٌّ ... لرفعةِ الذكرِ يَقْتنيهِ
أحببْ بما حازَ من بَيانٍ ... وما منَ الحُكم حلَّ فيهِ فانظرْ إليهِ بعينِ عزٍّ ... واشْدُدْ عليهِ يَدَيْ نَبيهِ وكُن به يا أخي ضَنينا ... خوف ضياعٍ على سَفيهِ وقلت أيضا ناظما لما تضمَّنه هذا الكتاب: هذا كتابٌ فيه آثارُ ... أَسندَها بالنَّقْلِ أَخبارُ صحَّتْ عن المختارِ مُختارةً ... وكلُّ ما يحويهِ مُختارُ وفيهِ أخبارٌ زَكا خُبْرُها ... ما شانَها في السَّردِ إكثارُ جمعتُها من كتُبٍ جَمَّةٍ ... فهْيَ لدى السُّدفةِ أنوارُ تُحْيي قلوباً بعد موتٍ كما ... تُحْيي مواتَ الأرضِ أمطارُ يا قارئاً فيهِ اسألِ اللهَ لي ... مَغفرةً، فاللهُ غَفَّارُ واجعلْهُ إنْ مُلِّكتهُ مانعاً ... عنكَ إذا بُرِّزت النارُ
ذكر نسب رسول الله
ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم للآباء الكرام، أولي المكارم والمأثرات، والأمهات العقائل المحصنات. وذكر من اشترك معه النسب من القبائل، وذكر البطون منهم والأفخاذ والفصائل، وذكر من آمن به، وصحبهم من أبنائهم السّعداء، ومن اشتهر منهم بإيمان أو منقبة في الجاهلية الجهلاء، وذكر من قتله منهم على استهزائه وكفره في غزوات أيَّده الله فيها بنصره. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان. إلى هنا هو النسب الصحيح الذي لا اختلاف فيه بين العلماء بالأنساب. وإلى عدنان كان يعدُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى ابن الكلبيِّ عن ابن صالح عن ابن عباس، قال: كان البنيُّ عليه السلام، إذا انتهى في النسب إلى عدنان أمسك، ثم يقول: " كذب النسابون ".. وقالت عائشة رضي الله عنها: " ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا ما وراء قحطان إلا تخرُّصا ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إنما ننتسب إلى عدنان، وما بعد ذلك لا أدري ما هو ". وقال ابن جريح عن القاسم بن أبي بزَّة عن عكرمة: " أضلَّت نزار نسبتها من عدنان ". ابن جريح هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح. وجريح مولى لآل خالد ابن أسيد بن أبي العيص بن أمَّية. وولد ابن جريح سنة ثمانين عام الجحاف؛ سيل كان مكة، ومات سنة خمسين ومئة. وكان ثقة عدلا، روى عنه الأئمة.
والقاسم بن أبي بزَّة نسب إلى جده. واسم أبيه نافع، وجده أبو برة اسمه يسار. والقاسم هو جدُّ البزِّي القارئ الآخذ القراءة بإسناد عن ابن كثير أحد القراء السبعة. واسم البزِّي: أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن بزِّة، ويكنى البزَِّي: أبا الحسن. وتوفي بمكة بعد سنة أربعين ومئتين. وكان مقرئ أهل مكة ومؤذنهم. وجده أبو بزِّة يسار الذي يعرف به البزِّي هو مولى عبد الله ابن السائب بن صيفي. أسلم على يديه فارسي من همذان. والسائب، أبو مولاه: هو السائب بن أبي السائب المخزوميِّ، وهو شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم أبي السائب: صيفي بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقال محمد بن أحمد بن حميد القرشي العدوي: لا أعلم أحد من الشعراء بلغ في شعره عدنان إلا لبيد بن ربيعة وعباس بن مرداس السلمَّي. قال لبيد: فإنْ لم تجدْ من دونِ عدنانَ والداً ... ودون مَعَدٍّ فلتَرُعْكَ القبائلُ وقال عباس بن مرداس: وعَكُّ بنُ عدنانَ الذين تَلعَّبوا ... بغسَّانَ حتَّى " طُرِّدُوا " كلَّ مَطْرَدِ وقال أبو الأسود يتيم عروة: " سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وكان أعلم قريش بأشعارهم وأنسابهم، يقول: ما وجدنا يعلم ما وراء معدِّ ابن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم ". وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يقول: " ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معدِّ بن عدنان ". ابن لهيعة: اسمه عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن لهيعة الحضرمُّي، ويكنى، أبا عبد الرحمن، وكان ضعيفا في الحديث. ومات بمصر سنة أربع وسبعين ومئة. واسم أبي الأسود يتيم عروة: محمد بن عبد الرحمن بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي. وقيل له يتيم عروة لأنه كان في حجره. لمالك عنه أربعة أحاديث مسندة، وهو من شيوخه. وجدُّه الأسود بن نوفل بن خويلد، كان من مهاجرة الحبشة، وأمه فُرَيعَة بنت عليِّ بن نوفل بن عبد مناف بن قصيٍّ.
ونوفل بن خويلد بن أسد: هو ابن العدويِّة؛ عديِّ خزاعة. وهو الذي قرن أبا بكر الصدِّيق وطلحة بن عبيد الله، حين أسلما، في حبل، فكانا يسمَّيان " القرينين " لذلك. وكان من شياطين قريش، قتله علي بن أبي طالب يوم بدر. قال هذا ابن إسحاق في السيرة. وقال ابن قتيبة في كتاب " المعارف " له: " كان لطلحة بن عبيد الله أخوان: عثمان بن عبيد الله ومالك بن عبيد الله. فأما عثمان فكان له قدر في الجاهلية. وأدرك الإسلام، فأخذ طلحة وأبا بكر، فقرنهما بحبل، ولذلك سمِّيا القرينين ". وقال بعض الزبيريين في رجل من ولد طلحة، ولده أبو بكر: يا طَلْحَ يابْنَ القَرينينِ اللذين هُما ... معَ النبيِّ أذَلاً كلِّ جَبَّارِ هذا المسمَّى بفعل الخير نافلةً ... دونَ الأنام وهذا صاحبُ الغارِ وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب الصحابة: " عثمان بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله، أسلم وهاجر وصحب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحفظ له رواية ". وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة الذي روى عنه أبو الأسود يتيم عروة، روى عنه ابن الشهاب الزُّهري في الموطأ ما نصُّه: " مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأنَّ عمر بن الخطاب غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على " الشِّفاء " أمِّ سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في الصبح! فقالت: إنه بات يصلِّي، فغلبته عيناه. فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة ". وأبوه سليمان بن أبي حثمة: هاجر صغيرا مع أمه " الشِّفاء ". وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم. استعمله عمر على السوق، وجمع عليه وعلى أبيَّ بن كعب الناس ليصلِّيا بهم في شهر رمضان. والحديث بذلك في الموطأ، وهو معدود
في كبار التابعين. وأبو حثمة ممن اشتهر بكنيته، وهو أبو حثمة بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عويج بن عديِّ بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، زوج الشِّفام أمِّ سليمان ابنه، وأخو أبي جهم بن حذيفة صاحب " الخميصة "، وحديثها مشهور. " أسلم عام الفتح "، وكذلك من جلَّة مشيخة قريش، عالما بالنسب، وعُمرِّ.... قتل يوم الحرة.... والشِّفاء هي بنت عبد الله بن عبد شمس بن خالد بن " صداد ". ويقال أن ضرار بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديِّ بن كعب القرشية العدويَّة من المبايعات. قال احمد بن صالح المصري: " اسمها ليلى، وغلب عليها الشفاء، أمُّها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، أخت حزن بن أبي وهب، جدُّ سعيد بن المسيَّب بن حزن، وأخت هبيرة ابن أبي وهب زوج أمِّ هانئ بنت أبي طالب. وهي بنت خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلمت الشفاء قبل الهجرة، فهي من المهاجرات الأول. وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهنَّ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها، ويقيل عندها في بيتها. وكانت قد اتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه. فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منها مروان. وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علِّمي حفصة رقية النَّملة كما علَّمتها الكتاب ". وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة دارا، فنزلتها مع ابنها سليمان. وكان عمر يقدمِّها في الرأي، ويرضاها، ويفضِّلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق. روى عنها ابنا ابنها سليمان: أبو بكر وعثمان. قال المؤلف غفر الله له: هذا بحث يفيد معرفة برواة الآثار وعلما، ويزيد من نظر في هذا الشأن نباهة وفهما، بليغا موجزا، جامعا لسبل الخير، محرزا. من
عبد مناف بن قصي
طالعة أهل السنَّة دان به، وتعلَّق بالمتين سببه. والله الولُّي المعين، وبتوفيقه مناهج الرُّشد تبين. وأرجع إلى ما كنت بسبيله. قال أبو العباس محمد بن إبراهيم السرَّاج: حدثنا عبيد الله بن سعد الزُّبيريُّ، قال: نا أحمد بن محمد، قال: سمعت الشافعيَّ يقول: اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف، وعبد مناف اسمه المغيرة بن قصيٍّ، وقصيٌّ اسمه زيد بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي. قال: سمعت الشافعيُّ يقول: أبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب. عبد مناف بن قصي ويكنى أبا عبد شمس، فولد عبد مناف هاشما، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس. وأمُّهم ما عدا نوفلا عاتكة بنت مرَّة بن هلال بن فالح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة. وأمُّ نوفل وافدة بنت عمرو المازنيَّة، من مازن بن منصور بن عكرمة. فإما هاشم فلم يعقب من ولده غير عبد المطلب. وليس في الأرض هاشميٌّ إلا من ولد عبد المطلب، ويأتي ذكره بعد هذا. وقال شاعر من قريش، أو من بعض العرب يمدح هاشما: عَمرُو الذي هَشَم الثَّريدَ لقومهِ ... قومٍ بمكةَ مُسْنِتينَ عِجافِ سُنَّتْ إليهِ الرِّحلتانِ كلاهُما ... سَفَرُ الشتاءِ ورِحلةُ الأصيافِ وهلك هاشم بغزَّة من أرض الشام تاجرا. والمقدَّم من قريش " بنو هاشم " وهي فصيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعشيرته الأقربون، وآله الذين تحرم عليهم الصدقة. قال أهل العلم في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحلُّ الصدقة لمحمد ولا لآل محمد " قال: هم بنو هاشم؛ آل العباس، وآل أبي طالب، وبنو أبي لهب، وبنو الحارث بن عبد المطلب، وآل عليٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر.
وقيل: بنو عبد المطَّلب فصيلته، وبنو هاشم فخذه، وعبد مناف بطنه، وقريش عمارته، وبنو كنانة قبيلته، ومضر شعبه. حدَّث محمد بن وضاَّح قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا محمد بن مصعب، نا الأوزاعيُّ عن أبي عمَّار، عن واثلة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كناية قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ". وقال الأمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريُّ: نا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيُّ قال: نا الوليد بن مسلم وشعيب بن إسحاق قالا: نا الأوزاعيُّ قال: نا شدَّاد أبو عمار قال: نا واثلة بن الأسفع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم ". قال محمد بن عبد الله بن سنجر: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا الحسن ابن جعفر قال: نا أبو الصَّبهاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهل بيتي مثل سفينة نوح؛ من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف هلك ". وروى حمَّاد بن زيد عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله اختار العرب، ثم اختار منهم النَّضر بن كنانة، ثم اختار قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم ". وعن سفيان الثوريِّ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق، فجعلني في خير خلقه، وجعلهم أفراقا، فجعلني من خير فرقة، وجعلهم قبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا، فجعلني في خير بيت، فأنا خيركم بيتا وخيركم نسبا ". وقال صلى الله عليه وسلم: " كلُّ سبب نسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ". وأما المطَّلب بن عبد مناف فكان يقال له " الفيض " لسماحه. وفيه قيل: " والفيض مطَّلب أبي الأضياف ". وهلك المطلب ب " ردمان " من اليمن فقال رجل من العرب يبكيه:
قَد ظَمئ الحجيجُ بعدَ المطَّلبْ بعدَ الجِفانِ والشرابِ المُنْثِعِبْ ليتَ قُريشاً بعدَهُ على نُصُبْ ومن ولده: عبيدة، والطفيل، والحصين. بنو الحارث بن المطَّلب شهدوا بدرا، وهم من المهاجرين الأولين. واستشهد عبيدة يوم بدر، قطع رجله عتبة بن ربيعة، فمات بالصَّفراء. ومن ولده مسطح بن أثاثة، واسمه عوف بن أثاثة بن عبَّاد بن المطلب. ومسطح مهاجري بدري، وهو من أصحاب الأفك. وأمه: بنت خالة أبي بكر الصديق، وأبوها أبو رهم بن المطَّلب. وأمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم، أخت أمِّ الخير أمِّ أبي بكر رضي الله عنه. ومنهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب. وكان من أشدَّاء قريش. وخبره حين صرعه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في بعض شعابها مشهور، وذلك قبل الهجرة. ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. وكان إسلامه قبل فتح خيبر. وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال الكتيبة من خيبر خمسين وسقا وروى عن النبيِّ عليه السلام. وكان لركانة ابنان: يزيد وطلحة فأما يزيد فكانت له صحبة ورواية. وروى عنه أبو جعفر محمد بن علي. وأما طلحة فولد زيد بن طلحة، وفي الموطأ عنه ما نصُّه: مالكعن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي، عن زيد بن طلحة بن ركانة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكلِّ دين خلق، وخلق الإسلام الحياء ". قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب " التقصِّي " له: هكذا الحديث في الموطأ عند
أكثر الرواة عن مالك. وقد أسنده بعض الرواة عن مالك. وقد ذكره في التمهيد. وأخو ركانة عُجَير بن عبد يزيد. كان ممَّن بعثه عمر فيمن أقام أعلام الحرم. وكان من مشايخ قريش وجلَّتهم. وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة من خيبر ثلاثين وسقا. وابن أخيه السائب بن عبيد بن عبد يزيد أسر يوم بدر فافتدى. ثم أسلم فقيل له " هلاَّ " أسلمت قبل أن تفتدي؟ فقال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعا لهم فيَّ. وابنه شافع بن السائب: إليه ينتسب الشافعي الأمام. فيقال فيه: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع. وجدُّ السائب عبد يزيد بن هاشم بن المطلب: وهو أبو ركانة. كان يقال له: " المحض لا قذى فيه "، لأنه ولده هاشما " ن "؛ هاشم بن المطلب أبوه، وهاشم بن عبد مناف أبو أمِّه، واسمها " الشفاء ". فالشافعي صريح المجد لأب وأم. وولد سنة خمسين ومئة، في السنة التي مات فيها أبو حنيفة في خلافة أبي جعفر المنصور. وتوفي بمصر سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون. ونشأ بمكة مسقط رأسه، ورحل في طلب العلم منها إلى مالك إمام الهجرة، وقرأ عليه، وهو ابن أربع عشرة سنة، رضي الله عنه. ومن " بني " المطلب بن عبد مناف أيضا قيس بن مخرمة بن المطلب: أبو محمد، ويقال: أبو السائب، ولد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. روي عنه أنه قال: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لدة. وكان أحد المؤلَّفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم. ولم يبلِّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة من الإبل من غنائم
حنين. وروى عنه ابنه المطلب بن عبد الله روى عنه محمد بن إسحاق في السيرة عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة الحديث المتقدم: " ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لدان ". وخرَّج التَّرمذي الحديث بلفظه سواء عن محمد بن بشّار العبدي عن وهب بن جرير عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن المطلب، عن أبيه، عن جده، ولم يذكر فيه " فنحن لدان ". وكانت لقيس بن مخرمة بن المطلب بنت تسمى زينب قد صلَّت القبلتين " جميعا " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مولاة السُّدِّي المفسِّر، أعتقت أباه. روى " أسباط " بن نصر عن السُّدي عن أبيه قال: كاتبتني زينب بنت قيس بن مخرمة من بني المطَّلب بن عبد مناف على عشرة آلاف فتركت لي ألفا. وكانت قد صلَّت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. السُّدِّي إسماعيل بنُ عبد الرحمن: سمع من أنس بن مالك، ورأى الحسين بن علي. وثَّقة شعبة " وسفيان " الثَّوريُّ ويحيى بن سعيد القطَّان وقيل له: " السدِّي " لأنه كان يبيع الخمر في سدَّة المسجد با.... وأما نوفل بن عبد مناف فمن ولده: مطعم بن عديِّ بن نوفل. وهو الذي أجاز النبي عليه السلام حين رجع من الطائف من دعاء ثقيف بعد موت أبي طالب. ذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مريدا مكة مَّر به بعض أهل مكة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل أنت مبلِّغ عني رسالة أرسلك بها؟ " قال: نعم. قال: " إئت الأخنس بن شريف، فقيل له: يقول محمد: " هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ ". قال: فأتاه، فقال له ذلك. فقال الأخنس: إنَّ الحليف لا يجير على الصَّريح. قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره. قال: " تعود؟ " قال: نعم. قال: " إئت سهيل بن عمرو فقل له: أن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى
أبلِّغ رسالات ربي؟ ". فأتاه، فقال له ذلك. قال: فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب. قال: فرجع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبره. قال: " تعود؟ " قال: " إئت المطعم بن عديٍّ فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ ". قال: نعم فليدخل. قال: فرجع الرجل إليه فأخبره. وأصبح المطعم بن عديّ قد لبس سلاحه وهو بنوه وبنو أخيه. فدخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع؟ قال: بل مجير. قال: أجرنا من أجرت. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فأقام بها. ولم يشهد المطعم بدرا مع المشركين لأنه مات بمكة مشركا في صفر قبل بدر بسبعة أشهر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه جبير حين قفل من غزوة بدر إلى المدينة، وأتاه جبير يكلمه في أسارى بدر من مكة وهو على شركه: " لو أن أباك كان حيا، أو لو أن المطعم بن عدي كان حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له " جزاء ليده التي كانت له عنده حين أجاره. وكان المطعم من أشراف قريش، وممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب بمكة، وخبرها مشهور. وابنه جُبيرُ بنُ مُطعِم: من مسلمة الفتح، وحسن إسلامه، وكان نسَّابة وتوفي بالمدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وهو من المؤلفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم، ويكنى أبا محمد. ويقال: إن أول من لبس بالمدينة طيلسانا جبير بن مطعم ويروى عن ابنه محمد ونافع الحديث. روى ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر فوافقته وهو يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء. فسمعته وهويقرأ، وقد خرج صوته من المسجد:) إنَّ عذابَ ربِّكَ لواقعٌ مالَه من دافع (. قال: فكأنما صدع قلبي. وبعض أصحاب الزُّهري يقول في هذا الخبر: فسمعته يقرأ:) خُلقوا من غير شئ أم هُمُ الخالقون أم خَلقوا السماواتِ والأرضَ بل لا يُقِنونَ (. فكاد قلبي يطير. فلمَّا فرغ من صلاته كلَّمته في أسارى بدر، فقال: " لو كان الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفَّعناه ".
وفي الموطأ: مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطُّور في المغرب. وابنه نافعُ بن جُبير: كان ذا كبر، وجلس في حلقة العلا بن عبد الرحمن الحرفي، وهو يقرئ المسلمين، فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم؟ قالوا: جلست لتسمع؟. قال: لا، ولكنِّي أردت أن أتواضع لله بالجلوس إليكم...... إنَّ اللعينَ أبوكَ فارْمِ عِظامَهُ ... إنْ ترمِ ترمِ مُخَلَّجاً مَجْنونا يُمسي خَميصَ البطنِ من عملِ التُّقى ... ويظلُّ من عملِ الخبيثِ بَطِينا أما قول عبد الرحمن بن حسان: " إنَّ اللعين أبوك فارم عظامه "، فروي عن عائشة، من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، أنها قالت لمروان إذ قال في أخيها عبد الرحمن ما قال: " أمَّا أنت يا مروان فأشهد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك، وأنت في صلبه. وقال أبو بكر أحمد بن زهير أبي خيثمة: نا موسى بن إسماعيل، نا عبد الواحد بن زياد، نا عثمان بن حكيم، قال: نا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل عليكم رجل لعين ". وكنت قد تركت عمرا يلبس عليه ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بم أبي العاصي. وابنه مروانُ بنُ الحكم: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن
ثماني سنين. وكان من الفقهاء، وكان كاتب عثمان رضي الله عنه، ومن أجله حوصر عثمان. وكان مع عائشة يوم الجمل. وولي المدينة مرَّتين لمعاوية، ثم بويع بالخلافة سنة أربع وستين؛ بايعه أهل الشام بالجابية. وقتل الضحاك بن قيس الفهريَّ بمرج راهط. وكان من أصحاب ابن الزبير. بايعه، ودعا له. وكان يوم المرج حيث قتل الضحاك للنِّصف من ذي الحجَّة سنة أربع وستين، وكانت ولاية مروان عشرة أشهر، ومات بالشام سنة خمس وستين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وهو يعدُّ فيمن قتله النساء. وأمُّه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أميَّة بن محدِّث بن جمل بن شقٍّ ابن رقبة بن مجدج بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر. وكانت زرقاء، ولذلك يقال لمروان: " ابن الزرقاء ". وابنه عبدُ الملك من الفقهاء وأهل الحزم والدهاء، ويلقَّب " رشح الحجر " لبخله، ويكنى " أبا ذبَّان " لبخره. وكان معاوية جعله مكان زيد بن ثابت على ديوان المدينة، وهو ابن ستَّ عشرة سنة وجعله أبوه الخليفة من بعده. وتوفي عبد الملك بدمشق سنة ستٍّ وثمانين. وولي الخلافة من ولده أربعة: الوليد وسليمان ويزيد - وهو ابن عاتكة بنت يزيد بن معاوية - وهشام، وولي وسطا بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز بن مروان رضي الله عنه. وتوفي بدير سمعان من أرض حمص سنة إحدى ومئة، وهو ابن تسع وثلاثين سنة. ومن ولده هشام بن عبد الملك بن مروان عبدُ الرحمنِ بنُ " مُعاوية " بن هشامٍ الداخلُ إلى الأندلس، وهو أبو الخلفاء بها. وكان يقال له " صفر قريش ". ويكنى " أبا المُطرِّف ". واحتلَّ بالمنكب بعد انفصاله عن الشام غُرِّةٌ ربيع الأولى سنة ثمان وثلاثين ومئة. ودخل قرطبة ظاهرا فاشيا أمره بالأندلس.
وثبت له به البيعة يوم الأضحى، ووافق ذلك يوم الجمعة من سنة ثمان وثلاثين ومئة، وهو ابن ستٍّ وعشرين سنة. وتوفي يوم الثُّلاثاء لستٍّ بقين لربيع الأول سنة اثنتين وسبعين مئة. وكان ملكه اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر. وكان مولده بدير حنينا من عمل دمشق، سنة ثلاث وعشرة مئة. ومن ولد يزيد " بن " عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز الوليدُ بن يزيد. وولي الخلافة بعد عمِّه هشام. وكان مناجا زنديقا سفيها. وقصته في المصحف مشهورة حين رشقه بالسِّهام لمَّا استفتح فيه، فخرج له) واسْتَفْتحوا وخابَ كلُّ جَبَّارٍ عَنِيد (فغضب، ونصبه هدفا للسهام. وقال، وهو يرشقه: أتوعد كلِّ جبارٍ عنيدٍ ... فهأنذاكَ جبَّارٌ عنيدُ إذا ما جئتَ ربَّكَ يومَ حشرٍ ... فقل: يا ربِّ مزَّقني الوليدُ فرؤي رأسه بعد ثلاثة أيام في موضع المصحف موضوعا بعد ما حزَّ، انتقم الله منه لكتابه الكريم. وقتله ابن عمِّه يزيدُ بنُ الوليد الملقب بالناقص، وكان فاضلا. وكانت ولايته من مقتل الوليد خمسة أشهر. ويقال: أنه مذكور في الكتب المتقدمة بحسن السيرة والعدل، وفي بعضها: يا مبذِّر الكنوز، يا سجَّادا في الأسحار، كانت ولايتك رحمة ووفاتك فتنة، أخذوك فصلبوك. وكان مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بني أمية، الذي قامت عليه " المسوَّدة " بنو العباس لمَّا ولي الخلافة نبش قبر يزيد الناقص، واستخرجه وصلبه. ولقِّب يزيد بالناقص لأنه نقص الجند أعطياتهم.
ومن بني العاصي بن أمية خالد وعمرو وسعيد وأبان والحكم، بنو سعيد أبي أحيحة بن العاصي. وهؤلاء الخمسة من الصحابة مشاهير. وعمر وخالد منهم إسلامهما قديم، وهاجرا الهجرتين جميعا إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة، وأما سعيد فاستشهد في الطائف، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير. وأما أبان فكان إسلامه بين الحديبية وخيب. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين؛ برَّها وبحرها، ثم عزل العلاء بن الحضرميِّ عنها، وأمَّره على بعض سراياه. وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش عام الحديبية، وحمله على فرس حتى دخل مكة، وقال له: أقبلْ وأَدبِر ولا تخفْ أحداً ... بنو سعيدٍ أعزَّةُ الحَرَمِ واستشهد عمر وخالد وأبان في فتوح الشام رضي الله عنهم. وأما الحكم خامسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه، وسمَّاه " عبد الله ". لأبي أحيحة ثمانية قدِّمت خمسة منهم للإسلام والصُّحبة. والثلاثة الباقون ماتوا كفارا، وهم: أحيحة والعاصي و " عبيدة ". فأما أحيحة وبه كان يكنى سعيد ابن العاصي بن أمية أبوهم، فقتل يوم الفجار. وأما العاصي وعبيدة فقتلا يوم بدر كافرين. قتل عليُّ بن أبي طالب العاصي، وقتل عبيدة الزبير بن العوّام، وسعيد بن العاصي، قتيل عليٍّ، أحد أجواد الإسلام، وكان فصيحا شريفا وفيه يقول الفرزدق حين ولاه معاوية المدينة في قصيدة: ترى الغُرَّ الجحاجحَ من قريشٍ ... إذا ما الأمرُ في الحَدَثانِ عالا
قياماً ينظرونَ إلى سعيدٍ ... كأنَّهمُ يرونَ " به " هَلالا وكان يقال له " عكة العسل ". ولد عام الهجرة وقيل: سنة إحدى. واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها، وافتتح أيضا جرجان في زمن عثمان، وكان أيَّدا. يقال: أنه ضرب بجرجان رجل على حبل عاتقه فأخرج السيف من مرفقه. ولما قتل عثمان لزم سعيد بن العاصي هذا بيته، واعتزل أيام الجمل وصفين، ولم يشهد شيئا من تلك الحروب. فلما أجتمع الناس على معاوية استوسق له الأمر ولاّه المدينة، وعزله وولاها مروان. وكان يعاقب بينه وبين مروان بن الحكم في أعمال المدينة. وقال سفيان بن عيينة: كان سعيد بن العاصي كريما، إذ سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه إلى أيام يسره. وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غلام، جبَّة فبها سميَّت الثياب السعيدية.... وهو أوَّل من خش الأبل في العظم. والخش: جعل الخشاش في أنف البعير. وتوفي سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وابنه عمر بن سعيد الأشدق: هو الذي قتله عبد الملك بن مروان بيده. وكان مفوَّها بليغا. وقال له معاوية، وهو صغير: " إلى من اوصى بك أبوك؟ " فقال: " أوصى إليَّ ولم يوص بي ". ومن ولد عمرو الأشدق إسماعيل بن أمية بن عمرو وكان يروي عنه الحديث ومات سنة أربعين ومئة.
ومن ولده أيضا إسحاق ويحيى ابنا سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي أبو أمية، روى عن أبيه يحيى. وروى عنه روح بن عبادة. وكنية عمرو الأشدق " أبو أمية ". وهو الذي قال له عبد الملك بن مروان: " أمكرا وأنت في الحديد؟ "، حين جعل الجامعة في عنقه، والقصة مشهورة. ومن بني أبي العيص بن أمية عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، ويكنى " أبا عبد الرحمن "، وقيل أبو محمد. وهو من خيار مسلمة الفتح. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر. ومات هو وأبو بكر في وقت لم يعلم واحد منهما بموت الآخر. وقال الواقدي: " ماتا في يوم واحد " وكذلك يقول ولد عتّاب. وأخوه خالد بن أسيد لأبويه: أسلم يوم فتح مكة. وكان فيه تيه شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم زده تيها "، فإن ذلك في ولد إليه اليوم.... " وكان لعتّاب بن أسيد ابن اسمه عبد الرحمن، وكان يقال له " يعسوب قريش ". شبِّه بيعسوب النحل، وهو أميرها. وشهد الجمل مع عائشة، فقتل. فاحتملت عقاب كفَّه فأصيبت ذلك اليوم باليمامة فعرفت بخاتمه. ومن بني حرب بن أمية أبو سفيان صخر بن حرب، وابناه يزيد ومعاوية. قتل ابنه " حنظلة " يوم بدر كافرا؛ قتله زيد بن حارثة، وقيل اشترك في قتله حمزة وعليٌّ وزيد. وكان يزيد أفضل بني أبي سفيان؛ كان يقال له " يزيد الخير " أسلم يوم فتح مكة، وأعطاه من غنائم حنين مئة بعير. واستعمله أبو بكر الصديق وأوصاه، وخرج يشيِّعه راجلا. مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من الأرباع. فزعموا أن
يزيد قال لأبي بكر الصديق: " إما أن تركب وإمَّا أن أنزل ". فقال أبو بكر: " ما أنت بنازل وما أنا براكب. أني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ". ثم قال له: " إنك ستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا، إنهم حبسوا أنفسهم له. وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشَّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنَّ شجرا مثمرا، ولا تخربنَّ عامرا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعير إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلا ولا تغرِّقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبن " مات يزيد في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، ولا عقب له وقال الوليد ابن مسلم: مات يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة، بعد أن افتتح قيساريَّة. وأما معاوية بن أبي سفيان فأسلم عام الفتح، هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ومن الطبقة الأولى في قسم غنائم حنين. وكتب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. ويكنى أبا " عبد الرحمن "، وولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة. وولي الخلافة سنة أربعين، ومكث خليفة عشرين سنة إلا شهرا. وتوفي بدمشق سنة ستين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وقال ابن اسحاق: مات وله ثمان وسبعون سنة. وشهد أبو سفيان حصار الطائف مع النبيِّ عليه السلام، ورمي بسهم بها ففقأ عينه، وفقئت عينه الأخرى يوم اليرموك. واستعمله النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نجران، فمات عليه السلام، وهو وال عليها. ولما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية من غنائم حنين ما أعطاهم قال له أبو سفيان: " والله إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم كنت، جزاك الله خيرا ". وكان من أشراف قريش في الجاهلية، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأمواله
قريش إلى الشام وغيرها من أرض الأعاجم. وربما خرج أحيانا بنفسه وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب. وكانت لا يحبسها إلا رئيس. وولد قبل الفيل بعشر سنين، وأمُّه صفية بنت حزن الهلالية. وتوفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين فيما قال الواقديُّ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقال المدائني: توفي سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان. وروى عنه عبد الله بن عباس قصة هرقل حديثا حسنا. ومن بني أبي عمرو بن أمية عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية. واسم أبي عمرو ذكوان. وكان أبو عمرو..... ويسَّمى ذكوان، فاستلحقه أمية وكناه " أبا عمرو "، فخلف على امرأة أمية، وهي آمنة بنت أبان أمُّ الأعياص. وقال ابن الكلبي: كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام، فأقام بها عشر سنين، فوقع على أمة للخمر يهودية من أهل صفُّوريَّة، يقال لها " تُرْنا "، وكان لها زوج من أهل صفُّوريَّة يهودي، فولدت له ذكوان، فادَّعاه أمية، واستلحقه، وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة. ولذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعقبة يوم أمر بقتله عند الفراغ من بدر، إذ قال عقبة: يامحمد، أتقتلني من بين أسارى قريش صبرا، " حنَّ قدح ليس منها، إنما أنت يهودي من أهل صفُّوريَّة ". روي أن عقبة قال له عند قتله: " يا محمد من للصبية؟ " فقال: " النار ". وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " كنت بمكة بين شر جارين: بين عقبة بن أبي معيط وبين أبي لهب ". وهو الذي طرح سلى الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. ذكر ذلك مسلم في صحيحه فقال: نا محمد
ابن المثنى وابن بشار، واللفظ لابن مثنى، قالا: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، حوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يرفع رأسه " فجاءت فاطمة فأخَّرته عن ظهره، ودعت على من صنع ذلك. فقال: " اللهم عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف؛ شعبة الشاك ". قال: فلقد رأيت قتلوا يوم بدر، فالقوا في بئر، غير أن أمية أو أبيّا تقطَّعت أوصاله، فلم يلق في البئر. قال المؤلف غفر الله له: الصحيح الذي لا شكَّ فيه أن أمية بن خلف هو الذي تقطَّعت أوصاله لما رواه ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه، إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه أنتفخ في درعه، فملأها. فذهبوا يحركوه فتزايل لحمه، فأقرُّوه، وألقوا عليه ما غيَّبه من التراب والحجارة. وأما أبُّي بن خلف فإنه مات من خدش رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بالحربة يوم أحد في الطريق مع كفار قريش، حين رجعوا إلى مكة من أحد. وقال أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجستانُّي في السُّنن: نا عمرو بن عثمان ومحمود بن خالد وحسين بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، قال: نا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّميمِّي، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي قلت: أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي المعيط، فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقه به خنقا شديدا. فقال: فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبيِّنات من ربكم؟.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب بضرب عنق عدو الله اللعين عقبة بن أبي معيط صبرا بعد أخذه أسيرا يوم بدر. وقيل: ضرب عنقه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاريُّ الأوسيُّ، وهو حميُّ الدَّبر. وروى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عامر الشَّعبَّي قال: لمَّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط عدوِّ الله قال: تقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: " نعم ". ثم أقبل على أصحابه فقال: " أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام، فوضع رجله على عنقي، وجعل يقمرها، فما رفعها حتى ظننت أنَّ عينيَّ ستندران " أو قال: تسقطان "، ثم جاء مرة أخرى بسلي شاة فألقاه على رأسي، وأنا ساجد خلف المقام. فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي ". وعمُّ عقبة مسافر بن أبي عمرو بن أمية: كان من أشراف قريش. وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد شرف بعضهم لبعض شرف، وفضل بعضهم لبعض فضل. وهو القائل يفتخر: ورثنا المجدَ عن آبا ... ئنا فنما بنا صُعُدا ألم نسق الحجيجَ ونن ... حُر الدَّلاَّقة الرُّفّدا ونلقَى عند تصريف ال ... منايا شدَّدا رُفُدا؟ وكان لعقبة من الولد: عمارة، وخالد، والوليد. وهم من مسلمة الفتح. وأمُّ كلثوم، وهي التي هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية من مكة إلى المدينة على قدميها ماشية. فخرج أخواها: عمارة
والوليد ابنا عقبة بن أبي معيط، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه أن يردَّها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل " أبى الله ذلك ". ولما قدمت المدينة تزوِّجها زيد بن حارثة، فقتل عنها يوم مؤتة فتزوجها الزبير بن العوَّام. فولدت له زينب، ثم طلَّقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف. فولدت له إبراهيم وحميدا. ومات عنها فتزوَّجهتا عمرو بن العاصي فمكثت عنده شهرا وماتت. وهي من المهاجرات المبايعات. وفي شأنها أنزل الله تعالى " يا أيُّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتَحِنوهُنَّ، اللهُ أعلمُ بإيمانهنَّ ... (إلى آخر الآية. وهي وأخواها الوليد شقيقها أخو عثمان لأمِّه أمُّهم أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وعمارة الذي يروى عنه. وخالد بن عقبة: كان من سروات قريش، وليست له رواية، فيما يعلم، ولا خبر نادر إلا أنَّ له أخبارا في يوم الدار. منها قول أزهر بن سيخان في خالد هذا، معرِّضا بذكره في أبيات قالها، منها: يَلومونَني أنْ جُلتُ في الدارِ حاسراً ... وقد فرَّ منها خالدٌ، وهْوَ دارعُ وهو المذكور في كتاب " الجامع " من " الموَّطأ " في حديث: " لا يتناجى اثنان دون واحد " ونصُّ الحديث: مالك عن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق. فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبيد الله غيرى وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه. فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرَّجل الذي دعا: " استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد ". وإلى خالد هذا ينسب المعيطيُّون. وشهد جنازة الحسن بن علي من بين جميع بني أمية.
وأمَّا الوليد بن عقبة، فكان يكنى " أبا وهب ". ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنَّ قوله عزَّ وجل) إنْ جاءكُم فاسقٌ بنبإ ... (نزلت في الوليد بن عقبة. وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدَّقا إلى بني المصطلق، فأخبر عنه إنَّهم ارتدُّوا، وأبوا من أداء الصَّدقة، وذلك انهم خرجوا إليه فهابهم، ولم يعرف ما عندهم. فانصرف عنهم، وأخبر النبيَّ عليه السلام أنهم منعوه الصدقة. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أنْ يتثبَّت فيهم. فأخبروه أنهم متمسِّكون بالإسلام. ونزلت:) يا أيُّها الذينَ آمنوا إن جاءكُم فاسقٌ بنبإ فتثبَّتوا (على قراءة حمزة والكسائيَّ. وذكر يحيى بن معين عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن هلال الورَّاق، عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى) إن جاءكم فاسقٌ بنبإ (قال: نزلت في الوليد ابن أبي معيط. ووقع بينه وبين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه كلام فقال الوليد: " لأنا أرزُّ للكتيبة، وأضرب لهامة البطل المشيح منك ". فأنزل الله تعالى:) أَفمن كانَ مؤمناً كمن كانَ فاسقاً (. وولاه عثمان الكوفة، وعزل منها سعد بن أبي وقّاص. فلما قدم الوليد على سعد قال له سعد: " ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك؟ ". فقال: " لا تجزعنَّ أبا إسحاق، فإنما الملك تغدَّاه قوم. ويتعشَّاه آخرون ". فقال سعد: " أراكم والله ستجعلونها ملكا ". وله أخبار فيها نكارة شناعة، تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله غفر الله لنا وله. فلقد كان من رجال قريش طرفا وحلما وشجاعة وأدبا. وكان من الشعراء الطبوعين. وكان الأصمعيُّ وأبو عبيدة وابن الكلبيِّ وغيرهم يقولون: كان الوليد
ابن عقبة فاسقا، شرِّيب خمر. وكان شاعرا كريما. ذكر عمر بن شبَّة قال: نا هارون بن معروف قال: نا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: صلى الوليد ابن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد الله بن مسعود: " ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم ". قال: ونا محمد بن حميد عن الأجلح، عن الشعبيِّ في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه فقال الحطيئة: شهدَ الحطيئةُ يومَ يَلقى ربِّه ... أنَّ الوليدَ أحقُ بالعُذْرِ نادى وقد تمَّتْ صلاتُهُمُ: ... أَأَزيدكم؟ سُكراً وما يدري فأبَوا أبا وهْبٍ ولو أذِنوا ... لَقَرنتَ بينَ الشَّفْعِ والوَتْرِ كَفُّوا عِنانَكَ إذ جَريْتَ، ولو ... تركوا عنانكَ لم تزلْ تجري وقال أيضا: تَكلَّمَ في الصلاةِ وزادَ فيها ... علانيةً، وجاهرَ بالنِّفاقِ ومجَّ الخمرَ في سُننِ المصلَّى ... ونادى والجميعُ إلى افتراقِ أزِيدكُمُ على أنْ تَحْمَدوني ... فما لكُمُ وماليَ من خَلاقِ وخبر صلاتهم وهو سكران، وقوله: " أزيدكم؟ " بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث والأخبار. وقال مصعب: كان الوليد بن عقبة من رجال قريش وشعرائها. وكان له خلق ومروءة. استعمله
عثمان على الكوفة إذ عزل عنها سعدا، فحمدوه وقتا، ثم رفعوا عليه، فعزله عنهم، وولى سعيد بن العاصي. فقال بعض شعرائهم: فررتُ من الوليد إلى سعيدٍ ... كأهل الحِجْرِ إذ جَزعوا فباروا يَلينا من قريشٍ كلَّ عامٍ ... أميرٌ مُحْدَث أو مُستشارُ لنا نارٌ نُخوَّفُها فَنَخشى ... وليس لهم فلا يخشَوْنَ نارُ وقصة الشهادة عليه بشرب الخمر ما رواه عبد العزيز بن المختار وسعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله بن الدَّاناج، عن حضين بن المنذر ابن ساسان أنه ركب إلى عثمان فأخبره بقصة الوليد، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعا، ثم قال: أزيدكم؟. ثم قال أحدهما: رأيته يشربها. وقال الآخر: رأيته يتقيَّؤها. فقال عثمان رحمه الله: أنه لم يتقياها حتى شربها. فقال لعلي: أقم عليه الحدَّ. فقال عليٌّ لابن أخيه عبد الله بن جعفر: أقم عليه الحدَّ. فأخذ السَّوط وجلده، وعثمان يعدُّ حتى بلغ أربعين. فقال علي: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنَّة. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن الباقر أبي جعفر بن علي زين العابدين رضي الله عنهما قال: جلد عليٌّ رضي الله عنه الوليد بن عقبة في الخمر أربعين بسوط له طرفان، فأضاف الجلد إلى علٍّ، لأنه أمر به على الوجه الذي تقدَّم في الخبر قبله. هكذا ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البرَّ خبر جلد الوليد في كتاب الصحابة. وذكر مسلم في صحيحه، فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعليُّ بن حجر، قالوا: نا إسماعيل، وهو ابن عليَّة عن ابن أبي عروبة عن عبد الله الدَّاناج، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ، واللفظ له، قال: أنا يحيى بن حمَّاد قال: نا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الدَّاناج، قال: نا حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلَّى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟. فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر. وشهد آخر أنه
رآه يتقيأ. فقال عثمان: أنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا عليُّ قم فاجلده. فقال: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولَّ حارَّها من تولَّى قارَّها. فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. فجلده، وعليٌّ يعدُّ حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّة، وهذا أحبُّ أليَّ. لم يرو الوليد رواية يحتاج فيها إليه. وكان إذ ولي الكوفة ابتنى بها دارا. ثم لما عزل عنها وحدَّ لم يزل بالمدينة حتى بويع علي، فخرج إلى الرَّقَّة، فنزلها، واعتزل عليا ومعاوية، ومات بها، وبالرقة قبره في ضيعة له، وولده بالرقة وبالكوفة، منهم: محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة، كان يقال له: " ذو الشامة "، ويرمى بالزندقة. وكان معاوية لا يرضى الوليد، وهو الذي حرَّضه على قتال عليٍّ رحمه الله؛ فربَّ حريص محروم. وهو القائل لمعاوية يحرِّضه ويغريه بعليٍّ رضي الله عنه. واللهِ ما هندٌ بأمِّك إن مضى النْ ... َهارُ ولم يَثْأرْ بعثمانَ ثائرُ أيقتلُ عبدُ القوم سيِّد أهلهِ ... ولم يقتلوهُ ليتَ أمَّك عاقِرُ وهو القائل أيضا: ألا مَن لليلٍ لا تَغورُ كواكبُهْ ... إذ لاحَ نجمٌ غارَ نجمٌ يُراقبُهْ بني هاشمٍ رُدُّوا سلاحَ ابنِ أختكمْ ... ولا تَنْهبوهُ لا تحلُّ مَناهبُهْ بني هاشمٍ لا تُعجِلونا فإنَّهُ ... سَواءٌ علينا قاتِلوهُ وسالبُه وإنا وإيّاكمْ وما كان منكمُ ... كصَدعِ الصَّفا لا يَرأبُ الصدعَ شاعبُهْ بني هاشمٍ كيفَ التَّعاهُدُ بيننا ... وعند عليٍّ سيفُهُ وجَرائبُهْ
لعَمُركَ ما أنسى ابنَ أَروى وقتلهُ ... وهلْ يَنْسينَّ الماءَ ما عاشَ شاربه؟ همُ قَتلوهُ كي يكونوا مكانَهُ ... كما فَعلتْ يوماً بكسرى مَرازبُهْ فأجابه الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب بثلاثة أبيات يحاشي ويجلُّ عثمان أن يوصف بما ذكر في البيت الأوسط منها. نفعنا الله بحبِّه وحبِّ الشيخين قبله، وحبِّ الأمام الرضي بعده، ورضي عنهم آمين. وأمَّا أمية الأصغر بن عبد شمس: فيقال لولده " العبلات "، لأن أمَّهم عبلة. منهم: الثريَّا بنت عليِّ بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، التي كان يشبِّب بها عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. وهو القائل فيها من أبيات: ليتَ شعري هل أقولنْ لركبٍ ... بفلاةٍ وهمْ لدينا هجوعُ: طال ما عَرستُمُ فاستقلوا ... حانَ من نجمِ الثريَّا طلوعُ وفيها يقول، متخَّير من قصيدة: قالَ لي صاحبي ليعلمَ ما بي: ... أتحبُّ القَتولَ أختَ الربابِ؟ قلتُ: وجدي بها كوجدِكَ بالما ... ءِ إذا ما مُنعتَ بَرْدَ الشَّرابِ مَن رسولي إلى الثريَّا فإني ... ضقتُ ذَرعاً بهجرِها والكتابِ أَبرزوها مثلَ المهاةِ تَهادى ... بينَ خَمسٍ كواعبِ أَتْرابِ وهْيَ مكنونةٌ تَحيَّرَ منها ... في أديمِ الخدَّينِ ماءُ الشبابِ نلتُ ما كنتُ أشتهي يا عذولي ... حينَ قبَّلتُ ثغرها في النِّقابِ فاقتُليهِ قتلاً سريعاً مُريحاً ... لا تكوني عليهِ سَوطَ عذابِ
وكانت الثريَّا موصوفة بالجمال، فتزوَّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهريُّ، فنقلها إلى مصر. فقال عمر يضرب لها المثل بالكوكبين: أيُّها المُنِكحُ الثريّا سُهيلاً عَمْرَكَ اللهُ كيفَ يَلتقيان! هيَ شاميَّةً إذا ما استقلّت وُسهيلٌ إذا استقلَّ يَمانِ وأمَّا حبيب بن عبد شمس فمن ولده عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب وهو خال عثمان وأخو أمِّه، ويعد في الصحابة، وكان مضعَّفا. وابنه عبد الله بن عامر من الأجواد، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتى به وهو صغير. وقيل: لما أتى به إليه صلى الله عليه وسلم قال لبني عبد شمس: " هذا أشبه بنا منكم "، ثم تفل في فيه فازدرده، فقال: " أرجو أن يكون مسقيَّا ". فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء. وقال صالح بن الوجيه وخليفة بن خياط: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبو موسى الأشعريَّ عن البصرة، وعثمان بن أبي العاصي عن فارس، وجمع ذلك كلَّه لعبد الله بن عامر بن كريز. قال صالح: وهو ابن أربع وعشرين سنة. ولم يختلفوا أنه أفتتح أطراف فارس كلَّها وعامَّة خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان. وهو الذي شقَّ نهر البصرة. ولم يزل واليا لعثمان على البصرة إلى أن قتل عثمان، وكان ابن عمَّته. ثم عقد له معاوية على البصرة، ثم عزله عنها، وكان أحد الأجواد. وأوصى إلى عبد الله بن الزُّبير، ومات قبله بيسير وفيه يقول زياد الأعجم: أخٌ لكَ لا تراهُ الدهرَ إلا ... على العلاَّتِ بسَّاماً جَوادا
سألناهُ الجزيلَ فما تَلكَّا ... وأعطى فوقَ مُنْيَتنا وزادا وأحسن ثم أحسنَ ثم عُدنا ... فأحسنَ ثمَّ عدتُ له فعادا مراراً ما رجَعتُ إليه إلا ... تبسَّم ضاحكاً وثَنى الوِسادا ومن موالي أروى بنت كريز أمِّ عثمان بن عفان طويس، الذي يضرب به المثل بشؤمه اسمه عبد الملك، ويكنى أبا عبد النعيم. ورؤي طويس يرمي بالجمار يشكر من عبق. فقيل له: ما هذا؟ فقال: كانت للشيطان عندي يد، فأحببت أن أكافئه عليها. ومن موالي عبد الله بن عامر بن كريز خالد بن مهران الحذَّاء، ويكنى أبا المنازل، ولم يكن بحذَّاء. قال فهد بن جبان: لم يحذ خالد قطُّ، وإنما كان يتكلم فيقول: أحذ على هذا الحديث، فلقِّب الحذاء. وتوفي سنة إحدى وأربعين ومئة. ومن ولد حبيب بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب: يكنى أبا سعد. وأسلم يوم فتح مكة، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه مسلم: حدَّثنا شيبان بن فرُّوخ قال: نا جرير بن حازم قال: نا الحسن قال: نا عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ". غزا عبد الرحمن خراسان في زمن عثمان، وهو الذي افتتح سجستان وكابل. قال خليفة: في سنة اثنتين وأربعين وجَّه عبد الله بن عامر عبد الرحمن بن سمرة إلى سجستان، فخرج إليها، ومعه في تلك الغزاة الحسن بن أبي الحسن والمهلَّب ابن أبي صفرة وقطريُّ بن الفجاءة. فافتتح كورة من كور سجستان. وقد كان ولاَّه ابن عامر سجستان سنة ثلاث وثلاثين، ثم رجع إلى البصرة فسكنها. وإليه
سكَّة ابن سمرة بالبصرة. وتوفي سنة إحدى وخمسين، وروى عنه الحسن وغيره. وأخوه عمر بن سمرة: قطع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يده في سرقة. ولما قطعت قال: الحمد لله الذي طهِّرني منك. وأما عبد العزَّى بن عبد شمس: فمن ولده أبو العاصي بن الربيع بن عبد العزَّى زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسمه لقيط، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم، والأكثر لقيط. وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحمد صهره ويثني عليه فيه خيرا. وكان يعرف بجرو البطحاء، وبنته أمامة من زينب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّها، وربما حملها على عنقه في الصلاة. وحديث صلاته بها مشهور في الصحاح. وتزوَّجها علي رضي الله عنه بعد فاطمة. فلما قتل علي رضي الله عنه، وآمت منه تزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، أمره عليٌّ بذلك في الثلاثة الأيام التي عاش فيها بعدما ضربه ابن ملجم مخافة أن يتزوجها معاوية. فولدت للمغيرة يحيى، وبه كان يكنى. وهلكت عنده. وولد للمغيرة من غير أمامة: عبد الملك وعبد الواحد وسعيد وعبد الرحمن، ولا عقب لأبي العاصي من الذكور. وتوفي أبو العاصي بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجَّة من سنة اثنتي عشرة. وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة؛ فهو ابن خالة زينب زوجه. وكان تزوَّجها وهو مشرك. فقالت له قريش كلُّها: طلقها، ونزوِّجك بنت سعيد بن العاصي، فأبى. فلذلك كان يحمد النبيُّ عليه السلام صهره. وأسر يوم بدر، فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء. وهاجرت زينب وتركته على شركه. فلم يزل مقيما على الشِّرك حتى كان قبيل الفتح، وخرج بتجارة إلى الشام، ومعه أموال من أموال قريش. فلما
انصرف قافلا في جماعة عير لقيته سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأميرهم زيد بن حارثة. فأخذوا ما في تلك العير من الأنفال، وأسروا ناسا منهم. وأفلت أبو العاصي هربا، وأقبل من الليل حتى دخل على زينب، فاستجار بها، فأجارته. وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها وأقسم بعد صلاة الصبح للناس بأنه: " ما علم بما صنعت حتى سمعت منه ما سمعتم ". وقال: إنه يجير على المسلمين أدناهم. وأوصى ابنته أن تكرم مثواه، وأن لا يخلص إليها، فإنها لا تحل له. وكلَّم عليه السلام أهل السرية فيما أصابوا له من الأموال فردُّوها عن طيب نفس. فسار بها إلى مكة، وأدَّى إلى كلِّ من أبضع معه من قريش ماله، لم يفقدوا منه شيئا. فشكروا وفاءه وكرمه. وأسلم جهارا بين أيديهم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، وحسن إسلامه.
وأما ربيعة بن عبد شمس: فمن ولده أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة. واسم أبي حُذيفة مهشم، وقيل هُشيم، وقيل: هاشم. وهو مهاجريُّ بدري، من فضلاء الصحابة. واستشهد يوم اليمامة. وهاجر الهجرتين، صلىالقبلتين. وكان إسلامه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وكان رجلاً طوالاً، حسن الوجه، أحول أثعل. والأثعل: الذي له سن زائدة، تدخل من أجلها الأخرى. وموله سالم مولي أبي حذيفة وهو سالم بن معقل، وكان من فضلاء الموالي، ومن خيار الصحابة وكبارهم، ويكنى أبا عبد الله. وكان أبو حذيفة قد تبنَّاه، فكان ينسب إليه حتى نزلت: " أدعوهم لآبائهم ". وكان من القراء. ذكر أحمدُ بنُ زُهير بن حرب، وهو ابن أبي خيثمة، قال: نا أبي، نا جرير عن الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق بن الأجدع، قال: كنا عند عبد الله بن عمرو فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خُذوا القرآنَ من أربعةٍ: من ابن أمِّ عبد، فبدأ به، ومن أبيِّ بن كعب، ومن سالم مولي أبي حذيفة، ومن معاذ بن جبل. واستشهد سالمٌ يوم اليمامة مع مولاه أبي حذيفة. وجد رأس أحدهما عند رجل الآخر رضي الله عنهما. وولد لأبي حذيفة بأرض الحبشة ابنه محمدٌ. ولما استشهد أبو حذيفة كفل ابنه محمداً عثمان، ولم يزا في نفقته. فلما حُصر عثمانُ كان محمدُ بن أبي
حذيفة أحد من أعان عليه، وحرَّض أهل مصر حتى ساروا إليه، وهو معهم. فلما قُتل عثمان هرب محمدٌ إلى الشام، فوجده رشدين مولي معاوية فقتله. وأبو أبي حذيفة عتبة بن ربيعة، وأخوه الوليد بن عتبة، وعمُّه شيبةُ بن ربيعة من أصحاب قليب بدر. وأخت أبي حذيفة هندُ بنتُ عُتبة: أمُّ معاوية، أسلمت يوم الفتح، بعدما أسلم زوجُها ابو سفيان بنُ حربٍ، فأقرَّهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحها. ولما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح البيعة عل النساء، ومن الشرط فيها) ألاّ يسرِقْنَ، ولا يزنين (، قالت له هند بنتُ عتبة: " وهل تزني الحرةُ أو تسرقُ يا رسول الله؟ ". فلّما قال:) ولا يقتلن أولادهنَّ (قالت: " قد ربَّيناهم صغاراً، وقتلتهم أنت ببدر كباراً "، أو نحو هذا من القول. وشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ زوجها أبا سُفيان لا يُعطيها من الطعام ما يكفيها وولدَها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خُذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ أنتِ وولدُكِ ". وتوفيتْ هندُ بنتُ عتبة في خلافة عمر بن الخطاب في اليوم الذي مات فيه أبو قُحافة والدُ أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه. وكانت امرأةً فيها ذُكرة، لها نفسٌ وأنفةٌ. شهدت أحداً كافرةً مع زوجها أبي سُفيان. وكانت تقول يوم أحد: نحن بناتُ طارقْ ... نمشي على النمارقْ إنْ تُقبلوا نُعانقْ ... أو تُدبروا نفارقْ فِراقَ غيرِ وامِقْ قال الزُّبيرُ: سمعتُ يحيى بن عبد الله الهُديريَّ، وقد ذُكر قول هندٍ: " نحن بناتُ طارق "، فقال: أرادت: نحن بناتُ النَّجم، من قوله عزَّ وجلَّ:) والسِّماء
والطارق، وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب (. تقول: نحن بنات النجم. وبَقرت عن كبدِ حمزة يومَ أحدٍ، فلا كتها، فلم تستطع أن تُسيغها فلفظتْها وقالت: شَفَيتُ من حمزةَ نفسي بأُحُدْ حينَ بَقَرتُ بطنَهُ عنِ الكَبِدْ أَذهبَ عنّي ذاكُ ما كنتُ أجِدْ مِن لَذْعةِ الحُزْنِ الشَّديدِ المتَّقِدْ وجَعلت، في ذلك اليوم هي والنِّسوةُ التي معها يُمثِّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَجد عن الآذان والأنف حتى اتَّخذت من آذان الرجال وأُنُفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقِرطها وحشياً غلام جبير بن مُطعمٍ. وأخوهما أبو هاشم بنُ عُتبة: من مُسلمة الفتح. واسمه شيبةُ على اختلاف في اسمه. وكان فاضلاً. وكان أبو هريرة إذا ذكر ابا هاشم قال: " ذلك الرجلُ الصالحُ ". سكن الشام، وتوفي بها. وروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. حدَّث أبو بكر بنُ أبي شيبة قال: نا أبو معاوية عن الأعمش، عن شقيق، قال: دخل معاوية على خاله أبي هاشم بن عتبة يعودُهُ فبكى. فقال له معاوية: ما يُبكيك يا خال؟ أوجعٌ تجده أم حرصٌ على الدنيا؟ قال: كلٌّ لا، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال: " يا أبا هاشمٍ، إنَّها لعلَّك تُدركُك أموالٌ يُؤتاها أقوامٌ، فإنما يكفيك من الدنيا خادِمٌ ومركبٌ في سبيل الله "، وأُراني قد جَمعْتُ. وانقرض عقِبُ عتبة بن ربيعة إلا ولد المغيرة بن عِمران بن عاصم بن
قصي بن كلاب
الوليد بن عتبة بن ربيعة، فإنهم كانوا بالشام. وأختهم فاطمة بنت عتبة بن ربيعة: خالةُ معاوية. روت عنها أمُّ محمد بن عجلان المُحدِّث، وهي مولاتُها. قصي بن كلاب اسمُ قصيٍّ زيدٌ، ويُكنى " أبا المُغبرة "، ويُدعى مُجمِّعاً. قال الشاعر لولد قصيٍّ: أبوكم قصيٌّ كان يُدعى مُجمِّعاً ... به جَمعَ اللهُ القبائل من فِهْرِ ويُروى: قصيٌّ لَعَمري كان يُدعى مُجمِّعاً ودُعي مُجمِّعاً لأنه جمع قبائل قريش إلى الحرم، وكانوا متفرقين في كنانة حين أخرج خُزاعة عن مكَّة، وكانوا وُلاتها بعد جُرْهُمٍ. وكان قصيٌّ صاهر مَلكهم حُليلَ بن حُبْشِيَّة بن سلول، كانت عنده حُبَّي بنتُ حُليل، وأعطى مفاتيح الكعبة لأبي غُبشانَ، فباعها من قُصيٍّ بزقِّ خمرٍ وحُلَّةٍ ودراهم. فلذلك تضربُ به العرب المثل فتقول: " أخسر صفقةً من أبي غُبشانَ ". قال الشاعر: أبو عُبشان أظلمُ من قصيٍّ ... وأظلمُ من بني فِهرٍ خُزاعَهْ فلا تَلْحَوا قُصيَّاً في شِراهُ ... ولوموا شيخَكمْ إذْ كانَ باعَهْ
وأُمُّ قُصيٍّ وزهرة ابني كلابٍ فاطمة بنتُ سعد بن سيلٍ؛ احد الجدرة من خثعمة الأسد من اليمن. وكانوا خلفاء في بني الدُّئِل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. قال ابن هشام: يقال خثعمة الأسد، وجِعثمةُ الأسد. وهو جِعثمة بن يشكر بن مُبشِّر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأَزِد بن الغوث نبتِ بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. واسم سبأ عبدُ شمس. وإنما سُمي سبأ لأنه أول من سبأ في العرب، ابن يشجُب بن يعرب بن قحطان. والجَدَرَةُ: هم بنو عامر بن عمرو بن خزيمة بن جِعثِمة. وكان أبوهم عامرٌ بني جداراً للكعبة ايام جُرْهم، لأنه كان صِهرهم فسمي " الجادِرَ "، وقيل لولدِهِ " الجَدَرة ". ونُعمُ بنتُ كِلابٍ: وهي شقيقةُ قُصيٍّ وزُهرة؛ أمُّ سعدٍ وسُعيد، ابني سهم ابن عمرو بن هُصيص بن كعب. وأخوهم لأمهم رِزاحُ بنُ ربيعة بن حرام ابن عُذرة، من قُضاعة. وهو الذي نصر قُصياً على خزاعة وبني بكر بن عبد مناة ابن كنانة حتى أخرجهم من مكة. وكان قُصيٌّ استنصرهُ، فأتاه فيمن تبعه من قُضاعة في حاجِّ العرب. وهو القائل في إجابته قصياً: لما أتى من قصيٍّ رسولٌ ... فقال الرسول أجيبوا الخليلا نهضنا إليه نقود الجياد ... ونطرح عنا الملول الثقيلا وهذان البيتان من قصيدةٍ له. وقال قصي: أنا ابنُ العاصمينَ بنِي لؤيٍّ ... بمكةَ منزلي وبِها رَبِيتُ
إلى البطحاءِ قد علمتْ مَعدٌّ ... ومَرْوتِها رَضيتُ بِها رَضيتُ فلستُ لغالبٍ إن لم تَأثَّلْ ... بها أولادُ قَيذَرَ والنَّبيتُ رِزاحٌ ناصري وبهِ أُسامي ... فلستُ أخافُ ضَمياً ما حَييتُ وكان ربيعة بن حرامٍ أبو رزاحٍ قدم مكة، وزُهرةُ بن كلابٍ يومئذٍ رجلٌ، وقصيٌّ فطيمٌ. فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل؛ أمَّهما. فاحتملها إلى بلاده، فحملت قُصياً معها، وأقام بمكة زُهرة. فولدت لربيعة رزاحاً. فلما بلغ قُصيٌّ، وصار رجلاً أتى إلى مكة، فأقام بها حتى ملك أمرها، وبلغ شرفُه فيها ما لم يبلغه أحدٌ من آبائه. كانت له الحجابةُ والسِّقايةُ والرِّفادةُ والنَّدوة واللِّواء. فحاز شرف مكة كلَّه. وكان أول بني كعب بن لؤي أصاب مُلكاً أطاع له به قومُه، واتَّخذ لنفسه دار الندوة، ففيها كانت قريشٍ تقضي أمورها، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة. وكان أمره في قريشٍ كالديِّن المتَّبع ومن بعد موته. وولد قُصيٌّ عبد منافٍ، وقد تقدَّم ذكره، وعبد العُزَّى، وعبد الدار، وعبداً. وأمُّهم حُبَّي بنت حُليل بن حُبْشيَّة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعيِّ. وعمرو هو لُحيٌّ، وهو أبو خُزاعة. فمن بني أسد بن عبد العُزى: عبد الله ويزيد ووهب بنو زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. وهم من الصحابة، وأمهم قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة زوج النبي عليه السلام. وأبوهم زمعةُ من أصحاب القليب، وجدهم الأسود من المستهزئين الذين كُفيهُم النبيُّ عليه السلام. وروي أنَّ جبريل رمى في وجهه بورقة فعمي. وكان عبدُ الله من أشراف قريش، وكان يأذنُ على النبي عليه السلام بعد في أهل المدينة. روى عنه أبو بكرٍ بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حديث: " مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ". وروى عنه عُروةُ بن الزُّبير حديث ضرب المرأة، والضحكة مع الضَّرطة.
وكانت تحته زينب بنت أبي ... أم بنيه.............. توفي بها سنة مئتين، وكان ضعيفاً في الحديث. وقال عنه أبو الفتح محمد بن الحسين الأزديُّ الموصليُّ الحافظ: وكان قاضي الرقة، استقضاه الرشيد، وكان كذاباً متروك الحديث، لا تجاوز اللهُ عنه. ولما مات بلغ ابن مهدي موتهُ قال: الحمدُ لله الذي أراح الناس منه. وكان يطير الحمام للرشيد فقال له يوماً: أتحفظ في الحمام شيئاً؟ فقال حدثني ... عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيرها، فقال: اخرج عني لولا أنك من قريش لعزلتك. وأما يزيد بن زمعة فهو الذي أهوى بالسيف لزينب، فألقت ذا بطنها. وقد ذكرنا قصتها معه قبلُ.... وأسلم هبارٌ بعد الفتح وحسن إسلامه. ومن بني اسد: خديجةُ بنت خُويلد بن أسدٍ زوجُ النبي عليه السلام، والزُبير بنُ العوام بن خُويلد، وحكيمُ بنُ خُويلد، ويكنى أبا خالد. وكان حكيمٌ من أشراف قريش، وُلد في الكعبة، وذلك أن أمَّه دخلت الكعبة في نسوة من قريش، وهي حاملٌ فضربها المخاضُ، فأتيتْ بنطع فولدت حكيماً عليه. وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وفرَّ يوم بدر. وكان إذا اجتهد في اليمن قال: " لا، والذي نجَّاني يوم بدر ". وقال حكيمٌ: " ولدتُ قبل الفيل بثلاث عشرة سنةً، وأنا أعقِلُ حين أراد عبدُ المطَّلب أن يذبح ابنه عبد الله، حين وقع نذره، وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ". وكان يفعل المعروف في الجاهلية، ويُعتق الرقاب تحنُّثاً. وسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أسلم فقال: " أسلمت على ما أسلفتَ من خيرٍ ". وكان من خيار المؤلفة قلوبُهم. أسلم يوم الفتح هو وبنوه: هشامٌ وعبدُ الله وخالدٌ ويحيى: وله ولبنيه صحبةٌ ورواية. وعاش مئة وعشرين سنةً. وكان
فاضلاً تقياً سرياً جَواداً. واعتق موت النبي عليه السلام مئة مملوك في يوم واحد، وفي أعناقهم أطواق الفضة. وشهد حكيم مع أبيه الفِجار الأول والثاني. وفي الفجار الثاني قُتل أبوه حِزامٌ. وباع حكيمٌ دارا له من معاوية بستين ألف دينار. فقيل له: " غبنك معاوية! " فقال: " والله ما أخذتُها في الجاهلية إلا بزق خمر، أُشهدكم أنها في سبيل الله. فانظروا أيُّنا المغبونُ؟ ". ومات حكيمٌ بالمدينة سنة أربع وخمسين. وهشامٌ: من بنيه، كان من فضلاء الصحابة وخيارهم، ممَّن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ذكر مالك أن عمر بن الخطاب كان " يقول " إذا بلغه أمرٌ ينكره: " أما ما بقيتُ أنا وهشام بن حكيم فلا يكون ذلك ". قال ابن وهب: وسمعتُ مالكاً يقول: كان هشام بن حكيم كالسائح لم يتخذ أهلاً ولا ولداً. وحديث عمر مع هشام بن حكيم حين سمعه عمر يقرأ سورة " الفرقان " ذكره مالكٌ في موطَّئه في كتاب الصلاة. ونصُّه: مالكٌ عن ابن شهابٍ عن عروة بن الزُّبير عن الرحمن بن عبدٍ القاريِّ أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حِزامٍ يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه. ثم أمهلتُه حتى انصرف، ثم لبَّبتُه بردائه، فجئتُ به رسول الله فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله، إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله: " أرسله ". ثم قال: " اقرأ ". فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هكذا أُنزلت ". ثم قال لي::اقرأ ". فقرأتها فقال: " هكذا أُنزلت: إنَّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه ". ومن بني أسدٍ فاطمة بنتُ أبي حُبيش بن المطَّلب بن أسد بن عبد العزَّى ابن قُصي، وكانت تُستحاضُ. روى عنها عروة بن الزبير، وسمع منها حديثها في الاستحاضة، وهو في الموطأ عن عُروة عن عائشة، ونصُّه: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي عليه السلام أنها قالت: قالت فاطمةُ بنت أبي حُبيش: يا رسول الله، إني لا أطهر فأدعُ الصلاة! فقال لها رسول الله: " إنما ذلك عِرقٌ وليس بالحيضة. فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرُها فاغسلي الدم عنكِ وصلِّي ".
وأخوها السائبُ بنُ أبي حُبيش: له صحبة. وهو معدود في أهل المدينة روى عنه سليمان بن يسار وغيره. ومن بني أسد ورقةُ بن نَوفلِ بن أسد. وهو ابنُ عمِّ خديجةَ، وأدراكَ مبعثَ النبيِّ عليه السلام، وقد عُميَ. ولقيهُ ورقةُ، وهو يطوف بالبيت فسأله ورقةُ عن ما رأى صلى الله عليه وسلم وما سمع. فقبَّل يأفوخَه، وبشَّرة بالنبِّوة. وخبرُ ورقةَ أشهرُ من أن يذكر. وأخواه: عدي وصفوان ابنا نوفل. فأما عدي فهو من مُسلمة الفتح، وعملَ لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان على حضر موت. وأمُّه آمنةُ بنت جابر بن سفيان ... ذكر ذلك الزبير. وأما صفوان..... وكان من أشراف قريش، وهو الذي قال فيه عمر: " ذاك رجل لا أعلم فيه عيبا، وما أحدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأنا أقدرُ أن أعيبه ". وقيل إنه قاله في ابنة عبد اللهِ بن السائب، وكان شريفاً أيضا، وسيطا في قومه. " وكانت عند " المغيرة بن أبي العاصي عمِّ عثمان بن عفان. فولدت له معاوية بن المغيرة. وهي جدة عائشة بنت معاوية بن المغيرة، أم عبد الملك بن " مروان " وبسرة هذه من المبايعات. ورَوى عنها من الصحابة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط، وروى عنها مروان بن الحكم و) سعيد بن المسيَّب (. ومنهم الحَولاء بنت تُوضيت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي. هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكانت كثيرة (العبادة. وفيها جاء الحديث أنها كانت لا تنام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يسأم " حتى تسأموا ".
ومن بني عبد الدار بن قصي
وقُتل من كفار بني أسد يوم بدر: زمعة بن الأسود بن المطَّلب بن أسد. اشترك في قتلة حمزةُ وعلي بن أبي طالب وثابت بن الجذع الأنصاري السلمي. واسمُ الجَذَع ثعلبةُ. وأخوهُ عقيل بن الأسود بن المطلب، قتله حمزة وعلي، اشتركا فيه. وأبُو البَخْتري العاصي بن هشام. ويقال: ابن هاشم بن الحارث ابن أسد قتله المجذَّر بن ذّياد البلويُّ. وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة. وقال النبيُّ عليه السلام يوم بدر: " مَن لقي أبا البختريِّ فلا يقتلْهُ " فجهد المجذَّرُ على أخذه أسيراً، فلم يقدر عليه إلا يكون مع زميله. فأبى المجذر ذلك، وقال لم يأمر رسول الله بترك قتل أحدٍ إلا لكَ وحدك. فقاتل دون زميله فقتله المجذر. وابنه الأسود بنُ أبي البختري: أسلم يوم الفتح، وصحب النبي عليه السلام. وكان من رجال قريش وفي ابنه سعيد بن الأسود قالت امرأة: ألا ليتَني اَشْري وشاحي ودُملجى ... بنظرةِ عَينٍ من سعيد بن أسود ومن بني عبد الدَّار بن قُصيّ مُصعبُ بنُ عُمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: وهو من المهاجرين الأولين. شهد بدراً، وقُتل يوم أُحد شهيداً. قال أبو محمد بنُ الجارُودِفي كتاب) المنتقى (له: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: نا معاوية الضريرُ قال: نا الأعمشُ عن شقيق، عن خَباب بن الأرت فال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجَبَ أجرنا على الله. فمنَا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً؛ منهم: مُصعب بن عُمير، قُتل يوم أحدٍ، فلم يوجَد لهث شيء يكفَّن به إلا نَمِرَةُ. فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رحلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسَهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضَعوها ممَّا يلي رأسَهُ، واجعلوا على رجليهِ من
الأذخُر ". ومنا من أينعت له ثمرتُهُ فهو يَهدِ بُها. وأخواهُ أبو الروم وأبو عزيز ابنا عُمير. فأما أبو الروم، فكان قديم الإسلام بمكة. وذكر ابنُ إسحاقَ أنه هاجر إلى أرض الحبشة. وقال أبو الزِّناد: لم يهاجر إليها. وشهدَ أحداً وقُتل يومَ اليرموك شهيداً. وهو ممِّن اشتهر بكنيته. " له صحبة " وسماع من النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه نُبْيهُ بن وهب. يعدُّ في أهل المدينة ... ومنهم سُوَيبط بن سعد بن حُرَيْملةَ بن مالك بن عُمَيلةَ بن السَّبَّاق بن عبد الدار. هاجر الهجرتين، وشهد بدراً. وكان مزَّاحا يُفرط في الدُّعابة. وقصتُه مع نُعيمان بن عمرو الأنصاريَّ النجَّاريَّ مشهورة حين سافرا مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. وكان نُعيمان أيضا مزَّاحا. وله أخبار مُستطرفة مُضحكة، ذكرها مُسندة أحمد بنُ حنبل والزبير بن بكَّار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزْمٍ الأنصاريُّ النجَّاريُّ. ومنهم برةُ بنت عامر بن الحارث بن السبّاق بن عبد الدار بن قصي. وهي بنت عم بَعكك والد أبي السنابل. وكانت تحت أبي إسرائيل الأنصاريَّ، فولدَتْ له إسرائيل بن أبي إسرائيل. وكانت من المهاجرات. ومنهم عثمانُ بنُ طلحة بن أبي طلحة. واسم أبي طلحة عبدُ الله بنُ عبد العُزى بن عثمان بن عبد الدار بن قُصي. قُتل أبوهُ طلحةُ وعمه عثمان ابنا أبي طلحة جميعا يومَ أحدِ كافرين. قَتل حمزةُ عثمان وقَتل عليٌّ طلحة مُبارزة. وقُتل لعثمان ابن طلحة إخوة أربعةٌ أيضا يوم أحدٍ كفاراً، وهم: مُسافع، والجُلاس، والحارث، وكِلاب بنو طلحة. قَتل مُسافعاً والجُلاس عاصم بن أبي الأفلح حمِيُّ الدَّبْر. وقتل كلاباً والحارث قُزمانُ حليفُ بني ظفرٍ. وقيل: كلاباً عبدُ الرحمن بن عوف. وقال ابنُ عبدِ البر في كتاب الصحابة: قَتل كلابا الزبير. وكانت هجرة عثمان بن طلحة في هُدنة الحديبية مع خالد بن الوليد. فلقيا
عَمرو بن العاصي مُقبلاً من عند النَّجاشي يريد الهجرة. فاصطحبوا جميعا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فقال رسول الله حين رآهم: " رمتْكم مكةُ بأفلاذِ كبِدها " يقول: إنهم وجوهُ مكةَ، فأسلموا. ثم شهد عثمان بن طلحة فتح مكة، فدفع رسول الله مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمِّه شيْبة بن عثمان بن أبي طلحة، وكان من مُسلمة الفتح. وقيل: بل أسلم بحُنين. وقال لهما عليه السلام: " خذوها، يا بني أبي طلحة، خالدةً تالدةً إلى يوم القيامة، لا ينزعها منك إلا ظالم ". فبنو أبي طلحة هم الذين يَلُونَ سِدانةَ الكعبة دون بني عبد الدار. ثم نزل عثمان بن طلحة المدينة فأقام بها إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم انتقل إلى مكة، فسكنها حتى مات بها في أول خلافة معاويةَ سنة اثنتين وأربعين. وقيل إنه قُتل يومَ أجنادين. وابنُ عمه شيبة بن عثمان: هو جدُّ بني شيبةَ حَجَبةِ الكعبة إلى اليوم. وتوفى في آخر خلافة معاوية سنة تسعٍ وخمسين. وقيل: بل تُوفي في أيام يزيد. وهو من فضلاء المؤلفة قلوبهم. وابنته صفيةُ بنتُ شيبةَ: يُروى عنها الحديث؛ روى عنها ميمون بن مِهْران الجزريُّ وعُبيدُ اللهِ بن أبي ثور والحسن بن مسلم وإبراهيم بن مُهاجر. وروت هي عن ... فمِمَّا روى عنها الحسن بن مسلم ما ذكره ابن الجارود في " الملتقى " فقال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن الدَّوقيُّ وإسماعيل بن أبي الحارث قالا: نا يحيى، وهو ابن أبي بُكير عن إبراهيم بن طَهمان قال: حدثني بُديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنتِ شيبةَ عن أم سَلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفي عنها زوجُها لا تلبسُ المعصفر من الثياب، ولا الممشَّقة، ولا الحَلْيَ، ولا تختضبُ، ولا تكتحلُ ". قال: وحدثني بُديل أن الحسن بن مسلم قال: لم أرَهم يَرَونَ بالصبرِ باساً. وممَّن رَوى عنها إبراهيم بن مَهاجر ما ذَكره أبن الجارود أيضا في المنتقى،
فقال: حدثنا محمد بن يحيى قال: نا عبيد الله بن موسى قال: نا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: سألت امرأة من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم عن الحائض إذا أرادت أن تغتسل من المحيض. قال: " خُذي ماءكَِ وسدْركِ ثم اغتسلي، فأَنقي، ثم صُبَّى على رأسكِ حتى تبلغَ شؤونَ الرأس. ثم خذي فِرصة ًمُمسكة ". قالت: كيف أصنع؟ فسكت، ثم قالت: كيف أصنع؟. فسكت. فقالت عائشةُ: " خذي فِرصةً مُمسًكة فتتبَّعي بها أثر الدم ". ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فما أنكر عليها. خرَّج مسلمّ هذا الحديث من طرق، عن منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة. وعن إبراهيم بن المهاجر، عن صفية، عن عائشة. وفي آخر حديث ابن المهاجرة فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار. ولم يكن يمنعهنَّ الحياء أن يتفقَّهنَ في الدين. المرأة التي سألت النبَّي عليه السلام عن غسل المحيض أسماءُ بنتُ شكل الأنصارية. ... وكان لصفية أخوان: " مُصعب " وجُبير ابنا شيبةَ. فأما مصعب فروى عنها عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْط مُرحَّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسينُ فدخل معهُ، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: " إنما يريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً ". وأما أخوها جُبير فولد عبدَ الحميد بن جُبير، رَوى من عمته صفية. مسلم: نا يحيى بن حبيب الحارثي قال: نا خالد بن الحارث قال: ناقرة قال: نا عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: حدَّثتْنا صفيةُ بنتُ شيبةَ قالت: قالت عائشة: قال
رسول الله: " يرجعُ الناس بأجرينِ وأرجع بأجرِ الحديث ". خرَّجه مسلم في كتاب " الحج ". وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الدار يوم بدرٍ صبراً النَّضر بن الحارث بن علقمةَ بن كَلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصيٍّ. أمر بقتلهِ عليَّ بن أبي طالب بالصفراء. وكان النضر عدُّو الله من شياطين قريش، وممَّن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصِب له العداوة. وكان قد قدم الحيرة، وتعلَّم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رُستم وإسفنديار. فكان إذا جلس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مجلساً فذكَّر فيه بالله عز وجل، قام ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثاً منه، أحدِّثكم أحسن من حديثه. ... ثم يقول: بماذا محمد أحسنُ حديثاً مني؟ وهو الذي قال: سأنزل مثل ما أنزلَ اللهُ. وكان ابنُ عباس يقول: نزل فيه ثماني آيات من القرآن. قال الله تعالى:) إذا تُتلى عليه آياتُنا قال: أساطيرُ الأوَّليْنَ (. وكلُّ ما ذكر في القرآن من الأساطير. وأخوهُ النُّضيرُ بنُ الحارث: كان من المهاجرين الأولين. وقيل: بل كان من مُسلمةِ الفتح، والأولُ أكثرُ وأصحُّ. ويكنى أبا الحارث. وأبوهُ الحارث بن علقمةَ يُعرف بالرَّ " هين " ومن ولِده محمدُ بن المرتفع بن النُّضير بن الحارث. يروى عنه ابن جُريج ... وبنت النَّضر المذكور قُتيلةُ: كانت تحت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبدِ شمس بن عبد مَناف. فوَلدت له علياً والوليد محمداً والحكَمَ. وهي جدةُ الثُّريَّا لأبيها عليِّ بن عبد الله بن الحارث. والثريا هي التي كان
يشبب بها عمرُ بن أبي ربيعة. وقد تقدَّم ذكرها قبلُ. وأسلمت قُتيلةُ يوم الفتح. وكانت شاعرةً مُحسنةً وهي القائلةُ القصيدة المشهورة تبكي أباها، وبعثتْ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من جيد الشعر وأحكمه: يا راكباً إنَّ الأُثَيلَ مَظِنَّةٌ ... من صبحِ خامسةٍ وأنتَ مُوفَّقُ أَبْلغْ بها مَيْتاً بأنَّ تَحيةً ... ما إنْ تزالُ بها النجائِبُ تخْفِقُ منى إليكَ وعبرةً مسفوحةً ... جادتْ بواكفِها وأُخرى تَخْنُقُ هل يَسمعني النَّضرُ إنْ ناديتُهُ ... أم كيف يسمعُ ميَّتٌ لا يَنطقُ أمحمد يا خيرَ ضِنْء كريمةٍ ... في قومها والفَحلُ فَحلٌ مُعزِق ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ وربما ... مَنَّ الفتى وهْوَ المَغِيْطُ المُحْنَقُ أوْ كنت قابلَ فِديةٍ فليُفْتدَنْ ... بأعزِّ ما يعلو بهِ ما يُنْفَقُ فالنَّضْرُ أقربُ مَن أسرتَ قرابةً ... وأَحقُهم إن كانَ عِتقٌ يُعتقُ
كلاب بن مرة
ظلَت سيوفُ بني أبيهِ تَنوشُهُ ... للهِ أرْحامٌ هناكَ تشقَّقُ فلما بلغ قولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى أَخضلت الدموعُ لحيتَهُ وقال: " لو بلغني شعرُها قبل أن أقتُلَه لعفوتُ عنه ". ذكر هذا الخبر عبدُ الله بن إدريس في حديثهِ، وذكره الزُّبير وقال: فرقَّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دَمعت عيناهُ، وقال: " يا أبا بكر لو سمعتُ شعرها ما قتلتُ أباها ". ومن بني عبدِ بن قُصي طُليب بن عُمير بن وهب بن أبي كَبير بن عبد. وأمُّه أَروى بنتُ عبد المطلب، وهو من المهاجرين الأولين. شهد بدراً، وقُتل يوم أَجناديْن شهيداً. وقيل: استشهد يومَ اليرموك. كلاب بن مرّة ووَلد كلاب قصياً. وقد ذكرتُه وذكرت ولدهُ وزهرةَ. زهرة بن كلاب: وهوَ أخو قُصيٍّ لأمه وأبيه. وقُصي وزهرة هما الصَّريحان من قريش، لأنهما ولدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه وأمه. فمن بني زهرةَ سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومَخْرمةُ بن نوفل وهو من مسلمة الفتح، وعاش مئة وخمس عشرة سنة وكُفَّ بصره، ويكنى أبا المِسْوَر وقيل يكنى أبا صفوان الأكثر والأشهر. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا صفوان ". وهو مخرمة بن نوفل بن أُهيب بن عبد مناف بن زهرة. وجدُّه أُهيب عمُّ آمنة أمَّ النبي عليه السلام، أخو أبيها وهب بن عبد مناف. ومخرمة ابن عم سعد بن أبي وقاص لحَّاً. وابنه المِسْوَر بن مخرمة: قُبض النبي عليه السلام وهو ابن ثماني سنين، قال
ذلك ابن قُتيبة. وكان المسور فقيها من أهل الفضل والدين. يروى عن عمر وخاله عبد الرحمن بن عوف وسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه. ومما حفظ عنه أنه سمع النبيَّ عليه السلام يقول: " إنَّ بني هشام بن المُغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليَّ بن أبي طالب، فلا آذنُ، ثم لا آذنُ ". روى الحديث مُسلم من طُرق بسنده إلى أبي مُليكة عن المسور. وقال المسور في أتمَّ سياق هذا الحديث: إنه سمع النبيَّ عليه السلام يخطب في شأن فاطمة ابنته، وهو مُحتلم يومئذ. وهذا يرد قول ابن قتيبة في سنِّ المسور حين قُبض النبي صلى الله عليه وسلم. وكان قال: إن يزيد بن معاوية يشرب الخمرَ فبلغه ذلكَ. فكتب إلى أمير المدينة فجلده الحدَّ. فقال: أيشرَبُها صرفا يَفُتُّ ختامَها ... أبو خالدٍ، ويُجلَدُ الحدَّ مِسْورُ؟ وماتَ سنة أربعٍ وستين وكان مع ابن الزبير بمكة حين حوصر، فأصابه حجر فمات. ووَلد المسور عبد الرحمن وأمُّه بنت شُرحبيل بن حسنة، وحَسنةُ أمهُ، وهي مولاةُ مَعمر بن حبيب بن وهب بن حُذاقة بن جُمحَ. وأبوهُاسْمه عبد الله بن المُطاع بن عمروا من كندة. وقال ابن هشام هو شُرحبيل بن عبد الله، أحدُ بني الغوث بن مُرِّ أخي تميم بن مُرّ. وكنيةُ شُرحبيل أبو عبد الله، وهو حليف بني زهرة، وكان من مهاجرة الحبشة، ومن المعدودين في وجوه قريش. وكان أميراً على ربع من أرباع الشام لأبي بكرٍ وعمر. وتُوفي بطاعون عَمَواسَ سنة ثمانِ عشرةَ، وهو ابنُ سبع وسبعين سنة. ووَلد عبدُ الرحمن بن المسور أبا بكر بن عبد الرحمن، وكان شاعرا. وهو القائل:
ومن بني زهرة
بينما نحن من بَلاكِثَ بالقا ... عِ سِراعاً والعِيسُ تَهوى هَويَّا خَطرتْ خَطرةٌ على القلبِ من ذِك ... راك وَهناً فما استطعتُ مُضِيَّا قلتُ: لبَّيكِ إذ دعاني لكِ الشو ... ق وللحادِيَيْنِ كُرّا المَطيَّا ومن مولد عبد الرحمن بن المسور ابنُ ابنه عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن، ويُعرف بالمِسْوَري. خرج عنه مسلم والترمذي. وأخوهُ أبو جعفر عبد الرحمن ابن جعفر، وابنُ عمهما عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن " بن " المسور. روى عنه مسلم مشافهةً عن سُفيان بن عُيينةَ عن عَمرو بن ذيقار، عن جابر بن عبد الله الأنصاري حديث قتل كعب بن الأشرف. ومن بني زُهرةَ المُطَّلبُ وطُليب، ابنا أَزهر بن عبد عوف، وهما من الصحابة. وكانا جميعاً من مهاجرة الحبشة. وكانت هجرةُ المطَّلب مع امرأته رملةَ بنت أبي عَوف بن صُبَيرةَ السَّهميَّة. ووَلدت له هناك عبد الله بن المطَّلب بأرض الحبشة. وأزهر أبوهما عمُّ عبد الرحمن بن عَوف من الصحابة، وكان أحد الذين نصبوا " أعلام الحرم. وقد بعثهم عمر بن الخطاب، وهم أربعة: مخرمةُ بن نوفلٍ والد المسور، وأزهرُ المذكور، وسعيدُ بن يربوع المخزومي الملقَّب بالصُّرْم، وحُويطب بن عبد العُزى من بني عامر بم لؤي. وابنُه عبد الرحمن بن أزهر، ويُكنى أبا جُبير. شَهد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم حُنيناً. روى عنه أبو سلمةَ بن عبد الرحمن الفقيه ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميُّ، وأروى الناس عنه لبن شهلب الزُّهريُّ. ومنهم الأسود بن يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرةَ. وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب أخى أمه آمنة بنت وهب. وكان الأسودُ من المستهزئين. وإليه يُنسب المقدادُ لأنه كان تبنَّاهُ. وابنهُ عبد الرحمن من خيار المسلمين، يُعدل بالصحابة وليس منهم. وروى الزهريُّ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه فإذا بامرأةٍ حسنة النغمة. فقال: " من هذه؟ " قالت: إحدى خالاتك. فقال: " إنَّ خالاتي بهذه البلدةِ لَغرائبُ؛ أيُّ خالاتي هيَ؟ ". قالت: خالدة بنت الأسود بن عبد يغوثَ. فقال النبي عليه السلام. وهو الذي أشارَ جبريل عليه السلام إلى بطنه، والنبيُّ عليه السلام واقف معه في الكعبة. فاستسقى بطنُهُ فمات حَبَناً. وأخوه الأرقم بن عبد يغوث: عمُّ خالدةَ هذه. هو والدُ عبد الله بن الأرقم من مسلمة الفتح، وحسُن إسلامه. وكتب للنبيِّ عليه السلام ولأبي بكر. واستكتبَهُ أيضا عمر، واستعمله على بيت المال. وقال خليفةُ بن خياط: لم يزل عبد الله بن الأرقم على بيت المال خلافة عمر كلها وسنين من خلافة عثمان حتى استعفاه من ذلك، فأعفاهُ. وذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم، فكان يجيب عنهالملوك. وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويأمر، أن يُطِّنه ويختمه، وما يقرؤه لأمانته عنده. وروى ابن القاسم عن مالك قال: بلغني أنه ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال: " من يُجيبُ عني؟ " فقال عبد الله بن الأرقم: أنا. فأجاب عنه، وأتى به إليه، فأعجبه وأنفذه. وكان عمر حاضراً، فأعجبه ذلك من عبد الله بن الأرقم. فلم يزل في نفسه يقول: أصاب ما أراد رسول الله صلى
الله عليه وسلم. فلما ولي عمر استعمله على بيت المال. وروى سفيان بن عُيينة عن عمرو بن دينار أنَّ عثمان ثلاثمئة ألف درهم، فأبى عبد الله أن يأخذها. وروى أشهب عن مالك أن عمر بن الخطاب كان يقول: ما رأيت أحداً أخشى للهِ من عبد الله بن الأرقم. ومنهم ابن شهاب الزُّهريُّ: واسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهرة، ويُكنى أبا بكر. وكان أبو جدِّه عبد الله بن شهاب شَهد مع المشركين بدرا، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحدٍ لَئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَقْتُلُنَّهُ أو ليُفتلُنَّ دونه. وهم: عبد الله بن شهاب، وأُبُّى بن خلف، وابن قَميئة، وعُتبة بن أبي وقاص، وكان أبوه مسلم بن عبيد الله مع الزبير. ولم يزل الزُّهريُّ مع عبد الملك بن مروان ثم مع هشام بن عبد الملك. وكان يزيد بن عبد الملك استقصاه. وتوفي في شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، ودثفن على قارعة الطريق بماله ليمرَّ مارٌ فيدعو له. والموضع الذي دفن فيه آخر عمل الحجاز وأول عمل فلسطين، وبه ضيعته. وأخوه عبد الله بن مسلم كان أسنَّ من الزهري، ويكنى أبا محمد. وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره، ومات قبل الزهري. وابنه محمد الذي مان يكنى به، روى عن عمه كثيراً، وروى عنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد الساعدي، ولقي كبار التابعين، وروى عنهم، وحمل من السنة كثيرا، وروى
عنه الأئمة: مالك والليث بن سعد وسفيان بن عُيينة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشُّي العامريُّ. وكان مهيبا صارماً. ابن وهب: سمعت مناديا ينادي بالمدينة: لا يُفتى الناس إلا مالك وابن ذئب. وممن روى عنه من الثقات الأثبات: أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج، ومعمر بن راشد أبو عروة وصالح بن كيسان وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق ومحمد بن الوليد الزُّبيدي أبو الهثذيل وموسى بن عقبة صاحب المغازي. وروى مالك عن موسى بن عقبة في الموطأ وأبو يزيد يونس بن يزيد الأيليُّ وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمروا الأوزاعي وأبو إسحاق إسماعيل بن مسلم وأبو بشر شُعيب بن أبي حمزة مولى بني أمية وغيرهم ممن لايتَّهم فيما روى عنه. ومن طالع كتب هذا الشأن رأي فيها مسطوراً ما ذكرت. وروى أن عمرو بن دينار قال: أيُّ شيءٍ عند الزهري؟ أنا لقيت ابن عمر ولم يلقه، ولقيت ابن عباس ولم يلقه. فقدم الزهريُّ مكة فقال عمرو: احملوني إليه، وقد أقعِدَ، فحُمل إليه. فلم يأت إلى أصحابه إلا بعد ليلٍ فقالوا له: كيف رأيت؟. فقال: والله ما رأيت مثل هذا القرشيُّ قط. وقال عمر بن عبد العزيز: لا أعلم من الزُّهري. فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟. قال: ما رأيت أعلم من الزُّهري. مُرَّةُ بن كعب: ووَلد مرةُ بن كعب كلابا أبا قصي وزُهرة، وقد مضى ذكرهم، وتيماً ويقظة. فأمُّ كلاب وتيم ابنى مُرة بن كعب هند بنت سُرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة. وأمُ يقظة أخيهما امرأة من بارق الأسد بن الغوث. ويقظة هو أبو مخزوم. فمن تيم: أبو بكر الصدِّيق، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، وعبيد الله ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرة، وهو ابن عمِّ طلحة، يجتمعان في عثمان بن عمرو. وكان عبيد الله من صغار الصحابة، واستشهد بإصطخر مع عبد الله بن عامر بن كُريز. وأبوه معمر من الصحابة أيضا، أسلم يوم الفتح.
وابنه عمر بن عبيد الله: أحد الأجواد الأنجاد، وهو الذي قتل أبا فديك الحروريَّ. ومدحه العجَّاجُ بأرجوزية التي يقول فيها: لقد سَما ابنُ مَعمرِ حينَ اعْتمرْ وله مناقب صالحة. وكان يلي الولايات، وشهد مع عبد الرحمن بن سمرة فتح كابُل، وهو صاحب الثغرة باب، قاتل عليها حتى أصبح. وكان ممن عمر ابن عبيد الله حين مات ستين سنة، ومات بموضع يقال له " ضمير " على خمسة عشر ميلاً من دمشق كمداً على أبن أخيه عمر بن موسى. وكلن خرج مع ابن الأشعث، فأخذه الحجَّاج فضرب عنقه صبراً. فقال الفرزدق يرثى عمر: يأيها الناس لا تبكوا على أحدٍ ... بعد الذي يضمر وافق القدرا وهو مولى أبي النَّظر سالم شيخ مالك. وأخوه عثمان بن عبيد الله، قتله شبيب بن يزيد بن نُعيم الشَّيباني الخارجي الحروري. وروى عن أبيه عبيد الله عروة بن الزبير ومحمد بن سيرين. ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أُعطي أهل الرِّفقَ إلا نَفعهم، ولا منعوه إلا ضرَّهم ". وهو القائل لمعاوية: إذا أنتَ لم تُرخِ الإِزارَ تَكرمُّا ... على الكلمة العوراء من كلِّ جانب فمن ذا الذي نرجو لحقْنِ دمائنا ... ومن ذا الذي نرجو لحملِ النَّوائب ومنهم المنكدر وربيعة ابنا عبد الله بن الهُدير بن عبد العزَّى بن عامر بن
الحارث بن حارثة بن سعد بن تَيم، هكذا نسبهما ابن الكلبي. وزاد مصعب الزبيدي وابن أبي خيثمة والدارقطني بين الهُدير وعبد العزَّى مُحرراً. وروى المنكدر وربيعة عن عُمَر، وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه رأى عُمَر بن الخطاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر. وفيه عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير أنه تعشَّى مع عمر بن الخطاب ثم صلى ولم يتوضأ. ووَلد المنكدر محمداً وأبا بكر وعمر، وكانوا فقهاء عُباداً، وأفقهم محمد، ومات سنة ثلاثين ومئةٍ. سمع جابراً وأنساً. وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جُريج والثَّوريُّ ومالك. ولمالك عنه في موطَّئه خمسة أحاديث أحدهم مرسل. ومن موالي المنكدر الماجشون بن أبي سلمةَ، واسم الماجشون يعقوب. ونثسب إليه ولده وبنو عمهم، واسم أبيه أبي سلمة ميمون من أهل اصبهان. وكان يعقوب الماجشون فقهياً، وابنه يوسف بن يعقوب كذلك وكان للماجشون أخ يقال له عبد الله بن أبي سلمة. قال ابن وهب: قال مالك: كان عبد الله بن أبي سلمة من القُراء. وابنه عبد العزيز بن عبد الله، ويُكنى أبا عبد الله. توفي ببغداد في خلافة المهدي، وصلى عليه المهدي، ودُفن في مقابر قريش، وذلك سنة أربع وستين ومئة. ومن تيم عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بنأبي مُليكة بن عبد الله ابن جُدعان. واسم أبي مُليكة زهير. وفُقد أبو مُليكة في الجاهلية فلم يرجع. وتوفي عبد الله بن أبي مُليكة سنة سبع عشرة ومئة. وروى عن عائشة كثيرا، وخرَّج عنه الأئمة في الصحاح. وكان له أخٌ يقال له أبو بكر بن عبيد الله، رُوى عنه الحديث. وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر هو المليكي، روى عن عمِّه ابن أبي مُليكة عن عائشة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرَّجه الترمذي. وابن عمَّه لحّاً عليُّ بن زيد بن عبد الله بن أبي مُليكة الأعمى. سمع أنساً
وأبا عثمان النَّهديَّ وسعيد بن المسيَّب. وروى عنه الثَّوري وشُعبة. ويكنى أبا الحسن. وكان من فقهاء البصرة، ومات بموضع يقال له سَبالةُ من بلاد ضبَّة، ولا عقبَ له. وابنُ ابنِ عمهما يعقوب بن زيد بن طلحة بن عبد الله بن أبي مُليكة أبو عرفة. روى عن سعيد المغبُريِّ. وروى عنه مالك وهشام بن سعد. لمالك عنه في الموطأ حديث واحد غير موصول. ومن موالي تيم بن مُرَّة أبو عبيدة مَعمر بن المثنى، وكان عالماً بالغريب وأخبار العرب وأيامها. وكان مع معرفته ربما لم يقم البيت إذا أنشده ... وكان يَبغِضُ العرب. وألف في مثالبها كتباً، وكان يرى رأي الخوارج. ومات سنة عشر ومئتين وإحدى عشرة.. ووَلد يَقظةُ مخزوماً. فمن بني مخزوم أمُّ سَلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبيد الله بن عمر بن مخزوم زوج النبيِّ عليه السلام. وأبو سَلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكانت تحته أمَّ سلمة قبل النبي عليه السلام. ويأتي ذكره بعد هذا، عند ذكر أمِّ سلمة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم خالد بن الوليد بن المغيرة سيف الله، ويكنى أبا سليمان. أسلم في هُدنة الحديبية. وعَزَماتُه يوم مؤتة وفي الردَّة وبدء فتوح العراق وجميع فتوح الشام أكثر من أن تحصى، إذ كان له فيها الغَناء العظيم الحفيل والبلاء الحسن الجميل. وتوفي بحمص سنة إحدى وعشرين حتف أنفه، وعُمُرهُ بضعٌ وأربعون سنة. وكان له بالشام من الولد عدد كثير بادَ أكثرهم بالطاعون. وأشهر ولده: المهاجر وعبد الرحمن. وكان المهاجر محباً في علي، وشهد معه الجمل وصفين، ورُوي عنه الحديث. وكان لعبد الرحمن فضل وهدي وكرم، إلا أنه كان مُنحرفا عن علي وبني هاشم مُخالفةً لأخيه المهاجر. وشهد صفين مع معاوية. وله رواية عن النبي عليه السلام ليس ... له فيها بسماعٍ منه.
الطبري: نا سفيان بن وكيع، نا زيد بن الحُباب عن عبد الرحمن بن بابَيْهِ، عن أبي هِزان، عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أنه احْتَجم في رأسه، وبين كتفيه، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أهراقَ منه هذه الدماءَ فلا يَضرُّه ألا يتداوى بشيء ". وقصة موت عبد الرحمن في الاستيعاب مُسْتَوعَبة. ومنهم سلامة بن هشام بن المغيرة. وكان قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة، ومن خيار الصحابة وفضلائهم. واحتبس عن الهجرة، وعُذب في الله عز وجل، فلم يشهد بدراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له وللمستضعفين في صلاته، كعيَّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة والوليد بن المغيرة أخى خالد بن الوليد حتى أنقذهم الله. واستشهد سلامة يوم مَرج الصُّفَّر سنة أربع عشرة. وأخوه الحارث بن هشام أسلم يوم الفتح، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من خيار مُسلمة الفتح، وفرَّ يوم بدر. وفي فراره يقول حسان بن ثابت من قصيدة: إنْ كنت كاذبةَ الذي حدَّثتِني ... فَنَجوتِ مَنجى الحارث بن هشام تركَ الأحبةَ أن يقاتِلَ دونهم ... ونجا برأسِ طِمرَّةٍ ولجامش فأجابه الحارث: اللهُ أعلمُ ما تركتُ قتالَهم ... حتى رمَوا مُهري بأَشقَرَ مُزْبِدِ
وعرفتُ أني إن أقاتل واحدا ... أُقتل ولا فصددتُ عنهم والأحبةُ فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم مُفيد وانتقل الحارث بأهله وولده في خلافة أبي بكر إلى الشام، وشهد موقعة أجنادين ومرجِ الصُّفَّر. واستشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة، هذا قول عليِّ بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف. وقال غيره: لم يزل بالشام مجاهداً حتى مات في طاعون عَمَواس سنة ثمان عشرة. وفي الحارث بن هشام يقول الشاعر: أحسِبتَ أنَّ أباكَ يومَ ... في المجد كان الحارث بن هشام أولى قريش بالمكارم كلَّها ... في الجاهلية كان والإسلام وروى الحارث بن هشام عن النبي عليه السلام ما ذكره مالك في الموطأ ونصُّه: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قالت عائشة: ولقد رأيت عليه في يوم لشديد البرد وأنَّ جبينه ليتفصَّد عرقا. وابنه عبد الرحمن: كان حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن
عشر سنين. وقالت فيه عائشة: لأن أكون قعدتُ في منزلي عن مَسيري إلى البصرة أحبُّ إليَّ من أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشَرة من الوَلد، كلُّهم مثلُ عبد الرحمن بن الحارث. وشهد الجمل مع عائشة رضي الله عنها، وكان شريفاً سخياً. وتوفي في خلافة معاويةَ بالمدينة. وزوجُه فاختَةُ بنت عِنَبَةَ بن سُهيل بن عمرو العامريِّ، وجدُّها سُهيل هو صاحبُ عقد الحديبية مع النبي عليه السلام. وهي أمُّ ابنه الفقيه أبي بكر ابن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، واسمُه كنيتُهُ، وأمُّ إخوته: عُمر وعثمان وعكرمة وخالد ومحمد، وكلُّهم أشقاؤه. وكان أبو بكر يسمى " راهب قريش "، لفضله وكثرة صلاته. واستُصغر يوم الجمل فرُدَّ هو وعروة بن الزبير. ووُلد في خلافة عمر. ومات فُجاءةً سنة أربع وتسعين، وهي ستة الفقهاء. وعبد الرحمن أبوهُ وفاختةُ أمُّه، هما " الشريدان ". سمَّاهما بذلك عمر بن الخطاب، لأنهما قدِما عليه من الشام. وقد استُشهد أبواهما، ولم يبقَ لهما أهل. فقال: زَوِّجوا الشريد الشريدةَ. وأَقطع لهما عمر بالمدينة خِطَّةً، وأوسع لهما. فقيل له: أكثرت لهما؛ فقال: عسى ينشرُ اللهُ منهما. فنَشر اللهُ منهما ولداً كثيراً؛ رجالاً ونساءً. ومحمدٌ من إخوة الفقيه أبي بكر ... روى ابن شهاب. ذكر ذلك مُسلم في الصحيح. فقال حدَّثنا الحسنُ بن عليِّ الحلوانُّي وأبو بكر بن النَّضروعبد ابن حُميد قال: عبد ... حدثني، وقال الآخران: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: نا أبي عن صالح، عن أبن شهاب قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أرسل أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجعٌ معي في مِرْطي، فأَذِنَ لها، فقالت: يا رسولَ الله إنَّ أزواجك أَرسلنني إليك يَسألْنَك العدل في ابنة أبي قحافةَ. وأنا ساكتة الحديث بطولهِ ...
ومن مخزوم عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة، وهو ابن أخي الحارث وسلامة المذكورين آنفاً. ولم يُسْلم من بني هشام بن المغيرة غيرهما، وكانوا خمسةً. والباقون ماتوا كفاراً، وهم ثلاثة، أحدُهم أبو جهل والد عكرمة واسمه عمرو. وكان يُكنى أبا الحكم فكناهُ النبي عليه السلام أبا جهل. وكان من أشدِّ المشركين عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قُتل يوم بدر كافراً، ضربه مُعاد بن عمرو بن الجموح، فقطع رجله، وضرب ابنه عكرمة يد معاذٍ فطرحها. ثم ضربه مُعوَّودُ بن عفراء حتى أَثبته، ثم تركه وبه رمق. ثم ذففَّ عليه عبد الله بن مسعودٍ الهذلُّي، واحتزَّ رأسه حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُلتمس في القتلى. والعاصي بن هشام الثاني قُتل يوم بدر كافراً، قتله عمر بن الخطاب، وهو خاله أخو أمِّه. وخالد بن هشام الثالث أُسر يوم بدر، وفُدي ومات كافرا. وابن أخيهم هشام بن العاصي بن هشام هو الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فكشف عن ظهره، ووضع يده على خاتم النبوَّة. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فأزالها. ثم ضرب في صدره ثلاثا وقال: " اللهمَّ أذهب عنه الغل والحسد " ثلاثا. فكان الأَوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحيى بن هشام بن العاصي يقول: نحن أقلُّ اصحابنا حسدا. وولى الأوقص هذا قضاء مكة فما رُئَي مثله في العفاف والنبل. فبينما هو ذات ليلة نائم في عِلِّية مرَّ به سكران يتغنَّى ويلحن في غنائه، فقال: يا هذا، شربت حراما، وأيقظت نياماً، وغنَّيت خطأ، خذه عني. فأصلحه عليه. وقال الأوقص: قالت لي أمي: يا بنيَّ قد خُلقت خِلقةً لا تصلح معها لمجامعة الفتيان في بيوت القيان، فعليك بالدين، فإن الله يرفع به الخسيسة، ويضع به النقيصة، فنفعني الله بقولها. وكان عكرمة بن أبي جهل من خيار مُسلمة الفتح، وكان فارساً مشهوراً، هرب حين الفتح إلى اليمن، فلحقت به امرأتُه أمُّ حكيم بنت عمِّه الحارث بن هشام، فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم. فلما رآه قال: " مرحباً بالراكب المهاجر " وكان مجتهداً في قتال المشركين، صحيح الإسلام، طاهر القلب. استُشهد بأجنادين، وقيل: بمرج الصُّفَّر. وذكر الزبير بن بكار، قال:
حدَّثني عمي عن جدِّه عبد الله بن مُصعب، قال: استُشهد باليرموك الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وسُهيل بن عمرو، وأتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوهُ؛ كلما دفع إلى رجل منهم قال: اسق فلاناً، حتى ماتوا ولم يشربوه. ولما أسلم عكرمة شكا قولهم: عكرمة بن أبي جهل، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا عكرمة بن أبي جهل، وقال: " لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات ". وفي أبي جهل عدوِّ الله يقول حسان: الناسُ كنَّوهُ أبا حَكمٍ ... واللهُ كنّاهُ أبا جَهلِ أَبقتْ رِئاستُهُ لأسْرتِهِ ... لُؤمَ الفروعِ ودقَّة الأصل وقال رجل من بني مخزوم للأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري كلاماً ليؤذيَهُ: أتعرف الذي يقول: ذهبتْ قريشٌ بالمكارمِ كلِّها ... واللؤمُ تحت عمائمِ الأنصار؟ فقال الأحوص: أعرف الذي يقول: الناسُ كنَّوهُ أبا حكمٍ.. " البيتين ". والبيت الذي ذكر المخزوميُّ للأحوص بن محمد هو من قصيدة للأخطل التَّغلبِّي النصرانِّي أبعده اللهُ، هجا فيها الأنصار، أمره بذلك يزيد بن معاوية، إذا كان عَتب على قوم منهم، وكان أمر قبل ذلك بهجائهم كعب بن جُعيل التَّغلبِّي، فأبى عليه، ودلَّه على الأخطل، والدالُّ على الشيءِ كفاعله. وهذه أحقر مثالب يزيد ومآثمه، وأيسر الموبقة جرائمه، أو ليس هو المتمثِّل بقول عبد الله بن الزِّبَعري السَّهميِّ في يوم أحدٍ: ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهِدوا ... جزَعَ الخزرجِ من وَقْعِ الأسَلْ!
وأما نازلة سِبط الرسول الحسين فهي التي ألبستْهُ أبرادَ الشَّين، وقصَّرتْ مدته، وجعلت اليأس من شفاعة جدِّه عُدَّته، وقد كان البرُّ الحليم أبوه معاوية أوصاه به عند موته خيراً، وأن لا يُنِيلهُ - ولو جنى عليه - ضرراً ولاضيراً، فما قبل الوصية، بل عكس منها القضية، وعدل عن الحق إلى الباطل ظالماً، وكان للأعداء أهل البيت المطهَّر من الرجس مسالماً، غضباً للدنيا لا للدِّين، فعال الآثمين المعتدين، ونستعيذ بالله من الخذلان، ونسأله الفوز من عذابه في الدارين بالأمان. ومن بني مخزوم عيَّاش بن أبي ربيعة: واسم أبي ربيعة عمرو بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، يُكنى أبا عبد الله. وهو أخو عبد الله بن أبي ربيعة لأمِّه وأبيه. وعبد الله بن أبي ربيعة هو أبو عمر الشاعر وعبد الرحمن وإبراهيم والحارث القُباع عامل ابن الزُّبير على البصرة. وأهل البصرة سمَّوه القُباع، وكان فاضلاً. وولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن أبي ربيعة الجَنَد ومخاليفها. فلم يزل والياً عليها حتى قُتل عمر. وأسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجهاً. وهو الذي بعثَتْهُ قريش مع عمرو بن العاصي إلى النَّجاشيِّ في مُطالبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا عنده بأرض الحبشة. يُعَدُّ في أهل المدينة، ومَخرجُ حديثه عنهم. حدَّث أبو بكر أحمدُ بن زهير أبي خيثَمة: نا محمد بن عبَّادٍ المكَّيُّ، نا حاتم بن إسماعيل عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميِّ، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن أبي ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جزاءُ القرض الحمد والوفاء ". ويقولون إنه لم يرو عنه غيرُ ابنه إبراهيم. وكان اسمه في الجاهلية بجيراً، فسماه رسول اللهصلى الله عليه وسلم عبد الله. ويكنى أبا عبد الرحمن. وفيه يقول عبد الله بن الزِّبعري السَّهميُّ: بجيرُ بن ذي الرُّمحين قرَّب مَجْلسي ... وراحَ علينا فضلُهُ غيرَ عاتِمِ
وعياش وعبد الله ابنا ربيعة أخوا أبي جهل والحارث لأمِّهما وابنا عمِّه. أمُّهم أمُّ الجُلاس أسماء بنت مُخرِّبة بن جندل بن أُبير بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مُرِّ بن أدِّ بن طابخةَ بن الياس بن مُضر. وابنه عبد الله بن عياَّش: وُلد بأرض الحبشة، وحَفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه وروى عن عمر وغيره، وكان من القُراء. وروى عنه ابناه عبد العزيز والحارث ونافع مولى ابن عمر وابن ابنه عبد الرحمن بن الحارث أبو الحرث. روى عن عمر بن شُعيب وزيد بن علي، وروى عنه الثوريُّ وسليمان بن بلال، ذكر ذلك مُسلم في كتاب الكُنى له. وقال غير مسلم إنه روى عن عمِّه عبد العزيز بن عبد الله بن عياشٍ. وابن ابنه أبو هاشم المغيرةُ بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش: كان من أصحاب مالك. ومات بعد بعد مالك بسبع سنين ... قال الزبير بن بكار: كان المغيرة بن عبد الرحمن فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس. وعرض عليه هارون الرشيد قضاء المدينة وجائزةً أربعة آلاف دينار فامتنع، فأبى أمير المؤمنين إلا أن يُلزمه " القضاء ". فقال: والله يا أمير المؤمنين لأن يخنقني الشيطانُ أحبُّ إليَّ من أن أليَ القضاء. فقال الرشيد: ما بعد هذا غاية. وأعفاهُ من القضاء، وأجازه بألفي دينار. " ومات " المغيرة سنة ست وثمانين ومئة. ووقع من البخاري ومسلم قلب في نسب المغيرة فقالا فيه: المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن عياش..... وأسلم عياش قديما قبل دخول النبي عليه السلام دار الأرقم. وهاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته أسماء بنت خاله أخي أمِّه سَلَمةَ بن مُخرِّبة، وهي أمُّ ابنه عبد الله. ثم هاجر إلى المدينة مع عمر بن الخطاب، فقدم عليه أخواه لأمِّه: أبو جهل والحارث ابنا هشام، فذكرا له أن أمَّه حلفت ألاّ يدخل رأسها دُهن، ولا تستظلَّ حتى تراه. فرجع معهما، فأوثقاه رباطاً، فحبساه بمكة حتى خلَّصهم الله. وأستشهد يوم اليرموك. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبريُّ: مات عياش بن
أبي ربيعة بمكة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تزال هذه الأمةُ بخير ما عظَّموا هذه الحُرمةَ حقَّ تعظيمها " يعني الكعبة والحَرَم " فإذا ضيَّعوها هَلكوا ". روى عنه نافع مولى ابن عمر مُرسَلاً، وروى عنه ابنُه سماعاً منه. ومن بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم هاشم بن أبي حُذيفةَ بن المُغيرة: وكان من مُهاجرة الحبشة في قول ابن إسحاق. وأخواه حذيفة وهشام ابنا أبي حذيفة، وذلك فيما قال ابن هشام: قتل حذيفة سعد بن أبي وقاص، وقتل هشاماً صُهيب بن سنان. ومن بني مخزوم شمَّاس بن عثمان بن " الشريد بن " سُويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم. واسمه عثمان، وشماس لقب غلبه. وإنما سُمّشي شماساً، لأن شماساً من الشمامسة قدِم مكة في الجاهلية، وكان جميلاً، فعجب الناس من جمالهِ ... بشماس أحسن منه. فأتى بابن أخته عثمان بن عثمان فسمِّي شماساً يومئذ. واسم أمِّ شماس صفية بنت ربيعة، وهي عمةُ هندٍ أمِّ معاوية. وشهد " بدراً وقتل يوم أحد " وبات ليلة إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ومات عند أمِّ سلمة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن يردَّ إلى أحد فيدفن هناك. ولم يصلِّ عليه رسول " الله صلى الله عليه وسلم، ولم يغسله، بعد أن مكث يوماً وليلة، لم يأكل ولم يشرب. ومن بني مخزوم أيضاً حَزْنُ بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وهو أبو السائب والمسيَّب وحكيم وأبي مَعبد وعبد الرحمن، وكلُّهم صحابة. وحزن من المهاجرين ومن أشراف قريش، وهو جدُّ سعيد بن المسيب الفقيه. وروى حزن والمسيب ابنه عن النبي عليه السلام. ولم يرو عنه بقيةُ ولده شيئاً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحزن بن أبي وهب: " ما أسمك؟ ". قال: حزن. فقال له صلى الله عليه وسلم: " أنت سهل ". فقال: إنما السهولة للحمار. فقال له النبيُّ: " أنت حزن! ". قال سعيد بن المسيَّب: فما زالت تلك
الحزونةُ تعرف فينا حتى اليوم وفي ولدهِ حزونة وسوء خُلُقٍ معروف ذلك منهم، لا يكاد يُعدم منهم. وأسلم ابنه حكيم عام الفتح، وقُتل يوم اليمامة شهيداً مع أخيه عبد الرحمن أبيه حزن. وأمُّ حكيم بن حزن فاطمةُ بنتُ السائب بن عثويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وأمُّ المسيَّب بن حزن وأخوته عبد الرحمن والسائب وأبي معبد أمُّ الحارث بنت سعيد بن أبي قيس بن عبدوُدِّ بن نصر بن مالك بن حِسْلِ بن عامر بن لؤي. قال مصعب الزُّبيريُّ. وشهد المسيِّبُ بيعة الرِّضوان. وخرَّج البخاري ومسلم أن سعيد بن المسيَّب شهد الشجرة مع أبيه، ووَهِما في ذلك. قال الدارقُطني: أصحاب المغازي ينكرون ذلك. قال المؤلف أصلحه الله: الدليل على ما قاله الدارقطنيُّ أن سعيداً وُلد في صدر خلافة عمر، ويأتي ذكرُ ذلك بعد. ولا خلاف أن المسيَّب ممن بايع تحت الشجرة. وابنه سعيد بن المسيَّب: من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، ويُكنى أبا محمد بابنه محمد، وكان نسَّابةً، وسعيد أيضاً كان نسابة. حَّث محمد بن عبد السلام الخُشني قال: نا نصر بن علي الجَهضميُّ قال: نا الأصمعي قال: نا إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: جئت سعيد بن المسيَّب، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ فقلت له: أنا ابن يحيى بن طلحة. فضمَّني إليه وقال: ائتِ محمداً ابني، فإنَّ عنده ما عندي، إنما هي شعوب وقبائل وعمائر وبطون وأفخاذ وفصائل. قال المؤلف وفقه الله لما يُرضيه، ومنحه خير ما يقضيه: نصر بن علي الجَهضَميُّ الذي روى عنه الخشنيُّ محمد بن عبد السلام الأندلسيُّ. روى عنه مسلم في صحيحه كثيراً. وخرَّج عنه الترِّمذي وغيره من الأئمة. ويُكنى أبا عمرو. وروى مسلم أيضاً عن ابنه عليَّ بن نصر. وأكثرُ روايته عن أبيه نصر. وهو من أشياخه الذين أكثر الرواية عنهم. ومات نصر بن علي وابنه علي بن نصر المذكوران في سنةٍ واحدة؛ سنة خمسين ومئتين. مات منها أبوهُ في ربيع الآخر، ومات هو منها لأيامٍ بقين من شعبان، ونَسبهما إلى جَهضم بن مالك بن
فَهم بن دوس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث. ودَوس: رهط أبي هُريرة عبد الرحمن بن صخر. ومن دوس الطُّفيل بن عمرو، وذو النُّور رضي الله عنهما الأصمعيُّ: هو عبد الملك بن قُريب من باهلة، وإسحاق بن يحيى الذي روى عنه الأصمعي هو إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عُبيد الله القرشيُّ التَّيميُّ، وجدُّه طلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. وروى إسحاق بن يحيى أيضاً عن المسيَّب بن رافع الكاهليِّ الأسديِّ؛ أسد خُزيمة. وروى المسيب عن البراء بن عازب الأنصاري الحارثيِّ الخزرجيِّ من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج. ووُلد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر. وتوفي بالمدينة. قال يحيى بن سعيد: سنة إحدى واثنتين وتسعين. وقال الواقدي: سنة أربع وتسعين، وهي سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم. وقال المدائنيُّ ويحيى بن مَعين: سنة خمس ومئة. وقال ابن عمر، رضي الله عنه، لرجل سأله عن مسألةٍ: ائتِ ذلك فاسأله، - يعني سعيداً - ثم ارجع إليَّ وأخبرني. ففعل ذلك ثم أخبره فقال: ألم أُخبرك أنهُ أحد العلماء؟. وقال عبد الله بن عمر لأصحابه: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لَسَرَّهُ. وقال الزُّهريُّ: أخذ سعيد علمه عن زيد بن ثابت، وجالس ابن عباس وابن عمر وسعد بن أبي وقاص، ودخل على زوجي النبي صلى الله عليه وسلم؛ عائشة وأمِّ سلمة وغيرهما، وسمع عثمان وعلياً وصُهيباً. وجُلُّ روايته المسندة عن أبي هريرة، وكان زوج ابنته. وكان يقال: ليس أحد أعلم بكلِّ ما قَضَى به عمر وعثمان منه وكان يقال له: رواية عمر. وقال القاسم بن محمد: هو سيدنا وأعلمنا. وقال قتادةُ: ما جمعت علم الحسن إلى علم أحدٍ من العلماء إلا وجدت له عليه فضلاً، غير أنه كان أَشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيَّب يسأله. وكان سعيد أفقه أهل الحجاز وأَعبر الناس لرؤيا وقال له رجل: رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فأَضجعته إلى الأرض، ثم بطحتُه، فوتَدْتُ في
ظهره أربعة أوتاد. فقال: ما أنت رأيتها، ولكن رآها ابن الزبير. ولئن صدَقت رؤياهُ قتله عبد الملك بن مروان، وخرج من صلبه أربعة كلهم يكون خليفة. وقال له آخر: رأيتني أبول في يدي. فقال تحتك ذات مُحرم، فنظر فإذا امرأته بينهُ وبينها رضاع. وكان جابر بن الأسود أمير المدينة لابن الزبير. فدعا سعيدا إلى البيعة لابن الزبير، فأبى فضربه ستين سوطاً. وضربه أيضاً هشام بن إسماعيل ستين سوطاً، وطاف به المدينة في تبَّان من شعرٍ، وذلك أنه دعاه إلى البيعة للوليد وسليمان بالعهد فلم يفعل. ومن بني مخزوم المطَّلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم: كان من التابعين، رُوي عنه الحديث. وعمُّه المطلب بن حَنطب: كان من أُسارى بدر، وأُطلق بغير فداء. ومولى المطلب بن عبد الله عمرو بن أبي عمرو بن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أني بن مالك. ومن بني مخزوم هُبيرةُ بن أبي وهب: وهو أخو حزن بن أبي وهب، وزوج أم هانيء بنت أبي طالب. وأبوهما أبو وهب: خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من سَرَواتِ قريش، شريفا. وهو الذي أخذ حجراً من الكعبة حين اجتمعت قريش لِهدمها، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريش، لا تُدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيِّباً، لا تدخلوا فيه مَهْرَ بغيٍّ، ولا بيع رباً، ولا مَظلمة أحد من الناس. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكيُّ أنه حُدِّث عن عبيد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجُمحيِّ أنه رأى ابناً لجعدة بن هُبيرة بن أبي وهب يطوف بالبيت. فسأل عنه فقيل: هذا ابن لجعدة بن هُبيرة. فقال عبد الله بن صفوان عند ذلك: جدّث هذا، يعني أبا وهب، الذي أخذ حجراً من الكعبة حين اجتمعت قريش لِهدمها، فوثب من يده حتى رجَعَ إلى موضعه، فقال الكلام المتقدِّم قبلُ. وله يقول شاعر من العرب:
لو بأبي وهب أنختُ مطيَّتي ... غَدت من نَداه رحلُها غيرُ خائب أُبيِّضُ من فَرعيْ لؤيَّ بن غالبٍ ... إذا خُلِّصتْ أنسابُها في الذوائب أَبي لأخذ الضَّيم يرتاح للنِّدا ... تَوسَّط جَدَّاهُ فُروعَ الأطايب وكان هبيرة بن أبي وهب شاعراً من رجال قريش هرب يوم فتح مكة إلى اليمن، ومات بها كافراً. وقال حين بلغه إسلام أمِّ هانيء واسمها هند، وهو بنجران القصيدة التي أولها: أشاقتْكَ هندّ أم نآكَ سُؤالها ... كذاك النَّوى أسبابها وانفتالُها وقد أرَّقت في رأس حصن ممنَّعٍ ... بنجران يسري بعد ليلٍ خيالُها لئن كنت قد تابعت دين محمد ... وعطَّفت الأرحامُ منك حبالُها فكوني على أعلى سحيقٍ بهضبةٍ ... مُمنَّعةٍ لا تُستطاعُ قِلالُها وفيها: وإني لحَامٍ من وراء عشيرتي ... إذغ كان من تحت العوالي مجالُها
وصارت بأيدي القوم بيض كأنها ... مخاريقُ ولدانٍ تنوشُ ضِلالُها وفيها: وإنَّ كلام المرء في غير كُنههِ ... لكالنَّبل تهوى ليس فيها نِصالُها وابنه جعدة بن هُبيرة: مذكور في الصحابة، ولاَّهُ خاله عليُّ بن أبي طالب على خرسان، وكان فقيهاً ووَلدت أمُّ هانئ بنت أبي طالب لهبيرة من البنين أربعةً، وهم: جعدةُ، وعَمرو، وبه كان يُكنى، وهانيء، ويوسف. ذكر هذا الزبير بن بكَّار. قال الزبير: وجعدةُ بن هُبيرة هو الذي يقول: أبي من بني مخزومٍ انْ كنت سائلاً ... ومن هاشمٍ أمِّي لخيرِ قَبيلِ فمن ذا الذي يَبأى عليَّ بخالهِ ... وخالي عليٌّ ذو الهدى وعَقيلظ رَوى عن جعدةَ مُجاهد بن جبر أبو الحجاج. ومن مخزوم الأرقم بن أبي الأرقم: واسم الرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، يُكنى أبا عبد الله. كان من المهاجرين الأولين، قديم الإسلام. قيل إنه كان سُبُعَ الإسلام؛ سابع سبعة. وقيل أسلم بعد عشرة أنفُس، وذكره ابن عقبة وابن إسحاق فيمن شهد بدراً. وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً من قريش بمكة، يدعو الناس فيها إلى الإسلام في أول الإسلام، حتى خرج عنها. وكانت دارُة بمكة على الصَّفا. فاسلم فيها جماعة كبيرة. وهو صاحبُ حلف الفضول. روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. وذكر سعيد بن أبي مَريم قال: نا عطَّاف ابن خالد قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جدَّه الرقم، وكان بَدرياً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره عند الصَّفا، حتى تكاملوا أربعين رجلاً مُستلئمين. وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطاب. فلما كانوا أربعين خرجوا. وكانت وفاته - فيما ذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السَّرَّاج - قال: سمعت أحمد بن عبد الله بن عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم يقول: سمعت أبي ومشائخنا يقولون: تُوفي الرقم سنة خمس وخمسين بالمدينة، وهو ابن بضع وثمانين سنة. وكان قد أوصى أن يُصلى عليه سعد بن أبي وقاص، وكان في قصره بالعقيق. فقال مروان: أيُحبس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل غائب؟ فأبى عبيد الله بن الرقم ذلك على مروان. وقامت بنو مخزوم معه، ووقع بينهم كلام ثم جاء سعد فصلى عليه. وذكر ابن أبي خيثمة أبا الأرقم أباه فيمن أسلم، وروى من بني مخزوم، وغلط في ذلك، والله أعلمُ. ولم يُسلم أبوه فيما عُلم. وِن صحَّ هذا فممكن أن يكون أبوه أبو الأرقم مات يوم مات أبو بكر الصديق. وتوفي الرقم سنة خمس وخمسين. وعلى هذا يصحُّ قول أبي بكر بن أبي خثيمة أنَّ له صحبةً وروايةً. وغلط أيضا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازيُّ وابنه عبد الرحمن فجعلا الأرقم بن أبي الأرقم هذا والد عبد الله بن الأرقم الزهري. والأرقم والد عبد الله: هو ابن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة. والأرقم بن أبي الأرقم مخزومي كبير، أسلم في داره كبارُ الصحابة في ابتداء الإسلام، والله الموفق للصَّواب. ومن بني مخزوم فاطمة بنت أبي الأسود ... " قال فيها رسول الله ": " ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ... ومنهم الفاكه بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكان زوج هند بنت عُتبة أمِّ معاوية قبل أبي سفيان بن حرب، وله معها خبر مشهور أَذكره: قيل: كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش، وكان قد تزوج هنداً
بنت عتبة. وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه عن غير إذن. فقال يوماً في ذلك البيت، وهند معه. ثم خرج الفاكه عنها وتركها نائمةً، فجاء بعض من كان يغشى البيت، فلما وجدها نائمةً ولى عنها. واستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هندٍ وأَنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟ قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحداَ فقال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم. فقال لها أبوها: يا بُنيَّة، أَنبئيني بشأنك. فإن كان الرجل صادقاً دسست إليه من يقتله، فينقطع عنك العار. وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهَّان اليمن. قالت: والله يا أبت إنه لكاذب. فخرج عتبة فقال: إنك رميت ابنتي بأمر عظيم. فإمَّا أن تُبيِّن ما قلت، وإما أن تحاكمني إلى بعض كهان اليمن. قال: ذلك لك. فخرج الفاكهُ في جماعة من رجالٍ ونسوة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من رجال ونسوة من بني عبد مناف. فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند، وكسف لونها. فقال أبوها: يا بنية، ألا كان هذا قبل أن يشتهر خروجنا في الناس؟! قالت له: والله يا أبت، ما ذلك لمكروه أجدُ قبلي. ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولعله أن يسمني بميسمٍ يبقى على ألسنة العرب. قال أبوها: صدقت ولكني سأَخبُرُه لك. فصفر بفرسه. فلما أدلى عَمَد إلى حبِّة بُرٍ فأدخلها في إحليله، ثم أَوكى عليها، وسار. فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونَحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر، وقد خَبأتُ لك خبيئةً أخبرك بها. فقل: ما هي؟ قال: ثمرة في كمرة. قال أريد أبين من هذا. قال: حبة برٍّ في إحليل مُهرٍ. قال: صدقت فانظر في أمر هؤلاء النِّسوة. فجعل يمسح على رأس كلِّ واحدة منهن، ويقول: قومي لشأنك. حتى إذا بلغ إلى هند مَسح يده على رأسها وقال: قومي غير رسحاء ولا زانيةٍ، وستلدين مَلِكا يقال له معاوية. فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها، فنثرت يدها من يده وقالت: والله لأحرصنَّ أن يكون ذلك الولد من غيرك. فتزوجها بعده أبو سفيان، فولدت معاوية.
كعب بن لؤي
وقُتل الفاكه كافراً، وهو قافل من تجارة كان خرج فيها إلى اليمن مع نفر من قريش، منهم: عفان بن أبي العاصي، وابنه عثمان، وعوف بن عبد عوف، وابنه عبد الرحمن بن عوف. قُتل الفاكه بأرض بني جذيمة، وأُخذ ماله. وقُتل مع الفاكه عوف والد عبد الرحمن وأُخذ ماله أيضا، وقَتَل عبد الرحمن قاتل أبيه خالد بن هشام من بني جَذيمة، ونجا عفان بن العصي وابنه عثمان. والخبر بذلك مُستوفي في سيرة ابن إسحاق عِقب فتح مكة حين أصاب خالد بن الوليد بني جذيمة من كنانة بالغُميْصاء وأنكر عليه عبد الرحمن بن عوف قتْل من قَتل منهم. وابنه قيس بن الفاكه: كان من المُجاهرين بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. وقُتل قيس يوم بدرٍ كافراً، قتله حمزة وقيل علي رضي الله عنهما. ومن موالي مخزوم: مجاهد بن " جبر " أبو الحجاج: مولى قيس بن السائب بن عُويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم. قال قيس بن السائب: نزلت) وعلى الذين يطيقونهُ فدية طعامُ مسكينٍ (فأفطروا " وأطعموا " مسكيناً. وكان عبد الله بن كثير يقول: مجاهد مولى عبد الله بن السائب بن أبي السائب. ذكرت ذلك في أول الكتاب. وكان مجاهد من كبار أصحاب ابن عباس مقرَّباً مفسِّراً، وكان أعلم من طاووس ... وقال مجاهد: كان ابن عمر يأخذ لي الركاب ... إذا ركبت. ومات بمكة وهو ساجد سنة ثلاث ومئة، وابنُ ثلاثٍ وثمانين. وابنه عبد الوهاب بن مجاهد كان متروك الحديث ... قاله المَوْصليُّ. كعب بن لؤي وكان كعب مؤمناً بالله عزَّ وجل، وهو أول من قال: أما بعدُ، وأول مَن
أشعر البُدن، وأول من سمَّى العروبة الجمعة. وكان خطيباً فصيحاً. وولد كعب مُرَّة، وقد تقدم ذكره وذكر ولده، وهو المقدم حقيقا. وكذلك أقدم كل أب من آباء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمود نسبه على إخوته، وعَديِّا وهُصيصاً. فأُّ مرة وعديٍّ وهُصيص وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر. فمن بني عدي: عمر بن الخطاب، وسعيد بن زيد، ونُعيم بن عبد الله بن أسد بن عوف بن عبيد بن عَويج بن عدي بن كعب. ونُعيم: هو النحَّام، لأن النبي عليه السلام قال: " دخلتُ الجنةَ فسمعتُ نَحِمةً من نُعيم فيها ". والنَّحمة: السَّعلة. وقيل: النَّحمة والنحنحة الممدود آخرها، فسمي بذلك " النَّحام ". وكان نُعيم قديم الإسلام. يقال: إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان يكتم إسلامه. ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة، لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي ويمونهم. فقالوا: أقم عندنا على أيُّ دين شئت، وأقم في ربعك واكفنا ما أنت كافٍ من أراملنا. فوالله لا يتعرض لك أحدٌ إلا ذهبت أنفسنا جميعاً دونك. وكانت هجرة نُعيم عام خيبر. وقيل: بل هاجر أيام الحديبية. وقال الواقديُّ ذلك وزاد: وشهد مع النبي عليه السلام ما بعد ذلك من المشاهد. وقُتل يوم اليرموك شهيداً في رجب سنة خمس عشرة. ومنهم مُطيع بن الأسود بن حارقة بن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج بن عديِّ بن عديِّ بن كعب. مات مطيع بالمدينة في خلافة عثمان رضي الله عنه. ورَوى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره مسلم. فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا عليٌّ بن مُسهر ووكيع عن زكرياء عن الشعبيِّ قال: لأخبرني عبد الله بن مطيع عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة: " لا يقتلُ قرشيٌّ صبراً بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة ". وقال: نا أبن نُمير قال: نا أبي قال: نا زكرياءُ بهذا الإسناد وزاد، قال: ولم يكن أسلم أحدٌ من عُصاة قريش غير مُطيع، كان اسمه العاصي، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُطيعاً.
وابنه عبد الله بن مطيع: من جلَّة قريش شجاعة وجلداً وقُتل مع ابن الزبير. وكان على قريش أميراً يوم الحَرَّة. ذكر ذلك الواقديُّ: فلما هُزم أهل الحرة هرب ولحق بمكة. فلما حصر الحجاج ابن الزبير جعل عبد الله بن مطيع يقاتل ويقول: أنا الذي فَررتُ يوم الحَرَّة ... والحرُّ لا يفرُّ إلا مَرَّه لأجْزِينَّ كرَّةً بِفرَّه وأمر عبد اله بن مطيع في الحرة مشهورٌ. وورد في صحيح مسلم منه ما نصُّه: مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبريُّ قال: نا عاصم، وهو ابن محمد بن زيد عن زيد بن محمد، عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مُطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادةً. فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خلع يداً من طاعةٍ لقِيَ الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة لا حُجَّة له. ومن مات وليس في عنقهِ بيعة مات مِيتة جاهلية ". وكان على الأنصار يوم الحرَّة أميراً عبد الله بن حنظلة الغسيل بن أبي عامر عبد عمرو الراهب بل الفاسق بن صَفيَِ بن نعمان بن مالك بن أمة بن ضُبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس أخي الخزرج. وحنظلةُ أبوه: هو " غسيل الملائكة "، استشهد يوم أُحد. وتُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن حنظلة ابن سبع سنين، وروى عنه. وقال أبو عمر بن البرِّ: أحاديثه عندي مُرسلة. وقُتل يوم الحرَّة سنة ثلاث وستين. وكانت الأنصار قد بايعته يومئذ، وكان مقدماً فيهم، خيِّراً فاضلاً. ومما يحقق بيعة الأنصار له يوم الحرَّة ما ذكره مُسلم فقال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنا المخزومي قال: وهيب قال: نا عمرو بن يحيى عن عبَّاد بن تميم،
عن عبد الله بن زيد، قال: أتاه آت فقال: هذاك ابن حنظلة، يبايع الناس. فقال: على ماذا؟ قال: على الموت. قال: لا أبايع على هذا أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف غفر الله له ورحمه: عبد الله بن زيد الذي أتاه الآتي عن ابن حنظلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مَبذول بن عمرو بن غَنم بن مازن بن النَّجار. واسم النَّجار تيم الله بن ثَعلبة بن عمرو بن الخزرج، أخي الأوس من بني مازن بن النجار: شهد أحداً ولم يشهد بدراً. وهو المشترك في قتل مُسيلمة. وعَبَّاد بن تميم الراوي عن عبد الله بن: هو ابن أخيه تميم بن زيد بن عاصم. وعمرو بن يحيى الراوي عن عبّادٍ: هو عمرو بن يحيى المازنيُّ شيخ مالك، روى عنه مالك في الموطأ أربعة أحاديث، أحدها مُرسل. وعبد اله بن زيد جدُّ عمرو بن يحيى لأمِّه، وهو روى عنه حديث صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموطأ وغيره. وهو عمرو بن يحيى بن عُمارة بن أبي حسن. ولجدِّه عُمارة صحبة ورواية. وأبو جدِّه عمارة أبو حسن كان عَقبيَّاً بدريا. واسم أبي حسن تميم بن عمرو من مازن بن النجار. وقيل: اسمُه كُنيتُه ولا اسم له غير ذلك. وقُتل عبد الله ابن زيد يوم الحرَّة رضي الله عنه ولا رَحَم قاتله. وولد هُصيص عَمراً. فولد عمرو سهما وجمح. فمن سهم خُنيس بن حُذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم. وكانت تحته حفصة بنت عمر قبل النبي عليه السلام. وأخواه عبد الله وقيس. وكانت في عبد الله دُعابة. وكلهم من المهاجرين الأولين. وشهد خُنيس وعبد الله بدراً. ولم يذكر ابن إسحاق عبد
الله في البدريين، وذكر خُنيساً، وروى محمد بن عمرو بن علقمة عن عمر بن الحكم بن ثوبان أنَّ أبا سعيد الخُدري قال: كان عبد الله بن حذافة بت قيس السَّهميُّ من أصحاب بدرٍ، وكانت فيه دُعابة. وكان عبد الله رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى بكتابه، يدعوه إلى الإسلام. فمزَّق كسرى الكتاب فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مزَّق الله ملكه ". وقال: " إذا مات كسرى فلا كسرى بعده ". قال الواقدي: فسُلط على كسرى ابنه سِيرَويْه، فقتله ليلة الثلاثاء لعشرٍ مضين من جمادي سنة سبعٍ. وعبد الله بن حُذافة هذا هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " سَلُوني عمَّا شِئتم ": من أبي يا رسول الله؟ قال: " أبوك حُذافةُ بن قيس ". فقالت أمُّه: ما سمعت بابن أعقَّ منك! أأَمنت أن تكون أمُّك فارقت ما يفارق نساء الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به. ومن دُعابة أبي حُذافة عبد الله بن حذافة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّره على سرية، فامرهم أن يجمعوا حطباً ويُقدوا ناراً. فلما أوقدوها أمرهم بالتَّقحم فيها، فأبوا. فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ وقال: " من أطاع أميري فقد أطاعني ". فقالوا: ما آمنَّا بالله واتَّبعنا رسوله إلا لننجو من النار. فصوَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم، وقال: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال الله: لا تُقتلوا أنفسكم " وهو حديث صحيح الإسناد مشهور. روى عنه من المدنيين مسعود بن الحكم وأبو سلمة وسليمان بن يسار. وروى عنه من الكوفيين أبو وائل. ومن حديثه ما رواه الزُّهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنَّ عبد الله بن حذافة صلى فجهر بصلاته. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناج ربِّك بقراءتك يابن حذافة، ولا تُسمعني، وأَسمِع ربك ". ومات في خلافة عثمان. قال ابن لهيعة: توفي عبد الله بن حذافة السَّهمي بمصر، ودُفن في مقبرتها رضي الله عنه.
ومن بني سَهم هشام بن العاصي بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم وهو أخو عمرو بن العاصي لأبيه. وكان هشام قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مكة حين بلغهُ مُهاجرُ النبيِّ عليه السلام إلى المدينة، فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم بعد الخندق على النبيِّ عليه السلام المدينة، وكان أصغر سناً من أخيه عمرو. وكان خيِّرا فاضلا. وسُئل عمرو بن العاصي: من أفضل أنت أ، أخوك هشام؟ فقال: أحدِّثكم عني وعنه: أمُّه بنت هشام بن المغيرة، وأمي سبيَّة. وكان أحبَّ إلى أبيه مني، وتعرفون فراسة الوالد في ولده. واستبقنا إلى الله فسبقني، أمسك عليَّ السِّترة حتى تطهَّرت وتحنَّطت، ثم أمسكت عليه حتى فعل مثل ذلك. ثم عرضنا أنفسنا على الله فَقبله وتركني. واستشهد هشام بن العاصي بالشام يوم أجنادين في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة. وروى ابن المبارك عن أهل الشام أنه استشهد يوم اليرموك. وقال الواقديُّ: حدثنا عبد الملك بن وهب عن جعفر بن يَعيش، عن الزُّهريِّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: حدثني من حضر هشام بن العاصي ضرب رجلاً من بني غسان فأبدى سحرهُ. فكرَّت غسان على هشام فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه، فلقد وطئته الخيل حتى كرَّ عليه عمرو، فجمع لحمه فدفنه. وأخوه عمرو بن العاصي: أسلم في هدنة الحُديبية هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، كما تقدم قبل. والصحيح أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً في صفر سنة ثمانٍ قبل الفتح بستة أشهر، ومعه خالد وعثمان المذكوران، ذكر ذلك الواقديُّ وغيره. وأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سريَّة بعثها إلى ذات السلاسل من بلاد قُضاعة، فكتب إلى النبي عليه السلام من تلك الغزاة يستمدُّهّ، فأَمدَّه بجيش من مئتي فارس من المهاجرين والأنصار أهل الشرف فيهم أبو بكر وعمر، وأمَّر عليهم أبا عبيدة، وعهد إليه النبي عليه السلام: " إذا قدمت على عمرو فتطاوعا ولا تختلفا ". فلما بلغ أبو عبيدة عمراً
سلَّم إليه الإمرة حين خالفه عمرو، وصلَّى خلفه في الجيش كلِّه، وكانوا خمسمئة. وولَّى رسول اللهُ صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي على عُمان فلم يزل عليها حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أحد أُمراء الأجناد بالشام. وعمل لعمر وعثمان. ولما قُت عثمان سار إلى معاوية باستجلاب معاوية له، وشهد صفين معه. وكان منه بصفِّين في التحكيم ما هو عند أهل العلم بأيام الناس معلوم. ثم ولاه مصر، فلم يزل عليها إلى أن مات بها أميراً عليها سنة ثلاث وأربعين. وكان له يوم مات تسعون سنةً، ودُفن بالمُقطَّم من ناحية الفج. وصلى عليه ابنه عبد الله، ثم رجع فصلى بالناس صلاة العيد. وأمُّه النابغة بنت حرملة: سبيَّة من جلاَّن بن عنزة بن أسد بن ربيعة ابن نزار وكان من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية، مذكورا بذلك فيهم. وكان شاعراً حسن الشعر. حُفظ عنه منه الكثير في مشاهد شتَّى. ومن شعره في أبيات له يخاطب بها عُمارة بن الوليد بن المغيرة عند النجاشي: إذا المرء لم يترك طعاماً يحبُّهُ ... ولم يَنه قلباً غوياً حيثُ يمَّما قضى وطراً منه وغادر سُبَّةً ... إذا ذُكرت أمثالها تملأُ الفما وخبره مع عُمارة بأرض الحبشة مشهور؛ إذ سعى عمرو بعُمارة إلى النجَّاشيِّ أنه يخلفه إلى أهله، فأَمر به النجاشيُّ فسُحر، فهام مع الوحش وكان عمرو
بن العاصي أحد الدُّهاة في أمور الدنيا المقدَّمين في الرأي والميز والدَّهاء. وكان عمر إذا استضعف رجلاً في رأيه وعقله قال: أشهد أنَّ خالقك وخالق عمرو واحد؛ يريد خالق الأضداد. ولما حضرته الوفاة قال: اللهمَّ إنك أمرتني فلم أَأتَمر، وزجرتني فلم أنزجر. ووضع يده في موضع الغُلِّ فقال: اللهمِّ لا قويَّ فأنتصر، ولا بريَْ فأعتذر، ولا مُستكبر، لا إله إلا أنت. فلم يزل يردِّدُها حتى مات. وحدَّث أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطَّحاويُّ عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني صاحب الشافعي قال: سمعت الشافعيَّ يقول: دخل ابنُ عباس على عمرو بن العاصي في مرضه، فسلم عليه وقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي كثيراً، وأفسدت من ديني كثيراً. فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي أفسدت هو الذي أصلحتُ لفزتُ. ولو كان ينفعني أنْ اطلب طلبتُ. والذي يُنجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين. فعِظْني بعظة ٍ أنتفعُ بها يا بْن أخي. فقال له ابنُ عباس: هَيهات يا أبا عبد الله، صار ابنُ أخيك أخاك، ولا تشاء أن تبكي إلا بكيت، كيف يؤمر برحيل من هو مقيم؟ فقال عمرو على حينها: من حين ابن بضع وثمانين تُقنِّطني من رحمة ربي. اللهمَّ إنَّ ابن عباس يُقنِّطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى. فقال ابنُ عباس: هيهات يا أبا عبد الله، أخذت جديداً وتُعطى خَلَقاً. فقال عمرو: مالي ولك يا بن عباسٍ!، ما أُرسل كلمةً إلا أرسلت نقيضتها؟. وابنه عبد الله بن عمرو بن العاصي: كان يُكنى أبا محمد، وهو الأشهرُ. أمُّه رَيطةُ بنت مُنبِّه بن الحجاج السَّهميَّة. ولم يَعلُهُ أبوه في السنِّ إلا باثنتَي عشرة سنةً. وُلد لعمرو عبد الله وهو ابن اثنتي عشرة سنةً. أسلم قبل أبيه، وكان فاضلاً، حافظاً، عالماً، قرأ الكتب. واستأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في أن يكتب حديثه، فأذِنَ له. قال: يا رسول الله، أأكتبُ كلَّ ما أسمع منك في الرضى والغضب؟ قال: " نعم، فإني لا أقول إلا حقاً ".
وقال أبو نُعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني الحافظ في كتاب " رياضة المتعلمين " ووَلد عبد الله محمداً، فولد محمد شُعيباً، وولد شُعيب عمرو بن شعيب، وكان سرياً ربما قسم في المجلس الواحد من صدقة جدِّه خمسين ألفاً، وحُمل عنه الحديث. وفي الموطأ: مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اسق عبادَك وبهيمتَك، وانشر رحمتَك، وأَحْي بلدَك الميِّت. ولعمرو بن شعيب في صحيح مسلم عن أنس بن مالك حديث: " ما رأيتُ أحداً كان أرحمَ بالعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال مسلم في كتاب الكُنى: أبو إبراهيم عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، روى عن أبيه وطاووس وابن المسيَّب. وروى عنه الزُّهريُّ وداود بن أبي هندٍ. وقال أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين الأزديُّ المَوصلُّي الحافظ في كتاب الضعفاء والمتروكين له: عمرو بن شُعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال أيوب السجستانيُّ: كنت إذا أتيتُ مجلس عمرو بن شُعيب غَطيتُ رأسي حياءً من الناس. قال أبو الفتح: وسمعت عدةً من أهل العلم بالحديث يذكرون أن عمرو بن شعيب، فيما رواه عن سعيد بن المسيَّب وغيره، فهو صدوق. وما رواه عن أبيه عن جدِّه فهي صحيفة يتوارثها آلُ عمرو بن العصي. فما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيجب التوقف فيه. وكان لعمرو بن العصي ابنٌ اسمه محمد. والعاصي بن وائل أبو هشام وعمرو من المستهزئين الذين كُفيهم النبي عليه السلام. وفيه أنزل الله تعالى:) إنَّ شانِئَك هو الأبترُ (.
ومنهم أبو وداعةَ: واسمه الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم، وابنه المطلب بن أبي وداعة. وهما من مسلمة الفتح. أُسر أبوه وداعة يوم بدر فافتداه ابنه المطلب. ومن بني سهم عبد الله بن الزِّبعري بن قيس بن سعد بن سهم الشاعر أمُّه عاتكة بنت عبد الله بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جُمح. وكان من أشدِّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحاب بلسانه ونفسه. وكان من أشعر الناس وأطبعهم. ويقولون: إنه أشعر قريش قاطبة. قال محمد بن سلام: كان بمكة شعراء، فأبرعهم شعراً عبد الله بن الزِّبعري ثم أسلم عبد الله عام الفتح بعد أن هرب يوم الفتح إلى نجران، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وحُسن إسلامُه. واعتذر إلى النبي عليه السلام، فقبل عذره. ثم شهد ما بعد الفتح من المشاهد. ومن قوله بعد إسلامه للنبي صلى الله عليه وسلم معتذراً: يا رسول المليك إنَّ لساني ... راتق ما فتقتُ إذ أنا بُورُ إذ أجاري الشيطانَ في سَننِ الغيْ ... يِ ومَن مال ميلَةُ مَثبورُ يشهدُ السمع والفؤاد بما قُل ... ت، ونفْسي الشَّهيد وهي الخبير أنَّ ما جئتنا به حقُّ صدقٍ ... ساطعٌ نورُهُ مُضيءٌ مُنيرُ
جئتنا باليقين والصدق والبر ... رِ وفي الصِّدق واليقين السُّرور أذهبَ الله ضلَّةَ الجهل عنَّا ... وأتانا الرخاء والميسُورُ وقال أيضا يمدح النبيِّ عليه السلام، ويعتذر إليه: منع الرقاد بلابل وهموم ... والليل مُعتلج الرِّواق بَهيم ممَّا أتاني أنَّ أحمد لامني ... فيه فبتُّ كأنَّني مَحموم يا خير من حَملت على أوصالها ... عَيرانةٌ سُرُحُ اليدين غَشوم إني لمعتذر إليك من الذي ... أَسديتُ إذ أنل في الضَّلال أَهيم أيام تأمُرني بأغوى خُطَّةٍ ... سَهمٌ وتأمُرني بها مَخْزومُ وأمدُّ أسباب الرَّدى ويقودني ... أمر الغواة وأمرُهم مشؤومُ فاليوم آمنَ بالنبيِّ محمدٍ ... قلبي، ومُخطيءُ هذه محرومُ
مضتِ العداوةُ وانقضتْ أسبابُها ... وأتتْ أواصرُ بيننا وحُلومُ فاغفر فدَّى لك والديَ كلاهُما ... وارحم فإنك راحم مَرحومُ وعليكَ من سِمةِ المليك علامةٌ ... نورُ أَغرُّ وخاتمٌ مختومُ أعطاك بعد محبةٍ برهانَه ... شَرفاً وبرهانُ الإله عظيمُ وقُتل من المشركين من بني سَهم يوم بدرٍ مُنبِّه بن الحجاج بن عامر بن حُذيفة بن سعد بن سَهم قتله أبو اليَسَر كعبُ بن عمرو أخو بني سَلمة. وابنه العاصي بن مُنبِّه بن الحجاج، قتله عليُّ بن أبي طالب، فيما قال ابن هشام. ونُبيه بن الحجاج أخو مُنبِّه قتله حمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبي وقاص اشتركا فيه فيما قال ابن هشام. ومنبِّه نُبيه ابنا الحجاج من المُطعمين. ومن بني جُمح عثمان بن مَظعون وإخوته: قُدامةُ وعبد الله والسائب شَقائقه. والسائب بن عثمان بن مظعون وهم من خيار الصحابة. إسلامهم قديم، وهاجروا الهجرتين، وشهدوا بدراً، وهم أخوال أم المؤمنين حفصةَ وأخيها عبد الله ابني عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم. فأما عثمان بن مظعونٍ فيُكنى أبا السائب بابنه السائب. وأمُّه وأمُّ إخوته قدامة وعبد الله والسائب سُخليةُ بنت العَنْبَس بن أُهبان بن حذافة بن جُمح. قال ابن إسحاق: أسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاج الهجرتين وشهد بدراً. وقال ابن إسحاق وسالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله بن مَعمر: كان عثمان بن مظعون أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين، بعدما رجع من بدر. وقيل: إنه مات على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة بعد شُهوده
بدراً. فلما غُسل وكفِّن قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه. فلما دُفن قال: " نعمَ السَّلف هوَ لنا عثمانُ بن مظعون ". ولما توفيِّ إبراهيم بن النبي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إلحق بالسلف الصالح عثمان بن مظعون ". ورُوي عنه عليه السلام أنه قال ذلك حين تُوفيت زينب ابنته، قال: " إلحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون ". وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره بحجر، وكان يزوره. وذكر الواقديُّ عن ابن أبي سَبرة عن عاصم بن عبيد الله، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: كان أول من دُفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً عند رأيه وقال: " هذا قبرُ فَرَطِنا ". وكان عابداً مجتهداً من فضلاء الصحابة، وقد كان هو وعليُّ بن أبي طالب وأبو ذرٍّ همُّوا أن يختصُوا ويتبتَّلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالسعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أَذن له، لاختَصينا. وروت عنه عائشة بنت قدامة بن مظعون عن أبيها، عن أخيه عثمان بن مظعون أنه قال: يا رسول الله، إنه تشُقُّ علينا الغُربة في المغازي، أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأَختصي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكن عليك يا بن مظعون بالصِّيام فإنه مُجفرٌ ". وكانت تحت عثمان بن مظعون خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهثة بن سُليم بن منصور السُّلميَّة ثم الذَّكوانية. وهي أمُّ شريك التي وهبت نفيها للنبي عليه السلام في قول بعضهم. وكانت امرأة فاضلةً صالحةً. ويقال فيها: " خُويلةُ " بالتصغير. روى عنها سعد بن أبي وقاص في التعوُّذ بكلمات الله عند النزول في السفر.
مسلم: حدثنا هارون بن معروف وأبو الطاهر كلاهما عن أبي وهب، واللفظ لهارون قالا: نا عبد الله بن وهب قال: أنا عمرو، وهو ابن الحارث أنَّ يزيد بن أبي حبيب والحارث بن يعقوب حدّثاه عن يعقوب بن عبد الله بن الأشجِّ، عن بُسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم السُّليمة أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا نزلَ أحدُكم منزلا فليقل: أعوذُ بكلمات اله التامَّات من شرِّ ما خَلق، فإنه لا يضرُّه شيء حتى يرتحل منه ". قال يعقوب وقال القعقاع بن حكيم عن ذكوان أبي صالح، عن أبي هُريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟ قال: " أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات اله التامّات من شرِّ ما خلق لم تَضِرْكَ ". وروى عن خولة هذه جماعة من التابعين مشاهير. منهم: سعيد بن المسيَّب وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن يحيى بن حبان المازنيُّ الأنصاري من بني مازن بن النجَّار. وهي التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مُحاصر أهل الطائف إذ سألته إن فتح الله عليه الطائف حَلْيَ بادية بنت غيلان أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف: " وإن كان لم يُؤذن لي في ثقيف يا خولة ". فذكرت ذلك لعمر الحديث، وهو مشهور. وأمَّا قُدامةُ بن مظعونٍ: فكانت تحته صفية بنت الخطاب أخت عمر. وشهد، بعدما شهد بدراً، سائر المشاهد. واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين، ثم عزله، وولى عثمان بن أبي العاصي. وكان سبب عزله أنه شرب الخمر بالبحرين، فسكر، وشهد عليه بذلك الجارود سيِّد عبد القيس وأبو هريرة. فأمر عمر بقُدامة فجُلد، فغاضب عمر قدامة وهجره. ثم اصطلحا بعد في قُفول عمر من حجَّةٍ حجَّها، وقدامة معه، لرؤيا رآها عمر حين نزل بالسُّقيا في تلك الحجَّة، رضي الله عنهما. وقال عبد الرزاق بن همَّام: نا ابن جُريج قال: سمعت أيوب ين أبي تميمة قال: لم يحدَّ في الخمر أحد من أهل بدرٍ إلا قدامة بن مظعون. وتُوفي قدامة سنة ستٍّ وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين. ومن ولد قدامة بن مظعون عبد الملك بن قدامة: روى عن عبد اله بن دينار، وروى عنه ابن أبي أُويْس قال البخاريُّ في حديثه: تعرف وتنكر.
وأمَّا عبد الله بن مظعون، فقال الواقديُّ: توفي سنة ثلاثين، وهو ابن ستين سنة. ولاتُحفظ لأحد من بني مظعون رواية إلا لقدامة. وأمّا السائب بن مظعون: فلم يذكره موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين، وذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبيُّ وغيره في المهاجرين البدريين. وأمَّا السائب بن عثمان بن مظعون: فشهد بدراً والمشاهد كلَّها. وقُتل، رضي الله عنه، وهو ابن بضع وثلاثين سنة يوم اليمامة شهيداً. ومن بني جُمح أيضا صفوان بن أُمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جُمح: يكنى أبا وهب. وقيل: يُكنى أبا أمية، وهما كُنيتان له مشهورتان. وفي الموطأ لمالك عن " ابن " شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصفوان بن أمية: " انزل أبا وهب ". وذكر ابن إسحاق " عن أبي " جعفر محمد بن علي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لصفوان بن أمية: " يا أبا أمية ". وقُتل أبو أمية بن خلف ببدرٍ وهو من المطعمين. قال ابن إسحاق وحدثني عبد الواحد بن أبي عونٍ " عن " سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قال لي أمية بن خلف: وأنا بينه وبين ... قال المؤلف وفقه الله: يعني يوم بدر، بعدما استَلبَ عبد الرحمن أدراعاً وهو يحملها، ومرَّ بأمية وابنه علي. ودعاه أمية بما اتفقا عليه بمكة من الاسم، وأمرَهُ بطرح الأدراع، وأن يأخذه أسيرا مع ابنه، فهو خير له منها: يا عبد الإله، من الرجل منكم المًعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان هو الذي يعذِّب بلالاً بمكة على ترك الإسلام، فيُخرجه إلى رمضاء مكة إذا حَميتِ الشمسُ، فيُضجعهُ على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتُوضع على صدره ثم يقول: لا تزال هكذا أو تُفارق دين محمد فيقول بلال: أحدٌ أحدٌ. قال: قلتُ: أي بلال، بأسيريَّ! قال: لا نجوت إن نجا. قال: قلت: أتسمع يا بن السوداء؟ قال: لا نجوتُ إن نجا. قال: ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت
إن نجا. فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المَسَكة، وأنا أذب عنه. قال: فأجلف رجل السيف فضرب " رجل " ابنه، فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط. قال: فقلت: انج بنفسك، ولا نجاء به، فوالله " مارُعْتَنى " عنك شيئا. قال: فهَبَرُوهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحمُ الله بلالاً، هبت أدراعي وفجعني بأسيريَّ. قال ابن هشام: قتل أميةَ بن خلف معاذ بن عَفراء وخارجةُ بن زيد وخُبيب بن إسافٍ، اشتركوا فيه. وقال ابنُ إسحاق: قَتل ابنهُ عليَّ بن أمية عمَّار بن ياسرٍ. وهرب صفوان بن أمية يوم الفتح، وفي ذلك يقول خَناس بن قيس البلويُّ يخاطب امرأته فيما ذكر ابن إسحاق وغيره. إنك لو شهدت يوم الخَندمه إذ فرَّ صفوانٌ وفرَّ عكرمه واستقبلتْنا بالسيوف المُسلمه يَقطعن كلَّ ساعدٍ وجُمجمَه ضرباً فلا تَسمع إلا غَمغمه لهم نبيبٌ خَلفنا وهمهمه لم تَنطقي في اللمِ أدنى كَلمَه ثم رجع صفوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد معه حُنيناً والطائف، وهو كافرٌ وامرأته مسلمة، وهي فاختةُ بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد بن الوليد. أسلمت يوم الفتح قبل صفوان بشهرٍ قاله داود بن الحُصين شيخ مالك، وأقرَّا على نكاحهما. وكان عُمير بن وهب قد اسْتأمن لصفوان رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين هرب يوم الفتح وذهب إليه، وهو يريد أن يركب البحر برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ببرده، فانصرف معه، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وناداه في جماعة الناس: يا محمد، إنَّ هذا وهب بن عُمير يزعم أنك أمَّنتني على أسير شهرين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَنزِلْ أبا وهب ". فقال: لا، حتى تُبين لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَنزِل، فلك تسييرُ أربعة أشهر ". وخرج معه إلى حُنين، فاستعاره رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحاً، فقال: طوعاً أو كرها؟ فقال: " بل طوعا عاريَّةً مضمونةً "، فأَعاره. وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأكثر. فقال صفوان: أَشهد بالله ما طابت بهذا نفس إلا نفس نبيٍّ فأَسلم وأقام بمكة. ثم إنه قيل له: من لم يهاجر هلك، ولا إسلام لمن لا هجرة له. فقدم المدينة مُهاجراً، فنزل على العباس بن عبد المطلب، وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا هجرة بعد الفتح ". ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصرف إلى مكة، فانصرف إليها، فأقام بها حتى مات. وفي الموطأ في كتاب الحدود: مالك عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أنَّ صفوان بن أمية قيل له: إنه من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة فنام في المسجد، وتوسَّد رداءه. فجاء سارق فأخذ رداءه. فأَخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقطع يده. فقال صفوان: إني لم أُرِدْ هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهل لا قبل أن تأتيني به؟ ". وكان صفوان بن أمية أحد أشراف قريش في الجاهلية. وكان جواداً مُطعماً. وكان يقال له: " سدادُ البطحاء ". وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممَّن حسُن إسلامه منهم. وكان أفصح قريش لساناً. ويقال إنه لم يجتمع لقومٍ أن يكون مهم مُطعمون خمسة إلا لعمرو بن عبد الله بن صفوان
بن امية بن خلف. أطعم خلف وأمية وصفوان وعبد الله وعمرو. ولم يكن في العرب غيرهم إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم في الأنصار، فإن هؤلاء الأربعة مُطعمون. وقال معاوية يوماً: من يُطعم بمكة من قريش؟ فقالوا: عمرو بن عبد الله عن صفوان. فقال: بخ، تلك نار لا تطفأ! وقُتل ابنه عبد الله بن صفوان مع ابن الزبير، وذلك أنه كان عدوّاً لبني أمية، وكان أعرج. وتوفي صفوان بن أمية بمكة سنة اثنتين وأربعين في خلافة معاوية. روى عنه ابنه عبد اله بن صفوان وطاووس وغيرهم. ومن بنات أمية بن خلف التَّوءمة: ولدت مع أختها التوءمة في بطن. فسميت تلك باسمٍ، وسميت هذه " التوءمة ". وهي مولاةُ صالح بن أبي صالح مولى التوءمة، وهي أعتقت أبا صالح. واسم أبي صالح يسار. روى صالح عن أبي هريرة. وبقى حتى توفي سنة خمس وعشرين ومئة. والورقاء ... ومنهم عُمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جُمح، وهو ابنُ عم صفوان بن أمية لحَّاً. ويُكنى أبا أمية. وكان له قدر وشرف في قريش. وشهد بدراً كافراً. وهو القائل لقريش يومئذ في الأنصار: إني لأرى وجوهاً كوجوه الحيَّات، لا يموتُنَّ ظماءً أو يَقتلون أعدادهم. فلا تَعرضوا لهم بهذه الوجوه التي كأنها المصابيح. فقالوا له: دع هذا عنك. ثم حرَّش بين القوم. وكان أول من رمى بنفسه على فرسه بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنشأ الحرب. وكان من أبطال قريش، وشيطاناً من شياطينها. وهو اذي مشى حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم ليحزُر عدده يوم بدر. وأُسر ابنه وهب بن عُمير يومئذ. ثم قدم عُمير المدينة، يريد افتك برسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جرى بينه وبين صفوان بن أمية في شأنه، فأسلم وحسُن إسلامه، وأطلق له ابنه عُميرا بغير فداء، والخبر بذلك مسطور في السِّير. وهو أحد الأربعة الذين أمدَّ بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاصي بمصر، وهم: الزبير بن العوام، وعُمير ابن وهب الجُمحي، وخارجة بن حُذافة، وبُسر بن أرطأة. وقيل: المقداد موضع بُسر وهو والد وهب بن عُمير، وإسلامه
كان قبله بيسير. وكلاهما أسلم عقب بدر. وعُمير هو الذي أطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءَه إذ جاء يطلب الأمان لصفوان بن أمية، ومات ابنه وهب بالشام مُجاهداً رحمه الله. ومنهم أبو مَحذُورة: واختُلف في اسمه على أن اسم أبي مَحذُورة أوس. وهؤلاء أعلم بطريق أنساب قريش. وهو أوس بن مِعير بن لَوذان بن سعد بن جُمح. هكذا نسبه ابن مَعين. وقال غيره: أوس بن مِعير بن لَودان بن ربيعة بن عُريج بن سعد بن جُمح. وقال الطبريُّ وغيره: كان لأبي محذورة أخٌ لأبيه اسمه أنيس قُتل يوم بدراً كافراً. وأمُّهما امرأة من خُزاعة ولا عَقب لهما. وأسلم مُنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين. وكان أبو محذورة مؤذَِن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أمره بالأذان، فَأعجبه صوته، فأمر أن يوتى به. فأسلم يومئذٍ، وأمره بالأذان بها. فلم يزل يؤذِّن بها هو وولدُهُ، ثم عبد الله بن مُحيريز ابن عمِّه وولده، فلما انقطع ولد ابن مُحريز صار الذان بها إلى ولد ربيعة بن سعد بن جُميح. وأبو محذورة وابن مُحيريز من ولد لَوذان بن سعد بن جُمح. قال الزبير: أبو محذورة أحسن الناس أذاناً وأنداهم صوتاً. وقال له عمر يوماً، وسمعه يؤذن: كدت أن تنشق مُر يطاؤك. قال: وأنشدني عمي مصعب لبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة: أما وربِّ الكعبة المستره وما تلا محمد من سوره والنَّغمات من أب محذوره لأفعلنَّ فِعلةً مَذكوره
المُريطاءُ: ما بين الصدر إلى العانة من البطن قال أبو عمرو: والمريطاءُ تمدُّ وتُقصر. وقال خلف الأحمر: حظُّه القصر. وكان خلف الأحمر عالماً بالغريب، شاعراً جيد الشعر كثيره، لم يكن في نُظرائه أحد يقول مثل شعره. وقال الأصمعي: كان خلف الأحمر مولى أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، وأعتقه وأعتق أبويه، وكانا فَرغانيَّين. وقال ابن مُحيريز: رأيت أبا محذورة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله شَعرةٌ، فقلت: ياعمِّ، ألا تأخذ من شعرك؟ قال: ما كنت لآخذ شعراً مسح رسول الله عليه، ودعا بالبركة. وتوفي أبو محذورة بمكة سنة تسعٍ وخمسين. وعبد الله بن مُحيريز ابن عم أبي محذورة، ومن كبار التابعين، مشهور شريف من أشراف قريش من بني جُمح، سكن الشام. وكانت له ثمَّ جلالةٌ في الدين والعلم، يروي عن عُبادة بن الصامت وأبي سعيد الخُدري وأبي محذور ومعاوية. روى عنه الزُّهريُّ، ومكحول، ومحمد بن يحيى بن حَبَّان. وذكر ضَمرةُ بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله عن رجاء بن أبي سلمة أبي المقدام، عن رجاء بن حياة الكنديِّ قال: كنا في مجلس ابن مُحيريز إذ أتانا ابن عمر، فلما خرج قال ابن محيريز: إني لأعُدُّ بقاءه أماناً لأهل الأرض. قال رجاءٌ: وأنا والله كنت أعدُّ بقاء ابن مُحيريز أماناً لأهل الأرض. ومات ابن مُحيريز وابن المسيَّب في ولاية يزيد بن عبد الملك، وكانت ولاية الوليد من سنة ستٍ وثمانين إلى سنة ست وتسعين. وقال بان قُتيبة: كنية رجاء بن حياة أبو المقدام، ويقال أبو نصر. وقال جرير بن حازم الجهضميُّ الأزديُّ مولى حمَّاد بن زيد: رأيت رجاء بن حياة ورأسه أحمرُ، ولحيته بيضاء. ومات سنة اثنتي عشرة ومئة. وحَّث أبو بكر أحمد بن زُهير أبي خَيثمة عن الهيثم بن خارجة البغدادي أبي أحمد عن محمد بن حِمير، عن أبي إسماعيل إبراهيم بن أبي عَبلة الشامي،
لؤي بن غالب
عن رجاء بن حياة قال: كان أهلُ المدينة يرون عبد الله بن عمر فيهم إماماً، وإنا نرى ابن محيريز فينا إماماً. ومن بني جُمح أبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن وأُهيب بن حذافة بن جُمح: كان من أُسارى بدر، وكان شاعراً، وكان محتاجاً ذا بناتٍ. فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد عرفت مالي من مالٍ، وإني لذو حاجةٍ وذو عيال فامنُن عليَّ. فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه ألا يُظاهر عليه أحداً. فقال أبو عزة في ذلك يمتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر فضله في قومه: مَن مبلغ عني الرسول محمداً ... بأنك حق والمليكُ حميدُ؟ وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيداُ وأنت امرؤ قد بُؤتَ فينا مَباءةً ... لها درجات سَهلة وصعودُ فإنك من حاربته لمحاربٌ ... شقيٌّ، ومن سالمته، لسعيدُ لؤي بن غالب ووَلد لؤيُّ بن غالب كعباً، وقد مضى ذكره، وعامراً، وسامَةَ، وعوفاً. فأمُّ كعب وعامر وسامة بني لؤيٍّ ماويَّة بنت كعب بن القين بن جَسر بن شَيع الله. ويقال: جسر بن سُبع الله من قُضاعة. وقيل: امُّ عامرٍ مخشيَّةُ بنت شيبان ابن محارب بن فهر. وقيل: ليلى بنت شيبان. ولم يذكر ابن إسحاق اسم أمِّ عوف بن لؤي. وهؤلاء المشاهير من ولد لؤي في ابن إسحاق. وقال ابن
هشام: ومن بنيه الحرث بن لؤي، وهم جُشم بن الحرث في هِزَّان من ربيعة. قال جرير: بني جُشم لستُم لهِزَّان فانتموا ... لأعلى الرَّوابي من لؤيِّ بن غالب ولا تنكحوا في آل ضَورٍ نساءكم ... ولا في شكَيسٍ بئس مثوى الغرائب وسعدُ بن لؤي: وانتسب والده في شيبان بن ثعلبة بن عُكابة بن مصعب بن علي بن بكر بن وائل، من ربيعة. وقيل: إن سعد بن لؤي هو أبو ولد بُنانة رهط أبي محمد ثابت بن أسلم البُناني، ونُسب ولده إليها ... وسمع ثابت البُناني ابن عمر وأنس بن مالك وابن الزبير. وروى عنه شُعبةث وحمَّاد بن زيد وحماد بن سلمة. وخثزيمة بن لؤي، وخزيمة وبنوه وهم عائذة في سيبان بن ثعلبة أيضا. وعائذة امرأة من اليمن، وهي أمُّ بني عُبيد بن خزيمة بن لؤي. فأما عامر بن لؤي فمن بنيه السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نضر بن مالك بن حِسل بن عامر بن لؤي: ومات مهاجراً بأرض الحبشة. وكانت تحته سودة بنت زَمعة، فَخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده. وسَليط وأبو خاطب وسهيل بنو عمرو وإخوته. فأما سليط فكان من المهاجرين الأولين، ممَّن شهد الهجرتين. وذكره موسى بن عُقبة فيمن شهد بدراً، ولم يذكره غيره في البدريين. وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هَوذة بن علي الحنفي، وإلى ثُمامة بن أُثال الحنفيِّ، وهما ربييا اليمامة،
وذلك في سنة ستٍّ أو سبع. وأما خاطب فذكره أبن إسحاق في المهاجرين إلى أرض الحبشة. وأما سُهيل بن عمرو فكان من أسرى بدرٍ، وعلى يديه كان صلح الحُديبية. وأسلم يوم الفتح، فحسن إسلامه. وقُتل يوم اليرموك شهيداً. وقيل: مات في طاعون عَمَواس، والأول أشهر. وكان خطيباً فصيحاً عاقلاً شريفاً، من خيار مُسلمة الفتح، رضي الله عنه. وابنه عبد الله بن سهيل بن عمرو: أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية في قول ابن إسحاق ومحمد بن عمر. ثم رجع إلى مكة فأخذه أبوه فأوثقه عنده، وفَتنه في دينه. ثم خرج مع أبيه سُهيل بن عمرو إلى بدرٍ. وكان يكتمُ أباه إسلامهُ. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً انحاز من المشركين، وهرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسلماً، وشهد معه بدراً والمشاهد كلَّها. وكان من فضلاء الصحابة. وكان أحد الشهود في صلح الحديبية. وهو أسنُّ من أخيه أبي جندل. وعبد الله أخذ الأمان لأبيه سهيل يوم الفتح. واستشهد عبد الله يوم اليمام، وهو ابن ثمان وثلاثين سنةً، ويكنى أبا سُهيل. وأخوه أبو جندل بن سهيل: أسلم بمكة، فطرحه أبوه في حَديده. فلما كان يوم الحديبية جاء يوسف في الحديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبوه سهيل قد كتب في كتاب الصلح: أن من جاءك منا تردُّه علينا. فخلاَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك أفلت بعد ذلك أبو جندل، فلحق بأبي بصير عُتبة بن أسد الثقفيِّ. وكان معه في سبعين رجلاً من المسلمين بالعيص من ناحية " ذي المروة " يقطعون على من مرَّ بهم من عِير قريش وتجارتهم، وكانت طريق قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله بأرحامها إلا آواهم، فلا حاجة لهم بهم. فضمَّهم إليه صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو جندلٍ، وهو مع أبي بصير: أبلغ قريشاً عن أبي جندل ... أنَّا بذي المروة بالسَّاحل في معشر تخفقُ أيمانهم ... بالبيض فيها والقنا الذَّابل ولم يشهد أبو جندل شيئاً من المشاهد قبل الفتح. قال موسى بن عقبة: لم يزل أبو جندل بن سهيل وأبوه مجاهدين بالشام حتى ماتا، يعني في خلافة عمر. ومن بني عامر بن لؤي عبد الله بن مَخرمة بن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد ودِّ بن نصْر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي، يكنى أبا محمد في قول الواقدي. أمه نَهيك بنت صفوان من بني مالك بن كنانة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين فَروة بن عمرو بن وَدفة بن عبيد ابن عامر بن بياضة البياضيِّ الأنصاريِّ الخزرجي. وشهد فروة هذا بيعة العَقبة مع السبعين، ثم شهد بدراً وسائر المشاهد. وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَجْهرْ بعضُكمْ على بعض القرآن " رواه مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التَّيميِّ، عم أبي حازم التَّمَّار، عن البياضيِّ، ولم يسمِّه في الموطأ في هذا الحديث. وكان محمد بن وضاح وإبراهيم بن مُزَين يقولان: إنما سكت مالك عن اسمه لأنه كان ممَّن أعان على قتل عثمان، ولا وجه لما ذكراه من ذلك، ولم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار. ولم يُختلف في اسم البياضي: وبياضةُ في الأنصار هو بياضة بن عامر بن زُريق بن عبد حارثة بن مالك بن عَضب بن جُشم بن الخزرج أخى الأوس. واسم أبي حازم التَّمَّار: دينار، وهو مولى الأنصار. وقيل: اسمُه يسار، مولى قيس بن سعد بن عُبادة. وقيل: هو مولى أبي رُهم كلثوم بن حُصين الغِفاريِّ.
وكان عبد الله بن مخرمة العامري من المهاجرين الأولين، وشهد بدراً وسائر امشاهد. وقال الواقديُّ: هاجر عبد الله بن مخرمة العامريُّ الهجرتين جميعاً. واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة، وهو ابن احدى وأربعين سنة. رُوى عنه أنه دعا الله عزَّ وجلَّ ألا يُميته حتى يرى في كلِّ مفصل منه ضربةً في سبيل الله. فضُرب يوم اليمامة في مفاصله، واستشهد. وكان فاضلاً عابداً. وقال عبد الله بن عمر: أتيتُ على عبد الله بن مخرمة صريعا يوم اليمامة، فوقفت عليه فقال: يا عبد الله بن عمر، هل أفطر الصائم؟ قلت: نعم. قال: فاجعل في هذا المجنِّ ماءً لعلِّي أُفطر عليه. قال: فأَتيت الحوض وهو مملوء دماً، فضربته بحجفةٍ معي، ثم اغترفت فيه، فأتيتهُ به، فوجدتهُ قد قضى. ومن ولدهِ أبو نَوفل عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة. قال مُسلم في الكُنى له: روى عن عبد الملك بن نوفل سُفيان بن عُيينةَ قال: وروى أبوه نوفل بن مُساحق عن سعيد بن زيد، وروى عن نوفل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. قال المؤلف أصلحه الله: سعيد بن زيد الراوي عنه نوفل بن مُساحق أحد العشرة الكرام رضي الله عنهم. وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل ابن عم عمر بن الخطاب بن نُفيل رضي الله عنهما. وعبد الملك بن نوفل: يُعرف بالمُساحقي، نُسب إلى جدِّه مُساحق بن عبد الله. ويروى عن أبيه، عن سعيد بن زيد وعن كَيسان أبي سعيد المقْبُريِّ، عن هاشم بن عتبة المرقال الزهريِّ. ومن بني عامر حُويطب بن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد وُدِّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وهو من مُسلمة الفتح. وعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام. وكان من صُلحاء المؤلفة قلوبُهم. وهو عمُّ عبد الله بن مخرمة: وعمُّ حُويطب عمرو بن عبد ودٍّ قتيل علي يوم الخندق. وقال له مروان بن الحكم يوماً تأخَّر إسلامُك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث؟؟! فقال
له حُويطب: والله لقد أردت الإسلام مراراً، فكان أبوك يُثبِّطني، ويسفِّه رَأيي، ويقول لي: تترك دينك ودين آبائك لدين محدثٍ؟ فكأنما ألقم مروان حجراً. ثم قال له: أما بلغك ما لقي عثمان من أبيك حين أسلم من المكروه والأذى؟. فازداد مروان غماً ولم يُحر جواباً. وتوفي حُويطب سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية. وابنه أبو سفيان بن حُويطب: أسلم أيضا يوم الفتح، وقُتل يوم الجمل. ومنهم عبد الله بن أم كلثوم الأعمى: وأمُّه، أمُّ مكتوم، اسمُها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثةَ بن عامر بن مخزوم، وقيل: اسمه عمرو. وقال محمد بن سعد كاتب الواقديِّ: أما أهل المدينة فيقولون: اسمه عبد الله، وأما أهل العراق فيقولون: اسمه عمرو. ثم جمعوا على أنه ابن قيس بن زائدة بن الأصمِّ. والأصمُّ: هو جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر ابن لؤي. وهو ابن خال خديجة بنت خويلد، أخي أمِّها، وهو قديم الإسلام. وقدم المدينة مع مُعصب بن عُمير قبل النبيِّ عليه السلام. وقال الواقديُّ: قدمها بعد بدرس بيسير. وكان يؤذِّن للنبيِّ عليه السلام مع بلال. مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ بلالاً ينادي بليل: فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أمِّ مكتوم ". وشهد فتح القادسية. وكان معه اللواء يومئذ. قال أنس بن مالك: رأيت يوم القادسية عبد الله بن أمَّ مكتوم الأعمى، وعليه درع يجُرُّ أطرافها، وبيده راية سوداء. فقيل له: أليس قد أَنزل اللهُ عُذرك؟ قال: بلى، ولكني أُكثِّرُ المسلمين بنفسي. ورُويَ أنه قال: فكيف بسوادي في سبيل الله؟. وقُتل شهيداً بالقادسية. وقال الواقديُّ: رجع ابن أمِّ مكتوم من القادسية إلى المدينة فمات، ولم يُسمع له بذكر بعد عمر بن الخطاب. واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرةَ مرةً في غزواته. وفي شأنه نزلت:) عبس وتولَّى (. الترمذي: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأمويُّ: حدَّثني أبي قال: هذا ما عَرضنا على هشام بن عُروة عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلَ) عبس وتولى (في ابن أمِّ مكتومٍ الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني. وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه ويُقبل على الآخر، ويقول: " أترى بما أقول بأساً؟ ". فيقول: لا. ففي هذا أُنزل. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عُروة، عن أبيه، قال: أُنزل) عبس وتولى (
في ابن أمِّ مكتوم، ولم يذكر فيه شيئاً عن عائشة. قال المؤلف، وفَّقه الله لطاعته: وكذلك وقع في الموطَّأ عن عروة، ولم يذكرهُ عن عائشة. مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أُنزلت) عبس وتولى (في عبد الله بن أمِّ مكتوم، جاء إلى رسول الله، فجعل يقول: يا محمد، استَدْنِني. وعند النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المسلمين. فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه، ويُقبل على الآخر، ويقول: " يا أبا فلان، هل ترى فيما أقولُ بأساً؟ "، فيقول: لا ... لا أرى بما تقول بأساً. فنزلت) عبس وتولى أن جاءه الأعمى (. ومنهم أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذيب: واسم أبي ذيب هشام بن شُعبة. وكان أبو ذيب أتى قيصر فسُعى به، فحبسه حتى مات في حبسه. ومحمد بن عبد الرحمن من الفقهاء المُفتين. روى عن الزهريِّ ونافعز وروى عنه الثوريُّ ويحيى بن سعيد القَطَّان. وسأل أبو جعفر المنصور مالكاً: من بقي في المدينة من المَشيخة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ابن أبي ذيبٍ وابن سلمة وابن أبي سبرة. وابن أبي سلمة الذي ذكر مالك هو عبد اله عبد العزيز بن عبيد الله ابن أبي سلمة الماجَشون، ومات ببغداد سنة ستين ومئة، ودُفن في مقابر قريش. هكذا ذكر الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازيُّ في " طبقات الفقهاء ". ومات ابن أبي ذيب بالكوفة. قال أحمد بن حنبل: مات سنة تسع
وخمسين ومئة. وهو ابن سبعٍ وسبعين سنةً. وقال ابن أبي فُديك: مات سنة ثمان وخمسين ومئة. ومنهم أبو سَبرة بن أبي رُهم بن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد وُدَّ بن نصر بن مَلد بن حسل بن عامر بن لؤي: هاجر الهجرتين جميعاً، وكانت معه في الهجرة الثانية في قول ابن إسحاق والواقديِّ امرأته أمُّ كلثوم بنت سُهيل بن عمرو. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سَلمة بن سلامة بن وقش بن زُغبة بن زعُوراء بن عبد الأشهل بن الحرث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أخى الخزرج. وشهد سلمة العقبة مع السبعين، ثم شهد بدراً. وهو القائل للأعرابي الذي لقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو بِعرق الظُّبية سائراً إلى بدر، وقال له: إن كنت رسول الله فأخبرني عمَّا في بطن ناقتي هذه. لا تسأل رسول الله، وأقبل عليَّ فأنا أُخبرك بذلك..نزوت عليها، ففي بطنك منها نغلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَه فَحَشتَ على الرجل ". ثم أعرض عن سلمة. ورضي اله عن سلمة فإنه من البدريين الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم لعمر بن الخطاب لمَّا قال في شأن حاطب بن أبي بلتعة اللخميِّ ما قال: " وما يُدريك يا عمر؟ لعلَّ الله اطَّلع على أصحاب بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم ". وشهد أبو سبرة بن أبي رُهم بدراً وأحداً والمشاهد كلَّها مع النبي عليه السلام. وامُّه بَرَّة بنت عبد المطلب، فهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد لأمِّه. وتثفي ابو سبرة في خلافة عثمان رضي الله عنهما. ومن ولده الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة. وكان يُفتى بالمدينة مع مالك. وولى القضاء لأبي جعفر. وولي قضاء موسى الهادي بن المهدي، وهو وليُّ عهد فلما مات استُقضيَ أبو يوسف مكانه. وقال أبو بكر: قال
لي ابن جُريج: اكتب لي أحاديث من أحاديثك جياداً. فكتبتُ له ألف حديث، ودفعتها إليه، ما قراها عليَّ، ولا قرأتُها عليه. ومات أبو بكر سنة اثنتين وستين ومئة، وهو ابن ستين سنةً. ومن بني عامر بن لؤي عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحرث بن حبيب بن جِزيمة بن حسل بن عامر بن لؤي، يُكنى أبا يحيى. قال ابن الكلبي في نسبه: حبيب بن جَزيمة بالتخفيف. وقال محمد بن حبيب: وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتدَّ مشركاً، وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أَصرف محمداً حيث أريد، كان يُملي عليَّ: عزيز حكيم، فأقول: أو عليم حكيم؟ فيقول: " نعم، كلٌّ صواب ". وأمر النبيُّ عليه السلام بقتله يوم الفتح ففرَّ إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، فَغَيَّبه عنده، واستأمن له عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأنَّ أهل مكة، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال: " نعم ". فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما صمتُّ إلا ليقوم إليه أحدٌ فيضرب عنقه ". فقال رجل من الأنصار: فهلاَّ أومأت إليَّ يا رسول الله؟ فقال: " إن النبيَّ لا ينبغي أن تكون له خائنةُ الأعين ". وحسُن إسلامُه بعد ذلك، ولم يُر منه شيء يُنكر عليه. وهو أحد النُّجباء العقلاء الكرماء من قريش. ثم ولاَّه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين. وافتتح إفريقيَّة سنة سبع وعشرين. وكان فارس بني عامر بن لؤي. ولم يبايع لعليٍّ ولا لمعاوية. وكانت وفاته قبل اجتماع الناس على معاوية، فارّاً من الفتنة بعسقلان سنة ستٍ وثلاثين، دعا ربَّه فقال: اللهمَ اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح. فقبض الله روحه حين سلَّم من صلاة الصبح. ذكر ذلك يزيد بن أبي حبيب وغيره. وولدُهّ عِياض بن عبد الله خرَّج عنه مالك ومسلم وغيرهما. وكان من جلّة التابعين. ونصُّ ما عنه في الموطأ: مالك عن يزيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله ابن أبي سرح العامريِّ أنه سمع أبا سعيد الخُدريَّ يقول: كنا نُخرجُ زكاة
الفطر صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقِطٍ أو صاعاً من زبيب، وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج هذا الحديث مسلم عن يحيى بن يحيى التَّميمي، عن مالك بلفظه، ولم يَذكر فيه: وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. وابنه زيدُ بن عِياض: روى عن أبي سعيد الخُدريِّ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قال: " بلى ". قال: " فذلك من نقصان عقلها ". خرَّج هذا الحديث البخاريُّ، ورواه عن زيد بن عياض محمد بن جعفر.. ومنهم بُسرُ بن أَرطأة بن أبي أرطأة عُويمر بن عمران بن الحُليس بن يسار بن نزار بن مَعيص بن عامر بن لؤي، يكنى أبا عبد الرحمن. قُبض النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير. واستعمله معاوية على اليمن أيام صفِّين، وكان عليها عُبيد الله بن العباس لعلي. فهرب عُبيد اله حين أحسَّ ببُسر، ونزلها بسر فقضى فيها القضية الشَّنعاء، بذبحه صَبيِّين صغيرين لعبيد الله بن عباس، ويأتي ذكرهما بعد عند ذكر آل أبي طالب، وهناك أذكر من خبر بسر ما يجب. ومنهم عمرو بن عبد وُدِّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وكان من أبطال مشركي قريش. قتله عليُّ بن أبي طالب يوم الخندق مُبارزة. وقال لمَّا قتله: نصر الحجارةَ من سَفاهةِ رأيهِ ... ونَصرتُ دين محمدٍ بضرابِ وصَددْتُ حين تركتهُ متجدِّلاً ... كالجِذع بين دَكادِكٍ وروابِ
وعففت عن أثوابه ولو انَّني ... كنت المقطَّر بذَّني أثوابي ولا تحسبنَّ الله خاذل دينه ... ونبيِّه يا معشر الأَحزاب وأمَّا أسامة بن لؤي: فخرج إلى عُمان، وكان بها. ويزعمون أنَّ عامر بن لؤي أخرجه، وذلك أنه كان بينهما شيءٌ. ففقأ سامة عين عامر، فأخافه عامر، فخرج إلى عُمان. فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع. فأخذت حيةً بمشرفها فهصرتها حتى وقعت الناقة لِششقِّها، ثم نهشت سامة فقتلته، فقال سامة حين أحسَّ بالموت، فيما يزعمون، من قصيدةٍ: بلِّغا عامراً وكعباً رسولاً ... أنَّ نفسي إليهما مُشتاقه إن تكن في عُمان داري فإني ... غالبيٌّ خرجت من غير فاقه ربَّ كأس هرقت يا بن لؤيٍّ ... حذر الموت، لم تكن مُهراقه رُمت دفع الحتوف يا بن لؤيٍّ ... ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه قال ابن هشام: وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى سامة بن لؤي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آلشاعر؟ ". فقال له بعض أصحابه: كانَّك يا رسول الله أردت قوله: ربَّ كأسٍ هَرقت يا بن لؤيٍّ ... حذرَ الموت، لم تكن مُهراقَه قال: " أجل ".
ومن موالي بني عامر بن لؤي هلال بن علي بن سامة بن أبي ميمونة. ومن قال فيه: هلال بن " سامة " نسبه إلى جده. وكذلك من قال فيه: هلال بن أبي ميمونة نسبه إلى جدّه. لمالكٍ عته في الموطأ حديث واحد اختصره من حديثه الطويل عن عطاء بن ... عن عُمر بن الحكم في الجارية. ... يعرفون أيضاً بأمهم ناجيةً بنت جُرم بن ربَّان من قضاعة. ويقال للرجل منهم: " ناجي ". منهم أبو المتوكل عليُّ بن داود الناجي وأبو الصديق بكر بن عمر الناجي: وكلاهما من التابعين. روى أبو المتوكل عن ابن عباس وأبي سعيد الخُدري، وروى عنه الوليد بن محمد الموقَّريُّ. وكانت ناجية بنت جُرم بن ربَّان تحت سامة بن لؤي. فولدت له غالب بن سامة. ثم هلك عنها فخلف عليها الحارث بن سامة ابنه. ومن بني سامة بن لؤي أبو أحمد عَريرة البرند. وأمَّا عوف بن لؤي: فشاع نسبه في ذُبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان بن مُضر إذ آخاه ثَعلبة بن سعد بد ذبيان حين أُبطيء به بأرض غطفان وهو في ركب قريش. فانطلق من كان معه من قومه. فأتاه ثعلبة بن سعد، وهو أخوه في نسب بني ذبيان، ثعلبة بن سعد ابن ذبيان، وعوف بن سعد بن ذبيان، فزوَّجه والتاطه وآخاه. فولد عوف بن لؤي حقاً، وبالإِخاء عوف بن سعد مُرَّة بن عوف: وإليه ينتسب المُرِّبون من غطفان. منهم الحارث بن عوف بن سنانٍ، أبو أسماء. وهو صاحب الحمالة في حرب داحس. وكان الحارث أحد رؤساء المشركين يوم الأحزاب، ثم أسلم بعد ذلك، فحسُن إسلامُه.
ومنهم الحُصين بن الحمام. وهو القائل حين انتمى إلى قريش، وأكذب نفسه في انتمائه إلى غطفان: ندمت على قول مضى كنت قلته ... تبيَّنت فيه أنه قول كاذب فليت لساني كان نصفين منهما ... بكيم ونصف عند مجرى الكواكب أبونا كنانيٌّ بمكة قبره ... بمعتلج البطحاء بين الأَخاشب لنا الرُّبع من بيت الحرام وراثةً ... وربع البطحاء عند دار ابن حاطب يعني أن بني لؤي كانوا أربعةً: كعب، وعامر، وسامة، وعوف. قال أبو حاتم الرازيُّ: ومن ولد الحصين بن الحمام أبو ثفال ثُمامة بن وائل بن حصين بن حمام الشاعر. وقال مسلم: روى عن رباح بن عبد الرحمن، وروى عنه عبدُ العزيز بن محمد وعبدُ الله بن جعفر. ونسبه مسلم إلى جدِّه فقال: أبو ثفال المرِّيُّ ثمامة بن الحُصين الشاعر. ومنهم هرم بن سنان بن أبي حارثة: الجواد الذي كان يمدحه زهير بن أبي سُلمى. وفيه يقول من كلمة له: إنَّ البخيل ملوم حيث كان ولا ... كِنَّ الجواد على علاَّته هرم
وأخوه خارجة بن سنان: بقير غطفان، استُخرج من بطن أمه بعدما هلكت. وهاشم بن حَرملة: وهو الذي يقول فيه عامر الخصفيُّ بن قيس بن عيلان: أحيا أباه هاشم بن حرمله يومَ الهباءات ويوم اليعمله ترى الملوك عندهُ مُغربله يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له وقال الكُميت بن زيد فيه من قصيدةٍ له كبيرةٍ شهيرةٍ: وهاشمُ مُرَّة المُفنى ملوكً ... بلا ذنبٍ إليه ومُذنِبينا ومنهم الحارث بن ظالم الذي يقال فيه: أمنع من الحارث. وهو القائل حين هرب النعمان بن المنذر، ولحق بقريشٍ: فما قومي بثعلبة بن سعدٍ ... ولا بفزارةَ الشُّعُر الرِّقابا وقومي، إن سألت، بنو لؤيٍّ ... بمكة علَّموا مُضر الضِّرابا
سَفِهنا باتِّباع بني بغيض ... وترك الأقربين لنا انتسبابا سفاهة مُخلف لمَّا تروَّى ... هراق الماء واتَّبع السَّرابا ومنهم أرطأة بن سُهيَّة، وشبيب بن البرصاء، وابن ميَّادة الشاعر وعثمان بن حَيَّان، وكان خاصَّاً ببني أمية، وولى المدينة في أيام أبي جعفر. وله يقول بن ميَّادة: أمرتك يا رياحُ بأمر حَزمٍ ... فقلت: هشيمةٌ من آل نَجدِ نهيتُك عن رجالٍ من قريشٍ ... على محبوكة الأصلاب جُردِ وقصة أبيه عثمان بن حيَّان مع ابن أبي عتيق وسَلامة الزرقاء حين وَلي المدينة وحرَّم الغناء بها مشهور. ومنهم مُسلم بن عُقبة: صاحب الحرَّة، أبعده الله. وعقيل بن عُلَّفة: وكان عقيل من الغيرة والأنفة على ما ليس عليه أخذ علم من أشراف العرب. وخطب إليه عبدُ الملك بن مروان ابنته على أحد بنيه. وكانت لعقيل إليه حاجات فقال له: أمَّا إذا كنت فاعلاً فجنِّبني هُجناءك. وخطب إليه ابنتهُ
إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزوميُّ، وهو خال هشام بن عبد الملك، وكان والي المدينة، وكان أبيض شديد البياض، وهو الذي هجاه العَرجيُّ، فردَّه عقيل وقال: رددت صحيفة القرشيِّ لمَّا ... أبت أعراقهُ إلا احمرارا وعقيل هو القائل من غَيرته: إني وإنْ سِيق إليَّ المَهرُ أَلفٌ وعُبدانٌ وذودٌ عَشرُ أَحبُّ أصهاري إليَّ القبرُ وبنو مُرَّة بن عوف كان لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلِّها، فأقاموا على نسبهم في غطفان. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مُدَّعياً حياً من العرب، أو ملحِقَهم بنا لادَّعيت بني مُرَّة بن عوف. إنا لنعرف منهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيثُ وقع. وبنو مرة يقولون: إذا ذُكر لهم هذا النسب لا نُنكرُهُ ولا نَجحده، وإنه لأحب النسب إلينا. وفي بني مُرَّة بن عوف كان البَسل قاله ابن إسحاق. والبسلُ فيما يزعمون: ثمانية أشهر حُرم لهم في كل سنة من بين العرب. قد عَرفت ذلك لهم العربُ، لا يُنكرونه ولا يدفعونه، يسيرون به إلى أيَّ بلاد العرب شاؤوا، ولا يخافون منهم شيئاً. قال زهير بن أبي سُلمى يعني بني مُرَّة: تأمَّل فإنْ تُقو المروراةُ منهم ... وداراتُها لا يُقو منهم إذاً نخلُ
بلاد بها نادمتُهُمْ وألِفْتهم ... فإنْ تُقويا منهم فإنَّهمُ بَسْلُ غالب بن فهر: وولد غالب لؤياً، وقد مضى ذكره، وتيماً. ويقال لولده: بنو الأَدْرم، وهم أعراب قريش ليس بمكة منهم أحدٌ. وفيهم يقول الشاعر: إنَّ بني الأدرم ليسوا من أحد ولا توفَّاهم قريش في العَدَدْ وأمُّ لؤي وتيم ابني غالب سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعيِّ. فمن بني تيم بن غالب عبد الله بن خطل: وهو الذي أمر بقتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو متعلق بأستار الكعبة. وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلماً. فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصدِّقاً، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولَّى له يخدمه، وكان مسلماً. فنزل منزلاً، وأمر المولى أن يذبح له تيساً، فيصنع له طعاماً، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله، ثم ارتدَّ مشركاً. وكانت له قَينتان: فَرْتَنى وصاحبتها، وكانتا تُغنِّيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمر بقتلهما معه. فقُتلت إحداهما، وهربت الأخرى حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ، فأَمَّنها. ثم بقيت حتى أوطأها رجلُ من الناس فرساً في في زمن عمر بن الخطاب، فقتلها. وفي كتاب الحج من الموطأ في شأن ابن خطل ما نصُّه: مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المِغْفَر فلما نزعه جاء رجلُ فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتلوه ". قال مالك: قال ابن شهاب: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مُحرماً. وقتل عبد الله بن خطلٍ سعيد بن حُريث المخزومي وأبو برزة الأسلميُّ، اشتركا في دمهِ.
فهر بن مالك: قال مصعب بن عبد الله الزبيريُّ: كلُّ من لم ينتسب إلى فهر فليس بقرشيٍّ. وقال عليٌّ بن كيسان: فهر هو أبو قريش. ومن لم يكن من ولد فهر فليس بقُرشي. وهذا أصحُّ الأقاويل في النسبة لا في المعنى الذي من أجله سُميت قريش قريشاً. والدليل على صحة هذا القول أنَّا لا نعلم اليوم قرشياً في شيءٍ من كتب أهل النسب ينتسب إلى أبٍ فوق فهرٍ، فهو دون لقاء فهرٍ. ولذلك قال مصعب وابن كيسان والزبير بن بكارٍ، وهم أعلم الناس بهذا الشأن، وأوثقُ من ينسبُ علم ذلك إليه: إنَّ فهر بن مالك جِماعُ قريش كلِّها بأَسرها. وقال آخرون: أهل قريش النَّضر بن كنانة. وحجَّتهم في ذلك حديث الأشعث بن قيس الكِنديِّ: قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة، فقلتُ: ألستم منا يا رسول الله؟ فقال: " لا، نحنُ بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أُمَّنا ولا ننتفي من أبينا ". ذكر هذا أبو عمر بن عبد البرِّ في الإنباه. وذكر أبو نعيم الحافظ في الرياضة عن الأشعث بن قيس قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من كندة لا يَروني أفضلهم. قال فقلت: يا رسول الله إنا نَزعم أنك منا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " نحن بنو النَّضر ابن كنانة، لا نقفو أمَّنا ولا ننتفي من أبينا ". قال أشعث: والله لا أسمع أحداً نفى قريشاً من النَّضر بن كنانة إلا جَلدته. وكلُّهم مجتهد مصيب إن شاء اللهُ. ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الأئمة من قريش ". وقال صلى الله عليه وسلم: " قَدَِموا قريشاً ولا تَقَدَّمُوها ". وقال عليه السلام، لما قَتل الحارث بن كَلَدة: " لا يُقتل قُرشيُّ صبراً بعد هذا اليوم ". يريد أنه لا يكفر قرشيٌّ بعد هذا اليوم فيُقتل صبراً. وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: " قريش الجُؤجؤ والعرب الجَناحان. والجؤجؤ لا ينهض إلا بالجناحين ". وروى الحسن عن
الأحنف بن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قريش رؤوس الناس، ليس أحدٌ منهم يدخل من باب إلا دخل منه طائفة من الناس. وقريشٌ: قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين سبق لهم الفضل من الله. قال الله عزَّ وجلَّ:) وإنه لَذِكرٌ لك ولقومِكَ (. ويقال: قريش عمارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنانةُ قبيلته، وعبدُ مناف بطنه. وكانت قريش تدْعي النضر بن كنانة. وكانوا متفرقين في بني كنانة، فجمعهم قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر من كل أوب إلى البيت، فسُمُّوا قريشاً، والتقرُّش: التجمُّع. قال أبو عبد الله أحمد بن محمد العدويُّ القشيُّ: التجمُّع: أصح ما فيه عندنا. وقال غيره: الدليل على ذلك قولُ أبي جلدة اليَشْكُريَّ: إخوة قرَّشُوا الذُّنوب علبنا ... في حديثٍ من عهدِنا وقديم ولذلك سُمي قصيُّ بن كلاب مُجمِّعاً. قال حبيبُ بن أوسٍ الطائي يرثى بعض الأشراف: غَدوا في زوايا نَعشهِ وكأنما ... قريشٌ قريشٌ يوم مات مُجمِّع يريد بمجمِّع قصياً، وهو بني المشعر الحرام. وكان يُسرجُ عليه أيام الحج، فسماه الله عزَّ وجل مشعراً، وأمر بالوقوف عنده. قال الله تعالى:) فاذكروا الله عند المشعر الحرام (. وإنما جَمعَ قصيٌّ إلى مكة بني فهر بن مالك. فجدُّ قريشٍ كلِّها فهرُ بن مالك. فما دونهُ قريش، وما فوقه عرب مثلُ كنانةَ وأسدٍ
وغيرها من قبائل مُضر. وأما قبائل قريش فإنما تنتهي إلى فهر بن مالك، لا تجاوزه. وكانت قريش تسمى " آل الله " و " جيران الله " و " سكان حرم الله ". وفي ذلك يقول المطلب بن هاشم: نحنُ آلُ في ذمَّته ... لم يزل ذاك على عهدٍ قِدم إنَّ للبيت لَرَباً مانعاً ... من يُرِدْهُ بآثامٍ يُخْتَرَم لم تَزل لله فينا حُرمةٌ ... يدفعُ اللهُ بها عنا النِّقم واستعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نافع بن عبد الحرث الخزاعيَّ عل مكة، وفيهم سادة قريش. فخرج نافع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزي. فقال له عمر: استخلف على آل الله مولاك. فعزلهُ، وولى خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي. وكان نافع بن عبد الحرث من فضلاء الصحابة. قيل: إنه أسلم يوم الفتح، وأقام بمكة ولم يهاجر. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وغيرُه. ومولاه عبدُ الرحمن بن أَبْزَي أدرك النبيَّ عليه السلام، وصلى خلفه. وأكثرُ روايته عن عمر وأُبَيِّ بن كعب. وقال فيه عمر بن الخطاب: عبدُ الرحمن بن أَبزَي ممن رفعه الله بالقرآن. روى عنه ابناه: سعيد وعبد الله ومحمد بن أبي المُجالد. قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبيُّ: تسميةُ من انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية، فوصلهُ بالإسلام عشرةُ رهطٍ من عشرة أَبطُنٍ، وهم: هاشم، وأمية، ونوفل، وعبد الدار، وأسد، وتيم، ومخزوم، وعديٌّ، وجُمح، وسهم. فكان من هاشم العباسُ بن عبد المطلب يسقي الحجاج في الجاهلية. وبقي ذلك له في الإسلام. ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب كانت عنده " العُقاب "؛ راية قريش. وإذا كانت عند رجل أخرجَها إذا حَميت الحربُ. فإن اجتمعت قريش على أحدٍ أعطوهُ العُقاب، وإن لم يجتمعوا على أحدٍ رأسوا صاحبها وقدَّموه.
ومن بني نوفل الحارث بن عامر: وكانت إليه الرِّفادة، وهي ما كانت تُخرجُه من أموالها، وتُرفدُ به مُنقطعي الحاجِّ. ومن بني عبد الدار عثمان بن طلحة: كان إليه اللواء والسِّدانة مع الحجابة. ويقال: والندوةُ أيضاً في بني عبد الدار. ومن بني يزيد بن زمعة بن الأسود: وكانت إليه المشورة، وذلك أن رؤساء قريش لم يكونوا يُجمعون على أمرٍ حتى يعرضوه عليه، فإن وافقه ومالأهم عليه، وإلا تَخَيَّروا، وكانوا له أعواناً. واستشهد مع رسول الله بالطائف. ومن بني تيم أبو بكر الصديق: وكانت إليه الأشناقُ في الجاهلية، وهي الدِّيات والمضغْرمُ. فكان إذا احتمل شيئاً يسأل فيه قُريشاً صدَّقوه وأمضوا حمالة من نهض معهن وإن حملها غيره خذلوه. ومن بني مخزوم خالد بن الوليد: وكانت إليه القُبَّةُ والأَعنَّةُ. فأما القبةُ فإنهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يُجهِّزون به الجيش. وأما الأعنَّة فإنه كان يكون على خيل قريش في الحرب. ومن بني عديٍّ عمر بن الخطاب: وكانت إليه السِّفارةُ في الجاهلية، وكانت إذا وقعت بين قريش وغيرهم مُنازعةٌ بعثوه سفيراً، وإن نافَرهم حيٌّ لمفاخرةٍ بعثوهُ مُنافراً ورَضُوا بهِ. ومن بني جُمح صفوان بن أمية: وكانت إليه الأيسار، وهي الأزلام. كان لا يُسبق بأمرٍ عامٍ حتى يكون هو الذي يجري تيسيره على يديه. ومن بني سهم الحارث بن قيس: وكانت إليه الحكومةُ والأموالُ المُحجَّرة، التي سمَّوها لآلتهم. فهذه مكارم قريش التي كانت في الجاهلية، وهي: السِّقاية، والعمارة، والعُقاب، والرِّفادة، والسِّدانة، والحجابة، والنَّدوة، واللواء، والمشُورة، والأشناق،
والقُبَّة، والسِّفارة، والأيسار، والحكومة، والأموال المحجَّرة. إلى هؤلاء العشرة من هذه البطون العشرة على حال ما كانت في أوَّليَّتهم يتوارثون ذلك كابراً عن كابر، فقام الإسلام فوصل ذلك لهم، وكذلك كل شرف من شرف الجاهلية، أدركه الإسلام. وكانت سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وحُلوانُ النفر في بني هاشم. فأما السقاية فمعروفةٌ. وأما العمارة فهو ألا يتكلم أحد في المسجد الحرام بهُجر ولا رَفث، ولا يُرفع فيه صوت، كان العباس ينهاهم عن ذلك. وأما حُلوان النَّفر فإن العرب لم تكن تملِّكُ عليها في الجاهلية أحداً، فإذا كانت حرب أقرعوا بين أهل الرياسة. فمن خرجت عليه القرعةُ أحضروه صغيراً كان أو كبيراً. فلما الفِجَار أقرعوأ بين بني هاشمٍ " فخرج سهمُ العباس وهو صغير فأجلسوه على التُّرس. قال المؤلف، وفَّقه الله لإِرشاد، وتولاَّه بما تولَّى به الصالحين من عباده. المسلمون من العَشرة الذين ذكرهم ابنُ الكلبي هشام، وانتهى إليهم الشرف في قريش ثمانية: العباسُ بن عبد المطلب الهاشميُّ، وأبو سفيان بن حرب الأُمويُّ، وعثمان بن طلحة العبدريُّ، ويزيد بن زمعة الأسدي، وأبو بكر الصدِّيق التَّيميُّ، وخالد بن الوليد المخزوميُّ، وعمر بن الخطاب العَدَويُّ، وصفوان بن أمية الجمحيُّ. والاثنان الباقيان ماتا مشركين، وهما: الحرثُ بن عامر بن نوفل بن عبد مناف النَّوفليُّ. والثاني الحرث بن قيس بن عديِّ بن سهمٍ السَّهميُّ. فأما الحرث بن عامر النَّوفليُّ فهو من أهل قليب بدر، قتله خُبيب بن إساف الخزرجيُّ. وأما الحرثُ بن قيس بن عدي السهميُّ فكان أحد المستهزئين الذين جعلوا القرآن عِضين، وهو الذي يقال له ابن الغيلطة، وهي أمُّه وإليها يُنسب ولدُها. فيقال لهم الغياطل، وهي من بني كنانة. وأبوه قيس بن عدي، وهو جدُّ عبد الله بن الزِّبعري الأقرب. كان في زمانه من أجلِّ قريش رجلاً، وهو الذي جمع الأحلاف على بني عبد مناف. والأحلف: عدي ومخروم وسهم وجُمح.
وبنو الحرث بن قيس تسعةٌ، منهم ثمانية مسلمون، وهم: تميمٌ وبشرٌ وسعيدٌ وعبد الله ومَعمر وأبو قيس والسائب والحارث. والتاسع الحجاج بن الحرث، أُسر يوم بدر ومات كافراً. وهاجر الثمانية كلُّهم إلى أرض الحبشةِ. ولم يذكر ابن إسحاق أحداً منهم في من شهد بدراً. واستشهد تميم يوم أجنادين، وقُتل عبد الله منهم يوم الطائف شهيداً. والسائب جُرح يوم الطائف، واستشهد يوم فحل بالشام. وقيل إنَّ السائب استُشهد مع أخيه عبد الله بالطائف، كذا قال الزبير بن بكار وطائفةُ. وقد قيل: إن عبد الله قُتل باليمامة شهيداً مع أخيه أبى قيس بن الحرث، فالله أعلمُ. ويقال لعبد الله بن الحارث هذا " المُبْرِق "، لبيت قاله في قصيدة، هو: إذا أنا لم أُبرِق فلا يَسَعنَّني ... من الأرض برٌّ ذو فضاءِ ولا بحر وفيها يقول: وتلكم قريشٌ تجحدُ الله ربَّها ... كما جحدت عادٌ ومَدينُ والحِجْرُ وقال أبو إسماعيل محمد بن عبد الله الأزديُّ البصريُّ في كتاب فتوح الشام له: استُشهد سعيد بن الحرث والحارث بن الحرث يوم فَحلٍ. ومن مناقب قريش ما ذكر مسلم في الصحيح فقال: حدَّثنا محمد بن رافع قال: نا عبد الرزاق قال: نا معمر عن همَّام بن مُنبِّه قال: هذا ما حدَّثنا أبو هُريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناسُ تَبعٌ لقريش في هذا الشأن؛ مُسلمُهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم ". قال مسلم: وحدثني يحيى بن حبيب الحارثيُّ قال: نا روح، قال: نا ابن جُريج، قال حدثني أبو الزُّبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " الناس تبَعٌ لقريش في الخير والشر ". وقال أيضاً: حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: نا عاصم بن محمدٍ عن أبيه قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا
يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ". وخرَّج البخاريُّ هذا الحديث بسنده ولفظه. وقال البخاري: حدّثنا أبو اليمان: نا شُعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جُبير بن مُطعم يُحدِّث أنه بلغ معاوية - وهو عنده في وفدٍ من قريش - أن عبد الله بن عمر يحدّث أنه سيكون ملك من قحطان. فغضب، فقام، فأثني على الله بما هو أهلُه ثم قال: أما بعدُ، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدِّثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تُؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذا الأمر في قريش لا يُعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين ". وولد فهر غالباً وقد مضى ذِكره، والحارث، ومُحارباً وأمُّهم ليلى بنت سعد بن هُذيل بن مُدركة. قال ابن هشام: وجَندلةُ بنت فهر: وهي امُّ يربوع ابن حنظلة، وأمُّها أمُّ الحارث ومحارب. وفيها يقول جرير بن عطية الخطفيُّ الكُليبيُّ اليربوعيُّ من آخر قصيدة طويلة، يفخر فيها ويناقض الفرزدق: إني إلى جبلي تَميم مَعقلي ... ومَحلُّ بيتي في اليفاع الأطولِ أحلامنا تزن الجبال رزانة ... ويفوق جاهلنا فَعال الجُهَّل وإذا غَضبتُ رمى ورائي بالحصى ... أبناء جَندلةٍ كخيرِ الجندلِ وأمُّ فهر جندلةُ بنت الحارث بن مِضاضٍ الجُرْهُميِّ، وليس بابن مِضاضٍ الأكبر.
فمن بني الحارث بن فهر: أبو عبيدة بن الجراح الأمين رضي الله عنه، وسهل، وسهيل، وصفوان، بنو بيضاء: وهي أمُّهم غَلبت على اسمهم فنُسبوا إليها. واسمها دعد بنت جدم بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر. وأبوهم وهب بن ربيعة بن هلال بن أُهيب بن ضبَّة بن الحرث بن فهر. وشهد سُهيل وصفوان بدراً. واستشهد صفوان يومئذ، قتله طُعيمة بن عدي النَّوفليُّ أخو المُطعم وعمُّ جُبير. فأما سهل فماتا بالمدينة، وصلى عليهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المسجد. مسلم: حدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع، واللفظ لابن رافع قالا: نا ابن أبي فديك: أرنا الضحاك يعني ابن عثمان عن أبي النَّضر، عن أبي سَلمة بن عبد الرحمن أن عائشة لما توفِّي سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجد حتى أُصلي عليه. فأُنكر ذلك عليها. فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنَيْ بيضاء في المسجد: سُهيل وأخيه. وقالت عائشة في الحديث الذي قبل هذا، ورواية عنها عَبَّادُ بن عبد الله بن الزُّبير: ما أسرع الناس أن يعيبوا مالا علم لهم به! عابوا علينا أن يُمرَّ بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد، واخرج الحديث مالك في الموطأ عن عائشة وذكرت سُهيلاً وحده. وابنا عمِّهما لحَّا عمرو بن أبي سرح بن ربيعة ووهب بن أبي سرح: كانا من مُهاجرة الحبشة. وشهدا جميعاً بدراً. هكذا قال موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق: عمرو بن أبي سرح. وكذلك قال هشام بن محمد الكلبي. وقال الطبريُّ عن الواقديُّ وأبي مَعشر: هو مَعمر بن أبي سرح. وقالا شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بالمدينة سنة ثلاثين في خلافة عثمان.
ومنهم عياض بن زهير بن أبي شدَّاد بن ربيعة بن هلال بن وهيب بن ضبَّة بن الحرث بن فهر: يكنى أبا سعد، وكان من مهاجرة الحبشة، وشهد بدراً. ذكره إبراهيم بن سعد ابن إسحاق في البدريين، وذكره ابن عقبة وخليفة والواقديُّ في البدريين. وتوفي بالشام سنة ثلاثين. وهو معروف في الفتوحات بالشام. وابن أخيه عياض بن غنم بن زهير: أسلم قبل الحديبية، وشهدها فيما ذكر الواقديُّ. وكان ربيب أبي عبيدة بن الجراح؛ ابن امرأته. ولما مات أبو عبيدة استخلف عياض بن غنم على الشام، فأقره عمر. وقال: ما أنا بمبدِّل أميراً أمره أبو عبيدة. ثم توفي عياض، فأمر عمر مكانه سعيد بن عامر بن حِذيم الجُمحيَّ. وعياض بن غنم افتتح عامة بلاد الجزيرة والرَّقَّة وصالحه وجوه أهلها، وهو أول من أجاز الدرب إلى الروم، فيما ذكر الزُّبير. وكان شريفاً في قومه. وقد ذكره ابن الرُّقَيَّات فيمن ذكر من أشراف قريش، فقال: وعياض وما عياض بن غنمٍ ... كان من خير من أَجَنَّ النساءُ ومات عياض بن غنم بالشام سنة عشرين، وهو ابن ستين سنةً. وقال ابن المدينيِّ: عياض بن غنم كان أحد الولاة باليرموك. ومن بني مُحارب بن فهر ضرار بن الخطاب بن مرداس بن كبير بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر: كان أبوه الخطَّاب بن مرداس رئيس بني فهر في زمانه. وكان يأخذ المِرباع لقومه. وكان ضرار بن الخطاب يوم الفجار على بني محارب بن فهر. وكان من فرسان قريش وشجعانهم وشعرائهم المطبوعين
المجوِّدين. وهو أحد الذين وثبوا الخندق. قال الزُّبير بن بكار: وكانت قريش تقدِّمه على ابن الزِّبعري، لأنه أقلُّ سقطاً منه، وأحسن صنعةً. وهو القائل يستعطف النبيَّ عليه السلام يوم الفتح حين قال سعد بن عبادة: اليوم يوم المَلحمَة: يانبيَّ الهُدى إليك لَجا حي ... يُ قريش، ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهمُ إله السماء والتقت حَلقتا البِطان على القو ... مِ ونُودوا بالصَّيلم الصَّلعاء إنَّ سعداً يريد قاصمة الظَّه ... ر بأهل الحُجون والبطحاءِ خَزرجيٌّ لو يستطيع من الغي ... ظِ رَمانا بالنَّسر والعوَّاءِ وغرُ الصَّدر لا يَهمُّ بشيءٍ ... غير سفك الدِّما وسبي النساءِ قد تَلظَّى على البطاحِ وجاءت ... عنه هند بالسَّوءةِ السَّوآءِ إذ ينادي بذلِّ حيِّ قريشٍ ... وابنُ حربٍ بذا من الشُّهداءِ
فأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الراية من يد سعد بن عبادة، وجعلها في يد ابنه قيس بن سعد لئلاَّ يجد في نفسه سعد شيئاً. وقيل: إنه أعطى الزُّبير الراية إذ نزعها من سعدٍ. وقيل: إنه أمر علياً فأخذ الراية، فذهب بها حتى دخل مكة، فغرزها عند الركن. وقال ضرارُ بن الخطاب يوماً لأبي بكرٍ الصديق: نحن كنا لقريش خيراً منكم، أدخلناهمُ الجنة، وأوردتُموهمُ النارَ. واختلف الأوس والخزرج فيمن كان أشجع يوم أحدٍ، فمرَّ بهم ضرار بن الخطاب، فقالوا: هذا شَهدها، وهو عالمٌ بها. فبعثوا إليه فتىً منهم، فسأله عن ذلك فقال: لا أدري ما أوسُكم من خزرجكم، ولكني زوَّجت يوم أحدٍ منكم أحد عشر رجلاً من الحر العين. ومنهم عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري: وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تصحُّ له صحبة. وكان أبن خالة عمرو بن العاصي. ولاَّه عمرو بن العاصي إفريقية، وهو على مصر. وهو اختطَّ القيروان، وافتتح عامَّة بلاد البربر. وقُتل عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين، بعد أن غزا السوس الأقصى. قتله كَسيلة بن لمزم الأورنبي. وكان كسيلة نصرانياً، ثم قُتل كسيلة في ذلك العام أو في العام الذي يليه. قتله زُهير بن قيس البَلويُّ. ويقال: إن عقبة بن نافع كان مستجاب الدعوة. ومنهم الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثِلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر: يكنى أبا أُنيس. وقيل: أبو عبد الرحمن، قاله خليفة بن خياط. والأولُ قولُ الواقديِّ، ولا يصحُّ سماعه من النبي عليه السلام. قيل: إنه وُلد قبل وفاة رسول الله عليه السلام بسبع سنين أو نحوها.
وكان على شُرطة معاوية، ثم صار عاملاً له على الكوفة بعد زياد، وولاه عليها معاوية سنة ثلاثٍ وخمسين، وعزله سنة سبع وخمسين. وولى مكانه عبد الرحمن بن أمُّ الحكم، وضمَّه إلى الشام. فكان معه حتى مات معاوية، فصلى عليه، وقام بخلافته حتى قدم يزيد بن معاوية. فكان معه إلى أن مات يزيدُ، ومات بعده ابنه معاوية بن يزيد. ووثب مروان بن الحكم على بعض الشام، فبُويع له. وبايع الضحاك بن قيس أكثر أهل الشام لابن الزُّبير، ودعا له فاقتتلوا، فقُتل الضحاك بن قيس، وذلك بمرج راهط. وكان يوم المرج للنصف من ذي الحجة سنة أربع وستين. روى عنه الحسن البصري، وتميم بن طرفة، وميمون بن مهران، وسماك بن حرب. فحديث الحسن عنه في الفتن، وحديث تميم عنه في ذمِّ الرياء وإخلاص العمل لله. وأخته فاطمة بنت قيس: يقال إنها كانت أكبر منه بعشر سنين، وهي من المهاجرات الأوَل. وكانت ذات جمال وعقل وكمال. وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب، وخطبوا خطبتهم المأثور. وقال الزُّبير: وكانت امرأةً نجوداً. والنَّجود: النبيلة. وكانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. وقيل: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن المغيرة، فطلقها باليمن، وكان في البعث الذي سار فيه عليٌّ أميراً علىاليمن. وقال مالك: إنه طَلَّقها البتَّة، وهو غائب بالشام. ذكر ذلك عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن والحديث مشهور، ونصُّه في الموطأ: مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طَلَّقها البتَّة، وهو غائب بالشام. فأرسل إليها وكيلُه بشعير فسخطتْهُ. فقال: والله ملك علينا من شيء. فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له: فقال: " ليس لك عليه نفَقةٌ ". وأمرها أن تعتدَّ في بيت أمِّ شريكٍ. ثم
قال: " تلك امراة يغشاها أصحابي، اعتدى عند عبد الله ابن أمِّ مكتوم، فأنه رجلٌ أعمى، تَضعين ثيابك. فإذا حللتِ فآذنيني ". فلما حَللت ذكرتُ له: إن معوية بن أبي سفيان وأبا جَهم بن هشام خطباني. فقال رسول الله صلى عليه وسلم: " أما أبو جهمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصُعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد ". قالت: فكرهتُهُ. ثم قال: " انكحي أسامة بن زيد ". فنكحتُهُ، فجعل الله في ذلك خيراً، واغتبطتُ به. وأبو عمرو بن حفص المخزوميُّ زوج فاطمة بنت قيس هذه، المطلِّقُ لها، هو الذي كلَّم عمر بن الخطاب، وواجهه في عزله خالد بن الوليد عن حروب الشام. ذكر النَّسائيُّ قال: نا إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجانيُّ: نا وهب بن زمعة قال: نا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد قال: سمعتُ الحارث بن يزيد يحدِّث عن عليِّ بن رَباح، عن ناشرة بن سُميٍّ اليَزَنَيِّ قال: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: وأعتذِرُ إليكم من خالد بن الوليد، فإني أمرته أن يحبس هذا المال علىضعَفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس واليسار وذا الشَّرف. فنزعته وأثبتُّ أبا عبيدة بن الجَّراح. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: والله لقد نزعت غلاماً أو عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَمدت سيفاً سلَّهُ الله ووضعت لواء نصبَه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد قطعت الرحِم، وحسدت ابن العمِّ. فقال عمر: أما إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضبٌ لابن عمِّك. قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشامٍ المخزوميَّ، وكان علاَّمةً بأسمائهم عن اسم أبي عمرو هذا. فقال: اسمه أحمد. وذكر البخاريُّ هذا الخبر في التاريخ عن عبدان عن ابن المبارك باسنادٍ نحوه. وأخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجرَّدة عن الأسماء. قال المؤلف، غفر الله لهُ، وبلَّغه من رضاه أملهُ: وهب بن زَمعة الذي روى عنه إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجَانيُّ شيخ النسائي. قال مسلم عنه في الكنى: هو أبو عبد الله وهب بن زمعة التميمي المروزيُّ، سمع عبد الله بن المبارك. وقال في سعيد بن يزيد أبي شجاع الذي روى عنه ابن المبارك إنه روى عن خالد بن
أبي عمران والحارث بن يزيد. وهو الراوي عن عليَّ بن رباح. وقال مسلم: أبو موسى عليُّ بن رباح اللخميُّ سمع أبا هُريرة وعمرو بن العاصي وعقبة بن عامر روى عنه ابنُه موسى. قال القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الكنانيُّ الوَقشيُّ رحمه الله: أدخل البخاريُّ عليَّ بن رَباح هذا في باب عَليّ " مُكبَّراً ".. ويقال عُليٌّ، والصحيح على. والأشهرُ في اسمه عُلي " مُصغراً ".وقيل: كان يغضب منه ويقول: لا أجعلُ من قال عُليٌّ في حِلٍّ. وهكذا ذكرهُ الدارقطني مصغراً وكان يُلقَّب به، ويخرج على من سماه عُلياً بالتصغير. وكان اسمه علياً. وابنه موسى بن علي: وكان أيضاً يجدُ إذا قيل له: ابن عُليٍّ، بالتصغير. قال الليث بن سعدٍ: سمعت موسى بن علي يقول: من قال لي موسى بن عُلي لم أجعله في حلٍّ. وروى موسى عن أبيه عن عقبة بن عامر وأبي هُريرة. وروى عن موسى ابن مهدي ووكيع وأبو نُعيم. ومن قريش أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشيُّ: المصريُّ الفقيه. تفقَّه بمالك والليث بن سعد وعبد العزيز بن أبي حازم وابن دينار والمغيرة. وصنَّف الموطَّأ الكبير والموطَّأ الصغير. قال ابن وهب: ولدتُ سنة خمس وعشرين ومئة، وطلبتُ العلم، وأنا ابن سبع عشرة سنةً، وأدركت من أصحاب ابن شهاب أكثر من عشرين رجلاً، ورحلتُ إلى مالك سنة ثمان وأربعين ومئة. قال أبو الطاهر بن السرح: سمع ابن وهب من مالك قبل عبد الرحمن بن القاسم ببضع عشرة سنةً، لم يزل يسمعُ منه من سنةِ ثمان وأربعين ومئة إلى سنة تسع وسبعين ومئة. وقال أبو الطاهر: وكان مالك ... إليه في المسائل إلى عبد الله بن وهب المعنيِّ، ولم يكن يفعل هذا بغيره. وتوفي ابنُ وهب يوم ... مالك بن النَّضر: وولد مالك بن النَّضر فهراً، وقد مضى ذكرُه. ولم يذكر ابن إسحاق لمالك بن النَّضر غير فهرٍ وحده ولداً. النّضر بن كنانة: وولد النضر مالكاً أبا فهرٍ كما ذكرتُ، والصَّلت بن النضر
فيما قال أبو عمرو المدنيُّ. وأمُّهما بنت سعد بن ظرب العَدوانيِّ. قيل: اسمها هند. وقال ابن إسحاق: أمُّ مالك بن النضر عاتكةُ بنت عَدوان بن عمرو بن قيس بن غَيلان. وفي الصلت يقولُ كُثيرِّ بن عبد الرحمن. وهو كثيِّرُ عزَّة، من قصيدة: أليس أبي بالصَّلت أم ليس إخوتي ... بكلِّ هجان من بني النَّضر أزهرا؟ رأيتُ ثياب العصب مُختلط السَّدى ... بنا وبهم والحضرميَّ المخصَّرا فإن لم تكونوا من بني النَّضر فاترُكوا ... أراكاً بأذناب الفوائج أخضرا إذا ما قطعنا من قريش قرابةً ... فأيُّ قسيٍّ تحفِزُ النَّيل ميسرا وإنَّ التي قد سُمتني فأبيتُها ... إذا سُمتَها يوماً قبيضةَ أنكرا والذين يُعزونَ إلى الصَّلت بن النضر منخُزاعة: بنو مُليح بن عمرو، ورهط كثيرِّ وميسرةُ المذكور هو ابن أمِّ حيدرةَ من خُزاعة. يقول: إذا قطعنا قرابتنا من قريش فبمن نستعين على عدوِّنا؟. وضرب القسيِّ مثلاً لأنها تحفزُ النَّبل، وتُعينها على الذَّهاب. وقبيضة بن ذُؤيب الخزاعيُّ. وأمُّ النَّضر: برَّة بنت مُرَّ أخت تميم بن مُرِّ. قال جرير بن عطية الكُليبيُّ
اليربوعيُّ يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان، ويذكر أمَّ النَّضر، لأنها ولدت قريشاً. وهذه الأبيات مُتحيزة من كلمةٍ له: وأنت إذا نظرت إلى هشامٍ ... عرفت نجار مُنتخبٍ كريم إذا بعض السنين تعرَّقتنا ... كفى الأيتام فقد أبىاليتيم أمير المؤمنين على صراطٍ ... إذا اعوجَّ الموارد مُستقيم لك المُتخيِّران أبا وخلاً ... فأكرم بالخُؤولة والعموم فيا بن المُطعمين إذا شتونا ... ويا بن الذائدين عن الحريم سمابك خالد وبنو هشامٍ ... إلى العلياء في الحسب الجسيم وتنزل من أُمية حيث تُلقى ... شُؤون الرأس مجتمع الصَّميم فما الأمُّ التي ولدت قريشاً ... بمُقرفة النِّجار ولا عقيم
وما فحل بأنجب من أبيكم ... ولا خالٌ بأكرم من تميم يَعني برَّة بنت مُرٍّ أخت تميم بن مُرٍّ أمَّ النَّضر. كنانة بن خُزيمة: فولد كنانةُ النَّضر المذكور آنفاً، ومالكاً، وعبدَ مناة، ومِلكان. ويقال لبني كنانة، وقريش فيهم، بنو عليٍّ، لأن عليٍّ بن مسعود الأزديَّ تزوج أمَّ كنانة، فنسبتهم العرب إلى علي، وذلك موجود في أشعارها. قال أمية بن أبي الصلت في القصيدة التي يرثي بها من أُصيب من قريش يوم بدر: لله درُّ بني عل ... يٍّ؛ أيِّم منهم وناكح إن لم يُغيروا غارةً ... شعواء تُحجِر كلَّ نابح وأما بنو ملكان بن كنانة: فلهم بقية. وليس لهم شرفٌ بارعٌ. وأما مالك بن كنانة: فمن بنيه فُقيم وفراس. وبنو فقيم هم نسأةُ الشهور، وهم أشراف كنانة. وفقُيم: هو ابن عديِّ بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك بن كنانة. ومن بني فُقيم القَلَمَّسُ: وهو حذيفة بن عبد بن فُقيم. وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلَّت منها ما أحلَّ، وحرَّمت منها ما حرَّم. وكانت العرب إذا فرغت من حجِّها اجتمعت إليه أعني القلمَّس، فحرَّم الأشهر الأربعة، وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم. فإذا أراد أن يُحلَّ منها شيئاً أحل المحرَّم
فأحلوه، وحرَّم مكانه صفراً فحرَّموه، لِيُواطيء عدَّة الأشهر الحُرُم. فإذا أرادوا الصدر قام فيهم، فقال: اللهمَّ إني قد أحللت لهم أحد الصفرين؛ الصَّفر الأول، ونسأت الآخر للعام المُقبل. فقال في ذلك عُمير بن قيس جذل الطِّعان، أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة يفخر بالنَّساة على العرب: لقد علمتْ مَعدٌّ أنَّ قومي ... كرام الناس إن لهم كِراما فأيَّ الناس فاتونا بوترٍ ... وأيُّ الناس لم نُعلك لِجاما ألسنا الناسئين على مَعّدٍّ ... شهور الحِلِّ نَجعلها حَراما ثم قام بعد القَلمَّس، وهو حُذيفة على ذلك ابنه عبَّادُ بن حُذيفة: حتى كان آخر بنيه، وعليه قام الإسلامُ، أبو ثُمامة جُنادة بن عوف بن أميَّة بن قَلع بن عباد بن حذيفة. ومن بني فراس جذل الطَّعان المذكور وربيعة بن مُكدم: وهما من فرسان العرب، جاهليان. وبنو فراسٍ أشجع أهل بيت في العرب. وفيهم قال عليُّ بن أبي طالب لأهل الكوفة: وددتُ والله أن لي بمئة ألف منكم ثلاثمئة من بني فراس بن غنم بن ثعلبة. ومنهم الفراسيُّ: ويقال: فراس، وهو من بني فراس بن مالك بن كنانة. حديثه عند أهل مصر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إن كنت لابدَّ سائلاً فسل الصالحين ". وله حديث آخر مثل حديث أبي هُريرة في البحر: " هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتتُهُ ".كلاهما يرويه الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مَخشي، عن ابن الفراسيِّ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعدُّ في أهل مصر، ومَخرج حديثه عنهم. وأمَّا عبد مناة بن كنانة: فولد بكراً، عامراً، ومُرَّة. فولد بكر ليثاً، والدُّئل، وضمرة. فمن بني سعد بن ليث: خالد، وغافل، وعامر، وإياس؛ بنو البُكير بن عبد ياليل بن قاشب بن غيرة بن سعد بن ليث. وهم بدريَّون أسلموا قديماً، وهاجروا وهم حُلفاء بني عديِّ بن كعب.
ومنهم أبو الطُّفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عُمير بن حُميس بن جُديِّ بن سعد بن ليث، ولد عام أحدٍ، وأدرك من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثماني سنين. نزل الكوفة، وصحب علياً رضي الله عنه في مشاهد كلَّها، فلما قُتل علي انصرف إلى مكة، فاقام بها حتى سنة مئة، وهو آخر من مات ممَّن رأى النبيَّ عليه السلام. روى حماد بن زيد عن سعيدٍ الجُريريِّ، عن أبى الطُّفيل قال: ما على وجه الأرض اليوم رجل رأى النبيَّ عليه السلام غيري. وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي عن عليِّ بن المدينيِّ عن سُليم بن أخضر، عن الجُريريِّ سمعه يقول: كنت أطوف بالبيت مع أبى الطُّفيل، فيحدِّثني وأحدِّثُه. فقال لي: ما بَقي على وجهِ الأرض عين تطرف رأى النبيَّ عليه السلام غيري. قال علي: ومات بمكة. وكان أبو الطُّفيل شاعراً مُحسناً. وهو القائلُ: أيدعونني شيخاً وقد عشتُ حِقْبةً ... وهنَّ من الأَزواج نحوي نوازعُ وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... عليَّ، ولكن شَيَّبتْني الوقائع وهذا من جيد الشعر. وذكره ابن أبي خيثمة في شعراء الصحابة. وكان فاضلاً، عاقلاً، حاضر الجواب. وكان يتشيَّع في علي رضي الله عنه، ويُفضله ويثني على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويترحَّم على عثمان رضي الله عنه. ودخل أبو الطُّفيل يوماً على معاوية. فقال له: كيف وجدُك علي خليلك أبى الحسن؟ قال: كوجْدِ أمِّ موسى على موسى، وأشكو إلى الله التَّقصير. وقال معاويةُ يوماً: كنت فيمن حضر قتل عثمان؟ قال: لا، ولكني كنت فيمن حضره. قال فما منعك من تصرهِ؟ قال: وأنت ما منعك من نصره إذ
تربصت به ريب المنون، وكنت في أهل الشام، وكلُّهم تابع لك فيما تريد؟ فقال معاوية: أو ما ترى طلبي بدمه نُصرةً له؟ قال: بلى، ولكنك كما قال القائل: لأُلقينَّك بعد الموت تندُبني ... وفي حياتي ما زوَّدتني زادي ومنهم أبو الأسقع واثلة بن الأسقع بن عبد العُزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غِيرة بن سعد بن ليثٍ. أسلم، والنبيُّ عليه السلام، يتجهز إلى تبوك. ويقال: إنه خدم النبيَّ عليه السلام ثلاث سنين. وكان من أهل الصُّفَّة، نزل البصرة، وله دار بها، ثم سكن الشام. وكان منزله على ثلاث فراسخ من دمشق بقريةٍ يقال لها " البلاط ". وشهد المغازي بدمشق وحمص. ثم تحوَّل إلى بيت المقدس، ومات بها، وهو الن مئة سنة. وقيل توفي في دمشق في آخر خلافة عبد الملك سنة خمس أو ست وثمانين، وهو أبن ثمانٍ وتسعين سنة. روى عنه الشاميون: مكحول وعبد الله بن عامر اليحصبيُّ، أحد القراء السبعة. وشَدَّاد أبو عمار: وهو شدّاد بن عبد اله، ويروى شداد أيضاً عن أبي أُمامة الباهليُّ: وروى عنه الأوزاعيُّ وعكرمةُ بن عمار. ومن بني عتوارة بن عامر بن ليث شَدَّادُ بن الهادي. قال مسلم بن الحجاج: يقال: اسم الهادي أسامةُ بن عمرو بن عبد الله بن بشر بن عتوارة بن عامر بن ليث. وقيل لأسامة أبيه الهادي، لأنه كان يوقد النار ليلاً لمن سلك الطريق. وكانت عند شدادٍ سلمى بنتُ عُميس، أخت أسماء بنت عُميس. فولدت له عبد الله بن شداد. وكان فقيهاً محدِّثاً. وهو ابن خالة عبد بن عباس وخالد بن الوليد وعبد الله بن جعفر الطيار ومحمد بن أبي بكر الصديق ويحيى بن علي بن أبي طالب.
وكان شدّاد سلفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر الصديق وللعباس بن عبد المطلب. وسكن المدينة، وتحوَّل إلى الكوفة، وداره بالمدينة معروفة. من حديثه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صَلاتي العشاء. وهو حاملٌ أحدَ ابني ابنته: الحسن أو الحسين، الحديث. روى عنه ابنُه عبد الله بن شداد وابن أبي عمار. وهو أبو عمر عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم. وسمع عمارُ بن أبي عمار أيضاً أبا قتادة الحرث بن ربعي السَّلميَّ الأنصاريَّ، وأبا هُريرة وابن عباس، روى عنه عوف الأعرابيُّ وشعبة ويونس. ومن بني جُندع بن ليث عُمير بن قَتادة بن سعد بن عامر بن جُندع: سكن مكة. له صحبةٌ ورواية؛ روى عنه أبو داود في كتابه السُّنن. فقال: حدثنا إبراهيم بم يعقوب الجَوْزَجانيُّ قال: نا معاذ بن هانيء قال " نا جندب بن سوادٍ قال: نا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان، عن عُبيد بن عُمير عن أبيه أنه حَدثه، وكانت له صحبةٌ، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: " هنَّ تسع: الشركُ بالله، والِّحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مال اليتيم، والتَّواني يوم الزحف، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلالُ البيت الحرام قِبلتِكم أحياءً وأمواتاً ". ولم يرو عنه غيرُ ابنه عُبيد بن عُمير من كبار التابعين. وكان قاضي أهل مكة، ويُكنى أبا عاصم. وهو أولُ من قصَّ بمكة ومات بها سنة ثمانٍ وستين. وسمع عُبيدٌ أيضاً عمر بن الخطاب وعائشة وعبد الله بن عمرو بن العاصي. وروى عنه عطاء بن أبي رباح ومُجاهد. وقال البخاريُّ: إنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذكره مسلم بن الحجاج فيمن وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابنه أبو هاشم عبد الله بن عُبيد بن عُمير: روى عن ابن عُمر وأبيه. ومات سنة ثلاث عشرة ومئة. وروى عنه الزهريُّ والضحاك بن عثمان. وولد عبد الله بن عُبيد بن عُمير محمداً: وكان ضعيفاً في الحديث. مسلم: حدثني عبد الرحمن بن بشر العبدي قال: سمعت يحيى ين سعيد القطان ذُكر عنده محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير الليثي، فضعَّفه جداً. فقيل ليحيى: أضعف من يعقوب بن عطاء؟ قال: نعم. ثم قال: ما كنت أرى أحداً يروي عن محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير. ومنهم أمية بن الأسكر الجُندعي: حجازيٌّ أدرك الإسلام، وهو شيخ كبير، وكان شريفاً في قومه، وكان له ابنان ففرَّا منه. وكان أحدهما يسمى كلاباً، فبكاهما بأشعارٍ له، وكان شاعراً، فردَّهما عليه عمر بن الخطاب، وحلف عليهما ألا بفارقاه أبداً حتى يموت. خبره مشهور صحيح، رواه الزهريُّ وهشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزُّبير. ومن بني جُندع بن ليث عطاء بن يزيد الليثيُّ: يُعدُّ من كبار التابعين. سمع أبا أيوب وأبا سعيد الخُدريَّ وأبا هُريرة. روى عنه الزهريُّ وسُهيل بن أبي صالح. وخرَّج عنه مالك والبخاريُّ ومسلم وغيرهم. روى عنه مالك في الموطأ جملة أحاديث، منها في كتاب الصلاة حديثين، وفي كتاب الجامع حديثين، كلُّها عن ابن شهاب عنه. فأما الحديثان اللذان في كتاب الصلاة فأحدهما حديث: " إذا سمعتُم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذِّن " عن أبي سعيد الخُدريِّ. والثاني حديثُ الرجل الذي سارَّ رسول اله صلى الله عليه وسلم في قتل رجلٍ من المنافقين عن عبيد الله بن عديِّ بن الخيار النَّوفليِّ القرشيِّ. وأما الحديثان اللذان في كتاب الجامع، فأحدهما في المهاجرة عن أبي أيوب الأنصاريِّ، والثاني في التعفُّف عن المسألة عن أبي سعيد الخُدريِّ. وأما روايته عن أبي هُريرة فذكر مسلم: حدثني عبد الحميد بن بَيان الواسطيُّ قال: نا خالدُ بن عبد الله عن سُهيل، عن أبي عُبيد المَدحجيِّ قال مسلم: أبو عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هُريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سَبَّح الله في دُبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين،
وحمِدَ الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر اللهَ فتلك تسعة وتسعون - قال: - تمام المئة: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، غُفرت خطاياهُ، وإن كانت مثل زبد البحر. وروى مالك هذا الحديث موقوفاً على أبي هُريرة في آخر كتاب الصلاة من الموطأ، عن أبي عُبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاءٍ، عن أبي هُريرة. ويُكنى عطاءً أبا محمد. وتوفي سنة سبع ومئة، وهو ابنُ اثنتين وثمانين سنة. ومن مولى بني جُندع بن ليث سعيد بن أبي سعيد المقبرُي: واسم أبي سعيد كيسان. وكان كاتباً لرجل من بني جُندع بن ليث. فأدَّى كتابته، فعتق. وكان منزله عند المقابر، فقيل له المقبُري لذلك. وأكثر رواية أبي سعيد عن أبي هُريرة، وروى أيضاً عن عمر، وتوفي سنة مئة في خلافة عمر بن عبد العزيز. وقيل: تُوفي بالمدينة في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان سعيد من سكان المدينة، وبها كانت وفاته في خلافة هشام سنة ثلاث وعشرين ومئة. وأكثر روايته عن أبيه ولمالك عن سعيد في الموطأ خمسة أحاديث، أحدها موقوف........ ومن بني عامر بن ليث أبو واقد الليثي: واسمه الحرث بن عوف، وقيل: عوف بن الحرث، وقيل: الحرث بن مالك. قيل إنه شهد بدراً، وكان قديم الإسلام. وقيل: إنه كان معه لواء بني ليثٍ وضمرة ابني بكر بن عبد مناة بن كِنانةَ يوم الفتح. وقيل: إنه من مُسلمة الفتح، والأول أصح وأكثر. وكان يُعدُّ في أهل المدينة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورُوي عنه. مالك عن ضمرة بن سعيد المازنيِّ عن عبد الله بن عُتبة بن مسعود أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقدٍ الليثيَّ ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفِطر. فقال: كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد، واقتربت الساعةُ، وانشق القمر. وأخرج مُسلم هذا الحديث عن يحيى بن يحيى التَّميميَّ عن مالك مثل ما نصَّه في الموطأ. وجاورَ أبو واقدٍ بمكة، ومات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين سنة ثمانٍ وستين. وهو ابنُ خمسٍ وسبعين سنة، وقيل: ابن خمسٍ وثمانين.
ومن بني عامر بن الليث الصَّعب بن جَثامة بن قيس: وكان ينزل ودَّان من أرض الحجاز. روى عنه عبد الله بن عباس حديث الحمار الوحشي. مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن الصَّعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياَ، وهو بالأيواء أبو بودان، فردَّه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال: " إنا لم نَرْدُدْهُ عليك إلا أنَّا حُرُم ". وروى عنه أيضاً شُريحُ بن عُبيد الحضرميُّ. ومات الصعب بن جثامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وأخوه مُحلِّم بن جَثامة: قاتل عامر بن الأضبط الأشجعي، وخبرهما مشهور في صحيح مسلم وغيره. ومن بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث فَضالةُ بن عُمير بن الملوَّح. وهو الذي أراد قتل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف بالبيت عام الفتح. فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضالةُ؟ " قال: نعم، فضالةُ يا رسول الله. قال: " ماذا كنت تحدِّث نفسك؟ " قال: لا شيءَ، كنت أذكر الله. قال: فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: " استغفر الله "، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبُه. فكان فضالةُ يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحبُ إليَّ منه. قال فضالةُ: فرجعت إلى أهلي، فمررتُ بامرأة، كنت أتحدَّث إليها فقالت: هلمَّ إلي الحديث. فقلت: لا وانبعث فضالةُ يقول: قالت: هلمَّ إلي الحديث. فقلت: لا ... يأبى عليكِ الله والإسلامُ
لو ما رأيت محمداً وقبيله ... بالفتح يوم تكسَّرُ الأصنامُ لرأيت دين الله أصبح بيِّناً ... والشِّرك غشَّى وجَههُ الإظلامُ ويعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث: هو الشَّدَّاخ. وقيل له الشدّاخ لأنه كان الذي أصلح بين قصيٍّ وخُزاعة وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة، إذ كانوا فوَّضوا إليه الحكم بينهم، ورضُوا به حكماً. فحكم بأن قصياً أولى بالكعبة ومكة منهم، وأنَّ كلَّ دمٍ أصابه قصي من خزاعة وبني بكر يشدخُه تحت قدميه، وأنَّ ما أصابت خُزاعة من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدِّيةٌ مُؤدَّاة. فسمِّي يعمر بن عوف يومئذ الشدّاخ لما شدخ من الدماء، ووضع منها. ومن بني يعمر بن ليث مَعدان بن أبي طلحة اليعمريُّ: من التابعين وروى عن ثوبان مولى النبي عليه السلام. مسلم: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى ... بن سعيد: حدثنا شعبةُ: حدثني قتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن مَعدان بن أبي طلحة اليَعمريِّ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى على جنازةٍ فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيرطان، القيراطُ مثلُ أحدٍ ". مسلم: حدثنا أبو غسَّان المسمَعُّي ومحمد بن مُثنَّى وابن بشار، وألفاظُهم متقاربة قالوا: نا معاد بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعد، عن مَعدان بن أبي طلحة اليعمريِّ، عن ثوبان أن نبَّي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لبعُقر حَوضي أذودُ الناس لأهل اليمن، أضربُ بعصاي حتى يَرفضَّ عليهم "، فسئل عن عَرضه فقال: " من مَقامي إلى عُمان "، وسُئل عن شرابه فقال: " أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يُبعث فيه ميزابان يُمِدَّانه من الجنة؛ أحدهما من الذهب والآخر من وَرِقٍ ". ومن بني الشدّاخ ابن دَأب: وهو عيسى بن يزيد بن بكر بن دَأبٍ،
ويكنى أبا الوليد. وله عقب بالبصرة. وأخوه يحيى بن يزيد. وكان أبوهما أيضاً عالماً بأخبار العرب وأشعارها. وكان شاعراً أيضاً. والأغلبُ على آل دأب الأخبار. ومن بني ليثٍ علقمةُ بن وقّاص: وُلد على عهد النبي عليه السلامُ، فيما ذكر الواقدي. ويدل على ذلك روايته عن عمر بن الخطاب: وهو من كبار التابعين. وتوفي في خلافة عبد الملك بن مروان بالمدينةز وله دار بها في بني ليث، وخرّضج عنه الأئمة. وابنُ ابنه أبو عبد الله محمد بن عمرو بن علقمة: من شيوخ مالكٍ له عنه حديث واحدٌ مُسند في كتاب الجامع. مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه، عن بلال بن الحرث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظنُّه أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له رضوانهُ إلى يوم يلقاهُ، وان الرجل ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله ما كان يظُنُّ أن تبلُغ ما بلغت، يكتب الله له بها سَخطه إلى يوم يلقاهُ. وتوفي محمد بن عمرو بالمدينة، وكان من ساكنيها سنة أربع وأربعين ومئة في خلافة أبي جعفر المنصور، وكان كثير الحديث. ومن بني يعمر ليث قباث بن أشيم بن عامر بن الملوَّح الكنانيُّ: سكن دمشق. وذكر البخاريُّ قال: حدثنا عبد الله بن يوسف: نا الوليد بن مسلم: نا ثور، عن يونس بن سيف، عن عبد الرحمن بن زياد، عن قباث بن أشيم الليثيِّ قال ك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاةُ رجلين يَؤُمُّهما أحدهما أزكى عند الله من صلاة ثمانية، وصلاة ثمانية يؤمُّهم أحدُهم، أزكى عند الله من صلاة مئة تَترى ". ذكره البخاري في التاريخ. وفي جامع التِّرمذيِّ في باب ميلاد النبيِّ عليه السلام: وسأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم أخا بني يعمر ابن ليثٍ: أأنتَ أكبرُ أم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبرُ مني، وأنا أقدمُ منه في الميلاد. وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمي على الموضع. قال: ورأيت خذق الطير
أخضر مُحيلا. وعن غير الترمذي: ووقفت بي أمي على روث الفيل وأنا أعقلُه. ذكر ذلك ابن عبد البر في كتاب " الصحابة ". وقال: إنَّ السائل لقباثٍ عبدُ الملك بن مروان. ومن بني ليثٍ هشام بن صُبابة: أخو مقيس بن صُبابة، قُتل في غزوة ذي قرد مسلما. وذلك في سنة ستٍ من الهجرة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يُرى أنه من العدوِّ فقتله خطأ. وأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل أخيه مقيس يوم الفتح. قال أبن إسحاق: وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لقتل الأنصاريِّ الذي كان قتل أخاه خطأ، ورُجوعه إلى مكة مشركاً. قتله نُميلةُ بن عبد الله من عامر بن ليث، رجل من قومه، فقالت أخت مِقيس في مقتله: لَعمري لقد أخزى نُميلةُ رهطهُ ... وفجَّع أضْيافَ الشتاء بمقيس ومن بني ليث عُروةُ بن أُذَينة: روى عنه مالك في الموطأ ما أسرُدهُ هنا. مالك عن عروة بن أذينة الليثيِّ أنه قال: خرجتُ مع جدَّة لي عليها مشيٌ إلي بيت الله. حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت، فأرسلت مولى لأهلها يسأل عبد الله بن عمر، فخرجت معه. فسأل عبد الله بن عمر فقال له عبدُ الله بن عمر: مُرها فلتركب، ثم لتمش من حيثُ عجزت. وكان عروةُ شاعراً مجيداً في الغزل، مُبرِّزاً فيهز وهو القائل: يا ديارَ الحيِّ بالأجمه ... لم تُبيِّن أيُّها كَلِمَه
الشعرُ له، وهو وضع لحنه. وهو القائل: قالت، وأبثثتها وَجدي فَبُحتُ به: ... قد كنت عندي تحبُّ السِّتر، فاستتر ألست تُبصر حولي؟ فقلتُ لها: ... غطَّي هواك وما ألقي على بصري ووقفت عليه امرأة فقالت: أنت الذي يقال فيه الرجل الصالحُ، وأنت تقول: إذا وجدتُ أُوار الحبِّ في كبدي ... عَمدتُ نحو سقاء القوم أبتَردُ هذا بَردتُ ببرد الماء ظاهرهُ ... فمن لنارٍ على الأحشاء تتَّقدُ؟ والله ما قال هذا صالح ... ومنهم أنس بن عياض. الليثُّي المدنُّي: سمع أبا حازم وربيعة الرأي وجعفر بن محمدٍ. وكان يُكنى أبا ضمرة. خَرَّج عنه البُخاريُّ ومسلم وغيرهما كثيراً. ومنهم أبو النصر هاشم بن القاسم الليثي: سمع شعبة وجريراً وأبا جعفر الرازي. ومن موالي بني ليث أبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم القارئ المديني مولى جعونَة بن شعوب الليثي: حليف حمزة بن عبد المطلب. أصله من أصبهان. وتوفي بالمدينة سنة تسع وستين ومئة. وقال نافع: قرأت على سبعين من التابعين. ومن موالي بني ليث أبو حازم سلمةُ بن دينار: القاصُّ الحكيم الزاهدُ. وكان يقصُ في مسجد المدينة.. عن سُهيل بن سعد الساعدي. وتوفى في
خلافة أبي جعفر المنصور سنة أربعين ومئة. وهو أحد أشياخ مالك. وابنه عبد العزيز بن أبي حازم: يكنى أبا تمام. ومات ... وأصل أبي حازم من فارس، وحضر عند سليمان عند سليمان بن عبد الملك مجلسا..... ومن الدئل بن بكر، أخى ليث بن بكر نوفل بن معاوية بن عمرو، وأحد بني نفاثة بن عديِّ بن الدُّئل. وكان أبوه معاوية على الدُّئل في الفجار الأول. وعُمِّر نوفل في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة. أسلم بعد الخندق، وحجَّ مع أبي بكر الصديق سنة تسع. وحجَّ مع النبي عليه السلام سنة عشر حجَّة الوداع. وسكن المدينة، ولم ينزل بها حتى توفي زمن زيد بن معاوية. روي عن النبي صلى الله عيه وسلم أحاديث وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن وهشام عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود وعراك بن مالك. ومنهم أبو أناس: وهو ابن زنيم الدُّؤلي، وزنيم جده. وهو من أشراف كنانه. وكان أبو أناس شاعرا. وهو القائل يتعذر إلى صلى الله عيه وسلم صلى الله عليه وسلم، ممَّا قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعيُّ حين صبَّحُوهم بالوتير، وأنه هاجا النبيَّ عليه السلام، من قصيدة: أنت الذي تُهدّى مَعَدٌّ بأمرهِ ... بلِ اللهُ يَهْديهمْ وقالَ لكَ: اشْهد وما حَملتَ من ناقةٍ فوقَ رحِلها ... أَبَرَّ وأَوفى ذمَّةً من محمدِ أَحَثَّ على خيرٍ وأَوسعَ نائلاً ... إذ راحَ كالسَّيف الصَّقيل المهنَّدِ
وأكسى لبُرْدِ الخال قبلَ اجتدائهِ ... وأعطى لرأسِ السابقِ المُتجرِّد تَعلَّمْ رسول الله أنِّك مُدرِكي ... وأنَّ وعيداً منكَ كَالأَخذِ باليدِ ونَبَّئوا رسولَ الله أنِّي هَجوتُهُ ... فلا حَملتْ سَوطي إليَّ إذاً يدِي وقال أبن إسحاق في السيرة: إنَّ قائل هذه القصيد هو أنس بن زنيم، وعمُّ أبي أناس سارية بن زنيم هو الذي قال فيه عمر بن الخطاب: يا سارية الجبل. وهو يخطب، والخبر مشهور. وابنه أنس بن أبي أناس: كان شاعرا: وهو القائل لأخيه أُسيد، وكان أيضا شاعرا، حين تزوج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة، فأعطاها ألف ألف درهم أبياتا يبلغها عبد الله بن الزبير بمكة: أَبلغَ أميرَ المؤمنينَ رسالةً ... من ناصحٍ لكَ لا يُريدُ وَداعا بُضْعُ الفتاةِ بألفِ ألفٍ كاملٍ ... وتَبيتُ ساداتُ الجنودِ جٍياعا لو لأبي حفصٍ أقولُ مقالتي ... وأقُصُّ شأنَ حديثهِمْ لارتْاعا ومن بني الدُّئل ربيعة بن عباد الدُّؤلي: روي عن ابن المنكدر وأبو الزِّناد وزيد بن أسلم وغيرهم. يُعدُّ في أهل المدينة، وعُمِّر عمرا طويلا. ويقال: ربيعة بن عباد، والصواب عندهم بالكسر. من حديث أبي الزناد عن ربيعة بن عباد أنه رأى النبيِّ صلى الله عيه وسلم بذي المجاز، وهو يقول:) يا أيها
الناسُ لا إله إلا الله تُفلحوا (. ووراءه رجل أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ، إنه صائب كذاَّب. فسألت عنه فقالوا: هذا عمّه أبو لهب. قال ربيعة: وأنا يومئذ أزفر القرب لأهلي. ومنهم أبو الأسود الدَّولي: وأسمه ظالم بن عمرو. وكان عاقلاً، حازمأً، بخيلا. وهو أول من وضع العربية. وكان شاعراً مجيداً. وشهد صفين مع علي، وولي البصرة لأبن العباس. وفلج بالبصرة، ومات بها وقد أسن. وابنه أبو حرب: يروى عنه حديث. وكان أبو الأسود، رحمه الله، مَّمن صحب علياً رضي الله عنه. وكان من المتخفَّفين بمحبته ومحبه والده. وفي ذلك يقول: يقولٍ الأرذلونَ بنو قُشيرٍ: ... طَوالَ الدهرِ ما تَنسى عليا ً أحبُّ محمداً حباً شديداً وعباساً وَحمزةَ والوَصيَّا بنو عمِّ النبي وأقربوهُ ... أحَبٌّ الناسِ كلِّهِمُ إليَّا أحبَّهمُ بحبَّ الله حتى ... أجىء إذا بٌعثْتُ على هَوَيَّا هوى أعْطيتُهُ منذ استدارت ... رحى الإسلاِم لم يَعدِلْ سويَّاً فأن يكُ حبٌّهمْ رُشداً أُصبْهُ ... ولست بمخطىء إن كانَ غَيَّا
وكان نازلاً في بني قشير بالبصرة، وكانوا عثمانية. فكانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعلىَّ وولده. فإذا أصبح وذكر رجمهم قالوا: الله يرجمك. فيقول لهم: تكذبون. لو رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمون ولا تصيبون. وفي الكامل أنه كان يقول لهم: كذبتم والله، لو كان الله يرميني ما أخطأني. وكان تقش خاتمه يا غالبي حسبُكَ من غالب ... إرحمْ علي بن أبي طالب يلوموني أنْ بعتُ بالرُّخص منزلي ... ولم يعلموا جاَراً هناكَ بنغِّصُ فقلت لهم: بعضَ الملام فإنَّما ... بجيرتها تَعلو الديارُ وتَرخُصُ ودخل أبو الأسود على عبيد اله بن زياد، وقد أسنَّ. فقال له عبيد الله يهزأ به يا أبا الأسود: أخنى الشباب الذي أفنيتُ جدَّته ... كرُّ الجديدين من آتٍ ومُنطلق ومن بني ضَمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة عمرو بن أُمية بن خُويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد بن ناشرة بن كعب الضَّمريُّ: وهو وأبوه من الصحابة، وصحبةُ عمرو، أشهر. وكان من رجال العرب نجدة وجرأة. وشهد بدراً وأُحداً مع المشركين، ثم أسلم حين انصرف المشركون من أُحد، وشهد بئر معونة، وهي أول مشهدٍ له مع المسلمين. فأسرهُ عامر بن الطُّفيل يومئذ، وقال له: انه كان على أميِّ نسمة، فاذهب فأنت حرٌّ عنها. وجزَّ ناصيته.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه في أموره. بعثه عليه السلام إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة. وقال الواقديَّ: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة الست النَّجاشيِّ بكتاب يدعوه إلى الإسلام. فأسلم النجاشي، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله. وهو معدود في أهل الحجاز. روى عنه أبناه: جعفر بن عمرو بن أمية وعبد الله بن عمرو بن أمية وابن أخيه الزِّبرقان بن عبد الله بن أمية. ومنهم جعيل بن سراقة: وهو من خيار الصحابة. وقال فيه قائل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للنبي عليه السلام: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مئةً مئةً الإبل، وتركت جعيل بن سراقة الضَّمريَّ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض، كلهم مثل عيينة والأقرع، ولكنَّي تأَّلفتهما ليسلما، ووكل تجعيل بن سراقة إلى إسلامه ". ومن بني غفار بن مليلٍ بن ضمرة أبو ذر جندب بن جنادة: واختلف في اسمه اختلافاً كثيراً. والصحيح جندب، وهو قديم الإسلام، أربعةً، فكان خامسهم. وله في إسلامه خبر حسن. وروي من حديث ابن العباس عنه، ومن حديث عبد الله بن الصَّامت عنه. فأما حديث ابن عباس فهو صحيح مسلم وفي سُنن أبي داود. وأما حديث عبد الله بن الصامت، وهو ابنُ أخي أبي ذرٍّ، ويُكنى أبا نصر، فذكره مسلم في صحيحه. وحدَّث الليث بن سعدٍ عن يزيد بن أبي حُبيب قال: قدم أبو ذرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، فأسلم ثم رجع إلى قومه، فكان يسخر بآلتهم. ثم إنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآه وَهم في اسمه فقال: " أَأنت أبونملة؟ ". فقال: أنا أبو ذر. قال: " نعم، أبو ذر ". وكان رضي الله عنه من الزهَّاد. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه: " ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء من ذي لهجةٍ أصدق من أبي ذَرٍّ ". الخضراء: السماء. والغبراء:
الأرض. وقال رسول الله عليه السلام: " أبو ذر في أمتي على زُهد عيسى ابن مريم ". وقال علي رضي الله عنه: وعى أبو عِلماً عَجَز الناس عنه، ثم أوكى عليه فلم يُخرج شيئاً منه. وتوفي رضي الله عنه بالرَّبذة مُسيراً إليها بأمر عثمان سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين، وليس له عقب. وصلى عليه عبدُ الله بن مسعود، وجد جنازتهُ على قارعة الطريق، وهو سائر في ركب من العراق إلى المدينة. وقال ابن قُتيبة في " المعارف ": حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو عتَّاب سهل بن حمَّادٍ قال: حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي 'سحاق عن حنش بن المُعتمر قال: جئت وأبو ذرٍّ آخذ بحلقه باب الكعبة، وهو يقول: أنا أبو ذرٍّ الغِفاريُّ من لم يعرفني فأنا جُندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل أهل بيتي مثل: سفينة نوح؛ من ركبها نجا ". وفي غِفار قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما ذكره مسلم في مسنده الصحيح وغيرُهُ. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقُتيبة وابنُ حُجر قال يحيى بن يحيى: نا، وقال الآخرون: نا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار أنه سمع بن عُمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غِفار غفر اللهُ له، أسلم سالمَها الله، وعُصيَّةُ عصت الله ورسوله ". مُسلم عن عبد الله بن الصَّامت عن أبي ذرٍّ قال: لي رسول الله عليه السلام: " إئتِ قومك فقل: 'نّض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلمُ سلمَها اللهُ، وغِفار غفر اللهُ لها ". مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أسلمُ سالمها اللهُ، وغفارُ غفر اللهُ لها، أما إني لم أقلها بل قالها الله عزَّ وجل ". مسلم عن
خُفاف بن أيماء الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة: " اللهمَّ العنْ لِحْيانَ ورِعلاً وذَكوان وعُصيَّةَ عصوا الله ورسوله، غفار غفر الله لها، وأسلم سالمَها الله ". ولم يشهد أبو ذر بدراً ولا الخندق، لأنه حين أسلم بمكة رجع إلى قومه، فأقام حتى مضت هذه المشاهُ، ثم قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخوه أُنيسُ بن جُنادة: أسلم معه قديماً. وأسلمت أمُّهما وصدَّقت. واسمها رملة بنت الوقيعة من بني غفار. " وكان " أُنيس شاعراً.. ومن بني غفارٍ خُفاف بن إيماء بن رَخَضَةَ بن خُربَّة الغفاري: أسلم إيماء أبوه قريباً من الحديبية، وشهد خُفاف الحديبية. وكان إمام بني غفار وخطيبهم. وتُوفي في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة، يُعدُّ في المدنيين. روى عنه عبد الله بن الحرث وحنظلة بن علي الأسهميُّ. ويقال: إن لخفاف هذا ولأبيه إيماء ولجدِّه رحضَة صُحبة. كلُّهم صحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وكانوا ينزلقون عيقة من بلاد غفارٍ، ويأتون المدينة كثيراً. ومنهم أبو بصرة حُميل بن بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار: له ولابنه بصرة صحبة. وهما معدودان فيمن نزل مصر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديثُ مالك في الموطأ عن يزيد ين الهادي، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن أبي هُريرة قال: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاريَّ فقال: من أين أقبلت؟: فقلت: من الطُّور. فقال: لو أدركتُك قبل إن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تعملُ المطيُّ إلا إلى ثلاثة مساجد.. الحديث. لا يوجد هكذا إلا في الموطأ لبصرة بن أبي بصرة. وإنما الحديث لأبي هُريرة. فلقيت أبا بصرة، يعني أباه، هكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي هُريرة. وكذلك رواهُ سعيد بن المسيَّب وسعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هُريرة، كلُّهم بقول فيه: فلقيت أبا بصرة وأظنُّ الوهم جاء فيه من قبل يزيد ين الهادي، والله أعلمُ.
ومنهم أبو مسلم أُهبان بن صيفي الغفاريُّ: له صحبة. وقال البخاري: وُهبان بالواو. وهو من ولد حرام بن غفار. نزل البصرة، واتَّخذ بها داراً، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كانتِ الفتنةُ فاتَّخذ سيفاً من خشبٍ ". ولم يقاتل مع علي لهذا الحديث. ولما حضره الموتُ قال: كفِّنوني في ثوبين. قالت ابنته عُديسةُ: فزدنا ثالثاً قميصاً، ودفناه. فأصبح ذلك القميصُ على المشجب موضوعاً ". روى خَبره هذا ثقات، منهم: محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، ومُعتمر بن سليمان عن المعلَّى بن جابر قال: حدثني عديسةُ بنةُ وُهبان الغفاري بذلك كله. ومنهم جهْجاةُ بن سعيد الغفاري: وكان من فقراء المهاجرين، أجيراً لعمر بم الخطاب. وهو الذي تنازع مع سنان بن وَبرة الجهني في غزوة بني المصطلق على الماء، فازدحما حتى اقتتلا، فصاح جهجاة: يا للمهاجرين. وصاح سنان: يا للأنصار. والخبر المشهور. ومنهم أبو رُهم كلثوم بن الحُصين بن عتبة بن خلف: وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة. قال أبو اليقظان: وفي غفار رهط يقال لهم بنو النار، رجل ليست ماء بدرٍ إليه. ومن بني ضمرة البرّاض بن قيس: وهو الذي يقال فيه: أَفتك من البرّاض، وهو الذي فتك بعُروة الرحَّال بن عُتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان ذلك الذي هيَّج حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عَيلان. وقتل البرّاض عروة الرحَّال في أحد الأشهر الحرم. وقال البرّاض في ذلك: وداهيةٍ تهمُّ الناس قَبلي ... شَدَدتُ لها بني بكر ضلوعي هدمتُ بها بيوتَ بني كلابٍ ... وأرضعتُ المواليَ بالضَّروعِ
رفعتُ له بذي طَلاَّل كفِّي فخرَّ يميدُ كالجِذع الصَّريع ومنهم مَخشيُّ بن عمرو: وهو الذي عاقد النبيَّ عليه السلام على بني ضمرة في غزوة ودَّان. وهي أول غزوة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم في صفر على رأسِ اثني عشر شهراً من مقدمة المدينة. وكان مَخشيُّ سيد بني ضمرة في زمانه. وأما عامر بن عبد مناة بن كنانة: فولد جذيمة بن عامر، والنسبُ إليه جَذميّ. وبنو جذيمة هم الذين قتلهم خالد بن الوليد بالغُميصاء إثر فتح مكة، وكانوا أسلموا. ولم يقبل خالد قولهم وإقرارهم بالإسلام. فبعث إليهم رسول صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب فودى لهم جميع قتلاهم، وردَّ إليهم ما أخذ لهم. وقال علي: انظروا إن فقدتم عقالاً أدَّيته إليكم، فبهذا أمرني رسول الله. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقال: " اللهمَّ إني أبرأُ إليك من صُنع خالد ". وأما مُرةُ بن عبد مناة بن كنانة، فولد مُدلج بن مرة. فمن بني مُدلج، وهم القافةُ: سُراقة بن مالك بن جُشعم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مُدلج: يُكنى أبا سفيان. وهو الذي اتبع النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة، ليَردَّه على قريش. وكانت قريش جعلت لمن ردَّه عليهم مئة ناقة. فلما أدرك سراقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرُبَ منه غاصت قوائم فرسه في الأرض، وسقط عنه. ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دُخان كالإعصار. فقال: أنظروني أكلمكم، فوا لله لا أريبكم ولا أدل عليكم ولئن لقيتُ أحداً يطلبُك يا محمد لأردَّنَّه عنك. فقد علمتُ أنك مَمنوع ممَّن أرادك. وإن شئت فخذ سهماً من كنانتي، فإذا مررت ببني فلان فادفعهُ إليهم، وخذُ من غنمي ما شئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة لنا في غنمك ". وقيل: إنه قال للنبي عليه السلام.. فخُذ سهماً، فإنك ستمرُّ على إبلي بمكان كذا وكذا،
فخذ منها حاجتك ... عليه السلامُ: " لا حاجة لنا في إبلك ". فقال: يا محمد، اكتب لي كتاباً يكون علامةً بيني وبينك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن فُهيرة: " اكتب ". قال: فكتب له عامر كتاباً في قطعة أدمٍ أو في عَظم أو في رقعةٍ. فأخذ الكتاب ورجع إلى قريش، ولم يذكر شيئاً ممَّا كان. ذكر البخاريُّ أن كاتب الكتاب لسراقة عامر بن فُهيرة. وقال ابن إسحاق: كتبه أبو بكر الصديقُ رضي الله عنه. قال سراقة: حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفَرغ من حُنين والطائف خرجتُ ومعي الكتاب لألقاه. فلقيته بالجِعرانةِ قال: فدخلتُ في كتيبة الأنصار. قال فجعلوا يقرعُونني بالرماح، ويقولون: إليكَ إليك، ماذا تريد؟ قال: فدنوتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على ناقته، والله لكأني أنظرُ إلى ساقه في غرزه كأنها جُمارة. قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابك، أنا سُراقة بن جُعشم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يومُ وفاءٍ وبرِ، أدْنُهْ ". فدنوت منه، وأسلمتُ. ثم تذكرتُ شيئاً أسألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله الضالَّة من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتُها لإبلي، هل من أجرٍ في أن أسقيها؟ قال: " نعم، في كلِّ ذات كبدٍ حرَّي أجر ". قال: ثم رجعتُ إلى قومي، فسُقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقني. وفي صحيح مسلم عن البَراءِ بن عازب وأبيه حديثُ الهجرة " مع " أبي بكر الصديق، قصةُ سُراقةَ حين اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو بكر: فارتحلنا بعد ما زالت الشمس، واتَّبعنا سراقة بن مالك. قال: ونحن في جَدَدٍ من الأرض. فقلت: يا رسول الله أُتينا. فقال: " لا تحزن إن الله معنا ". فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارْتَطمت فرسه إلى بطنها ... فقال: إني قد علمتُ أنكما قد دَعوتما عليَّ، فادعوا لي، فاللهُ لكما أن أردَّ عنكما الطَّلب.
فدعا الله، فنجا، فرجع، لا يلقى أحداً إلا قال: قد كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحداً إلا ردَّه. قال: ووفى لنا. وسراقةُ هو القائل لأبي جهل بن هشام حين رَجَعَ من اتِّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وكان شاعراً مجيداً أبا حكمٍ والله لو كنت شاهداً ... لأمر جوادي إذ تَسوخُ قوائمُه علمت ولم تَشْكَك بأنَّ محمداً ... رسول ببُرهانٍ فَمَن ذا يُقاومُه؟ عليك بكفِّ القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوماً سَتبدو مَعالمه بأمر يودُّ الناسُ فيه بأسرهم ... بأن جميع الناس طُرأً يُسالمُه وسراقةُ هو الذي تبدَّى إبليس على صورته لما أجمعت قريش المسير إلى بدر. وذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة. فكان ذلك يَثنيهم. فقال لهم إبليس، وهم يظنونه سُراقة: أنا لكم حارٌ من أنْ تأتيكم كنانةُ بشيء تكرهونه. فخرجوا سراعاً فلما التقى الجمعان ببدرٍ، ورأى إبليس جنود الله من الملائكة قد نزلت للنصر والإمداد نكص على عقبيه، وقال للمشركين: " إني بريء منكم، إني أرى مالا ترون ". قال أبن إسحاق: وعُمير بن وهب الجُمحيُّ والحرث بن هشام المخزوميُّ: قد ذُكر لي أحدهما هو الذي رأى إبليس يوم بدر، قد نكص على عقبيه: فقال: أين أي سُراق؟ ومثل عدوِّ الله، فذهب. فأنزل اللهُ تبارك وتعالى:) وإذ زينَّ لهُم الشيطانُ أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جارٌ لكم (فذكر استدراج إبليس إياهم، يستشهدُ بسراقة من مالك بن جُعشُم لهم، لأنهم كانوا يرونه في كل
منزلٍ في صورة سُراقة، لا يُنكرونه. حتى إذا كان يوم بدرٍ، والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم. قال ابن هشام: نكص: رجع. قال أوسُ بن حجر أحدُ بني أُسيد بن عمرو بن تميم: نكَصتُم على أعقابكم يوم جئتم ... تُرجُّون إقفال الخميس العرمرم وروى الحسن البصريُّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقةَ بن مالك: " كيف بكَ إذا لبستَ سِواري كسرى؟ فلما أُتي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة فألبسه إياهما. وكان سُراقة رجلاً أزبَّ؛ كثير شعر الساعدين. وقال له: ارفع يديك فقل: اللهُ أكبرُ، الحمدُ لله الذي سلبهما كسرى بن هُرمز الذي كان يقول: أنا ربُّ الناس، وألبسهما سراقةَ بن مالك بن جُعشم أعرابيٌّ من بني مُدلج، ورفع بها عُمر صوته. وكان سراقةُ من أشراف مُدلج، يعدُّ في أهل المدينة. وكان قُدَيداً. ويقال: إنه سكن مكة. روى عنه من الصحابة ابن عباس وجابر. وروى عنه من التابعين سعيدُ بن المسيَّب وابنه محمد بن سراقة. ذكر عبدُ الرزاق عن ابن عُيينة، عن وائل بن داود، عن الزهري، عن محمد بن سراقة، عن أبيه سراقة بن مالك أنه جاء إلى النبي عليه السلام، فقال: يا رسول الله، أرأيت الضالَّةَ تردُ على حوض إبلي، ألي أجرٌ إن سقيتُها؟ فقال: في الكبد الحرَّي أجر. مات سراقةُ سنة أربع وعشرين في صدر خلافة عثمان. وقيل إنه مات بعد عثمان. ومن بني مُدلج وقاص بن مُحرِّز: استشهد يوم ذي قَردٍ حين أغار عيينةُ ابن حصنٍ على لقاح النبي عليه السلام.
ومن كنانة أبو ليث بن العلاء الكناني: سمع روح بن عُبادة. ومنهم حيَّان بن هلال الكناني أبو حبيب: سمع شعبة وحماد بن سلمة. ومن موالي كنانةَ أبو معبد عبدُ الله بن كثير الكناني الداريُّ الفطَّار: وهو قارئ أهل مكة، من أبناء فارس. وكان من الطبقة الثانية من التابعين. ألقى من الصحابة عبد الله بن السائب المخزومي، وقرأ عليه وعلى مجاهد بن جبر وقرأ على دِرباس مولى ابن عباس، وتوفي بمكة سنة عشرين ومئة. خُزيمة بن مُدركة: وولد خُزيمة كنانة، وقد تقدَّم ذكره، وأسداً، والهَون وهو أبو القارة، والقارةُ هم رماةُ الحدقِ. وفيهم قيل: " قد أنصف القارة من راماها ". وقال شاعر هم: دعونا قارةً لا تُنفِرونا ... فنُجفِل مثل إجفال الظَّليم والظليمُ: ذكر النعام. وفي القارة من الصحابة: مسعود بن ربيعة بن عمرو بن عبد العُزَّى ابن حمالة بن غالب بن مُحلِّم بن عايذة بن سُبيع بن الهَون بن خُزيمة: شهد بدراً، واستُشهد يوم خيبر، قال ابن ماكولاء: هو أَيثعُ بن الهَون؟. وقال ابن دريد: ييثعُ، وهو مأخوذ من ثاع - يثيعُ إذا اتَّسع. ومن القارة عبد الرحمن بن عبد القارئ: وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له منه سَماع، ولا لهُ عنه روايةٌ. وقال الواقدي: هو صحابي........... فلما دخل عليه قال له: بلغني أنك ذو بديهةٍ، فقل في هذه الجارية؛ لجارية
قائمة على رأسه. فقال جرير: مالي أن أقول فيها حتى أتأملها، ومالي أن أتأمل جارية الأمير. قال: بلى، فتأمَّلها واسألها. فقال لها: مل اسمك يا جاريةُ؟ فأمسكت. فقال لها الحجاجُ: خبرَّيه يا لخناء. فقالت: أمامةُ. فقال جرير: ودِّع أمامةَ حان منك رحيلُ ... إنَّ الوَداع لمن تحبُّ قليلُ مثلُ الكثيب تمايلت أعطافُهُ ... فالريحُ تَجبُرُ متنَهُ وتَهيلُ هذي القلوبُ صوادياً تَيَّمتِها ... وارى الشفاء وما إليه سَبيلُ فقال الحجاجُ: قد جعل اللهُ لكَ السبيل إليها، خذْها هي لم. فضرب بيدهِ إلى يدها، فتمنَّعت عنه. فقال: إنْ كان طِبَّكُم الدَّلالُ فإنهُ ... حسنٌ دلالُكِ يا أُمامُ جَميلُ فاستُضحك الحجاجُ، وأمرَ بتجهيزها معه إلى اليمامة. وخُبِّرت أنها كانت أهل الرَّيَّ، وكان إخوتُها أحراراً، فاتبعوهُ فأعطوهُ حتى بلَّغوه عشرين ألفاً. فلم بفعل. وفي ذلك يقول: إذا عَرضوا عشرين ألفاً تعرَّضت ... لأمِّ حكيمٍ حاجةٌ هي ماهيا لقد زدت أهل الريِّ عندي محبةً ... وحبَّبتِ أضعافاً إليَّ المواليا
فأولدها بلالاً وحكيماً ونوحاً. ويقال إنَّ الحِمَّانيَّ قاولَ بلالاً ذات يوم، فيما كان بينهما من الشرِّ. فقال يا بن أمِّ حكيم. فقال له بلال: ما تذكر من ابنه دهقان، أخيذةِ أماحٍ، وعطيةُ مالك ليست كأمك التي بالمُّروت تغدو على إثر ضانها، كأنما عَقِباها حوافر حمار فقال له الحِمُّانيُّ. أنا أعلم بأمِّك، إنما عتب عليها الحجاجُ في أمرٍ اللهُ أعلمُ به. فحلف أن يدفعها إلى ألأم العرب، فلما رأى أباك لم يَشْكُكْ. قال أبو عبيدة: حجَّ الفرزدق، فعاهد الله بين الباب والمقام أن لا يهجوَ أحداً، وأنْ يقيِّد نفسه، حتى يجمع القرآن قالت رَيداء بنتُ جرير: فمرَّ بنا الفرزدق حاجاً، وهو مُعادل النَّوار بنت أعين بن ضُبيعة امرأته، حتى نزل بلُقاط، ونحن بها، فأندى له جرير، ثم أتاه فاعتذر إليه من هجائه البعيث، وقال: فعل وفعل. ثم أنشده جرير، والنوار خلفه في فُسيطيط صغير. فقالت: قاتلهُ الله، ما أرقَّ منسبته وأشدَّ هجاءه! فقال لها الفرزدق: أترين هذا؟ أما إني لن أموت حتى أُبتلى بمهاجاته. فلما قدِمَ الفرزدق البصرة قيَّد نفسه، وقال توبةً من الشعر: ألم تَرَني عاهدتُ ربي وإنني ... لَبينَ رِتاجٍ قائماً ومقام على قسمٍ لا أَشْتِمُ الدهرَ مُسلماً ... ولا خارجاً من فيَّ سوء كلامِ " وأمضى " كذلك مدةً، ثم بلغه فحشُ جريرٍ بنساء مجا شع، فأحفظه ذلك ففضَّ قيده، وقال - وهو مُتخيَّرٌ من قصيدة:
ألا استَهزَأتْ مني هُنيدةُ أن رأتْ ... أسيراً يُداني خَطوَهُ حَلَقُ الحجْلِ لَعَمري لَئِن قيَّدتُ نفسي لطالما ... سَعَيتُ وأوضعتُ المطيَّةَ في الجهلِ فإن يكُ قَيدي كان نَذراً نَذرته ... فما بيَ عن أحسابِ قوميَ من شُغلِ أنا الضامنُ الراعي عليهم وإنما ... يُدافعُ عن أحسابهم أنا أو مِثلي ولو ضاعَ ما قالوا: ارْعَ منَّا، وجدتَهُمْ ... شِداداً على العالي من الحَسيِ الجزلِ فمهما أعِشْ لا يُضْمنوني ولا أَضَعْ ... لهمْ حَسَباً ما حرَّكت قَدمي نَعلي ولستُ إذا ثارَ الغبارُ على امرئ ... غداةَ الرِّهانِ بالبطيءِ ولا الوَغْلِ ولكنْ تُرى لي غايةُ المجد سابقاً ... إذا الخيلُ قادتها الجيادُ مع الفَحْلِ وإني لَمِن قومٍ يكونُ غسول هم ... قِرَي فأرةِ الداريِّ تُضْرَب في الغَسلِ فَما وجدَ الشافونَ مثلَ دِمائنا ... شِفاءٌ ولا الساقونَ من عسلِ النَّحلِ
ولجرير في الفرزدق من قصيدة طويلة: يُوصِّل حَبليه إذا جنَّ ليلُهُ ... ليرقى إلى جاراتهِ بالسلالم أتيتَ حدودَ اللهِ مُذ أنت يافعٌ ... وشِبتَ فما نهاكَ شيبُ اللهازمِ تَتَبَّعُ في الماخور كلَّ مُريبةٍ ... ولستَ بأهلِ المُحْصَناتِ الكرائمِ تَدَلَّيتَ تزنى من ثمانين قامةً ... وقصَّرت عن باعِ العُلا والمكارمِ عيَّره بقوله: هُما دلَّتاني من ثمانين قامةً ... كما انقضَّ بازٍ أقثَمُ الريشِ كاسِرُه ثم قال جرير: فإنكَ لا مُوفٍ بجارٍ أجرتَهُ ... ولا مُستَعفٌّ عن خَبيث المطاعِمِ هو الرِّجسُ يا أهل المدينة فاحذروا ... مَداخلَ رِجسٍ بالخبائث عالمِ لقد كان إخراجُ الفرزدقِ عنكمُ ... طَهوراً لما بين المصلَّى وواقمِ
وقال جرير، وكان اشترى مولىً من بني حنيفةَ من أهل اليمامة، يقال له: زيدُ بن النَّجار، جاريةً فأبغضته، وجعلت دمعتها لا ترقأُ على زيد: تُكلِّفني معيشةُ آل زيدٍ ... ومن لي بالمراقَّق والصِّنابُ وقالت: لا تضمَّ كضمِّ زيدٍ ... وما ضَمِّي وليس معي شبابي فأجابه الفرزدق فإن تَفرُكْكَ عِلجةُ آل زيدٍ ... ويُعْوزُكَ المُرقَّقُ والصِّنابُ فقِدْ ماً كان عيشُ أبيك مراً ... يعيشُ بما تعيشُ بهِ الكلابُ ولجرير في الغزل، وأحسنَ: إن العيون التي في طرفها مَرضٌ ... قَتَلْننا ثم لم يُحيينَ قَتْلانا يصرعْنَ ذا اللبِّ حتى لا حراكَ به ... وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا ومن بني غُدافة بن يربوع بن حَنظلة وكيعُ بن حسان بن قيس بن أبي سودٍ: قاتل قتيبةَ بن مسلم الباهليِّ في خرسان في خلافة سليمان بن عبد
الملك. ولجدِّه أبي سودٍ بن وكيع صحبةٌ ورواية. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في اليمين الفاجرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اليمينُ التي يقطع الرجلُ بها مالَ أخيه تُعقم الرحم ". رواه عبد الرزاق عن معمرٍ عن رجلٍ من بني تميم، عن أبي سودٍ. وكان وكيعٌ من سادات تميم وأبطالها، وكانت فيه أعرابيةٌ وغفلةٌ يُخدع بها. خاصم إلى إياس رجلٌ رجلاً في دين، وهو قاضي بالبصرة، وطلب منه البيِّنة، فلم يأته بمَقنع. فقيل للمُطالب: استجر وكيع بن أبي سُود حتى يشهدَ لكَ، فإن إياساً لا يجتريءُ على ردِّ شهادتك. فقال وكيعٌ: واللهِ لأَشْهدنَّ لك، فإن ردَّ شهادتي لأعمِّمنَّه السيف. فلما طَلع وكيعٌ فهم إياس فأقعده إلى جانبهِ، ثم سأله عن حاجته، فقال: جئتُ شاهداً. فقال له: يا أبا المطرف، أتشهدُ كما تفعل الموالي والعجمُ وأنت تجلُّ عن هذا؟ فقال: إذاً والله لا أشهدُ. فقيل لوكيع بعدُ: إنما خَدعك. فقال: أولى لابن اللَّخناء. ومنهم حارثةُ بن بدرٍ الغُدافيُّ: وكان رجل بني تميم في وقته، فارساً شاعراً، وكان غَلب على زيادٍ، وكان الشراب قد غلب عليه. فقيل لزياد: إن هذا قد غَلب عليك، وهو مستهترٌ بالشراب. فقال زياد: كيف باطِّراح رجل هو يُسايرني منذ دخلتُ العراق، ولم يصكُك ركابي ركاباهُ، ولا تَقدَّمني. فنظرتُ إلى قفاه، ولا تأخَّر عنَّي. فَلَويتُ عنقي إليه، ولا أخذَ عليَّ الشمس في شتاء قطُّ، ولا الرَّوح في صيفٍ قطُّ، ولا سألته عن علمٍ إلا ظننتُه لم يُحسن غيره. فلما مات زياد جفاهُ عُبيد الله، فقال له حارثةُ: أيها الأميرُ، ما هذا الجفاءُ مع معرفتك بالحال عند أبي المغيرة؟ فقال له عبيد الله: إنَّ أبا المغيرة قد كان برعَ برُوعا لا يَلحقهُ معه عيبٌ وأنا حَدَث، وإنما أنسب إلى من يَغلبُ عليَّ، وأنت رجل تُديم الشراب فمتى قرَّبتُك فظهرت رائحة الشراب منك لم آمن أن يُظنَّ بي، فدعِ الشراب، وكُن أول داخل عليَّ، وآخر خارج عني. فقال له حارثةُ: أنا لا أدعهُ لمن يملك ضَرِّي ونفعي، أفأدعُه للحال عندك؟ قال: فاختر من
عملي ما شئت. قال: تولِّيني " رام هُرمز " فإنها أرض عذاةٌ و " سُرَّق "، فإنَّ فيها شراباً وُصف لي، إياها. فلما خرج شيَّعة الناس. فقال أنسُ بن أُنيس الدُّؤلي: أحارِ بنَ بدرٍ قد وَلِيتَ إمارة ... فكن جُرَذاً فيها تَخونُ وتَسرقُ ولا تَحقِرَنْ يا حارِ شيئاً وجدتهُ ... فحظُّكَ من مُلك العراقين سُرَّقُ وباه تميماً بالغنى إنَّ للغنّى ... لساناً به المرءُ الهيوبةُ ينطقُ فإنَّ جميع الناس إمَّا مكذِّبٌ ... يقولُ بما يهوى، وإما مُصدِّقُ يقولونَ أقوالاً ولا يعلمونَها ... ولو قيل: هاتُوا حقِّقوا، لم يُحَقِّقُوا ومن بني يربوع أبو قُرَّة عِسلُ بن سُفيان اليربوعيُّ: روى عن عطاءٍ، وروى عنه شُعبةُ وحمَّاد بن زيد. ومن بني رياح بن يربوع عَتَّابُ بن وَرقاء: وهو أحدُ أجواد العرب، ويكنى أبا ورقاء. ووَليَ إصبهان في فتنة الزُّبير. ووجَّهه الحجاجُ على جيش أهل الكوفة في قتال الأزارقة، فَبيَّتهُ شبيب الخارجيَّ، فتفرَّق عنه جيشه، فقُتل.
ومنهم مَطُر بن ناجية: الذي غَلب على الكوفة أيام ابن الأشعث. والحرثُ ابن يزيد: صاحب الحسين بن علي. ومَعقِلُ بن قَيسٍ: صاحبُ علي بن أبي طالب، وهو الذي يقول فيه جرير: ومنَّا فتى الفتيان والبأس معقل ... ومنا الذي لاقى بدجلةَ مَعقلا وسحيم بن وثيل الشاعر. وقَعنَب بن أمِّ صاحبٍ الشاعر، وهو القائلُ: صُمٌّ إذا سَمعوا خيراً ذُكرت به ... وإنْ ذُكرتُ بسوءٍ عندهُم أَذنوا وابو الهندي الشاعر: وهو عبد المؤمن بن عبد القُدُّس بن شَبَثِ بن ربعيٍّ الرياحيُّ. وشَهدَ جدُّهُ شبث مع عليٍّ رضي الله عنه الجمل وصفِّينَ ثم فارقه حين التَّحكيم، وصار مع المحكمةِ، قال هذا المبِّردُ. وقال مسلم: أبو عبد القدوس شبثُ بن ربعي الحنظلُّي عن عليٍّ روى عنه محمدُ بن كعب. وقال الأزهريُّ الموصليُّ الحافظ: شبث بن ربعي فيه نظر، هو أوَّلُ من حرَّر الحرورية. وكان أبو الهندي قد غَلب عليه الشراب على كرم منصبه وشرف أسرته، حتى كادَ يُبطلهُ. وكان عجيب الجواب، فجلس غليه رجلٌ مرةً، وكان أبوه صُلب في خِرابةٍ. والخِرابةُ: سَرَقُ الإبل خاصَّةً. فاقبل يُعرِّض لأبي الهنديِّ بالشراب، فلما أكثر عليه قال أبو الهندي: أحدهم يرى القَذاةَ في عين أخيه، ولا يرى الجِذع في إست أبيه.
ومرَّ نصرُ بن سيار الليثيُّ بأبي الهندي، وهو يميل سُكراً. فقال: أفسدت شرفك. فقال أبو الهندي: لو لم أُفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان. وحجَّ به نصرُ بن سيار مرةً، فلما وردَ الحَرم قال له نصر: إنك بفناء بيت الله، ومحلَّ حَرمهِ، فدعْ ليَ الشراب. فوضعه بين يديه، وأقبل يشرب ويبكي ويقول: رضيعُ مُدامٍ فارق الرَّوح روحه ... فظلَّ عليها مُستهلَّ المدامع أَديرا عليَّ الكأس إنِّي فقدتُها ... كما فقد المفطومُ درَّ المراضع وكان يشربُ مع قيس بن أبي الوليد الكنانيِّ. وكان أبو الوليد ناسكاً، فاستعدي عليه وعلى ابنه فهربا منه. وقال أبو الهنديِّ قُل للسَّريِّ أبي قَيسٍ: أتُوعد ... ودارنا أصبحت من داركم صَدَدا؟ أبا الوليد أَمَا والله لو عَملت ... فيك الشَّمولُ لمَا حَرَّمتَها أبدا ولا نسيتَ حُميَّاها ولذتَها ... ولاعدلت بها مالاً ولا وَلدا ومن موالي رياح أبو العالية رُفيع بن مهران الرِّياحيُّ البصري: مولى امرأةٍ من بني رياح، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر. وتُوفي سنة ثلاث وتسعين. وذُكر الحسنُ لأبي العالية فقال: رجلٌ مسلمٌ يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، وأدركنا الخير، وتعلَّمنا قبل أن يولد الحسنُ. ومن بني العَنبر بن يربوع سَجاحِ بنت أوس: كذا قال أبو عبيد في كتاب النَّسب له، وقال ابن قُتيبة في " المعارف "، والمبرد في " الكامل ": هي من بني
حرام بن يربوع. ولم يَذكر أبو عبيد في بني يربوع بن حنظلة حَرَاماً. وسَجاجِ هي التي تنبأت، وهي صاحبةُ مُسليمة الكذاب. وتُكنى أمَّ صادر. وأسلمت بعد قتله. وقال ابنُ الكلبي: قُتلت مع مُسيلمة، ولم تُسلم. وفيها يقول عُطاردُ بن حاجب بن زُرارة: أَضحتْ نبيَّيُنا أُنثى تُطيفُ بها ... وأصبحت أنبياءُ الناس ذُكرانا وكان مُؤذنها زهير بن عمرو من بني سليط بن يربوع. ويقال: إن شَبَثَ ابن ربعيٍّ الرياحيَّ أذَّن لها أيضاً ومن بني سَليط بن يربوع المُساور بن رِئاب: وكان أحد الأجواد. وفيه يقول أعشى بني أبي ربيعة: لا تُجاوز إلى فتىً تَعتفيه ... حين تَلقى المساور بن رِئابِ ومن بني سَليط الزُّبير بن علي وعُبيد الله بن بشير بن الماخور: وكانا من رؤوس الخوارج. وقُتل ابن الماخُور يوم " سُلَّى وسُلِّبرَي ". وفي قتله يقول بعض أصحاب المهلَّب: ويوم سُلِّى وسُلَّبرى أحاط بهم ... منا صواعقُ لا تُبقي ولا تَذَرُ حتى تركنا عبيد الله مُنجدلاً ... كما تجدَّلَ مالَ مُنقعرُ ومن بني الفُضيل بن عياض بن مسعودٍ أبو علي: سمع منصوراً
والأعمش وغيرهما. ووُلد بأبيورد من خراسان، وقدم الكوفة، وهو كبيرٌ، فسمع بها الحديث ممن ذُكر. ثم تعبد وانتقل إلى مكة، فنزلها إلى أن ماتبها سنة سبعٍ وثمانين ومئة. ومن بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تَميم البراجم: وهم خمسُ قبائل: عمرو، والظَّليم، وكُلفَة، وقيس، وغالب.. بنو حنظلة لصُلبه. والبراجم: أصابع اليد سُمُّوا بها. وفي البُراجم من الصحابة خارجةُ بن الصَّليت البُرْجُميُّ: يعدُّ في الكوفيين. روى عنه الشَّعبيُّ. ومنهم عُمير بن ضابيء البرجميُّ: وهو الذي دخل على الحجاج بن يوسف حين ولى العراق، وحشَرَ الناس إلى المهلب بن أبي صفرة لحرب ألأزارقة. وهو شيخ يرعش كِبراً. فقال: أيها الأمير إني من الضعف على ما ترى. ولي ابنٌ هو أقوى على الأسفار مني، فتقبَّله بدلاً مني. فقال الحجاج: نفعل أيها الشيخ. فلما ولَّى قال له قائلٌ: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا. قال: هذا عُمير بن ضابىء البرجميُّ الذي يقول أبوه: هَممتُ ولم أفعل وكدتُ وليتني ... تركتُ على عثمان تَبكى حلانلُهْ ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولاً، فوطىء بطنه، فكسَر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردُّوهُ. فلما رُدَّ قال له الحجاجُ: أيها الشيخُ، هلا بعثتَ إلى أمير المؤمنين عثمان بدلاً يوم الدار؟ إن في قتلك أيها الشيخُ لصلاحاً للمسلمين، يا حارسيَّ اضربا عنقه. فجعل الرجلُ يَضيقُ عليه أمرُهُ، فيرحل ويأمرُ وليَّه أن يَلحَقهُ بزاده. ففي ذلك يقول عبد الله بن الزُّبير الأسَديُّ؛ أسدُ خُزيمة: تجبَّرْ فإمَّا أن تزور ابن ضابيءٍ ... عُميراً، وإما أن تَزور المُهلَّبا
هُما خطَّتا خَسفٍ نجاؤك منهما ... ركوبُك حولياُ من الثلج أَشهبا فما إن أرى الحجاجَ يرفع سيفهُ ... عن القتل، حتى يترك الطفل أشهبا وكان من قصة عُمير بن ضابيءِ بن الحرث البُرْجُميِّ، أن أباهُ ضابيءَ بن الحرث وجب عليه حبسٌ عند عثمان وأدب. وذلك أنه كان استعار من قومٍ كلباً، فأعاروه إياه، ثم طلبوه منه. وكان فحَّاشاً، فرمى أمَّهم به، فقال في بعض كلامه: وأمَّكُمُ لا تتركوها وكلبَكُمْ ... فإن عقوق الوالداتِ كبيرُ فاضطغن على عثمان ما فعل به. فلما دُعي ليؤدَّب شَكَّ سكِّيناً في ساقه ليقتل بها عثمان، فعثر عليه، فأَحسنَ أدبه. ففي ذلك يقول: وقائلةٍ إن مات في السجن ضابيءٌ ... لَنعم الفتى تَخلو به وتُواصلُه وقائلةٍ لا يَبْعدنْ ذلك الفتى ... ولا تَبعدنْ أخلاقُه وشمائلُه وقائلةٍ لا يُبعِدِ الله ضابئاً ... إذا الخصمُ لم يوجَدْ له من يُقاولُه هممتُ ولم أفعلْ وكديُ وليتي ... تكتُ على عثمانَ تبكي حلائلُه ولضابيء: وما عاجلاتُ الطير تُدنى من الفتى ... نجاحاً ولا عَن رَيثهِنَّ يَخيبُ
وربَّ أمورٍ لا تَضيرُك ضيرةً ... وللقلبِ من مَخْشاتهنَّ وجيبُ ولا خيرَ فيمَن لا يوطِّنُ نفسهُ ... على نائباتِ الدهر حين تَنوبُ ومن بني ربيعة بن حنظلة بن مالك، وهو أخو البَراجِمِ عُروة بن أُديَّة، ومِرداس بن أُديَّة: وأُديَّة جدة لهما من محارب نُسِبا. إليها. ويقال: بل كانت ظئراً لهما. وهما ابنا حُدَير أحدُ بني ربيعة بن حنظلة. وسيفُ عروةَ أول سيف سُلَّ من سيوف الخوارج، وذلك أنه أقبل على الأشعث، فقال: ما هذه الدَّنية يا أشعث؟ وما هذا التحكيم؟ أشرطٌ أوثقُ من شرطِ الله؟ ثم شهر عليه السيف والأشعث موَلٍّ، فضرب به عجزُ البغلة. فشبَّت البغلةُ، فنفرت اليمانيةُ، وكانوا جلَّ أصحاب علي رحمه الله. فلما رأى ذلك الأحنفُ قصد هو وجارية بن قُدامة ومسعود بن فَدَكيِّ بن أعبُد وشبت بن ربعيٍّ الرياحيِّ إلى الأشعث. فسألوه الصفح ففعل. وكان عروة بن أُديَّة نجا من حرب النّهروان، فلم يزل باقياً مدةً من خلافة معاوية، ثم أي به زيادٌ ومعه مولىً له، فسأله عن أبي بكر وعمر فقال: خيراً. ثم سأله فقال: ما تقول في أمير المؤمنين عثمان رحمهُ اللهُ وأبي التراب؟ فتولى عثمان ستَ سنين من خلافتهِ، ثم شهد عليه بالكفر. وفَعل في أمر عليٍّ عليه السلامُ مثل ذلك، إلى أن حكَّم، ثم شهد عليه بالكفر. ثم سأله عن معاويةَ فسبَّهُ سبّاً قبيحاً، ثم سأله عن نفسهِ، فقال: أوَّلُك لزنيةٍ وآخرُك لِدعوة، وأنت بعدُ عاص لربك. فأمر به فضُربت عنقُه. ثم دعا مَولاهُ فقال: صفْ لي أموره، فقال: أُطْنِبُ أم أَختصر؟ قال: بل اختصر. قال: ما أتيتُهُ بطعامٍ بنهارٍ قطُّ، ولا فرشتُ له فراشاً بليلٍ قطُّ. قال المؤلف، وفقه الله: وهذا الشقيُّ البائس، وإن كان صائمَ النهار قائم اليل فقد أَحبط اللهُ عملهُ بتكفير الخليفتين الراشدَين المهْدِيَّين، رضي الله عنهما، وخروجه عن الجماعة، وسلِّه السيف " في الطر " يق الخاسرِ. وهو حقاً ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيأتي قومٌ يقرؤون القرآن، لا يُجاوزُ تَراقيَهُم،
أو يعدو تراقيهم، يَمرقون من الإسلام، كما يَمرُقُ السهمُ من الرميَّة لا يعودون في الإسلام، حتى يعود السهمُ على فُوقهِ، طوبى لمن قَتَلهم أو قتلوهُ " روى هذا الحديث أبو أُمامةَ صُديُّ بن عجلان الباهليُّ صاحبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ورواهُ عن أبي أُمامة أبو غالب حَزَوَّرُ. وروى عن أبي غالب سفيان بن عُيينةَ وحماد بن زيد، كذا قال مُسلم في الكنى، وقال غيرُه: وروى عن غالب أزهرُ بن صالح هذا الحديث في كتاب الشريعة للآجُريِّ. وروى سفيانُ بن عُيينة عن معمر ابن طاووس، عن أبيه قال: ذُكر لابن عباس الخوارج، وما يُصيبهم عند قراءة القرآن، فقال: يؤمنون بمُحكمه، ويَضلُّون عند مُتشابههِ وقرأ:) وما يعلم تأويلهُ إلا الهُ والراسخون في العلم يقولون: آمنَّا بهِ، كلٌّ من عند ربِّنا (. وروى سفيان أيضاً عن عبد اله بن أبي يزيد قال: سمعتُ ابن عباس، وذُكر الخوارجُ، فقال: حيارى سُكارى ليسُوا بيهود ولا نصارى. وروى أن علياً رضي الله عنه تُليَ بحضرته، " قُل: نُنبِّئكُم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً ". فقال علي: أهلُ حَروراءَ منهم. وروى بُكيرُ بن عبد الله بن الأشجِّ عن بسر بن سعيدٍ عن عُبيد الله بن أبي رافع مولى أم سلمة أن الحرورية لما خرجوا، وهم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالوا: لا حكم إلا لله. فقال عليٌّ: أجلْ كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطل. وكان أبو بلال مرداس بن حُدير أخو عروة مجتهداً كثير الصواب في لفظه، وكان قد شَهد صفِّين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنكر التحكيم، كما أنكرهُ أخوه عروةُ، وشهد النهر، ونجا. وكان ابن زياد حبَسهُ. فلما خَرج من حبسهِ خَرج عليه في أربعين رجلاً، فوجَّه إليهم ابنُ زياد أسلم بن
زُرعة الكلابيَّ في ألفين، فهزموهُ فلما وردَ علي ابن زيادٍ غضب عليه غضباً شديداً، وقال: ويلك، أتمضي في ألفين فتهزم لحملةٍ من أربعين؟ وكان أسلم يقول: لأنْ يذُمَّني ابن زياد حياً، أحبُّ إليَّ من أن يمدحني ميِّتاً. وكان إذا خرج إلى السوق أو مرَّ بصبيانٍ صاحوا به: أبو بلال وراءك. حتى شكا ذلك إلى ابن زيادٍ لهم الناس، فاختار عباد بن أخضر، ولس بابن أخضر هو عبادة بن علقمة المازنيُّ التميميُّ. وكان أخضر زوج أمَّه، فغلب عليه، فوجَّهه في أربعة آلاف فنهد لهم فقاتلهم عباد يوم الجمعة حتى حان وقت صلاة الجمعة، فنادهم أبو بلال: ياقوم، هذا وقت الصلاة فوادعونا حتى نصلي وتصلوا. قال: ذلك لك. فرمى القوم أجمعون بأسلحتهم، وعمدوا للصلاة. وأسرع عباد، ومن معه، والحرورية مبطئون، فهم بين الراكع ساجد وقائم في للصلاة وقاعد حتى مال عليهم عباد ومن معه. فقتلوهم جميعاً، وأتى برأس أبي بلال، فلما فرغ من أولئك الجماعة أقبل بهم فصلبت رؤوسهم وفيهم داود بن شبث وكان ناسكاً. وفي قتل أبي بلال يقول عمران بن حطَّان السَّدوسي، وكان من قعد الخوارج شاعرا ًمجيداً: لقد زادَ الحياةَ إلىَّ بُغْضهاً ... وحباً للخروجِ أبو بلال أُحاذِرُ أن أموتَ على فراشي ... وأرجو الموت تحت ذُرا العوالي فمن يك همُّه الدنيا فإني ... لها واللهِ ربِّ البَيتِ قال وفيه يقولُ من أبياتٍ: أنكرتُ بعدكَ ما قد كنتُ أَعرفُه ... ما الناسُ بعدكَ يا مرداسُ بالناسَ
ومن بني ربيعة بن مالك بن حنظلة الحَنتفُ بن السجف بن سعد بن عوف بن زهير بن مالك: كان يُكنى أبا عبد الله، وكان دَيِّناً شريفاً. وكانت له منزلةٌ من عُبيد الله بن زياد. ولما وقعت فتنةُ ابن الزبير سار حُبيشُ بن دَلجةَ القَينيُّ من قُضاعة إلى المدينة يريد قتال ابن الزُّبير، فعقد الحرثُ بن عبد الله المخزوميُّ القُباع، وهو أمير البصرة، للحنتف لواءً، فسار في سبعمئةٍ، وخرج إليهم حُبيش من المدينة، فلقيهُم بالرَّبذة. فقتل الحنتف حُبيشاً وعبيد الله بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وانهزم الحجاجُ بن يُوسف، وأبوه يومئذٍ. وقال توسعةُ في ذلك: ونجَّى يوسف الثقفيَّ ركضٌ ... دراك بعدما سقطَ اللواءُ ولو أدركتهُ لقضينَ نَحباً ... به ولكلِّ مُخطئةٍ وِقاءُ ثم سار الحنتف نحو الشام، حتى إذا كان بوادي القُرى سُمَّ في طعامه، فمات هناك. وبنو ربيعة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مُر لصلبه حُبيش ورزام وكعبٌ: يقال لهم الخِشاب. وفيهم يقول جرير من قصيدةٍ طويلة: أثعلبةَ الفوارِس أم رِياحاً ... عَدلتَ بهم طُهيَّةَ والخشابا وأمُّ حبيش بن ربيعة أخي رزامٍ وكعبٍ حُطَّى على مثال حُبلى، وبها يُعرف بنوه.
ومن موالي بني يربوع بن مالك بن حنظلة أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب البصريُّ: رأس المعتزلة. اعتزل الحسن وأصحاب له، فسُموا المعتزلة. وكان مجتهداً في العبادة. ومات عمرو في طريق مكة، ودُفن بِمَران على ليلتين من مكة، على طريق البصرة، وصلى عليه سليمانُ بنُ عبد الله بن عباسٍ، ورثاهُ أبو جعفرٍ المنصورُ، فقال: صلى الإلهُ عليك من مُتوسِّدٍ ... قبراً مررتُ بهِ على مَرَّان قبراً تَضمَّنَ مؤمناً مُتحنِّفاً ... صدق الإله ودانَ بالعِرفانِ فلو أنَّ هذا الدهرَ أَبقى صالحاً ... أبقى لنا حياً أبا عُثمانِ ......ومن بني حنظلة بن مالكٍ أبو القاسم الأصبَغُ بن نُباتَةَ الحنظليُّ ... ومن بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة أخي حنظلة بن مالك عَلقمة بن عَبدةَ الفحلُ الشاعر، وأخوهُ شأسٌ. والرَّبايعُ ثلاثةٌ: ربيعة الكبرى ابنُ مالك بن زيد مناة المذكور: وهو ربيعة الجوع، وهو عمُّ ربيعة الأوسطُ. والأوسطُ هو ربيعةُ بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة. والأصغرُ هو ربيعة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة. وكلُّ واحدٍ منهم عمُّ صاحبهِ. ومن مالي ربيعة الجوع حَمَّادُ بن سَلَمةَ بن دينارٍ: وهو ابنُ أختِ حُميد
الطويل، وأمُّه مولاةُ خُزاعة. مات بالبصرة سنةَ سبع وستين ومئة. وحمادٌ من جِلَّة المحدّثين. وأمَّا عمرو بن تَميم فولَد أسيِّداً، بطنٌ، والعنبر، بطن وهو خُضَّم. والهجيمَ، بطن. والحرث الحَبط، بطن، وابن ابنه مارزن بن مالك بن عمرو بن تميم، بطنٌ. وقليباً، بطن، والنسب إليه معروف. فمن بني أُسيِّد، والنسب إليه أُسديٌّ بالتخفيف، وإذا سُمَّيت شدَّدت. حنظلةُ بن الربيع بن صيفيٍّ: الكاتب من الصحابة. وهو ابن أخي أكثم بن صيفي، حكيم العرب. وأدرك أكثمُ بن صيفي مُبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابنُ مئةٍ وتسعين سنةً. وكان يوصي قومه بإتيان النبي عليه السلام، ولم يُسلم. وكان قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسُرَّ بجوابه. ويُكنى حنظلةُ أبا ربعي، وهو من بطن بني أسيِّد، يقال لهم بنو شُريف، وبنو أسيِّد من أشراف بني تميم. قال أبو نافع بن الأسود التميميُّ يفخر بقومه: قومي أسيِّدُ إن سألتَ ومَنصبي ... ولقد علمتَ مَعادنَ الأحسابِ وحنظلةُ أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُعرف بالكاتب. شهد القادسية، وهو ممَّن تخلَّف عن علي في قتال أهل البصرة يوم الجمل. جلُّ حديثه عند أهل الكوفة. ولما تُوفي رحمه الله جزِعت عليه امرأته فنَهيْنَها جاراتها، وقُلن: إنَّ هذا يُحبط أجركِ. فقالت: تعجبت دعدُ لمحزونةٍ ... تبكي على ذي شَيبةٍ شاحبِ إن تسأليني اليوم ما شفَّني ... أُخبركِ قولاً ليس بالكاذبِ
إن سوادَ العينِ أَودي به ... حزنٌ على حَنظلةَ الكاتبِ ومات حنظلة في إمارة معاوية بن أبي سفيان، ولا عقبَ له. ومن بني أسيِّد هند وهالة: ابنا أبي هالة، وكانا رَبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأدركا الإسلام فأسلما. وأبو هالة اسمه زُرارةُ بن النَّباش بن وَقدان بن حبيب بن صُرَدِ بن سلامة بن جِروةَ بن أسيِّد بن عمرو بن تميم. وقُتل هندُ بن أبي هالة يومَ الجمل مع علي رضي الله عنه. وقُتل ابنُه هندُ بن هندٍ مع مصعب بن الزُّبير أيام المختار. وقيل: مات بالبصرة في الطاعون الجارف، فازدحم الناس على جنازته، وتركوا جَنائزهم، وقالوا: ابنُ ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونادت امرأة: واهنداهُ بن هنداهُ. فمال الناسُ إليه. وكان هند بن أبي هالة وصَّافاً فصيحاً. وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن وأتقن. وقد شرح أبو عبيد القاسم بن سلاَّمٍ وابنُ قتيبةَ وصفه ذلك لما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة. وروى عنه أهلُ البصرة حديثاً واحداً، ذكره أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب الصحابة. فقال: حدَّثنا خلفُ بن قاسم أبو القاسم الحافظ قال: نا سعيد بنُ السَّكن قال: حدثني محمد بن جُبير بن عيسى الواسطيُّ بمصر قال: نا السَّريُّ بن يحيى عن مالك بن دينارٍ قال: حدثني هندُ بن خَديج زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: مرَّ النبي عليه السلام بالحكم أبي مروان بن الحكم قال: فجعل يَغمزُهُ. فالتفتَ إليه النبيُّ عليه السلام فقال: اللهمَّ اجعل به وزعاً. فرجف مكانه. والوزعُ الارتعاش. ومن بني أُسَيِّد حُرَيثُ بن السَّائِب الأسيديُّ: سمع الحسن. روى عنه ابن المبارك والنَّضرُ بن شُميل ومسلم بن إبراهيم. ومن بني العنبر بن عمرو بن تميم عامرُ بن عبد الله العنبريُّ: العابد، ويُكنى أبا عبد الله. وهو عامرُ بن عبد قيس من ولشد كعب بن جُندب. كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، ولم يره. وهو من كبار التابعين،
وكان خيِّراً فاضلاً. ورآه عثمانُ يوماً في دِهليزه، فرأى شيخاً ثطَّاً أَشغى في عباءة. فأَنكر مكانه، ولم يعرفْهُ. فقال: يا أعرابيُّ، أين ربُّك؟ قال: بالمرصاد. وسيَّره عبد الله بن عامرٍ إلى الشام بأمر عثمان. فمات هناك، ولا عقبَ له. ومنهم أبو بشرٍ الوليد بن مسلم العنبريُّ: " روى " عن خُبيب بن عبد الله وعن أبان مولى عثمان بن " عفان، وروى " عنه خالدٌ الحذّاء ومنصور. ومنهم أبو عبد الله سَوَّارُ بن عبد الله العنبريُّ: قاضي البصرة لأبي جعفر المنصور، وأقام قاضياً بها سبع عشرة سنةً، ووَلى صلاة البصرة مرتين. ومات وهو أميرها سنة ستٍّ وخمسين ومئة. وأبوهُ أبو السوَّار عبد الله بن قُدامة بن عَثرة من ولد كعب بن العنبر. روى عن أبي بَرزةَ الأسلميِّ. وروى عنه تَوبةُ العنبريُّ. ووَلى أيضاً قضاء البصرة مثل ابنهِ سوَّار. وابو السوَّار معدود في الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، قاله مسلم. وولى عبدُ الله بن سَوَّار القضاء بعد أبيه. ووليَ القضاء ابنُ ابنه أيضاً وهو سوَّار بن عبد الله. فَوَلوا القضاء أربعةً في نَسقٍ. وخرَّج عن سوار الأخير التِّرمذسُّ. وكان سوار أبو عبد الله فقيهاً، عدلاً، صالحاً. رُوي أن رجلاً من الأعراب تقدَّم إلى سوارٍ في أمر فلم يصادف عنده ما يجبُ، فاجتهد، فلم يظفر بحاجته، قال: فقال الأعرابيُّ، وكانت في يده عصاً: رأيتُ رؤيا ثم عبَّرتُها ... وكنت للأحلام عبَّارا بأنَّني أخبطُ في ليلتي ... كلباً، فكان الكلبُ سوَّارا ثم أنحى على سوَّار بالعصا، قال: فما عاتبهُ سوَّار بشيءٍ. ومات رجلٌ بالبصرة، كان لأبي جعفر المنصور عليه مال. وكانت عليه ديون للناس
فكتب المنصور إلى سوَّار: بلغني أن فلاناً تُوفي، فانظر في تَركته، فاستوف منها مالنا قِبَلَهُ، واقسم ما بقي من الغرماء. فكتب إليه سوَّار: وصلني كتابُ أمير المؤمنين، وعلمتُ ما تضمَّنه، وإني قدَّمت كتاب الله على كتابه. وإنما أميرُ المؤمنين غريم من الغرماء، يَسعُهُ ما يسعُهُم. فكتب إليه المنصورُ: ملأتُ بك الأرض عدلاً يا سوَّارُ. ومنهم عبيد الله بن الحسن بن الحُصين القاضي: وهو ابن عمِّ سوَّار. وكان عبيد الله أحد الأدباء الفقهاء الصُّلحاء. وذكر ابن عائشة أن عبيد الله بن الحسن شهد عندَه رجلٌ من بني نَهشَلٍ على أمرٍ أحسبه دَيناً. فقال له: أتروي قول الأسود بن يَعفُر: نام الخليُّ فما أُحسُّ رُقادي؟ فقال له الرجل: لا. فردَّ شهادته، وقال: لو كان في هذا خيرٌ لروي شرف أهله. ومات عبيد الله بن الحسن سنة ثمانٍ وستين ومئة. ومنهم طلحة العنبريُّ أبو خلف: سمع الشعبيَّ، روى عنه موسى بن إسماعيل. ومنهم أبو هبيرة عبد الوارث بن سعيد العنبري، ويُعرف بالتنُّوري. سمع أيوب وإسحاق بن سُويد، روى عنه الثوريُّ وابنه عبد الصمد. وروى مسلم عن ابن ابنه عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث. ولم يكن عبدُ الوارث بن سعيد من أَنفس بني العنبر، وإنما كان مَولى لهم، ومَولى القوم منهم. وتُوفي بالبصرة في المحرَّم سنةَ ثمانين ومئة. ومنهم أبو عبد الله مَندَل بن علي العنبريُّ: الكوفي المحدِّث. روى عن ابن جريج عن إبراهيم بن مَيسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: أبصر النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً وقد جلسن فاتكأ على يدهِ اليسرى. فقال: هذه جِلسةُ المغضوب عليهم. وماتَ مندل سنة ستٍ وسبعين ومئة. وأخوهُ حِبَّانُ بن علي: من حَملةِ الحديث. وروى مَندل وحِبَّان ابنا علي
عن يونس بن يزيد، عن عُقيل، عن أبن شِهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباسٍ قال: خيرُ الأصحاب الأربعة. ومنهم مُعاذ بن معاذٍ أبو المثنَّى العنبريُّ: وكان من جِلَّة المحدِّثين.. وتُوفي سنة ستٍ وتسعين.. وبنو العنبر الصَّميمُ من ولد إسماعيل شهد لهم بذلك النبيُّ عليه السلام. يُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشةَ رضي الله عنها، وقد كانت نذَرت أن تُعتق قوماً من ولد إسماعيل فسُبيَ قومٌ من بني العنبر: " إنْ سرَّكِ أن تُعتق الصميم من ولد إسماعيل فأَعتقي هؤلاء ". وبنو العنبر يقال لهم خُضَّم. وفيهم يقول طريف بن تميم العنبريُّ في الجاهلية: حَولي أُسيِّدُ والهُجَيمُ ومازنٌ ... وإذا حللتُ فَحولَ بَيتي خُضَّمُ وقال أبو عبيدة مَعمر بن المثنى: والعنبرُ يسمَّى خُضَّم. وأولُ قصيدة طريف: أوَ كُلَّما وَردتْ عكاظَ قبيلةٌ ... بعثوا إليَّ عَريفَهم يَتوسَّمُ فتوَسَّمُوني إنَّني أناذاكمُ ... شاكٍ سِلاحي في الحوادثِ مُعْلَمُ تَحتي الأَغرَّ وفوقَ جِلدي نَثْرةٌ ... زَغْفٌ تَردُّ السيفَ وهْوَ مُثَلَّمُ نثرة: درع. والزغف: الواسعةُ، وقيل: اللينةُ. ومن العنبر بنو دُغَةَ بنت مغنج التي يقال فيها: " أحمقُ من دُغَةَ "؛ ودُغةُ: أبوها، هو ربيعةُ بن عِجْل بن لُجَيم، تزوَّجها عمرو بن جُندب بن العنبر فَوَلدت
له. فبنوهُ يقال لهم: بنو دُغةَ. ولها أخبارٌ طربفة مُضحكة في الحمق. منها أنها لما أخذها الطَّلْقُ لم تدرِ ما في بطنها، فخرجت إلى البراز للتبرُّز، فوضعتْ ذا بطنها، ثم انصرفتْ إلى حاضنتِها، فقالت: يا هنتاهُ، هل يفتح الجَعْرُ " فاهُ "؟ قالت: نعم، ويَدعو أباهُ. وانصرفت الحاضنة فأتت بالمولود. وقال ابنُ عبد ربه في العقد: إنَّ دُغةَ من إياد بن نزار. وأمُّ العنبر والهُجيم وأسيِّد بني عمرو بن تميم أمُّ خارجة بنت سعد بن قُرادٍ من " بَجيلةَ ". ومنهم أبو الهُذيل زُفَرُ بن الهُذيل: صاحبُ الرأي. وكان قد سمع الحديث وغلبَهُ الرأيُ، ومات بالبصرة. وكان أبوهُ الهُذيل على إصبهانَ. ... ومنهم عبد الرحمن ... من كبار حَمَلة الحديث. روى عن مالك وغيره من الجلَّة الثقات. ومات سنةَ ثمانٍ وتسعين ومئة، وهو ابنُ ثلاثٍ وستين سنةً، ويُكنى أبا سعيد. ومنهم عباس بن عبد العظيم العنبريُّ: صاحب ابن معين. ومنهم بني الهُجيم بن عَمرو بن تميم، ويقال لبني الهُجيم " الحِبالُ " أبو تميمة الهُجَيميُّ: واسمه طريفُ بن مُجالدٍ، ذكره العُقيليُّ في الصحابة، وروى عنه حديثاً لا يصحُّ إسنادُهُ. ولا يُعرف في الصحابة أبو تميمةَ، والصحيحُ أنه تابعيٌّ بصْريٌّ، يروى عن أبي هُريرةَ وأبي موسى. وروى عنه قتادةُ وبكر بن عبد الله المُزَينُّي. قال: نا أبو حاتمٍ قال: قال أبو تميمة، وأَسرتْه الترك: ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... وِسادي كفٌّ في السِّوارِ خضيبُ وبينَ بني سَلَّى وهَمدانَ مَجلسٌ ... على نأيهِ منِّى إليَّ حَبيبُ كرامُ المساعي يأمنُ الجارُ فيهمُ....... الخطابِ مُصيبُ
وقال عمرو بن علي: كان أبو تميمةَ رجلاً من العرب، فباعه عمُّه، فأغلظتْ له مولاتُهُ. فقال لها: وَيحكِ إني رجلٌ من العرب. فلما جاء زوجها قالت له: ألا ترى ما يقول طريف؟ فسأله، فأخبره، فقال خذه هذه الناقة....النفقة، فالحق بقومكَ. فقال: واللهِ لا ألحقُ بقومٍ باعوني أبداً. فكان ولاؤُهُ لبني الهُجيم حتى ماتَ. ومنهم أبو جُدَي الهُجَيميُّ: واسمُه سُليم بن جابر، وقيل: جابر بن سُليم، وهو الأصحُّ. له صحبةٌ وسماعٌ من النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو رَجاءٍ العُطارديُّ وأبو تميمة الهُجَيميُّ وعَقيل بن طلحة وغيرهم. وعِدادُهُ في أهلِ البصرة، وحديثه عندهم. ومن بني الحرث بن عمرو بن تميم، والحرثُ هو الحَبِطُ. وقيل له الحبطُ، لأنه أكل طعاماً فَحَبِط به. والنسبُ إليه حَبَطَي، بفتح الباء. ويقال لوَلدِه الحَبشطاتُ عبَّاد بن الحُصين الحَبَطُّي: وكان من فرسان العرب، مقدَّماً في تميم. ووَلى شُرطةَ البصرة أيام ابن الزُّبير. وكان مع مُصعب أيام المختار. وأبلى يوم أبي فُدَيكٍ الخارجيّ ما لم يُبلِهِ أحداً يُعدَلُ بألف فارس حتى رأيت عباداً. وكان ابنه جَهْضمُ، وبه كان يُكنى، مع ابن الأشعث، فقتله الحجاجُ. ومن بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم أبو عمرو بن العلاء بن عمَّار بن عبد الله بن الحُصين بن الحرث بن جُلهم بن خُزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم: وجدُّه عمار يَروي عن علي رضي الله عنه. فممَّا روى عنه ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الصحابة عند ذكر عليٍّ وسياق فضائله. قال أبو عمر: حدثنا سعيد بن نصر قال: نا قاسمُ بن أَصبغ قال: نا محمد بن عبد السلام الخشني قال: نا أبو الفضل العباسُ بن محمد الرياشيُّ قال: نا أبو عاصمٍ الضحاكُ بن مَخْلدٍ عن مُعاذِ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء عن أبيه، عن جدِّه قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب يقول: ما أصَبْتُ من فِيكم إلا
هذه القارة أهداها لي الدِّهقانُ. ثم نزلَ إلى بيت المال ففرَّقَ كلَّ ما فيه، ثم جعل يقول: أفلح مَن كانتْ لهُ قَوْصَرَّهْ يأكلُ منها كلَّ يومٍ مرَّهْ وأمُّ أبي عمرو عائشة بنت عبد الرحمن بن ربيعة بن بكر من بني حنيفة. ولحق من الصحابة أنسَ بن مالك وغيره ممَّن تأخَّر موتُه من شباب الصحابة، لكن لا تحفظُ له عن أحدٍ منهم رواية. وهو من القُرَّاء السَّبعة، قرأَ على جماعةٍ من التابعين، منهم مُجاهد وَسعيد بن جُبير وعِكرمةُ بن خالد وعبد الله بن كثير وعطاءُ بن رَباح وحُميدُ بن قيس الأعرجُ وأبو جعفر يزيدُ بن القعقاع وشيبةُ بن نِصاح ويزيدُ بن رومان والحسن بن أبي الحسن البَصري ويحيى بن يعمر. وأخذ قراءتهُ عنه أبو محمدٍ يحيى بن المبارك العَدَويُّ المعروف باليزيديِّ. وقيل له اليزيديُّ لصحبته يزيد بن منصور الحمْيريَّ خال المهديِّ. وروى عن اليزيديِّ قراءة أبي عمرو: أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صُهْبانَ الدُّوريُّ الأزديُّ. والدُّور موضع ببغداد. وأبو سُعيب صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل الرُّسْتُبيُّ السُّوسيُّ. وكان أبو عمرو ابن العلاء عالماً باللغة والنحو والشعر وأيام العرب إماماً في ذلك من أهل السُّنة، رحمهُ الله. واسمُه زُبانُ، وقيل: العُريانُ، وقيل: اسمُه كنيته. ونوفي بالكوفةِ سنة أربع وخمسين ومئة. واخوهُ أبو سفيان بن العلاء، واسمُه كنيته أيضاً. ولهمت أخٌ ثالث اسمُه مُعاذ. وفي أبي عمرو يقول الفرزدق: ما زلتُ أفتحُ أبواباً وأُغلقها ... حتى أتيتُ أبا عمرو بن عمَّار
ومنهم عَبَّاد بن أَخضر المازِنيُّ: وأخضر زوجُ أمِّه. وهو عبَّاد أمِّهز وهو عبَّادُ بن علقمةَ، قاتلُ أبي بلال مِرداس الخارجيِّ وأصحابه، وقد مضى ذكرُ ذلك وجيزاً مُختصراً مُفيداً. ومنهم مالك بن الرَّيب: الشاعرُ، وكان منَ الفُتَّاكِ، وأهدرَ عثمانُ دَمه. وهو القائل في قصيدة رثى بها نفسه حين نهشتْهُ الحيةُ وهو طريدٌ: يقولون: لا تَبعَدْ وهمْ يدفُنونني ... وأينَ مكانُ البعدِ إلا مكانيا؟ ومنهم قطريُّ بن الفُجاءة: صاحبُ الأزراقة، وهو من كابية بن حُرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. وكان يُكنى أبا نعامة. وخرج زمنَ مُصعب بن الزُّبير، فبقيَ " أبعده اللهَ " عشرين سنةً يقاتل، ويُسلَّم عليه بالخلافة. كذا قال ابنُ قُتيبة في " المعارف ". وللمهلَّب بن أبي صُفرةَ معه وقائع كثيرةٌ، حتى اختلف كلمةُ الخوارج على قَطريٍّ، وصار مع عَبْدِ ربِّه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبةَ بن عُكابةَ بن صَعب بن علي بن بكر بن وائل من الخوارج ... وهلال بن أَحْوز:.... " له " ... : لو يستطعْنَ إذا ضافتكَ مُجحِفَةُ ... وقَّيْنَكَ الموت بالآباء والوَلدِ
ومن بني الجِرْماز بن عمرو بن تميمٍ أبو منصور المثنى بن عوف الجِرْمازي ... ووَلد الحرثُ بن تميم شَقِرة: واسمُه معاويةُ بنُ الحرث بن تميم. وقيل: إنَّ الحرث نفسَه هو شَقرة ببيتٍ قالهُ، هو: وقد اجملُ الرمح الأصمَّ كُعوبَهُ ... به من دماء القوم كالشَّقِراتِ والشَّقراتُ: شقائقُ النعمان، واحدتُها شَقِرة. فمن بني شقرة أسامة بن أَخدري السَّقَريُّ: له صحبةٌ، ونزل البصرة. وهو عمُّ بشير بن ميمون، وروى عنه. ومنهم المسيَّب بن شريكٍ: الفقيهُ. هكذا قال فيه أبو عمر احمد بن محمد ابن عبد ربه في كتاب " العقد " وقال مسلم في " الكنى " له: أبو سعيد المسيَّب بن شريك التميميُّ الكوفيُّ، متروكُ الحديث. ومن بني تميم صبيغُ بن عسل: الذي كان يُسأل عن متشابه القرآن. رُوي عن سليمان بن يَسار أن رجلاً من بني تميم يقال له صبيغ. فقال عمر: وأنا عبد الله عمر. ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين. فما زال يضربهُ حتى شجَّه، فجعل الدمُ يسيل على وجهه. فقال: حسبُك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي. وعن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: أتى ناسُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلاً يُسأل عن تأويل القرآن، فقال: اللهمَّ أمكنِّي منه. قال: فبينا عمر ذات يوم يغدِّي الناس إذ جاءه وعليه ثيابُ " و " عمامة فتغدَّى، حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين،)
والذارياتِ ذَرواْ، فالحاملات وقراً (. فقال عمرُ: أأنتَ هو؟ فقام إليه فحسَرَ عن ذراعيه، فلم يزل يجلِدُه بالدرَّة حتى سقطت عِمامته. فقال: والذي نفسُ عمرَ بيدهِ لو وجدتُك محلوقاً لضربتُ رأسك. أَلبسوهُ ثيابه، واحملوهُ على ... تقدَّموا به بلادَه، وليقم خطيباً، ثم ليقل: إنَّ صَبيغاً طلب العلمَ فأخطأهُ، فلم يزل وضيعاً في قدره ... وأمَّا الغوث بن مُرٍّ: فكان يلي الإجازة للناس بالحج من عَرفة، وولدهُ من بعدهِ. وكان يقال له ولولدهِ " صُوفة ". وإنما وَلي ذلك الغَوث بن مُر أن أمَّه كانت امرأةً من جُرهم، وكانت لا تلد. فنذرت لله إن هي وَلدت رجلاً أن تصدَّق به على الكعبة عبداً لها، يخدمُها، ويقوم عليها، فولدت الغوث. وكان يقومُ على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جُرهم، فوَليَ الإجازة بالناس من عرفةَ لمكانه الذي كان به من الكعبة، وولده من بعدِه، حتى انقرضوا. فقال مُرُّ بن أُودٍّ لوفاءِ نذْرِ امرأتهِ أمِّ الغوث: إني جَعلتُ ربِّ مِن بَنيَّه ... رَبِيطةً بمكةَ العليَّه فبارِكَنَّ لي بها أليَّه ... واجعلْهُ لي من صالحِ البَرِيَّه وورث الإجازة بعد صوفةَ آلُ صفوان بن الحرثِ بن شحنة بن عُطارد بن عَوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مُرّ. وقد تقدَّم ذكرُ ذلك مُستوعَباً وجيزاً. وقال ابن قُتيبةَ في " المعارف ": صارت صوفةُ في اليمن. فمن الغوث بن مُر شُرحبيل بن حسنةَ: قال ابن هشام: هو شُرحبيل بن عبد الله أحدُ بني الغوث بن مُر أخي تميم بن مُر. وقال غيرُه شُرحبيلُ بن عبد الله بن المطاع بن عمرو، من كندةَ، حليف لبني زهرةَ، يُكنى أبا عبد الله، ونُسب إلى أمه حَسنة. وقال ابن إسحاق: أمُّه حسنة، امرأةٌ عُدوليَّة وولاؤها
لمعمر بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جمح. وقال الزُّبير بن بكار: حسنةُ التي يُنسبُ إليها شُرحبيلُ بن عبد الله بن المطاع، تَبنَّته، وليس بابن لها. وكانت مَولاةً لمعمر بن حبيب. وقال أبو عمر بن عبد البرِّ كان شُرحبيل بن حسنة من مُهاجرة الحبشة، معدوداً في وجوه قريش، وكان أميراً على ربُع من أرباع الشام لعمر بن الخطاب. وتوفي في طاعون عَمَواس سنة ثمانَ عشرةن وهو ابنُ سبعٍ وستين سنة. وأخوه عبد الرحمن بن حسنة: له صحبةٌ. ولم يرو عن عبد الرحمن غيرُ زيد بن وهب الجهَني. وكان لشرحبيل ابنان: عبدُ الرحمن وربيعة، وهما المذكوران في حديث أبي ذر في مصر وأهلها. مسلم عن أبي بَصرة عن أبي ذَر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم ستفتحون مصر، وهي أرضٌ يُسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمَّةً ورحماً " أو قال: " ذمة وصهراً ... ". ومن وَلده بكر بن مُضر: المحدِّث، وهو من الثقات. قال فيه أحمد بن إبراهيم بن أبي خالدٍ الطبيب في كتاب " التعريف بصحيح التاريخ " من تاليفه: هو أبو عبد الملك بكر بن مضَرَ المصريُّ من ولد شُرحبيل بن حسنة المَذْحجيُّ. ومات سنة أربع وسبعين ومئة. وقال فيه مسلم في الكنى: أبو محمدٍ، ويقال: أبو عبد الملك بكرُ بن مضَرَ بن محمد بن حكيم بن سلمان. سمع جعفر بن ربيعة، روى عنه ابنُ أبي مريم وقتيبةُ. قال المؤلف، غفر الله له: فممَّا روى قتيبةُ عن بكر بن مضر، هو قتيبة بن سعيد الثقفيُّ ما ذكره التِّرمذيُّ في جامعه. فقال: نا قتيبة، نا بكر بن مضر عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خبَّاب، عن أبي سعد الخدريَّ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه ويسلم يقول: " إذا رأى الرؤيا يحبُّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدِّث بما رأى. وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنه لا تضُّرة ". قال: وفي باب عن أبي قتادة قال: وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وابن الهاد: أسمه يزيد بن عبد الله بن أسامه بن هاد المدني، وهو ثقة. وروى عنه مالك والناس.
وقال المؤلف، وفقه الله: نسب شرحبيل بن اسحاق إلى كندة. ونسبه ابن أبي خالد إلى المذحج، وكندة فخذ من مذحج، وجماع مذحج مالك بن أدَد. وكل من لم ينتسب إلى مالك فليس بمذحجي. وهو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ. واختلف في معنى مذحج، فقيل: هي أم مالك نسِبَ إليها ولدها، وقيل: بل هي أكمة حمراء، ولد عليها مالك، فعرف بها ولده. وقيل: بل اجتمعوا إلى أكمة باليمين، والأكمة تسمَّى مذحجاً. فقالوا: تعالوا نجعل مذحجاً أمّاً فتمذحجوا. وأمَّا عمير بن إلياس بن مضر: فهو قمعه أخو مدركة وطابخة، وهو أبو خزاعة. قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التَّيمي أن أبا صالح السَّمان حدَّثه انه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن جون الخزاعيَّ: " يا أكثمُ، رأيت عمرو بن لُحَيِّ بن قمعة بن خندق يجر قصبة في النار، فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به، ولا به منك ". فقال أكثم: عسى أن يضرَّني شبهه يا نبي الله. قال: " لا، انك مؤمن وهو كافر وإنه أول من غيرَّ دين إسماعيل فنصب الأوثان، وبحر البحيرة، وسيَّب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي ". وحدث أبو بكر بن أبي شيبة: نا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عُرضت علي النار فرأيت فيها عمرو بن لحيَّ بن قمعه بن خندف يجرُّ قصبة في النار، وهو أول من غير عهد إبراهيم فسَّيب السُّيَّب، وبحَّر البحائر، وحمى الحامي، ونصب الأوثان. وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون " فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني لي شبهه؟ قال: لا، إنك مسلم وهو كافر ". وأما بني إلياس، وهم: مدركة، وطابخة وقمعة، وخندف: وأسمها ليلى بنت
عمرو بن الحاف بنت قضاعة. وخندفُ جِذم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أشراف مضر. وحديث إلياس وبنيه وامرأته مشهور في كتب التَّواريخ. ذكر ابنُ إسحاق أن مدركة وطابخة كانا في إبلٍ لهما يرعيانها، فاقتنصا صيداً، فقعدا عليه يطبخانه. وعدت عاديةٌ على إبلهما. فقال عامر، وهو مدركةُ، لعمرو، وهو طابخةُ: أتدرك الإبل أم تطبخُ هذا الصَّيد؟ فلحق عامرٌ بالإبل، فجاء بها. فلما راحا على أبيهما، وحدَّثاهُ قال لعامر: أنت مُدركة، وقال لعمرو: وأنت طابخةُ. والخبزُ عند أهل العلم بالنَّسب في هذه القصة أطولُ من هذا، وأحسن سياقةً. واتى به ابن إسحاق مُختصراً. قال ابن إسحاق ومصعب الزُّبيريُّ: خُزاعةُ في مضر، وهم من ولد قمعة بن الياس بن مضر. وقال ابنُ إسحاق: خزاعة هو كعب بن عمرو بن لُحي بن قَمعةَ بن خندف. وقد ذكر أن ولد الياس بن مضر ينتسبون إلى أمِّهم خندف. ورُوي عن أبي حَصينٍ الوادعيِّ عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَمرو بن لُحَيِّ بن قَمعةَ بن خِندفَ هو أبو خُزاعةَ. هذا قولُ نُسَّاب مضر وخُزاعةُ تأبى هذا، وتقول: نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث، وخندفُ أمُّنا. ذكر هذا أبو عبيدة معمر بن المثنى وابن الكلبي. فعلى قول ابن إسحاق ومُصعب: خزاعة مُضريَّةٌ في عدنان، وعلى قول أبي عبيدة وابن الكلبيِّ: خزاعةُ قحطانيَّة في اليمن. وإنما سُميت خُزاعة، لأنهم تخزَّعوا من ولدِ عمرو بن عامرٍ، أي فارقوهم حين أقبلُوا من اليمن، يريدون الشام. فنزلوا بمرِّ الظَّهران بجنبات الحَرم، ووَلوُا حجابةَ البيت دَهراً. وخزاعةُ عَيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم حُلفاؤه، لأنهم حُلفاءُ بنس هاشم، ولنزول خزاعة في الحرم ومُجاورَتِهمْ قريشاً. قال ابن عباس: نزل القرآنُ بلغة الكَعَبيْنِ؛ كعب بن لؤي وكعب بن عمرو بن لُحَي. وقد أَدخلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في كتاب القضيَّة عامَ الحُديبية. وأَدخلت قريش بني بكر بن مناة معهم، فوقعت حرب بين خزاعة وبين بني بكر. فأعان مشركو
قريش حلفاءهم بني بكر، ونقضوا بذلك العهد، فكان ذلك سبب فتح مكة لنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حافءَه. وقال عليه السلام، حين قدم عليه عَمرو بن سالم مُستنصراً، وقد عرض له عنانٌ من السماء: " أنَّ هذه السحابة لتستهلُّ بنصر بني كعب ". وأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلةً لم يُعطها أحداً من الناس؛ أَن جعلهم مهاجرين بأرضهم، وكتب لهم بذلك كتاباً. فقال يفخرُ بذلك نُجَيدُ بن عمران في أبيات له يوم فتح مكة، وحُقَّ له أن يَفخر: وقد أنشأ اللهُ السحابَ بنصرنا ... رُكامَ سحاب الهَيدَبِ المتراكبِ وهجرتُنا في أرضنا عندنا بها ... أَنني من مُمْلٍ وكاتبِ ومن أَجانا حَلَّتْ بمكةَ حُرمةٌ ... لِندرِكَ ثأراً بالسيوف القواضبِ وهذه بطونُ خزاعة: كعب ومُليْحٌ وعديٌّ وسَعدٌ بنو عمرو بن ربيعةَ بن حارثةَ بن عمرو بن عامر، وربيعةُ بنُ حارثة هو لُحَي. وأَفصى بتُ حارثة أخو لُحيٍّ، يقال لولده أيضاً: خزاعةُ. وهم أسلمُ ومَلْكان ومالك بنو أَفصى لأنهم تخزَّعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معَهم من اليمن، ثم تفرقوا في البلاد. والاْنخراعُ: التقاعسُ والتخلُّفُ. قال محمدُ بن عبدة بن سليمان النسابة: افترقَت خُزاعةُ على أربعة شعوب؛ فالشعب الأول: ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، إلا بيتين من ربيعةَ بن حارثة، وهم بنو جفنةَ الذين بالشام في غسَّان. والشعبُ الثاني: أَسلمُ بن أَفصى. والشعب الثالث: مَلكان بن أفصى. والشعب الرابع: مالك بن أفصى.
فمن بني كعب بن عمرو بن ربيعة: غاضِرةُ بن حُبْشيَّة بن سلول بن كعب، وهو بطن، وكُليب بن حبشيَّةَ بطن، وقُمير بن حبشيَّة بطن، وحِزام بن عَمرو بن حبشيَّة بطن، وحُليلُ بن حبشيَّة بطن. فمن بني غاضرة عِمران بن حُصين بن عبيد بن خلف بن عبد نَهْم بن سالم بن غاضرة بن حُبشيَّة بن سلول بن كعب الخزاعيُّ الكعبيُّ: يكنى أبا نُجيدٍ بابنهِ نُجيد بن عمران. أسلم أبو هُريرةَ وعمرانُ بن حُصين عامَ خيبر. وقال خليفة بن خَياطٍ: استقضى عبدُ الله بن عامر عمران بن حُصين على البصرة، ثم استعفاهُ فأَعفاهُ. وكان عمران بن حُصين من فُضلاء الصحابة وفُقهائهم. يقول أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظَة، وكانت تُكلِّمهُ، حتى اكتوى. وقال محمد بن سيرين: أفضلُ من نزل البصرةَ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين وأبو بكرةَ. سكن عمرانُ البصرة ومات بها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية. رَوى عنه جماعةٌ من تابعي أهل البصرة والكوفة. ومنهم سعيدُ بن سارية: ولى شرطة علي بن أبي طالب. ومنهم أبو جُمعة: جدُّ كُثيرِّ عزة لأبيه. ومن بني كليب بن حُبشيَّة مُعتِّب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كُليب بن حُبشيَّة: شهد بدراً. وهو من خلفاء بني مخزوم، وهو الذي يقال له مُعتِّب بن حمراءَ، وكان يُدعى عَيْهامة. ويقال للناقة، إذا طال عنقُها، عَيْهامة. ومنهم خِراشُ بن أُميَّة: وهو الذي بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش بمكة حين صدُّوهُ عن البيت في عُمرة الحديبية، وحمله على بعيرٍ له، يقال له الثعلب، ليُبلِّغَ أشرافهم عنه ما جاء له فَعَقروا به جملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله، فمنعتْهُ الأحابيشُ، فخلَّوا سبيلهُ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخراش هو قاتل أبن الأثْوغِ الهُذْلي في الغد من يوم فتح مكة. وقال سعيد
بن المسيَّب: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنَعَ خِراشُ بن أمية بابن الأثوغ قال: " إن خراشاً لقتَّال " يعيبُه بذلك. ومن بني قُمير بن حُبشيَّة ذُؤيبُ بن حَلحَلة: ويقال: ذؤيبُ بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كُليب بن أَصرم بن عبد الله بن قُمير بن حُبشيَّة. كان ذؤيب هذا صاحب بُدن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان يبعث معه الهَدْيَ، ويأمره إن عَطب منه شيءٌ قبل محلِّه أن يَنْحره، ويخلي بين الناس وبينه. روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس أن ذُؤيباً أبا قُبيصةَ حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن، ثم يقول: " إن عطب منها شيء قبل مَحلِّه فخشيتَ عليهِ مَوتاً، فانْحرْها، ثم اغمس نعلها في دمِها، ثم اضرب به صفحتها، ول تَطعَمْها أنت، ولا أحد من أهل رُفقتك ". شهد ذؤيب الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسكن قُديداً، وله دارٌ بالمدينة، وعاش إلى زمن معاوية. وابنه قبيصةُ بن ذؤيب: ولد في أول سنةٍ من الهجرة. وقيل: ولد عام الفتح. يكنى أبا إسحاقَ، قيل: أبا سعيدٍ. روى عن أبى الدَّرداء وأبى هُريرة وزيد بن ثابتٍ وجماعةٍ من الصحابة. روى عنه الزهريُّ ورجاءُ بن حيوةَ ومكحول. وكان ابنُ شهاب إذا ذكر قبيص بن ذؤيب قال: كان من علماء هذه الأمة. توفي سنةَ ستٍ وثمانين، وله ست وثمانون...... وذكرهُ في الطبقات، وقال: كان مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال زمن عمر بن الخطاب. وهو من جلَّة تابعي أهل المدينة وعلمائها، ويُكنى أبا محمد. روى عن عُمر وغيره من كبار الصحابة. وروى عنه عُروةُ بن الزُّبير وحُميدُ بن عبد الرحمن. وتوفي سنة إحدى وثمانين، وهو ابن ثمان وسبعين سنةً بالمدينة.
وأخوه عبد الله بن عبد: من ولده عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ، من شيوخ مالكٍ. روى عنه في كتاب " الأَقضية " ما نصُّه: مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القارسِّ، عن أبيه أنه قال: قَدم على عُمر بن الخطاب رجلٌ من قبل أبي موسى الأَشعري، فسأله عن الناس فأَخبرهُ، فقال له عمر بن الخطاب: هل مِن مُغرِّبةِ خبرٍ؟ فقال: نعم، رجلٌ كفر بعد إسلامه. قال: فما فعلتُم به؟ قال: قرَّبناه فضربنا عنقه. فقال عمر: أفلا حَبستموه ثلاثاً وأطعمتموهُ كلَّ يوم رغيفاً واسْتَتَبْتُموهُ، لعلَّه يتوبُ ويراجع أمرَ الله؟ ثم قال عمر: اللهمَّ إني لم أَحضُر، ولم آمُرْ، ولم أرض إذ بَلغَني. وابنه يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد الله: خرَّجَ مسلم عن واحدٍ عنه في صحيحه كثيراً. وأما أسدُ بن خُزيمة: فولد دُودانَ وكاهلاً وحُلمة وغيرهم. وأمُّهم أَودةُ بنت زيد أختُ نهدٍ وجُهينة ابنا زيد بن ليث بن سودِ بن أسلم بن الحافِ بن قُضاعةَ. فمن بني غَنم بن دُودانَ زينبُ بنتُ جحشٍ: زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بنتُ عمَّته أُميمة. وإخوتُها عبدُ الله، وهو المجدَّعُ في الله. وأبو أحمدَ، وكان أعمى، وعُبيد الله، وأختاها: " حَمْنةُ " وحبيبةُ. فأما أبو أحمد الأعمى: واسمُه عبدٌ فكان هو وأخوهُ عبدُ الله من المهاجرين الأولين. وكان يمشي مكة أسفلها وأعلاها بلا قائدٍ. وكان شاعراً مُجيداً، وهو القائل، يذكر هجرة بني أَسدِ بن خُزيمةَ من قومهِ إلى تبارك وتعالى، وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، و، ويعابَهم في ذلك حين دُعوا إلى الهجرة: لو حَلفتْ بين الصَّفا أمُّ أحمدٍ ... ومَروتِها باللهِ برَّت يَمينُها لنحنُ الأُلى كنَّا بها ثم لم نزلْ ... بمكةَ حتَّى عادَ غَثَاً سَمنُها
بِها خَيَّمتْ غَنمُ بنُ دُودانَ وابْتَنتْ ... وما إنْ غدتْ غَنمٌ وخفَّ قَطينُها إلى اللهِ تَغدو بينَ مَثْنى وواحدٍ ... ودْنُ رسولِ اللهِ بالحقِّ دِينُها وله وفي ذلك مُتَخيَّرٌ من قصيدة: إلى اللهِ وجهي والرسولِ ومَن يَقُمْ ... إلى اللهِ يوماً وجههُ لا يُخيَّبُ فكم قد تَركنا من حبيبٍ مُناصِحٍ ... وناصحةٍ تَبكي بدمعٍ وتَندُبُ تَرى أنَّ وِتْراً نَأْيُنا عن بلادِها ... ونحن نرى أنَّ الرَّغائبَ نَطلُبُ دَعوتُ بني غَنمٍ لحقنِ دمائهم ... وللحقِّ لمَّا لاحَ للناسِ مِلْحَبُ أجابوا بحمدِ اللهِ لمَّا دعاهُمُ ... إلى الحقِّ داعٍ والنَّجاحِ فأَوْعَبُوا ورِعنا إلى قولِ النبيِّ محمدٍ ... فطابَ أُلاتُ الحقِّ منَّا وطُبَّبُوا نَمتُّ بأرحامٍ إليهمْ قَريبةٍ ... ولا قُرْبَ للأَرحامِ ما لم تُقرَّبِ
واستُشهد عبدُ الله بن جحشٍ يومَ أُحدٍ. وأما عُبيدُ الله بن جَحشٍ: فهو الذي تنصَّر بأرض الحبشة، وماتَ بها نصرانياً. وأما أختُها حَمنَةُ بنت جَحشٍ: فهي من المهاجرات، ومن أصحاب الإفكِ. وكانت تحت مُصعب بن عُمير العبدري، فقُتل عنها يومَ أُحدٍ، وتزوَّجها بعدهُ طلحةُ بنُ عبيد الله، وهي أمُّ ولده محمد السَّجاد المقتول مع عائشةَ يوم الجمل. وأما أختُها حَبيبةُ بنت جحش: ويقال: أمُّ حَبيبة، وهو المشهورُ. فهي أيضاً من المهاجرات، وكانت تُستحاضُ، هذا هو الصحيح، ووَهِمَ مالك رحمهُ الله في الموطَّأ في قوله: زينبُ بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تُستحاضُ. ولم تكن زينب قطُ تُستحاضُ ولا كلنت تحتَ عبد الرحمن بن عوف، وإنما كانت تحت زيد بن حارثة، ثم بعده، تحتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت عند عبد الرحمن بن عوف هي أمُّ حبيبة بنتُ جحش، روى ذلك هشامُ بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سَلمة أن أمَّ حبيبة بنت جحش، وذكر الحديث. وكذلك رواه يحيى بن سعيد عن عَمرة، عن زينب بنت أبي سلمة أن أمَّ حبيبة. وروى الزُّهريُّ حديثهما مُسنداً عن عروة، عن عائشة أن أمَّ حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن بن عوف سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وخرَّجَه ابن الجارود في " المنتقى " عن عروة عن عائشة، قال الجاروديُّ: حدَّثنا محمد بن يحيى قال: نا عبدُ الله بن يوسُف الدِّمشقي قال: نا بكرُ بن مضر قال: نا جعفر بن ربيعة عن عراك، عن عروة، عن عائشة قالت: إنَّ أمَّ حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فقال لها: " امكُثي قَدر ما كانت تَحبِسُكِ حَيْضَتُك، ثم اغتسلي ". قالت: وكانت تغتسلُ عند كلِّ صلاةٍ. وهذا الحديث بعَينه خرَّجه مسلم كما نصَّه ابنُ الجارود سواءً عن عروة، عن عائشة. ومن بني غنم بن دُودان عُكاشة بن مَحْصن بن حُدْثان بن قيس بن مُرَّةَ ابن كبير بن غنم بن دُودان بن أسَدِ بن خزيمة: يكنى أبا محصنٍ، وهو قديمُ الإسلام، شَهد بدراً، وكان من فضلاء الصحابة، وأبلى يوم بدرٍ بلاء حسناً،
حتى تقطَّع سيفُه في يده. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذلاً من حطب، فقال: " قاتل بهذا أبا عكاشة ". فلما أخذهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزَّه، فعاد سيفاً في يدهِ، طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة. فقاتل به حتى فتح اللهُ على المسلمين. وكان ذلك السيف يسمى العون، لم يزل معه يَشهد به المشاهد الشجاعة، شديد البأس على المشركين. ولما أغار عُيَينةُ بن حصن الفِزاريُّ على لِقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون في آثارهم، وهي غَزوة ذي قَرَدٍ، فأدركَ عكاشةُ أوْباراً وابنه عَمرو بن أَوبار، وهما على بعيرٍ واحد، فانتظمهما بالرمح فقتلهما. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " منَّا خيرُ فارس في العرب ". قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: " عكاشة بن محصنٍ ". فقال ضِرار بن الأزور الأسدي: ذلك رجلٌ منا يا رسول الله. قال: " ليس منكم، ولكنه منَّا للحِلف ". وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعه يقول: " يدخلُ الجنةَ سبعون ألفاً من أمَّتي على صورة القمر ليلة البدر ". فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: " اللهمَّ احعله منهم ". فقام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال " سبقكَ عُكاشةُ وبردتِ الدعوةُ ". وروى حمَّاد بن سلمة عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عُرضتْ عليَّ الأمَمُ بالموسمِ، فراثَت عليَّ أمتي. ثم رأيتهم فأعجبني كثرتُهم؛ قد ملؤوا السهل والجبل، فقال: " محمدُ، أرضيتَ؟ ". قلت: " نعم ياربِّ ". قال: " فإنَّ لك مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنةَ بلا حساب، هم الذين لا يسْتَرقون، ولا يَكْتوون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكلون ". فقال عُكاشةُ بن مِحصَن: ادعُ الله ان يجعلني منهم. فدَعَا لهُ. فقام رجلٌ أخر فقال: يا رسول الله ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم، فقال سبقك بها عكاشة ".
وقال البخاريُّ: حدثنا مُعاذ بن أسد قال: نا عبد الله، قال: نا يونسُ عن الزهريِّ قال: حدثني سعيدُ بن المسيَّب أن أبا هُريرة حدَّثه قال: نا سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدخلُ الجنة من أمتي زمرةٌ هم سبعون ألفاً تُضيء وجوهُهم إضاءةَ القمر ليلة البدر ". قال أبو هُريرة: فقام عُكاشةُ بن مِحصَن الأسديُّ يرفع نَمِرةً عليه. فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. فقال: " اللهمَّ اجعلهُ منهم ". ثم قام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: " سبقك بها عكاشةُ ". قال بعض أهل العلم: إن ذلك الرجل كان منافقاً، فأجابه بمعاريض من القول. وكان صلى الله عليه وسلم لا يكادُ يمنعُ شيئاً من يسأله إذا قَدرَ عليه. وكان عكاشةُ من أجمل الرجال. روى عنه من الصحابة أبو هُريرة وابنُ عباس. وتُوفي في خلافة أبي بكر الصديق يوم بُزاحة في الرِّدة. قتله طُليحةُ بن خُويلدٍ الأسديُّ، وقَتل معه ثابتَ بن أقرمَ البلوي حليف الأوس في يومٍ واحد سنة إحدى عشرة من الهجرة. واْشتركَ طُليحة وأخوهُ في قتلهما جميعاً. وكان طليحةُ تنبَّأ في بني أسدٍ، وكان معه عُيينة بن حصنٍ في بني فَزارةَ، ثم أسلم بعدُ، فحسُن إسلامه. وقال له عمر بن الخطاب بعد ما أسلم: لا أُحبُّك بعد قتلك الرجلين الصالحين، يعني عُكاشة وثابتاً. فقال: يا أمير المؤمنين أَكرمَهُما اللهُ بيدي، ولم يُهِنِّي بأيديهما. وأبلى طُليحةُ في فتوح العراق بلاءً حسناً، وكان له فيها غَناء عظيم. حدَّث بقيُّ بن مَخْلدٍ قال: نا أبو بكر بن أبي شيبةَ قال: نا ابن عُيينة عن عبد الملك بن عُمير قال: كتب عمرُ إلى النعمان بن مُقرِّن: استشِر واستعِن في حَربك بطُليحة وعمر وبن معد يكرب، ولا تُولِّهما من الأمرِ شيئاً، فإن كلَّ صانع هو أعلمُ بصناعته.
وأبو سنان بن محصنٍ: أخو عكاشة، وابنه سنانُ بن أبي سنان ممَّن شهد بدراً. وأسلم أبي سنان وهب على اختلاف في اسمهِ، والأشهرُ وهب. وروى وكيعٌ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشعبي قال: أولُ من بايع بيعة الرِّضوان أبو سنانٍ الأسديُّ. وحدَّث سفيان بن عُيينة عن إسماعيل، عن الشعبيِّ قال: أولُ الناس بايع يوم الحديبية أبو سنان انتهى إلى النبي عليه السلامُ تحت الشجرة وقد دعا الناس إلى البيعة، فقال: يامحمدُ، ابسط يدك أبايعْك. قال: " علامَ تُبايع؟ " قال: أبايعُ على ما في نفسك. وقيل: إنَّ ابنه سناناً بايع بيعة الرضوان، والأكثرُ الأشهرُ أبو سنان. وأختُهما أمُّ قيس بنتُ محصنٍ: من المهاجرات الأُول. وبايعت النبيَّ عليه السلام. روى عنها من الصحابة وابِصةُ بن مَعبدٍ، وروى عنها من التابعين عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعودٍ. مالك عن ابن شهاب، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن أمِّ قيس بنت مِحصنٍ أنها أتت بابن لها صغيرٍ، لم يأكل الطعامَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجْرهِن فبالَ على ثوبهِ. فدعا رسولُ الله بماء فنضخهُ، ولم يغسلْهُ. مسلم: حدَّثني حَرملةُ بن يحيى قال: نا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد أنَّ ابن شهابٍ اخبره قال: نا عُبيدُ الله بن عبد اله بن عُتيبة بن مسعود أن أمَّ قيس بنت مِحْصنٍ، وكانت من المهاجرات الأُول اللائي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أخت عُكَّاشةَ بن محصن أخي بني أسد بن خزيمة قال: أخبرتني أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها، لم يبلغْ أن يأكل الطعام، وقد أعلقت عليه من العُذرة. قال يونسُ: أَعلقت: غَمرت فهي تخافُ أن تكون به عُذرة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على مَه تَدْغرون أولادكم بهذا العِلاق؟ عليكم بهذا العودِ الهندي ". يعني به الكُسْتَ، فإن فيه سبعة أَشْفيةٍ، منها ذاتُ الجنب. قال عُبيدُ الله: وأخبرتني
أن ابنها ذاك بالَ في حجرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على بولهِ، ولم يَغسلهُ غسلاً. ومن بني غنم بن دُودان مُحرزُ بنُ نَضلةَ بن عبد الله بن مُرَّةَ بن كَبير بن غَنم بن دُودان شهد بدراً، وكان فارساً، ويقال له الأخرمُ وقُميراً، استُشهد في حين غارة عُيينة بن حصنٍ الفزاريِّ على لِقاحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غطفان. وكان أول من نَذرَ بهم سَلَمةُ بن الأكوع الأسلميُّ، وأول من لحقهم مُحرِزٌ هذا على فرسٍ لمحمود بن مَسلمةَ الشهليِّ الأوسيِّ أخي محمد بن مَسلمة. ومحمود هو الذي مات بشدْخ الرَّحَى في غزوة خَيبر. فقال لهم مُحرزٌ: قِفُوا معشر اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من المهاجرين والأنصار. فحمل عليه رجلٌ منهم فقتله رحمةُ الله عليه. وقال ابنُ عبد البر في كتاب " الصحابة " في باب الأخرم من حرف الألف: قتل محرزاً عبد الرحمن بن عُيينة بن حصنٍ. ولم يُقتل من المسلمين غيره على ما قال ابن إسحاق. وقال ابن هشام: وقُتل يومئذ من المسلمين مع مُحرزٍ وَقاصُ بن مُجَزِّز المُدْلجيُّ فيما ذكر غيرُ واحدٍ من أهل العلم. وقال مسلم: إنَّ الذي أغار على اللَّقاح عبد الرحمن الفزاريُّ: قال ابو عمر بن عبد البرِّ: هو عبد الرحمن بن عُيينة بن حصن. وقال غيره: ولا يَبعد ان يكون عبد الرحمن بن عُيينة كان في مقدمة أبيه، فأسرع الغارةَ على اللقاح، ثم لحقه أبوهُ. فيصحُّ ما رواه ابنُ إسحاق ومسلم. وقَتل أبو قَتادة الحرث بن ربعي السَّلميُّ الخزرجيُّ، وهو فارسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، حبيب بن عُيينة بن حِصن. وكان بنو غَنم بن دُودان أهل إسلام. قد أَوْعَبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرةً رجالهم ونساؤُهم. منهم من ذكرنا قبلُ، ومنهم شجاع بن وهب بن ربيعة، وأخوه عقبةُ بن وهب، ويزيد بن رُقَيش بن رِئاب ابن عمِّ عبد الله بن جحش بن رئاب. وربيعة بنُ أكثم بن سَخْبَرةَ، ومحمد بن عبد الله بن جحشٍ. وجميعُهم بدريون رضي الله عنهم. ومنهم: عمرو بن محصنٍ
أخو عُكَّاشةَ، شهد أُحُداً، ولم يشهد بدراً. وكلُّ من ذكر من بني غَنم بن دودان كانوا حلفاء بني أسدٍ. وفي بني دودان يقول امرؤ القيس لقتل بني أسدٍ أباه: قُولا لدُودانَ عبيدَ العصا ... ما غَرَّكمْ بالأسد الباسلِ؟ قد قَرَّتِ العَينانِ من مالكٍ ... ومن بني عمرو ومن كاهلِ ومن بني غَنم بِن دُودان إذْ ... نقذفُ أعلاهُمْ على السافلِ نَطعنُهمْ سُلكي ومَخْلوجةً ... لفتكَ لأَميْنِ على نابلِ ومن بني ثَعلبة دُودان عمرو بن شأس بن عُبيد بن ثعلبة بن رُؤيبة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دُودان: له صحبةٌ ورواية. وهو ممن شهد الحديبية، وممَّن شُهر بالبأس والنجدة. وكان شاعراً مطبوعاً، يُعدُّ في أهلِ الحجاز
وهو أبو عرارٍ، وكان عِرارٌ أسودَ من أمةٍ سوداء، وكان نجيباً، وكان أبوهُ يحبه. وكانت امرأته أمُّ حسان تُؤذي عِراراً، وتُعيِّره به. فقال يعاتب امرأته من قصيدةٍ: أرادتْ عِراراً بالهوانِ ومَن يُردْ ... عِراراً، لَعَمري بالهوانِ، فقد ظَلمْ فإن كنتِ مني أو تريدينَ صُحبتي ... فكوني له كالسَّمنِ رَبَّبهُ الأدَمْ وإنَّ عراراً إن يكنْ غيرَ واضحٍ ... فإني أحبُّ الجَون ذا المنكِب العَمَمْ يُروى عَراراً بالفتح، وعِراراً بالكسر. فالعرار بالفتح: شجر. والعرار بالكسر: صِياحُ الظَّليم. وخبرُ عِرار مع عبد الملك بن مروانَ حين بعثه إليه الحجاجُ رسولاً صحيح مشهور. وعمرو بن شأسٍ هو القائل: إذا نحنُ أَدْلَجنا وأنتَ أمامنا ... كفى لمطايانا بوجهِكَ هاديا أليسَ يزيدُ العِيسَ خِفَّةَ أذرُع ... وإن كنَّ حَسرى أن تكونَ أمامِيا وقال أبو عمرو الشيبانيُّ: جَهدَ عمرو بن شأس أن يُصلح بين ابنه وبين امرأتهِ فلم يُمكنه ذلك، فطلَّقها، ثم نَدم ولامَ نفسَه، فقال:
تَذكَّر ذكرى أمِّ حسَّانَ فاقْشَعرْ ... على دُبرٍ لمَّا تبيَّن ما ائْتَمرْ تذكرتُها وهناً وقد حالَ دونَها ... رِعانٌ وقِيعانٌ بها الماءُ والشجر فكنتُ كذاتِ البَوِّ لمَّا تَذكَّرتْ ... لها رُبَعاً حنَّتْ لمعهدِهِ سَحَرْ ومن حديث عمرو بن شأس ما حدَّث أبو بكرٍ أحمدُ بن زهير أبي خَيثَمةَ: نا أبي، نا يعقوب بن إبراهيم بن سَعدٍ، نا أبي عن ابن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن الفَضْل بن معقل بن سنان، عن عبد الله بن دينار، عن عمرو بن شأسٍ قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " قد آذيْتَني ". فقلت: ما أحبُّ أن أؤذِيَك. فقال: " مَن آذى علياً فقد آذاني ". وذكر الطبريُّ هذا الحديث في ذيل المذَّل له، وقال فيه: إنَّ عمراً كان مع عليٍّ في بَعثٍ، فرأى منه بعض الجفاء، فلما قدِم عليَ من البَعث شكاهُ عَمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له مثل ما في حديث ابن أبي خَيثَمة. ومن بني عَمرو بن أسد خُريمُ بن فاتك: وهو خُريم بن الأخرم بن شدَّاد ابن عمرو بن الفاتك بن القُليب بن عمرو بن أسد بن خزيمةَ. أبوه الأخرم، يقال له فاتك. وقيل: إن فاتكاً هو ابنُ الأخرم، ويكنى خُريم أبا يحيى. وقيل: أبا أيمن، بابنه أيمن، قال ذلك البخاريُّ. وأخوهُ سَبْرةُ بن فاتك: قيل: إنهما شهدأ بدرا. ولم يذكرهما ابن إسحاق في البدريين، وذكرهما غيرُه. وكان خُريم شاعراً، وابنُه أيمن بن خُريم كذلك. وأسلم أيمنُ يوم الفتح، وهو غلامٌ يفاع. وروى عن أبيه وعمَّه. وقال الدارَقُطنيُّ:
قد روى أيمنُ بن خُريم عن النبي عليه السلامُ. أما أنا فما وجدتُ له روايةً إلا عن أبيه وعمه. وحدَّث محمدُ بن حازم أبو معاوية الضريرُ السُّلميُّ مَولى لهم عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشعبيِّ، قال: أريل مَروان إلى أيمن بن خُريم: ألا تتَّبعُنا على ما نحن فيه؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدراً، وإنهما عَهدا إليَّ ألا أقاتل رجلاً يَشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ الله. فإن جئتني ببراءةٍ من النار فأنا معك. فقال: لا حاجةَ لنا في معونتك. فخرج وهو يقول: ولستُ بقاتلٍ رجلاً يصلِّي ... على سُلطانِ آخرَ من قُريشِ لهُ سلطانُهُ وعليَّ إثمي ... معاذَ الله من سَفَهٍ وَطيشِ وطلب مروان من أيمن الاتباع حين خروجه إلى مرج راهطٍ حيث قُتل الضحاك ابن قيس الفهريُّ. وكان أيمن أبرص، وكان مع بني مروان يُسامرهم ويُؤاكلهم. ذكر ذلك ابن قتيبة في " المعارف ". وقال: أيمن بن خريم، وأحسن فيما قال وأجاد: إذا المرءُ وفَّى الأربعين ولم يكن ... له دونَ ما يأتي حياءٌ ولا سِتْرُ فدعْهُ ولا تَنْبِسْ عليه الذي ارتأى ... وإن جدَّ أسباب الحياة له العُمْرُ ومن بني غاضرة بن مالك بن ثعلب بن دودان زرُّ بن حبيش بن حباشة: يكنى أبا مريم، أدرك الجاهلية، ولم يرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وهو من جلَّة التابعين، ومن كبار أصحاب ابن مسعود. أدرك أبا بكر وعمر، وروى عن عمر وعلي. روى عنه الشعبيُّ وإبراهيم النخعيُّ، وكان عالماً بالقرآن، قارئاً فاضلاً. قرأ على عثمان وابن مسعود. وهو من رجال عاصم بن بهدله؛ أحد القراء السَّبعة. وتوفي سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مئة وعشرين وكان أسنَّ من
أبي وائل. روى أبو بكر بن عيَّاش عن عاصم بن أبي النجود. واسم أبي النجود عبد. وبهدلة أمُّ عاصم. قال: كان زر أكبر من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعاً لم يحدِّث أبو وائل مع زر. وقال إسماعيل بن أبي خالدٍ: رأيت زرَّ بن حبيش تختلج لحياه من الكبر، وهو يقول: أنا ابن عشرين ومئة سنةٍ. يعدُّ في الكوفيين. ومات زرُّ بدير الجماجم. وكان أعرب الناس، كان عبد الله بن مسعودٍ يسأله عن العربية. ومن بني أسد، غير منسوب إلى بطنٍ، وهو من أنفُسهم شقيق بن سلمة: أبو وائلٍ، صاحب ابن مسعودٍ. أدرك الجاهلية، قال: بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأنا شاب ابن عشر حججٍ، أرعى إبلاً لأهلي. وقال: أتانا مُصدِّق النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وأنا غلام يومئذ. فكان يأخذ الصدقة من كلِّ خمسين ناقةً ناقةً وأتيته بكبش فقلت: خذ من هذا صدقته، فقال: " ليس في هذا صدقة ". وروى ابن معاوية الضرير عن الأعمش قال: قال لي شقيق بن سلمة: يا سليمان، لو رأيتني، ونحن هرَّاب من خالد بن الوليد يوم بزاخة، فوقعت عن البعير، فكانت عنقي تندقُّ. ولو مت يومئذٍ كانت النار. قال: وكنت يومئذ ابن إحدى وعشرين سنةً. قال المؤلف عفا الله عنه، وآتاه رحمةً من لدُنُه: كان يجب أن يكون أبو وائل ابن أربع وثلاثين سنةً يوم بزاخة على قوله إنه كان ابن عشر سنين حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهمَّ إلا أن يريد بالبعث الهجرة، فحينئذ يصحُّ كونه يوم بزاخة ابن إحدى وعشرين سنةً. وممَّا يؤيد أنه أراد بالبعث الهجرة رواية هُشيمٍ عن مغيرة، عنه أنه قال: أتانا مصدَِق النبي عليه السلام وأنا غلام يومئذ. ولو كان عند البعث ابن عشرٍ لم يكن عند أخذ النبي الصدقة غلاماً. وكانت أمُّ أبي وائلٍ نصرانيةً، وكان له خصُّ يكون فيه هو وفرسه.
فكان إذا غزا نقضه، وإذا رجع أعاده. وروى حماد بن زيدٍ عن عاصم بن أبي النُّجود قال: أدركت أقواماً يتَّخذون هذا الليل جملاً، إن كانوا ليشربون نبيذ الجرَّ، ويلبسون المعصفر، ولا يرون بذلك بأساً. منهم أبو وائل وزرُّ بن حبيش. ومات أبو وائل زمنَ الحجاج بعد " الجماجم ". ومات زِرٌّ قبلهُ. وقال الحافظ أبو نُعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهانيُّ في كتاب رياضة المتعلمين له: حدثنا أبو عليِّ بن الصوَّاف: نا محمد بن عثمان بن أبي شَيبة: نا إسماعيل بن بهرام: نا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النُّجود قال: كان أبو وائلٍ عثمانياً، وكان زرُّ بن حُبيش عِلوياً، وكان مُصلاّهما في مسجد واحدٍ، ما رأيتُ واحداً منهما قطُّ يكلِّم صاحبه في شيء، فما هو عليه حتى ماتا. وكان أبو وائل معظِّماً لزرٍّ. قال المؤلف أعزَّه الله بتقواه، وأعانه على العمل الصالح الذي يرفعه، وقوَّاه: أبو عليِّ بنُ الصوَّاف: الذي روى عنه الحافظ أبو نُعيم اسمُه محمدُ بن أحمد بن الحسن، وروى عن ثقات، منهم محمدُ بن عثمان بن أبي شيبة المذكور في هذا الحديث. ويوسف القاضي: وهو يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم ابن عم القاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن حماد. وحماد بن زيد بن درهم: جدُّهما من أئمة المحدِّثينَّ الحفَّاظ المكثرين من الحديث. وهو مَولى جرير بن حازم الجَهْضَميِّ الأزديِّ. وتُوفي أبو إسماعيل حماد يوم الجمعة في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومئة، سنة مات مالكُ بن أنس، وصلى عليه إسحاقُ بن سُليمان الهاشميُّ، وهو يومئذٍ والي البصرة لهارون الرشيد. وأخوه سعيدُ بن زيد: أبو الحسن، قد رُويَ عنه، ومات قبل حمَّاد. وروى يوسف القاضي عن: نصر بن عليٍّ الجَهْضَميِّ، وأبي الربيع سليمان بن داود الزهرانيِّ، ومُسدَّد بن مُسَرْهَدٍ، ومحمد بن أبي بكر المقدَّمي. وهؤلاء من شيوخ مُسلم. ويروى أيضاً يوسف القاضي عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك
الطيالسيَّ، وعن سليمان بن حربٍ الواشجيِّ الأزديِّ من أنفُسهم، ويكنى أبا أيوب ويروى مُسلم عن رجل، عن أبي الوليد الطيالسيِّ، وعن رجل عن سليمان بن حرب. ويروى البخاريُّ عن سليمان بن حرب بن حرب مُشافهةً. ومات أبو الوليد الطيالسي بالبصرة سنة سبع وعشرين ومئتين، وهو ابن أربعٍ وثمانين سنةً. وولى سليمانُ ابن حرب قضاء مكة. وكان يوسف القاضي من قضاة المعتضد. وكان أيضاً هو وابنه محمد بن يوسف من قضاة المكتفي بالله عليِّ بن أحمد المعتضد بن طلحة الموفَّق بن جعفر المتوكِّل بن أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهديِّ بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عليِّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. وكان ابنه أبو عمر محمد بن يوسف: حاجب ابن عمِّ أبيه إسماعيل بن إسحاق القاضي. وكان ذا وقارٍ وهيئةٍ حسنةٍ وأبَّهة. وكان يُضرب بسمته المثلُ في بغداد. وابنه أبو الحسين عمرُ بن محمد بن يوسف: ناظر ابا بكر الصَّيرفيَّ فقيه أصحاب الشافعيِّ. وله كتابٌ في الردِّ على مَن أنكر إجماع أهل المدينة. وكان يقال ببغداد إسماعيل بحاجبهِ، وأبو الحسين بأبيه، وأبو عُمر بنفسه. فكان المدحُ في الجميع راجعاً إلى أبي عمر. وابنُه أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف القاضي: كان فقيهاً فاضلاً. وهو آخر من ولي القضاء في بغداد من ولد حمّضاد بن زيد في أيام المتَّقى إبراهيم بن أحمد. وولى يوسف وبنوه القضاء للمعتضد والمكتفي والمقتدر والقاهر والراضي والمتَّقي. وولى أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق القضاء للمعتضد بالله، وابن عمِّه يوسف بن يعقوب كذلك. وكان إسماعيل مالكيَّ المذهب جليلاً محدِّثاً فقسهاً. روى عن عليِّ بن المديني ومُسدَّدٍ وأشياخ ابن عمَّه يوسف. وكان يقول: أفخر على الناس برجلين بالبصرة: أحمدُ بن المعدَّلِ يُعلمني الفقه، وعليُّ بن
الدينيِّ يعلمني الحديث. وعليُّ من الثَّقات، روى عنه الأئمة. وأبوه عبد الله بن جعفر روى عنه الأئمةُ. وأبوه عبد الله بن جعفر يضعِّف في الحديث، ضعَّفه يحيى بن معين وغيره، كذا قال التِّرمذيُّ. وكان إسماعيل ممَّن جمع القرآن والحديث، وآثار العلماء، والفقه والكلام والمعرفة بعلم اللسان. وكان من نُظراء أبي العباس محمد بن يزيد المبرَّد في علم كتاب سيبويه. وكان المبرَّديقول: لولا أنه مشتغلٌ برياسة العلم والقضاء لذهب برياستنا في النحو والدب. وردَّ على المخالفين من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة. وحُمل من البصرة إلى بغداد، وولى القضاء، ومات سنة اثنتين وثمانين ومئتين ببغداد في خلافة المعتضد. وروى أيضا ابو عليِّ بن الصوّاف سيخ أبينُعيم الحافظ عن أبي جعفر ابن محمد الفِريابي، وهو من شيوخ أبي بكر ألآجُريِّ. وكان من الثِّقات المحدِّثين المشاهير. وممَّن روى الفِريابيُّ عنه قُتيبةُ بن سعيد، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وإسحاق بن راهويهِ، وعُبيد الله بن عمر القواريريُّ وسُويد بن سعيد، وعبيدُ الله بن مُعاذٍ العنبريُّ، وعبد الأعلى بن حمَّاد، والحسن بن عليٍّ الحَلوانيُّ، وإسحاق بن موسى الأنصاريُّ، وابو كامل فُضيلُ بن حسين الجَحدريُّ وابو مسعود أحمد بن الفرات، ومِنجاب بن الحرث، وأبو كُريب محمدُ بن العلاء الهمدانيُّ، ومحمدُ بن عبيد بن حِسَابٍ، وابو موسى محمدُ بن المثنى الزَّمِنُ العَنَزيُّ، ومحمدُ بن أبي عمر المكِّي، وحِبَّانُ بن موسى، ووهب بن بقيَّة الواسطيُّ. وهؤلاء كلُّهم من شيوخ مسلم. وخرّضج البخاريُّ عنهم كثيراً. وروى الفِريابيُّ أيضاً عن محمد بن إسماعيل البخاريِّ الإمام. قال المؤلف وفَّقه الله: وأمَّا محمدُ بن يوسف الفِريابيُّ فطبقته في الرواية أعلى من طبقة جعغر بن محمد الفِريابيِّ المذكور آنفاً. وأشياخ محمد بن يوسف الفِريابيَّ سفيان الثَّوريُّ. ولزمه كثيراً، وجلُّ حديث سفيان واختيار فقهه عنه وروى عن غيره من الأئمة. وروى عن عَبَّادِ بن كثير، وعبَّاد يروي عن أبي الزِّناد. قال الحافظ أبو نعيم في الرِّياضة: نا سليمان بن أحمد عمْرو بن ثورٍ
الجُذاميُّ، نا محمدُ بن يوسف الفِريابيُّ، نا عبَّاد بن كثير عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَواضعوا لمن تَعَلَّمون منه، وتواضعوا لمن تُعلِّمون ولا تكونوا جبابرة العلماء "، زاد حجَّاج بن نُصيرٍ عن عبَّادٍ: " فيغلبَ جهلُكم علمَكم " هو الفَساطيطيُّ. روى عن شُعبة وهشام الدَّسْتَوانيَّ، وهو متروك الحديث، وعبادُ بن كَثير ثقة. وسليمان بن أحمد الذي روى عنه أو نعيمٍ الحافظ يروي عن إسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ؛ شيخ مسلم، وهو ابنُ راهَويه، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل ويوسف بن يعقوب القاضي وغيرهم من الثِّقات. قال المؤلف شرح الله صدره، ويسَّر أمره، وجعل صالح العمل فقره ذُخره: هذه فوائد مُفترقة في كتب هذا العلم جمعتها، وفي غاية الوضوح نيِّرة أطلعْتُها، تُفيد من تَصفَّحها من الفقهاء النُّبهاء ما يَعيه جَنانُه، ويُبرزُه لدى المحاضرة مُحرَّراً مُحبَّراً لسانه، لا تمجُّها عند سماعها الآذانُ، ولا يَملُّها من له بالآثار عِرفان. والله يجعلنا ممَّن عَمل بما عَلم، ووُقيَ مما يخالف أمْرهُ وعُصم آمين. .... وسماكُ بن خرشة النصاريُّ، وليس بأبي دجانة، على عمر في وفود أهل الكوفة بالأحماس، فانتسبوا له سِماك وسماك وسماكٌ. فقال: بارك الله فيكم، اللهم اسمُك بهم الإسلام وأيدِّ بهم ومنهم وابصة بن معبد بن عبيد الأسديُّ، ويكنى أبا شدَّاد، ويقال: أبا فِرصافة. سكن الكوفة ثم تحوَّل إلى الرقة، ومات بها. له صُحبة ورواية، روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أمَرَ رجلاً يصلي خلف الصفِّ وحده أن يُعيد الصلاة.
ومنهم زياد بن حُدير أبو المغيرة: ويقال أبو عبد الرحمن. سمع عمر وعلياً. روى عنه الشعبيُّ وإبراهيم بن مهاجر وحفص بن حميدٍ. ومن بني قُعين بن الحرث بن ثعلبة بن دُودان بن أسدٍ قبيصَة بن بُرمة: وهو من الصحابة، خرَّج عنه البزَّار. قال البزَّارُ: حدثنا محمدُ بن رزق الله الكَلوذانيُّ قال: نا عليُّ بن أبي هاشم قال: نا أبو عمر نُصيرُ بن عُمر بن يزيد بن قبيصة بن بُرمة قال: سمعت يزيد بن قبيصة أنه سمع قبيصة بن بُرمة الأسديُّ يقول: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول. " إنَّ أهل المعروف في الدنيا هم أهلُ المعروف في الآخرة. وإنَّ أهلَ المنكر في الدنيا هم أهلُ المنكر في الآخرة ". وخرَّج هذا الحديث أبو أحمد الحاكم. قال: أبو أحمدُ يعني ابن يوسف السلميَّ قال: نا عليُّ بن أبي هاشم قال: نا أبو عمر نُصيرُ بن عمر بن يزيد بن قبيصة بن برمة يحدِّث أنه قبيصة بن برمة الأسدي يقول: كنتُ عند النبي عليه السلام جالساً فسمعته يقول، فذكرهُ............. ومن موالي بني أسدٍ أبو أحمد الزُّبيريُّ، واسمه محمدُ بن عبد الله بن الزبير، خرَّج عنه البخاريُّ، " وتُوفي " سنة ثلاثٍ ومئتين. ومن مواليهم أبو دُلامة الشاعر واسمُه زَندُ بن الجَون، وكان خاصاً بأبي جعفر المنصور وولده، وله معهم نوادرُ مُستظرفة. ومن بني خُجوان بن فقعس بن عمرو بن قُعين طُليحُة بن خُوَيلدٍ. الأسديُّ قاتل عكاشة بن مِحصنٍ، وقد تقدَّم ذكره. ومن بني الصَّيداء بن عمرو بن قُعين الصامت بن الأفقم الذي قتل ربيعة بن مالك أبا لبيد بن ربيعة الشاعر يوم ذي عَلق. وفي بني الصيداء يقول الشاعر:
يا بني الصَّيداءِ رُدُّوا فرسي ... إنُّما يُفعلُ هذا بالَّدليلْ ومن بني قُعين ذؤابُ بن رَبيعَة الذي َقتل عُتَيبةَ بن الحرث بن شهابً اليربوعَّي. ومنهم: بشر بن أبي خازم الشاعر، وعبيد بن الأبرص. ومن بني غاضرة بن ملك بن ثعلبة بن دودان الحساس بن هند الذي ينسب إليه عبد بني الحساس. وكان جيد الشعر جداً، وهو القائلُ، وأحسنَ: أَشعارُ عبدِ بنى الحسحاسِ قُمنَ لهُ ... عند الفَخار مَقامَ الأصلِ والوَرِقِ إن كنتُ عبداً فنفسي حرةٌ كَرَماً ... أو أسودَ اللونِ إني أبيضُ الخُلُقِ وكان عبدُ بنى الحسحاس يرتضخُ لُكنةً. فلما أنشد عمر بن الخطاب: عُميرةَ ودِّعْ إن تجهَّزتَ غاديا ... كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيا فقال عمرُ، رحمه الله: لو قدَّمتَ الإسلام على الشيب لأَجزتُك قال: ما سعرتُ، يريد: ما شعرت. ومن بني كاهل بن أسدٍ علباء بن الحرث: الذي يقول فيه امرؤ القيس:
وأفلتهُنَّ عِلباءٌ جريضاً ... ولو أدركنهُ صَفرَ الوطابُ وفي بني كاهلٍ يقول امرؤ القيس: واللهِ لا يذهبُ شَيخي باطِلا حتى أُبِيرَ مالكاً وكاهِلا القاتِلين الملكَ الحُلاحِلا خيرَ معدٍّ حَسباً ونائِلا .... ومن مالي بني كاهل سليمان بن مِهرانَ: أبو محمدٍ الأعمشُ، وكان يوم قُتل الحسين، وذلك يوم عاشوراءَ سنة إحدى وستين. وكان من جملة حَملة الحديث. وأما حُلمةُ بن أسدٍ: فأفناهمُ امرؤ القيس بن حُجر أخذاً بثأر أبيه. ومن بني أسدٍ ثم من بني والبةَ بن الحارث أخي قُعين بن الحارث عليُّ بن ربيعة الأسديُّ الوالبيُّ: أبو المغيرة. سمع علياً وابن عمر. روى. عنه سعيد بن عُبيد وسَلمة بن كُهيل وأبو إسحاق السَّبيعي ومنصور بن المُعتمر. خرَّج عنه مسلم والتِّرمذيُّ وغيرهم. وعن علي بن ربيعة في الشريعة للآجُرِّيِّ، عن علي رضي الله عنه ما أنصُّه الآن:
الآجُرِّيُّ: حدثنا أبو محمدٍ يحيى بن محمد بن صاعدٍ قال: نا يوسف بن موسى القَطَّانُ قال: نا جَريرٌ عن منصور بن المعتمر عن عليِّ بن ربيعةَ الأسديِّ قال: رأيت عليَّ بن أبي طالب أُتِيَ بدابَّةٍ، فوضع رِجلَهُ في الرِّكاب فقال: بسم الله. فلما اسْتَوى عليها قال: الحمدُ لله. ثم قال:) سبحانَ الذي سخَّر لنا هذا، وما كنَّا لهُ مُقْرِنينَ، وإنَّا إلى ربِّنا لَمنقلبون (، ثم كبَّر ثلاثاً، وحمِدَ ثلاثاً ثم قال: لا إله إلا أنتَ، سبحانك إني قد ظلمتُ نفسي فاغفرْ لي ذنبي، إنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ. ثم استُضحك، فقلتُ: ممَّ استُضحكتَ؟ فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً مثل ما قلتُ ثم استُضحك، فقلتُ: ممَّ استُضحكت يا رسول الله؟ قال: يَعجبُ ربُّنا عزَّ وجلَّ من قَول عبده: " سبحانك إني قد ظلمتُ نفسي، فاغفر لي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ". وخرَّج هذا الحديث التِّرمذيُّ عن علي بن ربيعة عن علي بن أبي طالب. ومن موالى والبة بن الحرث سعيدُ بن جُبير: أبو عبد الله، وكان من خيار التابعين، روى عن ابن عباس وابن عمر، وكان أسود. وكتب لعبد الله بن عُتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى وهو على القضاء. وقال خُصيف: وكان أعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيَّب، وأعلمهم بالحج عطاء وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالتفسير مُجاهد، واجمعَهم لذلك كلِّه سعيد بن جُبير. وكان أبن عباس رضي الله عنه إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه يقول: يسألونني وفيهم ابن أمِّ دَهماء، يعن سعيداً. وخرَّج سعيد مع عبد الرحمن بن الأشعث. فلما " قُتل عبدُ الرحمن " أمر الحجاجُ به، فأخذه خالد بن عبد الله القسريُّ، فبعث به إلى الحجاج. وكان خالد والي الوليد بن عبد الملك على مكة. وحدثنا أبو ألصَّهباء قال: قال الحجاجُ لسعيد بن جُبير: اختر أيَّ قِتْلةٍ شئتَ. فقال له: بل اختر أنت لنفسك ... القصاصَ أمامك. وقتله الحجاجُ سنةَ أربع وتسعين، وهو ابن تسعٍ وأربعين سنة. وكان له ابنان: عبد الله وعبد الملك ابنا سعيدٍ، يُروى عنهما.
ومن بني أسد ... إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي. سمع ابن المنكدر وأيوب ومالك بن دينارٍ وابن عَون، روى عنه شعبةُ وإسحاق. ومنهم أبو عمر حفصُ بن سليمان. مُدركةُ بن إلياس: فَوَلد مُدركة خُزيمة، وقد تقدَّم ذكره، وهُزيلاً. وأمهما امرأة من قُضاعةَ. كذا قال ابن إسحاق، وذكرهما غيرُه وسمَّاها ونسبها، فقال: هي سلمى بنتُ سودِ بن أسلم بن الجاف بن قُضاعة. وفي هُذيل بطون منها: صَاهلِةُ بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل، ولِحْيانُ بن هُذيل. فمن صاهلةَ عبد الله بن مسعود بن غافل " بالغين المنقوط والفاء " بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بت تميم بن سعد بن هُذيل بن مُدركة أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة. وكان أبوه مسعود بن غافل قد حالف في الجاهلية عبد الله بن الحرث بن زهرة. وأمُّه أمُّ عَبدٍ بنت عبد وُد، هُذلية من فخذ أبيه، وأمُّها زُهرية، قيل بنت الحرث بن زهرة. وكان إسلامه قديماً في أول الإسلام. وهو من القُراء وممَّن جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهاجر الهجرتين، وصلى القبلتين، وشهد بدراً والحديبية. وشهد له النبيُّ عليه السلام بالجنة، وكان يُعرف في الصحابة بصاحب السِّواد والسِّواك. والسِّوادُ: السِّرارُ. وكان يَلجُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويُلبسه نعليه، ويمشي أمامهُ ومعه، ويَستُره إذا اغتسل، ويوقظُهُ إذا نام. وقال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذنُك عليَّ أن ترفعَ الحجابَ، وأن تسمعَ سِوادي حتى أَنهاك ". أخرج هذا الحديث مسلم في الصحيح المسند له. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رضيتُ لأمتي ما رضيَ لها ابنُ أمِّ عبدٍ ". وقال عليٌّ رضي الله عنه: أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود أن يصعد شجرةً، فيأتيَهُ بشيء منه. فنظر أصحابُه إلى خُموشهِ ساقَييه، فضحكوا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ما يُضحكِكُم؟ لَرِجلا عبدِ الله في الميزان أثقلُ من أُحُدٍ ".
وقال أبو عمر بنُ عبد البَرِّ: نا سعيد بن نصر؛ نا قاسم بن إصبغ، نا ابن وضَّاح، نا ابنُ أبي النبيَّ عليه السلامُ أتى بين أبي بكر وعمر وعبد الله يصلي، فافتتح بالنِّساء. فقال عليه السلام: " من أحبَّ أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأهُ على قراءةِ ابن أمِّ عبدٍ "، ثمَّ قعد يسألُ. فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: " سَلْ تُعطَهُ ". فقال فيما سأل: " اللهمَّ، إني أسألك إيماناً لا يرتدُّ، ونعيماً لا ينفَدُ، ومرافقةَ محمدٍ في أعلى جنة الخلد ". فأتى عمرُ عبد الله يُبشِّره، فوجد أبا بكرٍ خارجاً قد سبقه، فقال: إن فعلت لقد كنت سَبَّاقاً للخير. وكان، رحمه اللهُ، قصيراً نحيفاً يكادُ طِوال الرجال يُوازونه جلوساً، وهو قائم. وكان لا يُغير شَيبَةُ. وبعثه عمرُ بن الخطاب إلى الكوفة مع عمار بن ياسر، وكتب إليهم: إني قد بعثتُ إليكم بعمار بن ياسر أميراً، وبعبد اللهِ بن مسعودٍ مُعلما ووزيراً. وهما من النُّجباء من أهل بدرٍ فاقتَدُوا بهما، واسمعوا من قولهما. وقد آثرتُكم بعبد الله على نفسي. وقال فيه عمر: كُنيف مُلئ علماً. ومسح النبيُّ عليه السلامُ برأسه، وقال: " يرحمُك اللهُ، فإنك غُليِّمٌ مُعلَّمٌ "، وذلك في أول إسلامه. وروى عليُّ بن المدينيِّ قال: نا سُفيان قال: نا جامعُ بن أبي راشدٍ سمع حذيفة يحلف بالله: ما أعلمُ أحداً أشبه دّلاً ولا هدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرجُ من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعودٍ. ولقد عَلم المحفوظون من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلةً إلى الله يوم القيامة. وقال بعض أصحاب ابن مسعود: ما سمعتُ ابن مسعود يقول في عثمان سُبَّةً قطُّ: وسمعته يقول: لئن قتلوهُ لا يَستخلفوا بعده مثله. وأمُّ عبد: أمُّ عبد الله، وقد يُنسب إليها، وكانت من المهاجرات. روى عنها ابنها عبدُ الله بنُ مسعود أنها قالت: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَنَتَ في أوَّل الوتر، قبل الركوع. وروى وكيعٌ عن سفيان عن أبي إسحاق عن
مُصعب بن سعد قال: فرض عمر بن الخطاب لنساء المهاجرات في ألفين منهنَّ أمُّ عبد. ولما مات ابنُ مسعود نُعي إلى أبي الدرداء فقال: ما ترك بعده مثلهُ. ومات رضي الله عنه سنة ثلاثين، ودُفن بالبقيع، وصلَّى عليه عثمان. وقيل: بل صلى عليه عمار. وقيل: بل صلى عليه الزُّبير. ودُفن ليلاً بإيصاله ذلك إليه، ولم يُعلم عثمان بدفنه، فعاتب الزُّبير على ذلك. وكان يوم توفي ابن بضع وستين سنةً. وعن جابر بن زيد عن ابن عباسٍ قال: آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الزُّبير وبين ابن مسعود. ولد عبد الله بن مسعود عبد الرحمن: وبه كان يُكنى. وعتبةُ وأبو عبيدة، واسمه عامر. فأما عبد الرحمن بن عبد الله فولد القاسم بن عبد الرحمن، وكان على قضاء الكوفة. ومعن بن عبد الرحمن فولد معن القاسم، وكان على قضاء الكوفة. ولم يرتزق شيئاً حتى مات. وكان عالماً بالفقه والحديث والشعر والنسب وأيام الناس، وكان يقال له شَعْبيَّ زمانه. وأما عُتبةُ بن عبد الله فلهُ عقب، منهم: أبو عُميس عتببُ بنُ عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. ومات ببغداد، وأخوهُ عبد الرحمن المسعوديُّ: اختلط في آخر عُمُره، ومات ببغداد، وهو المسعوديُّ الأكبر. فأما الأصغر فهو عبدُ الله بن عبد الملك بن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعودٍ، ويكنى أبا عبد الرحمن، وجدُّه أبو عبيدة روى عن أبيه، وروى عنه أبو إسحاق السَّبيعيُّ وعمرو ابن.......... عتبةُ بن مسعودٍ: أبو عبد الله، أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمِّه. وكان قديم الإسلام. ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، وهاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة، الهجرة الثانية، ثم قدم المدينة فشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد. وقال ابن عيينة: سمعت ابن شهاب يقول: ما كان عبدُ الله بأقدم
صحبةً من أخيه عتبة بن مسعود، ولكن عتبةُ مات قبلَهُ. ولما مات عتبةُ بن مسعود بكي عليه أخوهُ عبد الله، فقيل له: أتبكي؟ قال: نعم أخي في النسب، وصاحبي مع رسول الله، وأحبُّ الناس إليَّ، إلا ما كان مِن عمر بن الخطاب. ومات عتبة بن مسعود بالمدينة، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وكان ذلك في خلافة عمر، قاله المسعوديُّ. وابنُه عبد الله بن عتبة: يكنى أبا عبد الرحمن، فنزل الكوفة، وتوفي بها في خلافة عبد الملك بن مروان، وكان كثير الحديث والفُتْيا فقهياً، وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على رأسه، ودعا لهُ. حدَّث محمدُ بن خلف بن وكيع قال: قال: نا محمد بن عبد الله الخصوميُّ قال: أخبرني حمزة وفضل ابنا عون بن عبد الله بن عتبة عن جدَّتهما وكانت أمَّ ولد عبد الله بن عتبة. قالت: قلت لسيِّدي عبد الله بن عتبة: أيّ شيء تَذكر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أذكر أني غلام خماسي أو سداسيٌّ أجلسني النبيُّ عليه السلام في حَجْرهِ، ومسح على وجهي، ودعا لي ولذريَّتي بالبركة. استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وروى عنه ابنُه حمزة بن عبد الله بن عُتبة قال: أذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسي. هو والد عبيد الله وعون وحمزة، وعبيد الله منهم شيخُ ابن شهاب فقيه مدينيٌّ من الفقهاء السبعة. وروى عن عبد الله بن عتبة ابنه عبيد الله وحميد بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وعبد الله بن مَعْبدٍ الزِّمَّانيُّ: وكان عبيد الله ابنُه عالماً شاعراً. وعُوتب في قول الشعر فقال: لابدَّ للمصدور من أن يَنْفِثَ. وكان الزهريُّ يقوم له إذا خرج. فلما ظن أنه قد استنفدَ ما عنده لم يقُم. فقال: إنك في العَزَار فقُم. العَزار: الأرض الصلبةُ. وسُئل عِراكُ بن مالك: من أَفقهُ من رأيت؟ قال: أَعلمُهُم سعيد بن المسيَّب، وأَغْزرُهم في الحديث عُروةُ، ولا تشاء أن تُفجِّر من عبيد الله بحراً إلا فَجَّرتَه. وقال الزهريُّ: سمعت من العلم شيئاً كثيراً فظننتُ أني قد اكتفيت حتى لقِيتُ عبد اله بن عبد الله بن عُتبة، فإذا كأن ليس في يديَّ شيء. وقال الزهريُّ: أدركتُ أربعة بحور، فذكر عُبيد الله مقدَّماً. وقال عمر بن عبد العزيز: لأَنْ
يكون لي مجلس من عُبيد الله أحبَّ إليَّ من الدنيا. وخرَّج عنه الأئمة. وأخوهُ عون بن عبد الله بن عتبة: كان زاهداً عالماً، وكان في أول أمره يقول بالإِرجاءِ، ثم رجع عن ذلك فقال: وأولُ ما نُفارقُ غيرَ شَكٍّ ... نفارقُ ما يقولُ المُرجِئونا وقالوا: مؤمنٌ دمُهُ حَلالُ ... وقد حَرُمَتْ دِماءُ المؤمنينا وقالوا: مُؤمنٌ من أهل جَورٍ ... وليس المؤمنونَ بِجَائرينا وكان ذا منزلةٍ من عمر بن عبد العزيز، وهو خليفةٌ. وله يقول جرير بن عطَّية الخَطَفي: يأيُّها القارئ المُرْخي عِمامَتهُ ... هذا زمانُكَ إني قد مَضى زَمَني أبْلِغْ خليفَتَنا إن كنتَ لاقيَهُ ... أني لَدى الباب كالمَصْفودِ في قَرَنِ وروى عَون بن عبد الله عن عبد الله بن عمر. التِّرمذي: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ: نا إسماعيل بن إبراهيم، نا الحجاجُ بن أبي عثمان بن الزُّبير عن عون بن عبد الله عن عمر قال: بينما نحن نُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ من القوم: اللهُ أكبرُ كبيراً واحمدُ للهِ كثيراً، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " مَنِ القائلُ كذا وكذا؟ " فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. قال: " عجبتُ لها، فُتحتْ أبوابُ السماءِ لها! ". قال ابنُ عمر: ما تركتهنَّ منذ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسنٌ صحيح غريب من هذا الوجه. وحجاجُ بن أبي عثمان: هو حجاجُ بن مَيسرة الصوَّاف، ويُكنى أبا الصَّلت. وهو ثقةٌ عند أهل الحديث. وروى عونٌ أيضاً عن أبيه، عن ابن مسعود. مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدقيُّ قال: نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: كان بين إسلامنا وبين أن عاتَبَنا الله بهذه الآية:) ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبُهم لذكر الله (إلا أربع سنين. ومن هُذيل ٍ ثم من بني صُبح بن كاهل بن الحرث بن سعد بن هُذيل أبو بكرٍ الهذليُّ الفقيه. ومن هُذيل سنان بن سَلمةَ بن المحبَّق الهُذليُّ، يُكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا حَبترٍ.. روى وكيعُ بن الجرَّاح عن أبيه. عنه أنه قال: وُلدت يوم حربٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، فسمَّاني عليه السلامُ " سناناً ". وقد قيل: إنه لما وُلد قال أبوه سلمة بن المحبَّق: لسنان. أُقاتلُ به في سبيل الله أحبُّ إليَّ منهُ، فسماه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سِناناً. ورُوي عنه أنه قال: ولدتُ في يوم حربٍ كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكني وتفل في فيَّ، ودعا لي، وسمَّاني سناناً. وكان من الشجعان البطال الفرسان. ولاَّهُ زياد بن أبيه غزوَ الهند بعد قتل راشد بن عمرو الجُريريِّ، وذلك سنة خمسين في وسط خلافة معاوية، قاله خليفةُ بن خياط. ولسنان بن سلمة خبرٌ عجيب في غزو الهند وتوفي في آخر أيام الحجاج. ومن هُذيل ثم من بني صاهلة بطن عبد الله بن مسعود أبو ذؤيب الهذليٌّ الشاعر وكان مسلماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرهُ. ولا
خلاف أنه باهليٌّ إسلاميٌّ. واسمُه خُويلدُ بن خالد بن مُحرِّث بن زُبيد بن مخروم بن صاهلةَ بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل. وذكر الهرماسُ بن صَعصعة الهُذليُّ عن أبيه أن أبا ذَؤيب الشاعر حدَّثه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل، فاستشعرت حزناً، وبتُّ بأطولِ ليلة لا ينجاب دَيْجورُها، ولا يطلع نورُها. فظَلْتُ أقاسي طولها، حتى إذا كان قُرب السَّحر أَغفيتُ. فهتف بي هاتف، وهو يقول: خَطبٌ جليلٌ أناخَ بالإسلامِ ... بين النَّخيلِ ومَعْقِدِ الآطامِ قُبضَ النبيُّ محمدٌ فعيونُنا ... تُذْري الدموعَ عليهِ بالتَّسْجامِ قال أبة ذؤيب: فوثبتُ من نومي فزِعاً، فنظرتُ إلى السماء فلم أرَ إلا سعد الذابح، فتفاءلت به ذبحاً يقع في العرب. وعلمتُ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قُبض أو هو ميِّت من علَّتهِ. فركبتُ ناقتي وسِرتُ. فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجرُ به، فعنَّ لي شَيهم، يعني القنفذُ، وقد قبض على صِلِّ يعني الحيةَ، فهي تلتوي عليه، والشَّيهمُ يقضُمها حتى أكلها، فزجرت ذلك، فقلتُ: شَيهم شيء مهم، والتواء الصِّلِّ والتواء الناس عن الحقِّ على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أوَّلت أكلَ الشَّيهم إياها غَلبةَ القائم بعده على الأمر. فَحَثثتُ ناقتي، حتى إذا كنتُ بالغابة زجرتُ الطائر، فأخبرني بوفاتهِ، ونَعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك، فتعوذتُ بالله من شرِّ ما عنَّ لي في طريقي، وقدِمْتُ المدينة، ولها ضجيجٌ بالبكاء كضجيج الحاجِّ إذا أهلُّوا بالإحرام. فقلتُ: مهْ. قالوا: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئتُ إلى المسجد، فوجدته خالياً، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصبتُ بابَه مُرْتجاً، وقيل: هو مُسجًّى، وقد خلا به أهلُه. فقلتُ: أين الناسُ؟ فقيل: في سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار. فجئتُ إلى السقيفة، فأصبت أبا بكرٍ وأبا عبيدة بن الجراح وسالماً وجماعةً من
قريش، ورأيت الأنصار فيهم سعدُ بن عبادة، وفيهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم. فأويتُ إلى قريش. وتكلمت الأنصار، فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب. وتكلم أبو بكر رضي الله عنه، فلله درُّه من رجلٍ لا يطيل الكلام، ويعلمُ مواضع فصل الخصام. والله لقد تكلمَ بكلامٍ ما يسمعُهُ سامعُ إلا انقاد له ومال إليه. ثم تكلم عمر بعدهُ بدون كلامه. ومدَّ يده فبايعه وبايعوه، ورجع أبو بكرٍ ورجعتُ معه. قال أبو ذؤيب: فشهدتُ الصلاة على النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشهدت دفنَه صلى الله عليه وسلم. ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبيَّ عليه السلامُ: لمَّا رأبت الناسَ في عَسَلانِهِمْ ... ما بينَ مَلحودٍ لهُ ومُصرَّحِ مُتبادرينَ لشرجَع بأكفِّهمْ ... نُصِّ الرِّقابَ لفقدِ أبيضَ أَرْوَحِ فهناكَ صِرتُ إلى الهموم ومَن يَبتْ ... جارَ الهموم يَبِيتٌ غيرَ مُروَّحِ كَسَفتْ لمصرعهِ النجومُ وبدرُها ... وترعرعتْ آطامُ بطنِ الأَبطحِ وتزعزعتْ أجيالُ يَثربَ كلُّها ... ونخيلُها بحلول خَطْبٍ مُفْرِحِ ولقد زجرتُ الطيرَ قبل وفاتِهِ ... بمُصابهِ، وزَجرتُ سعدَ الأُذْبُحِ قال: ثم انصرف أبو ذؤيب إلى باديته، فأقام بها، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان بطريق مكة قريباً منها. ودفنه ابن الزُّبير. وقيلَ: غَزا أبو ذؤيب مع
عبد الله بن الزُّبير إفريقيَّة ومدحه. وقيل: إنه ماتَ في غزوة إفريقية بمصر، مُنصرفاً بالفتح مع ابن الزبير، ونفذَ بالفتح وحدَه. وقيل: إن أبا ذؤيب مات غازياً بأرض الروم ودُفن هناك، وإنه لا يعلمُ لأحدٍ من المسلمين قبر وراء قبره وكان قد ندبه إلى الجهاد، فلم يزل مجاهداً حتى مات بأرض الروم، ودفنهُ هناك ابنُه أبو عُبيد. وعند موتِه قال له: أبا عُبيدٍ رُفع الكتابُ ... واقتربَ الموعدُ والحسابُ قال محمدُ بن سلاّم: قال أبو عمرو: وسُئل حسانُ بن ثابت: من أشعر الناسِ؟ فقال: حيّاً أم رجلاً؟ قالوا: حياً. قال: هُذيل أشعرُ الناس حياً. قال ابن سلام: وأقولُ: إن أشعر هُذيل أبو ذؤيب. قال عمر بن شَبةَ: يُقدَّم أبو ذؤيب على جميع شعراء هُذيل بقصيدته العينية التي يرثى فيها بنيه. وقال الأصمعيُّ: أبرعُ بيتٍ قالته العربُ بيتُ أبي ذؤيب: والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها ... وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تَقنعُ وهذا البيت من شعره المفضَّل الذي يرثى فيه بنيه، وكانوا خمسةً أُصيبوا في يومٍ واحد، وفيه حكمُ وشواهد، أوَّلُه حيث يقول: أمِنَ المنُونِ ورَيبهِ تَتوجَّعُ ... والدهرُ ليس بمُعتِبٍ مَن يَجْزَعُ وفي هذه القصيدة يقول: أَودَى بنيَّ فأَعقَبوني حَسرةً ... بعدَ الرُّقادِ وعبرةَ ما تُقلِعُ
فالعينُ بعدهمُ كأنَّ حِداقَها ... سُلمتْ بشَوكٍ فهْيَ عُورٌ تَدمعُ سبَقوا هَوَيَّ وأعْنَقوا لهواهمُ ... فتُخُرِّموا، ولكلِّ جَنبٍ مَصْرَعُ فَغَبرتُ بعدهمُ لعيشٍ ناصبٍ ... وإخالُ أني لاحقٌ مُستقْبِعُ ولقد حَرصتُ بأن أُدافعَ عنهمُ ... فإذا المنيةُ أَقبلتْ لا تُدافَعُ وإذا المنيةُ أَنشبتْ أظفارها ... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ وتجلُّدي للشامتينَ أُريهمُ ... أني لرَيبِ الدَّهرِ لا أتضعضَعُ حتى كأني للحوادث مَرْوةٌ ... بصفا المشقَّرِ كلَّ يومٍ تُقرَعُ ومن شعر أبي ذؤيب، رحمه الله، في النسيب، وأَحسنَ: يل بيتَ دَهماءَ الذي أتجنَّبُ ... ذهبَ الشبابُ وحبُّها لا يذهبُ مالي أحنُّ إذا جِمالُكِ قُرِّبتْ ... وأصدُّ عنكِ وأنتِ مني اقربُ للهِ دَرُّكِ هل رأيتِ مُعوَّلاً ... لمكلَّفٍ أم هلْ لِوُدِّكِ مَطلبُ؟
تدعوا الحمامةُ شجوَها فَتَهيجني ... ويروحُ عازبُ شوقيَ المتأوِّبُ وأرى البلادَ إذا سَكنتِ بغيرها ... جَدْباً، وإنْ كانتْ تُطَلُّ وتخْصَبُ ويَحلُّ أهلي بالمكان فلا أَرى ... طرفي بغيركِ مَرةً يَتَقلَّبُ وأُصانعُ الواشينَ فيك تَجمُّلاً ... وهُمُ عليَّ ذَوو ضَغائنَ ذُوَّبُ وتَهيجُ ساريةُ الرِّياحِ مِنَ ارْضِكمْ ... فأَرى الجنابَ لها يحَلُّ ويجْنَبُ وأرى العدوَّ يحبُّكمْ فأحبُّهُ ... إن كانَ يُنسَبُ منكِ أَوْ لا يُنسَبُ ومِن هُذيل أبو خِراش الشاعر: واسمُه خُويلدُ بنُ مُرَّةَ القِرْديُّ. وقِرْدٌ اسمُه عُميرُ بنُ مُعاويةَ بن تميم بن سعد بن هُذيل. مات في زمن عمر بن الخطاب من نَهشِ حية. وله في ذلك خبرٌ عجيبٌ يأتي بعدُ. وكان ممَّن يَعدو على قدميه فيسبق الخيلَ. وكان في الجاهلية من فُتاك العرب، ثم أسلمَ فحسنَ إسلامُه. وهو القائلُ في الجاهلية في عَدْوِهِ: رَفَوني وقالوا: ياخُويلدُ لا تُرَعْ ... فقلتُ، وأنكرتُ الوجوه: هُمُ هُمُ
فعاديتُ شيئاً والدَّريسُ كأنَّ ... يُزَعزعهُ وِردٌ من المُومِ مُرْدِمُ تَذكُّرَ ما أينَ المفرُّ وإنَّني ... بغَرزِ الذي يُنجي من الموتِ مُعْصِمُ أُوايلُ بالدِّ الذَّليقِ وحثَّني ... لدَى المتنِ مَشْبوحُ الذِّراعينِ خَلجَمُ تقول ابنتي، لمَّا رأتني عشيةً: ... سلمتَ وما إنْ كِدْتَ بالأمس تَسلمُ ولولا دِراكُ الشدِّ آضَتْ حَليلَتي ... تخيَّرُ من خُطَّابها وهيَ أُيِّمُ وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكلْنَ جُثَّتي ... وكيدَ خِراشٌ يومَ ذلك يَيْتِمُ وكان جميلُ بن معمر الجمحيُّ قد قَتل أخاهُ زُهيراً المعروف بالعَجْوة يوم فتح مكة مُسلماً، قاله محمدُ بن يزيد. وقيل: كان زهير ابن عمِّه، قاله أبو عبيدة. ذكر ابنُ هشام قال: حدثني أبو عبيدةَ قال: أُسر زهيرُ بن العجوةِ الهُذليُّ يوم حُنينٍ وكُتِفَ. فرآه جميلُ بن معمر فقال: أأنتَ الماشي لنا بالمغائظ؟ فضرب عنقه. فقال أبو خِراش الهذليُّ يرثيه، وكان ابن عمِّه. قال محمدُ بن يزيد: وكان جميلُ يومئذٍ مأسوراً، وجميلٌ يومئذٍ مُسلم. ففي ذلك يقول أبو خِراشٍ:
فجَّعَ أضيافي جميلُ بن معمر ... بذي فَجَرٍ تأوى إليه الأراملُ طويلُ نجادِ السَّيف ليس بحَيْدرٍ ... إذا اهتزًّ واسترختْ عليه المحامِلُ إلى بيتهِ يأوي الغريبُ إذا شَتا ومُهتَلِكُ ... بالي الدَّريسينِ عائلُ تَكادُ يداهُ تُسْلمانِ رِداءهُ ... من الجودِ لمَّا اسْتَقبلتْهُ الشمائلُ فأُقِسمُ لو لاقيتهُ غير مُوثَقٍ ... لآبَكَ بالجِزع الضِّباعُ النواهلُ وإنَّكَ لوْ واجهتهُ أو لَقييتَهُ ... فنازَلْتَهُ أو كنت ممَّن يُنازِلُ لكنتَ جميلٌ أسوأَ الناس صَرعةً ... ولكنَّ أقران الظُّهورِ مَقاتِلُ فليسَ كعهدِ الدارِ يا أُمَّ مالكٍ ... ولكن أحاطت بالرقابِ السلاسلُ وعادَ الفتى كالكهل ليس بقائلٍ سوى الحِّق شيئاً فاستراح العواذلُ قوله: أحاطت بالرقاب السلاسلُ: يقول جاء الإسلامُ فمَنَع من طَلب الأوتار
إلا بحقِّها. وممِّا يُستَحْسنُ لأبي خِراشٍ الهُذَليِّ، وهو أحدُ حكماء العرب، قولُه يرثى أخاهُ عَروة: لعمري لقد راعت أُميمة طلعتي ... وإنَّ ثَوائي عندها لقليلُ تقول: أراهُ بعد عروة لاهياً ... وذلك رُزءٌ لو علمت جليلُ فلا تَحسِبي أني تناسَيتُ عهدَهُ ... ولكنَّ صَبري ياأُميمَ جميلُ ألم تَعلمي أنْ قد تفرَّق قبلَنا ... خَليلا صفاء: مالكُ وعَقيلُ أبي الصبرُ أني لا يزالُ يُهيجُني ... مَبيت لنا فيما خَلا ومَقِيلُ وأَني إذا ما الصبحُ آنستُ ضوءه ... يُعاوِدُني قِطعٌ عليَّ ثَقيلُ قال أبو الحسن عليُّ بن سليمان الأخفش: مالك وعقيل اللذان ذكرهما نَدْمانا جَذيمة الأَبرش. وقصتُهما مع جذيمة مشهورة، وهما عَنى مُتمِّمُ بن نُويرةَ في آخر أشعاره التي رثى بها مالكاً أخاهُ، حيث يقول: وكنّا كندْمانَيْ جَذيمةَ حِقبةً ... من الدهر حتى قيل: لن يَتَصدَّ " عا "
وقال أبو خراش يرثى أخاه عُروة،، أَبدع في ذلك: حَمِدتُ إلهي بعد عُروة إذ نجا خِراشٌ، وبعضُ الشرِّ أهونُ من بعضِ فوالله لا أنسى قتيلاً رُزِئتُهُ ... بجانب قُوسَي ما مشيتُ على الأرض بلى إنَّها تعفو الكلومُ وإنَّما ... تُوكِّلَ بالأَدنى وإنْ جلَّ ما يمضي ولم أدرِ مَن أَلقى عليه رداءه ... على أنه قد سُلَّ عن ماجدٍ مَحضِ قصة نهش الحية لأبي خِراش: حدَّث أبو بكر محمدُ بن الحسن بن دريدٍ قال: نا عبد ارحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: أسلم أبو خراش فحسُن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن، قدموا حُجاجاً، والماءُ منهم غير بعيد. فقال: يا بني عمِّ ما أمسى عندنا ماءٌ، ولكن هذه بُرمة وشاة، فرِدوا الماء، وكلوا شاتكم، ثم دَعوا بُرمتنا وقِربَتَنا على الماء حتى نأخذها. فقالوا: لا والله ما نحنُ بسائرين في ليلتنا هذه، وما نحن ببارحين حيث أمسينا. فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قِربته، وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استسقى. ثم أقبل صادراً، فنهشتهُ حيةٌ قبل أن يصل إليهم. فأقبل مسرعاً حتى أعطاهم الماء وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا. ولم يُعْلمْهُم ما أصابه. فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوهُ. وقال وهو يموتُ في شعرٍ له: لقد أَهلكتِ حيةَ بطنِ وادٍ ... على الإخوانِ ساقاً ذاتَ فَضل
فما تركتْ عَدوّاً بين بُصري ... إلى صنعاءَ يطلبهُ بذَخْلِ فبلغ خبرُه عمر بن الخطاب، فغضبَ غضباً شديداً، وقال: لولا أن تكون سُبَّةً لأمرتُ أن لا يُضاف يمانٍ أبداً، ولكتبتُ يذلك إلى الآفاق. ثم كتب إلى عامله باليمن أن يأخذ النفرَ الذين نزلوا على أبي خِراشٍ الهُذليِّ، فيُغْرِمَهُم ديتَهُ، ويؤدِّبَهم بعد ذلك بعقوبةٍ يمَسُّهم جزاءً لِفِعلهم. ومن هُذيل أبو كبير: واسمُهُ عامرُ بن الحِلس أحدُ بني سعد بن هُذيل، ثم أحدُ بني حُريْث، وهو جاهلي. ومن قوله مختار من قصيدة أَولُها: أزُهير هَل عن شَيبةٍ منَ معدلِ ... أم لا سبيلَ إلى الشباب الأولِ أمْ لا سبيل إلى الشبابِ، وذكرُهُ ... أَشهى إليَّ من الرَّحيقِ السلسلِ ذهبَ الشبابُ وفات مني ما مضى ... ونَضا زُهيرَ كريهتي وتَبَطُّلي وصَحوتُ عن ذكرِ الغواني وانتَهى ... عُمُري وأنكرْنَ الغداةَ تَقتُّلي
ومنها: ولقد سَرَيتُ على الظلامِ بِمغشمٍ ... جَلدٍ من الفتيانِ غيرِ مُهَبَّلِ ممَّن حَملنَ به وهنَّ عواقدٌ ... حُبُكَ النِّطاقِ فشبَّ غيرِ مُثقَّلِ حَملتْ به في ليلةٍ مَزْؤودةٍ ... كَرْهاً، وعَقدُ نطاقِها لم يُحْلَلِ فأتت به حُوشَ الفؤادِ مُبَطَّناً ... سُهُداً إذا ما نام ليلُ الهَوْجَلِ ومُبرَّأ من كلِّ غُبَّرِ حَيْضةٍ ... وفَسادِ مُرضعةٍ وداء مُعْضِلِ وإذا نَظرتَ إلى أسِرَّة وجههِ ... بَرقتْ كبرقِ العارضِ المُتَهلِّلِ صَعبُ الكريهةِ لا يُرامُ جَنابُهُ ... ماضي العزيمةِ كالحسامِ المِفْصَلِ يحمي الصِّحابَ إذا تكونُ عظيمةٌ ... وإذا همُ نزلوا فمأوى العُيَّلِ
ومنهم خُويلد بن مِطْحَل: أحد بني سهم بن معاوية بن تميم بن سعد بن هُذيل. وكان سيِّد هذيل. وابنُه مَعقلُ بن خُويلد من بعده، فأَطلقهم لهُ، فقال: إمَّا صَرمتِ جديدَ الحبا ... لِ منَّا، وغيَّركِ الآشِبُ فيارُبَّ حَيْرى جُماديةٍ ... تنزَّلَ فيها ندًى ساكبُ ملكتُ سُراها إلى صُبْحها ... بشعثٍ، كأنهمُ حاصِبُ لهُم عَدْوةٌ كانقصافِ الأَتِيْ ... يِ مَدَّ به الكَدِرُ اللاحِبُ وسودِ الوُجوهِ جِعادِ اللَّحى ... ومِثْلُهمُ يَرْهبُ الراهبُ أَتيتُ بأبنائكمْ منهمُ ... وليس معي منكمُ صاحبُ وإني كما قالَ مُمْلي الكتا ... بِ في الرقِّ إذ خطَّهُ الكاتبُ يَرى الحاضرُ الشاهدُ المطمئنُّ ... من الأمرِ ما لا يرى الغائبُ ومن هذيل ثم من بني سهم بن معاوية بن تميم؛ رهط خُويلد بن مِطْحل أبو صخر الهذلي الشاعر: واسمه عبد الله بن سلمٍ السَّهميُّ، وهو من شعراء الدولة الأموية، وكان معتصباً لهم. وسجنه عبد الله بن الزبير حتى قُتل. فأطلقهُ عبد الملك بن مروان واحسن إليه. وهو القائلُ القصيدة التي أوَّلُها:
لِلَيلى بذات الجيش دارٌ عرفتُها ... وأخرى بذات البينِ آياتُها سَطرُ ومنهم حُذيفة بن أنسٍ: أحد بني عامر الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل. وهو القائل يفخر بالشجاعة من قصيدةٍ: نَشأنا بني حربٍ تَربَّتْ صغارُنا ... إذا هيَ تُمرَى بالسواعدِ دَرَّتِ ونحملُ في الأبطالِ بِيضاً صوارماً ... إذا هيَ صابَتْ بالطَّوائف تَرَّتِ وهل نحنُ إلا أهلُ دارٍ مُقيمةٍ ... بنعمانَ مَن عادتْ من الناسِ ضَرَّتِ وله أيضاً يفخر بالشجاعة من قصيدةٍ: وكنَّا أُناساً أَنْطقَتْنا سيوفُنا ... لنا في لقاءِ الموتِ جَدٌ وكوكبُ بنو الحربِ أُرْضِعْنا بها مُقْمطِرَّةً ... فمَنْ يُلْقَ منَّا يُلقَ سِيدٌ مُدرَّبُ فُرافِرةٌ أظفارُهُ مثلُ نابهِ ... فإنْ تُشْوِ نابٌ منهُ لا يُشْوِ مِخْلبُ
وله البيتُ المشهورُ من قصيدةٍ: أخو الحربِ إنْ عضَّتْ به الحربُ عضَّها ... وإنْ سمَّرتْ عن ساقِها الحربُ شَمَّرا ومنهم المُنتخِّل: واسمه مالك بن عمرو بن سُويد بن حَنَش بن خُناعةَ ابن عاريَّة بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هُذيل بن مُدركة. وقال حسان بن ثابت عنه: إنه أشعرُ هُذيل. ومن شعر المتنخِّل يرثى أخاهُ عُويْمراً، ويكنى أخا مالكٍ: لَعَمرُكَ ما إنْ أبو مالكٍ ... بوانٍ، ولا بضعيفٍ قُواهْ ولا بالألدِّ لهُ نازعٌ ... يُغادي أخاهُ إذا ما نَهاهْ ولكنَّه هيِّنٌ ليِّنٌ ... كعاليةِ الرُّمح عَرْدٌ نَساهْ إذا سُدْتَهُ سُدتَ مِطواعةً ... ومَهما وَكلتَ إليهِ كفاهْ ألا مَن ينادي أبا مالكٍ: ... أفي أمرِنا هو أم في سِواهْ؟ أبو مالكٍ قاصِرٌ فَقرَهُ ... على نفسهِ ومُشِيعٌ غِناهْ ومن هذيلٍ أمية بن أبي عائذٍ: وهو القائلُ من قصيدةٍ طويلة يصف الخيال:
خيالٌ لزينبَ قد هاجَ لي ... نُكاساً منَ الحبِّ بعدَ انْدمالِ تَسدَّى مع الليل تِمثالُها ... دُنُوَّ الضَّبابِ إلينا بِطَلٍّ زلالِ فباتَ يُسائِلُنا في المنامِ ... فأَحببْ إلينا بذاكَ السُّؤالِ يُثَنِّي التحيةَ بعدَ السَّلا ... مِ ثمَّ يُغَدِّي بعضمٍّ وخالِ إلى اللهِ أشكو الذي قد أرى ... منَ النائباتِ بعافٍ وعالِ وإطلالَ هذا الزمانِ الذي ... تَبدَّلَ بالناسِ حالاً بحالِ ومنهم ساعدة بن جُؤَيَّةَ: أحدُ بني كعب بن كاهل بن الحرث بن تميم ابن سعد بن هُذيل، وكان جاهلياً. وله من قصيدةٍ طويلة يصف الرماح: فَتعاورُوا ضرباً وأُشرِعَ بينهمْ ... أَسلاتُ ما ضاعَ القُيونُ ورَكَّبُوا من كلِّ أظمأَ عاتِرٍ لا شانَهُ ... قِصَرٌ، ولا راشَ الكعوبَ مُعلَّبُ خَرِقٌ منَ الخطِّيِّ أُغمضَ حدُّهُ ... مثل الشهابِ، رفعْتَهُ، يَتلهَّبُ ممَّا يُترَّصُ في الثِّقافِ يَزِينُهُ ... أَخْذى كخافيةِ العُقابِ مُجرَّبُ
لذَّ بِهَرِّ الكفِّ يَعسِلُ مَتنُهُ ... فيه كما عَسلَ الطريقَ الثَّعلبُ ومنهم البُرَيق: واسمه عِياض بن خُويلد الخُناعيُّ. وخُناعةُ: هو ابن سعد بن هُذيل. وكان عمر أرسل البُريق في جُملة مَن أرسَل لاستفتاح مصر. ومن قوله: رَفعتُ بني حواءَ إذ مالَ عَرشُهمْ ... وذلك منى في صريمٍ مُضلَّلُ جَزَتْني بنو لِحْيانَ حَقنَ دمائهمْ ... جزاءَ سِنمَّارٍ بما كان يفعلُ وكان من حديث سِنمَّار، فيما يحكيه العلماء أنه كان بنَّاء مُجيداً، وهو من الروم. فبنى الخورنق الذي بظهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس. فلما نظر إليه النعمانُ كره أن يعمل مثله لغيره، فألقاه من أعلى الخورنق، فخرَّ ميتاً. وفيه يقول القائل: جَزَتْنا بنو سعدٍ لحسنِ فَعالِنا ... جزاءَ سِنمَّارٍ، وما كان ذا ذنبِ قال هذا أبو عبيدٍ في الأمثال. ومن هذيل أبو قِلابَةَ: وهو القائلُ في آخر قصيدةٍ:
إنَّ الرشادَ وإنَّ الغَيَّ في قَرنٍ ... بكلِّ ذلك يأتيك الجديدان لا تأمننَّ وإنْ أصبحتَ في حَرَمٍ ... إنَّ المنايا بِجَنْبَيْ كلِّ إنسانِ ولا تقولونْ لشيء: سوف أفعلُهُ ... حتى تَبيَّنَ ما يَمْنى لكَ الماني ومنهم أبو العيال: وكان مسلماً. ومن قوله يرثى أبن عمٍّ له قُتل بالروم زمنَ معاويةَ من قصيدةٍ طويلةٍ: ذكرتُ أخي فعاوَدَني ... صُداعُ الرأسِ والوصبُ كما يعتادُ ذاتَ البَوْقِ ... وبعد سُلُوِّها الطربُ فدمعُ العينِ من بُرَحا ... ءِ ما في القلبِ يَنسكبُ على عبد بنِ زُهرةَ طُو ... لَ هذا الليلِ أكتئبُ أخٌ لي دونَ مَن لي ... من بني عمٍّ ولو قَرُبوا طَوى مَن كان ذا نَسبٍ ... إليَّ وزادَهُ نَسَبُ أبو الأيتامِ والأَضْيا ... فِ ساعةَ لا يعدُّ أبُ لهُ في كلِّ ما رفع ال ... فَتى من صالحٍ سببُ
وقال أبو العيال، وكان حُصر ببلادِ الروم، فكتب إلى معاوية كتاباً نظمه شعراً. فقرأ على الناس: مَن أبي العيال أخي هذيل فاعرفوا ... قولي، ولا تَتَجَمْجَموا ما أُرسِلُ أَبلغْ معاويةَ بن صَخر آيةً ... يَهوى إليكَ بها البريدُ المُعْجَلُ والمرءَ عمراً فاتهِ بصحيفةٍ ... أَزرَى بنا في قَسمهِ إذ يعدِلُ وإلى ألى الأحلامِ حيثُ لقيتَهُمْ ... حيثُ البقيةُ والكتابُ المُنْزَلُ إنا لقينا بعدكُم بديارنا ... من جانَبَ الأمراجَ يوماً نُسألُ أمراً تضيقُ به الصدورُ ودونَهُ ... مُهَجُ النفوسِ وليس عنه مَعدِلُ في كلِّ مُعتركٍ يُرى منّا فتى ... يَهوى كعزلاءِ المَزَادةِ تُزْغِلُ
أو سيِّدٌ كهلٌ تَمورُ دماؤهُ ... أو جانحٌ في صدرِ رْمحٍ يَسْعُلُ وتجرَّدتْ حربٌ يكونُ حِلابُها ... عَلَقاً ويَمْرِيها الغَوِيُّ المُبْطِلُ فتَرى النِّبالَ تَعيرُ في أقطارِنا ... شُمُساً كأنَّ نِصالَهُنَّ السُّنْبُلُ وترى الرماحَ كأنما هي بَيْنَنا ... أَشطانُ بئرٍ يُوغِلون ونُوغِلْ ومن هذيل قِرد: وكان مشهورا بالزِّنى والعهارة. وفيه كانت العربُ تقول: " أَزنى من قِرْد ". قال الشاعر: تُعير بني هذيل داءَ قِرْدٍ ... وهمْ كانوا بذاك الداءِ أولى فأَرْخوا سِترَ عارِكمُ عليكمْ ... فإنكم بذاكَ العارِ أخْزَى واسمُ قردٍ عُميرُ بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل. ومن بني لِحْيانَ بن هذيل أبو عزة الهُذَليُّ: واسمُه يسار بن عبد. وقيل: ابن عبد الله. وقيل: ابن عمرو ... روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد اللهُ قبضَ روح عبدٍ بأرضٍ جعل له إليها حاجةً ". ومن بني لحيان النفَر الغادرون مع عَضل والقارة بأصحاب الرَّجيع الستة: مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَويِّ، وهو أمير الستة، وخُبيب بن عديٍّ، وعاصم بن ثابت
بن أبي الأفلح، وهما من بني عمرو بن عوفٍ من الأوس، وزيد بن الدَّثنة من بني بياضة بن عامر من الخزرج، وخالد بن البُكير الليثي، حليف بني عدي بن كعب بن لؤي، وعبد الله بن طارق حليف بني ظَفر من الأوس. والخبرُ بذلك صحيح مشهور. وقال حسان بن ثابت يهجو بني لحيان من هُذيل لغَدرهم بأصحاب الرجيع: إنْ سرَّك الغَدرُ صِرفاً لا مِزاجَ له ... فَأْتِ الرَّجيعَ فسلْ عن دارِ لِحيانِ قومٌ تَواصَوا بأَكل الجارِ بينهُمُ ... فالكلبُ والقردُ والإنسانُ مِثلانِ لو يَنطقُ التَّيسُ يوماً قامَ يَخطُبُهمْ ... وكان ذا شَرفٍ فيهمْ وذا شانِ وقال حسان أيضا يهجو هذيلاً: سَألتْ هذيل رسول اللهِ فاحشةً ... ضلَّتْ هذيلٌ بما سَاْلتْ ولم تُصِبِ سالوا رسولهُمُ ما ليس مُعْطِيَهُمْ ... حتى المماتِ، وكانوا سُبَّةَ العربِ ولن تَرى لهُذيلٍ داعياً أبداً ... يدعو لمكْرُمةٍ عن منزلِ الحَسَبِ
لقد أرادو خِلالَ الفُحشِ وَيحهُمُ ... وأن يُحلُّوا حَراماً كان في الكتُبِ وكانوا سألوا رسول الله أن يُبيح لهم الزِّنى. وقال أيضاً يهجوهم: لَعَمري لقد شانَتْ هُذيلَ بنَ مُدركٍ ... أحاديثُ كانت في خُبيبٍ وعاصمِ أحاديثُ لِحْيان صَلُوا بِقبيحها ... ولحيان جَرَّامونَ شرَّ الجرائمِ وهمُ غَدروا يوم الرَّجيعِ وأَسلمتْ ... أمانَتُهم ذا عِفَّةٍ ومَكارم رسولَ رسولِ اللهِ غَدراً ولم تكنْ ... هُذيلٌ تَوَقَّى مُنكَراتِ المَحارمِ قُبيَّلةٌ ليس الوفاءَ بهمِّهمْ ... وإنْ ظُلموا لم يدفَعوا كفَّ ظالمِ مَحلُّهمُ دارُ البَوارِ ورأيُهمْ ... إذا نابَهُمْ أمرٌ كرأيِ البَهائمِ ومن بني لحيان أسامةُ بن عمير: من أنفُس هذيل. له صحبة ورواية. وهو والد أبي المليح الهُذليِّ، واسم أبي المليح عامرُ بن أسامةَ. ويقال: زيد بن أُسامة. ولم يرو عن أسامة غيرُ ابنه أبي المليح من حديثه عن النبي عليه السلام
في سفر حُنين: فأصبنا مطر لم يَبُلَّ أسافل نعالنا. فنادى مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلُّوا في رحالكم. ومن هُذيل حمل بن مالك بن النابغة: وهو المذكور في حديث المرأتين اللتين اقتتلتا من هذيل. مسلم عن أبي هُريرة فال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمَت إحداهما الأخرى بحجر فقتلها وما في بطنها. فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جَنينها غُرةٌ عبداً ووليدةً. وقضى بدية المرأة على عاقلتها. وورثها ولدها ومن معهم. فقال حملُ بن النابغة الهذليُّ: يا رسول الله، كيف أغْرِم من لا شَرب ولا أكل ولا نطق ولا استهلَّ؟ فمثل ذلك بطَلَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما هذا من إخوانِ الكهَّان من أجل سجعهِ الذي سجع ". واسمُ إحدى المرأتين اللتين اقتتلتا من هذيل مُليكة بنت عُويمر، والأخرى أم غُطيف، روى ذلك عكرمة عن ابن عباس. ومن هُذيل أبو سَبرة سالم بن سَلَمة: روى عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه عبد الله بن بُريدة، وجعله خليفةُ بن خيَّاطٍ في الطبقة الأولى ممَّن حُفظ عنه الحديث من أهل البصرة بعد الصحابة. ورفع نسبة فقال: ومن هذيل ابن مُدركة بن الياس بن مُضر أبو سبرة واسمه سالمُ بن سلمة بن نوفل بن عبد العُزَّى بن أبي نصر بن جُهينة بن مطرود بن مازن بن عمرو بن الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل بن مدركة. وقال مسلم: أبو سبرة سالم بن سَبرة، ووَهِم في ذلك. واتَّفق البخاريُّ وابنُ أبي حاتم على أنه أبو سبرة سالم بن سلمة كما قال خليفة بن خياط. ومن هذيل أبو عبد الله مُسلم بن جُندب الهذليُّ: القاصُّ، أحدُ أشياخ نافع بن أبي نُعيم المدني في القراءة. وأخذ مسلم القراءة عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن أبي ربيعة عن أبيِّ بن كعبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الياس بن مُضر: أمُّه الرَّبابُ بنت حيدرة بن مَعدِّ بن عدنان. وفي سيرة ابن إسحاق: أمُّه سودة بنت عكِّ بن عدنان. وذكر الواقديُّ أنه كان يَسمع في صُلبه تَلبية النبي عليه السلامُ بالحج. وذكر الزبير بن بكَّار أن إلياس أول من أهدى البدنَ إلى البيت. قيل في اسمه الياسُ ضدُّ الرجاء، وعليه اكثر النُّسَّاب. واستشهدوا بقول قُصيِّ بن كلاب: إني لدى الحربِ رَخِيُّ اللَّببِ أُمَّهَتي خِندِفُ واليأسُ أبي وقال أبو بكر بن الأنباري: هو إلياس المذكور في القرآن. وإلياس الذي ذكر الله في القرآن قال ابن قُتيبةَ في " المعارف " وقاله غيره: هو من سبط يوشع بن نون، بعثه الله إلى أهل بعلبكَّ، وكانوا يعبدون صنماً يقال له " بعل " وفيه قال الله:) أتدعون بعلاً وتَذَرونَ أحسنَ الخالقين؟ (. قال المؤلف، وفقه الله: ويوشعُ بن نون هو ابنُ أفْراييم بن يوسف بن يعقوب، وهو فتى موسى وقال الفقيهُ الكاتب المحدِّث أبو عبد الله محمدُ بن أبي الخصال في قصيدته الكبيرة التي سمَّاها بمنهاج المناقب ومعراج الحسب الثاقب: إن إلياس بن مُضر هو المذكور في القرآن. ونصُّ ذكر إلياس في القصيدة: وإلياسُ مأوى الناس في كل أزمةٍ ... ومَهربهُم في كلِّ خوفٍ ومَرهَبِ وحين دَعَوا بعْلاً ضَلالاً وجُرأة ... على ربِّهم فاسْتَعْتبوا كلَّ مَعتَبِ وجاءهُم بالركنِ بعدَ هلاكهِ ... وقد كان في صَدْعٍ من الأرضِ أَنكَبِ
وحَجَّ وأهدى البُدْنَ أوَّل مَشعِرٍ ... لها، وفُروض الحج لم تَتَرتَّبِ ولم يقل ما قال رحمه اله إلا عن معرفة ونظر في كتب التواريخ. وقد ذكر ما ذكر الزبير بن البكار أن إلياس أول من أهدى البُدن الى البيت. وقد أجاد فيما نظمه في هذه القصيدة من مناقب وانساب حررها وحبرها، نفعه الله بها، وجعلها له ليوم الفزع الأكبر وامنا آمين. وولد إلياس مُدركة وولده عامر، وقد تقدم ذكره، وطابخةَ واسمه عمرو، وقمعة واسمه عمير. فولدت طابخةُ أُداً، وعَمراً، وعبد مناة، ومُراً. فولد أُدٌّ ضبَّة، وهي جمرة من جمرات العرب. وولد ضبة سعداً، وسعيدا، وباسلا. فأما باسل فهو ابو الَّديلم. وقُتل سعيد ولا عقب له. قال المفضل بن محمد الضبي الراوية: إن ضبة بم أُدَّ كان له ابنان: سَعيد وسُعيد، فخرجا في طلب ابل لهما، فرجع سعد ولم يرجع سعيد. فكان ضبة كلما رأى شخصا مقبلا قال: " أسعد أم سعيد؟ ". فذهبت كلمته هذه مثلاً. قال: ثم ان ضبة بينما هو يسير، ومعه الحرث بن كعب، في الشهر الحرام إذ اتيا على مكان. فقال الحرث لضبة: أترى هذا الموضع؟ فإني لقيت فيه فتى، وأخذت منه هذا السيف. فإذا هي صفة سُعيدٍ ابنه. فقال له أرني السيف أنظر إليه. فناوله، فعرفه ضبة. فقال عندها: " إن الحديث ذو شجونٍ ". فذهبت كلمته الثانية مثلا. ثم ضرب به الحرث حتى قتله. قال: فلامه الناس في ذلك، وقالوا: أتقتل في الشهر الحرام! فقال: " سبق السيف العذَلَ ". فذهبت هذه الثالثة مثلا. قال: وفيه يقول الفرزدقُ:
فلا تأمنَنّ َالحربَ إنَّ اسْتِعارَها ... كضبَّةَ إذ قال: الحديثُ شُجُونُ وضبة كلها ترجع الى سعد بن ضبة. وفي سعد بطون كثيرة. والشرف منها في كعب بن بحالة. وهو بيت ضبة كلها؛ منهم: ضرار بن عَمرو، وهو القائل: " مَن سرَّرهُ بنوهُ ساءته نفسه ". وولد له ثلاثة عشر ذكرا. ومن بني المنذر بن ضرار بن عمرو هذا أبو شُبرمة عبد الله بن شُبرمة: ولد سنة اثنتين وسبعين من الهجرة. وهو كوفي، تفقه بالشعبي، وروى عنه وعن أبي زُرعةَ هرمُ بن عمرو بن جرير البجليِّ. ومات سنة أربع وأربعين ومئة. قال حماد بن زيدٍ: ما رأيت كوفيا أفقه من ابن شُبْرمةَ. وقان قاضياً لأبي جعفر على سواد الكوفة، وكان شاعرا، حسن الخلق جواداً ربما كسا حتى يبيت في ثيابه. وله ابنا أخ يقال لهما: عمارة ويزيد ابنا القعقاع بن شُبرمة، وقد روي عنهما. وكان ابن شبرمة يقول لابنه: يابني لا تُمكن السفلة من نفسك، فإن أجرأَ الناس على السباع أكثرهم لها مُعاينةً. وفي ضبة من الصحابة سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحرث بن تميم بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أُدٍّ: سكن البصرة، وكان له دار بمقربة من الجامع بها. وله رواية عنالنبي عليه السلام. روى عنه محمد بن سيرين والَّبابُ بنت صُليع بنت أخى سلمان بن عامر. البخاري عن محمد بن سيرين قال: حدثنا سلمان بن عامر الضبي قال: " سمعتُ....... مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دَما، وأميطوا عنه الأذى ". وعتّاب بن شُمَير: روى عنه ابنه مُجمِّعُ بن عتاب. قال ابن ابي خَيثمة: وقد روى عن النبي عليه السلام من بني ضبة عتّابُ بن شُمير. روى أبو نُعيم ويحيى الحِمَّانُّي قالا: نا عبد الصمد بن جابر بن ربيعة الضبي قال: نا مجمَّعُ بن عتاب بن شُمير عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير، ولي إخوة فإذهب اليهم، لعلهم يُسْلمونَ، فآتيكَ بهم فقال النبي عليه السلام: " إن هم أسلموا فهو خيرٌ لهم، وإن أبوا فإن الإسلام واسع عريض ". ويقال: إنه لم يرو عن النبي عليه السلام من ضبة غير عتَّاب بن شمير وسلمان بن عامر.
ومن ضبة ثم من بني صُباح عبد الله بن زيد بن صفوان بن صُباح الصُّباحيُّ. وصُباح: هو ابن ظريف بن زيد بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله، ولم يرو عنه شيئاً. ونسبه ابن الكلبي ومحمد بن حبيب. وقال وسيم بن عمرو بن ضرار: شهد يوم الجمل مع عائشة. ذكر ذلك الطبري في تايخه الكبير عن المفضَّل بن محمد الضَّبيَّ الراوية عن عدي بن أبي عدي، عن أبي رجاء العُطاردي قال: إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل، وهو يقلب سيفاً بيده كأنه مِخراقٌ، وهو يقول: نحن بنو ضبةَ أصحابُ الجملْ ننازلُ الموتَ إذا الموتُ نَزَلْ والموتُ أَشهى عندنا من العسلْ نَنْعى ابنَ عفانَ بأَطرافِ الأَسَلْ ردُّوا علينا شيخَنا ثمَّ بَخَلْ قال المفضل: الرجل هو وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قُتل يوم الجمل مع عائشة من بني ضبة ألف ومئة رجل ما منهم من يتحرك من مكانه. ومنهم عُميرُ بن الأَهْلب: قتل يوم الجمل مع عائشة ذكره الطبري أيضاً في تريخه فقال: حدثنا بن محمد قال: نا رَوْحُ بن عبادة قال: نا عوف عن أبي رجاء قال: رأيت رجلاً قد اصطُلمتْ أذنُه. قلت: خِلقةٌ أم شيء أصابك؟ قال: أحدثك بينا أنا أمشي بين القتلى يوم الجمل، فإذا رجل يفحص برجله وهو يقول: لقد أَوْرَدَتْنا حَومةُ الموتِ أمُّنا ... فلم ننصرفْ إلا ونحن رِواء
أطعنا قريشاً ضِلَّةْ مِن حُلومِنا ... ونُصرُتنا أهلَ الحجازِ عَناءُ قال: قلت: يا عبد الله، قل: لا إله إلا الله. قال: ادنُ مني ولقِّنِّي، فإن في أُذني وقرٌ. قال: فدنوت منه، فقال لي: مَم أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة. قال: فوثَب عليَّ فاصطلم أذني كما ترى. ثم قال: إذا لقيت أمك فأخبرها أن عمير بن الأهلب فعل بك هذا. عباسُ بن محمد الذي روى عنه الطبري هذا الخبر مُشافهةً هو أبو الفضل الدُّوريُّ صاحب ابن معينٍ: قال النسائي: هو ثقة. وقال أبو حاتم: هو صَدوق. ورَوحٌ الذي روى عنه عباس الدوري هو روح بن عبادة القيسي أبو محمد، روى عن الأئمة: مالكٍ والثوري وشعْبةَ. وروى أيضاً عن سعيد بن أبي عروبة وابن جُريج. وعوفٌ الذي روى عنه رَوح هو أبو سهل عوف بن أبي جميلة الأَعرابي. سمع الحسن وابن سيرين وأبا رجاءٍ. روى عنه حمادُ بن سلمة وشعبة ويحيى القطان وأبو رجاء الذي روى عنه عوف الأعرابي هو العطاردي التميميُّ. ويأني ذكره بعد هذا في تميم إن شاء الله. ويروي ايضا عباس الدوري عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المُقرىءِ وأبي زكرياء يحيى بن أبي بُكير القاضي قاضي كَرْمانَ وغيرهم من الثقاتِ. وخرَّج عن عباس الدوري الترمذي كثيراً. وخرَّج ابنُ الجارود عنه حديثاً واحداً عن قُرادٍ أبي نوح في باب الخُلْع من)) المنتقى ((، رحم الله جميعهم ونفعهم ونفعنا بما صنَّفوهُ. ومن ضبة ربيعة بم مَقْروم. وهو القائل في قصيدةٍ: ودعَوا: نزالِ، فكنتُ أول نازلٍ ... وعلامَ أركبهُ إذا لم أنزِلِ؟
ومن ضبة شِظاظ: وفيه جرى مثل العرب " ألصُّ من شِظاظ ". وكان مشهوراً باللصوصوية. ومن ضبة عاصم بن خليفة بن معقل: قاتلُ بَسطامَ بن قيس الشيباني. وبسطام: هو فارس بكر بن وائل وابنُ سيِّدها. وقُتل بالحسنِ، وهو حبل رملٍ. وأسلم عاصم بن خليفة أيام عثمان بن عفان، فكان يقف ببابه، فيستأذن، فيقول: عاصم بن خليفة قاتلُ بسطام بن قيس بالباب. وكان سببُ قتله بسطام أن بسطام بن قيس أغار على بني ضبةَّ، وكان معه حازٍ يحزو له. قال أبو احسن الأخفش: حاز: زاجر. فقال بسطام إني سمعت في النوم قائلاً: الدلوُ تأتي الغَرَبَ المَزِلَّةْ فقال الحازمي: أفلا قلت: ثم تعود بادِناً مُبتلَّهْ قال: ما قلت: فاكتسح إبلهم، فتناوا واتبعوه. ونظرت أمُّ عاصمٍ إليه وهو يقع حديدةً له أي يحدُّها. والمِقَعةُ: المِطرقةُ. فقالت: ما تصنعُ بهذهِ؟ وكان عاصم منغوصاً. فقال: أقتلُ بها بسطام بن قيس، فنهرتْه وقالت له: اسْتُ أمِّك أضيق من ذلك. فنظر إلى فرسٍ لعمِّه موثقةٍ إلى شجرةٍ، فاغزوراها، أي ركبها عُرْياً، ثن أقبل بها الريح. فنظر بِسطامٌ إلى الخيل وقد لحقته. فجعل يطعن الإبلَ في أعجازها. فصاحت به بنو ضبة: ما هذا السَّفهُ يا بسطام؟ دعها، إما لنا وإما لك. فانحطَّ عليه عاصم، فطعنه، فرمى به على ألاءةٍ، وهي شجرة ليست بعظيمة. وكان بِسطامُ نَصرانياً، وكان قتُله بعدَ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
فأراد أخوه الرجوع إلى القوم، فصاح بسطامُ: أنا حنيفٌ إن رَجعتَ. ففي ذلك يقول ابنُ غَنوةَ الضَّبيُّ، وكان نازلاً فب بني شيبان، فخرَّ الألاءة، ولم يوسَّد، كأنه جبينه سيف صَقيل. ولما قُتل بسطام بن قيس لم يبت في بكر بن وائل بيت إلا هُجم أي هُدم. ومن ولد ضرار بن عمرو الضبي زيد الفوارس: وهو زيد بن الحصين بن ضرار. وإياه أراد الفرزدق في قصيدة له طويلة، يناقض فيها جريراً: زيدُ الفوارس وابنُ زيدٍ منهمُ ... وأبو قَبيصةَ والرئيسُ الأوَّلُ كامل أبو قبيصة هو ضرار بن عمرو جدُّ زيد الفوارس. والرئيس الأول هو مُحَلَّمُ ابن سويد الضبي، ربَعَ ضبة وتميماً والِّرباب. ومن ضبة حُبيشُ بن دُلَف: أحد العظيمي الفداءِ من العرب. أُسر يوم القَرنين، ففدى نفسه بأربعمئة بعير وبغيهب فحل إبل. وأسر حُبيش عمرو إبن الحرث بن أبي شَميرٍ الغسَّانيَّ، فجزَّ ناصيته، واشترط عليه أن يبعث إليه في كل سنة بحباء حتى يموت. وإياه يعنى الفرزدق أيضاً في القصيدة التي ذكر فيها زيد الفوارس: يابنَ المَراغةِ أينَ خالُكَ؟ إنني ... خالى حُبيشٌ ذو الفَعالِ الأطولُ
خالى الذى اغتصبُ الملوكَ نفوسَهم ... وإليهِ كان حِباءُ جفنةَ يُنقَلُ قال المؤلف، وفقه الله: قوله: " وإليه كان حباءُ جفنةَ ينقل " يعني ما اشترط عمرو بن الحرث بن أبي شمر لحبيش على نفسه حين أطلقه. وهو من آل جفنة. وجفنة: هو ابن حارثة بن عمرو ومُزَيْقَيا بن عامر، وهو ماءُ السماء، وحارثةُ: أبو جفنة أبو خزاعة وأخو ثعلبة العنقاء أو الأنصار. وأبوه الحرث بن أبي شمر: هو الحرث الأعرج. وكان خير ملوك الغسانيين، وأيمنهم طائراً، وأبعدهم مُغاراً، وأشدهم مغارا، وأشدهم مكيدة. وأُمهُ مارية ذات القرطَين: وهي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحرث بن معاوية الكندي، وإياها غنى حسان بقوله: أولادُ جفنةَ حولَ قبر أبيهمُ ... قبرِ ابن ماريةَ الكريم المفْضلِ وأخت مارية هند الهنود: امرأة حجر آكل المُرار الكندي وهو حجر بن عمرو بن الحرث بن معاوية بن ثور بن مُرتِّع بن معوية بن ثور بن عُفير. وكِندةُهم ولد ثور بن عُفير بن الحرث بن مرة بن أُد بن زيد بن يَشجُب بن عَريب ابن زيد بن كهْلان بن سبأ. وحُجرُ بن آكل المُرار هو جدُّ جدِّ امرىءِ القيس الشاعر. وهو امرؤُ القيس بن حجر بن عمرو بن الحرث بن حجر آكل المرار بن عمرو. وفي عمود هذا النسب اختلاف بين النسَّاب في زيادة أسماء ونقصها. وفي الحرث بن أبي شَمر الأعرج. يقول علقمة بن عبدة، وقد أتاه في أُسارىمن تميم، وفي أخيه شأس بن عبدة، فأطلقهم له:
إلى الحارث الوهَّاب أعلمتُ ناقتي ... لِكلْكلِها والقُصرَبَيْنِ وَجِيبُ وفي كلِّ حيٍّ قد خَبطتَ بنعمةٍ ... فحقَّ لشأسٍ منْ نَداكَ ذَنوبُ فقال الحرث: نعم وأذْنَبَةٌ. وفي ابنه عمرو يقول النابغة حين صار إليه، وفارق النعمان بن المنذر: عليَّ لعمرٍو نعمةٌ بعد نعمةٍ ... لوالدهِ ليست بذاتِ عقاربِ وحَليمةُ بنت الحرث الأعرجي: هي التي فيها جرى المثل: " ما يومَ حليمة بيسرٍّ ". وملك آل جفنة من غسان الشام ستمئة سنة إلى أن جاء الإسلام وعدة ملوكهم سبعة وثلاثون ملكاً. ومن ضبة سلمة بن هَزالٍ الضبي أبو حَبروسٍ: سمع سعد الإسكاف. روى عنه مسلم بن إبراهيم ويحيى بن يحيى. ومنهم أبو معاذ عُتبةُ بن حُميدٍ الضبيُّ: روى عن يحيى بن يزيد وأبي بشر. روى عنه أبو خيثمة وأبو معاوية وابن عيينة. ومنهم المُغيرةُ بن مِقْسمٍ الضبِّي: مولى لهم. روى عن أبيه وإبراهيم النخعي. وروى أبوه مقسم عن النعمان بن بشير.
ومنهم جرير بن عبد الحميد الضَّبي: روى البخارى ومسلم عن رجل عنه كثيراً. وتوفي سنة ثمانٍ وثمانين ومئة، وهو ابن اثنين وثمانين سنة. ومن موالى بني ضبة يونس بن حبيب: وكان صاحب غريب ونحو، وكان النحو أغلب عليه. ومات سنة اثنين وثمانين، وهو ابن ثمان وثمانين. وولد عمرو بن أُدٍّ بن طابخة أوسأ وعثمان، وهما مُزينةُ: نُسا إلى أمها مُزيةَ بنت كلب بن وبرة، وإليها يُنسب كل مُزيني. غلب عليهم اسم أمهم مزية. وفي مزينة كثير من الصحابة مباركون. ويروى أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مزينة أربعمئةٍ منهم: قُرَّةُ بن إياسٍ جد إياس بن معاوية بن قُرة، وبلال بن الحرث. قال ابو عبد البر أبو عمر في كتاب " الإنباه ": حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد بن زهير، قال: نا عمرو بن مرزوق، قال: نا شعبة عن أبي بشر عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مزينةُ وأسلمُ وجهينة وغِفار خيرٌ من بني تميم وأسدٍ وغطفان ومن بني عامر بن صعصعة ". وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: نا قاسم بن أصبغ قال: نا محمد بن عبد السلام الخُشنى قال: نا محمد بن بشار قال: نا غُنْدر عن شعبة، عن سعد ابن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمُ وغِفارٌ ومُزينةُ ". أو قال: " مَن كانَ من جهينة خيرٌ من بني تميم ومن بني عامر بن صعصعة ومن الحليفين: أسدٍ وغَطَفانَ ". قال أبو عمرَ: هذان الحديثان من حديث شعبة لا مَطْعَنَ لأحدٍ فيهما من جهة النقل. قال المؤلف، أصلحه الله: خرَّجهما مسلم عن شعبة في صحيحه. وفي مزينة من الصحابة بنو مُقرِّن، وهم سبعة. روى منهم عن النبي عليه السلام خمسةٌ: النعمان وسويد ومعقل وسنان وعقي. ومما يُصحح أنهم كانوا سبعة إخوة ما ذكره مسلم فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله ابن نمير " واللفظ لأبي بكر " قالا: نا ابن ادريس عن حصين. عن هلال
ابن يساف قال: عَجِلَ شيخ فلطم خادماً له فقال له سويد بن مُقرِّن: عجز عليك إلا حُرُّ وجهها. لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن مالنا إلا خادم، فلطمها أصغرُنا. فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. وروى مسلم هذا الحديث من طرق. وروى عن سويد بن مقرن ابنه معاوية بن سويد وهلال بن يساف وأبو شعبة العراقي مولى سويد. وعِدادُ أبي شعبة العراقي في أهل الحجاز مذكور فيمن لا يعرف اسمه. ويكنى سويدٌ أبا عدي، وقيل يكنى أبا عمرو. وكان النعمان بن مقرِّن من فضلاء الصحابة وخيارهم، فتح نهاوند لعمر، وقتل يومئذ، وكان أمير الجيش. وقبره هناك بموضع يقال له الإسفيذهانُ، وقبر طليحة بن خويلد، وقبر عمرو بن معد يكرب، وقبور جماعة من المسلمين. وقيل إنَّ عمرو بن معد يكرب شهد فتح نهاوند، وقاتل يومئذ حتى كان الفتح، وأثبتته الجراحات، فحُمل فمات بقريةٍ من قرى نهاوند يقال لها " رَوْذه ". فقال بعض شعرائهم: لقد غادرَ الركبانُ يومَ تَحملوا ... برَوذةَ شخصاً لا جَباناً ولا غُمْرا فقُلْ لزُبيدٍ بل لمذْحِجَ كلِّها: ... رُزِيتم أبا ثَورٍ قَريعَكُمُ عَمْرا ومعقِلُ بنُ المُقرِّن: هو أبو عمرة المزنيُّ. كذا قال ابن قتيبة في " المعارف "، وقال ابنُ عبد البر في " كتاب الصحابة ": يُكنى أبا عمرو. وكان مسكن معقل واخوته الكوفة. ويكنى عقيل من إخوة النعمان أبا حكيم. قال الواقدي: وممن نزل الكوفة من الصحابة عقيل بن مثقرِّن أبو حكيم. وقال البخاري: عقيل بن مقرن أبو الحكيم. وكان النعمان بن مقرِّن صاحب لواء مزينة يوم الفتح. وكان رضي الله
عنه أول صريع بنهاوند. وكانت وقعت نهاوند سنة أحدى وعشرين. واستشهد يوم جمعة، وكان اللواء بيده. ولما جاء نعيه عمر الخطاب رضي الله عنه خرج فنعاه للناس على المنبر، ووضع يده على رأسه يبكي. وقال يحيى بن معين: نا غُندَر عن شعبة، عن حُصين قال: قال عبد الله بن مسعود: إن للإٌيمان بيوتاً، وللنفاق بيوتاً. وإن بيت بني مقرن من بيوت الإيمان. روى عن النعمان بن مقرن من الصحابة معقل بن يسار وطائفة من التابعين. ومن مزينة عمرو بن عوف بن زيد بن مُليحةَ، ملحة بن عمرو ابن بكر بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. وكان أحد البكَّائين الذين قال الله فيهم:) تَولَّوا وأَعينُهم تفيضُ من الدمع ألاَّ يَجدوا ما يُنْفقون (. له منزل بالمدينة. ولا يعلم حيٌ من العرب لهم مجلس بالمدينة غير مُزينةَ. ذكر البخاري عن اسماعيل بن أبي أويس عن كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف المزني، عن أبيه، عن جده قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين قدِم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهراً. سكن المدينة ومات بها في آخر خلافة معاوية. يكنى أبا عبد الله، كنَّاه الواقدي. مخرج حديثه عن ولده وهم ضعفاء عند أهل الحديث. ومنهم قرَّةُ بن إياس بن رئاب: جد إلياس بن معاوية بن قرة الحكيم الزَّكِن، قاضي البصرة. ويقال له قرةُ بن الأغَر. حدَّث أبو بكر بن أبي شيبة: نا شبابةُ بن سوَّار عن شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حلبَ وصَرَّ. وقرةُ هذا قتلة الأزارقة في زمن معاوية بن أبي سفيان. وكان مع ابنه معاوية في عسكرٍ فيه نحوٌ من عشرين ألفاً. بعثه معاوية وعلى العسكر عبد الرحمن بن عُتَيس بن كُرَيز القرشي العَبشمي. وهو ابن خال عثمان، فقتل عبد الرحمن، فقتله رأسُ الأزارقة نافع بن الأزرق، وقتل معه قُرةُ. وقتل يومئذ معاوية ابنه قاتل أبيه.
وسئل معاوية بن قرة عن ابنه إياس: كيف ابنك؟ فقال نِعمَ الابنُ؛ كفانى أمر دُنياي، وفرَّغني لآخرتي. وروى معاوية بن قرة عن أبيه وأنس وعبد الله بن مُغَّفل. وروى عنه قتادة وشعبة. ويكنى إياس أبا وائلة. وكان صادق الظن، لطيفاً في الأمور، وكان لأمِّ ولدٍ. وله عقبٌ بالبصرة وغيرها. وروى إياس عن أبيه وعن أنس بن مالك. وروى عنه ابن عجلان وحمَّاد بن سلمة وشعبة أيضاً. ومنهم عبد الله بن هلال: والد علقمة وبكر ابني عبد الله المزني، وهو أحد البكائين الذين نزلت فيهم: " ولا على الذينَ إذا ما أتوكَ لتحملهم قُلتَ: لا أجدُ ... وكانوا ستة نفر؛ أحدهم عبد الله هذا، والآخر عمرو بن عوف المزني وقد تقدم ذكره بعد بني مقرنٍ، وعُلبةُ بن زيد الحارثي الأنصاري، وسالم ابن عمير الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وهرم بن عبد الله بني واقف بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس، وعمرو بن عَثمةَ بن عدي الأنصاري من بني سلمة. وروى عن عبد الله بن هلال المزني ابنه علقمة سماعاً منه، وابن بريدة. وأما ابنه بكر فلم يرو عنه لصغره، وسمع ابن عمرو وأنساً. وروى عنه حًميد الطويل ومحمد بن سيف. وكانت أمُ بكر موسرة. وكان بكر حسن اللباس جداً. وروى معتمر بن سليمان عن أبيه أنَّ بكر ابن عبد الله كانت قيمة كسوته أربعة آلاف درهم. وقال غيره: اشترى بكر طيلساناً بأربع مئة درهم فأراد الخياط ليقطعه، فذهب ليذُرَّ عليه تراباً لموضع القطع، فقال له بكر: لا تعجل. وأمر بكافور، فسحق ثم ذرَّهُ عليه. وما سنة ثمانٍ ومئة. وحضر الحسن جنازته. قال المبارك فضالة: كنا في جنازة بكر بن عبد الله المزني ومعنا الحسن، فازدحموا على السرير، فقال الحسن: على علمه ازدحموا.
وكان بكر من جلَّة أهل البصرة، وكان يقال: الحسن شيخاها وبكر فتلها. ومنهم بلال بن الحرث بن عُصْم بن سعيد بن مرة: وهو الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم معادن القبلة. أسلم سنة خمس من الهجرة مع وفد مزينة الوافدين على النبي صلى الله عليه وسلم، وسكن موضعا يعرف بالأشعر وراء المدينة، ويكنى أبا عبد الرحمن. وكان أحد من يحمل ألوية مُزينة يوم الفتح. توفي سنة ستين في آخر خلافة معاوية وهو ابن ثمانين سنة. روى عنه ابنه الحرث بن بلال وعلقمة بن وقاص الليثي. وابنه حسان بن بلال: أول من أحدث الإرجاء بالبصرة. ومنهم عبد الله بن مُغفَّل: ويكنى أبا عبد الرحمن. وقيل: أبو سعيد. سكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، وابْتنى بها داراً قريب المسجد الجامع. وتوفي بالبصرة سنة ستين، وأوصى أن يصلي عليه أبو بَرزةَ الأسلمي، وكان ممن بايع بيعة الرَّضوان، آخذاً بغصن من اغصان الشجرة التي بويع رسول الله تحتها، يُظلةُ بها. وروى عنه جماعة من التابعين بالكوفة والبصرة. أروى الناس عنه الحسن قال الحسن: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر، يفقهون الناس. وكان من نقباء أصحابه. وكان له سبعة أولادٍ. ومنهم معقلُ بن يسار: ويكنى أبا عبد الله. وكان له عقب بالبصرة. وهو فجَّ فوهَّة نهر معقَل، وكان زياد حفره، فتيمن به لصحبته، فأمره ففجره، فنسب إليه. وإليه ينسب الرُّطبُ المعقلي. وتوفي في آخر خلافة معاوية. ومن مواليه حبيب المعلِّمُ: وهو حبيب بن زيد. كذا قال ابن قتيبة. وقال مسلم: أبو محمد حبيب بن أبي قريبةَ العلم. سمع ابن سيرين وعطاء. روى عنه حمّاد بن سلمة وحماد بن زيد. ومنهم عائذُ بن عمرو بن هلال المزني، يكنى أبا هريرة. كان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة. وكان من صالحي الصحابة. سكن البصرة، وابتنى بها داراً. وقال له الدعيُّ عُبيد الله بن زياد، قبَّحه الله وابعده: إنك
لمن حثالة أصحاب محمد. فقال عائذٌ: وهل في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حثالة؟. كذا قال ابن قتيبة. وفي صحيح مسلم عن الحسن أن عائذ بن عمرو، وكان " من أصحاب النبي " صلى الله عليه وسلم. دخل على عبيد الله إبن زياد فقال: أىْ بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول: " إنَّ شّرَّ الرِّعاءِ الحطمةُ ". فإياك أن تكون منهم. فقال له: إجلس، أنت من نُخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم. سكن عائذ البصرة، وابتنى بها داراً. وتوفي في أيام يزيد بن معاوية. روى عنه الحسن ومعاوية بن قرة. ومنهم شُريحُ بن ضَمرةَ المزَنيُّ: وهو أول من قدم بصدقة مزينة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومن مزينة عبد الله بن سَرجسَ المُزَني: له صحبة. وهو بصري. روىعنه عاصم الأحول وقتادة. خرجَّ مسلم عنه أحاديث، منها في كتاب الصلاة: " يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً " ومنها في كتاب المناقب بسندٍ من ثلاث طرق عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزاً ولحماً، أو قال: ثريداً. قال: فقلت له: آستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية:..) واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات.. (. قال: ثم درتُ خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ... ومنهم بُجيرُ بن زُهير وأخوه كعب بن زهير: وهما من الصحابة. وقدِم كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة سنة تسعٍ، فأنشده قصيدته المشهورة
فبانت سعادُ فقلبي اليومَ مَتبولُ ... مُتيَّمٌ عندَها لم يُجزَ مكبولُ وما سعادٌ غداةَ البَينِ إذْ برزتْ ... إلا أَغنُّ غضيضُ الطرفِ مكحولُ تَجلو عوارضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتَسمتْ ... كأنه مَنْهلٌ بالرَّاح معلولُ ومنها في مدح النبي عليه السلام: نُبِّئت أن رسولَ الله أوعدني ... والعفوُ عند رسول اللهِ مأمولُ مَهلاً هداكَ الذي أعطاك نافلةَ ال ... قرآنِ فيه مواعيدٌ وتفصيلُ لا تَأخنِّي بأقوالِ الوُشاةِ ولم ... أُذنبْ، ولو كثرتْ فيَّ الأقاويلُ إنَّ الرسولَ لنورٌ يُستضاء به ... مُهندٌ من سيوفِ اللهِ مَسلولُ في عصبةٍ من قريش قالَ قائلهم ... ببطنِ مكةَ، لما أسلموا: زُولوا زالوا، فما زال أنكاسٌ ولا كُشُفٌ ... عند اللقاءِ ولا ميلٌ مَعازيلُ
وله يمدح الأنصار: مَنْ سرَّهُ كرمُ الحياةِ فلا يزلْ ... في مِقْنبٍ من صالحى الأنصارِ المكرِهينَ السمهريَّ بأَذرعِ ... كسوالفِ الهِنديِّ غَيرِ قِصارِ والناظرينَ بأعينٍ مُحمَّةٍ ... كالجَمرِ غيرِ كَليلةِ الأبصارِ والبائعين نفوسهم لنبيِّهم ... للموتِ يومَ تَعانقٍ وكِرارِ يَتطهَّرون يرونهُ نُسكاً لهم ... بدماءِ مَن عَلِقوا من الكُفارِ ومنها: قومٌ إذا خَوتِ النجومُ فإنهم ... للطارقينَ النازلينَ مَقارِ وكان بجيرٌ شاعراً. وكان كعب وبجير قد خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما بلغا أبرقَ العزَّافِ قال كعب لبجير: إلق هذا الرجل، وأنا مقيم لك. فقدم بجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع منه وأسلم وبلغ كعباً، فقال أبياتاً أولها:
مَن مبلغٌ عني بُحيراً رسالةً ... فهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هلْ لَكا؟ سَقاكَ بها المأمونُ كأساً رويةً ... فأنْهلك المأمونُ منها وعَلَّكا وخالفت أسبابَ الهُدى واتَّبعتَهُ ... على أيِّ شيءٍ وِيْبَ غيركَ دَلَّكا على خُلقٍ لم تُلفِ أُماً ولا أبا ... عليهِ ولم تُدركْ عليهِ أخاً لكا فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم، لما سمع " سقاك بها المأمونُ ": " صدق، وإنه لكَذوبٌ، أنا المأمونُ ". ولما سمع " على خلقٍ لم تُلفِ أماُ ولا أباً عليه " قال: " أجل، لم يلف أمِّه ولا أباه عليه ". ثم لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنصرفهُ من الطائف كتب بُحيرٌ إلى كعب: إن كانت لك في نفسك حاجةٌ فاقدمْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، وذلك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه لقولٍ بلغه عنه، وبعث إليه: مَم مبلغٌ كعباً فهل لك في التي ... تلومُ عليها باطلاً وهي أحزمُ إلى الله، لا العُزَّى ولا اللآتِ وحدهُ ... فتَنجو إذا كان النجاءُ وتَسلمُ لدي يوم لا ينجو وليس بمُفلتٍ ... من النارِ إلا طاهرُ القلبِ مُسلمُ
فَدينُ زهيرٍ وهوَ لا شيءَ دينُهُ ... ودينُ أبي سُلمى عليَّ مُحرَّمُ وقال بجيرٌ يذكر حُنيناً والطائف من كلمةٍ له: كانتْ عُلالةُ يوم بَطينِ حُنينكمْ ... وغداةَ أوطاسٍ ويومَ الأبرقِ جَمعتْ هوازنُ جَمعها فتبددَّوا ... كالطيرِ تنجو من قَطامٍ أزرقِ لم يمنعوا منا مُقاماً واحداً ... إلا جدارهمُ وبطنِ الخندق ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا ... فاستحصنوا منا ببابٍ مُغلق وقال بُجيرٌ أيضا في يوم حُنين: لولا الإله وعبدهُ ولَّيتمُ ... حينَ أستخفَ الُّعبُ كلَّ جَبانِ بالجَزْع يومَ حَبالنا أقرانُنا ... وسوابحٌ يكبونَ للأذقانِ من بين ساعٍ ثوبُهُ في كفِّه ... ومُقَطَّرٍ بسنابكٍ ولَبانِ والله اكرمنا وأظهرَ ديننا ... وأعزنا بعبادةِ الرَّحمان واللهُ أهلكهمْ وفرَّ قَ جَمعهُمْ ... وأذلَّهم بعبادةِ الشيطانِ
إذ قام عمُّ نبيكمووليُّهُ ... يَدعو: أيا لكتيبة الإيمانِ أينَ الذينَ همُ أجابوا ربَّهم ... يومَ العُريض وبيعةِ الرضوانِ وكان كعب بن زهير شاعراً مُجوداً كثير الشعر مُقدِّماً في طبقته هو وأخوه بحير، وكعب أشعرهما، وأبوهما زهير فوقهما، وهو أحد المبرِّزين الفحول من الشعراء. وهو زهير بن أبي سلمى: واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قُرطْ بن الحرث بن مازم بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن طابخة بن إلياس بن مضر. وقال خلف الأحمر لولا قصائد لزهير ما فضلته على ابنه كعبٍ. ولكعب ابن شاعر اسمه عقبة: ولقبه المضرِّب، لأنه شبَّب بأمرأةٍ، فضربه أخوها بالسيف ضرباتٍ كثيرة فلم يمت. ومما يستجاد لكعب بن زهير قوله: لو كنتُ اعجبُ من شيءٍ لأعجبني ... سعيُ الفتى وهو مخبوءٌ لهُ القدرُ يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفسُ واحدةٌ والهمُ منتشرُ والمرءُ ما عاش ممدودٌ لهُ أملٌ ... لا ينتهى العين حتى ينتهى الأثرُ ومما يستجاد له أيضاً: إنْ كنتَ لا ترهبُ ذَمى لما ... تعرفُ من صفحى عن الجاهل
فاخشى سكوتي إننى منصتٌ ... فيك لمسموعِ خنا القائلِ فالسامعُ الذَّمِّ شريكٌ له ... ومُطعمُ المأكول كالآكلِ مقالةُ السوءِ إلى أهلها ... أسرع من مُنحدرٍ سائلِ ومن دعا الناسَ إلى ذَمِّهِ ... ذموهُ بالحقِّ وبالباطلِ وله من قصيدة أبدع فيها يفخر بخندِفَ على قيس، ويمدح أوسا وعثمان، ابنا مُزينة، قومَه: متى أدعُ أوسٍ وعثمان تأتيني ... مَساعيرُ حربٍ كلُّهمْ سادةٌ دُعُمْ همُ الأُسدُ عند البأس والحشدُ في القرى ... وهم عند عقدِ الجبارِ موفونَ بالذِّمَمْ ومن مزينة عَنمة والد ابرهيم بن عنمة المُزنيني: له صحبة. روى عنه ابنه إبراهيم ومحمد بن الحرث التيمي. وسكن غنمة مصر، وهو مذكور فيمن سكنها من الصحابة. واما عبد مناة بن أُد بن طابخة بن إلياس، فقال لولده " الرباب " وهم أربعة عدي، وثورأطحل. وأطحل جبل نسب إليه ثور، وعوف وهو عُكل، وتيم. إنما قيل لهم " الرباب " لأنهم غمسوا أيديهم في الرُّبِّ حين تحالفوا. وقال بعضهم: إنما سموا الرِّباب لأنهم إذ تحالفوا جمعوا قِداحاً، من كل قبيلة قِدحٌ، وجعلوها في قطعة من أدمٍ، وتسمى تلك القطعة الرِّبة، فسموا بذلك
" الرباب ". ومنهم من يجعل ضبة بن أدٍّ في الرباب. فمن عديَّ بن عبد مناة أبو رفاعة العدويُّ: واسمه عبد الله بن الحرث، وقيل تميم بن أُسيد، وكان من فضلاء الصحابة. روى عنه الشيخان: مسلم والبخاري. وروى عنه من التابعين حُميدبن هلال وصلةُ بن أشيمَ. فمما روى عنه حُميد بن هلال ما ذكره الحافظ أبو نعيم الإصبهاني في " الرياضة " له، فقال: نا أبو بكر بن خَلاد، قال نا الحرث بن أبي أسامة، نا أبو النضر، نا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال، عن أبي رفاعة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب فقلت: رجل غريب جاء، يسأل عن دينه، ولا يدري ما دينه. قال: فأقبل إلي النبي صلى الله عليه وسلم، وترك خطبته، ثم أُتي بكرسي خِلتُ قوائمه حديدا، قال فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جعل يعلمني مما علمه الله. ثم أتى خطبته فأتم آخرها. حُميد بن هلال: الراوي عن أبي رفاعة وأنس وغيرهما. عدوي أيضا من بني عديِّ بن عبد مناة. روى عنه أيوب وابن عون. ومنهم أبو قتادة العدويُّ: يعد في التابعين، بل هو من كبارهم. روى عن عمر وعبادة بن قُرصْ، ويقال: ابن قرطٍ الليثي. روى عنه حميد بن هلال ومؤرق بن مشمرج العجليُّ. وأسم أبي قتادة تميم بن نذير. ومنهم ذو الرُّمَّة الشاعر: واسمه غيلان بن عقبة، واخوه هشام، وأوفى. وكان هشام أيضا شاعرا. " وهو " القائل في أخويه غيلان وأوفى، وماتا قبله: تَعزَّيتُ عن أَوفى بغيلانَ بعدَهُ ... عزاءً، وجفنُ العين بالماءِ مُتْرعُ ولم تُنسني أوفى المصيباتِ بعده ... ولكنَّ نكءَ القَرح بالقرح أوجعُ
ومن ثور بن عبد مناة، وهو ثور أطحل أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري. وُلد في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ست وتسعين، وقيل سنة سبع. ومات بالبصرة متواريا من السلطان، ودُفن عشاءً. قال الشاعر: تَحرَّزَ سفيانٌ وفرَّ بدينهِ ... وأمسى شريكٌ مُرصداً للدراهمِ شريكٌ المذكور في هذا البيت: هو أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي. وُلد ببخارى سنة خمس وتسعين، ومات بالكوفة سنة سبع وسبعين ومئة. وولي القضاء بالكوفة ثم بالأهواز. قال سفيان بن عينة: ما تركت بالكوفة أحضر جوابا من شريك بن عبد الله. وروى شريك عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله البيعي، ومنصور بن المُعتمر الُّلمي، قال ذلك مسلم في كتاب " الكنى ". ومن حضور جواب شريك: قال له عيسى بن موسى: يا أبا عبد الله، إن في كتاب الله آية ليس لك ولا لقومك فيها شيء. قال: وما هي؟ قال: " وإنه لذكر لك ولقومك ". قال: وليس لي أيضا ولا لقومي في قوله عز وجل: " وكذَّ به قَومُك وهو الحقُ " شيءٌ. وقيل لشريك: ما تقول فيمن أراد أن يقنت في الصبح بعد الركوع، فقنت قبل الركوع؟ قال: هذا أراد أن يخطىء فأصاب. وكان شريك عدلا في قضائه، كبير الصواب رحمه الله. وسفيان كوفي قال سفيان بن عُيينةَ: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري. وقال ابن أبي ذيب: ما رأيت أحدا من يشبه الثوري. وقال عبد الله بن المبارك: لا نعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان. وقال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان فقلت: أيُّما أحب إليك، رأي مالك أو رأي سفيان؟ فقال: سفيان لا نشك في هذا. ثم قال يحيى: وسفيان فوق مالك
في كل شيءٍ. ودخل سفيان على المهدي، ولم يسلم عليه بالخلافة..... يقال له عيسى بن موسى: أتكلم أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام، وأنت رجل من ثور حقير ذليل؟ لعن الله ثورا وما ولد. فقال له سفيان: من أطاع الله من آل ثورخير ممن عصى الله من قومك. وكان سفيان يقول..... اتخذوا سلما إلى الدنيا. فقالوا: ندخل على سلطان نُفرِّرج عن مكروبٍ، ونكلم في محبوس. وكان يقول: إذا لم تصل إلى حقك إلا بالخصومة والسلطان فدعه لما ترجو من سلام دينك. ونقل عنه الفقه أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الفزاريُّ، وعبد الله بن المبارك، وغسان بن عبيد ووكيع، ومحمد بن يوسف الفِريابُّي، ومحمد بن عند الوهاب القَنَّادُ، وغيرهم من الثقات. وقال يحيى بن معين: سفيان الثوري حافظ أهل الكوفة. وقال عبد الله بن محمد بن المغيرة: مرض سفيان الثوري مرضةً، فندم الناس عليه. فلما أفاق ازدحموا عليه، فحدثهم بخمسة وعشرين ألف حديث ظاهر. وسُئل يحيى بن معين: مَن كان الحفاظُ من أصحاب سليمان بن مِهران؟ فقال: سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن خازم، وهو أبو معاوية الضرير، وأبو بكر بن عباش. قيل له: فشريكٌ؟ فقال: ليس مقام شريك مقام هؤلاء. على أن شريكا قد سمع من الأعمش، وهو ثقة. وقال أحمد بن حنبل: كان الحفظ لسفيان بالكوفة، ولمالك بالمدينة، ولليث بمصر، والأوزاعي بالشام. وذكر أن كتب الأوزاعي احترقت، فما حدَّث بعد احتراق كتبه إلا من حفظه. وسئل بعض الفقهاء عن الثوري وأبي حنيفة، فقال: الثوري أعلم بما كان وأبو حنيفة أعلم بما يكون. قال الواقدي: مات سفيان سنة إحدى وستيم ومئة، وهو تابن أربع وستين سنة. وأخبرني أنه وُلد سنة سبع وتسعين. ولم يُعقب سفيان؛ كان له ابن فمات قبله، فجعل كل شيء لأخته وولدها، ولم يُورث أخاه المبارك بن سعيد شيئا. وتوفي أخوه أبو عبد الرحمن المبارك بن سعيد بالكوفة سنة ثمانين ومئة. روى عن أبيه، وروى عنه ابن المبارك، وأبو النَّضر، ويحيى بن يحيى. وأبوهما أبو سفيان سعيد بن مسروق: روى عن عكرمة، ومنذر بن يعلي الثوري، والشعبي. وروى عنه ابنه سفيان، وشعبة.
ومن ثور الربيع بن خثيم أبو يزيد: من أصحاب ابن مسعود، وروى عنه. وروى عن الربيع الشعبي والنَّخعي وكتن زاهدا من خيار كبار التابعين. يقال إنه كان في بني ثور ثلاثون رجلا، ليس منهم رجل دون الربيع بن مخثم، وهم بالكوفة ليس بالبصرة منهم أحد. وكان عبد الله بن مسعود رأى الربيع ابن خُثيم يقول:) .. وبَشِّرِ المُخبتينَ (لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرَّه. ومن عُكْل، وهم بنو عوف بن مناة بن أُد. حضنتهم عُكل، وهي أمةٌلا مرأةٍ من حمير، يقال لها: بنت اللحية فنسبوا اليها. النَّمِر بن تَوْلب بن زهير بن أقيش بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة يقال إنه ورد على النبي عليه السلام مسلما ومدحه بشعر أوله: إنَّا أتيناكَ وقد طال الَّفرْ نقودُ خيلا ضُمَّراً فيها ضَررْ نُطْعمُها اللحم إذا عزَّ الشجرْ وفيها يقول: يا قومُ إني رجاٌ عندي خَبَرْ لله من آياتهِ هذا القَمرْ والشمس والشِّعرى وآياتٌ أُخرْ
وروى قرة بن خالد السدوسي وسعيد الجريري عن أبي العلاء بن الشِّخير قال: كنابالّضبذةِ، فجاء أعرابي بكتف أو صحيفة فقال: اقرؤوا ما فيها. فإذا فيها: " هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش إنكم 'ن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم خُمسَ ما غنتم إلى النبي عليه السلام فأنتم آمنون بأمان الله عز وجل ". قلنا: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. قلنا: حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يُذهبن وغَرَ الصدرِ ". قال الجريريُّ: وحضرَ الصَّدرِ: قلنا: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ألا أراكم تتَّهموني؟. فأخذ الصحيفة ومضى. فسألنا عنه، فقيل: هذا النمر بن تولب. قال الأصمعي: كان النمرُ بن تولب العُكبيُّ أحد المخضرمين من الشعراء. وكان أبو عمرو بن العلاء يسميه الكيِّس. وقال أبو عبيدة: النمر بن تولب عكلي، وكان شاعر الرِّباب في الجاهلية، ولم يمدح أحداً، ولا هجا. وأدرك الإسلام وهو كبير. وهو القائل عن غير أبي عبيدة: لا تغضبنَّ على امرىء في مالهِ ... وعلى كرائم صُلبِ مالكِ فاغْضَبِ ومتى تُصبْكَ خَصاصةٌ فارجُ الغنى ... وإلى الذين يُعطى الرغائبَ فارغبِ ومن بني عوف بن عبد مناة أكثل بن شَمَّاخ: قاله ابن الكلبي، وقال: شهد الجسر مع أبي عبيدة، وأسر مَردانشاه، وضرب عنقه وشهد القادسية، وله فيها آثار محمودة وقال: كان علي بن أبي طالب، إذا نظر إليه، قال: من أحب أن ينظر إلى الصبيح فلينظر إلى إكثل بن شمَّاخ.
ومن بني تيم بن عبد مناة عصمة بن أُبير: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه من تيم بن عبد مناة. نسبه ابن الكلبي فقال: عصمة بن أُبير ابن زيد بن عبد الله بن صريم بن وائلة بن تيم الرِّباب. وكان ممن شهد قتل سجاح في ايام أبي بكر، وكان على عبد مناة يومئذ عمر بن لجأ: الشاعر الذي كان يُهاجي جريراً. وأما مُرُّ بن أُدِّ بن طابخةَ فولد تميماً والغوث. وولد تميم ثلاثة أولادٍ: زيد مناة، وعمراً، والحرث. ومن هؤلاء الثلاثة تفرَّعت قبائل تميم وأفخاذها. ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بني تميم، وأثنى عليهم. ذكر ذلك في صحيحه فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا جرير عن مغيرة عن الحرث، عن أبي زُرعة قال: قال أبو هريرة: لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هم أشدُّ أمتي على الدجَّال ". قال: وجاءت صدقاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذه صدقاتُ قومنا ". قال: وكانت سبيئة منهم عند عائشة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَعتقيها، فإنها من ولد اسماعيل ". وخرَّج البخاري حديث مسلم هذا بنصه عن محمد بن سلام عن جرير بن عبد الحميد، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة عن أبي هريرة. وروى عن ابن عباس قال: مات تميم بم مرٍّ وأسدُ بن خزيمة وضبة بن أد على الإسلام فلا تذكروهم إلا بما يذكر به المسلمون. روى هذا الحديث الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقُطني عن القاضي المحامليِّ عن عبد الله بن شبيب قال: نا إبراهيم بن يحيى قال: حدثني أبي عن عبد الملك بن عبد العزيز، عن ابيه، عن أبن عباس. فولد زيد مناة سعداً: وفيه العدد، وسعد هو الفِرزُ. وفيه المثل المضروبُ: " كما تفرقتْ مِعزى الفِرْز ". ومالك بن زيد مناة. فمن بني سعد بن زيد
مناة ثم من مِنْقَر بن بن عبيد بن الحرث، والحرثُ هو مقاعسُ بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة، قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر: يكنى أبا علي، وهي أشهر كُناه. قدِم في وفد تيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في سنة تسع. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هذا شبيهُ أهلِ الوبرِ ". وكان عاقلا، حليما مشهورا بالحلم. قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري. رأيته قاعدا بفناء داره مُحتبياً بحمائل سيفه، يحدث قومه حتى أُتى برجل مكتوف وآخر مقتول. فقيل له: هذا ابن أخيك، قد قتل أبنك. قال: فوالله ما حلَّ حبوته، ولا قطع كلامه. فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال: يأبن أخي بئس ما فعلت، أَثمتَ بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك. ثم قال لابن له آخر: قم يا بني، وارِ أخاكَ، وحُلَّ كتاف ابن عمِّك، وسُق إلى أمِّه مئة ناقة دية أبنها، فإنها غريبة. وكان قيس بن عاصم قد حَّم على نفسه الخمر في الجاهلية لأمور مُنكرة فعلها في سكره، فقال فيها: رأيت الخمر صالحةً وفيها ... خِصالٌ تُفسدُ الرجلَ الحليما فلا والله أشربُها حياتي ... ولا أعود لها أبداً نديما فإنَّ الخمر تَفضحُ شاربيها ... وتُجنيهم بها الأمرَ العظيما ومن جيد قوله: إني امروٌ لا يَعترى خُلُقي ... دَنسٌ يفنِّدُهُ ولا أَفْنُ مِن مِنْقرٍ في بيت مَكرمةٍ ... والغُصْنُ يَنْبتُ حولَهُ الغُصْنُ
خُطباءُ حين يقولُ قائلُهُمْ ... بيضُ الوجوهِ أَعِفَّةٌ لُسْنُ لا يَفْطُنونَ لعيبِ جارِهُمُ ... وهُمُ لحُسنِ جُوارهِ فُطْنُ ومن جيد قوله يخاطب امرأته: أيابْنةَ عبدِ اللهِ وابنةَ مالكٍ ... ويا بْنةَ ذِي الجدَّينِ والفَرسِ الوَرْدِ إذا ما صنعتِ الزادَ فالتمسي لهُ ... أكيلاً، فإني لستُ آكُلُه وحدي قَصيّاً كريماً أو قريباً، فإنني ... أخافُ مَذَمّاتِ الأحاديثِ من بعدي وإني لَعبدُ الضيفِ ما دام ثاوياً ... وما مِن خِلالي غيرَها شِيمةُ العبدِ غيرها: استثناء مقدم. روى عن قيس بن عاصم الأحنف والحسن وخليفة ابن حصن وابنه حكيم بن قيس. وروى النضر بن شميل عن شعبة، عن قتادة، عن مُطرف بن عبد الله بن الشخير، عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه أنه أوصى عند موته فقال: إذا مت فلا تنوحوا عليَّ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه. قال النضر بن شميل: وقال عبدة بن الطبيب يرثيه: عليك سلامُ اللهِ قيسَ بنَ عاصمٍ ... ورحمتُهُ ما شاءَ أن يَتَرحَّما
تحيةَ مَن أوليتَهُ منكَ نِعمةً ... إذا زارَ عن شحطٍ بلادَك سَلَّما فما كان قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحدٍ ... ولكنه بُنيانُ قومٍ تَهدَّما ومن بني مُرَّة بن عُبيد أخي مِنقَر بن عُبيد الأحنف بن قيس: واسمه الضحاك بن قيس في رواية. وقال أبو اليظان: هو صخر بن قيس بن معاوية ابن حصن بن عُبادة بن النزَّال بن مرة بن عُبيد. ورهطه بنو مرة بن عُبيد الذين بعثوا بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عِكْراش بن ذُؤيب، يكنى الأحنف أبا بحر. وأتى رسول النبي صلى الله عليه وسلم بني تميم، يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا. فقال الأحنف: إنه ليدعوكم إلى مكارم الأخلاق، وينهاكم عن ملائمها، فأسلموا. وأسلم الأحنف، ولم يَفِد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان زمن عمر وفَدَ إليه، وشهد مع علي صِفيِّن، ولم يشهد الجمل مع أحد من الفريقين. وحدَّث أبو بكر بن أبي خيثمة قال: نا موسى بن اسماعيل قال: نا حماد بن سلمة عن عليَّ زيد عن الأحنف بن قيس قال: بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان إذ جاء رجل من بني ليثٍ فأخذ بيدي. فقال ألا أبشِّرك؟ فقلت: بلى. قال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعدٍ، فجعلت عليهم الإسلام، وأدعوهم إليه؟. فقلت أنت: إنه ليدعوكم إلى خيرٍ، وما حسَّن إلا حسناً. فبلَّغتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفرْ للأحنف ". قال الأحنف: هذا من أرجا عملي عندي. كان الأحنف بن قيس أحد الجَّلةِ الحلماء الدُّهاةِ، الحكماء العقلاء. يعدُّ في كبار التابعين بالبصرة. وذهبت إحدى عينيه يوم الحَرَّة وذكر الطبري في
تاريخه الكبير في أخبار صفين قال: لمَّا قدِمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس، فأبى أن يأتيها. ثم أرسلت إليه، فأتاها، فقالت: ويحك يا أحنفُ! بم تعتذر إلى الله من تركك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان؟ أمن قلة عددٍ، أو أنك لا تطاع في العشيرة؟. قال: يا أمَّ المؤمنين ما كَبِرتِ السِّنُّ، ولا طال العهدُ. وإن عهدي بك عام أول تقولين فيه، وتنالين منه. قالت: ويحك يا أحنف، إنهم ماصُوهُ مَوْصَ الإناء، ثم قتلوهُ. قال: يا أم المؤمنين، إني آخذُ بأمركِ وأنتِ راضيةٌ، وأدعه وأنت ساخطةٌ. ووُلد الأحنف ملتزق الأليتين حتى شُقَّ، وكان أعورَ. وأُرسل في بعثٍ إلى خراسان، فبيَّتهم العدوُّ ليلاً. فكان الأحنف أول من ركب، وهو يقول: إنَّ على كلِّ رئيسٍ حقَا أن يَخْضِبَ الصعدةَ أو تَنْدقّا ثم حمل عليهم، فقتل صاحب الطبل، وانهزم القوم، ومضوا في آثارهم حتى فتحوا مَرْوَ الرَّوذِ في خلافة عثمان رضي الله عنه. وعُمِّر الأحنف إلى زمن مُصعب بن الزبير، وخرج معه إلى الكوفة لقتال المختار، فمات بها سنة سبع وستين، ومشى مصعب في جنازته بغير رداء، راجلا بين يدى نعشه. وقال: هذا أُسيِّدُ أهل العراق. ودُفن بقرب قبر زيادٍ بالكوفة بموضع يقال له الثويَّة. وفي الثَّويَّة يقول حارثة بن بدر الغُدانيُّ يرثي زياد بن أبيه، ويكنى زياد أبا المغيرة: صلى الإلهُ على قبرٍ وطهَّرهُ ... عند الثَّويَّةِ يَسْفي فوقَهُ المُورُ
أبا المغيرةِ والدُّنيا مُفَجِّعةٌ ... وإنَّ من غَرَّتِ الدنيا لمغرورُ قد كانَ عندكَ للمعروفِ مَعرِفةٌ ... وكان عندَك للنَّكراءِ تنكَيرُ وكنتَ تُغشَى وتُعطي المالَ من سَعةٍ ... إنْ كان بيتُكَ أضحى وهوَ مَجْهُورُ الناسُ بعدَكَ قد خفَّتْ حلومُهمُ ... كأنما نَفختْ فيها الأعاصيرُ ودخل الأحنف على معاوية بن أبي سفيان، وعليه مِدْرَعةُ صوفٍ وشِملةٌ. فلما مثل بين يديه اقتحمه عينة، فأقبل عليه، وقال: مَهْ. فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، أهلُ البصرة عددٌ يسيرٌ، وعظمٌ كسيرٌ مع تتابعٍ من المحول، واتصال من الذُّحول. والمُكثرُ منها قد أطرق، والمقبل قد أملقَ، وبُلغ منه المُخَنَّق. فإنَّ رأى أمير المؤمنين أن يُنعشَ الفقيرَ، ويجبُرَ الكسير، ويسهِّل العسير، ويصفح عن الذحول، ويداوي المحول، ويأمر بالعطاء، ليكشف البلاءَ، ويُزيلَ اللأواءَ. وإن السيد من يَعمُّ ولا يخصُّ، ويدعو الجَهَلى، ولا يدعو النَّقَرى. إنْ أُحسن إليه شَكر، وإن أُسيء إليه غفر. ثم يكون من وراء ذلك لرعيته عماداً، يدفع عنهم الملمَّات، ويكشف عنهم المعضلات. فقال له معاوية: هَلُمنا يا أبا بحر، ثم تلا:) ولَتَعرِفنَّهم في لَحْنِ القَولِ (. وابنه بحر الذي كان يكنى به كان مضعوفا. وقال لزبراء جارية أبيه: يافاعلةُ. فقالت: لو كنت كما تقول أتيت أباك بمثلك. وقيل له: ما منعك أن تجري على بعض أخلاق أبيك؟ فقال: الكسل.
وليس الأحنف عقب. وكان يقال: ليس لبني تميم حظ؛ سيدهم بالكوفة محمد بن عُمير بن عُطارِد بن حاجب بن زُرارة، ولا عقب له، وسيدهم بالبصرة الأحنف ولا عقب له. وصعصعةُ بن معاوية: عمُ الأحنف، قد اختُلف في صحبته. والذي صحَّ من روايته إنما هو عن عائشة وعن أبي ذر الغِفاريِّ. روى عنه الأحنف والحسن البصريُّ وابنه عبدُ ربِّه بن صعصعة. سيِّد بني تميم في خلافة معاوية، وفرسُه الطُّرَّة اشتراها بتسعين ألفِ درهمٍ. ومن بني مرة رهط الأحنف الأسود بن سريع بن خُمير بن عُبادة بن النَّزال بن مُرَّة: غزا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم. يُكنى أبا عبد الله، نزل البصرة، وكان قاصّاً محْبِساً. هو أول من قصَّ في مسجد البصرة. روى عنه الحسن وعبد الرحمن بن أبي بَكْرة. وروى الحسن عن الأسود بن سريع قال: غَزَوتُ مع النبيِّ عليه السلام أربع غزواتٍ، فأفضى بهم القتل، إلى أن قتلوا الذُرِّيَّة. فقال بعضهم: يا رسول الله، إنهم أولاد المشركين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوَ ليسَ خياركم أولادُ المشركين؟ ما من مولود يولد إلا على فطرة الأسلام، فأبواه يُهوِّدانهِ ويُنصِّرانهِ ويُمجِّسانهِ ". ومنهم عِكراشُ بن ذُؤيبٍ: قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقات قومه بني مُرَّة. فقال له: " مَن أنت؟ ". قال: أنا عِكراشُ بن ذؤيب. فقال له: ارفع في النَّسب. فقال ابن حُرْقوص بن جَعدة بن عمرو بن النزّال بن مرَّة بن عُبيد. وهذه صدقاتُ بني مُرَّة بن عُبيد. قال فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُسمتْ بِمِيسَم الصدق، وضُمَّتْ إلى إبل الصدقة. ويُكنى عكراش أبا الصَّهباء. وسكن البصرة، وكان شهد الجمل مع عائشة، فضُرب ضربة على أنفه، فعاش بعدها سنة، والضَّربةُ به. وكان له من الولد: عبد الله وعبيد الله وعبد السلام. ولعبيد الله العقب بالبصرة. ومن بني مِنْقَر بن عُبيد رهط قيس بن عاصم: عمرو بن الأهتم. والأهتم: أبوه اسمه سنان بن خالد بن سميٍّ. ويقال: سنان بن سميِّ بن سنان بن خالد
ابن مِنقر بن عُبيد بن الحرث. وهو مُقاعسُ بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناةَ بن تميم. يقال: إنَّ قيس بن عاصم ضربه بقوس، فَهَتَم فاه، فسمي الأهتم. قال ابو اليقظان: أمُّ عمرو بن الأهتم بنت فَدَكِّي بن أعبُدَ. ويكنى عمرو بن الأهتم أبا ربْعي. قدم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وافدا في وجوه قومه من بني تميم فأسلم، وذلك في سنة تسع من الهجرة. وكان فيمن قَدِمَ معه الزِّبرِقانُ بن بدر وقيس بن عاصم. ففخر الزِّبرِقان، فقال: يا رسول الله، أنا سيد تميم والمطاع فيهم، والمُجاب منهم، آخذ لهم بحقوقهم، وأمنعهم من الظلم، وهذا يعلم ذلك. يعني عمرو بن الأهتم. فقال عمرو: إنه لشديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع في أدْنَيْهِ. فقال الزبرقان: والله لقد كذب يا رسول الله، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد. فقال عمرو: أنا أحسدك!، فوالله إنه للئيم الخال، حديث المال، أحمق الوالد، مُبَّغَضٌ في العشيرة. والله ما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ من البيان لسحراً ". وكان خطيبا جميلا يدعى " المُكحَّلَ " لجماله، بليغا، شاعرا، محسنا. يقال: إن شعره كان حُللاً مُنشَّرة، وكان شريفا في قومه. وهو القائل لقيس بن عاصم حين أزرى به عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنه غلام حدث خلَّفناهُ في ركابنا. والخبر مشهور. ظَللتُ مُفترشَ العلياءِ تَشْتِمُني ... عند الرسولِ فلم تَصدقْ ولم تُصِبِ إنْ تُبغضُونا فإنَّ الرومَ أصلكُمُ ... والرومُ لا تَملِكُ البغضاءَ للعَربِ فإنَّ سُؤدَدَنا عَودٌ وسُؤدَدُكمْ ... مُؤخَّرٌ عند أصلِ العَجْبِ والذَّنَبِ
وله، وأحسن فيه: ذَريني فإنَّ البخلَ يا أمَّ هَيْثمٍ ... لصالح أخلاقِ الرجالِ سَروقُ ذَريني وحظي في هوايَ فإنَّني ... على الحسبِ العالي الرفيع شَفوقُ ومُستنبحٍ بعد الهُدُوِّ أجَرتُهُ ... وقد حانَ مِن ساري الشتاءِ طُروقُ فقلتُ له: أهلاً وسهلاً ومَرحباً ... فهذا مَبِيتٌ صالحٌ وغَبوقُ أضَفتُ ولم أفحُش عليه ولم أقلْ ... لأحرمَهُ إنَّ الفِناءَ يضيقُ لَعَمْرُكَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها ... ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تَضيقُ ومن ولده صفوان بن عبد الله بن عمرو الأهتم: أبو خالد. وكان ولي رياسة بني تميم أيام مسعود بن عمرو العَتكيِّ الأزديِّ، وكان خطيبا. وشهد الحسن وصيَّته، فأوصى بمئة ألف وعشرين ألف درهم، وقال أعددتها لِعَظًّ الزمان، وجفوة السلطان، ومباهاة العشيرة. فقال الحسن: خلَّفتها لمن لا يَحمدُك، وتَقْدحُ على من لا يَعذِرُك. ومات بالبصرة.
وابنه خالد بن صفوان: عُمِّر الى ان حادث أبا العباس عبد الله بن محمد السفّاح. وكان لسِنا، خطيبا، بخيلا، مِطلاقا. ومن ولِد عمرو بن الأهتم شُبيب بن شّيْبة بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم: الخطيب. وهو ابن عم خالد بن صفوان لَحّاً. ورُوي عنه الحديث. قال مسلم في الكنى: أبو مَعمر شبيب بن شَيبة المِنْقريُّ سمع عطاء بن أبي رباح، ومعاوية بن قُرة. روى عنه أبو سلمة، ومسلم، ويحيى بن يحيى. قال المؤلف، وفَّقه الله: وروى أيضا شبيب بن شيبة عن الحسن البصريِّ. وروى عنه أيضا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير ومسلم الراوي عن شبيب، ولم ينسبه مسلم. هو أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الأزديُّ: سمع شعبة وأباناً العطار ووُهَيب بن خالد. وساق أبو نُعيم الحافظ رواية أبي معاوية الضرير. ومسلم بن إبراهيم المذكور عن شبيب بن شيبة في كتاب " الرياضة ". قال أبو نُعيم الحافظ الاصفهانيُّ: حدَّثنا سليمان بن أحمد: نا أحمد بن عمرو القِطرانيُّ: نا أبو الربيع الزَّهرانيُّ: نا أبو معاوية الضرير: نا شبيب بن شيبة المِنقريُّ عن الحسن، عن عمران بن حُصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: " كم تعبد اليوم إلهاً؟ ". قال: سبعة؛ ستةٌ في الأرض وواحد في السماء. فقال: " يا حُصين إنك إن أسلمت علَّمتُك كلمتين تنفعانك ". فلما أسلم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علِّمني الكلمتين. قال: " قل: اللهمَّ الهمني رُشدي، وأعِذْني من شرِّ نفسي ". وقال أبو نُعيم: نا فاروق بن عبد الكريم: نا أبو مسلم الكَشِّيُّ: نا مسلم بن إبراهيم: نا شبيب بن شيبة قال: سمعت عطاء بن أبي رباح في مسجد الحرام يحدِّث عن أبي سعيد الخُدريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه دواء، عَلِمَه من عَلمه، وجَهِلَهُ من جَهله ". قال المؤلف، غفر الله له: ولشبيب بن شيبة قصة مع أبي جعفر المنصور في أيام بني أمية رأيت إيرادها لحسنها في لفظ وجيز. قال شبيب بن شيبة الأهتمي: حججت عام هلك فيه هشام، وولي الوليد بن يزيد، وذلك سنة خمس وعشرين ومئة. فبينا أنا مُرِيحٌ ناحية من المسجد إذ طلع بعض أبواب المسجد فتى
أسمر، رقيق الشعر، مُوفَّر الِّلمَّة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى بيِّن القنا، كأن عينيه لسانان ناطقان، يخلط أبَّهةَ الأملاك بزيِّ النسَّاك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يُعرف الشرف في تواضعه، واللبُّ في مشيته. فما ملكت نفسي أن نهضت في أثره، سائلا عن خبره. وسبقني فتحرَّم بالطَّواف. فلما سبع قصد للمقام فركع، وأنا أرعاه ببصري ثم نهض منصرفا. فكأن عينا أصابته، فكبا كبوة دَميتْ لها إصبعه، فقعد لها القُرفصاء. فدنوت منه متوجعا لما ناله، متصلا به أمسح رجله من غبار التُّراب، فلم يمتنع عليَّ، ثم شققت حاشية ثوبي، فعصبت بها إصبعه. وما يُنكر ذلك، ولا يدفعه. ثم نهض متوكئا عليَّ، فأنقَدْت له أماشيه، حتى أتى دارا بأعلى مكة. فابتدره رجلان تكاد صدورهما تنفرج من هيبته، ففتحا له الباب، واجتذبني. فدخلت بدخوله فخلَّى يدي، وأقبل على القبلة فصلى ركعتين أوجز فيهما في تمام. ثم استوى في صدر مجلسه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أتمَّ صلاة وأطيبها. ثم قال: لم يَخفَ عليَّ مكانك منذ اليوم، ولا فعلك بي. فمن تكون يرحمك الله؟ قلت: شبيب بن شيبة التَّميُّمي. قال: الأهتميُّ؟ قلت: نعم. قال: فرحَّب وقرَّب ووصف قومي بأبين بيان، وأفصح لسان. فقلت له: أنا أجِلُّك " أصلحك الله " عن المسألة، وأحبُّ المعرفة. فتبسَّم وقال: لطف اهل العراق، وأنا عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. فقلت: بأبي أنت وأمي، ما اشبهك بنسبك، وأدلَّك على منصبك! ولقد سبق الى قلبي من محبَّتك مالا أبلغه بوصفي لك. قال: فاحمد الله يا أخا بني تميم، فإنا قوم إنما يُسعد الله بِّحبنا من أحبَّه، ويشقى ببغضنا من أبغضه. ولن يصل الإيمان إلى قلب إحدكم حتى يحب الله ورسوله. ومهما ضَعُفنا عن جزائه قويَ اللهُ على أدائه. فقلت له: أنت توصف بالعلم، وأنا ممَّن حملته، وأيام الموسم ضيقة، وشُغل أهل مكة كثيرٌ. وفي نفسي أشياء أُحبُّ أن أسأل عنها؛ أفتأذن فيها جُعلتُ فداك؟ قال: نحن من أكثرالناس مستوحشون، وأرجو أن تكون للسرِّ موضعا، وللأمانة راعيا. فإن كنت كما رجوت فافعل. قال: فقدّمت من وثاق القول والأيمان ما سكن إليه. فتلا قول الله تعالى:) قُل أيُّ شيء أكبرُ شهادةً قلِ اللهُ شهيدٌ بَيني وبينكم (. ثم
قال: سَلْ عمَّ بدا لك. قلت: ما ترى في أمير الموسم؟ وكان عليه يوسف بن محمد ابن يوسف الثقفيّ، خال الوليد. فتنفس الصعداء وقال: أعن الصلاة خلفه تسألني أم كرهت أن يتأمر على آل الله من ليس منهم؟ قلت: عن كلا الأمرين. قال: إن هذا عند الله لعظيم. فأما الصلاة ففرض لله تعبد به خلقه، فأدِّ ما فرض الله عليك في كلِّ وقت ومع كل أحد وعلى كل حال. فإن الذي ندبك لحج بيته، وحضور جُمُعاتهِ وأعياده، لم يخبرك في كتابه أنه لا يقبل منك نسكا إلا مع أكمل المؤمنين إيمانا، رحمة منه لك. ولو فعل ذلك ضاق الأمر عليك. فاسمح يُسمح لك. قال: ثم داركت في السؤال عليه، فما احتجت أن أسأل عن أمر دين أحدا بعده. ثم قلت: يزعم أهل العلم أنه ستكون لكم دولة. قال: لا شك فيها، تطلع طلوع الشمس، وتظهر ظهورها. فنسأل الله تعالى خيرها، ونعوذ به من شرها، فخذ بحظ لسانك ويدك منها إن أدركتها. قلت: أوَ يتخلف عنها أحد من العرب، وأنتم سادتها؟ قال: نعم، قوم يأبون إلا وفاء لمن اصطنعهم، وبأبى إلا طلبا بحقنا، فنُنصر ويُخذلون، كما نُصر بأولنا أولهم، ويخذل بمخالفتنا من خالف منهم. قال: فاسترجعت. قال: سهل عليك الأمر، سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وليس ما يكون منهم بحاجز لنا عن صلة أرحامهم، وحفظ أعقابهم، وتجديد الصنيعة عندهم. قلت: كيف تسلم لهم قلوبهم، وقد قاتلوكم مع عدوكم؟ قال: نحن قوم حبب الينا الوفاء، وإن كان علينا، وبغض إلينا الغدر، وإن كان لنا. وإنما يشدُّ علينا منهم الأقل، فإما أنصار دولتنا، ونقباء شيعتنا، وأمراء جيوشنا فهم ومواليهم منا، ومولى القوم من أنفسهم. فإذا وضعت الحرب اوزارها صفحنا بالمحسن عن المسيء، ووهبنا للرجل قومه. ومن اتصل بأسبابه فتذهب النايرة، وتخبو الفتنة، وتطمئن القلوب. ها صفحنا بالمحسن عن المسيء، ووهبنا للرجل قومه. ومن اتصل بأسبابه فتذهب النايرة، وتخبو الفتنة، وتطمئن القلوب. قلت: ويقال: إنه يُبتلى بكم مَن أخلص لكم المحبة. قال: قد رُوي أن البلاء أسرع إلى مُحِّبنا من الماء إلى قراره. قلت: لم أرد هذا. قال: فمه. قلت: تقعون بالولي، وتخطئون العدو. قال: من يسعد بنا من الأولياء أكثر، ومن يسلم لنا من الأعداء أقل وأيسر. وأنما نحن بشر، وأكثرنا أُذنٌ، ولا يعلم الغيب إلا
الله. وربما استترت عنا الأمورفنقع بمن لا نريد، وإنَّ لنا لأحسابا، يأسو الله بها ما نكلم، ويرم بها ما نثلم، ونستغفر الله مما لا نعلم. وما أنكرت من أن يكون الأمر على ما بلغك، ومع الوليُّ التعززُ والإدلال والثقة والاسترسال، ومع العدو التحرز والاحتيال والتدلل والاغتيال. ولربما ملَّ المدلل، وأخل المسترسل، وتجانب المتقرب، ومع المِقَة تكون الثقة. وعلى أن العاقبة لنا على عدونا، وهي لولينا. وإنك لسؤول يا أخا بني تميم قلت: إني أخاف أن لا أراك بعد اليوم. قال: إني أرجو أن أراك وتراني كما تُحبُّ عن قريب إن شاء الله. قلت: عجَّل الله ذلك. قال: آمين. وتبسم وقال: لا بأس عليك، ما أعاذك الله من ثلاثٍ. قلت: وما هي؟ قال: قدْحٌ في الدين، أو هَتكٌ للملك، أو تُهمةٌ في حُرمةٍ. ثم قال: احفظ عني ما أقول لك: اصدق وإن ضرَّك الصدق. وانصح وإن باعدك النصح. ولا تجالس عدوَّنا وإن أحظيناه، فإنه مخذول، ولا تخذل ولينا فإنه منصور. واصحبنا بترك المماكرة. وتواضع إذا رفعوك. وصِلْ إذا قطعوك. ولا تستخفَّ فَيمقتوك. ولا تبدأ حتى يبدؤوك. ولا تختطب الأعمال، ولا تتعرض للأهوال. وأنا رائح من عشِّيتي هذه، فهل من حاجة؟ فنهضت لوداعه، فودعته ثم قلت له: أتُوقِّت لظهور الأمر وقتا؟ قال: الله المقدِّر المُوقِّت. إذا قامت النَّوحتان باشام، فهما آخر العلامات. قلت وما هما؟ قال: موت هشام العامَ، وموت محمد بن علي المستهلَّ من ذي القعدة. وعليه تخلَّفت وما بلغت حتى أنضيتُ. قلت: فهل أوصى؟ قال: نعم، إلى أخي إبراهيم. قال: فلما خرجت فإذا مولى له يتبعني حتى عرف منزلى، ثم أتى بكسوة من كسوته. فقال: يأمرك أبو جعفر أن تصلي في هذه. قال: وافترقنا، فوالله ما رأيته إلا وحرسيّان قابضان عليَّ، يُدنياني منه في جماعة من قومي، لأبايعه فلما نظر إليَّ قال: خَلَّيا عمَّن صحَّت مَودتُه، وتقَّدمت حرمته، وأُخذت قبل اليوم ببيعته. قال: فأكبر الناس ذلك من قوله، ووجدته على أول عهده. ثم قال لي: أين كنت عنِّي أيام أخي أبي العباس؟ فذهبت أعتذر. قال: أمسكْ، فإنَّ لكل شيء وقتا لا يعدوه، ولن يفوتك إن شاء الله حظُّ مودتك وحق مشايعتك. فاختر بين رزقٍ يتبَعُكَ أو عمل
يرفعك. قلت: أنا حافظ لوصيتك. قال: وأنا لها أحفظ، إنما نهيتك أن تخطب الأعمال، ولم أنهك عن قبولها. قلت: الرزق مع قرب أمير المؤمنين أحب إلي وأعفى إن شاء الله. قال: هل زدت في عيالك بعدي شيئا؟ وقد كان يسألني عنهم، فذكرتهم له، فعجبتُ من حفظهِ. قلت: الفَرسُ والخادم. قال: قد الحقنا عيالك بعيالنا، وخادمك بخادمنا، وفرسك بخيلنا. ولو وسعني لحملت لك على بيت المال، وقد ضممتك إلى المهدي، وأنا موصيك به، فإنه أفرعُ لك مني. ومن بني مرة بن عبيد؛ إخوة منقرٍ: سلامة بن جندل الشاعر، والسليك بن السُّلكة أحد فُتَّاك العرب، ويقال له الرِّئبالُ لأنه كان يغير وحده. ومنهم عبد الله بن صُفار الذي تنسب إليه الُّفريةُ، وعبد الله بن إباض الذي تنسب إليه الإباضية. ومن بني مقاعس، واسمه الحرثُ، وهو جد منقر ومُرَّ خُليفٌ الذي تنسب إليه الفالوذجة الخُليفية. وهو خليف بن عقبة، ويكنى أبا بكر، كناه بذلك محمد بن سيرين، وكان من أصحابه. وكان من أظرف أهل البصرة وله بها عَقب. وفي سعد بن زيد مناة أيضا بطون منها: بَهدلة، وعطارد، وقريع، وهم إخوة، بنو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. فمن بني بهدلة الزِّبرقانُ: واسمه حصين بن بدر بن خلف بن بهدلة. وكان يقال له: " قمرُ نجدٍ ". وهو من الصحابة، ويكنى أبا عباس بابنه، وأبا شذرة ببنته. وعقبة بالبادية كثير. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه. وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب بالصدقة الى أبي بكر، وهي سبعمئة بعيرٍ. ومنهم الإُحيمر بن خلف بن بهدلة: عم الزبرقان، صاحب بُردي مُحرِّقٍ الذي قيل فيه: أيا بْنةَ عبد الله وابنةَ مالكِ ... ويا بنةَ ذي البُردينِ والفَرسِ الوردِ
قال أبو عبيدة فسي كتاب " التاج ": أشرفُ بيتٍ في مضر " غير مُدافع " في الجاهلية بيت بهدلة بن عوف بن عد بن زيد مناة بن تميم. قال المنذر بن ماء السماء ذات يوم، وعنده وجوه العرب ووفود القبائل. ودعا ببُردَيْ محرِّق فقال: ليلبس هذين البردين أكرم العرب نسبا، وأشرفهم حسبا، وأعزهم قبيلة. فأحجم الناس، فقام الأحيمر بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة. فقال: أنا لها. فأتزَر بأحدهما، وارتدى بالآخر. فقال له المنذر: ما حجتك فيما ادعيت؟ قال: الشرف من نزار كلها في مضر، ثم في تميم، ثم في كعب، ثم في بهدلة. قال له النعمان: هذا أنت في أصلك، فكيف أنت في عشيرتك؟ قال: أنا أبو عشرة، وخالُ عشرة. قال: فهذا أنت في عشيرتك فكيف أنت في نفسك؟ فقال: شاهد العين شاهدي. ثم قام ووضع قدمه في الأرض، فقال: من أزالها فله مئة من الإبل. فلم يقم إليه أحد، ولا تعاطى ذلك. ففيه يقول الفرزدق: فَما تمَّ من سعيدٍ ولا آلِ مالكٍ ... غلامٌ إذا ما قيلَ لم يتَبَهدلِِ لهم وهبَ النعمانُ بُردَيْ مُحرِّقٍ ... بمجدِ معدٍ والعديد المحصَّلِ قال المؤلف، غفر الله له: مُحرِّقٌ الذي لبس الأُحيمر بُرديهِ: هو الحرث ابن عمرو بن عدي بن نصر. وفي آله يقول الأسود بن يَعفُرَ: ماذا أُمِّل بعد آل مُحرِّقٍ ... تركوا منازلهم وبعدَ إيادِ؟ وأبن اخيه عمرو بن هندٍ: نُسب إلى أمه، وكان أيضا يدعى محرِّقا، لما يذكر بعد من أمره مع بني دارمٍ. وأبوه المنذر بن امرىء القيس بن عمرو بن عديِّ
ابن نصر اللخميُّ. وعمرو بن عدي هو ابن أخت جَذيمة الأبرش الملك بالحيرة. وجَذيمةُ هو ابن ملك بن فهم بن عم بن دوس بن عُدثان الأزديُّ، صاحب الزَّبَّاء، وقتل الزباءَ عمرو بن عدي، أخذ بثأر خاله جذيمة. وأعانه على ذلك قصير بن سعد بدهائه ومكره. وهو الذي قيل فيه: " لأمرٍ ما جدع قَصيرٌ أنفه ". وعمرو بن هند هو مُضرِّرط الحجارة. وأبوه المنذر بن أمرىء القيس. أمه ماء السماء. وقيل: " لقبت " بماء السماء لجمالها. وأبوها عوف بن جشم من النَّمر ابن قاسط بن أفصى بن دُعميِّ بن جَديلةَ بن أسد بن ربيعة بن نزار: وهو الذي ببردي مُحرِّق في الخبر المتقدم. وعم عمرو بن هند النعمان بن امرىء القيس: هو النعمان الأكبر، وكان أعور وهو بنى الخورنق، وانخلع عن ملكه، ولبس الأمساح وساح في الأرض. وهو الذي ذكره عدي بن زيد فقال: وتَبَيَّنْ، ربَّ الخورنقِ، إذْ أش ... رفَ يوما وللهدى تفكيرُ سَرَّةُ حالهُ وكثرةُ ما يَمْ ... لكُ والبحرُ مُعرضا والسديرُ فارْعَوى قلبُهُ وقال: فما غِبْ ... طةُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ وخبره مشهور وسمي عمرو بن هند محرقا لأنه أحرق من بني دارمٍ ثمانية وتسعين رجلا، وأكملهم وئة برجل من البراجم وبأمرأة نَهشَليَّة. ولذلك قيل: إن الشقي وافد البراجم. وكان رجل من بني دارمٍ قتل ابنه خطأ.
وأمه هندة بنت الحرث بن عمرو الكندي. والحرث هو آكل المُرار. ولدت للمنذر بن أمرىء القيس عَمرا مُحرِّقا، وقابوسا قينة العروس، وكان فيه لينٌ. والمنذر بن المنذر: وهو أبو النعمان بن المنذر ممدوح النابغة وصاحب المتجرد. قتله كسرى أبرويزُ بسباط المدائن. أمر به فأُلي تحت أرجل الفيلة، فتوطأته حتى مات. قال سلامة بن جندل المقاعسي يذكر أبرويزَ: هو المُدخلُ النعمانَ بيتاً، سَماؤهُ ... نحورُ الفُيول بعد بيتٍ مُسَرْدَقِ وهو صاحب الغريين. وكان له يومان؛ يوم بؤسى ويوم نعمٍ. وقتل عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر يوم بؤسه. وهو قاتل عدي بن زيد العبادي الشاعر، ويكنى أبا قابوس. وبنته الحُرَقةُ: واسمها بنت النعمان. عُمِّرت إلى أن ولي المغيرةبن شعبة الكوفة. وكانت مترهبةً، نصرانيةً. وخطبها المغيرة في ديرها، فردته أحسن رد بكلام بليغ. قال أبو العباس محمد بن يزيد المبَّردُ: كان المغيرة بن شعبة، هو والي الكوفة، صار إلى دير هند بنت النعمان بن المنذر، وهي فيه عمياء مترهبةٌ. فاستأذن عليها، فقيل لها: أمير هذه المدرة بالباب. فقالت: قولوا له: أمن أولاد جَبَلة بن الأيهم أنت؟ قال: لا. قالت: فمن ولد المنذر بن ماء السماء؟ قال: لا. قالت: فمن أنت؟ قال: المغيرة بن شعبة الثقفي، قالت: فما حاجتك؟ قال: جئت خاطبا. قالت: لو جئتني لجمالٍ أو لمالٍ لأطلبتك، ولكنك أردت أن
تتشرف في محافل العرب فتقول: نكحت ابنة النعمان بن المنذر. وإلا فأي خير في اجتماع أعور وعمياء؟ فبعث إليها: كيف أمركم؟ قالت: سأختصر لك الجواب، أمسينا عشاء، وليس في الأرض عربي إلا وهو يرغب إلينا ويرهبنا، ثم أصبحنا وليس في الأرض عربي إلا ونحن نرغب إليه ونرهبه. قال: فما كان أبوك يقول في ثقيف؟ قالت اختصم إليه ونرهبه. قال: فما كان أبوك يقول في ثقيف؟ قتالت: اختصم إليه رجلان منهم، أحدهما ينميها إلى إيادٍ، والآخر إلى بكر بن هوازن، فقضى بها للإياديِّ وقال: إنَّ ثقيفا لم تكن هَوازِنا ولم تنايبْ عامراً ومازنا يريد عامر بن صعصعة ومازن بن منصور. فقال المغيرةُ: أما نحن فمن بكر بن هوازن فليقل أبوك ما شاء. ومن بني عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة أبو رجاء العطارديُّ: واسمه عمران بن تَيم، وقيل: عمران بن مِلحان. وقيل عمران بن عبد الله أدرك الجاهلية، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه. أسلم بعد المبعث وقيل: ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة. وقال أبو عمرو بن العلاء: قلت لأأبي رجاء العطارديِّ: ما تذكر؟ قال: قتلُ بسطام بن قيس على الحسن، والحسن: حَبلُ رملٍ. وأنشد أبو رجاء العطاردي لابن غنمة في بسطام ابن قيس بن مسعود الشيباني: وخرَّ على الألاءة لم يُوسَّدْ ... كأنَّ جبينه سيفٌ صَقيلُ قال الأصمعي: قتل بسطام بن قيس قبل الإسلام بقليل. وقيل إن قتل بسطام بن قيس كان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. يُعدُّ أبو رجاء في كبار التابعين، عُظمُ روايته عن عمر وعلي وابن عباس وسمرة، وكان ثقة. روى أيوب الَّسختيانُّي وجماعة. وكان أبو رجاء يقول: بُعث النبي صلى الله عليه السلام، وأنا أرعى الإبل على أهلي، وأريش وأبري: فلما
سمعنا بخروجه لحقنا بمسيلمة. وكانت له عباة، وعُمِّر عُمرا طويلا. مات سنة خمس ومئة في أول خلافة هشام بن عبد الملك، وهو ابن مئة وثمان وعشرين سنة وذكر الهيثم بن عدي عن أبي بكر بن عياش قال: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطارديِّ الحسن البصري والفرزدق. فقال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد، يقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشرهم. قال: لست بخيرهم ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. ثم انصرف الفرزدق فقال: ألم ترَ أن الناسَ ماتَ كبيرهم ... وقد كانَ قبل البعثِ محمدِ ولم تُغنِ عنهُ عيشُ سبعينَ حجةً ... وستينَ لمَا بانَ غيرَ مُوَسَّدِ إلى حُفرةٍ غبراءَ يُكْرهُ ورِدُها ... سِوى أنها مثوى وضيعٍ وسِّيدِ ولو كان طولُ العمر يُخلِدُ واحداً ... ويدفعُ عنه عيبَ عُمرٍ عَمرَّدِ لكان الذي راحوا به يَحملونَهُ ... مُقيماً، ولكن ليس حَيٌّ بِمُخلَدِ تَروحُ وتغدو والحتوفُ أمامنا ... يضعن لنا حتفَ الرَّدى كل مَرصدِ وقد قال لي: ماذا تُعدُّ لما ترى ... فقيهٌ إذا ما قال غيرُ مُفنَّد
ِفقالُ له: أعددتُ للبعثِ والذي أرادَ بهِ أني شهيدٌ بأحمدِ وأنْ لا إلهٌ غيرُ ربي هو الذي ... يُميتُ ويُحيي يومَ بعثٍ ومَوعدِ فهذا الذي أعددتُ لا شيءَ غيرُهُ ... وأن قلتَ لي أكثرْ من الخيرِ وازْدَدِ فقالَ: لقد أعصمتَ بالخيرِ كلِّهِ ... تمسَّكْ بهذا يا فرزدق تُرشَدِ وحدَّث جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العطاردي قال: سمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونحن في مال لنا، فخرجنا هُرابا. قال: فمررت بقوم ظبي، فأخذتها وبللتها. قال: وطلبت في غِرارةٍ لنا فوجدت كفَّ شعير، فدققته بين حجرين، ثم ألقيته في قدر، ثم ودَجْتُ بعيرا لنا، فطبخته، فأكلت أطيب طعامٍ أكلته في الجاهلية. قلت: يا أبا رجاء، ما طعمُ الدم؟ قال: حلوٌ. وروي أن أبا رجاء أتته امرأة في جوف الليل، وقد جاوز المئة ببضع فقالت: يا أبا رجاء، إن لطارق الليل حقا، إن بني فلان خرجوا إلى سفوانَ، وتركوا شيئا من متاعهم. فانتقل، وأخذ الكتب فأدَّاها ورجع إلى البصرة، وصلى بأصحابه الفجر، وهي مسيرة ليلةٍ للأبل. ومن بني شجنة بن عطارد صفوان بن جناب بن شجنة بن عطارد: وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة، ثم بنوه من بعده، حتى كان آخرهم كرب بن صفوان. وهو الذي قام عليه الإسلام. وفي ذلك يقول أوس بن مغراء السعديُّ
لا يبرحُ الناسُ ما حجوا معرَّ فهمْ ... حتى يقال: أجيروا آل صفوانا متا تطلعُ الشمسُ إلا عندَ أولنا ... ولا تغيَّبُ إلا عند أُخرانا وقال الفرزدق مناقضا الجرير من قصيدة طويلة: إذا هبطَ المُحصَّبُ من مِنى ... عشيةَ يوم النحرِ من حيثُ عرَّفوا ترى الناسَ ما سِرنا يسيرونَ خلفنا ... وإنْ نحن إومأنا إلى الناسِ وقَّفوا وعدد ابيات هذه القصيدة مئة وثلاثة عشر بيتا. ولها خبر ذكره إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري في منتخب النقائض للنَّجيرمي. وفي هذه القصيدة البيت الذي استشهد به الزَّجاجيُّ في " الجمل " في باب الفعل المحمول على المعنى، وهو: وعظُّ زمانٍ يا بْنَ مروانَ لم يدعْ ... من المالِ إلا مُسحَتٌ أو مُجلَّفُ روى الكسائي مُسحتاً بالنصب، وهو المستأصل. والمجلَّفُ: شبيهٌ به. ومن رفع مسحتاً حمله على المعنى، لأنه إذا قال: لم يدعْ فكأنه لم يبقِ. قال أبو عبيدة: وسمعت رواية الفرزدق يروى " لم يَدعْ من المال ". وقال لم يَدِعْ: لم يَتَّدعْ: من الدَّعةِ. أي لم يثبتُ ولم يستقر. ومن بني قريع بن عوف، وهو أخو عطارد وبهدلة الأضبط بن قُريع بن
عوفٍ: وكان رأس تميما في الجاهلية في بعض حروبهم. وهو المتقيِّل في القبائل. فلما لم يُحمدهم رجع إلى قومه وقال: بكلِ وادٍ بنو سعدٍ. وله حكم في شعره. وهو القائل في قصيدة مشهورة: لكلِّ همٍّ من الهمومِ سَعهْ ... والمُسْيُ والصُبحُ لا فاحَ معهُ الفلاح: البغاء ومنهم بنو أنف الناقة منهم شمَّاسُ بن لأيْ: الذي مدحه الحطيئة. وفيه يقول من قصيدة: وإن التي نكتبها عن معاشرِ ... عِضابٍ عليَّ أنْ صَددتُ كما صَدُّوا أتتْ آل شَّماسِ بن لأي وإنما ... أتتهمْ بها الأحلامُ والحسبُ العِدُّ وإنَّ الشقيَّ مَن تُعادى رماحهمْ ... وذو الجَدِّ من لانوا إليه ومن وَدَّوا يسوسونَ أحلاماً بعيداً أناتُها ... وإن غَضوا جتءَ الحفيظةُ والجِدُّ أقلُّ عليهم لا أبا لأبيكمُ ... منَ اللومِ أو سُدوا المكانَ الذي سَّدوا أولئك قومٌ إنْ بنوا أحسنوا البُنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقَدوا شَدُّوا
وإن كانتِ النَّعماءُ فيهم جضزَوا بها ... وإن أنعموا لا كدَّروها ولا كدُّوا وفيها: فمن مُبلغٌ لأْياً بأنْ قد سعى لكم ... إلى السورةِ لا يساوى عِنانهُ جرى حين جارى لا يساوى عِنانهُ ... عنانٌ ولا يثنى أجاريَّةُ الجَهدُ رأى مجد أقوام أُضيع فحثَّهم ... على مجدهمْ لمَّا رأى أنه المجد وله ايضا يمدح آل شماس بن لأىٍ من قصيدة: سيرى أُمام فإن الأكثرين حصًى ... والأكرمين إذا ما يُنسبونَ أبا قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ ... ومن يساوى بأنفِ الناقةِ الدَّنيا؟ قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهمُ ... شدوا العِناجَ وشدوا فوقهُ الكربا قومٌ يبيتُ قرير العين جارُهمُ ... إذا لوى بقوى أطنابهمْ طُنُبا وله أيضا يمدح بني قريع، من قصيدةٍ:
فلا وأبيكَ ما ظلمتْ قُريعٌ ... بأن يبنوا المكارم حيثُ شاؤوا وإنى قد عَلقت بحبل قومٍ ... أعانهم على الحسبِ الثَّراءُ إذا نَزلَ الشتاءُ بجارِ قومٍ ... تجنَّبَ جارَ بيتهمُ الشتاءُ همُ تالقومُ الذين إذا ألمَّتْ ... من الأيامِ مُظلمةٌ أضاؤوا ومن بني أنف الناقة أوس بن مغراء. ومن بني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم المستوغر بن ربيعة ابن كعب بن سعد: عُمِّر ثلاث مئةٍ وثلاثين سنةً، وأدرك الإسلام. وهو القائل في طول عمره: ولقد سئمت من الحياةِ وطولها ... وعُمِرتُ من عددِ السنين مِئينا مئةٌ حَدتْها بعدها مئتانِ لى ... وازددتُ من عدد الشهورِ سنينا هل ما بقيَ إلا كما قد فاتنا ... يومٌ يمرُ وليلةٍ تحدونا وهو القائل حين هدم رُضى في الإسلام، وكانت بيتاً تعظِّمه بنو أبيه ربيعة بن كعب:
ولقد شددتُ على رضاءٍ شَدَّةً ... فتركتها قَفراً بقاعٍ أشحما واسم المستوغر عمرو. وكان أطول مضر عُمراً. وبنو ربيعة بن كعب بن سعد، وبنو الأعرج بن كعب بن سعد يقال لهم الأجاربُ. وفيهم يقول أحمرُ بن جندل: ذودوا قليل تُلحقُ الجلاببُ ... تَلحقُنا حمَّانُ والأجاربُ وقيل لهم الأجارب لأنهم كانوا يَعوُّون الناس بكثرة شرِّهم. فمن الأجارب حارثةُ بن قدامة: صاحب شرطة علي بن أبي طالب، وعمرو بن جُرموز: قاتل الزبير بن العوام. والنسب إلى الأعرج بن كعب أعرجي نسبٌ معروف. وحِمّان: هو عبد العزى بن كعب ... ومن بني سعد بن زيد مناة بن تميم ثم بني صَريم الصَّريمي الملقب عبسَ الطِّعان: وكان من الابطال. ترجَّل يوم هزم أصحاب قَطري " عبد العزيز بن عبد " الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، فقاتل حتى قُتل رحمه الله. ومنهم من سيأتي ذكره بعد مقتل عليٍّ رضي الله عنه. وحرام بن كعب بن سعد: من بني حرام. والحرام بالراء وفتح الحاء والمهملة. ومن بني الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة أسلعُ بن شَرِيك الأعرجي: " كان صاحب " رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب راحلته. نزل البصرة. روى عنه زريق المالكي.
ومن بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم داررمُ بن مالك بن حنظلةَ: وبنوه بطون. ويربوعٌ: وبنوه بطون. وهو يربوع بن حنظلة، عم دارم. ومن بني مالك بن حنظلة صُدَيٌ ويربوعٌ وزيد: وهم بنو العَدويَّة. نُسبوا إلى امهم، وبها يُعرفون. وأبوهم مالك بن حنظلة. وأخوتهم أبو سودِ بن مالك، وعوف بن مالك، وخُشيش بن مالك. أمهم طُهيَّة وبها يُعرفون. ويقال لبني طهية وبني العدوية " الجمارُ ". منهم: أبو البلاد الطُّهويُّ. ومن طُهية بنو شيطانٍ: بطنٌ فيهم فوارس. " قال الشاعر ": فوارسُ لا يملُّون المنايا ... إذا دارت رَحى الحربِ الزَّبونِ فولد دارمٌ: عبد الله بطنٌ، ومُجاشعا بطن، ونَهشلا بطن، والعنبر بطن. وولد يربوع: ثعلبة بطن، وغدافة بطن، ورياحا بطن، وحراما بطن، وسليطا بطن، والعنبر بطن. فمن بني عبد الله بن دارم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد ابن عبد الله بن دارم: وهو من أشراف وجوه تميم. وبقوس أبيه حاجب يُضرب المثل حين رهنها عند كسرى، وخبرُها مشهور. ومات حاجب والقوس عند كسرى. فارتحل عطارد بن حاجب إليه يطلب قوس أبيه، فردها عليه، وكساه حلةً. فلما وفد إلى النبي عليه السلام في بني تميم سنة تسع، وكان سيدا في قومه أهدى الحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها، فباعها بأربعة آلاف درهم من رجل من اليهود. ولهذه الحلة خبر ذكره مسلم في صحيحه فقال: حدثنا شيبا بن فرُّوخ قال: نا جرير بن حازم قال: نا نافع عن أبن عمر قال: رأى عمر عطارد التميمي يُقيم بالسوق حلةً سِيراءَ. وكان رجلا يغشى الملوك، ويصيب منهم. فقال عمر: يا رسول الله، إني رأيت عطارد يقيم في السوق حلة سيراء. فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك، وأظنه قال:
ولبستها يوم الجمعة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ". فلما كان بعد ذلك أُتي رسول الله عليه السلام بحللٍ سيراءَ. فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، واعطى علي بن أبي طالب حلة وقال: " شَققها خمرا بين نسائك ". قال: فجاء عمر بحلته يجعلها، فقال: يا رسول الله بعثت إلى بهذه، وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت! فقال: " أما إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكن بعثت بها إليك لتُصيبَ بها ". وأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر ما صنع فقال: يا رسول الله، ما تنظر إلي؟ فأنت بعثت بها إلي! فقال: " إني لم أبعث إليك لتلبسها ولكن بعثتها إليك لتشققها خمرا بين نسائك ". وابن ابنه محمد بن عمير بم عطارد: كان شريفا. وله يقول الشاعر: علمَ القبائلُ من معدّ وغيرها ... أن الجوادَ محمدُ بن عُطاردِ وذكرت بنو دارم يوما بحضرة عبد الملك، فقالوا: قومٌ لهم حظ. فقال عبد الملك: تقولون ذلك وقد مضى منهم لقيط بن زرارة، ولا عقب له. ومضى محمد ابن عمير بن عطارد، ولا عقب له. والله لا تنسى العرب هؤلاء الثلاثة أبدا. وجلس الحجاج يوما، ومعه جماعة على المائدة، منهم محمد بن عمير بن عطارد ابن حاجب بن زرارة، وحجار بن الحرِّ بن بجير العِجْليُّ، فأقبل في وسط الطعام على محمد بن عمير. فقال: يا محمد، أيدعوك قتيبة بن مسلم إلى نُصرتي يوم رُسْتَقْباذَ فتقول: هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل؟ لا جعل الله لك فيه ناقة ولا جملا. يا حرسيُّ خذ بيدهِ، جَرِّد سيفك، فاضرب عنقه. فنظر إلى حجار وهو يبتسم، فدخلته العصبية. وكان مكان حجار من ربيعة كمكان محمد بن عمير من مضر. وأتى الخبازُ بفُرنيةٍ، فقال: اجعلها مما يلي محمدا، فإن اللبن
يُعجبه. ياحرسي شمْ سيفك وانصرف. شِم سيفك: من الأضداد. يقال: شِمتَ السيف: إذا أغمدته وإذا سللته. وشمت البرق إذا نظرت إليه من أى ناحية يأتي. ومن شمت السيف: بمعنى سللته. قول النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى أُحد للرجل الذي أصاب كُلاَّبَ سيفهِ ذنبُ فرسٍ، حين ذبَّ به، فاستله: " شم سيفك، فإني أرى السيوف ستسل اليوم ". وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ولا يعتاف. ومن شمتُ السيف: بمعنى أغمدته، كقول الفرزدق: بأيدي رجالٍ لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثرِ القتلى بها حين سُلَّتِ وهذا البيت طريف عند أصحاب المعاني تأويله لم يشيموا ولم يغمدوا. ولم تكثر القتلى أى لم يُغمدوا سيوفهم إلا وقد كثرت القتلى حين سلت. وكان محمد بن عمير حظيا عند بني مروان، وخاصا ببشر بن مروان. قال أبو عبيدة: قدم الأخطل على بشر الكوفة، فوجد عنده محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة. فقال محمد للأخطل: إن الأمير سيسألك عن الفرزدق وجرير، فانظر ما أنت قائل، فقد عرفت قرابتنا. وأم عبد الله ومجاشع ابني دارم الحلال بنت ظالم بن ذبيان التغلبي. فسأل بشر الأخطل عنهما، فقال: الفرزدق أشعر العرب. فقال جرير يهجو الفرزدق والأخطل ومحمد بن عمير بن عطارد في قصيدة طويلة أولها: لمن الديارُ ببُرقةِ الروحانِ ... إذ لا نبيعُ زماننا بزمانِ ومنها في ذكر محمد بن عمير وعمه لبيد:
لا يَخفينَ عليكَ أنَّ محمداً ... من نسلِ كلِّ ضِفِنَّةٍ مشبطانِ إنْ عند بني أُسيدةَ عزَّنا ... فانقلْ مناكبَ يَذبُلٍ وأبانِ إنا لنعرفُ ما أبوكَ لدارمٍ ... فالحقُ بأصليكَ من بنى دُهمانِ ألقوا السلاح إليَّ آلَ عطاردٍ ... وتعاظموا ضرطاً على الدكان قال المدائني: حَبقَ لبيد بن عطارد بن حاجب بن زرارة عند زياد، فأمر له بعشرة آلاف درهم. فعيَّره جرير بذلك. زمنها في ذكر الأخطل وتغلب. واسم الأخطل غِياثٌ بن غويث بن الصَّلت: تَلقى الكرام إذا خُطبنَ عزالياً ... والتغلبيَّةُ مهرُها فَلسانِ والتغلبيُّ مُغلبٌ قعدتْ بهِ ... مَسعاتُهُ عبدٌ بكلِّ مَكانِ قَبحَ الإله من الصَّليب إلهُهُ واللابسينَ بَرانسَ الرُّهبانِ والذابحينَ إذا تقابَ فِصحُهمْ ... شُهبَ الجُنوبِ ركيكةةَ الأثمانِ من كلِّ ساجي الَّرفِ أعصَلَ نابُهُ ... في كلِّ قائمةٍ لهُ طِلقانِ
تَغشى الملائكةُ الكرامُ وفاتَنا ... والتَّغلبيُّ جنازةُ الشيطانِ والتغلبيُّ كتابهُ بِشمالهِ ... وكتابُنا بأكفِّنا الأيمانِ أيُّصدقون بمارَ سرجسَ وابنه ... ويكذِّبونَ بمُنْزَلِ الفُرقانِ؟ ما في ديارِ مُقام تغلبَ مَسجدٌ ... وترى مكاسِرَ حَنْتمٍ ودنانِ ليس ابنُ عابدةِ الصليب بمنتَهٍ ... حتى يذوقَ بكأسِ مَن عادانى تركَ الهُذيلَ قيس منكمُ ... قَتلى تُقبِّحُ روحَها الملكانِ هزُّوا الرماحَ فأشرِعتْ لظهورهمْ ... هزَّ الرياح عواليَ المُرَّانِ فتركتمُ جَزرَ السباع وفَلُّكُمْ ... يتساقطونَ تساقُط الحَمْنانِ يا عبدَ خِندفَ لا تزال مُعبَّداً ... فاقعدْ بدارِ مَذَلَّةٍ وهوانِ ولقد سبقتُ فما ورائي لاحقٌ ... بداءاً وخُلِّيَ في الجَراءِ عِنانى فالحقْ بِحلفكَ في قُضاعةَ إنما ... قيسٌ عليك وخِندِفٌ أخوانِ
أحْموا عليكَ فما تجوزُ بِمهلٍ ... ما بين مصرَ إلى قصورِ عُمانِ وزرارة بن عُدس: جد عطارد، وهو القائل المثل: " يا بعضى دع بعضاً "، وذلك أن ابنته كانت عند سويد بن ربيعة الميمي. ولها منه تسعة بنين. وإنَّ سويداً قتل ابنا لعمرو بن هند الملك صغيرا، ثم هرب، فلم يقدر عليه ابن هند. فأرسل إلى زرارة فقال: ائتني بولده من ابنتك. فجاء بهم، فأمر عمرو ابن هند بقتلهم. فتعلقوا بجدهم زرارة، فقال: " يابعضي دع بعضاً " فذهبت مثلا. وكان يقال لعبد الله ومجاشع ابنى دارم " اللباب ". وبيت دارم بنو زرارة، وهم عشرة، منهم: حاجب، وعلقمة، ومعبد، ولقيط، وابن عمهم عمرو عُدُس. من ولده: هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو: قتل يوم الجمل مع عائشة. ومنهم مسكين الدارمي الشاعر هو مسكين بن عامر بن أنيف بن شُريح بن عمرو. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قتل لقيط بن زرارة يوم شعب جبلة، وأُسر حاجب أخوه؛ أسره ذو الرقيبة، وأُسر سنان بن أبي حارثة المرِّيُ؛ أسره عروة الرحال، فجزَّ ناصيته.. فلم يُثبهُ أُسر عمرو بن عُدس؛ أسره.. ابن المنفق فجزَّ ناصيته، وخلاَّهُ طعماً في المكافأة، فلم يفعل. وقُتل مالك بن ربعي ابن جندل بن نهشل، ومنقذ بن طريف الأسديُّ. فقال جرير: كأنك لم تشهدْ لقيطاً وحاجباًوعمرو بن إذ دعوا: يال دارمِ ويوم الصفا كنتم عبيدا لعامرٍوبالحَزنِ أصبحتم عبيدَ اللهازمِ
يعني بالحزن: يوم الوقيط، وقال جرير أيضا: ويومَ الِّعبِ قد تركوا لقيطا ... كأنَّ عليه خَملةَ أرجوانِ وكُبِّل حاجبٌ بسهامَ حولا ... فحكَّم ذا الرُّقيبةَ وهو عانِ وكانت تحت لقيط بن زرارة القَذورُ بنت قيس بن خالد الشيباني: من ربيعة. وهي أخت بسطام بن قيس: فلما قتل تزوجها بعده رجل من قومها، فقال لها يوما: أنا أجمل أم لقيطٌ؟ فقالت: " ماء ولا كصًراءَ ".. أي أنت جميل ولست مثله. والقذور أول من تمثلت بهاذا المثل. قال المفضل: وصًرًاءُ: ركيَّةٌ لم يكن عندهم ماءٌ أعذبَ من مائها. وفيها يقول ضرار السعدي: إني وتهيامى بزينب كالذي ... يطالب من أحواضِ صرَّاءَ مَشرَبا ومن أمثال العرب: " مرعى ولا كالسَّعْدانِ " وهو لأمرأة من طيء، كان تزوجها امرؤ القيس بن حجر الكندي، وكان مُفَّركاً. فقال لها: أين أنا من زوجك الأول؟ فقالت: " مَرعى ولا كالسعدانِ ". أي إنك وإن كنت رضىً فلست كفلان. قال أبو عبيدٍ: السعدانُ: نبي تعتلفه الإبل، وهو من أفضل مراعيها. فإذا رأوا علفا دونه قالوا هذه المقالة. ومن ولد علقمة بن زرارة يزيد بن شيبان بن علقمة: وله خبر طريف مع الرجل المهري، ذكره أبو علي البغدادي القالي في الأمالي. قال أبو علي: حدثنا
أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: قال أبو زرارة بَجالُ ابن حاجب العلقمي من ولد علقمة بن زرارة: خرج يزيد بن شيبان بن علقمة حاجَّا، فراى شارفَ البلدَ شيخا يحُّفه ركبٌ على إبل عتاقٍ بزحال ميسٍ مُلبسةٍ أدما. قال: فعدلتُ فسلمت عليهم، وبدأتُ به وقلت: من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرَمَّ القومُ ينظرون إلى الشيخ هيبة له. فقال الشيخ: رجل من مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قُضاعة. فقلت: حياكم الله، وانصرفت. فقال الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فأنتسبنا لك، ثم انصرفت ولم تُكلمنا. قال أبو بكر: وروى الَّكنُ بن سعيد عن محمد بن عباد: شاممتنا مشامَّة الذِّيب الغنمَ، ثم انصرفت. قلت: ما أنكرت سوءاً، ولكني طننتكم من عشيرتي فأناسبك فانتسبتم نسبا لا أعرفه، ولا أراه يعرفني. قال: فأمال الشيخ لثامه، حَسرَ عمامته وقال: لعمري لئن كنت من جِذْمٍ من أجذام العرب لأعرفنك. قلت: فإني من أكرم أجذامها. قال: فإن العرب بنيت على أربعة أركان: مُضر، وربيعة، واليمن، وقُضاعة. فمن أيهم أنت؟ قلت: من مُضر. قال: أمن الأرجاءِ أم من الفرسان؟ فعلمت أن الأرجاء خِندِفٌ، وأن الفرسان قيسٌ. قلت: من الأرجاء. قال: فأنت إذا من خندف؟ قلت: أجل. قال: فمن الأرنبة أم من الجُمجمة؟. فعلمت أن الأرنبة مُدركة، وأن الجمجمة طابخة. فقلت: من الجمجمة. قال: فأنت إذاً من طابخة؟ قلت: أجل. قال: أفمن الصميم أم من الوشيظ؟ فعلمت أم الصميم تميم وأن الوشيظ الِّباب. قلت: من الصميم. قال: فأنت إذا من تميم. قلت: أجل. قال: إفمن الأكرمين أم من الأحلمين أم من الأقلين؟ فعلمت أن الأكرمين زيد مناة، وأن الأحلمين عمرو بن تميم، وأن الأقلين الحرث بن تميم. قلت: من
الأكرمين. قال: فأنت إذا من زيد مناة؟ قلت: أجل. قال: فمن الجدود أم من البحور أم من الثِّماد؟ فعلمت أن الجدود مالك وأن البحور سعد، وأن الثماد بنو القيس بن زيد بن مناة. قلت: من الجدود. قال: فإنت إذا من بني مالك؟ قلت: أجل. قال: أفمن الذرى أم من الأرداف؟ فعلمت أن الذرى حنظلة، وأن الأرداف ربيعة ومعاوية، وهما الكُردوسانِ قلت: من الذرى. قال: فأنت إذا من بني حنظلة. قلت: أجل. قال: أفمن البدور أم من الفرسان أم من الجارثيم؟ فعلمت أن البدور مالك، وأن الفرسان يربوع، وأن الجارثيم البراجم. قلت: من البدور. قال: فأنت إذا من بني مالك بن حنظلة. قلت: أجل. قال: أفمن الأرنبة أم من القف؟ فعلمت أن الأرنبة دارم، وأن اللحيين طهية والعدوية، وأن القفا ربيعة بن حنظلة. قلت: من الأرنبة. قال: فأنت إذا من دارم؟ قلت: أجل. قال: أمن اللباب أم من الهضاب، أم من الشهاب؟ فعلمت أن اللباب عبد الله، وأن الهضاب مجاشع، وأن الشهاب نهشل. قلت: من اللباب. قال: فأنت إذا من بني عبد الله؟ قلت: أجل. قال: أفمن البيت أم من الزوافر؟ فعلمت أن البيت بنو زرارة، وأن الزوافر الأحلاف. قلت: من البيت. قال: فأنت إذا من بني زرارة؟ قلت: أجل. قال: فإن زرارة ولد عشرة: حاجيا، ولقيطا، وعلقمة، ومعبدا، وخزيمة، ولبيدا، وأبا الحرث، وعمرا، وعبد مناة، ومالكا. فمن أيهم أنت؟ قلت من بني علقمة. قال: فإن علقمة ولد شيبان، لم يلد غيره. فتزوج شيبان ثلاث نسوة مهدد بنت حُمران بن بشر بن عمرو بن مرثدٍ، فولدت له يزيد. وتزوج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عُدس، فولدت له المأمور، وتزوج عمرَة بنت بِشْر بن عمرو بن عُدْس، فولدت له المُقعد، فلأيهن أنت؟ قلت: لمهدد. قال: يابن أخي، ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلا كنت في أفضلهما حتى زاحمك أخواك، فإنهما أن تلدنى أمهما أحب إلي من أن تلدني أُمك. يابن أخي أتُراني عرفتك؟ قلت: إي وأبيك، أيُّ معرفة؟! ومن بني مجاشع بن دارم صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان
ابن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهو من الصحابة. وهو جد الفرزدق الشاعر: واسم الفرزدق هَمَّامُ بن غالب بن صعصعة. وكان صعصعة من أشراف بني تميم ووجوه بني مجاشع. وكان في الجاهلية يفتد الموؤدات. قيل إنه افتدى مئة موءودة. ففخر بذلك الفرزدق في قوله: وجدىِّ الذي منع الوائدات وأحيا الوئيدَ فلم يُوءَدِ روى عنه طفيل بن عمرو وابنه عقال بن صعصعة والحسن البصري، إلا أنه قال: حدثني صعصعة عم الفرزدق، وهو جده. وكان الفرزدق من فحول الشعراء في الإسلام، وروى الحديث. قال مسلم في " الكنى ": أبو فراس الفرزذق الشاعر، سمع ابن عمر وأبا هريرة. روى عنه مروان الأصغر وابن أبي نجيح وابنه لبطة. وروى عن ابنه أبي سهل لبطةَ سفيان بن عُيينةَ. ومنهم أعينُ بن ضُبيعةَ بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع: هو الولد النوارِ بنت أعين زوج الفرزدق، التي يقول فيها حين طلقها. ندمتُ نَدامةَ الكُسعي لمَّ ... غدتْ منى مُطلَّقةً نوارُ وكانت جنَّتي فخرجتُ منها ... كآدم حينَ أخرجه منها الِّرارُ وأعين هو الذى عقر الجمل الذي كانت عليه عائشةُ أم المؤمنين رضي الله عنها. قاله ابن عبد البر في " الاستيعاب ". وقال الطبري: عقرَ الجمل بُحير بن
دُلجة الضَّبيُّ من أهل الكوفة. وكان اسم جمل عائشة " عكر ". وقَتل أعين أهل البصرة: قال الطبري في تاريخه الكبير في خبر يوم الجمل: جاء أعينُ بنُ ضُبيعة المجاشعيُّ حتى اطَّلع في الهودج. فقالت عائشة: إليك لعنك الله. فقال: والله ما أرى إلا حُميراءَ. فقالت: هتَك الله سِترك، وقطع يدك، وأبدى عورتك. فقُتل بالبصرة وصُلب وقُطعت يدهُ، ورُمي به عُريانا في خربة من خرب الأزد. ومنهم عياضُ بن حمار بن أبي حمار بن ناجية بن عقال: وأبو حمارٍ جد عياض، أخو الفرزدق. سكن عياض البصرة، وروى عنه مُطرِّف ويزيد ابنا عبد الله بن الشخير والحسن وأبو التيَّاح. وكان صديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قديما. وكان إذا قدم مكة لا يطوف إلا في ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان من الجلَّة الذين لا يطوفون إلا في ثوبِ أحمسي. ومنهم الأقرع بن حابس بن عقال الذي قال فيه العباس بن مرداس للنبي عليه السلام حين قسم غنائم حُنين من أبياتٍ: أتجعلُ نَهْبى نهبَ العُبي ... دِ بين عيينة والأقرعِ وحابسٌ: والد الأقرع، عم صعصعة جد الفرزدق: ومنهم الحُتاتُ بن يزدي ين علقمة بن جُوى بن سفيان بن مجاشع: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الحُتات هذا وبين معاوية بن أبي سفيان. فمات الحُتات عند معاوية، وهو خليفةٌ، فورثه بهذه الأُخوَّة. فقال الفرزدق، وهو شاب، لمعاوية: أبوكَ وعمى يا مُعاويَ أورثا ... تُراثا فَيحتازُ التُراثَ أقاربهُ
فما بال ميراثِ الحُتاتِ أكلتَهُ ... وميراثُ صخرٍ جامدٌ لك ذائبُهْ ومن بني مجاشع البعيثُ الشاعر: واسمه خداش بن بشير بن أبي خالد بن بيبةَ بن قُرط بن سفيان. والاصبغُ بن نباتة: صاحب علي رضي الله عنه. ومن بني نَهشل بن دارمٍ عبَّادُ بن مسعودٍ: الذي قال فيه الحطيئة: هضمَّتْ بدارِ ضرارٍ ثمَّ قلتُ لها: ... لا بل عليكِ بعبادِ بن مسعودِ عليكِ دارَ رَحيبِ الباعِ ذى شَرفٍ ... ألقيتْ إليه تميمٌ بالمقاليدِ ومنهم خازمً بن خُزيمةً النَّهْشليُّ: وهو من صخر بن نَهشل، وكان لأمِّ ولدٍ، ويكنى أبا خُزيمة. وولي خراسان، ثم وليَ عُمانَ، ومات ببغداد فعُزيَ عنه أبو جعفر. وابنه خزيمة بن خازم، يكنى أبا العباس، وولىَ الولايات. وابنه إبراهيم ابن خازم: قتله الوليد بن طريفٍ الشاري. ومنهم الأسود بن يَعفُر الشاعر: جاهلي. وهو القائل من قصيدة: ماذا أُؤمِّل بعد آلِ مُحرِّقٍ ... تركوا منازلهم وبعدَ إيادِ أرض الخورنق والسديرِ وبارقٍ ... والقصر ذي الشُّرفاتِ من سِنْدادِ
نَزلوا بأنْقرةٍ يسيلُ عليهمُ ... ماءُ الفرات يجيءُ من أطوادِ أرضٌ تَخيِّرها لطيب مَقيلها ... كعبُ بنُ مامةَ وابنُ أمِّ دُؤادِ جَرت الرياحُ على مَحلِّ ديارهمْ ... فكأنهم كانوا على مِيعادِ ولقد غَنُوا فيها بأنعمِ عيشةٍ ... في ظلِّ مُلكٍ ثابتِ الأوتادِ فإذا النَّعيمُ وكلُّ ما يُلهَى بهِ ... يوماً يصير إلى بلىً ونَفادِ وقال رجل من بني نَهشل بن دارم يمدح قومه: إنَّ نَهشَلٍ لا ندَّعى لأَبٍ ... عنهُ ولا هوَ بالأبناءِ يَشْرينا إنْ تُبْتَدرْ غايةٌ يوماً لمكرُمةٍ ... تلقَ السَّوابقَ منَّ والمُصَلِّينا وليسَ يَهلِكُ منَّا سيدٌ أبداً ... إلا افْتَلَيْنا غُلاماً سيِّداً فينا
إنا لَمشن معشرٍ أَفْنى أوائلَهمْ قيلُ الكماةِ: ألا أين المحامونا؟ لو كان في الألف منّا واحدٌ فَدعَوا ... مَن عاطفٌ؟ خالهُم إياهُ يَعْنونا إنا لنُرخِصُ يوم الرَّوع أنفسَنا ... ولو نُسامُ بها في الأمرِ أُغْلينا إذا الكماةُ تَنحَّوا أن ينالهُمُ ... حدُّ الطُّباتِ وَصَلْناها بأيدينا من قال: إنا بنو نهشل، جعل " بنو " خبر " إنَّ ". ومَن قال: " بني "، فإنما جعل الخبر على الاختصاص وهذا مدحٌ. ومثله: " نحن بني ضبة أصحابُ الجملْ ". ومن بني فُقيم بن دارم أبو غاَضرةَ الفُقميُّ: واسمه عُروة، له صحبة ورواية. حديثه عن النبي عليه السلام: " دِينُ اللهِ يُسر ". ومن بني فُقيم أبو سريةَ سُهيلُ بن خَليفةَ بن عبدةَ: سمع قيسَ بن عاصم. روى عنه ابنه عبدُ الملك. ومنهم الحسنُ بن عَمرو الفُقيميَّ التميمي: روى عنه سفيان الثوري وإبراهيم النخعي. قال: إذا قيل: ... أنتَ. فقل: لاإله إلا اللهُ. ومنهم فضيلُ الفقيمي: روى عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبرٍ ". خرجَّ الحديث مسلم.
ومنهم أبو العشراء أسامة بن مالك بن قهطم: وهو من التابعين، روى عن أبيه، وروى أبوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني أبان بن دارم سورة بن أبجر: كان فارسا، وولي خراسان. وذو الخرق بن شريح الشاعر. ومن بني ثعلبة بن يربوع ثم من بني عرين بن ثعلبة واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بم مالك بن زيد مناة بن تميم: كان حليفا للخطَّاب بن نفيل، أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء ابن معرور. وهو الذي قتل عمرو بن الحضرمي أخا العلاء في أول يوم من رجب. وكان في البعث الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نخلة. وأهل السريَّة ثمانية رهط من المهاجرين ولم يكن فيهم من الأنصار أحد، وهم: عبد الله بن جحش الأسديُّ أمير السرية، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمُّي القريشيُّ، وعكاشة بن محصن الأسديُّ، وعتبة بن غزوان من بني مازن بن منصور أخى سليم بن منصور، وسعد بن أبي وقاص الزهريُّ، وعامر بن ربيعة من عنز ابن وائل، وواقد المذكور، وخالد بن البكير اللَّيثي، وسهيل بن بيضاء الفهري. وفي واقد قال أبو بكر الصديق الأبيات التي ردَّ فيها على قريش حين استعظموا سفك الدَّم والسَّبي في الشهر الحرام، فيما قال ابن اسحاق. وقال ابن هشام: هي لعبد الله بن جحش.: تَعدُّونَ قتلاً في الحرام عظيمةً ... وأعظمُ منهُ لو يَرى الرشدَ راشِدُ صُدودُكمُ عمّا يقولُ محمدٌ ... وكفرٌ بهِ واللهُ راءٍ وشاهدُ وإخراجُكمْ من مسجد اللهِ أهلَهُ ... لأَنْ لا يُرى في البيتِ للهِ ساجدُ
فإنَّا وإنْ عَيَّرتُمونا بقتلهِ ... وأَرجفَ بالإسلامِ باغٍ وحاسدُ سَقَينا من ابن الحضرميِّ رماحَنا ... بِنَخلةَ لما أَوقدَ الحربَ واقِدُ دَماً وابنُ عبد الله عثمانُ بَينَنا ... ينازعُهُ غُلٌّ من القِدِّ عانِدُ شهد واقد بن عبد الله بدرا وأحدا والمشاهد كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ومن عرين بن ثعلبة ابن الكلحبة الشاعر الشجاع: واسمه جرير بن هبيرة. والكلحبة أمُّه، وهي امرأة من جرم، قاله أبو عبيد. وقال غيره: الكلحبة: السراج. وابن الكلحبة هو القائل من قصيدة: فقلتُ لكأسٍ: أَلجميها فإنما ... حللتُ الكثيبَ من زَرودَ لأَفزَعا يقول: لأغيث. وكأس: اسم جارية، وإنما أمرها بإلجام فرسه ليغيث. والفزع هنا: الاستنجاد والاستصراخ. ومنه قول النبي عليه السلام للأنصار: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلُّون عند الطمع ". وقال جرير يهجو بني عرين ابن ثعلبة بن يربوع: عَرينٌ من عُرينةَ ليس ممَّا ... بَرِئتُ إلى عُرينةَ من عَرينِ والنسب إلى " عرين " عريني. وكثير من الناس يقول فيه: عرني. وعرينة من بجيلة، وهو عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن ياراش. بن عمرو بن الغوث. ومن عرينة النفر الذي أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخبرهم صحيح مشهور.
ومن بني ثعلبة بن يربوع متمِّم بن نويرة: وهو من الصحابة. وأخوه مالك، قتل في الردة في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. وقتل مالكا ضرار بن الأزور الأسديُّ. أمره بذلك خالد بن الوليد. ورثاه متمِّم أخوه بقصائد كثيرة. قال أبو العباس المبرَّد: حدثني العباس بن الفرج الرِّياشيُّ عن محمد بن عبد الله الأنصاري في إسناد ذكره. قال: صلَّى متمِّم بن نويرة مع أبي بكر الصديق رحمه الله الفجر في عقب قتل أخيه. وكان أخوه خرج مع خالد مرجعة من اليمامة، يظهر الإسلام. فظنَّ به خالد غير ذلك، فأمر ضرار بن الأزور الأسدي فقتله. وكان مالك من أرداف الملوك، ومن متقدِّمي فرسان بني يربوع. فلما صلى أبو بكر رحمه الله قام متمم بحذائه فاتّكأ على سية قوسه. ثم قال: نِعمَ القتيلُ إذا الرياحُ تَناوحتْ ... خلفَ البيوتِ، قَتلتَ يابنَ الأزور ولَنعمَ حشوُ الدرعِ كنتَ أدابراً ... ولنعم مأوى الطارقِ المُتنوِّرِ أَدَعوتَهُ باللهِ ثم غَدَرتَهُ ... لوْ هُوْ دَعاكَ بذمَّةٍ لم يَغْدُرِ وأومأ إلى أبو بكر، فقال: والله ما دعوته ولا غدرته. ثم أتمَّ شعره فقال: لا يمسِكُ الفحشاءَ تحت ثيابهِ ... حُلوٌ شمائلُهُ، عفيفُ المِئْزَرِ ثم اتّكأ وانحطَّ على سية قوسه، وكان أعور دميما. فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء، فقام إليه عمر بن الخطاب، رحمه الله فقال: لوددت أنك رثيت زيدا أخي، بمثل ما رثيت به مالكا أخاك. فقال: يا أبا حفص، والله لو علمت أن أخي صار بحيث صار أخوك ما رثيته. فقال عمر: ماعزَّاني أحد عن
أخي بمثل تعزيتك. ولمتمِّم يرثي أخاه مالكا من قصيدة: وكنا كندمانَيْ جَذِيمةَ حِقْبةً ... منَ الدهرِ قيلَ: لن يَتَصدَّعا فلما تَفرَّقْنا كأنى ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لم نَبتْ ليلةً مَعا فعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقَبلنا ... أصابَ المنايا رَهْطَ كِسرى وتُبَّعا فإنْ تكنِ الأيامُ فَرَّقْنَ بينَنا ... فقد بان محموداً أخى حين ودَّعا وله يرثيه: لقد لامَنى عند القبورِ على البُكا ... خَليلى لِتَذرافِ الدموعِ السَّوافكِ وقال: أتبكي كلَّ قبرٍ رأيتَهُ ... لقبرٍ ثَوى بينَ اللَّوى والدَّكادكِ فقلت له: إنَّ الأسى يبعثُ الأسى ... فدعْني؛ فهذا كلُّهُ قبرُ مالكِ وكان مالك بن نويرة من أرداف الملوك. وفي تصديق ذلك يقول جرير من قصيدة يفخر ببني يربوع: منهمْ عُتيبةُ والمُحِلُّ وقَعنبٌ ... والحَنْتفانِ ومنهمُ الرِّدفانِ
فأحد الردفين مالك بن نويرة اليربوعي، والردف الآخر من بني رياح بن يربوع. وهو عتَّاب بن هرمي بن رياح وبنوه من بعده. وللرِّدافة موضعان، أحدهما أن يردفه الملك على دابَّته في صيد أو نزهة أو ما أشبه ذلك من مواضع الأنس. والوجه الآخر أنبل، وهو أن يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم، فينظر بين الناس بعده. وفيه جرى المثل: " فتى ولا كمالك " ذكر ذلك علُّي بن سليمان الأخفش وغيره. ومن بني ثعلبة بن يربوع عتيبة بن الحرث بن شهاب: وهو جاهلي، وكان يقال له: صيَّاد الفوارس لشجاعته، والمحلُّ بن قدامة، وقعنب بن عصمة، والحنتف والحرث ابنا أوس، وهما الحنتفان. ومن بني كليب بن يربوع جرير بن عطيَّة الخطفي: واسم الخطفي حذيفة ابن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وكان من فحولة شعراء الإسلام. ويكنى أبا حزرة بابنته. وأمُّها خالدة بنت سعيد بن أوس بن معاوية من بني كليب بن يربوع، وهي أمُّ حزرة. ولما توفيت رثاها في أول قصيدة مشهورة له طويلة، وناقض الفرزدق في بقيِّتها. وتخيَّرت من الرثاء ما يستحسن، وهو: لولا الحياءُ لهاجني استِعْبارُ ... ولزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يزارُ فسَقى صدى جَدَثٍ ببُرقةَ ضاحكٌ ... هَزِمٌ أَجَشُّ ودِيمةٌ مِدْرارُ صلى الملائكةُ الذينَ تُخُيِّروا ... والصالحونَ عليك والأبرارُ
نِعمَ القرينُ كُسيتِ أجملَ منظرٍ ... ومع الجمالِ سكينةٌ ووقارُ كانت مُكارِمَةَ العشيرةِ ولم يكنْ ... يَخْشى غوائلَ أمِّ حَزرةَ جارُ والريحُ طيبةٌ إذا استعرضتُها ... والعِرضُ لا دنسٌ ولا خَوَّارُ كانت إذا هجرَ الحَليلُ فراشَها ... خُزِنَ الحديثُ وعفَّتِ الأَسرارُ وَلَّهتِ قَلبيَ إذْ عَلتْني كَبرةٌ ... وذَوو التمائمِ من بنيكِ صِغارُ لا يَلبثُ القُرَناءُ أن يَتَفرَّقوا ... ليلٌ يَكُرُّ عليهمُ ونَهارُ وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: أول امرأة تزوجها جرير خالدة، وهي أمُّ حزرة، وزكرياء، والصُّنابح، والتِّيجان. ولها من البنات: مفدَّاة، وأمُّ غيلان، وأمُّ غالب، وكرامة. ثم تزوَّج بعدها أمامة بنت عمرو بن حرام الكليبيَّة، فولدت له: عكرمة، وموسى، وموفية، وجدلة، وريداء، وجعادة. ثم تزوَّج بعدها أمُّ حكيم، فولدت له: بلالا، ونوحا، وأمُّ سعد. فنبه من ولده جميعا بلال ونوح. قال المؤلف، وفَّقه الله: أمُّ حكيم من العجم، من أهل الرَّي. وهبها له الحجاج. ثم تزوَّجها بعد، كما قال عمارة بن عقيل، وهي جدَّة أبيه. وذكر أن جريرا في أول دخوله العراق دخل على الحكم بن أبي أيوب بن أبي عقيل الثقفيِّ. وهو ابن عمِّ الحجاج وعامله على البصرة. وفي ذلك يقول جرير:
أَقبلْنَ من ثَهْلانَ أو وادي خِيَمْ على قِلاصٍ مثلِ خيطانِ السَّلَمْ إذا قَطعْنا علماً بعدَ عَلَمْ حتى أَنَخْناها إلى بابِ الحَكمْ خليفةِ الحجاجِ غيرِ المتَّهمْ في ضئضئِ المجدِ وبحبوحِ الكرمْ فكتب إليه الحكم بعد أن باطنه الحجاج في ذلك، وذلك في أول سنيه، إنه قدم عليَّ أعرابيٌّ باقعة لم أر مثله. فكتب إليه أن يحمله معه سنة. هذا على قول من قال: ولد عام الهجرة. ويقال: أتي به النبي عليه السلام، ودعا له. وكان له فقه وعلم. وكان على خاتم عبد الملك بن مروان. وقال الشعبيُّ: كان قبيصة من أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت. ومن بني حزام بن عمرو بن حبشية بن سلول بن كعب سليمان بن صرد ابن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن أصرم، يكنى أبا مطرِّف. كان خيِّرا فاضلا، له دين وعبادة. كان اسمه في الجاهلية يسارا، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أسلم، سليمان. سكن الكوفة وابتنى بها دارا في خزاعة، وكان نزوله بها في أول ما نزلها المسلمون. وكانت له سن عالية وشرف في قومه وشهد مع عليّ صفين. وكان فيمن كتب إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسأله القدوم إلى الكوفة. فلما قدمها ترك القتال معه، فلما قتل الحسين ندم هو والمسيَّب بن الفزاريُّ وجميع من حوله، إذ لم يقاتلوا معه. ثم قالوا: مالنا توبة ممَّا فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه. فخرجوا، فعسكروا بالنخيلة، وذلك في مستهلِّ ربيع الآخر سنة خمس وستين، وولَّوا أمرهم سليمان
ابن صرد، وسمَّوه أمير التَّوَّابين. ثم ساروا إلى عبيد الله بن زياد، فلقوا مقدِّمته في أربعة آلاف، عليها شرحبيل بن ذي الكلاع. فاقتتلوا فقتل سليمان بن صرد والمسيَّب بن نجبة بموضع يقال له عين الوردة. وحمل رأسه ورأس المسيَّب بن نجبة إلى مروان بن الحكم أدهم بن محرز الباهليُّ. وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنة. وهو من المقلِّين في الرِّواية عن النبي عليه السلام. وممَّا روى عنه ما حدَّث به أبو بكر بن أبي شيبة: نا حفص بن غياث عن الأعمش، عن عديِّ بن ثابت، عن سليمان بن صرد أن رجلين تلاحيا، فاشتدَّ غضب أحدهما فقال النبيُّ عليه السلام: " إني لأَعرف كلمة لو قالها سكن غضبه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ". ومنهم أكثم بن الجون أبي الجون بن منفذ عم سليمان بن صرد: أكثم وصرد أخوان. وهو الذي شبَّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن لحيٍّ في حديث أبي هريرة المتقدِّم. وروي عن أكثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغز مع قومك تحسن خلفك وتكرم على رفقائك " وقد روي في الحديث: " اغز مع عيرِ قومك ". ومنهم أمُّ معبد: واسمها عاتكة بنت خالد بن منقذ بن ربيعة بنت عم أكثم ابن الجوان. ويقال: هي عاتكة بنت خالد بن خليف. وقال ابن هشام: أمُّ معبد بنت كعب امرأة من بني كعب من خزاعة. ونسبها الأول أشهر وأعرف. وهي التي نزل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمتها حين خرج من مكة إلى المدينة مهاجرا، وذلك الموضع يدعى اليوم بخيمة أمُّ معبد. وروى حديث نزول النبيِّ في خيمتها أبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وشرح أبو عبيد غريبه، ورواه أيضا أبو جعفر العقيلي بسنده عن أخيها حبيش بن خالد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه قاسم بن اصبغ أبو محمد البيَّانيُّ في رحلته إلى المشرق بقديد بسند آخره حبيش بن خالد. ورواية ابن وضَّاح له بالمشرق. وروى الحديث أيضا زوجها أبو معبد بمعنى حديث أخيها. والألفاظ متقاربة.
وأبو معبد هذا مذكور في الصحابة، وتوفي قبل موت النبي عليه السلام. وكان يسكن قديدا، قاله البخاري وغيره. وفي نزول النبي صلى الله عليه وسلم على أمِّ معبد أصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه: جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جَزائهِ ... رَفيقَينِ حلاَّ خَيمتَيْ أمِّ مَعْبدِ هُما نَزلاها بالهُدى واهتدتْ بهِ ... فقدْ فازَ مَن أَمسى رفيقَ مُحمدِ فيا لَقُصيٍّ مازَوى اللهُ عنكمُ ... بهِ من فَعَالٍ لا تُجارَى وسُؤدَدِ لِيَهنِئْ بني كعبٍ مَقامُ فتاتِهِمْ ... ومَقْعدُها للمؤمنينَ بِمَرصَدِ سَلُوا أُختَكُمْ عن شاتِها وإنائِها ... فإنكمُ إنْ تَسأَلوا الشاةَ تَشْهدِ فلما بلغ حسان بن ثابت الأنصاريَّ، جعل يجاوب الهاتف، وهو يقول: لقد خابَ قومٌ غابَ عنهم نَبيُّهمْ ... وقُدِّسَ مَن يَسْرى إليهم ويَغْتدى تَرحَّلَ عن قَومٍ فَضلَّتْ عقولُهم ... وحلَّ على قَومٍ بنُورٍ مُجدَّدِ
هَداهُمْ بهِ بعد الضَّلالةِ ربُّهمْ ... وأرشدهم، مَن يَتْبعِ الحقَّ يُرْشَدِ لقد نَزلتْ منهُ على أَهلِ يَثربٍ ... رِكابُ هُدىً حلَّتْ عليهم بأَسْعُدِ نَبيٌّ يرى مالا يَرى الناسُ حَولَهُ ... ويَتْلو كتابَ الله في كلِّ مسجدِ لِيَهْنئ أبا بكرٍ سَعادةُ جَدِّهِ ... بِصُحبتهِ مَن يُسْعِدِ اللهُ يُسْعَدِ ومن بني ضاطر بن حبشيَّة بن سلول بن كعب طلحة بن عبيد الله بن كريز من التابعين. روي عنه الحديث؛ روى عنه مالك في " جامع الحج " من الوطأ حديثين؛ أحدهما عن إبراهيم بن أبي علبة، عن طلحة. والثاني عن زياد ابن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عنه. وذكر مالك حديث زياد عن طلحة في الدُّعاء من آخر " كتاب الصلاة "، كما ذكره في " جامع الحج " بلفظه سواء. ومنهم قرة بن إياس الشاعر: وكان ابنه يحيى بن قرة سيد قومه. وابن الحدَّادية الشاعر: واسمه قيس بن عمرو. وأمَّا حليل بن حبشية: فكانت ابنته حبَّى عند قصي بن كلاب. وهي أمُّ بنيه. وابنه المحترش بن حليل: باع مفتاح الكعبة من قصي بن كلاب. وهلال بن حليل. ومن بني حليل كرز بن علقمة: وهو الذي قفَّى أثر النبي عليه السلام حين دخل الغار، وهو أعاد معالم الحرم في زمان معاوية إلى اليوم. ومن بني كعب غير منسوب إلى بطن أبو شريح الكعبيُّ: واسمه خويلد
ابن عمرو بن صخر العزَّي. ورويت له أسماء، وأصحُّها خويلد بن عمرو. وأسلم قبل الفتح. وكان بيده أحد ألوية بني كعب من خزاعة يوم فتح مكة، وعداده من أهل الحجاز. روى عنه عطاء بن يزيد الليثيُّ، وأبو سعيد المقبري، وسفيان بن أبي العوجاء. وقال الواقديُّ: كان أبو شريح الخزاعيُّ من عقلاء أهل المدينة. وروى أبو سعيد المقبريُّ عن أبى شريح الخزاعيِّ قال: لمَّا قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير جئته فقلت له: ياهذا، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة. فلما كان الغد من الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه، وهو مشرك. فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: " يأيها الناس، إن الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة، فلا يحلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد فيها شجرا، لم تحلل لأحد كان قبلي، ولا تحلُّ لأحد يكون بعدي، ولم تحلل لي إلا غضبا على أهلها، إلا ثمَّ قد رجعت كحرمتها بالأمس. فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل فيها فقولوا إنَّ الله قد أحلَّها لرسوله، ولم يحللها لكم يامعشر خزاعة. ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل إن نفع. لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه. فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين؛ إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله ". ثم ودا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتله خزاعة. فقال عمرو لأبي شريح: انصرف أيها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك. إنها لا تمنع سافك دم، ولا مانع جزية. قال أبو شريح: إني كنت شاهدا وكنت غائبا. وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا. وقد أبلغتك فأنت وشأنك. ومن بني كعب عمرو بن الحمق بن كاهن بن حبيب: هاجر إلى النبيِّ عليه السلام بعد الحديبية وقيل: أسلم عام حجة الوداع، والأول أصحُّ. وصحب
النبيَّ عليه السلام، وحفظ عنه أحاديث. وسكن الشام، ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها. روى عنه جبير بن نفير ورفاعة بن شداد وغيرهما. وكان ممَّن سار إلى عثمان، هو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا. ثم صار من شيعة علي رحمه الله، وشهد معه مشاهده كلَّها: الجمل وصفين والنهروان. وأعان حجر ابن عدي، ثم هرب من زياد إلى الموصل، ودخل غارا، فنهشته حية فقتلته. فبعث إلى الغار في طلبه فوجد ميِّتا. فأخذ عامل الموصل رأسه، وحمله إلى زياد. فبعث به زياد إلى معاوية. وكان أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد وكانت وفاة عمرو بن الحمق سنة خمسين. ومن بني كعب مطرود بن كعب الخزاعيُّ: الذي رثى بني عبد مناف: هاشما والمطَّلب وعبد شمس ونوفلا بالقصيدة الطويلة التائيَّة المسطورة في السِّير. ومن قوله يبكِّي عبد المطلب وبني عبد مناف، وأحسن: يأيُّها الرجلُ المحوِّلُ رَحلَهُ ... هّلاَّ سألتَ عن آلِ عبدِ مَنافِ هَبَلتْكَ أمُّك لو حَللتَ بدارهمْ ... ضَمِنوكَ من جُرمٍ ومِن إقْرافِ المُنْعمِينَ إذا النجومُ تَغيَّرتْ ... والظاعنينَ لرِحلةِ الإيلافِ والمُطْعِمينَ إذا الرِّياحُ تناوَحتْ ... حتى تَغيبَ الشمسُ في الرَّجَّافِ
إمَّا هَلكْتَ أبا الفَعال فما جَرى ... من فَوقِ مِثْلِكَ عقدُ ذاتِ نِطافِ إلا أَبيكَ أخي المكارمِ وحدَهُ ... والفَيضِ مُطّلب أبي الأضيافِ ومنهم الحصين بن نضلة: كان سيد أهل تهامة، ومات قبل الإسلام. والحرث بن أسد: صحب النبيَّ عليه السلام. ومن بني مليح بن عمرو بن لحي عمرو بن سالم بن كلثوم: حجازي، روى حديثه المكيّون حيث خرج مستنصرا من مكة إلى المدينة، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأنشده رجزا أوله: لا هُمَّ إنى ناشدٌ مُحمَّدا ... حلف أبينا وأبيهِ الأَ تْلدا إنَّ قريشاً أخلفتْك الموعدا ... ونَقَضوا ميثاقَك المؤكَّدا وجعلوا لي في كَداءٍ رَصدا ... وزَعَموا أنْ لستَ تَدعو أحدا وهمْ أَذلُّ وأقلُّ عَدَدا ... همْ بَيَّتونا بالوتيرِ هُجَّدا وقَتَلونا ركَّعاً وسُجَّدا ... ووالداً كنّا وكنتَ الوَلَدا ثُمَّتَ أَسلمْنا ولم نَنْزعْ يدا ... فانصرْ هداك اللهُ نَصراً أَيِّدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصرت ياعمرو بن سالم ". وروي أنه قال: " لا نصرني الله إن لم أنصركم ". وقد روي من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب بالأسياف ". ثم تجهَّز رسول الله عليه السلام لفتح مكة ناصرا لخزاعة كما جاء في السِّير وكتب المغازي. ومنهم عبد الله بن خلف: وكان كاتبا لعمر بن الخطاب على ديوان الكوفة والبصرة، وقتل مع عائشة يوم الجمل. وأخوه سليمان بن خلف: كان مع علي عليه السلام يوم الجمل فقتل. وابنه طلحة بن عبد الله بن خلف: الذي يقال له " طلحة الطلحات ". كان أجود العرب في الإسلام. وولي سجستان ومات بها. وفيه يقول عبد الله بن قيس الرقيَّات: رحم اللهُ أَعظمُناً دَفَنوها ... بسجَستانَ طَلحة الطَّلَحاتِ وحميد الطويل: الذي يروي عب أنس مولاه. وقال ابن قتيبة في " المعارف ": حميد الطويل هو حميد بن طرخان، مولى طلحة الطَّلحات الخزاعيِّ، ويكنى أبا عبيد. ومات سنة اثنين وأربعين ومئة. وقال مسلم في " الكنى " له: أبو عبيدة حميد بن تيرويه الطويل سمع أنس بن مالك والحسن. روى عنه حمَّاد بن سلمة وابن المبارك. قال المؤلف عفا الله عنه: وهو من شيوخ مالك. وقال ابن قتيبة: رزين جدُّ طاهر ذي اليمينين مولى عبد الله بن خلف. ومنهم كثيِّر عزَّة الشاعر: وهو كثيِّر بن عبد الرحمن. وبنو مليح من خزاعة ينتسبون إلى الصَّلت بن النَّضر بن كنانة. فلذلك قال كثيّر:
اْليس أني بالصَّلتِ أم ليس إخوتي ... بكلِّ هِجانٍ من بني النَّضر أَزْهَرا وقد مضى الشعر الذي هذا البيت منه، وتفسير من ذكر كثيِّر فيه قبل عند ذكر النَّضر بن كنانة وولده. وكانن كثيِّر حسن الشعر، ذا أنفة وكبر، وكان ضئيلا. ويروي أن كثيرا دخل الملك بن مروان رحمه الله فقال: أأنت كثيِّر؟ قال: نعم. قال: " أن تسمع بالمعيديِّ خير من أن تراه ". قال: يا أمير المؤمنين، كلٌّ عند محلِّه رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السَّناء. ثم أنشأ يقول: ترى الرجلَ النحيف فتّزْدَريه ... وفي أثوابهِ أسدٌ هَصورُ ويُعجبُك الطَّريرُ إذا تراهُ ... فيُخلفُ ظنُّك الرجلُ الطَّريرُ بغاثُ الطيرِ أطولُها رقاباً ... ولم تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ خَشاشُ الطَّير أكثرُها فراخاً ... وأمُّ الصقر مِقْلاةٌ نَزورُ ضعافُ الأُسْد أكثرُها زَئيراً ... وأَصرمُها اللواتي لا تَزيرُ وقد عظمُ البعيرُ بغيرِ لبٍّ ... فلم يَسْتغنِ بالعِظَم البعيرُ يُنَوَّخُ ثم يُضرب بالهراوي ... فلا عُرفٌ لديهِ ولا نَكيرُ
يُقوِّدُهُ الصَّبيُّ بكل أرضٍ ... وينْحرهُ على التُرْب الصغيرُ فما عِظَمُ الرِّجالِ لهم بزينٍ ... ولكنْ زينُهمْ كرَمٌ وخِيرُ وكان كثير يشبِّب بعزَّة كثيرا. وهو القائل فيها من قصيدة: هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مُخامِرٍ ... لعزَّةَ من أَعراضِنا ما استحلَّتِ ومنها: وكنتُ كذي رِجلينِ؛ رجلٍ صحيحةٍ ... ورِجلٍ رمى فيها الزمانُ فشَلَّتِ ورأته عزَّة في طريق، وهي في هودجها، وهو راكب جملا، وكانت مهاجرة له. فلما التقيا أومأت إلى الجمل بيدها وقالت: حياك الله ياجمل. فقال كثير: حيَّتك عزةُ بعد الهجرِ وانصرفتْ ... فحيِّ مَن حيَّاكَ ياجَملُ ليتَ التحيةَ كانتْ لي فأشكرَها ... مكانَ يا جملاً حيِّيتَ يا رَجلُ ومن بني عدي بن عمرو بن لحي بديل بن ورقاء: وبنوه: نافع وعبد الله وعبد الرحمن وسلمة. وكلُّهم لهم صحبة. وكان بديل سيد خزاعة. وقتل ابنه نافع يوم بئر معونة، وقال فيه عبد الله بن رواحة: رحمَ اللهُ نافعَ بن بُديلٍ ... رحمةَ المُبْتغي ثوابَ الجهادِ
صابرٌ صادقُ اللقاءِ إذا ما ... أكثرَ القَومُ قال قَولَ السَّدادِ قال ابن الكلبي: عبد الله وعبد الرحمن، ابنا بديل، كانا رسولي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وشهدا جميعا صفين مع علي. وقال الطبريُّ وغيره: أسلم عبد الله يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف وتبوك. وكان له قدر وجلالة. قتل هو وأخوه عبد الرحمن بصفين، وكان يومئذ على رجَّالة علي رضي الله عنه. وقال الشعبيُّ: كان عبد الله بن بديل في صفين عليه درعان وسيفان، وكان يضرب أهل الشام ويقول: لم يبقَ إلا الصَّبرُ والتوكُّلْ ثم التمشيِّ في الرَّعيل الأوَّلْ مشيَ الجمالِ في حياضِ المنهلْ واللهُ يَقضي مايَشا ويَفعَلْ وأسلم بديل بمرِّ الظَّهران ليلة الفتح. روت عنه حبيبة بنت شيرين جدة عيسى بن مسعود بن الجكم الزُّرقي. روى عنه أيضا ابنه سلمة بن بديل أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا. وذكر البخاري عن سعيد بن يحيى ابن سعيد الأموي عن أبيه، عن ابن اسحاق قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبلة عن ابن بديل بن ورقاء عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يحبس السَّبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه ففعل. ومن بني عدي الحيسمان بن عبد عمرو: الذي جاء بقتل أهل بدر إلى مكة، وأسلم بعد ذلك. وقيل: الحيسمان بن................صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاث مرات في أول الناس، وفي وسطهم وفي آخرهم، أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شجاعا راميا محسنا وصنع في غزوة ذي قرد مالا يصنعه
جيش برميه. واستنقذ اللِّقاح وحده، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا طرح الفزاريون وتركوا خوفا من رميه سهمين؛ سهم الراجل وسهم الفارس، جمعهما له. وقال فيه صلى الله عليه وسلم في تلك الغزاة: " كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجَّالتنا سلمة ". وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على ناقته العضباء حين رجع إلى المدينة من اتِّباع الفزاريين ذكر هذا كلَّه مسلم في صحيحه. روى عنه جماعة من تابعي أهل المدينة، وكان خيِّرا فاضلا. قال ابن اسحاق: سمعت أن سلمة بن الأكوع: هو الذي كلَّمه الذَّئب. قال سلمة: رأيت الذئب قد أخذ ظبيا فطلبته حتى نزعته منه. فقال: ويحك، مالي ولك؟ عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك تنتزعه مني. فقلت: أيا هذا لعجب! ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجب من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم في أصول النَّحل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان. قال: فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، والله أعلم أي ذلك كان. قال ابن اسحاق: وفيما تزعم طيئ أن رافع بن عميرة الطائيَّ هو الذي كلَّمه الذئب، وهو في ضأن له يرعاها. وكان لصا في الجاهلية، فدعاه الذئب إلى اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم. ولطيئ شعر في ذلك، زعموا أن رافع بن عميرة قاله في كلام الذئب إياه وهو: رَعَيتُ الضَّأنَ أَحميها بكلبي ... من الضَّبَّ الخّفِيِّ وكلِّ ذِيبِ سَعيتُ إليهِ قد شمَّرتُ ثَوبي ... على الساقَينِ قاعِدةَ الرَّكيبِ فألفيتُ النبيَّ يقولُ قَولاً ... صَدوقاً ليسَ بالقَولِ الكَذوبِ
فبشَّرني بدِينِ الحقِّ حتى ... تَبيَّنَتِ الشَّريتةُ للمُنِيبِ وأَبصرتُ الضِّياءَ يضئُ حَولي ... أمامي إنْ سَعَيتُ ومِن جَنوبي ولرافع خبر في صحبته أبا بكر الصدِّيق في غزوة ذات السلاسل. وكانت وفاة رافع هذا سنة ثلاث وعشرين. روى عنه طارق بن شهاب والشعبي. وروي أنَّ رافع بن عميرة قطع ما بين الكوفة ودمشق في خمس ليال بخالد بن الوليد بمعرفته بالمفاوز. وقال الواقدي: مكلِّم الذئب أهبان بن أوس الأسلميُّ: وأسلم أهبان، ويكنى أبا عقبة، وكان من أصحاب الشجرة في الحديبية. ابتنى دارا بالكوفة في أسلم، ومات بها في صدر أيام معاوية والمغيرة بن شعبة يومئذ أمير لمعاوية عليها. وقال ابن قتيبة في " المعارف ": أهبان بن الأكوع أخو سلمة ابن الأكوع مكلِّم الذئب. وغلط ابن قتيبة في ذلك، وأصاب الواقدي. وعمِّر سلمة بن الأكوع عمرا طويلا. روى عنه ابنه إياس بن الأكوع ومولاه يزيد بن أبي عبيد. وروى عنه يزيد بن خصيفة. وقال يزيد بن أبي عبيد: قلت لسلمة بن الأكوع: على أيِّ شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت. قال يزيد: وسمعت سلمة بن الأكوع يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما بعث البعوث سبع غزوات. وقال عنه ابنه إياس: ما كذب أبي قطُّ. وروى إياس بن سلمة عن أبيه قال: بينا نحن قائلون نادى مناد: يأيها الناس، البيعة البيعة، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تحت شجرة، فبايعناه. فذلك قوله تعالى:) لقد رضيّ اللهُ عنِ المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرةِ ( وتوفي سلمة بالمدينة سنة أربع وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة، وهو معدود في أهلها. وتوفي ابنه إياس بن سلمة، ويكنى أبا بكر سنة عشرة ومئة
بالمدينة، وهو ابن سبع وسبعين سنة. وعمُّ سلمة عامر بن الأكوع: استشهد يوم خيبر، رجع عليه سيفه حين قاتل " مرحبا اليهوديَّ "، فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه. وفي الحديث طول، وفي تفضيل عامر بالشهادة قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه. قال: فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، بطل عمل عامر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال ذلك؟ ". قال قلت: ناس من أصحابك. قال: " كذب من قال ذلك، بل له أجره مرَّتين ". وفي حديث آخر: " كذب من قاله، إن له لأجرين ". وجمع بين أصبعيه: " إنه لجاهد مجاهد. قلَّ عربيٌّ مشى بها مثله " وفي حديث آخر: " كذبوا، مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين "، وأشار بأصبعيه. وهذه الأحاديث في صحيح مسلم. ومنهم حمزة بن عمرو الأسلميُّ: وهو من الصحابة الذين سألوه وسمعوا منه. مسلم: حدَّثنا قتيبة سعيد: نا ليث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلميُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر فقال: " إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر ". وروى مالك هذا الحديث عن هشام بن عروة، عن أبيه، ولم يذكر عائشة رضي الله عنها. ويكنى حمزة هذا أبا صالح، وقيل: يكنى أبا محمد. وهو حجازي، روى عنه أهل المدينة. وروى عن حمزة ابنه محمد، وروى عن محمد بن حمزة أبو الزناد. ومنهم هزَّال بن ذباب بن يزيد بن كليب ... رأى النبيُّ عليه السلام فخذه مكشوفة، فقال: " غطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة ". ومنهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي: واسم أبي حدرة سلامة بن عمير. وقيل: عبد بن عمير، من ولد هوازن بن أسلم بن أفضي. وهو وأبوه من الصحابة، وصحبة عبد الله معروفة مشهورة. وذكره ابن أبي خيثمة وغيره فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره مسلم في " كتاب طبقات الفقهاء " في أهل المدينة من الصحابة.
وأول مشاهد عبد الله بن أبي حدرد الحديبية ثم خبير وما بعدها. ومما روى ما ذكر ابن الجارود في المنتقي فقال: نا أبو سعيد الأشجُّ قال: نا المحاربيُّ قال: نا محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن أبى حدرد الأسلميِّ عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، وفي تلك السرية أبو قتادة الأنصاريُّ ومحلِّم بن جثامة بن قيس، وأنا فيهم. بينا نحن إذ مرَّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيُّ، فسلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه. ثم حمل عليه محلِّم بن جثامة فقتله، وسلبه بعيرا له ووطبا من لبن كان معه. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فينا القرآن:) يأيها الذين آمنوا إذا ضَربتم في سبيل الله فتَثَبَّتوا.... (إلى آخر الآية. قال المؤلف، وفَّقه الله: جاء نصُّ الكلمة من الآية في هذا الحديث) فتثبتوا (من التثبُّت، على قراءة حمزة والكسائي. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم) فتبيَّنوا (من التبيُّن. وقال غفر الله له: أبو سعيد الأشجُّ الذي روى عنه ابن الجارود هذا الحديث هو عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا سعيد، خرَّج عنه البخاريُّ ومسلم والتِّرمذيُّ. روى عن عقبة بن خالد وعبد الله بن ادريس وعبد السلام بن حرب. وقال مسلم في " الكنى ": أبو الأشجُّ الكنديُّ سمع أبا خالد الأحمر وعبد بنسليمان. وقال النسائيُّ: هو صدوق. وقال أبو حاتم: كوفيٌّ ثقة صدوق. وكانت وفاة عبد الله بن أبي حدرد سنة إحدى وسبعين، وهو يومئذ ابن إحدى وثمانين سنة، قال ذلك الواقدي. ومنهم ناجيةُ بن جندَب بن عمير بن يعمر بن عمرو بن واثلة بن سهم بن مازن بن أسلم بن أفصى. وهو معدود في أهل المدينة. قال ابن عفير: ناجية كان اسمه ذكوان، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية، إذ جنا من قريش. وقال ابن اسحاق: هو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهو الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية. وزعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول: أنا الذي نزلت في البير بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم أيّ ذلك كان. قال: وزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها، وناجية في القليب يميح على الناس. فقلت: يا أيّها المائحُ دَلْوي دونَكا ... إني رأيتُ الناسَ يَحْمدونَكا يُثْنون خيراً ويُمجِّدونكا وقال ناجية، وهو في القليب يميح على الناس: قد عَلمتْ جاريةٌ يمانِيَة أَني أنا المائحُ واسمى ناجِيَةْ وروى عن ناجية عروة بن الزبير أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع بما عطب من الهذي؟ الحديث نحو حديث ذؤيب أبي قبيصة الخزاعيِّ المتقدِّم. ومن بني ملكان بن أفصى، ثم من بني غبشان بن سليم بن ملكان ذو الشِّماليْنِ عُبيدُ بن عبد عمرو بن نضلة؛ شهد بدرا، وكان حليفا لبني زهرة. ومنهم نافع بن عبد الحرث بن حمالة بن عمير الخزاعيُّ: له صحبة ورواية. استعمله عمر بن الخطاب على مكة ثم عزله لمَّا استخلف مولاه عبد الرحمن بن
أبزي بدلا منه، وصار إلى ذكرت قصته مع عمر مستوفاة قبل هذا عند ذكر فهر بن مالك، فلذلك اقتضبتها هنا. ومنهم الحرثُ بن الطُلاطلة بن عمرو بن الحرث بن عبد عمرو بن ملكان ابن أفصى: وكان أحد المستهزئين الذين كفيهم النبي عليه السلام اشار جبريل عليه السلام إلى رأسه فامتخض قيحا فقتله. ومن بني مالك بن أفصى هند وأسماء، ابنا حارثة بن هند بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى. وكنية أسماء منهما أبو محمد. وهما من أهل الصُّفُّة. قال أبو هريرة: ما كنت أرى أن أسماء وهندا، ابني حارثة، إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول ملازمتهما بابه وخدمتهما إياه. وشهد هند وأسماء بيعة الرضوان مع إخوة لهما ستة، وهم: خراش، وذؤيب، وفضالة، ومالك، وحمران. ولم يشهدا إخوة في عددهم غيرهم. ولزم منهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم اثنان: أسماء وهند. ومات هند بن حارث بالمدينة في خلافة معاوية، وابنه يحيى بن هند روى عنه عبد الرحمن بن حرملة الأسلميُّ. ومنهم سليمان بن كثير: من نقباء بني العباس، قتله أبو مسلم بخرسان. ومن أسلم نيارُ بن مُكرم الأسلميُّ: ورواية. وهو أحد الذين دفنوا عثمان. روى عنه ابنه عبد الله بن نيار، وروى ابنه أيضا عن عروة بن الزبير عن عائشة حديث الرجل الذي أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم بحرة الوبرة حين خرج إلى بدر. خرَّج الحديث مسلم عن زهير بن حرب عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك، وعن أبي الطاهر بن السَّرح، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله بن دينار. ولم يرو عن مالك هذا الحديث في الموطأ يحيى بن يحيى الأندلسيُّ، ورواه عنه فيه معن بن عيسى وشهيد بن عفيد وعبد الله بن يوسف خاصة دون غيرهم.
مضر بن نزار
ومنهم أبو صالح حمزة بن مالك بن حمزة بن سفيان بن فروة الأسلميُّ..... روى عنه أبي، وسمع منه بالمدينة وكنت معه بها فلم يقص لي السماع منه روى عن عمه سفيان. مضر بن نزار ومضر شعب الرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا خلاف بين العلماء أن الصَّريح من ولد إسماعيل مضر وربيعة ابنا نزار بن معدِّ بن عدنان. وكان على دين إسماعيل عليه السلام. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله أختار من العرب هذا الحيَّ بن مضر. وقال أبن أبي خيثمة: نا ابن الاصبهاني: نا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسيُّ عن المثنى بن الصباح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: فال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف الناس فالعدل في مضر ". وذكره ابن سنجر في مسنده قال: نا محمد بن سعيد الاصبهانيُّ بإسناده مثله. وقال ابن أبي الخصال في قصيدته منهاج المناقب: وقال رسولُ الله: مهما اختلفتُمُ ... ولم تَعرفوا قَصد السبيل المُلجَّبِ ففي مُضرٍ جُرثومةُ الحقِّ فاعمدوا ... إلى مُضرٍ تُلْفوهُ ولم يَتَنقَّبِ وروي عن النبيِّ عليه السلام أنه سمع رجلاً ينشد: إني امرؤُ حِمْيريٌّ حين تَنْسُبني ... لا من ربيعةَ آبائي ولا مُضَرا فقال: " ذلك أبعد له من الله ورسوله ". وقال عليه السلام، وسئل عن مضرا فقال: " كنانة جمجمتها، وفيها العينان، وأسد لسانها، وتميم كاهلها ". وسأل زياد دغفلا عن العرب فقال: الجاهلية ليمن، والإسلام لمضر، والفتنة لربيعة. قال: فأخبرني عن مضر فقال: فاخِرْ بكنانة، وكاثر بتميم، وحارب بقيس، ففيها الفرسان والنجوم. فأمَّا أسد ففيها ذل ونكر. وقال الأبرش الكلبي لخالد بن
صفوان: هلمَّ أفاخرك، وهما عند هشام بن عبد الملك. قال له خالد: قل. فقال الأبرش: لنا ربع البيت يريد الركن اليماني، ومنا حاتم طيِّئ، ومنا المهلب بن أبي صفرة. قال خالد بن صفوان: منا النبيُّ المرسل، وفينا الكتاب المنزل، ولنا الخليفة المؤمَّل. قال الأبرش: لا فاخرت مضر يا بعدك. وولد مضر إلياس، وقد مضى ذكره وذكر من ولد. والنَّاس بن مضر وهو عيلان. وولد عيلان قيسا. هذا قول أكثر النسَّابين للعرب. قال الزبير بن بكار: ولد مضر إلياس بن مضر والناس بم مضر. فأما الناس فهو أبو قيس بن عيلان بن مضر، ولد قيسا، فهو قيس بن عيلان بن مضر، وقيس بن الناس بن مضر، لأن الناس كان يقال له عيلان. قال الزبير: وقد قيل: إن عيلان كان حاضنا لقيس، فنسب إليه كما نسب غير واحد إلى الحضان. منهم سعد حضنه هذيم فنسب إليه. وذكر جماعة كذلك. قال المؤلف، وفقه الله: سعدُ بن هُذَيم: هو سعد بن ليث بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. قال أبو عمر بن عبد البر في " الإنباء ": أكثر الناس على أن قيسا هو ابن عيلان بن مضر، وأن الناس هو عيلان، وهو ابن مضر لصلبه، وعلى ذلك جمهور أهل العلم بالنسب. ويشهد لذلك قول زهير بن أبي سلمى: إذا ابتدرتْ قيسُ بن عيلانَ غايةً ... من المجدِ من يَسْبقْ إليها يُسبَّق وهذا كثير في أشعارهم، وليس قول من قال إن الشاعر اضطرَّ إلى هذا بشيء. ومن إلياس بن مضر وهم خِندِفُ، والناس بن مضر وهم قيسٌ، تفرَّعت وتشعَّبت مضر كلها. ولا خلاف في أن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ولد ثلاث رجالٍ: عمرو بن قيس وخصفة بن قيسٍ، أمُّهم عاتكةُ
بنت قضاعة. إلا أن الكلبي قال في موضع خصفة بن قيس عكرمة بن قيس، وقال، خصفةُ أمُّ عكرمة. غلب على بنيها اسمها فنسنوا إليها فقالوا: عكرمة ابن خصفة، كما قيل في خندف. وهي امرأةً على ما تقدَّم من ذكرها. فولد عمرو ابن قيس بن عيلان بن مضر عدوان وفهماً، أمُّهما جديلةُ بنتً مُرٍّ أختُ تميم بن مر. وقيل: جديلةُ بنت مُدركة بن إلياس بن مضر وإليها نسب بنو ابنيها وهي جديلةُ قيسٍ، والنسب إليها جد لي. فمن عدوان، وإنما قيل له عدوانُ لأنه عدا على أخيه فهم فقتله عامر بن الظَّرب: حكمُ العرب بعكاظ وغيره، وهو صاحبُ الحكم في الخُنثى مع جاريته سُخيلة. وأبو سيَّارة الذي كان يفيض بالناس. وعدوانُ أنزلوا ثقيفاً الطائف، وكانت كثيرة السادة فتفرقوا ببغي بعضهم على بعض. وفي عدوان وعامر وأبي سيارة يقول ذو الإصبع العدوانيُّ: عَذيرَ الحيَّ من عَدْوا ... نَ كانوا حيَّةَ الأرضِ بَغَى بعضُهمُ بعضاً ... فلم يُرْعِ على بعضِ ومنهمْ كانتِ السادا ... تُ والموفونَ بالقَرضِ ومنهم مَن يُجيز النا ... سَ بالسنَّةِ والفَرضِ ومنهم حَكمٌ يَقْضى ... فلا يُنقضُ ما يَقْضى قوله: " ومنهم من يجيز الناسَ "، فالإفاضة من المزدلفة كانت في عدوان، يتوارثون ذلك كابراً عن كابر، حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلامُ أبو سيَّارة عُميلةُ بن الأعزل. ففيه يقولُ شاعرٌ من العرب:
نحنُ دَفعْنا عن أبي سيارهْ ... وعن مواليه بنى فَزَارَهُ حتى أجارَ سالماً حمارَهْ ... مُستقبِلَ القِبْلةِ يدعو جارَهْ ومن بنى فهم أبو ثورٍ الفهمي: له صحبةٌ. لا يُعرف اسمُه ولا اسمُ أبيه. حديثُه عند أهل مُضرّ يرويه ابنُ لهيعة عن يزيد بن عمرٍو وعنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُتي بثوٍب من معافر فقالأبو سفيان: لعن اللهُ هذا الثوب ولعن من عمله. فقال النبي عليه السلام: " لا تَلعنْهم فإنهم منى وأنا منهم ". ومنهم تأبط شراً: واسمُه ثابت بن جابر، وكان يُغيرُ وحده على رجليه. وكان أشدَّ العرب عدواً. وهو القائل في تأبُّطه الغول على زعمه: تقول سُليمى لجاراتهما ... أرى ثابتاً حَيْدَراً حَوْقَلا لها الويلُ ما وَجدتْ ثابتاً ... ألفَّ اليدينِ ولا زُمَّلا ولا رَعِشَ الساقِ عند الجِراءِ ... إذا بادرَ الحَمْلةُ الهَيْضَلا تَفوتُ الجيادَ بتقرِبها ... وتكسو هَوادِيَها القسطلا وأذهمَ قد جبَّ جِلبابُه ... كما اجتابتِ الكاعبُ الخَيعَلا إلى أنْ حَدا الصُّبحُ أثناءهُ ... ومزَّق جلبابَهُ الأَلْيَلا على شَيمِ نارٍ تَنَوَّرتُها ... فبتُّ لها مُدْبراً مُقْبِلا
وأصبحتِ الغولُ لى جارةً ... فيا جارتا أنتِ ما أهْوَلا! وطالبتُها بُضْعَها فالتوَتْ ... بوجهِ تَهوَّلَ فاستَغْوَلا عَظاءةُ قَفرٍ لها حُلَّتا ... نِ من وَرَقِ الطَّلح لم تُغُزَلا فمن سالَ أينَ ثَوتْ جارتى ... فإنَّ لها با للَّوى مَنزِلا وكنتُ إذا ما هَمَمْتُ اعتزمْتُ ... وأحر إذا قلتُ أنْ أفعلا ومن موالى فَهم الليثُ بن سعد أبو الحرث: الضري المحدَّث الفقيهُ العَدُلُ. أدرك من أشياخ مالكٍ كثيراً وروى عن الأئمة. وابنه شُعيب بن الليث: وخرَّج مسلم في الصحيح عن عبد الملك بن شعيب ابن الليث، عن أبيه، عن جده كثيراً. وكان الليث جواداً بماله. ويقال إن دخله في كل سنة كان خمسة آلاف دينار، وكان يفرِّقُها في الصلات، ويقوي بها طلبة العلم. وقال منصورُ بن عمار الواعظُ: أتيتُ الليث بن سعد فأعطاني ألف دينار، وقال: صُن عشرة ليلةً خلت من شعبان سنة خمسٍ وسبعين ومئة. وولد سعدُ بن قيس يعصر بن سعد، وقيل: أعصر بن سعد، وغطفان بن سعد. فولد يَعصُرُ غنيّاً وباهلة. وباهلة بنت صعب بن سعد العشيرة أختُ بجيلة من مذحج. ولدت لمعن بن أعصُر بنيه، وهو أبو باهلة. ونسب ولدٌ معنٍ إلى أمهم باهلة. وقيل أن باهلة ولدت سعد بن مالك بن يعصر بن مالك بن يعصر. فغلبت عليهم، ونُسبوا إليها. وولد أعصُرُ مُنبِّه بن أَعصُر وهم الطُّفاوة. أمهم، وإليها يُنسبون. وقيل: الطُّغاوةُ ثعلبةُ وعامر ومعاوية إخوة غني وباهلة، وكلُّهم بنو أعصر. فمن غنى أبو مَرْثد كَنازُ بن حضٍّ، ويقال: كناز بن حُصين بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عُبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جلاَّن بن غنم بن غنيِّ بن يعصر بن سعد بن قيس. وفي نسبه اختلافٌ تركته. وقيل: اسمُ أبي
مرثدٍ حضُّ بن كناز، والأول أشهر وأكثر. وهو حليفُ حمزة بن عبد المطلب وكان قربه. وآخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أبي مرثد وبين عُبادة بن الصَّامت السالميِّ الخزرجيِّ. وابنُه مَرثدُ بن أبي مرثدٍ حليفُ حمزة أيضاً، وهما من المها جرين، وشهدا جميعاً بدراً، قاله ابنُ اسحاق. وقال الواقديُّ: فيمن شهد بدراً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبو مَرثدٍ كناز بن الحُصين الغنويُّ وابنه مرثدبن أبي مرثدٍ حليفا حمزة بن عبد المطلب، من غني. واستشهد مرثد يوم الرجيع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وشهد أبو مرثد سائر المشاهد مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات سنة اثنتى عشرة في خلافة أبي بكر وهو ابنُ ستٍّ وستين سنةً. وكان فيما قيل رجلاً طوالاً كثير الشعر. وصحب الرسول عليه السلام ابو مرثدٍ وابنه مرثد وابن أبنه اُنيس بن مرثدٍ. وشهد أُنيسُ بن مرثدٍ هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحُنيناً، وكان عين النبي صلى الله عليه وسلم فيزوة حُنين بأَوطاس. ويقال إنه الذي قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هُريرة وزيد بن خالدٍ الجُهنيُّ: " واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجُمها ". وروي أنه أُنيس بن الضحاك الأسلميُّ. ومات أُنيسٌ في ربيع الأول سنة عشرين. روى عنه الحكم بن مسعود حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة وقيل إنه كان بين أنيس وبين أبيه مرثد إحدى وعشرون سنة. ومن غني قطبة بن العلاء بن المنهال أبو سفيان: سمع أباه وسفيان الثوريَّ. ومنهم طُفَيلُ الخيل، وقد ربع غنيا. وأبو طُفيل الغَنَوي الشاعر. وأما معن بن أعصر، وهو أبو باهلة فولد قتيبة بن معن، ووائل بن معن، وأوْدَ بن معن، وأبا عُلَيْم بن معن، ولجاوة بقيَّة. فمن بني قتيبة بن معن أبو أمامة الباهلي: واسمه صُديُّ بن عجلان. ولم
يعلم في اسمه اختلاف. وجعله بعضهم من بني سهم بن غَنْم بن قُتيبة، وخالفه غيره في ذلك. سكن أبو أمامة الباهليُّ مصر، ثم انتقل منها فسكن حمص، ومات بها. وكان ممَّن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر. وروى عنه جماعة من التابعين، منهم: سليم بن عامر الخبائريُّ، والقاسم أبو عبد الرحمن، وأبو غالب حزوَّرُ، وشرحبيل بن مسلم، ومحمد بن زياد. وأكثر حديثه عند الشاميين. وتوفي سنة إحدى وثمانين، وقيل سنة ستٍّ وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وكان يصفِّر لحيته. وشهد مع عليٍّ صفين، قال سفيان بن عُيينةَ: كان أبو أمامة الباهلي آخر من بقي بالشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: قد قبي بالشام بعده عبد الله بن بسر المازني، من مازن بن منصور أخي سليم وهَوازِنَ ابني منصور. مات سنة ثمان وثمانين. ومن بني سعد بن غَنم بن ثعلبة بن قتيبة بن معن بن أصر بنو أصمع رهط الأصمعي: وهو عبد الملك بن قُريب بن علي بن أصمع بن مظهَّر بن رياح بن عبد شمس بن أعيا بن سعد. وكان أبوه قد رأى الحسن وجالسه. وجدُّه عليُّ بن أصمع، وعاصم الجحدريُّ، وناجية بن مُخٍّ كان الحجَّاج وكَّلهم بتتبُّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كلَّ مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان رضي الله عنه، ويعطوا صاحبه ستين درهما. روى ذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ. قال: وفي ذلك يقول الشاعر: وإلا رسومَ الدار قَفْراً كأنها ... كتابٌ محاهُ الباهليُّ بنُ أَصمعا وكان الأصمعيُّ صاحب رواية غريب وشعر ونوادر اعراب وفكاهات وملحٍ يسامر بها الملوك والأشراف. وكان شديد التَّوخِّي لتفسير القرآن وحديث النبيِّ عليه السلام. لا يعلم أنه كان يرفع إلا أحاديث يسيرة، وصدوقا في غير ذلك من حديثه صاحب سنة واستقامة. ويكنى أبا سعيد، وولد سنة ثلاث وعشرين ومئة، وعمِّر نيِّفا وتسعين سنة وله عقب. وقال مسلم في الكنى: أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عليِّ بن الأصمع بن مطهَّر بن رياح الباهليُّ، سمع ابن عون ومسعرا وسليمان بن
المغيرة. وقال الموصليُّ الحافظ: كان الأصمعيُّ ضعيفا في الحديث. وقال في أبيه قريب: كان منكر الحديث. ومن بني وائل بن معن سلمان بن ربيعة الباهليُّ: كذا قال ابن قتيبة في " المعارف ". وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب ": سلمان بن ربيعة الباهليُّ أحد بني قتيبة بن معن، كوفيٌّ ذكره العقيليُّ في الصاحبة. وقال أبو حاتم الرازيُّ: له صحبة، وهو عندي كما قالا. كان عمر بن الخطاب قد قاضيا بالكوفة قبل شريح. فلما ولي سعد الولاية الثانية الكوفة استقضاه أيضا. قال أبو وائل: اختلفت إلى سلمان بن ربيعة حين قدم على قضاء الكوفة أربعين صباحا، لا أجد عنده فيها خصما. وكان يلي الخيل لعمر، فكان يقال له سلمان الخيل. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنَّى: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي، وهو بإرمينية، يأمره أن يفضِّل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء، فعرض الخيل، فمرَّ به فرس عمرو بم معد يكرب فقال له سلمان: فرسك هذا مقرف. فغضب عمرو فقال: هجين عرف هجينا مثله. فوثب إليه قيس بن مكشوح فتوعَّده. فقال عمرو هذه الأبيات: أتُوعدُني كأنك ذو رُعينٍ ... بأفضلِ عِيشةٍ أو ذو نُواسِ وكائِنْ كان قبلكَ من نَعيمٍ ... ومُلكٍ ثابتٍ في الناسِ رَاسِ قديمٍ عَهدُه من عَهدِ عادٍ ... عظيمٍ قاهرِ الجبروتِ قاسِ فأمسي أهلُه بادوا وأمسى ... يُحوَّلُ من أُناسٍ في أُناسِ وكان سلمان الأمير في غزاة بَلَنْجُرَ. ذكر ابن أبي شيبة قال: نا أبو بكر بن عياش. عن عاصم، عن أبي وائل قال: غزونا مع سلمان بن ربيعة
بلنجر، فحرَّج علينا أن نحمل على دوابِّ الغنيمة، ورخَّص لنا في الغربال والحبل والمنخل. قال: وحدثنا ابن ادريس أنه سمع أباه وعمَّه يذكران قالا: قال سلمان: قتلت بسيفي هذا مئة مستلئم، كلهم يعبد غير الله، ماقتلت منهم رجلا صبرا. وقتل سلمان بن ربيعة ببلنجر من بلاد أرمينية في زمن عثمان، وكان عمر قد بعثه إليها سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين. روى عنه عديُّ بن عديٍّ الكنديُّ أبو فروة والبراء بن قيس السَّكونيُّ وأبو وائل شفيق بن سلمة. وأخوه عبد الرحمن بن ربيعة: أدرك النبيَّعليه السلام بسنِّه ولم يسمع منه ولا روى. وكان أسنَّ من أخيه سلمان، وكان يعرف بذي النور، وقال الشَّعبي: لما وجه عمر سعدا على القادسية جعل على قضاء الناس عبد الرحمن بن ربيعة الباهليَّ ذا النور، وجعل إليه الأقباض وقسمة الفيء. وقتل ذو النور هذا ببلنجر في خلافة عثمان بعد ثماني سنين مضين منها. ومن بني وائل، ثم من بني هلال قتيبة بن مسلم، ويكنى أبا حفص. وهو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن أسيد بن زيد بن قضاعي من بني هلال ابن عمرو. وكان مسلم بن عمرو عظيم القدر عند يزيد بن معاوية، ويكنى أبا صالح. وفيه يقول الشاعر: إذا ماقريش خَلا مُلكُها ... فإن الخلافةَ في باهلَةْ لربِّ الحَرونِ أبي صالحٍ ... وما تلكَ بالسُّنَّة العادِلهْ والحرون فرسه. فولد مسلم بشارا وقتيبة وولد كثيرا. فأما بشار فكان أكبرهم، وهو صاحب نهر بشار. وكان سيِّد ولد مسلم حتى فسق عليه قتيبة. ولبشار عقب. وأما قتيبة بن مسلم فكان على خراسان عاملا للحجاج، ومن قبل ذلك على الرَّي. ثم خلع سليمان بن عبد الملك فقتل بفرغاتة سنة سبع وتسعين، وهو ابن خمس وأربعين سنة، قتله وكيع بن أبي سود التميميُّ في خلافة سليمان ابن عبد الملك. وفي قتله يقول الفرزدق من قصيدة طويلة:
وأَلقيتَ من كفَّيك حبلَ جماعةٍ ... وطاعةَ مَهْديٍّ شديدِ النَّقائمِ فإن تكُ قيسٌ في قُتيبةَ أُغضِبتْ ... فلا عَطستْ إلا بأجدعَ راغمِ وهل كانِ إلا باهلياً مُجدَّعاً ... طَغى فسقيناهُ بكأسِ ابن خازِمِ هو عبد الله بن خازم السُّلميُّ، ويكنى أبا صالح، وأمه سوداء يقال لها عجلى، وكان أشجع الناس، ولي خرسان عشر سنين، ثم ثار به أهلها فقاتلوه، فقتله وكيع بن الدَّورقيَّة السَّعديُّ التَّميميُّ. وكان قتيبة ولي خرسان ثلاث عشرة سنة، فافتتح خوارزم وسمرقند وبخارى. وقد كانوا كفروا. وولد قتيبة كثير منهم سلم بن قتيبة: ولي البصرة مرتين؛ مرة لابن هُبيرة ومرة لأبي جعفر، وكان سيد قومه. ومات بالرَّي. وكنيته أبو قتيبة. وولد سلم جماعة منهم سعيد بن سلم: وولي أرمينية والموصل والسِّند وطبرستان وسجستان والجزيرة. وولده كثير. وكان من الأجواد. ومدح وهجي، ولم يكن أهلا للهجاء لكرم سجيته وطهارة طويَّته. والشاعر ربَّما مدح على الأدنى من الأغراض، وهجا على اليسير من الإغراض، فيبقى ذكرهما في الأعقاب مدى الأحقاب. والعاقل من وقى عرضه شاعر دي لَسَن بصلة وقول حسن. وقد أوصى بوقاية العرض خاتم الأنبياء، المختصُّ بالمقام المحمود واللواء الذي رفع الله ذكره ومكانه، وأولاه حبَّه. وحشا بعد الشقِّ حكما وعلما قبله. قال أمير المؤمنين الرشيد يوما لسعيد بن سَلْم: يا سعيد، من بيت قيس في الجاهلية؟ قال: يا أمير المؤمنين، بنو فَزارة. قال: فمن بيتهم في الإسلام؟ قال: يا أمير المؤمنين، الشريف من شرَّفتموه. قال: صدقت أنت وقومك.
وحدَّث عليُّ بن القاسم بن عليِّ بن سليمان الهاشميُّ قال: حدثني رجل من أهل مكة قال: رأيت في منامي سعيد بن سلم في حياته في نعمته وكثرة عدد ولده وحسن مذهبه وكمال مروءته. فقلت في نفسي: ما أجلَّ ما أعطيه سعيد بن سلم! فقال لي قائل: وما ذخر الله له في الآخرة أكثر. وكان سعيد في رأس كلَّ سنة من سنيه منذ ولي الولايات إلى أن مات يعتق نسمة، ويتصدَّق بعشرة آلاف درهم. قال سعيد بن سلم: عرض لي أعرابي فمدحني فبلَّغ فقال: ألا قلْ لساري الليل: لا تَخشَ ضَلَّةً ... سعيدُ بن سلمٍ ضوءُ كلِّ بلادِ لنا سيِّدٌ أَربى على كلِّ سَيدٍ ... جَوادٌ حَناً في وجهِ كلِّ سَوادِ قال: فأخَّرت: عن بِرِّة قليلا، فهاجني فبلَّغ فقال: لكلِّ أخا مَدحٍ ثوابٌ عَلمتُهُ ... وليس لمدْح الباهليِّ ثَوابُ مَدحتُ ابنَ سَلمٍ والمديحُ مَهزَّةٌ ... فكانَ كصفْوانٍ عليهِ تُرابُ وقال أبو الشَّمقمق: واسمه مروان بن محمد، وكان خبيث اللسان، يهجو سعيد بن مسلم: هَيهاتَ تَضرِب في حديدٍ باردٍ ... إن كنتَ تطمعُ في نَوالِ سَعيدِ
تاللِهِ لو مَلك البحوَر بأسرها ... وأَنساهُ َسلمٌ في َزمانِ مُدودِ َيبْغيهِ منها َشربهً لطَهورهِ ... لأبي، وقال: تَيمَّمَنْ بصَعيدِ وقال فيه وفي مالك بن عليَّ الخزاعي قال لي الناسُ: زَرْ سعيَد بن سَلمٍ ... قلتُ للناسِ: لا أَزورُ سَعيدا ولنعمَ الفتَى سعيدٌ ولكنْ ... مالكٌ أكرَمُ البريَّة عوداً قال سعيد: لوددت أنه لم يكن ذكرني مع مالك، وأخذ مني أمنيَّته. وأنشد المازنيُّ النحويُّ أبو عثمان بكر بن محمد في باهلة: ترى الباهليَّ على خُبزه ... إذا رامَهُ آكِلٌ آكِلَهْ وأنشد رجل من عبد القيس: أبا هل ينْبحُني كلبُكُمْ ... وأسْدُكمُ ككلاب العربْ ولو قيلَ للكلبِ: ياباهليُّ ... عَوى الكلبُ من لؤِم هذا النَّسبْ وقال أحمد بن يوسف الكاتب لولد سعيد بن سلم: أبَني سعيد إنكم من مَعشرٍ ... لايَعرفون كرامةَ الأضيافِ
قومٌ لباهلةَ بن َيعصرَ إنْ همُ ... نُسِبوا حسِبْتَهمُ لعبدِ َمنافِ قَرنوا الغَداءَ إلى العَشاءِ وقَرَّبوا ... زاداً، لعَمرُ أبيكَ ليس بكافِ وكأننَّي لمَّا حَططتُ إليهمُ ... رَحلى نزلتُ بأبْرقِ العَرَّافِ وقال عبد الصَّمد بن المعذَّل يرثى سعيد بن مسلم كم يتيمٍ جَبَرْتَه بعد يُتْيمِ ... وفقيرٍ نَعشْتَهُ بعدَ عُدْمِ كلَّما عضتِ الحوادثُ نادى: ... رضيَ اللهُ عن سَعيدِ بن سَلْمِ وحدَّث عليُّ بن قاسم بن عليِّ بن سليمان بن عليِّ بن عبد الله بن عباس ابن عبد المطلب قال: حججنا مع أبي جَزْءِ بن عمرو بن سعيد، وكنا في ذراه، وهو إذ ذاك بهيٌّ وضيء. فجلسنا في المسجد الحرام إلى قوم من بني الحرث ابن كعب، لم نر أفصح منهم، فرأوا هيبة أبي جَزْء وإعظامنا إياه مع جَمالهِ. فقال قائل منهم. أمن أهل بيت الخليفة أنت؟ قال: لا، ولكن رجل من العرب. قال: ممَّن الرجل؟ قال: رجل من مضر. قال: أعرض ثوب الملبس. قال: من أيِّها عافاك الله؟ قال: رجل من قيس. قال: أين يراد بك.... قال: رجل من بني سعد. قال: اللهم غفرا، من أيها عافاك الله؟ رجل من بني يعصر. قال: ومن أيها؟ قال: رجل من باهلة. قال: قم عنا. قال أبو قِلابة: فأقبلت على الحارثي فقلت: أتعرف من هذا؟ قال: ذكر أنه باهليٌّ قال: قلت: هذا أميرُ بن أميرِ بن أمير بن أمير بن أمير. قال: حتى عددت خمسة. ثم قلت هذا أبو جَزْء
أمير، ابن عمرو وكان أميرا، ابن سعيد وكان أميرا، ابن سلم وكان أميرا، ابن قتيبة وكان أميرا. فقال الحارثي: الأمير أعظم أم الخليفة؟ قلت: بل الخليفة. قال: فالخليفة أعظم أم النبيُّ؟ قال: قلت بل النبيُّ. قال: فوالله لو عَددْتَ له في النبوَّة أضعاف ماعددت له في الإمرة، ثم كان من باهلة ماعبأ الله به شيئا. قال: فكادت نفس أبي جزء تخرج. فقلت انهض بنا فإن هؤلاء أسوأ الناس أدبا. وروي أن أعرابيا لقي رجلا من الحاج فقال له: ممَّن الرجل؟ قال: باهلي. قال: أعيذُك بالله من ذاك. قال: 'ي والله وإني مع ذلك مولى لهم. فأقبل الأعرابيُّ يقبِّل يديه، ويتمسَّح به. فقال الرجل: لم تفعل هذا؟ قال: لأني أثق بالله أنه لم يَبْتِلك بهذا في الُّدنيا إلا وأنت من أهل الجنة. ومن بني وائل سَحبانُ البليغ: وكان خطيبا فصيحا، فضرب به المثل. قال الشاعر في ضيف نزل به: أتانا ولم يَعدْ لهُ سحبانُ وائلٍ ... بَياناً وعِلماً بالذي هو قائلُ فما زالَ عنه اللَّقمُ حتى كأنه، ... من العِيِّ لما أ، تَكلَّمَ، باقِلُ وابنه عجلان بن سحبان الذي يقول في طلحة الطَّلحات: منكَ العطاء فأَعطِني ... وعليَّ مدحُك في المشاهِدْ ومن باهلة الهِرْماسُ بن زياد: يكنى أبا حُدير، سكن البصرة، وطال عمره. روى عنه عكرمة بن عمار قال: حدثني الهرماس بن زياد الباهليُّ قال:
أبصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبيٌّ قد أردفني أبي وراءه على جمل. ورأيته يخطب على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنِّى. قال: ومددت يدي إلى النبي عليه السلام وأنا غلام ليبايعني، لفم يبايعني. ومن الطُفاوة أبو المنذر محمد بن عبد الرحمن الطفاويُّ: سمع أيوب السَّختيانيَّ وهشام بن عُروة والأعمش. ومن بني أوْدِ بن معن أمُّ الأحنف بن قيس: واسمها حُبَّى بنت عمرو بن ثعلبة. وفي مَذْحج أودُ بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدَد. ومالك هو مَدحج، وإنما سمِّي سعد العشيرة لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده ثلاثمئة رجل. ومن أودِ مَذْحج عمرو بن ميمون الأوديُّ: أبو عبد الله، من كبار التابعين الكوفيين. أدرك النبيَّ عليه السلام، وكان مسلما في عهده، وأدَّى الصدقة إليه. قال عمرو بن ميمون: علينا معاد الشام، فلزمته. فما فارقته حتى دفنته، ثم صحبت ابن مسعود. ويروى أنَّ عمرو بن ميمون حجَّ ستِّين بين حجَّة وعمرة. ومات سنة خمس وسبعين. وسمع أيضا من عمر، وروى عنه أبو اسحاق عمرو السَّبيعيُّ وغيره. ومن أود مذحج أيضا أبو محمد عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأوديُّ: سمع أباه ومالك بن أنس وغيرهما من أئمة الحديث. وهو الذي سمع مالكا يقول في ابن اسحاق إنه دجَّال من الدَّجاجلة. وروى أبوه أبو عبد الله إدريس عن أبيه يزيد وعلقمة بن مَرْثد. روى عنه ابنه عبد الله والثَّوريُّ وجرير ابن حازم الأزديُّ. وروى جدُّه أبو داود يزيد بن عبد الرحمن عن علي وأبي هُريرة. روى عنه ابناه إدريس وداود. وأمَّا أبو عُلَيم بن معن بن أعصر فكان لبنيه عدد بالجزيرة منهم بكر بن معاوية صاحب ديوان الجند. وكان من قوّاده ابني جعفر.
ومن باهلة غير منسوب إلى بطن منها سُويد بن حُجَير الباهليُّ أبو قَزَعة: سمع الحسن وأبا نَضرة. وأمَّا غطفان بن سعد بن قيس بن غيلا ن فولد ريثا، وولد ريث أشجع وبغيضا، فولد بغيض ذبيان وعبسا وأنمارا. فمن بني أشجع بن ريث مَعْقِلُ بن سنان الأشجعيُّ: شهد الفتح من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي إلى يوم الحرة فقتله مسلم بن عقبة يومئذ، وتولى قتله نوفل بن مساحق لأنه سمعه قديما يذكر يزيد بن معاويه بشرب الخمر، ويطن عليه، فحقد ذلك عليه. وقال فيه يومئذ بعض أشجع من أبيات: ألاتِلكم الأنصار تبكى سراتها ... وأشجع تبكى معقل بن سنان ومنهم عوفُ بن مالك بن أبى عوف بن مالك بن أبى عوف الأشجعي، يكنى أبا عبد الرحمن. ويقال: أبا عمرو. وأول مشاهدهِ خيبرُ، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح. سكن الشام، وعمر، ومات في خلافة عبد الملك. ومنهم سعد بن طارق بن أشيم أبو مالكٍ الأشجعي من التابعين. ولأبيه طارق صحبة ورواية. خرج عنه مسلم فقال: حدثنا سعيد بن أزهر الواسطيُّ قال: نا أبو مالك الأشجعيُّ عن أبيه، قال: كان الرجل إذا أسلم عملَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: " اللهمَّ اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني ". مسلم: عن أبي مالك، عن أبيه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأتاه رجل فقال: يارسول الله، كيف أقول حين أسأل ربِّي؟ قال: " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك ". وروى عن أبي مالك الأشجعيُّ وشعبة ومروان الفزاريُّ وعبد الواحد بن زياد.
ومنهم نَوفل بن فَروةَ الأشجعيُّ: له صحبة، ونزل الكوفة. ولم يرو عنه غير بنيه فروة وعبد الرحمن وسحيم. خرج مسلم عن فروة ابنه، عن عائشة في صحيحه. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى واسحاق بن إبراهيم " واللفظ ليحيى " قالا: أخبرنا جرير عن منصور، عن هلال، عن فروة بن نوفل الأشجعيِّ قالت: سألت عائشة عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الله قالت: كان يقول: " اللهم إنِّي أعوذ بك من شرِّ ما عملت ومن شرِّ ما أعمل ". ومنهم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعيُّ: أسلم في الخندق، وهو الذي خذَّل المشركين وبني قُريظة حتى صرف الله المشركين بعد أن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم تر، وخبره بذلك في السرِّ عجيب. سكن نعيم المدينة، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه. روى عنه ابنه سليم بن نعيم. ومن أشجع نصر بن دُهْمانَ: وكان من المعمَّرين. عاش مئتي سنة. وولد ذبيان فزارة وسعدا. فمن بني لأي بن شَمْخ بن فزارة سَمُرةُ بن جُنْدَب بن هلال الفزاري: يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله. وقيل أبو سليمان، وقيل يكنى أبا سعيد. سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر. فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقرَّه معاوية عليها عاما أو نحوه، ثم عزله. وكان شديدا على الحرورية. كان إذا أُتَي بواحد منهم قتله ولم يُقِلْهُ، ويقول: شرُّ قتلى تحت أديم السماء يكفِّرون المسلمين ويسفكون الدِّماء. فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه. وكان الحسن وابن سيرين وفضلاء أهل البصرة يُثنون عليه، ويحملون عنه. وقال ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير. وقال الحسن: تذاكر سمرة وعمران بن حصين فذكر سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سّكْتَتين؛ سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرع من قراءة " ولا الضالِّين ". فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين، فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبيِّ بن كعب. فكان في جواب أبيٍّ أن سمرة قد صدق وحفظ.
حدَّث أحمد بن زهير: نا أحمد بن حنبل: نا عبد الصَّمد: نا أبو هلال: نا عبد الله بن صبيح، عن محمد بن سيرين قال: كان سمرة ما علمت عظيم الأمانة، صدوق الحديث، يحب الإسلام وأهله. وحدَّث محمد بن أبي عدي " واسم أبي عدي إبراهيم " قال: أجبرني حسين المعلِّم عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت سمرة بن جندب يقول: قد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما. فكنت أحفظ عنه، وما يمنعني من القول إلا أنَّ هاهنا رجالا أسنّ مني. ولقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة " ماتت " في نفاسها، فقام عليها للصلاة وسَطَها. روى عنه الحسن والشعبي وعليُّ بن ربيعة الوالبيُّ الأسديُّ ابو المغيرة وقدامة ابن وَبْرةَ. وقال الواقديُّ. سَمُرةُ بن جندب الفَزاريُّ حليف للأنصار، يكنى أبا سعيد. قال ابن هشام: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سَمُرةَ بن جندب الفزاريَّ ورافع بن خديج أحد بني حارثة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ردَّهما. فقيل له: يا رسول الله، إنَّ رافعا رامٍ، فأجازه. فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا، فأجازه. وكان سمرة من الحفَّاظ المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت وفاته بالبصرة سنة ثمان وخمسين. سقط في قدر مملوءة ماء حارَّا، كان يتعالج بالقعود عليها من كُزاز شديد أصابه. فسقط في القدر الحار، فمات. كان ذلك تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة، وثالث معهما: " آخركم.... موتا في النار ". ومن بني ثعلبة بن عديِّ بن فزارة عُيينةُ بن حصن بن حذيفة بن بدر: كان اسمه حذيفة، فأصابته لَقْوهٌ فجحظت عيناه، فسُمَي عُيينة، ويكنى أبا مالك. وجدُّه حذيفة بن بدر سيِّد غطفان. وكان يقال له: ربَّ مَعَدً. وكذلك ابنه حِصن، قاد أسدا ووغطفان. وقتل بنو عبس حذيفة، وقتل بنو عُقيل حِصنا. وعُيينةُ هو الذي أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فكان
من أجلها غزوة ذي قَرَد. وكان من المؤلَّفة قلوبهم. أسلم بعد الفتح، وقيل قبل الفتح. وشهد الفتح مسلما، وارتدَّ حين ارتدَّت العرب، ولحق بطليحة بنن خويلد الأسديِّ حين تنبَّأ وآمن به. فلما هُزم طليحة وهرب أخذ خالد بن الوليد عُيينة بن حصن، فبعث به إلى أبي بكر في وثاق، فقدم به المدينة فجعل غلمان المدينة ... بالجريد ويضربونه ويقولون: أيْ عدوَّ الله، كفرت بعد إيمانك. فيقول: والله ما كنت آمنت. ولما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام، فقبل منه، وكتب له أمانا، وكان من الأعراب الجفاة ذكر ... حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء عُيينة بن حصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة. فقال: من هذه؟ وذلك قبل أن ينزل الحجاب. قال: " هذه عائشة ". قال: أفلا أنزل لك عن أمُّ البنين وتنكحها؟ فغضبت عائشة وقالت: من هذا؟ قال: " هذا أحمق مُطاع "، يعني في قومه. وفي غير هذه الرواية في هذا الخبر أنه دخل النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغير إذن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأين الإذن؟ ". فقال: ما استأذنت على أحد من مُضر. وكانت عائشة مع النبيِّ عليه السلام جالسة. فقال: من هذه الحميراء؟ فقال: " هذا أحمق مُطاع "، وهو على ما ترى سيِّد قومه. وكان عيينة يُعدُّ في الجاهلية من الجرّارين، يقود عشر آلاف. وتزوَّج عثمان ابنته فدخل عليه يوما فأغلظ له. فقال له عثمان: لو كان عمر ما أقدمت عليه بهذا. فقال: إن عمر أعطانا فأغنانا وأخشانا فأتقانا. وقال ابن قتيبة في " المعارف " إنَّ عُيينة دخل على عثمان في خلافته، فقال له: يابن عفَّان، سِرْ فينا بسيرة عمر بن الخطاب، فإنه أعطانا فأغنانا وأخشانا فأتقانا. فقال له عثمان: أما والله على ذلك ما كنت بالراضي بسيرة عمر، هل لك إلى العشاء؟ قال: إني صائم. قال: أمُواصل أنت؟ قال: وما الوصال؟ قال: تصوم يومك وليلتك ويومك حتى تُمسيَ. قال: لا ولكنِّي وجدت صيام الليل أيسر عليَّ من صيام النَّهار.
وعُيينة هو الذي أغار على سوق عُكاظ، فهو الفِجار الثاني. وله عقب. وعَمِيَ في آخر خلافة عثمان. وروى أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي وائل قال: سمعت عُيينة بن حِصن يقول لعبد الله: أنا ابن الأشياخ الشُّمِّ. فقال له عبد الله: ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فسكت. وكان له ابن أخ له دين وفضل، وهو الحرُّ بن قيس بن حصن. قال سفيان بن عُيينة عن الزهريِّ: كان جلساء عمر بن الخطاب أهل القرآن شبابا وكهولا. قال: فجاء عيينة الفزاريُّ، وكان له ابن أخ من جلساء عمر، يقال له: الحرُّ بن قيس. فقال لابن أخيه: ألا تدخلني على هذا الرجل؟ قال: إني أخاف أن تتكلم بكلام لايَنْبغي. فقال: لا أفعل، فأدخله على عمر. فقال: يابن الخطاب، والله ما تقسم بالعدل، ولا تعطي الجزل. قال: فغضب عمر غضبا شديدا، حتى همَّ أن يُوقِعَ به. فقال ابن أخيه: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله يقول في كتابه:) خذِ العفوَ وأْمر بالعُرف وأَعرض عن الجاهلين (، وإنَّ هذا من الجاهلين. قال: فخلَّي عنه عمر. وكان وقافا عند كتاب الله، هكذا ذكر هذا الخبر الحافظ ابن عبد البرِّ في الاستيعاب. وقال البخاري: حدثنا اسماعيل قال: حدثني ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس قال: قدم عُيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس، وكان من النَّفر الذين يُدْنيهم عمر. وكان القُراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا أو شبابا. فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير، فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن لعيينة. فلما دخل قال: يابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همَّ بأن يقع به. فقال الحرُّ: يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:) خذِ العفوَ، وأمر بالعُرف، وأَعرِض عن الجاهلينّ (فوالله ما تجاوزها عمر حين تلاها عليه. وكان وقَّافا عند كتاب الله. والحرُّ بن قيس هذا هو الذي تمارى مع ابن عباس في صاحب موسى. فقال
ابن عباس: هو الخضر. فمرَّ بهما أبيُّ بن كعب الأنصاري.. الحديث، ذكره مسلم. ومن بني عديِّ بن فزارة عمر بن هُبيرة الفزاريُّ: وجدُّه من قبل أمِّه كعب ابن حسان بن شهاب رأس بني عديٍّ في زمانه، أعمى عديَّ الرِّباب. وفي منزله اختلفت الرِّباب. وولي عمر بن هبيرة العراقين ليزيد بن عبد الملك ستَّ سنين. وكان يكنى أبا المثنَّى. وفيه يقول الفرزدق ليزيد: أميرَ المؤمنينَ وأنت والٍ ... شَفيقٌ لستَ بالوالي الحريصِ أَأَطعمتَ العراقَ ورافديهِ ... فَزارياً أحذَّيدِ القميصِ؟ تفهَّقَ بالعراقِ أبو المثنَّى ... وعلَّم قومَهُ أكلَ الخبيصِ ولم يكُ قبلَها راعي مَخاضٍ ... ليأمنَهُ على وَرِكيْ قلوصِ وكانت بنو فزارة ترمَي بغَشَيان الإبل، ولذلك قال ابن دارة: لا تأمننَّ فَزارياً خَلَوثَ بهِ ... على قَلوصِكَ واكتُبْها بأَسيارِ
فلما عُزل ابن هبيرة حبسة خالد بن عبد الله القَسْريُّ قال الفرزدقُ: لَعَمري لئن نابَتْ فَزارة نوبةً ... لَمِن حَدَثِ الأيام تحبِسُها قَسْرُ لقد حبسَ القَسريُّ في سجنِ واسطٍ ... فتًى شَيْظمياً لا يُنَهنِهُه الزَّجرُ فتًى لم تُربِّيهِ النَّصارى ولم يكن ... غِذًى له لحمُ الخنازيرِ والخمرُ وقال الفرزدق لابن هُبيرة حين نُقبَ له السجن. فسار تحت الأرض هو وابنه حتى نفذ بطنها: لمَّا رأيتَ الأرضَ قد سُدَّ ظهرُها ... فلم يَبقَ إلا بطنُها لكَ مَخْرَجا دَعَوتَ الذي ناداهُ يونُسُ بعدَما ... ثَوى في ثلاثٍ مُظْلماتٍ ففرَّجا فأَصبحتَ تحت الأرضِ قد سِرتَ سَيْرةً ... وما سارَ سارٍ مثلَها حينَ أَدْلجا خرجتَ ولم يَمنُنْ عليك طَلاقةً ... سِوى رَبِذِ التقريب من نَسْل أعْوَجا فقال ابن هبيرة: ما رأيت أشرف من الفرزدق هجاني أسيرا ومدحني أسيرا. وابنه يزيد بن عمر بن هبيرة: ولي العراقين لمروان بن محمد خمس سنين. وكان شريفا كريما جميل المرأة، عظيم الخطر، وكان أبو جعفر المنصور حصر
يزيد بواسط شهورا، ثم أمنه. وافتتح البلد صلحا، وذلك في أيام أخيه أبي العباس. وكان يزيد يركب إليه في أهل بيته. فكان أبو جعفر يقول: لا يَعِز مُلْكٌ هذا فيه، ثم قتله بعد الأمان العظيم الذي عقد له. ومن بني مازن بن فزارة هرممُ بن قطبة بن سيَّار الذي تحاكم إليه للمنافرة علقمة بن عُلاثة وعامر بن الطفيل الجعفريان. فقال: أنتما يا بْنَيْ جعفر كَركْبتَيِ البعير تقفان معا. ولم يُنفِّر واحد منهما على صاحبه. ومن مازن فزارة زُميل بن أبرد: وهو قاتل ابن دارة، أحد بني عبد الله بن غطفان حين هجاه وهجا فزارة. قال الزبير بن بَّكار: وهو سالم بن دارة. وكان اسم دارة مُسافع. فقال الزبير: أخبرني محمد بن الضحاك عن أبيه قال مسافع أبو سالم لزميل بعد أن أمن: ويحكَ يا زُميلُ، لم قتلت سالما؟ فقال: أحرقني بالهجاء. قال: أنت أشعر الناس حيث تقول: أجارتنا....... ومن يكُ رهناً للحوادثِ يَغلَقِ ومن بني ظالم بن فزارة نَعامةُ الذي كان يُحمَّقُ، واسمه بَيْهَسُ وهو القائل الكلمات الأربع التي ذهبت كلها أمثالا: أولها: " لكنْ على بَلدَح قوم عَجْفَى ". والثانية: " لكن بالأَثَلاثِ لحم لا يظلَّل ". والثالثة: " الثكْلُ أرأمُها ولداً ". والرابعة: " لو خُيِّرتُ لاخْتَرتُ ". ولهذه الكلمات خبر مشهور ذكره أبو عبيد في الأمثال عن المفضَّل الضبِّي.
ومن مازن فزارة منظور بن زبَّان بن سيَّار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سُمَيِّ بن مازن بن فزارة. وكانت مُليكةُ بنت سنان بن حارثة المُرِّي أخت هرم بن سنان تحت أبيه زبَّان بن سيار، فتزوَّجها بعده ابنه منظور، فولدت له خولة بنت كنظور وهاشم بن منظور. فتزوَّج الحسن بن علي بن أبي طالب خولة، فولدت له حَسنَ بن حسن، ثم خلف عليها بعده محمد بن طلحة بن عبيد الله، فجاءت بإبراهيم بم محمد، وهو الأعرج. وكانت لمنظور بنت أخرى كانت تحت عبد الله بن الزبير، وهي التي يقول فيها الفرزدق حين نشزت عليه النَّوارُ زوجُه. فهربت إلى مكة مستجيرة بابن الزبير، وهو يومئذ خليفة: أمَّا البنونَ فلم تُقْبلْ شَفاعتُهُمْ ... وشُفِّعتْ بنتُ منظورِ بن زَبَّانا ليس الشفيعُ الذي يأتيكَ مُؤتَزراً ... مثلَ الشفيع الذي يأتيكَ عُريانا ومن فزارة أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء بن خارجة الفزاري: وكان خيِّرا فاضلا. سمع الأوزاعيَّ والثوريَّ، وروى عنه الوليد بن مُسلم وأبو أسامة وغيرهما. ومات بالمصِّيصة سنة ثمان وثمانين ومئة. وأبو جدِّه أسماء بن خارجة أبو حسَّان: سمع عليا، وروى عنه عليُّ بن ربيعة. ومنهم الربيع بن ضَبُعٍ الفزاريُّ: وكان من المعمَّرين. ذكروا أن الربيع ابن ضبع الفزاريَّ قدم الشام على معاوية بن ابي سفيان، فدخل عليه بعض ولده زعموا أنه من حَفَدتهِ، فقال له معاوية: اقعد ياشيخ. فقال له: وكيف يقعد من جدُّه بالباب؟ قال له معاوية: فأنت إذا من ولد الربيع بن ضبع الفزاريِّ؟ قال: أجل. فأمره بالدخول. فلما دخل عليه، واطمأن به مجلسه سأله معاوية عن سنِّه وحاله فأنشد هذه الأبيات:
هأَنذا آمُلُ الحياةَ وقد ... أَدركَ سنِّي ومَولدي حُجْرا أبا امرىءِ القيس قد سمعتَ به ... هَيهاتَ هيهاتَ طال ذا عُمُرا أصبحتُ لا أَحملُ السلاحَ ولا ... أَملِكُ رأسَ البعير إن نَفَرا والذِّيبَ أخشاهُ إن مررتُ به ... وحدى، وأخشى الرِّياحَ والمطرا مِن بعدِ ماقُوَّةٍ أُسَرُّ بها ... أصبحتُ شَيخاً أُعالِجُ الكِبَرا وقال أيضا في طول عمره: إذا كان الشتاءُ فأَدفِئوني ... فإنَّ الشيخَ يَهْدِمُه الشِّتاءُ فأَمَّا حينَ يذهَبُ كلُّ قُرٍّ ... فسِرْ بالٌ رقيقٌ أو رداءُ إذا عاش الفَتى مئتينِ عاماً ... فقد ذهبَ المَسرَّةُ والفَناءُ ومنهم عبد الله بن مُسْعدةَ بم مسعود بم قيس الفزاري: يعرف بصاحب الجيوش، لأنه كان أميرا عليها في غزوة الروم لمعاوية. روى عنه عثمان بن أبي سليمان، يعدُّ في الشاميِّين. وفيه يقول بعض أصحاب معاوية: أَقِمْ يابْنَ مَسعودٍ فتاةً صَليبةً ... كما كان سفيانُ بن عَوفٍ يُقيمُها
وسفيان بن عوف المذكور غامديٌّ أزدي. وهو الذي ذكره علي رضي الله عنه في خطبته، حين خطب الناس بالنُّخيلة من العراق على ربوة فقال فيه: " هذا أخو غامد قد وردت خيلُه الأنبار ". وتأتي الخطبة بكمالها بعد في خطب عليٍّ عليه السلام والرضوان. وأعطى معاوية سفيان بن عوف عهدهُ على بعض الجيوش، ثم قال له: كيف تصنع بعهدي؟ قال: أجعلُهُ إماما ما صاحب الحزْمَ، فإذا فارق الحزم تركته، ثم أجتهدُ رأيي. فقال له معاوية: مثلك يُولَّى. ومن بني عمرو بن سعد بن ذبيان بَسبَسُ بن عمرو بن ثعلبة بن خَرَشة ابن عمرو بن سعد بن ذبيان الذِّبياني ثمَّ الأنصاريُّ، حليف لبني طريف بن الخزرج، ويقال: بسَبس بن بِشرٍ. شهد بدرا، وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عديِّ بن أبي الزَّغباء ليعْلَما عِيرَ أبي سفيان بن حرب. ولبسبس هذا يقول الراجز: أَقِمْ لنا صُدورَها يابَسْبَسُ ليس بذي الطَّلْحِ لها مُعَرسُ ليس بذي الطَّلْحِ لها مُعَرسُ ولا بصحراءِ عُميرٍ مَحْبِسُ إنَّ مطايا القوم لا تُحبَّسُ فحمْلُها على الطريق أكْيَسُ قد نَصرَ اللهُ وفرَّ الأَخْنَسُ ومن بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان شمَّاخ ومُزَرِّد ابنا ضِرار، وكانا شاعرين. ومن بني غَيطِ بن مُرَّةَ بن عوف بن سعد بن ذبيان النابغة الذبياني: واسمه زياد بن معاوية بن جابر بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيط بن مُرَةَ. وهرمُ ابن سنان الجواد. وأخواه خارجة بن سنان وعوف بن سنان، وابن أخيهم
عبس بن بغيض
الحارث بن عوف صاحب الحمالة في حرب دابس. وقد تقدَّم ذكر غيرهم من بني مُرة بن عوف عند ذكر عوف بن لؤي بن غالب بن فهر. عبس بن بغيض فمن عبس بن بغيض ثم من بني قُطيعة بن عبس حُذيفةُ بن اليَمان: واليمانُ لقبه، واسمه حُسَيل. ويقال: حِسلُ بن جابر عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحرث بن مازن بن قُطيعة بن عبس القُطعيُّ العبسيُّ. وحذيفة صاحب بن صاحب. ولم يشهد أبوه بدرا. مسلم: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا أبو أسامة عن الوليد بن جميع قال: نا أبو الطفيل قال: نا حُذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أنِّي خرجت أنا وأبي حُسَيْل قال: فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا. فقلنا: ما نريده، مانريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر. فقال: انصرفا نَفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم. وقتل اليمان يوم أحد شهيدا هو وثابت بن وَقَش الأشهليُّ الأوسيُّ، وكانا شيخين كبيرين. أما ثابت فقتله المشركون، وأما اليمان فقتله المسلمون خطأ، وهم يظنون من المشركين. فرآهم حذيفة فقال: أبي أبي. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَديَةُ، فتصدَّق حذيفة بديته على المسلمين. وكان حذيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، وتوفي في آخر خلافة عثمان رضي الله عنهما. ومن بني قُطيعة بن عبس الحطيئة الشاعر: والحطيئة القصير، واسمه جَرْوُلُ ابن أُوَيْس بن جُوَيَّة بن مخزوم بن مالك بن قُطيعة بن عبس، وكنيته أبو مُليكة. وهو القائل في الزبرقان بن بدر حين انصرف من جواره إلى شَمّاس بن لأي من بني أنف الناقة، من قصيدة: مَن يفعل الخيرَ لا يعدمْ جَوازيَهُ ... لايذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ
دعِ المكارمِ لا ترحلْ لبغْيتِها ... واقعدْ، فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب فرفعه إليه، فاستنشده. فقال عمر لحسَّان بن ثابت: أتُراهُ هجاهُ؟ قال: نعم، وسلح عليه. فحبسه عمر، فقال الحطيئة، وهو في السجن: ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مَرَخٍ ... حمرِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ؟ ألقيتَ كاسبِهم في قَعر مُظلمةٍ ... فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ أنتَ الإمامُ الذي مِن بعدِ صاحبهِ ... ألقتْ إليكَ مَقاليدَ النُّهي البَشَرُ ما آثروكَ بها إذ قدَّموك لها ... لكنْ لأنفسهم كانتْ بها الأُثرُ فأطلقه عمر، وأخذ عليه عهدا ألا يهجو أحد. وقيل: أنه اشترى منه أغراض المسلمين بأربعين ألفا. وذكر أبو عُبيدة أن الطيئة نقه من مرض له فقال: لكلِّ جديدٍ لذةٌ غير أنني ... وجدْتُ جديد الموتِ غيرَ لذيذِ وذُكر أنه خرج يوما وهو ناقه ضجر، وهو يقول: أبتْ شَفَتايَ اليومَ إلا تكلماً ... بسوءٍ فما أَدري لمن أنا قائلُهْ
فمشى قليلا، ثم اطَّلع في ماء فقال: أرى ثَمَّ وجهاً شَوَّهَ اللهُ خَلقَهُ ... فقُبِّح من وجهٍ وقُبِّحَ حاملُهْ وقال لأمِّه: تَنَحَّيْ فاجلسي مني بعيداً ... أراحَ اللهُ منكِ العالمينا أَغِربالاً إذا استُودِعتِ سِرّاً ... وكانوناً على المتحدِّثينا حياتُك ما عَلمتُ حياةَ سَوءٍ ... ومَوْتُكِ قد يَسرُّ الصالحينا وقال لها أيضا: جزاكِ اللهُ خيراً من عجوزٍ ... ولقّاكِ العُقوقَ من البنينِ لقد مُلِّكتِ أمرَ بنيك حتى ... تركتِهم أدقَّ من الطحينِ فإن تُخْليْ وأمرَكِ لا تَصولي ... بمُشتدٍّ قُواهُ ولا مَتينِ لساني مِبردٌ لا عيبَ فيهِ ... ودَرُّكِ دَرُّ جاذبةٍ دَهينِ
ومنهم عنترة الفوارس: وهو عنترة بن شداد بن معاوية. ويقال: عنترة بن معاوية بن شدَّاد بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن مالك بن قُطيعة بن عبس، وكان شاعر مُجيدا، وفارسا مِحْربا، مقداما شريف الهمَّة، عفيف الإزار. ويقال: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنشد قولهُ: ولقد أبِيتُ على الطَّوى وأَظلُّهُ ... حتى أنالَبه كريمَ المأكلِ فاستحسنه. ومن بني قُطيعة بن عبس زُهيرُ بن جَذيمة، وولدُه قيس بن زهير، وورقاءُ، وغيرهما. وقيس بن زهير صاحب حرب داحس. ومن ولد قيس المُساورُ بن أبي هند بن قيس بن زهير الشاعر. ومن عبس عُروةُ بن الوَرد: وهو عروة الصعاليك، وكان فارسا شاعرا. ومنهم الربيعُ بن زياد: وهو ربيع الحِفَاظ. وأخوه عُمارة الوهَّاب، وأنس الفوارس. وكان يقال لَّهم " الكَمَلةُ ". وكان الربيع بن زياد سريعا. كان يؤاكل النعمان بن المنذر. ودخل لبيد بن ربيعة يوما على النعمان، والربيع يتغدَّى معه فحسده فقال لبيد للنعمان: يا واهبَ الخيرِ الكثيرِ من سَعَهْ ... إليك جاوزْنا بلاداً مُسْبِعَهْ نحن بنو أمِّ البنين الأربعَهْ ... ونحن خييرُ عامرِ بن صَعْصعَهْ
الضاربونَ الهامَ تحت الخَيضَعَهْ ... مَهلاٍ أبيتَ اللعنَ لا تأكلْ معَهْ إن اسْتَهُ مِن بَرَصٍ مُلمَّعهْ ... وإنه يولِجُ فيها إصبعَهْ يُدْخلُها حتى يُوارِي أَشْجعَهْ ... كأنه يطلبُ شيئاً ضَيَّعَهْ وكانت العرب تَطيَّرُ من الأرض الأبرص. وقال الربيع: أبيت اللعن إنه كاذب فقال النعمان: شَرِّدْ بِرَحلكَ عني حيثُ شئتَ ولا ومن بني عبس صِلةُ بن زُفَر أبو العلاء، قاله مسلم. وقال خليفة: يكنى صلة أبا بكر. روى عن عمَّار وحذيفة وعبد الله. روى عنه شقيق أبو وائل. قاله البخاريُّ. وروى عنه أيضا أبو اسحاق السَّبيعيُّ وغيره من التابعين. وتوفي صلة سنة اثنين وسبعين، قاله خليفةُ وغيره. وعبسٌ أخوال الوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان. أمُّهما ولاَّدةُ بنت الحرث بن جَزْءِ بن الحرث العبسيُّ. ومنهم عبد الرحمن بن هلال العبسيُّ: روى عنه جرير بن عبد الله..... ومن مَوالي عبس الإمام أبو بكر عبد الله وأخواه أبو الحسن عثمان وقاسم بنو محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان. ولأبي بكر الإمام منهم: مُصنَّفٌ ومُسنَّد. وأخوه عثمان ثقة إلا أنه روى أحاديث، لا يتابع عليها عن الثقات، فكُلِّم فيه من أجل هذا.
وكان لعثمان ابن اسمه محمد، روي عنه الحديث. روى عن أبيه وعمِّه وعن مِنْجاب بن الحرث، وعَون بن سلاّم، وهاشم بن محمد، ومحمد بن اسحاق السَّمُري من ولد سًمُرةَ بن جُندب، وغيرهم من الثقات. وخرَّج مسلم عن أبي بكر وعثمان أبني شيبة في صحيحه كثيرا. وأما أخواهما قاسم فكان ضعيفا في الحديث، عنده مناكيرُ، قاله الموصليُّ الحافظ. وجدُّهم أبو شيبة إبراهيم: سكن واسط، وكان قاضيها. قال البخاريُّ: هو مُتروك، سكتوا عنه. وقال ابن معين: هو ضعيف. ومن أنمار بن بغيض أخي ذبيان وعبس فاطمة بنت الخَرشَب الأنماريَّة: هي أمُّ الربيع وعُمارة وأنس بني زياد. وأما خَصفة بن قيس بن غَيلان فولد عكرمة ومحاربا. ومن بني محارب الخُضْر، وهم بنو مالك بن طريف بن خلف بن مُحارب بن خصفة، منهم عامر الرامي أخو الخُضر. ويقال: عامر الرام، وهو من الصحابة، وكان شاعرا. ومنهم الحكَمُ بن مَنيع الشاعر، ونُقَيعُ بن صفار الشاعر: الذي كان يُهاجي الأخطلَ. وولد عِكرمةُ منصورا، فولد منصور سُليم بن منصور وهَوازن بن منصور ومازن بن منصور. ومن بطون سُليم بَهْزُ بن امرىء القيس بن بُهْثة بن سُليم، وذكوان بن ثعلبة بن بُهثة، والشريد بن رياح بن يَقَظةَ بن عُصيَّة بن خفاف بن امرىء القيس بن بُهثة. ومن بَهز الحجاج بن عِلاطٍ: وهو من الصحابة، وهو الذي خَدع قريشا حين افتتح لاسول الله صلى الله عليه وسلم بكَتْم إسلامه منهم حتى أخذ ماله من تجار مكة، وأخذ ما كان له من مال عند امرأته أمِّ شيبة بنت أبي طلحة بن عبد العُزَّي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. وكان له منها مِعْرضُ بن الحجَّاج، وحديثه مشهور. وابنه نصر بن حجاج: كان جميل الصورة، وهو الذي سمع عمر بن الخطاب المرأة ليلا تقول فيه:
ألا سبيلَ إلى خمرٍ فأشربُها ... أم هل سبيلٌ إلى نصرِ بن حجَّاجِ؟ فقال: أمَّا ما كان عمر حيا فلا. فلما أصبح عمر غرَّبه عن المدينة فكتب نصر إلى عمر: لَعَمري لئن سَيَّرْتَني وحَرَمْتَني ... ولم آتِ ذَنباً إنَّ ذاكَ حَرَامُ وما ليَ ذنبٌ غير ظنٍّ ظَنَنتَهُ ... وفي بعضِ تصديق الظُّنونِ أَثامُ أأنْ غنَّتِ الذَّلفاءُ صوتاً بخفْيةٍ ... وبعضُ أَمانيِّ النِّساءِ حَرامُ ظّننتَ بيَ الظنَّ الذي لو أَتَيتُهُ ... لما كانَ لي في الصالحْينَ مَقامُ ويَمنعُني ممَّا تَمنَّتْ حَفِيظتي ... وآباءُ صِدقٍ سالفونَ كِرامُ ويمنعُها ممَّا تَمنَّتْ صلاتُها ... وبيتٌ لها في قَومِها وصِيامُ فهاتانِ حالانا فهل أنتَ راجِعي؟ ... فقد جَبَّ منَّا غاربٌ وسَنامُ ومن بني بُهثة بن سليم عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد ابن عباس بن رفاعة بن الحرث بن بُهثة بن سُليم، يكنى أبا الفضل، وقيل أبا الهيثم. وكان أبوه مرداس شريكا ومُصافيا لحرب بن أمية، وقتلتهما جميعا
الجنُّ. وكان عباس بن مرداس من الؤلَّفة قلوبهم، وممَّن حسُن إسلامه منهم. ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من سًبْي حنين مئة من الإبل، ونَقصَ طائفة من المئة، منهم عباس بن مرداس جعل عباس يقول، إذ لم يُبلِّغ بالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن: أتجعلُ نهبي ونهب العُبيْ ... دِييْنِ: عُيينةَ والأَقرعِ؟ فما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقانِ مرداسَ في المجْمعِ وما كنتُ دونَ امرىءٍ منهما ... ومَن تَضعِ اليومَ لا يرفَعِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا فاقطعوا عني لسانه ". فأعطوه حتى رضي. وكان شاعرا محسنا مشهورا بذلك. وروي أنَّ عبد الملك بن مروان قال يوما، وقد ذكر الشعراء في الشجاعة، فقال: أشجع الناس في الشعر عباس بن مرداس حيث يقول: أقاتلُ في الكتيبةِ لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سِواها وله في يوم حنين أشعار حسان ذكر كثيرا منها ابن اسحاق. فمنها قوله: يا خاتمَ النُّبآءِ إنك مُرسَلٌ ... بالحقِّ كلُّ هدى السبيل هُداكا إنَّ الإلهَ بني عليكَ محبةً ... في خَلقهِ ومحمّداً سَمَّاكا
ثمَّ الذينَ وفَوا بما عاهَدتَهُمْ ... [لقد] بَعثتَ عليهمُ الضَّحَّاكا رجلٌ به ذَربُ السلاح كأنهُ ... لمَّا تكنَّفَهُ العدوُّ يَراكا يَغْشى ذَوي النسبِ الغريب وإنما ... يَبغى رضى الرحمنِ ثم رِضاكا أُنبيكَ أني قد رأيتُ مَكرَّهُ ... تحتَ العجاجةِ يَدْمَغُ الإشراكا طَوراً يُعانقُ باليدينِ وتارةً ... يَفرِى الجماجِمَ صارِماً بتَّاكا وبَنو سُليمٍ مُعْنِقونَ أَمامَهُ ... ضَرباً وطعناً في العدوِّ دِراكا يمشُون تحت لوائهِ وكأنَّهمْ ... أُسدُ العَرينِ أَردْنَ ثَمَّ عِراكا لا يرتجونَ منَ الغريب قَرابةً ... إلا لطاعةِ ربِّهم وهَواكا هذى مشاهدُنا التي كانت لنا ... مَعروفةً ووليُّنا مَوْلاكا ومنها بعض كلمة حسنة قالها يُخوِّفُ هَوازن: أَبلِغْ هَوازنَ أَعلاها وأَسفلَها ... منِّي رسالةَ نصحٍ فيهِ تِبْيانُ:
إني أظنُّ رسولَ الله صابِحكُمْ ... جيشاً له في فضاء الأرضِ أركانُ مِنهُم سُليمٌ أخوكمْ غيرُ تارِككُمْ ... والمسلمون عبادُ اللهِ غَسَّانُ وفي عصابتهِ اليُمنى بنو أسدٍ ... والأَجْرَبانِ بنو عبسٍ وذِبيانُ وقيل: إنه كان لأبيه مرداس وثن يعبدُه، وهو حَجر يقال له " ضِمار " فلما احتُضِرَ مرداس قال للعباس: أي بُني، اعبُدْ ضِماراً فإنه ينفعُك ويضرُّك. فبينا عباس يوما عند ضمار إذ سمع من جَوف ضمار مناديا يقول: قُل للقبائل من سُليمٍ كلِّها: ... أَودَي ضِمارُ وعاشَ أهلُ المسجدِ إنَّ الذي ورِثَ النبوءةَ والهُدى ... بعدَ ابنِ مَريمَ من قريشٍ مُهْتَدِ أَودَى ضِمارُ وكان يُعبَدُ مرةً ... قبلَ الكِتابِ إلى النَّبيِّ محمَّدِ فحرَّق عباس ضمارا ولحق بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وكان عباس ممَّن حرَّم الخمر على نفسه في الجاهلية، وكان ينزل البادية بناحية البصرة. روى عنه ابنه كنانة بن عبَّاس. ومن بني امرىء القيس بن بُهثة بن سُليم عمرو بن عَبسة بن عامر بن خالد ابن غاضرة بن عتاب بن القيس بن بهثة، يكنى أبا فجيح. ويقال: أبا شعيب أسلم قديما في أول الإسلام. وروي عنه من وجوه أنه قال: ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل، فسمعني رجل وأنا أتكلَّم بذلك. فقال: ياعمرو بذلك. فقال: ياعمرو
إنَّ بمكة رجلا يقول كما تقول. قال: فأقبلت إلى مكة أوَّل ما بُعث النبيُّ عليه السلام، وهو مُستخف. فقيل لي: إنك لا تقدر عليه إلا بالليل حين يطوف. فقمت بين يدي الكعبة، فما شعرت إلا بصوته يُهلِّل. فخرجتُ إليه فقلت: من أنت؟ قال: " أنا نبيُّ الله ". فقلت: وما نبيُّ الله؟ فقال: " رسول الله ". قلت: وبماذا أرسلك؟ قال: " بأن يُعبد الله، لا يُشرك به شيء، وتُكسر الأوثان، وتُحقنُ الدماء ". قلت: ومن معك على هذا؟ قال: " حُرٌّ وعبد "، يعني أبا بكر وبلالا. فقلت: ابسط يدك أبايعك. فبايعته على الإسلام. قال: فلقد رأيتني وأنا ربع الإسلام. ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق بقومه. فلما هاجر النبيُّ عليه السلام إلى المدينة ارتحل إليه وأتاه. فقال: أتعرفني؟ قال: " نعم، أنت الرجل الذي أتيتنا بمكة فقلت لي كذا وقلت لي كذا ". يُعدُّ عمرو بن عَبَسة في الشاميين. روى عنه من الصحابة أبو أمامة الباهليُّ، وروى عنه من كبار التابعين بالشام شرحبيل بن السِّمْط، وسليم بن عامر، وضَمْرة بن حبيب وغيرهم. ومن بني الحرث بن بهثة بن سليم عُتبة بن فرقد: له صحبة ورواية. وكان أمير لعمر بن الخطاب على بعض فتوحات العراق. وروى سليمان التَّيميُّ عن أبي عثمان النَّهدي قال: جاءنا كتاب عمر ونحن مع عتية بن فرقد، وينسبونه: عتبة بن يربوع بن حبيب بن مالك بن فرقد نب أسعد بن رفاعة ابن الحرث بن بهثة بن سليم. وروى شعبة عن حصين، عن امرأة عتبة بن فرقد أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين. وأمُّ عتبة آمنة بنت عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف. ومن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة صفوان بن المعطَّل بن ربيضة بن خزاعي ابن محارب نب مُرَّة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة، يكنى أبا عمرو. قيل إنه أسلم قبل المُرَيْسيع وشهد المريسيع. وقال الواقديُّ: شهد صفوان بن
المعطَّل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق والمشاهد كلَّها بعدها. وكان مع كُرْز بن جابر الفِهْريِّ في طلب العُرَنيِّين الذي أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: كان يكون على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم. قال سلمة عن ابن اسحاق: قُتل صفوان بن المعطَّل في غزاة أرمينية شهيدا، وأميرهم يومئذ عثمان بن أبي العاصي سنة تسع عشرة في خلافة عمر. ويقال: إنه غزا الروم في خلافة معاوية فاندقَّت ساقه. فلم يزل يُطاعن حتى مات، وذلك سنة ثمان وخمسين، وهو ابن بضع وستِّين. وقيل: مات سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وله دار بالبصرة في سكَّة المِرْبد. وذكر أبو اسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصريُّ مؤلف " فتوح الشام " أن صفوان بن المعطَّل شهد فتوح الشام، وأبلى فيها. وكان رضي الله عنه جيِّرا فاضلا تقيا شجاعا بطلا. وهو الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا مع عائشة، فبوّأهما الله ممَّا قالوا. ومن ذكوان أبو الأعور السُّلميُّ: واسمه عمرو بن سفيان بن قانف بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، يُعدُّ في الصحابة. وقال أبو حاتم الرازي: لا تَصحُّ له صحبة ولا رواية. شهد حُنَينا كافرا، ثم أسلم بعدُ هو ومالك بن عوف النَّصريُّ. وحدَّث بقصة هزيمة هوازن بحنين، ثم كان هو وعمرو بن العاصي مع معاوية بصفين، وكانا أشدَّ من عنده على عليٍّ رضي الله عنه. وكان علي رحمه الله يذكره في القنوت في صلاة الغداة، يقول: " اللهمَّ عليك به " مع قوم يدعو عليهم في قُنوته. ومن بني الشَّريد بن رياح بن ثعلبة بن عصيَّة بن خفاف بن امرىء القيس ابن بهثة بن سليم خُفاف بن نَدْبةَ الشاعر: وندبة أمُّه، وكانت سوداء. وهو خفاف بن عُمير بن الشَّريد، وهو ابن عمِّ خنساء. وكان خفاف أسود حالكا. قال أبو عبيدة: هو أحد أغربة العرب. وقال الأصمعيُّ: شهد خفاف
حُنينا. وقال غيره: شهد فتح مكة ومعه لواء بني سليم مع النبيِّ عليه السلام، وكان فارسا شجاعا. ولما قتلت غطفان ابن عمِّه معاوية بن عمرو بن الشَّريد قال خُفاف: قتلني الله إن رمت حتى أثأر به. فحمل على مالك بن حمار، وهو سيد بني شِمْخ بن فزارة فطعنه فقتله، وقال: إنْ تكُ خَيلي قد أصيبَ صَميمُها ... فعمداً على عيني تَيمَّمتُ مالكا وقفتُ له عَلْوَى وقد خامَ صحبتي ... لأبنيَ مجداً أو لأثأرَ هالكا أقولُ، والرمحُ يأطِرُ مَتْنَهُ: ... تَأمَّل خُفافاً إنني أنا ذلكا ومنهم الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة. وأبلغت في رثاء أخَوَيها: صخر ومعاوية، وأتت بالسِّحر. وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قطُّ قبلها ولا بعدها أشعر منها. وكانت تُنشِد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرها فيعجبُهُ ويقول: " هِيهِ ياخُناسُ "، ويوميء بيده صلى الله عليه وسلم. فمن قولها في صخر أخيها: أَعينيَّ جُودا ولا تَجمُدا ... ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى؟ ألا تَبكيانِ الجرىءَ الجميلَ ... ألا تبكيانِ الفتى السَّيِّدا؟ طويلُ النجادِ عظيمُ الرَّمادِ ... سَادَ عشيرتَهُ أَمْردا
ومن قولها فيه: ألا ياصخرُ إن أبكيتَ عيني ... لقد أَضْحكتني دهراً طويلا بكيتُكَ في نساءٍ مُعْموِلاتٍ ... وكنتُ أحقَّ مَن أَبدى العَوِيلا دفعتُ بك الجليلَ وأنت حيٌّ ... فَمَن ذا يدفعُ الخَطْبَ الجليلا؟ إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ ... رأيتُ بكاءكَ الحسنَ الجميلا ومن قولها فيه من أبيات: أشمّث أبلجُ تَأتمُّ الهُداةُ به ... كأنه علمٌ في رأسهِ نارُ وكان لها بنون أربعة، حضورا حرب القادسية، وهي معهم، واستُشهدوا في ذلك اليوم وحديثُها معهم في ذلك اليوم مشهور، تَبيَّنَ فيه فضلُها وفضلُهم، رحمهم الله. ومن ولد الخنساء أبو شجرة السلميُّ ... ومن سليم عُتبة بن النُّدَر: وهو عتبة بن عبد السلمي، له صحبة. وكان اسمه عَتَلة، فغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه، وسمَّاهُ عتبة. روى محمد ابن القاسم الطاهري عن يحيى بن عُتبة بن عبد، عن أبيه، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ماسْمُك؟ " قلت: عتلة. قال: " أنت عتبة " وقال أحمد
هوازن بن منصور
ابن حنبل وأحمد بن أبي خَيثمة بأسناد عن صفوان بن عمرو قال: كان اسم عتبة بن عبد نُشْبةَ فسمَّاه رسول الله عليه السلام عتبة، ويكنى أبا الوليد. وتوفي سنة سبع وثمانين في أيام الوليد بن عبد الملك، وهو ابن أربع وتسعين سنة. يُعدُّ في الشاميين. روى عنه جماعة من تابعي أهل الشام منهم خالد ابن مَعدان وكثير بن مرة وراشد بن سعد وعلي بن رباح المصري وغيرهم. وقال الواقدي: عتبة بن عبد السلمي آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني سليم من أنفسهم أبو جميلة سُنَيِّن: أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وخرج معه عام الفتح. يُعدُّ في أهل الحجاز. روى عنه ابن شهاب. ومنهم نُبَيشة بن حبيب: قاتل ربيعة بن مكدَّم وعبد الله بن خازم صاحب خراسان. هوازن بن منصور وفي هوازن بطون، منها: نصر وجشم ابنا معاوية بن بكر بن هوازن. وعامر ومُرةُ ابنا ضعضعة بن معاوية بن بكر وقيسي بن مُنبِّه بن بكر. فمن بني نصر بن بكر مالك بن عوف النَّصري: قائد هوازن يوم حنين. ثم أسلم، فحسُن إسلامه، وردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وماله، وأعطاه مئة من الإبل. ومنهم أوس بن الحدثان النَّصريُّ: وله صحبة. واختلف في صحبة ابنه مالك ابن أوس بن الحدثان. روى إبراهيم بن طَهْمان عن أبي الزبير، عن ابن كعب ابن مالك، عن أبيه أنه حدَّثه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التَّشريق وناديا ألاّ يدخل الجنة إلا مُؤمنٌ، وأيامُ مِنًى أيامُ أكل وشرب. وروى ابنه مالك بن أوس عن عمر وسائر العَشَرة، وعن العباس. روى عنه الزُّهريُّ ومحمد بن المنكَدر وعكرمة.
ومن بني جشم شدّاد بن عارض الجُشميُّ: وهو من الصحابة. وهو القائل في مسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لثقيف: لا تَنصُروا اللاتِ إنَّ اللهَ مُهلكُها ... وكيف يُنصرُ مَن هو ليسَ يَنتصرُ؟ إن الرسولَ متى ينزلْ بلادكمُ ... يَضعنْ، وليس بها من أهلها بَشَرُ ومنهم أبو الأحوص الجشميُّ: صاحب عبد الله بن مسعود، واسمه عوف، وأبوه مالك بن نضلة، من الصحابة. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. أبو داود: حدثا أحمد بن حنبل قال: نا عبدة قال: نا أبو الزَّعراء عن أبي الأحوص، عن أبيه مالك بن نضلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأيدي ثلاثة؛ فيد الله العليا، ويد المعطى التي تليها، ويد السائل السُّفلى، ولا تعجز عن نفسك ". وروي السَّبيعيُّ عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: دخلت على النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لي: أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلَّمة آذانُها؟ فتقول: هذه بحر، وتقطع جلودها فتقول: هذه صرم، فتحرِّمُها عليك وعلى أهلك ". قال: نعم. قال: " فإنَّ ما أتاك الله حل، وساعد الله أسد، وموسى الله أحد ".وروي عن أبي الأحوص الحسن وأبو إسحاق السَّبيعيُّ وعطاء بن السائب. وقتل أبا الأحوص الخوارج أصحاب قطري. ومن بني جشم دريد بن الصِّمَّة: وكان من فرسان الجاهلية وشعرانها. وأدرك يوم حنين شيخا هرما، فلم يسلم؛ غلبت عليه الشَّقوة. قال أبو عبيدة معمر بن المثَّنى التَّيميُّ؛ مولى لهم: عاش دريد دهرا حتى خرف، وذهب بصره، وأدرك الإسلام فلم يسلم حتى شهد يوم حنين مع المشركين، وعلى الناس يومئذ مالك بن عوف النَّصريُّ. فقال دريد: مالي أسمع ثغاء الشاة ورغاء الإبل وبكاء الصِّبيان؟ فقال له مالك: حشرت مع الناس أموالهم وحرمهم.
فقال دريد: راعى ضأن والله. أما والله ما شيئا. والله لئن كانت لك ما ينفعك إلا رجل بسلاحه، ولئن كانت عليه لتُسبينَّ حُرمُك ونساؤك. فكره أن يكون لدريد فيها ذكر، فخالفه وقد علم ما قال دريد. فلما هزم الله المشركين سبى المسلمون ذراعيَّهم، وأخذوا أموالهم، ولحق دريدا على المسلمين رجل من بني سليم وهو ربيعة بن رُفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يعقوب بن سمّال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، وهو في شجار له على بعير، فظن أن امرأة فأناح به، فإذا شيخ أعمى، فسأله دريد: من أنت؟ فأخبره، ثم ضربه، فلم يصنع سيفه شيئا. فقال له دريد: بئس ما سلَّحتك أمُّك. ثم قال دريد: خذ سيفي من مؤخرة الرَّحل فاضربني به، وأخفضعن الدماغ، وارفع عن العظام، فإني هكذا كنت أقتل الرجال. وإذ أتيت أهلك فاخبرهم أنك قتلت دريد بن الصَّمة. قال السلميُّ: فأخذت سيفه، فضربته، فلما خَرَّ عن الشجار تكشف، فإذا ربلتاه وروانفه وبادُّه أعرى من اللحم من كثرة ركوب الخيل. الرَّبلتان: واحدتها ربلةُ، وهي اللحمة الغليظة في أصل الفخذ. والرَّوانف: ما سال من الألية على الفخذ. والبادُّ: باطن الفخذ، والجميع بوادٌّ. قال الرجل: فلما وصلت أهلي أخبرتهم. فقال أمي: يا بُنيَّ أما إنَّ دريدا أعتق أمَّهات لك ثلاثاً. وولد عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان هلالا ونميرا وسواءة وربيعة أبن عامر بنو صعصعة، وهم أفخاذ من بطن. فمن بني هلال بن عامر ميمونة بنت الحارث بن حزن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأختارها لأبيها وأمِّها لبابة الكبرى وهي أمُّ الفضل زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى: أمُّ خالد بن الوليد، وزينب بنت خزيمة: أمُّ المساكين زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وقبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شدّاد، ويكنى أبا بشر: نزل البصرة، وروي عنه أبو عثمان النَّهديُّ وكنانة بن نعيم العَدويُّ وأبو قلابة وابنه قطن بن قبيصة. روي كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق قال: تحمَّلتُ بحمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " نُؤدِّيَهاً عنك بِخرجها إذ جاءَ نعَمُ
الصَّدقة ". قال: ثم قال: إِنَّ المسألة حُرِّمَت إلا في إحدى ثلاث: رجل تحمَّل بحمالة فحلَّت له المسألة حتى يؤدِّيها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة " اجتاحت ماله، فحلَّت له الصدقة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - ورجل أصابته " فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجا من قومه. فحلَّت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش، أو قواما من عيش، ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت. وذكر المبرد في الكامل أن قبيصة بن المخارق هذا إلى ما صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه وبسط له رداءة وقال: " مرحبا بخالي " فقال: يا رسول الله، دقَّ عظمى، وقلَّ مالي، وهنت على أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أبكيت بما ذكرت ملائكة السماء ". وابن ابنه محمد بن حرب بن قبيصة: كان من أقعد الناس، ولي شرطة البصرة سبع مرات. وكان على شرطة جعفر بن سليمان بالمدينة، وكان كثيرا للأدب عزيزه. ومنم حميد بن ثور بن الشاعر، ومسعر بن كدام الفقيه المحدِّث: وهو من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، ويكنى أبا سلمة. وتوفي في الكوفة سنة اثنتين وخمسين ومئة. وكان يقول: من ابغضني فجعله الله محدِّثا.... ومن موالي عبد الله بن هلال بن سفيان بن عُيينة بن أبي عمران بن محمد: وكان جدُّه أبو عمران من عُمّال خالد بن عبد الله القسريِّ. فلما عزل خالد عن العراق، وولي يوسف بن عمر طلب عمال خالد فهرب منه إلى مكة، فنزلها. وكان سفيان من أئمة المحدِّثين الحفَّاظ. روى عن الزهريِّ وأبي الزهير المكِّي وعمرو بن دينار وحميد بن تيرويه الطويل وزيد بن أسلم وأيوب السَّختياني
ومحمد بن المنكدر وأبي الزِّناد وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاريِّ وعبد الرحمن بن القاسم ويزيد بن حصيفة وسهيل بن أبي صالح وعبد الملك بن أبجر وعبد الملك بن عمير وإبراهيم بن ميسرة وزياد بن علاقة ومسعر بن كدام ومنصور بن المعتمر والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ومُطرِّف بن طريف الحارثيِّ وغيرهم. وكان سفيان كثيرا ما يقول بمكة على أجياد وغيره في آخر عمره لما ذهب الأشياخ من أهل الحديث والفقه، وبقي: ذهب الرجالُ فسُدْتْ غير مُسوَّدِ ... ومن الشَّقاءِ تفرُّدي بالسُّؤددِ سمع ذلك منه عليٌّ بن خشرم وبشر بن الحرث الحافي. وكان سفيان يقول: اسلكوا سبيل الحقِّ، ولا تستوحشوا من قلَّة أهله. وروي عنه أنه قال: إن أفضل الناس منزلة عند الله يوم القيامة من كان بين الله وبين خلقه، وهم الأنبياء والعلماء وأئمة العدل. وقال سفيان: كيف يختار من لا يدري كيف الخيارُ له؟ جاء في الحديث: لو وزن عقل آدم بعقول ولده لرجح بعقولهم. وكان في اختياره من الضَّعف ما تعلمون. وقال سفيان للفضيل بن عياض: يا أبا عليّ، لقد اشتد تعجُّبي. قال فضيل مِمَّاذا؟ من جرأة الملائكة وردِّهم على ربِّهم حين يقول:) إني جاعل في الأرض خليفز. قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها (. فقال له الفضيل: وما تعجبك من ذلك؟ هو أنطقهم. وعاد سفيان ابنا لأبي سفيان بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء. فلهي عن سؤال العليل، وأقبل على أبيه. فقال: كيف تجدك من علَّته؟. وولد سفيان سنة سبع ومئة، ومات يوم السبت آخر يوم من جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين ومئة بمكة، شرَّفها الله. ومن بني نمير بن عامر شريك بن حباشة الذي دخل الجنة في حياته في أيام عمر بن الخطاب، وهو صاحب الورقتين.
ومنهم قرة بن دعموص بن ربيعة بن عوف النميري، بصري استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قدم عليه مع قيس بن عاصم، والحرث بن شريح، وروى وروي عنه. ومنهم معاوية بن سبرة بن الحصين النُّميريُّ، أبو العبيدين: سمع ابن مسعود. روي عنه عبد الله بن أبي الذهيل. ومنهم هَمَّام بن قبيصة والراعي الشاعر، واسمه عبيد بن حصين. وهو الذي قال فيه جرير: فغُضِّ الطرفَ إنك من نُميرٍ ... فلا كعباً بغتَ ولا كلابا وأول هذه القصيدة: أقلِّى اللومَ عاذلَ والعِتابا ... وقُولي إن أصبتُ: لقد أصابا وفيها يقول: أتلتمسُ السبابَ بنو نُميرٍ ... فقدْ وأبيهمْ لاقَوا سِبابا فلا صلَّى المليك على نُميرٍ ... ولا سَقى قلوبُهمُ السَّحابا ولو وُزنتْ حلومُ بني نميرٍ ... على الميزان ما وُزنتْ ذُبابا أنا البارزي المطلُّ على نميرٍ ... أُتيحَ منَ السماءِ لها انصبابا
إذا عَلقتْ مخالبُه بِقرنٍ ... أصابَ القلبَ أو هَتَك الحِجابا وعدد أبيات هذه القصيدة مئة وثمانية أبيات. ومنهم أبو حَيَّةَ النُّميري: وهو الذي اعترته اللَّوثةُ من الحبِّ. ومن قوله: رمتْنى وسِترُ الله بَيني وبَهينا ... عشيةَ أَرْامِ الكِناسِ رَميمُ إلا ربَّ يومٍ لو رمتْني رميتْها ... ولكنَّ عَهدي بالنِّصالِ قديمُ وله من أبيات: إذا هنَّ ساقطْنَ الحديثَ كأنه ... سِقاطُ حصى المرجانِ في سِلكِ ناظمِ رَمينَ فاقصدْنَ القلوب وبلم تجد ... دماً مائراً إلا جوىً في الحيازمِ واسم أبي حيَّةَ الهيثمُ بن ربيع. وكان صاحب الفرزدق، وروي عنه. ومن بني سواءة بن عامر أبو جحيفة السُّوائيُّ: واسمه وهب بن عبد الله: ويقال: وهب الله بن عبد الله. ويقال: وهب بن الخير. نزل الكوفة، وابتنى بها دارا، وكان من صغار الصحابة. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو لم يبلغ الحلم، ولكنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي عنه، وخرَّج عنه مسلم والترمذي. مسلم: نا أحمد بن يونس قال: نا زهير قال:
نا أبو إسحاق، ونا يحيى بن يحيى، قال: نا أبو خيثمة عن أبي إسحاق وعن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه منة بيضاء، ووضع زهير بعض أصابعه على عنفقته. فيل له: مثل من أنت يومئذ؟ قال: أبري النيل وأريشا. قال: وحدثنا وأصل بن عبد الأعلى قال: نا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب كان الحسن بن علي يشبهه. الترمذيُّ: حدثنا محمود بن غيلان: قال عبد الرزاق: نا سفيان الثوريُّ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فلا آكلُ متكئاً ". وروي أسد بن موسى بن علي بن ثابت الجزري عن الوليد بن عمر بن ساج، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أكلت ثريدة بلحم، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أتجشَّأ. فقال: " أكفف أو احبس عليك جشائك أبا جحيفة، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ". قال: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا. كان إذا تعشى لا يتغدَّى. وإذا تغدى لا يتعشى. ومنهم سمرة بن عمرو بن جندب بن حجير بن رباب بن سواءة: أبو جابر ابن سمرة. روي معه ابنه جابر حديثا واحدا ليس له غيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش "، ولم يروا عنه غيره. وابنه جابر بن سمرة صاحب، وله في الصحيحين وغيرهما أحاديث، رضي الله عنهما. ومن ولد جابر بن أبو السائب سلم بن جنادة بن سلم بن خالد بن
جابر بن سمرة. سمع وكين بن الجرَّاح، ووهب سعد بن أبي وقاص لجابر بن سمرة لغلامين من أبناء الكاسرة، أحدهما في ذيمة أبو عليِّ بن جذيمة الذي يروي عنه. والآخر أبو زهير وهو جدُّه عبد المطلب بن زياد بن أبي زهير، فاعتقهما جابر. وكنية عليِّ بن بذيمة أبو عبد الله، ويعرف بالجزري. روى عن سعيد بن جبير وعكرمة. وروى عنه الثوريُّ والأعمش وشريك. ومنهم عبيد الله بن معية السُّوائي: كان قد أدرك الجاهلية، وروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسكن الطائف. له حديث واحد، رواه عنه سعيد ابن المسيَّب وإبراهيم بن ميسرة. ومنهم قبيصة بن عقبة السُّوائي: أبو عامر: سمع سفيان الثوريُّ وإسرائيل. وولد ربيعة بن عامر: كلاب بن ربيعة، وكعب بن ربيعة، وعامر بن ربيعة، وكليب بن ربيعة. وليس لكليب عقب. وأمهم مجد بن تيم بن غالب ابن فهر بن مالك بن النَّضْر: وهي التي جعلت ابن عامر حمسا، وفي كلاب وكعب شرف عامر بن صعصعة وعددهم، وإياهم عني جرير بقوله: فغضِّ الطرفَ إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا فولد كلاب جعفرا، ورؤاسا، وهم: حميس وضب بنو معاوية الضباب، وأبا بكر، وعمرا واسمه عبيد، والوحيد. فولد جعفر بن كلاب الأحوص، ومالكا، وخالدا، وعتبة. وكان الأحوص يكنى أبا شريح، وكان على بني عامر يوم جبلة. ومن ولده عقلمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر، وكان من المؤلفة قلوبهم. وكان سيدا في قومه حليما غافلا. وهو الذي نافر عامر بن الطُّفيل إلى هرم بن قطبة. وقد تقدم ذكر منافرتهما عند ذكر قطبة. وولد مالك بن جعفر عامرا أبا براء ملاعب الأسنة، وربيعة المقترين، وعبيدة الوضاح، والطفيل فارس قرزل، ومعاوية معوِّد الحكماء. أمُّهم أمُّ البنين
بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال لبيد: نحن بنو أمِّ البنينَ الأربعَةْ قال ابن الكلبيِّ: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة. وقال أبو بكر بن الأنباري: لا يصحُّ لشاعر أن يقول في خمسة أربعة من أجل القافية، كما لا يقول في أربعة خمسة، لأن عين الكذب. وإنما قال هذا لبيد بين يدي النعمان بن المنذر، وهو غلام حدث. وقد كان أبوه ربيعة قد مات، وحضر معه أعمامه الأربعة: طفيل، وعامر، وعبيدة ومعاوية بنو مالك بن جعفر بن كلاب، فاسقط أباه لأنه لم يشهد، وكان ميتا قبل ذلك. وولد ربيعة بن مالك بن جعفر لبيدا الشاعر: ويكنى أبا عقيل، وهو من الصحابة، ومن فحول الشعراء، ومن الأجواد. وقال، لما أسلم: الحمدُ لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى أكتسيتُ من الإسلامِ سِربالا وهو القائل: ما عاتبَ المرءَ الكريمَ كنفسهِ ... والمرءُ يُصلحه القرينُ المصالحُ ولم يقل منذ أسلم غير هذين. وقال له عمر رضي الله عنه: أنشدنا من شعرك. فقال: يا أمير المؤمنين، ما كنت لأجمع البقرة وآل عمران، وأنشدك الشعر. فجَّل في عين عمر، وزاده في عطائه خمسمئة، وكان عطاؤه ألفين. وكان لبيد شريفا في الجاهلية والإسلام، ونذر ألا تهبَّ الصَّبا إلا نحر وأطعم، حتى تنقضي. فهبت في الإسلام، وهو بالكوفة مقتر مملق. فعلم ذلك الوليد بن عقبة ابن معيط، وهو والدي الكوفة لعثمان، وكان أخاه لأمه. فخطب الناس، فقتال: " إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل، وما وكد على نفسه. فأعينوا أخاكم ". قم نزل، فبعث به بمئة ناقة، وبعث الناس، فقضى نذره. ففي ذلك تقول ابنه لبيد، مجاوبة عن أبيها، تمدح الوليد:
إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيلِ ... دعَونا عند هبَّتها الوليدا أغرَّ الوجه أووعَ شيظمياً ... أعانَ على مروءتهِ لبيدا ومات لبيد في وسط خلافة معاوية، وهو ابن مئة وأربعين سنة. وأخو لبيد لأمه أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر: عدُّو الله، هو الذي أصابته الصاعقة بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ابن عمه عامر ابن الطفيل. ورثاه لبيد بقصائد منها: ذهبَ الذينَ يُعايشُ في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلْفِ كجلدِ الأَجربِ يتحدَّثون مخافةً ومَلاذةً ... ويُعابُ قائلُهم وإن لم يَشْغبِ يا أربدَ الخيرِ الكريمَ جُدودُهُ ... غادرتَني أمشي بقرَنٍ أَعضبِ إن الرزيَّة لا رزيَّةَ مثلُها ... فِقدانُ كلِّ أخٍ كضوءِ الكوكبِ وولد الطفيل بن مالك بن جعفر عامر بن الطفيل: عدوَّ الله، وكان شاعرا. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أربد مضمرين الفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم. فجعل يسأله سؤال الأحمق المغتال الفخور، ورسول الله يقول: " لا أجيبك في شيء مما سألت حتى تؤمن بالله ورسوله. فلما يئس
منه عامر قال: يا ممد، والله لأملأنَّها عليك خيلا ورجالا. فلما ولَّيا قال رسول الله: " اللَّهم أكفني عامر بن الطفيل وأربد بن قيس ". فخرجا جميعا ووفدهم راجعين إلى بلادهم. فلما كان ببعض الطريق بعث الله على عامر غدة في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من سلول. فجعل يقول: يا بني عامرا، غدا كغدة البعير، وموتا في بين سلولية! ووصل أربدا إلى بلده، فأصابه ما ذكرت آنفا. وأخوه عقيل بن الطٌّفيل: فيه قالت أمه المثل " أبنك من دمَّي عقبيك ". وهي امرأة من القين، تزوجها الطفيل، فولدت له عقيلا، فتبنَّته كبشة بنت عروة بن جعفر بن كلاب.. فعرم على أمه يوما فضربته. فجاءتها كبشة فمنعتها وقالت: ابني. فقالت القينية: ابنك من دمَّي عقيبك. وأما أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة، وهو عمُّ عامر بن الطفيل فهو الذي أجاز أصحاب بئر معونة، فأخفره فيهم ابن أخيه عامر بن الطفيل: بني أمِّ البنينَ ألم يرعْكمْ ... وأنتمْ من ذَوائبِ أهل نجدِ؟ تَهكُمُ عامرٍ بأبي بَراءٍ ... ليُخفرَهُ وما خطأُ كعَمْدِ أَبلغْ ربيعةَ ذا المساعي ... فما أَحدثْتَ في الحَدَثانِ بعدي
أبوكَ أبو الحروب أبو براءٍ ... وجدُّك ماجدٌ حَكَمُ بن سعدِ قال ابن هشام: حكم بن سعد من القين بن جسر، وأمُّ البنين بنت عمرو ابن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال ابن إسحاق: فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه، فأشواه، ووقع عن فرسه. فقال: هذا عمل أبي براء، أن متُّ فدمي لعمي فلا يتبعن به. وإن أَعش فسأرى رأيي فيما أُتي إليَّ. ومن بني مالك بن جعفر من غير أم المؤمنين سلمى بن مالك وابنه جبَّار بن سُلمى: وهو الذي قال: إنَّ ممَّا دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلا من أصحاب بير معونة بين كتفيه، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره. فسمعته يقول: فزت والله. فقلت في نفسي: فاز لعمر الله! ومن بني رؤاس بن كلاب عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس. واسم الرؤاس الحرث بن كلاب. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه مالك بن قيس فأسلما. ومنهم وكيع بن الجرّاح المحدِّث: ويكنى أبا سفيان. سمع هشام بن عروة والأعمش. روى عنه يحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وعليُّ بن المديني. وكان الجراح أبوه على بيت مال المهدي شريك محمد بن عليِّ بن مُقدَّم. وتوفي وكيع في طريق مكة بفيد سنة سبع وتسعين ومئة. وابنه سفيان بن وكيع، خرَّج عنه الترمذي كثيرا وغيره. وقال الموصلي الحافظ: سفيان بن وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس أبو محمد، فيه لين.
ومنهم العلاء بن مبارك الرؤاسيُّ الكوفيُّ أبو محمد: سمع حفص بن غياث. ومن بني ضبابا بن كلاب ذو الجوشن الضِّبابيُّ: وكان شاعرا. وابنه شمر بن ذي الجوشن من قتلة الحسين رضي الله عنه. وأخو الضِّباب عمرو بن معاوية بن كلاب: من مولده مؤلة. والنسب إليه مؤلي. وهو مؤلة بن كنيف بن حمل بن خالد بن عمرو بن معاوية بن كلاب. له وفادة على النبي عليه السلام ورواية عنه. ومن بني عمرو بن كلاب، وهو عمُّ الضِّباب يزيد بن عمرو بن الصَّعق: الذي قال له ابن علفاء الهجيميُّ يرد عليه في هجائه بني تميم: فإنك مِن هجاءَ بني تميمٍ ... كمُزدادِ الغرام إلى الغرام هم تركوكَ أسلحَ من حُبارَي رأت صقراً ... رأت صقراً وأَشردَ من نَعامِ وأخوه زرعة بن عمرو بن الصَّعق الذي يقول له النابغة الذبيباني: أعلمتَ يومَ عكاظَ حين لقيتَني ... تحت العجاج فما شَققْتَ غُباري ومن بني أبي بكر بن كلاب وبنوه يقال لهم القرطاء الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابيُّ: استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني سليم، وأمره أن يورث امرأة أشيم الضِّبابي من دية زوجها. وكان أشيم قتل خطأ. مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى: من كان عنده علم من الدية أن يخبرني. فقام الضحاك بن سفيان
الكلابيُّ فقال: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: أورث أشيم الضبابي من دية زوجها. فقال له عمر: ادخل الخباء حتى آتيك. فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك، فقضى بذلك عمر. قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ. وكان الضحاك يعدُّ بمئة فارس. أخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سليم. وكانت بنو سليم في تسعمئة، فوفاهم صلى الله عليه وسلم بالضاحك ألفا. وذكر الزبير بن بكار بسند أن الضاحك بن سفيان الكلابيَّ كان سياف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على رأسه، متوحشا بسيفه. وإياه عني العباس بن مرداس في قوله: نُبايعُ بين الأخَشَبين وإنما ... يدَ الله بين الأخشبين نبايعُ عشيةَ ضحاك بن سفيانَ مُعتصٍ ... بسيفِ رسول الله والموتُ واقعُ ومن بني أبي بكر بن كلاب النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب: معدود في الشاميين. يقال أن أباه سمعان وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوَّجته ابنته. فلما دخلت على النبي عليه السلام تعوَّذت منه، فتركها، وهي الكلابية. وللنواس صحبة. خرَّج عنه مسلم حديث الدّجّال حديثا حسنا وروى عن النواس جُبير بن نُفير وبشير بن عبيد الله وجماعة. ومن بني كلاب ربيعة بن ربيعة زُفر بن الحرث والمحلِّق بن حنتم بن شداد، الذي قال فيه الأعشى: وبات على النَّار النَّدى والمحلِّقُ ومن بني الوحيد بن كلاب أمُّ البنين بنت حرام الوحيديَّة: كانت تحت
عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له العباس وجعفرا وعبد الله. وولد كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة عقيلا والحريش وقشيرا وجعدة وعبد الله. فمن بني المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين العُقيليُّ: واسمه لقيط بن عامر ابن صبرة بن عبد الله بن المنتفق، وهو من الصحابة، وعداده في أهل الطائف. ومنهم محمد بن عبد الله بن علاثة العقيليُّ: أبو اليسير، سمع العلاء بن عبد الله وهشام بن حسان وعليَّ بن بذيمة. روي عنه وكيع والأُويسيُّ وحرميُّ ابن حفص. ومنهم إبراهيم بن أبي عبلة أبو إسماعيل: سمع ابن عمر عبد الله بن أم حرام وأنس بن مالك وأبا أمامة ووائلة بن الأسقع. روى عنه مالك وابن المبارك وغيرهما. واسم أبي عبلة شمر بن يقضان المرتجل. توفي سنة إحدى وخمسين ومئة. لمالك عنه حديث واحد مرسل عند جماعة رواة الموطَّأ. ومن بني عقيل قيس بن معاذ: وهو المجنون صاحب ليلى، وكان الأصمعي يقول: لم يكن مجنونا، وإنما كانت به لوثة كلوثة أبي حَيَّةَ وهو القائل في ليلى: ولم أرَ ليلى بعد موقف ساعةٍ ... ببطنِ مِنًى ترمى جمار المحصَّبِ وتُبدى الحصى منها إذا قَذفتْ بهِ ... من البُردِ أطرافٌ البنانِ المخضَّب فأصبحتُ من ليلى الغداةَ كناطرٍ ... مع الصبح في أعقابِ نجمٍ مُغرِّبِ ألا إنما غادرتِ يا أم مالكٍ ... صدًى أينما تذهبْ به الريحُ يذهبِ
وفيها يقول: وهذا البيت من أعجب ما قيل في النحافة..... ومنن قول قيس أيضا: وأَخرجُ من بين البيوت لعلنى ... أحدِّث عنكِ النفسَ في السرِّ خاليا وإني لأَسْتَغشي وما بي نعسَةٌ ... لعل خَيالاً منكِ يلقىَ خيالا أشَواقاً ولمّا يمضِ لي غيرُ ليلةٍ ... رُويْدَ الهوى حتى يُغِبَّ لياليا هذا من أحسن الكلام وأوضحه معنى. ويستحسن لذي الرملة قوله: أحبُّ المكانَ قفرَ من أجل أنَّني ... به أتعنَّى باسمِها غيرُ مُعجَمِ ومن بني خفاجة بن عمرو بن عقيل صاحب ليلى الأخيلية. وأخيل الذي تنسب إليه ليلى وهو ابن عبادة بن عقيل. ومن قوله توبة في ليلى من قصيدة: ولو أنَّ ليلى الأَخْيلية سلَّمتْ ... عليَّ، وفَوقي تُربةٌ وصفائحُ لسلَّمتُ تسليمَ البشاشةِ أو زَقا ... إليها صدًى من جانبِ القبر صائحُ ويقال: إنها مرَّت مع زوجها، وهي في هودجها على قبر توبة فأمرها أن
تسلم عليه فأبت. فعزم عليها فقالت: السلام عليك يا توبة. فخرج طائر من القبر يشبه البوم، فضرب صدرها، فوقعت على هودجها ميتة. وكانت ليلى من فحول الشعراء، وعمرت حتى عجَّزت. أو لا تراها حضّت في رثاها عثمان على الطب بدمه. وأنشدت الحجاج، وهو والي العراق. وخبرها معها مشهور. وقالت ليلى ترثي توبة بن الحُميِّر، حين قُتل: أعَيني ألا فأبكى على ابن حُميِّر ... بدمعٍ كفيض الجدول المتفجِّر كأنَّ فتى الفتيانِ توبةَ لم يُنَخْ ... بنجدٍ، ولم يَطْلع مع المتْغوِّرَ ولميَقْدعِ الخصمَ الألدَّ ويملأَ ال ... جفانَ سَديفاً يومَ نكباءَ صَرصرٍ ألا رُبَّ مكروه دَفعتَ وخائفٍ ... أجبتَ ومعروفٍ لديكَ ومُنكَرِ فيا تَوب للَمَوْلى ويا توبَ للنَّدى ... ويا توب للمُسْتنبِحِ المتَنَوِّرِ ومن بني عقيل بن عبد الله بن شفيق العقيليُّ: من التابعين. روى عن عائشة أنها كانت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحف نسائه. ومنهم يزيد بن بيان العقيليُّ: سمع أبا الرِّجال. روى عنه الحسين بن منصور وإسحاق بن منصور.
ومنهم أبو سلمة المنهال بن بحر العُقيليُّ: سمع حماد بن سلمة ومسلمة بنت عقلمة. ومن بني عقيل عويمر بن أبي عدي بن ربيعة بن عاد بن عقيل: شاعر فارس.. دعا عنترة بن شداد العبسي إلى المبارزة، وقال له: ابرز إليَّ أيها العبد. ومن بني عقيل يزيد بن الصَّقيل العُقيليُّ: وكان يسرق الإبل. ثم تاب وقتل في سبيل الله. وهو القائل لما تاب: ألا قُل لأرباب المخائضِ: أهمِلوا ... فقد تابَ عمَّا تعلمونَ يزيدُ وإنَّ امرَأَ ينجو من النار بعدَما ... تَزوَّد من أعمالها لسعيدُ إذا ما المنايا أخطأتْكَ وصادفتْ ... حَمِيمَكَ فاعلمْ أنها ستعوذُ ومن بني الحريش بن كعب عبد الله بن الشخِّير: وهو من الصحابة، وابناه: مُطرِّف ويزيد من كبائر التابعين. ويقال: أنه كان ينوَّر لعبد الله في سوطه. ومات عمر ومُطرِّف ابن عشرين سنة، كأنه كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله عقب بالبصرة، ويكنى أبا عبد الله. ومات في خلافة عبد الملك بن مروان. وابنه عبد الله بن مطرِّف: روى عن أبي برزة، وروى عن قتادة وحميد بن هلال. ومات أخوه يزيد، ويكنى أبا العلاء، سنة إحدى عشر ومئة. ومنم زرارة بن أوفي العامريُّ الحوشيُّ: من أهل البصرة، وولي القضاء بها. وكان من خيار التابعين، ومن العاملين العالمين الخاشعين. روي عنه أنه صلى الصبح فقرأ:) يا أيها المدَّثِّر (. فلما بلغ:) فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير (خَرَّ مغشيا عليه، فحمل إلى أهله، فمات من
ساعته. وروى زرارة عن أبي هريرة وتميم الداري وعبد الله بن سلام وعمران ابن حصين وسعد بن هشام. وروى عنه عوف الأعرابيُّ وقتادة وغيرهما. مسلم: حدثني أبو غسان المسمعيُّ قال: نا معاذ يعني ابن هشام قال: نا أبي عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين أن رجلا عضَّ ذراع رجل فجذبه فسقطت ثنيَّته. فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطله، وقال: " أردت أن تأكل لحمه ". مسلم: حدثنا محمد بن عبيد الغُبريُّ: نا غوافة، عن قتادة، عن زرارة ابن أوفي، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ". سعد بن هشام الراوي عن عائشة وروى عنه زرارة كان من كبار التبعين. وهو سعد بن هشام بن عامر بن أمية بن الحسحاس بن مالك بن غُنم ابن عدي بن النجار الأنصاريُّ البخاريُّ. وأبوه هشام وجدُّه عامر من الصحابة. وكان أبوه يسمَّى في الجاهلية شهابا. فغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه هشاما. واستشهد جدُّه عامر يوم أحد. ولا تُحفظ له رواية عن النبي عليه السلام. وفيه قالت عائشة حين دخل عليها سعد بن هشام حفيده مع حكيم بن أفلح: نعم المرء كان عامر. ومن بني قُشير بن كعب بَهزُ بن حكيم بن معاوية بن جيدة. ولحيدة جدِّه صحبة وطال عمره، أدرك الجاهلية وأدرك إمارة بشر بن مروان على الكوفة. وبهز ثقة في الحديث، وكان من خيار الناس. ومن قُشير سوادة بن حنظلة القُشيريُّ: روى عن سمرة بن جندب حديث: " لا يغرَّنَّكم من سحوركم أذان بلال "، خرَّجه مسلم. وروى عن سوادة ابنه عبد الله وشعبة. وروى عن ابنه عبد الله إسماعيل بن عُليَّة وحماد بن زيد وأبو الرباب. ومنهم ذو الرُّقيبة: وكان من المعمَّرين، وهو مالك بن سلمة الذي أسر حاجب بن زُرارة.
ومنهم مُطرِّف بن مالك القُشيري: شهد فتح " تُسْتر ". روى عنه أبو عثمان النَّهدي وزرارة بن أوفي. ومنهم أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة القشيري: روى عن سماك بن حرب وعمرو بن دينار. روى عنه شعبة ويحيى القطان. ومنهم شداد بن عمران القُشيريُّ: أبو روبة، روى عنه جامع بن مطر. ومنهم القتَّال الشاعر واسمه عبيد بن المضرحيِّ: وقيل له الكلابيُّ، لأن أمه من كلاب، فنسب إلى أخواله. وكلاب عمُّ قشير. وهو القائل: أنا ابنُ الأكرمين بني قُشيرٍ ... وأخوالي الكرامُ بنو كلابِ يُعرِّض للطِّعان إذا التقينا ... وجوهاً لا تعرَّضُ للسِّباب ومن بني جعدة بن كعب أبو ليلى النابغة الشاعر: واسمه قيس بن عبد الله ابن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشده القصيدة التي أوَّلها: تذكَّرتُ والذكرى تهيجُ على الفتى ... ومن حاجة المحزون أن يتذكرا ندامايَ عند المنذرِ بن مُحرِّقٍ ... أرى اليومَ منه ظاهرَ الأرض مُقفِرا وفيها: وتُنكر يومَ الرَّوع ألوانَ خيلنا ... من الطعن حتى نحسِبَ الجَونَ أشقرا
وليس بمعروفٍ لنا أن نردَّها ... صِحاحاً ولا مُستنكراً أن تُعقًرا وفيها: أتيتُ رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتاباً كالمجرَّةِ ثَيِّرا أقيم على التقوى وأرضى بفعلها ... وكنتُ من النار المخُوفة أحذَرا وفيها ما أتى فيه حديثٌ مُسند ذكره الإمام الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن إبراهيم السَّلفي الأصبهانيُّ في السُّداسيات له. قال أبو الطاهر: أخبرنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعديُّ بمصر قال: نا عُبيد الله بن محمد بن يطَّة العُكبري بها، قال: نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغويُّ، قال: نا داود بن رشيد، قال: نا يعلى بن الأشدق، قال: سمعت النابغة يقول: أنشدتُ صلى الله عليه وسلم: بلغْنا السواءَ مجدُنا وجدودُنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مَظْهرا فقال: " أين المظْهرُ أبا ليلى؟ " فقلت: الجنةُ. فقال: " أجل، إن شاء الله ". ثم قلت: ولا خيرَ في حِلمٍ إذا لم تكن له ... بوادرُ تحمي صفَوهُ أن يُكدَّرا ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أَوردَ الأمرَ أَصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أجدتَ لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ
مرتين ". وفي رواية عبد الله بن جراد لهذا الخبر قال: فنظرت إليه كأن فاهُ البَردَ المتَهلَّلَ يتلأْلأُ ويَبْرق ما سقطت له سِن، ولا نغِلْت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أجدت لا يَفضُضِ الله فاك ". وعاش النابغة بدعوة النبي عليه السلام حتى أتت عليه مئة سنة واثنتي عشرة سنة. فقال في ذلك: أتتْ مئةً لعام وُلدتُ فيه ... وعشرٌ بعد ذلك واثنتانِ وقد أبقتْ صروفُ الدهر مني ... كما أَبقت من الركن اليماني ألا زَعمتْ بنو سعدٍ بأني ... ، وما كذَبوا، كبير السنِّ فانِ وذكر عمر بن شبَّة عن أشياخه أن النابغة الجعدي عُمر مئة وثمانين سنة. وقال غيره: أدرك المنذر بن محرِّق، ونادمه، وكان أسنَّ من النابغة الذيباني. والدليل على ذلك أن الذِّبيانيَّ كان مع النعمان بن المنذر وأبي قابوس. وكان المنذر بن محرِّق قبل النعمان وهو جدُّه. ومات النابغة الذيباني في الجاهلية. وكان الجعديُّ طويل البقاء في الجاهلية والإسلام. وكان يرد على الخلفاء؛ ورد على عمر ثم عثمان، وبقي إلى أيام ابن الزبير، ومدحه بمكة. فقال له ابن الزبير: يا أبا ليلى، الشعرُ أهون وسائلك عندنا. ولك في مال الله تعالى حقّانِ: حقٌّ لرؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لشركتك أهل الإسلام في فيئهم. وكان يذكر في الجاهلية دين إبراهيم والحنيفية، ويصوم، ويستغفر فيما ذكروا. وقال في الجاهلية كلمتَه التي أولها: المحدُ لله لا شريكَ له ... من لم يقلهْا فنفسَهُ ظَلما. وفيها ضروب من دلائل التوحيد والإقرار بالبعث والجزاء والنار.
وولد عبد الله بن كعب بن ربيعة العَجْلان. فمن بني العجلان تميم بم مُقْبل الشاعر. وأما عامر بن ربيعة بن عامر فولد بكَّاء بن عامر وعمرو بن عامر، واسم البكاء ربيعة وكان أحمق، وله خبر في مستظرف سُمِّي به " البكاء ". ذكره حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب " أفعَلَ " من تأليفه. فمن بني البكاء بِشر بن معاوية البكَّائيُّ: قدم مع أبيه معاوية بن ثور وافدين على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح برأس بشر، ودعا له. وفي ذلك يقول ابنه محمد: وأبي الذي مَسح الرسولُ برأسهِ ... ودعا له بالخيرِ والبركاتِ ومنهم عقيةُ بن وهْبٍ البكَّائيُّ: أبو نُعيم. روى عنه ابنه وهب وابن عُيينة. ومنهم خَرقاءُ صاحبة ذي الرُّمة التي كان يشبِّب بها. ومنهم زياد بن عبد الله البكائي: الذي روى السيرة عن ابن إسحاق، وخرَّج عنه مسلم في الصحيح. وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومئة. ومن بني عامر بن ربيعة حبَّةُ وسَواءٌ: ابنا خالد. حديثهما عند الأعمش عن سلاَّم أبي شُرحبيل قال: سمعت حبَّة وسواء ابني خالد يقولام: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعمل عملا، فأعنَّاهُ عليه. فلما فرغ دعا لنا، وقال: " لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسُكما، فإن الإنسان تلدُه أمه أحمر ليس عليه قشر، ثم يعطيه الله ويرزقُه ". ومن بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة خالد وحَرملةُ ابنا هَوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهما من المؤلفة قلوبهم. وربيعة جدُّهما أبو أبيهما هوذة، كان يدعى أنف الناقة. وليس بنوه الذين مدحهم الحطيئة؛ أولئك بنو قرَيع من تميم. وقد مضى ذكرهم. وولد خالد بن هوذة العدَّاء بن خالد: أسلم بعد حُنين، وحسُن إسلامه.
وهو القائل: قاتلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين. فلم يُظهرنا الله، ولم ينصرنا. من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدَّث به الأصمعي قال: نا عثمان الشحَّام عن أبي رجاء العُطارديُِ عن العداء بن خالد قال: ألا أرئك كتابا كتبه لي رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فإذا فيه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة شكَّ عثمان بياعة المسلم أو بيع المسلم المسلمَ لا داء ولا غائلة ولا خَبْثة " قال الأصمعي: سألت سعيد ابن أبي عَروبة عن الغائلة قال: الإباق والسرقة والزنا. وسألته عن الخَبثة، فقال: بيعُ أهل عهد المسلمين. وأما مُرَّةُ بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فبنوه ينسبون إلى أمهم سَلول، وبها يُعرفون. وقال الزبير بن بكار: سَلولُ بنة شيبان بن ذهْلِ بن ثعلبة. ولدت بني مُرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة قال: وأمُّ سلول من بني يَشْكر. وبنو سَلول رهطُ أبي مريم السلوليِّ، واسمه مالك بن ربيعة، وهو والد يزيد بن أبي مريم، بصري له صحبة. قال عليُّ بن المدينيِّ: له عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو عشرة أحاديث. ومن بني سلول قَرَدة بن نُفاثة السلوليُّ: كان شاعرا، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة من بني سلول، فأمَّره عليهم بعد أن أسلم وأسلموا. فأنشأ يقول: بانَ الشبابُ فلم أحفِلْ به بالا ... وأقبلَ الشيبُ والإسلام إقبالا وقد أُروِّي نديمن من مُشعشعَةٍ ... وقد أُقلِّب أوراكاً وأكفالا الحمدُ لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسَيتُ من الإسلام سِرُبالا
وقد قيل: إن البيت قوله: الحمد لله إذ لم يأتني أجاي للبيد، قاله أبو عبيدة وقال قردة أيضا: لا أسمعُ الصوت حتى أستديرَ له ... وحال بالسمع دون المنظرِ البصرُ وكنت أمشي على الساقينِ مُعتدلاً ... فصرتُ أمشي على ماُ تنبِتُ الشجرُ إذا أقوم عجنتُ الأرضَ متكئاً ... على البراجم حتى يذهبَ النَّفَرُ ومنهم بَشير بن نَهيك أبو الشَّعثاء السلولُّي: سمع أبا هريرة، وروى عنه النضْر بن أنس. سعد بن بكر بن هَوازن بن منصور، منهم ضِمامُ بن ثعلبة: وافد بني سعد بن بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه صحيح مشهور في دعائم الإسلام، أخرجه مسلم وغيره. روي عن ابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك وطلحة، ولم يسمِّه طلحة. وطُرفه كلُّها صحاح. ومنهم حَليمة بنت أبي ذؤيب. وأبو ذؤيب هو عبد الله بن الحارث بن شَجْنة جابر بن رزام بن ناصرة بن قُصيَّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هَوازن. وهي أمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، حتى أكملت رضاعه. ورأت له بُرهانا وعلما جليلا. واسم أبيه الذي رضعه الحرث بن عبد العُزَّى بن رفاعة بن مِلاَّنَ بن ناصِرةَ بن قُصيَّة بن نصر بن سعد. روى زيدُ بن أسلم عن عطاء بن يَسار قال: جاءت حليمة بنة عبد الله أمُّ النبي عليه السلام من الرضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، فقام إليها، وبسط لها رداءه فجلست عليه. روت عن النبي عليه السلام، وروى عنها عبد الله بن جعفر.
وبنتُها الشَّيماء: أخت النبي عليه السلام من الرضاعة. واسمها خذامةُ، وقيل: حُذامة. كانت في سبي هوازن، فجعل المسلمون يسيرون بها سيرا عنيفا. فكانت تقول: ارفقوا بي، فإني أخت صاحبكم. فلما رأت النبيَّصلى الله عليه وسلم أخبرته من هي. فسألها: " ما علامة ذلك؟ " قالت: عضَّة عضضتَنيِها في ظهري، وأنا مُتَورِّكتُك. فعرف النبي العلامة. فرحَّب بها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، كما فعل بحليمة أمِّها. ودمعت عيناه. وقال لها: " إن أحببتِ فأقيمي عندي مُكْرمة مُحَبَّة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتُك ". فقالت: بل أرجع إلى قومي. فأسلمت، وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعبُد وجارية، وأعطاها نَعَما وشاء. ومن سعد بن بكر بن هوازن عَطيةُ بن عُروة السَّعدي: يُكنى أبا محمد. وقيل: عطيةُ بن عامر، والأول أكثر. روى عنه أهل اليمن والشام، وهو جدُّ عروة ابن محمد بن عطية. حدَّث محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: نا بشر بن بكر الحنبلي الدمشقي؛ نا عبد الرحمن بن حاتم عن عروة بن محمد بن عطية قال: حدثني أبي أن أباه أخبره قال: قدمت...... " قال رسول الله.... " " فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ". وذكر أن عروة بن عطية كان أميرا لمروان بن محمد، وهو الذي قتل أبا حمزة الخارجيَّ، وقتل طالب الحق الأعور القائم باليمن. ومن بني بكر بن هوازن أبو وجْزةَ يزيدُ بن عُبيد السعدي: وكان شاعرا مُجيدا، كثير العلم فيمن حمل الحديث مثله في الشعر. وتوفي بالمدينة سنة ثلاثين ومئة. قَسِيُّ بن مُنبِّه بن بكر بن هوازن. وقسي هو ثقيف. وقيل: إن ثقيفا هو قسيُّ بن النَّبيت بن منبِّه بن منصور بن يَقدُم بن أقصى بن دَعْميِّ بن إياد بن معدِّ بن عدنان. قال أمية بن أبي الصَّلت الثقفي: فإمَّا تسألي عني لبَيْني ... وعن نسبي أُخبِّرْكِ اليقينا
فإمَّا للنَّبيتِ أبي قَسِيٍّ ... لمنصور بن يَقدُمَ الأقْدَمِينا وقال أيضا: قَومي إيادٌ لو أَنَّهمْ أَمَمُ ... أَوْلَوْ أَقاموا فتُهْزَل النَّعمُ قومٌ لهمْ ساحةُ العراقِ إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلم وأنشد الحجاج هذين البيتين بين يدي عبد الملك بن مروان، فقال الحجاج: معاذ الله يا أمير المؤمنين نحن من قيس، ثابتة أصولنا، باسقة فروعنا، يعرف ذلك قومنا. وقد قال شاعرنا: وإنَّا معشرٌ من جِذْم قيسٍ ... فنِسْبتُنا ونسبتُهم سَواءُ همُ آباؤنا وبنوا علينا ... كما بُنيتْ على الأرضِ السماءُ وقيل: إن ثقيفا من بقايا ثمود. وكان الحجاج يُنكر هذا ويتلو: " وثمودا فما أبقى ". وأصحُّ شيء في ثقيف من جهة الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله فهو الحقُّ، وما حدَّث يحيى بن مَعِين قال: نا هشام بن يوسف ابن مَعْمر عن ابن خُثَيم، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في غزوة تبوك وهو بالحجر فقال: " يأيها الناسُ لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد الناقةُ عليهم من هذا الفج، فتشْرب من مائهم، ويحلبُون من لبنها مثل الذي كانت تشربه من مائهم يوم ورودها، وتصدُر من هذا الفجِّ. فعَتَوا عن أمر ربِّهم، فعقرها. فوعدهم الله ثلاثة أيام، وكان وعدا غير مكذوب. فأخذتْهم الصيحة، فأهلك الله من تحت السماء في
مشارق الأرض ومغاربها، إلا رجلا كان في حرم الله، فمنعه حرمُ الله ". قالوا: يا رسول الله، ومن هو؟ قال: " أبو رغال ". قالوا: ومن أبو رغال؟ قال: " هو أبو ثقيف ". ومن حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مرَّ بقبر أبي رغال فقال: " هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف. كان إذ أهلك الله قوم صالح في الحرم فمنعه الله، فلما خرج من الحرم رماه الله بقارعة، وآية ذلك أنه دُفن معه عمودٌ من ذهب ". فايتذر المسلمون قبره فنبشوه، واستخرجوا العمود منه. وقال حسان بن ثابت في ثقيف: إذا الثقفيُّ فاخرَكمْ فقولوا: ... هَلمَّ نعدُّ أمرَ أبي رِغالِ أبوكمْ أخبثُ الأحياءِ قِدْماً ... وأنتم مُشْبِهوهُ على مثالِ ومن زعم أن ثقيفا من إياد زَعم أنهم خلفاء قيس. وإنما صار حلفُ ثقيف إلى قيس، لأن أم قسيِّ بن مُنبِّه هي ابنةُ عامر بن الظَّرب العَدْواني. فكانت قيس أخوالهم، فحالفوهم، لأن دارهم مع دارهم. وكانت ثقيف قد نزلت دارا لم ينزل أحد من العرب أفضل منها، وحَمَوها في الجاهلية ممن رامها من جميع العرب. وممن قال إن ثقيفا حُلفاء قيس ابن إسحاق وغيره. والذي عليه أكثر جماعة أهل العلم بالنسب أن ثقيفا في قيس، وأن ثقيفا هو قَسيُّ بن مُنبِّه بن بكر بن هَوازن. فمن ثقيف عُروةُ بن مسعود بن مُعتٍّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عَوف بن ثقيف، أبو مسعود، وقيل: أبو يعفور. أسلم حين انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف. أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، وحسُن إسلامه. وكان محببَّا مُطاعا في ثقيف، وقتلوه حين دعاهمْ إلى الإسلام.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مَثلَه في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه ". وشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيسى بن مريم عليه السلام في حديث الإسراء. ومن بني عروة بن مسعود أبو مليح وعاصم.... وأما عاصمُ بن عُروة فولد يعقوب، وهو من التابعين. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصي حديث " يخرج الدجَّال في أمتي فيمكث أربعين ". وهو حديث طويل خرَّجه مسلم. وكان لعروة أخ شقيق اسمه الأسودُ بن مسعود: مات مشركا. وابنه قاربُ بن الأسود: هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي دين أبيه الأسود من مال الطاغية. فقال له عليه السلام: " إن الأسود مات مشركا ". فقال قارب: لكن تصل مسلما ذا قرابة يعني نفسه إنما الدَّين عليَّ، وأنا الذي أطلب به. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان فقضى دين الأسود من مال الطاغية. ومنهم عثمان بن أبي العاصي بن بشر بن دُهمان: وهو أحد وفد ثقيف، وكان حسن الإسلام راغبا في التفقُه في الدِّين. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف، وكان من أحدثهم سنا. وروى مُطرِّفُ بن عبد الله بن الشخِّير عن عثمان بن أبي العاصي، قال: كان آخر ماعهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال: " يا عثمان، تجاوز في الصلاة، واقدر الناس بأضعفهم، فأن فيهم الكبير والصغير وذا الحاجة ". ويكنى أبا عبد الله، ومات في خلافة معاوية، وكان ممَّن سكن البصرة. روى عنه أهلها وأهل المدينة أيضا. وعثمان بن أبي العاصي كان سبب امْتِساكِ ثقيف في حين ردة العرب عن الردة، لأنه قال لهم حين همُّوا بالرِّدة: يا معشر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلاما، فلا تكونوا أول الناس ردة. وهو القائل: الناكح مُغْترس، فلينظر أين يضع غَرْسَه، فإنَّ عرق السَّوء لا بدَّ ينزع ولو بعد حين. وأمُّه أمُّ عثمان، واسمها فاطمة بنت عبد الله: روى عنها ابنها عثمان أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهْب أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضرتْها حين
وضعته، كان ذلك ليلا. قالت: فما شيء أنظر من البيت إلا نور ... ومن ولده أبو صفوان عثمان بن عمرو بن صفوان بن عبد الله بن عثمان ابن أبي العاصي: سمع سفيان الثوريَّ. ومنهم عبد يالِيل بن عمرو بن عُمير بن عوف بن عُقدة بن غيرة بن عوف ابن عوف بن ثقيف. وعمرو بن عمير: أبوه، هو عظيم القريتين، وسيد ثقيف. يكنى أبا مسعود. والقريتان مكة والطائف. وفيه الوليد بن المغيرة أنزل الله تعالى: " وقالوا: لولا نُزِّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم ". وهو وأخوه مسعود وحبيب هم الذين عَمد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة وأتى الطائف قبل الهجرة رغبة في إسلامهم، وأن يمنعوه حتى يظهر ما أرسل به. فردُّوا عليه أقبح ردٍّ، وأغرَوا به سفهاءهم. والخبرُ بذلك مُستوفي في السِّير. وأسلم عبد يالِيل، وهو أحد وفد ثقيف. ومنهم أبو مِحْجنٍ الشاعر الشجاع، وهو من الصحابة. واسمه مالك بن حبيب بن عمرو بن عُمير. وقيل: عبد الله بن حبيب، وقيل: اسمه كُنْيتُه. وجدُّه الأقرب أبو أبيه عمرو بن عُمير هو عظيم القريتين المذكور آنفا. وكان أبو محجن من الشجعان الأبطال في الجاهلية والإسلام، ومن الفرسان البُهْم. وكان شاعرا مطبوعا كريما، إلا أنه كان مُنهمكا في الشرب، لا يكاد يُقلع عنه، ولا يردعُه حدٌّ ولا لومُ لائم. وخبره مع سعد بن أبي وقاص في حرب القادسية مشهور. ومنهم الشريدُ بن سُويد الثقفي: وهو من الصحابة. روى عنه ابنه عمرو ابن الشريد ويعقوب بن عاصم.... ومن ثقيف المغيرةُ بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن مُعتِّب. وأبوه شعبة ابن أخي عروة بن مسعود. شهد المغيرة بيعة الرضوان، وشهد اليمامة، وفتوح يسار وأبو محمد بن سيرين من سَبْي مَيْسان. وشهد نهاوند، وكان على ميسرة النعمان بن مقِّرن. وهو أول من وضع ديوان البصرة. ويقال إنه أحصن ثمانين
امرأة. ويكنى أبا عبد الله، ومات بالكوفة وهو أميرها سنة خمسين. وقال حين حضرته الوفاة: اللهمَّ هذه يميني بايعت بها نبيَّك، وجاهدت بها في سبيلك. وولده عُروةُ بن المغيرة: يكنى أبا يَعْفور، وكان خيِّرأ. وروى عن أبيه المغيرة حديث المسح على الخُفَّين، وهو حديث صحيح مشهور. ومنهم أبو عُبيدِ بن مسعود بن عَمرو بن عُمير: وهو ابن عمِّ أبي مِحْجن لحّا، لا تَعلمُ له رواية عن النبي عليه السلام. قُتل في أول خلافة عمر هو وابنه جَبْر بن عُبيد يوم الجِسر، وهو صاحب يوم الجسر المعروف بجسر أبي عُبيد. وهو والدُ صفية بنت أبي عبيد والمختار بن أبي عبيد. واستُشهد أبو عبيد يوم الجسر في آخر شهر رمضان من سنة ثلاث عشرة. واستُشهد معه يومئذ من المسلمين ألف وثمانمئة بين قتيل وغريق، رحمهم الله. وقد قيل إن الفيل بَرك يومئذ على أبي عُبيد فقتله بعد نكاية كانت منه في المشركين. وقيل إن أبا عبيد ضرب مِشفَرَ الفيل، وضرب أبو مِحْجن عُرقوبه. وأوصى أبو عُبيد إلى عمر بن الخطاب، ورثاه أبو مِحْجن. ووُلد ابنه المختار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان غير مختار. وولاَّه عبد الله بن الزبير الكوفة، فخلع ابن الزبير، ودعا لمحمد بن الحنفية. وكان المختار لا يُوقف له مَذْهب؛ كان خارجيا، ثم صار زُبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره وإليه تُنسب الكَيْسانية من الرافضة، وهم أصحابه. وكان لقبُ المختار كَيسان. وكان يدَّعى أنه يُلهم ضربا من السجع لأمور تكون، ثم يحتال فيوقعها. فيقول للناس: هذا من عند الله. فمن ذلك قوله ذات يوم: لتنزلَنَّ من السماء نارٌ دَهماء، فلتحرقنَّ دارَ أسماء. فذُكر ذلك لأسماء بن خارجة، فقالت: أقد سَجع لي أبو إسحاق؟ هو والله مُحرِقُ داري، فتركته والدارَ وهرب من الكوفة. ومن سجعه: إني أجدُ في محكم الكتاب وفي اليقين والصواب أن الله مؤيِّدُكم بملائكة غضاب تأتي في صُورَ الحمام دمن السحاب. وقصةُ مكيدته بهذه
الحمام مشهورة ذكرها المبرِّ في " الكامل ". وحصر مصعب بن الزبير المختار في قصره بالكوفة، ثم قُتل، قتلهُ صرَّاف بن يزيد الحنفيُّ. وكانت بنت سمرة بن جُندب عند المختار، وله منها ابنان: إسحاق ومحمد، وله من غيرها بنون، وأعقب بالكوفة كثيرا. وكانت أيضا تحته بنت النعمان بن بشير، وهي التي قتلها المصعب، لأنها لم تتبرَّأ من المختار، كما تبرّأت بنت سمُرةَ منه. وفي ذلك يقول عمر بن أبي ربيعة: إنَّ من أكبر الكبائر عندي ... قتلَ حسناء غادةٍ عُطبولِ قُتلتْ باطلاً على غيرِ ذنبٍ ... إنَّ للهِ درَّها من قَتيلِ كُتب القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى الغانياتِ جَرُّ الذيولِ ومنهم أبو بَصير عُتبةُ بن أسِيد بن جارية بن أسيد بن عبد الله بن سلمة ابن عبد الله بن غيرة بن عَوف بن قَسِي: وهو ثقيف، حليفُ بني زهرة من قريش بعد صلح الحديبية بمكة. وقدِم المدينة، فأرسلت قريش في طلبه رجلين: أحدهما من بني عامر بن لؤي. والآخر: مَولى لهم. فدفعه النبيُّ عليه السلام إلى الرجلين للعهد الذي كان في عقد الصلح. فخرجا حتى بلغا به " ذا الحُليفة ". فقَتل أبو بَصير العامريَّ بها، وهرب المولى حتى قدِم المدينة. فقال النبي عليه السلام حين رأى المولى: " لقد عاد هذا ذُعراً ". وانتهى أبو بصير إلى النبي عليه السلام، فقال: يا رسول الله، قد والله وفت ذمَّتك فرددتَني إليهم، وأنجاني الله منهم. فقال النبي عليه السلام: " ويلُ أُمهِ مِسعَرُ حربٍ، لو كان له أحد ". وفي رواية: " لو كان معه رجال ". فلما سمع ذلك علم أنه سيردُّ إلى قريش، فخرج حتى أتى سِيفَ البحر بالعِيص. وأفلت أبو جندل بن سُهيل بن عمرو من
حبس أبيه بمكة، فلحق به. وخبرُهما بالعيص مشهور قد ذكرتُه قبلُ عند ذكر سُهيل والِد أبي جند في بني عامر بن لؤي من قريش. ومات أبو بصير بالعيص، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث إليه وإلى أبي جندل ليقدما عليه ومَن معهما من المسلمين بيده " فقرأه أبو جندل وأبو بصير مريض، فمات، فدفنه " أبو بصير مكانه، وصلى عليه، وبنى على قبره مسجداً. ومنهم غَيلان بن سَلمة أبو شُرحبيلَ الثقفيُّ: أسلم مع أهل الطائف، وكان عنده عشرُ نسوةٍ،. فأَمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخيَّر منهن أربعاً. وهو غيلانُ بن سَلمة بن مُعتِّب، ابنُ عمِّ عروةَ بن مسعودٍ بن مُعتِّب. وكان أحدَ وجوهِ ثقيفٍ ومقدَّميهم. وفد على كسرى، وخبرُه معه عجيب مشهور. وكان شاعراً مُسناً. وابنتُه باديةُ بنت غَيلانَ: هي التي نعتَها الحنَّث " هِيتٌ " لمولاهُ عبد الله بن أبي أميَّةَ في بيت أمِّ سَلمةَ أختِه زوج النبي عليه السلام. فقال: إنْ فتح الله عليكم الطائف غداً فإني أدلُّك على بنتِ غيلانَ، فإنها تُقْبِل بأربعٍ، وتُدبرُ بثمان. فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: " لا يدخل هؤلاء عليكنَّ ". وتوفي غَيلانُ في آخر خلافة عمر. وأمُّه سُبيعةُ بنت عبد شمس. وابنه شُرحبيل بن غيلان: أحدُ وفِد ثقيف، وكان من وجوههم، وله صحبة، ولأبيه غيلانَ أيضاً صحبة. وزاد له القاضي..أبو الوليد الباجي، رحمه اله، ابناً على طريق الغَلط، وذلك أنه قال في كتاب " السَّنن والسُّنن " له، قال: المعذَّلُ بن غَيلانَ بن سَلمة الثقفي وأنشد له: ولستُ بميَّال إلى جانب الغِنى ... إذا كانتِ العَلياءُ في جانب الفَقْرِ
وإني لصبَّارٌ على ما يَنوبُني ... وحسبُك أَنَّ الله أَثنى على الصَّبْرِ وهذان البيتان إنَّما هما للمعذَّل بن غيلانَ بن الحكم الرَّبَعي، وقد ذكرتُه. ومن بني غَيلانَ عمرو بن غيلانَ: وحديثه عند أهل الشام، ليس بالقَوي. وكان يُكنى أبا عبد الله بابنه. وكان عبد الله ابنه من كبار رجال معاوية، ولاهُ البصرةَ بعد موت زيادٍ حين عزَل سمُرةَ بن جُندبَب عنها. فأقامَ أميرَها ستةَ أشهر، ثم عزله، وولاَّها عُبيدَ بن زياد. فلم يزل واليها حتى ماتَ، فأقرَّه يزيد. ومن بنيه نافعُ بن غيلانَ: استُشهد مع خالد بن الوليد بدومةِ الجندل، فجزِع عليه أخوهُ جزعاً شديداً، ورثاهُ بأبياتٍ كثيرة منها قولُه: ما بالُ عيني لا تُغمِّضُ ساعةً ... إلا اعْترتني عَبرة تَغشاني يا نافعٌ مَن للفوارس أحجمت ... عن شدَّةٍ مَذكورةٍ وطِعانِ لو أستطيع جعلتُ مني نافعاً ... بين اللهاةِ وبينَ عَقدِ لساني وبنتُه حُكيمةُ بنت غَيلانَ: كانت تحت يعلى بن مُرَّةَ بن وهْب بن جابر الثقفي، روت عنه. واسمُ أم يعلى سيابة. فرما نُسب إليها، فقيل يعلى بن سَيابة، يُكنى أبا المرزام. " وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية وخيبرَ والفتح وحُنيناً والطائف. روى عنه ابنه عبد الله بن يعلى والمُنْهال بن عمرو وغيرهما. يعدُّ في الكوفيين. ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي بن الحكم بن أبي عَقيل بن مسعود بن عامر بن مُعتِّب بن مالك بن كعب: من الأحلاف. يجتمع مع عروة بن مسعود في معتِّب بن مالك. وأخبارُه أشهرُ من أن تُذكر. وولاَّهُ عبد الملك بن مروان
الحجازَ ثلاثَ سنينَ بعد قتل عبد الله بن الزبير، فكان يصلي بالموسم كلَّ سنة. وصلَّى وراءه عبد الله بن عمر منها موسماً، ثم ولاهُ العراق، وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنةً، فوليَها عشرين سنة، وأصلحها، وذلَّل أهلها. وروى أبو اليَمان عن جرير بن عثمانَ، عن عبد الرحمن بن مَيسرةَ، عن أبي عَذَبة الحَضْرميِّ قال: قدمتُ على عمر بن الخطاب رابعَ أربعةٍ من أهل الشام، ونحن حجاج. فبينا نحن عنده أتاهُ خبرٌ من أهل العراقِ بأنهم قد حَصَبوا إمامَهم، فخرج إلى الصلاة ثم قال: مَن هاهنا من أهل الشامِ؟ فقمتُ أنا وأصحابي فقال: يا أهل الشام تجهزَّوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باضَ فيهم وفرَّخ. ثم قال: اللهمَّ إنهم قد لَبَسوا عليَّ فالبَس عليهم. اللهم عجِّل لهم الغلامَ الثقفيَّ الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من مُحسنِهم، ولا يتجاوز عن مُسيئهم. وكان الحجاجُ أخفشَ دقيقَ الصوت. وأولُ ولايةٍ وَلَيها الحجاجُ تَبالةَ. فلما رآها احتقرها، وانصرف. فقيل في المثل: " أهونُ من تَبالةَ على الحجاج ". وهَلك بواسطَ فدُفن بها، وعُفِّيَ قبرُه، وأُجرىَ عليه الماءُ. وكانت وفاتُه سنة خمسٍ وتسعينَ، وهو ابن ثلاثٍ وخمسين. وكان الحجاجُ يُسمَّى كُليباُ في صغره، وكان يعلم الصبيان في الطائف. فقيل فيه: أيُكنى كليبٌ زمانَ الهُزالِ ... وتعليمَه سورةَ الكوثرِ؟ رغيف له فُلكةٌ ما تُرى ... وآخرُ كالقمر الأزهرِ يعني القائل أن خبز المعلمين مختلِف. وأبوهُ يوسُف أيضاً كان معلماً ... ومنهم يوسُف بن عمر بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل: ابن عمر الحجاج
ابن يوسف، يجمعه وإياه الحكَمُ بن أبي عقيل، وكان يُكنى أبا عبد الله. ووليَ اليمن لهشامٍ، ثم ولاَّهُ العراق ومُحاسبة خالد بن عبد الله القسري وعُمَّالهِ، فعذبهم. فمات خالدٌ في عذابه، ومات بلال بن أبي بُردةَ في عذابه. فلما قُتل الوليد بن يزيدَ هربَ فلُحق بالشام، فأُخذ بالشام وحُبس، ثم قُتل في الحبس. وكان يزيدُ بن خالد بن عبد الله فيمن قتلَه بأبيه. وكان له عقب بالشام. ومنهم قُتيبة بن سَعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي أبو رجاء. وهو من جلَّة المحدِّثين الحُفاظ الثقات الفضلاء. رَوى عن مالكٍ والليث وسفيانَ ابن عُيينةَ وعمَّه أبي محمد الوسيم بن جميل بن طريف وعبد العزيز بن محمد الدَّرواورْي ويحيى بن زكرياء بن ابي زائدة الهمْداني وجعفر بن سُليمانَ الضُّبعي وجرير بن حازم الجهضمي وبكر بن مُضرَ المدْحجي وحفص بن غياث النَّخعيِّ وأبي الأحوص سلام بن سُليم وحمَّاد بن زيد والوضاحِ بن أبي عَوانةَ ويعقوبَ بن عبد الرحمن القاريِّ وغيرهم. وروى عنه الأئمة: البخاريُّ ومسلم والترمذيُّ وأبو داود والنَّسائيُّ. وعُمِّر عُمراً طويلاً، وانتُفع به، جدَّد الله عليه رحمته ورِضوانه. ومن ثقيف الأخنس بن شريف بن عمرو بن وهب حليف بني زهرة. وكان شريفاً فيهم، مطاعاً فيما يقول. وهو ردَّ بني زهرة عن حضور بدرٍ، فلم يشهد زهريٌّ مع المشركين وقعة بدر. وكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرد عليه بمكة. وفيه أنزل الله تعالى:) ولاتُطعْ كلَّ حلاَّف مَهين، همَّازٍ مشَّاءٍ بنميمٍ، منَّاعٍ للخير، مُعتدٍ أثيم، عُتُلٍّ بعد ذلك زَنيمٍ (. ولم يقل) زنيمٍ (لعيب في نسبه؛ إن الله تعالى لا يعيب أحداً بنسب، ولكن حقَّق الله تعالى بذلك نعْتَه ليُعرف. والزنيم: الدخيل في القوم، وليس منهم. قال الخطيم التميميُّ في الجاهلية: زَنيمٌ تداعاه الرجالُ زيادة ... كما زيدَ في عَرض الأديمِ الأكارعُ
وفيه قيلَ: قد نضَّرَ الله وفرَّ الأخنسُ وابنه المغيرة بن الأخنس: كان من خيار المسلمين، وقُتل يوم الدار قبل قتل عثمان، رضي الله عنهما. ومن ولد المغيرة يعقوب بن عُتبة بن المغيرة: روى عنه ابن إسحاق صاحبُ السيرة. ومنهم أبو محمد عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري: روى عن أيُّوب السَّختياني وغيره من جلَّة المحدِّثين. وخرج مسلم عن رجل عنه في صحيحه كثيراً. ومات سنة أربع وتسعين ومئة. وفي ابنه عبد المجيد كان يتغزل محمد بن مُناذِر الشاعر، ورثاه بقصيدة طويلة، وهي من حُلو المراثي وحَسَن التأبين. وكان ابن مُناذرٍ فَهِماً مُقدماً، وشاعراً مفْلقاً، وخطيباً مِصقعاً.... قوة كلام العرب بروايته وأدبه وحلاوة كلام المحدثين بعصره ومُشاهدته. ومن موالي ثقيف عبد الله بن أبي نُجيح: واسم أبي نُجيح يسار. وكان عبد الله مفتي مكة بعد عطاء. ومات أبو نجيح سنة تسعٍ ومئة، ومات عبد الله ابنه سنة اثنتين وثلاثين ومئة. مازن بن منصور: أخو هوازن وسُليم. فمن بني مازن بن منصور عُتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نُسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن المنصور: حليف بني نوفل بن عبد منافٍ. يُكنى أبا عبد الله. كان إسلامه بعد ستة رجال؛ فهو سابعُ سبعة في إسلامه. وقد قال ذلك في خطبته المشهورة بالبصرة: لقد رأيتُني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالنا طعامٌ إلا روق السَّمُر، حتى قرِحتْ أشداقُنا. فالتقطت بُردةً، فشققتها بيني وبين سعد بن مالكٍ، فاتَّزرت ببعضها واتزر ببعضها. فما أصبح منا اليوم واحدٌ إلا وهو أمير على مصرٍ من الأمصار. وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً عند الناس صغيراً. وإنها لم تكن نُبوءة إلا تناسختْ حتى تكونَ عاقبتُها مُلكاً.
وعتبة بن غزوان اختطَّ البصرة، وهو أولُ من نزلها من المسلمين. وأمر مِحْجنَ ابن الأدرع، فخطَّ مسجدَ البصرو الأعظم. وهاجر إلى أرض الحبشة، وهو ابن أربعين سنةً، ثم قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة. وأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد بن عمرو، ثم شهد بدراً والمشاهد كلَّها. ومات في خلافة عمر، وهو ابن سبع وخمسين سنةً. ومنهم عبد الله بن بُسْر المازني: من مازن بن منصور في قيس. يُكْنى أبا بُسْر، وقيل: يُكنى أبا صفوان. مات بالشام سنة ثمان وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين سنةً. وهو آخر من مات بالشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه الشاميُّون: خالد بن مَعْدان ويزيد بن حُمير وسُليم بن عامر وراشد بن سَعدٍ وأبو الزَّاهرية ولقمان بن عامر ومحمد بن زيادٍ، فقال إنه ممَّن صلى القبلتين. وأخته الصمَّاء بنت بسر: واسمها " بُهَيَّة "، قال ذلك محمد بن القاسم الطاهريُّ. ويقال: بُهَيمة، بزيادة ميم، ذكره الدارَقُطني. رَوت عن النبي عليه السلام أنه نهى عن صيام السبت إلا في فريضة. انقضى ذكر ولدِ مضر جملةً وتفصيلاً والحمد لله كما يجب لجلاله بُكرةً وأصيلاً.
نزار بن معد بن عدنان
نزار بن مًعدّ بن عدنان ولد نِزار بن مَعَدٍّ مضر وربيعةَ وإياداً وأنماراً. وأكثر أهل العلم بالنسب يقولون: إن أنمارا هو أبو بَجيلة وخَثعم لحق بأرض اليمن، فانتمى بنوه على جهلٍ منهم إلى أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن النَّبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وعمرو بن الغوث أخو الأزد بن الغوث. وقال ابن عباس وجُبير بن مطْعِم: إن خثعم وبَجيلة ابنا أنمار بن نزار، وهو قول اسحاق ومُصعب الزبيري. واحتجَّ من قال ذلك بقول جرير بن عبد الله البجليِّ، وكان سيِّد بَجِيلة يخاطب الأقرع بن حابسٍ وعُيينة بن حصنٍ من مضرَ بن نزارٍ. ابْنَيْ نزار بن انصُرا أخاكما ... إنَّ أبي وجدتُه أباكما لا تخذلا اليومَ أخا والاكُما وقال بنسبتهم إلى اليمن جماعة من أهل العلم بالنسب، منهم ابنُ الكلبي. واحتجَّ من قال بهذا القول بما روى فروة بن مُسَيكٍ القُطيفيُّ المُراديُّ عن النبي عليه السلام. قال فروة: قلتُ يا رسول الله، أقاتل مَنْ أدْبَر من 188 قومي بمن أقبل منهم، وأقاتلُ أهل سبأ؟ قال: " نعم ". قال قلت: يا رسول الله، أخبرني عن سبأ ما هو؟ أرجلٌ أم مرأة أم أرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس بأرض ولا امرأةٍ، ولكنه رجلٌ وَلد عشرةً من العرب، تيامَن منهم ستة، وتشاءم منم أربعة. فأما الذين تشاءموا فلخمٌ وجذامُ وغسانُ وعاملةُ. وأما الذين تيامنوا فالأزدُ وحِمْير والأشعريون ومَذحِجُ وأنمارٌ ". فقال رجل: يا رسول الله أيُّ أنمار؟ قال عليه السلام: " التي فيها بَجيلة وخَثْعم ". وخثعم اسمه " أفتل "، سُمِّي باسم جَمَلٍ له، يقال له خثعم. وبجيلة نُسبوا الى أمهم بجيلة بنت مصعب بن سعدِ العشيرة. وأبوهم عبقر بن أنمار بن إراشٍ. وقد تقدَّم ذكر مضر وبنيه. وأما ربيعة بن نزار فإن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح من ولد اسماعيل بن ابراهيم صلى عليهما ربيعة ومضر ابنا نزار بن معدِّ بن عدنان لا خلاف في ذلك. ويقال لربيعة ربيعة الفرس، ولمضر مضر الحمرا، ولإياد إياد العصا، ولأنمار أنمار الحمار. والخبرُ في تسميتهما بذلك
يطول لاختلاف الحكاية عنه، فلم أوردْه، إذ لا فائدة في إيراده مُهمّة. وقصتهم مع أفعى نجرانَ مشهورة. فولد ربيعةُ بن نزار ضُبيعة بن رَبيعة، وفيهم كان بيتُ ربيعة وشرفها. منهم شِيحةُ بن عبد الله بن قيس: أبو حِبَرَة، وكان من أصحاب علي، وسمع منه. روى عنه المثنَّى بن سعيد، ومات بالبصرة هَرَماً، ولم يُعْقِب. ومنهم أبو جَمرة: صاحبُ ابن عباسٍ، واسمه نصرُ بن عمران بن عصام. روى عنه شعبة وحماد بن زيد. ومات بالبصرة، وأعقب بها. وقال مسلم في صحيحه: مات أبو جمرة بسرخس. والأول قول ابن قُتيبة، وأبوه عمران بن عصامٍ ذكَّره بعضُ أهل هذا الشأن في الصحابة. ومنهم مَن لم يُصحِّح له صحبةً. وكان قاصَّاً بالبصرة، روى عنه أبو جمرة وقتادة وأبو التيَّأح وغيرهم أكثر روايته عن عِمران بن حُصين. ومنهم المتلمِّس: واسمه جرير بن عبد المسيح، صاحبُ طرفة بن العبد الذي يقول: أوْدَى الذي علِق الصحيفة منهما ... ونجا حِذارَ حبائه المتلمِّسُ وهو القائل: ألقى الصحيفةَ كي يخفِّفَ رَحلَهُ ... والزادَ حتى نعلَهُ ألقاها وقصةُ المتلمِّس وطرفة مع عمرو بن هند مضرِّطِ الحجارة مشهورةٌ ذكرها ابنُ قتيبة في آخر كتاب " المعارف " مختصرةٌ، وذكرها في كتاب " الشعراء " بكمالها.
ومنهم الحارث بن عبد الله الأضجم: وكان سيد ضُبيعة في الجاهلية، وحكم ربيعة في دهره. وله يقول الشاعر: قَلوصُ الظلامةِ من وائلٍ ... تُردُّ إلى الحارث الأضجم وكان يُقال لضُبيعة بن ربيعة " ضُبيعة أضجم " بالحرث الأضجم هذا، وهو لقبهم. قال حاجب بن زُرارة لما قَتَل أخاه علقمة بنو ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة. فقَتَل به حاجبٌ أشْيم بن شراحيل القيسيِّ الضُّبَعيِّ: فإن تَقْتلوا منا كريماً فإنَّنا ... أبأْنا به مأوَى الصعاليك أشْيَما قَتلْنا به خيرَ الضُّبيعاتِ كلِّها ... ضُبيعةَ قيسٍ لا ضُبيعة أضجما وكان يُقال لأشْيمَ مأوى الصعاليك. ومنهم المسيِّب بن عَلَس الشاعر، والمُرقِّشانِ الأكبر والأصغر؛ الأكبر عمُّ الأصغر والمرقش الأصغر عمُّ طرفة بن العبد بن سفيان. وولد ربيعةُ أسداً، ومنه تشعَّبت قبائل ربيعة. فوَلد أسدٌ عَنَزة، واسمه عامرٌ. وسُمِّيَ عَنَزَة لأنه قَتل رجلاً بعنزة، وجَديلة. فوَلَد عنزة ولدان يَقدُمَ ويَذكُرَ. فمنهما تفرَّقَت عَنزة. فمن يَذكرَ بن عَنَزَة كِدامُ بن جَبَّان من بني هُمَيم: كان من خيار التابعين من أصحاب عليِّ بن أبي طالب. وعبدُ الرحمن بن حسان: من بني هُميم
أيضاً وكان من خيار أصحاب علي رضي الله عنه. ويذكر هو الذي قال فيه بِشر بن أبي خازم لابنته عند موته: فرجِّي الخَيْر وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العَنَزيُّ آبا وخبره في القَرظ واشتيار العسل مشهور، وهو القارظ الأكبر. وفيه وفى القارظ الأصغر يقول أبو ذؤيب الهذلي: وحتى يؤوب القارظانِ كِلاهما ... ويُنشَرَ في القتلى كُليبٌ لوائلِ واسمُ القارظ الأصغر، وهو أيضاً من عنزة، ... وقال ابن قُتيبة: هو أبو رُهْمٍ، ولم يذكر له أباً. ومن بني يَقدُمَ بن عنزة رشيدُ بن بغيضٍ الشاعر، وعِمران بن عصامٍ الذي قتله الحجاج. ومن عنزة ضبة بن محِصَنٍ العنزي: وهو من كبار التابعين. روى عنه الحسن البصري، وروى هو عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها. مسلم: حدثني أبو غسَّان المِسْمعيُّ ومحمد بن بشارٍ، واللفظ لأبي غسان قال: نا معاذٌ، وهو ابن هشام الدَّسْتوانيُّ قال: حدثني أبي عن قتادة عن الحسن، عن ضبَّة بن مِحْصن العنزيِّ، عن أم سَلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُستعملُ عليكم أمراء، فتَعرِفون وتُنكرون. فمن كرِه فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رَضيَ وتابع ". قالوا يا رسول الله، ألا نُقاتلهم؟. قال: " لا، ما صلَّوا ".
وعن ضبة بن مِحْصنٍ العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة من قبل عمر. فكان إذا خطب يوم الجمعة فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنشأ يدعو لعمر ويترك أبا بكرٍ. فكنت أعترضه في الخطبة، وأقول له أين أنت من صاحبه بفضله عليه؟ ففعلت ذلك جُمَعاً فكتب إلى عمر يشكوني. فأمر عمر أن أُحمل إليه على البريد. فلما بلغت المدينة قرعتُ على عمر الباب، فقال: مَن هذا؟ فقلت: ضبةُ بن مِحْصن. فقال: لا مرحباً ولا أهلاً. فقلت يا أمير المؤمنين، أمَّا المرْحَبُ فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال، فما الذي أحل لك إشخاصي من مِصْري؟ قال: ما شَجر بينك وبين عاملي. فقلتُ: يا أمير المؤمنين إنه كان إذا خطب يوم الجمعة فحمِد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أنشأ يدعو لك، ويترك أبا بكر. فكنت أقول له: أين أنت من صاحبه تُفضِّله عليه فاندفع عمر باكياً، قال: هل أنت غافرٌ لي يرحمُك الله؟ فقلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين. ثم قال: والله لَليلة من ليالي أبي بكر، ويومٌ من أيامه خيرٌ من عمر وآل عمر. ثمَّ أحسن صلتي وردَّني مُكرَّماً. وكتب إلى أبي موسى الأشعري يلومه. ومن عنزة أبو موسى محمد بن المثنى العنزيُّ: الزَّمِنُ. سمع ابن أبي عدي وغُنْدَراً. روى عنه البخاري ومسلم والترمذيُّ والنسائي وأبو داود والطبري. اسم ابن أبي عدي محمد، واسم أبيه أبي عديٍّ ابراهيم. واسم غُندرٍ محمد بن جعفر مولى هُذيل. وتوفي سنة أربع وتسعين ومئة. ومن موالي عنزة عمار بن شدّاد: وكان أيوب السختياني مولى بني عمار بن شداد. فأيوب مولى موالٍ. وهو أيوب بن أبي تميمة: واسم أبي تميمة كيسان، وكان يُكنى أبا بكرٍ. رأى أنس بن مالك، وروى عنه مالك وابن عُيينة وابن عُلية وغيرهم من الجِلَّة. وروى أيوب عن الحسن وعكرمة وغيرهما من التابعين. قال الحسن: أيوب سيد شباب أهل البصرة. وقال هشام بن عروة: ما رأيت بالبصرة مثل ذلك السَّختياني. قال شعبة: أيوب سيد الفقهاء. وكان يبيع جلود السختيان. وأما جديلة فمن وله عبد القيس بن أفْصَى بن دُعُمِيِّ بن جديلة بن أسدٍ، وهِنْبُ بن أفصى. ومن ولد عبد القيس أفْصى ولُكير. فوَلد أفصى شَنّاً.
فمن شنِّ بن أفْصى بن عبد القيس رئابُ بن زيد بن عمرو بن جابر بن ضُبَيب: كان ممَّن وحَّد الله في الجاهلية. وسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وفْد عبد القيس. وكان يُسقى قبرُ كلِّ من مات من ولده، وفي ذلك يقول الحُجير بن عبد الله: ومنَّا الذي بالغيث يُعرَف نسلُه ... إذا مات منهم ميِّتٌ جِيدَ بالقطْرِ رِئابٌ وأنَّى للبريَّةِ كلِّها ... بمثل رئابٍ حين يخطِرُ بالسُّمْرِ وقال ابن قتيبة: هو رئاب بن البراء، وكان على دين عيسى. وسمعوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: خيرُ أهل الأرض ثلاثة: رئابٌ الشَّينيُّ، وبَحيرا الراهبُ، وآخر لم يأتِ بعد؛ يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وكان لا يموتُ أحدٌ من وِلدِ رئاب إلا رأوا على قبر طشَّاً. ومن لُكيز بن أفصى أخي شَنٍّ الممزَّق الشاعر: وهو شأس بن نهار الذي يقول: فإنْ كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكلٍ ... وإلا فأدْرِكني ولمَّا أُمزَّقِ ومنهم حُطَيمُ بن جَبَلَة: ويقالُ حُكيم. أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ويُعلم له سماعٌ منه ولا رواية. وهو من أصحاب علي رضي الله عنه. وقُتل قبل وقعة الجمل بأيامٍ بالبصرة قبل قدوم علي رضي الله عنه، وذلك أنه لما بلغه ما فعل ابن الزبير وأصحابه بعثمان بن حُنيف قال: لستُ أخاه إن لم أنصُرْه. فخرج في سبعمئةٍ من عبد القيس، فقاتلهم حتى أخرجهم من القصر. ثم كرُّوا
عليه فقاتل حتى قُطعت رجله، فأخذها، ثم زحف إلى الذي قطعها. فلم يزل يضربه بها حتى قتله. وقال: يانفسُ لن تُراعِي ... إنْ قُطعتْ كُراعي إنَّ معي ذراعي قال أبو عبيدة: وليس يُعرف في جاهلية ولا إسلام مَن فعل مثل فعله. ويقال: إنه لما قَتل الذي قطع رجله توسَّده. ثم كان إذا مرَّ عليه ممَّن شهِد القتال فسأله: من قطع رِِجلَكَ يا حكيمُ؟ فيقول وسادي هذا. ومنهم الجارود العبديُّ: وهو سيد عبد القيس، واسمه بشر بن عمروٍ. ويقال: الجارود بن المعلَّى بن حَنَشٍ. قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسعٍ في جماعةٍ من عبد القيس، فأسلم وحسُن إسلامه. وابنه المنذر بن جارود: ولي اصطخر لعليِّ بن أبي طالب. وابنه الحكم بن المنذر: سيد عبد القيس. وقد قيل: يا حَكَم بن المنذر بن الجارودْ ... سُرادقُ المجدِ عليكَ ممدودْ أنتَ الجوادُ بنُ الجوادِ المحمودْ ... نبتَّ في الجود وفي بيت الجودْ والعودُ قد ينبُتُ في أصل العودْ ومن عصر بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن وديعة بن لُكيز الأشجع العَصَريُّ: واسمه منذر بن عائذ، وكان سيِّد قومه، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد عبد القيس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أشجُّ، إنَّ فيك خصلتان يحبُّهما الله ورسوله ". قلت: وما هما؟ قال: " الحلم والأناة ". ورُوي: " الحلم والحياء ".
وعَصَرُ بن عَوفٍ: أخو جَذيمة بن عوف رهطِ الجارود. ومن عَصَرٍ خُليد بن حسَّان العَصَريُّ: أبو حسان. روى عن الحسن، وروى عنه خازم بن خُزيمة. ومنهم خُليد بن عبد الله العَصَري أبو سليمان. روى عن أبي الدَّرداء. ومن عَصَر أيضاً عَمرو بن مَرحوم: الذي كان المتلمِّس يمدحه. ومن بطون لُكيزٍ: الدِّيل وعِجل ومحارب بنو وديعة بن لكير. فمن بني الدِّيل سُحيم بن عبد الله بن الحارث: كان أحد السبعة الذين عبروا دجلة مع سعد بن أبي وقاص. ومن بني محارب عبد الله بن هَمّام بن امرئ القيس: وفد على النبي عليه السلام. ومن بني عجل صَعصعةُ بن صُوحان، وزيد بن صوحان، وشِيحان بن صوحان. وكانوا خطباء فضلاء من خيار أصحاب علي رضي الله عنه. شهدوا الجمل معه. وقتل زيدٌ وشيحانُ يومئذ. وكان صعصعة أخطبَهُم، وكان فصيحاً لسِناً بليغاً ديّناً فاضلاً. ومن بطون لُكيز السَّحْتَنُ: ذكر عليُّ بن عمر عن ابن الكلبي قال: السحتُن هو جُشم بن عوف بن جذيمة بن عوف بن بكر بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكيز. وقال: إنما سُمِّي السحتن لأنه أسر أسرى فسحْنَتَهم. والسحتنة: الدمج. فمن السَّحْتَن فيما قال مسلم في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة أبو الوضيء السَّحتنيُّ: واسمه عبّاد بن مُسيبٍ، سمع علياً وأبا برزة. روى عنه جميل بن مُرَّة وعباد بن عباد المهلبيُّ. وفي الأدب لابن قتيبة في باب " ما يغير من أسماء الناس ": وهو فلان الستنيُّ: منسوب إلى " سحتن " قبيلة " أو أبٍ " أو بلدٍ. كذا قال، وتحقيقه ما ذُكر قبلُ إن شاء الله. " ومنهم صُحار " العَبْديُّ: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من
أخطب الناس وأبْي َنهم وكان أحمر أزرق. وقال له معاوية: يا أزرقُ. قال: البازي أزرق. قال: يا أحمر. قال: ذهبٌ أحمر. وكان عثمانياً، وكانت عبدُ القيس تتشيَّع، فخالفها. وهو جدُّ جعفر بن زيد. وكان فاضلاً، خيِّراً، عابداً. وقد روى صُحارٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين أو ثلاثة. ومنهم هرمُ بن حيَّان العبديُّ: وكان من صغار الصحابة، وكان من العبّاد، وشهد فتوح العراق مع عثمان بن أبي العاصي وغيره. وبنو حُطمة بن محارب بن عمرو بن وديعة بن لُكيز إليهم تُنسب الدروع الحُطمية. ومن عبد القيس مصقلة بن رَقبة: ومان من أخطب الناس زمن الحجاج وابنه رقبة بن مصقلة: من حملة الحديث، خرج عنه البخاريُّ، وكان أيضاً خطيباً. ومن عبد القيس محمد بن بشَّار بن عثمان بن داود بُندار العبديُّ: ويكنى أبا بكر. سمع غُندراً ووكيعاً، روى عنه البخاريُّ ومسلم والترمذي وأبو دؤاد والنسائي والطبري، وهو من أهل البصرة. وولد هِنبُ بن أفْصى قاسط بن هنب، وولد قاسط النَّمر بن قاسط ووائل بن قاسطٍ. فولد النمر بن قاسطٍ أوس بن مناة بن النمر وتيم الله بن النمر. فمن بني أوس بن مناة على قول ابن عبد ربِّه في كتاب " العقد " صُهيب بن سنان بن مالك: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، كان أصابه سِباء في الرُّوم، ثم وافوا به المَوسم فاشتراه عبد الله بن جُدْعان، فأعتقه. وقد كان النعمان بن المنذر استعمل أباه سنان بن مالكٍ على الأُبُلَّة. وقال ابن عبد البرِّ في " الاستيعاب ": هو من بني زيد مناة بن النمر بن قاسط. وولدُ صُهيب يقولون إنه هرب من الروم بمال كثير، حين عَقَل وبلغ، فقدِم مكة، فخالف عبد الله بن جُدْعان حتى هلك. وكان صهيب قديم الإسلام، أسلم مع عمار بن ياسر في يوم واحد. وهاجر
مع علي إلى المدينة للنِّصف من ربيع الاول، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقُباء لم يَرِمْ بعد، ذكر هذا الواقديُّ. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وممَّن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من النَّمر بن قاسط صُهيب ابن سنان. ولما هاجر إلى المدينة قالت له قريش: لا تَفْجعنا بنفسِك ومالك. فردَّ إليهم ماله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " رَبح البيعُ أبا يحيى ". وأنزل الله في أمره: " ومن الناس مَن يَشْري نفسه ابتغاءَ مَرضاةِ الله ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صُهيب سابق الروم، وسلمانُ سابق فارسَ، وبلال سابقُ الحبشة ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحبَّ صُهيباً حبَّ الوالدة ولدَها ". وفضائل صهيب وسلمان وبلال وعمار وخباب والمقداد وأبي ذرٍّ لا يحيط بها كتاب. وكان من فضله وورعه حسَن الخُلق مداعِباً. رُوي عنه أنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بقُباء، وبين أيديهم رُطبٌ وتمرٌ، وأنا أرمدُ. فأكلت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتأكل التمر على عينِك؟ ". فقلت: يا رسول الله، آكل في شقِّ عيني الصحيحة. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. وأوصى إليه عمر بالصلاة بجماعة المسلمين حتى يتفق أهل الشورى. استخلفه على ذلك ثلاثاً، وهذا ممَّا اجتمع عليه لأهل السِّير والعلم بالخير. ومات صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في شوالٍ، وهو ابن سبعين سنةً. وقيل: ابن ثلاث وسبعين، ودُفع بالبقيع. روى عنه من الصحابة عبد الله بن عمر، ومن التابعين كعب الأحبار وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأسلمْ مولى عمر، يعدُّ في المدنيين. وحُمران بن أبان: مولى عثمان بن عفان ابنُ عم صهيب. لحقه السِّباء من عين تمر في خلافة أبي بكر الصديق.
ومن النمر بن قاسط عمرو بن تغلب: وهو من الصحابة يعدُّ في أهل البصرة. روى عنه الحسين بن أبي الحسين قال: لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة ما أحبُّ أنَّ لي بها حُمرَ النعم؛ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ فأعطى قوماً ومنع قوماً، وقال: " إنا نعطي قوماً نخشى هَلَعَهُم وجزعهم، ونكل أقواماً.... ". وإنما سُمِّي الضَّحيان لأنه كان يجلس لهم في وقت الضحى، فيقضي بينهم، وقد رَبَع ربيعة أربعين سنةً. وأخوه عوف بن سعدٍ: من ولده ابن القرِّيَّة البليغ. واسمه أيوب بن زيد. والرِّيَّةُ: الحوصلة وكان خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقتله الحجاج. ومنهم ابن الكيِّس: النسّابة، وهو عبيد بن مالك بن شراحيل بن الكيِّس. وولد وائل تغلب وعنزاً وبكراً. فمن بطون تغلب جُشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. منهم عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب بن زُهير بن جُشم. وكُليب وائل: وهو كليب بن ربيعة بن الحرث بن زُهير بن جُشم. وكان في دهره سيد ربيعة. ومن أجل كليب كانت حرب البسوس. وكان كليب رمى ناقةً للبسوس؛ خالة جسَّاس بن مُرة الشيباني، فانتظم ضرعها. فركب جساسٌ ومعه عمرو بن الحرث ابن ذُهل إلى كليب فطعناهُ، واحتزا رأسه. فهاجت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنةً. وكانت لهم خمسةُ أيام مشهورة. ومهلهل بن ربيعة أخو كليب القيِّم فيها: يوم عُنيزة: وهو يومٌ تكافؤوا فيه، ويوم واردات: وكان لتغلب على بكر. ويوم الحنو وكان لبكر على تغلب. ويوم القُصيْبات: وكان لتغلب على بكر، فقتلوا بكراً أثخن القتل، وفيه قُتل همام بن مُرة أخو جساسٍ.
ويوم تلاحق اللِّمم: ولم يكُ بعد هذا اليوم يومٌ مذكور، وإنما كان بينهم تغاوُرٌ. ولم يُقتل جساس إلى أن انقضى ما بينهم. وفي كليبٍ يقول مهلهلٌ أخوه يرثيه. وكان كليب إذا جلس لم يُرفع بحضرته صوتٌ، ولم ينتسب بفنائه إنسان: ذهب الخيار من المعاشر كلِّهمْ ... واسْتبَّ بعدك يا كليبُ المجلسُ ومن بني جُشم بن بكرٍ القطاميُّ الشاعر: واسمه عُمير بن شُيَيْم. ومن بني عديِّ بن معاوية بن غنم بن تغلب الأخنس بن شهاب: وهو فارس العصا. ومن بني الفَدَوكس بن عمرو بن الحرث بن جشم الأخطل الشاعر النصرانيَّ. ومنهم قَبيصة بن دالق: له هجرة. قتله شَبيبٌ الحَروريُّ، وكان جواداً شريفاً. فقال شبيبٌ حين قتله: هذا أعظم أهل الكوفة جَفنةً. فقال له أصحابُه: تُطْري المناقين؟ فقال: إنْ كان منافقاً في دينه فقد كان شريفاً في دنياه. ومن بني حُرْقة بن ثعلبة بن بكر بن حُبيِّب الهُذيل بن هُبيرة: وهو الذي تقول فيه بُهيسةُ بنت الجراح البَهْرانيِّ: إذا ما مَعشرٌ شربوا مُداماً ... فلا شَربتْ قُضاعةُ غير بولِ فإما أن تقودوا الخيل شُعثاً ... وإما أن تَدينوا للهُذَيْلِ
وتَتَّخذوه كالنُّعمانِ ربَّا ... وتُعطوه خراج بني الدُّمَيْلِِ هو الدُّميلُ بن لُجيم. ومن الأوس بن تغلب كعبُ بن جُعيلٍ الذي يقول فيه جرير: وسُمِّيت كعباً بشرِّ العظام ... وكان أبوك يُسمَّى الجُعَلْ وكان محلُّك من وائل ... مكان القُراد من آستِ الجَمَل والأراقم من تغلب: جُشَمٌ ومالك، وعمرو وثعلبةُ ومعاوية والحارث، بنو بكر ابن حُبيِّب بن عمرو بن غنم بن تغلب. وإنما سُمُّوا الأراقم لأن عيونهم شُبِّهت بعيون الأراقم. وفي الأراقم. وفي الأراقم يقول مُهلهل بن ربيعة أخو كليب وائل: أعززْ على تغلب بما لَقيتْ ... أختُ بني الأكرمين من جُشَمِ أنكَحَها فقدُها الأراقم في ... جَنْبٍ، وكان الحِباءُ من أَدَمِ لوْ بأبانَينِ جاء يخطبُها ... زُمِّل ما أنفُ خاطبٍ بدَم وجَنبٌ: بطن من مَذحج، منهم حُصين بن جُندب الجنبيُّ الفقيهُ أبو ظبيان. سمع عماراً وعلياً. روى عنه الأعمش وابنه قابوس. وقد تقدَّم ذكرهما.
ومن جنب معاوية بن الخَيْر بن عمرو بن معاوية: صاحب لواء مذحج. وهو الذي أجار مُهلهل بن ربيعة على بكر وائل. فتزوَّج ابنة المهلهلٍ. وفي ذلك قال مهلهلٌ الأبيات المتقدمة. وقوله: خِباء من أدم يعني أن معاوية الجنْبيَّ ساق إليها في مهرها قُبَّةً من أدمٍ. ومن تغلب بنو كنانة بن تَيم بن أسامة. ويقال: قريش تغلب. منهم إياس ابن عِتبان بن عمرو بن معاوية قاتلُ عُمير بن الحُمام السَلميُّ. ومن عَنْز بن وائل قال أبو عُبيدة: وعدد العَنْزيين في الأرض قليل عامر بن ربيعة: حليف آل الخطاب. أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد كلِّها. ويكنى أبا عبد الله. ومات في آخر خلافة عثمان. وابنه عبد الله بن عامر الأكبر: صحب النبيَّ عليه السلام، واستشهد يوم الطائف. وتوفي عامر بن ربيعة سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: سنة خمس وثلاثين بعد قتل عثمان بأيام. وابنه عبد الله بن عامر الأصغر: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ أربع سنين أو خمس سنين، وعَقَل عنه. وتُوفي سنة ثمانين، ويكنى أبا محمد. وأمُّه وأمُّ أخيه عبد الله الأكبر ليلى بنت أبي حَثْمة العدويِّ القرشيِّ، والد سُليمان بن أبي حثْمة وزوج الشِّفاء. وقد تقدَّم ذكر أبي حثمة والشفاء في أول هذا الكتاب. وروى الليث بن سعدٍ عن محمد بن عجلان عن زياد مولى لعبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم في دارنا، وكنت ألعب. فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أُعطِكَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أردتِ أن تعطيَهُ؟ " قالت: " أردتُ أن أعطيَهُ تمراً. قال: " أمّا إنكِ لو لم تفعلي كُتبتْ عليكِ كذْبة.
القبائل من بكر بن وائل: يَشْكُرُ بن بكر بن وائل، وعِجل وحنيفة ابنا لُجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل هند أختُ تميم بن مُر. ويقال لها أمُّ القبائل. فمن ثم من بني غُبر بن غنم بن حُبيِّب بن كعب بن يشكر، وقيل: إن غُبر هو ابن يشكر عبَّاد بن شُرحبيل اليشكري الغُبريَّ: له صحبةٌ. روى عنه جعفر بن وحشيّة قصةً ليس له غيرها أنه قال: دخلتُ حائطاً فأخذتُ سُنبلاً ففركته، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، وأتيتُ النبيَّ عليه السلام فذكرت ذلك له فدعاه وردَّ عليَّ ثوبي. ومن بني يشكر جعفر بن إياسٍ: أبو بشرٍ، وهو ابنُ أبي وحشيَّة، سمع سعيد ابن جُبير وعبَّاد بن شراحيل: روى عنه الأعمش وشعبة. ومنهم الحارث بن حِلِّزة الشاعر. ومنهم سُويدُ بن أبي كاهل الشاعر، وعُبيدة بن هلالٍ صاحب قطريٍّ، وشهاب بن مذعور بن حلِّزة، وكان من علماء الناس. ومنهم شاذ بن فياض اليشكري: أبو عبيدة. سمع حماد بن سَلَمة وأبا عَوانة، قاله مسلم، وذكره البخاري في باب " ميلالٍ " وقال إنه اسمه، وشاذ لقبه. وأما عجل فكان فيه نُوك. قال أبو عبيدة: أرسل ابنٌ لعجل بن لُجيم فَرساً في حلْبةٍ، فجاء سابقاً، فقال لأبيه: يا أبت، كيف ترى أن أسمِّيَهُ؟ فقال افقأ عينَه وسمِّه الأعور. فقيل فيه: رمتْني بنو عجْلٍ بداءِ أبيهمُ ... وأيُّ عباد الله أنْوكُ من عجلِ؟
أليس أبوكمْ عارَ عين جوادهِ ... فأصبحتِ الأمثال تضربُ في الجهلِ؟ فمن بني سعد بن عجل فراتُ بن حيَّان: حليف بني سهمٍ من قريش، هاجر إلى النبي عليه السلام، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فرات بن حيَّان العَجَلي إلى ثمامة بن أثالٍ في قتل مسلمة وقتاله. ورُويَ عن قتادة أنه قال: هاجر من بكر بن وائلٍ أربعةٌ؛ رجلان من بني سَدوسٍ اسودُ بن عبد الله من أهل اليمامة، وبشيرُ بن الخصاصيَّة. وعمرو بن تغلب من النَّمر بن قاسطٍ، وفراتُ بن حيان من بني عجلٍ. وكان فرات أهدى الناس بالطريق، وأعرفهم بها. فكان يخرج في عِيرات قريشٍ إلى الشام. وله يقول حسان: فإن تلقَ في تطوافِنا والتماسِنا ... فرات بن حيانٍ يكنْ رهنَ هالكِ وكانت له صحبةٌ ورواية. رَوى عنه حارثة بن مُضرِّب وحنظلة بن الربيع. سفيان الثوري عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضرِّب، عن فرات بن حيَّان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وكان عيناً لأبي سفيان. فمرَّ بحليف له من الأنصار، فقال: إني مسلم. فقال الأنصاري: يا رسول الله، إنه يقول إنه مسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فيكم رجالاً نَكِلْهم إلى إيمانهم، منهم فراتُ بن حيان ". وقال ابن قتيبة في " المعارف ": قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين حين أعطى المؤلفة قلوبهم: " إنَّ من الناس ناساً نَكلْهم إلى إيمانهم منهم فراتُ بن حيان ". ومن بني سعد بن عجلٍ حنظلة بن ثعلبة بن سيار: كان سيد بني عجل يوم ذي قار. ومنهم إدريسُ بن مَعقِلٍ: جدُّ أبي دُلفٍ القاسم بن عيسى. ومنهم الأغلب الراجز.
ومن بني ربيعة بن عجلٍ أبجرُ بن جابر بن شَريك، وفد على عمر بن الخطاب. ومنهم أبو الهَزْهاز نصرُ بن زياد العجليُّ: سمع الضحاك بن مُزاحم. روى عنه عَرعرة بن البِرندِ. ومنهم عِكرمةُ بن عمَّار العجليُّ: روى عن إياس بن سَلمة.. وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وغيرهما من جلة التابعين. ومات سنة سبع وخمسين ومئة. ومن بني حنيفة بن لُجيم، ثم من بني الدُّول بن حنيفة ثُمامة بن أُثالٍ: وهو من الصحابة، وكان حسن الإسلام. وحديث إسلامه صحيح مشهور. وكان من أشراف حنيفة. ومنهم قتادة بن مَسلمة بن عُبيد بن ثعلبة بن يربوع " بنُ " ثعلبة بن الدول ابن حنيفة: وكان سيداً شريفاً. وهَوذَةُ ابن علي: وكان سيداً، وهو ذو التاج. ومن بني عَديِّ ابن حنيفة مُسيلمة بن حبيب الكذَّاب: ويُكنى أبا ثُمامة. وأُمُّ عجلٍ وحنيفة ابني لُجيم يقال لها حَذام. وفيها يقول لُجيم: إذا قالت حذام فصدِّقوها ... فإن القول ما قالت حذام ومن بنيّ عدي بن حنيفة الفُرافِصة بن عُمير الحنفيُّ: صحب عثمان، روى عنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. مالك: عن يحيى بن سعدٍ وربيعة ابن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد ان الفرافصة بن عمير الحنفيَّ قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان إياها في الصُّبح من كثرة ما كان يردِّدها. مالك: عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد انه قال: أخبرني
الفرافضة بن عُمير الحنفيُّ أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطِّى وجهه، وهو حرم. ومن حنيفة طلق بن علي أبو علي الحنفيُّ اليماميُّ: له صحبة. ومن حنيفة سعاد بن الوليد الحنفيُّ أبو زُميل: سمع ابن عباس وعكرمة بن عمار وسلمة.. ومنهم أبو كردوس عليُّ كردوس الحنفيُّ: سمع ابنُ عُمر، وروى عنه عكرمة بن عمار. ومنهم أبو هيثم طلحةُ بن الأعلم الحنفيُّ: روى عن الشعبيِّ، وروى عنه الثَّوريُّ ومروان بن معاوية. ومن بني عدي بن حنيفة نجدة بن عامر: الحروريُّ الحنفيُّ، وهو الذي كتب إلى ابن عباس يسأله في مسائل من أمر الدِّين، فجاوبه ابن عباس بالجلاء في ذلك. مسلم: حدثنا ابن أبي عُمر: نا سفيان عن إسماعيل بن أميَّةً، عن سعيد المقبُريِّ، عن زيد بن هُرمز قال: كتب نجدةُ بن عامر الحروريُّ إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما، وعن قتل الولدان، وعن اليتم متى ينقطع عنه اليُتم؟ وعن ذوي القربى من هم؟ فقال ليزيد: اكتب إليه، " و " لولا يقع في أحموقة ما كتب إليه. اكتب: أنك كتبت تسألني عن المرأة. والعبد يحضران المغنم هل يقسم لهما شيء؟ وأنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا. وكتب تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم، فلا تقتلهم إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله. وكتب تسألني عن اليتيم، متى ينقطع عنه اسم اليتيم، فإنه لا ينقطع عنه اسم اليتيم حتى يبلغ ويونس منه رشد. وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم؟ وأنا زعمنا أنَّا هم، فأبى ذلك علينا قومنا. ومن بين الدُّول من حنيفة محمد بن عُبيد الحنفيُّ: الدُّولي، أبو قتادة.
ويقال: أبو عبد الله. روى عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه قتادةُ وعكرمةُ بن عمار. ومن بين الدول بن حنيفة نافع بن الأزرق: الذي تُنسب إليه الأزارقهُ. وقتل مع فريقه المارق الضالِّ المضلِّ في زمن معاوية. قتله سلامة الباهليُّ. وقال: لما قتلتُه، وكنتُ على برذون ورد، إذا برجل على فرس، وأنا واقف في خُمس قيس ينادي: يا صاحب الورد، هلمَّ إلى المبارزة. فوقفتُ في خُمس بني تميم، فإذا هو يعرضها عليَّ. وجعلتُ أنتقل من خمس إلى خمس، وليس يزايلني. فصرت إلى رحلي، ثم رجعت فرآني. فدعا إلى المبارزة. فلما أكثر خرجتُ إليه. فاختلفا ضربتين، فضربته فصرعته. فنزلت لسلبه وأخذ رأسه، فإذا امرأة قد رأتني حين قتلت نافعاً، فخرجت لتثأر به. ومن شيبان بن ثعلبة بن عكابة جساس بن مرَّة بن ذهل بن شيبان قاتل كليب وائل. وقيس بن مسعود بن قيس بن خالدٍ: وهو ذو الجدَّين، وابنه بسطام بن قيس: فارس بني شيبان في الجاهلية، وقد ربَع الدُّهلين واللهازم اثنتي عشر مِرباعا. ومنهم سيدهم هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن عامر بن المزْدلِف عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان الذي أجار عيال النعمان بن المنذر، وماله على كسرى، وبسببه كانت وقعة ذي قار التي قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " هذا يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نُصروا ". وولد المُزدلف عمرو بن أبي ربيعة قيس بن عمرو وحارثة بن عمرو. فمن بني قيس بن عمرو أعشى بن أبي ربيعة: واسمه عبد الله بن خارجة. ويقال له أعشى بني أُمامة. وحارثة: أخو قيس، هو ذو التاج. كان على بكر ابن وائل يوم أوارة يوم قاتلوا المنذر بن ماء السماء. وأمُّهما أُمامة بنت كِسر من بني تغلب، بها يُعرفون.
وولد عمرو المزدلف عامرا: وهو الخضيب، وإنما سُمِّي الخضيب لكثرة سماحه وجوده. وهو جدُّ جدِّ هانئ بن قبيصة. ومن شيبان: مَصقلة بن هُبيرة: وكان سيدا شريفا. وكان مع علي بن أبي طالب، ثم هرب إلى معاوية، فهدم علي داره، وولاه معاوية طبرستان، فمات بها. وله عقب بالكوفة ودار بالبصرة، ويُكنى أبا قابوس. وفيه يقول الفرزدق: وبيتُ أبي قابوسَ مَصقلَةَ الذي ... بَنى بَيت مجدٍ أسُّه غير زائلِ وحدَّث العُتبيُّ قال: مرض معاوية، رحمه الله، فأرجف به مصقلة بن هُبيرة فحمله زياد إلى معاوية، وكتب إليه: إن مَصقلة بن هُبيرة يجتمع إليه مُرَّاق من أهل العراق، ويُرجفون بأمير المؤمنين، وقد حملته إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه. فوصل مصقلة ومعاوية قد برأ. فلما دخل عليه أخذه بيده وقال: يا مصقلة: أبقى الحوادثُ من خلي ... لك مثل جَنديلةِ المَراجِمْ قد رَامني الأعداءُ قب ... لك فامتنعتُ من المظالمْ صُلبا إذا خارَ الرجا ... ل أبلَّ مُمتنعَ الشكائمْ ثم جذبه فسقط. فقال مُصقلة: يا أمير المؤمنين قد أبقى الله منك بطشا، وحلما راجحا، وكلأ ومرعى لوليِّك، وسُمَّا ناقعا لعدوِّك. ولقد كانت الجاهلية فكان أبوك سيدا، وأصبح المسلمون اليوم وأنت أميرهم. فوصله معاوية وردَّه.
فسُئل عن معاوية فقال: زعمتم أنه قد كبِر وضعُف. والله لقد جذبني جذبة كاد يكسر مني عضوا، وغمز يدي غمزة كاد يحطمها. وفي مصقلة يقول الأخطل: دعِ المعمِّر لا تسألْ بمصرعهِ ... واسأل بمصقلةَ البَكريِّ ما فَعلا بمتْلفٍ ومُفيدٍ لا يَمُنُّ ولا ... يعنِّف النفس فيما فَاته عَذَلا بهِ ربيعةُ لا تنفطُّ صالحةً ... ما دافع اللهُ عن حَوْبائهِ الأجَلا ومنهم عوف بن مُحلِّم: الذي يقال له: لا حُرَّ بوادي عوف. والمثنى بن حارثة: الذي كان يُغير على سواد العراق في خلافة أبي بكر، وكان من الأبطال. وتزوج امرأته سلمى بعد موت سعد بن أبي وقاص. وهي القائلة " وهي مع سعد جالسة في قصره بالعراق، وهو شاك، ورأت قتال المسلمين بالقادسية مع الفرس ": القوم أقران، ولا مُثنَّى لهم. فلطمها سعد غِيرةً. ومن بني ذهل بن شيبان الحرثُ بن رُوَيم. كان هو وابنه يزيد من أصحاب علي رضي الله عنه. وكان ابنه يزيد على الري لمصعب بن الزبير. فحاصره الزبير بن علي السَّليطيُّ الخارجيُّ بها. فلما طال عليه الحصارُ خرج إيه وكان الظفر لخوارج. ونادى يومئذ يزيد ابنه خدشا، ففرّ عنه وعن أمه لطيفة. وكان أمير المؤمنين علي رحمه الله دخل الحرث بن رويم يعود ابنه يزيد..... ومنهم الحَوْفَزان بن شَرِيك بن عمرو: وكان أعرج، واسمه الحرث، وأخوه مَطر بن شريك.
ومن ولده معن بن زائدةَ بن عبد الله بن زائدة بن مُضر: الجوادُ الشجاعُ. وابن أخيه يزيد بن مَزيد بن زائدة، وكان معن أجود العرب. كان يقال: حدَّث عن معن ولا حرج. ومنهم الضحاكُ بن مَخْلد: أبو عاصم النبيل الشيباني، سمع ابن جريح والثوريَّ وشعبة، ومات سنة اثنتي عشرة ومئتين. ومنهم عثمانُ بن مطر الشيباني: سمع ثابتا ومعمرا، وروى عنه سليمان ويحيى وعلي بن أبي هاشم. ومنهم عليُّ بن مسهر الشيباني، روى عن الأعمش، وروى عمه مِنجاب بن الحرث التميميُّ وسويد بن سعيد. وروى مسلم عن واحد، عنه كثيرا. ومنهم الضحاك بن قيس الشاريُّ الخارجيُّ. ومنهم شبيب بن نُعَيم الحروريُّ: يُكنَّى أبا الصحاري. وغزالة: امرأة شبيب، هي التي طلبت الحجاج، وهو منهزم. قال الشاعر في الحجاج: أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ ... فَتْخَاءُ تَنفِر من صفيرِ الصافرِ وأمُّ شبيب جَهيزَة: وهي التي جرى فيها المثل، فقيل: أحمق من جَهِيزَة ... وذكر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في تاريخه في آخر أخبار شبيب الخارجي أن أباه يزيد بن نُعَيم كان ممَّن دخل في جند عمرو بن ربيعة إذ بُعث به وبمن معه إلىالوليد بن عقبة. ومنهم الغضبان بن القَبَعْثري: صاحب الحجاج. وفي بني ذُهل بن شيبان بن ثعلبة بنو اللقيطة. وفيه يقول بعض بلعنبر: لو كنتُ من مازنٍ لم تَسْتَبح إبلي ... بنو اللقيطة مِن ذُهلِ بن شَيبانا
إذاً لقامَ بنصري معشرٌ خُشُنٌ ... عند الحفيظة إنْ ذو لَوثةٍ لنا قومٌ إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهمْ ... قاموا إليه زرافاتٍ ووُحدانا لا يسألونَ أخاهُمْ حين يندُبُهمْ ... في النائباتِ على ما قالَ بُرهانا ومن بني ذُهل بن ثعلبة بن عُكابة الحارث بن وَعْلَة: وكان سيدا شريفا ومن ولده أبو ساسان حُضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة: صاحب راية ربيعة في صفين مع علي بن أبي طالب. وله يقول علي: لِمَن رايةٌ سوداءُ يخفقُ ظلُّها ... إذا قيل قدِّمها حُضَينُ تَقدَّما ومنهم القعقاع بن شور بن النعمان. وكان شريفا. وفيه يقول القائل. وكنتُ جليسَ قَعقاع بن شَورٍ ... ولا يَشقب بقعقاعٍ جليسُ ضحوكُ السنِّ إن أمَروا بخير ... وعند الشرِّ مِطراقٌ عَبوسُ ومنهم ذَعفل بن حنظلة: العلامة، وكان أعلم أهل زمانه بالنَّسَب. وهؤلاء من بني ذهل بن ثعلبة بن عُكابة. أمُّهم رَقَاشِ: وإليها يُنسبون. ولذلك قيل: الحارث بن وعلة الرُّقاشيُّ جدُّ حُضَين بن المنذر بن الحارث المذكور آنفا. وسمع حُضَين عثمان وعليا والمهاجرين قُنفُذٍ التَّمِيميَّ الجُدعانيَّ. وروى عنه الحسن وعبد الله الداناج.
ومن بني رقاش حِطَّانُ بن عبد الله الرقاشيُّ: من كبار التابعين. روى عنه الحسن البصريُّ. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميميُّ قال: أنا هشيم عن منصور، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشيُّ عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني، خذوا عني. فقد جعل الله لهنَّ سبيلا، البِكر بالبكر، جلد مئة، ونفي سنة، والثَيِّبَ بالثيِّبِ جلد مئة والرجم ". ومنهم يزيد بن أبان الرقاشيُّ: روى عن أنس بن مالك، وروى عنه الربيع بن صبيح. ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل بشير بن الخصاصية: والخصاصية أمُّه. وهو بشير بن معبد السَّدوسيُّ، وكان اسمه في الجاهلية " زحما "، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صالحة. وامرأته جهدمة حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم مجْزَأة بن ثَور السَّدوسيُّ: أبو الوليد. روى عنه عمر، وروى عنه عبد الرحمن بن أبي بكرة. وابن أخيه سُويد بنن مَنْجوفٍ: أبو المنهال، رأى علينا. روى عنه المسيِّب ابن رافع. ومنهم أبو الخطَّاب قَتادةُ بن دِعامةَ بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو ابن حرث بن سدوس بن الأعصى الأكمة. وهو من صغار التابعين روى عن أنس. ولد سنة ستين، ومات سنة سبع عشر ومئة. وقال معمر: لم أر أفقه من الزهريِّ وقتادة وحمَّاد. وروي عن قتادة أنه قال: أقمت عند سعيد بن المسيِّب ثمانية أيام، فقال لي في اليوم الثامن: ارتحل يا أعمى فقد انزفتنى. ومنهم أبو مِجْلزٍ لاحقُ حُميدٍ السدوسيُّ: وهو من التابعين. سمع ابن عمر وابن عباس وأنسا. روى عن قتادة وسليمان والتَّميميُّ. وقال قرة بن خالد: كان أبو مجلز على بيت المال وعلى ضرب السكة لبعض ولد عبد الملك بن مروان. وكان ينزل خراسان، وأعقب بها. وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز قبل وفاة الحسن البصري.
ومنهم مُحارب بن دِثار: وهو من التابعين، وولي قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسري. وتوفي في ولاية خالد الكوفة. ومنهم قُرَّةُ بن خالد السَّدوسيُّ: سمع الحسن وابن سيرين. روى عنه يحيى القطَّانُ وابن مهدي ووكيع. ومنهم أبو النعمان محمد بن الفضل السَّدوسيُّ: ولقبه عارم، وكان بعيدا من العرامة فاضلا ثقة ثبتا. سمع حمَّاد بن سلمة وحماد بم زيد وابن المبارك ووهيبا. وتوفي بالبصرة سنة أربع وعشرين ومئتين. ومنهم محمدُ بن عقبةَ السدوسي البصريُّ أبو عبد الله: سمع جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عُيينة. وولد قيس بن ثعلبة: ضبيعة بن قيس وتيم بن قيس. فمن بني ضُبيعةَ: مُرَّةُ بن عُباد بن ضبيعة والحارثُ بن عُباد بن ضبيعة. وكان على جماعة بكر بن وائل يوم " قصة ". فأسر مهلهل بن ربيعة التغلبيَّ، وهو لا يعرفه، فخلَّى سبيله. وأخوه جُرير بن عُباد: من بنيه قتادة بن ملخان الجُريريُّ: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفرَّد بالواية عنه عبد الملك. يُعدُّ في البصريين. ومنهم سعيد بن إياس الجريريُّ: أبو مسعود صاحب أبي نضرة. وأبو نضرة اسمه المنذر بن مالك صاحب أبي سعيد الخُدري، وهو من العوقة؛ بطن من عبد القيس، يُنسبون إلى عوف بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس. ومن بكر بن وائل الربيعُ بن أَنسٍ: من أهل البصرة. لقي ابن عمر وجابرتا وأنس بن مالك. روى عنه الربيع بن مُسلم وعبد الله بن المبارك. وهرب من الحجاج، فأتى مرو فسكن القرية منها، ثم طلب بخراسان حين ظهرت دولةُ ولد العباس، فتغيَّب. فتخلَّص إليه عبد الله بن المبارك، وهو مستخف. فسمع منه أربعين حديثا فكان عبد الله يقول: ما يسُرُّني بها كذا وكذا لشيء سمَّاه.
ومن بني ضُبيعة الأعشى: أعشى بكر، واسمه ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن سعد بن ضبيعة، وهو من فحول الشعراء. وله قصيدة يمدح فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهي من أبدع ما قيل من الشعر. أوَّلُها: ألم تَغتمضْ عيناكَ ليلةَ أرمدا ... وبتَّ كما باتَ السليمُ مُسهَّدا وفيها يصف ناقته، ويدخل إلى مدح النبيِّ عليه السلام: وفيها إذا ما هَجَّرتْ عَجْرفيَّةٌ ... إذا خِلتَ حِرباءَ الظَّهيرةِ أَصْيدا وآليتُ لا أَرثى لها من كَلالةٍ ... ولا من حَفًى حتى تلاقى محمَّداً متى ما تُناخي عند بابِ ابن هاشمٍ ... تُراحي وتلقي من فواضله ندى نبياً يرى مالا تَرونَ، وذكرُهُ ... أغارَ، لَعَمري، في البلاد وأَنجدا له صدَقاتٌ ما تُغِبُّ ونائلٌ ... وليس عطاءُ اليوم ما نعَهُ غدا أجِدَّك لم تَسمعْ وَصاةَ محمدٍ ... نبيِّ الإلهِ حين أوصى وأَشهدا
إذا أنت لم ترحلْ بزادٍ من التُّقى ... ولاقَيت بعد الموتِ من قد تزوَّدا ندمت على ألاَّ تكون كمثلهِ ... فتُرصِدَ للموت الذي كان أرصَدا وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه القصيدة ليُسْلَم. فلما كان قريباً من مَكة اعترضَه بعض المشركين من قريش مُستفهماً عن مَقصَدِه، فأخبره عنه. فقال له: يا أبا بصير، إنه يُحرِّم الزنا والخمر. فقال: أما الزنا فأمرٌ لا أرَبَ لي فيه. وأما الخمرُ فأذهبُ فأتروَّى منها عامي هذا، ثم أعودُ من قابلٍ. فرجع فمات في عامه ذلك، ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني تَيم اللات بن ثعلبة عُبيدُ الله زياد بن ظبيان: وهو أحد ملوك فُتاك العرب. وهو قاتلُ مصب بن الزبير. وقال له مالكُ بن مِسْمع في كلامٍ جرى بينه وبينه: أكثرَ اللهُ في العشيرةِ مثلكَ. فقال: لقد سألت ربَّك شَططاً. ومن بني اللات بن ثعلبةَ على ما قال يعقوب بن إسحاق بن السكِّيت ذات النِّحْيين: واسمها خولةُ، وبها كانت تُضرب المثلَ العربُ: فتقول: أشغلُ من ذات النحيين. وهي صاحبةُ خَوَّأت بن جُبير الأنصاري الأوسي أخبي عبد الله بن جُبير أمير الرماة في أحد، واستُشهد يومئذٍ، وخَوَّاتُ القائلُ في شأنه معها من أبياتٍ: فشدَّت على النِّحيين كفَّي شحيحةٍ ... على سَمينِها والفتكُ من فَعَلاتي
وقال أبو عُبيدٍ البكريُّ في " معجم ما استعجم ": ذاتُ النحيين امرأة من هُذيل. ومن موالي تيم اللات بن ثعلبة النعمانُ بن ثابت بن زُوطَي بن ماه: وُلأد سنة ثمانين، ومات سنة خمسين ومئة، وهو ابن سبعين سنة. وأدرك، وهو يعقل، ولقي أربعة من الصحابة: أنسَ بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وأبا الطفيل عامر بن واثلةَ وسهلَ بن سعد الساعدي، ولم يأخذ عن واحدٍ منهم. وأبو حنيفة إمامُ أصحاب القياس. قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيتَ أبا حنيفة؟ قال: نعم رأيتُ رجلاً لو كلمك في هذه..ورَوى حرملةُ عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أرادَ الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملةُ أيضاً سمعتُ الشافعي يقول: من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيالٌ على أبي حنيفةَ. وأخذ عنه مذهبهُ خلق كثير، وأجلُّهم ابنه حماد وأبو يعقوب..وولي القضاء حمادُ بن أبي حنيفة وابنه إسماعيل بن حماد. ومن بني قيس بن ثعلبة بن عكابةَ بن صعب بن عليِّ بن بكر بن وائل الصَّعِقُ بن حَزْن: أبو عبد الله. روى عن مطر الوراق وعلي بن الحكم وفيل بن عَرادة. روى عنه زيد بن حُباب وعارم وسليمان بن حرب وشيبان بن فرُّوخٍ. وقال الدارقطنيُّ: الصعقُ ومطر ليسا بالقَويَّين. ومنهم أبو غسان مالك بن مِسْمع بن شيبان بن شَهاب، وإليه تُنسب المسامِعَةُ. وكان سيدَ بكر بن وائلٍ في الإسلام. وهو ولِد ربيعةَ الجحْدر الذي فَدى شَعرَه يوم تَحلاق اللِّمم بأكرهِ فارس يطلع. وكان مِسمع أبو مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقُتل بالبحرين، ويكنى أبا سيار. وهو أبو المسامعة. وكان مالك ابنه أنْبةَ الناس. وقال رجل لعبد الملك: لو غضب مالك لغضب معه مئة ألف لا يسألونَه فيما
غَضب. فقال عبد الملك: هذا، وأبيك، السؤددُ. ولم يل شيئاً قطُّ. وهلك في أول خلافة عبد الملك بن مروان بالبصرة. وعقبُهُ كثير. وفيه يقول الفرزدقُ من قصيدة يرثي فيها ابنه: وقد مات بسطامُ بن قيسِ بن خالد ... ومات أبو غسانَ شيخُ اللهازمِ واللهازمُ: عَنَزةُ بن أسد بن ربيعة، وعِجل بن لُجيم، وتيمُ الله، وقيس، وذُهل بنو ثعلبة بن عُكابة. ثم تَلهزمت حَنيفةُ بن لُجيم، فصارت معهم. والذهلان: شيبان وذهل ابنا ثعلبةَ بن عكابة. ومن بني قيس بن ثعلبة على ما قال ابن قتيبة في " المعارف " باقلٌ: الذي يُضرب المثلُ بعيِّه، وكان اشترى عنزاً بأحد عشرَ درهماً. فقالوا له: بكم اشتريت العنزَ؟ ففتح كفَّيه، وفرقَ أصابعه، وأخرج لسانه، يريد أحد عشر دِرهماً. فلما عيَّروه قال: يلومون في حمقهِ باقلاً ... كأن الحماقةَ لم تُخلقِ فلا تُكثروا العذلَ في عيِّه ... فَلَلْعيُّ أجلُ بالأمْوَقِ خروجُ اللسان وفتحُ البنانِ ... أحبُّ إلينا من المنطقِ ومنهم هَبنَّقةُ القيسيُّ: المجنون، واسمُه يزيد بن ثَرْوان، وكُنيتُه أبو نافع، وكان يُحسن إلى أبله السِّمان، ويُسئ إلى المهازل. فسئل عن ذلك فقال: إنما أُكرمُ من أكرمَ الله، وأُهينُ مَن أهان وشرَد بعيرٌ لهبنَّقةَ، فجعل بَعيرين لمن
جاءَ به. فقيل له: أتجعل بعيرين في بعير؟ فقال: إنكم لا تدرون فرحةَ من وجد ضالَّتَهُ. وافترس الذئب له شاةً، فذهب بها. فقال له رجل: أُخلصُها من الذئب وآخذها؟ فقال له: إذا فعلت ذلك فأنتَ والذئبُ سواء. ومن بني قيس بن ثعلبةَ الخِرنقُ بنت هِفَّانَ: وهي القائلةُ: لا يَبْعدَنْ قومي الذينَ همُ ... سُمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ النازلين بكلِّ مُعتركٍ ... والطيبون مَعاقدَ الأُزْر ومن بني شَيبان بن ثعلبةَ بن عُكابة بن صعْب بن عليِِِّ بن بكر بن وائل أبو عمرو الشيباني: واسمُه سعدُ بن إياسٍ. وكان من أصحاب ابن مسعودٍ وأدركَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره. قال: أَذْكر أني سمعتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أرعى إبلاً لأهلي بكاظمةَ، فقيل: خرجَ نبيٌ بتهامةَ، وقال: انتهى شبابي يوم القادسية أربعين سنة. وتُوفي سنة خمس وتسعين، وهو ابن مئة وعشرين سنةً. روى عنه جماعةٌ من الكوفيين. ومن بني شيبانَ الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني: وُلد سنة اربع وستين ومئة، ومات في رجبٍ يوم الجمعة سنةَ إحدى وأربعين ومئتين. وقال قتيبة بن سعيد: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثَّوريِّ ومالك والأوزاعيِّ والليث بن سعدٍ لكان هو المقدَّم. وقال أبو ثَور: أحمد بن حنبل أعلمُ وأفقَهُ من الثوريِّ. وأصلُ أحمدَ مروزيٌ، ولد ببغدادَ، وسَمع شَريكاً وهُشيماً وغيرَهما. وروى عنه محمد بن يحيى الدُّهليُّ والبخاري ومسلم وأبو داودَ مُشافهةً. وابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل: رُوي عنه الحديث، ورَوى عن أبيهِ ونُظرائه كثيراً. ومن موالي بني شيبانَ أبو عبد محمد بن الحسن: صاحبُ أبي حنيفةَ. حضر مجلسَه سنتين، ثم تفقَّه على ابنه. وصنف الكتب الكثيرة، ونشر علم أبي حنيفةَ.
قال الشافعي رحمه الله: حملتُ من علم محمدٍ وقِرَ بعيرٍ. وقال الشافعيُّ: ما رأيتُ أحداً يسأل عن مسألة فيها نظر إلا تَثبتُّ في وجهه الكراهيةَ إلا محمد بن الحسن. ورَوى الربيع بن سُليمانَ: كتب الشافعيُّ إلى محمد بن الحسن، وقد طلب منه كتبه لينسخها فأخَّرها عنه. فكتب إليه: قولوا لمن لم تَرعين مَن...... العلمُ ينهى أهلَه أن يمنعوه أهلَه لعله يَبذلُهُ لأهله لعلَّهُ فأقفل الكتب إليه من وقتهِ. وكان محمد بن الحسن جميلاً، حسنَ النسبة والدِّين. وولاه هارون قضاء الرقة، ثم عزله، وأخرجه إلى الري، فمات بالري ... ومن مالك بن صعب بن علي بن بكر بنو زِمَّانَ. منهم الفِنْدُ الزّمَّانيُّ: واسمُه شَهل بن شَيبان. والفند: القطعة من الحبل. وهو القائل من قصيدة: صَفَحنا عن بني ذُهلٍ ... قلنا: القومُ إخوانُ عسى الأيامُ أن يُرجِعنَ ... قوماً كالذي كانوا ومن مازن بن صعب بن عليِّ بن بكر أبو عثمان بكر بن محمد المازني: البصريُّ، شيخُ أبي العباس المبرَّد، وكان جليلاً فاضلاً. وكان سببَ غناهُ بيتٌ من الشعر غنَّته جارية بين يدي الواثق، وهو: أظلومُ إنَّ مصابَكُم رجلاً ... أهدى السلامَ تحيةً ظُلمُ
وشَخَّصه الواثق من أجله من البصرة لما اعتُرضت الجاريةُ في إعرابه بين يدي الواثق، وكانت على الصَّواب، لأنها أخذته عن المازنيَّ كما ذكرت. والقصةُ بكاملها ذكرها الحريريُّ في " درة الغوّاص " من تأليفه. ومن بني سَدوسٍ بن شيبانَ بن ذهل بن ثعلبةَ بن عُكابةَ عمران بن حِطَّانَ الشاريُّ الخارجيُّ، وكان من القعَد، قَعَد الصُّفرية، شاعراً مجيداً. لم يكن في الخوارج أشعر منه، عالماً بأيام العرب وأخبارها وقديراً على الكلام، يقول ما شاء من نظمٍ ونثرٍ. وهو عمران بن حطانَ بن ظَبْيانَ بن سعد بن معاوية بن الحرث ابن سدوس بن شَيبان بن ذُهلِ. وسَدوسُ بن شيبانَ: كانت له رِدافةُ آكل المُرار. وكان لهُ عشرةٌ من الوَلد منهم: الحارِثُ بن سَدوس: كان له واحد وعشرون ذكراً. قال الشاعر: فلو شاءَ رَبي كان أيرُ أبيكمُ ... طويلاً كأيرِ الحارث بن سَدوسِ وكان الحجاجُ يطلب عمرانَ بن حِطانَ ليقتلَهُ لأنه يحضُّ الخوارجَ بشعره على الخروجِ لسفك دماء المسلمين. ولما ظفر الحجاجُ به قال: اضربوا عنقَ ابن الفاجرة. فقال عمران: بئسَ ما أدَّبك أهلُكَ يا حجاجُ، أكنتَ أمِنتَ أن أُجيبك بمثل ما لَقيتَني به؟ أبعدَ الموت منزلةٌ أصانعُك عليها؟ فأَطرق الحجاجُ استحياءً، وقال: خلُّوا عنه، فخرج إلى أصحابه. فقالوا: ما أطلقكَ إلا اللهُ، فارجعْ إلى حربِه معنا. فقال: هَيهاتَ غلَّ يداً مُطلقُها، واسترقَّ رقبةً مُطلقُها. ثم قال: أأُقاتل الحجَّاجَ عن سُلطانهِ ... بيدٍ تُقرُّ بأنَّها مَولاتهُ
إني إذا لأخو الدناءة والذي ... عفَّتْ على عرْفانِه جَهَلاتُهُ ماذا أقولُ إذا وقفتُ موازياً ... في الصفِّ واحتجَّتْ له فَعَلاتُهُ وتدَّثَ الأكفاءُ أنَّ صنائعاً ... غُرستْ لديَّ فحنْظلتْ نَخَلاتُهُ وكان عمران بن حطانَ ينتقل في القبائل، فكان إذا نزل في حي انتسبَ نسباً يقربُ منه، فنزل عند رَوح بن زنباع الخُزاميِّ. وكان رَوح يَقْري الأضيافَ، وكان مسامراً لعبد الملم بن مروان أثيراً عنده، وانتمى له إلى الأزد. وقصته معه مشهورة حين فطن عبد الملك، وأمره أن يأتيهُ به، فهرب وخلَّف في منزل روحٍ رُقعةً فيها شعرٌ، حَوى قضيتَه معه. ثم ارتحل حتى نزل بزُفرَ بن الحارث الكلابيِّ؛ أحدِ بني عمرو بن كلاب بن عامر. فانتسب له أوزاعياً، ثم عَلم أمرَهُ، فاحتمل، وخلَّف في منزله رُقعةً مثل ما فعل مع رَوحٍ. فلم يزل ينتقلُ حتى أتى قوماً من الأَزد، فلم يزل فيهم حتى مات. وفي ذلك يقول: نَزل بحمدِ الله في خيرِ مَنزلٍ ... نُسرُّ بما فيه من الأَمْن والخَفَرْ نزلنا بقومٍ يجمعُ اللهُ شملهم ... وليس لهم عودٌ سوى المجدِ يُعتصَرْ من الأزدِ إن الأزدَ أكرمُ معشرٍ ... يمانيةٌ طابوا إذا نسب البشر وأصبحت فيهمْ آمناً لا كمعشرٍ ... أتوني فقالوا: من ربيعة أو مضر أم الحيُّ قحطانُ وتلكُمْ سَفاهةٌ ... كما قالَ لي رَوحٌ وصاحبُه زُفَرْ؟
أياد بن نزار
وما منهما إلا يُسر بنسبةٍ ... تُقربني منه، وإنْ كان ذا نفَفَرْ فنحنُ بنو الإسلام والله واحدٌ ... وأَولى عبادِ الله بالله من شَكَرْ ومن ربيعةَ أبو الجوزاء الرَّبعيُّ: وهو أوسُ بن خالدٍ، وقال: جاوزتُ ابن عباس في داره اثنتي عشرةَ سنةً ما في القرآن آية إلا وقد سألته عنها. وسمع عائشةَ، روى عنه بُديل بن مَيسرة وعَمرو بن مالك. وخرج ابن الأشعث، فقُتل أيام الجماجم سنةَ ثلاثٍ وثمانين. ومن ربيعةَ ثم من بني شِحنةَ من ضُبيع خارجةُ بن مُصعب أبو الحجاج: روى عن داود بن أبي هندٍ وابن أبي عَروبة. وروى عنه عثمان بن عُمرَ ووَكيع. وكان خارجةُ من أفقهِ أهل خاسان وأرضاهم عندهم وأعقبَ بخراسان. وكان أبوه مصعبُ بن خارجةَ مع عليّ بن أبي طالب. ومن ربيعة ثم ضُبيعة يزيدُ بن حُميد الضُّبعيُّ: أبو التَّياح، سمع أنس ابن مالك. روى عنه الجُريريُّ وشُعبة، وكان من فقهاء البصرة، ومات بها ولم يُعقب، قال ابن قُتيبة. وقال مسلم في الصحيح: مات أبو التياح بسَرخَسَ. ومن ضُبيعةَ بن ربيعةَ نوح بن مخلد: له صحبةٌ، وهو جدُّ أبي حمزةَ الضُّبَعي. روى عنه أبو حمزة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " ممَّن أنتَ؟ " قال: من ضَبيعة بن ربيعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرُ ربيعةُ عبدُ القيس ثم أخي الذي أنا منهم ". آخر نسب ربيعة. أياد بن نزار وهو أيادٌ الأكبر بن مَعدِّ بن عدنان.
فمن إياد أبو دُؤاد جارية بن الحجاج الإياديُّ من بني زهر بن إياد. وأبو دؤاد هو القائل: وفُتُوٍّ حَسَنٍ أَوجُهُهمْ ... من إياد بن نزارِ بن مَعَدْ وإخوة زُهر بن ايادٍ: دُعمي ونمارة وثعلبة. فولد نمارة الطمَّاح، ولبنيه يقول عمرو بن كُلثوم التَّغلبيُّ: ألا أبلغْ بني الطمَّاح عنا ... ودُعْميَاً، فكيف وجدْتُمونا؟ ومن دُعمي لقيطُ بن معبد الشاعر: قال ابن الأعرابي: هو لقيط بن معبد بن خارجة بن معبد بن حُطيط بن غَوثان بن الهَون بن وائلة بن الطَّمثان ابن عوذ مناة بن يقدم بن أفضى بن دُعمي. وقال عليُّ بن صالح: هو لقيط بن حيَّة. وهو القائل القصيدة البديعة المحكمة على قافية العين، يحذَّر فيها قومه إياداً كسرى وجنوده، ويصف لهم الاستعداد للحرب بأبلغ وصفٍ، وأول القصيدة: يا دار عَمرة من محتلِّها الجَرَعا ... هاجت ليَ الهمَّ والأحزان والجَزَعا تامَتْ فؤادي بذاتِ الجِزع خَرْعبةٌ ... مرَّتْ تُريدُ بذاتِ العَذْبةِ البِيعَا جرَّت لمِا بيننا حبلَ الشَّموسِ فلا ... يأساً مُبيناً نَرى منها ولا طَمعا
ومن إياد قسُّ بن ساعدة الإياديُّ: خطيب العرب وحكيمها، وعُمِّر ثلاثمئة سنة، وزاد عليها سنين. وقيل إنه أدرك رأس الحَواريين " شَمعون الصَّفا ". وكان مُوحِّداً لله عزَّ وجلَّ في الجاهلية. ورآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسوق عكاظ يخطب الناس قبل أن يُبعث. وهو القائل في ذلك اليوم الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب: في الذاهبينَ الأوّلي ... ن من القرون لنا بصائرْ لمّا رأيتُ موارداً ... للموت ليس لها مصادرْ ورأيتُ قومي نحوها ... يمضي الأكابرُ والأصاغرْ لا يَرجعُ الماضي ولا ... يبقَى من الباقين غابِرْ أَيقنتُ أني لا مَحا ... لةَ حيث صار القومُ صائرْ وقال محمدُ بن حبيب: زعموا أن قساً أولُ من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكَّأ على عصاً، وأول من قال: " أما بعدُ " من العرب. وعثمرِّ ثمانين ومئة سنةً. وقيل: إن أول من قال: " أما بعدُ " كعب بن لؤي، وقد تقدَّم ذلك. ومن إياد كعب بن مامة الإياديُّ: وكان أحد أجواد العرب. وكان سافر ورفيقه رجلٌ من النمر بن قاسطٍ، فقلَّ عليهما الماء، فتصافنا. والتصافنُ: أن يُطرح في الماء حجر، ثمَّ يُصبُّ فيه من الماء ما يَغمرُه لئلا يتغابنوا. فجعل النَّمريُّ يشرب نصيبه. فإذا أخذ كعب نصيبه قال: اسق أخاك النَّمريَّ، فيؤثره. حتى جُهد كعب، ورُفِّعت له أعلام الماء. فقيل له: رشدْ ولا ورود، فمات عطشاً. ففي ذلك يقول أبو دؤاد الإياديُّ: أَوفَى على الماءِ كعبٌ ثم قيل له: ... رِدْ كعبُ إنك وَرَّادٌ. فما وَرَدا
فضُرب به المثلُ. وقال جرير في كلمته التي يمدح فيها عمر بن عبد العزيز: يعودُ الفضلُ منك على قريشٍ ... وتَفرِجُ عنهم الكُرَبَ الشِّدادا وقد أمَّنتَ وحشَهمُ برفقٍ ... ويُعْيِي الناسَ وحشُكَ إنْ يُصادا وتَبنى المجدَ يا عمر بن ليلى ... وتَكفى المجمل السَّنةَ الجَمادا وتَدعو اللهَ مُجتهداً ليرضَى ... وتَذكرُ في رعيَّتكَ المَعَادا وما كعبُ بنُ مامةَ وابنُ سُعدى ... بأجودَ منكَ يا عمرُ الجوادا ابن سُعدى: هو أوس بن حارثة بن لأْمٍ الطائيُّ، وكان سيِّداً مُقدَّماً. ومن بني زُهر بن إياد أبو عبد الله أحمد بن دُؤادٍ: القاضي، وكان قاضيَ قُضاة أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون الرشيد. وقضى أيضاً لابنه أبي جعفر هارون الواثق. وكان ابن أبي دؤاد من العَدلية القائلين بخلق القرآن، يراهُ ديناً يقتلُ عليه من خالفه. وامتحن على القول بقوله في خلق القرآن خلقُ كثير في أيام المعتصم والواثق. منهم الإمام الرِّضي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حَنبل بن هلال الشَّيبانيُّ: من بني شيبان، من ربيعة، من أنفسهم. وضربه المعتصم بمحضر ابن أبي دُؤاد بعدما خَصم ابن أبي دؤاد وأفحمه، كما صنع عبد العزيز بن يحيى
الكنانيُّ صاحبُ الشافعيُّ واضعُ " الحَيدة " مع بشر المريسيَّ بمجلس المأمون عبد الله بن الرشيد. وفي أيام المأمون قيل بخلق القرآن، وقال به، وامتحن أيضاً عليه. إلا أنه كان حليماً، إذ أبان له وضوح حجَّة انقاد إليها، وإن كان يخالفها. وكان بشر رجل سوء. قال الأزدي الموصليُّ الحافظ في، " كتاب الضعفاء المتروكين " له: بشر بن غياث المريسيُّ صاحب رأي لا يقبل له قول، كان كافراً بقوله: القرآن مخلوق. وقال أبو خالد يزيد بن هارون الواسطيُّ: حرَّضت أهل بغداد على قتل بشر المريسيُّ غير مرِّة. ويزيد بن هارون من جلَّة المحدَّثين. يروى عن إسماعيل بن أبي خالد، وحُميد الطويل، وإبراهيم بن سعد الزهريِّ ومالكٍ. ورى عنه أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى التميميُّ وأبو خيثمة زهير بن حرب بن وعمر بن محمد الناقد. وكان زيد مولي لبني سليم. وُلد سنة ثمان عشرة ومئة، ومات بواسط سنة ستٍ ومئتين بخلافة المأمون. وممَّن امتحن ابن أبي داود على القول بخلق القرآن أبا يعقوب يوسف بن يحيى البويطيَّ: من أصحاب الشافعيُّ. وكان حمل من مصر إلى بغداد، ومات في السِّجن، والقيدُ في رجليه، سنة أحدى وثلاثين ومئتين في خلافة الواثق. وقال أبو يحيى زكرياءُ بن يحيى الساجيُّ البصريُّ في كتابة: كان أبو يعقوب البُويطيُّ إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يَبلُغ باب السجن،، فيقول له السجان: أين تريدُ؟ فيقول: أُجيب داعي الله! فيقول: ارجع عافاك الله. فيقول أبو يعقوب: اللهمَّ إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني. وقال الشافعيُّ: ليس أحدُ أحقَّ بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس من أصحابي أعلم منه. ورُوي عنه قال: أبو يعقوب لساني. وقال الربيعُ بن سليمان المؤذِّنُ المُراديُّ: كان البُويطيُّ أبداً يحرِّك شفتيه بذكر الله تعالى، وما رأيتُ أحداً أنزع لحجةٍ من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البُويطيِّ. وممَّن امتحن ابن أبي دؤاد أيضاً أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصريَّ: حُمل من مصر إلى بغداد، ولم يُجب ما طُلب منه. وانتهت إليه الرياسةُ بمصر. ومات بعد نيِّفٍ وستين ومئتين. وكان فقيهاً محدِّثاً. روى عن ابن
وهبٍ وشُعيب بن اللَّيث بن سعد. قال النَّسائي: هو صدوق لا بأس به. وقال ابن أبي حاتم: روى عنه أبي، وكتبتُ عنه. وهو صدوق ثقة. وأبوه عبد الله بن الحكم: كان أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله، وأفضت إليه الرياسة بعد أشهب. ويقال إنه دفع إلى الشافعي ألف دينار من ماله، ومن تاجر موسر ألف دينار، ومن رجلين آخرين ألف دينار. وكان الشافعيُّ مُحِبّاً في مصر. فقال شوقاً إليها: لقد أصبحت نفسي تَتوقُ إلى مصر ... ومن دونها قطْعُ المهامةِ والقَفرِ فواللهِ ما أَدري أللفَوزِ بالغنى ... أُساق إليها أَم أُساقُ إلى قبري؟ فساقه الله إليهما جميعاً، صبَّ عليه عبد الله بن عبد الحكيم الدنيا صبّاً. وكان يقرأ عليه، ثم انتقل عن مذهبه بعد موته إلى مذهب مالكٍ رحمه الله. ووُلد عبدُ الله بن عبد الحكيم سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة أربع عشرة ومئتين. وأولاده ثلاثة: محمد، وقد تقدَّم ذكره، وسعد وعبد الرحمن. وخرَّج ابن الجارود عن محمد وسعد في " المنتقى "، وخرج الطبريُّ عن عبد الرحمن في تاريخه الكبير. ولعبد الرحمن تأليف جليل في أخبار مصر وفتحها. قال خليفةُ بن خياط: وفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين قَتل الواثق أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي النيسابوريَّ المحدِّث، ضرب الواثق عنقه بيده لما امتنع عن القول بخلق القرآن، وشركه في قتله بعض مواليه، وصُلب مع بابَك لم يزل مصلوباً إلى أيام المتوكل رحمه الله. وفي هذه السنة اشتد الواثق في المحنة على القول بخلق القرآن، ووَلى قيها أحمد بن سعيد بن سَلم الفداء، ومعه خاقان خادم الرشيد، وجعفر الحذَّاء فامتحنوا أسرى المسلمين. فمن قال بخلق القرآن فُوديَ، ومن امتنع تُرك في أيدي الروم. فأجابوا كلُّهم إلى خلق القرآن، وكانوا ألفين وتسعمئة وخمسين ونحواً من مئة مُراهق.
خليفة بن خياط المذكور هو من المحدّثين، وله كتاب في التاريخ حسن ذكره مُسلم في الكنى فقال: أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة العصفري يقال له: شباب. سمع يزيد بن زريع وغُندرا. وقال في جده: أبو هُبيرة خليفة بن خياط جدُّ شباب بن خياط. سمع عمرو بن شعيب. روى عنه وكيع وعمرو بن منصور. وقال أبو بكر محمد بن الحسين اللاّجُريُّ في كتاب " الشريعة " من تأليفه: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القَزوينيُّ قال: نا أحمد بن الممتنع ابن عبد الله القرشيُّ التَّيميُّ قال: نا أبو الفضل صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشميُّ. وكان من وجوه بني هاشم وأهل الجلالة والسنِّ منهم قال: حضرت المُهتدي بالله أمير المؤمنين رحمةُ الله عليه. وقد جلس ينظر في أمور المسلمين في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تُقرأ عليه من أولها إلى آخرها. فيأمر بالتوقيع فيها وإنشاء الكتب لأصحابها وتُختم وتُدفع إلى صاحبها بين يديه. فسرَّني ذلك، وجعلتُ أنظر غليه، ففطنَ ونظر إلي، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مراراً ثلاثةً؛ إذا نظر إليَّ غضضتُ، وإذا اشتغل نظرتُ. فقال لي: يا صالح. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. وقمتُ قائماً. فقال: في نفسك منّا شيء تحبُّ أن تقوله؟ أو قال: تريد أن تقوله؟ قلتُ: نعم يا سيدي يا أمير المؤمنين. قال: عُدْ إلى موضعك. فعدت، وعاد في النظر، حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح. فانصرف الناس، ثم أذِن لي وقد همَّتني نفسي. فدخلتُ عليه، فدعوتُ له، فقال لي: اجلِس، فجلست، فقال: يا صالحُ تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا ما دار في نفسي أنه دار في نفسك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما تَعزمُ عليه وما تأمرُ به. فقال: أقول أنا كأني بك وقد استحسنت ما رأيت منا! فقلت: أيُّ خليفةٍ خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق. فورد على قلبي أمر عظيم، وهمَّتني نفسي ثم قلتُ: يا نفس هل تموتين إلا مرةً، وهل تموتين قبل أجلك،
وهل يجوز الكذب في جدٍّ أو هزل؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلت. فأطرق مليّاً ثم قال: وَيْحَكَن اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعنَّ الحقَّ. فسُرِّي عني وقلت: يا سيدي ومن أولى بقول الحقِّ منك وأنت خليفة ربِّ العالمين وابن عمِّ سيد المرسلين من الأولين والآخرين.؟ فقال لي: مازلت أقول: إن القرآن مخلوق صدراً من خلافة الواثق حتى أَقدم علينا أحمد بن أبي دًؤاد شيخاً من أهل " آذنة " فأدخل الشيخ على الواثق مقيَّداً، وهو جميل الوجه، تامُّ القامة، حسنُ الشيَّبة. فرأيت الواثق قد استَحيا منه ورقَّ له. فما زال يُدينه ويقرِّبه حتى قرُب منه. فسلَّم الشيخ فأحسن السلام. ودعا فأَبلغ وأَوجز. فقال له الواثق: اجلس، ثم قال له: يا شيخ ناظر ابن أبي دُؤاد على ما يُناظرك عليه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ابن أبي دُؤاد يَقِلُّ ويصبو ويضعُف المناظرة. فغضب الواثق، وعاد مكان الرقَّة له غضباً عليه. فقال: أبو عبد الله بن أبي دُؤاد يقلُّ ويصبو ويضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال الشيخ هوِّن عليك يا أمير المؤمنين ما بك وأْذَن لي في مناظرته. فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة. فقال الشيخ: يا أحمد إلى مَ دعوت الناس ودعوتني إليه؟ قال: إلى أن تقول: إن القرآن مخلوق، لأن كل شيء دون الله مخلوق. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظَ عليَّ وعليه ما يقول. قال: أَفعلُ. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك؛ هذه واجبةٌ داخلة في عقد الدِّين، فلا يكون الدِّين كاملاً حتى يُقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله عز وجل إلى عباده هل سَتر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أمره الله عز وجل في دينه؟ قال: لا. قال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد، فاخبرني عن الله عز وجل حين أنزل القرآن على رسوله فقال:) اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأَتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً (أكان الله عز وجل الصادق في إكماله دينه أم أنت الصادقُ في نقصانه فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بمقالتك هذه " فسكت ابن أبي دُؤاد. فقال الشيخ: أجب يا أحمد. فلم يُجبه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان. فقال الواثق: اثنتان. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه: عَلِمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو جهلها؟ قال ابن أبي دؤاد: علمها. قال الشيخ: فدعا الناس إليها؟ فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث. فقال الواثق: ثلاث. قال الشيخ: يا أحمد فاتَّسع لرسول الله إذ عَلِمها كما زعمت ولم يُطالب أمتهُ؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتَّسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهم؟ فقال ابن أبي دؤاد: نعم. فأَعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين قد قدَّمتُ القول إنَّ أحمد يَقلُّ ويصبو ويضعف في المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يَّتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتَّسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسَّع الله على من لم يَّتسع له ما اتَّسع لهم من ذلك. فقال الواثق: نعم إن لم يَّتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قُطع ضرب الشيخُ بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحدّاد عليه. فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه. فأخذه الشيخ فوضعه في كمِّه. فقال الواثق: لمَ جاذبت الحدّاد عليه؟ فقال الشيخ: لأني نويت أن أتقدَّم إلى من أُوصِّي إليه إذا ما متُّ أن أجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله عز وجل يوم القيامة وأقول: يا ربِّ سل عبدك هذا لمَ قيدني وروَّع أهلي وولدي وإخواني بلا حقٍّ أَوجب ذلك عليَّ، وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حلٍّ وسعةٍ ممَّا قاله. فقال الشيخ: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتُك في حِلٍّ وسعةٍ من أول يومٍ إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلاً من أهله. فقال الواثق: لي إليك حاجةٌ؟ فقال الشيخ: إن كانت ممكنة. فقال الواثق: تُقيم قِبَلنا فننتفعُ بك، ينتفعُ فتيانُنا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إنَّ ردَّك إياي إلى الموضع الذي أَخرجني منه الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أَصير إلى أهلي وولدي فاَكفُّ دعاءهُم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقَّبل منا صِلةً تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تَحلُّ لي، أنا عنها غني وذو مِرَّق سَوي. قال: فسل حاجتك. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تُخلِّي سبيلي إلى الثَّغر الساعة، وتأذنُ لي. قال: قد أذنت لك. فسلَّم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله
أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم. وأظنُّ الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. يا أحمد فاتَّسع لرسول الله إذ عَلِمها كما زعمت ولم يُطالب أمتهُ؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتَّسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهم؟ فقال ابن أبي دؤاد: نعم. فأَعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين قد قدَّمتُ القول إنَّ أحمد يَقلُّ ويصبو ويضعف في المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يَّتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتَّسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسَّع الله على من لم يَّتسع له ما اتَّسع لهم من ذلك. فقال الواثق: نعم إن لم يَّتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قُطع ضرب الشيخُ بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحدّاد عليه. فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه. فأخذه الشيخ فوضعه في كمِّه. فقال الواثق: لمَ جاذبت الحدّاد عليه؟ فقال الشيخ: لأني نويت أن أتقدَّم إلى من أُوصِّي إليه إذا ما متُّ أن أجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله عز وجل يوم القيامة وأقول: يا ربِّ سل عبدك هذا لمَ قيدني وروَّع أهلي وولدي وإخواني بلا حقٍّ أَوجب ذلك عليَّ، وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حلٍّ وسعةٍ ممَّا قاله. فقال الشيخ: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتُك في حِلٍّ وسعةٍ من أول يومٍ إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلاً من أهله. فقال الواثق: لي إليك حاجةٌ؟ فقال الشيخ: إن كانت ممكنة. فقال الواثق: تُقيم قِبَلنا فننتفعُ بك، ينتفعُ فتيانُنا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إنَّ ردَّك إياي إلى الموضع الذي أَخرجني منه الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أَصير إلى أهلي وولدي فاَكفُّ دعاءهُم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقَّبل منا صِلةً تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تَحلُّ لي، أنا عنها غني وذو مِرَّق سَوي. قال: فسل حاجتك. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تُخلِّي سبيلي إلى الثَّغر الساعة، وتأذنُ لي. قال: قد أذنت لك. فسلَّم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم. وأظنُّ الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. هـ الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أَصير إلى أهلي وولدي فاَكفُّ دعاءهُم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقَّبل منا صِلةً تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تَحلُّ لي، أنا عنها غني وذو مِرَّق سَوي. قال: فسل حاجتك. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تُخلِّي سبيلي إلى الثَّغر الساعة، وتأذنُ لي. قال: قد أذنت لك. فسلَّم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم. وأظنُّ الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. قال المؤلف، أغناه الله من فضله، وأظلَّه يوم حشره في ظلِّه: وهذه طرائف من كلام السَّلف رضوان الله عليهم في الرد على القائلين بخلق القرآن، الحايدين بضلالتهم وحيرتهم عن سبل الإيمان، انتقيتها من كتاب " الشريعة " نفع الله به مؤلفه، إذ أبدع فيما صنَّفه. وكان رحمه الله إماما حافظاً سنياً، جليلاً في أعين نظرائه سنيَّاً. قال الأجرِّيُّ: حدّثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال: نا حمُّويه بن يونس إمام مسجد قزوين قال: نا جعفر بن محمد الرَّاسيُّ من رأس العين قال: نا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعدٍ قال: أخبرني معاوية بن صالح عن عليِّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عزَّ وجل:) قرآناً عربياً غير ذي عوج (قال: غير مخلوق. قال حمُّويه بن يونس: بلغ أحمد بن حنبل هذا الحديث، فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل يكتب إليه بإجازته، فكتب إليه بإجازته. فسرَّ أحمد بهذا الحديث، وقال: كيف فاتني عن عبد الله بن صالح هذا الحديث؟ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاريُّ قال: نا العُمريُّ قال: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: القرآن كلام الله، وكلام الله من الله، وليس من الله شيء مخلوق. وحدَّثنا عمر بن أيوب السَّقطيُّ قال: نا الحسن بن الصبَّاح البزَّاز قال: نا سُريجُ بن النعمانُ قال: نا عبد الله بن نافع قال: كان مالك بن أنس رحمه الله يقول: القرآن كلام الله ويستفظع قول من يقول: القرآن مخلوق. قال مالك: يُوجعُ ضرباً، ويحبس حتى يموت. وحدَّثنا عمر بن أيوب السَّقطيُّ قال: نا الحسن بن الصبَّاح قال: نا إبراهيم بن زياد قال: سألت عبد الرحمن بن مهدي فقلتُ: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: لو أني على سلطان لقُمتُ على الجسر، فكان لا يمرُّ بي رجل إلا سألته، فإذا قال: القرآن مخلوق ضربت عنقهُ وألقيته في الماء. حدَّثنا أبو القاسم عبدُ الله بن محمد بن عبد العزيز البغويُّ قال: نا حنبل بن
إسحاق قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وسأله يعقوب الدَّوْرقيُّ عمَّن قال: القرآن مخلوق. فقال: من زعم أنَّ علم الله وأسماءه مخلوقة فقد كفر. يقول الله عز وجل ") فمن حاجَّكَ فيه من بعد ما جاءك من العلم (أفليس هو القرآن؟. فمن زعم أن علم الله وأسماءه وصفاته مخلوقة فقد كفر، لا أشكُّ في ذلك إذا اعتقدت ذلك وكان رأيه ومذهبه وكان ديناً يتديَّن به كان عندنا كافراً. أخبرنا أبو بكر محمد بن هارون العسكري الفقيه قال: نا محمد بن يوسف الطبَّاع قال: سمعت رجلاً يسأل أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد اله أُصلِّي خلف من يشرب المسكر؟ قال: فأُصلي خلف من يقول: القرآن مخلوق؟ قال: سبحان الله أنهاك عن مسلم وتسألني عن كافر؟ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاريُّ قال: نا عثمان بن أبي شيبة قال: نا جرير عن ليث بن أبي سُليم عن سلمة بن كُهيل عن أبي الزعراء عبد الله بن هانئ قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: القرآن كلام الله عز وجل فلا تَصرفوه على آرائكم. نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البَغَويُّ قال: نا داود بن رشيد قال: نا أبو حفص البَارُ عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل قال: أخذ خَبَّاب بن الأرتِّ فقال: يا هناه تقرَّب إلى الله عز وجلَّ بما استطعت، وإنك لست تتقرَّب إليه بشيءٍ أحبَّ إليه من كلامه. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعيَّ يقول: القرآنُ كلام الله غير مخلوق. ومن قال: هو مخلوق، فهو كافر. وقيل لابن عُيينة: إن بشراً المريسيَّ يزعم أن القرآن مخلوق، فقال: كذب. قال الله عزَّ وجل:) ألا له الخلقُ والأمرُ (. فالخَلق خَلْقُ الله والأمرُ " أمر " القرآن.
حدثنا عليُّ بن حسنويه القطان قال: نا محمد بن إسحاق الصاغانيُّ قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلاَّمٍ يقول: القرآن مخلوق فقد افترى على الله، وقال على عزَّ وجل ما لم تقله اليهود ولا النصارى. حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال: نا أبو دؤاد السَّجستاني قال: سمعت إسحاق بن راهويه وهنَّاد بن السَّرِّ وعبد الأعلى بن حماد وعبيد الله بن عمر وحكيم بن سيف الرِّقِّيَّ وأيُّوب بن محمد وسَوَّار بن عبد الله والربيع بن سليمان صاحب الشافعيِّ وعبد الوهَّاب بن عبد الحكم ومحمد بن الصبَّاح وعثمان بن أبي شيبة ومحمد بن بكار بن الريَّان وأحمد بن حوَّاس الحنفيَّ ووهب بن بقيَّة ومن لا أحصينهم من علمائنا. كلُّ هؤلاء سمعتهم يقولون: القرآن كلامُ الله ليس بمخلوق. وبعضهم قال: غيرُ مخلوق. وقال أبو دؤاد: ورأيت أحمد بن حنبل يلَّم عليه رجلٌ من أهل بغداد ممَّن وقف، فيما بلغني، فقال له: أغرب لا أراك تجيء إلى بابي، في كلام غليظ، ولم يردَّ عليه السلام. وقال له: ما أحْوجَك إلى أن يُصْنع بك ما صُنع بصبيغ. ودخل بيته وردَّ الباب. وحدَّثنا ابن مخلد قال: نا أبو داوُد قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: من قال: لا أقول: القرآن غير مخلوق فهو جهميٌّز وقال أبو داود: وسمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: هؤلاء الذين يقولون: القرآن كلام الله، ويسكتون شرُّ من هؤلاء. يعني ممَّن قال القرآن مخلوق. قال أبو داود: وسألت أحمد بن صالح عمَّن قال: القرآن كلامُ الله، ولا يقول: غير مخلوق. فقال: هذا شاك والشاكُّ كافر. وقال ابن أبي بزَّة: من قال: القرآن مخلوق أو وقف، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو شيء من هذا فهو على غير دين الله ودين رسوله حتى يموت. ابن أبي بَزَّة هدا: هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بَزَّة يَسار القارئ المكِّيُّ المؤذِّنُ، مولى بني مخزوم. روى القراءة هو وقُنبُل عن أبن كثير بإسنادٍ، وقد تقدَّم ذكره مُستوعباً في أول صفحٍ من هذا الكتاب.
معد بن عدنان
مَعَدُّ بن عَدنانَ ولد معدُّ بن عدنان نزار بن معدَّ. وقد مضى ذكره وذكر ولده ومن ولدوا. وإياد بن معدُّ، وقد ذكرته عند ذكر ابن أخيه إياد بن نزار وقضاعة بن معدٍّ وقنص بن معد. فأما قُضاعةُ فكان بكر بن معدٍّ الذي به يكنى. وذكر أبو نعيم الأصبهانيُّ في " الرياضة " بسند عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قضاعةُ بن معدٍّ، وكان به يكنى ". وذكر أبو عُمر بنُ عبد البرِّ هذا الحديث في الإنباه عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قضاعةُ بن معد كان بكر ولده وأكبرهم، وبه كان يُكنى ". ثم قال: وليس دون هشام بن عُروة من يُحتجُّ به في هذا الحديث. وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وجبير بن مطعم أن قضاعة هو ابن معدٍّ. وهو قول مصعب بن عبد الله الزُّبيريِّ وابن أخيه الزُّبير بن بكار وأبي محمد عبد الملك بن هشام البصريِّ. وممِّا احتجَّ به من قال هذه المقالة قول زهير بن أبي سلمى: إذا لَقِِحتْ حربٌ عَوانٌ مُضرَّةٌ ... ضَروسٌ، تهرُّ الناسَ أنيابهُا عُصْلُ قُضاعيةٌ أو أختُها مُضريَّةٌ ... يُحرَّقُ في حافاتِها الحطبُ الجزْلُ
وقال غيره: قُضاعةُ العُنصر من لا لَها ... أبٌ به تُعرفُ إلا مَعَدْ وقال لبيد: فلا تَسألينا واسألي عن بلائنا ... إياداً وكلباً من معدٍّ ووائلا ولا خلاف أنَّ كلباً في قضاعة. وقال عبد الملك بن حبيب السُلميُّ الأندلسيُّ: سمعتُ محمد بن سلام البصريَّ النسَّابة يقول: العرب ثلاث جراثيم: نزارٌ واليمنُ وقضاعةُ. قلت: فنزارٌ أكثر أم اليمن؟ فقال: ما شاءت قضاعة، إن تمعددت فنزار أكثر. وإن تيمَّنت فاليمن أكثر. قلت: فما هم عندك؟ قال: معدٍّية لاشك فيها. وقال ابن إسحاق: قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وكذلك قالت اليمن وقضاعة. وقال ابن الكلبيِّ: قضاعة بن مالك بن عمرو بن مُرَّة بن زيد بن مالك بن حمير، ثم خلف عليها بعد مالك مَعد. فولدت له قضاعة على فراش مالك. وقد كانت العرب تنسُبُ الرجل إلى زوج أمِّه؛ ألا ترى أنها قالت في بني كنانة: بنو علي، وذلك أن أمَّ كنانة كانت تحت عليِّ بن مسعود الأزديِّ. فنسبتُهم العرب إلى علي. وذلك موجود في أشعارها. والذين نُسبوا إلى حواصِّهم من القبائل كثير. وقال محمد بن حبيب: وإنما فسد نسب قضاعة في الحرب التي كانت بالشام أيام حميد بن حُريث الكلبيِّ وعمير بن الحُباب السُّلميِّ، وذلك أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لأخواله من كلب، وكان مطاعاً فيهم، وهم سادةُ قضاعة: أطيعوني وخالفوا اليمن وانتسبوا إليها. فإنكم تُذلون بذلك بني مروان، ومن انحطَّ
في أهوائهم من قيس وغيرها. فأطاعه بعضهم، وعصاه آخرون. فكان بعضهم يقول: حالفنا اليمن، وبعضهم يقول: بل نحن منهم. وكان أول من انتسب من قضاعة إلى مالك بن حمير الأفلح بن يعقوب حيث يقول: يأيُّها الدّاعي ادْعُنا وأَبش ... وكن قضاعياً ولا تَنزَّر نحن بنو الشيخ الهجان الزهر ... قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر وللأعشى بن ثعلبة، وقيل: إنها لبعض الكلبين، يعاتب قضاعة في تحوُّلهم إلى اليمن: أَزَنَّيْتُمْ عجوزَكُمُ وكانتْ ... عجوزاً لا يثشقُّ لها غُبارُ عجوزٌ لو دَنا منها يمان ... للاقى مثل ما لاقى يسارُ قال المؤلف، وفَّقه الله: هو يسار الكواعب: وكان من حديثه ذكر أبو عبيد وغيره أنه كان عبداً لبعض العرب، ولمولاه بنات. فجعل يتعرَّض لهنَّ، ويريدهنَّ على أنفسهنَّ فقلن له: يا يسارُ، اشرب من ألبان هذه العشار، وكُل من لحم الحُوار، ولا تتعرض لبنات الأحرار. فلما أكثر عليهن واعدنه ليلاً، فاتاهن وقد أعددن له موسى. فلما خلا بهنَّ قبضن عليه، فجببن مذاكيره. فصار مثلاً لكلِّ من جنى على نفسه، وتعدَّى طوره. وفيه يقول الفرزدق لجرير: فهل أنتَ إن ماتت أتانُك راكبٌ ... إلى آل بسطام بن قيس بخاطب؟
ذكر بطون قضاعة
وإني لأخشى إن خَطبت إليهمُ ... عليك الذي لاقى يسارُ الكواعبِ وقال أعشى بني ثعلبة يخاطب قضاعة: أبلغ قضاعة في القرطاس أنَّهمُ ... لولا خلائفُ دين الله ما عَتَقوا قالت قضاعةُ: إنا من ذوي يضمنٍ ... والله يعلمُ ما برَّوا وما صدقوا قد ادَّعوا والداً ما مسَّ أُمَّهمُ ... قد يعلمون ولكن ذلك الفرق ما ضرَّ شيخُ نزار أن يفارقَهُ ... من لا يَزينُ إذا أَبناؤهُ اتَّسقوا معدُّ شيخٌ بنَى للمجد قُبَّتَهُ ... فالمجدُ منه ومن أبنائه خُلقُ لو جاهلوا الناس بذَّت جاهليَّتهمُ ... أو سابقوا الناس عن أحسابهم سبقوا الوارثين نبيَّ الله سُنَّتَهُ ... في دينه وعليهم نُزِّل الورق ذكر بطون قضاعة ولد قضاعة الحاف بن قضاعة. وولد الحاف رجلين: عمران بن الحاف وعمرو بن الحاف، هذا ما لم يختلف فيه. ومنهما تشعبت بطون قضاعة كلها.
فمن بطون عمران بن الحاف بن قضاعة كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. فمن كلب دحية بن خليفة بن فروة الكلبيُّ: وكان حسن الوجه. وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبِّه دحية الكلبيَّ بجبريل عليه السلام، وهو من كبار الصحابة. ولم يشهد بدراً وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد. وبقي إلى خلافة معاوية. وبعث